الأحكام الوسطى

عبد الحق الإشبيلي

جَمِيع الحُقُوق مَحْفُوظَة 1416 هـ - 1995 م الناشر مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - طَرِيق الْحجاز ص. ب: 17522، الرياض: 11494، هَاتِف: 4583712 تلكس: 405798، فاكس ملي: 4573381 فرع القصيم بُرَيْدَة حَيّ الصَّفْرَاء ص. ب: 2376، هَاتِف وفاكس ملي: 3818919

الْأَحْكَامِ الْوُسْطَى مِن حَدْيثِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [1]

نص رسالة رد الذهبي على ابن القطان

نص رسالة رد الذهبي على ابن القطان وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وبعد: فقد رأينا نشر رسالة رد الإمام الناقد الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن قايماز الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. على كتاب الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لمؤلفه الحافظ الناقد أبي الحسن علي بن عبد الملك الكناني الفاسي المتوفى سنة 628 هـ. وكتاب الأحكام للحافظ عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي (كتابنا). وقد ذكر الذهبي في مقدمة الرسالة سبب تأليفه لها أن ابن القطان لم يصب في كثير من تعقيباته وأسرف في المحاققة والتعنت للحافظ عبد الحق الإشبيلي، فرد وعقب عليه. وذكر الإمام الذهبي أن ابن القطان أصاب في كثير من تعقيباته. وهذه الرسالة منقولة من اختصار الذهبي لكتاب الوهم والإيهام.

انظر ترجمة ابن القطان في التكملة للمنذري (3/ 686)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1407)، وجذوة المقتبس 298. وترجمة الإمام الذهبي في ذيل تذكرة الحفاظ ص 34. والإعلام للزركلي وقد تمّ نشر الرسالة على نسخة مخطوطة فريدة وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق مجموع 70 في 11 ورقة (من ورقة 15 - 26) وهي بخط كما جاء في آخرها (فرغ من كتابته العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الله بن منجا الحنبلي). وعلى أول ورقة من المخطوط قراءة على العلامة يوسف بن عبد الهادي تاريخها يوم الثلاثاء سابع عشر من شهر جمادى الآخرة سنة سبع وتسع وثمان مائة. وعلى النسخة تصحيح في حواشيها، ويظهر أن النسخة منقولة عن نسخة المؤلف علمًا بأن صديقنا الدكتور فاروق حمادة قد نشر الرسالة في إحدى المجلات جزاه الله خيرًا. المحققان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي رحمه الله تعالى في كتاب مختصر كتاب الوهم والإيهام لابن القطان: قال الحافظ العلامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الكناني الحميري الفاسي المغربي -عرف بابن القطان- المتوفى سنة 628 هـ: الحمد لله كما يحق له ويجب، والصلاة على نبيه محمد المنتخب، فذكر خطبة ابن القطان، وكتب الذهبي أيضًا على ظاهر الكتاب ناقلًا عن ابن القطان لقد أسرف في المحاققة والتعنت للحافظ أبي محمد، وبالغ في ذلك، وأصاب في كثير من ذلك ولم يصب في أماكن، وغلط فيها، وألزم أبا محمد بتطويل الكلام عن الأصل بما لا يناسب الأحكام المختصرة التي بلا أسانيد وعمد إلى رواة لهم جلالة وجلادة في العلم، وحديثهم في معظم دواوين الإسلام فغمزهم بكون أن أحدًا من القدماء ما نص على توثيقهم بحسب ما اطلع هو عليه، وقاعدته كابن حزم، وأهل الأصول، يقبل ما روى الثقة سواء خولف أو رفع الموقوف أو وصل المرسل. والرجل محافظ في الجملة له اطلاع عظيم، وتوسع في الرجال، ويقظة وفطنة قل من يجاريه في زمانه، أخذ الفن من المطالعة.

1 - حديث الدارقطني، من رواية القاسم بن محمد العمري "لاَ يَقْضِي القَاضِي إِلَّا وَهُوَ شَبْعَانُ رَيّانُ". قال: فالقاسم متروك. قلت: الصواب القاسم بن عبد الله (¬1). 2 - حديث عصمة بن مالك وعبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة "أَنَّ مَمْلُوكًا سَرَقَ فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَرَقَ فَعَفَا عَنْهُ، فَلَمّا رُفعَ إِلَيْهِ فِي الخَامِسة قُطعَ". الحديث لا يصح لإرساله وضعف إسناده (فهذا تعبيره) فقال: رواه النسائي، وما هو في النسائي هكذا بل فيه حماد بن سلمة عن يونس، وذكر على الحاشية. قلت: صوابه يوسف بن سعد بدل يونس عن الحارث بن حاطب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بلص فقال: "اقْتُلُوهُ"، قالوا: إنما سرق، قال: "اقْطَعُوا ¬

_ 1 - الحديث رواه الدارقطني في سننه (4/ 206) والبيهقي في الكبرى (10/ 106) وقال البيهقي: تفرّد به القاسم العمري وهو ضعيف وقال الحافظ ابن حجر: رواه الطبراني في الأوسط والحارث في مسنده، والدارقطني والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري، وفيه القاسم العمري وهو متهم بالوضع. التلخيص الحبير (4/ 208). (¬1) القاسم بن عبد الله العمري. قال أحمد: كذّاب كان يضع الحديث ترك الناس حديثه. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: متروك الحديث. الجرح والتعديل (7/ 111 - 112). ميزان الاعتدال (3/ 382). ونقل عن البخاري قال: سكتوا عنه. والحديث متفق عليه من رواية أبي بكرة (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان). 2 - حديث عصمة بن مالك رواه الدارقطني (3/ 137) وأورده الذهبي في الميزان (3/ 359) وقال: وهذا يشبه أن يكون موضوعًا. وقال الحافظ ابن حجر: عصمة بن مالك الأنصاري ذكره أبو نعيم وغيره في الصحابة، وأخرجوا له أحاديث مدارها على =

يَدَهُ"، ثم سرق، فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه، ثم سرق فقتله (¬1). فنسبة المؤلف الخبر إلى النسائي، وإلى عصمة بن مالك وعبد الله بن الحارث، وهم. 3 - حديث عائشة في قيامه عليه السلام في الناس في رمضان ليلة بالناس، زاد في طريق "وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ". فهذا من حديث زيد بن ثابت، وما هو في مسلم، وإنما هو بلفظ آخر. قلت: بل هو في مسلم. 4 - حديث: روى إبراهيم بن زيد بن فديد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا "إِذَا دَخلَ أَحدكُمُ المَسجدَ فَلا يَجلس حَتَّى يَرْكَعَ رِكْعَتَينِ وإِذَا دَخَل بَيْتَهُ كَذَلِكَ" قال: وهذه الزيادة لا أصل لها، قاله: (البخاري) وإنما يصح في ذلك حديث أبي قتادة (¬1). فهذا من كتاب ابن عدي، حدثنا حذيفة وغيره قالوا: ثنا أبو أمية ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ثنا إبراهيم بن زيد بن فديد. قال ابن عدي: وإبراهيم لا يحضرني له غير هذا وهو منكر (¬2). قال ابن القطان: سعد مجهول الحال. ¬

_ = الفضل بن المختار وهو واهي وزعم عبد الحق أن النسائي روى له حديثًا في قطع السارق، وقد تعقب ذلك ابن القطان وبين أن حديث عصمة إنما رواه الدارقطني لا النسائي وهو كما قال فإن النسائي لم يخرج للفضل بن المختار شيئًا. تهذيب التهذيب (7/ 198). (¬1) النسائي (8/ 89). 3 - أخرجه مسلم (761) من حديث عائشة بغير هذا اللفظ. 4 - (¬1) رواه البخاري عن أبي قتادة من غير الزيادة. (¬2) الكامل (1/ 251) في ترجمة إبراهيم بن زيد بن فديد.

قلت: بل روى عنه جماعة (¬3)، وقال ابن معين: ليس له بأس (¬4)، (ت، س، ق). 5 - حديث: "طَعامُ البَخيلِ دَاءٌ" لم نعرفه وهو عند أبي أحمد بإسناد آخر رواه أبو يعلى الصدفي: ثنا أبو العباس العذري، ثنا محمد بن نوح الأصبهاني بمكة ثنا الطرافي ثنا المقدام بن داود ثنا عبد الله بن يونس عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "طَعَامُ البَخيلِ دَاءٌ وَطَعامُ السَّخِيِّ شِفَاءٌ". قال أبو علي: غريب عجيب ورجاله ثقات. قال المؤلف: مقدام قال فيه الدارقطني: ضعيف. 6 - "لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذهِ الأُمَّةِ لاَ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ"، من كتاب عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة هو في مسلم دون (ولا). قال المؤلف: فابن أبي شيبة قد ذكر من حديث أبي موسى صحيحًا ذلك المعنى بعينه فقال حدثنا عفان حدثنا شعبة ثنا أبو شمر، سمعت سعيد بن جبير عن أبي موسى مرفوعًا: ¬

_ (¬3) انظر: تهذيب التهذيب (3/ 477) وهو سعد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري. (¬4) في رواية ابن الجنيد عنه (مخطوط) رقم 43. 5 - قال الحافظ العراقي: رواه ابن عدي والدارقطني وأبو علي الصدفي في غرائبه وقال: رجاله ثقات أئمة. قال ابن القطان: رجاله مشاهير ثقات إلا مقدام بن داود فإن أهل مصر تكلموا فيه. المغني عن حمل الأسفار (3/ 239). وأورده الذهبي في الميزان (4/ 176) في ترجمة مقدام بن داود ونقل عن النسائي في الكنى ليس بثقة. وعزاه السيوطي في الجامع الصغير رقم 5258 إلى الخطيب في البخلاء وأبي القاسم الخرقي في فوائده. ونقل السخاوي في المقاصد ص 272 عن شيخه الحافظ ابن حجر أنه قال: حديث منكر. وقال الذهبي: كذب. وقال ابن عدي: باطل عن مالك فيه مجاهيل وضعفاء ولا يثبت. ورواه الديلمي في مسند الفردوس 3954. والشوكاني في الفوائد المجموعة ص 81. . وانظر تذكرة الموضوعات للفتني ص 64. وكشف الخفاء رقم 1653.

"مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهودِي أَوْ نَصْرَانِي ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِي دَخَل النَّارَ". قال ابن القطان: هذا حديث صحيح الإسناد فاعلمه، كذا قال، ولم يتفطن إلى أن سعيدًا لم يلق أبا موسى، وأنه منقطع، وأبو شمر الضبعي ما سمي روى له مسلم. 7 - حديث في قضاء صوم التطوع ضعفه وما ذكر أن مجاهدًا ما سمع من عائشة. قلت: في ذا خلاف. 8 - حديث بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال لها: "إِذَا كَانَ دَمُ الحَيضِ فَإنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ". انفرد بلفظه محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش فهذا منقطع لأنه حدث به مرة فقال: عن عروة عن عائشة عن فاطمة، وقال الليث: عن يزيد بن أبي حبيب عن بكر بن عبد الله عن المنذر أبي المغيرة عن عروة أن فاطمة حدثته. فالمنذر مجهول، قاله أبو حاتم (¬1). وكذلك حديث سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة حدثتني فاطمة أنها أمرت أسماء، أو حدثتني أسماء أنها أمرت فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا شك فيه سهيل وقد ساء حفظه، وفيه أنه أحالها على الأيام فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم والقرء (¬2). ¬

_ 8 - أبو داود 286. (¬1) الجرح والتعديل (8/ رقم 1095). (¬2) أبو داود 281.

وقال علي بن عاصم عن سهيل وفيه أن التي حدثته أسماء ولم يشك. 9 - وقال أبو داود ثنا وهب بن بقية أنا خالد عن سهيل عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت عميس (قالت) قلت: يا رسول الله إن فاطمة استحيضت فقال: "لِتَغْتسلَ الظُّهرَ وَالعَصرَ غُسْلًا وَاحِدًا". . الحديث. وفاطمة أسدية، قال ابن حزم: أدركها عروة، ولم يبعد أنه سمع من خالته عائشة ومن ابن عمه. قال المؤلف: هذا عندي غير صحيح وفاطمة في تعدد زبير لأنها بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد ولا يعرف لها سوى هذا الحديث، ولم يتبين منه أن عروة أخذه عنها. قلت: ما أبدى ابن القطان في رده على ابن حزم طائلًا. 10 - حديث المسيب بن حزن، لما حضرت أبا طالب الوفاة. فالمسيب من مسلمة الفتح، ولم يشاهد القصة. قلت: مراسيل الصحابة حجة وذكر على الحاشية. قلت: عامة ما في هذا الباب أحاديث علقها الأئمة فقال: منقطع. 11 - حديث ابن عباس "لَيْسَ عَلى النِّساءِ حَلْقٌ" سكت عنه، وهو ضعيف منقطع، ابن جريج قال: بلغني عن صفية بنت شيبة، أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس قال مرفوعًا. وأم عثمان لا يعرف لها حال. قلت: هي زوجة شيبة لها صحبة ورواية في مسند أحمد (¬1). ¬

_ 9 - أبو داود 296. 10 - البخاري (2/ 119). (5/ 65). (6/ 87، 141) ومسلم الإيمان 24. 11 - أبو داود 1984 - 1985. (¬1) مسند أحمد (4/ 68) وانظر: تجريد أسماء الصحابة 3993.

12 - حديث ابن عباس وقت العقيق فهو من طريق يزيد بن أبي زياد، وقد نبّه عليه عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن جده. فأقول: إنما يعرف محمد بالرواية عن أبيه عن ابن عباس، وخرج له بذلك مسلم في قيام الليل فأخاف انقطاعه مع قول مسلم: لا نعلم أنه لقي جده. قلت: مولده سنة أربع وستين، وأدرك جده وهو ابن أربع سنين. 13 - حديث من مسند ابن أبي شيبة عن سعد في الحج "فَمنَّا مَنْ رَمَى بِستٍ، وَمنَّا مَنْ رَمَى بِسَبعٍ". قال: في إسناده حجاج بن أرطأة. قلت: وهو عن مجاهد عن سعد، ولا نعلمه سمع منه، وممكن. 14 - حديث عن أبي رافع "فَأمَرَنِي رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنزِلَ الأَبطحَ، وَلكنْ جِئتُ فَضَربتُ قِبَّتَهُ، فَجَاءَ فَنَزِلَ"، فسكت عنه لكونه في (م) وهو عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع. قال ابن عبد البر: ولد سليمان سنة أربع وثلاثين - وقيل: سنة سبع وعشرين ومات أبو رافع أثر قتل عثمان. قلت: يبعد سماعه منه. قال: وذكر ابن أبي خيثمة: ثنا حامد بن يحيى ثنا سفيان قال: كان عمرو يحدثنا عن صالح بن كيسان أنه سمع سليمان بن يسار يقول: أخبرني أبو رافع، وكان على ثقل رسول الله فضرب قبته بالأبطح. ¬

_ 12 - تهذيب التهذيب (9/ 355 - 356). 13 - قال أبو حاتم: مجاهد عن سعد مرسل. 14 - قال أبو حاتم في المراسيل وابن عبد البر في التمهيد حديث سليمان بن يسار عن أبي رافع مرسل. تهذيب التهذيب (4/ 230).

15 - حديث الموطأ عن عبد الله الصنابحي في فضيلة الوضوء، فقال عبد الله: لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أبو عبد الله وهو الصواب، واسمه عبد الرحمن فصدق، فقد ذكر مالك الصنابحي أحاديث سماه فيها عبد الله فيزعمون أنه وهم، أو سمَّاهُ عبد الله لأنا كلنا عبيد لله، قال (البخاري) وهم مالك، هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة حديثه مرسل (¬1). والصنابحي الأحمسي صحابي له حديثان، نقله الترمذي في العلل. قال المؤلف: لكن التكهن بأنه المراد، لا نقول عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ونسبة الوهم إلى مالك فيه خطأ ودعوى، ومالك ما انفرد بذلك، تابعه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي عن عبادة في الوتر وتابعهما زهير بن محمد عن زيد، وقال سعيد: حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الشَمْسَ تَطْلُعُ مَعَ قَرْنِ الشَّيْطَانِ". رواه ابن السكن وترجم باسم عبد الله في الصحابة، ثم قال: وأبو عبد الله الصنابحي أيضًا مشهور يروي عن عبادة وأبي بكر، ليست له صحبة. قال: ويقال أيضًا إن عبد الله غير معروف في الصحابة. وقال عباس عن ابن معين: عبد الله الصنابحي يشبه أن تكون له صحبة. قال المؤلف: المتحصل أنهما اثنان عبد الرحمن ليست له صحبة يروي عن أبي بكر وعبادة. والآخر عبد الله الصنابحي أيضًا عن أبي بكر وعبادة والظاهر منه أن له صحبة ولا أبت ذلك ولا أيضًا أجعل عبد الله عبد الرحمن. قال الذهبي: من أبعد الأشياء أن يكون رجلان صنابحيان كل منهما ¬

_ 15 - الموطأ ص 45. (¬1) عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي روى عن النبي مرسلًا تهذيب (6/ 119).

يروي عن أبي بكر وعبادة أحدهما أبو عبد الله ما له صحبة، والآخر عبد الله له صحبة، مع جعلهما واحدًا عند البخاري، والترمذي وأبي حاتم وابنه وابن عبد البر، وغيرهم، بل القوي أنه واحد مشهور بالنسبة مختلف في اسمه كاد أن يكون صحابيًا لقدومه المدينة بعد وفاة المصطفى بليال - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيناه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في حديث واحد، تفرد بلفظ سمعت سويد بن سعيد عن حفص، وسويد فيه مقال، وما هو بالحجة، أضر بآخره وشاخ وربما يلقن. 16 - وذكر في الباب الذي قبله حديث معاذ في زكاة البقر لمسروق عنه، ولم يلقه. وذكر ذلك عن ابن عبد البر، فما قال ابن عبد البر، إلا أنه متصل، والذي رماه بالانقطاع ابن حزم ثم استدرك بعد وقال: فمسروق بلا شك أدرك معاذًا وشاهد أحكامه نقيبًا، وتفتى زمن عمر، فيقول بعد: إن مسروقًا سمع من معاذ، وإنما أقول ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان، الحمل على الوصل كرأي مسلم والجمهور، أو القول لم يثبت سماع هذا من هذا كرأي ابن المديني والبخاري، ولا يقولون إنه منقطع، قلت: بل رأيهما دال على انقطاع. 17 - حديث ستر وجه المرأة، فيه خالد بن دُريك ما سمع من عائشة. قلت: وخالد مجهول وعنه سعيد بن بشير. ¬

_ 16 - أبو داود 1577، 1578، 3039، الترمذي 633، النسائي (5/ 25). وابن ماجة 1803. 17 - قال الذهبي في الميزان (1/ 630): رواه أبو داود بمعناه.

18 - حديث عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه، رش على قبر إبراهيم. فعبد الله لا يعرف. قلت: ذا ابن علي بن أبي طالب تُكلِّم فيه. 19 - حديث جابر "كَانَ لاَ يَأْذَنْ لِمَنْ لاَ يَبدأ بِالسَّلامِ" ضعف إبراهيم بن يزيد الخوزي، ولم يُبيِّن أنه عن أبي الزبير. قلت: هذا وكثير مما هنا قلته مسمع، حديث جابر في ذلك مشكوك في اتصاله ثم ساق المؤلف أحاديث مضعفة لناس معهم من يهل حاله فأعرضت عن ذلك لكثرته. 20 - حديث الدارقطني عن ابن عمر: "مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْركَ الجَماعَةَ فَلْيُصلِّ إِلَّا الفَجرَ وَالعَصرَ". تفرد به سهيل بن أبي صالح رفعه عن القطان عن عبيد الله عن نافع. وخالفه الفلاس ذو قفه، وكذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن عبيد الله، وكذا مالك والليث عن نافع. فتعليق المؤلف بأنه لا يعرف شيوخ الدارقطني، وهذا لا شيء. 21 - حديث الدارقطني عن عفيف بن سالم عن الثوري "لاَ يحصنُ المُشركُ شَيْئًا". قال: وهم عفيف في رفعه، والصحيح من قول ابن عمر، فهذا غير علة، ثقتين الثقة عفيف (¬1)، فرفع الثقة لا يضر. ¬

_ 18 - هو عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أبو عيسى العلوي المدني. انظر ميزان الاعتدال (2/ 484). تهذيب (6/ 18). 19 - وإبراهيم الخوزي. قال أحمد والنسائي: متروك. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: سكتوا عنه. ميزان (1/ 75). 21 - سنن الدارقطني (3/ 147) وقال: الصواب موقوف من قول ابن عمر. (¬1) انظر ترجمة عفيف بن سالم الموصلي في التهذيب (7/ 235).

قلت: بل يضر لمخالفته ثقتين فأكثر؛ لأنه يلوح بذلك أما أن الثقة قد غلط. قال: إنما علته أنه من رواية أحمد بن أبي نافع عن نافع عن عفيف. قال أبو يعلى: لم يكن موضعًا للحديث، ثم ذكر ابن عدي لأحمد هذا الحديث، وقال هو منكر (¬2). 22 - حديث جابر "مَنْ لَمْ يَقرأْ بِأُمِّ القُرآنِ" رده لمخالفة الناس يحيى بن سلام في رفعه وليس ذلك له بعلة لو كان يحيى معتمدًا. قلت: مع عدم اعتماده تفرد بالرفع آكد في الوهن. 23 - حديث في قضاء صوم التطوع، علله بتعليل الدارقطني. وإنما علته رواية (النسائي) عن أحمد بن عيسى المصري. قلت: أخطأت في قولك: إنه (الخشاب)؟ قال: عن ابن وهب وأحمد يتكلم فيه ويذكر عليه، يروي بواطيل، قلت: قد احتج به (البخاري ومسلم) وفيه تضعيف لا ينهض. وأما الخشاب، فضعيف، ولم يرو عنه النسائي شيئًا، ولا هو روى عن ابن وهب، بل إنما لحق عمرو بن أبي سلمة، وأقرانه بالشك. 24 - حديث الدارقطني عن ابن عمر. . "لاَ تَحُجُّ إِلَّا بإِذنِ زَوجِها". فيه محمد بن أبي يعقوب الكرماني عن حسان بن إبراهيم. ¬

_ (¬2) في الميزان (1/ 160): قال أبو يعلى ورآه ولم يرو عنه. قال: لم يكن أهلًا للحديث. والكامل (1/ 173) وقال: منكر من حديث الثوري عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد. 23 - أحمد بن عيسى التستري الحافظ روى عنه خ م س ق والبغوي وهو موثق. وقال س: ليس به بأس. وقال الذهبي: احتج به أرباب الصحاح ولم أر له حديثًا منكرًا فأورده. ميزان (1/ 126). أما حمد بن عيسى التنيسي الخشاب فضعيف. ميزان (1/ 126). 24 - سنن الدارقطني (2/ 223) رقم 31.

فالكرماني هو ابن إسحق، وثقه ابن معين، وروى له (البخاري)، وإنما علته راويه عن العباس بن محمد بن مجاشع، ولا يعرف خلله. قلت: وحسان رواه عن إبراهيم الصائغ وفيه مقال، ولم يذكر أنه سمعه من نافع بل قال: وقال نافع. 25 - حديث حَرَام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد مرفوعًا في غسل الانثيين من المذي، قال: لا يصح، وحرام ضعيف. قال المؤلف: مجهول، قال كاتبه: وثقه دحيم ورواه معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عنه. 26 - حديث "لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ". قال أحمد: لا أعلم له إسنادًا جيدًا. وقال (البخاري)، أحسن شيء فيه حديث رباح. فقول: (البخاري) أحسن لا يقتضي تحسينه، فما هو إلا ضعيف. بشر بن المفضل عن عبد الرحمن عن حرملة عن أبي ثقال عن رباح بن عبد الرحمن عن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها مرفوعًا. قال (الترمذي): أبوها سعيد بن زيد، وأبو ثقال ثمامة بن حصين. قال المؤلف: رباح وجدّته وأبو ثقال مجاهيل. قال كاتبه، أعني الذهبي: بل أبو ثقال قال البخاري في حديثه نظر، نقله العقيلي عن آدم عنه (¬1). ¬

_ 25 - سنن أبي داود 211، والترمذي 133 مختصرًا. وأحمد (4/ 342). وحرام بن حكيم ثقة. تقريب (1162). وانظر: الميزان (1/ 467). 26 - الترمذي 25، 26. وأحمد (4/ 70)، (5/ 381 - 382). وابن ماجه 398، والدارقطني (1/ 72 رقم 5). وانظر: تلخيص الحبير (1/ 85). والتعليق المغني (1/ 72). وأبو ثفال المري الشاعر المدني. هو ثمامة بن حصين. ميزان (4/ 508). (¬1) الضعفاء للعقيلي (1/ 177).

27 - حديث: "نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ فِي المَسْجِدِ". لمحمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة، عن حكيم بن حزام. وزفر مجهول، ورواه وكيع عن الشعيثي فقال: عن العباس بن عبد الكريم عن حكيم ذكره الدارقطني. قلت: وذا في أطراف المزي عن الشعبي عن القاسم بن عبد الرحمن المزني عن حكيم فتحقق هذا. 28 - حديث ابن جريج عن محمد بن عمر بن علي بن عباس بن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس. قال المؤلف: هو محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي مجهول الحال. قلت: لا بل ذا ابن عم علي بن الحسين. 29 - حديث الدارقطني "إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ" قال: الصحيح أنه فعل ابن عمر، رواه أبو المغيرة عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن (قيس) عن نافع عن ابن عمر. ورواه عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي فرفعه (¬1). ¬

_ 27 - سنن الدارقطني (1/ 85 - 86 رقم 13، 14). ورواه أبو داود 4490 وأحمد (3/ 434). وانظر التعليق المغني (3/ 86). 28 - الحديث رواه أحمد (1/ 211 - 212) والنسائي (2/ 65) وأبو داود 718 وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي وهو ابن عم علي زين العابدين. وقال: ما علمت به بأسًا، ولا رأيت لهم فيه كلامًا، وقد روى له أصحاب السنن الأربعة فما استنكر له حديث. والحديث عن الفضل بن العباس قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسًا في بادية لنا ولنا كليبة وحمارة. 29 - سنن الدارقطني (1/ 152 رقم 4). موقوفًا. قال الدارقطني: وهو الصواب. (¬1) سنن الدارقطني (1/ 252 رقم 3). =

قال المؤلف: كلاهما ثقة. قلت: بل الثقة من وقفه فقد قال القضاعي: عبد الحميد ليس بالقوي قال: وقال ابن معين: عبد الواحد (سنده) لا شيء قلت: المعروف أن قائل هذا يحيى بن سعيد، ورواه عنه ابن المديني. 35 - حديث الدارقطني، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد الآدمي ثنا أحمد بن منصور، ثنا سعيد بن عفير، حدثني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين التي يتر بعدهما بسبح وقل يا أيها الكافرون، ويقرأ في الوتر: قل هو الله أحد والمعوذتين. وحدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب فذكره. قلت: يحيى فيه مقال (¬1). 31 - حديث (أبو داود) ثنا الحسن بن الصبَّاح البزار ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب عن جابر مرفوعًا "إِذَا تُوفِّيَ أَحَدُكُمْ فَوَجَدَ شيئًا فَلْيُكَفنُ فِي ثَوبِ حُبْرَةٍ"، قال: إسماعيل لا يعرف. ¬

_ = وعبد الأحد بن قيس السلمي. ضعيف. ميزان (2/ 675) وتهذيب (6/ 439). وعبد الحق بن حبيب بن أبي العشرين انظر ترجمته في التهذيب (6/ 112). 30 - سنن الدارقطني (2/ 24 رقم 10). (¬1) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (4/ 362 رقم 9462). وأورد الذهبي الحديث في ترجمته. وانظر تهذيب التهذيب (11/ 186). 31 - أبو داود رقم 3150 وأحمد (3/ 335) والبيهقي في الكبرى (3/ 403) وأورده السيوطي في الجامع الصغير ونسبه إلى الضياء أيضًا ورمز له بالصحة الجامع الصغير 541. وعقب عليه المناوي في فيض القدير (1/ 323) قال: وهذا قد يعارضه الأمر بالتكفين بالبياض ونقل كلام ابن القطان فيه إسماعيل بن عبد الكريم والحديث لا يصح من أجله. وقال المناوي أيضًا: وأحاديث البياض صحيحة وهذا الحديث ضعيف أو حسن.

قلت: هو من شيوخ أحمد، وقال النسائي لا بأس به (¬1). 32 - حديث قال لعائشة وحفصة "صُومًا يَومًا مَكَانَهُ". خطاب بن القاسم عن خصيف عن ابن عباس. خصيف سيئ الحفظ، ووثق خطابًا. قلت: روى البرذعي عن أبي زرعة، هو منكر الحديث، يقال: اختلط. 33 - حديث الحرث عن علي "مَنْ ملكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَحُجَّ. .". قال (الترمذي) حسن وفي إسناده مقال، رواه هلال بن عبد الله مولى ربيعة عن أبي إسحق عنه (¬1). قلت: قال (البخاري) هلال منكر الحديث. 34 - حديث "كُنَّا إِذَا حَجَجنَا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّساءِ وَنَرْمِي عَنِ الصِّبْيَانِ". رواه محمد بن إسماعيل الواسطي، سمعت ابن نمير عن أشعث بن سوّار عن أبي الزبير عن جابر. ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب ميزان (1/ 315) وقال الحافظ: إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل صدوق. تقريب 464. 32 - أورده الذهبي في الميزان (1/ 656) في ترجمة خطاب بن القاسم وقال: وأخرج النسائي لخطاب عن خصيف عمن سمّاه عن ابن عباس قوله عليه السلام لعائشة وحفصة: صوما يومًا مكانه. قال فيه النسائي: هو حديث منكر، وخصيف ضعيف، وخطاب لا علم لي به. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وانظر الكامل لابن عدي (1/ 940). وتهذيب التهذيب (1/ 315). 33 - رواه الترمذي 812 وابن عدي في الكامل (7/ 2580) في ترجمة هلال بن محمد. (¬1) في الترمذي المطبوع 812: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال. وهلال بن عبد الله مجهول والحارث يضعف في الحديث. وقال ابن عدي: ليس الحديث بمحفوظ. وانظر ميزان (4/ 315). 34 - رواه الترمذي 927، وابن ماجه 3038، وأحمد 3/ 314. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قال (الترمذي): أَجمع أهل العلم أَنَّ المرأة لا يُلبي عنها غيرها (¬1). فهذا خالفه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه. ثنا ابن نمير، ولفظه "حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَنَا النِّسَاء وَالصِّبيَان فَلَبّينَا عَنِ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ". قلت: تبين أن الحق مع أبي بكر. 35 - حديث "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ". قال عبد الله بن المؤمل: عن أبي الزبير عن جابر. وقال الدارقطني: ثنا عمر بن الحسن بن علي، حدثنا محمد بن هشام المروزي -يعني ابن أبي الدُّمَيْك، ثنا محمد بن حبيب الجارودي، ثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، إِنْ شَرِبتُهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَربتهُ لِشَبَعِكِ أَشْبَعَكَ اللهُ، وَإِنْ شَربتهُ لِظَمَئِكَ قَطَعَهُ اللهُ وَهِيَ هزمةُ جِبْرِيل، وَسُقْيَا إِلَهِ إِسْمَاعِيل" (¬1). ¬

_ (¬1) سنن الترمذي (3/ 266 رقم 927). 35 - رواه ابن ماجة 3062، وأحمد (3/ 357، 372). وابن عدي في الكامل (4/ 1455) في ترجمة عبد الله بن مؤمل. والذهبي في الميزان (2/ 510) والبيهقي في الكبرى (5/ 148) وقال: تفرّد به عبد الله بن مؤمل. قال المناوي: الحديث فيه خلاف طويل وتأليفات مفردة. قال ابن القيم: والحق أنه حسن، وجزم البعض بصحته، والبعض بوضعه مجازفة. وقال ابن حجر: حسن غريب بشواهده وقال الزركشي: اخرجه ابن ماجة بإسناد جيد. وقال الدمياطي إنه على رسم الصحيح. فيض القدير (5/ 404). وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل. مصباح الزجاجة (3/ 209). (¬1) سنن الدارقطني (2/ 289 رقم 238). والحاكم في المستدرك (1/ 473) والذهبي في الميزان.

قلت: هؤلاء ثقات سوى عمر الاشناني إني أتهمه بوضعه (¬2). 36 - حديث "أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ" يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الحساني، عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه (حسنه الترمذي). قال المؤلف: وعندي أنه ضعيف لجهالة حال ضحاك، وأبي وهب، ديلم. وقد قال (البخاري) في إسناده نظر. قلت: لأنه في مناكير يحيى. 37 - حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة، فأسلمن معه، فأمر أن يختار منهن أربعًا. فعن البخاري ليس بمحفوظ، والصحيح شعيب وغيره عن الزهري. 38 - حديث عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم. قال المؤلف: ليس هذا عندي بصلة، وقد رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عثمان بن محمد بن أبي سويد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان حين أسلم. . ورواه الليث عن يونس عن الزهري، قال: بلغني عن عثمان بن أبي سويد. وحديث معمر المذكور عن سعيد بن أبي عروبة، ويزيد بن زريع ¬

_ (¬2) قال الذهبي: فآفة هذا هو عمر، فلقد أثم الدارقطني بسكوته عنه فإنه بهذا الإسناد باطل. ميزان (3/ 185). 36 - سنن أبي داود 2243، والترمذي 1129 - 1130، وابن ماجه (1950 - 1951) وأحمد (4/ 232). وانظر: ميزان الاعتدال (4/ 585). وسنن الدارقطني (3/ 273). 37 - سنن الترمذي 1128، وابن ماجه 1953. وأحمد (2/ 13، 14، 44)، سنن الدارقطني (3/ 273). وانظر التعليق المغني (3/ 273). 38 - سنن الدارقطني (3/ 270).

وهارون بن معاوية عنه، وروي عن الثوري عن معمر كذلك. 39 - الدارقطني، ثنا محمد بن نوح الجلديسابوري، ثنا عبد القدوس بن محمد ثنا ابن مخلد، ثنا حفص بن عمر بن يزيد، قالا: ثنا سيف بن عبد الله الجرمي، ثنا سوار (ابن مجشر) عن أيوب، عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن يمسك منهن أربعًا، فلما كان زمن عمر طلقهن، فقال له عمر: راجعهن وإلا ورثتهن مالك وأمرت بغيرك. زاد ابن نوح: فأسلم واسلمن معه، فسلم أربعة. قلت: وكذا سيف، وهو غريب جدًا. 40 - حديث: "لاَ تُطَلَّقُ النِّسَاءُ إِلَّا مِنْ رَيبةٍ, إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الذّوَاقِينَ". ليس إسناده بقوي. فهذا يرويه البزار عن الفلاس، ثنا أبو معاوية، ثنا محمد بن شيبة بن نعامة عن عبد الله بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي موسى الأشعري: فهذا منقطع (¬1). ورواه قاسم بن أصبغ: حدثنا أبو بكر بن أبي العوام، ثنا أبي، حدثنا حفص بن عمر البرجمي عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمارة بن رائد عن عبادة بن نسي، عن أبي موسى: والآخر منقطع، وعمارة يجهل. ¬

_ 39 - سنن الدارقطني (3/ 271 رقم 104). وانظر التعليق المغني (3/ 272). 40 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 335) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي موسى وأحد أسانيد البزار فيه عمران القطان، وثقه أحمد وابن حبان وضعفه يحيى بن سعيد. (¬1) كشف الأستار (1/ 192).

قلت: وعبادة لم يلحق أبا موسى. 41 - حديث "ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ". حسنه (الترمذي). رواه عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك عن عطاء عن يونس بن ماهك عن أبي هريرة، فابن أدرك لا يعرف حاله. قلت: قد قال (النسائي) منكر الحديث (¬1). 42 - حديث النهي عن الكلب إلا كلب الصيد، واهي الطرق. وقال الدارقطني: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا عبيد بن محمد الصنعاني ثنا محمد بن عمر بن أبي أسلم، ثنا محمد بن الصنعاني، ثنا نافع بن عمر عن الوليد بن عبد الله بن أبي رباح عن عمه عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا "ثَلاَثٌ كُلَّهُنَّ سُحْتٌ كَسْبُ الحَجَّامِ وَمَهْرُ البَغْيِ، وَثَمْنُ الكَلْبِ إِلّا الكَلْبِ الضَّارِي" (¬1). الوليد ضعيف، قاله الدارقطني، قال المؤلف: رواته مجاهيل. قلت: عبيد هو الكنسوري معروف، والصنعاني فلا أعرفه والإسناد مظلم. 43 - حديث "إِذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَانِ، وَلَيْسَ بَيِّنَة؟ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السّلْعَةِ أَوْ يَتَنَاكَرَانِ". فيه انقطاع قاله ابن عبد البر، فهذا رواه أبو العميس المسعودي. ¬

_ 41 - سنن أبي داود 2194، الترمذي 1184، وابن ماجه 2039. قال الترمذي: حسن غريب. (¬1) ميزان الاعتدال (2/ 555). 42 - سنن الترمذي 1281. وقال الترمذي: هذا حديث لا يصح من هذا الوجه. (¬1) سنن الدارقطني (3/ 72) وقال: الوليد بن عبيد الله ضعيف. 43 - سنن الدارقطني (3/ 20).

حدثني عبد الرحمن بن محمد الأشعث عن أبيه عن جده عن ابن مسعود، وإنما عبد الرحمن هذا ابن قيس بن محمد بن الأشعث، روى عنه مجاهد والشعبي، وسليمان بن يسار والزهري. له عن عائشة. فأما روايته عن ابن مسعود فمنقطعة. قلت: هو كبير، ولقيه ممكن، وهذا الحديث فرد رواه (أبو داود) عن الذهلي و (النسائي) عن أبي حاتم جميعًا عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن أبي العميس (¬1). 44 - حديث (أبي داود) ثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن محمد المديني حدثني عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن قيس أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوف (ومن) خاله عبد الله بن أبي أحمد، قال: قال علي: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ، وَلا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ". قال أبو محمد: المحفوظ موقوف، قال المؤلف: خالد وأبيه مجهولان، وأبوه ثقة، ويحيى إما ضعيف أو مجهول، لعله ابن هانئ. قل: أرى أنه أبو زكير، ويجوز أن يكون الجاري. قال: وعبد الله بن أبي أحمد ابن جحش مجهول الحال، وما هو بوالد بكير بن عبد الله بن الأشج كما توهم ابن حاتم. 45 - حديث "الخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ". ¬

_ (¬1) سنن أبي داود 3511 - 3512، والترمذي 1270، والنسائي (7/ 302 - 303)، وابن ماجه 2186، وأحمد (1/ 466). 44 - أبو داود 2873. 45 - سنن الترمذي 2103 وفيه قال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه 2737 وأحمد (1/ 28). وأورده الذهبي في الميزان (5841).

حسنه (ت)، الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة عن عمر. قال المؤلف: حكيم لا تعرف عدالته. قلت: وقال (ابن) سعد: لا يحتجون به (¬1). 46 - حديث أن مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع من نخلة فمات، فقال (النبي - صلى الله عليه وسلم -): "انْظُرُوا هَلْ مِنْ وَارِثٍ؟ ". حسنه (الترمذي). قال المؤلف: لا أدري لم لم يصححه، فإن رجاله ثقات ولا اختلاف فيه ولا انقطاع، قال: ثنا بندار، ثنا يزيد، أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن مجاهد بن وردان عن عروة عن عائشة. فمجاهد ثقة، وإن لم يعرفه ابن معين، فقد عرفه أبو حاتم ووثقه، وحدث عنه شعبة، وابن الأصبهاني فثقة. قال كاتبه: بالجهد أن يكون حسنًا لأمور، أحدها أنه معنعن، وثانيها أن مجاهدًا هذا شيخ محله الصدق مثل ما هو كالزهري وهشام بن عروة في التثبت، فتفرده بالجهد أن يكون صحيحًا غريبًا ولو استنكر حديثه هذا لصاغ. وثالثهما أن عبد الرحمن الأصبهاني اثنان أحدهما حديثه في الكتب الستة وهو قديم الموت، من أقران منصور والأعمش، وثقة لا نزاع فيه والثاني عبد الرحمن بن سليمان الأصبهاني، يروي عن عكرمة والشعبي، وتأخر إلى زمن هارون الرشيد، فما أبعد أن يكون هو صاحب الحديث. روى عنه محمد بن سعيد الأصبهاني، ومحمد بن سليمان بن الأصبهاني وجماعة، قال ¬

_ (¬1) طبقات ابن سعد (9/ 212). وانظر ميزان الاعتدال (1/ 584). 46 - أبو داود 2902، الترمذي 2105, ابن ماجه 2733، أحمد (6/ 137، 174، 181).

أبو حاتم: هو صالح الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وروى الكويج عن ابن معين توثيقه، فهو كما ترى مختلف فيه ليس بالثقة مطلقًا، والحديث في السنن الأربعة. 47 - حديث تميم "مَنْ أَسلمَ عَلى يدِ رَجل فَهُو أَولَى النَّاسِ. .". قال (البخاري): اختلفوا في صحته، فهذا ليحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز سمعت عبد الله بن موهب يحدث أبي عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم. وعلته الجهل لحال ابن موهب قاضي فلسطين. فقلت: ذا قد روى عنه الزهري والكبار، ولكن علة الحديث أنه مرة أرسله عن تميم فأسقط قبيصة، ومرة قال: عن قبيصة أن تميمًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 48 - حديث "عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي العَامِ أُضْحِيَةٍ وَعَتِيرَةٍ". ابن عون عن عامر أبي رملة عن محْنف بن سُليم. إسناده ضعيف، فصدق لجهالة عامر. قلت: رواه الأربعة من طرق عن عون وحسنه (الترمذي). 49 - حديث نهى عن لبس الذهب إلا مُقطعًا، ثُم قال: جاء المنع من ¬

_ 47 - أبو داود 2918، والترمذي 2112، وابن ماجه 2752، وأحمد (4/ 102 - 103). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلّا من حديث عبد الله بن وهب، ويقال ابن موهب عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب ولا يصح رواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر وزاد فيه قبيصة بن ذؤيب. وهو عندي ليس بمتصل. 48 - أبو داود 2788، والترمذي 1518، والنسائي (7/ 167)، وابن ماجه 3125. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون. وأورده الذهبي في الميزان (2/ 263) في ترجمة عامر أبو رملة. 49 - أبو داود 4238، والنسائي (8/ 157)، وأحمد (6/ 455، 457، 460). من حديث =

تحلي النساء به عن ثوبان وحذيفة وأسماء بنت يزيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح الإباحة. ولا ينبغي أن يضعف خبر ثوبان، أبلغ ما فيه يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام وفيه انقطاع، فقوله عن حذيفة خطأ صوابه عن أخت حذيفة وحديث أسماء رواه ابن العطار، ثنا يحيى أن محمود بن عمرو الأنصاري حدثه أنها حدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيَّما امرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ ذَهَبًا قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا ضله منَ النَّارِ. وَأَيّما امْرَأَةٍ جَعْلَتْ فِي أُذُنَيْهَا خِرصًا فَكَذَلِكَ". ورواه الدستوائي عن يحيى، محمود مجهول. قلت: أسماء عمته وقد وثق، ولكن المتن منكر. 50 - حديث: "أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةِ صَفٍّ". حسنه (الترمذي) لضرار بن مرة عن محارب بن دينار عن ابن بريدة عن أبيه. علله برواية علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة مرسلًا، ويروى عن سليمان عن أبيه. قال المؤلف: لا ينبغي تعليله بذلك. قلت: ما هذا بتعليل بل حكاية الواقع، وإنما لم يصححه الترمذي لغرابة خبر ضِرار. 51 - حديث البزار "أَوّلُ مَا خَلقَ اللهُ القَلَمَ، فقالَ لَهُ: اجرِ فَجَرى بِمَا هُوَ كَائِنٌ" حسنه البزار، فهذا لزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني ¬

_ = أسماء بنت يزيد. وأورده الذهبي في الميزان (4/ 78) في ترجمة محمود بن عمرو الأنصاري وقال فيه: فيه جهالة، ووثقه ابن حبان. 50 - الترمذي 2546، وابن ماجه 4289. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد رُوي هذا الحديث عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُرْسلًا، ومنهم من قال: عن سليمان بن بريدة عن أبيه. وأورده الذهبي في الميزان (2/ 328) في ترجمة خالد بن عمرو الملطي وقال: من مناكيره. 51 - أبو داود 4700، والترمذي 2155 - 3319، وأحمد (5/ 317). قال الترمذي: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأورده الذهبي في الميزان (2/ 674) في ترجمة عبد الواحد بن سليم.

أيوب بن أبي زيد عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده، فالوليد لا يعرف حاله. قلت: حديثه في الصحيحين. قال: وأيوب كذلك وقد روى عنه زيد بن أبي أُنيسة ويزيد بن سنان. قلت: حمصي مقل. وقال (الترمذي): حدثنا يحيى بن موسى، ثنا أبو داود، حدثنا عبد الواحد بن سليم سمع عطاء بن أبي رباح سمع الوليد بن عُبادة قال: دعاني أبي فقال: اتق الله، ولن تتقي حتى تؤمن بالقدر كما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَوْلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ، فقالَ: اكتُبْ، قاَلَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَال: اكتُبِ القَدَرَ، مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى الأَبَدِ"، قال: غريب، عبد الواحد واه (¬1). 52 - حديث أبي رزين يا رسول الله، أين كان ربنا؟ قال: "كَانَ فِي المَاءِ. .". حسنة (الترمذي) لحماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عنه. فوكيع لا يعرف، وتفرد عنه يحيى وكان شعبة وهشيم وأبو عوانة يقولون: ابن عدس وقد صحح الترمذي حديث "الرُّؤْيَا عَلى رِجْلِ طَائِرٍ" قلت: لكونه لشعبة عن يعلى (¬1). 53 - حديث عبد الله بن عمرو: أخبرنا عن ثياب الجنة، أتنسج؟ وهذا ضعيف رواه محمد بن عبد الله بن علاثة، ثنا العلاء بن عبد الله أن ¬

_ (¬1) عبد الواحد بن سليم بصري. ترجم له في الميزان (2/ 673): وقال: هالك. قال أحمد: أحاديثه موضوعة. وضعفه يحيى. وقال النسائي: ليس بثقة. 52 - الترمذي 3109. (¬1) الترمذي 2279 وقال: هذا حديث حسن صحيح وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. 53 - رواه أحمد في مسنده (2/ 203، 224) وأورده الذهبي في الميزان (1/ 618) في ترجمة حنان وقال: لا يعرف تفرد عنه العلاء بن عبد الله بن رافع.

الحنان بن خارجة حدثه عنه. تابعه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح عن العلاء وطوله. قلت: ماذا بضعيف وحنان مع جهالته ما ضعف. 54 - حديث (أبي داود عن) المقدام: وادخل أصابعه في صماخ أذنيه، فيه حريز بن عثمان وعنه الوليد بن مسلم مدلس عن عبد الرحمن بن ميسرة لا يعرف (¬1). قلت: شيوخ حريز ثقات. 55 - حديث عبادة: "إِنْ أَدْرَكْتَها أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ" يرويه هلال بن يساف، عن أبي المثنى الحمصي عن أبي أُبيّ ابن امرأة عبادة عن عبادة. فأبو أُبيّ صحابي، و (أبو) المثنى إن كان ضمضمًا الاملوكي فمعروف. وأما أبو محمد بن الجارود فإنه جعل لهما ترجمتين ثم قال: وقيل هما واحد ولم يبن لي ذلك، إلى أن قال المؤلف: وإذا كان واحدًا فإنه لا يعرف، وكذا إن كانا اثنين، ولا أثر لكونهما واحدًا إلا أن يكون روى عنه رجلان هلال المذكور، وصفوان بن عمرو وعدالته فيما علمت. فإن قيل: فابن عبد البر قال أثر هذا الحديث: أبو المثنى ثقة، قلنا: لم يأت في توثيقه بقول معاصر أو قول من أخذ عن معاصر، فلا يقبل توثيقه، إلا أن يكون في رجل معروف قد انتشر له من الحديث ما يعرف به حاله، وهذا ليس كذلك. قلت: وثقه ابن عبد البر لكونه ما غمز أصلًا، ولا هو مجهول لرواية ثقتين عنه. 56 - حديث: رخص في دم الحبون. ¬

_ 54 - أبو داود 121، 122، 123. وابن ماجه 422. وأحمد (4/ 132). (¬1) انظر الميزان (2/ 594). 55 - أبو داود 433، وابن ماجه 1257، وأحمد 51/ 314، 315، 329. 56 - أورد الحديث الذهبي في الميزان (1/ 333) من حديث ابن عباس في ترجمة بقية بن الوليد.

لبقية عن أبي جريج، فقال: قال الدارقطني: هذا باطل، لعل بقية دلسه عن واه. فهذا مفسد لعدالة بقية. قلت: هو مذهب ورأي له وللوليد بن مسلم، وما رأيناك تغمز الوليد. 57 - حديث: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عمر بن عبد العزيز، فيه وهب بن مأنوس مجهول، فأظن أبا محمد قنع برواية جماعة عنه، وذا شيء لا مقنع فيه، فإن عدالته لا تثبت بذلك. قلت: خالفك في هذا خلق. 58 - حديث: "مَنْ قَالَ يَثْرِبَ: فَلْيَقُلْ المَدِينَة عَشْرًا". فيه عثمان بن حفص عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن جده. قلت: قال (البخاري) في إسناده نظر. 59 - حديث "الرِّبَا وَإِنْ كَثُرِ فَإِنهُ يَصِيرُ إِلَى قلٍّ". رواه البزار من طريق شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه عن جده عن عبد الله مرفوعًا فيه شريك. قلت: وفيه جد الركين وهو عميلة الفزاري لا يعرف. 60 - حديث ابن مسعود: "بَيْعُ المحفلاتِ خلاَبَةٌ". ¬

_ 57 - وهب بن مانوس العدني ويقال البصري ذكره ابن حبان في الثقات ولم يوثقه غيره، انظر تهذيب التهذيب (11/ 166). 58 - انظر الميزان (3/ 32) في ترجمة عثمان بن حفص بن خلدة. 59 - رواه الحاكم في المستدرك (2/ 37) عن الركين بن الربيع عن أبيه الربيع عن ابن مسعود. قال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. 60 - ابن ماجه 2241، وأحمد (1/ 433). والبيهقي في الكبرى (5/ 317) قال البوصيري: هذا إسناد فيه جابر الجعفي وقد اتهموه. مصباح الزجاجة (2813).

سكت عنه وهو من طريق المسعودي عن جابر الجعفي. وعن أبي الضحى عن مسروق عنه، وعنه بواو وهذا خطأ والله مسمج من عبد الحق، والصواب بلا واو. وكذا في كتاب ابن أبي شيبة، والبزار. ولم يدرك المسعودي أبا الضحى. قلت: ولا جابر ومسروقًا. 61 - حديث "دَعُوا الناسَ يَرزِق اللهُ بَعْضَهُمْ. .". من رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر، مُعَنْعَن. قلت: زدت في النكارة. 62 - حديث، قال البزار: حدثنا العباس بن عبد العظيم، ثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين، ثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن مرزوق عن بلال قال: كان عندي تمر فبعته. . منه بنصف كيله، أو ببعض كيله، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته فقال: "رُدّهُ وَخُذْ تَمْرَكَ، التَّمْرُ مِثْلًا بمثلٍ"، قال: ففعلت. قال البزار: رواه أيضًا عثمان بن عمر عن إسرائيل (¬1). وحدثنا محمد بن معمر، ثنا روح، ثنا كثير بن يسار عن ثابت عن أنس ¬

_ 61 - مسلم 1552، وأبو داود 3442. والترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبير. والنسائي عن ابن جريج عن أبي الزبير. ورواه ابن ماجه 2176 وأحمد (3/ 307). وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أخرج له/ ع. وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة أخرج له/ ع. فإن النكارة من عنعنة أبي الزبير لأنه مدَلّس، ولا أدري من أين أتت زيادة النكارة. 62 - رواه البزار كما في كشف الأستار 1314. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 112) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجال البزار رجال الصحيح، إلا أنه من رواية سعيد بن المسيب عن بلال، ولم يسمع سعيد من بلال. (¬1) كشف الأستار 1316.

قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر الريان فقال: "أَنَّى لَكُمْ هَذَا؟ " قالوا: كان عندنا تمر بعل، فبعناه صاعين بصاع. فقال: "رُدُّوهُ" (¬2). قلت: رواتهما ثقات. 63 - حديث (الترمذي): ثنا علي بن خشرم، ثنا عيسى بن يونس عن عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوابلي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ يَقولُ: ابنَ آدمَ، تَفرّغَ لِعبادَتِي أَمْلأُ صَدْرَكِ غِنًى. .". أبو خالد هرم لا بأس به، وزائدة لا يعرف حاله. قلت: وثق. 64 - حديث قتادة عن خليد العصري عن أبي الدرداء مرفوعًا: "مَا طَلعَتِ الشَّمْسُ إِلّا بُعثَ بِجْنبتَيْها مَلَكانِ يُنَادِيَانِ: يَا أَيُّها النَّاسُ هَلمّوا إِلى ربكُمْ". . الحديث أخرجه ابن أبي شيبة. قلت: إسناده صالح. 65 - حديث آدم: ثنا الليث عن معاوية بن صالح عن أبي عبد الرحمن -وهو القاسم- عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَدنُو الشَّمسُ يَومَ القِيامَةِ قَدرَ مِيلٍ، تَغلِي مِنها الهَوامُ كَمَا تَغلِي القُدورُ عَلَى الأَثافِي". إسناده: حسن لا صحيح. قلت: تركت أحاديث جمة تعنت فيها ابن القطان منها أحاديث من مسلم وأحاديث حسنة، وأحاديث أدخلتها في ميزان الاعتدال. ¬

_ (¬2) كشف الأستار 1317. 63 - سنن الترمذي 2468 وقال: هذا حديث حسن غريب وأبو خالد الوابلي اسمه هرمز. قال الحافظ: اسمه هرمز ويقال هرم انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (12/ 83). وزائدة بن نشيط ذكره ابن حبان في الثقات. له عند أبي داود في القراءة في صلاة الليل، وعند الآخرين (ابن آدم تفرغ. .) انظر تهذيب التهذيب (3/ 307). 64 - وأخرجه أحمد (5/ 197)، وعبد بن حميد 207، والحاكم في المستدرك (4/ 445) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.

66 - حديث من الدارقطني، من حديث أبي بكر عبد الحميد بن جعفر الخنفي عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا قَرأتُمُ الحَمدُ للهِ، فَاقرؤُوا: بسْم اللهِ الرحمنِ الرّحيمِ إِنّها إِحْدَى آيَاتِها". ثم قال: رفعه عبد الحميد بن جعفر وقد وثقه جماعة، وأبو حاتم يقول: محله الصدق. وكان الثوري يضعفه ونوح ثقة مشهور، قال ابن القطان، فهو بهذا القول قد صححه. وأخطأ خطأ فاحشًا في قوله من حديث أبي بكر عبد الحميد بن جعفر، وهذا تعبير لا يليق به، ولعله سقط من الكلام، وإنما هو أبو بكر الخنفي عن عبد الحميد بن جعفر وإنما اسم أبي بكر عبد الكبير، وهو أخو أبي علي عبيد الله، أنبأ عبد المجيد وهو ثقة. قال الدارقطني وابن السكن: ثنا ابن مساعد، ثنا عقبة بن مكرم، ثنا أبو بكر فذكره عن عبد الحميد بن جعفر بما تم، قال أبو بكر: فلقيت نوحًا فحدثني به موقوفًا يعني أن نوحًا أنكر رفعه. قلت: فوهم في رفعه عبد المجيد، وليس بذاك الثبت، وقد نسب إلى القدر، وخرج بالمدينة مع أبي حسن. 67 - حديث: كان إذا توضأ أخذ كفًا فأدخله تحت حنكه. تفرَّد به الوليد بن ذوران عن أنس. وفي الزهريات للذهلي ثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصلي وكان صدوقًا. حدثنا محمد بن حرب ثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته فخللها ثم قال: "هَكَذَا أَمَرنِي رَبِّي". ¬

_ 66 - سنن الدارقطني (1/ 312). والبيهقي في الكبرى (2/ 45). 67 - أبو داود 145. وابن ماجه 431. وللحافظ ابن حجر كلام في هذا الحديث نقله الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 184) فراجعه.

فهذا عندي صحيح، لا تضره رواية من رواه عن محمد بن حرب عن الزبيدي قال بلغني عن أنس، فليس من لم يحفظ حجة على من حفظ. قال الذهلي: ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا ابن حرب فذكره. قال الذهلي: وهذا المحفوظ وحديث الصفار واهي. قلت: كفانا الذهلي مؤنتك. 68 - حديث ابن عمر: "اغْسُلُوا قَتْلاَكُمْ" ساقه من عند ابن عدي في ترجمة حنظلة بن أبي سفيان، فإسناده ثقات، قلت: لكنه منكر جدًا تكلم في حنظلة لأجله. 69 - حديث أم سلمة في زكاة الحُلي. فيه ثابت بن عجلان ولا يحتج به، فهذا مما قاله غيره، بل قال العقيلي: لا يتابع على حديثه تحامل عليه، فإنه إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة، وثابت وثقه. قلت: قال أحمد: أنا متوقف فيه. 70 - حديث: "مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَومُ رَمضانَ فَليسردْ وَلاَ يَقطعْ". رواه ¬

_ 68 - الكامل لابن عدي (2/ 827) وقال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد لم نكتبه إلا عن ابن سابور. وانظر: ميزان الاعتدال (1/ 621) وساقه الذهبي وقال: ساق له ابن عدي حديثًا منكرًا، ولعلّه وقع الخلل فيه من الرواة إليه. 69 - رواه أبو داود 1564. والبيهقي في الكبرى (4/ 140). وأورده الذهبي في الميزان (1/ 365) في ترجمة ثابت بن عجلان. أما العقيلي فذكر في الضعفاء (1/ 176) في ترجمة ثابت بن عجلان وساق له حديثًا غير حديث الباب وقال: لا يتابع عليه. 70 - رواه الدارقطني (2/ 192) وقال عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث. والبيهقي في الكبرى (4/ 259) وقال: قال علي: عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف. وقال البيهقي: عبد الرحمن بن إبراهيم مدني قد ضعفه يحيى بن معين والنسائي والدارقطني. ووثقه الدارقطني فقال: ثقة (2/ 192 رقم 57). وأورد الحديث الذهبي في الميزان (2/ 545) في ترجمة عبد الرحمن بن إبراهيم قال: ومن مناكيره وساقه بسنده ونقل عن أحمد: ليس به بأس. وقيل: وثقه البخاري.

عبد الرحمن بن إبراهيم القاص عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، وقد وثق وضعف قلت: قال أبو حاتم: أنكر عليه حديث، وليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس فأما هذا الحديث لا بأس به، قلت: بل هذا منكر، والعلاء فَعُدَّ سيئ. 71 - حديث معاذ (غزونا خيبر فأصبنا غنما فقسم بعضها). يرويه أبو عبد العزيز شيخ أردني، فكأنه لم يعرف هذا فرمى بالحديث من أجله. قال أبو داود: حدثنا محمد بن مصفى، ثنا محمد بن المبارك، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا أبو عبد العزيز عن عبادة بن نسي عن ابن غنم عنه وبرجاله، وهذا هو يحيى بن عبد العزيز والد المتكلم أبي عبد الرحمن الشائص الأعمى، روى عنه أيضًا الوليد بن مسلم، وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. قلت: هذا لا يعرف بإسناد سوى هذا، وابن مصفى يُعد تفرده منكرًا (¬1). 72 - حديث رجل من الأنصار: "إنَّ النُهبةَ لَيستْ بِأَحَلِّ مِنَ المِيتَةِ". رواه عاصم عن كليب عن أبيه عنه، وهذا رجاله ثقات لكن هذا الرجل لا ينبغي أن يقبل منه ادعاء مزية الصحبة لنفسه، كما لا يقبل ممن يوثق نفسه. قلت: عاصم قال ابن المديني: لا احتج بما انفرد به (¬1). 73 - حديث جابر: في امرأة أعطاها ابنها حديقة. . ثم قال: والصحيح هو: أن "أَيَّما رَجْلٍ أَعْمَرَ رَجُلًا فَهِي لَهُ وَلِعقبِهِ". قلنا: الأول صحيح. ¬

_ 71 - أبو داود 2707. (¬1) انظر ترجمته في الميزان (4/ 43). 72 - رواه البيهقي (9/ 61). (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (2/ 356). 73 - أبو داود 3557، وأحمد (3/ 299).

(أبو داود) ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشام، ثنا سفيان عن حبيب عن حميد الأعرج عن طارق المكي عنه. وهم ثقات، وطارق كان قاضي مكة وثقه أبو زرعة. قلت: هو فرد غريب يستنكر، وعثمان ومعاوية فيهما شيء. 740 - حديث ابن عباس في ديَّة الأصابع "لكلِّ أصبعٍّ عَشْرٌ" قال الترمذي: حسن غريب فلا أعرف لما لم يصححه، ساقه الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عنه، فهؤلاء ثقات على أصله، وقد احتج بعكرمة كثيرًا. قلت: بالجهد أن يكون هذا المتن بهذا الإسناد حسنًا فدع النكد. 75 - حديث ابن عباس: اشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة. حسنه (الترمذي)، فهو عندي صحيح، حسين بن واقد عن علياء بن أحمر عن عكرمة عنه. قلت: استنكر أحمد للحسين أحاديث (¬1). 76 - حديث ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران. وقال: صح نهيه عن التزعفر، فأوهم ضعف هذا. فقال (أبو داود): ثنا عبد الرحمن بن مطرف، ثنا عمرو بن محمد العنقري، ثنا ابن أبي رواد عن نافع عنه، فعمرو ثقة. قلت: ابن أبي رواد، قال ابن حبان: روى عن نافع نسخة موضوعة، قال علي بن الجنيد ضعيف (¬1). ¬

_ 74 - الترمذي 1391. 75 - الترمذي 905 قال الترمذي: حسن غريب. (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (1/ 549). 76 - أبو داود (¬1) انظر: المجروحين (1/ 136)، وميزان الاعتدال (2/ 628).

قلت: وتفرده يعد منكرًا، ولم يخرجا له في الصحيح. 77 - حديث ابن عمر: "تُقْبلُ توبةُ العبدِ مَا لَمْ يُغَرغِرُ" حسنه (الترمذي). فهذا يحمل أن يقال: صحيح. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عنه. قلت: بل هو منكر، قد ضعفه ابن معين في رواته عثمان بن سعيد، وقال مرة: ليس به بأس، وقال أحمد أحاديثه مناكير، وقال (النسائي) ليس بالقوي (¬1). وقال ابن عدي: كتبت حديثه على ضعفه. قلت ومكحول مدلس فأين الصحة منه (¬2). 78 - حديث أنس: "كلُّ ابنُ آدمٍ خَطّاءُ". . قال (الترمذي): غريب. فهذا عندي صحيح. زيد بن الحباب، ثنا علي بن مسعدة، ثنا قتادة عنه. قلت: بل ضعيف، قال (البخاري): علي بن مسعدة فيه نظر (¬1). 79 - حديث ابن عمر: "إِذَا أَمسكَ الرجلُ الرجلَ، وقَتلهُ آخرُ يُقتلُ القَاتِلُ وَيُحبسُ المُمْسِكُ". ¬

_ 77 - الترمذي 3537 وقال: حسن غريب. وأورده في الميزان (2/ 552) في ترجمة عبد الرحمن بن ثوبان وابن عدي في الكامل (4/ 1592). (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (2/ 551). (¬2) الكامل (2/ 1593). 78 - الترمذي 2499 وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة. (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (3/ 156). 79 - سنن الدارقطني (3/ 140).

قال الدارقطني: رواه الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عنه. ورواه معمر وابن جريج عن إسماعيل مرسلًا, وهو أكثر فهذا صحيح عندي لجواز أن إسماعيل رواه على الوجهين، فإنه يجوز للمحدث أن يرسل ما عنده بالاتصال، وإنما يُعَد هذا اضطرابًا إذا كان الراوي سيئ الحفظ. وهو من رواية الحفري عن الثوري، وقد رواه وكيع عن الثوري فلم يصله. قلت: تعين والله إرساله، ووهى اتصاله. قال ابن القطان: ولم يقدم في هذا الباب ولا في ما قبله من نظر عبد الحق تضعيفًا لأحاديث بأشياء لا ينبغي أن تعد عللًا ككون الحديث يكون تارة مسندًا وتارة مرسلًا، ويجيء تارة مرفوعًا وتارة موقوفًا، ولعلك لم يتحصل لك من مثل ما ذكرناه مذهب عبد الحق في ذلك، فلنعرض عليك ما تيسر ليتبين لك اضطرابه في رأيه فمن ذلك: 80 - حديث: "إِذَا سَجدَ فلاَ يُبْرك كَالبَعيرِ"، قال: رواه همَّام مرسلًا وهو ثقة. 81 - وحديث: "الأرضُ (كُلّها) مَسجدٌ إِلَّا المقْبَرةُ وَالحَمَّامُ"، قال: ¬

_ 80 - رواه أبو داود 839. والترمذي 268. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. قال: وروى همّام عن عاصم هذا مرسلًا ولم يذكر فيه وائل بن حجر. 81 - أبو داود 492، الترمذي 317. ابن ماجه 745، أحمد (3/ 83، 96). قال الترمذي: حديث أبي سعيد قد روي عن عبد العزيز بن محمد روايتين: منهم من ذكره عن أبي سعيد، ومنهم من لم يذكره، وهذا حديث فيه اضطراب: روى سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. . ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت وأصح مرسلًا.

المرسل أصح، وسرد جملة ثم قال المؤلف: فممن اختار ما اخترنا البزار ذهب إلى أنه إذا أرسل الحديث جماعة وحدث به ثقة مسندًا فالقول قوله. قال ابن القطان: ولذلك عدّه من المختلطين وأن سهيلًا وهشام بن عروة لمنهم لأنهما تغيرا، فسكت عنهما إذا كان من الصحيحين أو من مُصَحّح الترمذي. قلت: فاتتك نكتة، فإنك صحفي ما جالست أصحاب الحديث. أعاقل يعد هشام بن عروة من المختلطين أعظم الله أجرنا فيك. 82 - وما وافق أبو محمد (الترمذي) في تصحيحه: تقبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون. فيه عاصم بن عبيد الله (¬1). 83 - وتصحيحه لعن زوارات القبور، فقال: فيه عمر بن أبي سلمة وهو ضعيف عندهم قلت: أسرف. 84 - وقال في الجهاد خالد بن الفِزر ليس بالقوي، وإنما حذا فيه حذو ابن معين، قال فيه: ليس بذاك، قلت: فأصاب وأخطأت. 85 - حديث خباب: شكونا. . قوله: فلم يشكنا أي فلم يعذرنا، وقيل: فلم يحوجنا إلى الشكوى في المستقبل. ويدل على الأول: ابن المنذر، ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا خلاد بن ¬

_ 82 - الترمذي 989 من حديث عائشة أم المؤمنين. (¬1) عاصم بن عبيد الله. ضعف لسوء حفظه. ميزان الاعتدال (2/ 353 - 354). 83 - الترمذي 1056 وأورده الذهبي في الميزان (3/ 201) في ترجمة عمر بن أبي سلمة. 84 - خالد بن الفزر البصري انظر ترجمته في الميزان (1/ 637) وتهذيب التهذيب (3/ 112). 85 - رواه مسلم (1/ 433 رقم 619). والنسائي (1/ 247). وابن ماجه 675، وأحمد (5/ 108, 110).

يحيى، ثنا يونس بن أبي إسحق، ثنا سعيد بن وهب أخبرني خباب: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء فما أشكانا، وقال: "إِذَا زَالتِ الشَّمسُ فَصَلُّوا". فلعل يونس حفظ زيادة ما حفظها أبوه. قلت: هي زيادة منكرة لثبوت قوله: "أَبْرِدُوا". 86 - حديث أبي هريرة: "الإِمامُ ضَامِنٌ". . وزاد البزار، ثنا الزيادي، ثنا غياث بن زياد، ثنا أبو حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلى أن قال: واغفر للمؤذنين، قالوا: يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الآذان بعدك، قال: "إِنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَعدِي قَومٌ سَفَلَتهُمْ مُؤَذِّنوهُمْ". ولا عبرة بقول الدارقطني: هذه زيادة غير محفوظة. قلت: بلى والله هي زيادة منكرة. 87 - حديث عبد الله بن عمرو في التشديد في زيارة النساء القبور، قال: في إسناده ربيعة بن سيف ضعيف عنده مناكير، قال المؤلف: فهذا عندي حسن لا ضعيف. روى عن ربيعة، حيوة بن شريح، وهشام بن سعد، والمفضل بن فضالة، وسعيد بن أبي أيوب. وقال (النسائي): ليس به بأس. وتضعيف أبي محمد له لا أعرفه لغيره، إلا أبا حاتم البستي، فقال: لا يتابع وفي حديثه مناكير وهذا أمر لا يعرى منه أحد من الثقات، بخلاف من يكون منكر الحديث جله أو كله. قلت: قد ضعفه (البخاري) فقال: عنده مناكير، وكذا قال أبو سعيد بن يونس وقال الدارقطني: صالح الحديث. قلت: ما أشبه أن يكون حديثه موضوعًا وستسمعه قال (أبو داود): ثنا يزيد بن خالد، ثنا المفضل عن ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن ¬

_ 86 - رواه أبو داود 517، 518، الترمذي 207. أحمد (2/ 232، 284، 377، 382، 419، 424). 87 - أورده في الميزان (2/ 43) في ترجمة ربيعة بن سيف.

الحبلي عن عبد الله: قبرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا فلما فرغنا وانصرفنا حاذى بابه فوقف، فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما دنت إذا هي فاطمة، فقال: "مَا أَخرَجَكِ مِنْ بَيتِكِ؟ " قالت: يا رسول الله أهل هذا الميت خرجت إليهم وعزيتهم به، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَعَلّكِ بَلَغتِ مَعَهُمُ الكَداءَ" تذكرة شديدة في ذلك. فسألت ربيعة عن الكداء؟ قال: القبور فيما أحسب هذا أخرجه (أبو داود. وقال (النسائي): ثنا قتيبة عن المفضل بهذا وقال: "لَوْ بلَغتِ مَعَهُمُ الكِدَاءَ مَا رَأَيْتِ الجَنَّةَ حَتَّى يَراهَا جَدُّ أَبِيكِ". البزار: ثنا سلمة بن شبيب، ثنا المقبري، ثنا حيوة بن شريح أخبرني ربيعة بن سيف عن الحبلي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى فاطمة ابنته مقبلة فقال: "مِنْ أَينَ أَقبلتِ؟ " فقالت: من وراء جنازة هذا الرجل، فقال: "هَلْ بَلغتِ مَعهمُ الكداءَ"، قالت: لا، وكيف أبلغها وقد سمعت منك ما سمعت فقال: "والَّذِي نفسِي بِيدِه لَوْ بَلغتِ مَعهُمْ مَا رَأَيتِ الجنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ". قال: (البزار): كثير الغلط، فقد قال البخاري في الضعفاء له: ربيعة بن سيف المعافري الاسكندراني يشبه هشام بن سعد عنده مناكير، روى أحاديث لا يتابع عليها، ثم قال البخاري: سمع المقري، ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني ربيعة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله قال: بينما نحن نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ أبصر بامرأة، فلما توسط الطريق، وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: "مَا أَخْرَجَكِ مِنْ بيتكِ يَا فَاطمةَ"، قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت على ميتهم وعزيتهم بميتهم، فقال: "فَلعلّكِ بَلغتِ الكدَاءَ؟! " فقالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر من ذلك ما تذكر، فقال: "لَوْ بلغتِ مَعهُمْ مَا رَأيتِ الجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ".

ذكر المصنفين الذين أخرج عنهم في كتابه من متن أو علة: 1 - ابن إسحاق، وإنا تبينا في أمره الثقة والحفظ 151 هـ. 2 - سفيان الثوري أحد الأئمة توفي 161 هـ. 3 - حماد بن سلمة مولى تميم، وقيل: مولى قريش توفي 167 هـ. 4 - مالك أبو عبد الله إمام الفقهاء توفي 179 هـ. 5 - إسماعيل بن علية إمام توفي 193 هـ. 6 - وكيع أبو سفيان الحافظ توفي 197 هـ. 7 - سفيان بن عيينة أبو محمد الإمام توفي 193 هـ. 8 - عبد الله بن وهب فقيه مصر توفي 197 هـ. 9 - سليمان أبو داود الطيالسي الحافظ توفي 204 هـ. 10 - عبد الرزاق أبو بكر الصنعاني الحافظ توفي 211 هـ. 11 - أبو عبيد القاسم بن سلام صاحب التصانيف توفي 224 هـ. 12 - محمد بن السياح أبو جعفر الدولابي الحافظ توفي 227 هـ. 13 - أسد بن موسى السنة الحافظ الأموي، قلت: توفي سنة 212 هـ. 14 - سعيد بن منصور الحافظ أبو عثمان صاحب السنن توفي سنة 227 هـ. 15 - أبو بكر بن أبي شيبة الحافظ توفي 235 هـ. 16 - أبو مروان السلمي الفقيه، توفي سنة 238 هـ لم يهد في الحديث لرشد ولا حصل منه على شيء مفلح. 17 - اسحق بن راهويه الإمام توفي 238 هـ. 18 - هناد بن السري الكوفي الوراق توفي 243 هـ. 19 - عبد بن حميد الكشي وكش على فرسخ من جرجان، قلت: هذا وهم، هو من كس بمهملة مدينة بماء وراء النهر، له المسند والتفسير، قلت: توفي سنة 249 هـ.

20 - محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الإمام توفي 256 هـ. 21 - محمد بن سنجر الحرافي الحافظ توفي سنة 258 هـ. 22 - مسلم بن الحجاج -أبو الحسين- توفي سنة 261 هـ. 23 - أبو إبراهيم المدني إسماعيل بن يحيى الفقيه توفي سنة 264 هـ. 24 - عباس الدوري الحافظ توفي 271 هـ. 25 - أبو داود السجستاني توفي 275 هـ. 26 - بقي بن مخلد أبو عبد الرحمن الحافظ توفي سنة 276 هـ. 27 - أحمد بن أبي خيثمة صاحب التاريخ توفي 279 هـ. 28 - أبو عيسى الترمذي توفي 279 هـ. 29 - الحارث بن أبي أسامة توفي 282 هـ. 30 - محمد بن عبد السلام الخشني القرطبي الحافظ من ولد أبي ثعلبة توفي 226 هـ. 31 - أبو بكر أحمد بن عمرو البزار البصري الحافظ مات 292 هـ. 32 - أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه مات 294 هـ. 33 - أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ، قلت توفي 327 هـ. 34 - النسائي مات 303 هـ. 35 - زكريا بن يحيى الساجي مات 307 هـ وثقه قوم وضعفه آخرون، كذا قال، فأخطأ، ما علمت أحدًا ضعفه. 36 - محمد بن جرير الطبري توفي 310 هـ. 37 - أبو بكر بن (أبي) داود توفي 316 هـ. 38 - أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر مات سنة 318 هـ، لا نلتفت إلى كلام العقيلي فيه، فإنه ثقة. 39 - أبو جعفر الطحاوي مات 321 هـ. 40 - أبو جعفر العقيلي مكي ثقة توفي 322 هـ.

بقي علينا أن نذكر جميع ما مر ذكره في الأبواب ذكرًا متصلًا مرتبًا على نسق المصنف ليسهل تقبله فسرد ذلك في خمس وثلاثين ورقة، والحمد لله وحده. فرغ من كتابته العبد الفقير إلى الله تعالى، محمد بن عبد الله بن المصفى بن منجا الحنبلي اللهم اعف عنه ولمن دعا له بالعفو آمين. 41 - محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي مقدم في الفقه والحديث مات 330 هـ. 42 - قاسم بن أصبغ الحافظ مولى بني أمية توفي 340 هـ. 43 - أبو سعيد ابن الأعرابي شيخ الحرم ثقة جليل القدر كثير التأليف توفي 340 هـ. 44 - أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ توفي 365 هـ. 45 - أبو الحسن الدارقطني توفي 385 هـ. 46 - أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ توفي 353 هـ. 47 - أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي مات سنة 392 هـ. 48 - أبو سعد الماليلي مات 412. 49 - أبو سليمان حمد الخطابي مات 388 هـ. 50 - أبو عبد الله الحاكم مات 405 هـ. 51 - أبو الحسن بن صخر توفي 415 هـ. 52 - أبو عمر بن عبد البر توفي 463 هـ. 53 - أبو محمد بن حزم مات 456 هـ. قال الشيخ أبو عبد الله الذهبي، فرغنا من ترتيب ما وجدناه في الكتاب بالترتيب الصناعي بقي علينا أن نذكر جميع ما مر ذكره في الأبواب ذكرًا مختصرًا.

مقدمة التحقيق

مقدمة التحقيق إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإنَّ أصدقَ الكلامِ كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. وبعد: لقد صنفت كتب كثيرة في أحاديث الأحكام ومنها ما صنفه الإمام الحافظ العلّامة أبو محمد محمد بن عبد الحق الإشبيلي فقد صنف رحمه الله ثلاث كتب في أحاديث الأحكام: كبرى، ووسطى، وصغرى. وهو من السابقين في هذا المضمار. وهذا النوع من التأليف هو أن يعمد المؤلف إلى كتب السنة الشريفة فينتقي منها مجموعة من الأحاديث في أنواع أبواب الفقه وذلك ليسهل الرجوع إليها وهي مجموعة في كتاب واحد. وغالب هذه الكتب تُحذف أسانيدها إلا أنها تخرج ويشار إلى أماكنها من كتب السنة. وهذا التأليف بدأ بعد أنْ استقر تدوين السنة المصنفة في المصنفات والجوامع والمسانيد والسنن والصحاح. أهم التصانيف في أحاديث الأحكام: صنفت كتب كثيرة في أحاديث الأحكام منها:

1 - الأحكام الكبرى لعبد الحق الإشبيلي. سيأتي الكلام عنه عند وصف مؤلفاته. 2 - الأحكام الوسطى. كتابنا هذا، وسيأتي وصفه. 3 - الأحكام الصغرى لنفس المؤلف. سيأتي وصفه. 4 - العُمدة في الأحكام عن سيد الأنام للإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي المتوفى سنة 541 هـ. (طبع). وأحاديثه ممّا اتفق على إخراجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. شرح الكتاب عدة شروح منها أحكام الأحكام للإمام الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله. طبع. والإعلام بفوائد عمدة الأحكام للحافظ علي بن أحمد بن الملقن المتوفى سنة 1040 (خط). وشرح عمدة الأحكام لابن الأثير الجزري. (طبع قديمًا). 5 - الإلمام بأحاديث الأحكام للإمام الحافظ محمد بن علي بن دقيق العيد. طبع بدمشق 1383 هـ. وله شرح للمؤلف يوجد منه جزءان (خط). 6 - الإمام. لابن دقيق العيد. ولم يتمه رحمه الله. قال الإمام الذهبي: ولو كمل تصنيف الإمام لجاء في خمسة عشر مجلدًا. ولم نقف عليه. 7 - المنتقى من أخبار المصطفى للإمام العلامَّة مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية الحرّاني المتوفى سنة 653 هـ وهو جد شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. طبع بمصر سنة 1350 هـ. وهو الذي شرحه العلّامة الشوكاني في كتابه الكبير نيل الأوطار (طبع). 8 - غاية الأحكام في أحاديث الأحكام للمحب الطبري المتوفى سنة (خط). 9 - المحرر في الحديث للحافظ العلامة شمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفى سنة 744 هـ - طبع بالقاهرة. 10 - الإعلام بأحاديث الأحكام لابن جماعة المتوفى سنة 480 هـ (خط). 11 - أحكام الأحكام لمحمد بن عبد الواحد النقاش. (طبع).

12 - بلوغ المرام من أحاديث الأحكام للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني (طبع) شرحه الأمير الصنعاني في كتابه سُبل السلام. (طبع). 13 - فتح العلام بأحاديث الأحكام للعلاّمة زكريا الأنصاري المتوفى سنة 926 هـ (خط). 14 - المختصر في أحاديث الأحكام للعلاقة الفقيه جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن عبد الهادي المقدسي المبرد المتوفى سنة 904 هـ خط.

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف الإمام الحافظ العلاّمة الحجة أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد الأزدي الأندلسي الإشبيلي المعروف بابن الخَرَّاط. ولادته: اختلف في سنة ولادته: قال الغبريني: ولد سنة 510 هـ (¬1). وقال أبو جعفر بن الزبير سنة 514 هـ (¬2). وقال أبو العباس قنفذ ولد سنة 416 هـ (¬3). ولم ترشدنا المصادر التي بين أيدينا إلى مكان مولده. إلا أنه نشأ في إشبيلية وترعرع فيها وإليها ينسب. ثم تحول إلى لبلة. قال أبو جعفر بن الزبير: ثُمَّ انتقل إلى لبلة ولازم بها أبا الحسن خليل بن إسماعيل (¬4). ¬

_ (¬1) عنوان الدراية ص 44 تذكرة الحفاظ (4/ 1351). (¬2) صلة الصلة ص 6. (¬3) أنس الفقير ص 34. (¬4) صلة الصلة ص 5.

شيوخه

ثم ارتحل إلى بجاية بعد سنة 550 هـ واتخذها موطنًا (¬1)، وسكنها وقت الفتنة التي زالت فيها الدولة اللمتونية بالدولة المؤمنية، فنشر بها علمه وصنفَ التصانيف واشتهر وسارت بأحكامه الصغرى والوسطى الركبان، وله أحكام كبرى قيل هي بأسانيد فالله أعلم (¬2). وقال أبو جعفر بن الزبير: وفي بجاية ألّف تآليفه (¬3). ووليَ الخطابة بجامعها (¬4). وصلاة الجمعة بجامعها الأعظم وولي قضاء بجاية مدة قليلة (¬5). شيوخه: روى عن شريح بن محمد، وأبي الحكم بن برجان، وعمر بن أيوب، وأبي بكر بن مدبر، وأبي الحسن طارق بن يعيش، وطاهر بن عطية. وكتب إليه بالإجازة الحافظ أبو بكر بن عساكر وجماعة، وسمع من أبي القاسم بن عطية صحيح مسلم، وروى عن أبي بكر بن العربي، وغيرهم (¬6). تلاميذه: روى عنه خطيب القدس أبو الحسن علي بن محمد المعافري، وأبو الحجّاج بن الشيخ، وأبو عبد الله بن يقمش (¬7). والضبيّ. وقد ذكر العلامة أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه القيّم ¬

_ (¬1) عنوان الدراية ص 44. (¬2) سير أعلام النبلاء (21/ 198). تذكرة الحفاظ (4/ 1351). (¬3) صلة الصلة ص 5. (¬4) الديباج المذهب (2/ 59). (¬5) عنوان الدراية ص 41. (¬6) بغية الملتمس ص 378. تذكرة الحفاظ (4/ 1350). (¬7) تذكرة الحفاظ (4/ 1350).

مناقبه وثناء العلماء عليه

(الشروح والتعليقات) جماعة آخرين من تلاميذه (¬1). كما ترجم للمؤلف ترجمة رائعة. مناقبه وثناء العلماء عليه: قال ابن الأبار: كان فقيهًا حافظًا عالمًا بالحديث وعلله عارِفًا بالرجال مشاركًا في الأدب وقول الشعر (¬2). وقال ابن العربي: جمال الحفاظ وزين العلماء وعماد الرواة ورأس المحدثين (¬3). وقال تلميذه الضبي: الفقيه المحدث الحافظ. ووصفه بأنه أديب شاعر. قال: كان رحمه الله متواضعًا مُتقللًا من الدنيا زاهدًا فاضلًا، قسم نهاره على أقسام: كان إذا صلّى الصُبح في الجامع أقرأ إلى وقت الضحى، ثم قام فركع ثماني ركعات، ونهضَ إلى منزله، واشتغل بالتأليف إلى صلاة الظهر، فإذا صلّى الظهر وأدى الشهادات قُرئ عليه في أثناء ذلك إلى العصر، فإذا صلّى العصر مشى في حوائج الناس، وكان لا يدخل بجاية أَحدٌ من الطلبة إلَّا سأَل عنه ومشى إليه وآنسه بما يقدر عليه (¬4). ووصفه المقري بالعالم الكبير الشهير صاحب التآليف (¬5). وقال اليافعي: وكان مع جلالته في العلم قانعًا متعففًا موصوفًا بالصلاح والورع ولزوم السنة (¬6). وقال ابن فرحون: كان فقيهًا حافظًا عالمًا بالحديث وعلله عارفًا بالرجال موصوفًا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السُنَّة والتقلّل من الدنيا مشاركًا ¬

_ (¬1) الشروح والتعليقات على كتب الأحكام (1/ 52 - 79). (¬2) سير أعلام النبلاء (21/ 199). تذكرة الحفاظ (4/ 51). (¬3) عنوان الدراية ص 42. (¬4) بغية الملتمس ص 391. (¬5) نفح الطيب (4/ 315). (¬6) مرآة الجنان (3/ 422).

في الأدب وقول الشعر (¬1). وقال الإمام الذهبي: العلاّمة الحُجَّة (¬2). وقال الإمام الذهبي أيضًا: الإمام الحافظ البارع المجوّد (¬3). وقال ابن ناصر الدين: الحافظ العلاّمة، وكان بالحفظ ومعرفة الحديث وعلله ورجاله موصوفًا، وبالصلاح معروفًا والزهد ولزوم السُنَّة (¬4). توفي في بجاية سنة 582 هـ (¬5). ¬

_ (¬1) الديباج المذهب (2/ 59). (¬2) تذكرة الحفاظ (4/ 1350). (¬3) سير أعلام النبلاء (2/ 198). (¬4) التبيان ورقة 146. (¬5) مصادر ترجمته: 1 - بغية الملتمس للضبيّ طبع مجريط 1884 م. 2 - تذكرة الحفاظ (4/ 135) -الطبعة الثالثة- حيدرآباد الدكن. بديعة البيان لابن ناصر الدين. مخطوط- تركية. تاريخ العلماء والرواة بالأندلس للفرضي. نشر عزة العطار- القاهرة 1373 هـ. تهذيب الأسماء واللغات للنووي- المنيرية. الديباج المذهب (2/ 59) - تحقيق الأحمدي أبو النور- دار التراث القاهرة. شذرات الذهب (4/ 271) - مكتبة القدسي- القاهرة 1350 هـ. سير أعلام النبلاء (21/ 198 - 202) - دار الرسالة. ألف باء البلوي (1/ 234) مصور بالأوفست. صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن الزبير. مكتبة خيّاط- بيروت. فوات الوفيات لابن شاكر مكتبة النهضة المصرية- القاهرة. عنوان الدراية للغبريني (41 - 42) - نشر لجنة التأليف- بيروت. الرسالة المستطرفة للكتاني- دار الفكر بدمشق. التكلمة لابن الأبار (2/ 598) - السعادة- مصر. فهرس ابن غازي ص 108. برنامج الوادياشي ص 206. =

مؤلفاته

مؤلفاته: قال الإمام النووي: ولَهُ تصانيف كثيرة في الحديث والغريب والعلل والأنساب والنظم الحسن والزهد (¬1). منها: 1 - الأحكام الكبرى: انتقاها من كتب الأحاديث وأورد الأحاديث بأسانيدها وهو كتاب جامع لأحاديث الأحكام. ذكر ابن سعيد في رسالته إذ ذكر كتبه في معرض ذكر مفاخر أهل الأندلس فقال: وكتاب الأحكام لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي مشهور متداول القراءة وهي أحكام كبرى وأحكام صغرى وقيل ووسطى (¬2). وقال ابن الأبار: صنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى (¬3). ¬

_ = المعجب للمراكشي. نشر المكتبة التجارية- القاهرة 1368 هـ. الحلل السندسية تحقيق محمد الحبيب الهيلة- الدار التونسية للنشر سنة 1970 م العبر للذهبي (4/ 243) - الكويت. فهرس الرَصّاع- نشر المكتبة العتيقة تونس. برنامج الرعيني- الهاشمية بدمشق سنة 1381 هـ. نفح الطيب للمقري. دار صادر بيروت 1388. مرآة الجنان لليافعي- حيدر آباد الدكن 1338 هـ. كشف الظنون حاجي خليفة- مصورة مكتبة المثنى. فهرس خزانة القرويين للعابد الفاسي- دار الكتاب- الدار البيضاء 1399 هـ. الصلة لابن بشكوال- نشر عزة العطار- القاهرة 1374 هـ. الشروح والتعليقات لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري على كتب الأحكام الرياض سنة 1403 هـ. (¬1) تهذيب الأسماء واللغات (جـ 1/ 292). (¬2) نفح الطيب (3/ 180). (¬3) تذكرة الحفاظ (4/ 1352).

وقال الغبريني: وقد اشتهرت كتبه بالمشرق ووقع النقل منها والذي كثر تداوله بين أيدي الناس من كتبه هي الأحكامان الكبرى والصغرى (¬1). وذكر الرعيني في برنامجه أن علي بن أحمد الغسّاني العشّاب قرأ الأحكام لعبد الحق على أبي الحجّاج بن الشيخ (¬2). وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 20). مخطوط: آ- دار الكتب المصرية رقم 29 حديث. وهي نسخة كاملة في خمس مجلدات. ب- البلدية في الاسكندرية رقم 1228 آب. ج- خدا بخش باتنه رقم 375. د- عاشر افندي 326. هـ- الخزانة الملكية في الرباط. و- المتحف البريطاني ذكرها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (6/ 279). ز- جامعة برنستون ذكرها بروكلمان (6/ 279). ط- الآصفية بحيدر آباد الدكن: ذكرها بروكلمان (6/ 279). 2 - الأحكام الصغرى: وذكرها الروداني في صلة الخلف وبروكلمان (6/ 279). وشرح الأحكام الصغرى أبو محمد عبد العزيز بن إبراهيم القرشي بن بُزيزة (¬3). ¬

_ (¬1) عنوان الدراية ص 43. (¬2) برنامج الرعيني ص 135. نقلًا عن الشروح والتعليقات. (¬3) الحلل السندسية (1/ 622).

مخطوط: ذكر بروكلمان أن نسخًا منه في المتحف البريطاني ومكتبة جامع القرويين. ودار الكتب المصرية. تاريخ الأدب العربي (6/ 279). 3 - الأحكام الوسطى- كتابنا سيأتي وصفه. 4 - الجامع الكبير في الحديث. قال الغبريني: وسمعت شيخنا الفقيه أبي محمد بن عبادة رحمه الله أنه ألف كتابًا كبيرًا في الأحكام في الحديث وهو أضعاف الأحكام الكبرى، وسمعت منه أن الكتاب المذكور اضمحل أمره بعد كمال تأليفه (¬1). وذكره ابن فرحون وسَمَّاه الجامع الكبير في الحديث ومقصوده فيه الكتب الستة، وأضات إليه كثيرًا من مسند البزار وغيره، منه صحيح ومعتل تكلَّم على علله، ونهب منه في دخلة البلد في الفتنة (¬2). 5 - الجمع بين الصحيحين. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (21/ 199). وابن الأبار كما في تذكرة الحفاظ (4/ 1351). وابن فرحون. الديباج المذهب (2/ 60). مخطوط: آ- مكتبة لالة لي في إسطنبول رقم 390 ب- مكتبة نور عثمانية- اسطنبول 769، 770 ج- مكتبة أحمد الثالث- اسطنبول رقم 200 6 - المُعْتَل من الحديث. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (21/ 199). وابن الأبار كما في تذكرة الحفاظ (4/ 1351). وابن فرحون في الديباج المذهب (2/ 61) وذكر أنه سفر صغير. ولم نقف له على ذكر. ¬

_ (¬1) عنوان الدراية ص 42. (¬2) الديباج المذهب (2/ 60).

7 - الحاوي في اللغة. قال الغبريني: وسمعت بعض الطلبة أنه ألف كتابًا في اللغة سمّاه بالحاوي وهو في ثمانية عشر مجلدًا. (عنوان الدراية ص 43). وذكره في الديباج (2/ 61) وسماه الواعي. وقال الذهبي: نقلًا عن ابن الأبار: ضاهى به كتاب الغريبين للهروي. تذكرة (4/ 1351). 8 - ديوان شعر. قال الغبريني: له ديوان شعر. عنوان الدراية ص 43. 9 - الرقائق. ذكره ابن الأبار كما في تذكرة الحفاظ (4/ 1351). وذكره ابن فرحون في الديباج المذهب (2/ 60). 10 - العاقبة. ذكره في الديباج المذهب (2/ 61) وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان (6/ 279). مخطوط آ- بايزيد رقم 1523، الظاهرية 235، أحمد الثالث 1546. 11 - الزهد. ذكره في فوات الوفيات (2/ 257). 12 - فضل الحج والزيارة. ذكره في الديباج المذهب (2/ 61). 13 - مختصر صحيح البخاري. ذكر بروكلمان (3/ 175) يوجد منه نسخة في بطرسبرج. 14 - مختصر كتاب الرشاطي في الأنساب. اختصر فيه اقتباس الأنوار في معرفة أنساب الصحابة ورواة الآثار.

ذكره في عنوان الدراية (ص 42) وفي الديباج المذهب (2/ 61). مخطوط: نسخة منه في المكتبة الأزهرية (133 مصطلح الحديث). 15 - التهجد. ذكره في هداية العارفين (2/ 502). 16 - مختصر كتاب الكفاية للخطيب البغدادي. ذكره في الديباج المذهب (2/ 61). 17 - المرشد. ذكره في الديباج المذهب (2/ 60). 18 - الأنيس في الأمثال والمواعظ والحكم من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين. ذكره في الديباج المذهب (2/ 61). 19 - البهجة. ذكره البلوي قال: رأيت في كتاب البهجة لشيخي أبي محمد عبد الحق رحمه الله بيتًا في قطعة حسنة شينية أعجبتني. ألف باء (2/ 415)، الشروح والتعليقات (1/ 134). 20 - تلقين الوليد. ذكره في الديباج المذهب (2/ 60) ونقل عن الأنصاري بأنه سفر صغير في الحديث. 21 - تهذيب المطالب. ذكره في هدية العارفين (1/ 503). 22 - التوبة. ذكره في الديباج المذهب (2/ 61) ونقل عن الأنصاري أنه في سفرين. 23 - الجمع بين الكتب الستة. جمع فيه بين الصحيحين والسنن الأربع.

الأحكام الشرعية الوسطى

ذكره في الديباج المذهب (2/ 61) وكشف الظنون (1/ 600) الرسالة المستطرفة 179. الأحكام الشرعية الوسطى ذكرها الإمام الحافظ الناقد شمس الدين الذهبي في ترجمة عبد الحق في كتابيه سير أعلام النبلاء (21/ 199) قال: وسارت بأحكامه الصغرى والوسطى الركبان، وله أحكام كبرى قيل هي بأسانيد فالله أعلم. وذكرها أيضًا في تذكرة الحفاظ (4/ 1354). وقال حاجي خليفة: وذكر جمال الدين في المنهل الصافي أن له الأحكام الوسطى في مجلد كبير والصغرى أيضًا تتضمن ألف حديث وخمسة عشر حديثًا. كشف الظنون (1/ 20) نقول: وهو الصحيح فإن أحاديث الوسطى تقرب من خمسة آلاف حديث والصغرى كما ذكرها. وقال الكتاني: ولعبد الحق أيضًا الأحكام الوسطى في مجلدين كما في شفاء الأسقام وهي مشهورة اليوم بالكبرى، ذكر في خطبتها أن سكوته عن الحديث دليل على صحته فيما نعلم. نقول: قد وهم فإن ما ذكره ينطبق على الأحكام الوسطى، كما أن الكبرى تقع في خمس مجلدات. وذكر العابد الفاسي رحمه الله في فهرس مخطوطات خزانة القرويين: قال: كتب عليها أنها الأحكام الكبرى للإمام عبد الحق وقد تَبين بعد البحث والتتبع أن للإمام المذكور موضوعات ثلاثة في الأحكام: الكبرى وهي التي يذكرها ابن القطان والمؤلف نفسه يحيل عليها ويُسميها بالكتاب الكبير الذي يذكر فيه الأحاديث بأسانيدها ولم يشتهر هذا الكتاب، فإذا لا يعرف عند الناس إلا بالأحكام الكبرى ويعنون بها الوسطى التي كتب عليها ابن القطان ثم عنده الأحكام الصغرى المتقدمة برقم 218 أما هذه فهى الوسطى. وقد ذكر ابن

القطان في شرحها أن لعبد الحق كتابه الكبير الذي يذكر الأحاديث بأسانيده ومنه اختصر كتابه هذا، وهذه النسخة واقعة في جزأين الثاني بآخره بتر ولا يتصل نهائيًا بالجزء الذي قبله لفوات أوائل الجهاد. قال: وبقراءة الخطبة ومقدمته تبينَ الفرق العظيم بين الأحكام الصغرى وهذه الأحكام التي تعرف عند الناس بالكبرى وليست كذلك بل هي مختصرة من كتابه الكبير فالجدير أن تُسمى بالأحكام الوسطى فهرس القرويين. إن ما ذكر السيد العابد من أوصاف ينطبق على الأحكام الوسطى وإن كنا لم يتيسر لنا الاطلاع عليها. والوسطى هي مختصرة من الكبرى وهي محذوفة الأسانيد. وهي الذي وضع عليها الحافظ الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الكتامي المعروف بابن القطان الحافظ الكبير والناقد الجهبذ المتوفى سنة 639 هـ كتابه المسمى ببيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام (خط) قال الذهبي: وهو يدل على حفظه وقوة فهمه لكنه تعنت في أحوال الرجال فما أنصف بحيث إنه أخذ يلين هشام بن عروة وغيره. وقد اختصر الإمام الذهبي كتاب الوهم والإيهام لابن القطان وعقب عليه ويوجد المختصر في المكتبة الظاهرية. وكتب الذهبي على ظاهر الكتاب قائلًا عن ابن القطان: لقد أَسْرفَ في المحاققة والتعنت للحافظ أبي محمد وبالغ في ذلك وأصاب في كثير من ذلك، ولم يصب في أماكن وغلط فيها وألزم أبا محمد بتطويل الكلام على الأحاديث بما لا يناسب الأحكام المختصرة بلا أسانيد، وعمد إلى رواة لهم جَلالة وجلادة في العلم وحديثهم في معظم دواوين الإسلام فغمزهم بكون أن أحدًا من القدماء ما نصَّ على توثيقه. وقد تعقب على ابن القطان في توهيمه لعبد الحق تلميذه الحافظ الناقد أبو عبد الله محمد بن عيسى الموَّاق في كتاب سَمَّاه (المآخذ الحفال السامية في

وصف المخطوط

مآخذ الإجمال في شرح ما تَضمنه كتاب بيان الوهم والإيهام من الإخلال والإغفال) ولم يتمه وتولى تكميل تخريجه مع زيادات أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد السبتي الفهري المالكي صاحب الرحلة المشهورة (¬1) المتوفى سنة 721 هـ وقد اعتمده الحفاظ في التعديل والتجريح ومدحوه كالحافظ ابن حجر وغيره. الرسالة المستطرفة (ص 178). قال ابن القطان: هكذا رأيته (¬2) (أي عبد الحق) كتبه بخطه في كتابه الكبير حيث يذكر الأحاديث بأسانيدها، ثم اختصره (أي الوسطى) من هنالك. وصف المخطوط: قلنا لم نتمكن من الحصول على نسخة مكتبة القرويين بفاس وذكر السيد العابد الفاسي أنها برقم 219/ 40. نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق: وهي نسخة قيمة برقم 291 حديث كتبت سنة 1125 وخطها نسخي عدد أوراقها 231 ورقة. أوقفها الوزير سليمان باشا على مدرسته سنة 1150. وقد كتب عليها الأحكام الكبرى خطأ وهي الأحكام الوسطى. وهي النسخة الوحيدة التي اعتمدناها بالتحقيق. عملنا في الكتاب: 1 - قابلنا كل حديث بالمصدر الذي استقى منه المؤلف، ولما كانت المخطوطة فيها من الأخطاء الكثيرة وليسَ لدينا غيرها فقد صححنا الحديث على المصدر إنْ كان موثوقًا مثل الكتب الستة، وأهملنا الإشارة إلى ذلك إلا ¬

_ (¬1) الذي سمّاها مِلء العيبة بما جمع بطول الغيبة المتوفى سنة 721 هـ والرحلة المذكورة حقق ما عثر منها سماحة العلاّمة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجه أمد الله عمره- ونشرتها الشركة التونسية للتوزيع. (¬2) الوهم والإيهام ق 8/ ب.

قليلًا جدًا لئلا تثقل الهوامش بالتعليقات التي لا فائدة مها. 2 - ذكرنا مكان الحديث من المصدر الذي استقى منه المؤلف إن كان متوفرًا لدينا واكتفينا بذلك إلاّ نادرًا. 3 - لم نتعرض لاعتراضات ابن القطان على المؤلف لأنَّ أحدنا يقوم بتحقيق كتاب بيان الوهم والإيهام، وإن شاء الله تعالى سيكمله ويكون في متناول يد القارئ بعد طبعه قريبًا إن شاء الله. والله الموفق. حمدي عبد المجيد صبحي السامرائي

مقدمة الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال الفقيه المحدث الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي رحمه الله تعالى: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والتسليم على محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى جميع عباد الله الصالحين. أما بعد وفقنا الله وإياك، فإني جمعت في هذا الكتاب مفترقًا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في لوازم الشرع وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب، وذكر الثواب والعقاب، إلى غير ذلك من الآداب والرقائق والحكم والمواعظ، وفنونًا من الأدعية والأذكار، وجملًا في الفتن والأشراط، وأحاديث في معان أخر، مع نُبَذٍ من التفسير، مما يكسب حافظه العلم الكثير، والعامل به الحظ الخطير، والملك الكبير. ونقلتها من كتب الأئمة المشهورين، والجلة السابقين، سُرُج الدين، وهداة المسلمين: أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي. وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري. وأبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني. وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.

وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذي. وأضفت إلى ذلك أحاديث من كتب أخر، أذكرها عند ذكر الحديث منها، أو أذكر أصحابها أو المشهور برواية ذلك الحديث الذي أخرج، مثل أن أقول: ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة، أو ذكر ابن أبي شيبة، أو وروى وكيع بن الجراح، أو فلان، وإذا ذكرت الحديث لمسلم أو لغيره عن صاحب، ثم أقول: وعنه، أو وعن فلان وأذكر ذلك الصاحب أو صاحبًا آخر، فإنما كل ذلك لمسلم، أو من الكتاب الذي أذكر أولًا، حتى أسمي غيره، وربما تخللها كلام في رجل أو في شيء. وإذا قلت: وفي رواية أخرى أو وفي طريق آخر، ولا أذكر الصاحب، فإنه من ذلك الكتاب، وإن كانت الزيادة عن صاحب آخر ذكرت الصاحب وذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن ذلك الصاحب، عن النبي عليه السلام. وإذا ذكرت الحديث لمسلم أو لسواه، ثم أقول: زاد البخاري كذا وكذا، أو زاد فلان كذا وكذا، أو قال كذا وكذا ولم أذكر الصاحب ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه عن ذلك الصاحب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت الزيادة عن صاحب آخر، ذكرت الصاحب وذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما ذكرت الزيادة، وقلت: خرجها من حديث فلان، ولم أذكر النبي عليه السلام، ولكنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان حديثًا كاملًا ذكرت الصاحب، وذكرت النبي عليه السلام، وإن كانت الزيادة أو الحديث الكامل بإسناد معتل ذكرت علته، ونبهت عليها، بحسب ما اتفق من التطويل أو الاختصار، وإن لم تكن فيه علة كان سكوتي عنه دليلًا على صحته. هذا فيما أعلم، ولم أتعرض لإخراج الحديث المعتل كله، وإنما أخرجت منه يسيرًا مما عمل به، أو بأكثره عند بعض الناس، واعتمد عليه وفزع عند الحاجة إليه، والحديث السقيم أكثر من أن أتعرض له، أو أشتغل

به، وبعض هذه الأحاديث المعتلة ورد من طريق واحد، فذكرته منها، وربما بينته، ومنها ما ورد من طريقين أو أكثر، فذكرت منها ما أمكن، وأضربت عن سائرها، ومنها ما لم أُحص طرقه، ولو أردت ذلك لم أقدر عليه، ولا وجدت سبيلًا إليه، لضيق الباع، وقلة الاتساع، مع ما أكرهه أيضًا من التكرار، وأرغب فيه من التقريب والاختصار، وكثيرًا ما أخذت من كتاب أبي أحمد بن عدي الجرجاني حديثًا وتعليلًا، وكذلك من كتابي أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، كتاب السنن وكتاب العلل له، وأخذت كلامًا كثيرًا في التجريح والتعليل من كتاب أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ومن كتاب غيره، وربما أخذت حديثًا من كتاب وتعليلًا من كتاب آخر، أو كلامًا في رجل، وقد بينت ذلك في بعض المواضع، وأكثر ما أذكر من العلل ما يوجب حكمًا، ويثبت ضعفًا، ويخرج الحديث من العمل به إلى الرغبة عنه والترك له، أو إلى الاعتبار بروايته، مثل القطع، والإرسال، والتوقيف، وضعف الراوي، والاختلاف الكثير في الإسناد، وليس كل إسناد يفسده الاختلاف، وليس الإرسال أيضًا علة عند قوم، إذا كان الذي يرسله إمامًا، ولا التوقيف علة أخرى، إذا كان الذي يسنده ثقة، وضعف الراوي علة عند الجميع وضعف الراوي يكون بالتعمد للكذب، ويكون بالوهم، وقلة الحفظ، وكثرة الخطأ، وإن كان صادقًا، ويكون بالتدليس، وإن كان ثقة فيحتاج حديثه إلى نظر، ويكون أيضًا لجَرحِة أخرى مما يسقط العدالة أو يوهنها، أو رأي يراه الراوي، ومذهب يذهب إليه مما يخالف السنة، ويفارق الجماعة، وقد يكون داعية إلى مذهبه ذلك، وقد يكون يعتقده ويقول به ولا يدعو إليه، وبينهما عند بعضهم فرق. وللكلام في هذا موضع آخر، وإنما أذكر في هذا الكتاب كلام الأئمة في الراوي مختصرًا، وإذا ذكرته في موضع، وذكرت الكلام فيه، ووقع ذكره في موضع آخر، ربما ذكرت من تكلم فيه، وربما ذكرت ضعفه خاصة، وربما

ذكرت الجرحة في بعض المواضع، وربما قلت: لا يصح هذا من قبل إسناده، اتكالًا على شهرة الحديث في الضعف، وإنما أعلل من الحديث ما كان فيه أمر أو نهي أو يتعلق به حكم، وأما ما سوى ذلك، فربما كان في بعضها سمح، وليس منها شيء عن متفق على تركه فيما أدري وليس فيه أيضًا من هذا النوع إلَّا قليل. ولعل قائلًا يقول: قد كان فيما جمع أبو القاسم الزيدزي رحمه الله، ما يريحك من تعبك ويغنيك عن نصبك فما فائدتك فيما قصدت، وما الفائدة التي تعود عليك في هذا الذي جمعت. فأقول: والله المستعان إن لكل أحد رأيًا يراه، وطريقًا يلتمسه ويتوخاه، وإن أبا القاسم رحمه الله أخذ الأحاديث غثها وسمينها وصحيحها وسقيمها، فأخرجها بجملتها، ولم يتكلم في شيء من عللها، إلا في الشيء اليسير، والنادر القليل، وقد ترك أحاديث في الأحكام لم يخرجها، إذ لم تكن في تلك الكتب التي أخرج حديثها، وإن كان فيها أحاديث معتلة فقد أخرج أمثالها في الوهن، وتلك الأحاديث التي ترك قد أخرجت منها ما يسر الله عز وجل به، وما كان منها فيه علة فذكرتها، كما فعلت في سائر ما في الكتب من الحديث المعتل مما أخرجته منها، إلا أن تكون العلة لا توهن الحديث لضعفها، وقلة القائلين بها. وأيضًا فإن أبا القاسم عمد إلى الحديث فأخرجه من كتب كثيرة وترجم عليه بأسماء عديدة، ولم يذكر إلا لفظًا واحدًا، ولم يبين لفظ من هو، ولا من انفرد به، وقل ما يجيء الحديث الواحد في كتب كثيرة، إلا باختلاف في لفظ أو معنى، أو زيادة أو نقصان، ولم يبين هو شيئًا من ذلك، إلا في النزر القليل، أو في الحديث من المئة، أو في أكثر، أو فيما كان من ذلك، وليس الاختلاف في اللفظ مما يقدح في الحديث إذا كان المعنى متفقًا، ولكن الأولى

أن ينسب كل كلام إلى قائله، ويعزى كل لفظ إلى الناطق به، وأما ما كان في الحديث من الاختلاف معنى أو زيادة أو نقصان، فإنه يحتاج إلى تبيين ذلك وتمييزه، وتهذيبه وتحصيله، حتى يعرف صاحب الحكم الزائد والمعنى المختلف وإنما ترجم رحمه الله على الحديث الواحد بما ترجم عليه من الكتب، لتعرف شهرة الحديث وإخراج الناس له، وعمدت أنا إلى الحديث وأخرجته من كتاب واحد، ولفظ واحد، وكذلك ذكرت الزيادة من كتاب واحد، وبلفظ واحد ليعرف صاحب اللفظ ويتبين صاحب النص، وتقع نسبة الحديث إليه صحيحة. وإن الحديث إذا جاء من طريق واحد صحيح، ولم يجئ ما يعارضه فإنه يوجب العمل، وتلزم به الحجة، كما يوجب العمل وتلزم به الحجة إذا جاء من طرق كثيرة، وإن كانت النفس إلى الكثرة أميل، وبها أطيب إذا كانت الكثرة إنما اجتمعت ممن يوثق بحديثه، ويعتمد على روايته، وإن ذكر الحديث في مواضع كثيرة، ومجيئه في دواوين عديدة، شهرته عند الناس لا يخرجه عن منزلته، ولا يرفعه عن درجته في الحقيقة، وإنه إذا رجع إلى طريق واحد حكم له بحكم الواحد، فإن كان صحيحًا حكم له بحكم الصحيح، وإن كان سقيمًا حكم له بحكم السقيم؛ لأن الفرع لا يطيب إلآ بطيب الأصل، وكما أن التواتر إذا رجع إلى آحاد حكم له بحكم الآحاد، إلا أن يكون الإجماع على عمل يوافق حديثًا معتلًا، فإن الإجماع حكم آخر وهو الأصل الثالث الذي يرجع إليه، وليس ينظر حينئذ إلى علة الحديث، ولا لضعف الراوي ولا لتركه. ولم يشتهر بالصحة من الكتب التي أخرج أبو القاسم رحمه الله حديثها، إلا كتاب الإمامين، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمة الله عليهما، وسائرها لم يعرف بالصحة، ولا اشتهر بها، وإن كان فيها من الصحيح ما لم يجئ في الكتابين، كما أن فيها من السقيم ما يحتاج إلى الكلام فيه، والتنبيه عليه والتمييز له، وإلا كان قارئه

والعامل به يسير في ظلماء، ويخبط في عشواء، مع أن أحاديث في الكتابين قد تكلم فيها، ولم يسلم لصاحبها إخراجها في جملة الصحيح، وإن كان ذلك الاعتراض لا يخرج الكتابين عن تسميتهما بالصحيحين، ومع أن بعض الكلام في تلك الأحاديث تعسف وتشطط لا يصغى إليه ولا يعرج عليه. وقد أخرجت في هذا الكتاب أحاديث قليلة من كتاب، وتركتها في كتاب أشهر من الكتاب الذي أخرجتها منه، ثم نبهت على كونها في ذلك الكتاب المشهور، وإنما فعلت ذلك لزيادة في الحديث، أو لبيانه أو لكماله وحسن سياقه، أو لقوة سند في ذلك الحديث على غيره، ومنها ما فعلته نسيانًا ونبهت على الكل، وقد يكون حديثًا بإسناد صحيح، وله إسناد آخر أنزل منه في الصحة، لكن يكون لفظ الإسناد النازل أحسن مساقًا أو أبين، فآخذه لما فيه من البيان وحسن المساق، إذ المعنى واحد، وإذ هو صحيح من أجل الإسناد الآخر، أو يكون حديث تعضده آية ظاهرة البيان من كتاب الله تعالى، فإنه وإن كان معتلًا أكتبه؛ لأن معه ما يقويه ويذهب علته، وهذا النوع المعتذر عنه في هذا المجموع قليل. وجعلت هذا الكتاب مختصر الإسناد، ليسهل حفظه ويقرب تناوله، وتتيسر فائدته إلّا أحاديث يسيرة ذكرت سندها أو بعضه ليتبين الراوي المتكلم فيه لأنه ربما كان الراوي لا يعرف إلاّ حتى يذكر عن من روى، ومن روى عنه، وربما فعلت ذلك لقرب السند، وربما يكون مما تقدم ذكره والكلام عليه في موضع آخر ولغير ذلك، وربما ذكرت من الإسناد رجلًا مشهورًا يدور الحديث عليه، ويعرف به كما تقدم، وعلى كتاب مسلم في الصحيح عولت ومنه أكثر ما نقلت، وإلى الله عز وجل أرغب، ومنه تبارك وتعالى أسأل وأطلب أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه مقربًا إليه مزلفًا لديه، وأن يعين على العمل به والأخذ بما فيه، وأن ييسر لنا طريق النجاة، وسبيل الهداة، وأن يرزقنا طيب الحياة وكرم الوفاة برحمته لا رب غيره وهو المستعان، وعليه

باب في الإيمان

التكلان، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وصحبه الطيبين وسلم تسليمًا باب في الإيمان مسلم، عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجُهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتَقَفَّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون ألّا قدر، وأنَّ الأمر أُنُفٌ، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآءُ مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحد ذهبًا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِسلامُ أَنْ تَشهدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحمدًا رَسولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلًا" قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: "أَنْ تَؤمِنَ بَاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ وَاليومِ الآخَرِ، وَتُؤمِنَ

بالقَدرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ"، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: "أَنْ تَعبدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَراهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ" قال: فأخبرني عن الساعة، قال: "مَا المَسؤُولُ عَنْهَا بِأعَلمِ مِنَ السَّائِلِ"، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتطاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ"، قال: ثم انطلق فلبثت مليًا، ثم قال "يَا عُمَرُ: أَتدْرِي مَنِ السَّائِلِ؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُمْ يُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ" (¬1). معنى يتقفرون يتتبعون ويجمعون. ذكر هذا الحديث أبو جعفر العقيلي من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن يحيى بن يعمر قال فيه: فما شرائع الإسلام؟ قال: "تُقيم الصَّلاةَ وَتُؤتِي الزَّكَاةَ. . الحديث". قال العقيلي: كذا قال شرائع الإسلام، وتابعه على هذه اللفظة أبو حنيفة، وجراح بن الضحاك، قال: وهؤلاء مرجئة (¬2). لم يزد على هذا، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (8) وعند مسلم "حدثني أبي عمر" "حتى جلس إلى النبي" "عن أمارتها" "الحفاة العراة العالة رعاء الشاء". (¬2) الضعفاء (3/ 9 - 10). وعنده: هكذا قال: شرائع الإسلام الخ. وتمام كلام العقيلي: ورواه سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل، فذكر من هيئته، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادنه" فدنا حتى كادت تمس ركبته ركبته، فقال: يا رسول الله أخبرني ما الايمان أو عن الإيمان؟ قال: "تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر". قال سفيان: أراه قال: "خيره وشره" قال: فما الإسلام؟ قال: "إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والغسل من الجنابة" كل ذلك يقول: صدقت. ورواه حماد بن زيد عن مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر الحديث بطوله. وقال: فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: =

وعبد العزيز ثقة مشهور في الحديث متعبد، إنما كان صاحب رأي. ولمسلم في حديث أبي هريرة "مَا المَسؤولُ عَنْهَا بِأعَلم مِنْ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشراطَها، إِذَا رَأيْتَ الأُمَةَ تَلِدُ ربُتَّهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الحُفاةَ العُراةَ الصُّمَّ البُكْمَ مُلوكَ الأَرضِ، فَذاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأيْتَ رِعَاءَ البهمِ يَتطولونَ فِي البُنيانِ، فَذاكَ مِنْ أَشرَاطِهَا، فِي خَمْسِ مِنْ الغيبِ لاَ يعلمهُنَّ إِلَّا الله" ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم قام الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رُدوهُ عليّ" فالتمس فلم يجدوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا جِبريلُ أَرادَ أن تَعَلَّموا إِذ لَمْ تَسأَلُوا" (¬1). وفي طريق أخرى عن أبي هريرة: "وَتُقيمَ الصَّلاةَ المَكتوبةَ وَتُؤدِّي الزكاةَ المَفروضَةَ" (¬2). ¬

_ = "تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة" فذكره. ورواه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر: بينا نحن جلوس حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل عليه سيماء السفر، فتخطا، فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد ما الإسلام؟ ورواه كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة فذكره عن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر هكذا. ورواه زهير بن معاوية عن عبد الله بن عطاء عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر هكذا. ورواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر هكذا. ورواه داود بن أبي هند عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما الإسلام؟ فذكره كما قال الثوري ولم يقل عن عمر. (¬1) رواه مسلم (10). (¬2) رواه مسلم (9).

وعن ابن عباس قال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ الوَفدَ؟ " أو "مَنِ القَومَ؟ " قالوا: ربيعة، قال: "مَرحبًا بالقومِ أو بِالوَفدِ، غَيرُ خَزَايَا وَلا النَدامَى" قال: فقالوا: يا رسول الله: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلّا في شَهْرِ الحرام، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة، قال: فأمرَهم بأربع ونهاهم عن أربع، قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: "هَلْ تَدرونَ مَا الإِيمانُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شَهادةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلّا اللهُ وأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتاءُ الزَّكَاةِ، وَصَومُ رَمَضانَ، وَأَنْ تُؤدُّوا خُمسًا مِنَ المغنَمِ، ونهاهُمْ عنِ الدبَاءِ والحَنْتَمِ والمُزَقَّتِ والنَّقيرِ"، وربما قال: "المُقَيَّر" وقال: "احفظُوهُ وِأخبِرُوا بِهِ مَنْ وَرَاءَكُم" (¬1). وعن ابن عباس أن معاذًا قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّكَ تَأتِي قومًا مِنْ أَهلِ الكتابِ، فَادعهُمْ إِلى شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعلمهُمْ أَنّ اللهَ افترضَ عَليهمْ خَمسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يومِ وَليلةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذلكَ، فَأَعَلمهُمْ أَنَّ اللهَ افترضَ عَليهِمْ صَدقةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغنيائهِمْ وَتُردُّ فِي فُقرائِهمْ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذلكَ، فَإِيَّاكَ وَكرائِمَ أَموالِهِمْ، وَاتّقِ دَعوةَ المَظلُومِ فَإنَّهُ لَيسِ بَينَها وَبيْنَ اللهِ حِجَابٌ" (¬2). وفي طريق آخر "إِنكَ تَقدِمُ عَلَى قَومٍ مِنْ أهلِ الكِتابِ، فَلْيَكُنْ أَولُ مَا تَدْعوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرفُوا اللهَ فَأَخَبِرهُمْ. . الحديث". وفيه أنه عليه السلام بعثه إلى اليمن (¬3). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِي الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ شهادةِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (17). (¬2) رواه مسلم (19) وعند مسلم "قال إنك تأتي" و "فترد في فقرائهم". (¬3) رواه مسلم (19).

أَنْ لاَ إِلَه اِلاَّ اللهُ وأَن محمدًا عبدَهُ وَرَسولُهُ، وإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمضانَ" (¬1). وروى عبد السلام بن صالح الهروي قال: نا علي بن موسى الرضا ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي بن حسين، عن أبيه، عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِيمانُ مَعْرِفَةٌ بِالقَلبِ، وَإِقرارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَملٌ بِالأرْكَانِ" (¬2). وعبد السلام هذا ضعيف لا يحتج به، وحديثه هذا أخرجه قاسم بن أصبغ والعقيلي وغيرهما (¬3)، وقد رواه عن علي بن موسى الهيثم بن عبد الله وهو مجهول (¬4)، وداود بن سليمان القزويني (¬5)، وعلي بن الأزهر السرخسي وهما ضعيفان (¬6). ورواه الحسن بن علي العدوي عن محمد بن صدقة ومحمد بن تميم وهما مجهولان عن موسى بن جعفر والد علي، والحسن هو ابن على بن صالح بن زكريا أبو سعيد البصري، وكان يضع الحديث، ولا يتيسر هذا الحديث من وجه صحيح (¬7). مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمرتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس ¬

_ (¬1) رواه مسلم (16). (¬2) ورواه ابن ماجه (65) والطبراني وابن عدي (5/ 1968) والآجري في الشريعة (1/ 131) والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 12) وتمام في الفوائد (737 و 738) والخطيب في التاريخ (5/ 418 - 419 و 10/ 343 - 344 و 11/ 47) واتهم ابن عدي والدارقطني عبد السلام أبا الصلت بوضع هذا الحديث. (¬3) لم نره عند العقيلي. (¬4) رواه ابن عدي في الكلامل (2/ 754). (¬5) انظر لسان الميزان (2/ 417 - 418) حيث كذبه يحيى بن معين. (¬6) انظر الكامل (2/ 754). (¬7) انظر الكامل (2/ 754) لابن عدي.

حتَّى يَشْهدُوا أَنْ لاَ إِلَه إِلّا اللهُ، وَيُؤمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْت بهِ، فَإذَا فَعلُوا ذَلِك عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأموالَهُمْ إِلّا بِحَقِّها، وَحِسابُهُمْ عَلى اللهِ" (¬1). البخاري عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمرتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَه إِلّا اللهُ وَأنَ محمدًا رسولُ اللَّهِ، وَيقيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكاةَ، فَإِذَا فَعلُوا ذَلِكَ عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وأموالَهُمْ إِلّا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسابُهُمْ عَلَى اللهِ" (¬2). مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمًا، فقلت: يا رسول الله أعط فلانًا فإنه مؤمن، فقال النبي عليه السلام: "أَوْ مُسْلِمٌ؟ " أقولها ثلاثًا، ويرددها علىَّ ثلاثًا "أَوْ مُسْلِمٌ؟ " ثم قال: "إِنِّي لأُعطِي الرَّجلَ وَغَيرهُ أَحبُّ إِليّ مِنهُ مَخافةَ أَنْ يكبّهُ اللهُ فِي النَّارِ" (¬3). وذكر أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في مسنده، عن زيد بن الحباب عن علي بن مسعدة الباهلي، قال: حدثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِسلامُ عَلانِيّةً وَالإِيمانُ فِي القَلْبِ" ثم يشير بيده إلى صدره "التَّقْوَى هَا هُنَا التَّقْوَى هَا هُنَا" (¬4). هذا حديث غير محفوظ، تفرد به علي بن مسعدة، وعلي بن مسعدة روى عنه الأئمة يحيى بن سعيد وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم. قال البخاري: فيه نظر. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (21). (¬2) رواه البخاري (25) ومسلم (22). (¬3) رواه مسلم (150). (¬4) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في الإيمان (6) والمصنف (11/ 11) هكذا، ورواه العقيلي في الضعفاء (3/ 250) وابن عدي في الكامل (5/ 1850) وهو حديث ضعيف من أجله.

وقال ابن معين: صالح الحديث. وقال فيه أبو حاتم: لا بأس به، ووثقه أبو داود الطيالسي وروى عنه، وذكر له أبو أحمد الجرجاني ولم يجد فيه أكثر من قول البخاري وقال: هذا حديث غير محفوظ. مسلم عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد، ثائر الرأس نَسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمسُ صَلواتٍ فِي اليومِ وَاللَّيلَةِ" فقال: هل علي غيرهن؟ فقال: "لاَ إِلّا أَنْ تَطّوَعَ، وَصيامُ شَهرِ رَمضانَ"، فقال: هل عليّ غيره؟ فقال: "لاَ إِلّا أَنْ تَطّوعَ"، وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال: "لاَ إِلّا أَنْ تَطّوعَ"، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلحَ إِنْ صَدَقَ" (¬1). رواه عن أنس بن مالك بلفظ آخر وذكر فيه حج البيت (¬2). وعن جابر بن عبد الله أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئًا أأدخل الجنة؟ قال: "نَعَمْ" قال: والله لا أزيد على ذلك شيئًا (¬3). وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قُلْ آمنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (11). (¬2) رواه مسلم (12). (¬3) رواه مسلم (15). (¬4) رواه مسلم (38).

وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "وَالَّذِي نَفسُ مُحمّدٍ بِيدهِ لاَ يَسمعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ يَهودِيّ وَلا نَصْرَانِي، ثُمّ يَموتُ وَلَمْ يْؤمِنْ بِالَّذِي أُرسِلْتُ بِهِ إِلّا كَانَ مِنْ أَصحابِ النَّارِ" (¬1). خرجه عبد بن حميد في كتابه التفسير له، وقال: من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني. وذكر علي بن عبد العزيز في المنتخب عن يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَه إِلّا اللَّهُ لَمْ يَضرَّهُ مَعَها خَطيئةٌ كَما لَوْ أَشركَ بِاللهِ لَمْ تَنفعْهُ مَعَهَا حَسَنةٌ" (¬2). هكذا قال عن يحيى بن اليمان ويحيى بن اليمان لا يحتج بحديثه، وأكثر الناس يضعفه. والصحيح ما رواه أبو نعيم عن سفيان، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: جاء رجل أو شيخ فنزل على مسروق فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا. ." ثم ذكر مثله (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث حجاج بن النُصَير قال: نا المنذر بن زياد الطائي، عن زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر بن الخطاب يقول: كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان بالله شيء (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (153). (¬2) رواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/ 19). (¬3) ورواه أحمد (6586) والطبراني في الكبير وانظر تعليق المرحوم أحمد محمد شاكر على مسند الإمام أحمد. (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 650) لكنه عنده زيادة [سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول] وعده من منكرات حجاج.

حجاج ضعفه ابن معين والنسائي. وقال فيه أبو حاتم والبخاري وعلي بن المديني: متروك، ولفظ البخاري فيه سكتوا عنه. وقال فيه ابن معين مرة: شيخ صدوق، ولكن أخذوا عنه شيئًا من حديث شعبة. وذكر أبو أحمد أحاديث هذا منها، وقال: لا أعلم له شيئًا منكرًا غير هذا، وهو في غير ما ذكرته صالح، وهو حجاج بن نصير الفساطيطي. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي ذر وعبادة بن الصامت قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِرُّوا بِالإِيمانِ، وَتَسمّوا بِهِ، فَإِنَّهُ كَمَا لاَ يُخْرِجُ العَمَلُ الصَّالِحُ المُشْرِكَ مِن شِركِهِ، كَذَلِكَ لاَ يُخْرِجُ العَملُ السَّيِّئُ المُؤمِنُ مِنْ إيمَانِهِ" (¬1). العلاء بن كثير منكر الحديث ضعيف، ولا يصح أيضًا سماع مكحول عن عبادة، ولا من أبي ذر رضي الله عنهما. البخاري، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل، قال: "يَا معاذُ بنُ جبلَ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ بن جبل" قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثًا، قال: "مَا منْ أحدٍ يشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلّا اللَّهُ وَأنّ محمدًا رسولُ اللهِ صدْقًا منْ قلبهِ إلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلى النَّارِ" قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إِذًا يَتِكلُوا"، وأخبر بها معاذ عند موته تَأَثُمًا (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1861) ثم قال: وللعلاء بن كثير عن مكحول عن الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نسخ كلها غير محفوظة، وهو منكر الحديث. (¬2) رواه البخاري (128).

مسلم، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ماتَ وَهُوَ يعلمُ أنْ لاَ إلَه إِلَّا اللهُ دخلَ الجنَّةَ" (¬1). وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثٌ منْ كنَّ فيهِ وجدَ بهنَّ حلاوَةَ الإيمانِ، منْ كانَ اللهُ ورسولُهُ أحبّ إِليهِ مِمَّا سِواهُمَا، ويحبُّ المرءَ لاَ يُحبّهُ إِلا للهِ، وأنْ يكرَهَ أَنّ يَعودَ في الكفرِ بعدمَا أنقذَهُ اللهُ منهُ، كما يكرَهُ أَنْ يقذفَ فِي النَّارِ" (¬2). وعن أنس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يؤمنُ عبدٌ حتَّى أكونَ أحبّ إليهِ منْ أهلِهِ ومالِهِ والنَّاسِ أجمعينَ" (¬3). البخاري عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يؤمنُ أحدُكُمْ حتَّى يحبَّ لأخيهِ مَا يحبّ لنفسهِ" (¬4). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ بابًا، فأَدناهَا إِماطةُ الأذى عنِ الطريقِ، وأرفعُهَا قولُ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ". قال: هذا حديث حسن صحيح (¬5). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي المسلمين خير؟ قال: "منْ سلمَ المُسلمونَ منْ لسانِهِ ويدِهِ" (¬6). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمُ منْ سلمِ المسلمونَ من لِسانِهِ ويدِهِ، والمؤمنُ منْ أمنَهُ الناسُ علَى دمائِهِمْ وأموالِهِمْ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (26). (¬2) رواه مسلم (43). (¬3) رواه مسلم (44). (¬4) رواه البخاري (13) ومسلم (45). (¬5) رواه الترمذي (2617) بهذا اللفظ. (¬6) رواه مسلم (40). (¬7) الترمذي (2629) والنسائي (8/ 104 - 105).

قال: هذا حديث حسن صحيح. البخاري: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمانٌ باللهِ ورسولهِ" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهادُ فِي سبيلِ اللهِ" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌ مبرورٌ" (¬1). مسلم عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فَصَبَّحْنا الحرقات من جُهَيْنَة، فأدركت رجلًا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فَقتلته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقالَ لاَ إِله إلَّا اللهُ وقتلتَهُ! " قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: "أَفَلاَ شققتَ عنْ قلبهِ حتَّى تعلمَ أَقالَها أَمْ لاَ" فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذٍ (¬2). وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذاقَ طعمَ الإيمانِ منْ رضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وَبِمحمدٍ رَسولًا" (¬3). وعن عبد الله بن مسعود قال: قال أناس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله "أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "أَمّا منْ أحسنَ منكُمْ فِي الإسلامِ فَلاَ يؤاخذُ بِهَا، ومنْ أساءَ أُخِذَ بعملِهِ فِي الجاهليةِ والإِسلامِ" (¬4). وعن حكيم بن حزام أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي رسول الله أرأيت أمورًا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَسلمتَ عَلَى مَا أسلفتَ منْ خيرٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (26 و 1519) وفي اللفظ الأول عنده أي العمل أفضل. (¬2) ورواه مسلم (96) وكلمة فقتلته بعد فطعنته ليست في هذه الرواية عند مسلم. (¬3) رواه مسلم (34). (¬4) رواه مسلم (120). (¬5) رواه مسلم (123).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ اللهُ عَزَّ وجلَّ: إِذَا تحدّثَ عبدِي بأنْ يعملَ حسنةً، فأَنَا أكتبهَا لَهُ حسنةٌ مَا لمْ يَعملْ، فَإِذَا عملَهَا فأَنا أكتبَها بعشرٍ أمثالِهَا، وإِذَا تحدّثَ بأَنْ يعملَ سيئةً، فأنَا أغفَر لَهُ مَا لَمْ يعملْهَا، فَإِذَا عملَهَا فأَنَا أكتبهَا لهُ بمثلِهَا" (¬1). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالت الملائكةُ ربِّي ذاكَ عبدُكَ يريدُ أَنْ يَعملَ سيئةً وَهُوَ أبصرُ بِهِ، فقالَ: أرقبُوهُ، فَإنْ عملَهَا فاكتبُوهَا لَهُ بمثلِهَا، وَإنْ ترَكَهَا فاكتبُوها لَهُ حسنةً، إنّما تركَهَا مِنْ جَرَّايَ" (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أحسنَ أحدُكُمْ إسلامَهُ، فكلُّ حسنةٍ يعملهَا يكتبُ بعشرٍ أمثالِهَا إلى سبعُ مئةِ ضعفٍ، وكلُّ سيئةٍ يعملهَا تكتبُ بمثلِهَا حتَّى يَلقى اللهَ عَزَّ وجَلَّ" (¬3). قوله من جرّاي أي من أجلي. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ تَجاوزَ لأُمَّتِّي عَمّا حدثتْ بِه أنفسَهَا مَا لَمْ تَعملْ أَوْ تتكلمْ بِهِ" (¬4). وعنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: "وَقدْ وجدتمُوهُ"، قالوا: نعم، قال: "ذاكَ صريحُ الإيمانِ" (¬5). وعن عبد الله بن مسعود قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة فقال: "تلكَ مَحضُ الإيمانِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (129). (¬2) رواه مسلم (129). (¬3) رواه مسلم (129). (¬4) رواه مسلم (127). (¬5) رواه مسلم (132). (¬6) رواه مسلم (133).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتِي الشيطانُ أحدَكُمْ فيقولُ: منْ خَلقَ كَذَا وكَذَا، حتى يقولَ لهُ: منْ خَلَقَ ربَّكَ، فإِذَا بلغَ ذَلِكَ فليستعذْ باللهِ وليَنْتهِ" (¬1). وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ابن جُدْعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: "لاَ ينفعهُ إنه لَمْ يَقُلْ يومًا ربَّ اغفرْ لِي خطيئتِي يومَ الدّينِ" (¬2). وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لاَ يظلمُ مؤمنًا حسنةً يُعطَى بِهَا في الدُّنيَا ويُجزَى بِهَا فِي الآخرةِ، وأمَّا الكافرُ فيُطعمُ بحسناتِ مَا عملَ بِهَا للهِ فِي الدّنيَا حتَّى إِذَا أَفضَى إِلَى الآخرةِ لمْ تَكنْ لهُ حسنةً يُجزَى بِهَا" (¬3). وعن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذَّةً إلا اتَّبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا اليوم كما أجزأ فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَما إِنّهُ منْ أَهلِ النَّارِ"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جُرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذُبابَهُ بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: "ومَا ذَاكَ؟ " قال: الرجل الذي ذكرته آنفًا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابهُ بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (133). (¬2) رواه مسلم (214). (¬3) رواه مسلم (2808).

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "إِنّ الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ الجنّةِ فِيمَا يبدُو للنّاسِ وهوَ منْ أهلِ النَّارِ، وإن الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ النَّارِ فِيمَا يبدُو للنَّاسِ وَهُوَ منْ أهلِ الجنَّةِ" (¬1). زاد البخاري "وَإِنّما الأعمالُ بالخَواتمِ" (¬2). مسلم، عن أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ يُؤتَوْنَ أجْرَهُمْ مرتينِ، رجلٌ منْ أهلِ الكتابِ آمنَ بنبيّهِ وأدركَ النَّبيَّ فآمنَ بِهِ واتبعَهُ وصدَّقَهُ فلهُ أجرانِ، وعبدٌ مملوكٌ أَدَّى حقَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وحقَ سيدِهِ فلَهُ أجرانِ، ورجلٌ كانتْ لَهُ أمةٌ فَغَذَاهَا فأحسنَ غذاءَهَا، ثم أدَّبها فأحسن أدَبَهَا، ثم أعتقَهَا وتزوجَهَا فلهُ أَجرانِ". قال الشعبي وحدث بهذا الحديث: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة (¬3). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعنَّ سننَ الَّذِينَ منْ قبلكمْ شبرًا بشبرٍ وذِراعًا بذراعٍ، حتى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍ لاتَّبَعُوهُمْ"، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: "فَمَنْ؟ " (¬4). وعن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال: "تبايعُونِي عَلَى أنْ لاَ تُشرِكُوا باللهِ شَيئًا، ولا تَزنُوا، ولا تَسرِقُوا، ولا تقتلُوا النَّفسَ التِي حرَّمَ اللهُ إِلَّا بالحقِ، فمنْ وفَّى منكُمْ فَأجرُهُ عَلَى اللهِ، ومنْ أصابَ شيئًا منْ ذَلِكَ فعوقبَ بهِ فهوَ كفارةٌ لَهُ، ومن أصابَ شيئًا من ذلِكَ فسترَهُ اللهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (112) وفي المخطوطة "ولا فاذة" بعد شاذة، فحذفناها لأنها ليست عند مسلم. (¬2) رواه البخاري (6607). (¬3) رواه مسلم (154). (¬4) رواه مسلم (2669).

عليهِ فأمرُهُ إِلى اللهِ إِن شَاءَ عفَا عَنهُ، وإنْ شَاءَ عذّبَهُ" (¬1). وعن زيد بن خالد قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هَلْ تدرُونَ مَاذَا قَالَ ربُّكُمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قالَ: أصبحَ منْ عبادِي مؤمنٌ بِي كافرٌ، فأمَّا منْ قالَ مُطرنَا بفضلِ اللهِ ورحمتهِ، فذَلِكَ مؤمنٌ بِي وكافرٌ بالكوكبِ، وأمَّا منْ قَالَ مطرنَا بنوءِ كَذَا وكَذَا، فذلكَ كافرٌ بِي مؤمنٌ بالكوكبِ" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يزنِي الزَّانِي حينَ يَزنِي وَهُوَ مُؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حينَ يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربهَا وهُو مؤمنٌ، ولا ينتهبُ نهبةً ذاتَ شرفٍ يرفعُ النَّاسُ إِليهِ فِيهَا أَبصَارَهُمْ حينَ ينتهبُهَا وهُوَ مؤمنٌ، ولاَ يغلُّ أحدُكُمْ حينَ يغلُ وهُوَ مؤمنٌ، فإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالتوبةُ معروضةٌ بعدُ" (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَنى الرَّجلُ خرجَ منهُ الإيمانَ كَان عليه كالظِّلة، فإذِا انقلعَ رجعَ إِليه الإِيمانُ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ لاَ يُكلمُهُمُ اللهُ يومَ القيامةِ، ولاَ ينظُرُ إِليهمْ، ولا يُزَكِّيهمْ، ولهُمْ عذابٌ أليمٌ، رجلٌ علَى فَضلِ ماءٍ بالفلاةِ يمنعهُ منِ ابنِ السبيلِ، ورجلٌ بايعَ رجُلًا بسلعةٍ بعدَ العصرِ، فحلفَ لهُ باللهِ لأخذَهَا بكَذَا وكَذَا وهُوَ عَلَى غيرِ ذَلِكَ، ورَجلٌ بايعَ إِمَامًا لاَ يُبايعْهُ إِلَّا لدُنْيا، فَإنْ أعطاهُ مِنهَا وفّى، وإنْ لَمْ يُعطِهِ منهَا لَمْ يَفِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1709). (¬2) رواه مسلم (71). (¬3) ورواه مسلم (57) ولفظ المصنف مأخوذ من عدة روايات عند مسلم. (¬4) رواه أبو داود (4690) والحاكم (1/ 22) وهو على شرط مسلم. (¬5) رواه (108).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ لا يكلمهُمُ اللهُ يومَ القِيَامةِ، وَلاَ يزكيهِمْ، ولا ينظُرُ إليهم، ولهُمْ عذابٌ أَليمٌ، شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبُوا السبعَ المُوبقاتِ" قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النَّفسِ التِي حرَّمَ اللهُ إِلَّا بالحقِ، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، وأكلُ الرَّبَا، والتَّوَلِّي يومَ الزَحفِ، وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ" (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قتلَ نفسَهُ بحديدةٍ فحديدتُهُ فِي يَدِهِ يتوجَّأ بهَا فِي بطنِه فِي نارِ جهنَم خالدًا مخلدًا فيهَا أبدًا، ومنْ شربَ سمًّا فقتلَ نفسَهُ، فهو يتحسَّاهُ في نارِ جهنَّم خالدًا مخلدًا فيها أبَدًا، ومنْ تردَّى منْ جبلٍ فقتلَ نفسَهُ، فهوَ يتردَّى فِي نارِ جهنَّم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا" (¬3). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثنَتانِ فِي النَّاسِ هُمَا بهم كفرٌ، الطعنُ فِي النسبِ، والنياحةُ عَلى الميتِ" (¬4). وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بينَ الرَّجلِ وبينَ الشَّركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ" (¬5). وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبابُ المُسلمِ فسوقٌ، وقتالُهُ كفرٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (107). (¬2) رواه مسلم (89). (¬3) رواه مسلم (109). (¬4) رواه مسلم (67). (¬5) رواه مسلم (82). (¬6) رواه مسلم (64).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ رأَى منكُمْ منكرًا فليغيرْهُ بيدِهِ، فإنْ لَمْ يستطعْ فَبلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يستطِعْ فبقلبِهِ وذَلكَ أضعفُ الإِيمانِ" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكلِّ نبيٍ دعوةٌ مستجابَةٌ، فيعجلّ لكلِّ نبيٍ دعوتَهُ، وإِنِّي اختبأتُ دعوتِي شفاعةً لأمتِي يومَ القيامةِ، فَهِيَ نائلةٌ إِنْ شاءَ اللهُ منْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا" (¬2). الترمذي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شفاعَتِي لأَهلِ الكَبائِرِ منْ أُمَّتِي" (¬3). البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرجُ قومٌ مِنَ النَّارِ بعدَ مَا مسَّهُمْ مِنهَا سَفْعٌ، فيدخلونَ الجنةَ فُيسَميهمْ أَهلُ الجنَّةِ الجُهنميّينَ" (¬4). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَّا أهلُ النَّارِ الذِينَ هُمْ هلُهَا، فإنَّهُمْ لاَ يموتونَ فِيهَا وَلاَ يَحيونَ، ولكن ناسٌ أصابتهُمْ النَّارُ بذنوبِهِم، أَوْ قَالَ بخطاياهُمْ، فأَمَاتهُمُ اللهُ إماتةً حتَّى إِذَا كَانُوا فَحمًا أذنَ بالشفاعَةِ، فَجِيءَ بهِمْ ضبائِرَ ضبائِرَ فَبُثّوا عَلَى أَنهارِ الجنَّةِ ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهلَ الجنَّةِ أَفِيضُوا عليهِمْ فينبتونَ نباتَ الحبَّةِ تكونُ فِي حَمِيل السَّيْلِ"، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان بالبادية (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (49). (¬2) رواه مسلم (199). (¬3) رواه الترمذي (2437) ورواه أيضًا أحمد (3/ 213) وأبو داود (4739) وابن حبان (596 موارد) والطبراني في الكبير (749) والصغير (448) وابن أبي عاصم في السنة (831 و 832) والحاكم (1/ 69) وصححه ووافقه الذهبي. ورواه البيهقي في البعث والنشور والقضاعي في مسند الشهاب (236). (¬4) رواه البخاري (6559 و 7450). (¬5) رواه مسلم (185) وفي المخطوطة فأماتهم الله، وليست لفظة الجلالة عند مسلم.

باب انقطاع النبوة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -

باب انقطاع النبوة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - الترمذي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الرسالةَ والنّبوةَ قَدْ انقطعَتْ، فَلاَ رسولٌ بعدِي ولاَ نَبِيٌّ"، قال: فشق ذلك على الناس، فقال: "لكنَّ المبشِرَات"، قالوا يا رسول الله وما المبشرات: قال: "رُؤيا المسلمِ وَهِيَ جزءٌ منْ أَجزَاءِ النّبوةِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2273) ورواه أيضًا أحمد (3/ 267) والحاكم (4/ 391) وقال: صحيح على شرح مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

1 - كتاب العلم

كتاب العلم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وصحبه الطاهرين وسلم تسليمًا باب طلب العلم وفضله البزار، حدثنا محمد بن معمر النجراني نا أبو عاصم، عن إبراهيم بن سلام، عن حماد يعني ابن أبي سليمان، عن إبراهيم يعني النخعي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طلبُ العلمِ فريضةٌ علَى كُلِّ مُسلمٍ" (¬1). قال: هذا أحسن إسناد يروى في هذا عن أنس، ورواه من طريق حفص بن سليمان، عن كثير بن شنظير، عن محمد بن سيرين عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله قال: وحفص بن سليمان ليّن الحديث، وكل ما يروى عن أنس في هذ فأسانيده لينة. أبو داود، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ سلكَ طَرِيقًا يطلبُ فِيه عِلْمًا، سلكَ الله بِهِ طريقًا منْ طرقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ الملائكةَ ¬

_ (¬1) إبراهيم بن سلام مجهول وانظر العلل المتناهية (1/ 57 - 62) حول هذا الحديث.

لَتَضَعُ أجنحَتَها رِضًا لطَالِبِ العلمِ، وإِنَّ العالمَ ليستغفرَ لَهُ منْ فِي السمواتِ ومنْ فِي الأَرضِ، وَالحيتانُ فِي جوفِ الماءِ، وَإنَّ فضلَ العالَم عَلَى العابِدِ كَفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ علَى سائِرِ الكواكبِ، وَإنَّ العلماءَ ورثَةُ الأنبياءِ، وإِنَّ الأنبياءَ لَمْ يورثُوا دِينارًا ولا دِرهمًا، ورَّثوا العلمَ، فَمنْ أخذَهُ أخَذَ بحظٍ وافرٍ" (¬1). مسلم، عن معاوية هو ابن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يفقههُ فِي الدِّينِ، وإنَّما أَنَا قاسِمٌ ويُعطي اللهُ" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتانِ لاَ يجتمعَانِ فِي مُنافقٍ، حسنُ سمتٍ، ولا فقةٌ فِي الدِّينِ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذَا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنهُ عملَهُ إلَّا منْ ثَلاَثَةٍ، إلَّا منْ صدقةٍ جاريةٍ، أوْ علمٍ يُنتفعُ بِهِ، أَوْ ولدٍ صالحٍ يدعُوْ لَهُ" (¬4). وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ مَثلَ ما بعثنِي اللهُ منَ الهُدَى والعِلمِ كَمثَلِ غيثٍ أصابَ أَرضًا، فكانَ مِنهَا طائفةٌ طيبةٌ قبلتِ الماءَ، فأنبتَتِ الكَلأَ، والعشبَ الكَثيرَ، وكانتْ منهَا أجادبَ أمسكتِ الماءَ، فنفعَ اللهُ النَّاسَ فشرِبُوا منهَا، وسقَوْا ورَعَوْا وأصابَ طائفةً مِنهَا أُخرَى، إنَّما هِي قيعانٌ لاَ تمسكُ ماءً، ولا تُنبتُ كَلَأً، فذلِكَ مثلُ منْ فَقِهَ فِي دِينِ اللهِ ونفعَهُ بِمَا بعثنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وعلَّم، ومثلُ منْ لَمْ يرفعْ بذلكَ رأسًا وَلمْ يقبلْ هذَا الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3641 و 3642) ورواه أيضًا أحمد (5/ 196) والترمذي (2683) وابن ماجه (223) وابن حبان (88). (¬2) رواه مسلم (1037). (¬3) رواه الترمذي (2685). (¬4) رواه مسلم (1631). (¬5) رواه مسلم (2282).

باب في توقير العالم ومعرفة حقه، وهل يجعل له موضع مشرف يجلس عليه، ومن لم يدن منه، ولا سأله حتى استأذنه والإنصات له

وذكر ابن صخر في فوائده من طريق عثمان بن مقسم البري، عن المقبري أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ، عالمٌ لَمْ ينفعْهُ اللهُ بعلْمِهِ" (¬1). وعثمان هذا وثقه عبد الرحمن بن مهدي، وقال فيه عمرو بن علي صدوق، ولكنه كثير الوهم والخطأ، وكان صاحب بدعة، وذكروا أنه كان ينكر الميزان، ويقول: إنما هو ميزان العدل، ضعفته جماعة كثيرة، وتركت حديثه. باب في توقير العالم ومعرفة حقه، وهل يجعل له موضع مشرف يجلس عليه، ومن لم يدن منه، ولا سأله حتى استأذنه والإنصات له النسائي، عن أسامة بن شريك قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أصحابه عنده، كأن على رؤوسهم الطير (¬2). وذكر ابن وهب عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ منَّا منْ لَمْ يُجِلَّ كبيرَنَا، وَيَرحمْ صغيرَنَا، ويعرفْ لعالِمِنَا"، يعني حقه (¬3). خرجه أبو جعفر الطحاوي في بيان المشكل. وذكر النسائي عن أبي هريرة وأبي ذر قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهُمْ هو حتى يسأل، فطلبنا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الصغير (507) وابن عدي (5/ 1807) وهو ضعيف جدًا بسبب عثمان بن مقسم هذا فقد قال النسائي والدارقطني: متروك. (¬2) رواه النسائي في العلم والطب من الكبرى. ورواه أبو داود (3855) وأبو داود الطيالسي (1747) وأحمد (4/ 278) والطبراني في الكبير (463 و 486) والحاكم (4/ 399 و 400) (¬3) رواه أحمد (5/ 323) والحاكم (1/ 122) وهو حديث حسن.

إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانًا من طين يجلس عليه، وانا لجلوس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه، إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دَنَسٌ حتى سلم من طرف السماط، فقال: السلام عليكم يا محمد، فرد عليه السلام، قال: أدنو يا محمد؟ قال: "ادْنُهْ" فما زال يقول: أدنو يا محمد مرارًا، ويقول: "ادْنُ" حتى وضع يديه على ركبتي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الحديث وسؤاله عن الإيمان وغيره بنحو ما تقدم لمسلم في أول هذا الكتاب (¬1). وذكر أبو داود الطيالسي هذا الحديث في مسنده، من حديث عمر بن الخطاب، وقال فيه: حتى كانت ركبتيه عند ركبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أسألك قال: "سَلْ. . . وذكر الحديث" (¬2). وخرج مسلم عن جرير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "استنصِتِ النَّاسَ"، ثم قال: "لاَ ترجعُوا بَعدِي كُفارًا يَضربُ بعضُكُمْ رقابَ بَعضٍ" (¬3). وذكر ابن المبارك عن أنس بن مالك قال: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب فقال: "يَا بلالُ أَنصتْ لِيَ النَّاسَ"، فقام بلال، فقال: انصتوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنصت الناس فقال: "معاشرُ النَّاسِ أَتَانِي جبريلُ آنفًا فَأقرأَنِي منْ رَبِّي السَّلاَمَ، وَقالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غفرَ لأَهلِ عرفاتَ وأَهلِ المِشعرِ، وضَمنَ عَنهُمُ التباعَاتَ"، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 101 - 103). (¬2) رواه أبو داود الطيالسي (19). (¬3) رواه مسلم (65) وفي المخطوطة "استنصت لي الناس" فحذفنا كلمة "لي" لأنها ليست عند مسلم.

باب الوصية لطالب العلم والدعاء له

هذا لنا خاصة؟ فقال: "هَذَا لَكُمْ وَلمنْ أَتَى منْ بعدِكُمْ إِلَى يومِ القيامةِ" فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب (¬1). باب الوصية لطالب العلم والدعاء له الترمذي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ النَّاسَ لَكُم تبعٌ، وإنَّ رِجالًا يأتونَكُمْ مِنْ أقطارِ الأَرضِ يتفقهُونَ، فَإِذَا أتاكُمْ فاستوصُوا بِهِمْ خَيْرًا" (¬2). مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى الخلاء، فوضَعْتُ له وَضُوءًا فلما خرج قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " قالوا: ابن عباس، قال: "اللَّهُمَّ فَقّهْهُ" (¬3). وقال البخاري: "اللَّهُمَّ فَقهْهُ فِي الدّينُ" (¬4). وقال ابن عباس أيضًا: ضمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ" (¬5). النسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن عند رسول ¬

_ (¬1) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 39) وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عنه فذكره، ولم يذكر من رواه. (¬2) رواه الترمذي (2652 و 2653) وابن ماجه (2049) والرامهرمزي في المحدث الفاضل (22) الخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص 21 و 22) والفقيه والمتفقه (2/ 116) والجامع (1/ 148 و 350) وعبد الرزاق في المصنف (20466) ومن طريقه البغوي في شرح السنة (134) وتمام في الفوائد (142 - 150) والعلائي في بغية المتلمس (ص 26) وهو حديث ضعيف لأن في إسناده أبا هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين، وهو متروك. (¬3) رواه مسلم (2477). (¬4) رواه البخاري (143). (¬5) رواه البخاري (75).

باب ما يذكر من عالم المدينة

الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله أخبرنا عن ثياب الجنة، أخلق تخلق، أو نسج تنسج، فضحك منه القوم فقال مم تضحكون؟ أَنْ جَاهِلٌ يسأل عالمًا، فجلس يسيرًا أو قليلًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أينَ السَّائِلُ عَنْ ثِيابِ الجنَّةِ" قال: ها هو ذا يا رسول الله، قال: "بَلْ تشقَقُ عنهَا ثَمرُ الجنَّةِ" قالها ثلاثًا (¬1). باب ما يذكر من عالم المدينة الترمذي، عن أبي هريرة، رواية "يوشكُ أَن يضربَ النَّاسُ أَكبادَ الإِبلِ يَطلبونَ العِلْمَ فَلاَ يجدونَ أَحَدًا أَعلمَ مِنْ عَالِمِ المدينةِ" (¬2). قال أبو عيسى [الترمذي]: هذا حديث حسن صحيح. قال عبد الرزاق: هو مالك بن أنس. باب الاغتباط بالعلم مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لاَ حسدٌ إلَّا فِي اثنتينِ، رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فسلَّطَهُ اللهُ عَلى هلكَتِهِ فِي الحقِّ، ورجل آتاهُ اللهُ حكمةً فهُوَ يَقضِي بهَا ويعلّمهَا" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في العلم من الكبرى. وفي المخطوطة عن عمرو بن العاص وهو خطأ. والحديث عند أحمد (6890 و 7095) وراجع تعليق المرحوم أحمد محمد شاكر عليه. (¬2) رواه الترمذي (2682) وليس عنده صحيح بل حسن فقط، وهو ضعيف لأن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان وقد عنعنا. وانظر التعليق على بغية الملتمس (ص 66 - 67). (¬3) رواه مسلم (816).

باب ما جاء فيمن طلب العلم لغير الله

باب ما جاء فيمن طلب العلم لغير الله أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تعلَّمَ عِلْمًا مِمّا يُبْتَغى بِهِ وُجهُ اللهِ لاَ يتعلمْهُ إِلّا ليصيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنيَا لَمْ يِجد عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ"، يعني ريحها (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَولَ النَّاسِ يُقْضَى يومُ القيامةِ عَلَيْهِ رجلٌ اسْتُشْهِدَ، فأُتِيَ به فَعَرَّفه نعمَهُ فعرفَهَا، قَالَ: فَمَا عملتَ فِيهَا؟. قَالَ: قَاتلتُ فيكَ حتَّى استشهدْتُ، قالَ: كذبتَ، ولكنَّكَ قاتلتَ ليقالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حتى أُلقَي فِي النَّارِ، ورجلٌ تعلَّم العِلمَ وعلَّمه، وقرأَ القُرآنَ فأُتي به فعرَّفه نعمَهُ فعرفَهَا، قَالَ: فَمَا عملتَ فِيهَا؟ قَالَ: تعلَّمتُ العلمَ وعلَّمْتُهُ، وقرأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كذبتَ، ولكنَّكَ تعلمْتَ العِلمَ ليقالَ عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقالَ هُوَ قارئٌ، فقدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحبَ وَجهِهِ حتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ، ورجلٌ وسَّعَ اللهُ عليهِ وأعطَاهُ منْ أصنافِ المالِ كلَّهِ، فَأُتِيَ بهِ فعرّفَهُ نعمَهُ فَعرِفَهَا، قَالَ: فَما عملتَ فِيهَا؟ قالَ: مَا تَركتُ منْ سبيلٍ تحبُّ أَنْ ينفقَ فِيهَا إلَّا أنفقتُ فِيهَا لَكَ، قالَ: كذبْتَ، ولكنَّكَ فعلتَ ليقالَ هُو جوادٌ، قِيلَ ثُمَ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سُئلَ عنْ علمٍ فكتمَهُ، أَلجَمَهُ اللهُ بِلجامٍ منْ نارٍ يومَ القيامةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3664) ورواه أيضًا ابن ماجه (252) وأحمد (2/ 338) والحاكم (1/ 85) وصححه ووافقه الذهبي، ولفليح بن سليمان متابع عند ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 190). (¬2) رواه مسلم (1905). (¬3) رواه أبو داود (3658) ورواه أيضًا الترمذي (2651) وابن ماجه (261).

باب من رفع صوته بالعلم، ومن استحيى فأمر غيره بالسؤال، ومن أجاب بأكثر مما سئل، ومن سئل وهو في حديث فأتم حديثه ثم أجاب السائل، ومن أجاب بالاشارة

باب من رفع صوته بالعلم، ومن استحيى فأمر غيره بالسؤال، ومن أجاب بأكثر مما سئل، ومن سئل وهو في حديث فأتم حديثه ثم أجاب السائل، ومن أجاب بالاشارة البخاري، عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويلٌ للأَعقابِ منَ النَّارِ" (¬1). مسلم: عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فكنت أستحيي أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته، فأمرت المقداد فسأله، فقال: "يغسلُ ذكرَهُ ويتوضّأُ" (¬2). وذكر علي بن عبد العزيز في المنتخب عن سعد بن أبي وقاص، قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان، فأين هو؟ فقال: "فِي النَّارِ"، فكأنَّ الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ فقال: "حيثُ ما مررتُ بقبرِ كافرِ فبَشِّرْهُ بالنَّارِ"، قال: فأسلم الأعرابي بعد فقال: لقد كلفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعبًا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار (¬3). وقال مسلم: عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "فِي النَّارِ" فلما قفا دعاه، فقال: "إِنَّ أَبِي وَأبَاكَ فِي النَّارِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (163) وفي أماكن أخرى. (¬2) رواه مسلم (303) وفي مسلم وكنت أستحيي. (¬3) رواه البزار (93 كشف الأستار) والطبراني في الكبير (326) ابن السني في عمل اليوم والليلة (588) والبيهقي في الدلائل (1/ 139 - 140) والضياء في المختارة (1/ 333) وسنده صحيح. (¬4) رواه مسلم (203).

باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره ومن برك على ركبتيه عند الإمام أو العالم

وذكر البخاري عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: "أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلَ عَنِ السَّاعةِ"، قال: ها أنا يا رسول الله قال: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمانةُ فانتظرِ السَّاعةَ" فقال: كيف إضاعتها، فقال: "إِذَا أُوسدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ فانتظرِ السَّاعَةَ" (¬1). وعن أبي هريرة أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقبضُ العِلمُ ويظهرُ الجَهلُ والفتنُ، ويَكثرُ الهَرجُ"، قيل يا رسول الله وما الهرج، فقال: هكذا بيده فحرَّفَهَا كأَنَّه يريد القتل (¬2). باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره ومن برك على ركبتيه عند الإمام أو العالم البخاري، عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رجل: يا رسول الله لا أكاد أدرك لصلاة مما يُطَوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبًا من يومئذ فقال: "يَا أَيُّها النَّاسُ إِنكُمْ منفِّرونَ، فمَنْ صلَّى بالنَّاسِ فَلْيُخفف، فَإِنَّ فيهِمِ المَريضَ، والضَّعيفَ، وَذَا الحَاجَةِ" (¬3). النسائي، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام، فحدث الناس، فقام إليه رجل، فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فبسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، فقلنا له اقعد فإنك سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكره، ثم قام الثانية فقال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (59 و 6496). (¬2) رواه البخاري (85) وأماكن أخرى. (¬3) رواه البخاري (90) وأماكن أخرى.

يا رسول الله متى الساعة؟ فبسر في وجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد من الأولى، ثم قام الثالثة فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَيحكَ، ومَاذَا أَعددْتَ لَهَا؟ " فقال الرجل: أعددت لها محبة الله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسْ فَإِنَّكَ معْ مَنْ أَحْبَبتَ" (¬1). وقال مسلم في هذا الحديث: "المرءُ مع منْ أَحبَّ" (¬2). وقال الترمذي: "المرءُ مع منْ أحبَّ ولهُ مَا اكتسبَ". مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حين زاغت الشمس، فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أمورًا عظامًا، ثم قال: "مَنْ أَحبَّ أَنْ يَسألنِي عنْ شَيءٍ، فليسألنِي عنْهُ، فَواللهِ لاَ تسألونَنِي عنْ شَيءٍ إلَّا أخبرتُكُمْ بهِ مَا دمتُ فِي مقامِي هَذَا" (¬3). قال أنس بن مالك: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: "سَلُونِي" فقام عبد الله بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول الله، فقال: "أَبُوكَ حُذافةَ"، فلما أكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن يقول: "سَلُونِي"، برك عمر، فقال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلَى والَّذِي نفسُ مُحمدٍ بيدِهِ لقَدْ عُرِضَت عليَّ الجنَّةُ وَالنَّارُ آنفًا فِي عَرضِ هَذا الحَائِطِ، فَلمْ أَرَ كاليومِ فِي الخَيرِ والشَّرِ. ." وذكر باقي الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في العلم من الكبرى كما في تحفة الأشراف (1/ 240)، ورواه هكذا أحمد (3/ 167). (¬2) أي العنوان عند مسلم كذلك، وأما لفظ الحديث فعنده "أنت مع من أحببت" فأنت مع من أحببت" "فإنك مع من أحببت". (¬3) رواه الترمذي (2387). (¬4) رواه مسلم (2359).

باب من خص بالعلم قوما دون آخرين، ومن سمع شيئا فراجع فيه وطرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم، وقد تقدم في باب الإيمان قول معاذ وقد حدثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث: يا رسول الله أفلا أخبر الناس فيستبشرون قال: إذا يتكل

وفي طريق آخر "إِنِّي صُوِّرَتْ لِىَ الجَنَّةُ والنَّارُ فرأيتهُمَا دونَ هَذَا الحائِطِ" (¬1). وقال البخاري: "لَقَدْ رَأيتُ الآنَ منذُ صليتُ لكُمْ الصَّلاةَ الجنَّةَ والنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الجِدَارِ" (¬2). وفي لفظ آخر "لَقَدْ عُرِضَتْ عَليّ الجنَّةُ والنَّارُ آنفًا فِي عرضِ هَذا الحائطِ وَأنَا أُصلِّي" (¬3). باب من خص بالعلم قومًا دون آخرين، ومن سمع شيئًا فراجع فيه وطرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم، وقد تقدم في باب الإيمان قول معاذ وقد حدثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث: يا رسول الله أفلا أخبر الناس فيستبشرون قال: إذًا يتكلوا البخاري، عن ابن أبي مليكة، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ"، قالت عائشة، فقلت أوَليس يقول الله عز وجل {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فقال: "إِنَّمَا ذَلكَ العرضُ منْ نُوقِشَ الحِسَابُ يَهلكُ" (¬4). مسلم، عن أم بشير أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة: "لاَ يدخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَصحابِ الشجرةِ أَحدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحتَهَا"، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2359). (¬2) رواه البخاري (749). (¬3) رواه البخاري (7294). (¬4) رواه البخاري (103) وعنده وأن النبي قال: "من حوسب" فوضعنا النبي بين معكوفين.

باب القراءة والعرض على المحدث وروي عن الحسن والثوري ومالك القراءة جائزة

قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (¬1). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجرةٌ لاَ يسقطُ وَرقُهَا، وإِنَّهَا مثل المُسْلِمِ فحدَّثُونِي مَا هِيَ؟ " فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: فقال: "هِيَ النَّخْلَةُ"، قال: فذكرت ذلك لعمر، فقال: لأن تكون قلت هي النخلة أحب إليَّ من كذا وكذا (¬2). باب القراءة والعرض على المحدث وروي عن الحسن والثوري ومالك القراءة جائزة مسلم، عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقلُ فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال: "صَدَقَ" قال: فمن خلق السماء؟ قال: "اللهُ" قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله" قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله" قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، الله أرسلك؟ قال: "نَعَمْ" قال وزعم رسولك ان علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: "صَدَقَ"، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: "نَعَمْ" قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: "صَدَقَ"، قال: فبالذي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2496). (¬2) رواه مسلم (2165).

باب في المناولة وهي أربع ضروب

أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نَعَمْ" قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: "صَدَقَ" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نَعَمْ" قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا، قال: "صَدَقَ" [قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؛ قال: "نَعَمْ"]، ثم قال، ثم وَلَّى قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَئِنْ صَدَقَ ليدخلنَّ الجنَّةَ" (¬1). وقال البخاري: فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر (¬2). باب في المناولة وهي أربع ضروب الإجازة وأعلاها وصفتها أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابًا فيقول له: هذا الكتاب قد صححته وعلمت ما فيه فحدث به عني، أو يقول كلامًا في معناه. البخاري، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه رجلًا وأمره أن يدفع إلى عظيم البحرين. . . وذكر الحديث (¬3). باب تعليم الجاهل مسلم: عن أبي رفاعة العدوي قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (12) وما بين المعكوفين ليس عند مسلم. (¬2) رواه البخاري (63). (¬3) رواه البخاري (64).

باب في التبليغ ونشر العلم والكتابة به إلى البلدان

قال: فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليَّ وترك خطبته، حتى انتهى إليَّ، فأُتيَ بكرسي حسبت قوائمه حديدًا، قال: فقعد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتمّ آخرها (¬1). وعن مالك بن الحويرث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال: "ارْجَعُوا إِلى أَهلِيكُمْ فَأقِيمُوا فِيهِمْ وَعلِّمُوهُمْ" (¬2). باب في التبليغ ونشر العلم والكتابة به إلى البلدان وفي الحديث الذي لا تعضده الأصول، وما يكره من الكلام في المسائل قبل وقوعها، والنهي عن اعتراض حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في التسوية بينه وبين كتاب الله عز وجل بالحكم والأمر باتباعه، وقول الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}. البخاري، عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيةً، وحدِّثُوا عنْ بَنِي إسرائيلَ وَلاَ حَرجَ، ومنْ كَذبَ عليَّ مُتَعمِّدًا فَليتبَوأْ مقعدَهُ منَ النَّارِ" (¬3). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نَضرَّ اللهُ امْرءًا سمعَ منَّا شَيئًا فبلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبلغٍ أَوْعَى منْ سامعٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (876). (¬2) رواه مسلم (674). (¬3) رواه البخاري (3461). (¬4) رواه الترمذي (2659).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نضَّرَ اللهُ امْرِءًا سمعَ منَّا حَدِيثًا فحفِظَهُ حتَّى يُبَلِّغْهُ غيرَهُ، فَرُبَّ حَاملِ فقهٍ إِلَى مَن هُوَ أفقهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حاملِ فقهٍ لَيسَ بفَقيهٍ" (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسمعونُ ويُسمعُ مِنْكُمْ، ويُسمعُ ممَّنْ يَسمعُ مِنْكُمْ" (¬2). مسلم، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كتب إلى أهل جُرَش ينهاهم عن خليط التمر والزبيب (¬3). الدارقطني عن ابن أبي ذئب، عن المقبري عن. أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَخَذتُمْ عَنِّي بِحديثٍ تَعرفُونَهُ ولاَ تُنكرونَهُ، فصدِّقُوا بِهِ، وَمَا تُنكرُونَهُ فَكَذِّبُوا بِهِ" (¬4). وزاد في طريق أخرى يرجع إلى ابن أبي ذئب بهذا الإسناد، فأنا أقول ما يعرف ولا ينكر ولا أقول ما ينكر ولا يعرف. وقال أبو جعفر الطحاوي في بيان المشكل، وذكر الحديث عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد فصدقوا به، قلته أو لم أقله. وذكر أبو بكر البزار في مسنده، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمعتُم الحديثَ تعرفُهُ قُلُوبَكُمْ، وتَلينُ لَهُ أشعارُكُمْ وأبشارُكُمْ، وتدرونَ أنَّهُ منكُمْ قَريبٌ، فَأَنا أَولاكُمْ بِهِ، وَإِذَا سمعتُمُ الحَديثَ تقشعِّرُ منهُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2658). (¬2) رواه أبو داود (3659). (¬3) رواه مسلم (1990). (¬4) ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 391) وابن عدي في الكامل (1/ 26).

جلودكُمْ، وتَتَغيَّرُ لَهُ قلوبكُمْ وأَشعاركُمْ، وتَدرونَ أَنَّهُ مِنكُمْ بَعيدٌ، فَأنَا أبعَدُكُمْ منه" (¬1). عبد الملك بن سعيد ذكره أبو محمد بن أبي حاتم، ولم يذكر أحدًا روى عنه إلا ربيعة بن أبي عبد الرحمن (¬2). وذكر أبو بكر البزار في مسنده أيضًا عن أبي معشر المدني، عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأعرفنَّ أَحدَكُمْ متكئًا أَتَاه عَنِّي حديثٌ وَهُو مُتكِّئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يقولُ: اتلُوا بهِ عَليَّ قُرآنا مَا جاءكُمْ منْ خَيرٍ أَنا قلتهُ، وَإِنْ لَمْ أَقلْهُ، فَأنَا أَقُولُهُ: ومَا جَاءَكُمْ منْ شرٍّ فَأَنا لاَ أَقولُ الشَّرَّ" (¬3). أبو معشر اسمه نجيح، وروى عنه الجلة الليث بن سعد، وهشيم، ويزيد بن هارون، ووكيع، والثوري، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم. ولم يكن قويًا في الحديث، إلا أن هشيمًا كان يقوي أمره، ويقول: ما رأيت مدنيًا يشبهه. أبو داود، عن معاوية بن أبي سفيان، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغلوطات. الغلوطات: شرار المسائل (¬4). وفي كتاب مسلم عن سهل بن سعد في حديث اللعان: كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (187 كشف الأستار) وعنده في المكانين ترون بدل تدرون وتنفر منه قلوبكم ورواه ابن سعد (1/ 387 - 388) وعبد الغني المقدسي في العلم (2/ 43/ 2) وابن وهب في المسند (8/ 21164) وأحمد (3/ 425 و 497)، وابن حبان (63) وهو حديث حسن. (¬2) الجرح والتعديل (2/ 2/ 351) وذكر من الرواة عنه بكير بن الأشج أيضًا، وهو ثقة. (¬3) رواه البزار (126) كشف الأستار. ورواه أيضًا ابن ماجه (21) وأحمد (2/ 367 و 483) وهو حديث ضعيف. (¬4) رواه أبو داود (3656). (¬5) رواه مسلم (1492).

وسيأتي الحديث بكماله إن شاء الله عز وجل. النسائي، عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انظرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فافعَلُوهُ" فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق فدخل على عائشة وهو غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله، قال: "ومَا لِي لاَ أَغضبُ وَأَنَا آمُرُ بالأَمرِ فَلاَ أُتّبعُ" كانوا قد أحرموا بالحج، فأمرهم عليه السلام أن يحلوا بعمرة (¬1). أبو داود، عن أبي رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ أُلفينَّ أحدَكُمْ مُتكئًا عَلَى أَريكتهِ يَأتِيهِ الأمرُ منْ أمرِي بما أمرتُ بهِ أَوْ نهيتُ عنهُ فيقولُ: لا أَدرِي مَا وجدنَا فِي كتابِ اللهِ اتَّبعنَاهُ" (¬2). وعن العرباض بن سارية أنه حضر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس، وهو يقول: "أَيُحبّ أحدُكُمْ مُتكِئًا عَلى أريكتِهِ قَدْ يَظنّ أَنَّهُ لَمْ يحرم اللهُ شَيئًا إلَّا فِي هَذَا الكِتَابِ، أَلاَ وَإِنِّي واللهِ قَدْ أَمرتُ وَوَعظتُ ونَهيتُ عَنْ أَشياءَ، إِنَّها لَمثلِ القُرآنِ أَوْ أَكثرَ" (¬3). الترمذي، عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يبلغُهُ الحديثَ عَنِّي، وَهُوَ مُتَّكئٌ عَلَى أَريكَتِهِ فيقولُ: بينَنَا وبينكُمْ كتابُ اللهِ، فمَا وجدنَا فيهِ حَلالًا استحللنَاهُ، وما وجدنَا فِيه حَرامًا حرَّمنَاهُ، وإنَّ مَا حَرَّمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كمَا حرَّمَ اللهُ" (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) لم نره عند النسائي، ونسبه الحافظ المزي في الأطراف إلى النسائي في عمل اليوم والليلة، ولم نجده فيه. ورواه أحمد (4/ 286) وابن ماجه (2982). (¬2) رواه أبو داود (4605) والترمذي (2666) وابن ماجه (13). (¬3) رواه أبو داود (3050) وسنده ضعيف بسبب أشعث بن شعبة. (¬4) رواه الترمذي (2667) وأبو داود (4604) وابن ماجه (12).

باب في القصص

أبو داود، عن أبي هريرة رفعه قال: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلى المُؤمنِينَ لأمَرتُهُمْ بِتَأْخِيرِ العِشاءِ, وبِالسواكِ عندَ كُلِّ صَلاةٍ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أنه سمعِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا نَهيتكُمْ عنْهُ فَاجتنبُوهُ، ومَا أَمرتُكُمْ بِهِ فافعلُوا مِنْهُ ما استطعتُمْ، فَإِنَّمَا أَهلَكَ الذَّيِنَ مِنْ قَبلِكُمْ كَثرةَ مسائِلِهِمْ واختلافِهِمْ عَلى أنبيائِهِمْ" (¬2). وذكر أبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى حديث عبد ة بن حَزْن النصري، وكانت له صحبة، قال: كانوا يفعلون أشياء فكرهها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له لو نهيتهم، فقال: "لَوْ نهيتُ رِجَالًا أَنْ لاَ يَأتُوا الحجونَ لأتُوهَا مَا لَهُمْ بِهَا حَاجةٌ" (¬3). باب في القصص أبو داود من حديث عمرو بن عبد الله السيباني، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يقصُّ إِلّا أميرٌ، أَوْ مَأمورٌ، أَوْ مُختالٌ" (¬4). عمرو بن عبد الله ليس بمشهور فيما أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (46). (¬2) رواه مسلم (1337). (¬3) قال الحافظ في الإصابة (4/ 390) وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريق الثوري عن أبي إسحاق أنه سمع عبدة بن حزن النصري يقول: فذكره، ثم قال: رجاله أثبات. ورواه الطبراني في الكبير (جـ 18 رقم 159). (¬4) رواه أبو داود (3665) وله طرق، فهو صحيح. (¬5) قال الحافظ في التقريب: مقبول.

باب ما يكره من التعمق في الدين والتنازع

البزار، عن ابن عمر قال: لم يقص على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبي بكر، ولا عمر (¬1). وذكر من حديث شريك هو ابن عبد الله عن أبي سنان، عن أبي الهذيل عن خباب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ بَنِي إسرائيلَ لَمَّا ضلُّوا قَصُّوا" (¬2). قال: في هذا الإسناد إسناد حسن، كذا قال: وليس مما يحتج به (¬3). باب ما يكره من التعمق في الدين والتنازع مسلم، عن عائشة قالت: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر فَتَنَزَّهَ عنه ناس من الناس، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب حتى بأن الغضب في وجهه، ثم قال: "مَا بالُ أَقوامٍ يرغبونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ، فواللهِ لأَنا أَعلمهُمْ بِاللهِ، وأشدُهُمْ لَهُ خشيةً" (¬4). وعن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤُوا القرآنَ مَا ائتلفَتْ قلوبَكُمْ، فَإِذَا اختلفتُمْ فِيهِ فَقُومُوا" (¬5). باب الدارقطني، عن جبرون بن واقد، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، ¬

_ (¬1) لم نره في كشف الأستار ولا مجمع الزوائد. (¬2) كذلك لم نره عندهما، ورواه الطبراني في الكبير (3705) وأبو نعيم في الحلية (4/ 302) والضياء في المختارة. (¬3) شريك بن عبد الله القاضي توبع عند الطبراني وغيره. وهو حديث صحيح. (¬4) رواه مسلم (2356). (¬5) رواه مسلم (2667) ورواه البخاري (5060 و 5061 و 7364 و 7365) وأحمد (4/ 313) وغيرهم.

باب من أفتى بغير علم، وفي الجدال، وما يحذر من الأهواء

عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلاَمِي لا ينسخُ كلامَ اللهِ، وكلامُ اللهِ لَا ينسخُ كَلاَمِي، وكلامُ اللهِ ينسخُ بعضَهُ بَعْضًا" (¬1). لا يحتج بهذا الإسناد، وهذا حديث منكر، وجبرون هذا هو أبي عباد الإفريقي، وليس بمشهور. باب من أفتى بغير علم، وفي الجدال، وما يحذر من الأهواء أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَفتَى بِغَيرِ علمٍ كانَ إثمُهُ عَلَى منْ أَفتاهُ، ومنْ أشارَ عَلى أخيهِ بأمرٍ يعلمُ أَنَّ الرُشدَ فِي غَيرِهِ، فَقدْ خَانَه" (¬2). الترمذي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ضلَّ قومٌ بعدَ هدًى كانُوا عَليهِ إلَّا أتُوا الجدلَ" ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلا إِنَّ مَنْ كَانَ قبلَكُمْ منْ أهلِ الكتابِ افترقُوا عَلَى ثنتينِ وسبعينِ ملةٍ، وإنَّ هذهِ الأمَّةَ ستفترقُ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 145) ورواه ابن عدي (2/ 602) وذكره الذهبي في الميزان (1/ 387 - 388) وقال: جبرون متهم، والحديث موضوع. وأقره الحافظ في اللسان (2/ 94) ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 125) من طريق ابن عدي، ونقل كلام ابن عدي بأنه منكر. (¬2) رواه أبو داود (3657). (¬3) رواه الترمذي (3250) ورواه أيضًا أحمد (5/ 552 و 556) وابن ماجه (48) والطبراني في الكبير (8067) والحاكم (2/ 447 - 448) وصححه ووافقه الذهبي.

باب

عَلَى ثَلاثٍ وسبعينَ، ثنتانَ وسبعونَ فِي النَّارِ، وواحدةٌ فِي الجنَّةِ، وَهِيَ الجماعةُ، وَإِنَّهُ سَيخرجُ فِي أُمَّتِي أقوامٌ تَجَارى بهُمْ تلكَ الأَهواءَ كَمَا يَتَجَارَى الكلبُ بِصَاحِبِه، لاَ يبقَى مِنْه عرقٌ وَلاَ مفصلٌ إِلّا دخلَهُ" (¬1). البزار عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يومَ القيامةِ، رجلٌ قَتَلَ نِبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبيٌّ، وَإِمامُ ضَلاَلَةٍ" (¬2). باب قال أبو نعيم الحافظ، نا علي بن حميد الواسطي، نا أسلم بن سهل الواسطي، نا محمد بن عبد الله بن حبيب، نا هانئ بن يحيى، نا مبارك بن فضالة، عن عبد الله (*)، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَلَّمُوا منْ أنسابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرحامَكُمْ، ومَن النّجومِ مَا تهتدونَ بِه فِي الظُّلُمَاتِ" (¬3). قال: نا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا أبو بكر بن أبي عاصم، نا عبد الجبار بن العلاء، نا سفيان، عن مسعر، عن إبراهيم السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيارُ عبادٍ للهِ الَّذِينَ يراعونَ الشَّمسَ والقمرَ، والأَظلَّةَ لذِكْرِ اللَّهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4597). (¬2) رواه البزار (1603 كشف الأستار) وأحمد (1/ 407) وإسناده جيد. (¬3) هانئ بن يحيى ذكره ابن حبان في الثقات (9/ 247) وقال: يخطئ. ومبارك بن فضالة يدلس تدليس تسوية ولم يصرح بالسماع. كذا هو في المخطوطة عبد الله بن عمر، ورواه السمعاني في الأنساب (1/ 41) من طريق محمد بن عبد الله به مقتصرًا على الفقرة الأولى منه. وعنده عبيد الله بن عمر. (¬4) رواه أبو نعيم (7/ 227) وقال: تفرد سفيان عن مسعر برفعه، ورواه خلاد وغيره عن مسعر موقوفًا. وانظر نتائج الأفكار (1/ 320 - 321) للحافظ ابن حجر. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في بيان الوهم والإيهام (3/ 305) رقم (1055): «عبيد الله»

باب ما جاء في حديث أهل الكتاب، وتعلم لغتهم

حدثني بهذا الحديث وبالذي قبله أبو القاسم بن عبد الرحمن بن محمد الخطيب، قال: نا أبو علي الصيرفي رحمه الله قال: نا أبو الفضل محمد بن أحمد بن الحسن الأصفهاني عن أبي نعيم فذكرهما، وليس إسنادهما مما يحتج به. باب ما جاء في حديث أهل الكتاب، وتعلم لغتهم أبو داود، عن أبي نملة الأنصاري، أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده رجل من اليهود مرّ بجنازة فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَعْلَمُ" قال اليهودي: إنها تتكلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "مَا حدثَكُمْ أهلُ الكِتابِ فلاَ تصدّقوهُمْ، ولا تكَذِّبوهُمْ، وقُولُوا آمنَّا باللهِ ورُسُلِهِ، فَإِنْ كانَ بَاطِلًا لمْ تُصدِّقُوهُ، وإِنْ كانَ حقًّا لَمْ تكَذِّبُوهُ" (¬1). وذكر أبو داود في المراسيل، عن يحيى بن جعدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بكتاب في كتف فقال: "كَفَى بِقومٍ ضلالةً أَنْ يتَّبعُوا كِتَابًا غَيرَ كِتَابِهِمْ، إِلَى نَبِيِّ غَيْرَ نبيِّهمْ" فأنزل الله عز وجل {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (¬2). ومنها عن أبي قلابة، أن عمر مرَّ بقوم من اليهود، فسمعهم يذكرون دعاء من التوراة، فانتسخه، ثم جاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقرؤه وجعل وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير، فقال رجل: يا ابن الخطاب أما ترى ما في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوضع عمر الكتاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثنَي خَاتِمًا، وأُعْطِيتُ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3644). (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 415).

جَوامعَ الكلَمِ وخواتيمَهُ، واختُصِرَ لِيَ الحديثُ اختِصَارًا، فَلاَ يلهينَّكُمْ المتهوكُونَ" (¬1). قال أبو قلابة المتهوكون المتحيرون. ومن مسند البزار عن مجالد، عن عامر هو الشعبي، عن جابر قال: نسخ عمر كتابًا من التوراة بالعربية، فجاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقرؤه، ووجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتغير، فقال رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب أما ترى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي: "لاَ تَسْأَلُوا أَهلَ الكتاب عنْ شَيءٍ, فإِنَّهُمْ لَنْ يهدُوكُمْ وقَدْ ضلُّوا، وإنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكذِّبُوا بِحقٍّ أَو تُصدّقُوا بِباطلٍ، واللهِ أَنْ لَوْ كَانَ مُوسَى بَينَ أظهرهِمْ مَا حلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يتَّبِعْنِي" (¬2). وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: "لقَدْ أتيتكُمْ بِهَا بيضاءَ نقيةً، لَوْ أَنَّ موسَى كانَ حَيًّا مَا وسعَهُ إلَّا أَنْ يَتَّبَعنِي" (¬3). قد خولف مجالد في إسناد هذا الحديث، فرواه سفيان الثوري، عن جابر بن يزيد عن الشعبي، عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: جاء عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة أحب أن أعرضها عليك، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقلت لعمر سلم الله عقلك أما ترى ما بوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا، قال: فسري عنه ثم قال: "وَالَّذِي نفسِي بيدِهِ لَوْ أَصبحَ مُوسَى فِيكُمْ حيًّا اليومَ فاتبعتُمُوهُ وتركتمُونِي لضللتُمْ، إِنِّي حظّكُمْ مِنَ النَّبييِّنَ، وأَنتمُ حَظِّي منَ الأُمَمِ" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأشراف (13/ 254). (¬2) رواه البزار (124 كشف الأستار) ورواه أيضًا أحمد (3/ 387) والدارمي (441) وابن أبي شيبة في المصنف (9/ 47). (¬3) هو عند أحمد كذلك. (¬4) رواه أحمد (3/ 470 - 471 و 4/ 265 - 266).

باب التخول بالموعظة والعلم وهل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم

ذكر حديث سفيان أبو الحسن الدارقطني في كتاب العلل، وفي هذا الحديث اختلاف كثير من هذا، وجابر بن يزيد دون مجالد، وهو مجالد بن سعيد، على أن جابرًا كان أحفظ. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ، تَأتِيَنِي كتبٌ منْ أُنَاسِ لاَ أُحبُّ أَنْ يَقْرأَهَا كلُّ أَحَدٍ، فَهَلْ تستطيعُ أَنْ تعلمَ كتابَ السِّريانيةِ؟ " قال: قلت: نعم قال: فتعلمتها في سبع عشرة (¬1). زاد أبو داود فكنت أكتب له إذا كتب، وأقرأ له إذا كتب إليه (¬2). باب التخول بالموعظة والعلم وهل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم البخاري، عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُمْ، واني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا (¬3). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، قال: "اجتمِعْنَ يومَ كَذَا وَكَذَا" فاجتمعن فأتاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله ثم قال: "مَا مِنْكُنَّ مِن امرأةٍ تقدِّمُ بينَ يَديَها مِنْ ولدهَا ثَلاثةً، إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ"، فقالت امرأة منهن واثنين ¬

_ (¬1) ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في الكبير (4927) وله طرق أخرى انظر التعليق على المعجم الكبير (5/ 133 و 155). (¬2) رواه أبو داود (3645). (¬3) رواه البخاري (70).

باب إعادة المحدث الحديث وتبينه إياه

واثنين واثنين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وَاثْنَينِ وَاثْنينِ وَاثْنينِ" (¬1). باب إعادة المحدث الحديث وتبينه إياه البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثًا (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث حديثًا لو عدّه العاد لأحصاه (¬3). أبو داود، عن عائشة قالت: كان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلًا يفقهه كل من سمعه (¬4). باب في الاجتهاد والاجتماع والمسكوت عنه وقول الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} مسلم، عن ابن عمر قال: نادى فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم انصرف عن الأحزاب، أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة، فتخوف ناس فوت الوقت، فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن فاتنا الوقت، قال: فما عنف واحدًا من الفريقين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2633). (¬2) رواه البخاري (95). (¬3) رواه مسلم (2493) وأبو داود (3654). (¬4) رواه أبو داود (4839). (¬5) رواه مسلم (1770).

باب

أبو داود، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ أجارَكُمْ مِنْ ثَلاثِ خلالٍ أَنْ لاَ يَدعُو عليكُمْ نبيّكُمْ فَتَهْلَكُوا، وأَنْ لاَ يَظهر أَهلُ الباطلِ عَلَى أهلِ الحَقِّ، وأَنْ لا تَجتمعُوا عَلى ضَلالةٍ" (¬1). هذا يرويه إسماعيل بن عياش من حديث الشاميين، وحديثه عندهم صحيح، قاله ابن معين وغيره رواه إسماعيل عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك. الدارقطني، عن أبي الدرداء، يرفع الحديث قال: "مَا أَحلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُو حلالٌ، وَما حرَّمَ فَهُوَ حَرامٌ، ومَا سكتَ عنهُ فَهو عافيةٌ، فاقبلُوا مِن اللهِ عافيتهِ، فإنَّ اللهَ لمْ يكنْ نسِيًا"، ثم تلا هذه الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬2). باب ذكر أبو أحمد من حديث سعد بن سعيد بن أبي سعيد، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا جاءَ مِنَ اللهِ فَهُوَ الحقُّ، وَمَا جَاءَ مِنِّي فَهُوَ السّنةُ، وما جاءَ مِنْ أصحابِي فَهُو سعةٌ" (¬3). سعد هذا مستقيم، وأخوه الذي يحدث عنه اسمه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف عندهم بل متروك. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4253). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 137) والبزار (123 كشف الأستار). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 751 و 3/ 1191) وفيه بالإضافة إلى أخي سعد صالح بن جميل الزيات وألزقه الحسن بن علي العدوي بصالح بن حاتم. وهو حديث منكر كما قال ابن عدي.

باب

باب ومما رويته بالإسناد المتصل إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَجاوزَ عَنْ أُمتِّي الخطأَ والنِّسيانَ ومَا استكْرِهُوا عَلَيْهِ" (¬1). ذكرت إسناده في الكتاب الكبير، وقد ذكره أبو بكر الاصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإجماع (¬2). باب من رأى ترك النكير حجة من النبي - صلى الله عليه وسلم - البخاري، عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد الدجال، قلت: تحلف بالله، قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). باب في الرأي والقياس والتخويف من البدع البخاري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ لاَ ينزعُ العلمَ بعدَ أَنْ أعطاكمُوهُ انتزاعًا، ولكن ينتزِعَهُ منهُمْ معْ قبضِ العلماءِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2045) وابن حبان (1498) والطبراني في الكبير (11274) والدارقطني (4/ 170 - 171) والحاكم (2/ 198) والبيهقي (7/ 356) وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬2) لعله يقصد السنن والإجماع والاختلاف أو مختصره الأوسط؛ لأنه ليس في كتاب الإجماع المطبوع. (¬3) رواه البخاري (7355).

بعلمِهم، فَيبقَى نَاسٌ يستفتونَ فيَفتونَ برأيِهِمْ، فيضِلُّونَ ويُضِلُّونَ" (¬1). ذكر قاسم بن أصبغ عن جبارة بن المغلس قال: حدثنا حماد بن يحيى الأبح، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعملُ هذهِ الأمّةُ برهةً بكتابِ اللهِ، ثُمَّ تعملُ برهةً بسنةِ رسولِ اللهِ، ثُمَّ تعملُ بعدَ ذَلكَ بالرَّأْيِ، فَإِذَا عَمِلُوا بالرأْيِ ضَلُّوا" (¬2). قال أبو أحمد بن عدي: وذكر هذا الحديث من حديث حماد بن يحيى الأبح روى عن الزهري حديثًا معضلًا، يعني هذا الحديث، وذكر قول البخاري في حماد هذا رُبَّما يهم في الشيء، وذكر أيضًا توثيق يحيى بن معين لحماد ومرة قال: ليس به بأس (¬3). قال أبو أحمد هو ممن يكتب حديثه. وذكر ابن أبي حاتم حمادًا هذا وقال: سألت أبي عنه فقال: لا بأس به. وقال فيه أحمد بن حنبل صالح الحديث ما أرى به بأسًا. وقال أبو زرعة حماد ليس بالقوي (¬4)، وجنادة هذا متروك. وأحسن مما سمعت فيه أنه لم يكن ممن يتعمد الكذب، إنما كان يُوضَعُ الحديث، فيحدث به، وقد روى هذا الحديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري، وهو متروك أيضًا، ذكر حديث الوقاصي أبو عمر بن عبد البر (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث سويد بن سعيد الأنباري قال: نا ابن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (100 و 7307) وهذا لفظ الرواية الثانية. (¬2) انظر التعليق على المعتبر (ص 226) للزركشي. وهو حديث ضعيف. ورواه ابن عدى (2/ 663 و 5/ 1809). (¬3) انظر ترجمة حماد هذا من الكامل (2/ 663 - 665) ولم ينقل قول البخارى فيه أنه يهم، وربما وقع من النساخ أو من الطبع. (¬4) غير موجود. (¬5) جامع بيان العلم (2/ 163) لابن عبد البر.

الرجال، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ قَالَ فِي دينِنَا برأيِهِ فاقتلُوهُ" (¬1). قال: وهذا الحديث تلون فيه حميد فمرة رواه هكذا عن ابن أبي الرجال، عن عبد العزيز بن أبي رواد، ومرة. رواه عن إسحاق بن نجيح، عن ابن أبي رواد، وهذا الحديث هو الذي قال بسببه يحيى بن معين في سويد بن سعيد: لو وجدت سيفًا ودرقة لغزوت سويدًا إلى الأنبار من أجل روايته هذا الحديث عن ابن أبي الرجال، وابن أبي الرجال اسمه عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن أبي الرجال وهو ثقة عند الناس (¬2). وقال أبو حاتم في سويد: كان يكثر من التدليس وكان صدوقًا (¬3). وقال البخاري: سويد هذا توفي سنة أربعين ومئتين وقد كان يتلقن ما ليس من حديثه وفيه نظر (¬4)، وضعفه الشيباني، وأما إسحاق بن نجيح فمتروك عندهم. وذكر أبو عمر أيضًا من حديث سليمان بن بزيع الاسكندري قال: نا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، قال: قلت: يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل به القرآن، ولم نسمع منك فيه شيئًا قال: "اجمعُوا لَهُ العابدينَ منَ المُؤمنينَ، واجعلُوهُ شورَى بَينكُمْ، ولاَ تقضُوا فيهِ بِرَأيٍ وَاحدٍ". قال أبو عمر لا يعرف هذا من حديث مالك، ولا من حديث غيره، وسليمان بن بزيع ليس بقوي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 325 و 4/ 1595). (¬2) الكامل لأبي أحمد بن عدي (4/ 1596). (¬3) الجرح والتعديل (2/ 1/ 240). (¬4) التاريخ الصغير (2/ 373) للبخاري. (¬5) جامع بيان العلم (2/ 73 - 74) ونص كلامه: هذا حديث لا يعرف من حديث مالك =

وقد ذكر هذا الحديث قاسم بن أصبغ وأحمد بن خالد في مسنده. وذكر أبو بكر البزار عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستفتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بضعٍ وسبعينَ فِرقةٍ، أَعظمُهَا فتنَةً عَلى أمَّتِي قومٌ يقيسونَ الأمرَ برأيهِمْ فيحرِّمُونَ الحَلالَ، وَيحلِّلونَ الحَرامَ" (¬1). في إسناده نعيم بن حماد رواه عن عيسى بن يونس، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه عن عوف. وتفرد به فيما ذكر البزار قال: ولم يتابع على هذا. انتهى كلام أبي بكر. قد كان هذا الحديث يعرف بنعيم بن حماد، ويذكر أنه تفرد به كما قال أبو بكر، حتى رواه سويد بن سعيد الأنباري، وكان كثير التدليس، وعبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك، وكلاهما رواه عن عيسى بن يونس، كما رواه نعيم بإسناده. ورواه أيضًا ابن أخي عيسى بن يونس، عن عمه، واتهم به، وأما نعيم بن حماد فقد تكلم فيه، واتهم بوضع هذا الحديث، وقيل: إنه كان يضع أحاديث في تقوية السنة، وحكايات عن العلماء في ثبت أبي حنيفة مزورة كذبًا، وكان صليبًا في السنة ضابطًا عليها، ومات محبوسًا أيام المحنة، إذ كان الناس يطالبون بأن يقولوا: بأن القرآن مخلوق، وقد كان أحمد بن حنبل يقول فيه: لقد كان من الثقات. ¬

_ = إلا بهذا الإسناد، ولا أصل له في حديث مالك عندهم، ولا في حديث غيره، وإبراهيم البرقي وسليمان بن بزيع ليسا بالقويين، ولا ممن يحتج به، ولا يعول عليه. وانظر لسان الميزان (3/ 78). (¬1) رواه البزار (172 كشف الأستار) وانظر التعليق على المعجم الكبير (18/ 50) للطبراني.

قال أبو أحمد: روى هذا الحديث أيضًا عيسى بن يونس، أبو صالح الخراساني شيخ من قدماء أصحاب الحديث (¬1). وقال فيه أبو أحمد شيخًا من قدماء أصحاب الحديث، ولا أعلم هذا الشيخ إلا إسحاق بن نجيح الملطي الذي ذكره أبو أحمد الحاكم في الكنى، وهو المذكور فيما تقدم من هذا الباب والله أعلم. وروى إسماعيل بن خالد المخزومي قال: نا مالك بن أنس عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَمْ يَزلْ أَمرُ بَنِي إِسرائيلَ مُعتَدلًا، حتَّى كثُرَ فيهِمِ المولدونَ أبناءَ سبَايا الأُمَمِ، فقاسُوا مَا لَمْ يكنْ بِمَا كَانَ، فَضلُّوا وأَضَلُّوا". ذكره أبو بكر الخطيب، قال: وإسماعيل بن خالد ضعيف، ولا يثبت عن مالك نقلته من كتاب أبي محمد الوشاطي، ومن طريقه رويته (¬2). أبو داود، عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت فيها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كان هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا، فقال: "أُوصيكُمْ بِتقوَى اللهِ، والسمعِ والطَاعةِ، وإِنْ عَبدًا حَبشيًا فإنّه منْ يَعِشْ منكُمْ بَعدِي، فسَيَرى اختلافًا كثيرًا، فَعليكُمْ بسنّتِي وسنّةِ الخُلفاءِ المَهدِّيينَ الراشدينَ، تمسّكُوا بِهَا، وعضُّوا عَلَيها بالنواجذِ وإياكُمْ ومحدثَاتِ الأُمور، فَإِنَّ كل محدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضَلالَةٌ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الكامل (3/ 1264 - 1265). (¬2) وبعد أن نقل كلام المصنف هذا الحافظ في لسان الميزان (1/ 402) قال: وقد انقلب عليه أو على غيره، وإنما هو خالد بن إسماعيل. (¬3) رواه أبو داود (4607) وانظر التعليق على المعجم الكبير (18/ 245 - 249).

باب إجازة الواحد الصادق والتحذير من أهل الكذب وفيمن حدث بحديث يرى أنه كذب أو حدث بكل ما سمع والوعيد على من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفة من يؤخذ عنه

باب إجازة الواحد الصادق والتحذير من أهل الكذب وفيمن حدث بحديث يرى أنه كذب أو حدث بكل ما سمع والوعيد على من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفة من يؤخذ عنه البخاري، عن حذيفة بن اليمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل نجران: "لأبعثنَّ إِليكُمْ رَجُلًا أمينًا حقُّ أَمينٍ". فاستشرف لها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث أبا عبيدة يعني ابن الجراح (¬1). مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكونُ فِي آخرِ الزَّمانِ دَجَّالونَ كَذَّابونَ، يَأتوكُمْ مِنَ الأَحاديثِ مَا لَمْ تسمعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آباؤكُمْ، فَإيّاكُمْ وإيَّاهُمْ لا يُضِلّونكُمْ ولا يفتنونَكُمْ" (¬2). وعن المغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حدَّثَ عَنِّي بحديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فهوَ أَحدُ الكاذِبينَ" (¬3). وفي حفص بن عاصم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَنْ يحدّثَ بكلِّ مَا سَمِعَ" (¬4). أكثر الناس يرسلون عن حفص، ولا يذكرون أبا هريرة. وذكر أبو عمر بن عبد البر عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحملُ هذَا العلمُ منْ كلِّ خلفٍ عُدوله ينفونُ عَنهُ غُلّوَ الغالينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الجِاهِلينَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3745 و 4380 و 4381 و 7254). (¬2) رواه مسلم (7) في المقدمة. (¬3) رواه مسلم (1/ 9) في المقدمة. (¬4) رواه مسلم (5) في المقدمة. (¬5) التمهيد (1/ 59).

باب في رفع العلم

وذكره أبو بكر العقيلي من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وأحسن ما في هذا فيما أعلم مرسل إبراهيم بن عبد الرحمن العذري. مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ كذْبًا عَليّ ليسَ ككذبٍ عَلَى أحدٍ، فَمَنْ كذبَ عليَّ متعمِّدًا فليتبؤَأْ مقعدَهُ منَ النَّارِ" (¬2). البزار، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ كذبَ عليَّ متعمدًا ليضلَ بِهِ النَّاسَ، فَليَتبوّأ مقعدَهُ منَ النَّارِ" (¬3). هذه الزيادة ليضل به من طريق يونس بن بكير عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن عمرو بن شرحبيل، ولا تصح عن الأعمش عن عبد الله. وذكر البزار أيضًا من حديث عائذ بن شريح، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ كذبَ عليَّ" في رواية الحديث "فليتبوّأْ مقعدَهُ منَ النَّارِ" (¬4). عائذ بن شريح في حديثه ضعف، والطرق الصحاح عن أنس ليس فيها في رواية حديث. باب في رفع العلم مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَشراطِ السَّاعةِ أَنْ ¬

_ (¬1) الضعفاء (1/ 9 - 10) للعقيلي. (¬2) رواه مسلم (4) في المقدمة. (¬3) رواه البزار (209 كشف الأستار). (¬4) رواه البزار (212 كشف الأستار).

يُرفعَ العِلمُ، ويثبتُ الجهلُ، ويُشرَبُ الخَمرُ، ويَظهرُ الزِّنَا" (¬1). النسائي، عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نظر إلى السماء يومًا فقال: "هذَا أوانُ يُرفعُ العِلمُ"، فقال رجل من الأنصار يقال له لبيد بن زياد: يا رسول الله أيرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِني لأحسبكَ منْ فُقهاءِ أهلِ المدينةِ" وذكر له ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى، قال: فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف بن مالك فقال: صدق عوف، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ قلت: بلى، قال: "الخُشوعُ حتَّى لاَ تَرى خَاشِعًا" (¬2). خرجه الترمذي عن أبي الدرداء، وقال فقال: "ثكلتْكَ أمّكَ يَا زيادُ إِنِّي كنتُ لأعدّكَ منْ فُقهاءِ أهلِ المدينةِ" (¬3). وخرجه أبو علي بن السكن في كتاب الحروب، قال: وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا فقال: "وذلكَ عندَ أوانِ ذهابِ العلمِ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2671). (¬2) رواه النسائي في العلم من الكبرى. وانظر التعليق على المعجم الكبير (18/ 43) للطبراني. (¬3) رواه الترمذي (2655).

2 - كتاب الطهارة

كتاب الطهارة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. باب الابتعاد عند قضاء الحاجة، والتستر، وما يقول إذا دخل الخلاء، وإذا خرج منه، وذكر مواضع نهي أن يتخلى فيها وإليها، وفي البول قائمًا إذا أثَّر تطايره، وما جاء في السلام على من كان على حاجته، والحديث عليها، والنهي عن مس الذكر باليمين عند البول وذكر الاستنجاء مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عنى، فقضى حاجته (¬1). أبو داود، عن المغيرة أيضًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب المذهب أبعد (¬2). أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى حاجته إلى المغمس. قال نافع عن ابن عمر نحو ميلين من مكة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (274). (¬2) رواه أبو داود (1).

مسلم، عن عبد الله بن جعفر قال: كان أحب ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقضاء حاجته، هدف أو حائش نخل (¬1). وعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء، قال: "اللهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الخبثِ والخَبائِثِ" (¬2). خرجه من حديث حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب، وخرجه البخاري من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس. وزاد البخاري وقال سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب إذا أراد أن يدخل (¬3). ومن مراسيل أبي داود، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الخلاء، قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ منَ الخبيثِ المخبثِ، الرجسِ النَجسِ، الشيطانِ الرجيمِ" (¬4). أبو داود، عن زيد بن أرقم قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ هذِهِ الحُشوشَ محتضرةٌ، فإِذَا أتَى أحدُكُمُ الخلاءَ فَليقلْ: أعوذُ باللهِ، اللهمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ منَ الخبثِ والخبائثِ" (¬5). اختلف في إسناد هذا الحديث، والذي أسنده ثقة. وذكر أبو بكر البزار من حديث إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَخَلَ أحدُكُمُ الخَلاءَ, فَليقلْ: اللهمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الخبثِ والخَبائثِ". إسماعيل بن مسلم هو المكي ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (342). (¬2) رواه مسلم (375). (¬3) رواه البخاري (242). (¬4) انظر تحفة الأشراف (13/ 173). (¬5) رواه أبو داود (6).

الترمذي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: "غُفْرانَكَ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقُوا اللعانينَ"، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الَّذِي يَتخلّى فِي طَريقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظلِّهِمْ" (¬2). وزاد أبو داود البراز في الموارد رواه من حديث أبي سعيد عن معاذ بن جبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وذكر العقيلي عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة أو ضفة نهر جار (¬4). في إسناده فرات بن السائب، وهو منكر الحديث، وأبو سعيد المذكور في الحديث الذي قبل هذا هو الحميري، ولم يسمع من معاذ. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتغوط الرجل في القزع من الأرض، قيل وما القزع؟ قال: "أَنْ يَأْتِي أحدُكُمُ الأرضَ فِيهَا النباتُ كأنَّمَا قمّتْ قمامتَهُ، فتلكَ مساكنُ إخوانِكُمْ مِنَ الجنِّ" (¬5). رواه من طريق سلام بن سالم الطويل وهو متروك. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يبولنَّ أحدُكُمْ فِي الماءِ الدائمِ ثم يغتسلُ منهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (7). (¬2) رواه مسلم (269). (¬3) رواه أبو داود (26). (¬4) رراه العقيلي في الضعفاء (3/ 458) وابن عدي (6/ 2050). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1148) كذا في المخطوطة ابن سالم وإنما هو ابن سليم ويقال: ابن سلم. (¬6) رواه مسلم (282).

وقال البخاري: "ثُمَّ يغتسلُ فيهِ" (¬1). وقال النسائي: "ثُمَّ يتوضّأُ منهُ" (¬2). وقال النسائي أيضًا، عن عبد الله بن سرجس، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يبولنَّ أحدُكُمْ في جحرٍ" (¬3). هذا يرويه قتادة بن عبد الله بن سرجس. وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من أحد من الصحابة إلا من أنس بن مالك (¬4). وقال أبو حاتم الرازي: لم يلق قتادة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنس بن مالك، وعبد الله بن سرجس (¬5). أبو داود، عن أبي مجلز، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد (¬6). وعن مكحول قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في أبواب المساجد (¬7). هذا والذي قبله: من المراسيل. وعن طلحة بن أبي قنان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يبول، فأتى عزازًا من الأرض، أخذ عودًا من الأرض نكث بها حتى يثوى، ثم يبول (¬8). وهذا أيضًا من المراسيل، والمعروف عزاز وهو ما صلب من الأرض. ومن كتابه بإسناد منقطع، عن أبي موسى وكتب به إلى ابن عباس كنت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (239). (¬2) لفظ النسائي (1/ 197) ثم يغتسل منه أو يتوضأ. (¬3) رواه النسائي (1/ 33). (¬4) علوم الحديث (ص 111) للحاكم ورواه ابن أبي حاتم في المراسيل (ص 198) عن الإمام أحمد. (¬5) الجرح والتعديل (3/ 2/ 133). (¬6) انظر تحفة الأشراف (13/ 413). (¬7) انظر تحفة الأشراف (12/ 397). (¬8) انظر تحفة الأشراف (13/ 240).

مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثًا في أصل جدار، فبال، ثم قال: "إِذَا أرادَ أحدُكُمْ أَنْ يبولَ، فليرتَدْ لِبولهِ مَوضِعًا" (¬1). وذكر العقيلي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره البول في الهواء (¬2). في إسناده أبو الفيض يوسف بن السفر، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال فيه أبو حاتم: ضعيف شبه المتروك. أبو داود عن حميد بن عبد الرحمن، قال: لقيت رجلًا صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما صحبه أبو هريرة، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله (¬3). الرجل هنا هو الحكم بن عمرو الغفاري، ذكر ذلك ابن السكن. ورواه أبو داود أيضًا من حديث أشعث بن عبد الله عن الحسن عن ابن مغفل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يبولنَّ أحدُكُمْ فِي مستحمِّهِ، ثُمَّ يغتسلُ فِيهِ" (¬4). ولم يسمعه الأشعث من الحسن، وروي موقوفًا على عبد الله بن مغفل. ومن مراسيل أبي داود عن عيسى بن ازداد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا بالَ أحدُكُمْ فلينثرْ ذَكَره ثَلاثًا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3). (¬2) لم نره في النسخة المطبوعة من الضعفاء للعقيلي، ورواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2620). (¬3) رواه أبو داود (28). (¬4) رواه أبو داود (27). (¬5) لم نره في تحفة الأشراف.

وخرجه قاسم بن أصبغ وقال: "يَكْفِيْ أَحَدُكُمْ إِذَا بَالَ أَنْ يَنْثُرَ ذَكَرَهُ ثَلاَثَ مَرَاتٍ". وخرجه العقيلي من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخرجه أيضًا من حديث عيسى بن ازداد، ويقال: ازداد ويزداد هو صاحب عدن، قال: ولا يصح حديثه هذا (¬1). مسلم عن أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا أتيتمُ الغَائِطَ فَلا تستقبِلُوا القبلةَ ولا تستدبِرُوها ببولٍ ولا غَائِطٍ، ولكن شرِّقُوا أو غرِّبُوا" قال أبو أيوب، فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد قلبت قبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله منها (¬2). وعن ابن عمر قال: رقيت على بيت أختي حفصة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا لحاجته مستقبل الشام، مستدبر القبلة. وفي رواية مستقبلًا بيت المقدس (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث عمرو العجلانى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نستقبل شيئًا من القبلتين بالغائط والبول (¬4). في إسناده عبد الله بن نافع مولى ابن عمر وهو ضعيف عندهم. الترمذي، عن جابر بن عبد الله، قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يموت بعام يستقبلها (¬5). قال: هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) رواه العقيلي (3/ 381 - 382). (¬2) رواه مسلم (264). (¬3) رواه مسلم (266). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1483). (¬5) رواه الترمذي (9) وأبو داود (13) وابن ماجه (325).

وفي كتاب العلل: سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث صحيح. وذكر الدارقطني عن عائشة قالت: ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن قومًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بغائط أو بول، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بموضع خلائه أن يستقبل به القبلة (¬1). هذا يسند من حديث جابر الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك عن عائشة، وخالد بن أبي الصلت ضعيف. مسلم عن حذيفة قال: لقد رأيتني أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتماشى فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فانتبذت منه، فأشار إليَّ فجئت، فقمت عند عقبه حتى فرغ (¬2). الترمذي، عن عائشة قالت: من حدثكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، وما كان يبول إلا قاعدًا (¬3). قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة، قال: وحديث عائشة أحسن شيئًا في هذا الباب وأصح، وإنما أراد أبو عيسى رحمه الله أن هذا الحديث أحسن شيء في باب المنع من البول قائمًا وأصح، وإلا فحديث حذيفة مجتمع على صحته، وحذيفة حدث بما رأى وشاهد. وذكر أبو بكر البزار قال: حدثنا نصر بن علي، قال: نا عبد الله بن داود، نا سعيد بن عبيد الله ثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثٌ منَ الجفاءِ, أَنْ يبولَ الرجلُ قَائِمًا، أو يمسحَ جبهتَهُ قبلَ أَن يفرغَ منْ صَلاتِهِ، أَو ينفخَ فِي سُجودِهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 59). (¬2) رواه مسلم (273). (¬3) رواه الترمذي (12). (¬4) رواه البزار (547 كشف الأستار).

لا أعلم في هذا الحديث أكثر من قول الترمذي: حديث بريدة غير محفوظ. وقال أبو بكر البزار لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة، إلا سعيد بن عبيد الله ولم يقل في سعيد شيئًا، وسعيد هذا بصري ثقة مشهور ذكره أبو محمد بن أبي حاتم (¬1). وذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبول قائمًا، فقال: "يَا عُمرُ لاَ تبلْ قَائِمًا" فما بلت قائمًا بعد (¬2). قال أبو عيسى: وإنما رفعه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث (¬3). وعن الأعمش عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض (¬4). قال الترمذي لم يسمع الأعمش من أنس وقد رآه. وقال أبو بكر البزار: سمع الأعمش من أنس وأورد له حديثًا ذكر فيه سماعه منه قال: فلا ينكر ما أرسل عنه. قال الترمذي: وروى وكيع وأبو يحيى الحماني عن الأعمش قال: قال ابن عمر: كان النبي إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. قال: وكلا الحديثين مرسل، لم يسمع الأعمش من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر هذا الحديث الدارقطني عن وكيع عن الأعمش عن قاسم، عن ابن ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (2/ 3811 - 39). (¬2) ذكره الترمذي بعد الحديث (12) عنده. (¬3) انظر جامع الترمذي (1/ 67) مع تحفة الأحوذي. (¬4) رواه الترمذي (14).

عمر، والأكثر على أن هذا الحديث مقطوع، وأن هذا الرجل لا يعرف وهو الصحيح. والله أعلم. وقد روى حديث الترمذي هذا أبو جعفر العقيلي، من حديث الحسين بن عبيد الله التميمي، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، ولم يتابع الحسين على هذا (¬1). أبو داود عن المهاجر بن قنفذ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: "إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذكرَ اللهَ إِلّا عَلى طُهرٍ" أو قال: "إلَّا عَلى طَهارةٍ" (¬2). البزار، عن جابر أن رجلًا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فلم يرد عليه، فلما فرغ قال: "إِذْ رأيتَنِي فِي مثلِ هذهِ الحالِ، فَلاَ تُسلِّمُ عَليّ، فَإنِّي لاَ أَردُّ عليكَ" (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن رجلًا مر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه (¬4). وذكر البزار من حديث أبي بكر رجلًا من ولد عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر في هذه القصة، قال: فرد عليه السلام، ثم قال: "إِنَّما رددتُ عليكَ إِنِّي خشيتُ أَنْ تقولَ سلّمتُ عليهِ، فلَمْ يردْ عليّ، فَإِذا رأيتَنِي هَكَذا، فَلاَ تُسلِّمْ عليَّ؛ لأنِّي لاَ أردُّ عليكَ السَّلامَ" (¬5). وأبو بكر فيما أعلم هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، ¬

_ (¬1) رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 252). (¬2) رواه أبو داود (17) راجع نتائج الأفكار (1/ 206 - 208) للحافظ ابن حجر. (¬3) رواه ابن ماجه (352) وانظر نتائج الأفكار (1/ 209). (¬4) رواه مسلم (370). (¬5) انظر نتائج الأفكار (1/ 203 - 205).

روى عنه مالك وغيره، وهو لا بأس به، ولكن حديث مسلم أصح لأنه من حديث الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر، والضحاك أوثق من أبي بكر، ولعل ذلك كان في موطنين. وذكر أبو داود، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يخرجُ الرجلانِ يصوبانِ الغائطِ كاشِفَينِ عنْ عورتهِمَا يتحدثانِ، فَإِنَّ اللهَ يمقتُ علَى ذَلِكَ" (¬1). لم يسند هذا الحديث غير عكرمة بن عمار، وقد اضطرب فيه. وروى نعيم بن حماد بإسناده إلى أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُلْ أهريقَ الماءَ ولكنْ قُلْ أَبولُ" (¬2). وهذا الحديث منكر، اتهم به نعيم، وإنما هو قول أبي هريرة، وقد رجع إلى ذلك نعيم ذكر حديثه هذا أبو نعيم. مسلم، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يمسكنَّ أحدُكُمْ ذكرَهُ بيمينهِ وهوَ يبولُ، ولَا يتمسحُ منَ الخَلاص بيمينهِ، ولَا يتنفسُ فِي الإناءِ" (¬3). أبو داود، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن عائشة قالت: كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذًى (¬4). قال أبو العباس الدوري: لم يسمع إبراهيم بن يزيد النخعي من عائشة، ومراسيله صحيحة، إلا حديث تاجر البحرين. أبو داود، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء، أتيته ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (15). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2484). (¬3) رواه مسلم (267). (¬4) رواه أبو داود (33).

بماء في تَوْرٍ أو ركوة، فاستنجى ثم مسح يده على ظهر الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ (¬1). ذكر مسلم الاستنجاء بالماء من حديث أنس، وفي هذا زيادة مسح اليد على الأرض (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نزِلتْ هذهِ الآيةُ فِي أَهلِ قباءَ" {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال: "كَانُوا يَستنجونَ بالماءِ، فنزلتْ فيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ" (¬3). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما أَنَا لَكمْ بمنزلةِ الوالدِ، أعلّمكُمْ، فَإِذَا أتَى أحدُكُمُ الغَائِطَ فَلاَ يستقبلِ القبلَةَ ولاَ يستدبرهَا، ولا يستطبْ بيمينِهِ"، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرِّمَّةِ (¬4). مسلم، عن سلمان الفارسي، وقيل له قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنتجي باليمين، أو أن نستنجي باقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم (¬5). البخاري، عن أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الإداوة لِوَضُوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: "مَنْ هَذَا؟ " قال: أنا أبو هريرة فقال: "ابغنِي أَحجارًا أَستنقضُ بِهَا، وَلاَ تأتِنِي بعظمٍ وَلا بروثةٍ"، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ، مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة، قال: "هُمَا مِنْ طعامِ الجنِّ، وَإِنَّهُ أتانِي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (45). (¬2) رواه مسلم (45). (¬3) رواه أبو داود (44). (¬4) رواه أبو داود (8). (¬5) رواه مسلم (262).

وفدُ جنِّ نصيبينَ، ونِعمَ الجنِّ فسألونِي الزَادَ، فدعوتُ اللهَ لَهمْ أَلاَّ يمرُّوا بعظمٍ وَلا بروثةٍ، إلَّا وجدُوا عليها طَعامًا" (¬1). وذكر أبو داود من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السِّيباني، عن عبد الله بن الديلمي، عن عبد الله بن مسعود قال: قدم وفد الجن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا محمد انْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم، أو روثة، أو حُمَمَةٍ، فإن الله جعل لنا فيها رزقًا قال: فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ذكر ذلك أبو عبيد. البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروث، وقال: "هَذَا رِجسٌ" (¬3). وقال الدارقطني: وألقى الروثة، وقال: "إِنّها رجسٌ ائتِنِي بحجرٍ" (¬4) وذكر موسى بن أبي إسحاق الأنصاري، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روثة، أو جلد (¬5). لا يصح ذكر الجلد. وذكر من حديث علي بن رباح، عن عبد الله بن مسعود، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نستنجي بعظم حائل، أو روثة، أو حممة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3860) هكذا. (¬2) رواه أبو داود (39). (¬3) رواه البخاري (156). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 55). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 56) وقال: هذا إسناد غير ثابت أيضًا، عبد الله بن عبد الرحمن مجهول. (¬6) رواه الدارقطني (1/ 56) وقال: علي بن رباح لا يثبت سماعه من ابن مسعود، ولا يصح.

علي بن رباح لا يثبت سماعه من عبد الله بن مسعود. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عبد الله بن مسعود، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته، فقال: "ائتِني بِشيءٍ أتمسحُ بهِ، ولا تقربنِي حَائِلًا ولا رَجِيعًا" (¬1). في إسناده ليث بن أبي سليم، وأصح ما في هذا الحديث مسلم عن سلمان، وحديث البخاري عن أبي هريرة. وذكر الدارقطني عن طاوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتى أحدُكُمُ البرازَ، فليكرمْ قبلَةَ اللهِ، فَلاَ يستقبلْهَا، ولا يستدبِرْهَا، ثُمَّ ليستطبْ بثلاثةِ أَحجارٍ، أَوْ ثَلاثةِ أَعوادٍ، أَو ثَلاثِ حثياتٍ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ ليقلْ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخرَجَ عنِّي مَا يؤذِينِي، وأَمسكَ عَليّ مَا ينفعنِي" (¬2). وقد أسند عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، في ذكر الاستنجاء، ولا يصح إسناد أحمد بن الحسن المضري، وهو متروك (¬3). وعن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد: "وَلاَ تستقبلُ الرِّيحَ" (¬4). ولا يصح أيضًا أسنده مُبَشِّر بن عبيد وهو متروك، أسنده إلى قوله "مِنْ تُرابٍ". وذكر أبو أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الاستجمارُ بثلاثةِ أحجارٍ، وَبِالترابِ إِذَا لم يَجدْ حجارةً، وَلا يستنجِي بِشيءٍ قَدِ استَنْجَى بِهِ مرةً" (¬5). وهذا الحديث يرويه إبراهيم بن أبي حميد، ولا يتابع عليه وهو ضعيف، ينسب إلى وضع الحديث. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 155). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 57). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 57). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 56 - 57). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 206 و 269 - 270).

باب الوضوء للصلاة وما يوجبه

وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطهرُ المؤمنَ ثلاثةُ أحجارٍ، والماءُ والطينُ" (¬1). أضعف مَنْ في هذا الإسناد علي بن يزيد، وعبد الله، والقاسم قد تكلم فيهما. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ توضَّأَ فَليستّنْثِرْ، ومنْ استجمرَ فَليُوتِرْ" (¬2). وذكر أبو داود عن أبي سعد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ اكتحلَ فليوترْ، مَن فعلَ فَقدْ أَحسنَ، ومنْ لاَ فلاَ حرجَ، ومن استجمرَ فليوترْ، مَن فَعلَ فَقدْ أحسنَ، ومنْ لاَ فلاَ حَرَجَ، وَمنْ أَكلَ فَمَا تَخلَّلَ فَليلفظْ، وَمنْ لاكَ بلسانِهِ فَليبتَلِعْ، منْ فعلَ فَقدْ أَحسنَ، ومنْ لاَ فَلا حَرَجَ، ومنْ أتَى الغَائِطَ فَليستَتِرْ، فَمنْ لَمْ يَجِدْ إِلّا أَن يَجمعَ كثِيبًا منْ رملٍ، فليستدبرْهُ، فَإنّ الشيطانَ يَلعبُ بِمقاعدِ شِي آدمَ، فَمنْ فَعلَ فَقدْ أَحسنَ، وَمنْ لاَ فَلاَ حَرجَ" (¬3). في إسناده الحصين الحبراني وليس بقوي، وذكره أبو عمر فقال: ليس إسناده بالقائم فيه مجهولان. باب الوضوء للصلاة وما يوجبه مسلم، عن ابن عباس قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء من الغائط، فأتي ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 632) والطبراني في الكبير (7845) كذا في المخطوطة، وفي المعجم "والماء طهور" وفي الكامل "والماء أطهر". (¬2) رواه مسلم (237). (¬3) رواه أبو داود (35).

بطعام فقيل له: ألا توضأ فقال: "لَمْ أُصلِّي فَأَتَوَضَّأ" (¬1). وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تُقْبَلُ صلاةٌ بِغيرِ طهورٍ، وَلاَ صدقةٌ مِنْ غُلُولٍ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقبَلُ صلاةُ أَحدكُمْ إِذَا أَحدَثَ حتَّى يتوضّأَ" (¬3). وعن أسامة بن زيد قال: رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة، حتى إذا كان بالشِّعْب نزل فبال، ثم توضأ، ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة، فقال: "الصَّلاَةُ أَمَامُكَ" فركب، فلما جاء المزدلفة نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى. . . وذكر الحديث (¬4). وعن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فكنت أستحي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يَغسلُ ذَكرَهُ، ثُمَّ يتوضّأُ" (¬5). وعنه قال: أرسلنا المقداد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن المذي، يخرج من الإنسان، كيف يفعل به؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَوضّأْ وانضَحْ فَرجَكَ" (¬6). زاد أبو داود "غسلُ الانثيَينِ" (¬7). خرجه من حديث عروة عن علي، ولم يسمع عروة من علي، والمحفوظ من رواية الثقات أنه قول عروة، ولا يصح أيضًا عن غيره. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (374). (¬2) رواه مسلم (334). (¬3) رواه مسلم (225). (¬4) رواه مسلم (1280). (¬5) رواه مسلم (303). (¬6) رواه مسلم (303). (¬7) رواه أبو داود (208).

أبو داود، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حَرَام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء يكون بعد الماء، فقال: "ذاكَ المذيُ، وكُلُّ فَحْلٍ يَمْذي، فَلتغتسل منْ ذَلِك فرجَكَ وأُنثييكَ، وتوضّأ، وَتعودُ لِلصَّلاةِ" (¬1). لا يصح غسل الانثيين، وليس يحتج بهذا الإسناد في ذلك. وذكر الدارقطني من حديث عبد الملك بن مهران، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول الله إني كلما توضأت سأل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا توضّأْتَ فسالَ منْ قرنِكَ إِلَى قَدمِكَ، فَلا وُضوءَ عَليكَ" (¬2). عبد الملك ضعيف ولا يصح الحديث. وقال أبو حاتم في عبد الملك: مجهول (¬3). مالك، عن بسرة بنت صفوان، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا مَسَّ أحدُكُمْ ذَكرَهُ فليتوضّأْ وضوءَهُ للصَّلاَةِ" (¬4). هكذا في رواية يحيى بن بكير "وضوءُهُ للصلاَةِ" وقد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث بيَّن ذلك الدارقطني رحمه الله. وعن عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن بسرة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ مسَّ ذَكرَهُ أَوْ أُنْثيَيهِ، أَوْ رِفغيهِ، فَليتوضّأْ" (¬5). وهو وهم، والمحفوظ أنه من قول عروة، وقد رواه غير عبد الحميد عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (211) وعنده فتغسل من ذلك. (¬2) رواه الدارقطني (1/ 159). (¬3) الجرح والتعديل (2/ 2/ 370). (¬4) رواه مالك (1/ 49 - 50). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 148).

هشام، ولم يذكر الرفغ، وكله وهم ذكر ذلك الدارقطني. وقد روي في الوضوء من مس الذكر عن أم حبيبة، وحديث بسرة هو الصحيح. وذكر عبد الرزاق عن بسرة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء من مس الفرج (¬1). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث يحيى بن راشد، عن عبد الرحمن بن ثابت، عن ابن ثوبان عن أبيه، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا مسَّ الرَّجلُ فَرجَهُ فَليتوضّأْ، وَإِذَا مسَّتِ المَرأةُ فَرجَهَا فَلتتوضّأْ" (¬2). قال: رواه الزبيدي، وعبد الله بن المؤمل عن عمرو بن شعيب. ولكنه من حديث ابن ثوبان، أعرف، ويحيى بن راشد ضعفه ابن معين والشيباني، وحديث الزبيدي ذكره الدارقطني، وذكر الدارقطني أيضًا هذا الحديث من حديث عائشة بمعناه، وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله العُمري وهو ضعيف، بل متروك وهو ابن أخي عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (¬3). النسائي، عن طلق بن علي قال: خرجنا وفدًا حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعناه، وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة، فقال: "وهَلْ هوَ إلَّا مضغةٌ منكَ، أَوْ بِضعةٌ مِنْكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (411). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2668 - 2669). (¬3) انظر سنن الدارقطني (1/ 147 - 148). (¬4) رواه النسائي (1/ 101) وعنده فقال: يا رسول الله.

قدوم طلق بن علي على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في أول الهجرة، وحديث بسرة كان عام الفتح. وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَفضَى بِيدِهِ إِلَى فَرجِهِ لَيسَ دونَهُمَا حِجَابٌ فَقدْ وَجبَ عَليهِ الوُضُوءَ". قال أبو عمر: قال ابن السكن: هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب. قال أبو عمر: كان حديث أبي هريرة هذا لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، ويزيد ضعيف، حتى رواه أصبغ بن الفرج، عن ابن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك جميعًا، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال: فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قاله ابن السكن، إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه ابن معين فقال هو ثقة. مسلم، عن عاصم، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أتَى أَحدُكُمْ أَهلَهُ، ثُمَّ أرادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَليتوضّأْ بينهُمَا وُضوءًا" (¬1). وروى ليث بن أبي سليم، عن عاصم عن أبي المنتهل، عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أتَى أحدُكُمْ أَهلَهُ، فأَرادَ أَنْ يعودَ، فَليغسلْ فرجَهُ" (¬2). ووهم فيه الليث. والصحيح ما رواه شعبة والثوري وابن المبارك، وحفص بن غياث، وابن أبي زائدة، ومروان بن معاوية، وجرير وغيرهم عن عاصم من الوضوء وهو حديث مسلم الذي قبل هذا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (308). (¬2) رواه البيهقي (7/ 192).

باب ما جاء في الوضوء من القبلة والدم والقلس والضحك في الصلاة

وذكر أبو أحمد من طريق مسلمة بن عُلَيٍّ الخشني، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس قال: ربما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثنتي عشرة امرأة، لا يمس في ذلك شيئًا من ماء (¬1). ومسلمة بن علي ضعيف عندهم. وقال النسائي فيه: متروك. ورواه بقية عن سعيد أيضًا، وبقية وسعيد بن بشير لا يحتج بحديثهما، وبقية أكثر. وذكر أبو محمد من طريق يعلى بن عبيد، عن صالح بن حبان، عن ابن بريدة عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بريدة، وقد مس صنمًا فتوضأ (¬2). قال: صالح بن حبان ضعيف، وكذلك ضعفه ابن معين، وأبو حاتم. باب ما جاء في الوضوء من القبلة والدم والقلس والضحك في الصلاة النسائي، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ (¬3). قال أبو عيسى الترمذي وذكر هذا الحديث: ليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، كذا قال أبو عيسى (¬4). وذكر الدارقطني هذا الحديث من طرق، وعللها كلها. منها ما رواه عن عبيد الله بن عمرو عن غالب بن عبيد الله الجدري، عن ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2366). (¬2) رواه ابن حبان في كتاب المجروحين (1/ 369 - 370). (¬3) رواه النسائي (1/ 104). (¬4) قاله الترمذي بعد أن روى الحديث (86).

عطاء، عن عائشة قالت: ربما قبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يصلي ولا يتوضأ. قال: وغالب بن عبيد الله متروك، وكذلك قال فيه غيره (¬1). ورواه أيضًا من حديث الوليد بن صالح قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري عن عطاء، عن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل، ثم يصلي ولا يتوضأ. قال الدارقطني: يقال إن الوليد بن صالح وهم في قوله عن عبد الكريم، وإنما هو حديث غالب عن عبيد الله والله أعلم. قال: ورواه الثوري عن عبد الكريم عن عطاء من قوله وهو الصواب انتهى كلام الدارقطني (¬2). قد روى هذا الحديث أبو بكر البزار في مسنده، قال: نا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، قال: نا محمد بن موسى بن أعين، قال: حدثنا أبي عن عبد الكريم، عن عطاء عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ. وموسى بن أعين هذا ثقة مشهور، وابنه مشهور، روى له البخاري، ولا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول يحيى بن معين حديث عبد الكريم عن عطاء، حديث رديء لأنه حديث غير محفوظ، وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية، أو تكون الملامسة الجماع كما قال ابن عباس. وذكر الدارقطني عن سلمان قال: رآني النبي عليه السلام، وقد سال من أنفي دم، فقال: "أَحدِثْ لِمَا أَحدثتَ وُضوءًا" (¬3). ¬

_ (¬1) سنن الدارقطني (1/ 137). (¬2) سنن الدارقطني (1/ 137). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 156).

هذا يرويه أبو خالد، عمرو بن خالد القرشي الواسطي وهو متروك. وذكر أيضًا عن تميم الداري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوُضوءُ منْ كُلِّ دَمٍ سائلٍ" (¬1). وهذا منقطع الإسناد ضعيف. ويروى من حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوُضوءُ منْ كل دمٍ سَائلٍ". وهذا يرويه أحمد بن أبي الفرج عن بقية، وأحمد بن أبي الفرج ضعيف، وقد كان عبد الرحمن بن أبي حاتم قال فيه: كتبنا عنه ومخلد عندنا محل أهل الصدق، ذكر هذا الحديث أحمد بن عدي (¬2). وذكر الدارقطني أيضًا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيسَ فِي القَطرةِ وَالقطرتينِ مِنَ الدَّمِ وضوءٌ، إلَّا أَنْ يكون دَمًا سَائِلًا" (¬3). إسناده متروك فيه محمد بن الفضل بن عطية وغيره. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رعفَ أحدُكُمْ فِي صلاتِهِ، فَلينصرفْ، فَليغسلْ عنهُ الدّمَ، ثُمَّ لِيُعدْ وضوءَهُ وَليستقبلْ صلاتَهُ" (¬4). في إسناد هذا سليمان بن أرقم وهو متروك. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ رعفَ فِي صلاتِهِ فَليتوضّأْ، وَليبنِ عَلَى صَلاتِهِ" (¬5). في إسناده أبو بكر الداهري وهو متروك، واسمه عبد الكريم بن حكيم. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 157). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 193 و 509). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 157). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 152 - 157). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 157).

وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على ما بقي من صلاته (¬1). وفي إسناده عمر بن رباح وهو متروك. وعن إسماعيل بن عياش قال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن أبيه، وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قاءَ أحدُكُمْ فِي صَلاتِهِ أَوْ قلسَ، فَلينصرفْ، وَليتوضّأْ، وَليبنِ عَلى مَا مَضَى مِنْ صَلاتِهِ مَا لَمْ يتكلّمْ" (¬2). قال ابن جريج، فإن تكلم استأنف، وفي بعض الروايات عن إسماعيل "أَوْ رعفَ". والصحيح في هذا الحديث أنه عن ابن جريج مرسل وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين، وابن جريج وابن أبي مليكة حجازيان، ذكر هذه الأحاديث كلها أبو الحسن الدارقطني. وذكر أبو أحمد من حديث نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُعادُ الوضوءُ مِنَ الرّعافِ السّائلِ" (¬3). نعيم منكر الحديث ضعيفه. وذكر أيضًا من حديث شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوُضوءُ ممّا خَرجَ وَليسَ مِمّا دخَلَ" (¬4). شعبة هذا ضعيف، ومالك يقول فيه: ثقة، ويحيى بن معين قال فيه: لا يكتبا حديثه، وذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 156 - 157). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 155). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2379). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1340 و 6/ 2042). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 151).

أبو داود، عن أبي العالية، قال: جاء رجل في بصره ضرّ فدخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه، فتردى في حفرة كانت في المسجد، فضحك طوائف منهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة، أمر من كان منهم ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة (¬1). هذا مرسل وقد أسند من غير وجه، ولا يصح منها شيء، ولا يصح إلا المرسل عن أبي العالية، وفي بعض ألفاظه المسندة عن عمران بن الحصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ضَحكَ فِي الصَّلاةِ قرقرةً، فَليعِدِ الوضوءَ والصَّلاةَ" (¬2). وهذا يرويه عمر بن قيس المعروف بسندل وهو ذاهب الحديث، وفي آخر "مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ" لم يقل قرقرة، أخرجه أبو أحمد من طريق أبي سفيان عن حابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان ضعيف، وقبله من هو أضعف منه (¬3). وخرج أبو أحمد أيضًا من حديث داود بن محبر قال: حدثنا شعبة عن قتادة، سئل أنس مما كان يتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من الحدث، وأذى المسلم قيل: وأنتم؟ قال: ونحن (¬4). وهذا لا يرويه عن شعبة غير داود وهو منكر المتن. قال البخاري: داود بن المحبر منكر الحديث، شبه لا شيء لا يدري ما يحدث، وكذلك قال فيه غير البخاري، وكان داود في أول أمره ثقة، حتى تعبد وترك الحديث، وجالس الصوفية بعبادان، ثم قدم بغداد فلما أسن وكبر ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل، انظر تحفة الأشراف (13/ 193). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 165) وفيه أيضًا عمرو بن عبيد قيل فيه: كذاب. ورواه أيضًا ابن عدي (5/ 1762). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2724 - 2725). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 966).

باب ما جاء في الوضوء مما مسته النار ومن النوم

رجع إلى الحديث، فكان يصحف ويخطئ لكنه كان ثقة في دينه (¬1). باب ما جاء في الوضوء مما مسته النار ومن النوم أبو داود عن أبي العالية عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال: فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: "إِنَّمَا الوضوءُ عَلَى منْ نامَ مُضطجِعًا، فَإنَّه إِذَا اضطجعَ استرخَتْ مفَاصِلَهُ" (¬2). قوله "الوضوءُ علَى منْ نامَ مُضطَجعًا" هو حديث منكر، وليس بمتصل الإسناد لم يسمعه أبو العالية من ابن عباس. وكذلك حديث أبي داود أيضًا، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكاءُ السَّهِ العينانِ، فَمَنْ نَامَ فَليَتوضّأْ" (¬3). ليس بمتصل أيضًا. وقد روي حديث علي من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العينُ وِكاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَ استطلقَ الوِكَاءُ". وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وهو عندهم ضعيف جدًا، ذكر هذا الحديث أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬4). النسائي، عن صفوان بن عسال قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا ¬

_ (¬1) انظر الكامل (3/ 965). (¬2) رواه أبو داود (202). (¬3) رواه أبو داود (203). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 160).

مسافرين، أن نمسح على خفافنا، ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة (¬1). مسلم، عن أنس قال: أقيمت الصلاة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يناجي رجلًا، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلى بهم (¬2). أبو داود، عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون (¬3). وعن أنس قال: أقيمت صلاة العشاء، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم، أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءًا (¬4). مسلم، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون (¬5). وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا نعسَ أحدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَليرقدْ، حتَّى يذهبَ عنهُ النَّومَ، فَمنَّ أحدَكُمْ إِذَا صلَّى وَهُوَ نَاعسٌ لعلّهُ يذهبُ يستغفرُ فَيَسُبّ نَفسَهُ" (¬6). وعنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تَوضّؤُوا مِمَّا مستِ النّارُ" (¬7). وعن جابر بن سمرة، أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إِنْ شئتَ فَتوضّأْ، وَإِنْ شِئتَ فَلا تَتَوضّأ" قال: أتوضأ من لحوم ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 83 - 84). (¬2) رواه مسلم (376). (¬3) رواه أبو داود (200). (¬4) رواه أبو داود (201). (¬5) رواه مسلم (376). (¬6) رواه مسلم (786). (¬7) رواه مسلم (353).

الإبل؟ قال: "نَعَمْ فَتَوضّأ منْ لحومِ الإِبلِ" قال: أأصلي في مرابض الغنم، قال: "نَعَمْ" قال: أُصلي في مبارك الإبل، قال: "لاَ" (¬1). وعن عمر بن أمية الضمري، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحْتزُّ من كتف شاة فأكل منها، فدعي إلى الصلاة، فقام وطرح السكين، وصلى ولم يتوضأ (¬2). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: قربت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خبزًا ولحمًا، فأكل، ثم دعى بوضوءٍ فتوضأ، ثم صلى الظهر، ثم دعى بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ (¬3). وعن جابر أيضًا قال: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار (¬4). وقال النسائي: مما مست النار (¬5). وذكر أبو عمر في التمهيد في باب زيد بن أسلم، من حديث عبد العزيز بن عمران عن ابن لعبد الرحمن بن عوف عن عائشة قالت: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار (¬6). عبد العزيز بن عمران ضعيف، ولا نعلم له رواية عن أحد من ولد عبد الرحمن بن عوف، ولا أنه أدرك أحدًا منهم، وليس أيضًا كل ولد عبد الرحمن يروى عنه الحديث. وذكر البزار من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه سمع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (360). (¬2) رواه مسلم (355). (¬3) رواه أبو داود (191) وفي المخطوطة: قرب للنبي خبز ولحم. (¬4) رواه أبو داود (192). (¬5) رواه النسائي (1/ 108). (¬6) التمهيد (3/ 335 - 336).

باب إذا توضأ ثم شك في الحدث

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يتوضأنَّ رَجلٌ مِنْ طعامٍ أَكَلَهُ حلَّ لَهُ أَكلَهُ" (¬1). في إسناد هذا الحديث عمرو بن أبي المقدام وهو ضعيف جدًا، ولا يثبت الحديث. وذكر البزار أيضًا من حديث عبد الرحمن بن غنيم الأشعري قال: قلت لمعاذ بن جبل: هل كنتم توضؤون مما غيّرت النار؟ قال: نعم إذا أكل أحدنا طعامًا غيّرته النار غسل يديه وفاه فكنا نعد هذا وضوءًا (¬2). في إسناده الحسن بن يحيى الخشني عن خليفة بن عبد الله، والحسن ضعيف جدًا. باب إذا توضأ ثم شك في الحدث مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وجدَ أحدُكُمْ فِي بطنِه شَيئًا، فأشكلَ عَليهِ أَخرَجَ منهُ شَيئًا أَمْ لاَ، فَلا يخرجنَّ منَ المَسجدِ حتَّى يسمعَ صوتًا أو يَجِدَ رِيحًا" (¬3). باب الوضوء لكل صلاة، ومن صلى الصلوات بوضوء واحد، والوضوء عند كل حدث، والصلاة عند كل وضوء الترمذي، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة طاهرًا، أو غير ¬

_ (¬1) رواه البزار (293 كشف الأستار). (¬2) رواه البزار (291 كشف الأستار) كذا في المخطوطة خليفة بن عبد الله وفي كشف الأستار خليفة بن عتبة. (¬3) رواه مسلم (362).

طاهر، قال حميد: قلت لأنس: وكيف تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءًا واحدًا (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال: "عَمدًا صنعتُهُ يَا عُمَرُ" (¬2). الترمذي عن بريدة بن خصيب، قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعى بلالًا فقال: "يَا بلالُ بِمَ سَبقتنِي إِلَى الجنَّةِ؟ فَمَا دخلتُ الجنَّةَ قَط، إِلّا سَمِعْتُ خَشخشتَكَ أَمامِي، دخَلتُ البَارحةَ الجنَّةَ فسَمعتُ خَشخشتَكَ أَمامِي، فأَتيتُ عَلى قَصرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرفٍ منْ ذَهبٍ، فَقلتُ: لمنْ هَذا القصر؟ فقَالُوا: لِرَجُلٍ عَربيٍّ، فقلتُ أَنَا عربيٌّ، لِمنْ هَذَا القَصر؟ قَالُوا: لرجلٍ منْ قُريشٍ، فَقلتُ: أَنَا قُرشيٌّ، لمنْ هَذَا القَصر؟ فقالُوا: لرجلٍ منْ أُمّةٍ مُحمدٍ، فقلتُ: أنَا محمدٌ، لِمنْ هَذَا القصرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخطابِ" فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِهِمَا" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (658) وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، ومحمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. وقال الترمذي: حسن غريب وليس في نسختنا المطبوعة حسن صحيح. لكنه في صحيح البخاري (214) والترمذي (60) والنسائي (1/ 85) وغيرهم من غير هذه الطريق، والترمذي قال في حق هذا الإسناد: حسن صحيح. (¬2) رواه مسلم (277) ولكنه رواه من حديث بريدة وليس من حديث أبي هريرة كما وقع كذلك في المخطوطة. (¬3) رواه الترمذي (3690) وأحمد (5/ 354 و 360) والحاكم (1/ 313) وصححه ووافقه الذهبي، ورواه البغوي في شرح السنة (1012).

باب المضمضة من اللبن وغيره ومن ترك ذلك

باب المضمضة من اللبن وغيره ومن ترك ذلك مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا، ثم دعى بماء فتمضمض، وقال: "إنَّ لَهُ دَسَمًا" (¬1). البخاري، عن سويد بن النعمان أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من أدنى خيبر، صلى العصر ثم دعى بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فَثُرِّيَ، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا، ثم نام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ (¬2). أبو داود، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا، ولم يمضمض، ولم يتوضأ وصلى (¬3). مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع عليه ثيابه، ثم خرج إلى الصلاة، فأتي بهدية وخبز ولحم، فأكل ثلاث لقم، ثم صلى بالناس، وما مس ماء (¬4). باب في السواك لكل صلاة ولكل وضوء مالك، عن ابن شهاب عن ابن السباق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: "يَا معشرَ المُسلمينَ إِنَّ هَذَا يومٌ جَعَلهُ اللهُ عِيدًا، فاغتسِلُوا، ومَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (358). (¬2) رواه البخاري (209 و 215 و 2981 و 4175 و 4195 و 5384 و 5390 و 5454 و 5455). (¬3) رواه أبو داود (197) وحسن الحافظ إسناده في الفتح (1/ 313). (¬4) رواه مسلم (358).

كانَ عندَهُ طِيبٌ فَلا يضرّهُ أَنْ يمسَّ منهُ، وعليكُمْ بِالسِّواكِ" (¬1). وابن السباق اسمه عبيد وهو من بني عبد الدار، وحديثه هذا مرسل، إنما يروي ابن السباق عن أسامة بن زيد، وابن عباس، وميمونة وغيرهم. وقد زاده خالد بن يزيد بن معبد الصباحي الاسكندراني، عن مالك، عن معبد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووهم فيه (¬2). والصحيح عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق كما تقدم، ذكر ذلك الدارقطني رحمه الله. البزار عن العباس بن عبد المطلب، قال: كانوا يدخلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستاكوا، فقال: "تَدخلونَ عليّ قُلْحًا استاكُوا، فَلولا أَنْ أَشقَّ عَلى أمّتِي لَفرْضتُ عليهِمِ السّواكَ عندَ كل صَلاةِ، كما فرضْتُ عَليهِمِ الوُضوءَ" (¬3). يرويه من حديث سليمان بن كران بالنون خفيفة الراء، قال: وهو بصري مشهور ليس به بأس (¬4). وعن حذيفة قال: كنا نؤمر بالسواك إذا نمنا من الليل (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 64 - 65) وحديث ابن عباس رواه ابن ماجه (1098) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 161 - 162). (¬2) كذا في المخطوطة، ونرى أنه خطأ من النساخ؛ لأن الطبراني روى الحديث في المعجم الأوسط هكذا: حدثنا الحسن بن إبراهيم بن مطروح الخولاني المصري، ثنا يزيد بن سعيد الإسكندراني الصباحي ثنا مالك بن أوس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: "معاشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله لكم عيدًا، فاغتسلوا، وعليكم بالسواك". ورواه أيضًا بنفس الإسناد والمتن في الصغير (358). (¬3) رواه البزار (498 كشف الأستار). (¬4) انظر ترجمة سليمان هذا في اللسان والضعفاء للعقيلي والكامل لابن عدي. (¬5) ورواه ابن عدي في الكامل (3/ 1200).

مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَولا أَنْ أشق عَلَى أُمّتِي لأَمرتُهُمْ بِالسِّواكِ عندَ كلَّ صَلاةٍ" (¬1). وقال النسائي: "لفرضْتُ عَليهِمِ السِّواكَ مَعْ كُلَّ وُضوءٍ" (¬2). مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت. عائشة بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك (¬3). وعن حذيفة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك (¬4). النسائي، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين، ثمَّ ينصرف فيستاك (¬5). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السّواكُ مطهرةٌ للفَمِ مَرضاةٌ للربِّ" (¬6). البخاري عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرتُ عليكُمْ في السّواكِ" (¬7). البزار عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضلُ الصّلاةِ بِالسّواكِ عَلَى الصّلاةِ بِغيرِ سِواكٍ سَبعينَ ضِعْفًا" (¬8). وعن علي بن أبي طالب أنه أمر بالسواك وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (252). (¬2) لم نره عند النسائي لا في الصغرى ولا في الكبرى وإنما رواه الحاكم (1/ 146) والبيهقي (1/ 36). (¬3) رواه مسلم (253). (¬4) رواه مسلم (255). (¬5) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى. ورواه أحمد (1881) وابن ماجه (288) والطبراني في الكبير (12337). (¬6) رواه النسائي (1/ 10) وانظر إرواء الغليل (1/ 105). (¬7) رواه البخاري (888). (¬8) رواه البزار (501 كشف الأستار).

باب ذكر المياه وبئر بضاعة

العبدَ إِذا تسوّكَ، ثُمَّ قامَ يُصلِّي، قامَ الملكُ خلفَهُ، فتسمَّع لقراءَتِهِ فيدنُو منهُ -أو كلمة قالها- حتَّى يضعَ فاهُ عَلى فِيهِ، فَما يخرجُ منْ فِيهِ شيءٌ إلَّا صارَ في جوفِ الملكِ، فطهِّرُوا أَفواهَكُمْ للقُرآنِ" (¬1). رواه غير واحد موقوفًا على علي. مسلم، عن أبي موسى قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطرف السواك على لسانه (¬2). وقال البخاري: عن أبي موسى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يستاك بسواك بيده، يقول: "أعْ، أعْ" والسواك في فيه كأنه يتهوع (¬3). ومن مراسيل أبي داود عن محمَّد بن خالد القرشي عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا شَربتُمْ فاشربُوا مصًّا، وإِذا استكتُمْ فاستاكُوا عَرضًا" (¬4). باب ذكر المياه وبئر بضاعة أبو داود، عن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال: "إِذَا كانَ الماءُ قلتينِ لَمْ يَحملِ الخبثَ" (¬5). هذا صحيح؛ لأنه قد صح أن الوليد بن كثير روى هذا الحديث عن ¬

_ (¬1) رواه البزار (496 كشف الأستار). (¬2) رواه مسلم (254). (¬3) رواه البخاري (244). (¬4) انظر تحفة الأشراف (13/ 304). (¬5) رواه أبو داود (63).

محمَّد بن جعفر بن الزبير، وعن محمَّد بن عباد بن جعفر كلاهما عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ذلك. ذكر ذلك أبو الحسن الدارقطني، والمحمدان ثقتان، وروى لهما مسلم والبخاري وفي طريق آخر "لَا يَنجسْ". الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ بلغَ الماءُ أربعينَ قلّةً فَإنّهُ لاَ يَحملُ الخبثَ" (¬1). وهذا ليس صحيحًا؛ لأنه من رواية القاسم العمري، عن ابن المنكدر، وعن جابر، وخالفه روح بن القاسم، ومعمر، وسفيان، والثوري فرواه عن محمَّد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو موقوفًا. وكذلك يروى عن أبي هريرة موقوفًا والصحيح حديث القلتين. وذكر الدارقطني أيضًا عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماءُ طهورٌ إلا ما غَلبَ عَليهِ رِيحُهُ أَوْ طعمُه" (¬2). تفرد برفعه رشدين بن سعد وهو ضعيف عندهم. ورواه رشدين أيضًا من حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله. ولم يذكر أيضًا غير الريح والطعم. وإنما يصح من قول راشد بن سعد وغيره (¬3). الترمذي، عن أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتوضا من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحِيَضُ ولحوم الكلاب والنَّتْنُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الماءَ طهورٌ لَا ينجّسْهُ شَيءٌ" (¬4). قال: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 26) ولفظه "إذا بلغ". (¬2) رواه الدارقطني (1/ 28). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 28 - 29). (¬4) رواه الترمذي (66).

أبو داود، مثله، وقال سمعت قتيبة بن سعد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها، فقلت: أكثر ما يكون فيها الماء، قال: إلى العانة، قلت فإذا أنقص الماء، قال: دون العذرة. قال أبو داود: قدرت بئر بضاعة برداء أمددته عليها، ثمَّ ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه، هل غيّر بناؤهما عما كان عليه قال: لا ورأيت فيها ماء متغير اللون (¬1). الترمذي عن سعيد بن سلمة، من آل ابن الأزرق، أن المغيرة بن أبي بردة أخبره، أنَّه سمع أبا هريرة قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هوَ الطهورُ ماؤُهُ، الحلُّ مِيتَتُهُ". قال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). قال أبو عمر: ما أدري ما هذا من البخاري! وأهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناد هذا الحديث، وسعيد بن سلمة الذي يرويه، لم يرو عنه إلا صفوان بن سليم، ومن كانت هذه حاله فلا يقوم به حجة (¬3). وقد رواه يحيى بن سعيد عن المغيرة، ولم يذكر أبا هريرة، ويحيى بن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (66 و 67) وذكر هذا بعد الحديث الثاني. (¬2) رواه الترمذي (69). (¬3) كان في عبارة المصنف نقصًا فإن أبا عمر قال هذا بعد أن نقل عن الترمذي أنه سأل البخاري عن حديث مالك هذا عن صفوان بن سليم؟ فقال: هو عندي حديث صحيح. قال أبو عمر في التمهيد (16/ 218 - 219) لا أدري ما هذا في البخاري رحمه الله؟ ولو كان عنده صحيحًا لأخرجه في مصنفه الصحيح عنده، ولم يفعل؛ لأنه لا يعول في الصحيح إلا على الإسناد. وانظر التمهيد والاستذكار (1/ 201 - 203).

سعيد أحد الأئمة، وإنما الحديث عندي صحيح؛ لأنَّ العلماء نقلوه بالقبول له والعمل به، إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، أنهما كرها الوضوء بماء البحر، ولم يتابعهما على ذلك أحد. قال أبو عيسى في الباب: عن جابر والفراسي انتهى كلام ابن عيسى وكلام أبي عمر. حديث الفراسي لم يروه عنه فيما أعلم إلا مسلم بن مخشي، ومسلم بن مخشي لم يروه عنه فيما أعلم، إلا بكر بن سوادة، وحديث جابر أحسن طرقه ما رواه أبو القاسم بن أبي الزناد، عن إسحاق بن حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء بماء البحر، فقال: "هُوَ الطهورُ ماؤُهُ الحلُّ ميتتُهُ". وأبو القاسم هذا روى عنه أحمد بن حنبل، وأثنى عليه خيرًا، واسمه كنيته. وقال فيه يحيى بن معين ليس به بأس، وإسحاق بن قاسم شيخ مدني ليس بقوي، وقد روى هذا الحديث عن جابر عن أبي بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد روي موقوفًا على أبي بكرة، ذكره الدارقطني وغيره. وذكر عبد الرزاق عن الثوري، عن أبان، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأبان ضعيف جدًا والصحيح الماء طهور. الدارقطني، عن عمرو بن محمَّد الأعسم قال: نا مليح، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُتوضأ بالماء المشمس أو يُغتسل به، وقال: "إِنَّهُ يولدُ البَرصَ" (¬1). قال عمرو بن محمَّد: منكر الحديث، ولم يروه عن فليح غيره، ولا يصح عن الزهري. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 38).

وعن إسماعيل بن خالد المخزومي عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قد سخنت ماء في الشمس، فقال: "لاَ تَفعلِي يَا حُميراءُ، فَإِنَّهُ يورِثُ البَرصَ" (¬1). إسماعيل متروك (¬2). وخرجه أبو جعفر العقيلي، من حديث سوادة، عن أنس أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا تغسلُوا بِالماءِ الَّذِي يسخنُ في الشّمسِ، فَإنّه يعدِي منِ البَرصِ" (¬3). قال أبو جعفر: سوادة عن أنس مجهول، ولا يصح في الماء المشمس شيء مسندًا، إنما يروى فيه شيء من قول عمر. الدارقطني، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبيه عن جابر قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "وَبِما أَفضَلَتِ السّباعُ" (¬4). إبراهيم وثقه ابن حنبل وحده، وضعفه البخاري ويحيى بن معين وغيرهما. ويروى فيما أفضلت السباع، من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، ولا يحتج بأسانيدهما، ذكر حديثهما الدارقطني. الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: سألني النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما في إِداوَتكَ؟ " فقلت: نبيذ، فقال: "ثَمرةٌ طيبةٌ، وماءٌ طَهورٌ" فتوضأ منه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 38) من طريق خالد بن إسماعيل المخزومي، فانقلب الاسم على بعض النساخ فكتب إسماعيل بن خالد وهو خطأ من نساخ الأحكام. (¬2) هذا خطأ كما قلنا، إنما هو خالد بن إسماعيل. (¬3) رواه أبو جعفر العقيلي في الضعفاء (2/ 176). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 62). (¬5) رواه الترمذي (88).

باب في وضوء الرجل والمرأة معا في إناء واحد وما جاء في الوضوء بفضل المرأة، والوضوء في آنية الصفر والنية للوضوء والتسمية والتيمن

قال: إنما روي هذا الحديث عن أبي زيد، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث. انتهى كلام أبي عيسى. وقد رواه غير أبي زيد، وروي من حديث ابن عباس أيضًا، ولا يصح في الوضوء بالنبيذ شيء. النسائي، عن أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين (¬1). باب في وضوء الرجل والمرأة معًا في إناء واحد وما جاء في الوضوء بفضل المرأة، والوضوء في آنية الصفر والنية للوضوء والتسمية والتيمن البخاري، عن ابن عمر أنه قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعًا (¬2). الترمذي، عن ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ منه، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا، قال: "إِن الماءَ لاَ يَجنبُ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. رواه من حديث أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 131). (¬2) رواه البخاري (193). (¬3) رواه الترمذي (65).

وكذلك رواه أبو داود من حديث أبي الأحوص أيضًا عن سماك بهذا الإسناد (¬1). وخرجه البزار من حديث شعبة، والثوري عن سماك بن حرب بهذا الإسناد، وحديث شعبة عن سماك صحيح؛ لأنَّ سماكًا كان يقبل التلقين، وكان شعبة لا يقبل منه حديثًا. وذكر الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ عَلى الماءِ جنابةٌ، ولا عَلى الأرضِ جنابةٌ، ولا عَلى الثّوبِ جنابةٌ" (¬2). في إسناده أبو عمر حفص بن عمر المازني، عن سليم بن حيان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله، ولا أدري من أبو عمر هذا؟ وكتبته تذكرة حتى أجد من يعرفه. وذكر الدارقطني أيضًا من حديث المتوكل بن فضل، عن أم القلوص عن عمرة العامرية، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرى على الثوب جنابة، ولا على الأرض جنابة، ولا يجنب الرجل الرجل (¬3). متوكل هذا مجهول. وذكر الترمذي عن الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة (¬4). قال: هذا حديث حسن، كذا قال أبو عيسى حديث حسن، ولم يقل صحيح؛ لأنه روي موقوفًا، وغير أبي عيسى يصححه؛ لأن إسناده صحيح، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (68). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 113). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 125). (¬4) رواه الترمذي (64).

والتوقيف عنده لا يضر، والذي يجعل التوقيف فيه علة أكثر وأشهر. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن صبح بن عمران التميمي، ويكنى أبا نعيم، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق عن عائشة، أنها قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضل وضوء المرأة، فقال: "لا بأسَ بِهِ ما لَمْ تَخلُ بِهِ، فإذا أَخَلَتْ فَلا يُتوضّأ بِفَضلِها" (¬1). وعمر بن صبيح هذا متروك الحديث. البخاري، عن عبد الله بن زيد قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجنا له ماءً في تور من صفر، فتوضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، فأقبل به وأدبر، وغسل رجليه (¬2). مسلم، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنمَّا الأَعمالُ بالنّيةِ، وَإِنَّما لامرئِ ما نَوَى، فَمنْ كانَتْ هجرتُهُ إِلى اللهِ ورسولهِ فهجرتُهُ إِلَى الله ورسولهِ، ومنْ كانتَ هجرتُهُ لِدُنيا يصيبها، أَو امرأةِ يتزوجها، فهجرتُهُ إِلى ما هجرَ إِليهِ" (¬3). أبو داود، عن محمَّد بن موسى، عن يعقوب بن سلمة، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ لِمنْ لا وضوءَ لَهُ، وَلا وُضوءَ لمنْ لَمْ يذكرِ اسمَ الله عليهِ" (¬4). لا يعرف ليعقوب بن سلمة سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة، ومحمد بن موسى لا بأس به مقارب الحديث، ذكر ذلك أبو عيسى في كتاب العلل. ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 168). (¬2) رواه البخاري (197). (¬3) رواه مسلم (1907). (¬4) رواه أبو داود (101).

الترمذي، عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ وُضوءَ لمنْ لَمْ يذكرِ اسمَ اللهِ عَليهِ" (¬1). قال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا حديثًا له إسناد جيد. وقال محمَّد يعني البخاري: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن انتهى كلام أبي عيسى. حديث رباح هو حديث الترمذي هذا. وفي هذا أيضًا حديث كثير بن زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا وضوءَ لمنْ لَمْ يذكرِ اسمَ الله عليهِ" (¬2). وكثير بن زيد مرة وثقه ابن معين، ومرة قال: ليس بذلك القوي. وقال فيه أبو زرعة الرازي: صدوق، وفيه لين. وقال فيه أبو حاتم: صالح ليس بالقوي يكتب حديثه. وأما ربيح فروى عنه الدراوردي، وكثير بن زيد وفليح بن سليمان، والزبير بن عبد الله بن أبي خالد، وقال فيه أبو زرعة الرازي: شيخ، وقال فيه أحمد بن حنبل: ليس بمعروف. وذكر سعيد بن منصور قال: نا عتاب، أخبرنا خصيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من توضأ ولم يسم الله تعالى على وضوئه بإعادة الوضوء مرة ثمَّ مرة، ثمَّ مرة، فلما سمى الله تعالى في ابتداء وضوئه في الرابعة قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الآنَ حينَ أصبتَ وضوءَكَ". نقلته من كتاب الإعراب لأبي محمَّد من طريقته رويته، وهو حديث ضعيف ومرسل. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (26). (¬2) رواه ابن ماجه (397) وأحمد (3/ 41) وأبو يعلى (1061 و 1221) والدارمي (697) وابن عدي (3/ 1034) والدارقطني (1/ 71) والحاكم (1/ 146) والبيهقي (1/ 43) وهو صحيح لشواهده.

النسائي، عن أنس قال: طلب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءًا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَعْ أَحدٍ مِنكُمْ ماء؟ " فوضع يده في الماء ويقول: "تَوضؤوا باسمِ اللهِ" فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، فتوضؤوا حتى توضؤوا من عند آخرهم، قيل لأنس كم تراهم قال: نحوًا من سبعين (¬1). وروى حارثة بن محمَّد عن عمرة عن عائشة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مس طهوره يسمي الله تعالى. وفي لفظ آخر، كان يقوم إلى الوضوء فيسمي الله تعالى، ثمَّ يفرغ الماء على يديه (¬2). خرجه الدارقطني، وأبو بكر والبزار وحارثة بن محمَّد وثقه الدارقطني وحده فيما أعلم، وضعفه الناس. وذكر الدارقطني من حديث محمَّد بن أبان، عن أيوب بن عائد الطائي، عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ توضَّأَ وذكَر اسمَ اللهِ تطهَّر جسدَهُ كلّهُ، ومنْ توضأ وَلَمْ يذكرِ اسمَ الله لَمْ يَتَطهّرْ إِلا موضعَ الوُضوء" (¬3). محمَّد بن أبان لا أعرفه الآن، وأما أيوب معروف ثقة. أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا لبستُمْ وَإِذا تَوضأتُمْ، فابدَؤوا بأَيامِنكُمْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 61) وعنده قال ثابت: قلت لأنس كم تراهم الخ. (¬2) رواه الدارقطني (1/ 72) واللفظان له، وكان في المخطوطة إذا مس طهوره أسمى الله تعالى. فجعلناه كما هو عند الدارقطني، ورواه البزار (261 كشف الأستار) وأبو بكر بن أبي شيبة (1/ 3) بغير اللفظين. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 74). (¬4) رواه أبو داود (4141).

باب غسل اليد عند القيام من النوم ثلاثا قبل إدخالها في الإناء، وصفة الوضوء والإسباغ، والمسح على العمامة والناصية والعصائب، والمسح على الخفين في السفر والحضر والتوقيت فيه

باب غسل اليد عند القيام من النوم ثلاثًا قبل إدخالها في الإناء، وصفة الوضوء والإسباغ، والمسح على العمامة والناصية والعصائب، والمسح على الخفين في السفر والحضر والتوقيت فيه مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا استيقظَ أحدُكُمْ منْ نومهِ، فَلا يغمسْ يدَهُ في الإناءِ حتَّى يغسلَها ثَلاثًا، فإنَّه لا يدرِي أَيْن باتَتْ يدُهُ" (¬1). وقال أبو داود: إذا قام أحدكم من الليل بمثله (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث معلي بن الفضل، أنا الربيع بن صبيح، عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا استيقظَ أحدُكُمْ منْ منامِهِ فَلا يغمسْ يدَهُ في الإنَاءِ، حتَّى يغسِلَها، ثُمَ يَتوضأ، فَإنْ غمسَ يدَهُ في الإِناءِ قَبْل أَنْ يغسِلَها، فَليُرِقْ ذَلكَ الماءَ" (¬3). معلى والربيع ضعيفان، ولم يصح سماع الحسن من أبي هريرة. مسلم، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا استيقظَ أحدُكُمْ مِنْ منامِهِ، فَليستنثِرْ ثَلاثًا، فإنَّ الشيطانَ يبيتُ عَلى خَياشِيمِهِ" (¬4). وقال البخاري: إذا استيقظ من نومه، زاد فتوضأ (¬5). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا توضّأ أَحدُكُمْ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (278). (¬2) رواه أبو داود (103). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2371 - 2372). (¬4) رواه مسلم (238). (¬5) رواه البخاري (2295).

فَليستنشِقْ بمِنخريْهِ مِنَ الماءِ، ثُمَّ لِينتَثِرْ" (¬1). أبو داود، عن قارظ عن أبي غطفان، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استنثِرُوا مرتينِ بالغتينِ أَوْ ثَلاثًا" (¬2). قارظ هو ابن شيبة وهو لا بأس به، والصحيح ما تقدم من الأمر بالوتر في الاستنثار. النسائي، عن لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: "أسبغِ الوضوءَ، وبالغْ فِي الاستنشاقِ إلَّا أنْ تكونَ صائِمًا" (¬3). أبو داود، عن لقيط بن صبرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا توضّأتَ فمَضمِضْ" (¬4). الدارقطني، عن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمضمضة والاستنشاق (¬5). وذكر أبو أحمد من رواية إبراهيم بن محمَّد بن يحيى الأسلمي، عن ابن أبي ذئب عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ بِالوضوءِ توضَّأ بِي جِبريلُ فرضَ الوُضوءِ، وسَننتُ أَنا فِيهِ الاستنجاءَ والمَضمضةَ والاستنشاقَ، وَغسلَ الأذنينِ، وتخليلَ اللّحيةِ، ومسحَ القفَا، وَهُوَ إِسباغُ الوُضوءِ" (¬6). وإبراهيم هذا سئل عنه مالك بن أنس أكان ثقة؟ فقال: لا، ولا في دينه، وكذبه أيضًا غير مالك من الأئمة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (237). (¬2) رواه أبو داود (141). (¬3) رواه النسائي (1/ 66). (¬4) رواه أبو داود (144). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 116). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 225).

وذكر أبو علي بن السكن في كتاب الحروف، من حديث مصرف بن عمر بن السري بن مصرف بن عمرو بن كعب عن أبيه عن جده يبلغ به عمرو بن كعب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فمسح لحيته وقفاه. وهذا الإسناد لا أعرفه، وكتبته تذكرة، حتى أسأل عنه إن شاء الله تعالى. وذكر أبو بكر البزار من حديث وائل بن حجر قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأتي بإناء فيه ماء، فأكفأه على يمينه ثلاثًا، ثمَّ غمس يمينه في الماء فغسل بها يساره ثلاثًا، ثم أدخل يمينه في الماء وحفن بها حفنة من الماء، فمضمض واستنشق ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، ثم أدخل كفيه في الإناء فرفعهما إلى وجهه فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل باطن أذنيه، وأدخل إصبعيه في داخل أذنيه ومسح ظاهر رقبته وباطن لحيته ثلاثًا، ثم أدخل يمينه في الماء، فغسل بها ذراعه اليمنى حتى جاوز المرفق ثلاثًا، ثمَّ غسل يساره بيمينه حتى جاوز المرفق ثلاثًا، ثمَّ مسح رأسه ثلاثًا، وظاهر أذنيه ثلاثًا، وظاهر رقبته، وأظنه قال: وظاهر لحيته ثلاثًا، ثمَّ غسل بيمينه قدمه اليمنى ثلاثًا، وفصل بين أصابعه، أو قال: خلل بين أصابعه، ورفع الماء حتى جاوز الكعبين، ثم رفعه في الساق، ثمَّ فعل باليسرى مثل ذلك، ثمَّ أخذ حفنة من ماء فملأ بها يده، ثمَّ وضعها على رأسه حتى انحدر الماء من جوانبه، وقال: "هَذا تَمامُ الوُضوءِ". ولم أره ينشف بثوب. . وذكر باقي الحديث (¬1). هذا الحديث يرويه محمَّد بن حجر عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل بن جر عن أبيه، عن أمه، عن وائل ومحمد بن الحجر يكنى أبو الخنافس. وليس بقوي. قال البخاري: فيه نظر، ذكر ذلك عنه الجرجاني ويرويه محمَّد بن حجر ¬

_ (¬1) رواه البزار (268 كشف الأستار).

عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل ابن حجر عن أمه عن وائل. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده، عن حفص بن غياث عن ليث، عن طلحة عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح رأسه هكذا، وأمر حفص بيده على رأسه حتى مسح قفاه (¬1). سأذكر هذا الإسناد وأضعفه إن شاء الله. النسائي، عن علي رضي الله عنه أنه دعا بوضوء، فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى يفعل هذا ثلاثًا، ثم قال هذا طهور نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الترمذي، عن أبي حبة قال: رأيت عليًا توضأ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ثمَّ مضمض. . وذكر الحديث (¬3). وفي آخره أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. النسائي، عن عبد الله بن زيد قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح برأسه مرتين (¬4). مسلم، عن عبد الله بن زيد، وقيل له توضأ لنا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا بإناء، فأكفأ منه على يديه فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده، فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثمَّ أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر، ثمَّ غسل رجليه إلى الكعبين، ثمَّ قال: هكذا كان وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وفي رواية بعد قوله: فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدمة رأسه، ثمَّ ذهب ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/ 16). (¬2) رواه النسائي (1/ 657). (¬3) رواه الترمذي (48). (¬4) رواه النسائي (1/ 72). (¬5) رواه مسلم (235).

بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. وفي آخر فمسح برأسه مرة واحدة. وعن حمران مولى عثمان، أن عثمان بن عفان دعا بماءٍ، فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثمَّ غسل وجهه ثلاث مرات، ثمَّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثمَّ غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثمَّ مسح رأسه، ثمَّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثمَّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمَّ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا ثمَّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوضّأ نَحوَ وُضوئي هَذا، ثُمَّ قامَ فركعَ ركعتينِ لا يحدّث فِيهما نفسَهُ غفرَ اللهُ لهُ ما تقدَّمَ منْ ذَنبِهِ". قال ابن شهاب، وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة (¬1). وروى أبو داود من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه ثلاثًا (¬2). قال: وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، قالوا فيها ومسح رأسه، ولم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره (¬3). وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير عن إسرائيل، وأبو كريب عن مصعب بن المقدام عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق بن حمرة، عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان يتوضأ، فذكر الابتداء، فغسل الوجه قبل المضمضة والاستنشاق. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (226). (¬2) رواه أبو داود (107). (¬3) سنن أبي داود (1/ 80).

قال: موسى بن هارون هو عندنا وهم. وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل بهذا الإسناد، فبدأ فيه بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه. وتابع عبد الرحمن بن مهدي على هذا أبو غسان مالك بن إسماعيل عن إسرائيل وهو الصواب. ذكر التعليل والحديث أبو الحسن الدارقطني (¬1). وذكر من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ تَوضَّأَ فغسلَ كفيّه ثَلاَثًا" ووصف الوضوء كله ثلاثًا ثلاثًا قال فيه: "ومَسحَ برأسِهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: أشهدُ أَنْ لا إِلَه إلَّا اللهُ وأَنَ مُحَمدًا عبدُهُ ورسولُهُ قبلَ أَنْ يتكلمَ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَ الوُضُوءَيْنِ" (¬2). وفي إسناده البيلماني. النسائي، عن شعبة عن حبيب، وهو ابن زيد قال: سمعت عباد بن تميم يحدث عن جدته وهي أم عمارة بنت كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأُتي بماء في إناء قدر ثلثي المد (¬3). قال شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ومسح أذنيه باطنهما، ولا أذكر أنَّه مسح ظاهرهما. وذكر النسائي أيضًا عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فغسل يديه، ثم مضمض، واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه وأذنيه (¬4). وزاد في أخرى مسح باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه. ¬

_ (¬1) انظر سنن الدارقطني (1/ 86). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 92 - 93). (¬3) رواه النسائي (1/ 58). (¬4) رواه النسائي (1/ 73 و 74).

الترمذي، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ قالت: ومسح برأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة (¬1). أبو داود، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الربيع ووصفت وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ومسح برأسه مرتين بدأ بمؤخره ثمَّ بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما (¬2). كان الحميدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديث عبد الله بن محمَّد بن عقيل. أبو داود، عن طلحة عن أبيه عن جده، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح رأسه مرة واحدة، حتى بلغ القذال وهو أول القفا (¬3). وعن طلحة عن أبيه عن جده قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق (¬4). وطلحة هذا يقال: إنه رجل من الأنصار، وهو طلحة بن مصرف ولا نعرف لجده صحبة. أبو داود، عن المقدام بن معدي كرب في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل إصبعه في صماخ أذنيه (¬5). وروى ابن وهب قال: نا عمر بن الحارث، عن حبَّان بن واسع، عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (34). (¬2) رواه أبو داود (126). (¬3) رواه أبو داود (132). (¬4) رواه أبو داود (139). (¬5) رواه أبو داود (123).

أبيه، عن عبد الله بن زيد قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، فأخذ ماءً لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه (¬1). ذكره أبو عبد الله الحاكم في كتاب علوم الحديث، وهو حديث تفرد به أهل مصر، وقد ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إسناد ضعيف. مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا تَوضأ العبدُ المؤمنُ فمضمضَ خرجَتِ الخَطايا مِنْ فِيهِ. ." وذكر الحديث (¬2). وفيه فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه. وعبد الله الصنابحي لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أبو عبد الله وهو الصواب واسمه عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي. وقد روي عن أبي أمامة، وابن عباس، وأبي موسى، وأبي هريرة وابن عمر كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأذنانِ منَ الرّأْسِ". ولا يصح منها كلها شيء. ذكر هذه الأحاديث أبو داود، والترمذي، والدارقطني رحمهم الله وفي حديث أبي داود، وذكره عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح المآقين، قال: وقال: "الأُذنانِ منَ الرأسِ" (¬3). النسائي، عن عائشة، وتوضأت وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثمَّ مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثمَّ مرت بيديها فأذنيها، ثمَّ مرت على الخدَّين (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 97 - 98). (¬2) رواه مالك (1/ 40 - 41). (¬3) ذكر الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني طرق هذا الحديث في سلسلة الصحيحة تحت رقم (36) وخلص إلى أنه حديث صحيح، فراجعه. (¬4) رواه النسائي (1/ 72 - 73).

أبو داود، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ عندها فمسح الرأس كله من فوق الشعر كل واحدة بمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئتِه (¬1). وبهذا الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح برأسه من فضل ماء كان في يده (¬2). وعن المغيرة بن أبي فروة، ويزيد بن مالك أن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، فلما بلغ رأسه اغترف غرفة من ماء فتلقاها بشماله، حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثمَّ مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه (¬3). وعن زر بن حبيش أنه سمع عليًا، وسئل عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ومسح على رأسه حتى أتى أن يقطر، وغسل رجليه ثلاثًا، ثمَّ قال: هكذا كان وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). هذا يرويه محمَّد بن ربيعة الكناني، عن المنهال بن عمرو، عن زر، [ورواه أبو عوانة] عن خالد بن علقمة، عن عبد خير عن علي وتوضأ وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه (¬5). وفي الحديث: فمسح برأسه مرة، ورواه عبد الملك بن سلع عن عبد خير قال: ومسح برأسه وأذنيه ثلاثًا (¬6). وخالد بن علقمة أوثق وأشهر من عبد الملك، كذا رواه الحفاظ الثقاة عن خالد. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (128). (¬2) رواه أبو داود (130). (¬3) رواه أبو داود (124). (¬4) رواه أبو داود (114). (¬5) رواه أبو داود (111) وما بين المعكوفين من زيادتنا. (¬6) رواه الدارقطني (1/ 92).

ورواه أبو حنيفة عن خالد فقال: ومسح رأسه ثلاثًا، ولا يحتج به لضعفه في الحديث (¬1). وذكر الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، وشبك لحيته بأصابعه من تحتها (¬2). قال: والصحيح أنه من فعل ابن عمر غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن معمر بن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع، حدثني أبي، عن عبيد الله، عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ حرك خاتمه (¬3). قال: معمر وأبوه ضعيفان. مسلم، عن عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فمضمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ويده اليمنى ثلاثًا، والأخرى ثلاثًا، ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما (¬4). الترمذي، عن عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن الوليد بن زوران، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء، فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته (¬6). الوليد بن زَوْرَان روى عنه حجاج بن حجاج، وجعفر بن برقان وأبو المليح الرقي. النسائي، عن لقيط بن صبرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا توضأْتَ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 89). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 89). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 94). (¬4) رواه مسلم (236). (¬5) رواه الترمذي (31). (¬6) رواه أبو داود (145).

فأسبغِ الوُضوءَ، وخَلّلْ بَيْن الأَصابعِ" (¬1). الترمذي، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا توضّأْتَ فخلِّلْ بينَ أَصابعِ يديْكَ ورجْلَيْكَ" (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود، عن المستورد قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره (¬3). خرجه الترمذي، وقال: يخلل، وفي بعض الروايات دَلك، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة (¬4). وذكر أبو أحمد من طريق سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا تَوضَّأَ أحدُكُمْ فَلا يَغسِلْ أَسفالَ رِجلَيْهِ بيدِه اليُمْنَى" (¬5). سليمان بن أرقم متروك، ولم يصح سماع الحسن من أبي هريرة. مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: رجعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر، فتوضؤوا وهم عجال، فانتهينا إليهم، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَيلٌ للأَعقابِ مِنَ النَّارِ، أَسبِغُوا الوُضوءَ" (¬6). قال البخاري: فنادى بأعلى صوته "ويلٌ للأَعقابِ مِنَ النَّارِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 79). (¬2) رواه الترمذي (39). (¬3) رواه أبو داود (148). (¬4) رواه الترمذي (40) وليس عنده "يخلل". (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1104). (¬6) رواه مسلم (241). (¬7) رواه البخاري (163).

أبو داود، نا عبد العزيز بن يحيى الحراني، نا محمَّد يعني ابن سلمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن محمَّد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس قال: دخل عليَّ علي يعني ابن أبي طالب رحمه الله، وقد اهراق الماء، فدعا بوضوء فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس ألا أريك كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقلت: بلى، فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى، فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثمَّ تمضمض واستنثر، ثمَّ أدخل يديه في الإناء جميعًا، فأخذ بها حفنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثمَّ ألقم بإبهامه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثمَّ الثالثة، مثل ذلك، ثمَّ أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته، فتركها تستقُّ على وجهه، ثمَّ غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ مسح رأسه وظهور أذنيه، ثمَّ أدخل يديه جميعًا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل فغسلها بها، ثمَّ الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين. قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين. قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين (¬1). عبد العزيز بن يحيى الحراني أبو الأصبغ صدوق لا بأس بروايته عن محمَّد بن سلمة، ومحمد بن سلمة كذلك صدوق له فضل ورواية، ومحمد بن طلحة ثقة، ومحمد بن إسحاق يأتي ذكره في كتاب الصلاة في باب القراءة. وذكر أبو داود أيضًا من حديث ابن عباس، وتوضأ وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه ثم قبض قبضة من الماء، ثمَّ نفض يده، ثمَّ مسح رأسه وأذنيه، ثمَّ قبض قبضة أخرى من الماء، فرشَّ على رجله اليمنى وفيها النعل، ثمَّ مسحها بيده يدٌ فوق القدم، ويدٌ تحت النعل، ثمَّ صنع باليسرى مثل ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (117). (¬2) رواه أبو داود (137).

هذا في إسناده هشام بن سعد وهو ضعيف عندهم، ضعفه يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد، والنسائي، وابن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، كلهم ضعفه، أو قال فيه كلام معنى التضعيف، ذكر ذلك ابن أبي حاتم، وابن عدي. ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحمن المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود، عن عباد بن تميم المازني عن أبيه تميم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، ويمسح بالماء على رجليه. قد ورد من الطرق الصحاح عن عبد الله بن زيد وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل رجليه. وأبو الأسود هذا لا أدري من هو؟ وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث وقال: لا تقوم بإسناده حجة. مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في مسير، فقال: "أَمعكَ ماءٌ؟ " قلت: نعم، فنزل على راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثمَّ جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهُما فَإنِّي أَدخلتهُما طاهرتَيْنِ" ومسح عليهما. وزاد في طريق أخرى، ثمَّ صلى بنا. وعنه أيضًا في هذا الحديث قال: ومسح بناصيته، وعلى العمامة وعلى خفيه. وعنه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين، ومقدمة رأسه وعلى عمامته (¬1). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (274).

أبو داود عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدمة رأسه ولم ينقض العمامة (¬1). مسلم، عن بلال، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار (¬2). الترمذي، عن هذيل عن المغيرة قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين والنعلين (¬3). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال النسائي: ما نعلم أن أحدًا تابع هذيلًا على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. والله أعلم (¬4). أبو داود، عن أوس بن أبي أوس الثقفي، أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى كظامة قوم، يعني الميضأة، فتوضأ فمسح على نعليه وقدميه (¬5). وقال عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا معمر عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبي قال رأيت عليًا بال قائمًا حتى أرغى ثمَّ توضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه، ثمَّ جعلهما في كمه، ثمَّ صلى. قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل صنيع علي هذا (¬6). مسلم، عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (147). (¬2) رواه مسلم (275). (¬3) رواه الترمذي (99). (¬4) قاله النسائي في السنن الكبرى بعد أن روى الحديث (148). (¬5) رواه أبو داود (160). (¬6) رواه عبد الرزاق في المصنف (783) وعنده قال معمر: ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني. . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنع علي، فعلت.

الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه، فقال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم (¬1). وذكر الدارقطني قال: نا أبو بكر النيسابوري، نا سليمان بن شعيب بمصر، نا بشر بن بكر، قال: حدثنا موسى بن علي عن أبيه، عن عقبة بن عامر، قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة، فدخلت المدينة يوم الجمعة، ودخلت على عمر بن الخطاب فقال لي: متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا، قال: أصبت السنة (¬2). قال: هذا حديث غريب صحيح الإسناد. قال: وفي كتاب العلل (¬3) تابع موسى بن علي مفضل بن فضالة، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحكم البلوي، عن علي بن رباح، فقالا: فيه أصبت السنة، وخالفهم عمرو بن الحارث، والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، فقالوا فيه: فقال عمر: أصبت، ولم يقولوا السنة، كما قال من تقدمهم، وهو المحفوظ، والله أعلم. ورواه جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن حبيب، عن علي بن رباح، عن عقبة، وأسقط من الإسناد عبد الله بن الحكم، وقال فيه: أصبت السنة كما قال ابن لهيعة والمفضل. وذكر أبو داود عن أيوب بن قطن، عن أبيّ بن عمارة، قال يحيى بن أيوب، وكان قد صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلتين، أنه قال: يا رسول الله أمسح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (276). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 196) وليس في نسختنا المطبوع غريب. (¬3) كذا في المخطوطة، والصواب وقال في كتاب العلل.

على الخفين؟ قال: "نَعَمْ" قال: ويومين قال: "نَعَمْ" قال: وثَلاثَة، قَالَ: "نَعَمْ وَما شِئْتَ". في طريق أخرى قال فيه حتى بلغ سبعًا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ وَما بَدا لَكَ" (¬1). روى اللفظ الأول يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رَزين، عن محمَّد بن يزيد، عن أيوب. واللفظ الثاني رواه يحيى بن أيوب أيضًا، عن عبد الرحمن، عن محمَّد بن عبادة بن نُسَيّ عن أبي. قال أبو داود: اختلف في إسناده وليس بالقوي. وذكر الدارقطني من حديث عمر بن إسحاق بن يسار، أخو محمَّد بن إسحاق بن يسار، قال: قرأت كتابًا لعطاء بن يسار مع عطاء بن يسار، قال: سألت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسح، فقالت: قلت: يا رسول الله في كل ساعة يمسح الإنسان على الخفين ولا يخلعهما؟ قال: "نَعَمَ" (¬2). أصح ما في التوقيت حديث مسلم عن شريح عن عطاء عن علي. النسائي، عن أسامة قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسواف، فذهب لحاجته، ثمَّ خرج، فسألت بلالًا: ما صنع؟ قال: ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين (¬3). الأسواف: موضع بالمدينة. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (158). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 199). (¬3) رواه النسائي (1/ 81 - 82). (¬4) رواه أبو داود (164).

باب ما جاء في المنديل بعد الوضوء

وعن المغيرة بن شعبة قال: وضأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فمسح على الخفين وأسفله (¬1). هذا منقطع الإسناد والذي قبله صحيح. أبو داود، عن ثوبان قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتَّساخين (¬2). العصائب هي العمائم، التساخين هي الخفاف، ذكر ذلك أبو عبيد. وذكر الدارقطني عن علي قال: انكسر أحد زندي، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أمسح على الجبائر (¬3). يرويه عمرو بن خالد الواسطي ولا يصح. وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الجبائر (¬4). يرويه أبو عمارة، محمَّد بن أحمد بن السري وهو ضعيف جدًا. قال: ولا يصح مرفوعًا. باب ما جاء في المنديل بعد الوضوء الترمذي، عن عائشة قالت: كان للنبي- صلى الله عليه وسلم - خرقة يتنشف بها بعد الوضوء (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (165). (¬2) رواه أبو داود (146). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 226 - 227). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 205). (¬5) رواه الترمذي (53) وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم.

باب من توضأ مرة مرة أو أكثر، ومن ترك لمعة، وفي تفريق الوضوء والانتضاح، وقدر ما يكفي من الماء، وما ينحدر من الإسراف في الوضوء، وما يقال بعده، وفضل الطهارة والوضوء

هذا يرويه سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث. وعن معاذ بن جبل قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه (¬1). وهذا أيضًا يرويه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف، ذكر ذلك الترمذي وهو خرج هذا الحديث، وقال: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء. باب من توضأ مرة مرة أو أكثر، ومن ترك لمعة، وفي تفريق الوضوء والانتضاح، وقدر ما يكفي من الماء، وما ينحدر من الإسراف في الوضوء، وما يقال بعده، وفضل الطهارة والوضوء البخاري، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة (¬2). وقد وصف الوضوء في طريق أخرى، وأنه عليه السلام أخذ غرفة للمضمضة والاستنشاق، ثم أخذ لكل جارحة غرفة (¬3). وعن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين (¬4). مسلم، عن أنس أن عثمان توضأ بالمقاعد فقال: ألا أريكم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث عمرو بن فائد أبي علي البصري الأسواري، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (54). (¬2) رواه البخاري (157). (¬3) رواه البخاري (140). (¬4) رواه البخاري (158). (¬5) رواه مسلم (230).

عن مطر الوراق، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوضوءُ منَ البَولِ مرةً مرةً، ومنَ الغائِطِ مرتينِ مرتينِ، ومِنَ الجنابةِ ثَلاثًا ثَلاثًا" (¬1). عمرو بن فائد هذا منكر الحديث، حديثه ليس بشيء. وذكر النسائي عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثًا قال: "هَكَذا الوضوءُ فَمنْ زادَ عَلى هَذا فَقدْ أَساءَ وتعدَّى وظلمَ". هكذا رواه النسائي عن أحمد بن سليمان الرهاوي، عن يعلي بن عبيد، عن سفيان عن موسى (¬2). ورواه أبو داود قال: حدثنا مسدد، نا أبو عوانة، عن موسى بهذا الإسناد، أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثًا، ثمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ثمَّ غسل ذراعيه ثلاثًا، ثمَّ مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثمِ غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال: "هَكَذا الوُضوءُ، فمنْ زادَ عَلَى هَذا أَو نقصَ فقدْ أَساءَ وَظَلمَ" أو "ظَلمَ وَأَساءَ" هكذا قال: "فَمَنْ زادَ عَلى هَذا أَوْ نقصَ" (¬3). عمرو بن شعيب ثقة، وإنما تكلم فيه لأنه يحدث عن صحيفة جده، وكان يحيى بن معين لا يعبأ بصحيفة عمرو بن شعيب، وذكر تضعيف هذه الصحيفة الترمذي وغيره، وهي حديثه عن أبيه عن جده كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث، قال: إنما روى أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1797). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (103). (¬3) رواه أبو داود (135).

فرواها، وعامة ما يروى عنه المناكير، إنما هي من رواية المثنى بن صباح وابن لهيعة وأمثالهما عن عمرو بن شعيب، وأبو عمرو يحتج بحديث عمرو بن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة. وموسى ابن أبي عائشة ثقة، وفي حديثه عن عمرو بن شعيب من رواية أبي عوانة "فَمنْ زادَ عَلَى هَذا أَوْ نَقصَ" وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة كما تقدم في أول الباب. وذكر الدارقطني من حديث المسيب بن واضح قال: حدثنا حفص بن ميسرة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة وقال: "هَذا وُضوءُ مَنْ لا يَقبلِ اللهُ منهُ صلاةَ إلَّا بِهِ" ثمَّ توضأ مرتين مرتين وقال: "هَذا وضوءُ منْ يضاعفُ اللهُ لَهُ الأجرَ مرتينِ" ثمَّ توضأ ثلاثًا ثلاثًا وقال: "هَذا وضوءُ المرسلينَ مِنْ قَبلِي" (¬1). تفرد به المسيب بن واضح عن حفص، والمسيب ضعيف، وهذا الطريق من أحسن طرق هذا الحديث، وفي بعضها: "هَذا وُضؤئي وَوضوءُ خليلِ اللهِ إبراهيمَ ووضوءُ النبييّنَ منْ قَبلِي". يرويه زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن ابن عمر. ذكره علي بن عبد العزيز في المنتخب، وإسناده أضعف من الذي قبله. مسلم، عن جابر قال: أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلًا توضأ، فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجعْ فأَحسِنْ وضوءَكَ" فرجع ثمَّ صلى (¬2). أبو داود، عن أنس بن مالك مثله (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 80). (¬2) رواه مسلم (243). (¬3) رواه أبو داود (173).

وعن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يعيد الوضوء والصلاة (¬1). وحديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك أصح إسنادًا وأجل؛ لأن في حديث خالد بقية بن الوليد، وقد تكلم فيه ولا يحتج به. في المراسيل عن العلاء بن زياد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اغتسل فرأى لمعة على منكبه لم يصبها الماء، فأخذ خصلة من شعر رأسه فعصرها على منكبه، ثمَّ مسح يده على ذلك المكان (¬2). وقد أسند هذا عن العلاء عن رجلٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسند أيضًا من حديث أنس وعائشة، والصحيح مرسل أبي داود، وحديث أنس وعائشة ذكرهما الدارقطني وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى (¬3). مسلم، عن ميمونة ووصفت غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: ثمَّ تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه. وسيأتي بكماله إن شاء الله تعالى (¬4). النسائي، عن الحكم بن سفيان الثقفي عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال: هكذا ووصف شعبة نضح به فرجه (¬5). اختلف في إسناد هذا الحديث وفي اسم الصاحب، ويقال أبو الحكم بن سفيان. وأصح الأسانيد فيه إسناد النسائي هذا. قال النسائي: نا إسماعيل بن مسعود، نا خالد بن الحارث، عن شعبة، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (175). (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 330) وسيأتي (ص 201 الهامش رقم 2). (¬3) سيأتي (ص 201 الهامش رقم 2). (¬4) سيأتي (ص 197 الهامش رقم 4). (¬5) رواه النسائي (1/ 86).

عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم عن أبيه (¬1): كذا قال الترمذي عن البخاري أن هذا الإسناد أصح أسانيد هذا الحديث، ذكر ذلك في كتاب العلل. وقال عبد الرزاق في مصنفه إذا توضأ وفرغ أخذ كفًا من ماء فنضح به فرجه (¬2). رواه عن معمر عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه، كذا قال الترمذي عن البخاري عن سفيان بن الحكم، أو الحكم بن سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الترمذي في كتابه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة فيه الحسن بن علي الهاشمي (¬3). وذكر البزار من حديث زيد بن حارثة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام فعلمه الوضوء، فلما فرغ أخذ حفنة من ماء فنضح بها فرجه (¬4). هذا يرويه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف عندهم. وقد روي أيضًا من طريق رشدين بن سعد يسنده إلى زيد بن حارثة وهو ضعيف عندهم كذلك. وذكر أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، أخبرنا عبد الله بن محمَّد بن سالم، حدثني حسين بن زيد بن علي، عن الحسن بن زيد بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أفضل لموضع سجوده ماء حتى يسله على مواضع السجود. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 86). (¬2) رواه عبد الرزاق (586). (¬3) رواه الترمذي (50). (¬4) ورواه أيضًا أحمد (4/ 161) وابن ماجه (462) والطبراني في الكبير (4657).

قال أبو جعفر وهذا عندنا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا لعلتين: إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه. والثانية: أن ذلك مما لا تعرفه العامة، وهو عمل من أعمال الطهارة، ولو كان صحيحًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تجهله العامة، كذا قال أبو جعفر في هذا. ولم أجد في تاريخ البخاري، ولا في تاريخ ابن أبي حاتم سماعًا، ولا رواية لزيد بن الحسن عن أبيه، إنما ذكروا روايته عن ابن عباس أنَّه تطيب بالمسك، ولم يذكروا رواية عن غيره والله أعلم (¬1). وقال أبو أحمد الجرجاني: الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، روى عن أبيه وعكرمة أحاديث معضلة، وروايته عن أبيه أنكر مما هي عن عكرمة (¬2). وأما البخاري وابن أبي حاتم فلم يذكروا فيه أكثر من روايته عن أبيه وعكرمة (¬3). أبو داود، عن أم عمارة بنت كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد (¬4). أبو داود، عن عبد الله بن مغفل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّهُ سيكونُ في هَذهِ الأمَّةِ قومٌ يعتدونَ في الطهورِ والدّعاءِ" (¬5). ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (1/ 2/ 560) والتاريخ الكبير (2/ 1/ 392). (¬2) الكامل (2/ 738) لابن عدي، وعنده أنكر مما رواه عن عكرمة. (¬3) الجرح والتعديل (1/ 2/ 14) والتاريخ الكبير (1/ 942) للبخاري. (¬4) رواه أبو داود (94). (¬5) رواه أبو داود (96).

الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوضَّأَ فأَحسنَ الوُضوءَ ثمَّ قَالَ: أَشهدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمدًا عبدهُ ورسولُهُ، اللَّهُمَّ اجعلنِي مِنَ التوابِينَ، واجعلنِي منَ المتطهرينَ فُتحتْ لَهُ ثمانيةُ أبوابٍ منَ الجنَّةِ يدخلُ منْ أَيّها شاءَ" (¬1). وذكر الدارقطني من حديث عثمان، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَوضَّأَ هَكذَا وَلَمْ يتكلّمْ ثُمَّ قَالَ: أَشهدُ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأَنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، غُفِرَ لَهُ ما بَينَ الوضوءَينِ" (¬2). هذا يرويه ابن البيلماني عن عثمان. مسلم عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحانَ الله والحمدُ للهِ تَملآنِ أَوْ تملأُ ما بَينَ السماوات والأَرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ بُرهان، والصَّبرُ ضياءٌ، والقُرآنُ حجةٌ لَكَ أَوْ عَليكَ كُل النَّاس يَغدُو فبايعٌ نفسَهُ فَمُعتقها أَوْ مُوبقَها" (¬3). مسلم، عن حمران قال: أتيت عثمان بوضوءِ، فتوضأ منه، ثمَّ قال: إن أناسًا يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث لا أدري ما هي! إلا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا، ثمَّ قال: "منْ توضَّأَ هكَذا غُفِرَ لَهُ ما تَقدّمَ منْ ذَنبهِ، وكانتْ صلاتَهُ ومشيَهُ إِلى المسجدِ نافلةً لَهُ" (¬4). وعن عثمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ توضَّأ فَأحسنَ الوُضوءَ خرَجتْ خَطاياهُ منْ جَسدِهِ حتَّى تخرجَ منْ تَحتِ أظفارِهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (55). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 92). (¬3) رواه مسلم (223). (¬4) رواه مسلم (229). (¬5) رواه مسلم (245).

وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة فقال: "السلامُ عليكُمْ دارُ قومٍ مؤمنينَ، وَإنَّا إِنْ شاءَ الله بكُم لاحقونَ وددتُ أنَّا قَدْ رأينا إِخواننا" قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أَنتُمْ أَصحابِي، وإِخواننا الذِينَ لَمْ يأتُوا بَعْد" فقالوا: كيف نعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: "أَرأَيْتَ لَوْ أَنْ رَجلًا لَهُ خيلٌ غرٌّ محجلَةٌ بينَ ظهريْ خيلٍ دهمٍ بهمِ، أَلا يعرفَ خيلَهُ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فَإِنَّهُمْ يأتونَ غرًا محجلينَ منَ الوُضوءِ، وأَنَا فرطُهُمْ على الحوضِ، أَلا ليذادَنَّ رجالٌ عنْ حَوضِي كَما يُذادُ البعيرُ الضَّالُّ، أنَادُيهِمْ أَلا هَلُّمَ، فيقالُ: إِنّهُمْ قَدْ بدّلُوا بعدَكَ، فأقُولُ سُحقًا سُحقًا" (¬1). وعن نعيم بن عبد الله المجمر، قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمَّ غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثمَّ يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثمَّ مسح رأسه، ثمَّ غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثمَّ غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنتُمُ الغرُّ المحجلونَ يومَ القيامةِ منْ إِسباغِ الوُضوءِ، فمنِ استطاعَ منكُمْ فَليُطلْ غرَّتَهُ وتحجيلَهُ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تبلغُ الحليةُ مِنَ المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوضوءَ" (¬3). مالك عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلا أخبركُمْ بِما يمحُو اللهُ بِهِ الخَطايا ويرفعُ بِهِ الدرجاتَ، إِسباغِ الوُضوءِ عندَ المَكارِهِ، وكَثرةِ الخُطا إِلَى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (249). (¬2) رواه مسلم (246). (¬3) رواه مسلم (250).

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة، ونوم الجنب إذا توضأ، وأكله ومشيه، ومجالسته، وكم يكفي من الماء، واغتسال الرجل والمرأة في إناء واحد، وما نهي أن يغتسل فيه الجنب، وتأخير الغسل وتعجيله، وصفته، والتستر

المَساجِدِ، وانتظارِ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذلكُمُ الرِّباطُ، فذَلكُمُ الربّاطُ، فذَلكُمُ الرّباطُ" (¬1). باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة، ونوم الجنب إذا توضأ، وأكله ومشيه، ومجالسته، وكم يكفي من الماء، واغتسال الرجل والمرأة في إناء واحد، وما نهي أن يغتسل فيه الجنب، وتأخير الغسل وتعجيله، وصفته، والتستر مسلم، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على باب عتبان، فضرب به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعجَلْنا الرّجُلَ" فقال عتبان يا رسول الله أرأيت الرجل يُعْجَلُ عن امرأته ولم يمن ماذا عليه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الماءُ مِنَ الماءِ" (¬2). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر، فقال: "لَعلّنا أعجلناكَ" فقال: نعم يا رسول الله، فقال: "إِذا أُعجلْتَ أَوْ أقحطتَ، فَلا غُسلَ عَليكَ وَعَلَيكَ الوُضوءَ" (¬3). وعن أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: في الرجل يأتي أهله ثمَّ لا يُنْزِلُ، قال: "يَغسلُ ذَكَرهُ ويتوضّأُ" (¬4). وقال البخاري: "يَغسلُ ما مَسَّ المرأةَ مِنهُ، ثُمَّ يتوضأُ وَيصلِّي" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 135). (¬2) رواه مسلم (343). (¬3) رواه مسلم (345). (¬4) رواه مسلم (346). (¬5) رواه البخاري (293).

وزاد عن زيد بن خالد فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبي بن كعب فأمره بذلك (¬1). ولمسلم من حديث عثمان في هذا: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقال الترمذي: إنما كان الماء من الماء في أول الإِسلام، ثمَّ نسخ بعد ذلك (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قعدَ بينَ شعبِها الأَربع، وَألزَقَ الختانَ بِالختانِ، فَقدْ وجَبَ الغُسلُ" (¬4). مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا جَلسَ بَيْنَ شُعبها الأربعَ، ثُمَّ جهدها، فَقدْ وَجبَ الغسلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ" (¬5). الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا جاوزَ الختانُ الخِتانَ فقدْ وجبَ الغُسلُ" (¬6). قال: هذا حديث حسن صحيح. كذا قال أبو عيسى في هذا الحديث حسن. ورواه من حديث الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة (¬7). وقال في كتاب العلل: قال البخاري: هذا الحديث خطأ إنما يرويه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (179 و 292). (¬2) رواه مسلم (347). (¬3) انظر تحفة الأحوذي (1/ 366). (¬4) رواه أبو داود (216). (¬5) رواه مسلم (348). (¬6) رواه الترمذي (109). (¬7) رواه الترمذي (108).

الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلًا. وقال أبو الزناد: سألت القاسم بن محمَّد، سمعت في هذا الباب شيئًا؟ قال: لا. وذكره الترمذي من حديث علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، وقال حديث حسن صحيح، ولم يقل في علي شيئًا وأكثر الناس يضعفه. وروى ابن وهب هذا الحديث عن الحارث بن نبهان، عن محمَّد بن عبيد الله، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل ما يوجب الغسل، فقال: "إِذَا التقَى الخِتانانِ، وغابَتِ الحشفةُ وجَب الغُسلُ أَنزلْ أَمْ لَمْ يُنزِلْ". وقع في هذا اللفظ في المدونة وهو إسناد ضعيف جدًا، والصحيح حديث مسلم. الترمذي عن علي قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المذي فقال: "مِنْ المذيِّ الوُضوءُ، ومِنْ المَنِي الغُسلُ" (¬1). رواه من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وقال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن حصين بن قبيصة، عن علي، قال: كنت رجلًا مذاءً، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم -، أو ذُكر له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَفعلْ، إِذا رأيتَ المَذِيّ فاغسلْ ذكرَكَ وتَوضّأ وُضوءَك للصَّلاةِ، فإذا فضحتَ الماءَ فاغتَسِلْ" (¬2). فضحت الماء يعني هرقت الماء الدافق. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (114). (¬2) رواه أبو داود (206).

مسلم، عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نَعمْ، إِذا رَأتِ الماءَ" فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال: "تَرِبتْ يداكِ فَبِمَ يشبهُها وَلدُها" (¬1). وفي طريق آخر "إِن ماءَ الرّجلِ غليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأةِ رقيقٌ أصفرُ، فَمنْ أَيّهما عَلا أَوْ سَبقَ يَكونُ مِنهُ الشّبَهُ" (¬2). أبو داود، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر الاحتلام، قال: "يَغتسلُ" وعلى الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل، قال: "لا غُسلَ عَلَيْهِ" فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها الغسل؟ قال: "نَعَمْ، إِنَّ النساءَ شَقائقُ الرّجالِ" (¬3). هذا يرويه عبد الله بن عمر العمري، وليس بقوي في الحديث، مرة وثقه يحيى بن معين، ومرة قال فيه: لا بأس به، وضعفه غير يحيى، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب يكنَّى أبا عبد الرحمن، وهذا اللفظ "إِنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ" قد روي فيما أعلم من حديث أنس بن مالك بإسناد صحيح. مسلم، عن ابن عمر، أن عمر استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل ينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نَعَمْ، ليتوضأ، ثُمَّ لِيَنَمْ، ثُمَّ يغتسلْ إِذا شاءَ" (¬4). وعنه قال: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَوضّأ واغسِلْ ذَكرَكَ، ثُمَ نَمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (313). (¬2) رواه مسلم (311). (¬3) رواه أبو داود (236). (¬4) رواه مسلم (306). (¬5) رواه مسلم (306).

ذكره الثوري عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَغْسِلُ ذَكرَهُ وَيتوضَّأُ وُضوءَهُ للصَّلاةِ". ذكر ذلك أبو عمر (¬1). البخاري، عن عائشة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام، توضأ وضوءه للصلاة (¬3). النسائي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت: غسل يديه ثم يأكل ويشرب (¬4). وقال عبد الرزاق: فإذا أراد أن يطعم غسل فرجه ومضمض ثمَّ طعم، كذا قال: غسل فرجه، ومضمض (¬5). وفي طريق أخرى غسل يديه ومضمض فاه ثمَّ أكل (¬6). وذكر الترمذي عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة (¬7). بين يحيى وعمار رجل، ذكر ذلك أبو داود، وذكر قاسم بن أصبغ هذا الحديث بهذا الإسناد المنقطع، وفي أول الحديث "إِنَّ الملائكةَ لا تحضُرُ جنازةَ الكافرِ بِخيرٍ، ولا المتضمِّخِ بالزّعفرانِ، ولا الجُنبِ، ورخَص ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 52) عن عبد الله بن دينار به. (¬2) رواه البخاري (288). (¬3) رواه مسلم (305). (¬4) رواه النسائي (1/ 139). (¬5) رواه عبد الرزاق في مصنفه (1073). (¬6) رواه عبد الرزاق (1085) ولفظه ثم تمضمض وأكل. (¬7) رواه الترمذي (613).

للجنبِ. . ." الحديث إلى آخره ولم يقل للصلاة (¬1). وذكره عبد الرزاق من حديث يحيى عن عمار كذلك منقطعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ المَلاَئِكَةَ لا تَحضُرُ جَنازَةَ كافِرٍ بخَيْرٍ، وَلا جُنُبٍ حَتَّى يُغْسَلُ، أَوْ يتَوَضَّأ وُضُوءَة لِلصَّلاَةِ، وَلا مَتَضَمِّخًا بِصُفْرَةٍ" (¬2). ولم يذكر رخص وما بعده. الترمذي، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جنب لا يمس ماء (¬3). هذا الحديث رواه أبو إسحاق السبيعي عن الأسود، عن عائشة. وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتوضأ قبل أن ينام. وهذا أصح من حديث أبي إسحاق، وحديث أبي إسحاق عندهم غلط ذكر ذلك الترمذي وغيره (¬4). وممن روى عن الأسود عن عائشة تقديم الوضوء، عبد الرحمن بن الأسود، وإبراهيم النخعي. وقال الدارقطني في كتاب العلل: يشبه أن يكون الخبران صحيحان، وأن عائشة قالت: ربما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم الغسل، وربما آخره. كما حكى ذلك غضيف بن الحارث، وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما عن عائشة، وأن الأسود حفظ ذلك عنهما فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم تقديم الوضوء على الغسل. ¬

_ (¬1) قال أبو داود ذلك بعد الحديث (225). (¬2) رواه عبد الرزاق (1087). (¬3) رواه الترمذي (118 و 119). (¬4) انظر تحفة الأحوذي (1/ 380).

وذكر عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عن الحارث، عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام على أثر جنابة ولم يمس الماء. قال: هكذا رواه رواد بن الجراح عن الثوري، ووهم فيه رواد قال: وإنما رواه الثوري عن إسحاق عن الأسود عن عائشة. مسلم، عن أبي هريرة أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل، فاغتسل، فتفقده النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء قال: "أيْنَ كنتَ يا أَبا هُريرة؟ " قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "سُبحانَ اللهِ إِنّما المؤمن لا ينجسُ" (¬1). وعن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد (¬2). وذكر أبو أحمد من طريق حكيم بن نافع، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغسلُ صاعٌ والوضوءُ مدٌّ" (¬3). هذا غير محفوظ عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر، وحكيم ضعفه أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي (¬4). وقال فيه أبو أحمد: هو ممن يكتب حديثه، ووثقه ابن معين. مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من القدح، وهو الفرق، وكنت أغتسل أنا وهو في الإناء الواحد. قال سفيان الفرق ثلاثة آصع (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (371). (¬2) رواه مسلم (325). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 639). (¬4) الجرح والتعديل (1/ 207). (¬5) رواه مسلم (319).

وعنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد بيني وبينه، فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان (¬1). الدارقطني، عن عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعًا (¬2). وخرجه النسائي رحمه الله (¬3). وذكر مسلم، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: قال أكبر علمي، والذي يخطر على بالي، أن أبا الشعثاء أخبرني أن ابن عباس، أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة (¬4). وهذا هو الصحيح، وقد رواه الطبراني (*) عن عمرو بن دينار من غير شك، ولا يحتج بحديث الطبراني (*). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَغْتَسِلُ أحدُكُمْ في الماءِ الدَائِمِ وَهُو جنبٌ" (¬5). وذكر أبو أحمد بن عدي، عن يحيى بن سعيد التميمي المدني قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يدخلُ أحدُكُمْ الماءَ إِلّا بِمئزَرٍ، فَإن للماءِ عامِرًا" (¬6). ويحيى بن سعيد هذا منكر الحديث ضعيفهُ، وليس يحيى بن سعيد الأنصاري ذلك ثقة جليل. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (321). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 116 - 117). (¬3) لم يروه النسائي، ولم ينسبه إليه الحافظ المزي في تحفة الأشراف، وإنما رواه ابن ماجه (374). (¬4) رواه مسلم (323). (¬5) رواه مسلم (283). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2652). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 330): «الطهراني» وهذه جملة مما قال: «ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ الطهراني عَن عَمْرو بِلَا شكّ، وَلَا يحْتَج بِحَدِيث الطهراني، وَالصَّحِيح الأول. انْتهى مَا ذكر. وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى بَيَان يُؤمن من لَا يعرف من الْغَلَط، وَذَلِكَ فِي قَوْله: رَوَاهُ الطهراني، عَن عَمْرو، وَأَيْنَ الطهراني من عَمْرو؟ إِنَّمَا يرويهِ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو. وَقَوله: «وَلَا يحْتَج بِحَدِيث الطهراني» يفهم أَنه ضَعِيف، وَذَلِكَ شَيْء لم يقلهُ أحد، بل هُوَ ثِقَة حَافظ، وَهُوَ أَبُو عبد الله: مُحَمَّد بن حَمَّاد الطهراني، وَهُوَ أحد المختصين بِعَبْد الرَّزَّاق وَمِمَّنْ روى عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ فِيهِ: ثِقَة صَدُوق.»

مسلم، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد (¬1). النسائي، عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه ذات يوم، فجعل يغتسل عند هذه، وعند هذه، قلت: يا رسول الله لو جعلته غسلًا واحدًا، قال: "هَذا أَزْكَى وَأَطيبُ، وَأطهرُ" (¬2). البخاري، عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءه للصلاة غير رجليه، وغسل فرجه، وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء، ثمَّ نَحَّى رجليه فغسلهما، هذه صفة غسله من الجنابة (¬3). مسلم، عن ميمونة قالت: أدنيت للنبي- صلى الله عليه وسلم - غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء، ثمَّ أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله، ثمَّ ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا، ثمَّ توضأ وضوءه للصلاة، ثمَّ أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثمَّ غسل سائر جسده، ثمَّ تنحى عن مقامه ذلك، فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده (¬4). زاد أبو داود، وجعل ينفض الماء عن جسده (¬5). مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (309). (¬2) رواه النسائي في عشرة النساء من الكبرى، ورواه أبو داود (219) وابن ماجه (590) وأحمد (6/ 8 و 9 - 10 و 391) والطبراني في الكبير (973). (¬3) رواه البخاري (249) وفي أماكن أخرى. (¬4) رواه مسلم (317). (¬5) رواه أبو داود (245).

استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض الماء على سائر جسده، ثم غسل رجليه (¬1). وقال مالك في الموطأ: عن عائشة، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه (¬2). ومن مسند البزار عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل رأسه مرتين في غسل الجنابة. هذا يرويه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وكان صالح الحديث، إلا أنه كان يهم أحيانًا يرويه عن أيوب عن هشام عن أبيه عن عائشة. ومن كتاب أبي داود عن رجل من سواءة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزي بذلك ولا يصب عليه الماء (¬3). هكذا ذكره منقطعًا. وعن شعبة مولى ابن عباس أن ابن عباس كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات، ثم يغسل فرجه، ووصف غسله من الجنابة ثم يقول: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يتطهر (¬4). وشعبة يقول فيه مالك ليس بثقة، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم. وقال فيه يحيى بن معين لا يكتب حديثه. أبو داود، عن جميع بن عمير، عن عائشة ووصفت غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة، أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثًا، وإذا فضل فضلة صبها عليه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (316). (¬2) رواه مالك (1/ 50). (¬3) رواه أبو داود (256). (¬4) رواه أبو داود (246). (¬5) رواه أبو داود (242) ولكن ليس من طريق جميع بن عمير بل من طريق هشام بن =

مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة، دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثمَّ الأيسر، ثمَّ أخذ بكفيه، فقال بهما على رأسه (¬1). وقال البخاري: على وسط رأسه (¬2). مسلم، عن جبير بن مطعم قال: تماروا في الغسل عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعض القوم: أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَما أَنَا فأَفيضُ عَلى رَأسِي ثلاثَ أَكفِّ" (¬3). وقال البخاري: "إِنَّما أَنَا فَأفيضُ عَلَى رَأسِي ثَلاثًا" وأشار بيديه كلتيهما (¬4). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن وفد ثقيف سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن أرضنا أرض باردة فكيف بالغسل؟ فقال: "أَمَا أنا فأفرغُ عَلَى رَأسِي ثَلاثًا" (¬5). الدارقطني عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثًا فريضة (¬6). في إسناد هذا الحديث بركة بن محمَّد الحلبي، وسليمان بن الربيع النهدي، وكلاهما متروك. والصحيح عن ابن سيرين مرسلًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن في الاستنشاق في الجنابة ثلاثًا. ¬

_ = عروة عن أبيه عن عائشة. وجميع في سند الحديث (241). (¬1) رواه مسلم (318). (¬2) رواه البخاري (258). (¬3) رواه مسلم (227). (¬4) رواه البخاري (254). (¬5) رواه مسلم (328). (¬6) رواه الدارقطني (1/ 115).

الترمذي، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتوضأ بعد الغسل (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل ويصلي ركعتين، وصلاة الغداة، ولا أراه يحدث الوضوء بعد الغسل (¬2). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث سليمان بن أحمد الجرشي قال: حدثنا أحمد بن مسلم عن سعيد بن بشير، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ توضَّأ بَعدَ الغُسلِ فَليْسَ مِنّا" (¬3). وسليمان هذا ضعيف بل متروك. وقال أبو حاتم كتبت عنه، وكتب عنه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين قديمًا، ثم تغير اختلط بقاض كان على واسط، فلما كان في رحلتي الثانية سألت عنه فقيل لي: أخذ في المعازف والملاهي والشرب، وكان دمشقيًا نزل واسط (¬4). أبو داود، عن زاذان، عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تركَ موضِعَ شعرةٍ منْ جنابةِ لمْ يغسلْهِا فُعِلَ بِهذا كَذا وكَذا في النَّارِ" قال علي: فمن ثم عاديت رأسي ثلاثًا، وكان يجز شعره (¬5). هذا يروى مرفوعًا عن علي وهو أكثر. أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ تحتَ كُلّ شعرةٍ جنابةً، فاغسِلُوا الشّعرَ، وأنقُوا البَشَرةَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (107). (¬2) رواه أبو داود (250). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1140). (¬4) الجرح والتعديل (2/ 1/ 101). (¬5) رواه أبو داود (249). (¬6) رواه أبو داود (249).

هذا يرويه الحارث بن وجيه وهو ضعيف عندهم، ويقال ابن وجبة. ومن مراسيل أبي داود، نا موسى بن إسماعيل، نا حماد عن إسحاق بن سويد، عن العلاء بن زياد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اغتسل فرأى لمعة على منكبه لم يصبها الماء، فأخذ خصلة من شعر رأسه فعصرها على منكبه، ثم مسح يده على ذلك المكان (¬1). رواه عبد السلام بن صالح عن إسحاق بن سويد، عن العلاء بن زياد، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعبد السلام بصري وليس بقوي، وغيره من الثقات، يرويه عن إسحاق عن العلاء مرسلًا ذكره الدارقطني (¬3). ورواه من حديث عطاء بن عجلان، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة قالت: اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا (¬4). وعطاء متروك. ورواه من حديث أبي أيوب المتوكل بن الفضيل عن أبي ضلال، عن أنس قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح وقد اغتسل من جنابة (¬5). بهذا الحديث وزاد ولم يعد الصلاة، والمتوكل ضعيف. وقال فيه أبو حاتم مجهول. مسلم، عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: "لاَ إِنَّما يَكفِيكِ أَنْ تحثِي عَلَى رأسِكِ ¬

_ (¬1) تقدم (ص 184). (¬2) تقدم (ص 184) رواه الدارقطني (1/ 110). (¬3) ذكره الدارقطني (1/ 110). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 112). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 112).

ثلاثَ حثياتٍ، ثُمَّ تفيضِي عليكِ الماءَ فتَطهرينَ" (¬1). وفي رواية، أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فقال: "لَا". زاد أبو داود: "واغمِزِي قرونَكِ عندَ كُلِّ حَفنةٍ" (¬2). وليس بمتصل لأنه عن المقبري عن أم سلمة. وقال عن أم سلمة أيضًا أن امرأة قالت: يا رسول الله. . . وذكر الحديث (¬3). وقال عن ثوبان أنهم استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال: "أَمَّا الرّجُلَ فَلينشرْ رأسَهُ فَليغسِلْهُ، حتَّى يبلغَ أصولَ الشّعْرِ، وأمَّا المرأةَ فَلا عَليهَا إِلَّا تنقضَهُ لتغرفَ عَلَى رأسِهَا ثلاثَ غرفاتٍ بكَفْيهَا" (¬4). رواه من حديث إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن ثوبان. وذكر أبو محمد علي بن أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم عائشة الغسل من الجنابة، فقال لها عليه السلام: "اغسِلِي يدَيْكِ" ثم قال لها: "تمضمَضِي ثُمَّ استنشقِي وانتثِري، ثُمَّ اغسِلي وجهَكِ" ثم قال: "اغسلِي يديْكِ إِلى المرفِقينِ" ثم قال: "أَفرغِي علَى رأسِكِ" ثم قال: "أَفْرِغِي عَلى جلدِكِ" ثم أمرها تدلك وتتبع بيديها كل شيء لم يمسه الماء من جسدها، ثم قال: "عائشةُ أفرغِي عَلى رأسِكِ ثُمّ ادْلكِي جلدَكِ وتتّبعِي" (¬5). وهو حديث يروى من طريق عكرمة بن عمار، عن عبيد الله بن عبيد بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (330). (¬2) رواه أبو داود (252). (¬3) رواه أبو داود (251). (¬4) رواه أبو داود (255). (¬5) انظر المحلى (2/ 30 - 31).

عمير أن عائشة. وعكرمة مضطرب الحديث، وعبد الله لم يدرك عائشة (¬1). وذكر أبو داود عن عائشة قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد، ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحلِّات ومحرمات (¬2). مسلم، عن عائشة: أن أسماء وهي بنت شكل سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، قالت: فقال: "تَأخذُ إحدَاكُنَّ ماءَهَا وسدرتَهَا، فتطهرُ فتحسنُ الطّهورَ، ثُمَّ تصبّ علَى رأسِها فتدلِّكْهِ دَلكًا شَديدًا حتَّى تبلغَ شَؤونَ رأسِهَا، ثُمّ تصبّ علَيهَا المَاءَ ثُمَّ تأخذُ فرصةً ممسّكةَ فتطهرُ بِهَا" فقالت أسماء: وكيف أتطهر بها؟ فقال: "سبحانَ اللهِ تطهرينَ بِهَا" فقالت عائشة: كأنها تحكي ذلك تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة فقال: "تَأخذُ ماءً فتطهرُ فتحسنُ الطهورَ أَو تبلغَ الطهورَ، ثُمَّ تصبّ على رأسِهَا فتدلكْهُ حتَّى تبلغَ شؤونَ رأسِهَا، ثم تُفيض عَلَيها الماءَ" فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين (¬3). وعن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماء وسترته، فاغتسل (¬4). أبو داود في المراسيل عن الزهري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تغتسلُوا فِي الصَّحراءِ إِلَّا إِنْ لَمْ تَجِدُوا متوارَى فَليخطّ أحدُكُمْ خَطًّا كالدَارةِ، ثُمَّ يسمِّي اللهَ ويَغتسل فِيهَا" (¬5). وعن الزهري أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يغتسلْ أحدُكُمْ إِلّا وقربَهُ ¬

_ (¬1) انظر المحلى (2/ 32). (¬2) رواه أبو داود (254). (¬3) رواه مسلم (332). (¬4) رواه مسلم (337). (¬5) انظر تحفة الأشراف (13/ 372).

باب في الجنب يذكر الله وهل يقرأ القرآن، ويمس المصحف، وهل يدخل المسجد، والحائض أيضا، والكافر يغتسل إذا أسلم

إنسانٌ، لَا ينظُر إِليهِ وَهُوَ قريبٌ منهُ يكلّمْهُ" (¬1). باب في الجنب يذكر الله وهل يقرأ القرآن، ويمس المصحف، وهل يدخل المسجد، والحائض أيضًا، والكافر يغتسل إذا أسلم مسلم، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه (¬2). النسائي، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من الخلاء ويقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة (¬3). وقد روي عن علي أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرإِ القُرآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ تَكنْ جُنُبًا". وهذا يرويه خارجة بن مصعب وقد مر ذكره، والصحيح حديث النسائي، وحديث خارجة ذكره أبو أحمد بن عدي (¬4). وذكره القاضي أبو الحسن بن صخر في فوائده عن يحيى بن بكير عن أبي جعفر الرازي، عن الأعمش، عن عمرو، عن أبي البحتري، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرإِ القُرآنَ عَلى كُلِّ حالٍ إلّا وأنتَ جُنبٌ". قال ابن صخر: وهذا حديث غريب جدًا، إن كان حفوظًا لم نره عن يحيي بن أبي جعفر عن الأعمش، قال: والمشهور عن الأعمش وغيره عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي. ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأشراف (13/ 372). (¬2) رواه مسلم (373) وأبو داود (18) والترمذي (2381) وابن ماجه (303). (¬3) رواه النسائي (1/ 144). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 925).

ويروى من حديث عبد الله بن رواحة، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب (¬1). ذكره الدارقطني، ولا يروى من وجه صحيح؛ لأنه منقطع وضعيف. الترمذي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يقرإِ الحائضُ وَلاَ الجنبُ شَيْئًا مِنَ القُرآنِ" (¬2). هذا يرويه إسماعيل بن عياش من حديث أهل الحجاز، ولا يؤخذ من حديثه إلا ما كان عن أهل الشام، ذكر ذلك ابن معين وغيره. وذكر الترمذي معناه هذا. وقد روي هذا اللفظ عن ابن عمر من غير طريق إسماعيل بن عياش ذكره الدارقطني. ولا يصح أيضًا (¬3). وأحسن ما فيه حديث سليمان بن موسى الذي يأتي بعد إن شاء الله تعالى. وذكر مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم "لَا يمسّ القُرآنَ إِلّا طاهرٌ" (¬4). ورواه سليمان بن داود قال: حدثني الزهري عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن بهذا (¬5). والصحيح في هذا الحديث الإرسال كما رواه مالك وغيره، وسليمان ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 120). (¬2) رواه الترمذي (121). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 118) وفيه مبهم أبو معشر وهو ضعيف. (¬4) رواه مالك (1/ 157). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 122).

ضعيف، وحديثه ذكره الدارقطني وأكثر أهل الحديث لا يأخذون بهذا وأمثاله من الكتب. وروى إسماعيل بن زياد الموصلي، ويقال ابن أبي زياد، من حديث معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله أنمس القرآن على غير وضوء، فقال: "نَعَمْ، إِلّا أَنْ تَكونَ عَلَى الجَنابَةِ" قال: قلنا يا رسول الله فقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} قال: "يَعنِي لَا يمسّ ثَوابَهُ إِلّا المُؤمنونَ" قال: قلنا: فقوله: {كِتَابٍ مَكْنُونٍ} قال: "مكنونٌ منَ الشّركِ ومنَ الشّياطينِ" (¬1). وإسماعيل هذا منكر الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، ذكر هذا أبو أحمد. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تقرإِ النّفساءُ ولا الحَائِضُ منَ القُرآنِ شَيئًا" (¬2). هذا يرويه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك عند الجميع وصف بالكذب. وفي هذا الباب حديث خرجه من طريق سليمان بن موسى، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يمسّ القُرآنَ إِلّا طاهرٌ" (¬3). وسليمان بن موسى ضعفه البخاري وحده، ويحيى بن معين وغيره يوثقه. قال الترمذي: وذكر سليمان بن موسى ما سمعت أحدًا من المتقدمين تكلم فيه بشيء. وسيأتي ذكره في النكاح بأكثر من هذا في كتاب النكاح. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 309). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2173). (¬3) رواه الطبراني في الصغير (1162) والكبير (13217) والدارقطني (1/ 121) وعنه البيهقي (1/ 88) وابن عساكر (13/ 214/ 2).

أبو داود، عن عائشة قالت: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: "وَجِّهُوا هَذهِ البيوتَ عَنِ المَسجدِ" ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصنع القوم شيئًا من ذلك رجاء أن يترك لهم رخصة، فخرج إليهم بعد، فقال: "وِجِّهُوا هَذهِ البيوتَ عَنِ المَسجدِ، فَأنَا لَا أحل المسجدَ لحائضٍ وَلاَ جُنبِ" (¬1). رواه من حديث أفلت بن خليفة، ويقال له: فليت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة ولا يثبت من قبل إسناده. البزار عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر (¬2). ابن الجارود عن أبي هريرة أن ثمامة الحنفي أسر، فأسلم، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقدْ حَسُنَ إسلامُ أَخِيكُمْ". النسائي، عن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر (¬3). وذكره الترمذي وقال: هذا حديث حسن (¬4). وعند أبي داود: "أَلقِ عَنْكَ شعرَ الكُفرِ، واختَتِنْ" يقول: احلق (¬5). وحديث أبي داود منقطع الإسناد. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (232). (¬2) رواه البزار (333 كشف الأستار) والبيهقي (1/ 171). (¬3) رواه النسائي (1/ 109). (¬4) رواه الترمذي (605). (¬5) رواه أبو داود (355).

باب في الحائض وما يحل منها، وحكمها، وفي المستحاضة، وفي النفساء

باب في الحائض وما يحل منها، وحكمها، وفي المستحاضة، وفي النفساء مسلم، عن أنس، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (إلى آخر الآية) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعُوا كُلَّ شيءٍ إِلّا النِّكاحَ" فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرف أن لم يجد عليهما (¬1). وعن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه (¬2). وعن ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض (¬3). أبو داود، عن معاذ قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال: "مَا فَوقَ الإِزَارِ والتَعَففُ عنْ ذَلكَ أَفضَلُ" (¬4). في إسناده بقية عن سعد الأغطش وهما ضعيفان. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (302). (¬2) رواه مسلم (293). (¬3) رواه مسلم (294). (¬4) رواه أبو داود (213).

ورواه أبو داود أيضًا من طريق حرام بن حكيم وهو ضعيف عن عمه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: "لَكَ مَا فَوقَ الإِزَارِ" (¬1). ويروى عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره أبو بكر بن أبي شيبة وليس بقوي. وذكر أبو داود عن نُدبة، ويقال بفتح النون وضمها، ويونس بن يزيد، يقول بُدَيَّة، بالباء المضمومة المنقوطة بواحدة، والياء باثنتين، وهي مولاة ميمونة، عن ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر المرأة من نسائه، إذا كان عليه إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به (¬2). ندبة مجهولة، ذكر ذلك أبو محمد (¬3). وعن عمارة بن عزاب أن عمة له حدثته، أنها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت أخبرك ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل فمضى إلى مسجده (¬4). قال أبو داود: تعني مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد، فقال: "ادنِي منِّي" فقلت إني حائض، فقال: "وإِنْ اكشفِي عَنْ فخذيْكِ" فكشفت عن فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام. إسناده ضعيف فيه الإفريقي عبد الرحمن بن زياد وعمارة. وذكر أبو عمر في التمهيد من حديث ابن لهيعة أن قرظ بن عوف سأل ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (212). (¬2) رواه أبو داود (267). (¬3) المحلى (2/ 179) لأبي محمد بن حزم. (¬4) رواه أبو داود (270).

عائشة فقال: يا أم المؤمنين أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم إذا شددت عليّ إزاري، وذلك إذا لم يكن لنا إلا فراش واحد، فلما رزقنا الله فراشين اعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو عمر: لا نعلم يروى إلا من طريق ابن لهيعة وليس بحجة. أبو داود، عن ابن اليمان، عن أم ذرة عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت، نزل عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ندن منه حتى نطهر (¬1). أم ذرة مجهولة. الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أتَى حَائِضًا، أَو امرأةً فِي دبرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقدْ كَفرَ بِمَا أُنزِلَ عَلى مُحمدٍ" (¬2). قال ضعف محمد، يعني البخاري هذا الحديث. وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يقع على امرأته وهي حائض قال: "يتصدّقُ بنصفِ دِينَارٍ" (¬3). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كانَ دَمًا أحمرَ فَدينارٌ، وَإنْ كَانَ دمًا أَصفرَ فَنِصفُ دِينارٍ" (¬4). قال: حديث الكفارة في إتيان الحائض روي موقوفًا على ابن عباس، كذا قال روي موقوفًا ولم يذكر ضعف الإسناد، وهذا الحديث في الكفارة لا يروى بإسناد يحتج به، وقد روي فيه يتصدق بخمس دينار، رواه أبو داود عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (271). (¬2) رواه الترمذي (135). (¬3) رواه الترمذي (136). (¬4) رواه الترمذي (137). (¬5) انظر سنن أبي داود (1/ 183).

وروي فيه يعتق نسمة، قال: وقيمة النسمة يومئذ دينار، ولم يخص في إتيان الحائض دم من دم ذكره النسائي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يصح في إتيان الحائض إلا التحريم. مسلم، عن عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إليَّ رأسه من المسجد، وهو مجاور فأغسله وأنا حائض (¬1). وعن أبي هريرة قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فقال: "يَا عائشةَ ناولينِي الثّوبَ" فقلت: إني حائض، فقالت: "إِنَّ حيضتَكِ ليستْ فِي يدِكِ" فناولته (¬2). وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن (¬3). زاد النسائي عن ميمونة: وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها (¬4). النسائي، أيضًا عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني فآكل معه، وأنا عارك، وكان يأخذ العَرْقَ فَيُقْسِم علىَّ فيه، فأعترق منه ثم أضعه، فيأخذه فيغترف منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فَيُقْسِمُ علىَّ فيه من قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه ثم أضعه، فيأخذه فيشرب منه فيضع فمه حيث وضعت فمي من القدح (¬5). البخاري، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فقال: "يَا معشرَ النِّساءِ تصدقنَّ فَإِنِّي أُريتكُنَّ أَكثرُ أَهلِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (297). (¬2) رواه مسلم (299). (¬3) رواه مسلم (301). (¬4) رواه النسائي (1/ 147). (¬5) رواه النسائي (1/ 148 - 149).

النَّارِ" قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: "تكثرنَ اللّعنَ وتكفرنَ العَشيرَ، مَا رأيتُ منْ ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ، أَذهبَ للبَّ الرّجلِ الحازم منْ إِحداكُنَّ" قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: "أَليسَ شهادةُ المرأةِ مثلَ نصْفِ شهادةِ الرّجُلِ؟ " قلن: بلى قال: فَذَلِكَ منْ نقصانِ عقلِهَا، أليْسَ إِذَا حاضَتْ لَمْ تُصلِّ وَلمْ تَصَمْ؟ " قلن بلى "فذَلكَ منْ نقصانِ دينِهَا" (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث قال: "تَمْكُثُ الثلاَثَ وَالأَرْبَعَ وَلاَ تُصَلَّي" (¬2). وقال: حديث حسن صحيح غريب. وعن عائشة قالت: كنا نحيض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة (¬3). قال: هذا حديث حسن. مسلم، عن معاذة العدوية قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (¬4). مسلم، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع؟ قال: "تحتُّةُ، ثُمّ تقرضْهُ، ثم تنضَحْهُ، ثُم تصلِّي فيهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4) 3 و 1462 و 1951 و 2658). (¬2) رواه الترمذي (2616). (¬3) رواه الترمذي (784). (¬4) رواه مسلم (335). (¬5) رواه مسلم (291).

وقال أبو داود: "فلتقرضْهُ بشيءٍ منْ مَاءٍ، ولتنضحْ مَا لَمْ تَرَ، ولتصلِّ فيهِ" (¬1). النسائي، عن أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيضة يصيب الثوب، فقال: "حكّيهِ بضلعٍ واغسلِيهِ بماءٍ وسِدْرٍ" (¬2). الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر. البخاري، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئًا (¬3). أبو داود، عن أم الهذيل، عن أم عطية كانت بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا لا نعد رؤية الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا (¬4). وعن محمد بن سيرين عن أم عطية بمثله (¬5). كذا قال أبو داود بمثله، ولم يذكر النص، والحديث مرفوع عن ابن سيرين، وليس فيه بعد الطهر وهو الصحيح المشهور، وأم الهذيل حفصة بنت سيرين. قال البخاري: وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيها الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القَصَّة البيضاء (¬6). الكرسف: القطن. ومعنى قولها حتى ترين القصة البيضاء: أن تخرج الخرقة التي تحتشي بها المرأة، كأنها فضة لا يخالطها صفرة، ليس للحيض بها أثر، أي كأنها ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (360). (¬2) رواه النسائي (1/ 105 - 196). (¬3) رواه البخاري (326). (¬4) رواه أبو داود (307). (¬5) رواه مسلم (308). (¬6) انظر فتح الباري (1/ 420) طبعة السلفية.

الجص، وقيل القصة شيء كالخيط الأبيض تخرج بعد انقطاع الدم كله. وذكر قاسم بن أصبغ من حديث عائشة قالت: ما كنا نعد الصفرة والكدرة حيضًا. في إسناده أبو بكر الهذلي وهو متروك، وحديث قاسم هذا ذكره أبو محمد (¬1). وذكر أبو محمد أيضًا من طريق محمد بن الحسن الصدفي عن عبادة بن نُسَيٍّ عن عبد الرحمن بن غنمِ، عن معاذبن جبل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا حيضٌ أَقل منْ ثَلاثةِ أَيّامٍ، وَلاَ فوقَ عشرٍ" (¬2). قال: ومحمد بن الحسن الصدفي مجهول. وذكر أبو أحمد بن عدي في حديث معاذ هذا من طريق محمد بن سعيد المصلوب، وكان كذابًا (¬3). وذكر أيضًا عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقلُّ مَا يكونُ الحيضُ للجاريةِ البكرِ، والثّيبِ التِي ليستْ مِنَ المحيضِ ثَلاثًا، وأكثرُ مَا يكونُ الحيضُ عشرةَ أيامٍ، فَإِذَا زادَ الدّمُ أكثرُ فهِيَ مُستحاضةٌ" (¬4). وذكر الحديث وفي آخره فإن غلبها يعني الدم في الصلاة، فلا تقطع الصلاة وإن قطر وباينها زوجها. رواه حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك رجل من أهل الكوفة، قال: سمعت العلاء، يقول: سمعت مكحولًا يحدث عن أبي أمامة. وهو إسناد ضعيف منقطع وذكره الدارقطني أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو محمد بن حزم في المحلى (2/ 166). (¬2) رواه أبو محمد بن حزم في المحلى (2/ 196). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2152) وسيأتي (ص 218). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 782). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 218).

وقد روي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحائض إذا جاوزت العشر فهي مستحاضة. وفي إسناده الجلد بن أيوب، والحسن بن دينار، ولا يصح من أجلهما. وذكر أبو محمد من طريق حَرَام بن عثمان، عن عبد الرحمن، ومحمد بن جابر عن أبيهما قال: جاءت أسماء بنت مرثد الحارثية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا جالس عنده فقالت: يا رسول الله حدثت لي حيضة أنكرها، أمكث بعد الطهر ثلاثًا أو أربعًا، ثم تراجعني فتحرم عليّ الصلاة فقال: "إِذَا رَأيتِ ذَلِكَ فَامْكثِي ثَلاثًا، ثُمَّ تَطهّرِي فِي اليومِ الرّابعِ فصلِّي، إِلّا أَنْ تَرَي دفعةً منْ دمٍ قائمةٍ" (¬1). حرام بن عثمان متروك (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفادع الصلاة؟ فقال: "لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عرقٌ وَليسَ بالحيضَةِ، فَإِذَا أَقبَلَتِ الحيضةُ فدَعِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا أَدبَرَتْ فاغسلِي عنكِ الدّمَ وَصلِّي" (¬3). زاد الترمذي: "وَتَوَضّئي لَكُلِّ صلاةٍ حتَّى يجيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ" (¬4). أبو داود، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كانَ دمُ الحَيضةِ، فَإِنّه دمٌ أسودُ يُعرفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فأَمسكِي عَنِ الصَّلاةِ، وإذَا كانَ الآخرُ فَتَوَضّئِي وصلِّي فَإنّما هُوَ عَرقٌ" (¬5). وعنها أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت إليه الدم، فقال لها ¬

_ (¬1) رواه أبو محمد بن حزم في المحلى (2/ 217). (¬2) وفيه أيضًا جابر الجعفي وهو ضعيف، كذبه أبو حنيفة الإمام. (¬3) رواه مسلم (333). (¬4) رواه الترمذي (125). (¬5) رواه أبو داود (286).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّما ذَلك عرقٌ، فانظرِي إِذَا أَتَى قرؤُكِ، فلا تصلِّى، وَإِذا مرَّ قرؤُكِ فتطهرِي ثمّ صلَّي مَا بَينَ القُرءِ إِلى القُرءِ" (¬1). وعن عكرمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلّت (¬2). وعن زينب بنت أبي سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي (¬3). وعن عائشة أن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغُسل، والمغرب والعشاء بغُسل، وتغتسل للصبح (¬4). وعن أسماء بنت عميس قالت: قلت يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت كذا وكذا فلم تصل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحانَ اللهِ هَذَا منَ الشّيطانِ، لِتجلسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذا رأتْ صفرةً فوقَ المَاءِ، فلتغتسلْ لِلظهرِ والعصرِ غُسلًا وَاحدًا، وَتغتسلْ للمغربِ والعشاءِ غُسلًا وَاحدًا، وتغتسلْ للفجرِ غُسلًا وَاحدًا وتتوضّأْ فِيما بينَ ذَلِكَ" (¬5). وعن عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (280). (¬2) رواه أبو داود (305). (¬3) رواه أبو داود (293). (¬4) رواه أبو داود (295). (¬5) رواه أبو داود (296).

أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني امرأة استحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعتني الصلاة والصوم؟ قال: "أَنْعتُ لَكِ الكرسُفَ فَإنَّه يُذهِبُ الدّمَ" قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتّخذِي ثَوبًا" فقالت هو أكثر من ذلك، قالت: إنما أثج ثجًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَآمركِ بأمَرينِ أيّهما فعلتِ أَجزأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وإن قَويتِ عَليهِمَا فأَنتِ أَعلمُ" فقال لها: "إنّمَا هَذَا ركضةٌ منْ ركضاتِ الشّيطانِ، فتحيضِي ستةَ أيامٍ أَوْ سبعةَ أيامٍ فِي علمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ثمَّ اغتسلِي حتَّى إِذَا رأيتِ أَنَّكِ قَدْ طهرْتِ، واستيقنْتِ، فصلِّي ثَلاثًا وَعشرِينَ ليلةَ أَوْ أَربعًا وعشرينَ لَيلةً وأَيامَهَا وصُومِي، فإِنَّ ذَلِكَ يجزِئَكِ، وكذلِكَ فافعلِي كلَّ شهرٍ كَما تحيضُ النِّساءُ وكَمَا يطهرنَ ميقاتَ حيضهنَّ، وطهرهنَّ، فإنْ قويتِ عَلى أَن تؤخِّرِي الظهرَ وتعجّلِي العصرَ، فتغسلينَ فتجمعينَ بينَ الصلاتينِ الظهرِ والعصرِ، وتؤخّرينَ المغربَ وتعجّلِين العِشاءَ، ثمّ تغتسلينَ وتجمعينَ بينَ الصلاتينِ فافعَلِي، وتغسلينَ معَ الفَجرِ فافعلِي، وصُومِي إنْ قدرتِ عَلى ذَلِكَ". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهَذا أعجبُ الأَمرينِ إليّ". زاد الترمذي بعد ذكر الكرسف "فتلحمي" قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتّخذِي ثَوبًا". زاد فتلحمي، وقال حديث حسن صحيح (¬1). وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث صحيح. وقال أبو عمر: الأحاديث في إيجاب الغسل على المستحاضة لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين، وفي الوضوء لكل صلاة مضطربة كلها. كذا قال أبو عمر رحمه الله، وغيره يرى أن الاضطراب لا يضرها لأنها مسندة من طرق صحاح. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (128).

وذكر الدارقطني من حديث محمد بن سعيد، قال: نا عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم أنه أخبره قال: سألت معاذ بن جبل عن الحائض تطهر قبل غروب الشمس بقليل، قال: تصلي العصر، قلت: قبل ذهاب الشفق، قال: تصلي المغرب، قلت قبل بلوغ الفجر قال: تصلي العشاء، قلت قبل طلوع الشمس، قال: تصلي الصبح، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نعلم نساءنا (¬1). قال: لم يروه غير محمد بن سعيد وهو متروك [الحديث]. أبو داود، عن مسة الأزدية قالت: حججت، فدخلت على أم سلمة، فقلت: يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض، فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء صلاة النفاس (¬2). وقد روي في هذا عن أنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النفساء، أنها تقعد أربعين ليلة، وفي بعضها إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. وهي أحاديث معتلة بأسانيد متروكة وأحسنها حديث أبي داود. وذكر أبو أحمد الجرجاني من حديث محمد بن سعيد المصلوب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا نفاسَ دونَ أسبوعينِ، وَلا نفاسَ فوقَ أَربعينَ، فَإنْ رأتِ النّفساءُ الطهرَ دونَ الأربعينَ صامَتْ، وصلَّتْ، ولا يأتِيهَا زَوجُهَا إلّا بَعدَ الأربعينَ" (¬3). ومحمد بن سعيد كذاب عندهم. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 223). (¬2) رواه أبو داود (312). (¬3) تقدم (ص 214).

باب في التيمم

قال الترمذي، وذكر حديث أم سلمة في النفساء، قال: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإن رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة إلا بعد الأربعين. وبه يقول سفيان، وابن المبارك، وأحمد وإسحاق. ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يومًا إذا لم تر الطهر. ويروى عن عطاء بن أبي رباح، والشعبي ستين يومًا (¬1). باب في التيمم مسلم، عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فُضِّلْنَا عَلى النَّاسِ بثلاثٍ، جُعلَتْ صفوفُنا كَصفوفِ المَلائِكَةِ، وجُعلَتْ لَنَا الأرضُ كُلّها مَسجِدًا وجُعلتْ تُربتُها لنَا طَهورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الماءَ" وذكر خصلة أخرى (¬2). زاد ابن أبي شيبة في مسنده، عن حذيفة، "وَأوتِيتُ هَذِه الآيات منْ بيتِ كنزٍ تحتَ العرشِ منْ آخرِ سورةِ البقرةِ لَمْ يُعْطَ أحدٌ منهُ كانَ قبلِي، ولاَ يُعطَى أحدٌ منه كانَ بعدِي" وهي الخصلة التي لم يذكرها مسلم والله أعلم (¬3) مسلم، عن أبي الجهم بن الحارث قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار، ¬

_ (¬1) انظر جامع الترمذي (1/ 429 - 431) مع تحفة الأحوذي. (¬2) رواه مسلم (522). (¬3) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (11/ 435).

فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام (¬1). زاد أبو داود من حديث المهاجر بن قنفذ: ثم اعتذر إليه، وقال: "إنِّي كرهتُ أَنْ أَذكرَ اللهَ إِلّا عَلَى طهرٍ" أو قال: "عَلَى طَهَارَةٍ" (¬2). الترمذي، عن عمرو بن بُجْدَان، عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الصعيدَ وَضوءَ المُسلمِ وإنْ لَمْ يَجدِ الماءَ عشرَ سنينَ، فإِذَا وجدَ الماءَ فليمسّهُ بشرَهُ، فإنَّ ذَلِكَ خيرٌ" (¬3). وفي طريق أخرى: "إِنَّ الصَعيدَ الطيّبَ طهورُ المُسلمِ". وقال: هذا حديث حسن. مسلم، عن عمار بن ياسر أنه قال لعمر بن الخطاب: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا، فلم نجد ماءً، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّما كَانَ يكفيكَ أَنْ تَضربَ بيدِكَ الأَرضَ، ثُمّ تنفخَ، ثُمّ تمسحَ بِهمَا وجهَكَ وكفّيكَ". وعنه في هذا الحديث: "إِنَّمَا كَان يكفيكَ أَنْ تقولَ هَكَذَا" وضرب بيديه إلى الأرض، فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه (¬4). وقال البخاري: فضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (¬5). ولمسلم عن عمار أيضًا في هذا الحديث فقال: "إنّما يكفيكَ أَن تقولَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (369) تعليقًا. ورواه البخاري (337) وأبو داود (329) والنسائي (1/ 165) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 85 - 86). (¬2) رواه أبو داود (17). (¬3) رواه الترمذي (124). (¬4) رواه مسلم (368). (¬5) رواه البخاري (338).

بيديْكَ هَكذا" (¬1) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهِر كفيه ووجهه (¬2). وقال النسائي: ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة فمسح كفيه ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله وعلى وجهه وكفيه (¬3). وقال أبو داود: فضرب بيده على الأرض، فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه (¬4). ويروى من حديث عمار أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح وجهه ويديه إلى نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين (¬5). ويروى إلى المرفقين (¬6). ويروى عن عمار أنهم تيمموا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب والآباط، ولم يذكر أنه عليه السلام أمرهم بهذا (¬7). والصحيح المشهور في صفة التيمم من تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو للوجه والكفين، وهذه الأحاديث التي لا تزيد على ما في المشهور ذكرها أبو داود والنسائي وغيرهما. وخرج أبو محمد الجرجاني من حديث علي بن ظبيان الكوفي عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (339). (¬2) رواه مسلم (368). (¬3) رواه النسائي (1/ 170 - 171). (¬4) رواه أبو داود (321). (¬5) رواه أبو داود (323). (¬6) رواه أبو داود (328). (¬7) رواه أبو داود (318) والنسائي (1/ 167) وابن ماجه (565).

عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التيمُّمُ ضربتانِ، ضربةٌ للوجهِ، وضربةٌ لليدينِ" (¬1). علي بن ظبيان ضعيف عندهم، وإنما رواه الثقاة موقوفًا على ابن عمر. وذكر العقيلي عن صالح الناجي، عن محمد بن سليمان، عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَمسحُ المتيممُ هَكَذَا" ووصف صالح من وسط رأسه إلى جبهته (¬2). محمد هو ابن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا يعرف بالنقل، وحديثه غير محفوظ. أبو داود، عن عطاء، عن جابر قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا معنا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وإن تقدر على الماء، فاغتسل، فمات، فلما قدما على النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخبِرَ بذلك، فقال: "قَتلُوهُ قتلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَألُوا إِذْ لَمْ يَعلَمُوا، فَإِنّما شفاءُ العيِّ السّؤالُ، إِنّما كانَ يكفيهِ أَنْ يتيممَ، ويعصرَ أَوْ يعصبَ عَلى جرحهِ خرقةَ، ثُمَّ يَمسحُ عليهَا ويغسلُ سائرَ جسدِهِ؟ " (¬3). لم يروه عن عطاء غير الزبير بن خريق وليس بقوي. ورواه الأوزاعي عن عطاء بن السائب عن ابن عباس، واختلف عن ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 180) وأبو أحمد بن عدي الجرجاني في الكامل (5/ 1833) كذا في المخطوطة أبو محمد الجرجاني وهو خطأ وإنما هو أبو أحمد. (¬2) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 73) والبزار (1913 كشف الأستار) والطبراني في الأوسط (ص 254 مجمع البحرين) والخطيب في التاريخ (5/ 291) وعند الجميع "اليتيم" بدل "التيمم" ولذلك قال الحافظ في اللسان (5/ 189) وأغرب عبد الحق في الأحكام، فأورد حديثه هذا في "كتاب الطهارة" في باب التيمم، وصحف فيه تصحيفًا شنيعًا، تعقبه ابن القطان، وبالغ في الإنكار عليه، وهو معذور، والله الموفق. (¬3) رواه أبو داود (336).

الأوزاعي، فقيل عنه، عن عطاء، وقيل عنه بلغني عن عطاء، ولا يروى الحديث من وجه قوي (¬1). وروى جرير، عن عطاء بن السائب، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قال: "إِذَا كانَتْ بِالرُجلِ جِراحةٌ يخافُ إِنْ اغتسلَ أَنْ يموتَ فَليتيمّمْ" (¬2). قال يحيي بن معين: جرير إنما يروي عن عطاء بن السائب بعد الاختلاط. ذكر ذلك أبو أحمد في باب عطاء، وفيه ذكر الحديث (¬3). وقد ذكره أبو بكر البزار أيضًا، إلا أنه قال: "إِذَا كانَ بِالرّجُلِ الجراحُ فِي سبيلِ اللهِ أَوْ القروحُ، أو الجدرِي". أبو داود، عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يَا عَمْرٌو صَلّيتَ بأصحابِكَ الصّبحَ وَأَنتَ جُنُبٌ؟ " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا (¬4). وعنه في هذا الحديث أنه غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم، ولم يذكر التيمم (¬5)، وهذا أدخل من الأول لأنه عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن أبي قبيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (337) وابن ماجه (572). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 2000). (¬3) انظر الكامل (5/ 1999). (¬4) رواه أبو داود (334). (¬5) رواه أبو داود (335).

باب ما جاء في النجو والبول والدم والمذي والمني، والإناء يلغ فيه الكلب والهر، والفأرة تقع في السمن، وفي جلود الميتة إذا دبغت، وفي النعل والدبل يصيبهما الأذى

والمغابن الآباط، وأصول الفخذين، وكل ما يتعلق به الوسخ من الجسد. وذكر أبو داود، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: جرح رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا، فصليا ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: "أَصبتَ السنّةَ وأَجزأَتْكَ صلاتَكَ" وقال للذي أعاد: "لكَ الأجرُ مرّتينِ" (¬1). قال: وذكر أبي سعيد ليس بمحفوظ في هذا الحديث. وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال: من السنة ألا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى (¬2). في إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك. وذكر أيضًا عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَؤُمُ المتيممُ المُتوضِئينِ" (¬3). إسناده ضعيف. باب ما جاء في النجو والبول والدم والمذي والمني، والإناء يلغ فيه الكلب والهر، والفأرة تقع في السمن، وفي جلود الميتة إذا دبغت، وفي النعل والدبل يصيبهما الأذى الطحاوي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تُدافعُوا الأَخبثين، الغائطَ والبولَ فِي الصّلاةِ". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (338). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 185). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 185).

خرجه مسلم بن الحجاج ولم يفسر الأخبثين، وسيأتي ذكره إن شاء الله عز وجل (¬1). مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم، فأتي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله، ولم يغسله (¬2). وفي رواية صبي يرضع. وعن أم قيس بنت محصن في هذا الحديث قالت: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فنضحه على بوله، ولم يغسله غسلًا (¬3). الترمذي، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في بول الغلام الرضيع: "يُنضحُ بَولُ الغُلامِ، وَيُغسلُ بولُ الجَاريةِ" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي، عن أبي السمح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُغسلُ مِنْ بَولِ الجَاريةِ، ويُرشُّ منْ بَولِ الغُلامِ" (¬5). وذكر الدارقطني من حديث الحجاج بن أرطأة، عن عطاء، عن عائشة قالت: بال ابن الزبير على - صلى الله عليه وسلم -، فأخذته أخذًا عنيفًا، فقال: "إِنَّهُ لَمْ يأكلِ الطعامَ، فَلاَ يضرُ بَولَهُ" (¬6). الحجاج بن أرطاة كان كثير التدليس، ولم يقل في هذا الحديث حدثنا، ولو قال لما كان حجة. وذكر عن خارجة بن عبد الله بن سليمان بن يزيد بن ثابت، عن داود بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (560) من حديث عائشة. (¬2) رواه مسلم (286). (¬3) رواه مسلم (287). (¬4) رواه الترمذي (296). (¬5) رواه النسائي (1/ 158). (¬6) رواه الدارقطني (1/ 129).

حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو جلده بول صبي وهو صغير، فصب عليه من الماء بعد [بقدر] البول (¬1). وخارجة ضعيف (¬2). ورواه أيضًا من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيي، عن داود بهذا الإسناد (¬3). وإبراهيم هذا متروك، ولا يصح هذه الصفة في غسل بول الصبي، ولا يصح أيضًا منه ما لم يأكل الطعام، إنما يصح من قول قتادة، وعلي، وأم سلمة وغيرهم. مسلم، عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ، مَهْ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُزْرِمُوه دَعُوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له: "إِنّ هَذ المَساجِدَ لَا يصلحُ لِشَيءٍ منْ هَذَا البَولِ، وَلاَ القَذَرِ، إِنَّما هِي لِذكرِ اللهِ وَالصَّلاةِ، وقِرَاءَةِ القُرآنِ" أو كما قال رسول الله عليه السلام قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّهُ عليه (¬4). وذكر أبو أحمد عن عبد الله بن معقل بن مقرن، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خُذُوا مَا بالَ عَليهِ مِنَ التّرابِ فَأَلقُوهُ، وَأهرِقُوا عَلَى مَكانِهِ ماءً" (¬5). وهو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر عبد الرزاق مرسلًا، عن طاوس مثل حديث أبي داود. وذكر أبو أحمد من حديث بزيع بن حسان البصري الخصاف قال: حدثنا ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 130). (¬2) وفيه أيضًا الواقدي، وهو متروك اتهم بالكذب. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 130). (¬4) رواه مسلم (284). (¬5) هو عند أبي داود (381) وفي المراسيل، والدارقطني (1/ 132).

هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين، فقالت له عائشة: يا رسول الله، ألا تخص لك موضعًا من الحجرة أنظف من هذا؟ فقال: "يا حُميراءُ أَمَا عَلمتِ أَنّ العبدَ إِذَا سجَدَ للهِ سجدةً طهّرَ اللهُ موضعَ سجودِهِ إِلى سبعِ أَرضينَ" (¬1). هذا حديث منكر، لم يتابع عليه بزيع، وبزيع قال فيه ابن أبي حاتم: ذاهب الحديث. وقال فيه أبو أحمد أحاديثه مناكير لا يتابعه عليها أحد، أو كلامًا هذا معناه. وذكر أبو أحمد من حديث عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم، عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتَانِي جِبريلُ فَلَمْ يَدخلْ عَليّ" فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مَنعكَ أَنْ تَدْخُلَ" قال: إنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا بول (¬2). عمرو بن خالد متروك الحديث. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث قيس بن الربيع بسنده إلى أبي الدرداء قال: "لَا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ بولٌ ينتَقعُ" (¬3). قال: كذا رواه أبو داود الطيالسي عن قيس موقوفًا على أبي الدرداء، ورواه شيخ مجهول عن قيس فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام أبي أحمد (¬4). الذي يدخل مع الصحاح ما ذكره أبو داود في كتابه عن أميمة بنت رُقيقة ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 493). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1776). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي (6/ 2069). (¬4) لم نر هذا الكلام في النسخة المطبوعة من الكامل، وفيها: قال لنا ابن صاعد: رفعه شيخ مجهول عن قيس.

قالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل (¬1). كذا قال الدارقطني إن هذا الحديث يلحق بالصحيح، أو قال كلامًا هذا معناه. مسلم، عن ابن عباس قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: "أَمَا إِنَّهُمَا ليعذبَانِ، وَمَا يُعذّبانِ فِي كبيرِ، أَمَا أَحَدُهُمَا فَكانَ يَمشِي بِالنميمةِ، وَأَمَا الآخرَ فكانَ لَا يستترُ منْ بَولهِ" قال: فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا وقال: "لعلّهُ يخففُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسا" (¬2). وفي رواية: "وكانَ الآخرُ لَا يستنزِهُ عنِ البَولِ" أو "مِنَ البَولِ". وفي رواية لأبي داود: "كَانَ لَا يستنزهُ مِن بولِهِ" (¬3). وفي حديث هناد بن السريّ "لَا يستبرأُ" يعني من الاستبراء (¬4). وقال البخاري: "وَمَا يعذّبَانِ فِي كَبيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبيرةٌ" (¬5). الدارقطني، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "استنزِهُوا مِنَ البَولِ، فإِنَّ عامةَ عذابُ القبرِ مِنْهُ" (¬6). وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬7). أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَكثرُ عذابُ القبرِ فِي البَولِ" (¬8). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (24). (¬2) رواه مسلم (292). (¬3) رواه أبو داود (20). (¬4) رواه أبو داود (21). (¬5) رواه البخاري (216 و 218 و 1361 و 6052 و 6055) وفي الأدب هذه الرواية. (¬6) رواه الدارقطني (1/ 128). (¬7) رواه الدارقطني (1/ 127). (¬8) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/ 122) والدارقطني (1/ 128) وصححه.

مسلم، عن أنس قال: قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم من عُكْل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاحٍ وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها. . وذكر الحديث. وسيأتي في الحدود إن شاء الله تعالى (¬1). وذكر الدارقطني عن سوار بن مصعب، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن البراء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا بَأسَ بِبَولِ مَا أُكِلَ لَحمُهُ" (¬2). خالفه يحيى بن العلاء، فرواه عن مطرف، عن محارب، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وسوار متروك، ويحيى بن العلاء ضعيف. وقال عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: "اغسِلي عِنكِ الدَّمَ وَصلِّي" (¬4). ذكره مسلم، وقد تقدم في ذكر المستحاضة. وذكر الدارقطني عن روح بن غطيف، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُعادُ الصَّلاةُ مِنْ قدرِ الدّرهمِ منَ الدّمِ" (¬5). ورواه نوح بن أبي مريم، عن يزيد بن أبي زياد، عن الزهري، بهذا الإسناد. روح بن غطيف متروك، ونوح ضعيف جدًا، والحديث ليس بمحفوظ عن الزهري. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن أبي قيس، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن عطاء بن يزيد، قال: أخبرنا أبو سعيد الخدري قال: كنا مع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1671). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 128). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 128). (¬4) رواه مسلم (333). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 401) وانظر الموضوعات (2/ 75 - 77).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررنا بغلام يسلخ شاة، فقال له: "تَنحَّ حتى أَراكَ" فأدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم قال: "هَكَذا فَاسلَخْ" وأصاب ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نضحات من دم ومن فرث الشاة، فانطلق فصلى بالناس، لم يغسل يده ولا ما أصاب من الدم والفرث ثوبه (¬1). محمد بن أبي قيس هذا هو المصلوب في الزندقة على ما ذكره البخاري، وكان كذابًا معروفًا، ويقال له محمد بن أبي قيس، ومحمد بن سعيد بن أبي قيس الأزدي، ويقال له ابن الطبري، ويقال له الطائفي، ويقال له ابن حسان وهو شامي يكنى أبا عبد الرحمن، كان يحدث بأحاديث موضوعة. وذكر يحيى بن معين أنه لم يصلب في الزندقة. والصحيح في هذا الحديث مرسل عن عطاء، ليس فيه ذكر أبي سعيد، ولم يذكر الفرث ولا الدم. وفي هذا الباب أحاديث عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وملأ من قريش قد نحروا جزورًا، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجدًا، فيضعه على ظهره؟ قال عبد الله: فانبعث أشقاها، فأخذ الفرث، فذهب به ثم أمهله، فلما خر ساجدًا وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: "اللَّهُمَّ عليكَ بقريشٍ"، ثلاث مرات". وذكر بقية الخبر (¬2). ولو صح الخبر الأول لما كان هذا منه في شيء لأنه كان يكون عليه ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي (6/ 2151 - 2152). (¬2) رواه النسائي (1/ 161 - 162).

السلام في الخبر الأول قد صلى بالدم في ثوبه، وفي هذا الخبر الثاني إنما هو شيء طرح عليه وهو في الصلاة، وربما لم يعلم عليه السلام بما طرح عليه، وكان حديث ابن مسعود قبل الهجرة، وحديثه هذا خرجه النسائي. ومن مراسيل أبي داود، عن عقيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد في ثوبه دمًا، فانصرف، يعني من الصلاة. وكذلك عند ابن وهب. وذكر أبو داود عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: "إِذَا طهرتِ فَاغسلِيهِ، ثُمَّ صلِّي فِيهِ" قالت: فإن لم يخرج الدم، قال: "يَكفيكِ الماءَ وَلاَ يضركِ أَثَرَهُ" (¬1). في إسناده عبد الله بن لهيعة، وهذا الحديث من رواية ابن الأعرابي، عن أبي داود. وذكر أبو داود من حديث أمية بن الصلت، عن امرأة من غفار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تجعل في الماء الذي غسلت به دم الحيض ملحًا (¬2). وذكر الدارقطني عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - رخص في دم الحبوب يعني الدماميل، وكان عطاء يصلي وهو في ثوبه (¬3). قال: هذا باطل عن ابن جريج ولعل بقية دلّسه عن رجل ضعيف والله أعلم. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن سفينة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (365). (¬2) رواه أبو داود (313). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 158).

فقال: "خُذْ هَذَا الدّمَ فَادفِنهُ منَ السّباعِ والدّوابِ" قال: فتغيبت به فشربته، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك (¬1). رواه عن عمر ابنه ابن بريَّةٌ، قال فيه أبو أحمد إسناد مجهول. وخرجه البزار أيضًا من هذا الطريق (¬2). وذكر الدارقطني من حديث أسماء بنت أبى بكر أن عبد الله بن الزبير فعل ذلك، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تمسّكَ النَّارُ" (¬3). في إسناده علي بن مجاهد عن رباح النواء [النوى]، ولا يصح، علي ضعيف جدًا. وقال أبو داود، عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّمَا يُجزئُكَ منْ ذَلِكَ الوُضوءُ" قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ فقال: "يَكفيكَ أَنْ تَأخذَ كَفًّا منْ ماءٍ فَتنضَح بهِ منْ ثوبِكَ حيثُ تَرَى أَنّه أَصَابَهُ" (¬4). وذكره الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (¬5). وفي مسند أبي داود الطيالسي، عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً وكانت عندي بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرت رجلًا، فسأله عن المذي، فقال: "إِذَا رَأيتهُ فَتوضَّأْ وَاغسِلْهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1709). (¬2) رواه البزار (5435 كشف الأستار) ورواه الطبراني في الكبير (6434) وابن حبان في كتاب المجروحين (1/ 111) واسم برية إبراهيم. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 228). (¬4) رواه أبو داود (210). (¬5) رواه الترمذي (115). (¬6) رواه أبو داود الطيالسي (129).

مسلم، عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب ثوب الرجل يغسله، أم يغسل الثوب، فقال: أخبرتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه (¬1). زاد البخاري: بُقَعَ الماء (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث ثابت بن حماد أبي يزيد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّما تغتسلُ ثَوبَكَ مِنَ البَولِ والغائطِ والمنىّ منَ الماءِ الأَعظمِ، والدّمِ والقَيءِ" (¬3). ثابت بن حماد أحاديثه مناكير ومقلوبات. ومن طريق ثابت بن حماد خرجه الدارقطني وأبو بكر البزار (¬4). قال أبو بكر لا نعلم روى ثابت إلا هذا الحديث. مسلم، عن علقمة والأسود أن رجلًا نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركًا فيصلي فيه (¬5). وعنها في هذا الحديث: لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسًا بظفري (¬6). وذكر أبو أحمد من حديث أحمد بن أبي أوفى، عن عباد بن منصور، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (289). (¬2) رواه البخاري (229 و 230 و 232). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 524 - 525). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 127) والبزار (248 كشف الأستار). (¬5) رواه مسلم (288). (¬6) رواه مسلم (290) بإسناد آخر.

عن عطاء، عن عائشة قالت: قد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لا أغسل مكانه (¬1). قال أبو أحمد: هذا حديث مستقيم، وإنما أنكر، يعني على أحمد بن أبي أوفى مخالفته أصحاب شعبة، وذكر ضعف عباد بن منصور، وكذلك ضعفه ابن أبي حاتم، وذكر فيه أيضًا قول يحيى بن سعيد: عباد بن منصور ثقة، ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه. وذكر أبو بكر البزار من حديث أبي الدرداء، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأسه يقطر، فصلى بنا في ثوب واحد متوشحًا به قد خالف بين طرفيه، فلما انصرف قال له عمر: تصلي في ثوب واحد وفيه! قال: "نَعَمْ أُصلِّي فيهِ وَفيهِ" يعني الجنابة (¬2). في إسناده الحسن بن يحيى الخشني وهو ضعيف جدًا. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ولغَ الكلبُ فِي إِناءِ أَحدِكُمْ، فليرقْهُ، ثُمَّ ليغسلْهُ سبعَ مَراتٍ" (¬3). وعن عبد الله بن مغفل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا ولغَ الكلبُ فِي الإِناءِ, فاغسلُوهُ سبعَ مَراتٍ وعفِّرُوهُ الثَامنةَ فِي التّرابِ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طهورُ إِناءِ أَحدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكّلبُ أَنْ يَغْسلَهُ سبعَ مَراتٍ أُولاَهُنَّ بِالتّرابِ" (¬5). وقال أبو داود: "السابعةُ بِالتّرابِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 175). (¬2) ورواه ابن ماجه (541). (¬3) رواه مسلم (279). (¬4) رواه مسلم (280). (¬5) هو رواية من حديث مسلم (279). (¬6) رواه أبو داود (73).

وروى عبد الوهاب بن الضحاك قال: نا إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكلب يلغ في الإناء أن يغسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا (¬1). تفرد بهذا عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك، خرجه الدارقطني. وخرج أيضًا عن يحيي بن أيوب، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُغسلُ الإِناءُ مِنَ الهّرِّ كَمَا يُغسلُ مِنَ الكَلبِ" (¬2). قال الدارقطني: لا يثبت هذا مرفوعًا، والمحفوظ من قول أبي هريرة واختلف عنه. الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يُغْسَلُ الإِناءُ إِذَا وَلغَ فيهِ الكَلبُ سَبعَ مَراتِ أُولاَهُنَّ بِالتّرابِ" أو قال: "أُخرَاهُنَّ بِالترابِ، وَإِذَا وَلغتْ فِيهِ الهرةُ غُسِلَ مَرة" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو الحسن الدارقطني: حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب روي موقوفًا، وخرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السّنورُ سبعٌ" (¬4). في إسناده عيسى بن المسيب، قال الدارقطني فيه صالح الحديث، وأما يحيي بن معين فضعفه، وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم. وخرج أيضًا عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر به الهر، فيصغي ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 65). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 68). (¬3) رواه الترمذي (91). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 63).

لها الإناء فتشرب منه، ثم يتوضأ بفضلها (¬1). في إسناده عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف عندهم. ورواه حارثة بن محمد، عن عمرو، عن عائشة قالت: كنت أتوضأ أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك (¬2). حارثة يوثقه الدارقطني، وهو خرج حديثه هذا، وضعفه البخاري، والنسائي، وابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وقد روي من غير وجه عن عائشة، ذكر ذلك أبو داود وغيره. والصحيح حديث مالك في الموطأ، عن كبشة بنت كعب، أن أبا قتادة دخل عليها قالت: فسكبت له وضوءًا، قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: قرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ قالت: فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّهَا لَيسَ بِنَجسٍ إِنّما هِيَ مِنَ الطّوافِينَ عَليكُمْ أَوِ الطّوافاتِ" (¬3). وذكره الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬4). البخاري، عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: "أَلقُوهَا وَمَا حَولَهَا، وَكُلوهُ" (¬5). أبو داود، نا أحمد بن صالح والحسن بن علي، وهذا لفظ الحسن، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقعتِ الفَأرةُ فِي السّمنِ، فَإِنْ كَانَ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 66 - 67). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 92). (¬3) رواه مالك (1/ 35 - 36). (¬4) رواه الترمذي (92). (¬5) رواه البخاري (5538) ورواه أيضًا (235 و 236 و 5539 و 5540).

جَامِدًا فأَلقُوهَا وَما حَولَهَا، وإِنْ كَانَ مَائِعًا فلاَ تَقرَبُوهُ" (¬1). رواه عبد الواحد بن زياد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَإِن كَانَ ذَائبًا، فاستصبِحُوا منهُ" أو "فانتفِعُوا بِهِ". ذكره أبو جعفر الطحاوي في بيان المشكل. قال أبو جعفر: وعبد الواحد ثقة إذا انفرد بحديث قبل حديثه، وكذلك إذا انفرد بزيادة قبلت زيادته. وقد رواه عبد الرزاق في المصنف عن إبراهيم بن محمد، عن أبي جابر البياضي، عن ابن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنْ كانَ جَامِدًا أُخِذَ مَا حَولَهَا قَدرُ الكفِّ، وِإِذَا وَقعتْ فِي الزّيتِ استُصْبِحَ بهِ" (¬2). هذا مرسل، وأبو جابر متروك، وإبراهيم بن محمد قريب منه. ورواه يحيي بن أيوب، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفأرة تقع في السمن والودك، فقال: "اطرحُوهَا، واطرحُوا مَا حولَهَا إِنْ كَان جَامِدًا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فانتفعُوا بهِ ولَا تَأكلُوهُ" (¬3). خرجه الدارقطني، ويحيى هذا لا يحتج به. ورواه عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب بهذا. وعبد الجبار ضعيف ولم يذكر السمن، خرجه العقيلي (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث بقية، عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3842) ورواه عبد الرزاق (278). (¬2) رواه عبد الرزاق (283). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 291). (¬4) رواه العقيلي (3/ 87).

بشر بن منصور، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ طَعَامٍ وقعتْ فِيهِ دَابةٌ لَيستْ لَهَا دَمٌ فَماتَتْ، هُوَ الحَلالُ أَكَلهُ وَشربهُ وَوُضوءهُ" (¬1). حديث ليس بمحفوظ، وسعيد بن أبي سعيد الزبيدي قال فيه أبو أحمد: مجهول. خرجه الدارقطني من حديث بقية بن الوليد بهذا الإسناد، وقال: لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف (¬2). أبو داود، عن عبد الله بن حكيم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (¬3). قال النضر بن شميل: إنما يسمى الإهاب ما لم يدبغ، فإذا دبغ يقال له: شن أو قربة. قال الترمذي: اضطربوا في إسناده، يعني إسناد هذا الحديث (¬4). مسلم، عن ابن عباس قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة، فماتت، فمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هَلّا أخذتُمْ إِهابَهَا فِدبغتُمُوهُ فانتفعتُم بِهِ" فقالوا: إنها ميتة، فقال: "إِنّما حُرِّمَ أَكلُهَا" (¬5). وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا دُبغَ الإِهابُ فَقدْ طَهُرَ" (¬6). وقال الترمذي: "أَيّما إِهابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1241 - 1242). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 37). (¬3) رواه أبو داود (4128). (¬4) قال ذلك بعد أن رواه (1729). (¬5) رواه مسلم (363). (¬6) رواه مسلم (366). (¬7) رواه الترمذي (1728).

قال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا بأسَ بِمسكِ الميتةِ إِذَا دُبغَ، وَلا بأسَ بِصوفِهَا وشَعرِهَا وقُروبهَا إِذَا غُسِلَ بِالماءِ" (¬1). لم يروه غير يوسف بن السفر وهو متروك. وذكر ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}: "أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِنَ الميتةِ حَلالٌ، إِلَّا مَا أُكِلَ مِنهَا، فَأمَا الجلدَ والقدَّ والشعرَ والصوفَ والسّنَّ والعظمَ، فَكُلّ هَذ حلالٌ لأنه يُذَكَّى". رواه أبو بكر الهذلي وهو متروك (¬2). وذكر أبان بن أبي عياش، عن مجاهد، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحائط تلقى فيه العذرة والنتن قال: "إِذَا سُقِي ثَلاثُ مَرّاتِ فَكُلْ فِيهِ" (¬3). كذا رواه أبو حفص الأبار عن أبان. ورواه ابن فضيل عن أبان، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبان ضعيف بل متروك، وكان رجلًا صالحًا (¬4). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا جاءَ أحدُكُمْ إِلَى المَسجدِ فَلينظرْ، فَإِنْ رَأى فِي نَعْلَيهِ قَذرًا، أَوْ أذَى فليمسحْهُ، وليصلِّ فِيهِمَا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 47). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 48) ثم قال ذلك. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 228). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 228). (¬5) رواه أبو داود (650).

أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَطئَ الأذَى بخفّيهِ فَطهورهُمَا التُّرابُ" (¬1). اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافًا كثيرًا، وحديث أبي سعيد الذي قبله هو الصواب، على أن حديث أبي هريرة قد أسنده محمد بن كثير عن الأوزاعي عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عن أبي هريرة. أبو داود، عن موسى بن عبد الرحمن، عن يزيد، عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت يا رسول الله لنا طريق منتنة إلى المسجد، فكيف نفعل إذا أمطرنا؟ قال: "أَليسَ بعدَها طريقٌ هِيَ أَطيبُ مِنهَا؟ " قلت: بلى، قال: "فَهذِهِ بِهذهِ" (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطَرِيْقُ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَغضًا" (¬3). إبراهيم وثقه ابن حنبل وحده. مالك، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، قالت أم سلمة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُطهرّهُ مَا بَعدَهُ" (¬4). أم ولد إبراهيم هذه لا أدري من هي. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (386). (¬2) رواه أبو داود (384). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 236). (¬4) رواه مالك (1/ 36 - 37).

باب في قص الشارب، وإعفاء اللحية، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، والختان، ودخول الحمام، والنهي أن ينظر أحد إلى عورة أحد، وما جاء في الفخذ

باب في قص الشارب، وإعفاء اللحية، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، والختان، ودخول الحمام، والنهي أن ينظر أحد إلى عورة أحد، وما جاء في الفخذ مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَالِفُوا المُشركينَ، احفُوا الشَوارِبَ، واعفُوا اللِّحَى" (¬1). وفي أخرى "خَالِفُوا المَجُوسَ" رواه من حديث أبي هريرة. وعن أبي هريرة أيضًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الفِطرةُ خَمسٌ، الاختتانُ، والاستحدادُ، وقصُ الشاربِ، وتَقليمُ الأَظافرِ، ونتفُ الإبطِ" (¬2). وعن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عشرٌ مِنَ الفطرةِ، قصُ الشّاربِ، وإِعفاءُ اللّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُ الأظفارِ، وغسلُ البَراجمِ، ونتفُ الإِبطِ، وَحلقُ العَانَةِ، وانتقاصُ الماءِ" قال مصعب راوي الحديث ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء (¬3). خرجه أبو داود من حديث عمار بن ياسر، وذكر فيه المضمضة، وزاد فيه الختان، ولم يذكر إعفاء اللحية (¬4). وحديث مصعب رواه سليمان التيمي، وأبو بشير عن طلق بن حبيب ¬

_ (¬1) رواه مسلم (259) وعنده "احفوا الشوارب وأوفوا اللحى" وفي رواية كما ذكر المؤلف ولكن ليس في أوله "خالفوا المشركين". (¬2) رواه مسلم (257). (¬3) رواه مسلم (261). (¬4) رواه أبو داود (54).

قوله، وحديث أبي داود ليس إسناده مما يقطع به حكم. وذكر البزار من حديث عبد الرحمن بن مسهر، عن هشام عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلًا وشاربه طويل، فقال: "ائتونِي بمقصٍّ وَسواكٍ" فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوز (¬1). ولم يتابع عبد الرحمن على هذا وهو متروك. وأما حديث المغيرة بن شعبة، ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان شاربي وفاءً فقصه على سواك أو قال: "أَقصّهُ لَكَ عَلى سواكٍ" فإنما معناه على أثر سواك أي بعدما تسوك (¬2). وحديث المغيرة ذكره أبو داود. وقال الترمذي: حدثنا هناد، نا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من عرضها وطولها (¬3). قال: عمر بن هارون مقارب الحديث. وذكر هذا الحديث أبو أحمد من حديث عمر بن هارون بإسناده وقال: من عرضها وطولها بالسوية. وقال في عمر أكثر مما قال الترمذي (¬4). وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عفير بن معدان، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يأخذُ أحدُكُمْ مِن طولِ لِحيتهِ، ولكنْ مِنَ الصّدغَينِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (2969 كشف الأستار). (¬2) رواه أبو داود (188). (¬3) رواه الترمذي (2630). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي (5/ 1689). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 2017 - 2018) وانظر سلسلة الضعيفة (1/ 304) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.

حديث غير محفوظ، وعفير بن معدان ضعيف. النسائي، عن زيد بن أرقم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ لَمْ يأخذْ مِن شَاربِهِ فَليسَ مِنّا" (¬1). مسلم، عن أنس قال: وُقت لنا في قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة (¬2). وقال الترمذي: وقت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وحديث مسلم أعلى إسنادًا. وروى إبراهيم بن سالم النيسابوري من حديث أنس أيضًا، وقت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما، وأن ينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربه يطول، وأن يقلم أظافره من الجمعة إلى الجمعة، وأن يتعاهد للبراجم كلما توضأ، فإن الوسخ إليها سريع. والصحيح في التوقيت حديث مسلم رحمه الله. وذكر أبو داود من حديث عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: حدثني أبي عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادفنُوا الأَظفارَ والشعرَ والدّمَ، فَإِنّه ميتةٌ". قال أبو أحمد: لا يتابع على هذا، ولم أر للمقدمين فيه كلامًا وقد تكلموا فيمن هو أصدق منه، كذا قال فيه أبو أحمد (¬4). وقال فيه أبو حاتم: نظرت في بعض أحاديثه فرأيت أحاديثه أحاديث منكرة، ولم يكن عندي محله الصدق (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 15 و 8/ 129 - 130). (¬2) رواه مسلم (258). (¬3) رواه الترمذي (2760). (¬4) انظر الكامل لأبي أحمد بن عدي (4/ 1518). (¬5) الجرح والتعديل (2/ 2/ 104).

وقال علي بن الحسين بن الجنيد: عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد لا يساوي فلسًا يحدث بأحاديث كذب، ذكر هذا وكلام أبي حاتم رحمه الله (¬1). البزار، عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احذَرُوا بَيتًا يُقالُ لَهُ الحمامُ" قالوا يا رسول الله نتقي الوسخ، قال: "فاستَتِرُوا" (¬2). هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس. وأما ما خرجه أبو داود في هذا من الحظر والإباحة، فلا يصح منه شيء لضعف الأسانيد، وكذلك خرجه الترمذي. ذكر أبو داود عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المئزر (¬3). وعن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة، فقالت: ممن أنتن، قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي يدخل نساؤها الحمامات، قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنِ امرأةٍ تَخلعُ ثَيابَهَا فِي غيرِ بَيتِهَا إِلّا هَتكَتْ مَا بينَها وَبينَ اللهِ" (¬4). وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّها ستُفتَحُ لَكُمْ أرضُ العَجمِ، وستَجدُونَ فِيها بُيوتًا يُقالُ لَهَا الحماماتُ فَلا يدخلهَا الرّجالُ إِلّا بالأزُرَ، وامنعُوهَا النّساءَ إِلّا مريضةً أو نفساءَ" (¬5). ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (2/ 2/ 104). (¬2) رواه البزار (319 كشف الأستار). (¬3) رواه أبو داود (4009) والترمذي (2803). (¬4) رواه أبو داود (4010) والترمذي (2804). (¬5) رواه أبو داود (4011).

وحديث عائشة الأول يرويه حماد بن سلمة عن عبد الله بن شداد عن أبي عذرة عن عائشة. قال الترمذي: وذكر هذا الحديث: ليس إسناده بالقائم، وأبو المليح لم يسمع من عائشة، وحديثه ذكره الترمذي أيضًا. وذكر الترمذي عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منّ كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخَرِ فَلاَ يَدخلِ الحمامَ بِغيرِ إِزَارٍ، ومنْ كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فَلا يُدخِلْ حَليلَتهُ الحمامَ، ومنْ كانَ يُؤمنُ بِاللهِ واليومِ الآخرِ فَلاَ يَجلسْ عَلَى مائدةٍ يُدارُ عَليهَا الخَمرُ" (¬1). في إسناد هذا الحديث حديث جابر: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف عندهم. وأما الجلوس على مائدة تدار عليها الخمر فيحرم لشيء آخر. وحديث عبد الله بن عمرو المتقدم في ذكر الحمام في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا ينظرُ الرجلُ إِلى عورةِ الرّجلِ، ولاَ المرأةُ إِلَى عورةِ المَرأةِ، ولاَ يُفضِي الرجلُ إِلى الرجلِ فِي ثوبٍ وَاحدٍ، وَلا تفضِي المرأةُ إِلى المرأةِ فِي الثّوبِ الوَاحدِ" (¬2). الترمذي، عن ابن جرهد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ به وهو كاشف عن فخذه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غَطِّ فَخذَكَ فَإنَّها مِنَ العَورةِ" (¬3). مسلم، عن أنس في حديث ذكره، وانحسر الإزار عن فخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2802). (¬2) رواه مسلم (1437). (¬3) رواه الترمذي (2799).

فإني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وسيأتي الحديث في الجهاد إن شاء الله عز وجل. قال البخاري في حديث أنس: أسند، وحديث جرهد أحوط، حتى نخرج من اختلافهم (¬2). تم كتاب الطهارة بحمد الله وعونه يتلوه كتاب الصلاة إن شاء الله. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1365). (¬2) انظر صحيح البخاري (1/ 478) مع فتح الباري الطبعة السلفية.

3 - كتاب الصلاة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الصلاة مسلم، عن طارق بن أشيم قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللَّهُمَّ اغفرْ لِي وارحَمْنِي واهدِنِي وعافِني وارزُقنِي" (¬1). باب فرض الصلاة، والمحافظة عليها، وفضلها، ومن صلاها في أول وقتها أبو داود، عن عبد الله الصنابحي قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خَمسُ صَلواتٍ افترضهنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ، مَن أَحسنَ وُضُوءَهُنَّ، وصلاَهنَّ لِوقتهِنَّ، وأتمَّ ركوعَهُنَّ وخشوعَهُنَّ، كانَ عَلى اللهِ عهدٌ أَنْ يغفرَ لَهُ، ومنْ لمْ يَفعلْ فَليسَ عَلَى اللهِ عهدٌ إِنْ شَاءَ غَفرَ لَهُ، وإِنْ شَاءَ عذّبَهُ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2697). (¬2) رواه أبو داود (425).

باب الوصية بالصلاة، وما جاء أنها أول ما يحاسب به العبد، ومتى يؤمر بها الصبي

أبو محمد هو مسعود بن أوس، أنصاري، شهد بدرًا وما بعدها، ذكر ذلك أبو عمر (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلواتُ الخمسُ، والجُمعةُ إِلى الجُمعةِ، ورمضانُ إِلَى رمضانَ، مكفراتٍ مَا بينهنّ، مَا اجتنُبَتِ الكَبائِرُ" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَرأيتُمْ لَو أَنَّ نَهرًا ببابِ أَحدِكُمْ يغسلُ فِيهِ كلَّ يومِ خمسُ مَراتٍ، هَلْ يبقَى مِنْ دَرنهِ شَيءٌ؟ " قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فَذَلِكَ مثلُ الصَّلواتِ الخَمس يمحُو اللهُ تباركَ وَتَعالَى بِهنَّ الخَطايَا" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. خرجه مسلم أيضًا. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصّلاةُ عَلَى وَقتِهَا" قلت: ثم أي؟ قال: "برُّ إلوَالدَيْنِ" قلت: ثم أي؟ قال: "ثُمَّ الجِهادُ فِي سبيلِ اللهِ" قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني (¬4). وقال الدارقطني: الصلاة أول وقتها (¬5). باب الوصية بالصلاة، وما جاء أنها أول ما يحاسب به العبد، ومتى يؤمر بها الصبي النسائي، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الموت جعل يقول: ¬

_ (¬1) انظر الاستيعاب (3/ 1931). (¬2) رواه مسلم (1233) ولفظه "إذا اجتنبت الكبائر". (¬3) رواه البخاري (528) ومسلم (667) والترمذي (2872) والنسائي (1/ 231). (¬4) رواه مسلم (85). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 246).

"الصّلاةُ وَمَا مَلكتْ أَيمانكُمْ" فجعل يقولها وما يبيص معناه وما يبين (¬1). ذكره الزبيدي في اختصار العين. الترمذي، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ أَولَ مَا يُحاسَبُ بِهِ العبدُ يومَ القِيامةِ مِنْ عَملِهِ صلاَتَهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفلحَ وأَنجحَ، وَإِنْ فسدتْ فَقَدْ خَابَ وخسرَ، فَإِنْ انتقصَ مِنْ فَريضَتهِ شيءٌ قَالَ الربُّ تباركَ وتعالَى: انظرُوا هَلْ لِعبدِي مِنْ تطوّعٍ يُكملُ بِهَا مَا انتقصَ مِنَ الفريضةِ، ثُمَّ يكونُ سائرُ عَملِهِ عَلَى ذَلِكَ" (¬2). وعن سبرة بن معبد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "علِّمُوا الصبيَّ الصَّلاةَ ابنَ سبعٍ، واضربُوهُ عَلَيْهَا ابنَ عَشرٍ" (¬3). قال: هذا حديث حسن (¬4). وخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد "وفرِّقُوا بينَهمْ فِي المَضاجِعِ" يعني بعد العشر (¬5). وزاد أيضًا في طريق آخر إلى عمرو بهذا الإسناد "وَإِذَا زوّجَ أَحدُكُمْ خَادِمَهُ عبدَهُ، أَو أَجيرَهُ، فلاَ ينظرْ إِلى مَا دُون السّرةِ وفوقَ الرّكبةِ" (¬6). وقال أبو داود أيضًا: عن امرأة معاذ بن عبد الله بن خبيب قالت: كان ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الوفاة من الكبرى ورواه أحمد (6/ 290 و 311 و 321) وابن ماجه (1625) والطحاوي في المشكل (4/ 235 - 236) والبغوي (2415). (¬2) رواه الترمذي (413). (¬3) رواه الترمذي (407). (¬4) في نسختنا المطبوعة حسن صحيح. (¬5) رواه أبو داود (495). (¬6) رواه أبو داود (496).

باب وقوت الصلاة وما يتعلق بها

رجل منا يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن ذلك فقال: "إِذَا عَرفَ يمينَهُ منْ شمالِهِ فمرُوهُ بِالصَّلاةِ" (¬1). حديث سبرة أصح ما في هذا الباب. باب وقوت الصلاة وما يتعلق بها النسائي، عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه، فصنع كما صنع، فتقدم جبريل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى المغرب، ثم أتاه جريل حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى صلاة العشاء، ثم أتاه جبريل حين انشق الفجر، فتقدم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى الغداة، ثم أتاه في اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه، فصنع مثل ما صنع بالأمس صلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل الرجل مثل شخصيه، فصنع مثل ما صنع بالأمس فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب، فنمنا، ثم قمنا، ثم نمنا، ثم قمنا، فأتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العشاء، ثم قال: "مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصّلاتينِ وقتٌ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (497). (¬2) رواه النسائي (1/ 255 - 256).

وله في طريق أخرى، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدًّا، يعني في اليوم الثاني (¬1). وفي أخرى ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتًا واحدًا لم يزل عنه، يعني في اليوم الثاني (¬2). وقال أبو داود في هذا الحديث: "صلَّى بِيَ الظُهرَ حينَ زَالتِ الشَّمسُ، وكَانتْ قَدَر الشِّراكِ" وقال في آخره "ثُمَّ التفتَ إليَّ وقالَ: يَا محمدُ هَذَا وَقْتُ الأنبياءِ منْ قَبلِكَ، الوقتُ مَا بَيْنَ هَذيْنِ". خرجه من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- (¬3). وحديث جابر أصح شيء في إمامة جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكره الترمذي في كتاب العلل عن البخاري. وخرج أبو داود عن أبي مسعود وذكر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتَّى مات لم يعد إلى أن يسفر. خرجه من حديث أسامة الليثي (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل عن الحسن في صلاة النبي خلف جبريل وصلاة الناس خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسر في الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والأخريين من العشاء، وجهر في الصبح، والأوليين من المغرب، والأوليين من العشاء (¬5). ووصله الدارقطني من حديث أنس أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة حين ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 263). (¬2) بل هو في نفس الرواية السابقة (1/ 263). (¬3) رواه أبو داود (393). (¬4) رواه أبو داود (394). (¬5) انظر تحفة الأشراف (13/ 170).

زالت الشمس، فأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم، وذكر الإسرار في صلاة العصر، والمرسل أصح (¬1). مسلم، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا، قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتَّى انصرف منها، والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر حتَّى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتَّى انصرف منها، والقائل يقول قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتَّى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقتُ بينَ هذَيْنِ" (¬2). وفي حديث بريدة بن حصيب، ثم أرمه بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، يعني في اليوم الثاني (¬3). وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وقتُ الظُهرِ إِذَا زَالَتِ الشّمسُ، وكانِ ظلُّ الرّجلِ كَطولهِ مَا لَمْ يحضرِ العَصْرَ، ووقتُ العَصرِ مَا لَمْ تصفرّ الشّمسُ، ووقتُ صَلاة المَغربِ مَا لَمْ يَغبِ الشَفَقُ، ووقتُ صلاة العشاءِ إِلى نصفِ اللَّيلِ الأَوسطِ، ووقتُ صلاة الفَجرِ منْ طُلوعِ الفَجرِ مَا لَمْ تَطلعِ الشمسُ، فَإذَا طلعَتِ الشّمسُ، فأمَسكْ عَنِ الصّلاةِ فَإِنَّهَا تطلعُ بَينَ قَرنَي الشيطانِ". ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 260). (¬2) رواه مسلم (614). (¬3) رواه مسلم (613).

وفي طريق آخر ووقت صلاة العصر، ما لم تصفر الشمس وتسقط قَرْنُها الأوَّل (¬1). ورويته من طريق أبي الوليد الطيالسي، ووقت صلاة العصر ما لم تغرب الشمس. وإسناده صحيح أيضًا. الترمذي، نا هناد عن محمد بن الفضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ للصّلاةِ أَوّلًا وآخِرًا، وَإِنَّ أولَ وقتُ صلاةِ الظّهرِ حينَ تَزولُ الشّمسُ، وآخِرُ وقتَها حِينَ يدخلُ وقتُ العصرِ، وإِنّ أولَ وقتُ صلاةِ العَصرِ حينَ يدخلُ وقتُهَا، وإِنَّ آخرَ وقتُها حينَ تصفرُّ الشمسُ، وإنَّ أولَ وقتُ المغربِ حينَ تغربُ الشّمسُ، وإِنّ آخرَ وقتُهَا حينَ يغيبُ الأُفقُ، وإِنَّ أولَ وقتُ العشاءِ الآخرةِ حينَ يغيبُ الأفقُ، وإِنَّ آخرَ وقتُهَا حينَ ينتصفُ اللَّيلُ، وإِنَّ أولَ وقتُ الفجرِ حينَ يطلعُ الفَجرُ، وإِنَّ آخرَ وقتُهَا حينَ تطلعُ الشَّمسُ" (¬2). نا هناد، نا أبو أسامة عن الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد قال: كان يقال إن للصلاة أولًا وآخرًا (¬3). فذكر نحو حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش. ذكر البخاري أن حديث محمد بن فضيل خطأ، وأن حديث الأعمش عن مجاهد أصح حكاه عنه الترمذي. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر إذا دحضت الشمس (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (612). (¬2) رواه الترمذي (151). (¬3) رواه الترمذي في آخر الحديث السابق. (¬4) رواه مسلم (618).

النسائي، عن عبد الله بن مسعود قال: كان قدر صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام (¬1). في إسناده عبيد ة بن حميد يُعرف بالحذاء ولا يحتج به. مسلم، عن خباب قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه حر الرمضاء، فلم يشكنا. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أفي الظهر؟ قال: نعم، قلت: أفي تعجيلها؟ قال: نعم (¬2). وعن أنس قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه (¬3). البخاري عن أبي ذر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَبرِدْ" ثم أراد أن يؤذن، فقال له: "أَبْرِدْ" حتَّى رأينا فيء التلول، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ شْدَّةَ الحرِّ منْ فيحِ جهنّمَ، فَإِذَا اشتدَّ الحرُّ فأَبَرِدُوا بالصلاةِ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدُوا بالصّلاةِ، فَإِنَّ شدَّةَ الحرِّ منْ فيحِ جهنَّمَ" (¬5). النسائي، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عجّل (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 250 - 251). (¬2) رواه مسلم (619). (¬3) رواه مسلم (620). (¬4) رواه البخاري (539). (¬5) رواه مسلم (615). (¬6) رواه النسائي (1/ 248).

مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَالتِ النَّارُ ربِّ أكلَ بعضِي بَعضًا، فائذنْ لِي أَتنفَس، فأذِنَ لَهَا بنفسيْنِ، نفسٌ في الشّتاءِ، ونفسٌ في الصيفِ، فَمَا وجدتُمْ مِن بردٍ أَوْ زمهريرَ فَمنْ نفسِ جهنَّمَ، ومَا وجدتُمْ منْ حرٍّ أَوْ حُرورٍ فمَنْ نفسٍ جهنَّمَ" (¬1). وعن عائشة، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يفئ الفيء بعد (¬2). وفي رواية لم يظهر الفيء. وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي، فيأتي العوالي والشمس مرتفعة (¬3). وعن شعبة عن سيار بن أبي برزة، عن أبيه وسئل عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يصلي الظهر حتَّى تزول الشمس، والعصر يذهب الذاهب إلى أقصى المدينة والشمس حية، قال: والمغرب لا أدري أي حين ذكر، وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الَّذي يعرف فيعرفه، قال: وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة (¬4). وعن العلاء بن عبد الرحمن، أنَّه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة، حتَّى انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه، قال: أصليتم العصر؟ فقلنا: إنما أنصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تلكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (617). (¬2) رواه مسلم (611). (¬3) رواه مسلم (621). (¬4) رواه مسلم (647).

صلاةُ المُنافقِ، فجلسَ يرقبُ الشمس حتَّى إِذَا كانتْ بَينَ قرنَيْ الشيطانِ قَامَ فنقَرَ أربعًا لَا يذكر اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلَيلًا" (¬1). وعن أنس قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورًا لنا، ونحن نحب أن تحضرها، قال: "نَعَمْ" فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت، ثم قطعت، ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل مغيب الشمس (¬2). ورواه عن نافع ابنُ جريج وقال: لحمًا نضيجًا. وذكره الدارقطني عن رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرهم بتأخير العصر (¬3). رواه من طريق عبد الواحد بن نافع نفيع، وقال: لا يصح هذا الحديث عن رافع، ولا عن غيره من الصحابة. والصحيح عن رافع وعن غير واحد من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التعجيل بصلاة العصر. وذكر أيضًا حديث علي في تأخيرها وضعفه (¬4). وقال عبد الرزاق في مصنفه: قال سليمان بن موسى أنبئت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "صَلُّوا صلاةَ العَصرِ بقدرِ مَا يسيرُ الرّاكبُ إِلى ذِي الحُلَيفةِ". ستة أميال (¬5). وهذا منقطع ومرسل. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (622). (¬2) رواه مسلم (624). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 251). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 251). (¬5) رواه عبد الرزاق (2073).

مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَتعاقبونَ فيكُمْ ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ، ويَجتمعونَ في صلاةِ الفَجرِ وصلاةِ العَصرِ، ثُمّ يعرجُ الذِينَ بَاتُوا فيكُمْ فيسألهُمْ وهُوَ أعلمُ بِهِمْ، كيفَ تَركتُمْ عِبادِي؟ فيقولونَ: تركناهُمْ وهُمْ يصلُّونَ وأتيناهُمْ وهُمْ يصلّونَ" (¬1). وعن عمارة بن رؤبة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَنْ يَلج النَّارَ أَحدٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشمسِ، وقبلَ غروبها" يعني الفجر والعصر (¬2). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الذِي تفوتُه صلاةَ العصرِ كأَنَّمَا وَتَر أهلَهُ ومالَهُ" (¬3). البخاري، عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَركَ صلاةَ العصرِ فَقدْ حَبِطَ عملَهُ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أدركَ ركعةً مِنَ الصّبحِ قَبلَ أَنْ تَطلعَ الشمسُ فقَدْ أدركَ الصّبحَ، ومنْ أدركَ ركعةً منَ العَصرِ قَبلَ أَنْ تَغربَ الشّمسُ فقدْ أَدركَ العصرَ" (¬5). البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أدركَ أحدُكُمْ سجدةً منْ صَلاةِ العَصرِ قبلَ أَن تغربَ الشّمسَ فَليتمّ صلاتَهُ" (¬6). مسلم، عن أبي يونس مولى عائشة أنَّه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (632). (¬2) رواه مسلم (632). (¬3) رواه مسلم (626). (¬4) رواه البخاري (553 و 594). (¬5) رواه مسلم (608) لكن بتقديم صلاة العصر على الصبح. (¬6) رواه البخاري (556 و 579 و 580).

مصحفًا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي "حَافِظوا عَلى الصلواتِ والصلاةِ الوسطَى وصلاةِ العصرِ وقُوموا للهِ قَانتينَ" قالت عائشة: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وكذا صح عن حفصة في هذه الآية، وصلاة العصر بمثل حديث عائشة، ذكره أبو عمر بن عبد البر (¬2). ولمسلم، عن شقيق، عن البراء قال: نزلت هذه الآية: "حافظوا على الصلوات وصلاة العصر" فقرأنا ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فقال رجل كان جالسًا عند شقيق له: هي إذًا صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله. والله أعلم (¬3). وعن عبد الله بن مسعود قال: حبس المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر، حتَّى احمرت الشمس واصفرت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شَغلُونَا عَنْ صلاةِ الوسطَى صلاةِ العَصرِ، ملأَ اللهُ أجوافَهُمْ وَقبورَهُمْ نَارًا، أَوْ حَشَى اللهُ أجوافَهُمْ وقبورَهُمْ نَارًا" (¬4). وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: "شَغلُونَا عنِ الصَّلاةِ الوسْطى صلاةِ العَصرِ، ملأَ اللهُ بيوتَهُمْ وقبورَهُمْ نَارًا". ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء (¬5). أبو داود، عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (629). (¬2) انظر التمهيد (4/ 280 - 283). (¬3) رواه مسلم (630). (¬4) رواه مسلم (628). (¬5) رواه مسلم (827).

بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين (¬1). مسلم، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الفجر حتَّى تطلع الشمس، وبعد العصر حتَّى تغرب الشمس (¬2). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صلاةَ بعدَ العَصْرِ حتَّى تغربَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعدَ صلاةِ الفجرِ حتَّى تطلعَ الشّمسُ" (¬3). وقال البخاري: "حتَّى ترتفعَ الشّمسُ" (¬4). مسلم، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر بالمخمص، فقال: "إِنَّ هَذِهِ الصّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ قَبلِكُمْ فضيّعُوهَا، فَمنْ حَافظَ عَليهَا كانَ أجرُهُ لَهُ مَرّتينِ ولَا صلاةَ بعدَها حتَّى يطلعَ الشَاهِدُ" والشاهد النجم (¬5). وعن عمرو بن عبسة السلمي، قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيًا جراءُ عليه قومه، فتلطفت حتَّى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: "أَنَا نَبيٌّ" فقلت: وما نبي؟ قال: "أَرسلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ" فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أَرسَلَنِي بِصلةِ الأَرحامِ وَكسرِ الأَوثانِ، وأَنْ يوحدَ الله لَا يُشركُ بِهِ شيءٌ" قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: "حرٌ وَعبدٌ" قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به، فقلت: إني ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (411). (¬2) رواه مسلم (827). (¬3) رواه مسلم (827). (¬4) رواه البخاري (586). (¬5) رواه مسلم (830).

متبعك، قال: "إِنَّكَ لَنْ تَستَطيعَ ذَلِكَ يَومكَ هَذَا أَلَّا تَرى حَالِي وحَالَ النّاسِ، ولكنْ ارجِعْ إِلى أَهلِكَ فَإذَا سمعتَ بِي قَدْ ظهرتَ فَائتِني" قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الَّذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، قدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: "نَعَمْ أَنتَ الّذِي لقيتَنِي بمِكّةَ" قال: فقلت: بلى، فقلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: "صلِّ صلاةَ الصبحِ ثُمَّ اقصرْ عَنِ الصَّلاةِ حتَّى تطلعَ الشّمسُ حتَّى ترتفعَ، فإِنَّها تطلعُ بينَ قَرنَي شَيطانِ، وَحينئذِ يسجدُ لَهَا الكُفّارُ، ثُمَّ صَل فَإنّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورةٌ حتَّى يستقلَّ الظلّ بِالرمحِ، ثُمَّ اقصِرْ عنِ الصّلاةِ فإن حينئذٍ تسجرُ جهنّمُ، فإذَا أَقبلَ الفَيءُ فصلِّ فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ حتَّى تصلِّي العصرَ، ثُمّ اقصرْ عَنِ الصَّلاةِ حتَّى تغربَ الشَّمسُ، فَإِئها تغربُ بَينَ قَرنَيْ شيطانِ وحينئذٍ يسجدُ لَهَا الكُفَّارُ" قال: فقلت: يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه، قال: "مَا مِنْكُمْ رجلٌ يُقَرِّب وضوءَهُ فيُمضمضُ ويستنشقُ فينتثرُ إِلَّا خَرّتْ خَطايَا وَجههِ وفِيهِ وخياشِيمَهُ، ثُمَّ إِذَا غسلَ وجهَهُ كَمَا أمرَهُ اللهُ إِلّا خرّتْ خَطايَا وجههِ مِنْ أَطرافِ لِحيتهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يغسلُ يدَيْهِ إِلى المرفِقَينِ إِلّا خرتْ خَطايَا يديْهِ منْ أَنامِلِهِ مَع الماءِ، ثُمَّ يمسحُ رأسَهُ إِلَّا خرّتْ خَطايَا رأسهِ منْ أَطرافِ شَعرِهِ معَ الماء، ثُمّ يغسلُ قدمَيهِ إِلَى الكعبينِ إِلّا خرتْ خَطايَا رجلَيْهِ منْ أَنامِلِهِ مَعِ الماء، فَإنْ قامَ فصلّى فحمدَ اللهَ وأَثنَى عَليهِ ومجدهُ بالذِي هوَ لَهُ أَهلٌ، وفرغَ قَلبُهُ للهِ، إلّا انصرفَ منْ خطيئتِه كهيئةِ يومَ ولدَتهُ أُمهُ. . ." وذكر باقي الحديث (¬1). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (832).

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن سابط أن أبا أمامة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - متى غروب الشمس؟ قال: "مَنْ أولِ مَا تصفرّ إِلَى أَنْ تَغربَ". عبد الرحمن بن سابط أكثر ما يعرف بالرواية عن جابر. مسلم، عن كريب مولى ابن عباس، أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنهما، قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب عليهما، قال غريب: فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به إليها، فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم وأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل وعندي نسوة من الأنصار من بني حرام فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه، فقولي له تقول أم سلمة: يا رسول الله إني سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، قالت: ففعلت الجارية فاشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: "يَا بنتَ أَبي أُميّةَ سألتنِي عنِ الركعتينِ بعدَ العَصرِ، إِنَّه أَتانِي أُناسٌ منْ عبدِ القيسِ بالإسلامِ مِن قَومهِمْ، فشغلُونِي عنِ الرّكعتينِ اللَّتينِ بعدَ الظُهرِ، فَهُمَا هَاتَانِ" (¬1). زادت عائشة: ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها (¬2). ويروى عن ذكوان عن أم سلمة في هاتين الركعتين قالت: قلت: يا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (834). (¬2) رواه مسلم (835).

رسول الله أفتقضيهما إذًا؟ فأثبتا قال: "لَا". وهذه الزيادة "أفتقضيهما" زيادة منكرة، تروى من طريق حماد بن سلمة ولا تصح عنه، وليست في كتب حماد بن سلمة. مسلم، عن عائشة أيضًا قالت: صلاتان ما تركهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيتي قط سرًا ولا علانية، ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد العصر (¬1). البخاري، عن عائشة قالت: والذي ذهب به ما تركهما حتَّى لقي الله، وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة، وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا، يعني الركعتين بعد العصر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليهما، ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يُثَقِّلَ على أمته، وكان يحب ما خفف عنهم (¬2). أبو داود، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَدَا حاجبُ الشّمسِ فأخِّرُوا الصَّلاةَ حتَّى تبرزَ، وإذَا غابَ حاجبُ الشّمسِ فأخِّرُوا الصلاةَ حتَّى تَغيبَ" (¬4). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تتحرُّوا بصلاتِكُمْ طلوعَ الشّمسِ ولَا غروبَهَا، فتصلّوا عندَ ذَلِكَ" (¬5). النسائي، عن علي بن أبي طالب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لَا تُصلُّوا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (835). (¬2) رواه البخاري (590). (¬3) رواه أبو داود (1280). (¬4) رواه مسلم (829). (¬5) رواه مسلم (833).

بعدَ العصرِ إلّا أَن تصلّوا والشمسُ مرتفعةٌ" (¬1). مسلم، عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب (¬2). وقال أبو داود: ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها (¬3). مسلم، عن رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله (¬4). أبو داود، عن أبي أيوب، وأخر عقبة بن عامر صلاة المغرب، فقال له: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا تَزالُ أُمَّتِي بخيرٍ، أوْ عَلى الفطرةِ مَا لَمْ يُؤخِّروا المغربَ إِلَى أَنْ تشتبكَ النُجومُ" (¬5). وعن عبد العزيز بن رفيع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجِّلُوا صلاةَ النّهارِ في يومِ غيمٍ، وأَخِّرُوا المَغربَ". هذا مرسل (¬6). وعن أبي سعيد الخدري قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العتمة، فلم يخرج حتَّى مضى نحو من شطر الليل فقال: "خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ" فأخذنا مقاعدنا، فقال: "إِنَّ الناسَ قَد صلُّوا وأخذُوا مَضَاجعَهُمْ، وإِنّكُمْ لَنْ تزالُوا فِي صلاةِ مَا انتظرتُمُ الصَّلاةَ، ولَولَا ضعفُ الضعيفِ وسقمُ السَّقيمِ لأخرتُ هَذِهِ الصلاةَ إِلى شَطرِ اللّيلِ" (¬7). وعن معاذ بن جبل قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَعتمُوا بهذِه الصّلاة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 280) بغير هذا اللفظ، ولعله رواه بهذا اللفظ في الكبرى. (¬2) رواه مسلم (636). (¬3) رواه أبو داود (417). (¬4) رواه مسلم (637). (¬5) رواه أبو داود (418). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل كما في تحفة الأشراف (13/ 279). (¬7) رواه أبو داود (422).

فَإنّكُمْ قَد فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلى سَائِرِ الأُمَمِ، وَلمْ تصلِّها أُمَّةٌ قبلَكُمْ" (¬1). هذا مختصر. مسلم، عن عائشة قالت: اعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة بالعتمة، حتَّى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: "إِنّه لَوقْتُهَا لَولَا أَنْ أشقَّ عَلَى أمَّتِي". وفي رواية "يشقُّ" (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطؤوا أخر، والصبح كانوا، أو قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس (¬3). خرجه البخاري ولم يقل: كانوا (¬4). مسلم، عن أبي برزة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر العشاء إلى ثلث الليل، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها وذكر تمام الخبر (¬5). أبو داود، عن النعمان بن بشير: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء الآخرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة (¬6). مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تغلبنَّكُمُ الأَعرابُ عَلى اسمِ صلاتِكُمْ العِشَاءِ، فإِنَّها في كتابِ اللهِ العشاءُ، وإِنَّها تعتمُ بحلابِ الإبلِ" (¬7). البخاري، عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تغلبنّكُمُ الأَعرابُ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (421). (¬2) رواه مسلم (639). (¬3) رواه مسلم (646). (¬4) رواه البخاري (565). (¬5) رواه مسلم (647). (¬6) رواه أبو داود (419). (¬7) رواه مسلم (644).

عَلى اسمِ صلاتِكُمْ المغربِ قَالَ: وتقولُ الأَعرابُ هِيَ العِشَاءُ" (¬1). الترمذي، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ شَهدَ العِشاءَ في جماعةٍ كانَ لَهُ كقيامِ نصفِ لَيلةٍ، ومنْ صلَّى العِشَاءَ وَالفجرَ في جماعةٍ كان لهُ كقيامِ لَيلةٍ" (¬2). خرجه مسلم، وهذا أليق (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس (¬4). الترمذي، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَسفِرُوا بِالفجرِ فإنَّهُ أعظمُ للأَجْرِ" (¬5). هذا الحديث يدور بهذا الإسناد فيما أعلم على عاصم بن عمر بن قتادة، وعاصم هذا وثقه أبو زرعة ويحيى بن معين، وقد ضعفه غيرهما. وقد روي بإسناد آخر إلى رافع، وحديث رافع من طريق عاصم أحسن. وقال أبو عيسى في حديثه هذا حديث حسن، قال: وفي الباب عن جابر وأبي برزة وبلال (¬6). مسلم، عن جندب بن عبد الله القسري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ صلّى صلاةَ الصّبحِ فَهُوَ في ذمّةِ اللهِ، فَلا يطلبنّكُمُ اللهُ من ذِمّتِهِ بشيءٍ، فإنّه منْ يطلبهُ منْ ذمتهِ بشيءٍ يدركْهُ، ثُمَّ يكبهُ عَلَى وَجهِه في نارِ جهنَّمَ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (563). (¬2) رواه أبو داود (555). (¬3) رواه مسلم (656). (¬4) رواه مسلم (645). (¬5) رواه الترمذي (154). (¬6) في نسختنا المطبوعة من الترمذي: حسن صحيح. (¬7) رواه مسلم (657).

باب في من أدرك من الصلاة ركعة مع الإمام وفيمن نام عن الصلاة أو نسيها، ومن فاتته صلوات كيف يؤديها، وفي الإمام إذا أخر الصلاة عن وقتها

وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتَّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتَّى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب (¬1). أبو داود، عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: "إِنَّ جهنَّمَ تُسجرُ إِلَّا يومَ الجُمُعةِ" (¬2). يرويه أبو الخليل عن أبي قتادة ولم يلقه. الترمذي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوقتُ الأولُ منَ الصلاةِ رضوانُ اللهِ، والوقتُ الآخرُ عفوُ اللهِ" (¬3). هذا يرويه عبد الله بن عمر العمري، وقد تكلم فيه. وعن سعيد بن هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لوقتها الآخر إلا مرتين [حتى قبضه الله] (¬4). قال أبو عيسى: حديث حسن غريب وليس إسناده بمتصل. باب في من أدرك من الصلاة ركعة مع الإمام وفيمن نام عن الصلاة أو نسيها، ومن فاتته صلوات كيف يؤديها، وفي الإمام إذا أخر الصلاة عن وقتها مسلم، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (831). (¬2) رواه أبو داود (1083). (¬3) رواه الترمذي (171). (¬4) رواه الترمذي (174).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أدركَ ركعةَ منَ الصّلاةِ معَ الإِمام، فَقدْ أَدركَ الصّلاة" (¬1). وفي طرق أخرى لمسلم أيضًا عن عبيد الله بن عمر، عن ابن شهاب بهذا الإسناد: "فَقَدْ أَدركَ الصَّلاةَ كُلَّهَا" ولم يقل مع الإمام، ولا قال كلها. وخرجه أبو بكر البزار، فقال فيه من حديث أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أدركَ ركعةً معَ الإمام فقدْ أدركَ الصلاةَ كلَّها، إلَّا أنَّهُ يَقضِيَ مَا فاتَه". وأبو بكر اسمه عبد الحميد بن عبد الله بن أويس. وروى هذا الحديث أبو علي الحنفي واسمه عبيد الله بن عبد المجيد، عن مالك عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أَدركَ ركعةً منَ الصّلاةِ، فقدْ أدركَ الفَضلَ". ذكره أبو عمر في التمهيد، قال أبو عمر: ولا أعلم أحدًا قاله عن مالك غيره (¬2). ورواه عبد الوهاب بن أبي بكر، عن الزهري، بهذا الإسناد وقال: "أدْركَ الصّلاةَ وفَضلَهَا". ذكره نافع بن يزيد، عن أبي الهادي، عن عبد الوهاب. قال أبو عمر: ولم يقل هذا أحد عن ابن شهاب غير عبد الوهاب، ولا ذكر هذه اللفظة قوله وفضلها (¬3). وذكر أبو أحمد بن عدي من طريق كثير بن شنظير، عن عطاء، عن جابر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (607). (¬2) انظر التمهيد (7/ 64). (¬3) انظر التمهيد (7/ 63).

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَدركَ ركعةً منَ الصّلاةِ فقدْ أَدركَ فضلَ الجَماعةِ" (¬1). وكثير بن شنظير ليس بقوي. مسلم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رقدَ أحدُكُمْ عنِ الصَّلاةِ أَوْ كَفِل عَنها، فَليصلِّهَا إِذَا ذَكَرها، فإِنَّ الله عَزَّ وجلَّ يقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم من غزوة خيبر، سار ليلة حتَّى إذا أدركه الكرى عرَّسَ، وقال لبلال: "اكلأْ لنَا اللّيلَ" فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالًا عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتَّى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظًا، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال: "أَي بِلَالُ" فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ (بأبي أنت وأمي يا رسول الله) بنفسك، قال: "اقتَادُوا" فاقتادوا رواحلهم شيئًا ثم توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بلالًا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: "منْ نَسِي الصّلاةَ، فليُصلِّهَا إِذَا ذَكَر، فإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} " (¬3). وفي طريق آخر، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليَأخُذْ كُلُّ رَجُلٍ برَأسِ رَاحلتِهِ، فَإنَّ هَذَا منزلٌ حضرَنا فِيه الشيطانُ، فغفلنَا" ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم صلى سجدتين، وأقيمت الصلاة، فصلى الغداة. وقال أبو داود في هذا الحديث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحوّلُوا عنْ ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 290). (¬2) رواه مسلم (684). (¬3) رواه مسلم (680).

مكانِكُم الذِي أصابتكُمْ فِيه الغَفلةُ" فأمر بلالًا، فأذن، وأقام، وصلى (¬1). وذكر مسلم الأذان في حديث أبي قتادة، وركوع ركعتي الفجر أيضًا، وأنه عليه السلام صلى الصبح بعدما ارتفعت الشمس. قال فيه: وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركبنا معه، قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا تفريطًا في صلاتنا، ثم قال: "أَمَا لَكُمْ بِي أسوَةٌ" ثم قال: "إِنَّهُ لَيسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إِنَّما التفريطُ عَلَى منْ لَمْ يصلِّ الصَّلاةَ حتَّى يجيءَ وقتَ الأُخرَى، فمنْ فعلَ ذلكَ فليصلِّها حينَ ينتبِهَ لَهَا، فإِذَا كانَ الغدُ فليصلِّها عندَ وَقتِهَا" (¬2). وقال أبو داود: "لَا تفريطَ في النَّومِ، إِنَّما التفريطُ في اليقظةِ، فإِذَا سَهَا أَحدكُمْ عَنْ صَلاتِهِ، فليصلِّها حينَ يذكرهَا، ومنَ الغدِ للوَقتِ" (¬3). وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده هذا الحديث، من حديث الحسن، عن عمران بن حصين قال: ثم أمر بلالًا، فأذن، فصلينا ركعتين، ثم أمر بلالًا فأقام، فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: يا رسول الله أنقضيها لميقاتها من الغد؟ فقال: "لَا ينهاكُمُ اللهُ عنِ الرِّبَا ويَأخذهُ منكُمْ" (¬4). تكلموا في سماع الحسن عن عمران، ولم يصححه أبو حاتم، ولا يحيى بن معين. وذكر أبو بكر البزار عن سمرة بن جندب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا إذا نام أحدنا من الصلاة، أو نسيها حتى يذهب حينها الذي تصلى فيه، أن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (436). (¬2) رواه مسلم (681). (¬3) رواه أبو داود (437). (¬4) ومن طريقه رواه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 378) ورواه أحمد (4/ 441).

يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة (¬1). في إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو ذاهب الحديث عن جعفر بن سعد بن سمرة بن حُبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده، وجعفر ومن فوقه ليس بأقوياء. وذكر أبو داود في المراسيل، عن علي بن عمرو الثقفي قال: لما نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الغداة استيقظ، فقال: "لنُغيظنَّ الشّيطانَ كمَا أغاظَنَا" فصلى يومئذ بسورة المائدة في صلاة الفجر (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب يوم الخندق جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي العصر حتَّى كادت الشمس أن تغرب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَواللهِ إِنْ صليتُهَا" فنزلنا إلى بطحان، فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوضأنا، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب (¬3). الترمذي، عن أبي عبيد ة قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات يوم الخندق حتَّى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء (¬4). أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وخرجه النسائي بإسناد الترمذي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (397) كشف الأستار. (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 317). (¬3) رواه مسلم (631). (¬4) رواه الترمذي (179). (¬5) رواه النسائي (1/ 297 - 298).

وخرجه بإسناد آخر متصل إلى أبي سعيد الخدري قال شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا، فأذن للظهر فصلاها في وقتها، ثم أذن للعصر فصلاها في وقتها، ثم أذن للمغرب فصلاها في وقتها (¬1). وذكره أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: وذاك قبل أن ينزل عليه {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬2). وهذا الإسناد هو إسناد النسائي. وذكر أبو عمر بن عبد البر، عن أبي جمعة قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة المغرب يوم الأحزاب، فلما سلم قال: "هَلْ عَلِمَ منكُم أحدٌ أَنِي صلَّيتُ العصرَ؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال: فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. قال أبو عمر: هذا حديث منكر، يرويه ابن لهيعة عن مجهولين، ذكره في باب ابن شهاب عن ابن المسيب (¬3). وذكر الدارقطني عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَسِيَ صلاةَ فَلمْ يَذكرْهَا إِلَّا وهُوَ معَ الإمامِ، فليصلِّ معَ الإمامِ، فإذَا فرِغَ منْ صلاتِهِ فليصلِّ الصلاةَ الّتي نَسِيَ ثُمَّ ليُعِدْ صلاتَهُ التي صلَّى معَ الإمامِ" (¬4). رفعه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وهو وهم، والصحيح من قول ابن عمر. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 17). (¬2) رواه أبو داود الطيالسي (323). (¬3) انظر التمهيد (6/ 408 - 409). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 421) ولفظه "إذا نسي أحدكم صلاته" الخ.

باب في صلاة الجماعة، وما يبيح التخلف عنها، وما يمنع من حضورها، وفضلها، وفضل المشي إليها، وانتظارها، وكيف يمشي إليها، ومن خرج إلى الصلاة فوجد أن الناس قد صلوا، أو صلى في بيته ثم وجد صلاة جماعة، وفي خروج النساء إلى المسجد وما يفعلن

كذا رواه مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي وثقه ابن معين. مسلم، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ أنتَ إِذَا كانَتْ عليكَ أمراءٌ يؤخِّرونَ الصَّلاةَ عنْ وقتِها أَوْ يميتونَ الصَّلاةَ عنْ وقتِهَا؟ " قال: قلت: فما تأمرني، قال: "صلِّ الصلاةَ لوقتِها فإنْ أدركتَها معَهُمْ فصلِّ فَإِنَّها لكَ نَافِلةٌ" (¬1). زاد في طريق أخرى: "وَلا تَقُلْ إِنِّي قَدْ صلَّيتُ فَلَا أُصَلِّ". وقال في آخر: "يؤَخّرُونَ الصلَاة عنْ وقتِها". وقال أبو داود من حديث عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "فصلَّوا الصلاةَ لِوقتِهَا" فقال رجل: يا رسول الله إن أدركتها أصلي معهم؟ قال: "إِنْ شئتَ" (¬2). وقال من حديث قبيصة بن وقاص قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يكونُ عليكُمْ أُمراءٌ منْ بعدِي يؤخّرونَ الصَّلاةَ، فَهِيَ لكُمْ وهِيَ عَليهِمْ، فصلُّوا مَعهُمْ مَا صلُّوا إلى القبلَةِ" (¬3). باب في صلاة الجماعة، وما يبيح التخلف عنها، وما يمنع من حضورها، وفضلها، وفضل المشي إليها، وانتظارها، وكيف يمشي إليها، ومن خرج إلى الصلاة فوجد أن الناس قد صلوا، أو صلى في بيته ثم وجد صلاة جماعة، وفي خروج النساء إلى المسجد وما يفعلن مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَثْقلَ صلاةٍ عَلَى المنافقينَ صلاةُ العشاءِ، وصلاةُ الفجرِ، ولَوْ يَعلمونَ ما فيهمَا لأَتوهُمَا ولَوْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (648). (¬2) رواه أبو داود (433). (¬3) رواه أبو داود (434) وعنده ما صلوا القبلة في نسختنا المطبوعة.

حَبوًا، ولقَدْ هَممتُ أَنْ آمُرَ بالصلاةِ فتقامَ، ثُمَّ آمُرَ رجلًا فيصلِّي بالناس، ثُمّ انطلقُ معي برجالٍ معهُمْ حُزَمٌ من حطبٍ إِلى قومِ لا يشهدُونَ الصلاةَ، فأُحرق عليهِمْ بيوتَهُمْ بالنَّارِ" (¬1). وقال البخاري في آخر هذا الحديث: "والَّذِي نفسِي بيدِهِ لَوْ يعلَمُ أحدُهُمْ أَنَّهُ يَجدَ عرقًا سَمينًا أَوْ مرماتينِ حسنتينِ لشهدَ العِشاءَ" (¬2). خرجه مسلم ولم يذكر العرق. وفي حديث مسلم أيضًا زيادة. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقدْ هممتُ أَنْ آمُرَ فتيتِي فيجمعونَ حُزمًا مِنْ حطبٍ، ثُمَّ آتِي قومًا يصلُّون في بيوتهِمْ ليست بِهِمْ علةٌ فأحرقَهَا عليهِمْ" (¬3). مسلم، عن عبد الله بن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لَقَدْ هممتُ أَنْ آمُرَ رَجلًا يصلّي بالناسِ، ثُمَّ أَحرق عَلى رجالٍ يتخلفونَ عن الجُمعةِ بيوتَهمْ" (¬4). وعن أبي هريرة قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولّى دعاه، فقال: "هَلْ تسمعَ النِّداءَ بالصّلاةِ؟ " فقال: نعم، قال: "فَأجِبْ" (¬5). وقال أبو داود في هذا الحديث "لَا أجدُ لكَ رخصةً" خرجه من حديث ابن أم مكتوم (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (651). (¬2) رواه البخاري (644). (¬3) رواه أبو داود (549). (¬4) رواه مسلم (652). (¬5) رواه مسلم (653). (¬6) رواه أبو داود (552).

وذكر أنَّه هو كان السائل، وقال في حديث ابن أم مكتوم إن المدينة كثيرة الهوام والسباع (¬1). وخرج عن أبي الدرداء سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ ثلاثةٍ فِي قريةٍ ولَا بلدٍ ولَا تقامُ فيهمُ الصلاةُ إلَّا قَدِ استحوذَ عليهمُ الشيطانُ، فعليكَ بالجماعةِ فإِنَّما يأكلُ الذئبُ القاصيةَ" (¬2). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سمعَ المُنادِي فَلمْ يمنعْهُ من اتباعِهِ عذرٌ" قالوا وما العذر؟ قال "خوفٌ أو مرضٌ لَمْ تُقبلْ منهُ الصلاةُ الّتِي صلّى" (¬3). هذا يرويه مغراء العبدي. والصحيح موقوف على ابن عباس: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له. على أن قاسم بن أصبغ ذكره في كتابه فقال: نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: نا سليمان بن حرب، نا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ سمعَ النِّداءَ فَلمْ يُجِبْ فلَا صلاةَ لَهُ إِلا منْ عذرٍ" (¬4). وحسِبك بهذا الإسناد صحة، ومغراء العبدي روى عنه أبو إسحاق. وذكر أبو أحمد من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجماعةُ علَى سمعِ الأَذانِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (553). (¬2) رواه أبو داود (547). (¬3) رواه أبو داود (551) والطبراني (12266). (¬4) ورواه ابن ماجة (793) والطبراني (12265) وابن حبان (425) والدارقطني (1/ 420) والحاكم (1/ 245) والبيهقي (3/ 57) من طريق شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2152).

هذا يرويه محمد بن سعيد المصلوب وقد تقدم ذكره. ويقال: إن محمد بن سعيد هذا هو ابن رمانة، وهو ضعيف. وذكر الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا صَلاةَ لجارِ المسجدِ إِلّا في المسجدِ" وهو حديث ضعيف (¬1). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث مجاشع بن عمرو، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصلِّي الرجلُ في المسجدِ الّذِي يليهِ، ولا يتبعُ المساجِدَ" (¬2). هكذا رواه كثير بن عبيد وابن مصفى كلاهما عن بقية، عن مجاشع عن عبيد الله، وغيرهما جعل بين مجاشع وعبيد الله منصور بن أبي الأسود، ولا أعلم قيل في مجاشع إلا صالح الحديث، وأما بقية فلا يحتج به، وأحسن حديثه ما كان عنه عن بحير بن سعد. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله عز وجل شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتَّى يقام في الصف (¬3). وعن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 419 - 420). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2450). (¬3) رواه مسلم (654).

رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، وإذا كانت الأمطار سأل الوادي الذي بيني وبينهم، ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم، وددت أنك يا رسول الله تأتي فتصلي في بيتي في مصلى فأتخذه مصلى، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَأَفعَلْ إِنْ شَاءَ اللهُ" قال عتبان: فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت له، فلم يجلس حتَّى دخل البيت ثم قال: "أَيْنَ تحبَ أَنْ أصلِّي منْ بيتِكَ" قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر فقمنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلم قال: "وحبسنَاهُ عَلى خزيرٍ صنعَنا لَهُ" قال: فثاب رجال من أهل الدار حولنا حتَّى اجتمع في البيت رجال ذو عدد، فقال قائل منهم، أين مالك بن الدُّخْشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَلَا تَراهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَه إِلّا اللهُ يُريدُ بِذَلِكَ وجهَ اللهِ" قال: قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: وإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإِنَّ اللهَ قَدْ حرَّمَ عَلَى النّارِ منْ قَالَ لَا إِلَه إِلا اللهُ يبتغِي بذلِكَ وجهَ الله" (¬1). الخزير: الحسو من النخال ولا يكون ذلك إلا بدسم. وعن نافع أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، يقول: "ألَا صلُّوا في الرّحَالِ" (¬2). وفي طريق آخر فقال في آخر ندائه: "أَلَا صلُّوا في الرِّحالِ، وزَادَ فِي السفَرِ". وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن جابر اليمامي، عن عبد العزيز بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (33). (¬2) رواه مسلم (697).

رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فاذن الأذان الأول، فإذا فرغ نادى الصلاة في الرحال أو في رحالكم (¬1). محمد بن جابر هذا روى عنه الأئمة كشعبة والثوري وأيوب وغيرهم، وكان قد عمي فاختلط حديثه فضعف، ومع ضعفه يكتب حديثه. أبو داود، عن أسامة بن عمير الهذلي أنَّه قال: رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، ومطرنا مطرًا لم تبل السماء أسفل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن صلوا في رحالكم (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أَكلَ منْ هَذِهِ البقلةِ الثومِ" وقال مرة: "منْ أكلَ البصلَ والثومَ والكراثَ فَلا يقربنَّ مسجدنَا، فإِنَّ الملائكةَ تتأذَّى مِمَّا يتأذّى منهُ بنُو آدمَ" (¬3). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أَكَلَ منْ هذِهِ الشجرَة فَلَا يقربنّ مسجدَنَا، ولا يؤذِينَا بريحِ الثومِ، فإنَّ الملائكةَ تَتأذَّى ممّا يتأذَّى منهُ بَنُو آدمَ" (¬4). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أكَلَ منْ هذِهِ البقلةِ فَلا يقربنَّ مسجدَنَا حتَّى يذهبَ ريحُهَا" يعني ريح الثوم (¬5). أبو داود، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَكلَ مِنْ هذِهِ الشجرةِ فلَا يقربنَّ المَساجِدَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2163). (¬2) رواه أبو داود (1059) ولكن اللفظ الذي ذكره المصنف هو لفظ ابن ماجة (936). (¬3) رواه مسلم (564). (¬4) رواه مسلم (563) ولكن ليس عنده "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم". (¬5) رواه مسلم (561). (¬6) رواه أبو داود (3825).

مسلم، عن أنس وسئل عن الثوم فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَكلَ منْ هذِهِ الشجرةِ فلا يقربنَا، ولَا يصلِّي معنَا" (¬1). وعن أبي سعيد الخدري قال: لم نَعْدُ أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك البقلة الثوم والناس جياع، فأكلنا منها أكلًا شديدًا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الريح، فقال: "منْ أكَلَ منْ هَذهِ الشجرةِ الخبيثةِ شيئًا، فلَا يقربنَا في المسجدِ". فقال الناس: حرمت حرمت، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا أَيُّها النَّاسُ إِئَهُ ليسَ لِي تحريمُ مَا أحلَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِي، ولكنّهَا شجرةٌ أكرهُ رِيحَهَا" (¬2). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعةِ أفضلُ منْ صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً" (¬3). أبو داود، عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاةُ في جماعةِ تعدلُ خمس وعشرينَ، فإِذا صلَّاها في فلاة فأتمَّ ركوعَهَا وسجودَها بلغتْ خَمسينَ صلَاة" (¬4). هلال بن ميمون ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن معين. وعن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا الصبح، فقال: "أشاهدٌ فلانٌ" قالوا: لا، قال: "أَشاهدٌ فلانُ" قالوا: لا، قال: "إِنّ هَاتينِ الصلاتَينِ أثقلُ الصلواتِ علَى المُنافِقينَ، ولَوْ تعلمونَ مَا فِيهمَا لأَتيتموهُمَا وَلَوْ حَبوًا عَلى الركبِ، وَإِنَّ الصفَّ الأولَ علي مثلُ صفِّ المَلائكةِ، وَلوْ علمتُمْ مَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (562). (¬2) رواه مسلم (565). (¬3) رواه مسلم (650). (¬4) رواه أبو داود (554).

فضيلتَهُ لابتدرتمُوهُ وإِنَّ صلاةَ الرجلِ معَ الرجلِ أزكَى منْ صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتَهُ مَعَ الرجلَينِ أزكَى منْ صلاتِهِ مَعَ الرجلِ ومَا كثُرَ فهوَ أَحبُّ إِلى اللهِ عَزَّ وجلَّ (¬1). وفي إسناده عبد الله بن أبي بصير عن أبيه عن أبي بن كعب، وليس بالمشهور فيما أعلم لا هو ولا أبوه، ولم يذكره أبو داود إلا من حديث عبد الله عن أبي بن كعب خاصة. أبو داود عن بريدة بن خصيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بشِّرِ المشائِينَ فِي الظلمِ إِلَى المَساجِدِ بِالنّورِ التامِ يومَ القيامةِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ غَدا إِلى المسجدِ أَوْ راحَ أعدَّ اللهُ لهُ في الجنَّةِ نزلًا كُلّما غَدا أَوْ رَاحَ" (¬3). أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا يُوطِئ رجلٌ المساجدَ للصلاةِ والذكرِ إِلّا تبشبشَ اللهُ بِهِ كَمَا يتبشبشُ أهلُ الغَائِبِ بغائِبهمِ إِذَا قَدِم عليهِمْ". مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الرجلِ في جماعةِ تزيدُ عَلى صلاتِهِ في بيتِهِ، وصلاتُهُ في سوقِهِ بضعًا وعشرينَ درجةً، وذلكَ أَنْ أَحدَهُمْ إِذَا توضَّأ فأحسنَ الوُضوءَ ثُمَّ أَتى المسجدَ لَا ينهزهُ إِلَّا الصلاةَ، لا يريدُ إِلَّا الصَّلاةَ، فَلمْ يَخْطُ خطوةَ إِلَّا رُفع لَهُ بِها درجةً، وحُطَّ عَنهُ بها خطيئةٌ حتَّى يدخلَ المسجدَ فإذَا دخَلَ المسجدَ كانَ في الصلاةِ مَا كَانتِ الصلاةُ هِي تحبسْهُ، والملائكةُ يصلُّونَ عَلى أحدِكُمْ مَا دَامَ في مجلسِهِ الذِي ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) رواه أبو داود (561). (¬3) رواه مسلم (669).

صلّى فيهِ، يقولونَ: اللهمَّ ارحمهُ، اللَّهم اغفرْ لَهُ، اللهمَّ تُبْ عَليهِ، مَا لَمْ يُؤذِ فيهِ مَا لَمْ يحدثْ فِيهِ" (¬1). وعن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يزالُ العبدُ في صَلاتهِ مَا كانِ في مصلَاهُ ينتظرُ الصّلاةَ تقولُ الملائكةُ: اللهمَّ اغفرْ لَهُ اللهمَّ ارحمهُ، حتَّى ينصرفَ أَوْ يحدثَ" (¬2). وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع جلبة فقال: "ما شَأنكُمْ؟ " قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: "فَلَا تفعلُوا إِذَا أتيتُمْ فعليكُمْ بالسكينةِ، فَمَا أدركتُمْ فصلُّوا ومَا سبقكُمْ فأتِمُّوا" (¬3). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا ثُوِّبَ للصلاةِ فَلا تأتُوهَا وأنتُمْ تسعونَ، واتوهَا وعليكُمُ السكينةُ، فَمَا أدركتُمْ فصلُّوا، ومَا فاتَكُمْ فأتِمُّوا، فإنَ أحدَكُمْ إِذَا كانَ يعمدُ إِلَى الصَّلاةِ فهوَ في صلاةٍ" (¬4). وفي طريق أخرى: "إِذَا أُقيمَتِ الصَّلاةُ". وقال البخاري: "إِذَا سمعتُمُ الإقامةَ فامشُوا إِلى الصَّلاةِ، وعليكُمُ السكينةُ والوقارُ ولا تسرعُوا، فَما أدركتُمْ فصلّوا، وما فاتَكُمْ فأتموا" (¬5). أبو داود، عن سعد بن إسحاق، عن أبي ثمامة الحناط، عن كعب بن عجرة، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا توضَّأَ أحدُكُمْ فأحسنَ وضوءَهُ ثُمَّ خرجَ عامِدًا إلى المسجدِ، فلا يشبكنَّ يديهِ فإِنَّه في صلاةٍ" (¬6). ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (649). (¬2) هو رواية من الحديث قبله. (¬3) رواه مسلم (603). (¬4) رواه مسلم (602). (¬5) رواه البخاري (636 و 908). (¬6) رواه أبو داود (562).

كعب بن عجرة، ذكره أبو جعفر الطحاوي. وذكر الحارث بن أبي أسامة، عن شريك بن عبد الله، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن كعب بن عجرة قال: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، وقد شبكت بين أصابعي، فقال لي: "يَا كعبُ إِذَا كنتَ في المسجدِ فلا تشبكنَّ أصابِعَكَ فأنتَ في الصَّلاةِ ما انتظرتَ الصَّلاةَ" (¬1). هذا يروى عن سعيد المقبري، عن رجل، عن كعب، بمعنى حديث أبي داود (¬2). وروي أيضًا عن شريك، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحوه (¬3). وحديث شريك غير محفوظ. وذكر أبو داود عن سعيد بن المسيب قال: وحضر رجلًا من الأنصار الموت، فقال: إني محدثكم حديثًا ما أحدثكموه إلا احتسابًا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا توضَّأ أحدُكُمْ فأحسنَ الوضوءَ، ثُمَّ خرجَ إِلى الصَّلاةِ لَمْ يرفَعْ قدَمهُ اليُمنَى إِلّا كتبَ اللهُ لَهُ حسنةً، ولمْ يَضعْ قدمَهُ اليُسرى إِلّا حطَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عنهُ سيئةً، فليقربْ أحدكُمْ أَوْ ليبعدْ، فَإِنْ أَتى المسجدَ فصلَّى فِي جماعةٍ غُفِرَ لَهُ، فإنْ أَتى المسجدَ وقدْ صلُّوا بعضًا وبقيَ بعضٌ صلَّى ما أدركَ وأتمَّ مَا بقيَ كانَ كذلِكَ، فإِنْ أَتَى المسجدَ وقدْ صلُّوا فأتمَّ الصلاةَ كانَ كذلِكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) ورواه عبد الرزاق (3334) وأحمد (4/ 242 و 242 - 243) والدارمي (1412) وغيرهم. (¬2) رواه الترمذي (386). (¬3) وله طريق ثالث عند ابن خزيمة (439) وانظر سلسلة الصحيحة (3/ 285 - 286) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (¬4) رواه أبو داود (563).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ توضَّأَ فأحسنَ وضوءَهُ ثُمَّ راحَ فوجدَ النَّاسَ قَد صلُّوا أعطاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ مثلَ أجرِ منْ صلَّاها وحضرَها لَا ينقصُ ذلِكَ من أجورِهِمْ شيئًا" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَتَى المسجدَ لشيءٍ فهُوَ حظّهُ" (¬2). مالك، عن محجن الديلمي أنَّه كان في مجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن بالصلاة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى، ثم رجع، ومحجن في مجلسه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا منعَكَ أَنْ تصلِّي معَ النَّاسِ، ألستَ برجلٍ مُسلمٍ؟ " قال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جئتَ فصلِّ معَ الناسِ وإِنْ كنتَ قَدْ صلّيتَ" (¬3). الترمذي، عن يزيد بن الأسود، قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الحيف، فلما قضى صلاته وانحرف، إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، فقال: "عليَّ بِهِمَا" فجيء بهما ترعد فرائصهما، قال: "مَا منعكُمَا أَن تصلَّيَا معنَا؟ " فقالا: يا رسول الله إنا كُنَّا قد صلينا في رحالنا، قال: "فَلا تفعَلَا إِذَا صلَّيتُمَا في رحالِكُمَا ثُمَّ أتيتمَا مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معهُمْ فإِنَّها لكُمَا نَافلةٌ" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. وقال الدارقطني: "فصلُّوا معهُمْ واجعلُوهَا سبحةً" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (564). (¬2) رواه أبو داود (472). (¬3) رواه مالك (1/ 116 - 117) والنسائي (2/ 112). (¬4) رواه الترمذي (219) وأبو داود (575 و 576) والنسائي (2/ 112 - 113). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 414).

وذكر أبو داود مثل هذه القصة ليزيد بن عامر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له "إِذَا جئت إِلى الصَّلاةِ فوجدتَ الناسَ فصلِّ معهُمْ وإِنْ كنتَ قَدْ صلّيتَ تكنْ لكَ نافلةٌ وهذِهِ مكتوبةٌ" (¬1). رواه من حديث سعيد بن السائب، عن نوح بن صعصعة، عن يزيد بن عامر، وحديث الترمذي هو الصحيح. النسائي، عن سليمان بن يسار قال: رأيت ابن عمر جالسًا على البلاط والناس يصلون، قلت: يا أبا عبد الرحمن ما لك لا تصلي قال: إني قد صليت إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا تعادُ الصلاةُ في يومٍ مرَّتينِ" (¬2). وذكر الدارقطني عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ صلَّى وحدَهُ ثُمَّ أدركَ الجماعةَ فليصلِّ إِلَّا الفجرَ والعصرَ". رواه سهل بن صالح الأنطاكي وكان ثقة عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وخالفه عمر بن علي عن يحيى القطان بهذا الإسناد، عن ابن عمر من قوله، وتابعه على ذلك ابن معين وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا من قوله، وكذا قال مالك والليث عن نافع عن ابن عمر قوله. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تمنعُوا إِمَاءَ اللهِ مساجدَ اللهِ" (¬3). زاد أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا "ولكنْ ليخرُجنَ وهنَّ ثفلاتٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (577). (¬2) رواه النسائي (2/ 114). (¬3) رواه مسلم (442) من حديث عبد الله بن عمر. (¬4) رواه أبو داود (565).

ولمسلم عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شهدَتْ إِحداكُنَّ المسجدَ، فلا تمسَّ طِيبًا" (¬1). البزار عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد مولى أبي رهم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيما امرأةٍ تطيبتْ ثُمَّ أتتِ المسجدَ لَمْ تُقبلْ لَهَا صلاةٌ حتَّى تغتسلَ كاغتسالِهَا مِنَ الجَنابةِ" (¬2). عاصم بن عبيد الله ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن مهدي والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم ويحيى بن سعيد، وإن كان الجلة قد رووا عنه شعبة وسفيان وغيرهما، وروى عنه مالك، وقال فيه ابن عدي ومع ضعفه يكتب حديثه. أبو داود، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تمنعُوا نساءكُمُ المساجدَ، وبيوتهنَّ خيرٌ لَهُنَّ" (¬3). وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاةُ المرأةِ فِي بيتِهَا أفضلُ منْ صلاتِهَا في حجرتهَا، وصلاتُهَا في مخدعِهَا أفضلُ منْ صلاتِهَا فِي بيتِهَا" (¬4). أبو داود، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، أنها سمعت عائشة تقول: لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل، قال: فقلت لعمرة: أنساء بني إسرائيل منعن المسجد؟ قالت: نعم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (443). (¬2) ورواه أبو داود (4174) وابن ماجة (4002) وانظر سلسلة الصحيحة (3/ 27 - 28) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (¬3) رواه أبو داود (567). (¬4) رواه أبو داود (570). (¬5) رواه أبو داود (569) بغير هذا اللفظ.

باب في المساجد

وعن سهل بن سعد لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتَّى يرفع الرجال (¬1). وقال البخاري: حتَّى يستوي الرجال جلوسًا (¬2). البخاري، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم قام النساء حتَّى يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم، نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال (¬3). باب في المساجد أبو داود، عن بكير بن الأشجّ أنَّه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع أهلها تأذين بلال على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلون في مساجدهم، أقربها مسجد بني عمرو بن مبذول من بني النجار، ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني رابح من بني عبد الأشهل، ومسجد بني زريق، ومسجد غفار، ومسجد أسلم، ومسجد جهينة، ويشك في التاسع (¬4). هذا من المرسل. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحبَّ البلادِ إِلَى اللهِ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (630). (¬2) رواه البخاري (362 و 814 و 1215). (¬3) رواه البخاري (870 و 875). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل، انظر تحفة الأشراف (13/ 150).

مساجدُهَا، وأبغضُ البلادِ إِلى اللهِ أَسواقُهَا" (¬1). وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ بنَى مَسجدًا لله، بَنى اللهُ لَهُ بيتًا فِي الجنَّةِ" (¬2). أبو داود، عن عروة عن عائشة قالت: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب (¬3). زاد من حديث سمرة ونصلح صنعتها (¬4). والأول أشهر إسنادًا، وإن كان قد روي مرسلًا عن عروة. وذكر النسائي عن أنس بن مالك قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتَّى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أحسنَ هَذا" (¬5). وذكر مسلم عن جابر بن عبد الله في حديث طويل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل مكان النخامة عبيرًا (¬6). وذكر الدارقطني عن ليث بن أبي سليم، عن أيوب السختياني، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابنُوا المساجدَ جمًّا" (¬7). ولم يتابع ليث على هذا وهو ضعيف وغيره يرويه عن أيوب عن عبد الله بن شقيق قوله: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (671). (¬2) رواه مسلم (533). (¬3) رواه أبو داود (455). (¬4) رواه أبو داود (456). (¬5) رواه النسائي (2/ 52 - 53). (¬6) رواه مسلم (3008). (¬7) رواه البيهقي (2/ 439).

وعن ليث أيضًا عن مجاهد عن ابن عمر قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي في مسجد مشرف (¬1). هذا يرويه إسحاق بن منصور وأبو غسان عن هريم عن ليث، ورواه عبد الحميد بن صالح عن هريم عن ليث عن نافع عن ابن عمر. وذكر أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أمرتُ بتشييدِ المَساجدِ" قال ابن عباس: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى (¬2). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يتباهَى النَّاسُ فِي المساجدِ" (¬3). وعن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تركنَا هذا البابَ للنِّساءِ" قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتَّى مات (¬4). هذا يروى عن نافع قال: قال عمر، وهو أصح عندهم (¬5). مسلم، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض، قال: "المسجدُ الحرامُ" قلت ثم أي؟ قال: "المسجدُ الأَقصى" قلت: كم بينهما؟ قال: "أَربعونَ عامًا، ثُمَّ الأرضَ لَكَ مسجِدًا فحيثُ مَا أدركتكَ الصلاةُ فَصلٍّ" (¬6). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطيتُ خمسًا لَمْ يعطهنَّ أحدٌ قَبلي، كانَ كلُّ نَبيٍّ يبعثُ إِلى قومهِ خَاصةً وبعثتُ إلى كُلِّ أحمرَ وأسودَ، وأُحلَّتْ لِيَ الغنائِمَ وَلمْ تحلّ لأَحدٍ قَبلِي، وَجُعلتْ لِيَ الأرضُ طيبةً ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (2/ 439). (¬2) رواه أبو داود (448). (¬3) رواه أبو داود (449). (¬4) رواه أبو داود (462). (¬5) رواه أبو داود (463). (¬6) رواه مسلم (521).

طهورًا ومسجدًا فأيُّما رجل أدركتْهُ الصَّلاةُ صلَّى حيثُ كانَ، ونُصرتُ بِالرعبِ بَينِ يدي مسيرَة شهرِ، وأُعطيتُ الشفاعةَ" (¬1). الترمذي، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه؛ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرضُ كلّهَا مسجدٌ إِلا المقبرةَ والحمامَ" (¬2). اختلف في إسناد هذا الحديث، فأسنده ناس وأرسله آخرون منهم الثوري. قال أبو عيسى: وكأن المرسل أصح. وذكر أبو أحمد من حديث عباد بن كثير الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن الحسن قال: حدثني سبعة رهط من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في المسجد تجاهه حش أو حمام أو مقبرة (¬3). عباد بن كثير الثقفي ضعيف عند الجميع. الترمذي، عن زيد بن جبير، عن داود بن الحصين، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله (¬4). قال أبو عيسى: حديث ابن عمر إسناده ليس بذلك القوي. كذا قال وغير أبي عيسى يقول: في هذا الإسناد أكثر من هذا وقال: قد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وحديث داود أشبه وأصح، وعبد الله بن عمر العمري ضعفه بعض أهل ¬

_ (¬1) رواه مسلم (521). (¬2) رواه الترمذي (317). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1640 - 1641). (¬4) رواه الترمذي (346).

الحديث من قبل حفظه، منهم يحيى بن سعيد. وخرج أبو داود عن علي بن أبي طالب قال: إن حبيبي - صلى الله عليه وسلم - نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة (¬1). وهذا الإسناد أو هى من الذي قبله لأن فيه ابن لهيعة وغيره. أبو داود، عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: "لَا تصلُّوا في مباركِ الإبلِ فَإِنَّها منَ الشياطينِ". وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: "صلُّوا فِيهَا فإنّها بركةٌ" (¬2). مسلم، عن جندب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إِنِّي أبرأُ إِلى اللهِ أَنْ يكونَ لِي منكُمْ خليلٌ، فَإن اللهَ قَدِ اتخذَنِي خليلًا كما اتخذَ إبراهيمَ خليلًا، ولو كُنْتُ متخذًا خليلًا لاتخذتُ أَبَا بكرِ خليلًا، أَلَا وَإِنَّ منْ كانَ قبلكُمْ كانُوا يتخِّذُونَ قبورَ أنبيائِهِمْ وصالحيهِمْ مساجدَ، أَلَا فَلَا تتّخذُوا القبورَ مساجدَ إِنِّي أَنهاكُمْ عنْ ذَلِكَ" (¬3). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتَّى ألقى بفناء أبي أيوب قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا، فقال: "يَا بَنِي النجارَ ثَامنونِي بحائطِكُمْ هَذَا" قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال أنس: فكان فيه ما أقول كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (490). (¬2) رواه أبو داود (493). (¬3) رواه مسلم (532).

فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنخل فقطع، وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، قال: فصفوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم، وهم يقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخرة ... فانصر الأنصار والمهاجرة (¬1) النسائي، عن طلق بن علي قال: خرجنا وفدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعةً لنا، فاستوهبناه فضْلَ طَهُوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض، ثم صبه لنا في إداوة، وأمرنا فقال: "اخرجُوا فَإِذَا أتيتُمْ أرضَكُمْ فاكسرُوا بيعتَكُمْ، وانضحُوا مكانَهَا بهَذا الماءِ، واتخذُوها مَسجدًا"، قلنا: إن البلد بعيد، وإن الحر شديد، والماء ينشف، قال: "مُدُّوُه مِنَ الماءِ فإنَّه لا يزيدُهُ إِلَّا طِيبًا" فخرجنا حتَّى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها واتخذناها مسجدًا، فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيئ، فلما سمع الأذان، قال: دعوة حق ثم استقبل تَلْعَةً من تلاعنا، فلم نره بعد (¬2). أبو داود، عن عمرو بن سليم، عن أبي الوليد قال: سألت ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد، فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعلى الرجل يحثي بالحصى في ثوبه يبسطه تحته، قال: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: "مَا أحسنَ هَذا" (¬3). أبو الوليد لا أعلم روى عنه إلا عمر بن سُلَيم ويقال عمرو. مسلم، عن ابن عمر قال: كنت غلامًا شابًا عزبًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية أبيت في المسجد (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (524). (¬2) رواه النسائي (2/ 38 - 39). (¬3) رواه أبو داود (458). (¬4) رواه مسلم (2479).

وزاد أبو بكر البزار وأجنبت فيه. وفي إسناد حديثه أيوب بن سويد وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم ويحيى بن معين. مسلم، عن سهل بن سعد في حديث ذكره قال: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت فاطمة فلم يجد عليًا في البيت، فقال: "أَيْن ابنُ عمّكَ؟ " فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان: "انظرْ أَينَ هُوَ؟ " فجاءه فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع قد سقط رداءه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحه عنه ويقول: "قُمْ أَبا التّرابِ، قُمْ أَبا التّرابِ، قُمْ أبَا التّرابِ" (¬1). وعن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد يعوده من قريب. زاد عنها في طريق أخرى: فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني الغفار، إِلَّا والدم يسيل عليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم، فإذا سعد جرحه يَغُذُّ فمات منها (¬2). وذكر عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء، عن حرام بن عثمان، عن ابن جابر، عن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مضطجعون في مسجده فضربنا بعسيف كان في يده، وقال: "قُومُوا لَا تَرقدُوا فِي المسجدِ" (¬3). حرام بن عثمان متروك. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2409) ولكن عنده "قم أبا التراب" مرتين. (¬2) رواه مسلم (1769). (¬3) رواه عبد الرزاق في المصنف (1655).

البخاري، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مرَّ في شيءٍ منْ مساجِدَنا أَوْ أسواقِنَا بنبلٍ فليأخذْ بنصالِهَا لَا يعقرُ بكفَّهِ مُسلمًا" (¬1). وذكر الدارقطني عن عامر الشعبي عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منِ اقترابِ السَّاعةِ أَنْ يُرى الهلالُ قبلًا فيقالُ لليلتينِ، وأَنْ تُتخذَ المساجدُ طرقًا، وأَن يظهرَ موتُ الفجأةِ" (¬2). وهذا رواه عبد الكبير بن المعافى عن شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن أنس وغيره يرويه عن الشعبي مرسلًا والله أعلم. وقال أبو حاتم عبد الكبير بن المعافى ثقة رضي كان يعد من الأبدال. أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ منكُمْ أحدٌ أطعمَ اليومَ مِسكينًا؟ " فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا سائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَاذَا عندَكَ يَا ثُمامةُ؟ " وذكر الحديث (¬4). وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُرِضَتْ عَليَّ أَعمالُ أُمّتِي حسنهَا وسيئهَا، فوجدتُ فِي محاسنِ أعمالِهَا الأذَى يُماطُ عنِ الطريقِ، ووجدتُ في مساوئِ أَعمَالِهَا النخامةُ تكونُ في المسجدِ لَا تدفنُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (452 و 7075). (¬2) رواه الطبراني في الصغير (1132) والأوصط، وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (¬3) رواه أبو داود (1670). (¬4) رواه مسلم (1764). (¬5) رواه مسلم (553).

وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البزاقُ في المسجدِ خطيئةٌ، وكفارتُهَا دفنُهَا" (¬1). أبو داود، عن الفرج بن فضالة، عن أبي سعد قال: رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري ثم مسحه برجله فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله (¬2). فرج بن فضالة ضعيف، وأيضًا فلم يكن في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصر. والصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعل واثلة إنما أراد هذا فحمل الحصير عليه. أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب العراجين، ولا يزال في يده منها، فدخل المسجد فرأى نخامة في؛ قبلة المسجد فحكها، ثم أقبل على الناس مغضبًا فقال: "أيسرّ أَحدُكُمْ أَنْ يبصقَ في وجهِهِ، إِنَّ أحدكُمْ إِذا استقبلَ القبلةَ فَإِنَّما يستقبلُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ، والملكُ عنْ يمينهِ، فَلا يتفل عَنْ يمينهِ، ولَا في قبلتهِ، وَليبصقْ عَنْ يسارهِ أَوْ تحتَ قدمهِ، فإنْ عجلَ بهِ أمرٌ فَليقلْ هَكَذا". ووصف ابن عجلان ذلك أن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض (¬3). خرجه مسلم والبخاري إلا ذكر العرجون (¬4). وخرج أبو داود أيضًا عن بكر بن سوادة الجذامي، عن صالح بن حيوان، عن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا أمَّ قومًا فبصق في القبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغ: "لَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (552). (¬2) رواه أبو داود (484). (¬3) رواه أبو داود (480). (¬4) رواه البخاري (114) ومسلم (548).

يصلِّ لكُمْ" فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "نَعَمْ" وحسبت أنَّه قال: "إِنَّكَ آذيتَ اللهَ ورسولَهُ" (¬1). صالح بن حيوان لا يحتج به، وهو بالحاء المهملة، ومن قال: بالخاء المنقوطة فقد أخطأ، ذكر ذلك أبو داود رحمه الله. وذكر أبو داود أيضًا عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنَّه سمع أنس بن مالك يقول: دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أجبتُك". وذكر الحديث (¬2). البزار، عن أبي هريرة رفعه: "إِذَا وجدَ أحدُكُمُ القملةَ في المسجدِ فَليدفِنْهَا" (¬3). في إسناد هذا الحديث يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف الحديث جدًا. مسلم، عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَجبْ عنِّي اللَّهُمَّ أيدْهُ بروحِ القدسِ؟ " قال: اللهم نعم (¬4). وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد، عن ابن المنكدر، عن أسيد بن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (481). (¬2) رواه أبو داود (486). (¬3) رواه البزار (414 كشف الأستار). (¬4) رواه مسلم (2485).

عبد الرحمن، أن شاعرًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، فقال: أنشدك يا رسول الله؟ قال: "لا" قال: بلى فائذن لي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخرج من المسجد، فخرج من المسجد، فأنشده فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبًا، وقال: "هَذا بدلُ مَا مدحتَ بِهِ ربَّكَ" (¬1). إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى وهو متروك الحديث. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سمعَ رجُلًا ينشدُ ضالةً في المسجدِ، فليقلْ لَا ردَّها اللهُ عليكَ، فإِنَّ المساجدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذا" (¬2). وعن بريدة أن رجلًا ينشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَجدتَ إنَّما بُنيتِ المساجدُ لَما بُنِيتْ لَهُ" (¬3). وعنه قال: جاء أعرابي بعد ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر فأدخل رأسه من باب المسجد، بمثل ما تقدم (¬4). النسائي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا رأيتُمْ منْ يبيعُ أَوْ يبتاعُ في المسجدِ، فقولُوا: لَا أربَحَ اللهُ تجارتَكَ، وإِذَا رأيتُمْ منْ ينشدُ ضالةً في المسجدِ، فَقولُواة لَا ردَّهَا اللهُ عَليكَ". أبو داود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[نهى] عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة. وعن حكيم بن حزام أنَّه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستقاد في ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (1717) وليس عنده كلمة "فأنشده". (¬2) رواه مسلم (568). (¬3) رواه مسلم (569). (¬4) هذه رواية من الحديث قبله.

المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود (¬1). هذا يرويه محمد بن عبد الله الشعيثي، عن زفر بن وثيمة عن حكيم. والأول من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وكلا الحديثين ضعيف. وروى إسماعيل بن مسلم المكي، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُقْتَلُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ، وَلَا تُقَامُ الحُدُودُ في المَسَاجِدِ" (¬2). خرجه أبو أحمد، وإسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وله أحاديث غير محفوظة هذا منها (¬3). وذكر البزار من حديث عبد الله بن مسعود رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جنِّبُوا مساجدَكُمْ صبيانَكُمْ ومجانينَكُمْ" (¬4). يرويه موسى بن عمر، قال البزار ليس لهذا الحديث أصل من حديث عبد الله. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث العلاء بن كثير، قال: نا مكحول عن واثلة، وأبي الدرداء وأبي أمامة قالوا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "جنِّبُوا مساجدَكُمْ صبيانَكُمْ ومجانينَكُمْ، وسلَّ سيوفِكُمْ، وإقامةَ حدودِكُمْ، ورفعَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4490). (¬2) رواه الترمذي (1401) وابن ماجة (2661) والدارمي (2362) وأبو نعيم في الحلية (4/ 18) والبيهقي (8/ 39) ولكن له شاهد ومتابعات. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 281) انظر إرواء الغليل (7/ 268 - 272). (¬4) قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام: هذا الحديث والكلام بعده ليس في مسند عبد الله بن مسعود من كتاب البزار، ولعله نقله من بعض أماليه التي يقع له مجالس مكتوبة في أضعاف كتابه في بعض النسخ، ولعله يعثر عليه بعد إن شاء الله تعالى.

أصواتِكُمْ، وخصوماتِكُمْ، وأَجمرُوها في الجُمعِ، واجعلُوا عَلى أَبوَابِهَا المَطاهِرَ" (¬1). العلاء بن كثير هذا هو الدمشقي مولى بني أمية وهو ضعيف عندهم. وذكر عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تتخذ المساجد طرقًا أو تقام فيها الحدود، أو تنشد فيها الأشعار، أو يرفع فيها الصوت. وذكر بقية الخبر، وفرات هذا منكر الحديث ضعيفه (¬2). وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث علي بن أبي طالب قال: صليت العصر مع عثمان أمير المؤمنين، فرأى خياطًا في ناحية المسجد، فأمر بإخراجه فقيل: يا أمير المؤمنين إنه يكنس المسجد ويغلق الأبواب ويرش أحيانًا، فقال عثمان: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "جنِّبُوا صناعكُمْ منْ مساجدِكُمْ" (¬3). هذا حديث غير محفوظ، في إسناده محمد بن محبب الثقفي وهو ذاهب الحديث. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسل السيف في المسجد. وهذا مرسل. ورواه عمر بن هارون عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثله (¬4). وعمر بن هارون ضعيف. والصحيح حديث عبد الرزاق وهو مرسل. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1861). (¬2) رواه أبو أحمد في الكامل (6/ 2049) وعنده عن ابن عباس وابن عمر. (¬3) رواه أبو أحمد في الكامل (6/ 2266). (¬4) ورواه أبو داود (2588) والترمذي (2164) وأحمد والحاكم بسند آخر صحيح عن جابر.

وذكر أبو داود من حديث عثمان بن أبي سؤدة عن ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسول الله افتنا في بيت المقدس، فقال: "ائتوهُ فصلُّوا فيهِ" وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، "فَإِنْ لَمْ، تَأتُوهُ وتصلُّوا فِيهِ فابعَثُوا بزيتٍ يُسرَجُ في قَنادِيلِهِ" (¬1). ليس هذا بقوي، وقد صح من طريق آخر فضل بيت المقدس والصلاة فيه. وذكر أبو داود أيضًا عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير (¬2). وقال النسائي: وأن يوطن الرجل المقام للصلاة (¬3). ولا يتابع تميم على هذا وليس أيضًا بقوي. أبو داود عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دخلَ أحدُكُمُ المسجدَ فيسلّمْ عَلَى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ ليقلْ: اللَّهُمَّ افتحْ لِي أبوابَ رحمتِكَ، وإِذَا خرجَ فَليقلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ منْ فضلِكَ" (¬4). وعن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان إذا دخل المسجد قال: "أَعوذُ باللهِ العظيمِ وبوجهِهِ الكريمِ وَبِسلطانِهِ القديمِ منَ الشِّيطانِ الرَّجيمِ قَال: أقطٌّ؟ قلت: نَعَمْ، قالَ: فَإذَا قالَ ذلكَ قالَ الشيطانُ حفظَ منِي سائرَ اليومِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (457). (¬2) رواه أبو داود (862). (¬3) رواه النسائي (2/ 214 - 215). (¬4) رواه أبو داود (465). (¬5) رواه أبو داود (466).

باب في الأذان والإقامة

مسلم، عن أبي قتادة قال: دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس، قال: فجلست، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا منعكَ أَنْ تركعَ ركعتينِ قبلَ أَنْ تجلسَ" فقلت: يا رسول الله رأيتك جالسًا والناس جلوس، قال: "فَإذَا دخلَ أحدُكُمُ المسجدَ فَلَا يجلسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ" (¬1). وروى إبراهيم بن يزيد بن قدير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دخلَ أحدُكُمُ المسجدَ فَلَا يجلسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ، وإِذَا دخلَ أحدكُمْ ييتَهُ فَلَا يجلسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ، فإن اللهَ جاعِل لَهُ منْ ركعتيهِ في بيتهِ خَيرًا" (¬2). وهذه الزيادة في الركوع عند دخول البيت لا أصل لها قال ذلك البخاري. وإنما يصح في هذا حديث أبي قتادة الذي تقدم لمسلم، وإبراهيم هذا لا أعلم روى عنه إلا سعد بن عبد الحميد ولا أعلم له إلا هذا الحديث. باب في الأذان والإقامة مسلم، عن أبي محذورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه هذا الأذان "اللهُ أكبرُ الله أكبرُ، أشهدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ أَشهدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ، أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أَنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، ثُمَّ يعودُ فيقولُ: أَشهدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، أَشهدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ، وأَشهدُ أَنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أَنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، حيَّ عَلى الصلاةِ مرتينِ، حيَّ عَلى الفلاحِ مرتينِ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلهَ إِلا اللهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (714). (¬2) رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 72) وابن عدي في الكامل (1/ 250 - 251). (¬3) رواه مسلم (379).

النسائي، عن أبي محذورة قال: خرجت في نفر فكنا ببعض طرق حنين مَقْفَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين، فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه ونهزأ به، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصوت، فأرسل إلينا حتَّى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكُمُ الذِي سمعتُ صوتَهُ قَد ارتفعَ؟ " فأشار القوم إليَّ، وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، قال: "قُمْ فأذِّن بالصَّلاةِ" فقمت فألقى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التأذين هو بنفسه وقال: "قُلْ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، أشهدُ أنْ لَا إِلَه إِلا اللهُ، أشهدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: ارجعْ فامدِدْ مِنْ صوتكَ ثُمَّ قُلْ: أشهدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ، أشهدُ أنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، حيّ علَى الصلاةِ حيّ علَى الصلاةِ، حيَّ على الفلاح، حيّ على الفلاحِ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لَا إلَه إلَّا اللهُ" ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صُرَّةً فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة، قال: "قَدْ أمرتُكَ بهِ" فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة على أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). أبو داود، عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي، قال: "تقولُ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ترفَعُ بِهَا صوتَكَ، ثُمَّ تقولُ: أشهدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ، أشهدُ أَن لَا إِلَه إلَّا اللهُ أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، تخفضُ بِهَا صوتَكَ، ثُمّ ترفعُ صوتَكَ بالشهادةِ: أشهدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللهُ، أشهدُ أَنْ لَا إِلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أَنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 5 - 6).

الصَّلاةِ، حيّ على الصَّلاةِ، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فإنْ كانَتْ صلاةُ الصبحِ قُلْتَ: الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ، الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لَا إِلهَ إلَّا اللهُ" (¬1). هذا يرويه الحارث بن عبيد، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده، ولا يحتج بهذا الإسناد. الدارقطني، عن أنس قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله (¬2). وكيع، عن سفيان الثوري، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، أنَّه أرسل إلى مؤذن له لا يثوِّب في شيء من الصلاة إلا في الفجر، فإذا بلغت حي على الفلاح، فقل: الصلاة خير من النوم، فإنه أذان بلال. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد، وسعد هو القرظ مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عبد الرحمن: حدثني أبي عن آبائه أن بلالًا كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة، ثم يتشهد أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، فإذا رجع قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله مرتين استقبل القبلة، ثم انحرف عن يمينه فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، ثم انحرف دبر القبلة فقال: حي على الصلاة مرتين، ثم انحرف عن يسار القبلة فقال: حيّ على الفلاح مرتين، ثم استقبل القبلة وقال: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (500). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 243). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1622).

حديث الترمذي وأبي داود أصح من هذا، وهما اللذان يأتيان بعد إن شاء الله تعالى. وذكر الترمذي عن أبي جحيفة قال: رأيت بلالًا يؤذن ويدور ويتبع فاه ها هنا وها هنا، وإصبعاه في أذنيه. . . وذكر الحديث (¬1). وفي كتاب أبي داود: رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح، فأذن فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لَوَّى عنقه يمينا وشمالًا، ولم يستدر (¬2). وفيه، عن عثمان بن العاص قال: قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: "أَنتَ إمامُهُمْ، واقتدِ بأضعفِهِمْ، واتخِذْ مؤذِّنًا لَا يأخُذ عَلى أذانِهِ أَجْرًا" (¬3). وفيه، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار، قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطّى ثم قال: اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن، قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة هذه الكلمات (¬4). الصحيح الذي لا اختلاف فيه ما خرجه البخاري عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلالًا يؤذنُ بليلٍ، فكلُوا واشربُوا حتَّى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ فإِنَّه لَا يؤذنُ حتَّى يطلعَ الفَجرُ". قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا (¬5). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ بلالًا يؤذنُ بليلٍ، فكلُوا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (197). (¬2) رواه أبو داود (520). (¬3) رواه أبو داود (531). (¬4) رواه أبو داود (519). (¬5) رواه البخاري (620 و 623 و 1919) وهذا لفظ الرواية الثانية.

واشربُوا حتَّى ينادي ابنُ أمِّ مكتومٍ" قال: وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت (¬1). النسائي، عن حبيب بن عبد الرحمن، عن عمته أنيسة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَذَّنَ ابنُ أمِّ مكتوم فكلُوا واشربُوا، إِذَا أذَّنَ بلالٌ فَلَا تأكلُوا ولَا تشرَبُوا" (¬2). الصحيح المعروف "إِذَا أَذَّنَ بِلالٌ فَكلُوا واشرَبُوا حتَّى يُنَادِي ابنُ أُمِّ مكتومٍ". أبو داود، عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لَا تؤذّنْ حتَّى يستبينَ لكَ الفجرُ هَكذا" ومد يديه عرضًا (¬3). شداد لم يدرك بلالًا، والصحيح أن بلالًا يؤذن بالليل. الترمذي، عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يؤذنُ إِلَّا متوضئٌ" (¬4). في إسناده معاوية بن يحيى، والزهري لم يسمع من أبي هريرة. الترمذي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِمامُ ضامنٌ، والمؤذنُ مؤتمنٌ، اللَّهُمَّ أرشدِ الأَئمةِ، واغفرْ للمؤذِّنينَ" (¬5). قال: وفي الباب عن عائشة وسهل بن سعد وعقبة بن عامر، وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي هريرة أصح، وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح. وذكر أبو أحمد من حديث شريك بن عبد الله القاضي، عن الأعمش، عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (622 و 1918 و 2656 و 7248). (¬2) رواه النسائي (2/ 10 - 11). (¬3) رواه أبو داود (534). (¬4) رواه الترمذي (200). (¬5) رواه الترمذي (207).

أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤذنُ أملكُ بالأَذانِ، والإِمامُ أملكُ بالإقامةِ، اللهمَّ أرشدِ الأئمةَ واغفرْ للمؤذنينَ" (¬1). قال: إنما رواه الناس عن الأعمش بلفظ آخر وهو "الإمامُ ضامنٌ" الحديث المتقدم من طريق الترمذي. أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن نافع، عن ابن عمر أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام، فرجع فنادى ألا إن العبد نام (¬2). لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة. ورواه شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: نا نافع عن مؤذن لعمر يقال له مسروج أذن قبل الصبح فأمره عمر فذكر نحوه (¬3). قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذنًا لعمر يقال له مسروج أو غيره. قال أبو داود: ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن يقال له: مسعود وذكر نحوه. جعلوا هذا الاختلاف علة في الحديث وضعفوه من أجلها. وذكر الدارقطني من حديث أبي يوسف القاضي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس أن بلالًا أذن قبل الفجر فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعود فينادي إن العبد نام ففعل، وقال: "ليتَ بِلالًا لَمْ تلدْهُ أُمّهُ، وابتلّ مَنْ نضحَ دمَ جبينِهِ" (¬4). قال: أرسله غير أبي يوسف عن سعد عن قتادة والمرسل أصح. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1327). (¬2) رواه أبو داود (532). (¬3) رواه أبو داود (533). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 245).

وذكر الدارقطني عن علي بن جميل قال: كنا نمشي مع عيسى بن يونس، فجاء رجل ظننت أنَّه كان حائكًا، فاذن، فقال ألا أكبر. فقال عيسى بن يونس، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يؤذنُ لَكُمْ منْ يدغِمِ الهَاءَ" قلنا: وكيف يقول؟ قال: "يقولُ أشهدُ أنْ لَا إِلَه إلّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ". قال: هذا حديث منكر، وإنما أمر الأعمش برجل يؤذن يدغم الهاء، فقال لا يؤذن لكم من يدغم الهاء، وعلي بن جميل ضعيف. وروى مجاشع بن عمرو عن هارون بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يؤذنُ لكُمْ إِلَّا فصيحٌ". ذكره أبو أحمد بن عدي وقال: هارون بن محمد لا يعرف (¬1). وذكر أبو أحمد أيضًا عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يؤذّنُ غلامٌ حتَّى يحتلمَ، وليؤذنْ لكُمْ خياركُمْ" (¬2). وهذا حديث يرويه إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس. وإبراهيم هذا وثقه الشافعي خاصة، وضعفه الناس. وأحسن ما سمعت فيه أنَّه ممن يكتب حديثه، إلا ما ذكرت من توثيق الشافعي له، وآخر الحديث "لِيؤذّنْ لَكُمْ خياركُمْ" ذكره أبو داود من طريق الحسين بن عيسى الحنفي وهو منكر الحديث. وروى إسماعيل بن عمرو البجلي أبو إسحاق من حديث جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الإمام مؤذنًا. ¬

_ (¬1) لم نجد ذلك في ترجمة مجاشع بن عمرو في الكامل، وقد نسبه إليه أيضًا الحافظ في لسان الميزان في ترجمة هارون بن محمد، فلعل ذلك سقط من المطبوعة. (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 225).

وإسماعيل ضعيف الحديث، وذكر هذا أبو أحمد أيضًا (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤذنُ يغفرُ لَهُ مَدَى صوتِهِ، ويشهدُ لَهُ كلُّ رطبِ ويابسٍ، وشاهدُ الصَّلاةِ تكتبُ لَه خمسٌ وعشرونَ صلاةً، ويكفرُ عنهُ مَا بينهُمَا" (¬2). مسلم، عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المؤذنُونَ أطولُ الناسِ أَعناقًا يومَ القيامةِ" (¬3). أبو داود، عن عبد الله بن عمرو أن رجلًا قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قلْ كَما يقولونَ، فإِذَا انتهيتَ فَسلْ تُعطَهْ" (¬4). الترمذي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدعاءُ لَا يُردّ بينَ الأَذانِ والإقامةِ" (¬5). قال: هذا حديث حسن. النسائي، عن علقمة بن وقاص قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه، فقال معاوية كما قال المؤذن، حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك (¬6). أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد ويقول "وَأَنا وَأَنا". ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 316 - 317). (¬2) رواه أبو داود (515). (¬3) رواه مسلم (387). (¬4) رواه أبو داود (524). (¬5) رواه الترمذي (212). (¬6) رواه النسائي (2/ 25).

مسلم، عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا سمعتُمُ المؤذنَ فقولُوا مثلَ مَا يقولُ، ثُمَّ صلُّوا عليّ، فإنَّهُ منْ صلَّى علي صلاةً صلّى اللهُ عليهِ بها عَشرًا، ثُمَّ سلُوا اللهَ لِيَ الوسيلةَ فَإنَّها منزلةٌ في الجنَّةِ لَا تنبغِي إِلَّا لعبدِ منْ عبادِ اللهِ، وأرجُو أَنْ أكونَ أَنَا هُوَ، فمنْ سألَ لِيَ الوسيلةَ حلّتْ عليهِ الشفاعةُ". البخاري، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ قالَ حينَ يَسْمَعُ النداءَ اللَّهمَّ ربَّ هَذهِ الدَّعْوةِ التَّامةِ والصلاةِ القائمةِ آتِ مُحمّدًا الوَسيلةَ والفضيلةَ، وابعثهُ مقامًا محمودًا الَّذِي وعدتهُ، حلّتْ لَهُ شفاعتِي يومَ القيامةِ". مسلم، عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَنْ قالَ حينَ يَسمَع الأذانَ أشهدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شريكَ لَهُ، وأَنَّ محمدًا عبدُهُ ورِسِولُهُ رضيتُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدِ رسولًا، غفر لَهُ ما تقدَّمَ منْ ذنْبِهِ". وعن أبي هريرة ورأى رجلًا يجتاز في المسجد خارجًا بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. وعن أنس قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يذروا نارًا، أو يضربوا ناقوسًا، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قال ابن علية: فحدثت به أيوب فقال: لا إلّا الإقامة. أبو داود، عن ابن عمر قال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، غير أنَّه كان يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة. وقد ذكر أبو داود من حديث أبي محذورة الإقامة كلها مرتين مرتين التشهد وغيره. وذكر من حديث أبي محذورة أيضًا في صفة الإقامة الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلَّا الله. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد، وسعد هذا بعض مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقال له سعد القرظ، قال: أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يدخل إصبعيه في أذنيه وقال: "إِنَّه أرفعُ لصوتِكَ" وإن أذان بلال كان مثنى مثنى، وتشهده مضاعف، وإقامته مفردة، وقد قامت الصلاة مرة واحدة (¬1). لم يذكر أبو أحمد في عبد الرحمن هذا جرحًا ولا تعديلًا، أما ابن أبي حاتم فذكر تضعيفه عن يحيى بن معين (¬2). وذكر أبو داود من حديث أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كنت مع ابن عمر فثوَّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا فإن هذه بدعة (¬3). أبو يحيى هذا ضعيف الحديث. وذكر الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد قال: كان أذان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفعًا في الأذان والإقامة (¬4). قال أبو عيسى: لم يسمع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عبد الله بن زيد. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1621). (¬2) الجرح والتعديل (2/ 2/ 237 - 238) وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم، فهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب. (¬3) رواه أبو داود (538). (¬4) رواه الترمذي (194).

ومن مراسيل أبي داود، عن ابن شهاب أن الناس كان ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقيم الصلاة، تقوم الناس إلى الصلاة، فلا يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامه حتَّى يعتدل الصف (¬1). الترمذي، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "يَا بِلالُ إِذَا أذنْتَ فَترسّلْ في أَذانِكَ، وإذَا أقَمْتَ فاحْدُرْ واجعلْ بينَ أذانِكَ وإقامتِكَ قدرَ ما يَفرغُ الآكلُ منْ أَكلِهِ، والشاربُ منْ شُربِهِ، والمعتصرُ إِذَا دخلَ لقضاءِ حَاجَتِهِ، ولَا تقومُوا حتَّى تَرونِي" (¬2). إسناد هذا الحديث إسناد مجهول، قاله أبو عيسى إلَّا قوله: "فَلا تَقومُوا حتَّى تَرونِي" فإنه قد روي بإسناد صحيح. الدارقطني، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذن يطرب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الأذانَ سهلٌ سمحٌ، فإنْ كانَ أذانُكَ سهلًا سمحًا وإِلَّا فَلا تؤذّنْ" (¬3). في إسناده إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن ابن جريج. أبو داود، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: لما كان أول أذان الصبح أمرني، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفج فيقول: "لَا" حتَّى إذا طلع الفجر نزل فبرز، ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه، يعني فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أخَا صداءٍ هُوَ أذَّنَ، ومنْ أَذَّنَ فَهُوَ يقيمُ" قال: فأقمت (¬4). في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأشراف (13/ 370 - 371). (¬2) رواه الترمذي (195). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 86). (¬4) رواه أبو داود (514).

باب فيما يصلى به وعليه، وما يكره من ذلك

وذكره عبد الرزاق عن زياد هذا، وقال فيه: فأذنت وأنا على راحلتي، وفيه أيضًا عبد الرحمن (¬1). وذكر أبو داود من حديث محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن زيد قال: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأذان أشياء لم يصنع منها شيئًا، قال: فأري عبد الله بن زيد الأذان في النوم، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: "ألقِهِ عَلَى بلالٍ" فألقاه عليه، فأذن بلال، فقال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده، قال: "فَأقِمْ أَنتَ" (¬2). إقامة عبد الله بن زيد ليست تجيء من وجه قوي فيما أعلم، وأما حديث الرؤيا فصحيح، وكلذلك أذان بلال. وذكر أبو داود عن أبي الفضل رجل من الأنصار، عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه الصلاة أو حركه برجله (¬3). وقيل أبو الفضيل بدل أبو الفضل. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت فلا يقيم حتَّى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه (¬4). باب فيما يصلى به وعليه، وما يكره من ذلك مسلم، عن أبي هريرة أن سائلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: "أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوبَانِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (1817). (¬2) رواه أبو داود (512). (¬3) رواه أبو داود (1264). (¬4) رواه مسلم (606). (¬5) رواه مسلم (515).

وعن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يصلِّي أحدُكُمْ في الثوبِ الواحدِ ليسَ عَلى عاتقِهِ منْهُ شيءٌ" (¬1). البخاري، عن سعيد بن الحارث قال: سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعليَّ ثوب واحد، فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: "مَا السُّرى يَا جابرُ؟ " فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال: "مَا هَذا الاشتمالُ الَّذي رأيتُ؟ " قلت: كان ثوبًا، قال: "فإنْ كانَ وَاسِعًا فالتحفْ بهِ، وإنْ كانَ ضيِّقًا فأتَزِرْ بهِ" (¬2). وخرجه مسلم في حديث طويل وقال: "إِذَا كانَ وَاسعًا فخالفْ بينَ طرفَيهِ" (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ في ثوبِ، فليخالفْ بطرفيهِ على عاتقَيهِ" (¬4). وخرجه البخاري أيضًا (¬5). مسلم، عن عمر بن أبي سلمة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد مشتملًا به في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقيه (¬6). وفي طريق أخرى مخالفًا بين طرفيه. وذكر أبو داود عن إسرائيل، عن أبي حومل العامري، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه، قال: أمنّا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (516). (¬2) رواه البخاري (361). (¬3) رواه مسلم (3010). (¬4) رواه أبو داود (627). (¬5) رواه البخاري (359 و 360). (¬6) رواه مسلم (517).

رداء، فلما انصرف قال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في قميص (¬1). أبو داود، عن بريدة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى في لحاف لا يتوشح فيه، والآخر أن يصلى في سراويل ليس عليك رداء (¬2). هذا يرويه يحيى بن واضح عن أبي المنيب، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ويحيى وأبو المنيب ثقتان، وثقهما ابن معين، على أن أبا عمر قال: لا يحتج بهذا الحديث لضعفه. وروى نصر بن حماد قال: نا شعبة، عن توبة العنبري، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صلّيتُمْ فاتّزِرُوا وارتدُوا ولا تشبّهُوا باليَهودِ". إنما الحديث موقوف على شعبة عن علي بن عمر، ونصر بن حماد متروك، ذكر هذا الحديث أبو أحمد بن عدي (¬3). وروى سعيد بن داود الزنبري عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كانَ لأحدِكُمْ ثوبانِ فليلبسهُمَا إِذَا صلَّى، فإنَّ اللهَ أحقُّ مَنْ تجملَ لَهُ" (¬4). لا يصح هذا عن مالك، وسعيد هذا روى عن مالك أحاديث موضوعة. مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني، عن أبيه أنَّه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا شيء إلا شهد له ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (633). (¬2) رواه أبو داود (636). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2503). (¬4) رواه ابن حبان في كتاب المجروحين (1/ 325).

يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل بغير حزام (¬2). هذا حديث منقطع الإسناد وذكره في كتاب البيوع. وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في شُعُرِنَا أو لُحُفِنَا، شك معاذ بن معاذ راوي الحديث (¬3). النسائي، عن عائشة قالت: كنت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو القاسم في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فان أصابه مني شيء غسل ذلك لم يعده إلى غيره وصلى فيه ثم يعود معي، فان أصابه مني شيء فعل ذلك لم يعده إلى غيره (¬4). أبو داود، عن معاوية بن أبي سفيان أنَّه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم إذا لم يرَ فيه أذًى (¬5). وعن الدراوردي وهو عبد العزيز بن محمد، عن موسى وهو ابن إبراهيم بن أبي ربيعة المخزومي، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله إني رجل أصيد فأصلي في القميص الواحد؟ قال: "نَعَمْ وأزرْ ولَوْ بشوكةٍ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 65 - 68). (¬2) رواه أبو داود (3369). (¬3) رواه أبو داود (367 و 645). (¬4) رواه النسائي (2/ 73). (¬5) رواه أبو داود (366). (¬6) رواه أبو داود (632).

وقال النسائي: قلت: يا رسول الله إني أكون في الصيد وليس علي إلا القميص. . . بمثله (¬1). قال البخاري: في إسناد هذا الحديث نظر، ولم يذكر غير متن الحديث من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد صح الخبر بالصلاة في الثوب الواحد. وذكر الدارقطني من حديث سلمة أيضًا قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في القوس والقَرَن فقال: "اطرَحِ القرنَ وصلِّ في القوسِ" (¬2). وهذا يرويه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي وهو عندهم منكر الحديث ضعيف جدًا. القرن: جعبة من جلود تشق ثم تخرز، وإنما تشق لكي يصل إليها الريح فلا يفسد. . . ذكر ذلك الهروي قال: وإنما أمره أن ينزع القرن لأنه كان من جلد غير ذكي (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض وعلي مرط، وعليه بعضه إلى جنبه (¬4). وعن أبي سلمة، قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في النعلين؟ قال: نعم (¬5). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "مَا حملكُمْ عَلى إِلقائِكُمْ نعالِكُمْ؟ " قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 70). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 398 - 399). (¬3) مكان النقاط كلمة لم تقرأ. (¬4) رواه مسلم (514). (¬5) رواه مسلم (555).

جبريلَ أتانِي فأخبرنِي أنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أو قَال: أذًى وقَالَ: إِذَا جاءَ أحدكُمُ المسجدَ فلينظرْ، فإنْ رَأَى في نعليهِ قَذَرًا أو أذى فليمسحْهُ وليصلِّ فيهِمَا" (¬1). وذكر الدارقطني من حديث فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث قال: "لِمَ خلعتُمْ نعالَكُمْ؟ " قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: "إِنَّ جبريلَ عَليه السلامُ أَتانِي فقالَ: إِنَّ فِيها دمُ حَلَمَةٍ" (¬2). فرات ضعيف، والصحيح ما قبل هذا. وذكر العقيلي عن مسلمة بن علي عن ابن عجلان، عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذُوا زينتكمُ في الصَّلاةِ" قلنا: يا رسول الله وما هو؟ قال: "البسُوا نعالَكُمْ" (¬3). قال: لا يتابع مسلمة على هذا وهو ضعيف. وذكر أبو بكر البزار من حديث يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خالِفُوا اليهودَ وصلُّوا في نعالِكُمْ، فإِنَّهُمْ لا يصلونَ في نعالِهِمْ ولَا في خفافِهِمْ". وذكره أبو داود بهذا الإسناد، ويعلى بن شداد لم أرَ فيه تعديلًا ولا تجريحًا (¬4). ورواه البزار أيضًا من حديث عمر بن نبهان عن قتادة، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وعمر بن نبهان ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (650). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 399). (¬3) رواه العقيلي (4/ 212). (¬4) رواه أبو داود (652). (¬5) رواه البزار (597 كشف الأستار).

أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ فَلَا يضعْ نعليهِ عنْ يمينهِ ولَا عنْ يسارهِ فتكونُ عنْ يمينِ غيؤ إِلَّا أَنْ لَا يكونَ عنْ يسارهِ أحدٌ ويضعهُمَا بينَ رجليهِ" (¬1). في إسناده صالح بن رستم أبو عامر. وأصح منه ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ فخلعَ نعليهِ فَلا يؤذِ بهمَا أَحدًا، وليجعلْهُمَا بينَ رجليهِ أَوْ ليصلِّ فيهِمَا" (¬2). وعن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لَا تقبلُ صلاةُ حائضٍ إِلا بخمارٍ" (¬3). هكذا رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد، ورواه شعبة وسعيد بن بشير عن قتادة موقوفًا. وذكر أبو داود عن محمد بن سيرين، أن عائشة نزلت على صفية بنت طلحة الطلحات، فرأت بنات لها، فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل وفي حجرتي جارية، فألقى لي حقوه، فقال: "شقّيهِ بشقَتَينِ فَاعطِ هَذ نِصْفًا، والفتاةَ الَّتي عندَ أمِّ سلمةَ نِصْفًا، فإِنِّي لَا أُراهَا إِلَّا قَد حَاضَتْ، وإِنِّي لَا أراهُمَا إِلَّا قَدْ حَاضَتَا" (¬4). مالك، عن محمد بن زيد بن قنفد عن أمه، أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (654). (¬2) رواه أبو داود (655). (¬3) رواه أبو داود (641). (¬4) رواه أبو داود (642). (¬5) رواه مالك (1/ 122).

هذا هو الصحيح أنه من قول أم سلمة وقد ذكر بعضهم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى الحارث بن أبي أسامة، عن عبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تصلي في درع صفيق سابغ، وخمار ليس عليها إزار. وذكر أبو داود في المرسل عن يحيى بن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لَا تجاوزُ صلاتَهُمْ رؤوسَهُمْ. ." وذكر الحديث "وامرأةٌ قامتْ إِلى الصَّلاةِ وأُذُنهَا بَادِيَةٌ". أبو داود، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ أسبلَ إِزارَهُ في الصلاةِ خيلاءً، فليسَ منَ الله عزَّ وجلَّ في حلٍّ ولَا حرامٍ" (¬1). أكثرهم يرويه موقوفًا على ابن مسعود. وعن أبي جعفر المدني، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلًا إزاره، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبْ فتوضَّأ" فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال: "اذْهَبْ فَتَوضَّأ" فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رجل: يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ فقال: "إِنَّهُ كانَ يصلِّي وهُوَ مسبلٌ إِزارَهُ، وإِنَّ اللهَ لَا يقبلُ صلاةَ رجلٍ مسبلٍ إزارَهُ" (¬2). أبو جعفر هذا غير معروف. الترمذي، عن عِسْل بن سفيان، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السدل في الصلاة (¬3). عسل بن سفيان ضعيف. وذكر البزار من حديث أبي مالك النخعي، عن علي بن الأقمر، عن أبي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (637). (¬2) رواه أبو داود (638). (¬3) رواه الترمذي (378).

جحيفة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر برجل يصلي سادلًا ثوبه فعطفه عليه (¬1). قال: إنما يرويه الثقات عن علي بن الأقمر عن أم عطية، وأبو مالك ليس بالحافظ، كذا قال عن أم عطية فيما رأيت في النسخة التي نقلت منها، وإنما يروي علي بن الأقمر فيما أعلم عن أبي عطية عمر بن أبي جندب الهمداني زعم من التابعين. وذكر العقيلي من حديث عيسى بن قرطاس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا صليتُمْ فارفعُوا سبلَكُمْ، فكلّ شيءٍ أصابَ الأرضَ منْ سبلِكُمْ ففِي النَّارِ" (¬2). عيسى بن قرطاس ضعيف جدًّا. أبو داود، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه (¬3). خرجه من طريق الحسن بن ذكوان وهو ضعيف الحديث. وذكر في المراسيل عن وهب بن عبد الله المعافري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يضعنَّ أحدُكُمْ ثوبَهُ عَلى أنفِهِ في الصَّلاةِ، فإنَّ ذَلِكَ خطمُ الشيطانِ" (¬4). مسلم، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قومُوا فَلأصلَّ لَكُمْ" فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، ¬

_ (¬1) رواه البزار (595 كشف الأستار). (¬2) رواه العقيلي (3/ 396). (¬3) رواه أبو داود (643). (¬4) انظر تحفة الأشراف (13/ 410).

فصلى لنا رسول الله عن - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف (¬1). الضمير في جدته هو عائد على إسحاق، ومليكة هي أم سليم وفي اسمها اختلاف. مسلم، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا، قال: فيأمر بالبساط الذي تحته، فيكنس، ثم ينضح، ثم يقوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقوم خلفه فيصلي بنا، قال: وكان بساطهم من جريد النخل (¬2). أبو داود، عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير والفروة المدبوغة (¬3). ليس إسناده بقوي فيه يونس بن الحارث الطائفي، عن أبي عون، عن أبيه عن المغيرة، ويونس ضعيف، ضعفه أبو حاتم وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين (¬4). وأبو عون اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي، وعبيد الله قال فيه أبو حاتم مجهول (¬5). وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا يزيد بن المقدام، عن أبيه شريح أنه سأل عائشة، أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير؟ فإني سمعت في كتاب الله عز وجل {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} فقالت: لا لم يكن يصلي عليه. يزيد بن المقدام ضعيف، ولكن يكتب حديثه. وذكر أبو داود من حديث مقاتل بن بشير، عن شريح بن هانئ، عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (658). (¬2) رواه مسلم (659). (¬3) رواه أبو داود (659). (¬4) الجرح والتعديل (4/ 2/ 237). (¬5) الجرح والتعديل (2/ 2/ 317).

عائشة قال: سألتها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء قط، فدخل عليّ إلَّا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، ولقد مطرنا ليلة فطرحنا له نطعًا، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منْهُ، وما رأيته متقيًا الأرض بشيء من ثيابه قط (¬1). هكذا أخرجه أبو داود عن محمد بن رافع، عن زيد بن الحباب عن مالك بن مغول، عن مقاتل. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع، عن مالك، عن مقاتل بهذا الإسناد، قالت ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقي الأرض بشيء إلا مرة، فإنه أصابه مطر فجلس على خلق خباء. . الحديث بمثله. ومقاتل لا أعلم روى عنه إلّا مالك بن مغول. مسلم، عن عائشة قالت: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها، فلما قضى صلاته قال: "اذهبُوا بِهذهِ الخميصةِ إِلى أَبِي جهمِ بنِ حُذيفةَ، وائتونِي بِأَنْبَجَانِيَّةٍ فإِنَّهَا أَلهتنِي آنفًا عنْ صَلاتِي" (¬2). أبو داود، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة فما يعجبه إلا الثياب النقية والريح الطيبة. خرجه في المراسيل (¬3). وخرج في كتابه عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يقبلُ اللهُ صلاةَ رجلٍ وفِي جسدِهِ شيءٌ منْ خَلوقٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1303). (¬2) رواه مسلم (556). (¬3) انظر تحفة الأشراف (13/ 282). (¬4) رواه أبو داود (4178).

باب في الإمامة وما يتعلق بها

منهم من يرويه موقوفًا على أبي موسى وهو الأشهر، وقد صح النهي عن التخلق. باب في الإمامة وما يتعلق بها مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كانُوا ثلاثةً فليؤمّهُمْ أحدهُمْ، وأحقهُنم بالإمامةِ أقرؤُهُمْ" (¬1). وعن أبي مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَؤمُّ القومَ أَقرؤُهُمْ لكتاب اللهِ، فإنْ كانُوا في القراءةِ سواءً، فأعَلمُهُمْ بالسنّةِ، فإنْ كانُوا في السنّةِ سواءً، فأقدمُهُمْ هجرةً، فإِنْ كانوا في الهجرِة سواءً فأقدمُهمْ سلمًا، ولَا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ فِي سلطانِهِ، ولَا يقعدُ في بيتهِ عَلى تكرمتِهِ إِلَّا بإذنِهِ" (¬2). وفي رواية سِتًا مكان سلمًا. وذكر أبو محمد من حديث محمد بن الفضل بن عطية، عن صالح بن حيان، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤمّكُمْ أقرؤكُمْ وَإِنْ كانَ ولدَ زِنا". محمد بن الفضل هذا متروك يرمى بالكذب، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، ذكره في كتاب الإعراب. وذكر أبو بكر البزار عن مهاصر بن حبيب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سافرتُمْ فليؤمّكُمْ أقرؤكُمْ وإنْ كانَ أصغرَكُمْ، وإِنْ أمّكُمْ فَهُوَ أميركُمْ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (672). (¬2) رواه مسلم (673).

قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن حميد القطان الجندنيسابوري، حدثنا عبد الله بن رشيد، نا محمد بن الزبرقان، نا ثور بن يزيد، عن مهاصر بن حبيب فذكر حديثه هذا في الإمامة، قال: لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلّا من رواية أبي هريرة بهذا الإسناد. انتهى كلام أبي بكر (¬1). مهاصر بن حبيب لا بأس به، وعبد الله بن رشيد لم أسمع فيه شيئًا، وكتبته حتَّى أسأل عنه أو أجد ذكره، وكذلك محمد بن حميد. وذكر العقيلي من حديث الهيثم بن عتاب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أمَّ قَومًا وَفِيهِمْ مَن هُو أقرأُ منهُ لكتابِ اللهِ، وأعلمُ، لَمْ يَزلْ في سفالٍ إِلى يومِ القيامةِ" (¬2). الهيثم كوفي مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ. وذكر الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ سرّكُمْ أَنْ تزكُّوا صلَاتَكُمْ فقدِّمُوا خيارَكُمْ" (¬3). في إسناده أبو الوليد خالد بن إسماعيل المخزومي وهو ضعيف، بل قال فيه أبو أحمد بن عدي إنه كان يضع الحديث على ثقاة المسلمين، وحديثه هذا يرويه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة (¬4). وذكر الدارقطني عن سلام بن سليمان، عن عمر، عن محمد بن واسع، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلُوا أئمتكمْ خياركُمْ، فإنَّهمُ وفدكُمْ فِيمَا بينَكُمْ وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ" (¬5). قال الدارقطني: عمر هذا هو عندي عمر بن يزيد قاضي المدائن. ¬

_ (¬1) رواه البزار (466 كشف الأستار). (¬2) رواه العقيلي (4/ 355). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 346) وابن عدي في الكامل (4/ 912). (¬4) انظر الكامل (3/ 912). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 87 - 88).

ولم يقل فيه أكثر من هذا، ولم أجد عمر بن يزيد هذا، ولا وجدت فيما رأيت أكثر من عمر بن يزيد المدائني يروي عن عطاء وغيره، ذكره ابن عدي وقال فيه منكر الحديث، وذكر له أحاديث، ولم يذكر هذا فيها، ولعل عمر بن يزيد المدائني غير قاضي المدائن، والله أعلم. وسليمان بن سليمان أيضًا مدائني ليس بقوي. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث خالد بن إسماعيل، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلُّوا عَلَى منْ قالَ لَا إِلَه إلّا اللهُ، وصلُّوا وراءَ منْ قالَ لَا إلهَ إلّا اللهُ" (¬1). وخالد بن إسماعيل هو المذكور فيما تقدم من هذا الباب. وذكر الدارقطني من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيليكُمْ بعدِي ولاةٌ، فَيليكُمُ البرُّ ببرهِ، والفاجرُ بفجورِهِ، فاسمعوا لَهُ وأطيعُوا مَا وافقَ الحقَّ، وصلُّوا وراءَهُمْ، فإنْ أَحسنُوا فلكُمْ ولهُمْ، وإِنْ أَساؤُوا فلكُمْ وعليهِمْ" (¬2). في إسناده عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو ضعيف جدًا. البخاري، عن عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم ما للناس ما للناس، ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله أوحي إليه وأوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقرأ في صدري، وكانت العرب تَلَوَّمُ بإسلامهم، فيقولون: اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقًّا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 913). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 55).

الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، لما كنت ألقى من الركبان فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي ألا تغطون عنا است قارئكم، فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص (¬1). مسلم، عن مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رفيقًا، ففطن بنا إننا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه فقال: "ارجعُوا إِلَى أهلِكُمْ فأقيمُوا فيهمْ وعلِّموهُم ومروهُمْ، فإذَا حضرتِ الصّلاةُ فليؤذِّنْ لَكُمْ أحدُكُمْ، ثُمّ ليؤمكُمْ أكبَرُكُمْ" (¬2). زاد البخاري: "وصلُّوا كمَا رأيتمونِي أصلِّي" (¬3). مسلم، عن مالك أيضًا قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: "إِذَا حضرتِ الصّلاةُ فأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيما وليؤمكُمَا أكبر كُمَا" (¬4). الترمذي، عن أبي عطية قال: كان مالك بن الحويرث فأتانا في مصلانا فتحدث فحضرت الصلاة يومًا، فقلنا تقدم، قال: ليتقدم بعضكم حتَّى أحدثكم لمَ لا أتقدم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ زَارَ قومًا فَلا يؤمهُمْ، وليؤمهُمْ رجلٌ منهُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4302). (¬2) رواه مسلم (674) والبخاري (628 و 630 و 631 و 658 و 685 و 819 و 2848 و 7246). (¬3) رواه البخاري (6008). (¬4) هذه رواية من الحديث (674) المتقدم عند مسلم. (¬5) رواه الترمذي (356) وأبو داود (956).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ولم يذكر أبا عطية، وقال فيه أبو حاتم لا يعرف ولا يسمى. وذكر أبو أحمد من حديث زيد بن الحواري العمي عن قتادة، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُكرهُ للمؤذنِ أَنْ يكونَ إِمامًا" (¬1). وزيد هذا معروف في الضعف. الترمذي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ لَا تجاوزُ صلاتَهُمْ آذانهُمْ، العبدُ الآبقُ حتَّى يرجعَ، وامرأةٌ باتتْ وزوجُهَا علَيها ساخطٌ، وإمامُ قومِ وهُمْ لَهُ كارهونَ" (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "ثلاثةٌ لَا يقبلُ اللهُ منهُمْ صلاةً، منْ تقدَّمَ قومًا وهُمْ لَهُ كَارهونَ، ورجلٌ أَتَى الصلاةَ دبارًا، والدبارُ أَنْ يأتيها بعدَ أَنْ تفوتَهُ، ورجلٌ اعتَّد محررةً" (¬3). في إسناده عبد الرحمن الإفريقي. الدارقطني، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِمامُ ضامنٌ، فمَا صنعَ فاصنعُوا" (¬4). قال أبو حاتم الرازي: هذا تصحيح لمن قال بالقراءة خلف الإمام. مسلم، عن جابر قال: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلم قال: "إِنْ كدتُمْ آنفًا لتفعلونَ فعلَ فَارِس ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1056). (¬2) رواه الترمذي (360) والطبراني في الكبير (8090 و 8098). (¬3) رواه أبو داود (593). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 322).

والرومِ يقومونَ عَلى ملوكِهِمْ وهُمْ قعودٌ، فلَا تفعلُوا، ائتمُوا بأئمتِكُمْ إِنْ صلَّى قيامًا فصَلُّوا قيامًا، وإنْ صلَّى قاعدًا فصلُّوا قُعُودًا" (¬1). وفي حديث أنس قال: سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعدًا فصلينا وراءه، فلما قضى الصلاة قال: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَ بهِ، فإِذَا كبَّرَ فكبِّرُوا، وإِذَا سجدَ فاسجدُوا، وإِذَا رفعَ فارفَعُوا، وإِذَا قَالَ سمعَ اللهُ لِمنْ حمدَهُ فقولُوا ربّنا ولَكَ الحمدُ، وإِذَا صلَّى قَاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعونَ" (¬2). وفي حديث عائشة: "وإِذَا ركعَ فاركَعُوا" (¬3). وفي حديث أبي هريرة: "فقولُوا اللَّهُمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ" (¬4). وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا يؤم الناس، فقام الناس خلفه، فأخلف يده إليهم يومئ بها إليهم أن اجلسوا (¬5). مسلم، عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: "مُروا أَبَا بكرٍ فليصلِّ بالنَّاسِ" قلت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَليصلّ بِالنّاسِ" قالت: فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لم يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقالت له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنكُنَّ لأنتنَّ صواحب يوسفَ، مرُوا أَبَا بكرٍ فليصلِّ بالنَّاسِ" قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (413). (¬2) رواه مسلم (411). (¬3) رواه مسلم (412). (¬4) رواه مسلم (414). (¬5) رواه عبد الرزاق في المصنف (4080).

وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة، فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمعَ أبو بكر حسّه، ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُم مكانك، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى جلس عن يسار أبي بكر رضي الله عنه، قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. وفي رواية: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير. وفي أخرى: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه (¬1). على هذا أكثر الآثار الصحاح على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان المتقدم وأن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر ذلك أبو عمر (¬2). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس قاعدًا، وجعل أبا بكر وراءه بينه وبين الناس، قال: وصلى الناس وراءه قيامًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ استقبلتُ منْ أَمرِي مَا استدبرتُ مَا صليِّتُمْ إِلّا قُعودًا، فصلُّوا بصلاةِ إِمامِكُمْ ما كانَ إِنْ صلَّى قَائِمًا فصلُّوا قيامًا، وإنْ صلَّى قَاعِدًا فصلُّوا قُعودًا" (¬3). هذا مرسل. النسائي، عن أنس قال: آخر صلاة صلَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحًا خلف أبي بكر (¬4). الترمذي، عن عائشة قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه خلف أبي بكر قاعدًا في ثوبه متوشحًا به (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (418). (¬2) انظر التمهيد (6/ 145). (¬3) رواه عبد الرزاق في المصنف (4074). (¬4) رواه النسائي (2/ 79). (¬5) رواه الترمذي (363).

قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي طريق أخرى: في مرضه الذي مات فيه. وذكر الدارقطني عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الشعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يؤمنّ أحدٌ بعدِي جَالِسًا" (¬1). هذا مرسل، وجابر بن يزيد متروك. وقد رواه مجالد عن الشعبي، ومجالد ضعيف. مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: "أَمعكَ ماءٌ؟ " فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كمُّ الجبة، فأخرج يده من تحت الجبة، وألقى الجبة على منكبيه، وغسل ذراعيه، ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه، ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم، وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر، فأوما إليه، فصلى بهم، فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت، فركعنا الركعة التي سبقتنا (¬2). زاد في طريق آخر ثم قال: أحسنتم أو أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها، وفيها فأردت تأخير عبد الرحمن بن عوف، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ" (¬3). أبو داود، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى (¬4). البخاري، عن عبد الله بن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العُصْبَةَ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 398). (¬2) رواه مسلم (274). (¬3) رواه مسلم (274) في الصلاة (1/ 317 - 318). (¬4) رواه أبو داود (595).

(موضع بقباء) قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا (¬1). وعنه قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر وزيد وعامر بن ربيعة (¬2). وعن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل، بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: "لَنْ يفلحَ قومٌ ولّوا أمرَهُمُ امرأةً" (¬3). وذكر أبو داود عن الوليد عن عبد الله بن جميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة بنت الحارث قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها في بيتها، قال: وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها (¬4). ورواه الوليد بن جميع أيضًا عن جدته عن أم ورقة (¬5). وروي من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر: "أَلَا لَا يؤمن امرأةٌ رجلًا، ولَا يؤمنّ أعرابيٌ مُهاجرًا، ولَا يؤمنّ فاجرٌ برًا، إِلّا أَن يكونَ ذَا سُلطانٍ". هذا يرويه علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر والأكثر يضعف علي بن زيد. وذكره أبو محمد في كتاب الإعراب من طريق عبد الملك بن حبيب، عن أسد بن موسى وعلي بن معد كلاهما عن فضيل بن عياض عن علي بن زيد. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (692). (¬2) رواه البخاري (7175). (¬3) رواه البخاري (4425 و 7099). (¬4) رواه أبو داود (592). (¬5) رواه أبو داود (591).

مسلم، عن ابن عباس قال: بت ذات ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي تطوعًا من الليل، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى القربة، فتوضأ، فقام، فصلى، فقمت لمَّا رأيته صنع ذلك، فتوضأت من القربة، ثم قمت إلى شقه الأيسر، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك من وراء ظهره إلى شقه الأيمن (¬1). أبو داود، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: استاذن علقمة والأسود على عبد الله، وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية، فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام يصلي بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل (¬2). أبو داود، عن بشير بن خلاد، عن أمه قالت: دخلت على محمد بن كعب فسمعته يقول: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وسّطُوا الإمامَ وسُدُّوا الخللَ" (¬3). ليس هذا الإسناد بقوي ولا مشهور. مسلم، عن جابر قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانتهينا إلى مشْرَعَةٍ، فقال: "أَلَا تشرعُ يَا جابِرُ؟ " قلت: بلى، قال: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشرعت ثم ذهب لحاجته، ووضعت له وَضُوءًا قال: فجاء فتوضأ، ثم قام فصلى في ثوب واحد خالف بين طرفيه، فقمت خلفه، فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه (¬4). زاد في طريق آخر: وجاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (763). (¬2) رواه أبو داود (613). (¬3) رواه أبو داود (681). (¬4) رواه مسلم (766).

فأخذ بيدينا جميعًا، فدفعنا حتَّى أقامنا خلفه، كان هذا في غزوة تبوك (¬1). مسلم، عن ثابت، عن أنس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، قال: "قُومُوا فلأصلِّ بِكُمْ" في غير وقت صلاة، فصلى بنا، فقال رجل لثابت: أين جعل أنسًا منه؟ قال: جعله عن يمينه، ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة، فقالت أمي: يا رسول الله خويدمك ادع الله له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان آخر ما دعا لي به أن قال: "اللَّهُمَّ أكثِرْ مالَهُ وولدَهُ، وباركْ لَهُ فيهِمَا" (¬2). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا (¬3). البخاري، عن أنس أيضًا قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمي أم سليم خلفنا (¬4). قال أبو عمر بن عبد البر في هذا الباب حديث موضوع وضعه إسماعيل بن يحيى بن عبيد التميمي عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرأةُ وَحْدُهَا صفٌ". قال: ولا يعرف إلا بإسماعيل ذكره في التمهيد في باب إسحاق (¬5). أبو داود، عن عقبة بن عامر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ أَمَّ النَّاسَ فأصابَ الوقتَ فَلَهُ ولهُمْ، ومنِ انتقصَ منْ ذلِكَ شيئًا فعليهِ ولَا عليهِمْ" (¬6). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلي مع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3010). (¬2) رواه مسلم (660). (¬3) رواه مسلم (658). (¬4) رواه البخاري (727). (¬5) انظر التمهيد (1/ 268). (¬6) رواه أبو داود (580).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (¬1). ذكر قوم بأن معاذًا إنما كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نافلة، وكان يصلي فريضته بقومه، واحتجوا بحديث روي عن عمرو بن يحيى المازني، عن معاذ بن رفاعة، عن رجل من بني سَلمَة، يقال له سليم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فيأتي معاذ فيطول علينا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا معاذُ لَا تكُن فتَّانًا إِمَّا أَن تخففَ لِقومِكَ، أَوْ تجعلَ صلاتَكَ مَعِي". وهذا منقطع؛ لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أدرك هذا الذي شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذا الشاكي قتل يوم أحد (¬2). ذكر الحديث والتعليل أبو محمد علي بن أحمد، وكذا رأيت في مسند أبي بكر البزار، أن هذا الشاكي قتل يوم أحد، كما ذكر أبو محمد، واسم هذا الرجل سُليم بياء التصغير، وكذا عن أبي محمد أيضًا في موضع آخر وهو الصواب. مسلم، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أمَّ أحدكُمُ النَّاسَ فَليخففْ، فَإنَّ فِيهمِ الصغيرَ والكبيرَ، والضعيفَ والمريضَ، وإِذَا صلَّى وحدَهً فليصلِّ كيفَ شاءَ" (¬3). وعن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمّ قومَكَ" قال: قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئًا، قال: "ادنهْ" فجلَّسني بين يديه، ثم وضع كفه في صدري بين ثدييَّ، ثم قال: "تحوّلْ" فوضعهما في ظهري بين ¬

_ (¬1) رواه مسلم (465). (¬2) انظر المحلى (4/ 230) والحديث رواه أحمد (5/ 74) والطحاوي (1/ 409) والطبراني في الكبير (6391). (¬3) رواه مسلم (467).

كتفي ثم قال: "أمّ قومَكَ، فمن أمَّ قومًا فليخففْ، فإنْ فيهمِ الكبيرَ، وإنَّ فيهمِ المريضَ، وإنَّ فيهمِ الضعيفَ، وإِن فيهمِ ذَا الحاجةِ، وإذَا صَلَّى أحدُكُمْ وحدَهُ فليصلِّ كيفَ شاءَ" (¬1). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني لأتاخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال: "يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنفرينَ، فأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَليوجِزْ، فَإِنْ مِنْ وَرَائِهِ الكبيرَ والضَعيفَ وذَا الحِاجةِ" (¬2). وعن أنس قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم لها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). البخاري، عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي لأقومُ في الصلاةِ أريدُ أنْ أطوّل فِيهَا، فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ، فأتجوّزُ فِي صلَاتِي كراهيةَ أَنْ أشقَّ عَلَى أُمِّهِ" (¬4). النسائي، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات (¬5). البخاري، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلح بينهم في أناس معه، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (468). (¬2) رواه مسلم (466). (¬3) رواه مسلم (469). (¬4) رواه البخاري (707 و 868). (¬5) رواه النسائي (2/ 95).

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ فقال: نعم إن شئت، فأقام بلال، وتقدم أبو بكر فكبر للناس، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ورجع القهقرى وراءه حتَّى قام في الصف فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى للناس، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لكُمْ حينَ نابَكُمْ شيءٌ في الصَّلاةِ أخذتُمْ في التصفيقِ، إِنَّما التصفيقُ للنِّساءِ، منْ نابَهُ شيءٌ في صلاتِهِ فليقلْ سبحانَ اللهِ، فإِنَّهُ لَا يسمعْهُ أحَدٌ حينَ يقولُ سبحانَ اللهِ، إلَّا التفتَ، يَا أَبَا بَكرٍ مَا منعكَ أَنْ تُصلِّي للناسِ حينَ أشرتُ إِليكَ" فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). أبو داود، عن سهل بن سعد أيضًا قال: كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال: "إِنْ حضرتْ صلاةُ العصرِ ولَمْ آتِكَ فمُرْ أَبَا بكرٍ فليصلِّ بالنَّاسِ. . . وذكر الحديث" (¬2). وذكر الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن القطامي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ فرعفَ أَوْ قاءَ، فليضعْ يدَهُ عَلَى فِيهِ، وينظرْ رجلًا منَ القومِ لَمْ يسبقْ بشيءٍ منْ صلاتِهِ فيقدّمهُ ويذهبْ فيتوضأْ ثُمَّ يجيءُ، فيبْنِي عَلى صلاتِهِ مَا لَمْ يتكلّمْ، فَإِنْ تكلَّمَ استأنفَ الصَّلاةَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1234) بهذا اللفظ، ورواه (684 و 1201 و 1204 و 1218 و 2690 و 2693 و 7190) أيضًا بغير هذا اللفظ. (¬2) رواه أبو داود (941). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 43).

عبد الرحمن هذا بصري يرمى بالكذب. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جاء أخذ القراءة من حيث بلغ أبو بكر. وذكره البزار عن العباس. قال البخاري: لم يذكر أبو إسحاق سماعًا من أرقم. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان أرقم ثقة جليلًا، وقال عن أبي إسحاق كان أرقم بن شرحبيل من أشرف الناس ومن خيارهم. قال أبو عمر بن عبد البر: هم إخوة ثلاثة أرقم وعمر وهذيل بنو شرحبيل، قال: والحديث صحيح. مسلم، عن أبي حازم أن نفرًا جاؤوا إلى سهل بن سعد قد تماروا في المنبر من أي عود هو؟ فقال: أما والله إني لأعرف من أي عود هو، ومن عمله، ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول يوم جلس عليه، قال: فقلت له: يا أبا عباس فحدثنا، قال: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ أن مُري [انظري] غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عليه، فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: "يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إنّما صنعتُ هَذا لتأتمُّوا بِي ولتعلَمُوا صلاتِي" (¬1). أبو داود، عن عدي بن ثابت قال: حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار بن ياسر وقام على دكان يصلي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (544).

والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة، فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا أمَّ الرجلُ القومَ فَلَا يقمْ فِي مكانٍ أرفعَ منْ مكانِهِمْ" أو نحو ذلك، فقال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي (¬1). هذا منقطع، ووصله من طريق آخر صحيح عن همام بن حذيفة، أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فاخذ أبو مسعود بقميصه، فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، أو ينهى عن ذلك، قال: إلى قد ذكرت حين جبذتني. وذكر الدارقطني من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم الإمام فوق شيء، والناس خلفه، يعني أسفل منه (¬2). في إسناده زياد بن عبد الله البكائي، وتفرد بهذا الطريق وهو ضعيف. مسلم، عن أنس قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إمامكُمْ فَلا تسبقونِي بالرّكوعِ ولَا بالسجودِ ولَا بالقيامِ ولَا بالانصرافِ، فإنِّي أراكُمْ أَمامِي ومنْ خَلفِي" ثم قال: "الَّذِي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لَوْ رأيتُمْ مَا رأيتُ لضحكتُمْ قَليلًا ولبكيتُمْ كثيرًا" قالوا: ما رأيت يا رسول الله؟ قال: "رأيتُ الجنَّةَ والنَّارَ" (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمُ بِه، فإِذَا كبَّرَ فكبِّرُوا ولا تكبرُوا حتَّى يكبّرَ، وإِذَا ركعَ فاركعُوا ولَا تركعُوا حتَّى يركعَ، وإِذَا قَالَ: سمعَ اللهُ لمنْ حمدَهُ فقولُوا: اللَّهُمَّ ربّنَا لكَ الحمدُ، وإِذَا سجدَ فاسجدُوا ولَا تسجدُوا حتَّى يسجدَ، وإِذَا صلّى قَائِمًا فصلُّوا قيامًا، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (598). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 88). (¬3) رواه مسلم (426).

وإِذَا صلَّى قاعِدًا فصلُّوا قعودًا أجمعونَ" (¬1). وقال مسلم: "إِنَّمَا الإمامُ ليؤتمُ بهِ فَلا تختلِفُوا عليهِ" (¬2). أبو داود، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُبادرونِي بركوعٍ ولَا سجودٍ، فإِنَّهُ مَهمَا أسبقكُمْ بِهِ إِذَا ركعتُ فإنكُمْ تدركونِي بهِ إِذَا رفعتُ إِني قَدْ بدنْتُ" (¬3). وزاد فيه الحميدي "مَهْمَا أسبقكُمْ بهِ إِذَا سجدتُ فَإِنكُمْ تدركونِي بِه إِذَا رفعتُ" خرجه في مسنده (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يأمنُ الَّذي يرفَعُ رأسَهُ في صلاتِهِ قبلَ الإِمامِ أَنْ يحوّلَ اللهُ صورَتَهُ صورةَ حمارٍ". وفي طريق آخر "رأسَهُ رأسَ حمارٍ". وفي أخرى: "وجهَهُ وجهَ حمارِ" (¬5). وعن البراء بن عازب أنهم كانوا يصلون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر أحدًا يحني ظهره، حتَّى يضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبهته على الأرض، ثم يخرّ من وراءه سجدًا (¬6). وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرًا، وقال لهم: "تقدمُوا فائتَمُّوا بِي وليأتمّ بكُمْ مَنْ بعدكُمْ، لَا يزالُ قومٌ يتأخرونَ حتَّى يُؤخِرهُمُ اللهُ في النَّارِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (603). (¬2) رواه مسلم (414). (¬3) رواه أبو داود (619). (¬4) رواه الحميدي في مسنده (602). (¬5) رواه مسلم (427). (¬6) رواه مسلم (474). (¬7) رواه مسلم (438).

وعن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: "مكانكُمْ" فلم نزل قيامًا ننتظره حتَّى خرج إلينا، وقد اغتسل ينطف رأسه ماء، فكبر وصلى لنا (¬1). خرجه أبو داود من حديث أبي بكرة وقال في أوله "فكبّرُوا" وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: "إِنَّما أَنَا بشرٌ، وإِنِّي كُنْتُ جُنبًا" وذكر أنها كانت صلاة الفجر (¬2). وخرجه الدارقطني من حديث أنس قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة فكبر وكبرنا معه، ثم أشار إلى القوم كما أنتم، فلم نزل قيامًا حتَّى أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اغتسل، وذكر ورأسه يقطر ماءً (¬3). وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم وهو ابن أبي يحيى، عن رجل، عن أبي جابر البياضي، عن ابن المسيب، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة بأصحابه وهو جنب، فأعاد بهم (¬4). إبراهيم وأبو جابر متروكان، الشافعي يوثق ابن أبي يحيى هذا، وسئل عنه مالك بن أنس أكان ثقة؟ فقال: لا ولا في دينه. الترمذي، عن أنس قال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما تقام الصلاة يكلمه الرجل يقوم بينه وبين القبلة، فما يزال يكلمه، فلقد رأيت بعضنا ينعس من طول قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (605). (¬2) رواه أبو داود (233). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 362). (¬4) رواه عبد الرزاق في المصنف (3660). (¬5) رواه الترمذي (517).

مسلم، عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أقيمتِ الصلاةُ فَلَا تقومُوا حتَّى ترونِي" (¬1). الترمذي، عن جابر بن سمرة قال: كان مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمهل فلا يقيم حتَّى إذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج أقام الصلاة حين يراه (¬2). مسلم، عن أبي مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استوُوا ولا تختلِفُوا فتختلف قلوبُكُمْ، ليلنِي منكُمْ أولو الأحلامِ والنُّهَى، ثمَّ الذينَ يلونَهُمْ، ثمَّ الذينَ يلونَهُمْ" قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا (¬3). وعن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللَّهمَّ أنتَ السَّلامُ ومنكَ السَّلامُ تَباركتَ ذَا الجلالِ والإكرامِ" (¬4). البخاري، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرًا. قال ابن شهاب: فنرى والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن فروخ الإفريقي. وقيل: إنه خراساني قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أنس قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان ساعة يسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر، فكان إذا سلم وثب كأنه يقوم على رضفة. قال: أحاديث عبد الله بن فروخ بهذا الإسناد مناكير (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (604). (¬2) رواه مسلم (606). (¬3) رواه مسلم (432). (¬4) رواه مسلم (592). (¬5) رواه البخاري (849). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1516).

البخاري، عن سمرة بن جندب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه. أبو داود، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يصلِّ الإمامُ في الموضعِ الَّذي صلَّى فيهِ حتَّى يتحولَ" (¬1). رواه عبد العزيز بن عبد الملك القرشي، عن عطاء الخراساني، عن المغيرة ولم يدركه. وقد رواه غياث بن إبراهيم، وكان كذابًا عندهم نسبه إلى الكذب ابن معين وغيره، عن شعيب عن عطاء، عن عروة بن المغيرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أبو داود، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَضَى الإِمامُ الصَّلاةَ وقعدَ، فأَحدثَ قبلَ أَنْ يتكلَّمَ فَقَدْ تَمّتْ صلاتَهُ، ومنْ كانَ خلفَهُ ممّنْ أَتمَّ صَلاتَهُ" (¬2). في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. ورواه الترمذي وقال: وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إِذَا جئتُمْ إِلى الصلاةِ ونحنُ سجودٌ فاسجدُوا وَلَا تعدُّوهَا شيئًا، ومنْ أدركَ الركعةَ فقدْ أدرَكَ الصَّلاةَ" (¬4). هذا يرويه يحيى بن أبي سليمان وهو مضطرب الحديث. وخرجه الدارقطني ولفظه: "منْ أدركَ ركْعَةً منَ الصَّلاةِ فقدْ أدركَها قَبْلَ أَنْ يقيمَ الإمامُ صُلبَهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (616). (¬2) رواه أبو داود (617). (¬3) رواه الترمذي (408). (¬4) رواه أبو داود (893). (¬5) رواه الدارقطني (1/ 346 - 347).

وهذه الزيادة إنما هي من حديث يحيى بن حميد المصري، عن قرة بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يتابع يحيى عليها، وقرة ضعيف عندهم. وذكر الترمذي من حديث علي ومعاذ بن جبل قالا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتى أحدُكُمْ الصَّلاةَ والإمامُ عَلَى حالٍ فليصنعْ كَمَا يصنعُ الإِمامُ" (¬1). إسناد حديث علي ضعيف، وإسناد حديث معاذ منقطع. وقال أبو عيسى في هذا الحديث: حديث غريب. أبو داود، عن يحيى الكاهلي، عن المسور بن يزيد المالكي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وربما قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصلاة، فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلَا أذكرتَنِيهَا" قال: كنت أراها نسخت (¬2). يحيى بن كثير الكاهلي ليس بقوي. أبو داود، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى صلاة فقرأ فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: "أصليتَ مَعنَا؟ " قال: نعم، قال: "فَمَا مَنعكَ" (¬3). أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عليُّ لَا تفتحْ عَلَى الإمامِ فَي الصَّلاةِ" (¬4). هذا منقطع. أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلًا يصلي وحده، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (591). (¬2) رواه أبو داود (907). (¬3) رواه أبو داود في آخر الحديث (907). (¬4) رواه أبو داود (908).

فقال: "أَلَا رجل يتصدّقُ علَى هذَا فيصلِّي مَعَهُ" (¬1). ذكر أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث وقال فيه: فقام رجل ممن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى معه. وذكره أبو داود في المراسيل عن القاسم أبي عبد الرحمن، وقال: "أَلَا رجل يتصدقُ عَلى هَذا فيتمّ لَهُ صلاتَه، فقام رجل فصلى معه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَهذه منْ صَلاةِ الجَماعةِ" (¬2). وذكر فيها من مراسيل الحسن، أن أبا بكر الصديق كان الذي صلى معه، قال: وقد كان صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث سعيد بن زربي، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الاثنانِ جماعةٌ، والثلاثةُ جماعةٌ، وما كَثُرَ فَهُوَ أحبُّ" (¬4). سعيد بن زربي عنده غرائب لا يتابع عليها، وهو ضعيف الحديث. وقد ذكره أبو أحمد أيضًا من حديث الحكم بن عمير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثنانَ فَما فوقَ ذَلِكَ جماعةٌ" (¬5). وهذا رواه عيسى بن إبراهيم بن طهمان وهو منكر الحديث ضعيف عندهم. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (574). (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 333). (¬3) انظر تحفة الأشراف (13/ 166). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1203) وفيه "وما كثر فهو خير". (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1890).

باب في سترة المصلي، وما يصلي إليه وما نهي عنه من ذلك

باب في سترة المصلي، وما يصلي إليه وما نُهي عنه من ذلك أبو بكر بن أبي شيبة، عن سبرة بن معبد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيستترْ أحدُكُمْ لِصَلاتِهِ وَلَوْ بسَهْمٍ" (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُجزِئُ منِ السترةِ مثلَ مؤخرةِ الرحلِ وَلوْ برقِ شعرةٍ" (¬2). في إسناده محمد بن القاسم أبو إبراهيم الأسدي وهو متروك. أبو داود، عن سفيان هو ابن عيينة، عن صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صلَّى أحدُكُمْ إِلى سترةٍ، فليدنُ منهَا لَا يقطعِ الشيطانُ عليهِ صلاتَهُ" (¬3). قال أبو عمر: اختلف في إسناد حديث سهل، وهو حديث حسن. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن إسحاق بن سويد أن عمر بن الخطاب أبصر رجلًا يصلي بعيدًا من القبلة، فقال: تقدم ولا تفسد عليك صلاتك، وما قلت لك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول. إسحاق لم يدرك عمر. أبو داود، عن المقداد بن الأسود قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى عود ولا عمود، ولا شجرة إلا جعله عن حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد إليه صمدًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/ 278). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2263 - 2254). (¬3) رواه أبو داود (695). (¬4) رواه أبو داود (693).

ليس إسناده بقوي، ولكن عمل به جماعة من العلماء على ما ذكر أبو عمر بن عبد البر. مسلم، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أحدُكُمْ يصلِّي فإنّه يسترهُ إِذَا كانَ بنَ يديهِ مثلَ آخرةِ الرّحلِ، فَإِذَا لَمْ يكنْ بَينَ يديهِ مثلَ آخرةِ الرّحلِ، فإِنَّهُ يقطعُ صلاتَهُ الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ" قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر، قال يا ابن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما سألتني فقال: "الكلبُ الأسودُ شيطانٌ" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقطعُ الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ ويَقِي ذَلِكَ مثلَ مؤخرةِ الرّحلِ" (¬2). وذكر النسائي عن العباس بن عبد المطلب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت سبعًا، ثم صلى ركعتين، بحذائه في حاشية المقام ليس بينه وبين الطواف أحد (¬3). هذا منقطع. وذكر النسائي أيضًا عن الفضل بن عباس قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسًا في بادية لنا، ولنا كليبة وحمارة ترعى، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر، وهما بين يديه، فلم يزجرا ولم يؤخرا (¬4). إسناده ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (510). (¬2) رواه مسلم (511). (¬3) رواه النسائي (2/ 67) ولكنه من حديث المطلب وليس من حديث العباس، وليس فيه انقطاع. (¬4) رواه النسائي (2/ 65).

وذكر أبو داود أيضًا عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ إِلى غيرِ سترةٍ، فإِنَّهُ يقطعُ صَلاتَهُ الكلبُ والحمارُ والخنزيرُ والمجوسيُّ واليهوديُ والمرأةُ، ويجزئُ عنهُ إِذَا مرُّوا بينَ يديهِ عَلى قذفةٍ بحجرٍ" (¬1). إنما يصح من هذا ذكر المرأة والكلب والحمار. وذكر أيضًا عن سعيد بن غزوان، عن أبيه أنَّه مر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك وهو يصلي، فقال: "قَطعَ صلاتَنَا قَطعَ اللهُ أثَرَهُ" فما قمت عليها إلى يومي هذا، يعني على رجليه (¬2). إسناده ضعيف. أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ فليجعلْ تلقاءَ وجهِهِ شيئًا، فإِنْ لَمْ يَجِدْ فلينصبْ عصَاهُ، فإنْ لَمْ تكُنْ معَه عصًا، فليخططْ خطًّا ثُمّ لَا يضرّهُ مَا مرَّ أمامَهُ" (¬3). صحح أحمد بن حنبل وعلي بن المديني هذا الحديث، وضعفه غيرهما من أجل رواية أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث له عن جده حريث، ويقال أبو محمد بدل أبي عمرو، ولم يقل مالك ولا أبو حنيفة ولا الليث بالخط. وقد روي حديث الصلاة إلى الخط عن أبي هريرة من طرق ولا يصح ولا يثبت الحديث، ذكر ذلك الدارقطني. وقال أحمد بن حنبل: الخط بالعرض حوراء مثل الهلال يعني منعطفًا. وقال غيره: الخط بالطول. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (704) وعنده بتقديم اليهودي على المجوسي. (¬2) رواه أبو داود (707). (¬3) رواه أبو داود (689).

مسلم، عن أبي جحيفة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالأبطح في قبة حمراء من أدم، قال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح، قال: فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضأ وأذن بلال، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يمينًا وشمالًا، حي على الصلاة حي على الفلاح، قال: ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، ثم صلى العصر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة. وفي طريق أخرى: ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة. وفي أخرى: وكان تمر من ورائها المرأة والحمار (¬1). وعن سهل بن سعد قال: كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر الشاة (¬2). البخاري، عن ابن عمر، وذكر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة قال فيه: بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع (¬3). مسلم، عن ابن عباس قال: أقبلت راكبًا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد (¬4). قال البخاري: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (503). (¬2) رواه مسلم (508) وفي المخطوطة ممر العنز وفي صحيح مسلم كما أثبتنا. (¬3) رواه البخاري (506). (¬4) رواه مسلم (504). (¬5) رواه البخاري (76 و 493 و 861 و 1857 و 4412).

وفي بعض طرقه فسار الحمار بين يدي بعض الصف (¬1). وقال النسائي في هذا الحديث: فلم يقل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا" (¬2). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ إِلى شيءٍ يسترهُ منَ النَّاسِ، فارادَ أحدٌ أَنْ يجتازَ بينَ يديهِ، فليدفعْ في نحرهِ، فَإِنْ أبَى فليقاتِلْهُ، فإِنّما هُو شيطانٌ" (¬3). وفي لفظ آخر: "إِذَا كانَ أحدُكُمْ يصلِّي، فلَا يدعْ أَحدًا يمرُّ بينَ يديهِ، وليدرأْهُ ما استطاعَ، فإِنْ أبَي فليقاتلْهُ فإِنّمَا هُوَ شيطانٌ". وفي لفظ للبخاري: "إِذَا مرَّ بينَ يدي أحدِكُمْ شيءٌ وهُوَ يصلِّي، فَليمنعْهُ، فَإِنْ أَبي فليمنَعْهُ، فَإنْ أَبَى فليقاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شيطانٌ" (¬4). أبو داود، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ، وادرؤُوا ما استطعتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شيطانٌ" (¬5). هذا يرويه مجالد بن سعيد وهو ضعيف الحديث. ورواه عفير بن معدان، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وعفير ضعيف ذكر حديثه الدارقطني. وذكر عن عمر بن عبد العزيز، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله سبحان الله، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ المُسبح آنفًا سبحانَ اللهِ وبحمدهِ؟ " قال: أنا يا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4412). (¬2) رواه النسائي (2/ 64 - 65). (¬3) رواه مسلم (505). (¬4) رواه البخاري (3274). (¬5) رواه أبو داود (719). (¬6) رواه الطبراني في الكبير (7688).

رسول الله، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، فقال: "لَا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ" (¬1). قال: اختلف في إسناده والصواب مرسل عن عمر. وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يقطعُ الصَّلاةَ كلبٌ ولَا حمارٌ ولَا امرأةٌ، وادرأْ مَا مرَّ أمامَكَ" (¬2). الحديث ذكره أبو أحمد، وإسحاق هذا متروك. وذكر عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الهرةُ لَا تقطعُ الصَّلاةَ إِنّها مِنْ متاعِ البيتِ" (¬3). عبد الرحمن يكتب حديثه على ضعفه، وهذا الحديث ذكره البزار. وذكر أبو داود في المراسيل عن قبيصة بن ذؤيب، أن قطًا أراد أن يمر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فحبسه برجله (¬4). أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه، فجعل يتقيه (¬5). وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده: فجعل يتقدم ويتأخر حتى نزا الجدي (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 367) والبيهقي (2/ 278) والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (8 و 9). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 321). (¬3) رواه البزار (584 كشف الأستار) وعنده "لا يقطع الهر الصلاة، وإنما هي من متاع البيت". (¬4) انظر تحفة الأشراف (13/ 337). (¬5) رواه أبو داود (709). (¬6) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/ 283).

وقال: عن وكيع، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن قيس، عن أمه، عن أم سلمة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فمر بين يديه عبد الله، أو عمر بن أبي سلمة، فقال بيده، فرجع، فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هُنَّ أَغلَب" (¬1). مسلم، عن أبي جهيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يعلمُ المارُّ بينَ يدي المُصلِّي ماذَا عليهِ، لكانَ أَنْ يقفَ أربعينَ خيرًا لَهُ منْ أَنْ يمرَّ بينَ يديهِ". قال أبو النضر: لا أدري أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة (¬2). في مسند البزار "أَربعينَ خَرِيفًا". مسلم، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يعرض راحلته، فيصلي إليها، قلت: أفرأيت إذا هبت الركاب، قال: كان يأخذ الرجل فيعدله، فيصلي إلى آخرته أو قال: مؤخره، وكان ابن عمر يفعله (¬3). النسائي، عن علي قال: لقد رأيتنا ليلة بدر، وما فينا إنسان إلا نائمًا إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتَّى أصبح (¬4). مسلم، عن يزيد بن أبي عبيد قال: كان سلمة يعني ابن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت له: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند الأسطوانة، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى الصلاة عندها (¬5). أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تصلُّوا خلفَ النّائمِ ولَا المتحدثِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/ 283). (¬2) رواه مسلم (507). (¬3) رواه مسلم (502) لكن هذا ليس لفظه، بل لفظ البخاري (507). (¬4) رواه النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (7/ 347 - 348). (¬5) رواه مسلم (509). (¬6) رواه أبو داود (694).

خرجه بإسناد منقطع ولا يصح بغيره أيضًا. وذكره الدارقطني عن محمد ابن الحنفية عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا صلى إلى رجل أن يعيد الصلاة. رفعه عن عبد الأعلى الثعلبي عن ابن الحنفية، عن علي، وعبد الأعلى مضطرب الحديث، وقد روي عنه مرسلًا عن ابن الحنفية، قال: وهو أشبه بالصواب، كذا قال في عبد الأعلى وفي تضعيفه أكثر من هذا (¬1). وذكر هذا الحديث أبو داود في مراسيله، عن عبد الأعلى أيضًا عن ابن الحنفية، قال فيه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة، فقال: لم يا رسول الله إني قد أتممت الصلاة؟ فقال: "إِنّكَ صليتَ وأنتَ تنظرُ إِليهِ مستقبلَهُ" (¬2). وذكر أبو داود في كتابه عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة قالت: كنت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة. قال شعبة: أحسبها قالت وأنا حائض (¬3). رواه جماعة جلة عن عروة والزهري وعطاء وغيرهما، وجماعة جلة أيضًا عن عائشة والأسود والقاسم ومسروق وأبو سلمة، فلم يقل واحد منهم وأنا حائض، ذكرهم كلهم أبو داود. مسلم، عن عروة قال: قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ فقلت: المرأة والحمار، فقالت: إن المرأة لدابَّةُ سوءٍ لقد رأيتني بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي (¬4). ¬

_ (¬1) في المخطوطة رفعه العلاء التغلبي وهو خطأ. (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 364). (¬3) رواه أبو داود (710). (¬4) رواه مسلم (512).

باب في الصفوف وما يتعلق بها

البخاري، عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي، وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه (¬1). مسلم، عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح (¬2). وعنها، أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدودة إلى سهوة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إليه فقال: "أَخّرِيهِ عنِّي" قالت: فأخرته فجعلته وسائد (¬3). وقال البخاري: "أَمِيطِي عَنّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّه لاَ يزالُ تصاويرَهُ تعرَضُ فِي صَلاتي" (¬4). مسلم، عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تجلسُوا عَلَى القبورِ، ولا تصلُّوا إِليهَا" (¬5). أبو داود، عن أبي الحجاج الطائي رفعه، قال: نهى أن يتحدث الرجلان وبينهما أحد يصلي. ذكره في المراسيل (¬6). باب في الصفوف وما يتعلق بها مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ صفوفِ الرّجالِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (384). (¬2) رواه مسلم (512). (¬3) رواه مسلم (2107). (¬4) رواه البخاري (374). (¬5) رواه مسلم (972). (¬6) انظر تحفة الأشراف (13/ 445).

أَولُهَا وشرّها آخرُهَا، وخيرُ صفوفِ النّساءِ آخرُهَا وشرُّهَا أَوّلُها" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ يعلمُ النّاسُ مَا فِي النداءِ والصفِّ الأولِ، ثُمَ لَمْ يجدُوا إِلّا أَنْ يستهِمُوا عليهِ لاستهمُوا، وَلَوْ يعلمونَ مَا فِي التّهجيرِ لاستَبقُوا إِليهِ، ولَوْ يعلمونَ مَا فِي العتمةِ والصبحِ لأَتوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا" (¬2). أبو داود، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لاَ تَختلِفُوا فتختلفَ قلوبَكُمْ" وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الله وملائِكَتَهُ يُصلُونَ علَى الصفوفِ الأُوَلِ" (¬3). أبو داود، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله وملائكَتَهُ يصلُّونَ علَى ميامينِ الصفوفِ" (¬4). النسائي، عن عرباض بن سارية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على الصف الأول ثلاثًا، وعلى الثانى واحدة (¬5). مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله: "سوُّوا صفوفَكُمْ، فَإنَّ تسويةَ الصفِ منْ تَمامِ الصّلاةِ" (¬6). وفي لفظ آخر: "أقيمُوا الصفَّ فِي الصّلاةِ، فإنّ إقامةَ الصفِ منْ حُسنِ الصّلاةِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (440). (¬2) رواه مسلم (437). (¬3) رواه أبو داود (664). (¬4) رواه أبو داود (676). (¬5) رواه النسائي (2/ 92 - 93). (¬6) رواه مسلم (433). (¬7) رواه مسلم (435).

وعن أنس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتمُّوا الصفوفَ فَإِنِّي أراكُمْ خَلفَ ظهرِي" (¬1). زاد البخاري: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه (¬2). وله عن أنس أيضًا قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فقال: "أَقيمُوا صفوفَكُمْ وتراصُّوا، فَإني أراكُمْ منْ وراءِ ظَهرِي" (¬3). أبو داود، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رصُّوا صفوفَكُمْ وقَارِبُوا بينَها، وحاذُوا بالأَعناقِ، فوالّذِي نفسِي بيدهِ إِنِّي لأرى الشياطينَ تدخلُ منْ خللِ الصّفِّ كأَنّها الحذفُ" (¬4). الحذف غنم صغار حجازية أحدها حذفة، والحذف ضرب من الطير صغار الجروم. وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَقيمُوا الصّلاةَ وحاذُوا بينَ المناكبِ، وسدُوا الخللَ، ولينُوا بايدي إخوانكُمْ، ولاَ تذَرُوا فَرجاتٍ للشيطانِ، ومنْ وصلَ صفا وصلَهُ الله، ومنْ قطعَ صفًّا قطعَهُ الله" (¬5). وعن عمارة بن ثوبان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيارُكُمْ ألينكُمْ مناكبَ فِي الصّلاةِ" (¬6). عمارة ليس بقوي. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا لِي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (434). (¬2) رواه البخاري (725). (¬3) رواه البخاري (719). (¬4) رواه أبو داود (667). (¬5) رواه أبو داود (666). (¬6) رواه أبو داود (672).

أراكُمْ رافعِي أيديكُمْ كأَنَّها أذنابُ خيلٍ شُمسٍ، اسكنُوا فِي الصّلاةِ" قال: ثم خرج علينا، فرآنا حلقًا فقال: "مَالي أراكمُ عزينَ" قال: ثم خرج علينا فقال: "ألاَ تصفُّونَ كَما تصفّ الملائكةُ عندَ ربِّهَا" فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمُّونَ الصُفوفَ الأُولِ، ويتراصُون فِي الصّف" (¬1). النسائي، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتمُّوا الصفَّ الأولَ ثُمّ الذِي يليهِ، فإِنْ كانَ نقصٌ فَليكُنْ فِي الصف المؤخرِ" (¬2). مسلم، عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأينا أنا قد عَقَلْنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف، فقال: "عبادُ اللهِ لتسونَّ صفوفَكُمْ، أَو ليخالفنَّ الله بينَ وجوهِكُمْ" (¬3). أبو داود، عن النعمان قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر (¬4). مسلم، عن أبي هريرة، أن الصلاة كانت تقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأخذ الناس مصافهم، قبل أن يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقامه (¬5). الترمذي، عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس، فصلينا بين ساريتين، فلما صلينا قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (430). (¬2) رواه النسائي (2/ 93). (¬3) رواه مسلم (436). (¬4) رواه أبو داود (665). (¬5) رواه مسلم (605). (¬6) رواه الترمذي (229) وأبو داود (673) والنسائي (2/ 94) وأحمد (3/ 131) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهو عندهم بأسانيد متعددة.

ليس عبد الحميد ممن يحتج بحديثه. وذكر أبو أحمد من حديث أبي سفيان طريف بن شهاب السعدي عن ثمامة عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بين الأسطوانتين (¬1). وأبو سفيان ضعيف وقد مر ذكره بأكثر من هذا الكلام. أبو داود، عن أبي بكرة أنه جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع، فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "أيّكُمُ الّذِي ركعَ دونَ الصفِّ ثُمَّ مَشَى إِلى الصّفِّ؟ " فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "زادكَ اللهُ حرْصًا ولاَ تعدْ" (¬2). خرجه البخاري (¬3). وهذا أبين، وحديث أبي بكرة هذا أصح حديث في الصلاة خلف الصف. أبو داود، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة بن معبد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة (¬4). في إسناد حديث وابصة اضطراب، وأثبته جماعة، ذكر ذلك أبو عمر في التمهيد، كذا قال أبو عمر؛ لأن شعبة رواه كما تقدم، ورواه حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي، ونحن بالرقة معًا على شيخ يعرف بوابصة بن معبد من بني أسد، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ أن رجلًا صلى خلف الصف وحده، والشيخ يسمع، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الصلاة، ذكر هذا الإسناد أبو عيسى الترمذي. قال أبو عيسى: حديث حصين عندي أصح من حديث عمرو بن مرة، ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1438). (¬2) رواه أبو داود (684). (¬3) رواه البخاري (783). (¬4) رواه أبو داود (682).

لأنه قد روي من غيرحديث هلال عن زياد عن وابصة (¬1). وقال غير أبي عمر: الحديث صحيح إن حصينًا ثقة، وهلالًا ثقة، وزيادًا ثقة، وقد أسندوا الحديث والاختلاف الذي فيه لا يضره، وعمرو بن راشد المذكور في حديث شعبة وثقه أحمد بن حنبل. أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن علي بن شيبان قال: قدمنا على رسول - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا خلفه، فرأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فوقف عليه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انصرف، فقال له: "استقبلْ صلاتَكَ فَإِنَّهُ لاَ صلاةَ للذِي يصلِّي خلفَ الصّفِّ" (¬2). ملازم وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة، وقال فيه أبو حاتم صدوق لا بأس به. وعبد الله بن بدر وثقه أبو زرعة ويحيى بن معين. وأما عبد الرحمن بن علي، فلم أسمع فيه بتعديل ولا تجريح، أكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر، وهو علة في الراوي عند بعضهم، أو أكثرهم حتى يروي عنه ثقتان. أبو داود، عن أبي مالك الأشعري قال: ألا أحدثكم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأقام الصلاة وصف الرجال وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم فذكر صلاته، ثم قال: هكذا صلاة قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي. الشك من عبد الأعلى أحد رواة هذا الحديث، وفي إسناده شهر بن حوشب (¬3). ¬

_ (¬1) قاله الترمذي بعد أن روى الحديث (230). (¬2) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (2/ 193). (¬3) رواه أبو داود (677).

باب ما جاء: لا نافلة إذا أقيمت المكتوبة، وما جاء أن كل مصل فإنما يصلي لنفسه، وفي الخشوع وحضور القلب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الصلاة شغلا"

وذكر أبو بكر البزار من حديث وائل بن حجر، ووصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: فصف الناس خلفه عن يمينه وعن يساره (¬1). وفي إسناد هذا الحديث محمد بن حجر وليس بالقوي. قال البخاري: محمد بن الحجر فيه نظر. وذكر الدارقطني عن الليث وهو ابن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يتقدمُ الصّفَّ الأوّلَ أَعرابيٌ ولاَ أعجميٌ ولاَ غلامٌ لَمْ يحتلِمْ" (¬2). ليث ضعيف عندهم. ومن مراسيل أبي داود، عن مقاتل بن حيان قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ جاءَ رجلٌ فَلمْ يجدْ أَحدًا، فليختلجْ إِليه رجلًا منَ الصفِّ فليقمْ مَعهُ، فَمَا أَعظم أَجْر المختلجِ" (¬3). باب ما جاء: لا نافلة إذا أقيمت المكتوبة، وما جاء أن كل مصل فإنما يصلي لنفسه، وفي الخشوع وحضور القلب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ فِي الصّلاةِ شغلًا" مسلم، عن عبد الله بن سرجس قال: دخل رجل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا فلانُ بِأَيّ الصّلاتين ¬

_ (¬1) رواه البزار (268 كشف الأستار) والطبراني في الكبير (ج 22 رقم 118). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 28). (¬3) انظر تحفة الأشراف (13/ 394) وفيه "فما أجر المختلج".

اعتدَدْتَ، أَبصلاتكَ وحدكَ أَمْ بِصَلاتِكَ معَنَا؟ " (¬1). وفي حديث ابن بحينة، أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي، والمؤذن يقيم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتصلِّي الصبحَ أَرْبعًا؟ " (¬2). وعن أبي هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أقيمتِ الصلاةُ فَلاَ صلاةَ إِلّا المكتوبةَ" (¬3). وذكر ابن سنجر عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أُقيمتِ الصّلاةُ فلا صلاةَ إِلّا التِي أُقيمَتْ". في إسناده أبو صالح كاتب الليث، وقد تكلم فيه. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث بحر بن كنيز، عن يحيى بن أبي كثير، عن نافع، عن ابن عمر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ركعتي الفجر في منزل حفصة والمؤذن يقيم مرة واحدة لم يفعل غير ذلك (¬4). وبحر بن كنيز هذا متروك الحديث ذكر ذلك النسائى، ويحيى بن معين وغيرهما يقول فيه ضعيف، أو يقول فيه لا شيء. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث حسين بن ضميرة عن أبيه عن جده أن عليًا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا أَتى الرجلُ والصبحُ قائمةٌ، فَلْيَرْكَعْ ركعَتيْنِ قبلَ الفجرِ، ثُمَّ يدخلُ فِي الصبحِ" (¬5). حسين بن ضميرة هذا متروك. ولما خرج إسماعيل بن أبي أوس إلى حسين هذا بلغ ذلك مالك بن أنس، فهجره أربعين يومًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (712). (¬2) رواه مسلم (711). (¬3) رواه مسلم (710). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 485). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 768).

وذكر من حديث ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند الإقامة في بيت ميمونة (¬1). رواه من حديث سلام بن سليمان، عن محمد بن الفضل بن عطية. إسناد أضعف من الذي قبله. مسلم، عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، ثم انصرف فقال: "يَا فلانُ ألاَ تُحسِنُ صلاتَكَ، أَلاَ ينظر المصلي إِذَا صلَّى كيفَ يصلِّي، فإنّما يصلي لنفسِهِ، إِنِّي واللهِ لأبصرُ منْ ورائِي، كَما أُبصرُ منْ بينِ يَدَي" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هَل ترونَ قبلَتِي هَا هُنا، والله لاَ يخفَى عليَّ ركوعَكُمْ ولاَ خشوعَكُمْ، وإنِّي لأراكُمْ منْ وراءِ ظهرِي" (¬3). النسائي، عن أبي اليسر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منكُمْ منْ يصلِّي الصّلاةَ كاملةً، ومنكُمْ مَنْ يُصلِّي النّصفَ والثلثَ والربعَ والخمسَ، حتّى بلغَ العشرَ" (¬4). أبو داود، عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّ الرجلَ لينصرفُ ومَا كُتِبَ لَهُ إِلأَ عشرُ صلاتِهِ تسعُهَا ثمنُهَا سبعُهَا سدسُهَا خمسُهَا ربعُهَا ثلثُهَا نصفُهَا" (¬5). النسائي، عن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلاةُ مَثنى مَثنى، تشهّدٌ فِي كُلِّ ركعتينِ، وتضرعّ وتخشعٌ وتمسكنٌ وتقنعُ يديكَ يقولُ ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1158). (¬2) رواه مسلم (423). (¬3) رواه البخاري (418 و 741). (¬4) رواه النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 308). (¬5) رواه أبو داود (796).

باب في القبلة

ترفعهُمَا إِلى ربِّكَ مستقبلًا ببطونِهِمَا وجهكَ وتقولُ: يَا رَبِّ يَا ربِّ، فَمَنْ لَمْ يفعلْ ذَلك كَذا وَكذا، يَعنِي خُداجٌ" (¬1). وقال الترمذي: فمن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا، يعني خداج (¬2). وهذا حديث يرويه عبد الله بن رافع ابن العمياء، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل وعبد الله بن نافع، لا أعلم روى عنه إلا عمران بن أبي أنس، وعمران ثقة. وذكر عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي إسحاق الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ أحسنَ الصّلاةَ حيثُ يَراهُ النّاسُ، ثُمّ أساءَهَا حيثُ يخلُو، فتلكَ استهانةٌ، استهانَ بِهِ ربّهُ". مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال: "إِنّ فِي الصّلاةِ شُغلًا" (¬3). باب في القبلة الترمذي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ أَنْ أَقاتلَ النَّاسَ حتَّى يشهدُوا أَنْ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ وأَنَّ محمداَ عبدُهُ ورسولُهُ، وأَنْ يستقبلُوا قبلتَنَا، ويأكلُوا ذبيحتَنا، وأَنْ يصلُّوا صلاتنَا، فَإذَا فعلُوا ذَلِكَ حُرّمتْ علينَا دماؤُهُمْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 264). (¬2) رواه الترمذي (385) وأحمد (1799) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 757) والبيهقي (2/ 487 - 488). (¬3) رواه مسلم (538).

وأموالهُمْ إِلّا بحقِّهَا، لَهُمْ مَا للمسلمينَ وعَليهِمْ مَا عَلى المُسلمينَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. البخاري، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ أَنْ أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يقولُوا لاَ إِلَه إِلّا اللهُ، فَإذَا قالُوهَا وصلُّوا صلاتنَا، واستقبلُوا قبلتَنَا، وذبحُوا ذبيحتنا، فقدْ حُرّمتْ علينا دماؤُهُمْ وأموالُهُمْ إِلّا بحقهَا، وحسابهُمْ عَلى اللهِ" (¬2). وصله البخاري في بعض الروايات. مسلم، عن البراء بن عازب قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا حتى نزلت الآية التي في البقرة {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فنزلت بعدما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون، فحدثهم بالحديث فولوا وجوههم قبل البيت (¬3). وقال البخاري: وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل المسجد فذكره. مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة (¬4). مسلم، عن ابن عمر بينما الناس في صلاة الصباح بقباء، إذ جاءهم آت بهذه القصة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2611). (¬2) رواه البخاري (392). (¬3) رواه مسلم (525). (¬4) رواه مسلم (527). (¬5) رواه مسلم (526).

وذكر أبو أحمد من حديث مصعب بن ثابت وهو ضعيف الحديث، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارهقُوا القبلةَ، وإِنَّ اللهَ يحبُ إِذا عَملَ أحدُكُمْ العَمَلَ أَنْ يتقنَه" (¬1). تفرد به مصعب. الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن عامر بن ربيعة قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل واحد منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (¬3). قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك. ورواه من حديث أشعث بن سعد السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه. وقد روي من حديث جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة. . . فذكر مثله بمعناه وزاد فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: "قَدْ أَجَزْتُ صلاتكُم" (¬4). وفي إسناده اختلاف وضعف ذكره الدارقطني رحمه الله. وقال عبيد الله بن الحسن العنبري، عن عبد الملك العرزمي، عن ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 449 و 6/ 2359). (¬2) رواه الترمذي (342 و 343). (¬3) رواه الترمذي (343). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 271).

باب تكبيرة الاحرام، وهيئة الصلاة والقراءة والركوع والسجود والتشهد والتسليم وما يقال بعدها

سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنها نزلت في التطوع خاصة، حيث توجه بك بعيرك (¬1). باب تكبيرة الاحرام، وهيئة الصلاة والقراءة والركوع والسجود والتشهد والتسليم وما يقال بعدها البخاري، عن أبي هريرة أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد، فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيكَ السّلامُ، ارجعْ فصلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصِلِّ" فرجع فصلى، ثم جاء فسلم، فقال: "وعليكَ السّلامُ، فارجعْ فصلِّ فإنكَ لَمْ تُصلِّ" فقال في الثانية، أو في التي بعدها علمني يا رسول الله، فقال: "إِذَا قُمتَ إِلى الصلاةِ فَأسبغِ الوُضوءَ، ثُم استقبلِ القبلةَ فكبِّرْ، ثُم اقْرأْ بمَا تيسرَ معكَ منَ القُرآنِ، ثم اركعْ حتَّى تطمئنَ راكِعًا، ثُم ارْفَعْ حتَى تَسْتَوي قَائِمًا، ثُمَ اسجدْ حتَّى تطمئنَ سَاجِدًا ثُم ارفعْ حتَّى تطمئنَّ جَالِسًا، ثُم اسجدْ حتَّى تطمئنَ سَاجِدًا، ثُمَّ ارفَعْ حتَّى تطمئنَّ جَالسًا، ثُمَّ افعلْ ذَلِكَ فِي صلاتِكَ كُلّها" (¬2). وله في طريق أخرى: "ثُمَّ ارفعْ حتَّى تستَوِي قَائِمًا" يعني في السجدة الثانية. وقال مسلم في حديثه: فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني، ولم يذكر غير سجدة واحدة (¬3). وذكر علي بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع قال: كنت جالسًا عند ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم (700) ومسند أحمد (4714) وتفسير ابن جرير (1840). (¬2) رواه البخاري (6251) هكذا رواه أيضًا (757 و 793 و 7652 و 6667). (¬3) رواه مسلم (397).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى. . . فذكر الحديث فقال فيه: قال الرجل: لا أدري ما عبت علي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لاَ تتمُ صلاةَ أَحدكُمْ حتَّى يسبغَ الوضوءَ كمَا أمرَهُ اللهُ، ويغسلَ وجهَهُ، ويديهِ إِلى المرفقينِ، ويمسحَ برَأسِهِ، ورجليهِ إِلَى الكَعْبَينِ، ثُم يكبرُ اللهَ ويحمدهُ ويمجّدهُ، ويقرأُ القرآنَ مَا أذنَ لَه فِيهِ وتيسرَ، ثُمّ يكبّر فيركعُ فيضعُ كفّيهِ علَى ركبتيهِ حتَّى تطمئنَّ مفاصلَهُ، وتسترخِي ثُم يقولُ: سمعَ اللهُ لمنْ حمدهُ، ويستَوي قائِمًا حتَّى يأخذَ كلُّ عظم مأخذَهُ، ويقيمُ صلبَهُ، ثُمَّ يكبرُ يسجدُ ويمكّنُ وجهَهُ منَ الأَرضِ حتَّى تطمئنَ مفاصلَهُ وتَسْتَرْخِي، ثُمَّ يكبرُ فيرفعُ رأسَهُ ويسْتَوِي قاعِدًا عَلى مقعدتِه ويقيمُ صلبَه"، فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: "لاَ تتمُ صَلاةُ أَحدكُمْ حتَّى يفعلَ ذَلِكَ". خرجه النسائي من حديث عبد الله وهذا أبين (¬1). وقال النسائي في طريق آخر عن رفاعة أيضًا: "فَإِذَا فعلتَ ذلكَ فقدْ تمَّتْ صلاتُكَ، وإِنْ نقصتَ منهُ شَيْئًا انتقصَ مِنْ صلاتِكَ، ولَمْ تذهبْ كلّهَا" (¬2). وقال في أوله: "إِذَا قمتَ إِلَى الصَّلاةِ فتوضّأْ كَمَا أمركَ اللهُ، ثُمَّ تشهّدْ فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ". قال أبو عمر بن عبد البر هذا حديث ثابت. البخاري، عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله، وقال: ربنا ولك الحمد، ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود (¬3). زاد في أخرى وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 225 - 226) و (3/ 59 - 61). (¬2) انظر سنن النسائي (2/ 193) وكذلك (2/ 20). (¬3) رواه البخاري (738) ورواه أيضًا (735 و 736 و 739).

ورواه مالك بن الحويرث وقال: رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، ولم يذكر السجود. خرجه مسلم (¬1). وروى وائل بن حجر قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث، قال فيه: فإذا رفع رأسه من السجود رفع يديه، فلم يزل يفعله كذلك حتى فرغ من صلاته (¬2). ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد، وقال: عارض هذا الحديث حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع بين السجدتين، ووائل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أيامًا قلائل، وابن عمر صحبه حتى توفي، فحديثه أولى أن يؤخذ به ويتبع (¬3). وقال أبو داود من حديث وائل أيضًا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية (¬4). وقال في طريق آخر عن وائل يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة (¬5). أبو داود، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو قتادة. قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعًا، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (391). (¬2) رواه ابن عبد البر في التمهيد (9/ 227). (¬3) انظر التمهيد (9/ 227). (¬4) رواه أبو داود (728). (¬5) رواه أبو داود (729).

يكبر حتى يقر كل عضو في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا ينصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول سمع الله لمن حمده حين يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا، ثم يقول الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى ويقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ويسجد ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عضو إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركًا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت هكذا كان يصلي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقال الترمذي في هذا الحديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وقال في الرفع من الركوع اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلًا، وكذلك بين السجدتين، وزاد في آخره، ثم سلم (¬2). وقال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد بهذا الخبر يزيد وينقص، قال فيه: ثم رفع رأسه يعني من الركوع، فقال: "سمعَ اللهُ لِمَنْ حمدَه اللَّهمَّ ربنَا ولكَ الحمدُ" ورفع يديه ثم قال: "اللهُ أكبرُ" فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (730). (¬2) رواه الترمذي (304).

وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك. وساق الحديث (¬1). إنما هو عباس بسين غير معجمة، وكذلك ذكره أبو داود في غير موضع، والذي روى القيام إلى الثانية بعد التورك أوثق وأشهر وأكثر. أبو داود، عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود (¬2). لا يصح في هذا الحديث، ثم لا يعود. والحديث أيضًا من طريق يزيد بن أبي زياد، وقد تكلم فيه يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. ورواه أبو داود من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حين افتتح الصلاة لم يرفعهما حتى انصرف (¬3). ومحمد بن أبي ليلى تركه البخاري وضعفه غيره، وهذا الحديث من رواية ابن الأعرابي عن أبي داود. وقال أبو داود عن علقمة قال: قال عبد الله: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة (¬4). وقال الترمذي: إلا في أول مرة (¬5). وهذا أيضًا لا يصح، وقد ذكر علته وبينها أبو عبد الله المروزي في كتاب رفع الأيدي. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (733) وعنده ربنا لك الحمد. (¬2) رواه أبو داود (749). (¬3) رواه أبو داود (752). (¬4) رواه أبو داود (748). (¬5) رواه الترمذي (257).

وكذلك روي في حديث يزيد بن أبي زياد المتقدم فرفع يديه في أول مرة، ورفع يديه مرة واحدة. ولا يصح أيضًا. وروى محمد بن مصعب القرقساني، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة قال: صلى بنا أبو هريرة، فكان يرفع يديه في كل خفض ورفع، فلما قضى الصلاة قال: إني لأعلمكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه كانت صلاته (¬1). والصحيح من رواية الثقات الحفاظ، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يصلي لهم فيكبر في كل خفض ورفع. ولا يعرف غير هذا، ومحمد بن مصعب كانت فيه غفلة، وحديثه هذا ذكره أبو نصر المروزي والدارقطني وغيرهما. مسلم، عن وائل بن حجر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حتى دخل في الصلاة كبر وصف همام حيال أذنيه، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما وكبر، فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه (¬2). قال أبو داود في هذا الحديث: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه والرسغ (¬3). وقال أبو بكر البزار من حديث وائل بن حجر أيضًا: ثم وضع يمينه على يساره عند صدره (¬4). وفي إسناده محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل وليس بقوي. ¬

_ (¬1) انظر التمهيد (7/ 79) وما بعده. (¬2) رواه مسلم (401). (¬3) رواه أبو داود (727). (¬4) رواه البزار (268 كشف الأستار).

وذكر النسائي عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعت شمالي على يميني في الصلاة، فأخذ بيميني فوضعها على شمالي (¬1). الحجاج ليس بقوي، ولا يتابع على هذا. وقد روي عنه عن أبي سفيان عن جابر مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل قد وضع شماله على يمينه مثله (¬2). رواه محمد بن الحسن الواسطي عن الحجاج، ذكر ذلك أبو أحمد بن عدي (¬3). وذكر أبو داود من حديث زياد بن زيد، عن أبي جحيفة أن عليًا رضي الله عنه قال: السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة (¬4). أبو داود، عن زرعة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين، ووضع اليد على اليد من السنة (¬5). النسائي، عن أبي عبيدة، عن عبد الله أنه رأى رجلًا يصلي قد صف بين قدميه، قال: أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إليَّ (¬6). قال النسائي: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد. الترمذي، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًا (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 126). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 287). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 648). (¬4) رواه أبو داود (756). (¬5) رواه أبو داود (754). (¬6) رواه النسائي (2/ 128). (¬7) رواه الترمذي (240).

وفي طريق أخرى: إذا كبر للصلاة ستر أصابعه. في هذا الطريق يحيى بن اليمان، والأول أصح، ورواية يحيى خطأ، وذكر ذلك أبو عيسى [الترمذي] رحمه الله (¬1). البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره، فيكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد، ثم يقول الله أكبر حتى يهوي ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين، ويفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من صلاته، ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن كانت هذه صلاته حتى فارق الدنيا (¬2). وذكر أبو بكر البزار عن خبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول لنا: "إِذَا صلى أحدُكُمْ فَليقلْ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بيني وبينَ خطايَايَ كمَا باعدتَ بينَ المشرقِ والمغربِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بكَ أَنْ تصدَّ عنِّي وجهَكَ يومَ القيامةِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي منَ الخَطايَا كَمَا نقيتَ الثوبَ الَأبيضَ منَ الدنَسِ، اللَّهُمَّ أحييِني مُسْلِمًا، وأَمتْنِي مُسْلِمًا" (¬3). والصحيح في هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أمره كما أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنيئة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أَقولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خطايَايَ كمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمغربِ، اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (239). (¬2) رواه البخاري (803). (¬3) رواه البزار (524 كشف الأستار) وإسناده ضعيف.

نقّنِي منْ خَطَايَايَ كمَا يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ منَ الدنسِ، اللَّهمَّ اغسلنِي من خطايَايَ بالماءِ والثلجِ والبردِ" (¬1). الترمذي، عن الحسن بن سمرة قال: سكتتان حفظتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنكر ذلك عمران، وقال: حفظنا سكتة فكتب إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أبيّ أن حفظ سمرة، قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك، وإذا قرأ {وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض في الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولم يسكت (¬3). لم يصله مسلم، ووصله أبو بكر البزار. الترمذي، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: "سبحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وتباركَ اسمُكَ، وتعالَى جدّكَ، ولاَ إِلَه غيرُكَ" ثم يقول: "اللهُ أكبرُ كَبِيرًا" ثم يقول: "أعوذُ بِالله السّميعِ العَليمِ منَ الشّيطانِ الرّجيمِ مِن هَمزِهِ ونَفخِهِ ونفثِهِ" (¬4). زاد أبو داود بعد قوله "وَلاَ إِلَهَ غَيركَ" ثم يقول: "لاَ إِلَه إِلَّا الله" ثلاثًا، وقال في آخر: ثم يقرأ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (598). (¬2) رواه الترمذي (251). (¬3) رواه مسلم (599) فقال: حدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب وغيرهما قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد به. (¬4) رواه الترمذي (242). (¬5) رواه أبو داود (775).

هذا أشهر الحديث في هذا الباب على أنهم يرسلونه عن علي بن علي، عن أبي المتوكل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو داود من طريق عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة، قال عمرو -يعني ابن مرة- لا أدري أي صلاة هي، فقال: "اللهُ أكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكبرُ كَبيرًا، اللهُ أكبرُ كَبِيرًا، والحَمْدُ للهِ كَثيرًا والحمدُ لله كَثيرًا ثلاثُ مراتٍ، سبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا ثَلاثًا، أَعوذُ بالله مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ". قال: نفثه الشعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة (¬1). اختلف في اسم العنزي، فقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عاصم. وقال ابن فضيل: عن حصين عن عمرو بن مرة عن عبادة بن عاصم. وقال زائدة: عن عمرو بن مرة عن عمار بن عاصم. والرجل ليس بمعروف ذكر ذلك أبو بكر البزار عند ذكر هذا الحديث، وذكره من حديث ابن عباس وفسره قال: أما همزه فالذي يوسوسه في الصلاة، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه، فالذي يلقيه من الشبه يعني في الصلاة ليقطع عليه صلاته، أو على الإنسان صلاته، ذكره البزار. وفي إسناده رشيد بن كريب. قال الهروي: الموتة يعني الجنون. وقال غيره: ليس الموتة بصميم الجنون، وإنما هو شيء يأخذ الإنسان شبه السبات. وذكر أبو داود في المراسيل عن عمران بن مسلم، عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل يريد أن يتهجد قال قبل أن يكبر: "لاَ إِلَه إِلّا اللهُ اللهُ أكبرُ كَبيرًا، أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم مِنْ هَمْزه ونَفثِهِ ونَفْخِهِ" ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (764).

ثم يقول: "اللهُ أكبرُ" ورفع عمران يديه يحكي (¬1). وذكر أبو داود في كتابه من حديث حميد الأعرج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكرت حديث الإفك قالت: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكشف وجهه وقال: "أَعُوذُ بِاللهِ السّمِيع العَليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ. . . الآية} (¬2). قال أبو داود: هذا حديث منكر، قد روى هذا الحديث عن الزهري جماعة لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه كلام حميد. مسلم، عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. زاد في طريق اَخر: لا في أول قراءة ولا في آخرها (¬3). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ صلَّى صلاةَ لَمْ يقرأْ فِيها بِأُمِّ القرآنِ فَهِي خداجٌ، ثلاثًا غيرُ تَمامٍ" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قالَ اللهُ تباركَ وتعالَى: قسمتُ الصَّلاةَ بيبي وبينَ عبدِي نصفَيْن ولعبدِي مَا سألَ، فَإذَا قالَ العبدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قالَ اللهُ: حمدَنِي عبدِي، وإِذَا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قالَ اللهُ: أثنَى عليَّ عبدِي، وإذَا قالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قالَ اللهُ: مجدَنِي عَبدِي، وقالَ مرةَ: فوّضَ إِليَّ عبدِي، وإِذَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالَ: هَذا بينِي وبينَ عبدِي، وَلِعبدِي ما سألَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأشراف (13/ 168). (¬2) رواه أبو داود (785). (¬3) رواه مسلم (399).

عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (¬1). روى هذا الحديث مسلم عن سفيان بن عيينة، عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة. وكذلك رواه مالك وابن جريج وغيرهما من الثقات. كما رواه سفيان، ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بإسناده. مسلم، قال فيه: "يقُولُ عبدِي إِذَا افتتحَ الصّلاةَ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فيذكرنِي عبدِي ثُمّ يقولُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} " وذكر الحديث إلى آخره (¬2). وعبد الله بن زياد بن سمعان متروك عند مالك وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم. الدارقطني، عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حتى بلغ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، وقال الناس آمين. . وذكر الحديث ثم يقول في آخره: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وعن عمرو بن حفص المكي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في السورتين حتى قبض (¬4). وفيه عن أنس بمعناه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (395). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 312) وما بين المعكوفين من سنن الدراقطني. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 305 - 306). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 304). (¬5) انظر سنن الدارقطني (1/ 308 - 309).

وعن علي بن أبي طالب كذلك، ولم يقل حتى قبض (¬1). والصحيح حديث نعيم المجمر. وذكر الدارقطني أيضًا من حديث أبي بكر عبد الحميد بن جعفر الحنفي عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد البصري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قرأْتُمُ الحمد لله فاقرؤُوا بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ إِنَّها أُمُّ القرآنِ، وأمُّ الكِتابِ، والسبعُ المَثَانِي، وبسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحِيمِ أَحدُ آياتِهَا" (¬2). رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر، وعبد الحميد هذا وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد، وأبو حاتم يقول فيه: محله الصدق، وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه، ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور. وذكر أبو داود في كتابه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬3). هكذا رواه أبو داود عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مسندًا. ورواه عن ابن السرح، وأحمد بن محمد المروزي كلاهما عن سفيان، عن عمرو، عن سعيد ولم يذكر فيه ابن عباس. وذكره في المراسيل عن أحمد بن محمد بهذا الإسناد، ليس فيه ابن عباس، وقال: قد أسند هذا الحديث والمرسل أصح (¬4). مسلم، عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا، ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 302). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 312). (¬3) رواه أبو داود (788). (¬4) انظر تحفة الأشراف (13/ 201).

إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أُنزِلَتْ عليَّ آنفًا سورةٌ" فقرأ "بسمِ الله الرّحمنِ الرّحيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} ثُمَّ قَالَ: أتدرونَ مَا الكوثرُ؟ " فقلنا: الله ورسوله أعلم قال: "فَإنَّهُ نهرٌ وعدَنِيهِ ربِّي عليهِ خيرٌ كثيرٌ، هُو حوضٌ تَرِدُ عليهِ أُمتِي يومَ القيامةِ، آنيتهُ عددَ النّجومِ فيختلجُ العبدُ منهُمْ، فأقولُ: يَا ربِّ إنّهُ منْ أمّتِي، فيقولُ: مَا تَدرِي مَا أحدثَ بعدكَ" (¬1). وفي رواية: بين أظهرنا في المسجد، وقال: "مَا أَحْدَثَ بَعدكَ". وفي رواية: "حوض". مسلم، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يقرأْ بِأُمِّ القرآنِ" (¬2). وزاد في رواية: فصاعدًا. وروى شبيب بن شيبة الخطيب، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ صلاةٍ لاَ يُقرأُ فِيهَا بفاتحةِ الكتابِ وآيتينِ فَهِيَ خداجٌ" (¬3). خرجه أبو أحمد، وشبيب بن شيبة ليس بثقة قاله يحيى بن معين. وقال فيه أبو حاتم: ليس بقوي. وقد يزاد في هذا الحديث وآيتين. ورواه عمر بن يزيد المدائني، عن عطاء، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تجْزِئُ المَكْتُوبَةُ إِلّا بِفَاتِحَةِ الكتَابِ وثَلاثِ آيَاتٍ فَصاعِدًا" (¬4). وهو حديث غير محفوظ، وعمر بن يزيد منكر الحديث. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (400). (¬2) رواه مسلم (394). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1347). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1687)

الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال: "وَلاَ صلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالحَمدِ وسورةٍ فِي فريضةٍ وَغيرهَا" (¬1). ورواه ابن أبي شيبة وقال: "فِي كُلِّ ركعةٍ". وهذا لا يصح لأن في إسناده أبا سفيان طريف بن شهاب. البزار، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ في صلاتنا بأم القرآن وما تيسر (¬2). أبو داود، عن عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: "لعلّكُمْ تَقْرَؤُون خلفَ إِمامِكُمْ" قلنا: نعم هذا يا رسول الله، قال: "لاَ تَفْعَلُوا إِلّا بِفَاتِحَةِ الكتَابِ، فإنّهُ لاَ صلاةَ لِمَنْ لَمْ يقرأْ بِهَا" (¬3). هذا يرويه محمد بن إسحاق المزني عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة. وخالفه الأوزاعي فرواه عن مكحول، عن رجاء بن حيوة، عن عبد الله بن عمرو قال: صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرف قال: "هَلْ تَقرؤونَ إذَا كنتُمْ مَعِي فِي الصّلاةِ؟ " قلنا: نعم، قال: "فَلاَ تفعلُوا إِلّا بأمُّ القرآنِ" (¬4). وخرجه أبو داود أيضًا من طريق زيد بن واقد، عن مكحول، عن نافع ابن محمود، عن عبادة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . وذكر الحديث، وقال ¬

_ (¬1) لم يروه الترمذي هكذا، وإنما رواه ابن ماجه (839) وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 361). (¬2) ورواه أبو داود (818) وابن حبان (1781). (¬3) رواه أبو داود (823). (¬4) رواه الطبراني في مسند الشاميين (2099 و 3559) لكن في إسناده مسلمة بن علي وهو متروك.

فيه: "وهَلْ تَقْرؤونَ إِذَا جهرتُ بالقراءةِ؟ " فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: "فَلاَ وأَنَا أقولُ مَا لِي ينازِعنِي القرآنَ، فَلا تقرؤُوا بشيءٍ منَ القرآنِ إِذَا جَهَرْتُ بهِ إِلّا بِأمُّ القُرآنِ" (¬1). وخرجه الدارقطني بهذا الإسناد، وقال: حديث حسن ورجاله كلهم ثقات. كذا قال ونافع بن محمود هذا لم يذكره البخاري في تاريخه، ولا ابن أبي حاتم، ولا أخرج له مسلم، ولا البخاري شيئًا (¬2). وقال فيه أبو عمر: مجهول. ومحمد بن إسحاق المذكور في الحديث الأول هو محمد بن إسحاق بن يسار مولى قيس بن مخرمة أبو بكر المدني، رماه مالك بالكذب، وقال: نحن نفيناه من المدينة، وإنما كذبه لأنه حدث عن فاطمة بنت المنذر امرأة هشام بن عروة بحديث وزعم أنه سمعه منها، فأنكر هشام أن يكون سمع من امرأته ودخل عليها، وبهذا تركه يحيى بن سعيد وغيره ممن تركه على ما ذكر أبو جعفر العقيلي. وقال أحمد بن حنبل عند ذكر هذه القصة: ولعله رآها قبل ذلك أو سمع منها من وراء حجاب، وقال: أما في المغازي وأشباهها فيكتب حديثه، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا، ومدّ يده وضم أصابعه، وقال: هو كثير التدليس، وضعفه أبو حاتم، وكان يذكر بالقدر. وقال يحيى بن معين: محمد بن إسحاق صدوق، ولكن ليس بحجة. وقال أبو زرعة: من يتكلم في محمد بن إسحاق، محمد بن إسحاق صدوق. وقال البخاري: وذكره قال ابن عيينة: لم أر أحدًا يتهم محمد بن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (824). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 320).

إسحاق، وقال أيضًا: قال شعبة: محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه، مات ببغداد سنة إحدى وخمسمائة. وقال ابن أبي حاتم: قال ابن شهاب: لا يزال بالحجاز علم كثير ما دام هذا الأحول بين أظهرهم يعني محمد بن إسحاق. وقال مرة: لا يزال علم بالمدينة ما بقي هذا. وقال سفيان بن عيينة: رأيت محمد بن إسحاق جاء إلى ابن شهاب، فقال: كيف أنت يا محمد؟ أين تكون؟ قال: لست أصل إليك مع إذنك هذا، فدعا البواب فقال: إذا جاء هذا فلا تحبسه عني. وقيل لابن عيينة: محمد بن إسحق لم يرو عنه من أهل المدينة أحد، فقال: جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل المدينة. وقال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم: وذكر محمد بن إسحاق فضّله الزهري على من بالمدينة في عصره، ووثقه شعبة وسفيان وحماد بن هارون وإبراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك وغيرهم. وقال أبو أحمد بن عدي الجرجاني: فتشت الكثير من أحاديث محمد بن إسحاق، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن أقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف الثقات عن الرواية عنه ولا الأئمة، وهو لا بأس به (¬1). وقال أبو عمر: لا يلتفت إلى ما قيل في محمد بن إسحاق. وروى مالك، عن وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعة لم يقرأ بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام (¬2). ¬

_ (¬1) انظر الضعفاء (4/ 23 - 29). (¬2) رواه مالك (1/ 80).

رواه يحيي بن سلام عن مالك بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتفرد برفعه ولم يتابع عليه. ورواه أصحاب الموطأ موقوفًا على جابر وهو الصحيح. مسلم، عن عمران بن حصين قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر أو العصر، فقال: "أَيّكُمْ قَرأَ خَلفِي بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ " فقال رجل: أنا ولم أرد بها إلا الخير، قال: "قَدْ علمتُ أنَّ بعضَكُمْ خَالجَنِيهَا" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هَلْ قرأَ معِي أحدٌ منكُمْ آنفًا؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: "إِنِّي أقولُ مَا لِي أُنَازعُ القُرآنُ" قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة من الصلوات، حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قوله فانتهى الناس عن القراءة. من كلام الزهري. الدارقطني، عن عبد الله بن شداد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ لَهُ إمامٌ فقراءةُ الإِمامِ لَهُ قِراءةٌ" (¬3). أسنده الحسن بن عمارة وهو متروك، وأبو حنيفة وهو ضعيف كلاهما عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر، هكذا رواه الثقات إلا ثابت وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم، عن موسى، عن عبد الله بن شداد مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (398). (¬2) رواه أبو داود (826). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 325).

وفي رواية أبي حنيفة عن موسى بن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد وهو مجهول عن جابر (¬1). وقد روي عن جابر من طريق آخر وأسند. وعن ابن عمر وأبي هريرة وعلي وابن عباس كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يصح منها شيء من قبل الأسانيد. وذكر الدارقطني أيضًا من حديث محمد بن عبد الله بن نمير، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صلَّى صلاةً مكتوبةً أوْ تَطَوّعًا، فَليقرأْ بِأُمّ القُرآنِ وسورةٍ معَها، فَإِن انتهَى إِلى أُمِّ الكتابِ فَقَدْ أَجْزَأَ، منْ صلَّى صلاةً مَعَ إِمامٍ يجهرُ فَليقرأْ بفَاتِحةِ الكتابِ فِي بعضِ سكتاتِهِ، فَإِنْ لَم يفعلْ فَصَلاتهُ خداجٌ غيرُ تمامٍ" (¬2). وعن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ صلَّى صلاةً مكتوبةً مَعَ الإِمامِ فليقرأْ بفاتحةِ الكتابِ سكتاتِهِ، ومنِ انتهَى إِلى أُمِّ القرآنِ فقدْ أَجزأَهُ" (¬3). محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعيف، ضعفه يحيى بن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. والصحيح ما خرج مسلم عن حبيب المعلم، عن عطاء قال: قال أبو هريرة: في كل صلاة قراءة فما أسمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، فمن قرأ بأم القرآن فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل (¬4). وعن حبيب بن الشهيد قال: سمعت عطاء يحدث عن أبي هريرة أن ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 323 و 324 - 325). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 320 - 321). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 317). (¬4) رواه مسلم (396).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ صلاةَ إِلّا بقراءةٍ" قال أبو هريرة: فما أعلن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلناه لكم، وما أخفاه أخفيناه لكم (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّمَا جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤتمّ بِهِ" وفيه: "فَإِذَا قَرأَ فَأنْصِتُوا" (¬2). قال أبو داود: هذه الزيادة "إِذَا قَرأَ فَأَنصتُوا" ليست بمحفوظة. مسلم، عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَرأَ فَأنَصتُوا" يعني الإمام (¬3). هكذا رواه سليمان التميمي، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشى، عن أبى موسى، وتابعه عمر بن عامر عن قتادة هذا (¬4). ورواه هشام وهمام وأبو عوانة وسعيد ومعمر وأبان وشعبة وغيرهم عن قتادة، ولم يقولوا: وإذا قرأ فانصتوا. وقد صحح مسلم بن الحجاج حديث أبي هريرة: "وَإِذَا قَرأَ فأَنْصِتُوا" قال: هو صحيح عندي. النسائي، عن أبي الدرداء قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفي كل صلاة قراءة؟ قال: "نَعَمْ" قال رجل من الأنصار وجبت هذه، فالتفت إليّ [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]، وكنت أقرب القوم منه، فقال: "مَا أَرَى الإمَامَ إِذَا أَمَّ قومًا إِلّا قَدّ كَفاهُمْ" (¬5). اختلف في إسناد هذا الحديث ولا يثبت. ¬

_ (¬1) هو رواية من الحديث (396) عند مسلم. (¬2) رواه أبو داود (604). (¬3) رواه مسلم (404). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 330). (¬5) رواه النسائي (2/ 142) ثم قال: هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطأ، إنما هو قول أبي الدرداء، ولم يقرأ هذا مع الكتاب.

الدرقطني، عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمُّ القرآنِ عوضٌ منْ غيرِهَا، وليسَ غيرُهَا مِنْهَا بعوضٍ" (¬1). أبو داود، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده، عن رفاعة بن رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يعني لرجل: "فتوضَّأَ كَمَا أمركَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ تشهدْ فأَقَمْ، ثُمّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعكَ قرآنٌ فاقرأْ بهِ، وإِلّا فاحمدِ الله وكبّرهُ، وهلّلهُ. . ." وذكر باقي الحديث (¬2). وعن أبي خالد الدالاني، عن إبراهيم السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلمني ما يجزئني منه، قال: "قُلْ سبحانَ اللهِ والحمدُ لله ولاَ إِلَه إلاّ اللهُ واللهُ أكبرُ ولاَ حَولَ ولاَ قُوّةَ إِلّا باللهِ العَلِّي العَظِيمِ" قال: يا رسول الله هذه لله فما لي؟ قال: "قُلْ اللَّهُمَّ ارحَمْنِي وارزقْنِي وعَافِنِي واهْدنِي" فلما قام قال: هكذا بيد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا هَذا فَقدْ ملأَ يَدَيهِ مِنَ الخَيرِ" (¬3). رواه الدارقطني بهذا الإسناد، وقال: "قُلْ بسمِ اللهِ والحمدُ لله" والأول أتم، وحديث رفاعة أقوى إسنادًا فيما أعلم (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَمّنَ الإِمامُ فأَمّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وافقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ منْ ذنبِهِ". قال ابن شهاب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمين" (¬5). النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذاَ قالَ الإمامُ {غَيْرِ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 322) وفي المخطوطة "عوضًا منها". (¬2) رواه أبو داود (861). (¬3) رواه أبو داود (832). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 313 و 314). (¬5) رواه مسلم (410).

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولُوا: آمين، فَإنَّ الملائكةَ تقولُ: آمِين، وإنِّ الإمامَ يَقولُ: آمِين، فَمَنْ وافقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ منْ ذنبه" (¬1). الدارقطني، حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني وأبو سهل بن زياد قالا: حدثنا محمد بن يونس، نا عمرو بن عاصم، قال: نا معتمر قال: سمعت أبي يحدث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ الإمامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَاَنْصِتُوا" (¬2). الصحيح المعروف: "إِذَا قالَ الإمامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقُولُوا: آمِينَ". الترمذي، عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "آمينَ" ومدّ بها صوته (¬3). وقال حديث حسن هكذا رواه سفيان، ومدّ بها صوته. ورواه شعبة وقال: خفض بها صوته. وقال البخاري حديث سفيان أصح وأخطأ شعبة في قوله: وخفض بها صوته. أبو داود، عن أبي هريرة قال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: "آمين" حتى يسمع من يليه من الصف الأول (¬4). في إسناده بشر بن رافع. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 144). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 331) ومحمد بن يونس ضعيف لا يحتج به. (¬3) رواه الترمذي (248). (¬4) رواه أبو داود (934).

وذكر أبو داود أيضًا عن بلال أنه قال: يا رسول الله لا تسبقني بآمين (¬1). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحزر قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخيرتين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأولتين من العصر على قدر قيامه في الأخيرتين من الظهر وفي الآخرتين من العصر على النصف من ذلك (¬2). وعن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، في الصبح بأطول من ذلك (¬3). أبو داود، عن جابر أيضًا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دحضت الشمس صلى الظهر، وقرأ بنحو من {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، والعصر كذلك، والصلوات كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها (¬4). النسائي، عن عبد الملك وهو ابن عمير عن شبيب بن أبي روح، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان صلى صلاة الصبح فقرأ الروم والتبس عليه، فلما صلى قال: "مَا بالُ أقوامٍ يصلُّون معنَا لاَ يحسِنونَ الطهورَ, فإنَّما يُلبسُ علينَا القرآنَ أولَئكَ" (¬5). قال أبو محمد بن أبي حاتم: روح أبو شبيب الشامي الحمصي، ويقال شبيب بن نعيم الوحاظي الحمصي روى عن أبي هريرة وعن رجل من أصحاب ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (937). (¬2) رواه مسلم (452). (¬3) رواه مسلم (460). (¬4) رواه أبو داود (806). (¬5) رواه النسائي (2/ 156).

النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له الأغر، وروى عنه سنان بن قيس وحريز بن عثمان وعبد الملك بن عمير وجابر بن غانم (¬1). مسلم، عن أبي قتادة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح. زاد في رواية: ويقول في الأخيرتين بفاتحة الكتاب (¬2). وقال البخاري: ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر والصبح (¬3). مسلم، عن ابن عباس قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب (¬4). أبو داود، عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في صلاة المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولى الطوليين، قلنا: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف، وقال ابن أبي مليكة من قبل نفسه: المائدة والأعراف (¬5). النسائي، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين (¬6). النسائي، عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: ما صليت وراء أحد ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (2/ 1/ 358). (¬2) رواه مسلم (451). (¬3) رواه البخاري (776). (¬4) رواه مسلم (462). (¬5) رواه أبو داود (812). (¬6) رواه النسائي (2/ 170).

أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان، فصلينا وراء ذلك الإنسان فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف في الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاها وأشباهها، ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين (¬1). مسلم، عن جابر قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتريدُ أَنْ تكونَ فَتّانًا يَا معاذُ؟، إِذَا أممتَ بالنَّاسِ، فاقرأْ بالشَّمسِ وضُحَاها وسبّح اسمِ ربكَ واللَّيلِ إِذَا يَغْشَى" (¬2). وعن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة، فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة فركع. وفي رواية فحذف وركع (¬3). وعن البراء بن عازب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه. وفي طريق آخر أنه عليه السلام كان في سفر (¬4). وعن قطبة بن مالك قال: صليت وصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} حتى قرأ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} قال: فجعلت أرددها ولا أدري ما قال (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 167 - 168). (¬2) رواه مسلم (465). (¬3) رواه مسلم (455). (¬4) رواه مسلم (464). (¬5) رواه مسلم (457).

وقال الترمذي: في الركعة الأولى (¬1). أبو داود، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة (¬2). وعن معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلًا من جهينة أخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم قرأ ذلك عمدًا (¬3). وذكره في المراسيل عن سعد بن سعيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن سعيد بن المسيب قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، فقرأ في الركعة الأولى بإذا زلزلت، ثم قام في الثانية فأعادها (¬4). وسعيد بن سعيد ضعيف. مسلم، عن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وكانت صلاته بعد تخفيفًا (¬5). وعن عمرو بن حريث أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس (¬6). النسائي، عن عقبة بن عامر أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المعوذتين، قال عقبة: فأمنا بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفجر (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (306). (¬2) رواه أبو داود (814). (¬3) رواه أبو داود (816). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل كما في تحفة الأشراف (13/ 215). (¬5) رواه مسلم (456). (¬6) رواه مسلم (458). (¬7) رواه النسائي (2/ 158).

وذكر أبو أحمد من حديث حنظلة بن عبيد الله السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة لم يقرأ فيها إلا بفاتحة الكتاب. حنظلة هذا اختلط فوقع الإنكار في حديثه فضعف من أجل ذلك (¬1). وذكر الحارث بن أبي أسامة في مسنده بهذا الإسناد قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب لم يزد على ذلك شيئًا. وذكر أبو أحمد من حديث أبي الرجال خالد بن محمد البصري، عن النضر بن أنس عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الهاجرة، فرفع صوته فقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فقال أبي بن كعب: يا رسول الله أمرت في هذه الصلاة بشيء؟ قال: "لاَ ولكنْ أرَدتُ أَنْ أوقتَ لَكُمْ صلاتكمْ" (¬2). خالد بن محمد هذا قال فيه البخاري: عنده عجائب. قال أبو أحمد عنه: هو قليل الحديث وفي حديثه بعض النكرة. ذكر أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار من حديث قتادة عن شهر بن حوشب أن أبا مالك الأشعري قال لقومه: اجتمعوا حتى أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاجتمعوا، فصلى بهم صلاة الظهر، فقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب، وأسمع ذلك من يليه. وشهر قد تكلموا فيه ولا يحتج بحديثه. أبو داود، عن سليمان التيمي، عن أمية عن أبي مجلز عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع فرأوا أنه قد قرأ تنزيل السجدة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 829). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 899). (¬3) رواه أبو داود (807).

مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}، وأن النبي كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (¬1). وذكر أبو بكر بن أبي داود في كتاب شريعة المغازي قال: نا عمي، حدثنا حجاج، حدثنا حماد عن أبان، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة من المئين في الركعة الأولى فيها سجدة فسجد، ثم غدوت عليه من الغد فقرأ في الركعة الآخرة سورة من المئين فيها سجدة فسجد. وذكر أبو داود عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). هذا مرسل. وعن إسماعيل بن أبي أمية قال: سمعت أعرابيًا قال: سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ قرأَ منكُمْ بالتينِ والزيتونِ، فانتهَى إِلى آخرِهَا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فَليقلْ: وَأنَا عَلَى ذَلِكَ منَ الشّاهدينَ، ومَنْ قَرأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، فانتهَى إِلى آخرِها {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَليقلْ: بلَى، ومنْ قَرأَ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} فبلغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فليقلْ: آمنّا باللهِ" قال إسماعيل: فذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله؟ قال: يا ابن أخي أتظن أني لم أحفظه، لقد حججت ستين حجة ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (879). (¬2) رواه أبو داود (884). (¬3) رواه أبو داود (887) وعنده ذهبت أعيد على الرجل.

مسلم، عن حفصة أنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في سبحته قاعدًا حتي كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، وكان يقرأ بالسورة يرتلها حتى تكون أطول من أطول منها (¬1). أبو داود، عن عبد الله بن الشخير قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء (¬2). مسلم، عن أنس قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان، ويقول: "عصيةٌ عصتِ اللهَ ورسولَهُ" (¬3). ويروى قبل الركوع، وبعد الركوع أكثر وأشهر. ذكر حديث قبل الركوع مسلم أيضًا (¬4). أبو داود، عن ابن عباس قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه (¬5). الدارقطني، عن أنس قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتي فارق الدنيا (¬6). ذكر أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر، إذ جاءه جبريل عليه السلام فأومأ إليه أن اسكت، فسكت, فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا، وإنما بعثك ¬

_ (¬1) رواه مسلم (733). (¬2) رواه أبو داود (904). (¬3) رواه مسلم (677). (¬4) رواه مسلم (677) وهو رواية من هذا الحديث. (¬5) رواه أبو داود (1443). (¬6) رواه الدارقطني (2/ 39) وفيه أبو جعفر الرازي صاحب مناكير. . .

رحمة ولم يبعثك عذابًا، ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، قال: ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونخنع لك ونخلع، ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق (¬1). وقد ورد في قنوت الوتر دعاء آخر بإسناد صحيح وسيأتي إن شاء الله تعالى. مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختتم الصلاة بالتسليم (¬2). قال الهروي: عن أبي عبيد عقب الشيطان هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء. وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتِمُّوا الرُّكوعَ والسجودَ فواللهِ إِنِّي لأراكُمْ منْ بعدِ ظهرِي إِذَا مَا ركعتُمْ وإِذَا مَا سجدتُمْ" (¬3). النسائي، عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تجزئُ ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأشراف (13/ 184). (¬2) رواه مسلم (498). (¬3) رواه مسلم (425).

صلاةٌ لاَ يقيمُ الرّجلُ فيهَا صلبَهُ فِي الرّكوعِ والسّجودِ" (¬1). البخاري، عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفة رجلًا لا يتم الركوع والسجود، قال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدً - صلى الله عليه وسلم - (¬2). النسائي، عن عبد الله بن مسعود قال: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، فقام فكبر, فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع، فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي قد كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك على الركب (¬3). خرجه مسلم في حديثين وهذا أخصر (¬4). أبو داود، عن عقبة بن عامر قال: فلما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلُوهَا فِي ركوعِكُمْ"، فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "اجعلوهَا فِي سُجُودِكُمْ" (¬5). وروى الدارقطني من حديث إبراهيم بن الفضل المدني، عن سعد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا ركَعَ أحدُكُمْ وسبح ثلاثَ مراتٍ فإنَّهُ يسبحُ للهِ منْ جسده ثلاثةٌ وثلاثونَ وثلاثمائةُ عظمٍ وثلاثةُ وثلاثونَ وثلاثمائةُ عرقٍ" (¬6). إبراهيم بن الفضل ضعيف عندهم. الترمذي، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا ركعَ أحدُكُمْ فقالَ فِي ركوعِهِ سبحانَ ربِّي العظيمِ ثلاثَ مراتٍ فقدْ تمَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 183). (¬2) رواه البخاري (791). (¬3) رواه النسائي (2/ 184 - 185). (¬4) انظر صحيح مسلم (534 و 535). (¬5) رواه أبو داود (869). (¬6) رواه الدارقطني (1/ 343).

ركوعُهُ وذلِكَ أدنَاهُ، وَإِذَا سجدَ فقالَ فِي سجودِهِ سبحانَ ربِّى الأعلَى وبحمدهِ ثَلاث مراتٍ فَقَدْ تمَّ سجودُهُ وذلِكَ أدناهُ" (¬1). قال: عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود، وقد روى هذا من فعله - صلى الله عليه وسلم -. وذكره الدارقطني من حديث محمد بن أبي ليلى، عن الشعبي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وكذلك خرجه البزار من حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وقال أبو داود من حديث سعيد الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثًا (¬4). وعن وهب بن مانوس سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات (¬5). مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده "سبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِكَ اللَّهُمَّ اغفرْ لِي" يتأول القرآن (¬6). وعن ابن عباس قال: كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: "أيُّها النَّاسُ: إِنَّهُ لَمْ يبقَ منْ مبشراتِ النّبوةِ إِلّا الرّؤيَا الصالحةَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (260). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 341). (¬3) رواه البزار (538 كشف الأستار). (¬4) رواه أبو داود (885). (¬5) رواه أبو داود (888). (¬6) رواه مسلم (484).

يرَاهَا المسلمُ، أَو تُرى لَهُ، أَلاَ وإِنِّي نهيتُ أَنْ أَقرأَ القرآنَ رَاكعًا أَوْ سَاجدًا، فأَمّا الركوعَ فعظّمُوا فِيه الربَّ، وأَمَّا السُجود فاجْتَهِدُوا فِي الدّعاء فقمنَ أَنْ يستجابَ لَكُمْ" (¬1). وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد (¬2). وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبّوحُ قدوس رب الملائكةِ والرّوحِ". وعنها قالت: فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ برضاكَ منْ سخطِكَ وبمعافَاتِكَ منْ عقوبَتِكَ، وأعوذُ بِكَ منكَ لَا أُحصي ثناءً عليكَ أَنتَ كمَا أثنيتَ عَلَى نَفْسِكَ" (¬3). أبو داود عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "سبحان رَبِّي الأعلَى" (¬4). روي هذا موقوفًا. النسائي، عن حذيفة قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرة [فقرأ]، فقلت: يركع عند المائة فمضى، فقلت يركع عند المائتين فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فافتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلًا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بآية تعوذ تعوذ، ثم ركع فقال: "سبحانَ رَبِّي العَظيم" فكان ركوعه نحوًا من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (479). (¬2) رواه مسلم (480) وفي المخطوطة "أن أقرأ القرآن وأنا راكع أو ساجد" وليس هذا اللفظ عند مسلم. (¬3) رواه مسلم (486). (¬4) رواه أبو داود (883).

قيامه، ثم رفع رأسه فقال: "سمِعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ" فكان قيامه قريبًا من ركوعه، ثم سجد فجعل يقول: "سبحانَ ربِّي الأعلَى" فكان سجوده قريبًا من ركوعه (¬1). وفي كتاب مسلم: فكان سجوده قريبًا من قيامه (¬2). مسلم، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت خلف أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أُقرت الصلاة بالبر والزكاة، فلما قضى أبو موسى الصلاة انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمَّ القوم، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمَّ القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها، قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: "إِذَا صلّيتُمْ فأَقِيمُوا صفوفَكُمْ، ثُمَّ ليؤمّكُمْ أحدُكُمْ، فَإِذَا كبَّرَ فكبرُوا، وإِذَا قَالَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولُوا آمينَ يجبكُمُ اللهُ، فَإِذَا كبَّرَ وركَعَ فكبّرُوا واركَعُوا فَإنَّ الإمامَ يركعُ قبلَكُمْ ويرفَعُ قبلَكُمْ". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتِلكَ بتلكَ، وإِذَا قالَ سمعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ فقولُوا: اللَّهُمَّ ربَّنَا لَكَ الحَمدُ، يسمعُ اللهُ لَكُمْ فَإنَّ الله تَباركَ وَتعالَى قالَ علَى لسانِ نبيهِ: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ، وإِذَا كبَّرَ وسجَدَ فكبّرُوا واسجدُوا فَإنَّ الإمامَ يسجدُ قبلَكُمْ ويرفعُ قَبْلَكُمْ" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتلكَ بتلك، وإِذَا كانَ عندَ القَعْدَةِ فليكنْ مِنْ أولِ قولِ أحدِكُمْ: التحياتُ الطيباتُ الصلواتُ للهِ السّلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتهُ، السلامُ علَينا وعلَى عِبادِ اللهِ الصَالحين، أشهدُ أَنْ لاَ إِلَه إلّا اللهُ، وأَشهدُ أَنْ محمدًا عبدُهُ ورسولُه" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 225 - 226) وليست كلمة فقرأ بين المعكوفين عنده. (¬2) رواه مسلم (772). (¬3) رواه مسلم (404).

زاد في طريق آخر: "وإِذَا قَرأَ فَأَنصِتُوا". بكعت الرجل بكعًا أي استقبلته بما يكره، وهو نحو التبكيت ذكره الهروي. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَالَ الإِمامُ: سَمعَ اللهُ لمن حمدهُ، فقولُوا: اللَّهُمَّ ربّنَا لكَ الحمدُ، فَإنَّهُ منْ وافقَ قَوْلُهُ قولَ الملائكةِ غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ منْ ذنبهِ" (¬1). وذكر الدارقطني عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو، عن يحيى بن عمرو بن عمارة بن راشد أبي الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان يقول: حدثني عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: كنا إذ صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سمع الله لمن حمده، قال من وراءه سمع الله لمن حمده (¬2). قال: رواه أبو طالب الحافظ، عن زيد بن محمد، عن عبد الصمد، عن يحيي بن عمرو بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَالَ الإمامُ سمعَ اللهُ لِمَنْ حمده فَلْيَقُلْ مَنْ وراءَهُ ربّنَا ولكَ الحمدُ". هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد والله أعلم (¬3). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول حين يقول سمع الله لمن حمده: "اللَّهُمَّ ربّنَا لكَ الحمدُ مِلءَ السمواتِ وملءَ الأرضِ وملء شِئْتَ منْ شيءٍ بعدَ أَهلُ الثناءِ والمجدِ أحقّ مَا قَالَ العبدُ وكلنَا لكَ عبدٌ, لا مَانِعَ لمَا أعطيتَ وَلا مُعطِي لمَا منعْتَ ولاَ ينفعُ ذَا الجدّ منْكَ الجدّ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (409). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 339 - 340). (¬3) انظر سنن الدارقطني (1/ 340). (¬4) رواه أبو داود (847).

خرجه مسلم أيضًا (¬1). البخاري، عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ" قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: "مَنِ المُتكلم؟ " قال: أنا، قال: "رأيتُ بِضْعةً وثلاثينَ ملكًا يبتدرونَها أيّهم يكتبهَا أَوّلُ" (¬2). أبو داود، عن الحسن بن عمران وهو أبو عبد الله العسقلاني، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يتم التكبير. قال أبو داود: معناه إذا رفع رأسه من الركوع فأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر (¬3). الحسن بن عمران شيخ ليس بالقوي. وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع ذكره مسلم وغيره (¬4). وذكر الترمذي عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر وهو يهوي (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي حميد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه. قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (477). (¬2) رواه البخاري (799). (¬3) رواه أبو داود (737). (¬4) صحيح مسلم (492). (¬5) رواه الترمذي (254). (¬6) رواه الترمذي (277).

وروي مرسلًا عن عامر. أبو داود، عن شريك، عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، فإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه (¬1). روي همام عن عاصم مرسلًا، وهمام ثقة. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سجدَ أحدُكُمْ فَلا يَبْرِكْ كما يبرك البعيرُ وليَضعْ يديهِ قبلَ ركبتَيْهِ" (¬2). وذكر الترمذي من حديث خالد بن إلياس يسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهض في الصلاة على صدور قدميه (¬3). قال أبو عيسى: خالد بن إلياس ضعيف عند أهل الحديث. وذكر أبو داود في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد علي فخذيه (¬4). ذكره من حديث وائل بن حجر وهو منقطع، أو من حديث عاصم بن كليب عن أبيه وهو مرسل. قال همام راوي الحديث: وأكبر علمي أنه في حديث، يعني وائل بن حجر (¬5). عن أبي حجيرة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا سَجدَ أحدُكُمْ فلا يفترشْ يَدَيْهِ افتراشَ الكلْبِ وليضمَّ فخذَيْهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (838). (¬2) رواه أبو داود (840). (¬3) رواه الترمذي (288). (¬4) رواه أبو داود (736). (¬5) في سنن أبي داود: وأكبر علمي أنه حديث محمد بن جحادة. (¬6) رواه أبو داود (901).

مسلم، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمرتُ أَنْ أَسجدَ علَى سبعِ وَلا أكفتُ الشّعرَ ولاَ الثيابَ الجبهةِ والأنفِ واليدينِ والركبتينِ والقَدَمَيْنِ" (¬1). وقال البخاري: الجبهة وأشار بيده إلى أنفه (¬2). مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اعتدلُوا فِي السّجودِ ولاَ يبسطْ أحدكُمْ ذراعيهِ إبساطَ الكَلبِ" (¬3). وعن البراء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سجدتَ فَضعْ كفيّكَ وارفعْ مرفقيْكَ" (¬4). وعن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد خوى بيديه (يعني جنَّحَ) حتى يرى وضح إبطيه من ورائه وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى (¬5). أبو داود، عن أبي هريرة قال: اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] شقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: "استَعِينُوا بِالرّكبِ" (¬6). وذكر أبو أحمد من حديث أبي معاوية وابن فضيل، عن أبي سفيان طريف بن شهاب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال أبو معاوية: أراه رفعه ولم يشك ابن فضيل في رفعه قال: "إِذَا ركعَ أحدُكُمْ فلاَ يدبِّحْ كَمَا يُدبِّحُ الحمارُ، ولكِنْ ليقمْ صلبَهُ، فَإِذَا سجدَ فليمددْ صلبَهُ، فإنَّ الرجلَ يسجدُ عَلى سبعةِ أَعظُمٍ علَى جبهتِهِ وكفّيْه وركبتيهِ وصدورِ قدميهِ" كذا قال: "فَإذَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (490). (¬2) رواه البخاري (812). (¬3) رواه مسلم (493). (¬4) رواه مسلم (494). (¬5) رواه مسلم (497). (¬6) رواه أبو داود (902) وما بين المعكوفين ليس في السنن.

جَلَسَ فَلْيَنْصِبْ رِجْلَهُ اليُمْنَى وَلْيَخْفِضْ رِجْلَهُ اليُسْرَى" (¬1). ورواه عن علي بن حرب، عن أبي معاوية بهذا الإسناد ورفعه قال: "الإنسانُ يسجدُ علَى سبعةِ أَعظُمٍ علَى جبهتِهِ وكفّيْهِ وركبتيهِ وصدورِ قدميهِ" (¬2). كذا قال: "وصدور قدميه" وأبو سفيان متروك عند النسائي، وضعيف بن حنبل وابن معين وغيرهما. وقال فيه أبو أحمد: أبو سفيان روى عن الثقات، وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فمستقيمة. قال الهروي: يدبح يطاطي وهو بالحاء المهملة. وذكر أبو داود في المراسيل عن صالح بن خيوان النسائي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا [يصلي] يسجد بجبهته وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبهته (¬3). وذكر عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على كور عمامته (¬4). في إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك. وقد روي من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله، وهو من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط (¬5). وجابر متروك عن آخر مثله، وكان عمرو بن شمر رجلًا صالحًا لكنه كان صاحب مذهب، ويقال له عمرو بن أبي عمرو. وهذا الحديث ذكره أبو أحمد. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1437). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1437). (¬3) انظر تحفة الأشراف (13/ 233) وليس فيه كلمة يصلي. (¬4) رواه عبد الرزاق (1564). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1781).

وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب قال: قلت لوهب بن كيسان: يا أبا نعيم ما لك لا تمكن جبهتك وأنفك من الأرض؟ قال: ذاك اني سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على جبهته على قصاص الشعر (¬1). وذكره الدارقطني بهذا الإسناد، وعبد العزيز هذا لم يرو عنه إلا إسماعيل بن عياش وهو ضعيف، وحديثه منكر (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن الفضل، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السجودُ علَى الجبهةِ فريضةٌ، وعلَى الأنفِ تطوّعٌ" (¬3). ومحمد بن الفضل هذا متروك، وهو ابن الفضل بن عطية. وذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن قال: أدركنا القوم يسجدون على عمائمهم، ويسجد أحدهم ويداه في قميصه (¬4). وذكر عبد الرزاق أيضًا عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في كساء مخالفًا بين طرفيه في يوم بارد يتقي بالكساء حصى الأرض كهيئة الحافز (¬5). إسناده متروك، فيه إبراهيم بن أبي يحيى وغيره. خرجه البزار من حديث إبراهيم بن أبي حبيبة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مسجد بني عبد الأشهل في كساء متليئًا به يقيه برد الحصى (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1924). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 349). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2174). (¬4) رواه عبد الرزاق (1566). (¬5) رواه عبد الرزاق (1369). (¬6) رواه ابن ماجه (1032) والطبراني في الكبير (1344).

ولا يصح قاله البخاري. وذكر عبد الرزاق عن بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نكشف سترًا أو نكف شعرًا أو نحدث وضوءًا، قال: قلت ليحيى: ما قوله أو نحدث وضوءًا؟ قال: إذا وطئ نتنًا وكان متوضئًا. وقوله لا نكشف سترًا، يقول: لا يكشف الثوب عن يديه إذا سجد (¬1). أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. ومن مراسيل أبي داود عن يزيد بن أبي حبيب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على امرأتين تصليان، فقال: "إِذَا سجدتُمَا فضما بعضَ اللحمِ إِلى الأرضِ فإنَّ المرأةَ ليستْ فِي ذَلكَ كالرّجلِ" (¬2). الترمذي، عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا سجدَ العبدُ سجدَ معهُ سبعةُ آرابٍ وجهُهُ وكفّاهُ وركبتاهُ وقدماهُ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. الدارقطني، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ صلاةَ لِمَنْ لَمْ يَضعْ أنفَهُ عَلي الأَرضِ" (¬4). النسائي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اليدينِ تسجدانِ كَمَا يسجدُ الوجهُ، فَإِذَا وضعَ أحدُكُمْ وجهَهُ فليضعْ يديهِ، وإِذَا رفعَهُ فليرفعهُمَا" (¬5). مسلم، عن أنس قال: ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (103 و 1572). (¬2) انظر تحفة الأشراف (13/ 419). (¬3) رواه الترمذي (272). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 348). (¬5) رواه النسائي (2/ 207).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمام، كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقاربة، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة، فلما كان عمر بن الخطاب مدّ في صلاة الفجر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم (¬1). الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: "اللَّهُمَّ اغفرْ لِي وارحمنِي واجبرنِي واهدنِي وارزقْنِي" (¬2). البخاري، عن البراء قال: كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا الركوع والقعود قريبًا من السواء (¬3). مسلم، عن البراء قال: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع والسجود وما بين السجدتين قريبًا من السواء (¬4). ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عاصم، عن أبي العالية قال: أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اعطُوا كلَّ سورةٍ حظّهَا منَ الرّكوعِ والسّجودِ" (¬5). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَرأَ ابنُ آدمَ السجدةَ فسجدَ، اعتزل الشيطانُ يبكِي يقولُ: يَا ويلَهُ أُمِرَ ابنُ اَدمَ بالسّجودِ فسجدَ فَلَهُ الجنَّةُ، وأُمرتُ بالسجودِ فعصيتُ فَلِيَ النَّارُ" (¬6). وعن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سَلْ" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أَو غَير ¬

_ (¬1) رواه مسلم (473). (¬2) رواه الترمذي (284 و 285). (¬3) رواه البخاري (801). (¬4) رواه مسلم (471). (¬5) ورواه أحمد (5/ 59 و 65). (¬6) رواه مسلم (81).

ذلك" قلت: هو ذلك، قال: "فأَعنِّي علَى نفسِكَ بِكَثرةِ السّجودِ" (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَقربُ مَا يكونُ العبدُ منْ رَبِّهِ وهُوَ ساجِدٌ، فأكثِرُوا الدّعاءَ" (¬2). عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: "عليكَ بكثرة السّجودِ، فَإِنَّكَ لاَ تسجدُ لله سجدةً إِلّا رفعكَ اللهُ بهَا درجةً وحطَّ بِها عنْكَ خطيئةً" (¬3). وذكر العقيلي من حديث علي بن حزور سمعت الأصبغ بن نباتة يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا رفع أحدكم رأسه من السجدة الثانية فليلزق أليته من الأرض، ولا يفعل كما تفعل الإبل فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذَلِكَ توقيرٌ للصّلاةِ" (¬4). لا يتابع علي بن حزور على هذا وهو ضعيف. وكذلك الأصبغ بن نباتة ضعيف. البخاري، عن مالك بن الحويرث أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا (¬5). أبو داود، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن ثابت المروزي ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن حنبل: أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (489). (¬2) رواه مسلم (482). (¬3) رواه مسلم (488). (¬4) رواه العقيلي (3/ 227). (¬5) رواه البخاري (823).

وقال أحمد بن محمد المروزي: نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة. وقال ابن رافع: نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده. وذكروا في باب الرفع من السجود. وقال ابن عبد الملك: نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة (¬1). عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة: "هِيَ قعدةُ المغضوبِ عليهِمْ" (¬2). النسائي، عن ابن عمر قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعه القبلة، والجلوس على اليسرى (¬3). أبو داود، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أنتَ قُمتَ فِي صلاتِكَ فكبّرِ اللهَ، ثُمَّ اقرأْ مَا تيسرَ عليكَ مِنَ القُرآنِ" وقال فيه: "فَإِذَا جلستَ فِي وسطِ الصّلاةِ فاطمئنَ، وافرشْ فخذكَ اليُسرى، ثُمّ تشهّدْ، ثُمَّ إِذَا قمتَ فمثْل ذلِكَ حتَّى تفرغَ مِنْ صلاتِكَ" (¬4). البخاري، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (992). (¬2) رواه عبد الرزاق (3057). (¬3) رواه النسائي (2/ 236). (¬4) رواه أبو داود (860).

ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم حصر ظهره فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته (¬1). وذكر أبو داود من حديث أبي حميد ووصف جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الرابعة، قال: أفضى بوركه إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة (¬2). ذكره من حديث عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف. مسلم، عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه (¬3). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا قال: ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها (¬4). النسائي، عن ابن عمر في إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد قال: وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام في القبلة ورمى ببصره إليها، أو نحوها (¬5). أبو داود، عن عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (828). (¬2) رواه أبو داود (731). (¬3) رواه مسلم (579). (¬4) رواه مسلم (580). (¬5) رواه النسائي (2/ 237). (¬6) رواه أبو داود (989).

وعنه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو كذلك، ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى (¬1). وعنه في هذا قال: لا يجاوز بصره إشارته (¬2). النسائي، عن وائل بن حجر ووصف جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد قال: ثم قعد وافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه، وحلَّق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها (¬3). وقال: عن نمير الخزاعي أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا في الصلاة واضعًا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا إصبعه السبابة قد أحانها شيئًا وهو يدعو (¬4). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلام على الله السلام على فلان، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: "إِنَّ اللهَ هُوَ السّلامُ، فَإِذَا قعدَ أحدُكُمْ فِي الصّلاةِ فَليقلْ: التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ السّلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، السّلامُ علينَا وعَلى عِبَادِ اللهِ الصَالحينَ، فَإِذَا قَالها أصابَتْ كُلَّ عبدٍ للهِ صالحٍ فِي السّماءِ والأرضِ أَشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلّا اللهُ وأَشهدُ أَنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، ثُمَّ يتخيرُ منَ المَسْأَلَةِ مَا شاءَ" (¬5). النسائي، عن عبد الله أيضًا قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا فِي كُلِّ جلسةِ التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ السّلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ ¬

_ (¬1) هو في نفس الحديث (989). (¬2) رواه أبو داود (990). (¬3) رواه النسائي (2/ 126 - 127). (¬4) رواه النسائي (3/ 38 و 39) وهذا اللفظ في الرواية الثانية. (¬5) رواه مسلم (402).

وبركاتهُ، السّلامُ علينَا وعلَى عبادِ اللهِ الصّالحينَ أَشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إلّا اللهُ وأَنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ" (¬1). وعن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسمِ اللهِ وباللهِ التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ السّلامُ عليكَ أَيُّها النّبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، السّلامُ علينَا وعَلَى عبادِ اللهِ الصالحينَ أَشهدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ وأَشهدُ أَنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أسألُ اللهَ الجنَّةَ وأعوذُ بَاللهِ منَ النَّارِ" (¬2). أحسن حديث أبي الزبير عن جابر ما ذكر فيه سماعه منه ولم يذكر السماع في هذا فيما أعلم. وذكر أبو بكر البزار من حديث أبي حمزة ميمون القصاب الأعور الكوفي وهو ضعيف عندهم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا صلاةَ إِلّا بتشهدٍ" (¬3). أبو داود، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده فعلمه التشهد في الصلاة. فذكر مثل دعاء الأعمش يعني مثل حديث مسلم قال: "إِذَا قُلتَ هَذا أَوْ قضيتَ هذا فقَدْ قضيتَ صَلاتَكَ، إِنْ شئتَ أَنْ تقومَ فَقُمْ، وإِنْ شئتَ أَنْ تقعدَ فَاقعدْ" (¬4). وهذه الزيادة إنما هي من قول ابن مسعود، ذكر ذلك أبو بكر الخطيب في كتاب الفصل للوصل وبينه، وهو الصحيح على ما قال غيره أيضًا. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 239). (¬2) رواه النسائي (2/ 243). (¬3) رواه البزار (560 كشف الأستار). (¬4) رواه أبو داود (970).

أبو داود، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تشهّدَ أحدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ منْ أربعٍ، يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منْ عذابِ جهنَّمَ، ومنْ عذابِ القبرِ، ومنْ فتنةِ المحيا والمماتِ، ومنْ شرِّ فتنةِ المسيحِ الدَّجالِ" (¬1). وفي لفظ آخر: "إِذَا فرغَ أحدُكُمْ منَ التشهّدِ الاَخرِ، فليتعوذْ باللهِ منْ أربعٍ، منْ عذابِ جهنّم، وَمنْ عذابِ القبرِ، ومنْ فتنةِ المحيا والمماتِ، ومنْ شرِّ المسيحِ الدّجالِ" (¬2). مسلم، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصلاة "اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بكَ منْ عذابِ القبرِ، وأعوذُ بكَ منْ فتنةِ المسيحِ الدّجالِ، وأعوذُ بكَ منْ فتنةِ المحيا والمماتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بكَ منَ المأثمِ والمغرمِ" قال: فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم، قال: "إِنَّ الرجلَ إِذَا غرمَ حدّثَ فكذبَ، ووَعَدَ فأَخلفَ" (¬3). أبو داود، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: صليت إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة التطوع، فسمعته يقول: "أعوذُ باللهِ منَ النّارِ، ويلٌ لأهلِ النّارِ" (¬4). الترمذي، عن فضالة بن عبيد قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عجِّلْ هَذا" ثم دعاه فقال له ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (624). (¬2) رواه مسلم (588). (¬3) رواه مسلم (589). (¬4) رواه أبو داود (881).

ولغيره: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ فلْيَبْدَأْ بتحميدِ اللهِ والثناءِ عليهِ، ثُمَّ ليُصَلِّ علَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ ليدعُ بعد مَا شَاءَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ صلّى صلاةً لَمْ يصلّ فيها عليَّ ولاَ علَى أهلِ بيتي لَمْ تُقبلْ مِنْهُ" (¬2). وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي. وعن بريدة بن حصيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بريدةُ إِذَا جلستَ فِي الصّلاةِ فَلا تتركنّ التشهدَ والصّلاة عليّ، فإِنّها زكاةُ الصّلاةِ" (¬3). وفي إسناده جابر بن يزيد أيضًا. وذكر فيه عن سهل بن سعد ولا يصح لأن في إسناده عبد المهيمن بن عباس وليس بقوي، ولفظه لا صلاة لمن لم يصل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وذكر أبو بكر البزار حديث بريدة ولفظه "إِذَا جلستَ فِي صلاتِكَ فَلا تتركنّ فِي التشهدِ لاَ إِلَه إَلَّا اللهُ وأَنّي محمدٌ رسولَ اللهِ، والصلاةُ عليّ وعلَى أهلِ بَيْتِي وعلَى أنبياءِ اللهِ، وسلِّمْ علَى عبادِ اللهِ الصَالحينَ". وأمره في هذاالحديث بقول: سبحان ربي العظيم ئلاث مرات في الركوع، وبقول سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات في السجود (¬5). في إسناده العرزمي المشهور بالضعف، وجابر بن يزيد الجعفي أيضًا. والصحيح في هذا حديث الترمذي كما قال، وحديثه خرجه في الأدعية. مسلم، عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3475). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 355). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 355). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 355). (¬5) رواه البزار (527 كشف الأستار).

مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمدِ وعلَى آلِ محمدِ كَمَا صلَّيتَ عَلى آلِ إبراهيمَ، اللَّهُمَّ بارِكْ علَى محمدِ وعلَى آلِ محمدٍ كمَا باركتَ عَلى آلِ إبراهيمَ فِي العالمينَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، والسّلامُ كَمَا قَدْ علمتُمْ" (¬1). ذكر الدارقطني هذا الحديث وقال فيه: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ (¬2). رواه من حديث ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبي مسعود. وزاد عمرو بن خالد في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "اللَّهُمَّ وترحّمْ علَى محمدٍ وعلَى آلِ محمدٍ كمَا ترحّمتَ علَى إبراهيمَ وعلَى آلِ إبراهيمَ إِنَّك حميدٌ مجيدٌ، اللَّهُمَّ وتحننْ علَى محمدٍ وعلَى آلِ محمدٍ كمَا تحنّنتَ علَى إبراهيمَ وعلَى آلِ إبراهيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ" (¬3). ذكر هذا الحديث أبو عبد الله الحاكم في علوم الحديث، وعمرو بن خالد متروك. أبو داود، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف، قال: قلنا: حتى يقوم، قال: حتى يقوم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (405). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 354 - 355) وقال: هذا إسناد حسن متصل. (¬3) رواه الحاكم في علوم الحديث (ص 32 - 33). (¬4) رواه أبو داود (995).

لم يسمع أبو عبيدة عن أبيه، وهو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. وأبي عبيدة أيضًا عن عبد الله بن مسعود قال: من السنة أن يخفى التشهد (¬1). أبو داود، عن ثوبان قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ لاَ يحلُّ لأَحدٍ أَنْ يفعلهنَّ، لاَ يؤمُّ رجلٌ قَومًا فيخصُّ نفسَهُ بالدّعاءِ دونهُمْ، فإِنْ فعَلَ فَقدْ خانَهُمْ، ولاَ ينظرُ فِي قعرِ بيتٍ قبلَ أَن يستأذنَ، فإِنْ فعلَ فَقد دخلَ، ولاَ يصلِّي وهُوَ حقنٌ حتَّى يخففَ" (¬2). الترمذي، عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاحُ الصّلاةِ الطّهور، وتحريمُهَا التكبيرُ، وتحليلُهَا التّسليمُ" (¬3). قال أبو عيسى: هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غلامَ تومِئُونَ وأيديكُمْ كأنَّها أذنابُ خيلٍ شمسٍ، إِنَّما يكفِي أَحدكُمْ أَنْ يضعَ يدَهُ علَى فخذِهِ، ثُمْ يسلّمُ عَلَى أَخيهِ من علَى يمينِهِ وشمالِهِ". وفي طريق أخرى: "إِذَا سلَّمَ أحدُكُمْ فليلتفتْ إِلى صاحبِهِ ولا يُومِئ بيدهِ" (¬4). أبو داود، عن وائل بن حجر قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يسلم على يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله (¬5). النسائي، عن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه السلام ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (986). (¬2) رواه أبو داود (90). (¬3) رواه الترمذي (3). (¬4) رواه مسلم (431). (¬5) رواه أبو داود (996) وفي نسختنا من سنن أبي داود زيادة وبركاته في الأخير أيضًا.

عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر (¬1). الترمذي، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئًا (¬2). هذا يرويه زهير بن محمد. قال أبو عمر: حديث زهير بن محمد في التسليمتين لا يصح مرفوعًا، وزهير ضعفه ابن معين وغيره في التسليمتين. وحديث ابن مسعود في التسليمتين صحيح. وذكر أبو أحمد من حديث عطاء بن أبي ميمونة وكنيته أبو معاذ قال: حدثني أبي وحفص المقبري، عن الحسن، عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (¬3). عطاء هذا ضعيف معروف بالقدر، مع كلامهم في سماع الحسن عن سمرة. أبو داود، عن الحسن عن سمرة قال: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نرد على الإمام وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض (¬4). الصحيح أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. وخرجه أبو داود أيضًا من حديث سليمان بن سمرة، عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كانَ وسطُ الصّلاةِ أَوْ حينَ انقضائِهَا فَأبدؤُوا قبلَ التّسليمِ، ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 63 - 64). (¬2) رواه الترمذي (296). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 2005). (¬4) رواه أبو داود (1001).

فقُولُوا: التحياتُ والطيباتُ والصلواتُ والملكُ للهِ، ثُمّ سلّمُوا علَى اليُمنى ثُمَّ سلِّمُوا علَى قارئِكُمْ وعلَى أنفسِكُمْ" (¬1). وليس هذا الإسناد بمشهور. الترمذي، عن أبي هريرة قال: حذف السلام سنة (¬2). قال ابن المبارك: يعني أن لا يمده مدًا. قال: هذا حديث حسن صحيح. وأسنده أبو داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأول أصح (¬3). النسائي، عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا جَلَسَ، يعني الرجل، فِي آخرِ صلاتِهِ قبلَ أَنْ يسلّمَ فقدْ جازَتْ صلاتَهُ" (¬4). في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف عندهم. مسلم، عن السدي قال: سألت أنسًا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري، قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه (¬5). وعن ابن عباس: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (975) ولفظه "أما بعد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في وسط الصلاة" والباقي مثله. (¬2) رواه الترمذي (297). (¬3) رواه أبو داود (1004). (¬4) رواه أبو داود (617) والترمذي (1492) بلفظ آخر ورواه أيضًا الخطيب في التاريخ (13/ 149) ولم نره عند النسائي ولفظ الترمذي "إذا أحدث -يعني الرجل- وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته" ورواه الدارقطني (1/ 379) بألفاظ مختلفة. ورواه البيهقي (2/ 176) والبغوي في شرح السنة (750 و 751). وأظن أنه لفظ الترمذي فحرفه النساخ فجعلوا الترمذي النسائي وحرفوا لفظ الحديث. (¬5) رواه مسلم (708). (¬6) رواه مسلم (583).

وعنه قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير (¬1). وعن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: "لاَ إِلَه إِلّا الله وحدَهُ لاَ شريكَ لَهُ لَهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهُوَ علَى كلِّ شيءٍ قديرٍ، اللَّهُمَّ لاَ مانعَ لمَا أعطيتَ ولاَ مُعطي لمَا منعتَ، ولاَ ينفعُ ذَا الجدّ منكَ الجدّ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سبّحَ اللهَ دبرَ كلّ صلاةٍ ثَلاثًا وثلاثِينَ، وحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وثلاثينَ، وكبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وثَلاثينَ فتلكَ تسعةٌ وتسعونَ" وقال: "تمامُ المِائةِ لاَ إِلَه إِلّا اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحمدُ وهُوَ علَى كلِّ شيءٍ قديرٍ، غُفِرَتْ خَطايَاهُ وإِنْ كانَ مثلَ زبدِ البحرِ" (¬3). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن سابط أن أبا أمامة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الدعاء أسمع؟ قال: "شطرُ اللَّيلِ الآخرِ، وأَدبارُ المَكْتُوباتِ. . ." وذكر الحديث (¬4). مسلم، عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم (¬5). أبو داود، عن معاذ بن أنس الجهني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ قعدَ فِي ¬

_ (¬1) هو رواية من الحديث (583) عند مسلم. (¬2) رواه مسلم (593). (¬3) رواه مسلم (597). (¬4) رواه الترمذي (3494) والنسائي في عمل اليوم والليلة (158) وحسنه الترمذي بغرابة، وعنعنة ابن جريج ليست علة لأنه صرح بالإخبار في رواية عبد الرزاق كما ترى. وبقي الانقطاع بين عبد الرحمن بن سابط وأبي أمامة، ولكن له شواهد فلذا حسنه الترمذي. (¬5) رواه مسلم (670).

مصلاهُ حينَ يَنصرفُ مِنَ الصّبحِ حتَّى يسبحَ ركْعتَي الضُحَى لاَ يقولُ إِلّا خَيرًا، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وإِنْ كَانَتْ أَكثر منْ زبدِ البحرِ" (¬1). تم بعونه تعالى الجزء الأول من كتاب الأحكام الوسطى لابن الخراط ويليه الجزء الثاني وأوله باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1287).

جَمِيع الحُقُوق مَحْفُوظَة 1416 هـ - 1995 م الناشر مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - طَرِيق الْحجاز ص. ب: 17522، الرياض: 11494، هَاتِف: 4583712 تلكس: 405798، فاكس ملي: 4573381 فرع القصيم بُرَيْدَة حَيّ الصَّفْرَاء ص. ب: 2376، هَاتِف وفاكس ملي: 3818919

الْأَحْكَامِ الْوُسْطَى مِن حَدْيثِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [2]

باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وعن الكلام فيها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وعن الكلام فيها مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليَنْتهنَّ أَقوامٌ عَنْ رَفْعِ أَبصارِهِمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ لَتُخطفَنَّ أَبْصَارُهُمْ" (¬1). ورواه من حديث جابر بن سمرة، ولم يقل عند الدعاء (¬2). وذكر العقيلي من حديث الربيع بن بدر عن عنطوانة عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنس إِذَا صَلَيّتَ فَضَعْ بَصَرَكَ حَيثُ تَسْجُد" قال: فقلنا: يا رسول الله إن هذا لشديد، وأخشى أن أنظر كذا وكذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ فِي المكتوبَةِ إِذًا يَا أَنسُ" (¬3). إسناد ضعيف. وذكر الحاكم أيضًا في علوم الحديث في باب البيوع الأربعين منها (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (429). (¬2) رواه مسلم (428). (¬3) رواه العقيلي (3/ 427) وقال: عنطوانة مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، والربيع بن بدر متروك. (¬4) معرفة علوم الحديث (ص 182).

وذكر أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب عن ابن عون عن ابن سيرين قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة نظر هكذا وهكذا، فلما نزل {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} نظر هكذا، وقال أبو شهاب: ببصره نحو الأرض (¬1). وقال الدارقطني وذكر الحديث رواه أبو حميد حِبرَةُ بن لخم الاسكندراني عن عبد الله بن وهب عن جرير بن حازم عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة وتابعه الكديمي عن أبي زيد النحوي عن ابن عون وأسنده أيضًا وهو وهم. والصواب مرسل (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث علي بن علي القرشي قال: حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده. روى عنه بقية، وربما قال: بقية حدثني علي النهدي، وربما قال: علي القرشي لا ينسبه. قال أبو أحمد: وعلي بن أبي علي هذا مجهول. (¬3). وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أَحدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلاَ يُغمِضْ عَيْنَيْهِ". هذا يرويه أبو خيثمة مصعب بن سعيد وهو ضعيف، يحدث بالمناكير عن الثقات (¬4). ¬

_ (¬1) تحفة الأشراف (13/ 357) والمراسيل (ص 89). (¬2) المؤتلف والمختلف (1/ 388). (¬3) الكامل (5/ 1829) وفي النسخة المطبوعة من الكامل وربما قال: حدثني علي المقرئ، وفي سند حديث علي المهدي. (¬4) الكامل (6/ 2362).

باب

رواه عن موسى بن أعين عن ليث عن طاوس عن ابن عباس. النسائي، عن أم سلمة قالت مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلام لهم يقال له رباح وهو يصلي، فنفخ في سجوده، فقال له: "يَا رَبَاحُ لاَ تنفُخْ فَإِن منْ نَفَخَ فَقَدْ تَكَلّمَ" (¬1). في إسناده عنبسة بن الأزهر ولا يحتج به. الترمذي، عن ميمون أبي حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة قالت: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - غلامًا لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ، فقال: "يَا أَفلَحُ تَربَ وَجْهُكَ" (¬2). قال أبو عيسى: حديث أم سلمة إسناد ليس بذاك، وميمون أبو حمزة قد ضعفه بعض أهل العلم، وروى بعضهم هذا الحديث عن أبي حمزة، وقال: مولى لنا يقال له رباح. مسلم، عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (¬3). باب البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَال اللهُ تَبَاركَ وَتَعَالَى: إنَّمَا أَتَقَبّلُ الصَّلاَةَ مِمّنْ تَواضَعَ بِها لَعَظَمَتِي، وَلَمْ يَستَطِلْ عَلى خَلْقِي، وَلَمْ يُبِتْ مُصِرًّا عَلى مَعصِيَتِي، وَقَطعَ نَهارَهُ فِي ذِكرِي، وَرَحمَ المِسكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالأَرْملَةَ وَرَحَمَ المُصَابَ، ذَلكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمسِ أَكْلؤُهُ بِقربِي، وَأسْتَحفِظُهْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الأشراف (13/ 30). (¬2) رواه الترمذي (381) وأحمد (6/ 301 و 323) وأبو يعلى (322/ 2) والطبراني في الكبير (23/ 742 - 745). (¬3) رواه مسلم (539) ورواه البخاري (1200 و 4534) وأحمد (4/ 368) وأبو داود (949) والترمذي (405 و 2989) والنسائي (3/ 18).

باب في مسح الحصباء في الصلاة، وأين يبصق المصلي، وفي الإقعاء فيمن صلى مختصرا أو معقوص الشعر، وفي الصلاة بحضرة الطعام، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا غرار في الصلاة وما يفعل من أحدث فيها"

مَلائِكَتي، أَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلمةِ نُورًا، وَفِي الجَهالةِ حلْمًا، وَمَثَلُهُ فِي خَلِقي كَمَثَلِ الفرْدَوسِ فِي الجَنّةِ" (¬1). هذا يرويه عبد الله بن واقد الحراني عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس. وعبد الله بن واقد كان متعففًا صالحًا متفقهًا برأي أبي حنيفة حافظًا له، ولم يكن حافظًا للحديث فضعف حديثه وترك. باب في مسح الحَصْبَاء في الصلاة، وأين يبصق المصلي، وفي الإقعاء فيمن صلى مختصرًا أو معقوص الشعر، وفي الصلاة بحضرة الطعام، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ غِرَارَ فِي الصَّلاةِ وَما يَفْعَلُ مَنْ أَحدثَ فِيهَا" مسلم، عن معيقيب الدوسي أنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسح في الصلاة، فقال: "وَاحِدَةٌ" (¬2). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: "إِن كُنتَ فَاعلاَ فَواحِدَةً" (¬3). النسائي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قامَ أَحَدُكُمْ إِلى الصَّلاةِ فَلا يَمْسَحْ إِلَّا مَرَّةً" (¬4). ¬

_ (¬1) كشف الأستار (348). (¬2) رواه مسلم (543). (¬3) رواه مسلم (543). (¬4) رواه النسائي (3/ 6) وأبو داود (945) والترمذي (379) وابن ماجه (1027) ولفظ =

البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَامَ أَحدُكُمْ إِلَى الصّلاةِ فَلاَ يَبصِقْ أَمَامَهُ فَإنَّمَا يُناجِي اللهَ عَزَّ وجَلَّ مَا دَامَ فِي مَصْلاَهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينهِ فَإِنّ عَنْ يمِينهِ مَلكًا، وَلْيَبْصقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحتَ قَدَميْهِ فيَدْفِنَهَا" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس فقال: "مَا بَالُ أَحَدكُمْ يَقُومُ مُستقبلٌ رَبّهُ فَيَتنخّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحدُكُمْ أَنْ يُستَقْبَلَ فَيتنخعُ فِي وَجهِهِ، فَإِذَا تنَخَعَ أَحدُكُمْ فَليتَنخّعْ عَنْ يَسارِهِ تَحتَ قَدمِهِ، فَانْ لَمْ يَجدْ فَليقلْ هَكَذا" ووصف القاسم بن مهران فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض (¬2). وعن عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فتنخع فدلكها بنعله اليسرى (¬3). وعن طاوس قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين قال: هي السنة، فقلنا: إنه لنراه جفاءً بالرجل، قال ابن عباس: [بل] هي سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وروى الترمذي عن الحارث الأعور عن علي قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَليّ أُحبُّ لَكَ مَا أُحبُّ لِنفسِي، وَأَكْرهُ لَكَ مَا أَكرهُ لِنفسِي لاَ تُقعّ بَيْنَ السَّجدتَيْنِ" (¬5). والحارث تكلموا فيه، وهو ممن ذكر مسلم في تجريحه في كتابه، ورماه ¬

_ = النسائي "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه" وليس عند أحد ممن ذكرنا "إلا مرة". (¬1) رواه البخاري (416). (¬2) رواه مسلم (550). (¬3) رواه مسلم (554). (¬4) رواه مسلم (536). (¬5) رواه الترمذي (281).

الشعبي وأبو إسحاق بالكذب، والذي يظهر من أمره انه إنما كذب، وقيل ما قيل فيه لغلوه في التشيع، وكان فيه غاليًا ظاهر الأمر، كذا قال أبو عمر في كتاب بيان العلم أو معنى هذا. وذكر أبو بكر البزار من حديث سعد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التورك والإقعاء وأن يستوفز في الصلاة وأن يصلي المهاجر خلف الأعرابي (¬1). وسعيد بن بشير لا يحتج به، واختلف في سماع الحسن من سمرة. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ليث بن أبي سليم عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث ونهاني عن ثلاث، أوصاني أن لا أنام إلا على وتر وركعتي الضحى وبصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني أن أنقر في صلاتي نقر الديك وأن ألتفت التفات الثعلب وأن أقعأ كإقعاء القرد (¬2). ليث بن أبي سليم ضعيف عندهم، وأما الثلاث الأول فقد رويت من طرق صحيحة. والإقعاء قال فيه أبو عبيد هو أن يلصق الرجل أليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه بالأرض كما يقعي الكلب، قال: وتفسير الفقهاء هو أن يضع أليته على عقبيه بين السجدتين. قال هو: والقول هو الأول. وقال ابن شميل: الإقعاء أن يجلس على وركيه وهو الاحتفاز والاستيفاز، ذكر هذا التفسير عنهما أبو عبيد الهروي. مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يصلي الرجل مختصرًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البزار (550 و 551 كشف الأستار) ولكن ليس عنده "وأن يصلي المهاجر خلف الأعرابي". (¬2) رواه ابن أبي شيبة (1/ 285 الإقعاء) فقط، ورواه أحمد (2/ 265) بسند ضعيف. (¬3) رواه مسلم (545).

وعن كريب عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يَحُلُّهُ، فلما انصرف أقبل على [إلى] ابن عباس فقال ما لك ورأسي، فقال إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّمَا مثلُ هَذَا مثلُ الّذِي يُصلِّي وَهُوَ مَكتُوفٌ" (¬1). الترمذي، عن أبي سعيد المقبري عن أبي رافع أنه مر بالحسن بن علي وهو يصلي، وهو عاقص ضفرته في قفاه فَحَلَّهَا، فالتفت إليه الحسن مغضبًا، فقال: أقبل على صلاتك ولا تغضب، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذَلكَ كفلُ الشّيْطَانِ" (¬2). قال: حديث حسن. وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت وفاة المقبري سنة خمس وعشرين ومئة، وكانت وفاة علي قبل ذلك لخمس وثمانين سنة، ووفاة أبي رافع قبل ذلك، وعلي كان وصي أبي رافع، فبعيد من أن يكون المقبري شاهد من أبي رافع قصة الحسن، ذكر هذا في بيان المشكل. وهذا الذي استبعد أبو جعفر ليس ببعيد، فإن المقبري أبا سعيد سمع عمر بن الخطاب على ما ذكر البخاري في التاريخ. وقال أبو عمر بن عبد البر: توفي أبو رافع في خلافة عثمان، وقيل في خلافة علي وهو أصح. مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قُرِّبَ العَشَاءُ وَحضَرتِ الصَّلاَةُ فَابْدَؤُوا بهِ قَبْل أَن تُصلّى صَلاَةٌ، وَلاَ تُعجلّوا عَنْ عَشائِكُمْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (492). (¬2) رواه الترمذي (384). (¬3) رواه مسلم (557).

وعن ابن أبي عتيق قال: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة حديثًا، وكان القاسم رجلًا لَحَّانًا، وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: ما لَك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا، أما إني قد علمت من أين أوتيت، هذا أدبته أمه، وأنت أدبتك أمك، قال: فغضب القاسم وأضَبَّ عليها، فلما رأى مائدة عائشة قد أوتي بها قام. قالت: أين؟ قال: أصلي، قالت: اجلس، قال: إني أصلي، قالت: اجلس غُدَرُ إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ صَلاَة بِحَضَرَةِ الطعَامِ ولاَ هوَ يُدَافِعهُ الأَخْبَثَانِ". الضب الحقد من كتاب القزاز (¬1). أبو داود، عن جابر عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُؤَخّرُ الصَّلاَةُ لِطَعَامٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ" (¬2). في إسناده محمد بن ميمون الزعفراني وهو ليّن الحديث، وقبله في الإسناد معلى بن منصور قد رماه أحمد بن حنبل بالكذب. أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ غرَارِ فِي صَلاةٍ وَلاَ تَسليمٍ" (¬3). قال أحمد بن حنبل، يعني فيما أرى أن لا تسلم عليه ولا يسلم عليك، وتغرر الرجل صلاته ينصرف وهو فيها شاك. وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحدَثَ أَحدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (560). (¬2) رواه أبو داود (3758). (¬3) رواه أبو داود (928). (¬4) رواه أبو داود (1114).

باب

رواه علي بن طلق عن النبي عليه السلام وقال: "فَلينصرِفْ فَليتَوضّأ وَليُعِدِ الصَّلاَةَ". والأول أصح إسنادًا. باب أبو داود، عن أبي رثمة ويقال أبو أمية قال: صليت مع رسونا الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه فذكر الحديث، قال: فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب إليه عمر، فأخذ بمنكبيه فهزه ثم قال: اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصره فقال: "أَصابَ اللهُ بِكَ يَا ابنَ الخَطَابِ" (¬1). رواه المنهال بن خليفة وهو ضعيف، ولا يصح هذا إلا في صلاة الجمعة فإنها لا توصل بصلاة حتى يكون بينهما كلام أو خروج. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيعْجَزُ أَحدُكُمُ أَنْ يَتقدّمَ أَوْ يَتأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمينهِ أَوْ عَنْ شِمَالهِ في الصَّلاَةِ" يعني في السبحة (¬2). رواه الليث بن أبي سليم عن حجاج بن عبيد، ضعيف عن مجهول، بَيَّن هذا عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْمَكتُوبَةَ، فَأرَادَ أَنْ يَتَطَوّعَ بِشَيْءٍ فَليتقدَمْ قَلِيلًا أَوْ ليَستَأْخِرْ قَليلًا أَوْ عَنْ يمِينهِ أَوْ عَنْ يَسارِهِ" (¬3). وهو مرسل. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1007). (¬2) رواه أبو داود (1006). (¬3) رواه عبد الرزاق (3918).

باب الالتفات في الصلاة والتبسم، وما يفعل المصلي إذا سلم عليه، ومن تفكر في شيء وهو في الصلاة، ومن صلى وهو حامل شيئا، وما يجوز من العمل فيها، وما يقتل فيها من الدواب، وما جاء من العطاس فيها والتثاؤب، وفي صلاة المريض، وفي الصحيح يصلي قاعدا، وفي النافلة، وفي المغمى عليه، وفي الصلاة على الدابة، وما جاء في كيفية الصلاة في السفينة

باب الالتفات في الصلاة والتبسم، وما يفعل المصلي إذا سلم عليه، ومن تفكر في شيء وهو في الصلاة، ومن صلى وهو حامل شيئًا، وما يجوز من العمل فيها، وما يقتل فيها من الدواب، وما جاء من العطاس فيها والتثاؤب، وفي صلاة المريض، وفي الصحيح يصلي قاعدًا، وفي النافلة، وفي المغمى عليه، وفي الصلاة على الدابة، وما جاء في كيفية الصلاة في السفينة البخاري، عن عائشة قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة قال: "هُوَ اختِلاَسٌ يَخْتَلسْهُ الشّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ" (¬1). وروى الترمذي عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بُني إِيَّاكَ وَالالتِفَاتُ فِي الصَّلاَةِ، فَإنَّ الالتِفَاتَ فِي الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدّ ففِي التطَوُعِ لاَ فِي الفَرِيضَةِ" (¬2). رواية سعيد عن أنس غير معروفة، وقبله في الإسناد علي بن زيد بن جدعان، وقد تكلم في حفظه. وذكر الدارقطني عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ صَلاَةَ لِمُتَلَفّتٍ". وذكر علته وقال: حديث لا يثبت. ورواه الصلت بن مهران عن أبي مليكة عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (751 و 3291). (¬2) رواه الترمذي (589). (¬3) رواه الطبراني في الكبير (ص 75) من قطعة بخط حمدي عبد المجيد السلفي.

ذكره أبو بكر البزار في الإملاء في غير المسند. وروى الترمذي أيضًا عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلحظني في الصلاة يمينًا وشمالًا ولا يلوي عنقه خلف ظهره (¬1). قال: هذا حديث غريب. أبو داود، عن السلولي وهو أبو كبشة عن سهل ابن الحنظلية قال: ثوّب بالصلاة، يعني صلاة الصبح فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشِّعبِ (¬2). قال أبو داود: يعني وكان أرسل فارِسًا إلى الشعب من الليل يحرس. الصحيح في الالتفات حديث البخاري. وذكر الدارقطني من حديث الزارع بن نافع العقيلي وهو متروك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بأصحابه صلاة العصر، فتبسم في الصلاة، فلما انصرف قيل له: يا رسول الله تبسمت وأنت تصلي، فقال: "إِنَّهُ مَرَّ مِيكائِيلُ وَعَلَى جَنَاحَيْهِ غُبارٌ، فَضَحِكَ إليَّ فَتَبسّمْتُ إِليهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ طَلَبِ القَوْمِ" (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني لحاجة، ثم أدركته وهو يصلي. وفي رواية: يسير فسلمت عليه فأشار إليّ، فلما فرغ دعاني فقال: "إِنكَ سَلّمْتَ آنفًا وَأَنا أُصَلّي وَهُو مُوَجِّه حِينَئِذٍ قِبَلَ المَشْرِقِ" (¬4). أبو داود، عن عبد الله بن عمر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء يصلي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (588). (¬2) رواه أبو داود (916). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 175). (¬4) رواه مسلم (540).

فيه، قال: فجاءت الأنصار فسلموا عليه، فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول: كذا وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنها أسفلها، وظهرها إلى فوق (¬1). في إسناده هشام بن سعد. أبو داود، عن أبي غطفان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّسْبِيحُ للرِّجَالِ، والتَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ، وَمَنْ أَشَارَ فِي صَلاَتِهِ إِشَارةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيعدْ لَهَا" يعني الصلاة (¬2). أبو غطفان هذا مجهول ذكر ذلك الدارقطني. والصحيح إباحة الإشارة على ما ذكر مسلم وغيره، وقد صح الأمر بالتسبيح والتصفيق بإسناد آخر. وذكر أبو بكر البزار من حديث عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح لحيته في الصلاة من غير عبث (¬3). لا يتابع عيسى على هذا وله أحاديث مناكير. البخاري، عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما سلم قام حتى دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال: "ذَكرتُ وَأَنا فِي الصَّلاَةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَن يُمسِي أَوْ يَبيتَ عِندَنَا، فَأمَرْتُ بِقِسمَتِهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (927). (¬2) رواه أبو داود (944) وقال أبو داود: هذا الحديث وهم. (¬3) رواه البزار (571 كشف الأستار). (¬4) رواه البخاري (851 و 1221 و 1430 و 6275).

مسلم، عن أبي قتادة الأنصاري قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي بنت زينب ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها (¬1). وفي رواية في المسجد. الترمذي، عن عائشة قالت: جئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في البيت والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مكانه، ووَصَفَت البَابَ في الْقِبْلَةِ (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عِفرِيتًا مِنَ الجِّنِّ جَعَلَ يَفتِكُ عَلَيَّ البَارِحَة لِيَقْطَعَ عَليَّ الصَّلاَةَ، وَإِنَّ اللهَ أَمكنَنِي مِنْهُ، فَذَعَتُّهُ فَلقَدْ هَمَمتُ أَنْ أَربِطَهُ إِلى سَارِيَةٍ مِنْ سَوارِي المَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وتَنْظُرُوا إِلَيْهِ أَجْمَعُونَ أَو كُلكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَتُ قَولَ أَخِي سُليمانَ {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا" (¬3). وعن ابن عمر عن إحدى نسوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والْحُدَيَّا والغراب والحية. قال: وفى الصلاة أيضًا (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل قال: "فَليقتِلْهَا بنَعلِهِ اليُسْرَى" يعني في الصلاة (¬5). رواه عن رجل من بني عدي بن كعب سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيها أيضًا عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (543). (¬2) رواه الترمذي (601). (¬3) رواه مسلم (541). (¬4) رواه مسلم (1200). (¬5) المراسيل (ص 89) وانظر تحفة الأشراف (13/ 357).

الحضرمي عن رجل من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَجَدَ أَحدُكُمُ القَمْلَةَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَلْيُلْقِهَا، وَلَكِنْ يصرّهَا حتَّى يُصَلِّي" (¬1). النسائي، عن رفاعة بن رافع قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطست، فقلت: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فقال: "مَنِ المُتَكَلِّمِ فِي الصَّلاةِ؟ " فلم يكلمه أحد، ثم قالها الثانية: "مَنِ المُتكلّمِ فِي الصّلاَةِ؟ " فقال رفاعة: أنا يا رسول الله، قال: "كَيْفَ قُلتَ؟ " قال: قلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فقالت: "وَالّذِي نَفسِي بِيدِهِ لَقَدْ ابتدَرَها بِضعةٌ وَثَلاَثُونَ مَلكًا أَيّهمْ يَصعدُ بِهَا" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَثَاؤُبُ فِي الصّلاةِ مِنَ الشَّيطانِ، فَإذَا تَثاءَبَ أَحدُكُمْ فَليكظِمْ مَا استَطاعَ" (¬3). خرجه مسلم ولم يقل في الصلاة (¬4). البخاري، عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسيرُ فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عِن الصلاة، فقال: "صَلِّ قَائِمًا، فَإنْ لَمْ تَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَستطِعْ فَعلى جَنْبٍ" (¬5). وعنه قال: سألت رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال: "مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُو أَفضلُ، وَمنْ صَلى قَاعدًا فَلَهُ نِصف أَجرِ القَائِمِ، ومَنْ صَلَّى قَائِمًا فَلهُ أَجرُ نِصفِ القاعِدِ" (¬6). ¬

_ (¬1) المراسيل (ص 79). (¬2) رواه النسائي (2/ 145) وأبو داود (773) والترمذي (404). (¬3) رواه الترمذي (370). (¬4) رواه مسلم (2994). (¬5) رواه البخاري (1117). (¬6) رواه البخاري (1116).

البزار عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد مريضًا، فرآه يصلي على وسادة فرمى بها، فأخذ عودًا يصلي عليه فرمى به وقال: "إِنْ أَطقتَ الأرضَ وإِلّا فَأومِئ إِيماءً، وَاجْعَلْ سُجودَكَ أَخفضَ مِنْ ركوعِكَ" (¬1). رواه أبو بكر الحنفي وكان ثقة عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر، وقد تقدم الكلام في حديث أبي الزبير عن جابر، وأنه لا يصح من حديثه عنه إلا ما ذكر فيه السماع، أو كان من رواية الليث عن أبي الزبير. وذكر الدارقطني من حديث على بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُصلِّي المَريضُ قَائِمًا إِن استطاعَ، فَإِنْ لَمْ يَستطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإنْ لَمْ يستطِعْ أَنْ يَسْجدَ أَومأَ إِيماءً وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخفض مِنْ ركوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَستطِعْ أَن يُصلِّي قَاعِدًا صَلَّى عَلى جَنْبِهِ الأَيْمَنَ مُستَقبلَ القِبلة، فَإنْ لَمْ يستَطِعْ أَنْ يُصلِّي عَلَى جَنْبِهِ الأيمنَ صَلَّى مُسْتلقيًا ورجلاَهُ مِمّا يَلِي القبلةَ" (¬2). في إسناده الحسن بن الحسين العُرَني ولم يكن عندهم بصدوق، وكان من رؤساء الشيعة. مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلاةُ الرّجلِ قَاعِدًا نصف الصَّلاَةِ" فأتيته فوجدته يصلي جالسًا فوضعت يدي على رأسه فقال: "مَا لَكَ يَا عبدَ اللهِ بنَ عمروِ؟ " قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: "صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلى نِصفِ الصَّلاَةِ" وأنت تصلي قاعدًا، قال: "أَجَلْ وَلَكِنِّي لَستُ كَأَحَدِ مِنْكُمْ" (¬3). وعن عبد الله بن شقيق قال: سألنا عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الصلاة قائمًا وقاعدًا، فاذا افتتح الصلاة قائمًا ¬

_ (¬1) رواه البزار (568 كشف الأستار). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 42 - 43). (¬3) رواه مسلم (735).

ركع قائمًا، وإذا افتتح الصلاة قاعدًا ركع قاعدًا (¬1). وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقيَ من قراءته قدر ما يكون ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك (¬2). النسائي، عن عائشة قالت رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعًا (¬3). أبو داود، حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي من ولد وابصة حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرَّقَّةَ، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة فقلت لصاحبي: [نبدأ فـ] ننظر إلى دلِّهِ فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبُرْنُس خزِّ أغبر، وإذا هو معتمد على عصًا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسن وحمل اللحم اتخذ عودًا في مصلاه يعتمد عليه (¬4). عبد الرحمن الوابصي وهو ابن صخر، كان قاضي حلب والرقة ولا أعلم روى عنه إلا ابنه عبد السلام. أبو داود، عن ابن عباس أن عليًا قال لعمر بن الخطاب: أو ما تذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ، عَنْ المَجنونِ المَغلوبِ عَلى عقلِهِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (730). (¬2) رواه مسلم (731). (¬3) رواه النسائي (3/ 224) وقال: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث غير أبي داود، وهو ثقة، ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ، والله تعالى أعلم. (¬4) رواه أبو داود (948).

حتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَى يَستيقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَى يَحتلِمَ" قال: صدقت (¬1). وذكر الدارقطني من حديث الحكم بن عبد الله الأيلي أن القاسم بن محمد حدثه أن عائشة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ لِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إِلَّا أَنْ يُغمَى عَلَيْهِ فِي وَقتِ صَلاةٍ فَيفيقَ فِي وَقتِها فَلْيُصَلِّها" (¬2). الحكم بن عبد الله متروك. مسلم، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسبح على الراحلة قِبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة (¬3). زاد من حديث جابر بن عبد الله يومئ برأسه (¬4). زاد أبو داود: والسجود أخفض من الركوع (¬5). وقال أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم يصلي حيث وجهه ركابه (¬6). مسلم، عن عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4401) والنسائي في الرجم من الكبرى كما في تحفة الأشراف (7/ 413). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 82) والحكم هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وكذبه أبو حاتم والجوزجاني، وقال البخاري: تركوه، وتركه النسائي وابن الجنيد والدارقطني، والراوي عنه أبو حسين قال البيهقي: مجهول. (¬3) رواه مسلم (700). (¬4) رواه مسلم (540). (¬5) رواه أبو داود (1227). (¬6) رواه أبو داود (1225).

باب السهو في الصلاة

قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو موجه إلى خيبر (¬1). لم يتابع عمرو بن يحيى على قوله على حمار، وإنما يقولون على راحلته. ذكر ذلك النسائي وغيره. وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال: لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، قال: يا رسول الله كيف أصلي في السفينة؟ قال: "صَلِّ فِيها قَائِمًا إِلَّا أَنْ تَخافَ الغَرَقَ" (¬2). في إسناده الحسين بن علوان وهو متروك. رواه حسين عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس. وخرجه الدارقطني أيضًا من حديث بشر بن فافا قال: حدثنا أبو نعيم عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر (¬3). ولم يذكر في بشر شيئًا، ولا رأيت أحدًا ذكره، وكتبته حتى أنظره. باب السهو في الصلاة مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصلِّي جَاءَ الشّيطانُ، فَلبّسَ عَليهِ حتَّى لاَ يدِري كَمْ صَلّى، فَإِذَاْ وَجَدَ ذَلِكَ أَحدُكُمْ فَليسجدْ سجدتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (700). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 394). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 395) وبشر بن فافا ضعفه الدارقطني. (¬4) رواه مسلم (389) في (1/ 398).

زاد أبو داود "قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ" (¬1). مسلم، عن عبد الله ابن بحينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين ويكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس (¬2). زاد في أخرى ثم سلم. أبو داود، عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين قلنا: سبحان الله، قال: سبحان الله، ومضى، فلما أتمّ صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع كما صنعت (¬3). قال أبو داود: يفعل مثل ما فعل المغيرة سعد بن أبي وقاص وعمران بن حصين والضحاك بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان وابن عباس أفتى بذلك، وعمر بن عبد العزيز، وكذلك سجدهما ابن الزبير، وقام من اثنتين وهو فعل الزهري (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جذعًا في القبلة من [قبلة] المسجد، فاستند إليها مغضبًا وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أقُصِرتِ الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمينًا وشمالًا، فقال: "مَا تقولُ ذُو اليَدَيْنِ؟ " قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر ثم ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1032). (¬2) رواه مسلم (570). (¬3) رواه أبو داود (1037). (¬4) هو من قول أبي داود إلى قوله وعمر بن عبد العزيز.

سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع. قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم (¬1). ولمسلم عن أبي هريرة أيضًا في هذا الحديث: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس. . . . الحديث، وذكر فيها هذا أنها كانت صلاة العصر (¬2). وله في طريق أخرى أنها كانت صلاة الظهر (¬3). وذكر أبو داود عن القاسم بن محمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كلمه ذو اليدين قام فكبر وصلى بالناس ركعتين وسلم، وسجد سجدتين (¬4). مسلم، عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: "أَصَدَقَ هَذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم (¬5). وقال أبو داود فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم (¬6). وذكر عبد الرزاق عن معمر وابن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَّسْلِيمُ بَعدَ سَجدَتَيْ السَّهْوِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (573). (¬2) رواه مسلم (573). (¬3) رواه مسلم (573). (¬4) لم نره عند أبي داود ولا غيره قول القاسم بن محمد هذا. (¬5) رواه مسلم (574). (¬6) رواه أبو داود (1039). (¬7) رواه عبد الرزاق (3453).

قال يحيى بن معين: سمع محمد بن سيرين من عمران عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر بعض الناس أن ذا اليدين قتل ببدر. قال أبو عمر: لا يصح هذا، وإنما الصحيح أن المقتول ببدر كان ذا الشمالين رجل من خزاعة. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا، فقلنا: يا رسول أزيد في الصلاة؟ قال: "وَمَا ذَاكَ؟ " قالوا: صليت خمسًا، قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَذكُرُ كَما تَذكرونَ، وَأَنْسى كمَا تنَسَونَ" ثم سجد سجدتي السهو (¬1). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَليطرَحِ الشَّكَ وَليَبنِ عَلَى مَا استيقَنَ، ثُمَّ يَسْجد سَجدتَيْنِ قَبلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَاِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفعْنَ لَهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كَان صَلَّى إِتمامًا لأَربَعٍ كَانتَا تَرغِيمًا للشيْطانِ" (¬2). وعن عبد الله بن مسعود قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال إبراهيم زاد أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: "وَمَا ذَاكَ؟ " قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلّم، ثم أقبل علينا بوجهه، ثم قال: "إِنَّهُ لَو حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لنَبْأتُكُمْ [أَنْبَأْتُكُمْ] بِهِ، وَلَكِنْ إِنّما أَنَا بَشرٌ أَنسَى كَمَا تَنسونَ، فَإِذَا نَسيت فَذَكِّرُونِي، وإِذَا شَكَّ أَحدُكُمْ فِي الصّلاَةِ [صَلاَتِهِ] فَلَيَتَحرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمّ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجدْ سَجدتَيْنِ" (¬3). وقال البخاري: فسجد بهم سجدتين ثم قال: "هَاتَانِ السجدتَانِ لِمَنْ لَمْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (572). (¬2) رواه مسلم (571). (¬3) رواه مسلم (572).

يدْرِ أَزَادَ فِي صَلاَتِهِ أَمْ نَقَصَ فَيَتَحرّ الصَّوَابَ، فَيُتِمّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ يَسْجد سَجدَتَيْنِ" (¬1). وذكر أنها كانت صلاة الظهر. وقال النسائي: "فَأَيُّكُمْ مَا شَكَّ فِي صَلاَتِهِ فَلينظُرْ أَحرَى ذَلِكَ إِلَى الصَّوابِ، فَلْيُتِمّ عَليهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ وَليَسْجدْ سَجدتَيْنِ" (¬2). وقال أبو داود: عن محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله في قال: "إِذَا كنتَ فِي صَلاَةٍ فَشَكَكَت فِي ثَلاثٍ أَوْ أَرْبع، وَأَكبر ظَنَّكَ عَلى أَرْبَعٍ تَشهَدّتَ ثُمَّ سَجَدْتَ سَجدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ ثُمَّ تَشَهدتَ أَيضًا ثُمَّ تُسلِّم" (¬3). أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. قال أبو داود: كذا رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضًا سفيان وشريك وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه. وعن معاوية بن جريج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يومًا فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، [فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فرجع فدخل المسجد، وأمر بلالًا فأقام الصلاة، فصلى للناس ركعة،] فأخبرت بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ قلت: لا إلّا أن أراه، فمر بي فقلت: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله (¬4). أبو داود، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ الإِمامُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6671). (¬2) رواه النسائي (3/ 28). (¬3) رواه أبو داود (1028). (¬4) رواه أبو داود (1023).

فِي الركْعَتينِ، فَإِنْ ذَكرَ قَبْلَ أَن يَستوِي قَائِمًا فَليَجْلِسْ، فَإِنِ اسْتَوى قَائِمًا فَلا يَجْلِسْ، وَلْيَسْجِدْ سَجْدَتَي السَهْوِ" (¬1). في إسناد هذا الحديث جابر بن يزيد الجعفي. وقد ذكر مسلم تخريجه في أصل كتابه. وذكر أبو أحمد من حديث إسماعيل بن أبان الغنوي يسنده إلى عبد الله ابن بحينة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعني "اسْجُدُوا فِي السّهْوِ قَبْلَ التَّسلِيمِ" (¬2). وإسماعيل هذا موصوف بالكذب. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث حكيم بن نافع الرقي عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَجْدَتَا السَّهْوِ تُجزئانِ مِنْ كُلِّ زِيادَةٍ وَنُقْصَانِ" (¬3). حكيم هذا وثقه ابن معين، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم. قال أبو أحمد: لا أعلم روى هذا الحديث عن هشام غير حكيم. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث بقية بن الوليد قال: حدثني مالك بن أنس عن عبد الكريم الهمداني عن أبي حمزة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل نسي الأذان والإقامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّ اللهَ تَجاوزَ عَنْ أُمّتِي النِّسْيَانَ" (¬4). حديث بقية عن مالك رواه عنه هشام بن خالد وأحسن حديث بقية ما كان عن بحير بن سعيد. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1036). (¬2) الكامل (1/ 304). (¬3) الكامل (2/ 639). (¬4) الكامل (2/ 508) وفيه "عن أمتي السهو في الصلاة" ورواه أيضًا من طريق آخر عن أبي حمزة عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ المصنف.

وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث ابن عباس قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يسهو خلف الإمام، قال: "لا إِنَّما السَّهْوُ عَلَى الإمَامِ" (¬1). هذا يرويه عمر بن عمرو أبو حفص العسقلاني الطحان وهو متروك، في عداد من يكذب، والإسناد منقطع أيضًا لأنه عن مكحول عن ابن عباس. وذكر الدارقطني عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الإِمَامُ فَعليهِ وَعَلى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْو، وإِنْ سَهَا مَنْ خَلْفَ الإِمامِ فَليسَ عَليهِ سَهوٌ وَالإِمامُ كَافِيهِ" (¬2). إسناده ضعيف فيه خارجة بن مصعب عن أبي الحسين المدني. وذكر الدارقطني عن يحيى بن صالح قال: حدثنا أبو بكر العَنْسي عن يزيد بن أبي حبيب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ سَهوَ فِي وَثْبَةِ الصَّلاةِ إِلَّا فِي قِيَامٍ عَلَى جُلوسٍ أَو جُلوسٍ عَلَى قِيامٍ" (¬3). كتبت هذا الإسناد حتى أسأل عنه عن أبي بكر (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث عيسى بن عبد الله بن الحكم عن الضحاك بن مزاحم عن البراء قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه على غير وضوء، فأعاد ولم يعيدوا (¬5). رواه بقية عن عيسى ولا يتابع عيسى عليه. ¬

_ (¬1) الكامل (5/ 1722). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 377). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 377). (¬4) أبو بكر هذا أورده ابن عدي في الكامل (7/ 2753 - 2754) وقال: له أحاديث يرويها عنه بقية والوحاظي، وهو مجهول، وقال الذهبي في الميزان (4/ 507) ضعيف. وقال الحافظ في التهذيب (12/ 44) أحسب أنه أبو بكر بن أبي مريم. وكذا قال في التقريب. (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1893).

باب في الجمع والقصر

أبو داود، عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير يعني ابن سالم العبسي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِكلِّ سَهْوِ سجدتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ" (¬1). وليس إسناده مما تقوم به حجة. باب في الجمع والقصر مسلم، عن نافع أن ابن عمر كان إذا أجدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أجدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء (¬2). اختلفت الروايات في الوقت الذي جمع فيه ابن عمر بين هاتين الصلاتين. فقال مسلم: حدثنا محمد بن مثنى نا يحيى عن عبيد الله حدثنا نافع، فذكر ما تقدم. وقال الترمذي: حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: فأخر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك إذا جدّ به السير (¬3). وقال أبو داود نا سليمان بن داود العتكي نا حماد بن زيد عن أيوب عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1038). (¬2) رواه مسلم (703). (¬3) رواه الترمذي (555) وأوله عن ابن عمر أنه استغيث على بعض أهله فجدّ به السير وأخر المغرب. . . الحديث.

نافع عن أبن عمر، وقال: فسار حتى غاب الشفق فنزل فجمع بينهما (¬1). ورواه أيضًا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعًا (¬2). وكذا قال عمر بن محمد عن سالم وابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب أن الجمع من ابن عمر عن نافع عن ابن عمر كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء (¬3). قال سفيان بعد في حديث يحيى بن سعيد إلى ربع الليل: وهذا الجمع من ابن عمر إنما كان مرة واحدة حين استصرخ على صفية وقد ذكر آخرون عن ابن عمر إنما جمع بين المغرب والعشاء في وقت آخر. كما قال النسائي أخبرني محمود بن خالد حدثني الوليد يعني ابن مسلم حدثنا ابن جابر وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني نافع قال: خرجت مع عبد الله بن عمر في سفر يريد أرضًا له، فأتاه آتٍ فقال: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها، ولا تظن أن تدركها، فخرج مسرعًا ومعه رجل من قريش يسايره، وغابت الشمس فلم يقل الصلاة، وكان عهدي به وهو محافظ على الصلاة، فلما أبطأ قلت: الصلاة يرحمك الله، فالتفت إليَّ ومضى حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء، وقد توارى الشفق فصلى بنا اثم أقبل علينا فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أعجل به السير صنع هكذا (¬4). وقال أبو داود نا محمد بن عبيد المحاربي قال: نا محمد بن فضيل عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1207) وهذا آخر الحديث. (¬2) رواه أبو داود (1217). (¬3) حديث ابن أبي نجيح عند النسائي (1/ 286 - 287). (¬4) رواه النسائي (1/ 287 - 288).

أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة، قال: سر سر، حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أعجل به أمر صنع مثل الذي صنعت، فصار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث (¬1). قال أبو داود: رواه عبد الله بن العلاء بن زيد عن نافع قال: حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما. وقال البخاري: عن سالم أخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد فقلت له: الصلاة، فقال: سر، فقلت له: الصلاة، فقال: سر، حتى سار ميلين أو ثلاثة ثم نزل فصلى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إذا أعجله السير، وقال عبد الله: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤخر المغرب فيصليها ثلاثًا، ثم يسلم، ثم قل ما يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها ركعتين ثم يسلم ولا يسبِّح بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل (¬2). كل ما روي عن ابن عمر في وقت جمعه بين هاتين الصلاتين فإسناده صحيح ورواته كلهم ثقات، ولكن فيهم وهم، والصحيح منها رواية ابن جابر وما كان في معناه، ويقوي هذه الرواية حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما حين مغيب الشفق. النسائي، عن كثير بن قنبر عن سالم أن ابن عمر جمع بين الظهر والعصر فيما بين الصلاتين، يعني جمع بينهما فيما بين وقتيهما، ثم سار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل، ثم قال للمؤذن: أقم فإذا سلمتُ فأقم، فصلى ثم انصرف ثم التفت إلينا فقال: قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا حَفَزَ أَحَدُكُمُ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1212). (¬2) رواه البخاري (1092).

الأَمْرَ الَّذِي يَخَافُ فَلْيُصَلِّ هَذِهِ الصَّلاَةَ" (¬1). وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن حفص بن عبد الله بن أنس قال: كنا نسافر مع أنس بن مالك. . . . فذكر الحديث قال: حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فجمع بين الظهر والعصر، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وصل ضحوته بِرَوْحَتِهِ صنع هكذا (¬2). وذكر الدارقطني من حديث علي بن أبي طالب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع بين الظهر والعصر، وإذا جدّ به السير أخر الظهر وعجل العصر، ثم يجمع بينهما (¬3). هذا يرويه المنذر بن محمد قال: نا أبي قال: نا محمد بن الحسين بن علي بن الحسين قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي. والمنذر بن محمد ومحمد بن الحسين لم أجد لهما ذكرًا. مسلم، عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (¬4). وعنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 285 - 286). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (2/ 456 - 457) من المصنف. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 391) والمنذر بن محمد القابوسي قال الدارقطني: مجهول. كذا في الميزان واللسان والذي في سؤالات الحاكم للدارقطني (ص 157) متروك. (¬4) رواه مسلم (704) وعنده عن النبي إذا عجل الحديث. (¬5) هو رواية من الحديث (704) ولكن في صحيح مسلم ثم نزل فجمع بينهما بلفظ الماضي.

أبو داود، نا قتيبة نا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب (¬1). وقال الترمذي: وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعًا (¬2). وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو داود: هذا حديث منكر وليس في تقديم الوقت حديث قائم (¬3). وقال أبو محمد علي بن أحمد: لا يعلم أحد من أصحاب الحديث ليزيد بن أبي حبيب سماعًا من أبي الطفيل (¬4). وقال الحاكم في حديث أبي الطفيل، هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن ولا نعرف له علة نعلله بها، فنظرنا فإذا الحديث موضوع (¬5). وذكر عن البخاري قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن الطفيل؟ قال: كتبته مع خالد المدائني يدخل الحديث على الشيوخ. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1220). (¬2) رواه الترمذي (553). (¬3) انظر التلخيص الحبير (2/ 49) وإرواء الغليل (3/ 28 - 34). (¬4) المحلى (3/ 174). (¬5) معرفة علوم الحديث (ص 120) وانظر زاد المعاد (1/ 477 - 481).

ورواه أبو داود أيضًا قال: نا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي نا المفضل بن فضالة عن الليث عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل ثم جمع بينهما (¬1). هشام بن سعد ضعيف عندهم، ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة ويحيى بن سعيد، وكان لا يحدث عنه وضعفه النسائي أيضًا، ولم أر فيه أحسن من قول أبي بكر البزار، ولم أر أحدًا توقف عن حديث هشام بن سعد ولا اعتل عليه بعلة توجب التوقف عنه. وقال أبو داود حديث المفضل عن الليث حديث منكر، وأما قول أبي محمد في أبي الطفيل أنه كان يحمل راية المختار، فليست هذه بعلة، ولعل أبا الطفيل كان لا يعلم بسوء مذهب المختار، وإنما خرج المختار يطلب دم الحسين وكان قاتله حيًا فخرج أبو الطفيل معه. وقال أبو داود من حديث أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر قال: ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء قط في سفر إلا مرة. قال أبو داود: وهذا يروى عن أيوب عن ناقع موقوفًا عن ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة يعني ليله استصرخ على صفية (¬2). أبو داود، عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1208). (¬2) رواه أبو داود (1209).

غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف (¬1). هذا يرويه أبو الزبير عن جابر ولم يذكر السماع. وقال أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن الأجلح عن أبي الزبير عن جابر خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة عند غروب الشمس، وقال: هي تسعة أميال. وحديث مالك هو الصحيح في قوله غابت له الشمس. وذكر الترمذي عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جَمعَ بَيْنَ الصَّلاتَينِ مِنْ غَيرِ عُذر فقَد أتَى بَابًا مِنْ أَبواب الكَبَائِرِ" (¬2). قال أبو عيسى: حنش هو ابن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث. مسلم، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أن لا تحرج أمته (¬3). وعنه قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا سفر (¬4). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء (¬5). وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي في أحكام القرآن: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عروة بن رويم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ أُمتِي مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِله إِلَّا اللهُ وَأنِّي رَسولُ اللهِ، وَإِذَا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1215). (¬2) رواه الترمذي (188). (¬3) رواه مسلم (705). (¬4) هو في نفس الحديث (705). (¬5) هو رواية من الحديث (705).

أحسَنُوا اسْتَبشرُوا، وإِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا، وإذَا سَافَرُوا قَصرُوا وَأَفْطَرُوا". وقال لي إبراهيم بن حمزة: نا عبد العزيز بن محمد عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيارُ أُمتِي مَنْ قَصَرَ الصَلاةَ فِي السفَرِ وَأَفْطَرَ" (¬1). كلاهما مرسل. أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي هريرة أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقصر الصلاة في سفري؟ قال: "نَعم إِنَّ اللهَ يُحبّ أَنْ يُؤخَذَ بِرُخصَتِهِ كمَا يُحبّ أَنْ يُوخَذَ بِفَريضَتِهِ" قال: يا رسول الله فما الطهور على الخفين؟ قال: "لِلمقيمِ يَومٌ وَلَيلةٌ، وَلِلمُسافِرِ ثَلاثَةُ أيامِ وَلَيَالِيهنَّ". في إسناده عمر بن عبد الله بن أبي خثعم وهو ضعيف، ولا يتابع على حديثه هذا، ذكره أبو أحمد وذكر الحديث أيضًا (¬2). مسلم، عن عائشة أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر (¬3). النسائي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: قال عمر بن الخطاب: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وقد خاب من افترى (¬4). ¬

_ (¬1) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 449). (¬2) رواه ابن عدي فىِ الكامل (5/ 1720). (¬3) رواه مسلم (685). (¬4) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 101) وابن ماجه (1064).

رواه جماعة من الثقات ولم يذكروا كعب بن عجرة، والذي ذكره أيضًا ثقة (¬1). مسلم، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمِن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "صَدَقَةٌ تَصدّقَ اللهُ بها عَلَيكُم فَاقْبَلُوا صَدَقَتَه" (¬2). وعن نافع عن ابن عمر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنًى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدرًا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعًا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعًا وإذا صلى وحده صلى ركعتين (¬3). وعن ابن عمر أيضًا قال: صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فما رأيته يسبح، ولو كنت مسبحًا لأتممت، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬4). وذكر الترمذي عن الحجاج وهو ابن أرطاة عن عطية عن ابن عمر قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين (¬5). ورواه الترمذي من حديث محمد بن أبي ليلى عن عطية ونافع عن ابن عمر (¬6). وحجاج وابن أبي ليلى ضعيفان. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 118) وابن ماجه (1063). (¬2) رواه مسلم (686). (¬3) رواه مسلم (694). (¬4) رواه مسلم (689). (¬5) رواه الترمذي (551). (¬6) رواه الترمذي (552).

وقال أبو عيسى في هذا الحديث: حديث حسن. مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعًا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين (¬1). ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن ابن المنكدر عن أنس بن مالك، وزاد فيه: والنبي - صلى الله عليه وسلم - يريد مكة (¬2). مسلم، عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرًا (¬3). البخاري، عن ابن عباس قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين (¬4). وعنه قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشرة يومًا يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا (¬5). أبو داود، عن عمران بن حصين قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول لأهل البلد: "صَلّوا أَربَعًا فَإنا قَومٌ سفَرٌ" (¬6). في إسناده علي بن زيد بن جدعان. وذكر الطحاوي في حديث عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الله بن الحارث بن أبي ذياب عن أبيه عن عثمان بن عفان أنه صلى بأهل منى أربع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (690). (¬2) رواه عبد الرزاق (4320). (¬3) رواه مسلم (693) ورواه أيضًا البخاري (1081 و 4297). (¬4) رواه البخاري (1080 و 4298 و 4299) وهذا لفظ الرواية الثانية. (¬5) هو رواية من الحديث السابق. (¬6) رواه أبو داود (1229).

ركعات، فلما سلم أقبل على الناس فقال: إني تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَأهَلَ فِي بَلدةِ فَهوَ مِنْ أَهلِهَا فَلْيُصَلِّ أَربَعًا" فلذلك صليت أربعًا. وذكره أبو عمر بن عبد البر (¬1). وذكره أبو بكر بن أبى شيبة، وعكرمة ضعيف جدًا. وقال أبو عمر: قال ابن شهاب: بلغني أن عثمان إنما صلاها أربعًا لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج (¬2). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة (¬3). مسلم، عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل عن سعيد بن العاص قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من المدينة قصر بالعقيق، وإذا خرج من مكة قصر بذي طوى (¬5). قال أبو داود: روي مسندًا ولا يصح. وذكر الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر عن أبيه ¬

_ (¬1) التمهيد (16/ 305). (¬2) التمهيد (16/ 306). (¬3) رواه أبو داود (1235). (¬4) رواه مسلم (691). (¬5) لم نره في المراسيل، كما ولم يذكره المزي في تحفة الأشراف في قسم المراسيل، وإنما ذكره في ترجمة سعيد بن العاص (4/ 16) والمحقق وضع علامة استفهام بعد قوله د في المراسيل.

وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا أَهْلَ مَكّةَ لاَ تَقصُروا الصَّلاَةَ فِي أدنَى مِنْ أَربعةِ بُرُدٍ مِن مَكَّةَ إِلى عُسفَان" (¬1). عبد الوهاب بن مجاهد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم، وسفيان الثوري يرميه بالكذب. وذكر أبو داود في المراسيل عن إبراهيم النخعي قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني تاجر اختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين (¬2). وذكر العقيلي من حديث عمر بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُتِمُّ [الصَّلاَةَ]، في السَّفرِ كَالمُقَصِّرِ فِي الحَضَرِ" (¬3). قال: عمر بن سعيد هذا مجهول، وقبله في الإسناد بقية عن عبد العزيز بن عبد الله. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتم في السفر ويقصر (¬4). مغيرة بن زياد ضعفه البخاري. وقال فيه أحمد بن حنبل مضطرب الحديث منكره. وقال فيه أبو زرعة لا بأس به، ووثقه أبو حاتم، ومرة قال: لا بأس به. وقال فيه يحيى بن معين: لا بأس به روي حديثًا واحدًا منكرًا. وهذا الحديث قد روي بإسناد آخر أحسن من هذا وهو مذكور في كتاب الصوم. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 387). (¬2) لم نره في المراسيل، وذكره المزي في تحفة الأشراف (13/ 137) ووضع المحقق علامة استفهام بعد قوله د في المراسيل. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 448). (¬3) رواه العقيلي (3/ 162). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 452).

باب

باب الترمذي، عن يعلى بن مرة أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فانتهوا إلى مضيق، فحضرت الصلاة ومطروا السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحلته وأقام، أو أقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع (¬1). قال: حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح، وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم. الدارقطني، عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المكتوبة على دابته والأرض طين. ثم قال، والمحفوظ عن أنس بن سيرين عن أنس فعله غير مرفوع. وذكر أبو أحمد من حديث صغدي بن سنان قال: حدثنا محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَحدُكُم عَلى الأرضِ إِذَا كُنتُمْ فِي طِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْمِئُوها إِيمِاءً" (¬2). هذا الإسناد من أضعف الأسانيد، وفي بعض ألفاظه من الزيادة "أَوْ مَاءٍ أوْ ثَلْجٍ". باب صلاة الخوف مسلم، عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (411) وعمرو بن عثمان قال الحافظ: مستور، ووالده مجهول. (¬2) رواه ابن عدي (5/ 1409). (¬3) رواه مسلم (687).

أبو داود، عن ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا (¬1). مسلم، عن صالح بن خوات عن من صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع، وهو سهل بن أبي حثمة، أن طائفة صفت فصلت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم (¬2). أبو داود، عن أبي بكرة قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خوفٍ الظهر، فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاءِ العدو فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصفوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعًا ولأصحابه ركعتين ركعتين. وبذلك كان يفتي الحسن (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيسَ فِي صَلاةِ الخَوفِ سَهْوٌ" (¬4). في إسناده بقية عن عبد الحميد بن السري، ضعيف عن مجهول. وخرجه الدارقطني أيضًا بهذا الإسناد (¬5). وخرج الدارقطني أيضًا عن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1246). (¬2) رواه مسلم (842). (¬3) رواه أبو داود (1248). (¬4) رواه ابن عدي (5/ 1960). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 58).

باب في الوتر

وكانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث (¬1). قال الدارقطني: حدثنا علي بن إبراهيم بن النجار حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي، حدثنا عمر بن خليفة البكراوي حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة. . . . فذكره (¬2). وكتبت عنه هذا الإسناد حتى أنظر عمرو بن خليفة من هو وما حاله أو أسأل عنه. وذكر البزار من حديث محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو ضعيف، عن أبيه عن ابن عمر رفعه: "صَلاَةُ المُسايفةِ ركعةٌ عَلى أَي وَجهٍ كانَ الرجلُ تجزئُ عنهُ فَإِذَا -أحسبه، قال:- فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يعدْهُ" (¬3). باب في الوتر أبو داود، عن خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الله عَزَّ وجلَّ قَدمكُم بِصلاةٍ وَهِي خَيرٌ لَكم مِن حُمرِ النّعمِ فَجعلها لَكُم فِيما بَينَ صَلاةِ العِشَاء إِلى طلوع الفَجْرِ" (¬4). هذا حديث في إسناده عبد الله بن راشد الدوسي عن عبد الله بن أبي مرة الدومي ولم يسمع منه، وليس له إلا هذا الحديث، وكلاهما ليس ممن يحتج به ولا يكاد، ورواه عبد الله بن أبي مرة عن خارجة، ولا يعرف له سماع من خارجة. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 61). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 61) وعمرو بن خليفة البكراوي ربما كان في حديثه مناكير، وأورده ابن حبان في الثقات، وانظر ترجمته في لسان الميزان. (¬3) رواه البزار (678 كشف الأستار). (¬4) رواه أبو داود (1418) وابن ماجه (1168) والدارقطني (2/ 30).

وقد ذكر الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: حديث غريب (¬1). وخرجه الدارقطنى من حديث النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يُرى البِشر أو السرور في وجهه، فقال: "إِنّ الله قَدْ أَمدكُم بِصلاةٍ وَهِيَ الوِترُ" (¬2). والنضر هذا ضعيف عن الجميع، ضعفه البخاري وأحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي، ويحيى بن معين يقول فيه: لا تحل الرواية عنه وقد ضعفه غير هؤلاء. ورواه الدارقطني أيضًا من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والعرزمي متروك. ورواه حجاج وهو ابن أرطاة عن عمرو بن شعيب، وكان حجاج يدلس حديث العرزمي عن عمرو بن شعيب. ورواه الطحاوي أبو جعفر من حديث أبي بصرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وفي إسناده نعيم بن حماد وقد تقدم ذكره في كتاب العلم. وروى البزار عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوِترُ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُسلمٍ" (¬5). وفي إسناده جابر الجعفي وأبو معشر الْمَدَنِي وغيرهما. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (452). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 30) وعنده البشر والسرور "هي الصلاة" بدون واو. (¬3) رواه الدارقطني (2/ 31). (¬4) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 430 - 431) ولكن ليس في إسناده نعيم بن حماد. ورواه أيضًا أحمد (6/ 7 و 397) وانظر التعليق على المعجم الكبير للطبراني الحديث (2167). (¬5) رواه البزار (733 كشف الأستار).

وذكر أبو داود عن عبيد الله بن عبد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الوِترُ حَقٌّ فَمنْ لَمْ يُوتر فَليسَ مِنّا، الوِتْرُ حَقٌّ فَمَن لَمْ يوتر فَليسَ مِنّا، الوِتْرُ حَقٌّ فَمنْ لَمْ يُوتر فَليسَ مِنَّا" (¬1). وعبيد الله العتكي وثقه يحيى بن معين. وقال فيه أبو حاتم: صالح الحديث. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث أبي جَنَابٍ يحيى بن أبي حية، واسم أبي حية حي عن عكرمة عن ابن عباس سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثَلاثٌ عَليَّ فَريضةٌ وَلَكم تَطَوع: الوِترُ وَالضحى وَركعتَيْ الفَجْرِ" (¬2). أبو جَناب هذا لا يؤخذ من حديثه إلا ما قال فيه حدثنا؛ لأنه كان يدلس وهو أكثر ما عيب به، ولم يقل في هذا الحديث نا عكرمة ولا ذكر ما يدل عليه. وخرجه أبو بكر البزار عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ بِركعتَيْ الفَجْرِ وَالوِترِ وَليسَ عَليكُم" (¬3). وجابر قد ذكره وذكر من ضعفه. وخرجه الدارقطني عن عبد الله بن محرز عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ بِالوِترِ وَالأضحَى وَلم يعزم عَليّ" (¬4). وعبد الله بن محرز متروك. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1419). (¬2) رواه ابن عدي (7/ 2670) وأحمد (2050) والدارقطني (2/ 21) والحاكم (1/ 300) والبيهقي (2/ 468). (¬3) رواه البزار (2434 كشف الأستار). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 21).

مسلم، عن ابن عمر أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بينه وبين السائل، فقال: يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ فقال: "مَثنى مَثنى، فإذَا خشيتَ الصبحَ فَصلِّ ركعةً، واجعلْ آخرَ صَلاتِكَ وِترًا" (¬1). وذكر أبو داود حديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أهْلَ القُرآنِ أَوترُوا فَإنّ اللهِ وِترٌ يُحِبُّ الوِتْرَ" (¬2). وزاد فيه من حديث أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: "لَيْسَ لَكَ وَلاَ لأَصحابِكَ". وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه (¬3). النسائي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلاةُ المَغربِ وِترُ النّهارِ، فَأوترُوا صَلاَةَ اللَيل" (¬4). الترمذي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا طَلعَ الفَجرُ فَقد ذَهبَ كُلّ صَلاةِ اللّيلِ وَالوتْرِ، فأوترُوا قَبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ" (¬5). تفرد به سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر، وسليمان هذا تكلم فيه البخاري من أجل أحاديث تفرد بها هذا منها كما تقدم. وقال الترمذي: لم أسمع أحدًا من المتقدمين تكلم في سليمان بن موسى، وسليمان بن موسى ثقة عند أهل الحديث. انتهى كلام أبي عيسى. قد تكرر ذكر سليمان بهذا في باب الولي من كتاب النكاح بأكثر من هذا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (749). (¬2) رواه أبو داود (1416) والنسائي (3/ 228 - 229). (¬3) رواه أبو داود (1417). (¬4) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الأشراف (6/ 42 - 43) ورواه أحمد (2/ 30 و 41 و 82 - 83 و 154). (¬5) رواه الترمذي (469).

وفي هذا الباب حديث رواه جرير بن حازم عن أبي هارون العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: نادى فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ مَنْ أَصبحَ لَمْ يُوتِرْ فَلا وِترَ لَه" (¬1). وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين وهو ضعيف عندهم، وقد حدث عنه الثقاة ويذكر فيه تشيع. قال شعبة: رأيت عند أبي هارون كتابًا فيه أشياء منكرة في علي، فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا الكتاب حق. أبو داود، عن طلق بن على قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ وِترانِ فِي لَيلةٍ" (¬2). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وغيره يصحح الحديث (¬3). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَامَ عَنْ وِترهِ أَوْ نَسيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ" (¬4). الدارقطني، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُوتِروا بِثلاثٍ، وَأَوترُوا بِخمسٍ أَو سَبعٍ، وَلا تَشبهُوا بِصلاةِ المَغربِ" (¬5). قال: كل رواته ثقات. - وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وِترُ اللَّيلِ ثلاثٌ كَوترِ النّهارِ صَلاَةُ المَغربِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه محمد بن نصر المروزي في الوتر (ص 237). (¬2) رواه أبو داود (1439). (¬3) رواه الترمذي (470). (¬4) رواه أبو داود (1431). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 24 - 25 و 26 - 27). (¬6) رواه الدارقطني (2/ 27 - 28).

في إسناده يحيى بن زكريا يقال له ابن أبي الحواجب وهو ضعيف، ولم يرفعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره، فإنه رفعه عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الدارقطني أيضًا من حديث عبد الله بن لهيعة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأله رجل عن الوتر فقال: "افصِلْ بَينَ الواحدةِ مِنَ الثنَتينِ بالسّلاَمِ" (¬1). عبد الله بن لهيعة قد مر ذكره. وذكر الدارقطني من حديث محمد بن حسان الأزرق قال: نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوِترُ حقٌّ وَاجبٌ فَمنَ شَاءَ أَوترَ بِثلاثٍ فَليوتِر، وَمنْ شَاءَ أَوتَرَ بِواحدةٍ فَليوتِر". قال أبو الحسن: قوله: "واجبٌ" ليس بمحفوظ ولا أعلم أحدًا تابع ابن حسان عليه (¬2). النسائي، عن أبي أيوب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوِترُ حقٌّ فَمنْ شَاءَ أَوترَ بخمسٍ، ومنْ شَاءَ أوترَ بثلاثٍ، ومن شاءَ أوترَ بواحدةٍ" (¬3). وقد رواه موقوفًا على أُبَي، قال: وهو أولى بالصواب والله أعلم. وقال: عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه: "سُبحانَ المَلكِ القُدُّوسِ" ثلاث مرات يطيل في آخرهن (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 35). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 22). (¬3) رواه النسائي (3/ 238). (¬4) رواه النسائي (2/ 235).

وقال الترمذي في حديث عائشة، وفي الثانية بقل هو الله أحد والمعوذتين (¬1). وحديث النسائي أصح حديث إسنادً [ا]. وقال الترمذي أيضًا من حديث الحارث عن علي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث يقرأ فيهن بتسع سور من المفصل يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬2). وفي حديث أبي بكر البزار يقرأ في الأولى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} و {إِذَا زُلْزِلَتِ}، وفي الركعة الثانية {وَالْعَصْرِ} و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وفي الركعة الثالثة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وذكر النسائي عن أبي مجلز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمئة آية من النساء ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمَيَّ حيث وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قدميه، وأن أقرأ بما قرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها (¬4). الدارقطني، عن جابر عن المغيرة بن شبل عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت سعدًا صلى ركعة بعد العشاء، فقلت: ما هذه؟ فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بركعة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (460). (¬2) رواه الترمذي (454). (¬3) رواه النسائي (3/ 243 - 244). (¬4) رواه مسلم (737). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 33).

جابر هذا ابن يزيد الجعفي. وذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها. في إسناده عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، والغالب على حديثه الوهم. أبو داود، عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهْم اهدنِي فِيمنْ هديتَ، وعَافِنِي فِيمنْ عَافَيتَ، وتولّنِي فِيمنْ تَوليتَ، وَباركْ لِي فِيمَا أعطَيتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضيتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقضَى عَليكَ إِنّه لاَ يُذَلّ مَنْ وَاليتَ تَباركتَ وَتَعاليتَ" (¬1). زاد النسائي: "وَصَلّى اللهُ عَلى النّبيّ [محمد] " (¬2). وقال أبو داود من حديث أبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع (¬3). ولم يصل سنده به. مسلم، عن عائشة قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الليل ووسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر (¬4). وقال أبو داود: ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر (¬5). وذكر أبو سليمان الخطابي قال: حدثنا محمد بن هشام قال: نا الوليدي عن عبد الرزاق عن ابن جريج، أخبرني ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: أما أنا فإني أنام على وتر فإن استيقظت صليت شفعًا، فقال: إلى الصباح، وقال عمر: لكني أنام على ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1425). (¬2) رواه النسائي (3/ 248). (¬3) سنن أبي داود (2/ 135). (¬4) رواه مسلم (745). (¬5) رواه أبو داود (1435).

شفع ثم أوتر من السحر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: "حَذِرٌ هذا" وقال لعمر: "قَوِيٌّ هذا" (¬1). يقال ابن المسيب لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن. مسلم، عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَيّكمْ خَافَ أَن لاَ يقومُ مِن آخرِ الليلِ فَليوتر ثُمّ لِيرقد، وَمنْ وَثقَ بِقيامِ اللّيلِ فَليوتر مِنْ آخِرهِ، فَإِن قِراءة آخِر اللّيلِ مَحضورةٌ وَذلكَ أَفضلُ" (¬2). الدارقطني، حدثنا عبد الله بن سليمان نا عيسى بن حماد أخبرنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يوتر على راحلته (¬3). المشهور عن ابن عمرو عن غيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يوتر على راحلته. ذكره مسلم وغيره (¬4). مسلم، عن عائشة: قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء، وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، وإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة (¬5). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أَحدُكُم مِنَ اللّيلِ فَليفتَتح صَلاتَهُ بركعتينِ خَفيفتينِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (4615) وفيه "حتى الصباح" بدل "إلى الصباح". (¬2) رواه مسلم (755). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 36) وفي نسختنا المطبوعة "كان يوتر على راحلته" وهو خطأ. (¬4) رواه مسلم (700). (¬5) رواه مسلم (736). (¬6) رواه مسلم (768).

أبو داود، عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قام يعني من الليل فصلى ركعتين خفيفتين، قلت: قرأ فيها بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم، ثم صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر. . . . . . . . وذكر الحديث (¬1). مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّ أحبَّ الصّيامِ إِلى اللهِ صِيَامُ دَاودَ، وَأحب الصَلاَة إِلَى اللهَ صَلاةُ دَاودَ كَانَ يَنامُ نِصفَ اللّيلِ وَيقوم ثُلثَهُ وَينامُ سدسَهُ، وَكانَ يصومُ يَومًا وَيُفطِرُ يَومًا" (¬2). وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عبدَاللهِ لاَ تكنْ بِمثلِ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيل فَتركَ قِيامَ اللَّيلِ" (¬3). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقدُ الشّيطانُ عَلى قافيةِ رأسِ أَحدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقدٍ يَضرِبُ مَكانَ كُلّ عقدةٍ عَليكَ لَيلٌ طويلٌ فارقدْ، فَإنْ استيقظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَتْ عِقدةٌ، فَإنْ تَوَضّأَ انحلتْ عِقدةٌ، فَإنْ صَلّى انحلتْ عِقدةٌ فأصَبحَ نَشِيطًا طيّبَ النَّفْسِ، وإلا أَصبحَ خَبيثَ النفسِ كَسلانَ" (¬4). النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الأعمش نا أبو إسحاق نا أبو مسلم الأغرّ قال: سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله عَزَّ وجلَّ يُمهلُ حَتّى يَمضِي شَطرَ اللّيلِ الأوّلِ، ثُمَ يأمر مُنَادِيًا يُنادِي يقولُ: هلْ منْ دَاعٍ يُستجابُ لَه؟ هلْ مِنْ مُستغفرٍ يُغفر لَه؟ هلْ مِنْ سَائلٍ يُعطَى؟ " (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1364). (¬2) رواه مسلم (1159). (¬3) رواه مسلم (1159). (¬4) رواه البخاري (1142). (¬5) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (482).

مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَتَنزلُ ربّنَا تَباركَ وتعالَى كُلَّ ليلةٍ إِلى السَّماءِ الدُّنيَا حينَ يَبقى ثلثُ الليلِ الآخِرِ، فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ لَه؟ مَنْ يسألُنِي فَأعطيه؟ ومنْ يستغفِرني فَأغفرَ لَه؟ ". وفي طريق آخر: "حتَّى ينفجرَ الفَجرُ" (¬1). وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ فِي الليلةِ لَساعةٌ لاَ يُوافقها رجلٌ مسلمٌ يسألُ الله عزَّ وجلَّ خَيرًا مِنْ أَمرِ الدُّنيَا وَالآخرةِ إلاّ أَعطاهُ إِياهُ وَذلِك كُلّ ليلةٍ" (¬2). النسائي، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ استيقظَ مِنَ اللّيلِ وَأَيقظَ امرأتَهُ فَصلّيَا ركعتينِ جَميعًا كُتِبَا من الذّاكرينَ اللهَ كثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ" (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون عن الأعمش عن أبي العلاء العنزي عن سلمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَليكُم بِقيامِ الليلِ فَإنّهُ دأبُ الصّالحينَ قَبلكُم، وَمنهاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَقُربةٌ إِلى اللهِ، وَتكفيرٌ للسيئاتِ، ومَطهرةٌ للداءِ عنِ الحَسدِ" (¬4). قال أبو أحمد: ابن الجون أحاديثه مستقيمة. خرجه الترمذي من حديث أبي إدريس عن بلال. في إسناده محمد بن سعيد المصلوب (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (758). (¬2) رواه مسلم (757). (¬3) رواه النسائي في الصلاة والتفسير من الكبرى كما في تحفة الأشراف (3/ 331) وأبو داود (1309 و 1451). (¬4) الكامل (4/ 1597) ورواه الطبراني في الكبير (6154) وابن عساكر (15/ 140/ 2). وانظر التعليق على المعجم الكبير. (¬5) رواه الترمذي (3543).

ورواه أيضًا من حديث أبي إدريس عن أبي أمامة (¬1). وذكر أبو بكر البزار من حديث سلام بن أبي خبرة عن يونس عن الحسن عن سمرة قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي بالليل ما قل أو أكثر، ويجعل ذلك وترًا (¬2). إنما يصح من هذا الحديث الأمر بالوتر خاصة فإنه قد روي من طريق صحيح، وأما حديث سلام هذا فلا يصح لضعف سلام، ولأن سماع الحسن من سمرة لم يصح إلا في العقيقة. وقد روى هذا الحديث أبو بكر البزار أيضًا من حديث خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن يُصلي أحدنا [كل أحد] بعد الصلاة المكتوبة ما قل أو أكثر [ويجعل -أحسبه قال- آخر ذلك وترًا] (¬3). وخبيب ضعيف. الترمذي، عن عبادة بن الصامت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تعارَّ مِنَ اللَّيلِ فقالَ: لاَ إله إِلا اللهُ وَحدهُ لاَ شريكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحمدُ وهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٍ وَسبحانَ الله والحمدُ للهِ وَلا إِله إِلا اللهُ واللهُ أَكبرُ وَلاَ حولَ وَلاَ قوّةَ إِلّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّي اغفر لِي، أو قال: ثُمَّ دَعَا استُجِيبَ لَهُ فَإِنْ عزمَ فتوضّأَ ثُمَّ صَلى قُبِلتْ صَلاَتُه" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3544) لكن يظهر مما في تحفة الأشراف وغيره أن هذا الحديث ليس في نسختهم من جامع الترمذي، بل فيها الحديث معلقًا فقط. ورواه ابن خزيمة (1135) والطبراني في الكبير (7466) والأوسط (ص 93 مجمع البحرين) ومسند الشاميين (1931) والحاكم (1/ 308) والبغوي في شرح السنة (922). (¬2) رواه البزار (713 كشف الأستار). (¬3) رواه البزار (714 كشف الأستار). (¬4) رواه الترمذي (3411) ورواه البخاري (1154) وأبو داود (5061) وابن ماجه =

قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. مسلم، عن مسروق قال: سألت عائشة عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يحب الدائم، قال: قلت: أي حين كان يقوم إلى الصلاة؟ فقالت: كان إذا سمع الصارخ قام فصلى (¬1). أبو داود، عن عائشة قالت إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوقظه الله عز وجل من الليل فما يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه (¬2). مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: "اللهمّ لكَ الحمدُ أنتَ نورُ السمواتِ والأرضِ ولكَ الحمدُ أنتَ قيامُ السمواتِ والأرضِ ولكَ الحمدُ أنتَ رَب السمَواتِ والأرضِ ومنْ فِيهنّ أَنتَ الحق وَوَعدُكَ الحق وقَولُكَ الحق ولقاؤُكَ الحق والجنةُ حقٌّ والنّارُ حقٌّ والساعةُ حَقٌّ، اللهُم لكَ أسلمتُ وَبِكَ آمَنتُ وَعليكَ تَوكلتُ، وَإِليكَ أَنيْبُ وَبكَ خَاصمتُ وَإِليكَ أَسلمتُ فاغفر لِي ما قدمتُ وَأخرتُ وَأسررتُ وَأعلنتُ أَنَتَ إلهي لاَ إِله إِلَّا أنت" (¬3). وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وَجهتُ وَجهي للذِي فطرَ السموات والأرضَ حَنيفًا وَمَا أَنا مِنَ المُشركينَ إِنّ صَلاتِي ونسكِي وَمحيايَ وَمماتِي للهِ رَبِّ العالمينَ لاَ شريكَ لَهُ وَبذلكَ أُمرتُ وَأَنا مِنَ المُسلمينَ، اللهمّ أَنتَ الملكُ لا إله إِلّا أنتَ، أَنتَ رَبِّي وَأَنا عَبدُكَ ظَلمتُ نَفسِي واعترفتُ بِذَنبي فاغفر لِي ذنوبي جَميعًا إِنّه لا يغفرُ الذنوبَ إِلا أَنتَ، واهدنِي لأحسنِ الأَخلاقِ لاَ يهدِي لأَحسنها إلّا أنتَ، ¬

_ = (3878) وأحمد (5/ 313) والنسائي في عمل اليوم والليلة (861) وابن السني (756). (¬1) رواه مسلم (741). (¬2) رواه أبو داود (1316). (¬3) رواه مسلم (769).

واصرفْ عَنِّي سيئها لا يصرفُ عني سيّئها إِلّا أَنتَ، لبيكَ وسعديكَ والخيرُ كلهُ فِي يَديكَ والشَّر ليسَ إليكَ أَنَا بِكَ وَإِليكَ، تَباركتَ وَتَعاليتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأتوبُ إِليك" وإذا ركع قال: "اللَّهمَّ لكَ ركعتُ وَبِكَ آمنتُ وَلكَ أَسلمتُ، خَشعَ لكَ سمعِي وَبصرِي ومخِّي وعظمِي وعصَبي" وإذا رفع قال: "اللهمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ ملءَ السمواتِ وملءَ الأَرضِ وَمِلء مَا شئتَ من شيءٍ بعدُ" وإذا سجد قال: "اللَّهمَّ لكَ سجدتُ وَبِكَ آمنتُ وَلكَ أسلمتُ، سجدَ وجهِي للّذِي خلقَهُ وَصوّرَهُ وشقّ سَمعَهُ وبصرَهُ تَباركَ اللهُ أَحسن الخَالقِينَ" ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهمَّ اغفر لِي مَا قَدّمْتُ وَمَا أَخرتُ وَمَا أَسررتُ وما أَعلنتُ وَما أسرفتُ وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ منِّي، أَنتَ المقدمُ وأَنتَ المؤخرُ لاَ إِلَه إِلّا أَنتَ" (¬1). وعنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: "وَجهتُ وَجْهِي. . . . ." وبينهما اختلاف (¬2). وذكر الدارقطني أن هذا كان في الصلاة المكتوبة (¬3). مسلم، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فبقيت كيف يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقام فبال ثم غسل وجهه وكفيه ثم نام، فقام إلى القربة، فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة أو القصعة، فأكبه بيده عليها ثم توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين، ثم قام فصلى، فجئت فقمت إلى جنبه، فقمت عن يساره، قال: فأخذني فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: "اللَّهمَّ اجعلْ فِي قَلبِي نُورًا وفِي بصرِي نُورًا وعنْ يَميِني نُورًا وعَنْ شِمالِي نُورًا وأَمامِي نُورًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (771). (¬2) هو رواية من الحديث (771) قبله. (¬3) رواه الدارقطني (1/ 297).

وَخَلفِي نُورًا وفَوقِي نُورًا وتَحتِي نُورًا، واجعلْ لِي نُورًا" (¬1). وفي رواية: "واجعلنِي نُورًا" ولم يشك (¬2). وفي أخرى: فصلى ولم يتوضأ يعني الصبح (¬3). وعنه أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين وهي خالته، فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات التي هي الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام فصلى، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قمت فذهبت إلى جنبه، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح (¬4). وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: "يَا عائشةَ إِن عينَى تَنامانِ ولا يَنامُ قَلبِي" (¬5). وعن سعد بن هشام قال: قلت: يا أم المؤمنين، يعني عائشة، أنبئيني ¬

_ (¬1) رواه مسلم (763). (¬2) هو رواية من الحديث (763). (¬3) هو رواية من نفس الحديث. (¬4) هو رواية من نفس الحديث. (¬5) رواه مسلم (738).

عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن، قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى أموت، ثم بدا في فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ألست تقرأ يا أيها المزمل؟ فقلت: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولًا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة، قال: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيستاك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعو ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد بعدما يسلم فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني، وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أوْ وَجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان، قال: فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت (¬1). وعند النسائي في هذا الحديث قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد لا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة. . . . . . . . . . الحديث (¬2). مسلم، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (746). (¬2) رواه النسائي (3/ 240).

الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين ثم أوتر بتلك ثلاث عشرة ركعة (¬1). البخاري، عن عائشة قالت: تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد، فقال: "يَا عائشةَ أَصوتُ عبادٍ هذَا؟ " قلت: نعم، قال: "اللَّهمَّ ارحم عَبّادًا". هو عباد بن بشر الأنصاري (¬2). أبو داود، عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ربما أوتر أول الليل وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل ربما أسر وربما جهر، وربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، تعني في الجنابة (¬3). وعن أبي هريرة أنه قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع طورًا ويخفض طورًا (¬4). وعن ابن عباس قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قدر ما يسمع من في البيت وهو في الحجرة (¬5). وعن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ¬

_ (¬1) رواه مسلم (765). (¬2) رواه البخاري (2655) تعليقًا، ووصله أبو يعلى (4388) وسقط من مسند أبي يعلى "عن أبيه" بعد "عن يحيى بن عباد" كما هو ظاهر من فتح الباري (5/ 265) ثم إن يحيى بن عباد لم يرو عن عائشة رضي الله عنها ولم يدركها كما هو ظاهر. (¬3) رواه أبو داود (1437). (¬4) رواه أبو داود (1328). (¬5) رواه أبو داود (1327).

ليلة فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، قال: ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي رافعًا صوته، قال: فلما اجتمعا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكرٍ مَررتُ بِكَ وَأنتَ تُصَلّي تَخفضُ مِنْ صَوتكَ" قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله، وقال لعمر: "مَررتُ بِكَ وَأَنتَ تَصلِّي رافِعًا صَوتكَ" فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكرٍ ارفع مِن صوتِكَ شَيئًا" وقال لعمر: "اخفضْ مِن صوتِكَ شَيئًا" (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه القصة لم يذكر، فقال لأبي بكر: "ارفَع مِنْ صَوتكَ شَيئًا" وقال لعمر: "اخفضْ صوتَكَ" زاد: "وَقَد سَمعتُكَ يَا بلالُ وَأنتَ تقرَأُ مِنْ هذه السُّورةِ، ومن هذه السُّورةِ قَال: كَلامٌ طَيبٌ يجمعُ اللهُ بعضَهُ إِلى بعضٍ" قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُم قَدْ أَصابَ" (¬2). حديث قتادة يروى عن ثابت البناني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن موسى الوجيهي عن مكحول عن أنس بن مالك قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل الزمزمة، قال: فقيل له: يا رسول الله لو رفعت صوتك، قال: "إنِّي أكرَهُ أُوذِي جَليسِي أَوْ أُوذِي أَهلَ بَيتِي" (¬3). عمر بن موسى متروك، والصحيح حديث ابن عباس المتقدم. وذكر أبو داود عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجاهرُ بالقرآنِ كالجّاهرِ بالصّدَقَةِ، والمُسرُّ بِالقُرآنِ كالمُسرّ بالصدقةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1329). (¬2) رواه أبو داود (1330). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1670 - 1671). (¬4) رواه أبو داود (1333) والترمذي (2920) والنسائي (3/ 225 و 5/ 80).

مالك، عن البياضي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إِن المصلِّي يُناجِي ربَّهُ فَلينظر بِماذَا يُناجِيهِ، وَلاَ يَجهر بَعضُكُم عَلى بعضِ بِالقُرآنِ" (¬1). البياضي هو ورقة بن عمرو، وبنو بياضة فخذ من الخزرج. وذكر أبو أحمد من حديث عمير بن عمران الحنفي البَصْري عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كانَ أحدُكُم فِي المسجدِ فَلا يُسْمعُ أَحدٌ صَوتَهُ" ويشير بأصبعيه إلى أذنيه (¬2). قال: عمير بن عمران هذا يحدث بالبواطل عن الثقات. وذكر أبو داود عن علقمة والأسود قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصل في كل ركعة، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعر ونثرًا كنثر الدَّقَلِ؟ لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، {الرَّحْمَنُ} و {وَالنَّجْمِ} في ركعة و {الرَّحْمَنُ} في كل ركعة، و {اقْتَرَبَتِ} و {الْحَاقَّةُ} في ركعة، و {وَالطُّورِ} و {وَالذَّارِيَاتِ} في ركعة، و {إِذَا وَقَعَتِ} و {ن} في ركعة، و {سَأَلَ سَائِلٌ} و {وَالنَّازِعَاتِ} في ركعة، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} و {عَبَسَ} في ركعة، و {الْمُدَّثِّرُ} و {الْمُزَّمِّلُ} في ركعة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و {وَالْمُرْسَلَاتِ} في ركعة، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} في ركعة (¬3). قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود. وذكر النسائي من حديث جَسْرَةَ بنت دجاجة قالت: سمعت أبا ذر يقول: ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 77). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1725). (¬3) رواه أبو داود (1396).

قام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح بآية، والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} (¬1). زاد أبو بكر البزار عن جسرة قال أبو ذر: فجئت فقمت خلفه، فأومأ إليّ عن يمينه، فجاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ إليه عن يساره فقام يمينًا، كل إنسان يقرأ ويصلي على حدة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بآية واحدة {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ. . . . . .} إلى آخر الآية حتى صلى صلاة الغداة بها يركع وبها يسجد وبها يقوم وبها يدعو وبها يجلس، وذكر في الحديث أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ترديد هذه الآية فقال: "دَعَوتُ لأمَتِي"، فقال: ماذا أجبت وما رد عليك؟ فقال: "مَا لو اطّلعُوا عَلَيْهِ اطِّلاعةً لَتركَ كثيرٌ مِنهُمُ الصَّلاَةَ. . . . ." الحديث إلى آخره. وجسرة ليست بمشهورة. مسلم، عن عائشة قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصير وكان يحجره من الليل فيصلي فيه، فجعل الناس يصلون بصلاته ويبسطوه بالنهار فباتوا ذات ليلة فقال: "يَا أَيُّها النَّاسُ عَليكُم مِنَ الأَعمالِ مَا تُطيقونَ، فَكان الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَمَلُّ حتى تملُّوا، وإنَّ أَحبَّ الأَعمالِ إِلى اللهِ عزَّ وجلَّ ما دُووِمَ عَلَيهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ آلَ مُحمدٍ إذا، عَمِلُوا عَملًا أَثبتوهُ" (¬2). خرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن عائشة أيضًا قال فيه: "فَإِنَّ الله لا يملّ مِنَ الثوابِ حتَّى تملُّوا مِنَ العَملِ". وفي إسناده موسى بن عبيدة وكان ضعيف الحديث وكان من الصالحين رحمه الله. مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في المسجد ليلة، فصلى ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 177) وفي التفسير من الكبرى. (¬2) رواه مسلم (782).

بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس، فاجمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قَد رأيتُ الّذِي صَنعتم فَلَم يَمنعنِي مِنَ الخُروجِ إِلَيكُم إِلّا أَنِّي خَشيتُ أَن يُفرضَ عَليكُم" قال: وذلك في رمضان (¬1). زاد في طريق آخر: "لَوْ كُتِبَ عَلَيكُم مَا قمتم بِهِ" (¬2). وقال في حديث زيد بن ثابت: "فَعليكُم بِالصّلاةِ فِي بيوتكُم فِإنَّ خَيرَ صلاةِ المرء فِي بَيّتِه إِلَّا الصَّلاةَ المكتُوبَةَ" (¬3). وقال أبو داود من حديث زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ المرءِ فِي بيتهِ أَفضلُ مِن صَلاَتِهِ فِي مَسجدِي هذا إِلّا المَكتُوبَةَ" (¬4). مسلم، عن أنس قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: "مَا هذَا؟ " قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت وفترت تمسكت به، فقال: "حلّوهُ ليصلِّ أحدُكُم نَشَاطَهُ فَإِذَا كسلَ وفترَ قَعدَ" (¬5). وعن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تختَصُّوا ليلةَ الجمعة بِقيامٍ مِنْ بينِ اللّيالِي، ولا تختصُّوا يومَ الجمعة بِصيامٍ مِنْ بينِ الأيّامِ إِلّا أَنْ يكونَ فِي صومٍ يَصومُهُ أَحدُكُم" (¬6). قال الدارقطني: لا يصح هذا عن أبي هريرة، وإنما رواه ابن سيرين عن أبي الدرداء في قصة طويلة لسلمان وأبي الدرداء أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضلُ الصّلاةِ بعدَ الصّلاةِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (761) ورواه أيضًا البخاري (924 و 1129 و 2011 و 2012) وأبو داود (1373) والنسائي (3/ 202) وابن خزيمة (2207). (¬2) لم أر هذا اللفظ عند أحد ممن ذكرنا. (¬3) رواه مسلم (781). (¬4) رواه أبو داود (1044). (¬5) رواه مسلم (784). (¬6) رواه مسلم (1144).

باب في ركعتي الفجر وصلاة الضحى والتنفل في الظهر والعصر والمغرب والعشاء

المكتوبةِ الصّلاةُ فِي جوفِ اللّيلِ، وأَفضلُ صيامِ بعدَ شهرِ رَمضانَ صيامُ شهرِ الله المحرَّمِ" (¬1). وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن نَامَ عنْ حِزبِه أَوْ نَسِيَ مِنهُ فَقرأَهُ فِيما بَينَ صلاةِ الفَجرِ وصلاةِ الظُّهرِ كُتبَ لَهُ كأنَّما قرأَهُ مِنَ اللَّيلِ" (¬2). النسائي، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَتى فِراشَهُ وَهُوَ يَنوِي أَنْ يقومَ يُصلِّي منَ اللَّيلِ فغلبتْهُ عينَهُ حتَّى يُصبحَ كَانَ لَهُ مَا نَوى، وكَانَ نَومُهُ صدقةً عَليهِ مِنْ رَبِّهِ" (¬3). باب في ركعتي الفجر وصلاة الضحى والتنفل في الظهر والعصر والمغرب والعشاء النسائي، عن إسرائيل عن عيسى بن أبي غرة عن عامر عن أبي ثور الأزدي عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالركعتين قبل صلاة الفجر (¬4). أبو داود، عن عبد الرحمن يعني ابن إسحاق عن ابن زيد وهو محمد بن رسلان واسمه عبد ربه عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدعوهُمَا وإِنْ طردتُكُم الخَيْلُ" (¬5). ليس إسناد حديث أبي داود بالقوي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1163). (¬2) رواه مسلم (747). (¬3) رواه النسائي (3/ 258) وفي النسائي "حتى أصبح". (¬4) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الأشراف (10/ 431 - 432). (¬5) رواه أبو داود (1258).

مسلم، عن عائشة أنها كانت تقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬2). وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} والتي في آل عمران: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية (¬3). وعن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ركعتَا الفَجرِ خيرٌ منَ الدُّنيَا وَمَا فِيها" (¬4). وعنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح (¬5). أبو داود، عن زيادة عن عبيد الله بن زيادة الكندي عن بلال أنه حدثه أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الغداة، فشغلت عائشة بلالًا بأمر سألته عنه حتى فضحه الصبح فأصبح جدًا، قال: فقام بلال فأذنه بالصلاة وتابع أذانه، فلم يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما خرج صلّى بالناس، فأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جدًا، وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال: "إِنِّي كُنت ركعتُ ركعتَيْ الفَجْرِ" فقال: يا رسول الله إنك أصبحت جدًا، قال: "لَوْ أَصبَحتُ أَكثرُ مِمّا أَصبحتُ لتركتَهُمَا وَأحسنتُهمَا وَأَجملتُهمَا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (724). (¬2) رواه مسلم (726). (¬3) رواه مسلم (727). (¬4) رواه مسلم (725). (¬5) رواه مسلم (724). (¬6) رواه أبو داود (1257).

الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لَمْ يصلِّ ركعتَيْ الفَجرِ فليصلِّهِمَا بَعدمَا تطلعُ الشّمسُ" (¬1). أبو داود، عن قيس بن عمر ويقال قيس بن فهر قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي بعد الصبح ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الصبح ركعتَانِ" فقال الرجل: إني لم اكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ليس هذا الحديث بمتصل، ذكر ذلك الترمذي (¬3). وخرجه ابن أيمن عن الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي بعد الغداة ركعتين. . . . . الحديث. والحسن بن ذكوان ضعيف الحديث. وذكر الترمذي أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ صَلاةَ بعدَ الفجرِ إلَّا ركعتَيْ الفجرِ" (¬4). وقال: حديث غريب وهو ما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلّا ركعتي الفجر. انتهى كلام أبي عيسى. قد روي هذا الحديث من طريق فيها عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وأبو هارون العبدي وأبو بكر بن محمد، وليس بابن حزم هو رجل مجهول ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (423). (¬2) رواه أبو داود (1267) وابن ماجه (1821). (¬3) قاله بعد الحديث (422). (¬4) رواه الترمذي (419) ولفظه عنده "إلا سجدتين" ورواه أيضًا أحمد (2/ 104) وأبو داود (1278) وغيرهما.

وإسماعيل بن قيس المدني وأبو المصعب، ولا يصح منها كلها شيء، وأحسنها حديث الترمذي رحمه الله (¬1). وذكر الترمذي أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أحدُكُم ركعتَيْ الفَجر فليضطجِعْ عَلَى يمينِهِ" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. خرجه مسلم عن عائشة من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). النسائي، عن نعيم بن هبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تعالى قال: "ابْنُ آدمَ صلِّ أربعَ ركعاتٍ فِي أَولِ النّهارِ أكفكَ آخرَهُ" (¬4). البزار، عن أبي الدرداء قال: أوصاني خليلي بثلاث، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر، وسبحة الضحى في السفر والحضر. هذا من حديث الشاميين وإسناده حسن، وخرجه أبو داود أيضًا (¬5). مسلم، عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الفجر، وأن أوتر قبل أن أرقد (¬6). وعن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم (¬7). وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ¬

_ (¬1) انظر إرواء الغليل (2/ 232 - 236). (¬2) رواه الترمذي (420). (¬3) رواه مسلم (743). (¬4) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الاشراف (9/ 35) بهذا اللفظ. (¬5) ورواه أبو داود (1433) أيضًا. (¬6) رواه مسلم (721). (¬7) رواه مسلم (718).

الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مَغيبِهِ (¬1). وعن معاذة أنها سألت عائشة: كم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات ويزيد ما شاء (¬2). مسلم، عن أم هانئ قالت: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، فقال: "مَنْ هذِهِ؟ " فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب، قال: "مَرحَبًا بِأمِ هانِئٍ" فلما فرغ من غسله، قام: فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلًا أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ يا أُمَّ هانِئِ" قالت أم هانئِ: وذلك ضحًى (¬3). في طريق أخرى من الزيادة: لا أدري أقيامه فيها أطول من ركوعه أم سجوده، كل ذلك منه متقارب (¬4). النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس من مطلعها قيد رمح أو رمحين كقدر صلاة العصر من مغربها صلى ركعتين، ثم أمهل حتى ارتفع الضحى صلى أربع ركعات، ثم أمهل حتى زالت الشمس صلى أربع ركعات قبل الظهر حين تزول الشمس، فإذا صلى الظهر صلى بعدها ركعتين وقبل العصر أربع ركعات، فذلك ستة عشرة ركعة. هكذا رواه عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (717). (¬2) رواه مسلم (719). (¬3) رواه مسلم (336) في صلاة الضحى من صلاة المسافرين. (¬4) هو رواية من الحديث (336). (¬5) رواه النسائي في الصلاة من الكبرى كما في تحفة الأشراف (7/ 389).

ورواه حصين بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي وقال: ويجعل التسليم في آخر كل ركعة، يعني من الأربع ركعات (¬1). وخالفه شعبة فرواه عن أبي إسحاق بهذا الإسناد قال: ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين (¬2). أبو داود، عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاةٌ فِي أثِرِ صلاةٍ لاَ لغوَ بَيْنَهُمَا كتابٌ فِي عِلّيينَ" (¬3). مسلم، عن زيد بن أرقم قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل قباء وهم يصلون، فقال: "صلاةُ الأوّابِينَ إذا رمضتِ الفِصَالُ" (¬4). وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن تطوعه، فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا ثم يخرج فيصلي بالناس ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلًا طويلًا قائما وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين (¬5). النسائي، عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اثنتا عشرَة ركعة مَنْ صَلاّهُنَّ بَنى اللهُ لَهُ بيت فِي الجنةِ، أربعَ رَكَعَاتٍ قبلَ الظهرِ وركعتينِ بعدَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي أيضًا كما في تحفة الأشراف (7/ 388). (¬2) رواه الترمذي (598). (¬3) رواه أبو داود (1288). (¬4) رواه مسلم (748). (¬5) رواه مسلم (730).

الظّهرِ، وركعتينِ قبلَ العَصرِ، وركعتينِ بعدَ المغربِ، وركعتينِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ" (¬1). الترمذي، عن عبد الله بن السائب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: "إِنّها ساعةٌ تُفتَحُ فيها أبوابُ السّماءِ، وأُحبُّ أَن يصعدَ لِي فِيها عملٌ صَالحٌ" (¬2). وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصل قبل الظهر أربعًا صلاهن بعد (¬3). أبو داود، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ امرأً صلَّى قَبلَ الظُّهْرِ أَربعًا" (¬4). وذكر ابن أبي خيثمة قال: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن أبي سلمة قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن حذافة وهو يصلي يجهر بقراءته بالنهار، فقال: "يَا عبدَ اللهِ سمِّعِ اللهَ وَلا تُسمِّعنَا". أبو سلمة يروي عن عبد الله بن حذافة. وقد رواه عقيل ويونس عن الزهريّ عن أبي سلمة أن عبد الله بن حذافة. . . . ذكر ذلك الدارقطني رحمه الله، قال: ورواه النعمان بن راشد والزبيري كلاهما عن الزهري (¬5). البخاري، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة، قال فيه: ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 262). (¬2) رواه الترمذي (478). (¬3) رواه الترمذي (426) وفي سنن الترمذي "بعدها". (¬4) رواه أبو داود (1271). (¬5) رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة عند ابن سعد (4/ 190).

فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كالعشاء، ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام. . . . . . . وذكر الحديث (¬1). مسلم، عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينَ كُلِّ أذانينِ صلاةٌ" قالها ثلاثًا، قال في الثالثة: "لِمنْ شاءَ" (¬2). وفي رواية قال في الرابعة: "لمنْ شاءَ" (¬3). هكذا رواه الثقات الإثبات عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن ابن مغفل. ورواه حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَ كلِّ أَذانينِ صلاةٌ إِلَّا المغربَ" (¬4). وحيان هذا هو ابن عبيد الله بن زهير أبو زهير العبدي، ذكر حديثه هذا أبو بكر البزار. وقال: حيان بن عبيد الله رجل من أهل البصرة مشهور ليس به بأس. وقال فيه أبو حاتم: صدوق. وقال فيه بعض المتأخرين: مجهول، ولعله اختلط عليه بحيان بن عبيد الله المروزي والله أعلم. وخرج البخاري عن عبد الله بن مغفل أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلُّوا قَبلَ صلاةِ المَغربِ" في الثالثة "لمنْ شاءَ كراهيةَ أَنْ يتخذَها النَّاسُ سُنَّةً" (¬5). الترمذي، عن كعب بن عجرة قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد بني عبد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (117). (¬2) رواه مسلم (838). (¬3) رواه مسلم (838). (¬4) رواه البزار (693 كشف الأستار). (¬5) رواه البخاري (1183 و 7368).

باب في العيدين

الأشهل المغرب، فقام ناس يتنفلون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَليكُمْ بِهذِهِ الصّلاةِ فِي البيوتِ" (¬1). قال: هذا حديث غريب من حديث كعب بن عجرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والصحيح ما روي عن ابن عمر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته. أبو داود، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد (¬2). مسلم، عن مختار بن فلفل عن أنس قال: كنا نصلي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، قلت له: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا (¬3). مسلم، عن كعب بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه (¬4). باب في العيدين ذكر أبو أحمد من حديث حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (604). (¬2) رواه أبو داود (1301). (¬3) رواه مسلم (836). (¬4) رواه مسلم (716). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 646).

قال أبو أحمد: أحاديث حجاج عن ميمون ليست بالمستقيمة. وذكر البزار من حديث مندل عن محمد بن عبيد الله عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اغتسل للعيدين وجاء إلى العيد ماشيًا. . . . وذكر الحديث (¬1). إسناده ضعيف. البخاري، عن أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفِطر حتى يأكل تمرات (¬2). زاد في طريق منقطعة: ويأكلهن وترًا، وهذه الزيادة وصلها الدارقطني (¬3). الترمذي، عن بريدة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي (¬4). قال الدارقطني: حتى يرجع فيأكل من أضحيته (¬5). وقال الترمذي في حديث بريدة: هذا حديث غريب. وقال من حديث الحارث الأعور عن علي: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا، وأن تأكل قبل أن تخرج (¬6). وذكر الدارقطني من حديث الوليد بن محمد الموقري قال: حدثنا الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ¬

_ (¬1) رواه البزار (648 و 653) وهذا مركب من حديثين عن صحابيين، وحديث سعد عند ابن ماجه (1294). (¬2) رواه البخاري (953). (¬3) انظر تعليق التعليق (2/ 374 - 275) ووصله الدارقطني (2/ 45). (¬4) رواه الترمذي (542). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 45). (¬6) رواه الترمذي (530).

يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى (¬1). الموقري ضعيف عندهم. ومن مراسيل أبي داود عن الشعبي قال: كُنِسَ البقيع للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر والأضحى (¬2). مسلم، عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: "لتُلْبِسْها أُختُها مِنْ جِلبابها" (¬3). وقال البخاري: فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطُهْرَتَهُ (¬4). أبو داود، عن يزيد بن حمير قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح (¬5). مسلم، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة (¬6). وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله عز وجل وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 44). (¬2) المراسيل (ص 96). (¬3) رواه مسلم (890) والبخاري (324 و 351 و 974 و 980 و 1652). (¬4) رواه البخاري (971). (¬5) رواه أبو داود (1135). (¬6) رواه مسلم (888).

النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تَصدّقْنَ فَإنَّ أكثرَكُنَّ حطبُ جَهنَّمَ" فقامت امرأة من سِطَةِ النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأَنَكُنَّ تُكثْرنَّ الشكاةَ وَتكفرنَ العَشِيرَ" قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن (¬1). زاد أبو داود: فقسمه على فقراء المسلمين (¬2). مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الأضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. . . . . وذكر الحديث (¬3). وذكر أبو بكر البزار في مسنده من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وإذا خرج صلى للناس ركعتين، فإذا رجع صلى في بيته ركعتين، وكان لا يصلي قبل الصلاة شيئًا، يعني يوم العيد (¬4). مسلم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر، فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر} (¬5). النسائي، عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} (¬6). الترمذي، عن كثير بن عبد الله عن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ¬

_ (¬1) رواه مسلم (885). (¬2) رواه أبو داود (1144). (¬3) رواه مسلم (884). (¬4) رواه البزار (652 كشف الأستار) وحذف الهيثمي منه بعضه، وهو عند ابن ماجه (1293) والحديث رواه أحمد (3/ 28 و 40). (¬5) رواه مسلم (891). (¬6) رواه النسائي (3/ 184).

عمرو بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة (¬1). صحيح البخاري هذا الحديث، وكذلك صحيح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "التكبيرُ فِي الفطرِ سبعٌ فِي الأُولى وَخمسٌ فِي الآخِرة، والقراءةُ بعدَ كلتَيهِمَا" (¬2). خرج هذا الحديث أبو داود من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بهذا الإسناد. وخرجه الدارقطني بهذا الإسناد وقال: "سَبعًا فِي الأولى وخَمسًا فِي الآخرةِ سوى تكبيرة الصَّلاةِ" (¬3). وهذا الحديث ذكره أبو داود من حديث عائشة وقال: "سِوى تَكْبيرتي الرّكوعِ" (¬4). وفي إسناده عبد الله بن لهيعة. وقد رواه أبو بكر البزار من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَكبيرُ فِي العِيدينِ فِي الركعةِ الأُولى سبعُ تكبيراتٍ، وَفِي الآخرة خَمسٌ" (¬5). وفي إسناد هذا الحديث فرج بن فضالة. وذكر أبو داود عن مكحول قال: أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (536). (¬2) رواه أبو داود (1151). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 47 - 48 و 48). (¬4) رواه أبو داود (1150). (¬5) لم أره في مسند البزار، ولا ذكره الحافظ الهيثمي في المجمع ولا في كشف الأستار، ولعله رواه خارج المسند، والحديث رواه الدارقطني (2/ 2/ 48 - 49) والخطيب (10/ 264) وابن عساكر (165/ 2) والضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (2/ 124).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربع تكبيرات على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، قال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص (¬1). أبو داود، عن عطاء عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد، فلما قضى صلاته أتى يخطب قال: "فَمنْ أَحبَّ أَنْ يجلسَ للخطبةِ فَليجلسْ، ومنْ أحبَّ أَنْ يذهبَ فَليذهبْ" (¬2). هذا يروى مرسلًا عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أبو داود، عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ركبًا جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإن أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم (¬3). الترمذي، عن أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره (¬4). خرجه البخاري (¬5). وخرج أبو داود عن إسحاق مولى نوفل بن عدي قال: أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري أنه قال: كنت أغدو مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1153). (¬2) رواه أبو داود (1155) والنسائي (3/ 185) وابن ماجه (1290) ونقل الحافظ المزي عن النسائي أنه قال: هذا خطأ والصواب مرسل، انظر تحفة الأشراف (4/ 347). وقال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) رواه أبو داود (1157). (¬4) رواه الترمذي (541). (¬5) رواه البخاري (986) من حديث جابر، وجاء في بعض نسخ البخاري وقال محمد بن الصلت: عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، فعلى هذا خرجه البخاري تعليقًا، وانظر تعليق التعليق (2/ 382 - 385) وفتح الباري (2/ 472 - 474).

"يوم الفطر. ويوم الأضحى، فنسلك بطن بُطْحان حتى نأتي المصلى، فنصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا (¬1). قال أبو داود في هذا الحديث: عن أبي هريرة وغيره. وخرج عبيد الله التميمي عن أبي هريرة أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد في المسجد (¬2). وخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه بالركاب، فلزقت قدمه بالركاب، فنزلت فنزعتها وذلك بمنى، فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم (¬3). وذكر أبو داود في المراسيل عن أبي عيسى الخراساني عن الضحاك بن مزاحم قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج يوم العيد بالسلاح (¬4). ومن مراسيل أبي داود أيضًا عن الزهريّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر من أول أيام التشريق إلى آخر أيام التشريف (¬5). قال أبو داود: كان شعبة ينكر هذا الحديث. وذكر الدارقطني من حديث عمار بن ياسر وعلي بن أبي طالب أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في دبر الصلوات المكتوبات من صلاة الفجر غداة ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1158). (¬2) رواه أبو داود (1160). (¬3) رواه البخاري (966 و 967). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 94 - 95). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (ص 96).

عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق (¬1). في إسناده جابر بن يزيد الجعفي وقد اختلف عليه. وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح [يكبر] من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق (¬2). النسائي، عن أنس قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: "كَانَ لَكُم يَومانِ تَلعبونَ فِيهمَا وقدْ أَبدلكُمُ اللهُ بِهمَا خَيرًا مِنهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضحَى" (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت بها الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في يوم عيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبا بكرِ إِنَّ لكلِّ قومِ عِيدًا وَهذا عيدُنَا" (¬4). وفي رواية: جاريتان تلعبان بِدُفٍّ. وزاد في طريق آخر دعهما، فلما غفل غمزتهما، فخرجتا وكان يوم عِيد يَلعب السودان بالدَّرَقِ والحراب، فإما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما قال: "تَشتهِينَ تَنْظرِينَ" فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: "دُونَكُمْ يَا بني أرفدَةَ" حتى إذا مللت قال: "حسبُكِ" قلت: نعم، قال: "فاذْهَبِي" (¬5). وعنها أن لعبهم هذا كان في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 49) وفي إسناده أيضًا عمرو بن شمر وهو أسوأ حالًا من جابر. (¬2) رواه الدارقطني (2/ 49). (¬3) رواه النسائي (3/ 179 - 180). (¬4) رواه مسلم (892). (¬5) رواه مسلم (892).

باب في صلاة الاستسقاء

باب في صلاة الاستسقاء مسلم، عن عبد الله بن زيد قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة، وحول رداءه وصلى ركعتين (¬1). زاد البخاري: جهر فيهما بالقراءة (¬2). وزاد المسعودي: جعل اليمين على الشمال (¬3). قال أبو داود: عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال: استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة سوداء، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت قلّبها على عاتقه (¬4). وقال أبو داود أيضًا عن عبد الله بن كنانة أرسلني الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء، فقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبذلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلى فرقى على المنبر ولم يخطب خُطَبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (893) والبخاري (1005 و 1011 و 1012 و 1023 و 1024 و 1025 و 1026 و 1027 و 1028 و 6343). (¬2) هو عند البخاري (1024 و 1025). (¬3) انظر الفتح (2/ 515) حيث رواه البخاري (1027) حيث قال: قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال: جعل اليمين على الشمال. قال ابن المواق ردًا على ابن القطان: الظاهر أن البخاري أخذه عن شيخه عبد الله بن محمد، ولا يلزم من كونهم لم يعدوا المسعودي في رجاله أن لا يكون وصل هذا الموضع عنه؛ لأنه لم يقصد الرواية عنه، وإنما ذكر الزيادة التي زادها استطرادًا، قال الحافظ: وهو كما قال. وانظر تعليق التعليق (2/ 391). (¬4) رواه أبو داود (1164). (¬5) رواه أبو داود (1165).

وقال الدارقطني في هذا الحديث: صلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وقرأ في الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} وكبر خمس تكبيرات (¬1). أخرجه من حديث محمدبن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وهو ضعيف الحديث، ذكره ابن أبي حاتم. وذكر أبو داود عن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: "إِنَّكُم شكوتُمْ جدبَ ديارِكُم واسْتِئْخَارِ المَطَرِ عنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكم، وَقد أَمركُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن تَدعوهُ وَوَعدكُم أَنْ يستجِيبَ لَكُم" ثم قال:"الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ الرحمنِ الرحيمِ مالِكِ يومِ الدِّين لا إِله إِلَّا اللهُ يفعلُ مَا يريدُ، اللَّهمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَه إِلَّا أَنْتَ الغَني ونحنُ الفُقراءُ أَنْزِلْ عَلينَا الغَيثَ وَاجعلْ مَا أنزلتَ لنَا قُوةً وبَلاغًا إِلى حِينِ" ثم رفع يديه. . . وذكر باقي الحديث وسرعة الإجابة (¬2). مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه (¬3). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء (¬4). أبو داود، عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني من ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 66) وقال ابن القطان أبوه عبد العزيز مجهول. (¬2) رواه أبو داود (1173). (¬3) رواه مسلم (895). (¬4) رواه مسلم (896).

رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند أحجار البيت باسطًا كفيه (¬1). وعن أنس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما (¬2). إسناد حديث مسلم أصح من هذا وأجل ومن الذي يأتي بعده. أبو داود، عن مالك بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا سَألتُمُ اللهَ عَزَّ وجلَّ فَسلُوهُ بِبطونِ أَكُفِّكُم وَلاَ تَسألُوهُ بِظهورِها" (¬3). وذكر الدارقطني عن القاسم بن مالك عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث أبي داود (¬4). قال: والمحفوظ عن أبي قلابة عن ابن محيريز مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وذكر أبو داود من حديث يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى قال: "اللَّهمَّ اسقِ عِبادَكَ وَبهائِمَكَ وانشُرْ رَحمتكَ وَاحْيِ بَلَدَكَ الميِّتَ" (¬6). وذكر أبو داود في المراسيل عن شريك يعني ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار أن رجلًا من نجد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أجدبنا وهلكنا إن لم يدركنا الله منه برحمة، فادع الله يغيثنا، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع الرجل وقد مطروا فأحيوا عامهم ذلك، ثم رجع من عام قابل فقال: دعوت الله فأحيينا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1172). (¬2) رواه أبو داود (1487). (¬3) رواه أبو داود (1486). (¬4) ورواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 224). (¬5) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 286). (¬6) رواه أبو داود (1176).

عامنا الأول فادع الله لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَغيثٌ كَغيثِ الكفَارِ لاَ أَرجع" (¬1). شريك لم يكن حافظًا. مسلم، عن أنس أيضًا أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب الناس، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللَّهمَّ اغثنا اللَّهمَّ اغثنا اللَّهمَّ اغثنا" قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَةِ وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: فلا والثه ما رأينا الشمس سبتًا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللَّهمَّ حَوالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا اللَّهمَّ عَلَى الآكامِ والظِرابِ وبطُونِ الأودية وَمنابتِ الشَّجرِ" قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس (¬2). وعنه قال: أصابنا مطر ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا وسول الله لمَ صنعت هذا؟ فقال: "لأَنَّهُ حديثُ عَهْدٍ بِرَبَّهِ" (¬3). وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الريح والغيم عرف في وجهه ذلك، فأقبل وأدبر، فإذا مطرف سُرَّ به، وذهب ذلك عنه، قالت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 97) وفيه "لغيث الكفار". (¬2) رواه مسلم (897). (¬3) رواه مسلم (898).

باب صلاة الكسوف

عائشة: فسألته فقال: "إِنِّي خشيتُ أَنْ يكونَ عذابًا سُلِّطَ عَلى أُمّتي" ويقول إذا رأى المطر "رحمةٌ" (¬1). ومن مراسيل أبي داود عن عبيد الله بن أبي جعفر أن قومًا سمعوا الرعد فكبروا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سمعتُمُ الرَّعْدَ فَسَبِّحُوا وَلاَ تُكَبِّرُوا" (¬2). ومنها عن سليمان بن عبد الله بن عويمر قال: كنت مع عروة بن الزبير، فأشرت بيدي إلى السحاب، فقال: لا تفعل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشار إليه (¬3). ومنها عن أبي الحسين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشار إلى المطر (¬4). باب صلاة الكسوف مسلم، عن عائشة قالت: خسفت الشمس على حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فاقترأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه فقال: "سَمَعَ اللهُ لِمَنْ حَمدَهْ ربَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمدَه رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" ثم سجد، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (899). (¬2) تحفة الأشراف (13/ 281) والمراسيل (ص 247). (¬3) تحفة الأشراف (13/ 289). (¬4) تحفة الأشراف (13/ 256) ورواه البيهقي (3/ 363) من حديث ابن عباس.

الشمسَ والقمرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ لاَ يخسفانِ لِموتِ أَحدٍ وَلا لَحياتِهِ، فَإِذَا رَأيتمُوهَا فَافْزَعُوا إِلى الصَّلاةِ". وقال أيضًا: "فَصَلّوا حَتَّى يفرجَ عَنكُمْ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيتُ فِي مقامِي كلّ شيءٍ وُعدتُمْ لقَد رأيتِني أُريدُ أَنْ آخُذَ قَطفًا مِنَ الجنَّةِ حينَ رَأيتمونِي جعلتُ أتَقدمَ، وَلَقدْ رأيتُ جهنَّمَ تحطِمُ بعضُها بَعضًا حينَ رأيتمونِي تَأخرتُ، ورأيتُ فِيها ابنَ يَحيى وَهُوَ الَّذِي سيّبَ السّوَائِبَ". وعنها في هذا الحديث: "فَإِذَا رأيتُموهَا فَكبِّرُوا وادعُوا اللهَ وصلّوا وتصدّقُوا يَا أُمَّةَ مُحمدٍ إِن منْ أَحدٍ أَغيرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزنِي عبدُهُ أَوْ تَزْنِي أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ محمدٍ واللهِ لَوْ تَعلمونَ مَا أَعلمُ لبكيتُمْ كَثيرًا ولضحِكتُمْ قَليلًا، أَلاَ هَلْ بلّغْت" (¬1). وعن فاطمة بنت المنذر عن أسماء وذكرت خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف قالت: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أَمَّا بَعدُ، مَا مِنْ شَيءٍ لَمْ أَكنْ رأيتهُ إلَّا قَد رأيتُهُ فِي مَقامِي هَذا حتَّى الجنَّةَ والنَّارَ، وأنّهُ أُوحِيَ إليَّ أَنَّكُمُ تفتُنون فِي القبورِ قَرِيبًا أَوْ مثل فتنةِ المسيحِ الدّجَال (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) فَيُؤتَى أَحدُكُمْ فيقالُ: مَا علمكَ بِهَذَا الرجل فأما المؤمنُ أَوْ المُوقِنُ" (لا أدري أي ذلك قالت أسماء). فيقولُ هُوَ محمدٌ رسولُ اللهِ جاءَنَا بِالبيِّنَاتِ والهُدى، فَأَجَبنا وأطعنَا ثلاثَ مِرارٍ فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ قَدْ كنا نَعلمُ إِنكَ لتؤمِنُ بِهِ فنَمْ صالحًا، وأَمَّا المُنَافِقُ أَوْ المُرتَابُ (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) "فَيَقُولُ: لاَ أَدرِي سمعتُ النَّاسَ يقولونَ شَيئًا فَقلتُ" (¬2). وعن ابن عباس في هذه وذكر خطبته عليه السلام قال: فقال: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (901). (¬2) رواه مسلم (905).

الشمس والقمر آيتانِ من آيات الله، لا ينْكَسِفَانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِهِ فإذا رأيْتُم ذلك فاذكرُوا الله"، قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولتَ شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك كففْتَ، فقال: "إِنِّي رأيت الجنَّةَ فتناولت منها عُنْقودًا ولو أخذتُهُ لَأكَلتُمْ منه ما بقيتِ الدُّنْيا ورأيتُ النَّار فلم أرَ كاليوم منظرًا قَط، ورأيتُ أكثر أهلِهَا النِّساء"، قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: "بكفرهِنَّ"، قيل: أيكفُرنَ بالله؟ قال: "يكفرنَ العَشيرَ ويَكفرنَ الإِحسانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهر، ثُمَّ رأتْ مِنْكَ شيئًا، قالت: ما رأيتُ خَيْرًا قط"، وذكر قراءتَهُ عليه السلام فى أول ركعةٍ قدر سورة البقرة، وكل ركعةٍ فقراءتها دون قراءة التي قبلها، بمثل حديث عائشة (¬1). وعن جابر بن عبد الله قال: انكسفت الشمس فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات، بدأ فكبر ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوًا مما قام ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوًا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحوًا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم انحدر بالسجود فسجد سجدتين، ثم قام فركع أيضًا ثلاث ركعات ليس فيها ركعة إلاّ التى قبلها أطول من التي بعدها وركوعه نحوًا من سجوده، ثم تأخر وتأخرت الصفوف حتى انتهينا. وفي رواية، حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه، فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما الشَّمسُ وَالقَمَرُ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ فَإنَّهُما لاَ ينكسفانِ لموتِ أَحدٍ منَ النَّاسِ، فَإِذَا رأيتُمْ شيئًا منْ ذَلكَ فصلُّوا حتَّى تَنْجَلِي، مَا مِنْ شَيءٍ تُوعدونَهُ إِلّا قَدْ رأيتُ في صلاتِي هَذهِ، لقدْ جِيءَ بالنَّارِ وَذلِكُمْ حينَ رأيتمونِي تَأَخرتُ مَخافَةَ أَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (907).

يُصيبِني من لَفْحِهَا، وحتَّى رأيتُ فيها صاحِبَ المِحْجَنِ يُجرُّ قصْبَهُ في النَّار، كانَ يسرِقُ الحجَّاجَ بمحجنِهِ، فإن فُطِنَ لها قال: إنَّما تعلَّقَ بمحجَني، وإن غُفِلَ عنْهُ ذَهبِ به، وحتَّى رأيتُ فيها صَاحبةَ الهرَّةِ الَّتِي ربطتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمها وَلَمْ تَدَعْهَا تأكُلُ من خشَاشِ الأرض حتَّى ماتَتْ جُوعًا، ثُمَّ جِيءَ بالجنَّةِ، وذلكُمْ حين رأيتُمونِي تقدَّمْتُ حتَّى قمتُ فِي مقَامِي، ولقد مَدَدتُ يدِي وأنا أُريدُ أن أَتَناولَ من ثَمَرِهَا لتنظروا إِلَيه، ثم بَدَا لي أَنْ لا أفعلَ، فَما مِنْ شيءٍ تُوعدونَهُ إِلّا وقد رَأيتُهُ في صلاتي هَذِهِ". (¬1) وعن ابن عباس قال: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين كَسَفَتِ الشمسُ، ثماني ركعات في أربع سجداتٍ. وعن علي، مثل ذلك (¬2). النسائي، عن قتادة عن عطاء بن عبيد الله بن عمير عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عشر ركعات في أربع سجدات (¬3). قال أبو عمر بن عبد البر: سماع قتادة من عطاء عندهم غير صحيح. وذكر أبو داود عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم، فقرأ سورة من الطولِ، ثم ركع خمس ركعات وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها (¬4). النسائي، عن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانكسفت الشمس، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (904). (¬2) رواه مسلم (908). (¬3) رواه النسائي (3/ 129 - 130) ولكن ليس عنده عشر ركعات، فلعله سهو من قلم الناسخ. (¬4) رواه أبو داود (1182).

فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة، فقام إليه الناس فصلى ركعتين كما تصلون، فلما انجلت خطبنا. . . . . وذكر الحديث (¬1). أبو داود، عن النعمان بن بشير قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يصلي ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت (¬2). النسائي، عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ نَاسًا يَزعمونَ أَنَّ الشّمسَ وَالقَمرَ لاَ ينكسفانِ إِلّا لِموتِ عَظيمٍ مِنَ العُظماءِ وَليسَ كذلِكَ، وَلكنهُمَا آيتانِ منْ آياتِ اللهِ، وإِنَّ الله إِذا تَجَلَّى [بدا] لِشيءٍ مِنْ خَلقِهِ فَشَعَّ لَهُ، فَإِذَا رأيتُمْ ذَلِكَ فَصلُّوا كَأحدثِ صلاةٍ صليتَمُوهَا منَ المَكتوبةِ" (¬3). اختلف في إسناد هذا الحديث. مسلم، عن عبد الرحمن بن سمرة وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت أرتمي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كسفت الشمس فنبذتها، فقلت: والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويدعو ويكبر حتى حُسِرَ عنها، فلما حسر عنها قرأ سورتين، وصلى ركعتين (¬4). وقال النسائي: ركعتين وأربع سجدات (¬5). مسلم، عن أبي موسى قال: خسفت الشمس في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: "إِنَّ هَذ الآيات الَّتي يُرسِلُ اللهُ لاَ تكونُ لِموتِ أَحدٍ وَلا لِحياتِهِ وَلَكنَّ اللهَ يرسلهَا يُخوّفُ بِهَا عِبَادَهُ، ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 152 - 153). (¬2) رواه أبو داود (1193). (¬3) رواه النسائي (3/ 141 - 142). (¬4) رواه مسلم (913). (¬5) رواه النسائي (3/ 124 - 125).

فَإنْ رَأيتُمْ مِنهَا شَيئًا فَافزَعُوا إِلى ذِكرِ اللهِ وَدُعَائِهِ وَاستغْفَارِهِ" (¬1). وعن أبي مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ مِن آياتِ اللهِ يُخوّفُ اللهُ بِهما عِبَادَهُ. . ." وذكر الحديث (¬2). النسائي، عن عائشة قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث [فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] رجلًا فنادى إن الصلاة جامعة فاجتمع الناس، وذكرت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: ثم تشهد ثم سلم (¬3). مسلم، عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الكسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات (¬4). النسائي، عن سمرة بن جندب، بينا أنا يومًا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته حديثًا، قال: فدفعنا إلى المسجد، قال: فوافينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى الناس، قال فاستقدم فصلى فقام كأطول قيام قام بنا في صلاة قط ما نسمع له صوتًا. . . . وذكر الحديث (¬5). الدارقطني نا ابن أبي داود نا سهل بن سليمان النيلي نا ثابت بن محمد أبو إسماعيل الزاهد نا سفيان بن سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس والقمر ثماني ركعات في أربع سجدات (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (912). (¬2) رواه مسلم (911). (¬3) رواه النسائي (3/ 150 - 151). (¬4) رواه مسلم (901). (¬5) رواه النسائي (3/ 140 - 141). (¬6) رواه الدارقطني (2/ 64).

باب

وروى الصلاة في كسوف القمر أيضًا موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات، يقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بيس (¬1). أبو داود، عن أسماء قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف (¬2). وقال البخاري: في كسوف الشمس (¬3). باب أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيتُمْ آيَةً فاسجُدُوا" (¬4). باب سجود القرآن مسلم، عن ابن عمر قال: ربما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه في غير صلاة (¬5). وقال أبو داود: كبر وسجد (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 64). (¬2) رواه أبو داود (1192). (¬3) رواه البخاري (1054). (¬4) رواه أبو داود (1197). (¬5) رواه مسلم (575). (¬6) رواه أبو داود (1413).

مسلم، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ {وَالنَّجْمِ} فسجد فيها وسجد من كان معه، غير أن شيخًا أخذ كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا، قال: قال عبد الله: لقد رأيته بعد قتل كافرًا (¬1). وعن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة فقرأ: {إِذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} فسجد فيها، فقلت ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت بها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه (¬2). وعن أبي هريرة قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إِذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (¬3). النسائي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد فى ص وقال: "سجَدَهَا دَاودَ تَوبةَ" وَنَسجدهَا شُكْرًا" (¬4). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ص، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ الناس للسجود، فقال رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما هِيَ تَوبةُ نَبِيٍّ وَلَكنِّي رَأيتكُمْ تَشزنْتُمْ للسجودِ" فنزل فسجد وسجدوا (¬5). مسلم، عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، {وَالنَّجْمِ إِذا هَوَى} فلم يسجد (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (576). (¬2) رواه مسلم (578) وعنده "فلا أزال أسجدها" وفي رواية أخرى "فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه" فهو مركب من روايتين. (¬3) رواه مسلم (578). (¬4) رواه النسائي (2/ 159). (¬5) رواه أبو داود (1410). (¬6) رواه مسلم (577).

وذكر أبو داود عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة (¬1). ليس إسناده بقوي، يروى مرسلًا، والصحيح ما تقدم من حديث أبي هريرة. وذكر أيضًا من حديث عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله: أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: "نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسجدهُمَا فَلاَ يَقْرأْهُمَا" (¬2). في إسناده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف جدًا. وذكر عن عبد الله بن مُنَيْنٍ عن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان (¬3). وعبد الله بن منين لا يحتج به. وذكر أيضًا عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خَرَّ ساجدًا [شاكرًا] لله (¬4). في إسناده بكار بن عبد العزيز وليس بقوي، ذكر هذا في الجهاد وذكر أيضًا بإسناد ضعيف بل متروك. عن رجل عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس (¬5). في إسناده أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1403) وفي إسناده الحارث بن عبيد أبو قدامة لا يحتج بحديثه. (¬2) رواه أبو داود (1402) والراوي عن ابن لهيعة عبد الله بن وهب فحديثه حسن. ومشرح بن عاهان قال الحافظ مقبول. (¬3) رواه أبو داود (1401) وعبد الله بن منين وثقه يعقوب بن سفيان. (¬4) رواه أبو داود (2774) والترمذي (1578) وابن ماجه (1395). (¬5) رواه أبو داود (1415) وليس عنده عن رجل، بل عن أبي تميمة الهجيمي.

باب في الجمعة

وذكر في المراسيل عن زيد بن أسلم قال: قرأ غلام عند النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدة، فانتظر الغلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسجد، فلما لم يسجد قال: يا رسول الله أليس فيها سجدة؛ قال: "أَنْتَ قَرأْتَهَا فَلو سَجدتَ سَجدْنَا" (¬1). باب في الجمعة مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَحنُ الآخرونَ الأوّلُونَ يومَ القِيامَةِ، ونَحنُ أَولُ مَنْ يَدخُلِ الجنَّةَ، بِيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبلِنَا وَأُوتينَاهُ مِنْ بَعدِهِمْ، فاختَلَفُوا فَهدَانَا اللهُ لَما اختلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ، فَهذَا يَومهُمْ الَّذِي اختلفُوا فِيهِ هَدَانَا اللهُ لَهُ، قَالَ: يَومُ الجمعةِ فاليومُ لنا وَغَدًا لليهودِ، وبَعدَ غَدٍ للنصارَى" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ يومٍ طلعتْ فيهِ الشَّمسُ يومَ الجمعةِ، فِيهِ خُلِقَ آدمُ، وفِيهِ أُهبطَ، وفِيه تيبَ عليهِ، وفِيهِ مَاتَ، وفِيهِ تقومُ السَّاعةُ، وَمَا مِنْ دَابةٍ إلَّا وَهِي مُسيخةً يومَ الجمعةِ منْ حينَ تصبح حتَّى تطلعَ الشَّمسُ شَفَقًا مِن السَّاعَةِ إِلّا الجنَّ والإنسَ، وفِيهَا ساعةٌ لاَ يُصادِفهَا عبدٌ مسلمٌ وَهُوَ يُصلِّي يسألُ اللهُ شيئًا إلَّا أَعطاهُ إِيَّاهُ" (¬3). وقال مسلم: "فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيهِ أُدْخِلَ الجنَّةَ، وفيه أُخْرِجَ مِنْهَا"وقال في شأن السَّاعة: "وهِيَ سَاعةٌ خَفيفةٌ" وقال: "لاَ يُوافِقْهَا عَبدٌ مسلمٌ قَائِمٌ يصلِّي" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 100). (¬2) رواه مسلم (855). (¬3) رواه أبو داود (1046) وعنده "حاجة إلا أعطاه إياها". (¬4) رواه مسلم (852) في روايتين. ولم يرو مسلم قوله: "فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها".

وقال أبو داود في هذا الحديث: "فَأكثِرُوا على مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ -يعني يوم الجمعة- فَإِنَّ صلاتَكُمْ معروضةَ عليَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت؟ أي يقولون قد بليت؟ قال: "فَإنَّ الله حَرمَ عَلَى الأرضِ أَنْ تَأكلَ أَجسادَ الأنبياءِ" (¬1). وهذه الزيادة رواها من حديث حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس، ويقال: إن عبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن تميم قاله البخاري وأبو حاتم وهو منكر الحديث ضعيفه. وقد روى هذا الخبر في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة، وفي أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار من حديث سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وزيد بن الأيمن لا أعلم روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال. وذكر عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة قال: سمعت عطاء يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي يومِ الجمعةِ سَاعةٌ لاَ يُوافقهَا عبدٌ وَهُوَ يُصلِّي أَوْ يَنتظر الصَّلاةَ يَدعُو الله فِيها بِشيءٍ إلا استجابَ لَهُ" (¬3). يحيى بن ربيعة لا يحتج به، ولا أعلم روى عنه إلا عبد الرزاق. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1047) والطبراني في الكبير (583) وفي مسند الشاميين (900 و 901 و 902) والنسائي (1/ 303 - 204) وابن ماجه (1085 و 1636) وأحمد (4/ 8) وغيرهم من حديث أوس بن أوس. (¬2) ورواه ابن ماجه (1637) وهو منقطع في موضعين بين زيد وعبادة، وبين عبادة وأبي الدرداء قاله البخاري. (¬3) رواه عبد الرزاق (5587).

وقال مسلم بن الحجاج في وقتها من حديث أبي موسى. وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هِيَ مَا بينَ أَنْ يَجلسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ" (¬1). ولم يسنده غير مخرمة بن بكير عن أبيه أبي بردة عن أبي موسى، وقد رواه جماعة عن أبي بردة قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى، ومخرمة لم يسمع من أبيه، إنما كان يحدث من كتاب أبيه. وقال أبو داود: عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يومُ الجمعةِ ثنتَا عشرةَ، يريدُ ساعةً، لاَ يوجدُ [عبدٌ] مسلمٌ يسألُ اللهً عَزَّ وَجَلَّ شَيئًا إلَّا آتَاهُ فَالتمِسُوهَا آخِرَ سَاعةٍ بعدَ العَصرِ" (¬2). في إسناد هذا الجُلاَح مولى عبد العزيز بن مروان. وقد ذكره أبو عمر بن عبد البر من حديث عبد السلام بن حفص، ويقال: ابن مصعب عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ السَّاعَةَ التِي يُتَحَرّى فِيها الدُّعاءُ يومَ الجُمعةِ هِي آخرُ ساعةٍ منَ الجُمعةِ". قال: وعبد السلام ثقة مدني، كذا رواه، وقال فيه ابن معين أو لعله حكاه أبو عمر. مسلم، عن عائشة أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنسان منهم وهو عندي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنكمْ تطهرتُمْ لِيومِكُمْ هَذَا" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (853). (¬2) رواه أبو داود (1048) وليس عنده كلمة "عبد". (¬3) رواه مسلم (847).

وعن أبي هريرة قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة، إذ دخل عثمان بن عفان، فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضًا، ألَم تسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذا جَاءَ أَحدُكُمْ الجمعةَ فَليغتَسِلْ" (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حقُّ اللهِ عَلى كُلِّ مُسلمٍ أَنْ يغتسلَ فِي كُلِّ سبعةِ أَيّامٍ يغسلَ رأسَهُ وَجَسدَهُ" (¬2). زاد أبو بكر البزار: "وَهُوَ يومُ الجُمعةِ". مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله في قال: "الغُسلُ يَومَ الجُمعةِ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُحتلمٍ" (¬3). مسلم، عن أبي سعيد الخدري أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غُسلُ يَومَ الجُمعَةِ عَلَى كُلِّ محتلمٍ وسوَاك وَيَمسُّ مِنَ الطيبِ مَا قَدِرَ عَلَيهِ". وفي رواية: "وَلَوْ مِن طِيبِ المَرأَةِ" (¬4). أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من أربع، من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت (¬5). وخرجه الدارقطني وقال: "لغُسلُ مِنْ أَربَعٍ" ولم يقل يغتسل (¬6). وفي إسناد هذا الحديث مصعب بن شيبة، وقد تكلموا في حفظه. وذكر أبو محمد من طريق محمد بن معاوية يسنده إلى ابن عباس قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (845). (¬2) رواه مسلم (849). (¬3) رواه مسلم (846). (¬4) رواه مسلم (846). (¬5) رواه أبو داود (3160). (¬6) رواه الدارقطني (1/ 113).

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما اغتسل وربما لم يغتسل يوم الجمعة (¬1). قال: ومحمد بن معاوية النيسابوري معروف بوضع الحديث والكذب، وكذلك ذكر فيه أيضًا يحيى بن معين أنه كذاب، وربما كان كذبه من غفلة واختلاط. أبو داود، عن أوس بن أوس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ غسلَ يومَ الجُمعةِ واغتسلَ، ثُمَّ بكَّرَ وابتكرَ وَمشى وَلَمْ يركبْ، ودَنَا مِنَ الإِمامِ فاستمعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكلِّ خطوةِ عملُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيامِهَا وَقِيامِهَا" (¬2). البخاري، عن سلمان الفارسي قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَغْتَسِلُ رجلٌ يومَ الجُمعةِ ويَتَطهّرُ ما استطاعَ مِنَ الطُّهْرِ وَيدّهِنُ أَوْ يمسُّ مِنْ طيب بَيتِهِ، ثُمَّ يَخرجُ فَلا يفرّقُ بَيْن اثنين، ثُمَّ يصلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ ينصتُ إِذا تَكلمَ الإمَامُ إِلّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الجُمعةِ الأُخْرَى" (¬3). زاد أبو داود: "وَلَبَس مِنْ أَحسنِ ثِيابِهِ" وقال: "فَلَمْ يَتخطَ أَعْنَاقَ النَّاسِ". خرجه من حديث أبي سعيد الخدري (¬4). وقال من حديث أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ لَغَى وَتَخَطى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا" (¬5). وذكر أبو عمر في التمهيد عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ¬

_ (¬1) انظر المحلى (2/ 11 و 12). (¬2) رواه أبو داود (345). (¬3) رواه البخاري (883 و 910). (¬4) رواه أبو داود (343) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد معًا. (¬5) رواه أبو داود (347).

يكونُ عَلى أَحدِكُمْ أَنْ يكونَ لَهُ ثوبانِ سِوى ثوبِ مهنتهِ لجمعةٍ أَوْ غيرِهَا". ذكره في باب مالك عن يحيى. وخرجه أبو داود من حديث ابن سلام (¬1). وذكر البزار عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقلم أظافره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة (¬2). هذا يرويه إبراهيم بن قدامة الجمحي عن الأغرِّ عن أبي هريرة ولم يتابع إبراهيم عليه. النسائي، عن الحسن عن سمرة قال؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوضَّأَ يومَ الجُمعةِ فَبِها وَنَعمتْ، وَمنْ اغتسلَ فَالغُسلُ أَفْضَلُ" (¬3). والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. ورواه البزار من حديث أبي سعيد بمثله سواء. وفي إسناده أسيد بن زيد (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث الفضل بن المختار عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إِلَى الجُمعةِ فَليَغْتَسِلْ" فلما كان الشتاء قلنا: يا رسول الله أمرتنا بالغسل للجمعة وقد جاء الشتاء، ونحن نجد البرد، فقال: "مَنْ اغتسلَ فَبِهَا وَنعمتْ، ومَنْ لَم يغتسلْ فَلا حَرجَ" (¬5). الفضل وأبان ضعيفان معروفان. والصحيح ما تقدم من الأمر بالاغتسال يوم الجمعة. وذكر أبو أحمد من حديث حفص بن عمر أبو إسماعيل الأيلي قال: ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1078). (¬2) روا اه البزار (623 كشف الأستار). (¬3) رواه النسائي (3/ 94). (¬4) رواه البزار (630 كشف الأستار). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2041).

حدثنا عبد الله بن المثنى عن عميه النضر وموسى ابني أنس بن مالك عن أبيهما أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "اغتَسِلُوا يومَ الجُمعةِ وَلَوْ كَانَتْ بِدينارٍ" (¬1). وحفص بن عمر منكر الحديث ضعيفه، وأما أبو حاتم فقال فيه: كان كذابًا. وروى عبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغسلُ يومَ الجمعةِ عَلَى مَنْ شَهِدَ الجُمعةَ". وعبد الواحد هذا قال فيه البخاري منكر الحديث. وقال فيه أبو حاتم يعرف وينكر، وحديثه هذا خرجه العقيلي (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسلَ ثُمَّ أتَى الجُمعةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يفرغَ الإمامُ مِن خُطبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي معهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبينَ الجُمعةِ الأُخْرَى وَفَضْل ثَلاثَة أَيَّامٍ" (¬3). وزاد في طريق أخرى: "وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَى" (¬4). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَومَ الجمعةِ وَالإمامُ يخطِبُ فَقَدْ لَغَوْتَ" (¬5). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منِ اغتَسَلَ يومَ الجمعةِ غُسلُ الجَنابةِ ثُمَّ رَاحَ فَكأنَّمَا قَرّبَ بدنةً، ومنْ راحَ فِي السَّاعةِ الثانيةِ فكأنَّمَا قرّبَ بَقرةً، وَمَنْ راحَ فِي الساعةِ الثالثةِ فكأنَّمَا قرّبَ كبشًا أقرنَ، ومِنْ رَاحَ فِي الساعةِ الرابعةِ فكأنَّمَا قرّبَ دجَاجةً، ومن راحَ فِي الساعةِ الخامسةِ فكأنَّمَا قَرّبَ بيضةً، فَإِذَا خَرِجَ ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي (2/ 797). (¬2) رواه العقيلي (3/ 51). (¬3) رواه مسلم (857). (¬4) هو رواية من الحديث (857) قبله. (¬5) رواه مسلم (851).

الإِمامُ حضرتِ الملائكةُ يَسْتَمِعُونَ الذكْرَ" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَلَى كُلِّ بَابِ منْ أبوابِ المَسجدِ ملكٌ يَكتبُ الأَوَّلَ فالأوَّلَ مثلَ الجَزُورِ، ثُمَّ نزلهم حتى صغرَ إِلَى مثلِ البيضةِ، فَإِذا جلسَ الإِمامُ طُويتِ الصحفُ وحضرُوا الذِّكْرَ" (¬2). وذكر الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي بن زيد بن جدعان عن أوس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الملائكةُ يومَ الجمعةِ عَلَى أَبوابِ المَسجدِ يَكتبونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلهمْ جَاءَ فُلانٌ مِنْ سَاعةِ كَذَا جَاءَ فُلانٌ مِنْ سَاعةِ كَذَا جَاءَ فُلانٌ وَالإمَامُ يَخطبُ جَاءَ فُلانٌ وَقَدْ أَدركَ الصّلاةَ وَلَمْ يُدركِ الجُمْعَةَ إِذا لَمْ يُدْرِكِ الخُطْبَة" (¬3). أوس بن خالد لا أعلم روى عنه إلا علي بن زيد وهو ابن جدعان. النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المهجرُ إِلى الجمعةِ كالمهدِي بدنةً، ثُمَّ كالمهدِي بقرةَ، ثُمَّ كالمهدِي شاةً، ثُمَّ كالمهدي بطةً، ثمّ كالمهدِي دجاجةً، ثُمّ كالمهدِي بيضةً" (¬4). النسائي، عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجلسْ فَقَدْ أَذَيْتَ" (¬5). كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال فيه ابن معين: ليس برضي. وقد وثقه غيرهما أحمد بن حنبل وأبو زرعة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (850). (¬2) رواه مسلم (850). (¬3) بغية الباحث (1/ 23) في زوائد الحارث للهيثمي. (¬4) رواه النسائي (3/ 97 - 98). (¬5) رواه النسائي (3/ 103).

- وذكر الترمذي عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَخطى رقابَ النَّاسِ يَومَ الجُمعةِ اتخذَ جِسرًا إِلَى جَهنَّمَ" (¬1). في إسناده رشدين بن سعد وهو ضعيف. قال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد وقد تكلم أهل العلم في رشدين. أبو داود، عن سمرة بن جندب أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "احضَرُوا الذِّكْرَ وادْنُوا مِنَ الإِمامِ، فَإنَّ الرجلَ لاَ يَزَالُ يَتَباعَدُ حتَّى يُؤَخّرَ في الجنةِ وإنْ دَخَلَهَا" (¬2). وعن طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعةُ حقٌّ واجبٌ عَلَى كُلِّ مسلمٍ فِي جَماعةِ إِلّا أَربعةً: عَبْدًا مَمْلُوكًا أَوِ أمْرَأَةً أَوْ صَبيًا أَو مَرِيضًا" (¬3). قال أبو داود: طارق لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا. ورواه أيضًا ضرار بن عمرو من حديث تميم الداري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزاد: "أَوْ مُسافِرٌ" (¬4). ولم يتابع ضرار على هذا الحديث، خرج حديثه العقيلي. و [كـ]ـذلك ذكر الدارقطني المسافر من حديث جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإسناده ضعيف (¬5). روى أبو داود أيضًا عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة جمع الأنصار في بيت، فأرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (514). (¬2) رواه أبو داود (1108). (¬3) رواه أبو داود (1067). (¬4) رواه العقيلي (2/ 222). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 3) وفيه ضعيفان.

علينا، فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن، وأمر بالعيدين أن تخرج فيهما الحيض والعواتق، وأن لا جمعة علينا، ونهانا عن اتباع الجنائز (¬1). إسناده ضعيف فيه إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ولا يحتج به. وخرج عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ" (¬2). وروي موقوفًا وهو الصحيح. الترمذي، عن ثوير هو ابن أبي فاختة عن رجل من أهل قباء عن أبيه، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نشهد الجمعة من قباء. قال أبو عيسى: لا يصح في هذا الباب شيء. وقد روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعةُ عَلَى مَنْ أَوَاهُ اللَّيلُ إَلَى أَهْلِهِ". قال: وهذا الحديث إسناده ضعيف، إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. وذكر أبو عمر من طريق معدي بن سليمان عن أبي عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَسَى أَحدكُمْ أَن يتّخذَ الضبةَ مِنَ الغَنمِ، فينزلُ بِهَا عَلَى رأسِ ميلينِ أو ثلاثة منَ المدينةِ فَيأْتي الجمعةَ فَلا يجمعُ فَيُطبعُ عَلَى قَلبهِ" (¬3). ومعدي بن سليمان شيخ لين الحديث. والضبة هي قطعة من الخيل، وكذلك من الغنم. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1139). (¬2) رواه أبو داود (1056). (¬3) رواه الترمذي (501).

مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنريح نواضحنا. قال حسن بن عياش: قلت لجعفر بن محمد: في أي ساعة تلك؟ قال: زوال الشمس (¬1). البخاري، عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة (¬2). مسلم، عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حي على الفلاح، قل صلوا في بيوتكم، قال: وكان الناس استنكروا ذلك، فقال: أتعجبون من ذا قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض (¬3). أبو داود، عن أسامة بن عمير أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية في يوم الجمعة فأصابهم مطر لم يبلّ أسفل نعالهم، فأمر بهم أن يصلوا في رحالهم (¬4). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائمًا يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلّا اثنا عشر رجلًا فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (858). (¬2) رواه البخاري (906). (¬3) رواه مسلم (699). (¬4) رواه أبو داود (1059). (¬5) رواه مسلم (863).

وذكر الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال: مضت السنة أن في كل ثلاثة إمام، أو في كل أربعين فما فوق ذلك وأضحى وفطر وذلك أنهم جماعة (¬1). وهذا يرويه عبد العزيز بن عبد الرحمن بن خصيف متروك عن ضعيف. وعن أبي أمامة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَلَى الخَمْسِيْنَ جُمُعَةٌ لَيْسَ فِيمَا دُوْنَ ذَلِكَ" (¬2). في إسناده جعفر بن الزبير وهو متروك. وعن أم عبد الله الدوسية قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجُمعَةُ وَاجِبَةٌ عَلى كُلِّ قَرْيَةِ فِيهَا إِمَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا إِلّا أَرْبَعَةٌ" حتى ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة (¬3). ولا يصح في عدد الجمعة شيء. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بأصحابه في سفر وخطبهم متوكئًا على قوس (¬4). البخاري، عن السائب بن يزيد قال: إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلما كان في خلافة عثمان وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأُذِّن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك (¬5). وفي طريق أخرى الثاني بدل الثالث (¬6). وفي أخرى لم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذن غير واحد (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 3 - 4). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 4). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 7 و 8 و 9). (¬4) رواه عبد الرزاق (5182). (¬5) رواه البخاري (916). (¬6) رواه البخاري (915). (¬7) رواه البخاري (913).

وقال أبو داود: عن السائب أيضًا كان يؤذن بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر. . . . . وذكر الحديث (¬1). وقال النسائي: كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يوم الجمعة فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر (¬2). وذكر عبد الرزاق [عن] ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى: أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان، فقال عطاء: كلّا إنما كان يدعو الناس دعًّا ولا يؤذن غير أذان واحد (¬3). هذا مرسل. وذكر أبو أحمد من طريق مصعب بن سلام التميمي عن هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج قعد على المنبر فأذن بلال، فإذا فرغ من خطبته أقام الصلاة (¬4). مصعب هذا لا بأس به. مسلم، عن سهل بن سعد وذكر له المنبر قال: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها، فعمل هذه الثلاثة الأعواد [درجات]. . . . . . وذكر الحديث (¬5). أبو داود، عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1088). (¬2) رواه النسائي (3/ 101). (¬3) رواه عبد الرزاق (5340). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2361). (¬5) رواه مسلم (544). (¬6) رواه أبو داود (1110).

إسناده ضعيف. وخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن (¬1). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس ثم قال: "السَّلامُ عليكُمْ" (¬2). وهذا مرسل، وعبد الرزاق عن أبي أسامة عن مجالد عن الشعبي مثله، وزاد: وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك (¬3). وأسنده أبو أحمد من حديث عبد الله بن لهيعة عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر سلم (¬4). رواه عنه عمرو بن خالد الحراني وعبد الله بن لهيعة معروف في الضعفاء. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير يكنى أبا موسى عن نافع عن ابن عمر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم (¬5). ولا يتابع عيسى بن عبد الله على هذا الحديث. أبو داود، عن الحكم بن حزن الكلبي قال: وفدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلت عليه فقلنا: يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أيامًا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (514). (¬2) رواه عبد الرزاق (5281). (¬3) رواه عبد الرزاق (5282). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1465). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 1892 - 1893).

شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام متوكئًا على عصى أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيات طيبات مباركات، ثم قال: "أَيُّها النَّاسُ إِنكُمْ لنْ تطيقُوا أَوْ لَنْ تَفعلُوا كَما أمرتُمْ بِهِ وَلكنْ سدّدُوا وأَبْشِرُوا" (¬1). مسلم، عن جابر بن سمرة أن رسوك الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائمًا ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائمًا، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة (¬2). وقال أبو داود: من حديث جابر أيضًا: يخطب قائمًا ثم يقعد قعدة فلا يتكلم. . . . وساق الحديث (¬3). وكذا قال من حديث ابن عمر فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم فيقوم ويخطب (¬4). وقال في المراسيل: يجلس شيئًا يسيرًا ثم قام فيخطب الخطبة الثانية حتى إذا قضاها استغفر الله ثم نزل فصلى. قال ابن شهاب: وكان إذا قام أخذ عصًا فتوكأ عليها وهو قائم على المنبر، ثم كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم يفعلون مثل ذلك (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: كانت خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1096). (¬2) رواه مسلم (862) وأبو داود (1093). (¬3) رواه أبو دود (1095) (¬4) رواه أبو داود (1092). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (ص 91) عن ابن شهاب قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ فيجلس فذكره. (¬6) رواه مسلم (867).

وعنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبّحكُمْ ومسّاكُمْ" ويقول: "بُعثتُ أَنَا وَالساعةُ كَهَاتَينِ" ويفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أَمَّا بَعدُ فَإنّ خَيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخَير الهُدَى هُدَى محمدٍ، وشرّ الأمورِ مُحدثَاتُها، وكُل بِدعةٍ ضَلالَة" ثم يقول: "أَنَا أَوْلَى بكلِ مؤمنِ منْ نفسِهِ، فمنْ تَركَ مالًا فلأَهلِهِ، ومنْ تَركَ دَينًا أَو ضياعًا فإليَّ وعَليَّ" (¬1). أبو داود، عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد قال: "الحمدُ للهِ نَستعينُهُ وَنَستغفِرْهُ، ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفُسنَا مَنْ يُهدِ اللهُ فَلاَ مُضل [لَهُ]، ومنْ يضللْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأَشهدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ أَنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أَرسَلَهُ بالحقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا بين يَديْ السّاعةِ، منْ يُطِع اللهَ وَرَسولَهُ فَقَدْ رُشِدْ، ومَنْ يَعصِهمَا فَإنَّهُ لاَ يُضِرّ إِلّا نفسَهُ ولا يُضر اللهُ شَيْئًا" (¬2). وعن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة فذكر نحوه وقال: "منْ يعصِهمَا فقدْ غَوى ونسألُ اللهَ رَبَّنَا أَنْ يجعلَنا ممنْ يُطيعَهُ ويطيعُ رسولَهُ ويتبعُ رضوانَه ويجتنبُ سخطَهُ فإنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ" (¬3). ومن مراسيل أبي داود أيضًا عن ابن شهاب قال: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا خطب: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قرِيبٌ ولا بُعْدَ لما هُو آتٍ، لا يعجلُ اللهُ لعجلةِ أحدٍ، ولا يخف لأمرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللهُ لاَ مَا شَاءَ النَّاسُ، يريدُ النَّاسُ أمرًا ويريدُ اللهُ أمرًا، وما شَاءَ اللهُ كانَ وَلو كَرِهَ النَّاسُ، ولا مُبعِدَ لِمَا قَرَّبَ اللهُ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَعْدَ اللهُ، لاَ يكون شَيءٌ إلَّا بِإِذْنِ اللهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (867). (¬2) رواه أبو داود (1097). (¬3) رواه أبو داود (1098). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 93).

مسلم، عن عدي بن حاتم أن رجلًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِئسَ الخَطيبِ أَنْت قُلْ وَمَنْ يَعصِ اللهَ وَرَسولَهُ فقدْ غَوَى" (¬1). البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلّ خُطبةٍ ليسَ فِيهَا شهادةٌ فَهِي كاليدِ الجَذْمَاءِ" (¬2). مسلم، عن أم هشام بنت حارثة قالت: ما أخدْت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلاّ عن لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس (¬3). وعن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلم نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ طولَ صلاةِ الرّجلِ، وقصرَ خطبتهِ مِنْ فقهِهِ، فأَطِيلُوا الصَّلاَةَ واقصرُوا الخُطبةَ، فَإِنَّ مِنْ البَيَانِ سِحرًا" (¬4). وعن جابر بن سمرة قال: كنت أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلوات، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا (¬5). زاد في طريق أخرى: يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس (¬6). النسائي، عن بريدة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران فيهما، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطع كلامه فحملهما ثم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (870). (¬2) ورواه أبو داود (4841) والترمذي (1106) وأحمد (2/ 302 و 343) وابن حبان (2796 و 2797). (¬3) رواه مسلم (873). (¬4) رواه مسلم (869). (¬5) رواه مسلم (866). (¬6) رواه مسلم (862).

عاد إلى المنبر، ثم قال: "صدقَ اللهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} رأيتُ هذينِ يعثرانِ في قميصيهِمَا فَلمْ أصبرْ حتَّى قطعتُ كلامِي فَحملتهما" (¬1). أبو داود، عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: لما استوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة، قال: "اجْلِسُوا" فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تعالَ يا عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ" (¬2). يروى هذا مرسلًا عن عطاء. مسلم، عن عمارة بن رويبة ورأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة (¬3). وعن ابن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الأخيرة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما يوم الجمعة (¬4). وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير: أي شيء قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟ فقال: كان يقرأ {هَلْ أَتَاكَ} (¬5). وعن النعمان بن بشير قال: كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العيدين وفي الجمعة ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 108). (¬2) رواه أبو داود (1091). (¬3) رواه مسلم (874). (¬4) رواه مسلم (877). (¬5) رواه مسلم (878).

بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين (¬1). النسائي، عن وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهارُ، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ركعتين ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة (¬2). أبو داود، عن أياس بن أبي رملة قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ فقال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: "منْ شاءَ أَنْ يصلِّي فَليُصَلِّ" (¬3). وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قَدِ اجتَمَعَ فِي يومِكُمْ هذَا عِيدانِ فَإِنْ شاءَ أَجزأَهُ مِنَ الجُمعَةِ وَإِنَّا مُجمعونَ" (¬4). قال علي بن المديني في هذا الباب غير ما حديث بإسناد جيد. مسلم، عن عبد الله بن عمر وأبو هريرة أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: "لَينتهنَّ أَقوامٌ عَن وَدْعِهِمِ الجُمعاتِ أَو ليختتمنَّ اللهُ عَلَى قُلوبِهِمْ ثُم ليكونَن مِنَ الغَافِلِينَ" (¬5). أبو داود، عن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (878). (¬2) رواه النسائي (3/ 194). (¬3) رواه أبو داود (1070). (¬4) رواه أبو داود (1073). (¬5) رواه مسلم (465).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ تركَ الجُمعةَ منْ غيرِ عذرٍ فليتصدقْ بدينارٍ، فإنْ لمْ يَجدْ فَبنصفِ دِينارٍ" (¬1). قدامة لا يعرف له سماع من سمرة. وقد رواه أبو داود عن قدامة مرسلًا وقال: "فَلْيتصدقْ بدرهمٍ أَوْ نصفِ درهمٍ أَوْ صاعِ حِنطة أَوْ نصفِ صَاعٍ" (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس، فقال له: "يَا سُليكُ قُمْ فَاركَعْ ركعتينِ وتجوّزْ فِيهمَا" ثم قال: "إِذا جاءَ أحدُكُمْ يومَ الجُمعةِ والإِمامُ يخطبُ فَليركعْ ركعتينِ وليتجوّزْ فيهِمَا" (¬3). وذكر الدارقطني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اركَعْ ركعتينِ ولا تَعُدْ لمثلِ هَذَا" (¬4). وذكر أيضًا عن عبيد بن محمد المقبري قال: حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته (¬5). قال: أسنده عبيد بن محمد ووهم فيه، والصواب عن معتمر عن أبيه مرسلًا. وذكر أبو سعيد الماليني في كتابه عن محمد بن أبي مطيع عن أبيه عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصلُّوا وِالإِمامُ يخطبُ". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1053) وأحمد (5/ 14) وابن خزيمة (1861) والنسائي (3/ 89) وابن حبان (2788 و 2789) والحاكم (1/ 280). (¬2) رواه أبو داود (1054). (¬3) رواه مسلم (875). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 16). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 15).

ليس في هذا الإسناد من يحتج به غير أبي إسحاق، فأما محمد بن أبي مطيع وأبوه فغير معروفين فيما أعلم، ومحمد بن جابر ضعيف كان قد عمي فاختلط عليه حديثه، والحارث ضعيف. وذكر الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَدركَ الركوعَ من الركعة الأَخيرةِ مِنَ الجُمعةِ فليضفْ إِلَيها أُخرَى، ومنْ لمْ يدركِ الرُكوعَ منَ الركعةِ الأخيرة فليصلِّ الظُهرَ أَرْبعًا" (¬1). في إسناده سليمان بن داود عن الزهري، وصالح بن الأخضر وهما ضعيفان. والصحيح حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أدركَ منَ الجمعةِ ركعةً فَليَصِلْ إِليهَا أُخْرى" (¬2). ذكره الدارقطني، والحديث العام حديث أبي هريرة: "مَا أدركتُمْ فصلُّوا ومَا فاتكُمْ فَأتِمُّوا". وذكر الدارقطني من حديث نوح بن أبي مريم عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أدركَ الإمامَ جَالِسًا قبلَ أَنْ يُسلِّمَ فَقدْ أَدركَ الصّلاةَ" (¬3). قال: لم يروه هكذا غير نوح بن أبي مريم وهو ضعيف الحديث متروك. الترمذي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا نعسَ أحدُكُمْ يومَ الجمعةِ فليتحولْ منْ مجلسِهِ ذَلِكَ" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 11 و 12) وعنده "الآخرة" بدل "الأخيرة". (¬2) رواه الدارقطني (2/ 13). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 12). (¬4) رواه الترمذي (526).

ومن مسند البزار عن علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامة عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِن أفضلَ الصلواتِ صلاةَ الصّبحِ يومَ الجُمعةِ فِي جماعةٍ، وَمَا أَحسبهُ شهدَهَا منكُمْ إِلّا مغفورٌ لَهُ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صلَّى أحدُكُمْ الجمعةَ فَليصلِّ بعدَها أَرْبَعًا" (¬2). وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ منكُمْ مُصلِّيًا بعدَ الجُمعةِ فَليصلِّ أَرْبعًا" (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين، وبعد الجمعة سجدتين، فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته (¬4). وعن السائب بن يزيد أن معاوية بن أبي سفيان قال له: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك أن لا توصل بصلاة حتى نتكلم أو نخرج (¬5). وذكر عبد الرزاق عن الزهري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسافرًا يوم الجمعة ضحًى قبل الصلاة (¬6). هذا مرسل. وذكر الترمذي من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: بعث ¬

_ (¬1) رواه البزار (621 كشف الأستار) وعبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد ضعيفان. (¬2) رواه مسلم (881). (¬3) رواه مسلم (881). (¬4) رواه مسلم (729). (¬5) رواه مسلم (883). (¬6) رواه عبد الرزاق (5540).

النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك اليوم الجمعة فغدا، فقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا منعكَ أَنْ تَغدُو؟ " فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، قال: "لوْ أنفقتَ مَا فِي الأَرضِ جميعًا مَا أدركتَ فضلَ غَدوتهِمْ" (¬1). لم يسمع الحكم هذا الحديث من مقسم. ومن مراسيل أبي داود عن عبد الله بن رباح عن كعب قال: اقرؤوا هود يوم الجمعة (¬2). وأما الحديث الذي ذكره أبو القاسم الزيدوي في كتابه فإسناده إسناد مجهول، ومتنه غير مرفوع. وما رواه من طريق زيد بن خالد الجهني وعلي بن أبي طالب كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَرأَ بالكهفِ يومَ الجُمعةِ فَهُوَ معصومٌ إِلى ثمانيةِ أَيامٍ مِنْ كُلِّ فتنةٍ وإنْ خَرجَ الدّجالُ عُصِمَ مِنْهُ". والصحيح في هذا: "منْ حفظَ عشرَ آياتٍ منْ أولِ سورةِ الكهفِ عُصِمَ منْ فِتنةِ الدَّجَّالِ" (¬3). ذكره مسلم. تم كتاب الصلاة بحمد الله. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (527). (¬2) تحفة الأشراف (13/ 343). (¬3) رواه مسلم (809) وعنده "من الدجال".

4 - كتاب الجنائز

كتاب الجنائز بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد، وعلى آله الطيببن الطاهرين وسلم تسليمًا. مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يتمنينَّ أحدُكُمْ الموتَ لضرٍ نزلَ بِهِ، فإنْ كانَ لا بدَ مُتمنيًا فليقلْ: اللَّهمَّ احيْيِني ما كانَتِ الحياةُ خيرًا لي وَتوفَنِي إِذا كانتِ الوَفاةُ خيرًا لِي" (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يتمنَى أحدكُمُ الموتَ، ولاَ يدعُ بهِ قَبْلَ أَنْ يأتيهِ، إِنَّهُ إِذا ماتَ أحدُكُمْ انقطعَ عملُهُ، وَإِنَّهُ لا يزيدُ المؤمنَ عُمرُهُ إِلّا خيرًا" (¬2). وقال البخاري: "لاَ يتمنينَّ أحدُكُمُ الموتَ إِما مُحْسنًا فلعتهُ أَن يزدادَ خَيرًا، وَإِمَّا مُسيئًا فلعلّهُ أَنْ يستعتبَ" (¬3). البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل وفاته ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2680) والبخاري (5671 و 6351 و 7233). (¬2) رواه مسلم (2682) لكنه من حديث أبي هريرة وليس من حديث أنس، فلعله بين هذا الحديث والذي بعده تقديم وتأخير من النساخ. (¬3) رواه البخاري (5673) من حديث أبي هريرة.

بثلاث: "لاَ يموتنَّ أحدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحسنُ الظنَّ باللهِ") (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقِّنُوا موتاكُمْ لاَ إِلهَ إِلّا اللهُ" (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث ضمام بن إسماعيل قال: حدثني موسى بن وردان عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَكثِرُوا منْ لاَ إِلَهِ إِلّا اللهُ قَبْلَ أَنْ يُحالَ بينكُمْ وبينَهَا، ولقِّنُوهَا موتَاكُمْ" (¬3). ضمام هذا كان متعبدًا صدوقًا صالح الحديث. أبو داود، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانَ آخرُ كلامِهِ لاَ إِلَه إِلّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ" (¬4). وعن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن مغفل بن يسار قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"اقرؤُوا يس عَلى موتاكُمْ" (¬5). مسلم، عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: "إِنَّ الروحَ إِذا قُبضَ تبعهُ البصرُ" فضج ناس من أهله، فقال: "لاَ تَدعُوا عَلَى أَنفسكُمْ إلَّا بِخيرِ، فَإنّ الملائكةَ يُؤَمِّنُونَ عَلى ما تَقولونَ" ثم قال: "اللَّهُمَّ اغفِرْ لأبِي سَلَمَةَ، وارفَعْ درجتَهُ فِي المهديينَ، وأَخْلِفْهُ فِي عَقبِهِ [إِلَى يومِ الدِّينِ] فِي الغَابرينَ، واغفِرْ لنا وَلَهُ يَا رَبَّ العالمينَ، وأفسحْ لَهُ فِي قبرهِ، ونوّرْ لَهُ فِيهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2877) وأبو داود (3113) وابن ماجه (4167) وابن حبان (636) وغيرهم من حديث جابر، ولم أره عند البخاري، ولعل كلمة البخاري محرفة من مسلم. (¬2) رواه مسلم (917) وابن ماجه (1444) وابن الجارود (513) وغيرهم، ولم يروه البخاري. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1424). (¬4) رواه أبو داود (3116). (¬5) رواه أبو داود (3121) وفيه اضطراب وجهالة راو فهو ضعيف. (¬6) رواه مسلم (920) وليس عنده "إلى يوم الدين".

وعن عائشة قالت: سُجِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين مات بثوب حبرة (¬1). الترمذي، عن جعفر بن خالد بن سارة عن أبيه عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعُوا لأَهلِ جعفرٍ طعامًا، فَإنَّهُ قَدْ جاءَهُمْ ما يشغلُهُمْ" (¬2). جعفر ثقة وهو ابن خالد بن سَارَّة. قال: هذا حديث حسن. مسلم، عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: "أَقدْ قَضَى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكوا، فقال: "أَلاَ تَسمعونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يعذِّبَ بدَمْعِ العينِ وَلاَ بحزنِ القَلبِ، ولكنْ يُعذِّب بِهَذَا" وأشار إلى لسانه "أَوْ يَرْحَم" (¬3). وعن أسامة بن زيد قال: كنا عند رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًّا لها أو ابنًا لها في الموت، فقال للرسول: "ارجِعْ إِلَيهَا فَأخبِرْهَا أَنَّ للهِ مَا أخذَ وَلَهُ مَا أعْطَى، وَكُل شيءٍ عندَهُ بأجلٍ مُسمّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلتَحتسِبْ" فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تَقَعْقَعُ كأنها في شَنَّةٍ، ففاضت عيناه، فقال له سعد بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (942). (¬2) رواه الترمذي (998). (¬3) رواه مسلم (924).

عبادة: ما هذا يا رسول الله قال: "هَذِهِ رحمةٌ جعلَهَا اللهُ فِي قلوبِ عبادِهِ، وَإنَّما يرحمُ اللهُ مِنْ عبادِهِ الرُّحماءَ" (¬1). وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وُلِدَ لِي الليلةَ غُلاَمٌ فسمّيتُهُ باسم أَبِي إِبراهيمَ" ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته فانتهى إِلى أَبِي سيفِ وَهُوَ ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخانًا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا أبا سيف أمسك، جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمسك، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصبي فضمه إليه وقال: ما شاء الله أن يقول فقال أنس: لقد رأيته يكيد بِنَفْسِهِ بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدمعت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تَدمعُ العينُ ويحزَنُ القلبُ، وَلا نقولُ إِلّا مَا يُرْضِي ربَّنا، واللهِ يَا إبراهيمُ إِنَّا بِكَ لَمحزونونِ" (¬2). البخاري، عن أنس قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي على قبر، فقال: "اتّقِي اللهِ واصبرِي" فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إِنَّمَا الصبرُ عندَ الصدمةِ الأُولَى" (¬3). النسائي، عن أبي هريرة قال: مات ميت من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعهنَّ يَا عُمَرُ، فَإِنَّ العينَ دامعةٌ والفؤادَ مُصابٌ والعهدَ قريبٌ" (¬4). وعن قيس بن عاصم قال: لا تنوحوا عليَّ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُنَحْ عليه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (923). (¬2) رواه مسلم (2315). (¬3) رواه البخاري (1283). (¬4) رواه النسائي (4/ 19). (¬5) رواه النسائي (4/ 16).

الترمذي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إيَّاكُمْ والنَعْي فَإنّ النَّعْيَ مِنْ عَملِ الجَاهليةِ" (¬1). يروى موقوفًا عن عبد الله، والموقوف أصح. مسلم، عن عائشة قالت: لما جاء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف في وجهه الحزن، قالت: وأنا انظر من صائر الباب (شق الباب) فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر. . . وذكر بكاهن، فأمره أن يذهب فينهاهن، فذهب فأتاه، فذكر أنهن لم يطعنه، فأمره الثانية أن ينهاهن، فذهب ثم أتاه فقال: والله لقد غلبننا يا رسول الله، قال: فزعمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفواهِهِنَّ التُّرَابَ" قالت عائشة: فقلت: أرغم الله أنفك، والله ما تفعا ما أمرك [به] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء (¬2). وعن أبي مالك الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ فِي أُمّتِي منْ أَمرِ الجاهليةِ لا يتركونهنَّ، الفخرُ فِي الأحسابِ والطعنُ فِي الأَنسابِ والاستسقاءُ بِالنّجومِ والنّياحةُ". وقال: "النائحةُ إِذْ لَمْ تتبْ قَبل مَوْتها تُقامُ يومَ القيامةِ وعَليهَا سربالٌ من قِطرانٍ ودرعٌ من جربٍ" (¬3). وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ منّا منْ ضَربَ الخُدودَ وشق الجُيوبَ أوْ دَعا بِدعوَى الجَاهليّةِ" (¬4). وعن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة قال: أغمي على أبي موسى، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (984). (¬2) رواه مسلم (935) وعنده "فيه" بدل "في وجهه" وليس عنده [به]. (¬3) رواه مسلم (934). (¬4) رواه مسلم (103).

وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح بِرَنَّةِ، قالا: ثم أفاق، فقال: ألم تعلمي (وكان يحدثها) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَنا بَريءٌ مِنْ خَلقٍ وسَلقٍ وخَرقٍ" (¬1). وعن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّ الميتَ ليُعَذَّبُ بِبكاءِ الحيِّ" (¬2). وفي لفظ آخر: "إِنَّ الميتَ ليَعذبُ ببكاءِ بعضِ أهلِهِ عَلَيْهِ" (¬3). وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنْ الميتَ يُعذبُ بِبكاءِ أَهْلِهِ" (¬4). وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ نِيحَ عَليهِ فَإِنَّهُ يُعذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ يَومَ القيامةِ" (¬5). البخاري، عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاقْ ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك (¬6). وفي طريق آخر: فلما مات فلم تَبْك عليه (¬7). وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة عن قيلة بنت مخرمة العنبرية وبكت على ابنها وكان مات من حمى أصابته، وكان بكاؤها هذا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والّذِي نفسُ محمدٍ بِيدِهِ لَوْلاَ أَنْ تَكونِي مِسكينةٌ لجررنَاكِ، أَو لجررتِ اليوم عَلى وَجهِكِ، أَيغلبُ أَحدُكُمْ أَنْ يُصاحبَ صْويحبتَهُ في الدُّنيَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (104). (¬2) رواه مسلم (927). (¬3) رواه مسلم (927) وعنده "يعذب". (¬4) رواه مسلم (928) "ليعذب". (¬5) رواه مسلم (933). (¬6) رواه البخاري (4267). (¬7) رواه البخاري (4268).

معروفًا، فَإِذَا حالَ بينَهُ وبينَ منْ هُوَ أَولَى بِهِ مِنْهُ استرجعَ ثُمَّ قَالَ: ربِّ آسني ما أمضيتَ، وأعنّي عَلَى مَا أبقيتَ، فَوالّذِي نفسُ محمدٍ بِيدِهِ إِن أَحدَكُمْ لَيَبْكِي فتستعينُ إِليه صويحبةٌ، يَا عبادَ اللهِ لاَ تُعذِّبُوا إِخوانكُمْ" (¬1). حديث قيلة هذا حديث طويل اختصرت منه هذا، وهو حديث مشهور خرجه الناس كاملًا ومقطعًا، وقد ذكر هذا في البكاء على الميت أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده. مسلم، عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته، فقال: "اغْسِلْنَها ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَو أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتنَّ ذَلِكَ بماءٍ وَسدْرٍ، واجعلنَ فِي الآخِرَةِ كافورًا، أَوْ شيئًا من كَافُورٍ، فَإِذَا فرغتنَّ فَآذِنّنِي" فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه فقال: "أَشعِرنَهَا إِيَّاهُ" (¬2). وفي هذا الحديث أيضًا في الغسل قال: "ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَو سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ منْ ذَلِكَ إِنْ رأيتنَّ" (¬3). روته حفصة عن أم عطية ذكره مسلم أيضًا. قال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم أحدًا من العلماء قال بمجاوزة سبع غسلات في غسل الميت. ذكره في التمهيد في باب أيوب (¬4). مسلم، عن أم عطية قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلنَهَا وِتْرًا" (¬5). البخاري، عن أم عطية في هذا الحديث: أنهن جعلن رأس بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير (ج 25 رقم 1) مطولًا. (¬2) رواه مسلم (939). (¬3) هو رواية من الحديث (939) قبله. (¬4) التمهيد (1/ 373). (¬5) هو رواية من الحديث (939). (¬6) رواه البخاري (1260).

وفي طريق آخر: وألقيناها خلفها (¬1). مسلم، عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أمرها أن تغسل ابنته قال: "ابْدَأْنَ بميامِنِهَا ومواضعِ الوضوءِ مِنْهَا" (¬2). أبو داود، عن مكحول قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا مَاتَتِ المرأةُ مَعَ الرّجالِ ليْسَ مَعهُمُ امرأةٌ غيرها أَوِ الرَّجُلُ مَعَ النِّساءِ ليسَ معهُنَّ رجلٌ غيرَهُ، فإنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ ويدفنانِ وهُمَا بمنزلةِ منْ لَمْ يجدِ المَاءَ" (¬3). وهذا مرسل. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث يحيى بن الجزار عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ غسل ميِّتًا فَأَدَّى فِيهِ الأمانَةَ وسَتَرَ مَا يكونَ عندَ ذَلِكَ كانَ منْ ذُنُوبِهِ كيومَ ولدتْهُ أُمُّهُ". قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَله منكُمْ أَقربكُمْ مِنْهُ إِنْ كانَ يُعلمُ، فإِنْ كَانَ لاَ يُعْلَمُ فَرَجُلٌ ممّنْ تَرونَ أَنْ عِنْدَهُ وَرَعًا وأَمانَةً" (¬4). ذكره في باب يحيى من رواية سلام بن أبي مطيع عن جابر الجعفي عن الشعبي عن يحيى. وجابر الجعفي قد تقدم ذكره، وأما يحيى بن الجزار فثقة ذكر ذلك أبو محمد بن أبي حاتم. مالك، عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1263). (¬2) هو رواية من الحديث (939). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 209). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2690). (¬5) رواه مالك (1/ 172).

هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلًا إلّا سعيد بن عفير فإنه جعله عن مالك عن جعفر عن أبيه عن عائشة. ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر (¬1). وقد رواه أبو داود بإسناد آخر متصلًا إلى عائشة (¬2). مسلم، عن ابن عباس أن رجلًا أوقصته راحلته وهو محرم، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلوهُ بِماءٍ وسدرٍ وَكَفِّنوهُ فِي ثوبَيْهِ، ولا تُخَمّرُوا وجهَهُ وَلا رأسَهُ، فَإِنَّهُ يُبعثُ يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا" (¬3). وفي طريق أخرى من الزيادة: "وَلاَ تمسُّوهُ بِطِيبٍ" (¬4). وقال الدارقطني في هذا الحديث: "فمُرُوهُمْ وَلاَ تَشبّهُوا بِاليهودِ" رواه من حديث علي بن عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أيضًا، والصحيح ما تقدم (¬5). أبو داود، عن سعيد بن عثمان البلوي عن عذرة ويقال عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن الحصين بن وَحْوَحْ أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال: "إِنِّي لأرَى طَلْحَةَ إِلّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الموتُ فَآذِنُوبي بِهِ وعَجِّلُوا فإنَّهُ لا ينبغي لجيفةِ مُسلمٍ أَنْ تُحبسَ بينَ ظهرانَيْ أَهلِهِ" (¬6). إسناده ليس بقوي، والحصين له صحبة. والجيفة: جثة كل ميت إذا أنتنت. الترمذي، عن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 158). (¬2) رواه أبو داود (3141). (¬3) رواه مسلم (1206). (¬4) هو رواية من الحديث (1206). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 296). (¬6) رواه أبو داود (3159).

لي: "يَا عَلِّيُ ثَلاَثٌ لا تُؤَخِّرهَا، الصّلاةُ إِذا أَتتْ، والجنازةُ إِذا حضرتْ، والأيمُ إِذا وجدتْ لَهَا كُفؤًا" (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل انتهى كلام أبي عيسى. ويقال إن عمر بن علي لم يسمع من أبيه لصغره، إلا أن أبا حاتم قال: عمر بن علي بن أبي طالب سمع أباه، سمع منه ابنه محمد، ولكن في إسناد حديث الترمذي هذا سعيد بن عبد الله الجهني، وذكر ابن أبي حاتم أنه مجهول. وذكر أبو أحمد من حديث الحكم بن ظهير عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ماتَ غدوةً فَلاَ يقيلنَّ إِلّا فِي قبرِهِ، ومنْ ماتَ عشيةً فَلا يبيتن إلَّا فِي قَبْرهِ" (¬2). الصواب في هذا الحديث عن ليثٍ قال: قال أهل المدينة، ليس فيه مجاهد ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحسن بن ظهير متروك. مسلم، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلًا، فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلَّا أن يضطر إلى ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كَفَّنَ أحدُكُمْ أَخَاهُ فليحسنْ كَفَنَهُ" (¬3). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولْ: "إِذا تُوُفَّيَ أَحدُكُمْ فَوجدَ شيئًا فَلْيُكَفّنْ فِي ثَوبِ حبرةٍ" (¬4). وإسناد مسلم أصح من هذا فليحسن كفنه، وكذلك هو أصح من حديث ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (171 و 1075). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 627). (¬3) رواه مسلم (943). (¬4) رواه أبو داود (3150).

أبي داود أيضًا عن عبادة بن الصامت (¬1). وحديث الترمذي عن أبي أمامة كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيرُ الكفنِ الحلَّةُ، وخيرُ الأَضحيةِ الكبشُ الأقرَنُ" (¬2). اللفظ لأبي داود؛ لأن في إسناد حديث أبي داود هشام بن سعد، وغيره وفي إسناد حديث الترمذي عفير بن معدان وهم ضعفاء. وذكر أبو داود عن عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تَغَالِوا فِي الكَفَنِ فَإِنَّهُ يسلبُ سَلْبًا سَرِيعًا" (¬3). الشعبي رأى علي بن أبي طالب. الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البَسُوا منْ ثِيابِكُمْ البَيَاضَ فَإنَّهَا منْ خَيرِ ثِيَابِكُمْ، وكَفِّنُوا فِيهَا مَوتَاكُمْ" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن خباب بن الأرت قال: هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يُكَفَّن فيه إلّا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضَعُوهَا مِمّا يَلِي رأسَهُ واجعلُوا عَلى رِجْلَيْهِ الإِذْخَرَ" ومنها من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُهَا (¬5). وقال البخاري: قتل يوم أحد وترك نمرة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3156). (¬2) رواه الترمذي (1517). (¬3) رواه أبو داود (3154). (¬4) رواه الترمذي (994). (¬5) رواه مسلم (940) والبخاري (1276 و 3914 و 4047 و 6432 و 6448). (¬6) رواه البخاري (3897).

مسلم، عن عائشة قالت: كُفِّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سَحُوليَّةٍ من كرسف، ليس فيها قميص، ولا عمامة، أما الحلة فإنما شُبَّهِ على الناس فيها، إنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحلة وكُفِّنَ في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فأخذها عبد الله بن أبي بكر، فقال: لأحْبِسَنَّهَا حتى أُكَفِّنَ فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها (¬1). وذكر أبو داود عن يزيد عن مقسم عن ابن عباس قال: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب نجرانية الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه (¬2). هذا الحديث يدور على يزيد بن أبي زياد وليس ممن يحتج به لو لم يخالف في حديثه، فكيف وقد خالفه الثقات بما روى عن عائشة وثبت عنها. وذكر أبو داود أيضًا عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود، قال: قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلى بنت قائف الثقفية قالت: كنت ممن غسل أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحقو، ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبًا ثوبًا" (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد ابن الحنفية عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في سبعة أثواب (¬4). قد تقدم ذكر عبد الله بن محمد بن عقيل، والصحيح حديث مسلم. وذكر أيضًا من حديث قيس بن الربيع عن شعبة عن أبي حمزة عن ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (941). (¬2) رواه أبو داود (3153). (¬3) رواه أبو داود (3157). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 148).

عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في قطيفة حمراء (¬1). قيس بن الربيع لا يحتج به، وإنما الصحيح ما رواه مسلم بن الحجاج من حديث غندر ووكيع ويحيى بن سعيد كلهم عن شعبة بهذا الإسناد قال: جعل في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء (¬2). قيل: جعلت في قبره عليه السلام لأن المدينة سبخة، وقيل إن عليًا والعباس رضي الله عنهما اختلفا فيها من يأخذها منهما، فأخذها شقران فبسطها في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال: إذا أجمر المتوفى فليبدأ برأسه حتى تبلغ رجليه وتجمر وترًا، نبأتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك (¬3). أجمرت الميت بالمجمر إذا بخرته. أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَجْمَرتُمُ الميّتَ فَأَجمِرُوهُ ثَلاَثًا" (¬4). وذكر النسائي عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي ابني فجزعت عليه، فقلت للذي يغسله: لا تغتسل ابني بالماء البارد فتقتله، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بقولها، فتبسم ثم قال: "مَا قَالَت طَالَ عُمرُهَا" فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي (6/ 2068). (¬2) رواه مسلم (967). (¬3) رواه عبد الرزاق (6160). (¬4) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (3/ 265) وعنده "إذا جَمَّرتم" ورواه أحمد (3/ 331) وابن حبان (3031) والحاكم (1/ 355) والبيهقي (3/ 405). (¬5) رواه النسائي (4/ 29).

البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: "أَيّهمْ أَكْثرُ أَخْذًا للْقُرآنِ؟ " فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: "أَنَا شهيدٌ عَلى هَؤلاءِ يومَ القِيَامَةِ" وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم (¬1). الترمذي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن حمزة في نمرة في ثوب واحد (¬2). صحح أبو عيسى هذا الحديث. أبو داود، عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بحمزة وقد مثل به، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره (¬3). والصحيح ما تقدم في حديث البخاري أنهم لم يصل عليهم ولم يغسلوا. وذكر أبو داود عن ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم (¬4). هكذا رواه علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن ابن جبير عن ابن عباس. وذكر أبو أحمد بن عدي الجرجاني في كتابه الكامل قال: حدثنا أحمد بن سابور الدقاق حدثنا الفضل بن الصباح نا إسحاق بن سليمان الرازي عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اغسِلُوا قَتَلاَكُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1343). (¬2) رواه الترمذي (997). (¬3) رواه أبو داود (3137). (¬4) رواه أبو داود (3134) وعنده "بدمائهم وثيابهم". (¬5) رواه ابن عدي (2/ 827).

لم يذكر أبو أحمد لهذا الحديث علة، ولا قال فيه أكثر من قوله: وهذا الحديث لم يكتبه بهذا الإسناد إلا عن ابن سابور، وأخرج الحديث في باب حنظلة لأن الحديث ربما انفرد به حنظلة، وحنظلة ثقة مشهور، وإسحاق بن سليمان ثقة، والفضل بن الصباح وابن سابور كتبتهما حتى انظرهما (¬1). مسلم، عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بسبع] ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة. . . . . وذكر الحديث (¬2). وسيأتي إن شاء الله عز وجل. وعن أم عطية قالت: كنا ننهى عن اتباع الجنازة ولم يعزم علينا (¬3). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اتَّبَعَ جنازةَ مُسلمٍ إِيمَانًا واحتِسَابًا، وكَانَ مَعَهَا حتى يُصلِّى عَليهَا، ويُفْرَغُ مِن دَفْنِهَا، فَإنَّهُ يرجعُ مِنَ الأَجْرِ بِقيراطينِ كُلّ قيراطٍ مثل أُحُدٍ، ومنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمّ رَجعَ قبلَ أَنْ تُدفَنَ فَإنَّهُ يرجعُ بِقيراطٍ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ خَرَجَ معَ جنازةٍ مِنْ بيتِهَا وصلَّى عَلَيْها. . . . . ." وذكر الحديث (¬5). وذكر الدارقطني عن عبد الله بن عبد العزيز الليثي عن هشام عن أبيه عن ¬

_ (¬1) أحمد بن سابور هو أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق وثقه الدارقطني في سؤالات حمزة السهمي. والفضل بن الصباح وثقه ابن معين وغيره، قال الحافظ في التقريب: ثقة عابد. (¬2) رواه مسلم (2066) والبخاري (1239 و 2445 و 5175 و 5635 و 5650 و 5838 و 5849 و 5863 و 6222 و 6235) وغيرهما. (¬3) رواه مسلم (938). (¬4) رواه البخاري (47) وأحمد (2/ 430 و 493) والنسائي (4/ 77) وابن حبان (3080). (¬5) رواه مسلم (945).

عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صلّى الإنسانُ علَى الجنازةِ انقطعَ ذمامُهَا إِلّا أنْ يشاءَ أَنْ يَتّبِعْهَا". قال: المحفوظ عن هشام عن أبيه موقوفًا ليس فيه عائشة. وذكر الترمذي عن أبي المُهَزِّم سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ تَبعَ جنازةً وحمَلَهَا ثلاثَ مِرارٍ فقدْ قَضى مَا عَلَيْهِ [من حقها] " (¬1). أبو المهزم اسمه يزيد بن شقيق وهو ضعيف. وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال: نهينا أن نتبع جنازة معها رانة. إسناد ضعيف. أبو داود، عن أبي اليمان الهوزني قال: لما توفي أبو طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعارض جنازته، فجعل يمشي مجانبًا لها ويقول: "برّتكَ رَحمٌ وجُزِيتَ خَيْرًا" ولم يقم على قبره ولم يستغفر له (¬2). هذا من المراسيل. أبو داود، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستقبل القبلة وجلسنا معه (¬3). وذكر البزار عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمِيرانِ وَلَيْسَا بأميرينِ، المرأةُ تَحِجُّ مَعَ القومِ فَتحيضُ قبلَ أَنْ تَطُوفَ بالبيتِ طَوافَ الزِّيارةِ، فليسَ لأَصحَابِهَا أَنْ يَنفرُوا حتى يَستأْمِرُونَهَا، والرجلُ يتبعُ الجَنازةَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1041). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 212) وليس عنده "ولم يستغفر له". (¬3) رواه أبو داود (3212).

فيصلِّي عَليهَا، فليسَ لَهْ أَنْ يَرجعَ حتَّى يستأمرَ أَهْلَ الجنازةِ" (¬1). أبو سفيان لا يحتج به عندهم وقبله في الإسناد من هو أضعف منه. وقد رواه عمرو بن عبد الجبار من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتابع عليه خرجه العقيلي (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَسْرِعُوا بِالجنَازَةِ فَإِنْ كانتَ صالحةً قَرّبتُمُوهَا إِلَى الخَيرِ، وإنْ كانَت غيرَ ذَلِكَ كانَ شرًّا تَضعونَهُ عنْ رِقابِكُمْ" (¬3). النسائي، عن بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنا لنكاد نرمل بالحجارة رملًا (¬4). النسائي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ فاحتمَلَهَا الرِّجَالُ عَلى أعنَاقِهِمْ، فإنْ كانَت صالحةً قالتْ: قَدِّمُونِي، وإِنْ كانتْ غير صالحةٍ قالتْ: يَا وَيلَهَا أينَ تذهبونَ بِهَا يسمعُ صوتَهَا كُلُّ شَيءٍ إلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سمِعَها إنسانٌ لَصعِقَ" (¬5). عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال: أدركت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يستحبون خفض الصوت عند الجنازة وعند قراءة القرآن وعند القتال (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1144 كشف الأستار) وعنده "حتى يستأذنوها" ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 88) وفي إسناده عمرو بن عبد الغفار اتهم. (¬2) رواه العقيلي (3/ 287). (¬3) رواه مسلم (944) والبخاري (1315) وغيرهما. (¬4) رواه النسائي (4/ 43) وابن أبي شيبة (3/ 281) وأحمد (5/ 37) والحاكم (1/ 355) وابن حبان (3944). (¬5) رواه النسائي (4/ 41) والبخاري (1314 و 1316 و 1380) وأحمد (3/ 41 و 58) وابن حبان (3038 و 3039) والبيهقي (4/ 21) والبغوي (1482). (¬6) رواه عبد الرزاق (6281) وعنده "عند الجنائز".

مسلم، عن أبي هريرة قال: نعى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فقال: "استَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ" (¬1). وعنه في هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربع تكبيرات. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد يكبر على جنائزنا أربعًا، وإنه كبر على جنازة خمسًا، فسألته، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها (¬2). وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال: كان آخر ما كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجنائز أربعًا وكبر عمر على أبي بكر أربعًا. . . . . وذكر باقي الحديث (¬3). وفي إسناده فرات بن سليمان، قال الدارقطني وإنما هو فرات بن السائب وهو متروك. البخاري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب، فقال: لتعلموا أنها سنة (¬4). زاد البخاري: وسورة وجهر حتى أسمعنا (¬5). وأخرج عن أبي أمامة أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثًا والتسليم عند الآخرة (¬6). وذكر محمَّد بن نصر المروزي في كتاب رفع الأيدي عن أبي أمامة أيضًا قال: السنة في الصلاة على الجنائز أن يكبر، ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يصلي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (951) والبخاري (1327 و 3880) وغيرهما. (¬2) رواه مسلم (957). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 72). (¬4) رواه البخاري (1335). (¬5) رواه النسائي (4/ 74 - 75) وليس هو عند البخاري ولعل النساخ حرّفوا النسائي إلى البخاري، والدليل على ذلك الحديث بعده. (¬6) رواه النسائي (4/ 75).

على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخلص الدعاء للميت، ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى ثم يسلم. وخرجه عبد الرزاق أيضًا، وأبو أمامة أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقد ورد الأمر بقراءة أم القرآن في الصلاة على الميت من حديث حماد بن جعفر عن شهر بن حوشب عن أم شريك الأنصارية قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ على جنائزنا بفاتحة الكتاب (¬2). ذكره أبو أحمد وقال: حماد بن جعفر لم أجد له إلا حديثين وهو منكر الحديث. وأما ابن أبي حاتم يذكر توثيق حماد بن جعفر عن يحيى بن معين، وكذلك شهر بن حوشب وثقه ابن معين وأحمد بن حنبل، وتركه يحيى بن سعيد وشعبة. وقال فيه أبو حاتم: لا يحتج بحديثه وكذلك قال أحمد. وقال الترمذي من حديث مقسم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (¬3). ليس إسناده بقوي. قال أبو عيسى: وخرجه أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى (¬4). وقال: حديث غريب. الترمذي، عن زياد بن جبير عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (6428). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 656). (¬3) رواه الترمذي (1026). (¬4) رواه الترمذي (1077).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "الراكبُ خلفَ الجنازةَ والمَاشِي حيثُ شاءَ مِنهَا، والطفلُ يُصَلى عَلَيْهِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. زاد أبو داود: "ويُدْعَى لِوالدَيْهِ بِالمغفرة والرحْمةِ" وشك في رفع الحديث (¬2). وذكر الترمذي عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن ثوبان قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأى ناسا ركبانا، فقال: "أَلاَ تَستَحيونَ أَنّ ملائكة اللهَ عَلَى أَقدامِهِمْ وأنتُمْ عَلى ظهورِ الدّوَابِ" (¬3). وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف، وقد روي موقوفًا. قال البخاري: والموقوف أصح. وذكر أبو داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ثوبان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بدابة وهو مع الجنازة، فأبى أن يركب، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له: فقال: "إنَّ الملائكةَ كانتْ تَمشِي فلمْ أَكُنْ لأَركَبَ وهُمْ يمشونَ، فَلمّا ذَهَبُوا ركبْتُ" (¬4). مسلم، عن جابر بن سمرة قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بفرس مُعْرَوْرَى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح، ونحن نمشي حوله (¬5). أبو داود، عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1031). (¬2) رواه أبو داود (3180). (¬3) رواه الترمذي (1012). (¬4) رواه أبو داود (3177). (¬5) رواه مسلم (965). (¬6) رواه أبو داود (3179).

هكذا رواه ابن عيينة ويحيى بن سعيد ومعمر وموسى بن عقبة وزياد بن سعد ومنصور وابن جريج وغيرهم عن الزهري عن سالم عن أبيه. ورواه مالك عن الزهري مرسلًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، والخلفاء هلم جزا وعبد الله بن عمر (¬1). وهكذا رواه يونس ومعمر عن الزهري مرسلًا، وهو عندهم أصح. وذكر أبو عمر من حديث خديج بن معاوية أخي زهير بن معاوية عن كنانة مولى صفية عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "امشُوا خلفَ الجَنازَةِ" (¬2). وكنانة لا يحتج به. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث يحيى بن سعيد الحمصي العطار عن عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي خلف الجنازة يطيل الفكرة (¬3). ويحيى هذا منكر الحديث. وخرج الترمذي عن أبي ماجد عن عبد الله بن مسعود قال: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المشي خلف الجنازة فقال: "مَا دونَ الخَبَبِ فإنْ كانَ خَيرًا عجلتمُوهُ، وإنْ كانَ شرًا فلا يَبْعُدْ إِلَّا أَهلَ النَّارِ، الجنازةُ متبوعةٌ ولا تتبعْ، وليسَ مِنْهَا منْ تَقدّمَهَا" (¬4). وأبو ماجد مجهول. وذكر الدارقطني عن كعب بن مالك قال: جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أمه توفيت وهي نصرانية وهو يحب أن يحضرها، ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 174). (¬2) التمهيد (12/ 99 - 100) وصحف فيه خديج إلى جريج. وقال: منكر عندهم. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2651). (¬4) رواه الترمذي (1011).

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اركَبْ دابتكَ وسِرْ أَمَامَهَا فإنَكَ إذَا كُنتَ أَمامَهَا لَمْ تكُنْ مَعَهَا" (¬1). في إسناده أبو معشر المدني ولا يثبت. وخرج أبو داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تتبعُ الجنازةُ بصوتٍ وَلاَ نَارٍ وَلا يُمْشَى بَينَ يَدَيْهَا" (¬2). وهذا إسناد منقطع. البزار، عن إسماعيل بن سلمان عن دينار بن عمر أبي عمر عن محمَّد ابن الحنفية عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نسوة في جنازة، فقال: "أتَحملْنَ في مَنْ يَحمِل" قلن: لا، قال: "فَارجعنَ مَأزُوراتٍ غَير مأجوراتٍ" (¬3). إسماعيل بن سليمان ضعيف، ولا يصح في هذا شيء. وخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطفلُ لاَ يصلَّى عَليْهِ وَلاَ يُورَثُ حتى يَستهَّلَ" (¬4). وهذا حديث قد اضطرب الناس فيه وروي موقوفًا. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه (¬5). وقال الحارث بن أسامة في مسنده نا محمَّد بن جعفر نا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعي إلى جنازة ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 75 - 56). (¬2) رواه أبو داود (3171). (¬3) ورواه ابن ماجه (1578). (¬4) رواه الترمذي (1032). (¬5) رواه مسلم (978).

سأل عنها، فإن أُثني عليها خير صلى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال: "شَأنُكُمْ بِهَا" ولم يصل عليها (¬1). ليس في هذا الحديث من يضعف الحديث من أجله فيما أعلم إلا الحارث. والصحيح عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يسأل ما عليه، على ما يأتي في باب الديون إن شاء الله. وذكر الدارقطني من حديث مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاةُ واجبةٌ عليكُمْ مَعْ كُل مسلمٍ بِرّا كانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ هُوَ عَملَ بالكَبَائِرِ، والجهادُ عليكُم واجبٌ مَع كل أميرٍ بِرًّا كَان أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ هُوَ عَمِلَ بِالكبائِر، والصّلاةُ وَاجبةٌ عَلَى كُلِّ مُسلمٍ يموتُ بِرًّا كانَ أَوْ فَاِجرًا وإنْ هُو عَمِلَ بِالكبائِرِ" (¬2). لم يسمع مكحول من أبي هريرة. وقد خرج معنى هذا الحديث عن أبي الدرداء وواثلة بن الأسقع وابن عمر وعلي، بن أبي طالب وابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مِنَ السُّنَّةِ الصّلاةُ عَلَى كُلِّ ميتِ مِنْ أَهلِ التَوحيدِ وإنْ كانَ قاتِلَ نَفسَهُ" (¬3). وفي إسناد حديث عبد الله بن مسعود هذا عمر بن صبح وهو متروك. وفي حديث أبي الدرداء: "لاَ تكَفِّرُوا أَهلَ مِلَّتكُمْ وإنّ عَمِلُوا الكَبَائِرَ" وفي إسناده عتبة بن اليقظان والحارث بن نبهان وغيرهما (¬4). ¬

_ (¬1) ورواه أحمد (5/ 299 و 300) وابن حبان (3057) والحاكم (1/ 364) وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) رواه الدارقطني (2/ 56). (¬3) رواها كلها الدارقطني (2/ 55 - 57). (¬4) هنا وقبل قوله وفي إسناده عتبة الخ نقص، إذ أن عتبة والحارث في سند حديث واثلة، وفي سند حديث أبي الدرداء قال الدارقطني: ولا يثبت إسناده، من بين عباد =

وهذا وإن لم يصح فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يعلمُ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ دخلَ الجنَّةَ" وقد تقدم في أول الكتاب، والأحاديث الصحاح في هذا المعنى كثيرة. وذكره مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومَنَعَةٍ؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي ذخر الله عَزَّ وَجَلَّ للأنصار، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؛ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: ما لي أراك مغطيًا يديك، قال: قيل لي: لن يصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ وَليَدَيْهِ فَاغْفرْ" (¬1). مسلم، عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أنها قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص رحمه الله أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا فوقفوا به على حجرهن يصلين عليه، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد، وما ¬

_ = وأبي الدرداء ضعفاء. وفي إسناد حديث عبد الله بن عمر كل من عثمان بن عبد الرحمن وأبو الوليد خالد بن إسماعيل المخزومي ومحمد بن الفضل كذبهم النقاد. وفي حديث علي أبو إسحاق القنسريني قال الدارقطني: مجهول. (¬1) رواه مسلم (116).

صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلَّا في جوف المسجد (¬1). وخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلى عَلَى جَنازةِ في المسجدِ فَلاَ شيءَ لَه" (¬2). في إسناده صالح مولى التوأمة، وقد قال فيه مالك بن أنس: ليس بثقة، وكان صالح قد اختلط بأخرة، فلذلك ضعف حديثه، واستثنى بعض أهل الحديث ما رواه ابن أبي ذئب عن صالح فقبله لأنه روى عنه قبل الاختلاط. وقال أبو أحمد بن عدي: وممن سمع من صالح قديمًا ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد وغيرهم ممن سمع منه قديمًا، ولحقه مالك والثوري وغيرهما بعد الاختلاط، وهذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب عن صالح. وروى هذا الحديث أبو حذيفة بن مسعود عن الثوري عن ابن أبي ذئب عن صالح، وقال فيه: "لاَ أَجْرَ لَه". والصحيح ما رواه يحيى بن سعيد وسائر رواة هذا الحديث عن ابن أبي ذئب من قوله: "لاَ شَيءَ لَه" وتأول هذا بعضهم بمعنى لا شيء له واحتج بقوله: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} قال: وهذا حديث معروف في كلام العرب. مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعد ما دفن، فكبر عليه أربعًا (¬3). البخاري، عن عقبة بن عامر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: "إِنِّي بَينَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (973). (¬2) رواه أبو داود (3191) وابن عدي (4/ 1374) وانظر نصب الراية (2/ 275 - 276). (¬3) رواه مسلم (954).

أَيديكُمْ فرطٌ، وإنِّي شَاهِدٌ عَلَيْكُمْ، وإِن مَوعدَكُمْ الحَوضَ، وإنِّي لأَنْظُر إليكُمْ مِنْ مَقَامِيَ هَذَا، وإنِّي لَستُ أَخشَى عَليكُمْ أَن تُشْرِكُوا, ولكنِّي أَخْشَى عَليكُمْ أَنْ تَنافسُوا فِيهَا" قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). مسلم، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ رجل مُسلمٍ يموتُ فيقومُ عَلَى جَنازتهِ أربعونَ رَجُلًا لا يشركونَ بِاللهِ شَيئًا إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذا صَلّيْتُمْ عَلَى الميتِ فَأخَلِصُوا لَهُ الدعاءَ" (¬3). مسلم، عن عوف بن مالك قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة يقول: "اللَّهُمَّ اغفرْ لَهُ وَارحَمْهُ واعفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وأكرمْ نزلَهُ وَوَسعْ مدخلَهُ، واغسلهُ بِماءٍ وثَلجٍ وبَرَدٍ، ونقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَما يُنَقَى الثَوبُ الأبيضُ مِنَ الدَنَسِ، وأبدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ، وأَهْلًا خَيرًا مِنْ أهلِهِ، وزَوجًا خَيرًا منْ زَوجِهِ، وَقِهِ منْ فِتنةِ القَبرِ وعذابِ النَّارِ" قال عوف: فتمنيت أن لو كنت أنا الميت، لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الميت (¬4). أبو داود، عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فقال: "اللَّهُمَّ اغفرْ لحَينَا وميتنَا، وصغيرنَا وكَبيرنا، وذَكرَنَا وأُنْثانَا، وشاهدنَا وغَائبنَا، اللَّهُمَّ منْ أَحييتهُ منا فَأحيِهِ عَلى الإيمانِ، ومنْ تَوفيتهُ منّا فَتوفّهُ عَلى الإِسلامِ، اللَّهُمَّ لا تحرمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تُضِّلَنَا بَعْدَهُ" (¬5). مسلم، عن سمرة بن جندب قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم كعب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1344 و 3596 و 4042 و 4085 و 6426 و 6590). (¬2) رواه مسلم (948). (¬3) رواه أبو داود (3199). (¬4) رواه مسلم (963). (¬5) رواه أبو داود (3201).

ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليها وسطها (¬1). أبو داود، عن أبي غالب عن أنس وصلى على جنازة، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنائز كصلاتك يكبر عليها أربعًا، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم (¬2). وروى يمان بن سعيد عن وكيع بن الجراح بإسناده إلى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا فَاجئْتكَ الجنازَةَ وَأنتَ عَلى غَيرِ وضوءٍ فَتَيمّمْ". الصحيح في هذا موقوف على ابن عباس، ولا ينظر إلى رفع يمان له. ذكره أبو أحمد الجرجاني (¬3). النسائي، عن عمار مولى بني هاشم، قال: شهدت جنازة امرأة وصبي، فَقُدِّمَ الصبي مما يلي القوم، ووضعت المرأة وراءه، فصلي عليهما وفي القوم أبو سعيد وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم عن ذلك، فقالوا: السنة (¬4). وعن هشام بن عامر قال: شكونا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احفرُوا واغمقُوا وأَحسنُوا، وادفنُوا الاثنين والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ" قالوا: من تقدم يا رسول الله؟ قال: "قَدِّمُوا أكثرَهُمْ قُرآنا" قال: وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد (¬5). وفي رواية: "فَقدّمُوهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (964). (¬2) رواه أبو داود (3194) مطولًا. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2640). (¬4) رواه النسائي (4/ 17). (¬5) رواه النسائي (4/ 80 - 81). (¬6) رواه النسائي (4/ 83 - 84) ولفظه "فقدم" ورواه عبد الرزاق (6501) كذلك.

وفي أخرى: "احفُروا ووسِّعُوا وأَحْسِنُوا". يعني مما يلي القبلة، ذكر ذلك عبد الرزاق من حديث جابر بن عبد الله (¬1). مسلم، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه: الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّحدُ لنا وَالشقُّ لِغَيْرِنَا" (¬3). النسائي، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وضعتُمْ موتاكُمْ في القبرِ فقولُوا: بسمِ الله وعَلَى سُنّةِ رسولِ اللهِ" (¬4). وقد روي موقوفًا عن ابن عمر (¬5). البخاري، عن أنس قال: شهدنا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحدٍ لَمْ يقارفِ اللَّيلةَ؟ " فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فَانزِلْ في قَبْرِهَا" (¬6). رواه الطحاوي وقال: "لَمْ يَقارِفْ أهلَهُ اللَّيلَةَ". الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبرًا ليلًا فاسرج له سراج، فأخذ من قبل القبلة فقال: "رحمكَ اللهُ إِنْ كنتَ لآوّاهًا تَلَّاءً للقُرآنِ" وكبر عليه أربعًا (¬7). قال: حديث حسن. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (6379). (¬2) رواه مسلم (966). (¬3) رواه أبو داود (3208). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (1088). (¬5) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (1089). (¬6) رواه البخاري (1342). (¬7) رواه الترمذي (1057).

أبو داود، عن أبي إسحاق قال: أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال: هذا من السنة (¬1). أبو داود، عن إبراهيم التميمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخِذَ مِن قبل القبلة ولم يُسَلَّ سَلًا (¬2). هذا من المراسيل. عبد الرزاق [عن] ابن جريج عن غير واحد من أهل المدينة عن محمَّد بن عمرو وأبي النضر وسعيد بن خالد ويحيى وربيعة وأبي الزناد وموسى بن عقبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استل [سل] من نحو رأسه وأبو بكر وعمر [و] إن الأمر قبلهم لم يكن على ذلك وكذلك المرأة (¬3). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن الشعبي أن سعد بن مالك قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بثوب فستر على القبر حين نزل سعد بن معاذ فيه، قال: وقال سعد: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل في قبر سعد بن معاذ وستر على القبر بثوب، فكنت ممن أمسك الثوب (¬4). وعن يزيد بن حبيب عن رجل أحسبه ثمامة بن شفي أن رجلًا مات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحضر دفنه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَفِّفُوا عنْ صاحِبِكُم" يعني أن لا تكثروا على قبره من التراب (¬5). وذكر أبو عمر في التمهيد عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3211). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 210). (¬3) رواه عبد الرزاق (6470). (¬4) رواه عبد الرزاق (6477) وحرف سعد بن مالك عنده إلى زيد بن مالك فلم يعرفه شيخنا إجازة محقق الكتاب، وعنده "يمسك" بدل "أمسك". (¬5) رواه عبد الرزاق (6492).

جنازة فكبر عليها أربعًا، ثم أتى القبر من قبل رأسه فحثى فيه ثلاثًا (¬1). وذكر أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر ابنه إبراهيم، وأنه أول قبر رش عليه، وأنه قال حين دفن وفرغ من دفنه قال عند رأسه: "سلامٌ علَيكُمْ" ولا أعلمه قال: حثى عليه بيده" (¬2). وذكر أبو بكر البزار عن عاصم عن عبيد الله بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام على قبر عثمان بن مظعون [بعدما دفنه] وأمر فرش عليه الماء (¬3). وقد تقدم ذكر عاصم. وذكر أبو سعد الماليني في كتابه المؤتلف والمختلف من حديث النعمان بن داود عن عبد الله بن محمَّد بن المغيرة عن سفيان عن ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ندفن موتانا وسط قوم صالحين، فإن الموتى يتأذون بالجار السوء كما يتأذى به الأحياء (¬4). وهذا الحديث لم أره في كتاب أبي سعد ولا رأيت الكتاب، ولكن ¬

_ (¬1) ورواه ابن ماجه (1565) وعبد الغني المقدسي في السنن (1/ 123/ 2) قال أبو حاتم في العلل (1/ 169) هذا حديث باطل، وانظر إرواء الغليل (2/ 200 - 202) حيث رد قول أبي حاتم. وقال النووي: إسناده جيد، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 277) هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 211 - 212) وعندها وفرغ منه" و"حثا عليه بيديه". (¬3) رواه البزار (843 كشف الأستار) وليس عنده "بعد ما دفنه". (¬4) ورواه الطبراني في جزء من حديثه (31/ 2) عن المقدام بن داود عن عبد الله بن محمَّد بن المنيرة به والمقدام ضعيف، وعبد الله هذا قال العقيلي: يحدث بما لا أصل له، وساق الذهبي في ترجمته عدة أحاديث، ثم قال: وهذه موضوعات. والنعمان بن داود لم أر له ترجمة. ورواه أبو موسى المديني في "جزء من أدركه الحلال من أصحاب ابن منده" (151/ 2) من طريق سليمان بن عيسى بن نجيح عن سفيان، وسليمان هو السجزي كذاب.

حدثني بالحديث وبأنه في كتاب الفقيه أبو أحمد السماتي بإسناده، والكتاب معروف. النسائي، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ادفنُوا القَتَلى في مصارِعِهِمْ" (¬1). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مضاجعهم وكانوا قد نقلوا إلى المدينة (¬2). أبو داود، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل [من عينيه] (¬3). خرج أبو عيسى هذا الحديث وصححه، وفي إسناده عاصم بن عبيد الله وقد تكلموا في حفظه (¬4). وروي أنه عليه السلام قتل بين عينيه، ذكره أبو عمر رحمه الله. وروى نوح بن أبي مريم عن مقاتل بن حيان عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتربّصُ بِالغريقِ يَوماَ وَليلةً ثُمَّ يُدفَنُ" (¬5). لم يسمع الحسن من جابر، ونوح متروك، وكان يسمى الجامع لما جمع من العلم، وكان عارفًا بأمور الدنيا، ذكر حديثه والكلام فيه أبو أحمد. مسلم، عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 79). (¬2) رواه النسائي (4/ 79). (¬3) رواه أبو داود (3163) وليس عنده "من عينيه". (¬4) رواه الترمذي (989) وابن ماجه (2456). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي (7/ 2506). (¬6) رواه مسلم (969).

أبو داود، عن القاسم قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء (¬1). وقال في المراسيل عن صالح: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - شبرًا أو نحوًا من شبر، يعني في الارتفاع (¬2). وفي كتابه عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حملها، فقام إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال المطلب قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كأني انظر إلى بياض ذراعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنهما فحملها فوضعها عند رأسه ثم قال: "أَتعلّمُ بِهَا قَبرَ أَخِي وأَدفنُ إِلَيهِ مَنْ ماتَ منْ أَهلِي" (¬3). كثير بن زيد ليس بقوي. أبو داود، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ عقرَ فِي الإِسلامِ". قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر، يعني ببقرة أو شاة (¬4). النسائي، عن بشير ابن الخصاصية قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على قبور المسلمين فقال: "لَقَد سبقَ هؤلاء شرًّا كَثيرًا" ثم مر على قبور المشركين فقال: "لَقَدْ سَبقَ هؤلاءِ خَيرًا كَثيرًا" فحانت منه التفاتة فرأى رجلًا يمشي بين القبور في نعليه، فقال: "يَا صاحبَ السِّبْتيتينِ ألْقِهِمَا" (¬5). وخرج محمَّد بن عبد الملك بن أيمن عن بشير أيضًا قال: بينا أنا أمشي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3220). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 211). (¬3) رواه أبو داود (3206). (¬4) رواه أبو داود (3222). (¬5) رواه النسائي (4/ 96).

بين المقابر عليّ نعلان، إذ ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يَا صاحبَ السِّبْتيتَيْنِ إِذَا كُنْتَ في مِثْلِ هَذا المكانِ فَاخْلَعْ نَعلَيْكَ" قال: فخلعتهما (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يجلسَ أَحدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فتحرقُ ثِيَابَهُ فَتَخلُص إِلى جلدِهِ خيرٌ لَهُ منْ أَنْ يَجلسَ عَلَى قَبْرٍ" (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (¬3). وقال الترمذي: عن جابر أيضًا نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها، وأن تبنى وأن توطأ (¬4). وقال: حديث حسن صحيح. مالك، عن أبي الرجال عن عمرة أنه سمعها تقول: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المختفي والمختفية، يعني نَبَّاشَ القبور (¬5). قال أبو عمر: وصله يحيى الوحاظي وعبد الله بن عبد الوهاب كلاهما عن مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). أبو داود، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَسْرُ عظمِ الميتةِ ككسرِهِ حَيًّا" (¬7). مسلم، عن عامر بن ربيعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا رأَى أحدُكُمُ الجنازةَ ¬

_ (¬1) لم أر هذه الرواية عند النسائي ولا ذكرها صاحب تحفة الأشراف. وانظر مسند أحمد (5/ 83 - 84 و 84) والمعجم الكبير (1230) للطبراني وسنن البيهقي (4/ 80). (¬2) رواه مسلم (971). (¬3) رواه مسلم (970). (¬4) رواه الترمذي (1052). (¬5) رواه مالك (1/ 185). (¬6) التمهيد (13/ 129 - 130). (¬7) رواه أبو داود (3207).

فَإنْ لَم يكُنْ مَاشِيًا معَها، فليقم حتى تخلفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قبلِ أَنْ تَخلِفَه" (¬1). وعن جابر بن عبد الله قال: مرت جنازة فقام لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله إنها يهودية، فقال: "إِنَّ لِلْمَوتِ فَزَعٌ، فَإِذَا رأيتُمُ الجنازةَ فَقُومُوا" (¬2). وعن قيس بن سعد وسهل بن حنيف قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال: "أَليستْ نَفْسًا" (¬3). النسائي، عن أنس أن جنازة مرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام، فقيل: إنها جنازة يهودي، فقال: "إِنّما قُمنَا للملائِكَةِ" (¬4). مسلم، عن علي بن أبي طالب في القيام للجنازة أنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قعد (¬5). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثًا ثم أتاهم، فقام عليهم فناداهم فقال: "يَا أَبا جَهْلٍ بنَ هِشامٍ، يَا أميةَ بنَ خَلفٍ يَا عتبةَ بنَ ربيعةَ يَا شيبةَ بنَ رَبيعةَ، أليسَ قَدْ وَجَدتُمْ مَا وعَدَ ربكُم حَقا فَإني قَدْ وَجدتُ مَا وَعدنِي ربي حَقًّا" فسمع عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنَّى يجيبوا وقد جيفوا؟ قال: "والّذِي نَفِسي بِيده مَا أَنتُمْ بَأسمَعَ لما أَقولُ مِنْهُمْ وَلكنّهُمْ لاَ يقدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا" ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر (¬6). أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه؟ قال: "اذهبْ فوارِ أَباكَ وَلاَ تُحدثنّ حَدَثًا حتَّى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (958) والبخاري (1307) وغيرهما. (¬2) رواه مسلم (960) والبخاري (1311) وغيرهما. (¬3) رواه مسلم (961). (¬4) رواه النسائي (4/ 47 - 48). (¬5) رواه مسلم (962). (¬6) رواه مسلم (2874).

تَأْتِيني" فذهبت فواريته ثم جئت، فأمرني فاغتسلت ودعا لي (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ غسلَ الميتَ فَليغتَسِلْ ومنْ حَملَهُ فَليتوضّأ" (¬2). اختلف في إسناد هذا الحديث. وذكر الدارقطني عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ عَليكُمْ في ميّتِكُمْ غسلٌ إِذَا غَسلتمُوهُ، إِنَّ ميتكمْ ليسَ بِنجسٍ فَينجسكُمْ، أَنْ تَغسلُوا نيتكُمْ" (¬3). عمرو بن أبي عمرو لا يحتج به، وسيأتي ذكره في رجم الذي يعمل عمل قوم لوط بأكثر من هذا. وإسناد الدارقطني في هذا الحديث نا أحمد بن محمَّد بن سعيد نا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة نا خالد بن مخلد نا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو بما تقدم. أبو داود، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذي عليها السرج والمساجد (¬4). هذا يرويه أبو صالح صاحب الكلبي وهو عندهم ضعيف جدًا. وقد صح النهي عن اتخاذ القبور مساجد. وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن زوارات القبور (¬5). وفي إسناده عمر بن أبي سلمة وهو ضعيف عندهم. وقد صحح أبو عيسى حديثه هذا. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3214). (¬2) رواه أبو داود (3161) وانظر الإرواء (1/ 173 - 175) (¬3) رواه الدارقطني (2/ 76). (¬4) رواه أبو داود (3236). (¬5) رواه الترمذي (1057).

وذكر أبو داود تشديدًا في هذا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وفي إسناده ربيعة بن سيف، وربيعة هذا ضعيف الحديث عنده مناكير. وقال الترمذي في حديثه: وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استأذنتُ ربِّي فِي أَنْ استغفرَ لَهَا فلَمْ يُؤذنْ لِي، واستأذنتُ فِي أَنْ أَزورَ قَبرَهَا فأذِنَ لِي، فزُورُوا القبورَ فَإنَّهَا تُذَكِّرُ الموتَ" (¬3). النسائي، عن بريدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى المقابر قال: "السَّلامُ علَيكُمْ أهلَ الدّيارِ مِنَ المُؤمنينَ وَالمُسلِمينَ، وإنا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقونَ، أَنتُمْ لَنَا فرطٌ ونحنُ لَكُمْ تبعٌ، أَسألُ اللهُ العافيةَ لنَا ولَكُمْ" (¬4). وذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ أحدٍ يمرُّ بقبرِ أخيهِ المُؤمِنِ كَانَ يعرفهُ في الدنيَا فَسلَّمَ عَليهِ، إِلا عَرِفَهُ وَرَدَّ عليهِ السَّلامَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3123). (¬2) قاله بعد الحديث (1057). (¬3) رواه مسلم (976). (¬4) رواه النسائي (4/ 94). (¬5) رواه بهابن عبد البر في الاستذكار (1/ 234) وعبيد بن محمَّد شيخ ابن عبد البر ذكره الحميدي في جذوة المقتبس (ص 277) فقال: بن رجلًا صالحا يضرب به المثل في الزهد، ولم نجد من وثقه، وأحاديث الزهاد لا اعتداد بها، وشيخته فاطمة بنت الريان لا ذكر لها في كتب الرجال، فهي لا تعرف، وعبيد بن عمير هو مولى ابن عباس وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب، فكيف يكون إسناده صحيحًا؟

إسناده صحيح. البخاري، عن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عليه بجنازة فقال: "مُستريحُ ومُستراحٌ مِنهُ" قالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: "العبدُ المؤمنُ يستريحُ منْ نصبِ الدُّنيَا وأذَاهَا إِلى رَحمةِ الله تَعَالى، والعبدُ الفَاجرُ يستريحُ مِنْهُ العِبادُ والبِلادُ والشَجرُ وَالدوابُ" (¬1). النسائي، عن عائشة قالت: ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هالك بسوء فقال: "لاَ تَذكُرُوا هَلكاكُمْ إِلّا بِخيرِ" (¬2). أبو داود، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْكُرُوا محاسنَ موتَاكُمْ، وكُفُّوا عنْ مسَاوِئِهِمْ" (¬3). البخاري، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تسبُّوا الأمواتَ فإنَّهُمْ قَدْ أفضُوا إِلى مَا قدّمُوا" (¬4). النسائي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ مسلمَيْنَ يموتُ بينَهُمَا ثلاثةٌ مِنَ الولدِ لمْ يبلغُوا الحنثَ إلَّا دخلهُمَا اللهُ بفضلِ رحمتِهِ إياهُمُ الجنّةَ، قالَ: يُقالُ لَهُمْ: ادخُلُوا الجنّةَ، فيقولونَ: حتَّى يدخلَ آباؤُنَا، فيقالُ لهُمْ: ادخُلُوا الجنَّةَ أنتُمْ وآباؤكُمْ" (¬5). أبو بكر بن أبي شيبة عن قرة بن أياس أن رجلًا كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَتحبُّهُ" فقال: نعم فقال: "أَحبّكَ اللهُ كَمَا تُحِبُّهُ"، قال: ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا فَعَلَ ابنُكَ؟ " فقال: أما شعرت أنه توفي؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا يسرُّكَ أَلا تَأتي بَابًا منْ أبوابِ الجنةِ إِلاَ جاءَ يَسعى حَتَّى يفتحَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (6512 و 6513). (¬2) رواه النسائي (4/ 52). (¬3) رواه أبو داود (4900) والترمذي (1519) وإسناده ضعيف. (¬4) رواه البخاري (1393 و 5616). (¬5) رواه النسائي (4/ 25).

لَكَ" فقيل له: يا رسول الله ألَه خاصة أم للناس عامة؟ قال: "لَكُمْ عَامةً" (¬1). النسائي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لاَ يَرضَى لعبدِهِ المؤمِنِ إِذَا ذَهبَ بِصَفِيَّهِ مِنْ أهلِ الأرضِ فصبرَ واحتسبَ وقالَ ما أُمِرَ بِهِ بثوابٍ دونَ الجنّةِ" (¬2). مسلم، عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ مسلمٍ تُصيبهُ مصيبةً، فيقولُ: مَا أمرَهُ اللهُ عَزَّ وجلَّ إِنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعونَ، اللَّهُمَّ أجرني في مصيبتِي وأَخْلِفْ لِي خَيرًا مِنهَا، إلا أخلفَ اللهُ لَهُ خيرًا مِنْهَا" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: أرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال: "أَمَّا ابنتَها فندعُو اللهَ أَنْ يُغنِيهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذهِبَ بِالغَيْرة" (¬3). وفي طريق أخرى: ثم عزم الله لي فقلتها، قالت: فتزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وذكر الدارقطني عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَوتُ الغريبِ شَهادةٌ". ذكره في كتاب العلل في حديث ابن عمر وصححه (¬5). ¬

_ (¬1) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 354) وأحمد (3/ 436 و 5/ 34 - 35 و 35) والنسائي (4/ 22 - 23) وغيرهم. (¬2) رواه النسائي (4/ 23). (¬3) رواه مسلم (918). (¬4) هو رواية من الحديث (918) قبله. (¬5) قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (1/ 78 - 79) بخط حمدي عبد المجيد =

وذكر الترمذي عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا منْ مسلمٍ يموتُ يومَ الجُمعةِ أَوْ لَيلَة الجُمعةِ إِلا وَقاهُ الله فِتنةَ القَبرِ" (¬1). قال: هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل، لا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمر. تم كتاب الجنائز بحمد الله ¬

_ = السلفي: وذكر أيضًا من طريق الدارقطني حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "موت الغريب شهادة". ثم قال: ذكره في كتاب العلل في حديث ابن عمر وصححه انتهى كلامه. وينبني أن نشرحه، فقد رأيته مفسرًا في بعض النسخ، وذلك أن الدارقطني لم يجعل في كتاب العلل لابن عباس رسمًا, ولا ذكر من حديثه إلا ما عرض في باب غيره من الصحابة، إما لم يبلغه عمله، وإما لم تحتل عنده ما صنع في الكتاب المذكور. فهذا الحديث إنما عرض له، ذكره في حديث ابن عمر. قال: وسئل عن حديث يروى عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "موت الغريب شهادة"؟ فقال: يرويه عبد العزيز بن أبي رواد، واختلف عنه، فرواه هذيل بن الحكم، واختلف عنه، حدث به يوسف بن محمَّد العطار عن محمود بن علي عن هذيل بن الحكم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر. والصحيح ما حدثناه إسماعيل الوراق أخبرنا حفص بن عمرو وعمر بن شبة قالا: أخبرنا الهذيل بن الحكم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "موت الغريب شهادة" انتهى ما ذكر الدارقطني. وليس فيه تصحيح للحديث لا من رواية ابن عمر ولا من رواية ابن عباس، وإنما فيه تصحيحه عن هذيل بن الحكم من طريق ابن عباس لا من طريق ابن عمر، وهو إذ قال: الصحيح عن هذيل بن الحكم أنه عنده عن ابن عباس لا عن ابن عمر، بمثابة ما لو قال: الصحيح عن ابن لهيعة أو عن محمَّد بن سعيد المصلوب أو عن الواقدي، فإن ذلك لا يقضي بصحة ما رووا، لكن ما روي عنهم، إلى آخر ما قال. (¬1) رواه الترمذي (1074).

5 - كتاب الزكاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمَّد خاتم النبيين وعلى آله وسلم كتاب الزكاة باب زكاة الحبوب وما سقته السماء وما سقي بالنضح مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ فِي حبٍ وَلا تمرٍ صدقةٌ حتَّى يبلغَ خَمسةَ أَوْسقٍ، ولا فِيمَا دونَ خمسِ ذودٍ صَدقةٌ، ولا فِيمَا دونَ خمسةِ أواقٍ صَدقةٌ" (¬1). وقال البخاري: "خَمسةُ أَواقٍ منَ الوَرِقِ" (¬2). وهو عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله (¬3). والوسق ستون صاعًا بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أرطال وثلث، والأوقية أربعون درهمًا. هذا التفسير من كتاب الترمذي. البخاري، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِيمَا سقتِ السماءُ والعيونُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (979). (¬2) رواه البخاري (1447) ولكن ليس عنده "من الورق" وهو عند مالك (1/ 188) ومن طريقه البخاري (1459 و 1484). (¬3) رواه مسلم (980).

باب زكاة الإبل والغنم

أَو كانَ عَثريًا العُشرُ، وما سُقِي بالنضحِ نصْف العُشْرِ" (¬1). باب زكاة الإبل والغنم البخاري، عن أنس بن مالك أن؛ أبا: بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئِلَهَا من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئِلَ فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيه ابنت مخاض أنثى، فهذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فهذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى عشرين ومائة فيها حقتان طروقتا الجمل، فإا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة. فإذا بلغت -يعني ستًا وستين- إلى تسعين ففيه ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فهذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة، [ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده صدقة الجذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1483).

ويعطى شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي مَعَهَا عشرين درهمًا أو شاتين,] [ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء]. وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كان أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زاد على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فهذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلّا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلّا أن يشاء ربها، [ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة]، [وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية] (¬1). أبو داود، عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب. قال ابن شهاب: اقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر. . . . . فذكر الحديث. قال فيه: فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعًا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيه ابنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعًا وثلاثين ومئة، فهذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى ¬

_ (¬1) هو مركب من روايات البخاري (1448 و 1450 و 1451 و 1453 و 1454).

تبلغ تسعًا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعًا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعًا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى تبلغ تسعًا وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وبنتا لبون حتى تبلغ تسعًا وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسع وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السِّنين وجدت أخذت. . . . . وذكر الحديث (¬1). وذكر الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخَلِيطانِ مَا اجتمعَ على الحَوضِ والرَّاعي والفَحْل" (¬2). هذا الحديث في إسناده عبد الله بن لهيعة. وذكر الدارقطني عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ فِي العواملِ صدقةٌ وَلاَ في الجبهةِ صَدَقةٌ" (¬3). ولا يصح من قبل إسناده في الصقر بن حبيب. ومن مراسيل أبي داود عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن اللهَ تجاوزَ لكُمْ عنْ ثلاثٍ، عنِ الجبهةِ وعنِ النَّخَّةِ والْكَسَعِ". قال كثير: يرون أن الجبهة الخيل والنخة الإبل العوامل والنواضح والكسع صغار الغنم (¬4). وفي طريق أخرى: الكسع: الحمير. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1570). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 104). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 94 - 95) وفي إسناده أيضًا أحمد بن الحارث الغساني البصري. (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 114).

تفسير أسنان الإبل

ومن مراسيل أبي داود عن كتاب أبي بكر بن عمرو بن حزم في فرائض الإبل، فقص الحديث إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك فعد [معد] في كل خمسين حقة، وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة من الإبل، وما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم، في كل خمس ذودٍ شاة ليس فيها ذكر ولا هرمة ولا ذات عوار من الغنم (¬1). تفسير أسنان الإبل أبو داود قال: إذا وضعت الناقة فمشى ولدها فهو حُوَار إلى سنة، فإذا بلغ إلى سنة وفصل على أمه ففطم فهو فطيم، والفصال هو الفطام وهي بنت مخاض [إلى سنتين وهو ابن مخاض] لسنة إلى تمام سنتين، فإذا دخلت في الثالثة فهي ابنة لبون، فإذا تمت له ثلاث سنين فهو حق وحقة إلى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها الفحل وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يُثْنِيَ، ويقال للحقة طروقة الفحل؛ لأن الفحل يطرقها إلى تمام أربع سنين، فإذا طعنت في الخامسة فهي جذعة، حتى يتم لها خمس سنين، فإذا دخلت في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثَنِيٌّ حتى يستكمل ستًا، فإذا أطعن في السابعة سمي الذكر رباعيًا والأنثى رباعية إلى تمام السابعة، فإذا دخل في الثامنة وألقى السن السديس الذي بعد الرباعية فهو سديس وسَدَسٌ إلى تمام الثامنة، فإذا طلع في التسع وطلع نابه فهو بازل أي بزل نابه يعني طلع حتى يدخل في العاشرة فهو حينئذ مخلف، ثم ليس له اسم ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين ومخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين، والخُلْفَة الحامل والجذوعة وقت من الزمان ليس بسن، وفصول الأسنان عند طلوع سهيل. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 111).

زكاة البقر

قال أبو داود: وأنشدني الرياشي: إذا سهيل مغرب الشمس طلع ... فابن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهبع (¬1) والشعر من رواية أبي حفص الخولاني. زكاة البقر النسائي، عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينار وعد له معافر (¬2). هذا يرويه مسروق بن الأجذع عن معاذ، ومسروق بن الأجذع لم يلق معاذًا، ولا ذكر من حدث به عن معاذ. ذكر ذلك أبو عمر وغيره. وذكر الترمذي عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي ثلاثينَ مِنَ البقرِ تَبّيعٌ أو تبيعةٌ، وفِي أَربعينَ مُسنّةٌ" (¬3). أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وقد وصله خصيف عن أبي عبيدة عن أمه عن عبد الله، والذي رواه مقطوعًا أحفظ. وذكر الدارقطني عن الشعبي عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي كُلِّ أربعينَ منَ البَقرِ مسنّةٌ، وفِي كُلِّ ثَلاثينَ تبيعٌ أَوْ تبيعةٌ". قال: هذا يروى عن الشعبي مرسلًا وهو الصواب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود عن الرياشي وأبي حاتم وغيرهما ومن كتاب النضر بن شميل ومن كتاب أبي عبيد وأوله في السنن (2/ 248) وربما ذكر أحدهم الكلمة، قالوا: يسمى الحوار، ثم الفصيل، إذا فصل، ثم تكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين فذكره. وفي السنن "إذا سهيل أول الليل طلع". (¬2) رواه النسائي (5/ 26). (¬3) رواه الترمذي (622).

وذكر أبو بكر البزار من حديث ابن عباس قال: لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة جذعًا أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة. قالوا: فالأوقاص؟ قال: ما أمرت فيها بشيء وسأسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها إذا قدمت [عليه] , فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[سأله] فقال: "لَيْسَ فِيها شَيءٌ" (¬1). في إسناده بقية بن الوليد، وبقية لا يحتج به. وقد رواه الحسن بن عمارة عن المسعودي عن الحكم عن طاوس عن ابن عباس عن معاذ. والحسن متروك. وذكر مالك بن أنس في الموطأ عن حميد بن قيس عن طاوس أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأوتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا، وقال: لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئًا، حتى ألقاه فأسأله, فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ بن جبل (¬2). هذا هو الصحيح أن معاذ بن جبل قدم بعد ما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطاوس لم يدرك معاذًا. ومن مراسيل أبي داود عن الزهريّ أن مما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحكم من أمر الصدقة أنه جعل في الأوقاص من البقر بعد كتابه الأول مع معاذ بن جبل، والأوقاص الخمس من البقر فصاعدًا إلى العشر [عشر] فجعل في العشر شاتين، ثم جعل صدقة البقر على نحو من صدقة الإبل (¬3). وعن الزهري عن جابر بن عبد الله قال: في كل خمس من البقر شاة وفي كل عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه. ¬

_ (¬1) رواه البزار (892 كشف الأستار). (¬2) رواه مالك (1/ 196). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 113).

قال الزهري: فإذا كانت خمسًا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بقرة بقرة. قال الزهريّ: وبلغنا أن قولهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فِي كُلِّ ثلاثينَ بقرةٍ تبيعٌ، وفِي أَربعينَ بقرةٍ بقرةٌ" إن ذلك كان تخفيفًا لأهل اليمن ثم قال هذا بعد ذلك (¬1). وعن طاوس أن معاذ بن جبل أتي باليمن بوقص البقر والعسل، فقال: كلاهما لم يأمرني فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء (¬2). وعن معمر قال: أعطاني سماك بن الفضل كتابًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لملك كفلانس والمقوقس، فإذا فيه وفي البقر مثل ما قال في الإبل (¬3). وفي حديث علي بن عبد العزيز عن محمَّد بن عبد الرحمن قال: إن في كتاب صدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل (¬4). وهذا مرسل، وفي إسناده سليمان بن داود الجزري. ومن طريق أبي أويس عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن قال فيه: "وَفرَائضُ صدقةُ البقرِ ليسَ فيما دونِ ثلاثينَ بقرةٌ، فَإذَا بلغتَ الثلاثينَ فَفِيها فَحلٌ جذعٌ إِلى أَن تبلغَ أربعينَ، فَإِذَا بلغتْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 112 - 113) والبيهقي في السنن (4/ 99). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 112). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 112). (¬4) رواه ابن حزم في المحلى (2/ 6 و 4) وليس في إسناده سليمان بن داود.

باب

أربعينَ فَفِيهَا بقرةٌ مسنةٌ إِلى أَن تبلغَ ستينَ، فإذَا بلغت ستينَ فَفِيهَا تِبيعَانِ" (¬1). أبو أويس ضعيف، والحديث منقطع، وليس في زكاة البقر حديث متفق على صحته. قال أبو محمَّد علي بن أحمد: قد صح الإجماع المتفق المقطوع به الذي لا اختلاف فيه أن في كل خمسين بقرة بقرة فوجب الأخذ بها، وما دون ذلك فمختلف فيه ولا نظر في إيجابه (¬2). باب أبو داود، عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن فقال: "خُذِ الحبَّ منَ الحبِّ والشاةُ منَ الغنَمِ والبعيرُ منَ الإبلِ، والبقرةُ منَ البقرِ" (¬3). عطاء بن يسار لم يدرك معاذ بن جبل. باب ما جاء في أخذ العوض في الصدقة الدارقطني، عن طاوس قال: قال معاذ لأهل اليمن: ائتوني بخمس أو لبيس آخذه منكم في الصدقة فهو أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. فقال عمرو: ائتوني بعرض ثياب (¬4). طاوس لم يدرك معاذ بن جبل. ¬

_ (¬1) رواه ابن حزم في المحلى (6/ 13). (¬2) المحلى (6/ 16). (¬3) رواه أبو داود (1599). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 100).

باب ما لا يؤخذ في الصدقة

باب ما لا يؤخذ في الصدقة أبو داود، عن ابن شهاب في نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم ذكرها قال: "وَلاَ يُؤخَذُ في الصَّدقةِ هَرمةٌ ولا ذاتُ عوارٍ وَلا تيسُ الغَنمِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ المُصَّدِّقُ" (¬1). وقد خرجه البخاري أيضًا (¬2). أبو داود، عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا على الصدقة وأمره أن يأخذ البكر والشارف وذا العيب، وإياك وحزرات أنفسهم (¬3). هذا مرسل والصحيح ما قبله. وعن سهل بن حنيف قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الْجُعْرُورِ ولون الحُبَيْق أن يأخذا في الصدقة (¬4). وهما لونان من تمر رديء. النسائي، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته فجلست إليه، فسمعته يقول: إن في عهدي أن لا نأخذ من راضع لبن ولا نجمع بين مفترق ولا نفرق بين مجتمع، فأتاه رجل بناقة كوماء فقال: آخذها، فأبى (¬5). وقد تقدم قوله عليه السلام: "فَخُذ مِنهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَموالِهِمْ". خرجه مسلم رحمه الله (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1570). (¬2) رواه البخاري (1455) من حديث أنس. (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 114). (¬4) رواه أبو داود (1607). (¬5) رواه النسائي (5/ 29 - 30). (¬6) رواه مسلم (19).

باب زكاة الذهب والورق

باب زكاة الذهب والورق البخاري، عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. . . . . . فذكر الحديث وقال: وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها (¬1). أبو داود، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كانتْ لكَ مائتا درهم وحالَ عليهَا الحولُ فَفيهَا خمسةُ دراهِم وَليسَ عليكَ شيءٌ -يعني في الذهب- حَتَّى يكونَ لَكَ عشرونُ دِينارًا فَإذَا كَانَ لَكَ عشرونُ دينارًا وحالَ عَليهَا الحولُ فَفِيهَا نِصفُ دينارِ، فَمَا زادَ فبحساب ذَلِكَ". قال: فلا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - "وَلَيسَ في مالِ زَكاةٌ حتَّى يحولَ عَليهِ الحَولُ" (¬2). قال أبو محمَّد علي بن أحمد: هذا رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث الأعور قرن فيه بين عاصم والحارث كذاب، وكثير من الشيوح يجوز عليهم مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده فجمعهما جرير وأدخل حديث أحدهما في الآخر. وقد رواه شعبة وسفيان ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم موقوفًا على علي، وكذلك كل ثقة رواه عن عاصم، إنما أوقفه على علي فلو أن جريرًا أسنده عن عاصم وبين ذلك أخذنا به (¬3). وقال غيره: هذا لا يلزم لأن جريرًا ثقة، وقد أسنده عنهما. ¬

_ (¬1) تقدم في التعليق (1) ص (159). (¬2) رواه أبو داود (1573). (¬3) المحلى (6/ 70).

وقد أسنده أيضًا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الورق ولم يذكر الحول. ذكر حديثه الترمذي، وأبو عوانة ثقة. وأما قوله: فبحساب ذلك فقد أسنده زيد بن حيان الرقي وأصله كوفي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكره أبو أحمد، وذكر توثيق يحيى بن معين زيد بن حيان، وقال فيه أبو أحمد: لا أرى بروايته بأسًا (¬1). وأما ابن أبي حاتم فذكر زيد بن حبان هذا، وذكر قول يحيى بن معين فيه: زيد بن حيان لا شيء، وقول أحمد بن حنبل فيه: تركناه (¬2). قال أبو أحمد علي بن أحمد وروى الجراح بن منهال وهو كذاب عن حبيب بن نجيح وهو مجهول عن عبادة بن نسي عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره حين وجهه إلى اليمن ألا يأخذ من الكسور شيئًا إذا بلغ الورق مائتا درهم خمسة دراهم ولا يأخذ مما زاد حتى تبلغ أربعين درهمًا درهم (¬3). قال: ومن طريق الحسن بن عمارة وهو متروك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدقة الورق: "وَلاَ زكاةَ فِيمَا زادَ عَلى المائَتَيْ درهم حتَّى تبلغَ أربعينَ درهمًا درهمٌ" (¬4). ومن طريق أبي أويس عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن. وَفِيهِ: "الزّكاةُ ليسَ فِيهَا صدقةٌ حتَّى تبلغَ مائتَا دِرهمٍ، ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 1061). (¬2) الجرح والتعديل (1/ 2/ 561). (¬3) المحلى (6/ 61). (¬4) المحلى (6/ 61).

باب زكاة الحلي

فَإذَا بلغتْ مَائتَا درهمٍ فَفِيها خمسةُ دراهمٍ وَفِي كُلِّ أربعينَ درهمٍ درهمٌ حَتَّى تبلغَ أربعينَ دِينارًا، فإذا بلغتْ أربعينَ دِينارًا فَفِيها دينارٌ" (¬1). وهذه صحيفة، وحديث الجراح ذكره الدارقطني أيضًا في كتاب السنن, قال: ولم يسمع عبادة من معاذ (¬2). باب زكاة الحلي أبو داود، عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: "مَا بَلَغَ أن تُؤَدِّي زكاتَهُ فزُكِّيَ فَليسَ بِكَنْزٍ" (¬3). في إسناد هذا الحديث ثابت بن عجلان ولا يحتج به. وقد روي في أداء زكاة الحلي عن عائشة وأم سلمة وفاطمة بنت قيس وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص (¬4). قال أبو عيسى: وذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يصح في هذا الباب شيء. زكاة الركاز مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "العجماءُ جرحُهَا جبارٌ، والبئرُ جبارٌ، والمعدنُ جبارٌ، وفِي الرِّكازِ الخمسُ" (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 13). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 93 - 94). (¬3) رواه أبو داود (1564). (¬4) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود (1563) والترمذي (637) والنسائي (5/ 38) وحديث عائشة عند أبي داود (1565). (¬5) رواه مسلم (1710).

ويروى في تفسير الركاز حديث من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الركاز؟ فقال: "هُوَ الذهبُ الّذِي خلقَ اللهُ فِي الأرضِ يومَ خلقَ السموات والأرضَ" (¬1). وعبد الله بن سعيد هذا متروك الحديث، ذكر ذلك ابن أبي حاتم. وقد روي من طريق آخر عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يصح أيضًا، ذكره الدارقطني رحمه الله (¬2). أبو داود، عن الزمعي -وهو موسى بن يعقوب- عن قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد عن ضباعة بنت الزبير قالت: ذهب المقداد لحاجته لبقيع الخبخبة فإذا جرذ يخرج من جحر دينارًا ثم لم يزل يخرج دينارًا دينارًا حتى أخرج سبعة عشر دينارًا، ثم أخرج خرقة حمراء -يعني فيها دينار- فكانت ثماني عشرة دينارًا فذهب بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره وقال له: خذ صدقتها، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ هَوَيْتَ لِلْجحْرِ؟ " قال: لا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَاركَ اللهُ لكَ فِيهَا" (¬3). إسناد لا يحتج به. أبو داود، عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا قبرُ أَبي رغالٍ وكانَ بِهذا الحرمِ يدفعُ عَنْهُ، فلما خَرجَ [عنهُ] أصابتهُ النقمةَ التِي أصابتْ قومَهُ بهذَا المكانِ فدُفِنَ فِيهِ وآيةُ ذَلكَ أنَّهُ دُفنَ معهُ غصنٌ منْ ذهبٍ إِنْ أنتُم نَبشتُمْ عنْهُ أَصبتمُوهُ مَعَهُ" فابتدروه الناس فاستخرجوا الغصن (¬4). ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 109) والحديث رواه البيهقي (4/ 152). (¬2) لأن في إسناده حبان بن علي، والحديث رواه البيهقي (4/ 152). (¬3) رواه أبو داود (3087). (¬4) رواه أبو داود (3088) وما بين المعكوفين ليس عنده.

باب زكاة المدبر

باب زكاة المدبِّر أبو داود، عن خبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب عن أبيه عن جده قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع (¬1). وذكر الدارقطني عن خبيب بهذا الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاد له وهم عملة له لا يريد بيعهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئًا، وكان يأمرنا أن نخرج من الرقيق الذي يعد للبيع (¬2). خبيب هذا ليس بمشهور، ولا أعلم روى عنه إلا جعفر بن سعيد بن سمرة، وليس جعفر هذا ممن يعتمد عليه. وذكر الدارقطني من حديث ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن الأوس بن الحدثان، عن أبي ذر، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الإِبلِ صدقَتُهَا، وفِي الغَنَمِ صدقتُهَا، وفي البرِّ صدقتُه" (¬3). هكذا روي بالزاي، وبين الدارقطني أنه بالزاي مقيد. وقال في حديث موسى بن عبيدة، عن عمران بن أبي أنس بهذا الإسناد "وفِي البقرِ صدقتُهَا" وقال في هذا أيضًا: "وفِي البزِّ صدقَتُه" بالزاي كما قال في الذي قبله (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1563). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 127 - 128). (¬3) رواه القالدراقطني (2/ 102) وابن. جريج مدلس وقد عنعن، وذكر ابن جريج أنه لم يسمعه منه كما قال هو. (¬4) رواه الدارقطني (2/ 100 - 101) وموسى بن عبيدة ضعيف وهو علة الحديث.

باب من استفاد مالا

باب من استفاد مالًا الترمذي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ استفادَ مالًا فَلا زكاةَ فِيه حتى يحولَ عَليهِ الحول" (¬1). والصحيح أنه قول ابن عمر، وعبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث. ما جاء في تعجيل الصدقة أبو داود، عن علي بن أبي طالب أن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له. وقال مرة، فأذن له (¬2). في إسناد هذا الحديث حَجَيَّة بن عدي وليس ممن يحتج به. رواه الحرمي [العرزمي] ذكره الدارقطني رحمه الله (¬3). باب ما لا صدقة فيه مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ عَلى المسلمِ في عبدِهِ وَلاَ في فرسِهِ صدَقةٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (631) ورواه موقوفًا (632) وهو عند مالك (1/ 189). (¬2) رواه أبو داود (1624) والترمذي (678) وابن ماجه (1795). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 124) من حديث ابن عباس وفي إسناده محمَّد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك. (¬4) رواه مسلم (982).

زكاة الفطر

وعنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ في العبدِ صدقةٌ إِلَّا صدقةَ الفطرِ" (¬1). الترمذي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ عفَوتُ عنْ صدقةِ الخيلِ والرقيقِ فَهَاتُوا صدقةَ الرقةِ مِنْ كُل أربعينَ درهمًا درهمٌ، وَليسَ في تسعينَ ومائةٍ شيءٌ، فَإذا بلغَ مائَتينِ فَفِيها خمسةُ الدراهمِ" (¬2). صحح البخاري هذا الحديث، ذكر ذلك الترمذي رحمه الله. وذكر الدارقطني من طريق غورك بن الخضرم أبي عبد الله عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَي الخيلِ السَّائمةِ في كُلّ فرسِ دِينارٌ [تُؤَدِّيهِ] " (¬3). تفرد به غورك وهو ضعيف جدًا. زكاة الفطر مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو عبد رجل أو امرأة صغير أو كبير صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير (¬4). وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعًا من طعام أو صاعًا من أقط أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (982). (¬2) رواه الترمذي (620). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 125 - 126) ومن دون غورك ضعفاء، قاله الدارقطني. (¬4) رواه مسلم (984).

فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت (¬1). زاد أبو داود في هذا الحديث: أو صاعا من حنطة، قال: وليس بمحفوظ (¬2). وزاد أيضًا: أو صاعًا من دقيق. قال: وهو وهم من سفيان بن عيينة وذكر أنه سكت عنه (¬3). وذكر أبو داود عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا قال: "صاعٌ مِنْ برِ أَوْ قمحٍ عنْ كلِّ اثْنَيْنِ صغيرٍ وكبيرٍ حرٌّ أَوْ عبدٍ ذَكرٍ أَوْ أُنثى غنيٍّ أَوْ فقِيرٍ" قال: "أَمَّا غنيُّكُمْ فيزكِّيهُ اللهُ، وأَما فَقيرُكُمْ فَيردُّ اللهُ عليهِ أكثرَ مِمَّا أَعطاهُ" (¬4). وفي إسناده النعمان بن راشد وبكر بن وائل وهما ضعيفان. إلا أن ابن حاتم يقول بكر بن وائل صالح الحديث. ورواه أيضًا من حديث الحسن عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ولم يسمع الحسن من ابن عباس. رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف في إسناده (¬6). ورواه الليث عن عقيل وعبد الرحمن بن سافر عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر مدين من حنطة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (985). (¬2) رواه أبو داود (1616). (¬3) رواه أبو داود (1618). (¬4) رواه أبو داود (1619 و 1620). (¬5) رواه أبو داود (1622). (¬6) رواه الترمذي (674) وانظر سنن الدارقطني (2/ 141 - 142).

باب المكيال والميزان

هذا مرسل، وقد روي من طرق أخرى كلها مرسل وضعيف. قال أبو عمرو: حديث ثعلبة في هذا مضطرب، وذكر البر وهم في حديث الثوري (¬1). وذكر الدارقطني من حديث عمير بن عمار الهمداني حدثني الأبيض بن الأغر، حدثني الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون (¬2). الأحاديث الصحاح المشهورة ليس فيها ممن تمونون. والله أعلم. وذكر الدارقطني أيضًا من حديث سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقةُ الفطرِ عَلى كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ ذَكرٍ أَوْ أُنثَى يهوديٍّ أَوْ نصرانيٍّ حرٌّ أو مملوكٍ، نصفَ صَاعٍ منْ برٍ أَوْ صاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صاعًا منْ شَعيرٍ" (¬3). تفرد به سلام وهو متروك، وإنما يروى من فعل ابن عمر. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (¬4). باب المكيال والميزان النسائي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المكيالُ علَى مكيالِ أهلِ المدينةِ والوزنُ علَى وزنِ أَهلِ مَكَّةَ" (¬5). ¬

_ (¬1) التمهيد (4/ 129 و 137). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 141) وقال: رفعه القاسم وليس بقوي، والصواب موقوف. (¬3) رواه الدارقطني (2/ 150). (¬4) رواه مسلم (986). (¬5) رواه النسائي (7/ 284).

باب ما جاء في المعتدي في الصدقة

قال أبو عمر: روي عن جابر بإسناد ليس بصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدِّينارُ أربعةٌ وَعشرونَ قِيراطًا". قال أبو عمر: هذا وإن لم يصح إسناده ففي قول جماعة العلماء واجتماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه. قال أبو محمَّد علي بن أحمد: بعثت غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبَّة وثلاثة أعشار حبَّة، والحب من الشعير المطلق، والدرهم سَبْعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبَّة وستة أعشار حبَّة وعشر عشر حبَّة، فا لرطل مائة درهم، واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور (¬1). قال: ووجدنا أهل المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي به تؤدى الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف ولا أقل من رطل وربع، وقال بعضهم: رطل وثلث رطل، وليس هذا اختلافًا ولكنه على حسب وزانة المكيل من التمر والبر والشعير (¬2). وصاع ابن أبي ذيب خمسة أرطال وثلث وهو صاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). باب ما جاء في المعتدي في الصدقة أبو داود، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المُعتدِي في الصّدقةِ كَمَانِعهَا" (¬4). ¬

_ (¬1) المحلى (5/ 246). (¬2) المحلى (5/ 245). (¬3) المحلى (5/ 245) وقوله صاع ابن أبي ذئب رواه من قول أحمد بن حنبل، وقوله وهو صاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه من قول أبي داود. (¬4) رواه أبو داود (1585).

باب ما جاء في زكاة العسل والخضراوات والزبيب وفي الخرص وفي مال المكاتب وأين تؤخذ الصدقة

باب ما جاء في زكاة العسل والخضراوات والزبيب وفي الخرص وفي مال المكاتب وأين تؤخذ الصدقة الترمذي، عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي العسَلِ في كلِّ عشرة أَزقاقٍ منْ عسلٍ زِقٌ" (¬1). قال أبو عيسى: حديث ابن عمر في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء، وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ، وقد خولف في رواية هذا الحديث عن نافع. أبو داود، عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء هلال أحد بني مُتْعان إلى رسول- الله - صلى الله عليه وسلم - بعشور نحل له، وسأله أن يحمي واديًا له يقال له سَلَبُةَ، فحمى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب [إليه] عمر [بن الخطاب] إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحله فاحم له سلبة وإلّا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء (¬2). قد تقدم الكلام في هذا الإسناد. الترمذي، عن معاذ أنه كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على يسأله عن الخضراوات وهي البقول، فقال: "لَيسَ فِيهَا شيءٌ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (629). (¬2) رواه أبو داود (1600) وليس عنده ما بين المعكوفين. (¬3) رواه الترمذي (638).

وقد روي في هذا عن جابر بن عبد الله وعن أنس وعائشة، ذكر أحاديثهم الدارقطني (¬1). قال أبو عيسى: ليس يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن سعيد بن المسيب عن عُتاب بن أسيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم (¬2). وعنه عن عتاب أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي زَكاةِ الكرمِ أَنَّهَا تخرصُ كما يُخرصُ النَخْلُ، ثُمَ تُؤدى زكاتُهَا زَبِيبًا كَمَا تؤدَّى زكاةُ النخْلِ تَمرًا" (¬3). هذا إسناد منقطع وكذلك الذي قبله، ولا يتصل من طريق صحيح. وقد روي في أخذ الزكاة من الزبيب عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وجابر وأبي سعيد ومعاذ بن جبل كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح منها شيء، كلها إما منقطع أو ضعيف، ذكر أحاديثهم الدارقطني وغيره (¬4). وقال أبو عمر: أجمعوا على أخذ الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب. وذكر الدارقطني عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ في مالِ المكاتبِ زكاةٌ حتَّى يُعتقَ" (¬5). إسناده ضعيف. الترمذي، عن سهل بن أبي خيثمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إِذَا خرصتُمْ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 95) من حديث عائشة و (2/ 96) من حديث أنس و (2/ 100) من حديث جابر. في الأصل "عن جابر بن عبد الله بن أوس وعائشة" وهو خطأ. (¬2) رواه الترمذي (644). (¬3) رواه الترمذي (644). (¬4) سنن الدارقطني (2/ 95 - 100). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 108).

باب

فجزُّوا ودَعُوا دَعوا الثُلث، فَإنْ لَمْ تَدَعُوا الثلثَ فَدَعُوا الرُّبعَ" (¬1). أبو داود، عن محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ، وَلاَ تُؤخَذُ صَدقاتُهُمْ إِلّا في دُورِهِم" (¬2). باب أبو داود، عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يحيى بن حبان عن عمه واسمع بن حبان عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين (¬3). وذكر عبد الرزاق عن علي بن الحسين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُصرَ مَنَّ نخلٌ بليلٍ، وَلا يُشَابَنَّ لبنٌ بِماءٍ لِبيعٍ" (¬4). وقيل في تفسيره أراد عليه السلام أن يجد النخل بالنهار ليحضر ذلك المساكين. الحديث مرسل. وقد روي عن علي بن الحسين عن علي، وزيد فيه: النهي عن حصاد الزرع: بالليل. ذكره الدارقطني قال: والمرسل هو الصواب. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (643). (¬2) رواه أبو داود (1591). (¬3) رواه أبو داود (1662). (¬4) رواه عبد الرزاق (7270).

باب زكاة مال اليتيم

باب زكاة مال اليتيم الترمذي، عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب الناس فقال: "أَلاَ مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ مَال فَليتّجِرَ بِمالِهِ وَلاَ يتركْهُ حتَّى تأكلَهُ الصّدقَةَ" (¬1). قال أبو عيسى: إنما روي من هذا الوجه وفي إسناده مقال. المقال الذي في إسناد هذا الحديث أنه حديث رواه المثنى بن الصباح كما تقدم، والمثنى ضعيف لا يحتج به. ورواه عبد الله بن علي بن مهران عن عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب عن عمر. لم يذكر فيه ابن المسيب وخالفه حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن مكحول، لم يذكر عمرو بن شعيب ولا ابن المسيب، وحديث عمر أصح فيه من المرفوع. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ صاحبِ ذهبٍ ولا فِضةٍ لا يؤدِّي منهَا حَقهَا إِلّا إِذَا كانَ يومُ القيامةِ صُفِّحَت لَهُ صفائح مِنْ نارٍ، فَأُحْمِيَ عَليهَا فِي نارِ جَهنَّمَ، فَيُكوى بِهَا جِنبهُ وجبينهُ وظهرهُ، كُلَّمَا بردتْ أُعيدتْ لَهُ فِي يومٍ كانَ مقدارُهُ خمسينَ ألفَ سَنةٍ حتَّى يُقْضَى بينَ العِبَادِ، فَيَرى سبيلَهُ، إِمّا إِلى الجَنَّةِ وإما إِلى النَّار" قيل: يا رسول الله فالإبل، قال: "وَلا صاحبَ إبلٍ لاَ يُؤدي منهَا حقَّهَا، ومِنْ حَقِّهَا حَلَبُها يومَ ورْدِهَا إِلّا إِذَا كانَ يومُ القِيامةِ بُطِحَ لها بقَاعٍ قرقرٍ أَوْفَرَ مَا كانتْ لا يفْقِدُ منهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطؤُهُ بِأخْفَافِهَا وتعضّهُ بَأفوَاهِهَا، كُلَّمَا مرَّ عليهِ أُولاَهَا رد عَليهِ أُخراهَا، فِي يومٍ كانَ مقدارُهُ خمسينَ أَلف سنةٍ، حتَّى يُقْضى بينَ العِبادِ فَيرَى سَبيلَهُ إِما إِلى الجنّةِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (641).

وإما إِلَى النَّارِ" قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: "وَلاَ صاحبَ بقرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤدَّي منهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كان يومُ القيامةِ بُطِحَ لها بِقَاعٍ قرقرٍ لا يفقدُ منها شيئًا ليسَ فِيهَا عقصاءُ وَلاَ جَلحاءُ وَلا عضباءُ تَنطحُهُ بقرونهَا وتَطَؤُهُ بأَظْلافِهَا، كلّمَا مرَّ عليه أُوْلاَهَا ردَّ عليهِ أُخرَاهَا، فِي يومٍ كانَ مقدارُهُ خمسينَ ألفِ سنةٍ، حَتَّى يُقضَى بينَ العِبادِ، فيرى سبيلَهُ إِمّا إلى الجنّةِ وإمّا إِلى النَّارِ" قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: "الخيلُ ثلاثةٌ: هِيَ لرجلٍ وزرٌ، وهِي لرجلٍ ستْرٌ، وهِي لرجلٍ أجرٌ، فأمّا التِي هِيَ لَهُ وِزرٌ فرجل ربَطَهَا رِياءَ وَفَخرًا، وَنَوَاءً عَلَى أَهْلِ الإسْلاَمِ فهيَ لَهُ وِزرٌ، وأمَّا الَّتِي هيَ لَهُ سِتْرٌ فرجلٌ ربطَهَا فِي سبيلِ اللهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حقَ اللهِ فِي ظهورِهَا ولا رقَابِهَا فهي له ستْرٌ، وأمّا التي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فرَجُلٌ رَبَطَهَا في سبيلِ الله لأَهْلِ الإِسلامِ فِي مَرْجٍ وروضةٍ، فَما أكلتْ منْ ذَلكَ المَرْج أو الروضةِ من شيءٍ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدُ مَا أَكَلَتْ حسناتٌ وكتبَ لَهُ عددُ أَرْوَاثِهَا وَأبوالِهَا حَسَنَاتْ، ولا تَقطع طِوَلَها، فاستنتْ شَرَفًا أو شرفَيْنِ إِلا كَتبَ اللهُ لَهُ عَدَد آثَارِهَا وَأَرواثِهَا حَسَنَات، ولا مرَّ بها صاحبُهَا علَى نَهرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلاَ يريدُ أَنْ يَسقيَهَا إلَّا كتب اللهُ لَهُ عَدَد ما شَرِبَت حَسنات" قيل: يا رسول الله فَالْحُمُرُ؟ قال: "مَا أُنْزِلَ عليَّ في الحمرِ شيءٌ إِلَّا هذه الآيةُ الفاذّةُ الجامعةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬1). وفي طريق آخر لمسلم أيضًا: "وأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ ستْرٌ فالرجلُ يتخِذْهَا تكرمًا وتجملا وَلاَ يَنْسى حقَ اللهِ فِي ظُهورِهَا وبطونهَا في عُسرِهَا وَيُسرِهَا" (¬2). وعن عبيد بن عمير قال: قال يا رسول الله ما حق الإبل قال: "حَلبُهَا عَلى الماءِ وَإِعارةُ دَلوِهَا وَإِعارة محلبِهَا ومنيحتَها وحَمْلٌ علَيها في سَبيلِ اللهِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (987). (¬2) هو رواية من الحديث (987) قبله. (¬3) رواه مسلم بعد الحديث (988) والدارمي (1625).

باب

هكذا ذكره مسلم مرسلًا إلَّا ذكر الحلب فإنه أسنده من حديث أبي هريرة، وأسنده كله أبو بكر البزار من حديث عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وذكر أبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي كلِّ سائمةِ إبلٍ في أربعينَ بنتِ لبونٍ لا تُفَرقُ إِبْل عنْ حسابِهَا، مَن أَعطاهَا مُؤتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجرُهَا، وَمَن مَنَعَهَا فإنَّا آخِذُوهَا، وشطرُ مالِه عَزْمَة من عزماتِ رَبَّنَا ليسَ لآلِ محمدِ مِنهَا شَيءٌ" (¬2). بهز بن الحكيم وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين، وغيرهما ضعفه. باب أبو داود، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أخرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: "إنَّ اللهَ لَمْ يَفرضِ الزَّكاةَ إِلّا ليطيبَ مَا بقِيَ مِنْ أَموالِكُمْ، وإنَّمَا فرضَ المواريثَ [وذكر كلمة] ليكونَ لِمَن بَعدكم قال: فكبر عمر ثم قال له: [رسول الله- صلى الله عليه وسلم -]: "أَلاَ أُخبِرُكَ بخيرِ مَا يكنِزُ المرءُ, المرأةُ الصالحةُ إِذا نَظَرَ إِليهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أطَاعَتْهُ، وإذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْه" (¬3). وروى الترمذي عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: سألت أو سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الزكاة فقال: "إِنَّ فِي المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ" ثم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (988) والدرامي (1624). (¬2) رواه أبو داود (1575). (¬3) رواه أبو داود (1664) وليس عنده ما بين المعكوفين.

تلا هذه الَآية التي في البقرة {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. . .} الآية (¬1). روي مرسلًا عن الشعبي قال: وهو أصح. مسلم، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة، فقال: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْقِمُ ابنُ جميلِ إِلّا أَنّه كانَ فَقيرًا فأغنَاهُ الله، وأَمَا خالدٌ فَإنَّكُمْ تظلمونَ خَالِدًا، قَدِ احتبَسَ أَدراعَهُ واعتَادَهُ فِي سَبيلِ اللهِ، وأمَّا العباسُ فَهِيَ عَلَيَّ ومِثلُهَا مَعَهَا" ثم قال: "يَا عُمَرُ أَما شعرتَ أَنَّ عَمَ الرَّجلِ صنوَ أَبيهِ" (¬2). وقال البخاري: وأما العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي عليه صدقة ومثلها معها (¬3). أبو داود، عن جرير قال: جاء ناس يعني من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا، قال: "أرضُوا مُصدقيكُمْ" قالوا: يا رسول الله وإن ظلمونا، قال: "أرضُوا مصدقيكُم وَإِنْ ظُلِمْتُمْ" (¬4). وخرجه مسلم ولم يقل وإن ظلمتم (¬5). وذكر أبو داود أيضًا عن حماد عن أيوب عن دَيْسَم رجل من بني سدوس عن بشير ابن الخصاصية قال: قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ قال: "لاَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (659 و 660). (¬2) رواه مسلم (983). (¬3) رواه البخاري (1468). (¬4) رواه أبو داود (1589). (¬5) رواه مسلم (989). (¬6) رواه أبو داود (1586).

ومعناه إلا أنه قال: فقلنا: يا رسول الله إن أصحاب الصدقة. وذكر أبو داود عن أبي الغصن عن صخر بن إسحاق عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيَأتِيكُمْ ركبٌ مبغضونَ، فَإنْ جَاؤوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهمْ وَخلُّوا بينهُمْ وبينَ مَا يبتغونَ، فإنْ عَدلُوا فَلأنفسهِمْ وَإِنْ ظَلمُوا فعَلَيْهَا، وأرضُوهُمْ فإنَّ تمامَ زكاتِكُم رضاهُمْ ولَيدعُوا لَكُمْ" (¬1). أبو الغصن اسمه ثابت بن قيس بن غصن. وقال أبو بكر البزار عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله، وخرجه في مسند جابر بن عبد الله، وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله لا يحتج به وكذلك الآخر، وإنما الصحيح ما تقدم: "أرْضُوا مصدقِيكُمْ وَإِنْ ظُلِمْتُمْ". وذكر الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن سعيد بن أبي هلال عن أنس بن مالك قال: أتى رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ إِذَا أديتَهَا إِلى رسولِي فقدْ برئتَ ولكَ أجرُهَا وَإِثمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا" (¬2). سعيد بن أبي هلال لم يدرك أنس بن مالك. وخرج أبو داود أيضًا عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "العَاملُ عَلى الصّدقةِ بِالحقِّ كالغازِي فِي سبيلِ اللهِ حتَّى يرجعَ إِلى بيتِهِ" (¬3). البزار، عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ استعملنَاهُ عَلَى عمَلٍ فرزقنَاهُ عَلَيْهِ رِزْقًا، فَمَا أصابَ سِوى رزقَهُ فَهوَ غلولٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1588). (¬2) رواه الحارث بن أبي أسامة (1/ 39 بغية الباحث). (¬3) رواه أبو داود (2936) والترمذي (645) وابن ماجه (1809). (¬4) ورواه أبو داود (2943) والحاكم (1/ 406).

أبو داود، عن أبي مسعود قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيًا ثم قال: "انطَلِق أبَا مسعودٍ لاَ ألفينَّكَ يومَ القيامةِ تَجيءُ عَلى ظَهرِكَ بعيرٌ منْ إبلِ الصّدقةِ لَهُ رغاءٌ قَدْ أَغللتَهْ" قال: إذًا لا أنطلق، قال: "إِذًا لاَ أُكْرِهُكَ" (¬1). مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تحلُّ الصّدقةَ لغنيٍّ إِلّا لخمسةٍ، لغَازٍ فِي سبيلِ اللهِ أوْ لِعَامِلٍ عَليهَا أَوْ لِغَارمِ أَوْ لِرَجِلٍ اشترَاهَا بِمالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كانَ لَهُ جَارٌ مسكينٌ فتصدَّقَ عَلى المسكينِ فَأَهدَى المسكينُ للغِنِيِّ" (¬2). هكذا رواه مالك وغير واحد مرسلًا عن زيد وأسنده سفيان الثوري ومعمر بن راشد كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نقلت حديث مالك من كتاب أبي داود (¬3). مسلم، عن جويرية بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها، فقال: "هَلْ مِنْ طَعامٍ" قالت: لا والله يا رسول الله ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: "قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحلَّهَا" (¬4). ومن كتاب أبي داود عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله [النبي] في في حجة الوداع وهو يَقسم الصدقة، فسألاه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2947). (¬2) رواه مالك (1/ 201) وعنه أبو داود (1635). (¬3) رواه أبو داود (1636) وغيره من طريق معمر به، وقال: ورواه الثوري عن زيد قال: حدثني الثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواه عبد الرزاق (7151) عن معمر به، ورواه (7152) عن الثوري عن زيد عن عطاء عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه البيهقي (7/ 15) من طريق معمر والثوري عن زيد عن عطاء بن أبي سعيد. (¬4) رواه مسلم (1073).

منها، فرفع فينا النظراوخفضه فرآنا جلدين فقال: "إِنْ شِئْتُمَا أَعطيتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنيٍّ وَلاَ لقويّ مكتسِبٍ" (¬1). رواه الطحاوي في بيان المشكل وقال: رجلان من قومي (¬2). أبو داود، عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: "لاَ تحلُّ الصَّدقةُ لغنيٍّ وَلا لِذِي مرةٍ سَوِيٍ" (¬3). ورواه شعبة وقال: "لِذي مرةٍ قَويّ". ريحان هذا وثقه ابن معين. وقد روي موقوفًا على عبد الله بن عمرو. وعن سفيان بن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سأَلَ وَلَهُ مَا يغنيهِ جَاءَ يومَ القيامةِ خموشٌ أَوْ خدوشٌ أَوْ كدوحٌ فِي وَجْهِهِ" فقال: يا رسول الله وما الغنى؟ قال: "خَمسونَ دِرهمًا أَوْ قِيمتُهَا مِنْ الذَّهَبِ" (¬4). قال يحيى بن آدم: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: فقد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد [عن أبيه، وحكيم بن جبير ضعيف الحديث عندهم] (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن موسى الوجيهي وهو متروك عندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُعْطى مِنَ الزّكاةِ مَنْ لَهُ خَمسونَ دِرهَمًا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1633). (¬2) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 15). (¬3) رواه أبو داود (1634). (¬4) رواه أبو داود (1626). (¬5) ما بين المعكوفين ليس في سنن أبي داود. (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1672).

وذكر أبو داود عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ سأَلَ وَلهُ قيمةُ أوقيةٍ فَقَدْ ألحَفَ" فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله. وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين درهمًا (¬1). عمارة بن غزية وثقه أحمد بن حنبل وأبو زرعة. وقال فيه أبو حاتم ويحيى بن معين صدوق صالح، وقد ضعفه بعض المتأخرين. وذكر أبو داود أيضًا عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي عن سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سألَ وعندَهُ مَا يغنيهِ فَإنَّما يستكثرُ مِنَ النَّارِ" قالوا: يا رسول الله وما الغنى الذي لا تحل المسألة معه؟ قال: "قَدرُ مَا يُغذيهِ وَيُعشّيهِ". وقال في موضع آخر: "أَنْ يكونَ لَهُ شبعُ يومٍ وَليلةٍ، أَوْ لَيلةٍ أَوْ يَومٍ" (¬2). فقال: إن إبا كبشة هذا مجهول ذكر ذلك أبو محمد (¬3). ولم يذكر مسلم في الكنى ولا أبو محمد بن أبي حاتم في كتابه أيضًا أبا كبشة السلولي الذي روى عن سهل ابن الحنظلية لا الذي يروي عنه حسان بن عطية ولم يذكر له راويًا آخر (¬4). وإنما أبو أحمد الحاكم فذكر في كتاب الكنى أبا كبشة السلولي عن سهل ابن الحنظلية وعبد الله بن عمرو روى عنه أبو سلام الحشي وحسان بن عطية. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1628). (¬2) رواه أبو داود (1629). (¬3) المحلى (6/ 152). (¬4) ذكره مسلم وقال: روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه حسان بن عطية، وذكره ابن أبي حاتم (8/ 430) وقال: روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وسهل ابن الحنظلية، روى عنه حسان بن عطية.

فإن كان أبو كبشة الذي ذكر الحاكم هو الذي روى عنه أبو داود حديثه من طريق ربيعة بن يزيد فليس بمجهول، ولا أعرف غيره والله أعلم. وفي هذا الباب حديث رواه عبد الوارث بن عبد الصمد قال: نا الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ سَألَ مسألةً عنْ ظهرِ غِنًى استكثرَ بِهَا منْ رضفِ جهنَّمَ" قال: وما ظهر غنى؟ قال: "غِنَى لَيلَة" (¬1). وهذا إنما يرويه عن عمرو بن خالد الواسطي عن حبيب بهذا الإسناد، وعمرو بن خالد متروك، ذكر الحديث وعلته أبو حامد (¬2). مسلم، عن قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: "أَقِمْ حَتَّى تَأْتِينَا الصّدقةَ فنأمُر لَكَ بِهَا" قال: ثم قال: "يَا قِبيصةُ إِنَّ المسألةَ لا تَحلُّ إِلَّا لأَحَدِ ثلاثَة، رجلِ تحمَّل حمالةً فحلتْ لهُ المسألةَ حتَّى يصيبَها ثَمَّ يمسكُ، ورجل أصابتهُ جائحةٌ اجتاحتْ مالَهُ فحلتْ لهُ المسألةَ حتَّى يصيبَ قوامًا منْ عيشٍ أَو قالَ: سَدادًا مِنْ عَيشٍ، وَرَجُلٍ أصابتهُ فاقةٌ حتَّى ¬

_ (¬1) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/ 147) والطبراني في الأوسط (ص 121 مجمع البحرين). (¬2) كذا في المخطوطة أبو حامد، ولا ندري من هو؟ ولعله ابن أبي حاتم، حيث ذكر في المراسيل (ص 46) عن يحيى بن معين أن الحسن بن ذكوان لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت شيئًا، إنما سمع من عمرو بن خالد عنه، وعمرو بن خالد لا يساوي حديثه شيئًا، إنما هو كذاب. أو أبو حاتم حيث ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه في العلل (1/ 140) أنه متروك الحديث. وفي (2/ 10) أن أباه قال: روى عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث موضوعة خمسة أو ستة الخ. وفي (2/ 271) قال إن أباه قال: الحسن بن ذكوان وعمرو بن خالد ضعيفا الحديث. ولم أر الحديث عند ابن أبي حاتم، ولا عند أبي حاتم بن حبان البستي.

يقومَ ثلاثةٌ منْ ذَوي الحِجَى منْ قَومهِ لَقدْ أصابتْ فلانًا فاقةٌ فحلّتْ لَهُ المسألةَ حتَّى يصيبَ قَوامًا منْ عَيشٍ" أو قال: "سَدادًا مِنْ عيشٍ فَما سِواهنّ يَا قبيصةُ منَ المسألةِ سُحتًا يَأكُلَها صاحبُهَا سُحْتًا" (¬1). خرجها أبو داود وقال: تقول: ثلاثة أيام (¬2). مسلم، عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لقد بعثنا هذين الغلامين لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلماه، فأمرهما على الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس وأصابا ما يصيب الناس، فبينما هما على ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما نفسناه عليك، قال علي: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع علي قال: فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: "أَخْرِجَا مَا تصرُرَانِ"، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمِّرَنَا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلًا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: "إِنّ الصَّدقةَ لاَ تَنبغِي لآلِ مُحمدٍ إِنَّما هِيَ أوساخُ النَّاسِ ادعُو لِي مَحْمِيَةَ" وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال: فجاءاه فقال لمحميّة: "أَنْكِحْ هَذا الغلامَ ابْنتكَ" (للفضل بن العباس) فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: "أَنْكِحْ هَذا الغلامَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1044). (¬2) كذا في المخطوطة والصواب حتى يقول ثلاثة كما في سنن أبي داود (1640).

ابْنتكَ" فأنكحني، وقال لمحمية: "أَصدقْ عَنهُمَا مِنْ الخُمسِ كَذَا وَكَذَا" (¬1). وفي لفظ آخر: "إِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتَ إِنَّمَا هِيَ أوساخُ النَّاسِ وَإنَّهَا لاَ تحلُّ لِمُحَمدٍ ولَا لآلِ مُحمدٍ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كخْ كخْ ارمِ بِها أَمَا عَلمتَ أَنَّا لاَ نَأكلُ الصَّدقةَ" (¬3). البخاري، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بطعام سأل عنه أصدقة أم هدية، فإن قيل صدقة قال لأصحابه: "كُلُوا" ولم يأكل معهم، وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم (¬4). النسائي، عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فأراد أبو رافع أن يتبعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الصّدقةَ لاَ تحلُّ لَنَا وإِنّ مَولَى القومِ مِنهُمْ" (¬5). أبو داود، عن ابن عباس قال: بعثني أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في إبل أعطاها إياه من الصدقة (¬6). زاد في طريق آخر أي يبدلها (¬7). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ يَومٍ يصبحُ العبادُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1072). (¬2) هو رواية من الحديث (1072) قبله. (¬3) رواه مسلم (1069) والبخاري (1491). (¬4) رواه البخاري (2576) ومسلم (1077). (¬5) رواه النسائي (5/ 107). (¬6) رواه أبو داود (1653). (¬7) رواه أبو داود (1654).

فيهِ إِلّا ملكانِ ينزلانِ فيقولُ أَحدُهُما للآخَرِ: اللَّهُمَّ أعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيقولُ الآخرُ: أَعطِ مُمسكًا تَلَفًا" (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَالَ لِي: أَنْفقْ يُنفَقْ عَلَيْكَ" (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمينُ اللهِ مَلأَى لا يقبضهَا سحاءَ اللّيلِ والنّهارِ، أرأيتُمْ مَا أنفقَ منذُ خلقَ السمواتَ والأَرضَ فَإنّهُ لَمْ يَقْضِ مَا فِي يمينِهِ" قال: "وعَرشُهُ عَلى الماءِ وبيدِهِ الأُخرى القبضُ يخفضُ ويَرفعُ" (¬3). وعن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تَصدّقُوا فَيوشكُ الرّجلُ يمشِي بصدقتِهِ فيقولُ الّذِي أُعطيهَا لَوْ جئتَنَا بِهَا بِالأمسِ قَبضتُهَا فَأمّا الآنَ فَلا حاجة لِي بِهَا، فَلاَ يَجِدْ مَنْ يَقبَلهَا" (¬4). مسلم، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليَأتيَنَّ عَلَى النّاسِ زَمانٌ يَطوفُ الرّجلُ بِالصّدقةِ مِنَ الذّهبِ ثُمَّ لاَ يجِدُ أَحدًا يأخذُهَا مِنْهُ ويُرَى الرّجُلُ الوَاحِدُ يتبعُهُ أربعونَ امرأةٌ يلذنَ بِهِ مِنْ قلَّةِ الرّجَالِ وكَثرةِ النِّسَاءِ" (¬5). الترمذي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الصّدقةَ لتطفِئُ غضبَ الرّبِ وتدفعُ مِيتةَ السّوءِ" (¬6). قال: هذا حديث حسن غريب. ومن مراسيل أبي داود عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: قالت عائشة: يا رسول الله أين عبد الله بن جذعان؟ قال: "فِي النَّارِ" قال: فاشتد عليها فقال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1010). (¬2) رواه مسلم (993). (¬3) رواه مسلم (993). (¬4) رواه مسلم (1011). (¬5) رواه مسلم (1012). (¬6) رواه الترمذي (664) وفي نسختنا هذا حديث غريب من هذا الوجه.

"يَا عَائِشَة مَا الَّذِي اشتدَّ عَليكِ" قالت: كان يطعم الطعام ويصل الرحم، قال: "أَمَّا إِنَّهُ يهونُ عَليهِ بِمَا تَقولينَ" (¬1). مسلم، عن جرير بن عبد الله قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى [بهم] ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. . .} إلى آخر الآية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} والآية التى في الحشر: {[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} "تصدق الرَّجل منْ دينارِهِ منْ درهمِهِ مِنْ ثَوبِهِ مِنْ صَاعِ برّهِ مِنْ صاعِ تمرِهِ"، (حتى قال:) "وَلَوْ بِشقِ تَمرةٍ" قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسلامِ سنّةً حَسنةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأجرُ منْ عمِلَ بِهَا [مِنْ] بعدِهِ مِنْ غيرِ أَنْ ينقصَ منْ أجورهِمْ شَيءٌ, ومنْ سنَّ فِي الإِسلامِ سنةً سَيِّئةَ فَلهُ وزرُهَا وزرُ منْ عمِل بِهَا مِنْ بعدِهِ مِنْ غيرِ أَنْ ينقصَ منْ أوزارِهِمْ شَيْءٌ" (¬2). البخاري، عن عدي بن حاتم قال: بَيْنَا أَنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: "يا عديُّ هَلْ رأيتَ الحيرةَ؟ " قلت: لم أرها وقد أُنبئت عنها، قال: "فَإِنْ طالَتْ بِكَ الحياةُ لترينَّ الظعينةَ تَرتحلُ منَ الحيرةِ حتَّى تطوفَ بالكعبةِ، لاَ تخافُ أَحَدًا إِلّا الله" قلت: فيما بيني وبين نفسي فأين دُعَّارُ طَيِّئٍ الذين قد سعروا البلاد، [قال]: ¬

_ (¬1) المراسيل (ص 119) وتحفة الأشراف (12/ 380). (¬2) رواه مسلم (1017) وما بين المعكوفين ليس عند مسلم.

"وَلئِنْ طالَتْ بِكَ حياةٌ لَتفتحنَ كنوزَ كسرَى" قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "كَسرى بن هِرمزٍ، ولئنْ طالتْ بِكَ حياةٌ لترينَّ الرجل يُخْرِجُ ملءَ كفِّهِ منْ ذهبٍ أَوْ فِضةٍ يطلبُ منْ يقبلهُ منْهُ فَلا يَجدُ أَحَدًا يقبلهُ مِنْهُ، وليلقينَّ الله أحدكُمْ يومَ يَلقَاهُ، وليسَ بينَهُ وبينَهُ ترجمانٌ يترجمُ لَهُ، فيقولنَّ لهُ: ألمْ أَبْعَث إليكَ رَسولًا فيُبلّغُك؟ فيقولُ: بلَى، فيقولُ: أَلمْ أعطِكَ مالًا وأُفْضِلُ عَلَيكَ؟ فيقولُ: بَلى، فينظُر عنْ يمينهِ فَلا يَرى إِلّا جهنَّمَ وينظرُ عَنْ يَسارِهِ فَلا يَرى إِلّا جهنَّمَ" قال عدي: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اتّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ تمرةٍ، فمنْ لَمْ يجد شِقَ تمرةٍ فبكلمةٍ طيّبةٍ" قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لَتَرَوُنُّ ما قال النبي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - يُخْرِجُ ملء كفه (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دينارٌ أنفقتُهُ فِي سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أَنفقتهُ فِي رقبةٍ، ودينارٌ تصدّقتُ بِهِ عَلَى مسكينٍ، ودينارٌ أنفقتُهُ عَلَى أَهلِكَ، أعظمُها أَجرًا الّذِي أنفقتَها عَلى أهلِكَ" (¬2). الترمذي، عن سلمان بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقةُ عَلَى المسكينِ وعَلَى ذِي الرّحمِ ثنتانِ صدقةٌ وَصِلَةٌ" (¬3). وصله مسلم عن بلال عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأله عن صدقة المرأة على زوجها وعلى أيتام في حجرها؟ فقال: "أجرانِ أجرُ القَرابةِ وأَجرُ الصّدقةِ" (¬4). هذا مختصر. وعن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3595). (¬2) رواه مسلم (995). (¬3) رواه الترمذي (659). (¬4) رواه مسلم (1000).

أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ قال: "نَعَمْ لَكِ فيهِمْ أَجرُ مَا أنفقتِ عَليهِمْ" (¬1). وعن أبي مسعود البدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ المسلمَ إِذَا أنفقَ عَلَى أَهلِهِ نفقةً وَهُوَ يحتسبهَا كانتْ لَهُ صدقةٌ" (¬2). وذكر أبو أحمد عن عبد الحميد الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ معروفٍ صدقةٌ ومَا أنفقَ الرّجلُ عَلَى نفسِهِ وأهلِهِ كُتبَ لَهُ صدقةٌ، وَما وَقى رجلٌ بِهِ عرضَهُ فَهوَ لَهُ صدقةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الرّجلُ مِن نفقةٍ فعلَى اللهِ خلفهَا إِلّا مَا كَانَ منْ نفقةٍ فِي بُنيانٍ أَوْ مَعصيةٍ" (¬3). قال عبد الحميد: قلت لابن المنكدر: ما وقى الرجل به عرضه قال: يعطي الشاعر أو ذا اللسان يتقي. عبد الحميد وثقه ابن معين. مسلم، عن حذيفة قال: قال نبيكم - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ معروفٍ صَدقةٌ" (¬4). وعن ميمونة بنت الحارث أنها أعتقت وليدة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لَوْ أَعطيتها أَخوالَكِ كانَ أَعْظَمَ لأجرِكِ" (¬5). وعن عائشة أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي أقبلت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: "نَعَمْ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1001). (¬2) رواه مسلم (1002). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1959) والقضاعي في مسند الشهاب (94). (¬4) رواه مسلم (1005). (¬5) رواه مسلم (999). (¬6) رواه مسلم (1004).

وفي طريق آخر: فلي أجر أن أتصدق عنها؟ قال: "نَعَمْ" (¬1). وعن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالًا، وكان أحب أمواله إليه بَيْرحَى وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن الله يقول في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إليّ بَيْرحَى، وإنها صدقة لله أرجو برهَا وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ ذَلِكَ مالٌ رابحٌ ذَلِكَ مالٌ رابِحٌ، قَدْ سمعتُ مَا قلتَ فِيهَا، وإِنِّي أَرَى أَنْ تجعلْهَا فِي الأَقربينَ" فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (¬2). زاد البخاري: ولو استطعت أن أسره لم أعلنه (¬3). البخاري، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أَنْفَقَ زوجينِ مِن شيءٍ مِنَ الأشياءِ فِي سبيلِ اللهِ دُعِيَ منْ أَبوابِ يعني الجنَّةِ يَا عَبدَ اللهِ هَذَا خيرٌ فَمنْ كانَ منْ أَهلِ الصّدقَةِ دُعِي منْ بابِ الصَّدقةِ، وَمَنْ كانَ منْ أهلِ الجهادِ دُعِي منْ بَابِ الجِهادِ، ومنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيامِ وبَاب الرَيّانِ" فقال أبو بكر: ما على الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: "نَعَمْ وَأرجُو أَنْ تكونَ منهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1004) في الوصايا في باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت. (¬2) رواه مسلم (998) والبخاري (1461 و 2318 و 2752 و 2758 و 2769 و 4554 و 4555 و 5611). (¬3) لم يروه البخاري بل رواه الترمذي (2997) وعبد بن حميد (1413) وأحمد (3/ 115 و 174 و 262) وابن خزيمة (2458 و 2459) وأبو يعلى (3732 و 3765) والطحاوي (3/ 289) وأخاف أن يكون النساخ حرفوا "الترمذي" إلى "البخاري". (¬4) رواه البخاري (3666) وعنده تقديم الجهاد على الصدقة، ورواه البخاري (1897 و 2841 و 3216) بألفاظ أخر، ورواه مسلم (1027).

مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تصدَّقَ أَحَدٌ بِصَدقةِ منْ طيبٍ وَلاَ يقبلُ اللهُ إِلَّا طيبًا إِلّا أخذَهُ الرَّحمنُ بيمِينِهِ وَإِنْ كانتْ تمرةٌ، فتربُوا فِي يدِ الرّحمنِ حتَّى تكونَ أعظمَ منَ الجبلِ كَما يُربِيِ أَحدُكُمْ فَلُوهُ أَوْ فصيلُهُ" (¬1). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعةٌ يظلّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يومَ لاَ ظِلَّ إِلّا ظلّهُ، إِمامٌ عَادِلٌ، وشابٌ نشأَ فِي عبادةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَ [رجلٌ] قلبُهُ معلقٌ فِي المساجدِ، ورجلانِ تحَابَّا فِي اللهِ اجتمعَا عَليهِ وتَفَرَّقَا عَليهِ، ورجلٌ دعتْهُ امرأةٌ ذاتَ منصبٍ وجمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدّقَ بِصدقةٍ فَأخفَاهَا حتَّى لاَ تعلمُ شمالُهُ مَا تُنفِقُ يمينُهُ، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خَالِيًا فَفاضَتْ عينَاهُ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا قال: "أَما وأبِيكَ لتنبأنَّ أنْ تصدّقَ وأَنتَ صحيحٌ شحيحٌ تَخشى الفقرَ وتَأملُ البَقَاءَ ولاَ تمهلُ حتّى إِذَا بلغتِ الحلقومَ، قلتَ لفلانٍ كَذَا ولِفُلانٍ كَذَا، وقَدْ كانَ لفلانٍ" (¬3). النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبقَ درهمٌ مائةَ ألفٍ" قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: "رجلٌ لَهُ درهمانِ فَأخذَ أَحَدَهُمَا فتصدّقَ بِهِ، وَرجلٌ لَهُ مَالٌ كثيرٌ فأخذَ منْ عرضِ مالِهِ مائةَ ألفٍ فتصَدَّقَ بِهَا" (¬4). أبو داود، عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا أن نتصدق فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1014). (¬2) رواه البخاري (1423) بهذا اللفظ، وهو عنده أيضًا (660 و 6679 و 6806). (¬3) رواه مسلم (1032). (¬4) رواه النسائي (3/ 59).

فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أبقيتَ لأَهلِكَ؟ " قلت: مثله، قال: وأتى أبا بكر بكل ما عنده، فقال: "مَا أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا (¬1). هذا يرويه هشام بن سعد وقد وثق وضعف. البخاري، عن كعب بن مالك في حديثه قال: إِنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمسكْ عَليكَ بعضَ مالِكَ فَهُو خيرٌ لكَ" (¬2). البخاري، عن حكيم بن حزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليدُ العُليَا خيرٌ منَ اليدِ السُفلى وابدأْ بمنْ تعولُ، وخيرُ الصدقةِ عَلَى ظهرِ غِنًى، ومنْ يستعففْ يعفّهُ اللهُ، ومَن يستغنِ يُغنِهِ اللهُ" (¬3). أبو داود، عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل بمثل بَيْضَةٍ من ذهب فقال: يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أتاه من قِبَلِ رُكْنهِ الأيمن، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من ركنه الأيسر فأعرض عنه، ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحذفه بها حذفة فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأتِي أحدُكُمْ بِمَا يملكُ فيقولُ: هذ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يقعدُ يستكفّ النّاسَ، خيرُ الصّدقةِ مَا كانَ عنْ ظهرِ غنًى" (¬4). في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم ذكره في قراءة أم القرآن من كتاب الصلاة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1678) والترمذي (3676). (¬2) رواه البخاري (2757). (¬3) رواه البخاري (1427). (¬4) رواه أبو داود (1673).

النسائي، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بهيئة بذة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أصلّيتَ؟ " قال: لا، قال: "صلِّ ركعتينِ" وحث الناس على الصدقة، فألقوا ثيابًا فأعطاه منها ثوبين، فلما كانت الجمعة الثانية جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فحث الناس على الصدقة، فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَاءَ هَذَا يومَ الجُمُعَةِ بهيئةٍ بَذّةِ فأمرتُ النّاسَ بالصدقةِ فألقُوا ثِيابًا، فأمرتُ لهُ منهَا بثوبينِ ثُمَّ جَاءَ الآنَ فأمرتُ النّاسَ بالصدقةِ، فأَلقى أَحَدَهُمَا" فانتهره وقال: "خُذْ ثَوبَكَ" (¬1). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليدُ العُليَا خيرٌ منَ اليدِ السُفلى، واليدُ العُليا المنفقة، واليدُ السُفلى السائِلَةُ" (¬2). في بعض لروايات في هذا الحديث "اليدُ العُليا هِي المنفقةُ" ذكر هذا أبو داود وقال أكثرهم: "اليدُ العُليا الْمُتَعَفِّفَةُ" (¬3). وذكر أبو داود أيضًا عن مالك بن نضلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأَيْدِي ثلاثةٌ، فيدُ اللهِ العُليَا ويدُ المُعطِي الّتِي تليهَا ويدُ السّائلِ السُّفلى، فَأعطِ الفضلَ وَلاَ تعجزْ عَنْ نفسِكَ" (¬4). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والّذِي نَفسِي بيدِهِ لإِنْ يأَخَذ أحدُكُم حبْلَه فَيَحْتطب عَلَى ظَهرِهِ خيرٌ لَهُ منْ أَنْ يأتِيَ رَجُلًا فيسألهُ أعطاهَ أَوْ مَنعَهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 106 - 107). (¬2) رواه مسلم (1033) وأبو داود (1648). (¬3) قاله بعد الحديث (1648). (¬4) رواه أبو داود (1649). (¬5) رواه البخاري (1470 و 1480 و 2074 و 2374).

أبو داود، عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك أن رجلًا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال [له]: "أَمَا فِي بيتكَ شَيءٌ؟ " قال. بلى حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْبٌ نشرب فيه من الماء، قال: "ائتنِي بِهمَا" فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: "مَنْ يَشترِي هذينِ؟ " فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "مَنْ يزيدُ عَلى درهمٍ؟ " مرتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: "اشتَرِ بأَحدِهِمَا طَعامًا فانبذْهُ إِلَى أَهلِكَ، واشترِ بالآخَرِ قَدّومًا فَائْتِنِي بِهِ" فأتاه به فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده ثم قال له: "اذهبْ فاحتطبْ وبِعْ ولاَ أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يَومًا" فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذَا خيرٌ لكَ منْ أَنْ تجيءَ المسألةُ نكتةً فِي وَجهكَ يومَ القِيامةِ، إِنَّ المسألةَ لاَ تصلحُ إِلّا لثلاثٍ، لذِي فقرٍ مدقعٍ أَوْ لذِي غَرمٍ مفظعٍ أَو لِذِي دمٍ مُوجعٍ" (¬1). أبو بكر الحنفي اسمه عبد الله، ولم أجد أحدًا ينسبه، وذكر الترمذي طرفًا من هذا الحديث وقال: حديث حسن (¬2). مسلم، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَألَ النّاسَ منْ أموالِهِمْ تكثّرًا فإِنّما يسألُ جَمرًا، فليَستقلْ أَوْ ليستكثِرْ" (¬3). النسائي، عن عائذ بن عمرو أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فأعطاه فلما وضع رجله في أسكفة الباب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تعلمونَ مَا فِي المسألةِ مَا مَشى أحدٌ إلى أَحدِ يسألْهُ شَيئًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1641). (¬2) رواه الترمذي (1218). (¬3) رواه مسلم (1041). (¬4) رواه النسائي (5/ 94 - 95).

أبو داود، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسائِلُ كدوحٌ يَكدحُ بِهَا الرّجلُ وَجهَهُ، فمن شَاءَ أَبْقَى عَلَى وجهِهِ ومن شَاءَ تَرَكَ، إلَّا أَنْ يسأَلَ الرّجلُ ذَا سلطانٍ أَو فِي أَمرٍ لاَ يجدُ مِنْهُ بُدًّا" (¬1). النسائي، عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسأل يا رسول الله؟ قال: "لا، وَإِنْ كنتَ سَائِلًا لاَ بدّ فَسلِ الصَّالِحِينَ" (¬2). ابن الفراسي لا أعلم روى عنه إلا مسلم بن مخشي. أبو داود، عن سليمان بن معاذ السلمي قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يسألُ بوجهِ اللهِ إِلّا الجنّة" (¬3). سليمان هذا لا أدري من هو، وكتبت حديثه حتى أسأل عنه، إلا أني رأيت فيه لأبي جعفر الطبري سليمان بن معاذ هذا في نقله نظر يجب التثبت فيه (¬4). وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله إني أسالك بوجه الله بما بعثك ربك إلينا، قال: "بِالإسْلاَمِ". خرجه النسائي (¬5). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء، فيقول له عمر: اعطه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُ فتمّولهُ أَوْ تصدّقْ بِهِ، وَمَا جاءَكَ منْ هَذَا المالُ وَأنْت غَيرَ مشرفٍ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1639) والترمذي (2600). (¬2) رواه النسائي (5/ 95). (¬3) رواه أبو داود (1671). (¬4) هو سليمان بن قرم بن معاذ قال الحافظ: سيئ الحفظ يتشيع. (¬5) رواه النسائي (5/ 4 - 5).

وَلا سَائلٍ فخذْهُ وَمَا لاَ فَلا تَتبعْهُ نَفسَكَ". قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يرد شيئًا أُعْطِيَهُ (¬1). وروي بالإسناد المتصل الصحيح إلى خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ جاءَهُ منْ أَخيهِ معروفٌ ومن غيرِ إشرافٍ ولاَ مسألةٍ فليقبلْهُ ولاَ يردُّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رزقٌ ساقَهُ اللهُ إِليْهِ" (¬2). ذكره أبو عمر بن عبد البر وغيره. مسلم، عن ألي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ المسكينُ بهذَا الطوافَ الّذِي يطوفُ عَلى النَّاسِ فتردّهُ اللّقمةُ واللقمتَانِ والتمرةُ والتمرتانِ" قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: "الَّذِي لاَ يجدُ غنًى يُغنِيهِ وَلا يُفطنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَليهِ، ولاَ يسألُ النَّاسَ شَيئًا" (¬3). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا نِساءَ المؤمناتِ لاَ تحقرنَ جارةٌ لِجارتهَا ولَوْ فرسنَ شاةٍ" (¬4). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أنفقَتِ المرأةُ منْ طعامِ بيتِهَا غَيرُ مفسدةٍ كانَ لَهَا أجرُهَا بِمَا أنفقت ولِزوجِهَا أجرهُ بِمَا كسبَ وَللخازِنِ مِثْل ذَلِكَ لاَ يُنقِصُ بعضُهُمْ أجرَ بعضٍ شَيئًا" (¬5). وفي رواية: "مِنْ بيتِ زَوجِهَا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1045). (¬2) رواه أحمد (4/ 220 - 221) وأبو يعلى (925) والطبراني في الكبير (4124) وصحح الحافظ إسناده في الإصابة (2/ 244). (¬3) رواه مسلم (1039). (¬4) رواه مسلم (1030). (¬5) رواه مسلم (1024). (¬6) رواية من الحديث (1024) قبله.

وفي أخرى في حديث أبي هريرة: "مِنْ غيرِ أمرِهِ فَلَهَا نصفُ أَجرِهِ" (¬1). أبو داود، عن زياد بن جبير عن سعد قال: لما بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقال: يا نبي الله إنا نأكل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرَّطْبُ تَأكلنُهُ وتُهدينَهُ" (¬2). سعد هذا ليس بابن أبي الوقاص، والحديث مرسل قاله ابن المديني. والرطب ساكن الطاء اسم جامع لكل ذات رطب نحو الخبز والبقل والرطب وغير ذلك. مسلم، عن عمير مولى أبي النجم قال: أمرني مولاي أن أقدد لحمًا، فجاءني مسكين فأطعمته منه، فعلم ذلك مولاي فضربني، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1026) ولفظه "فإن نصف أجره له". (¬2) رواه أبو داود (1686). ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 585) وعبد بن حميد (147) والبزار (1/ 208 - 209 مخطوطة أوقاف الرباط) وقال: لا نعلمه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا سعد بهذا الإسناد، قال ذلك بعد أن رواه في مسند سعد بن أبي وقاص. وكذلك عبد بن حميد رواه في مسنده. وقال أبو حاتم: هذا حديث مضطرب كما في العلل (2/ 305) لابنه. أما الدارقطني فقد ذكر الاختلاف فيه على يونس في العلل (4/ 382) وقال: يقال: إن سعدًا هذا رجل من الأنصار، وليس بسعد بن أبي وقاص، وهو أصح إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ في الإصابة (3/ 94 - 95) ويؤيد أنه غيره أن ابن منده أخرج من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا يقال له سعد على السعاية. فلو كان هو ابن أبي وقاص ما عبر عنه الراوي بهذا. أما ابن القطان فقد رجح ما رواه البزار من أنه سعد بن أبي وقاص كما قال الحافظ في النكت الظراف (3/ 282).

فذكرت ذلك له، فدعاه، فقال: "لَمْ ضَرَبتُه؟ " فقال: يعطي طعامي بغير أن آمره، فقال: "الأَجرُ بَينكُمَا" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يقولُ يومَ القِيامةِ: يَاْ ابنَ آدمَ مرضتُ فَلمْ تَعُدْنِي، قالَ: يَا ربِّ كَيفَ أعودُكَ وأنتَ ربُّ العالمينَ؟ قالَ: أَمَا علمتَ أَنَّ عبدِي فُلانًا مرضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، فَلَوْ عُدتَهُ لوجدتَنِي عِندَهُ، يَا ابنَ آدَمَ استطعمتكَ فَلمْ تُطعمنِي، قالَ: يَا ربِّ كيفَ أُطعِمُكَ وَأنتَ ربُّ العالمينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلمتَ أَنَّهُ استطعَمكَ عبدِي فلانٌ فَلَمْ تطعمْهُ، أَمَا علمتَ أَنَّكَ لَوْ أطعمتَهُ لوجدْتَ ذلكَ عندِي، يَا ابنَ آدمَ استسقيتُكَ فَلَمْ تسقِنِي، قَالَ: يَا ربِّ كيفَ أَسقِيكَ وَأنتَ ربُّ العَالمِينَ؟! قالَ: استسقاكَ عبدِي فلانٌ فَلَمْ تسقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سقيتَهُ وجدتَ ذَلِكَ عِندِي" (¬2). البخاري، عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فكُّوا العانِي أَي الأَسيرَ وَأطعِمُوا الجَائِعَ وعُودُوا المَرِيضَ" (¬3). وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن أصحاب الصفة كانوا ناسًا فقراء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ كانَ عندَهُ طعامُ اثنينِ فَليذهبْ بثالثٍ وإِنْ أربع فخامِسٌ أَوْ سَادسٌ" وإن أبا بكر جاء بثلاثة. . . . . وذكر الحديث (¬4). مالك، عن أم بجيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ردّوا االسّائِلَ وَلَوْ بِظلفٍ مُحرقٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1025). (¬2) رواه مسلم (2569). (¬3) رواه البخاري (3046 و 5174 و 5373 و 5649 و 7173). (¬4) رواه البخاري (602 و 3581 و 6140 و 6141). (¬5) رواه مالك (2/ 220).

وعن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَعطُوا السّائِلَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ" (¬1). وهذا مرسل. مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له. فجعل يَصْرِف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كَانَ معهُ فضلُ ظهرٍ فَلْيَعُدْ بهِ عَلَى مَن لاَ ظهرَ لَهُ، ومَنْ كَانَ لَهُ فضلٌ منْ زادِ فَليَعُدْ بهِ عَلَى من لاَ زادَ لَهُ" قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحد منا في فضل (¬2). الترمذي، عن رافع بن أبي عمرو قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني ثم ذهبوا بي إلى رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا رافعُ لِمَ ترمِي نخلَهُمْ؟ " قال: قلت: يا رسول الله الجوع قال: "لا ترمِ وكُلْ مَا وقعَ أشبعَكَ اللهُ وأروَاكَ" (¬3). قال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود، عن عبد الله بن عمرو قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إيّاكُمْ والشُحَّ فَإِنَّمَا هلكَ منْ كانَ قبلُكُم بِالشُّحِّ، أمرهُم بِالبخلِ فبخِلُوا، وأمرهُمْ بالقطيعةِ فقطعُوا، وأمرَهُمْ بالفجورِ فَفَجرُوا" (¬4). تم كتاب الزكاة يتلوه كتاب الصيام ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 258). (¬2) رواه مسلم (1728). (¬3) رواه الترمذي (1288). (¬4) رواه أبو داود (1698).

6 - كتاب الصيام

كتاب الصيام بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم باب فضل الصيام، والنهي أن يقال قمت رمضان وصمته، وقول لله عز وجل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وفيمن له الفدية مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا جاءَ رمضانُ فُتحَتْ أَبوابُ الجنَّةِ، وغُلّقتْ أبوابُ النّارِ، وصفّدتِ الشَياطينُ" (¬1). زاد النسائي: "ويُنادِي منادٍ كلّ ليلةٍ يَا طالبَ الخيرِ هلمّ ويَا طَالبَ الشّرِ أَمسِكْ" (¬2). رواه عن عرفجة رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كلُّ عملِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلّا الصّيامَ فَإنَّهُ لِي وَأَنَا أجزي بهِ، والصيامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كانَ يومُ صومِ أحدكُمْ فَلا يرفثُ يومئذٍ ولاَ يسخبْ فإِنْ سابهُ أحدٌ أَوْ قاتَلَهُ فلْيَقُلْ: إنِّي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1079). (¬2) رواه النسائي (4/ 130).

امرؤٌ صَائمٌ إِنِّي صَائمٌ، والّذِي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لخلوفُ فمِ الصّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ يومَ القِيامةِ مِنْ ريحِ المسكِ، وَللصَّائِمِ فرحتانِ يفرحُهمَا إِذَا أفطرَ فَرِحَ بفطرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ عزَّ وَجَلَّ فَرِحَ بصومِهِ" (¬1). النسائي، عن أبي أمامة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: مرني بأمر آخذه عنك قال: "عليكَ بِالصّومِ فإِنَّهُ لاَ مثلَ لَهُ" (¬2). مسلم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فِي الجنةِ بَابًا يقالُ لَهُ الريانُ يدخلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يومَ القِيامةِ لاَ يدخلُ معهُمْ أحدٌ غيرَهُمْ، يقَالُ: أَينَ الصَّائِمونَ؟ فَيدخلونَ منْهُ، فَإِذَا دَخلَ آخرُهُمْ أُغلِقَ فَلمْ يَدخُلْ منهُ أَحدٌ" (¬3). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عبدٍ يصومُ يَومًا فِي سبيلِ اللهِ إلَّا باعدَ اللهُ بِذلِكَ اليومَ وجهَهُ عنِ النّارِ سبعينَ خَريفًا" (¬4). أبو داود، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يقولنَّ أحدُكُمْ إِنِّي صمتُ رمضانَ كُلّهُ وقُمتَهُ كُلّهُ" فلا أدري أكره التزكية أو قال لا بد من نومة أو رقدة (¬5). وروى نجيح أبو معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تقُولُوا رمضانَ فَإِنَّ رمضانَ اسمٌ منْ أسماءِ اللهِ" (¬6). أبو معشر هذا من ضعفه أكثر ممن وثقه، ومع ضعفه يكتب حديثه. ذكر هذا الحديث ابن عدي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1151). (¬2) رواه النسائي (4/ 165). (¬3) رواه مسلم (1152). (¬4) رواه مسلم (1153). (¬5) رواه أبو داود (2415). (¬6) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 2517).

باب الصوم والفطر للرؤية أو العدة، وفي الهلال يرى كبيرا، والشهادة على الرؤية، وقوله عليه السلام: "شهران لا ينقصان" وما جاء في الهلال إذا أري نهارا وفي سقوطه قبل الشفق أو بعده

مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬1). البخاري، عن ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا (¬2). أبو داود، عن ابن عباس قال: أثبتت للحبلى والمرضع (¬3). الدارقطني، عن ابن عباس في هذا قال: يطعم كل يوم مسكينًا نصف صاع من حنطة (¬4). باب الصوم والفطر للرؤية أو العدة، وفي الهلال يرى كبيرًا، والشهادة على الرؤية، وقوله عليه السلام: "شهرانِ لاَ ينقُصانِ" وما جاء في الهلال إذا أرِيَ نهارًا وفي سقوطه قبل الشفق أو بعده مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فضرب بيده فقال: "الشهرُ هكذَا وَهكَذَا وهكَذَا" (ثم عقد إبهامه في الثالثة) "فَصُومُوا لِرُؤيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغميَ عليكُمْ فَأقدرُوا لَهُ ثَلاثينَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1145) والبخاري (4507). (¬2) رواه البخاري (4505). (¬3) رواه أبو داود (2317). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 207). (¬5) رواه مسلم (1080).

وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّا أُمّةٌ أميةٌ لاَ نكتبُ وَلاَ نحسِبُ، الشَّهرُ هكَذَا وهكَذَا وهكَذَا" وعقد الإبهام في الثالثة "والشّهرُ هَكذا وهَكذا" يعني تمام ثلاثين (¬1). وعن أبي البَخْتري قال: لقينا ابن عباس فقلنا: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم هو ابن ليلتين، فقال: أي ليلة رأيتموه؟ قال: قلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ مدّهُ للرؤيةِ فَهُوَ لليْلَةِ رَأيتمُوهُ" (¬2). وعن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستُهِلَّ علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). شك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي. أبو داود، عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1080) وهو رواية من الحديث قبله. (¬2) رواه مسلم (1088). (¬3) رواه مسلم (1087).

لأهلا الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم (¬1). وذكر أبو داود أيضًا عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه (¬2). أبو داود، عن الحسين بن الحارث أن أمير مكة خطب ثم قال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نمسك لرؤيته، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشهادتهما، ثم قال: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه؟ فقال: عبد الله بن عمر وصدق، كان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). أمير مكة هو الحارث بن حاطب الجمحي. وذكر الدارقطني من حديث ابن عمر وابن عباس قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال في رمضان، وقالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز شهادة الإفطار إلا برجلين (¬4). هذا يرويه أبو إسماعيل حفص بن عمر الأيلي عن ابن عمر بن كرام وأبي عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس، وأبو إسماعيل هذا ضعيف جدًا، وأبو حاتم يرميه بالكذب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2339). (¬2) رواه أبو داود (2342). (¬3) رواه أبو داود (2338). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 156).

البخاري، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "شهرانِ لا ينقصانِ شهرًا عيدٍ رمضانُ وذُو الحجّةِ" (¬1). وروى عبد الرحمن بن إسحق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ شهرٍ حرامٌ ثَلاثونَ يَومًا وثَلاثُونَ ليلةً" (¬2). ذكره أبو عمر في التمهيد وقال: لا يحتج بهذا، فإنه يدور على عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف. وعبد الرحمن هذا هو الواسطي قاله أبو أحمد وقال: "كلُّ شهرِ حرامٌ تَمامَ ثَلاثينَ يَومًا وثَلاثِين ليلةً" (¬3). وذكر الدارقطني عن عائشة قالت: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا صبح ثلاثين يومًا، فرأى هلال شوال نهارًا فلم يفطر حتى أمسى (¬4). في إسناده الواقدي وهو عندهم ضعيف بل متروك، واسمه محمد بن عمر. وذكر الدارقطني أيضًا عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الهِلالِ إِذَا سَقطَ قبلَ الشَفقِ فهُو لِلَيْلَةٍ، وإِذَا سَقطَ بَعدَ الشفقِ فَهُوَ: لِلَيلَتَينِ". إسناد هذا الحديث يرجع إلى حديث متروك. وفي هذا أيضًا حديث مجاشع بن عمرو، وعن عبد الله عن نافع عن ابن عمر. رواه نقية عن مجاشع وهو غير محفوظ أيضًا ولا يثبت (¬5). وذكر حديث مجاشع أبو أحمد بن عدي. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1912). (¬2) رواه ابن عبد البر في التمهيد (2/ 46 - 47). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1613). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 173). (¬5) الكامل (6/ 2449 - 2450) لأبي أحمد بن عدي.

باب متى يحرم الأكل، وفي السحور، وصفة الفجر، وتثبيت الصيام، ووقت الفطر وتعجيله، والإفطار على التمر أو الماء

باب متى يحرم الأكل، وفي السحور، وصفة الفجر، وتثبيت الصيام، ووقت الفطر وتعجيله، والإفطار على التمر أو الماء البخاري، عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صِرْمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت خيبة لك، فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (¬1). مسلم، عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله إني جعلت تحت وسادي عقالين عقالًا أبيض وعقالًا أسود أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ وسادَكَ لَعرِيضٌ إِنَّما هُو سَوادُ اللَّيلِ وضِياءُ النَّهارِ" (¬2). وعن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فكان الرجل إذا أراد أن يصوم ربط في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1915 و 4508) وأحمد (4/ 295) وأبو داود (2314) والترمذي (2968) والنسائي (4/ 147) والدارمي (1700) وابن خزيمة (1904). (¬2) رواه مسلم (1090).

رئْيُهُمَا، فأنزل الله بعد ذلك {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار (¬1). وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسحرُوا فَإِنّ فِي السّحورِ بَرَكةً" (¬2). وعن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَضلُ مَا بين صيامنَا وصيامُ أهلِ الكتابِ أَكلةُ السَّحرِ" (¬3). النسائي، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان فقال: "هَلمُّوا إِلى الغَداءِ المُبَارَكِ" (¬4). وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتسحر فقال: "إِنَّهَا بَركةٌ أعطاكُمُ اللهُ إِيَّاهَا فَلاَ تَدعُوهُ" (¬5). مسلم، عن ابن عمر قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلالًا يؤذنُ بِليلٍ فَكُلُوا واشربُوا حتَّى يؤذنَ ابنُ أمِ مكتومٍ" قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا (¬6). زاد البخاري: "فَإِنَّهُ لاَ يؤذنُ حتَّى يطلعَ الفَجرُ" خرجه من حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمعَ أحدُكُمُ النِّداءَ والإِنَاءُ عَلَى يَلِإِ فَلا يضعْهُ حتَّى يقضِي حاجَتَهُ مِنْهُ" (¬8). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1091). (¬2) رواه مسلم (1095). (¬3) رواه مسلم (1096). (¬4) رواه النسائي (4/ 145). (¬5) رواه النسائي (4/ 145). (¬6) رواه مسلم (1092). (¬7) رواه البخاري (1918 و 1819) من حديث ابن عمر وعائشة. (¬8) رواه أبو داود (1350).

النسائي، عن عاصم عن زر قال: قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع (¬1). مسلم، عن أنس عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال: خمسين آية (¬2). وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يغرنَّكُمْ من سحورِكُمْ أَذانَ بِلالٍ وَلا بياضَ الأُفقِ المستطيلِ هَكَذا حتَّى يستطيرَ هكذَا". وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضًا (¬3). وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يمنعنَّ أحدًا منكُمْ أذانَ بلالٍ" أو قال: "نداءَ بلالٍ مِنْ سحورِهِ، فَإنَّهُ يُؤذنُ" أو قال: "يُنَادِي لِيرجعَ قَائِمُكُمْ ويوقظَ نائِمُكُمْ" وقال: "ليسَ أنْ يقولَ هَكَذَا وهكَذا، (وضرب يده ورفعها) حتَّى يقولَ هكذَا" وفَرَّج بين إصبعيه (¬4). وفي لفظ آخر: "إِنَّ الفجرَ ليسَ الّذِي يقولُ هكَذَا" (وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض) "ولكن الّذِي يقولُ هَكَذا" (ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه) (¬5). زاد البخاري: عن يمينه وشماله (¬6). النسائي، عن حفصة أم المؤمنين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ لَمْ يُبت الصِّيامَ منَ اللَّيلِ فَلا صيامَ لَهُ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 142). (¬2) رواه مسلم (1097) والبخاري (1921). (¬3) رواه مسلم (1094). (¬4) رواه مسلم (1093). (¬5) رواه مسلم (1093). (¬6) رواه البخاري (621). (¬7) رواه النسائي (4/ 197).

رواه جماعة فأوقفوه على حفصة، والذي أسنده ثقة. وخرجه الدارقطني من حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: في رواية كلهم ثقات كذا قال، وقد روي أيضًا موقوفًا على عائشة (¬1). مسلم، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر في شهر رمضان، فلما غابت الشمس قال: "يَا فلانُ انزلْ فاجدَحْ لنا" قال: يا رسول الله إن عليك نهارًا، قال: "انزِلْ فاجدَحْ لَنَا" قال: فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال بيده: "إِذَا غَابَتِ الشَّمسُ منْ هَا هُنَا وجَاءَ اللَّيلُ منْ هَا هُنَا فقدْ أفطرَ الصَّائِمُ" (¬2). وعن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يزالُ الناسُ بخيرٍ مَا عجّلُوا الفِطرَ" (¬3). وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة، فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: يعني عبد الله بن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). الترمذي، عن سلمان بن عمر الضبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَفطَرَ أحدُكُمْ فليَفطرْ عَلى تمرٍ فإنْ لَمْ يَجِدْ فَليفطرْ عَلَى مَاءٍ فَإنَّهُ طهورٌ" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 172). (¬2) رواه مسلم (1101). (¬3) رواه مسلم (1098). (¬4) رواه مسلم (1099). (¬5) رواه الترمذي (658) وأبو داود (2355).

باب في صيام يوم الشك، والنهي أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والنهي عن الوصال في الصوم، وما جاء في القبلة والمباشرة للصائم، وفي الصائم يصبح جنبا

أبو داود، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن [تمرات] حسى حسوات من ماء (¬1). باب في صيام يوم الشك، والنهي أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والنهي عن الوصال في الصوم، وما جاء في القبلة والمباشرة للصائم، وفي الصائم يصبح جنبًا الترمذي، عن عمار بن ياسر قال: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تقدمُوا رمضانَ بصومِ يومٍ ولاَ يومين إلَّا رجلٌ كانَ يصومُ صَومًا فَليصمْهُ" (¬3). وروى مبشر بن عبيد وهو متروك عن حميد الطويل عن أنس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام الراداة يعني آخر يوم من الشهر (¬4). لا يرويه غير مبشر ذكره أبو أحمد. وذكر أبو داود عن عبد الله بن العلاء بن زيد عن المغيرة بن فروة قال: ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2356) والترمذي (694). (¬2) رواه الترمذي (686) وأبو داود (2334). (¬3) رواه مسلم (1582). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2412) كذا في المخطوطة وفي الكامل عن صيام الدارة.

قام معاوية في الناس بِدَيْرِ مِسْحَلٍ الذي على باب حمص، فقال: أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام، فمن أحب أن يفعله فليفعله قال: فقام إليه مالك بن هبيرة السبئي فقال: يا معاوية أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شيء من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صومُوا الشَّهرَ وسرَّهُ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، فقال رجل من المسلمين، فإنك يا رسول الله تواصل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَأيّكُمْ مثْلِي؟! إِنِّي أبيتُ يُطعمُنِي ربِّي ويسقِينِي" فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال، فقال: "لَوْ تأخَّرَ الهِلاَلُ لزدتكُمْ" كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا (¬2). وعن أنس قال: واصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين، فبلغه ذلك فقال: "لو مُدَّ لَنَا الشَّهرُ لَواصلنَا وِصَالًا يدعُ المتعمقونَ تعمقَهُمْ. . . . ." وذكر الحديث (¬3). وعن عائشة قالت نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: "إِنِّي لستُ كهيئتِكُمْ إِنِّي أبيتُ يطعمُنِي ربِّي ويسقِينِ" (¬4). البخاري، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تواصلُوا فأيُّكُمْ إِذَا أرادَ أَنْ يُواصلَ فَليواصلْ حتَّى السحرِ" قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: "إِني لستُ كهيئتكُمْ إِنِّي أبيتُ لِي مطعمٌ يطعمنِي وساقٍ يسقِينِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2329). (¬2) رواه مسلم (1103). (¬3) رواه مسلم (1104). (¬4) رواه مسلم (1105). (¬5) رواه البخاري (1963).

مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلُ وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لأربه (¬1). وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَلْ هَذِهِ" (لأم سلمة) فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قَدْ غَفَرَ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبكَ وَما تأَخَّرْ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا واللهِ إِني لأتقاكُمْ للهِ وأخشَاكُمْ لَهُ" (¬2). النسائي، عن [جابر أن] عمر بن الخطاب قال: هششت يومًا فقبلت وأنا صائم، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صنعت أمرًا عظيمًا قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتَ لَوْ تمضمضتَ بماءٍ وَأَنتَ صَائِمٌ؟ " قلت: لا بأس بذلك، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَفِيمَ" (¬3). أبو داود، عن أبي هريرة أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم، قال: فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب (¬4). هذا حديث في إسناده رجل يقال له أبو العنبس عن الأغر، وأبو العنبس هذا يقال إنه مَجْهول ذكر ذلك أبو محمد، ولم أجد أحدًا ذكره ولا سماه والله أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1106). (¬2) رواه مسلم (1108). (¬3) رواه النسائي في الصيام من الكبرى "كما في تحفة الأشراف (8/ 17) وما بين المعكوفين ليس في المخطوطة. ورواه أبو داود (2385) وقال النسائي: هذا حديث منكر. (¬4) رواه أبو داود (2387). (¬5) المحلى (6/ 208) وأبو العنبس ذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/ 278) وأورده ابن حبان في الثقات (6/ 177) وقال اسمه الحارث، وقال يونس بن بكير: هو جدي لأمي واسمه الحارث بن عبيد بن كعب من بني عدي. وقال الحافظ في التقريب: مقبول.

ويروى بإسناد آخر إلى أبي هريرة فيه ابن لهيعة عن قيس مولى نجيب ولا يصح أيضًا، ولفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها الشاب. وبإسناد آخر إلى أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه عثمان بن مقسم البري عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة. ذكره أبو أحمد (¬1). عثمان قد تقدم ذكره، وذكره ابن لهيعة. وذكر الدارقطني عن أبي يزيد الضبي عن ميمونة بنت سعد قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل قبل امرأته وهما صائمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفَطرا جَمِيعًا معًا" (¬2). قال: لا يثبت هذا وأبو يزيد غير معروف. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن حمزة بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر عن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو لا ينظرني، فقلت يا رسول الله ما لك لا تنظرني؟ قال: "أَنتَ الَّذِي تُقبِّلُ وأنتَ صَائِمٌ" فقلت: إني لا أعود أقبل وأنا صائم (¬3). عمر بن حمزة ضعفه يحيى بن معين والنسائي. وقال فيه أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. وهذا الحديث ذكره أبو بكر البزار أيضًا (¬4). أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1807). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 183 - 184). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1679). (¬4) رواه أبو بكر البزار (1018 كشف الأستار). (¬5) رواه أبو داود (2386) وابن خزيمة (2003).

باب الحجامة للصائم، وفيمن ذرعه القيء، ومن نسي فأكل، أو شرب وهو صائم، وفيمن جهده الصوم

لا تصح هذه الزيادة في مص اللسان لأنها من حديث محمد بن دينار عن سعد بن أوس ولا يحتج بهما. وقد قال ابن الأعرابي بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الحديث ليس بصحيح. النسائي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يامر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا. قال أبو هريرة في طريق آخر: لم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حدثني بذلك الفضل بن العباس (¬1). وفي طريق آخر: إنما كان أسامة بن زيد حدثني بذلك (¬2). مسلم، عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهما قالتا: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم (¬3). وقال البخاري: هذا أسند من الأول، يعني من حديث الأمر بالفطر. باب الحجامة للصائم، وفيمن ذرعه القيء، ومن نسي فأكل، أو شرب وهو صائم، وفيمن جهده الصوم أبو داود، عن شداد بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: "أفطرَ الحاجِمُ وَالمحجُومُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 270 - 271). ورواه البخاري (1926 و 1932) ومسلم (1109). (¬2) رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (1/ 61). (¬3) رواه مسلم (1109) وانظر الحديث (1925 - 1926) من صحيح البخاري. (¬4) رواه أبو داود (2368 و 2369).

وفيه عن ثوبان ورافع بن خديج (¬1). قال أبو داود: سألت أحمد بن حنبل أي حديث أصح في أفطر الحاجم والمحجوم؟ قال: حديث ابن خديج عن مكحول عن شيخ من الحي عن ثوبان، وفي بعض طرقه شيخ من الحي مصدق (¬2). وقال الترمذي: ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع. وعن علي بن المديني: أصح شيء في هذا الباب حديث شداد بن أوس وثوبان. وذكر الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبلة للصائم وفي الحجامة للصائم (¬3). أسنده معتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، وغيره يرويه موقوفًا. وذكره أبو بكر البزار أيضًا (¬4). البخاري، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم (¬5). أبو داود، عن معدان بن أبي طلحة أن أبا الدرداء حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، قال: فلقيت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد دمشق، فقلت: ¬

_ (¬1) حديث ثوبان عند أبي داود (2367 و 2370 و 2371) وغيره، وحديث رافع بن خديج رواه الترمذي (774). (¬2) انظر مسائل أبي داود (ص 311). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 182). (¬4) رواه البزار (1012 كشف الأستار) من طريق الثوري عن خالد الحذاء كالدارقطني عن أبي المتوكل به ورواه (1013) من طريق حماد بن سلمة عن حميد به. ورواه الدارقطني (2/ 181) من طريق معتمر بن سليمان عن حميد به. (¬5) رواه البخاري (1938).

إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، قال: صدق وأنا صببت له وضوءه (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ ذَرَعَهُ القَيءُ وَهُوَ صَائِمٌ فليسَ عليهِ القَضاءَ, وإِنْ استقَاءَ فَليقضِ" (¬2). هذا يرويه عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة كلهم ثقة. وبهذا الإسناد ذكره الترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس. قال محمد، يعني البخاري: لا أراه محفوظًا. قال الترمذي: والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الصَائِمَ إِذَا ذَرعَهُ القَيءُ فَلا قضاءَ عَليهِ، وإِذَا استسقَى عَمدًا فَليقضِ". وروى هشام بن سعد عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ لاَ يفطرنَ الصَّائِمَ القيءُ والرعافُ والاحتلامُ" (¬3). هكذا يقول هشام، وغيره يرويه عن أبي سعيد، ومنهم من يرسله، وهشام يكتب حديثه ولا يحتج به. ذكر هذا الحديث أبو أحمد بن عدي. وأما حديث أبي سعيد الذي أشار إليه فرواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكره الترمذي وقال: حديث غير محفوظ، وذكر ضعف عبد الرحمن (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2381) والترمذي (87). (¬2) رواه أبو داود (2380) والترمذي (720). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2567). (¬4) رواه الترمذي (719).

وقد رواه حماد بن خالد عن أسامة بن زيد عن أبيه بهذا، وإنما يعرف من حديث عبد الرحمن بن زيد. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ نَسِيَ وهوَ صائمٌ فَأكلَ أَوْ شربَ فليتمَّ صَومَهُ، فَإنّما أطعَمهُ اللهُ وسقَاهُ" (¬1). الدارقطني، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أكلَ الصائمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإنّما هُوَ رِزقٌ ساقَهُ اللهُ إليهِ وَلا قَضَاءَ عَليهِ" (¬2). قال في إسناده: إسناد صحيح وكلهم ثقات. وقال في طريق أخرى: "منْ أفطر منْ شَهْرِ رَمضَانَ نَاسيًا فَلاَ قَضَاءَ عَليهِ وَلا كَفّارةً" (¬3). وهو صحيح أيضًا، ذكر الحديثين في كتاب السنن. وذكر عن أنس بن مالك عن أبي طلحة أنه كان يأكل البرد وهو صائم، ويقول: ليس بطعام ولا شراب. قال: يرويه قتادة وحميد عن أنس موقوفًا، وخالفهما علي بن زيد فرواه عن أنس وقال: فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: "خُذْ عنْ عمتِكَ" (¬4). قال: الموقوف هو الصحيح. النسائي، عن عائشة أنها صامت في رمضان فأجهدت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تفطر. زاد في أخرى أن تقضي مكانه يومين. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1155) والبخاري (1933 و 6669) وأبو داود (2398) والترمذي (721). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 178). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 178). (¬4) روى المرفوع أبو يعلى (1424 و 3999) والبزار (1021 كشف الأستار) والموقوف رواه أحمد (3/ 279) والبزار (1022).

باب حفظ اللسان وغيره في الصوم، وذكر الأيام التي نهي عن صيامها

وفي أخرى يومًا أو يومين على الشك. وهذا أصح من الذي قبله. باب حفظ اللسان وغيره في الصوم، وذكر الأيام التي نُهي عن صيامها النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لَمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بِهِ والجهلَ فِي الصَّومِ فَلَيْسَ للهِ حاجَةٌ فِي تركِ طعامِهِ وشَرَابِهِ" (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث خراش بن عبد الله وهو مجهول عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ تأمَلَ خَلقَ امرأةٍ حتَّى يستبينَ لَهُ حَجمَ عِظامِهَا منْ وراءِ ثيابِهَا وهُوَ صائمٌ فَقدْ أَفطرَ" (¬2). خراش هذا له صحيفة، وهذا الحديث منها، والذي يرويها عنه ضعيف. وذكر أيضًا من حديث عبد الرحيم بن هارون الغساني ثم الواسطي حدثنا هشام بن حسان عن محمدبن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصَّائِمُ فِي عِبَادَةٍ مَا لَمْ يَغْتَبْ" (¬3). قال: لم أر للمتقدمين كلامًا في عبد الرحيم، قال: وإنما ذكرته لأحاديث رواها مناكير عن قوم ثقات، وذكر فيها هذا الحديث. وقال أبو حاتم في عبد الرحيم هذا: مجهول لا أعرفه (¬4). ¬

_ (¬1) ورواه البخاري (1903 و 6057) وأبو داود (2362) ومسلم (707) وابن ماجه (1689) والنسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (10/ 308). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 946). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1922). (¬4) الجرح والتعديل (4/ 340) لابن أبي حاتم، وأورده ابن حبان في الثقات (8/ 413) =

مسلم، عن أبي هريرة رواية: "إِذَا أصبحَ أحدُكُمْ يَومًا صَائِمًا فَلا يرفثُ ولاَ يجهلُ، فَإِن امرؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتلَهُ فَليقلْ إِنِّي صائمٌ إِنِّي صائِمٌ" (¬1). النسائي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تساب وأنتَ صائمٌ، فَإِنْ سَبّكَ أحدٌ فقلْ: إِنِّي صائمٌ، وإِذَا كنتَ قَائِمًا فَاجلِسْ". الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَقىَ نصفٌ منْ شَعبانَ فَلا تَصومُوا" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. ومن طريق وكيع: "فَأمسِكُوا عنِ الصَومِ حَتَّى يكونَ رمضانَ" (¬3). أبو داود، عن عبد الله بن بسر عن أخته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تصومُوا يومَ السبتِ إِلّا فِيمَا افتُرِضَ عَليكُمْ، فإنْ لَمْ يَجدْ أحدُكُمْ إلَّا عودَ عنبٍ أَوْ لِحَاءَ شجرةٍ فَليمضَغْهُ" (¬4). قال أبو داود: هذا منسوخ، وذكر حديث جويرية الذي يأتي بعد من طرف البخاري (¬5). وقال أبو عيسى في حديث عبد الله بن بسر: هذا حديث حسن (¬6). ¬

_ = وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات من كتابه، فإن فيما حدث من غير كتابه بعض المناكير، وقال الدارقطني في سؤالات البرقاني (ص 46) متروك يكذب، ولذا قال الحافظ في التقريب: ضعيف كذبه الدارقطني. ووقع في التقريب عبد الرحيم بن هانئ، وهو خطأ مع أن المحقق حققه على نسخة بخط المؤلف. (¬1) رواه مسلم (1151). (¬2) رواه الترمذي (738). (¬3) رواه البيهقي (4/ 209) بلفظ "حتى يدخل رمضان" ولكن ليس من طريق وكيع. (¬4) رواه أبو داود (2421) ولفظه "وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة". (¬5) رواه أبو داود (2422) وسيأتي (ص 226) تعليق (4). (¬6) قال ذلك بعد أن رواه (744).

وقال أبو داود في باب الرخصة في ذلك: قال مالك: هذا كذب يعني النهي عن صيام يوم السبت. ولعل مالكًا رضي الله عنه إنما جعله كذبًا من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاعي فإنه كان يرمى بالقدر، ولكنه كان ثقة فيما روى قاله يحيى وغيره. وقد روى عن الجلة مثل يحيى بن سعيد القطان وابن المبارك والثوري وغيرهم. وقيل في هذا الحديث عن عبد الله بن بسر عن عمته الصماء وهو أصح، واسمها بهية، وقيل: بهيمة (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر (¬2). وعن نبيشة الهذلي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيامُ التَّشريقِ أيامُ أَكلٍ وَشُربٍ" (¬3). زاد في رواية: "وذكر اللهِ تَعالَى". الترمذي، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وَأيامُ التّشريقِ عِيدُنَا أَهلُ الإِسلامِ وهِيَ أيامُ أَكلٍ وشُربٍ" (¬4). زاد أبو عبيد في غريبه "وَبعالٍ" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (2165) والبيهقى (4/ 302). (¬2) رواه مسلم (1138). (¬3) رواه مسلم (1141). (¬4) رواه الترمذي (773) وأبو داود (2419) والنسائي (5/ 252). (¬5) الغريب (1/ 182) لأبي عبيد.

باب فيمن دعي إلى طعام وهو صائم، وفي الصيام المتطوع يفطر، وفيمن ينوي الصيام من النهار

البخاري، عن عائشة وابن عمر قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (¬1). الترمذي، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الفطرُ يومَ يفطرُ النّاسُ والأَضحَى يومَ يضحُّونَ" (¬2). قال: حديث حسن صحيح. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يصمْ أحدُكُمْ يومَ الجُمعةِ إلَّا أَنْ يصومَ قَبلَهُ أَو يصومَ بعدَهُ" (¬3). البخاري، عن جويرية بنت الحارث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "أَصمتِ أَمس؟ " قالت: لا، قال: "تُريدينَ أَنْ تَصومِي غَدًا؟ " قالت: لا، قال: "فَأَفطِرِي" (¬4). باب فيمن دعي إلى طعام وهو صائم، وفي الصيام المتطوع يفطر، وفيمن ينوي الصيام من النهار مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دُعِيَ أحدُكُمْ إِلَى طعامٍ وهُوَ صائمٌ فَلَيقلْ إِنِّي صائمٌ" (¬5). وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِيَ أحدُكُمْ فَليجبْ، فَإِنْ كانَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1997 و 1998). (¬2) رواه الترمذي (802). (¬3) رواه مسلم (1144). (¬4) رواه البخاري (1986) وأبو داود (2422) وتقدم (930). (¬5) رواه مسلم (1150).

صَائِمًا فَليصلْ، وإنْ كانَ مُفطرًا فَليطعمْ" (¬1). البخاري، عن أنس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم فأتيته بتمر وسمن، قال: "أَعيدُوا سمنَكُمْ فِي سقائِهِ وتمرَكُمْ فِي وعائِهِ فَإِنِّي صائمٌ" ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة، قال: "مَا هِيَ؟ " قالت: خادمك أنس، قال: فما ترك خَيْرَ آخرةٍ ولا دنيا إلا دَعا لي به، اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له، فإني لأكثر الأنصار مالًا وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصُلبِي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة (¬2) مسلم، عن وكيع عن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هَلْ عندكمْ شَيءٌ؟ " فقلنا: لا، قال: "إِنِّي إِذًا صائِمٌ" ثم أتى يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: "أَرِنيهِ فَلقَدْ أصبحتُ صَائِمًا" فأكل (¬3). وزاد البخاري: "ولَكنْ أَصومُ يَومًا مَكانَهُ" (¬4). وقال: عن عائشة قالت: أصبحت صائمة أنا وحفصة، فأهدي لنا طعام فأعجبنا، فأفطرنا، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني حفصة فسألته، فقال: "صُوما يَومًا مَكانَهُ" (¬5). وفي بعض ألفاظ النسائي، فقلت: أهدي لنا حيس فقال: "إذًا أَفطرُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1150). (¬2) رواه البخاري (1982). (¬3) رواه مسلم (1154). (¬4) لم يروه البخاري وإنما رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 404). (¬5) رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 427) ورواه هو كما في تحفة الأشراف (5/ 12) وأبو داود (2457). من طريق زميل به.

اليومَ وَقَدْ فرَضْت الصَّومَ" رواه من طريق سماك عن رجل عن عائشة بنت طلحة عن عائشة (¬1). وأحسن إسناد الحديث النسائي هذا عن عائشة عن رجل في قضاء اليوم، ما رواه زميل مولى عروة عن عائشة. قال النسائي: وزميل ليس بمشهور. قال في زيادة من زاد "ولكنْ أصومُ يومًا مَكَانَهُ" هذا خطأ قد روى الحديث جماعة عن طلحة فلم يذكر أحد منهم ولكن أصوم يومًا مكانه. هذا خطأ وهذه الرواية هي من زيادة سفيان بن عيينة عن طلحة. وحديث الأمر بالقضاء رواه أيضًا جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرو عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجه النسائي (¬2). وتابعه الفرج بن فضالة عن يحيى. قال الدارقطني: وهم فيه جرير وفرج وخالفهما حماد بن زياد وعباد بن العوام ويحيى بن أيوب فرووه عن يحيى بن سعيد عن الزهري مرسلًا. وقال النسائي من حديث أبي الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا مثلُ صوم التّطوعِ مثل الَّذِي يخرجُ منْ مالِه الصدقةَ، فإِنْ شاءَ أمضَاهَا وإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا" (¬3). وقال في حديث شريك عن طلحة بهذا الإسناد فقلت: يا رسول الله دخلت عليّ وأنت صائم، ثم أكلت حيسًا، قال: "نَعَمْ يَا عَائِشَةُ إِنَّمَا منزلةُ منْ صامَ فِي غيرِ رمضانَ أَو فِي التطوع بِمنزلةِ رجلٍ أَخرجَ صدقةَ مَالَهُ فجادَ مِنهَا بمَا ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 195 - 196). (¬2) حديث جرير تقدم (496) وأن النسائي رواه في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 427). (¬3) رواه النسائي (4/ 193 - 194) وعنده "حبسها" بدل "تركها".

شَاءَ فَأَمَضَاهَا، وبخلَ بمَا بقيَ فَأَمَسَكَهُ". وهو عند مسلم من قول مجاهد (¬1). وذكر أبو داود من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ صامَ تطوّعًا فَهُوَ بالخيارِ مَا بينَهُ وبينَ نصفِ النّهارِ" (¬2). وجعفر بن الزبير متروك وكان رجلًا صالحًا رحمه الله. أبو داود أيضًا من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على حفصة وعائشة وهما صائمتان، ثم خرج ورجع وهما يأكلان، فقال: "أَلَمْ تَكونَا صِائِمتَينِ؟ " قالتا: بلى ولكن أهدي لنا هذا الطعام فأعجبنا فأكلنا منه، قال: "صُومًا يومًا مكانَهُ" (¬3). في إسناده خطاب بن القاسم عن حصيف. وقال فيه النسائي: حديث منكر. وذكر النسائي عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن هارون بن هانئ عن أم هانئ قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا صائمة، فأتي بإناء من لبن فشرب منه، ثم ناولني فشربت، فقلت: يا رسول الله إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن كانَ منْ قضاءِ رمضانَ فَاقْضِ يومًا مكانَهُ، وإنْ كانَ منْ غيرِ قضَاءِ رمضانَ فإنْ شئتِ فَاقْضِ، وإنْ شِئتِ فَلا تَقضِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم بعد الحديث (1154). (¬2) لم يروه أبو داود، وإنما رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 559). (¬3) رواه النسائي في الصوم من الكبرى كما في تحفة الأشراف (5/ 129 - 130). ورواه الطبراني في الكبير (12027). (¬4) رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 457) ورواه أبو داود (2456) والترمذي (732) وأحمد (6/ 343 - 344 و 424) والحاكم (1/ 439).

باب النهي أن تصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها، وكفارة من وطئ في رمضان، وفي الصيام في السفر

هذا أحسن أسانيد أم هانى وإن كان لا يحتج به. وذكر أبو محمد من حديث عبد الباقي بن نافع بسنده إلى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح ولم يجمع الصوم، فيبدو له فيصوم (¬1). إسناد هذا الحديث ضعيف جدًا عمر بن هارون عن يعقوب عن عطاء، وعبد الباقي أيضًا تركه أصحاب الحديث، وكان اختلط عقله قبل موته بسنة، وفي هذا الحديث من الزيادة: ولم يجمع الصوم. باب النهي أن تصوم المرأة تطوعًا بغير إذن زوجها، وكفارة من وطئ في رمضان، وفي الصيام في السفر مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَصُمِ المرأةُ وبعلُهَا شاهدٌ [عَليهَا] إِلّا بإذنِهِ، ولاَ تأذنْ فِي بيتهِ وهُوَ شاهدٌ إِلّا بإذنِهِ، ومَا أنفقَتْ منْ كَسبِهِ مِنْ غيرِ إذنهِ فَإنَّ نصفَ أجرِهِ لَهُ" (¬2). وقال أبو داود: "غير رمضان" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت يا رسول الله، قال: "وَمَا أهلَكَكَ؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: "هَلْ تَجِدُ مَا تعتقُ رقبةً؟ " قال: لا، قال: "فَهلْ تستطيعُ أَنْ تصومَ شهرينِ متتابعينِ؟ " قال: لا، قال: "فهلْ تَجدُ ما تطعمُ ستينَ مِسكِينًا؟ " قال: لا، ثم جلس فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر فقال: "تَصَدَّقْ بِهذَا" قال: أفقرَ مِنَّا فما بين ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 173). (¬2) رواه مسلم (1026) وليس عنده كلمة [عليها]. (¬3) رواه أبو داود (2458).

لابتيها أهل بيت أفقر إليه منا، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه ثم قال: "اذهبْ فأطعِمْهُ أهلَكَ" (¬1). وفي طريق أخرى قال: "فكُلُوهُ" (¬2). وفي حديث عائشة فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به (¬3). وقوله: "فكُلُوهُ" هو من حديثها أيضًا. وقال أبو داود: فأتي بعرق تمر فيه قدر خمسة عشر صاعًا، وقال فيه: "كلْهُ أنتَ وَأهلُ بيتِكَ، وصُمْ يَومًا واسْتَغْفِرِ اللهَ". وفي أخرى: بعرق فيه عشرون صاعًا. وطريق مسلم أصح وأشهر وليس فيه صم يومًا ولا مكيلة التمر ولا الاستغفار، وإنما يصح حديث القضاء مرسلًا. وكذلك رواه مالك أيضًا وذكره في المراسيل وهو من مراسيل سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هلْ تستطع أَنْ تعتقَ رقبةً؟ " قال: لا، قال: "فَهَلْ تستطعْ أَنْ تهدِي بدنةً؟ " قال: لا (¬4). مسلم، عن أنس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حار، أكثرنا ظلًا صاحب الخباء [الكساء]، ومنا من يتق الشمس بيده، قال: فسقط الصوام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ" (¬5). وعن أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1111). (¬2) رواه مسلم (1112) من حديث عائشة. (¬3) رواه مسلم (1112). (¬4) رواه مالك (1/ 218). (¬5) رواه مسلم (1119).

صيام، قال: فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ قَدْ دنوتُمْ مِنْ عدوِّكُمْ، والفطرُ أَقوَى لَكُمْ" فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر، فقال: "إِنَّكُمْ مصبحُو عدوِّكُمْ والفطرُ أَقوى لَكُمْ فأَفْطِروا" فكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر (¬1). وعن أبي سعيد أيضًا قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (¬2). النسائي، عن عائشة أنها اعتمرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرتَ وأتممتُ وأفطرتَ وصمت، قال: "أَحسنتِ يَا عَائِشَةَ" وما عاب عليَّ (¬3). مسلم، عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ رخصةٌ منَ اللهِ فمنْ أخذَ بِهَا فَحسنٌ، ومنْ أحبَ أَن يصومَ فَلا جناحَ عَليهِ" (¬4). وقال أبو داود: قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر، يعني رمضان، وأنا أجد القوة، وأنا شاب وأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون عليَّ من أن أؤخره فيكون عليَّ دينًا، أفاصوم يا رسول أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: "أَيُّ ذَلِكَ شئتَ يَا حمزةُ" (¬5). إسناد مسلم أصح وأجل. وذكر أبو بكر البزار من حديث أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن مع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1120). (¬2) رواه مسلم (1116). (¬3) رواه النسائي (3/ 122). (¬4) رواه مسلم (1121). (¬5) رواه أبو داود (2403).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره والناس صيام في يوم صائف والمشاة كثير، فانتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نهر من ماء السماء وهو على بغلة له، فوقف عليه حتى تئام الناس، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اشربُوا" فجعلوا ينظرون إليه، فقال: "إِنِّي لستُ مثلَكُمْ إِنِّي راكبٌ وأَنْتُمْ مُشاةٌ" فقالوا: لا نشرب حتى تشرب، فشرب وشرب الناس. قال أبو بكر: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد الجريري وهو أبو مسعود بن أياس عن أبي نصرة عن أبي سعيد. . . . فذكره. مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر، قال: وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره (¬1). وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أُولئِكَ العصاةُ، أولئكَ العُصاةُ" (¬2). وعنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى رجلًا قد اجتمع الناس عليه وقد ظُلِّلَ عليه، فقال: "مَا لَهُ؟ " قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ البرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفرِ" (¬3). وقال البخاري: "لَيسَ مِنَ البرِّ" بزيادة من (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1113). (¬2) رواه مسلم (1114). (¬3) رواه مسلم (1115). (¬4) رواه البخاري (1946) ولفظه "ليس من البر الصيام في السفر" وعند مسلم أيضًا "من".

وقال النسائي في هذا الحديث: "ليسَ البرّ أَنْ تَصومُوا فِي السَّفرِ وعَليكُمْ برخصةِ اللهِ الَّتِي رخصَ لكُمْ فاقبلُوهَا" (¬1). رواه من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله ولم يسمع محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله، وما تقدم من حديث مسلم والبخاري هو الصحيح. وقال النسائي أيضًا عن عبد الله بن الشخير كنت مسافرًا فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يأكل وأنا صائم، فقال: "هَلُمَّ" فقلت: إني صائم، قال: "أتَدرِي مَا وضَعَ اللهُ عَنِ المُسافِرِ؟ " قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: "الصَّومُ وشَطرُ الصَّلاةِ" (¬2). في إسناد هذا الحديث اختلاف كثير. الترمذي، عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا، وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة ثم ركب (¬3). قال أبو عيسى هذا حديث حسن. أبو داود، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله عن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أني أراه، إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 176). (¬2) رواه النسائي (4/ 182). (¬3) رواه الترمذي (799 و 800). (¬4) رواه أبو داود (2413).

منصور لا أعلم روى عنه إلّا أبو الخير. البزار عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَائمُ رمضانَ فِي السّفرِ كَمُفْطِره فِي الحَضرِ" (¬1). يقال إن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، ويروى موقوفًا عن أبي سلمة (¬2). ويروى بإسناد ضعيف ومجهول فيه يزيد بن عياض وغيره عن سلمة إلى أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). أبو داود، عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ كانتْ عندَهُ حمولةٌ تَأوي إِلى شَبعٍ فَليصمْ رمضانَ حيثُ كانَ" (¬4). وفي رواية "مَنْ أدركَهُ رمضانَ فِي السّفرِ" (¬5). في إسناده عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي، وعبد الصمد ضعفه أحمد بن حنبل وأبو حاتم وغيرهما، وحبيب لم يروه عنه إلا ابنه عبد الصمد فيما أعلم. ومن مراسيل أبي داود عن طاوس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سافر أول ¬

_ (¬1) ورواه ابن ماجه (1666) والهيثم بن كليب في المسند (22/ 2) والضياء في المختارة (1/ 305) وقال البزار بعد أن رواه (1/ 196 نسخة أوقاف الرباط) وهذا الحديث أسنده أسامة بن زيد، وتابعه على إسناده يونس، وقد رواه ابن أبي ذئب وغيره عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه موقوفًا من قول عبد الرحمن ولو ثبت مرفوعًا كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث خرج فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر وأمرنا بالفطر دليلًا على نسخ هذا الحديث، لو ثبت؛ لأنه يؤخر بالآخر فالآخر من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وانظر العلل (4/ 281 - 283) للدارقطني. (¬2) رواه النسائي (4/ 183) والفريابي في الصيام (4/ 70/ 1) والبيهقي (4/ 244) وانظر العلل (1/ 238) لابن أبي حاتم. (¬3) حديث يزيد بن عياض عند أبي أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2720). (¬4) رواه أبو داود (2410) ولفظه "من كانت له. . . . . حيث أدركه". (¬5) رواه أبو داود (2411).

باب من مات وعليه صيام، ومتى يقضي من أفطر في رمضان، وفيمن أفطر متعمدا

النهار أفطر، وإذا سافر حين تزول الشمس لم يفطر (¬1) باب من مات وعليه صيام، ومتى يقضي من أفطر في رمضان، وفيمن أفطر متعمدًا مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ ماتَ وعَليهِ صيامٌ صامَ عنهُ وليّهُ" (¬2). علل بعض الناس هذا الحديث بالاختلاف الذي في إسناده، وذلك الاختلاف لا يضره فإن الذين أسندوه ثقات. وذكر أبو بكر البزار من حديث عائشة أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ماتَ وعليهِ صيامٌ صامَ عنهُ وليّهُ إِنْ شَاءَ" (¬3). هكذا رواه عبد الله بن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة بن الزبير عن عائشة. وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل مات وعليه صيام: "يُطعَمُ عنهُ كلَّ يومٍ مسكينٌ". الصحيح موقوف على ابن عمر؛ لأن الذي أسنده هو أشعث بن سوار عن محمد بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر، وأشعث بن سوار ضعيف عندهم، وأحسن ما سمعت فيه قول ابن عدي: لم أجد له منكرًا، إنما يخلط في الأسانيد في الأحايين. ¬

_ (¬1) تحفة الأشراف (13/ 237). (¬2) رواه مسلم (1147). (¬3) رواه البزار (1023 كشف الأستار).

ومحمد بن أبي ليلى سيئ الحفظ، ضعيف الحديث تركه البخاري. مسلم، عن ابن عباس أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقالت: "أَرأيتِ لَو كَانَ عَلَيهَا دينٌ أَكنتِ تقضيِنَهُ؟ " قالت: نعم، قال: "فَدينُ اللهِ أحقُّ بالقضاءِ" (¬1). في طريق آخر: صوم نذر أفاصوم عنها، وفيها: "فصُومي عنْ أُمِّكِ" (¬2). وعن عائشة قالت: إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتي شعبان (¬3). في هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الشغل برسول الله أو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ذكر الدارقطني عن قيس بن الأسود عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يرى بأسًا بقضاء شهر رمضان في عشر ذي الحجة. تفرد بروايته إبراهيم بن إسحاق الصيني عن قيس بن الربيع عن الأسود بن القيس عن أبيه عن عمر مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وخالفه شعبة والثوري وإسرائيل وسلام بن أبي مطيع وشريك، فرووه عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر قوله موقوفًا. وذكر الدارقطني أيضًا عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تقضِ رمضانَ فِي عشرِ ذي الحجّةِ، ولا تعمدنَّ صَوْمَ يومِ الجُمعةِ، وَلاَ تحتجمْ وأنتَ قائمٌ، وَلاَ تدخلِ الحمامَ وأنتَ صَائِمٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1148). (¬2) هو رواية من الحديث (1148). (¬3) رواه مسلم (1146). (¬4) رواه مسلم (1146). (¬5) العلل (2/ 202 - 203) للدارقطني. (¬6) العلل للدارقطني (3/ 175 - 176).

هذا يروى موقوفًا على علي، والموقوف هو الصحيح. وذكر الدارقطني أيضًا عن سفيان بن بشير قال: نا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في قضاء رمضان: "إِنْ شَاءَ فرّقَ وإِنْ شَاءَ تَابعَ" (¬1). قال: لم يسنده غير سفيان بن بشير. الدارقطني، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ عليهِ صومٌ منْ رمضانَ فليسردْهُ ولا يقطعْهُ" (¬2). رواه عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي، وقد أنكره عليه أبو حاتم ووثقه وضعف. وعن عائشة قالت: نزلت "فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر مُتَتابِعَات" فسقطت متتابعات (¬3). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجل أفطر في شهر رمضان من مرض، ثم صح ولم يصح حتى أدركه رمضان آخر، قال: "يصومُ الَّذِي أدركَهُ ثمَّ يصَومُ الشهرَ الذِي أفطرَ ويُطعمُ مكانَ كلّ يومٍ مِسكينًا" (¬4). في إسناده إبراهيم بن نافع عن عمر بن موسى بن وجبة وهما ضعيفان، ولا يصح في الإطعام شيء. الترمذي، عن حبيب بن أبي ثابت قال: حدثني أبو المطرس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أفطرَ يومًا منْ رمضانَ منْ غيرِ رخصةٍ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 193). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 191 - 192). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 192). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 197).

باب

ولاَ مرضِ لَم يقضِ عنْهُ صومُ الدَّهرِ وإِنْ صَامَهُ" (¬1). قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: أبو المطرس اسمه يزيد بن المطرس ولا أعرف له غير هذا الحديث. وقال أبو عمر بن عبد البر وغيره في هذا الحديث: حديث أبي المطرس حديث ضعيف. الدارقطني، عن أبي هريرة أن رجلًا أكل في رمضان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينًا (¬2). في إسناده أبو معشر ابن نجيح وهو ضعيف. وعن مقاتل بن سليمان عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَفطرَ يومًا منْ شهرِ رمضانَ فليهْدِ بدنةً، فَإِنْ لَمْ يجدْ فَليطعمْ ثلاثينَ صاعًا منْ تمرٍ للمَسَاكِيْن" (¬3). ومقاتل بن سليمان هو صاحب التفسير وهو متروك. وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفطرَ يَومًا منْ شهرِ رمضانَ منْ غيرِ عُذرٍ فَعليهِ صومُ شهرٍ" (¬4). وهذا يروى من حديث مندل بن علي ومعاذ بن عقبة ولا يصح أيضًا. باب مسلم، عن معاذة أنها سألت عائشة: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (723) وأبو داود (2396). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 191). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 191) وفي المخطوطة "فليطعم ستين مسكينًا". (¬4) رواه الدارقطني (2/ 191).

شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم (¬1). وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرًا كله؟ قالت: ما علمته صام شهرًا كله إلا رمضان ولا أفطر كله حتى يصوم منه حتى مضى لسبيله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلًا (¬3). أبو داود، عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان (¬4). النسائي، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم، ويقول: "إِنَّهمَا يَوما عيدِ المُشركينَ، وَأنّا أحبُّ أَنْ أخالِفَهُمْ" (¬5). الترمذي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1160). (¬2) رواه مسلم (1156). (¬3) رواه مسلم (1156). (¬4) رواه أبو داود (2336). (¬5) رواه النسائي في الصوم من الكبرى كما في تحفة الأشراف (13/ 30) ورواه أحمد (6/ 324) وابن خزيمة (2167) وابن حبان (941 موارد) عن ابن خزيمة، والحاكم (1/ 436) وعنه البيهقي (4/ 303) وصححه ووافقه الذهبي. (¬6) رواه الترمذي (746).

قال: حديث حسن. النسائي، عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر، وقل ما يفطر يوم الجمعة (¬1). وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان ورمضان، ويتحرى يوم الاثنين والخميس (¬2). وعن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: "أَيُّ يومينِ؟ " قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: "ذَلِكَ يومان تُعرضُ فِيهمَا الأعمالُ عَلَى ربِّ العالمينَ، فَأحبُّ أَنْ يُعرضَ عَملي وأنَا صَائِمٌ" (¬3). وعنه قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان قال: "ذلكَ شهرٌ يغفلُ الناسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ وهُوَ شهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إِلى رَبِّ العالمينَ فأحبُّ أَنْ يرفعَ عمَلي وأَنَا صَائِمٌ" (¬4). وعن جرير بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صِيامُ ثلاثةُ أيامِ مِنْ كلِّ شهرٍ صيامُ الدهرِ أيامُ البيضِ صبيحةُ ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرةَ" (¬5). مسلم، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ صامَ رمضانَ ثُمَّ أتبعَهُ سِتًّا منْ شوالَ كانَ كصيامِ الدَّهرِ" (¬6). وعن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "هَلْ صُمتَ منْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 204). (¬2) رواه النسائي (4/ 153). (¬3) رواه النسائي (4/ 201 - 202). (¬4) رواه النسائي (4/ 201). (¬5) رواه النسائي (4/ 221). (¬6) رواه مسلم (1164).

سررِ هَذَا الشَّهرِ شَيئًا؟ " قال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا أفطرتَ منْ رمضانَ فَصُمْ يومينِ مَكانَه". وفي طريق أخرى: "من سررِ شَعبانَ" (¬1). مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كل ليلة فإما ذُكِرْتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإما أرسل إليَّ فأتيته فقال: "أَلمْ أخبرُ أَنَّكَ تصومُ الدهرَ وتقرأُ القرآنَ كل ليلةٍ؟ " فقلت: بلى يا نبي الله ولم أُرِدْ بذلك إلا الخير، قال: "فَإنّ بحسبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أيامٍ" قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فإنّ لِزوجِكَ عليكَ حَقًا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًا، ولجسدِكَ عَليك حقًا، فَصُمْ صومَ داودَ نبيّ اللهِ، فإنَّهُ كانَ أعبدُ النَّاسِ" قال: قلت: يا نبي الله وما صوم داود؟ قال: "كانَ يصومُ يَومًا ويفطرُ يَومًا" قال: "واقْرَأِ القُرآنَ فِي شَهرٍ" قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "اقرَأِ القُرآنَ فِي كلِّ عشرينَ" قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فاقرأْهُ فِي كلِّ عشرٍ" قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال: "فاقرأْهُ فِي سبعٍ ولاَ تزدْ فِي ذلكَ فإِنَّ لزوجِكَ عليكَ حقًا ولِزَورِكَ عليكَ حقًا ولجسدِكَ عليكَ حَقًا" قال: فشددت فشدد عليّ قال: وقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ لاَ تدرِي لعلّكَ يطولُ بِكَ عمرٌ" قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعنه قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول: لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آنتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ؟ " فقلت له: قد قلته يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّكَ لا تستطيعُ ذلكَ فَصُمْ وأفطرْ ونَمْ وقُمْ [و] صمْ منَ الشَّهرِ ثلاثةَ أَيامٍ، فإنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالهَا، وذلِكَ مثلُ صيامِ ¬

_ (¬1) رواهما مسلم (1161) ولفظ الرواية الثانية عنده "من سرر هذا الشهر شيئًا؟ يعني شعبان". (¬2) رواه مسلم (1159).

الدَّهرِ" قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال "صُمْ يومًا وأفطرْ يومَينِ" قال: قلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: "صُمْ يَومًا وأفطِرْ يومًا وذلِكَ صيامُ داودَ عليه السَّلامُ وهُوَ أعدلُ الصِّيامِ" قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله. قال: "لاَ أفضلَ مِنْ ذَلِكَ". قال عبد الله بن عَمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة أيام التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليَّ من أهلي ومالي (¬1). وعن عطاء بن عبد الله بن عمرو في هذا الحديث قال: "فَصُمْ صيامَ دَاودَ" قال: وكيف كان داود يصوم يا نبي الله؟ قال: "كانَ يصومُ يَومًا ويُفطرُ يَومًا ولا يَفرُّ إِذَا لاقَى" قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَامَ منْ صامَ الأبدَ، لا صامَ منْ صَامَ الأبدَ" (¬2). وعن عبد الله بن عمرو أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَمْ أُخْبَرُ أَنَّكَ تقُومُ الليلَ وتصومُ النَّهارَ" قال: إني أفعل ذلك، قال: "فَإِنَّكَ إِذَا فعلتَ ذلكِ هَجَمَتْ عيناكَ ونَفِهَتْ نفسكَ، لِعينِكَ حقُّ ولنفسِكَ حقُّ ولأهلِكَ حقٌّ قُمْ ونَمْ وصُمْ وأفطِرْ" (¬3). وعن أبي قتادة قال: رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[من قوله]، فلما رأى عمر غضبه قال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: "لا صَامَ وَلاَ أَفطرَ" قال: "لَمْ يصمْ وَلَمْ يُفطْر" قال: كيف من يصوم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1159). (¬2) رواه مسلم (1159). (¬3) رواه مسلم (1159).

يومين ويفطر يومًا؟ قال: "ويطيقُ ذَلِكَ أَحدٌ" قال: كيف من يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال: "ذلكَ صومُ داودَ - صلى الله عليه وسلم -" قال: كيف من يصوم يوم ويفطر يومين؟ فقال: "وُددتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهرٍ ورمضانَ إِلى رمضانَ فَهذَا صِيامُ الدَّهرِ كلّه، صيامُ يومِ عرفةَ أحتسبُ عَلَى اللهِ أَنْ يكفرَ السّنة التِي قبلَهُ والسنةَ التي بعدَهُ، وصيامُ يومِ عاشوراءَ أحتسبُ عَلَى اللهِ أَنْ يكفرَ السنةَ التي قبلَهُ" (¬1). وعن عبد الله بن عمر: أن أهل الجاهلية يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه، والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ عاشوراءَ يومٌ منْ أَيامِ اللهِ فمنْ شَاءَ صامَهُ ومنْ شاءَ ترَكَهُ" (¬2). وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذَا اليومُ الّذي تصُومُونَهُ؟ " قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق [وغَرَّقَ] فرعون وقومه فصامه موسى عليه السلام شكرًا فنحن نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَنحنُ أحقُّ وأَوْلى بموسى منكُمْ" فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه (¬3). البخاري، عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من أسلم أن أذن في الناس "أَن مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ" (¬4). وذكر أبو داود عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أَسْلَمَ أَتَتِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1162) وليس عنده [من قوله]. (¬2) رواه مسلم (1126). (¬3) رواه مسلم (1130). (¬4) رواه البخاري (2007).

النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صمتُمْ يومكُمْ هَذَا؟ " قالوا: لا، قال: "فَأَتِمُّوا بقيةَ يومِكُمْ واقضُوهُ" يعني يوم عاشوراء (¬1). ولا يصح هذا الحديث في القضاء. مسلم، عن ابن عباس قال: حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تُعَظِّمُهُ اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا كَانَ العامُ المقبلُ إِنْ شاءَ اللهُ صُمنَا اليومَ التَاسِعَ" قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وذكر أبو أحمد حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صُوموا يومَ عاشوراءَ، وخَالِفُوا فيهِ اليهودَ وصُومُوا قبلَهُ يَومًا وبعدَهُ يومًا" (¬3). هكذا رواه ابن أبي ليلى عن داود. ورواه ابن حي عن داود عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَئِنْ بقَيتُ إِلى قابلٍ لأصومنَّ يَومًا قبلَهُ ويَومًا بعدَهُ" يعني يوم عاشوراء (¬4). قال أبو أحمد: داود بن علي أرجو أنه لا بأس به، وفيه قال ابن معين أرجو أنه لا يكذب. مسلم، عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: هكذا كان محمد [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - يصومه؟ قال: نعم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2447). (¬2) رواه مسلم (1134). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي (3/ 956). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي (3/ 950). (¬5) رواه مسلم (1133).

وعن أم الفضل أن ناسًا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه (¬1). النسائي، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم عرفة بعرفة (¬2). في إسناده مهدي بن حرب الهجري وليس بمعروف. الترمذي، عن عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم (¬3). قال: حديث حسن. وعن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ فَطرَ صَائِمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ غيرَ أَنَّهُ لاَ ينقُصُ منْ أجرِ الصَّائِمِ شَيئًا" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نزِلَ عَلَى قومٍ فَلا يصومنَّ تَطوّعًا إلَّا بإذنِهِمْ" (¬5). رواه أيوب بن واقد وأبو بكر المدني وعمار بن سيف كلهم عن هشام عن أبيه عن عائشة وما فيهم من يعول حديثه، ولم يذكر الترمذي في عمار بن سيف. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1123). (¬2) رواه النسائي في الصيام في الكبرى كما في تحفة الأشراف (10/ 284) وأبو داود (2440) وابن ماجه (1732). (¬3) رواه الترمذي (725) وأبو داود (2364). (¬4) رواه الترمذي (807). (¬5) رواه الترمذي (789) وابن عدي (1/ 348).

باب في الاعتكاف وليلة القدر

وذكر عن أبي عاتكة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اشتكيت عيناي أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: "نَعَمْ" (¬1). قال أبو عيسى: ليس إسناده بالقوي، ولا يصح هذا في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسلم، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا في العشر قط (¬2). الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ أيامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأيامِ العَشرةِ" فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ولاَ الجِهَادُ فِي سبيلِ اللهِ إِلّا رجُل خَرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فَلاَ يرجعُ منْ ذَلِكَ بِشيءٍ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. باب في الاعتكاف وليلة القدر مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. قال نافع: وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد (¬4). زاد عن عائشة: حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده. ولم يذكر المكان (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (726). (¬2) رواه مسلم (1176). (¬3) رواه الترمذي (757) وأبو داود (2438) بل رواه البخاري (969) بلفظ آخر. (¬4) رواه مسلم (1171). (¬5) رواه مسلم (1172).

النسائي، عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فسافر عامًا فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين (¬1). وفي رواية: عشرين ليلة. مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وأنه أمر بخبائه فضرب أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمر زينب بخبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبائها فضرب، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر نظر فإذا الأخبئة فقال: "آلْبِرَّ تُرِدْنَ" فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال (¬2). وعنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إليَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (¬3). النسائي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني وهو معتكف في المسجد فيتكئ على عتبة باب حجرتي فأغسل رأسه وأنا في حجرتي وسائره في المسجد (¬4). أبو داود، عن عائشة أنها قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في المسجد الجامع (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الاعتكاف من الكبرى كما في تحفة الأشراف (1/ 39). (¬2) رواه مسلم (1173). (¬3) رواه مسلم (297). (¬4) رواه النسائي في الاعتكاف من الكبرى كما في تحفة الأشراف (2/ 57) وأحمد (6/ 86). (¬5) رواه أبو داود (2473).

هكذا يقول عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: السنة، وغير عبد الرحمن لا يقوله، وعبد الرحمن لا يحتج بحديثه. وخرج أبو أحمد من حديث الضحاك عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كُلُّ مسجدٍ فِيهِ إِمامٌ ومؤذِّنٌ فإِنَّ الاعتكافَ فيهِ يصلحُ" (¬1). والضحاك لم يسمع من حذيفة وقبله في الإسناد من لا يحتج به جويبر وغيره. وقد رواه جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الاعتكافُ فِي كلِّ مسجدِ تقامُ فِيه الصَّلاةُ". ذكره أبو بكر الشافعي. وخرج أبو داود عن عائشة أيضًا قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه (¬2). وعنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المريض وهو معتكف (¬3). وكلا الحديثين خرجه من حديث ليث بن أبي سليم وهو ضعيف عند أهل الحديث. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن بديل بن ورقاء المكي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه نذر أن يعتكف في المسجد الحرام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اعتكِفْ وصُمْ" (¬4). قال أبو أحمد: لا أعلم ذكر الصوم والاعتكاف في هذا الإسناد إلا ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 1141) والدارقطني (2/ 200). (¬2) رواه أبو داود (2472). (¬3) رواه أبو داود (2472). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1529).

عبد الله بن بديل قال: وله غير ما ذكرت مما ينكر عليه الزيادة في إسناده أو في متنه، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره. كذا قال أبو أحمد (¬1). وذكره ابن أبي حاتم فقال فيه عن يحيى بن معين: عبد الله بن بديل بن ورقاء مكي صالح (¬2). وحديث ابن بديل هذا ذكره أبو داود أيضًا (¬3). وذكره الدارقطني عن سعيد بن أبي بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَوفِ بنذرِكَ" (¬4). هذا إسناد حسن تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير عن عبيد الله [بن عمر]. وذكر الدارقطني عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ اعتكافَ إلَّا بصومٍ" (¬5). وهذا يرويه سويد بن عبد العزيز وتفرد به وهو متروك. وعن طاوس عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيسَ عَلَى المعتكفِ صومٌ إِلَّا أَن يجعلَهُ عَلَى نفسِهِ" (¬6). هذا يروى غير مرفوع. البخاري، عن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في معتكفه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يَقْلِبُهَا، حتى إذا بلغت باب المسجد عند ¬

_ (¬1) الكامل (4/ 1530). (¬2) الجرح والتعديل (4/ 15) لابن أبي حاتم. (¬3) رواه أبو د اود (2474 و 2475) والدارقطني (2/ 200). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 201). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 199 - 200). (¬6) رواه الدارقطني (2/ 199).

باب أم سلمة مر رجلان من المسلمين فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلى رسلِكمَا إِنَّمَا هِيَ صفيةُ بنتُ حُيَيٍّ" فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشيطانَ يبلغُ منَ الإنسانِ [ابنِ آدمَ] مبلغَ الدمِ، وإنِّي خشيتُ أَنْ يقذفَ فِي قلوبِكُمَا شَيئًا" (¬1). وعن عائشة قالت: اعتكفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة مستحاضة من أزواجه، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطشت تحتها وهي تصلي (¬2). إنما هي أم حبيبة بنت جحش ختنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت زينب بنت جحش. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ قامَ رمضانَ إِيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ مَا تقدّمَ مِنْ ذنبِهِ" (¬3). وفي بعض طرق النسائي: "وَمَا تَأخّرَ فِي رمضانَ وَفِي ليلةِ القدْرِ". والصحيح ما تقدم أن الذي حدث بها ثقة. ولمسلم في طريق أخرى: "ومَنْ يقمْ ليلةَ القدرِ فيوافِقْهَا أُراهُ قَالَ: إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ" (¬4). النسائي، عن النضر بن شيبان قال: قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني عن شيء سمعته من أبيك، سمعه أبوك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليس بين أبيك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد في شهر رمضان، قال: نعم، حدثني أبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ فَرضَ صيامَ رمضانَ وسننتُ لكُمْ قيامَهُ، فمنْ صامَهُ وقَامَهُ إيمانًا واحتسابًا خرجَ منْ ذُنوبِهِ كيومَ ولدتْهُ أُمّهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2035 و 2038 و 2039 و 3101 و 3281 و 6219 و 7171). (¬2) رواه البخاري (309 و 310 و 311 و 2037) واللفظ للرواية الأخيرة. (¬3) رواه مسلم (759). (¬4) هو رواية من الحديث (759) قبله. (¬5) رواه النسائي (4/ 158).

أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئًا، وضعفوا حديث النضر بن شيبان هذا. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَاكُمْ شَهرُ رَمضانَ وَهُوَ شهرٌ مباركٌ فرضَ اللهُ عليكُمْ فيهِ صيامَهُ تُفتحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ وتُغلقُ فِيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مردةُ الشياطينِ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ منْ ألفِ شهرٍ منْ حُرِمَ خيرُهَا فَقَدْ حُرِم" (¬1). مسلم، عن أبي نصرة عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له إنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد، ثم خرج على الناس فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنّها كانتْ أُبينتْ لِي ليلةَ القدرِ، وإِنِّي خرجتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رجلانِ يَحْتَقَّانِ مَعهُما الشيطانُ فَنُسِّيتُهَا، فالتمسُوهَا فِي العشرِ الأواخرِ منْ رمضانَ التمسُوهَا فِي التاسعةِ والسابعةِ والخامسةِ" قال: قلت: يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل نحن أحق بذلك منكم، قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتان وعشرون فهي التاسعة، فاذا مضَت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة (¬2). البخاري، عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "خرجتُ لأخبرَكُمْ بليلةِ القدرِ، فَتَلاحَى فلانٌ وَفلانٌ، فرُفِعَتْ وعَسى أَنْ يكونَ خيرًا لكُمْ، فالتمسُوهَا فِي التاسعةِ والسابعةِ والخامسةِ" (¬3). وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التمسُوهَا فِي العشرِ الأواخرِ منْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (4/ 129). (¬2) رواه مسلم (1167). (¬3) رواه البخاري (2023).

رمضانَ ليلةَ القدرِ فِي تاسعةٍ تبقى فِي سابعةٍ تَبقى فِي خامسةٍ تَبقى" (¬1). النسائي، عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعته يقول: "التمسُوهَا فِي تسعٍ يبقينَ أَوْ خمسٍ يبقينَ أَوْ ثلاثٍ أَو آخرِ ليلةٍ" (¬2). أبو داود، عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اطلبُوهَا ليلةَ سبعَ عشرةَ منْ رمضانَ، وليلةَ إحدى وعشرينَ، وليلةَ ثلاثًا وعشرينَ" ثم سكت (¬3). وذكر الدارقطني عن معاذ بن معاذ عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليلةُ القدرِ ليلةُ أربعٍ وعشرينَ". هكذا رواه معاذ. قال الدارقطني: ولا يصح عن عروة مرفوعًا. مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التمسُوهَا فِي العشرِ الأَواخرِ (يعني ليلة القدر) فَإِنْ ضَعُفَ أحدُكُمْ أَو عجزَ فَلا يُغْلَبَنَّ عَلَى التسعِ البواقِي" (¬4). وعنه قال: رأى رجل ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرى رُؤيَاكُمْ فِي العشرِ الأواخرِ فاطلبُوهَا فِي الوِترِ مِنهَا" (¬5). - وعن عبد الله بن أنيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُريتُ ليلةُ القدَرِ ثُمّ أنسيتهَا، وأُراني صُبْحَهَا أَسجدُ فِي ماءٍ وطينٍ" قال: فنظر ليلة ثلاث وعشرين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2021). (¬2) رواه النسائي في الصيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (9/ 54) والترمذي (794). (¬3) رواه أبو داود (1384). (¬4) رواه مسلم (1165). (¬5) رواه مسلم (1165).

فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه (¬1). وفي حديث أبي سعيد الخدري: "وإِنِّي أريتُهَا ليلةَ وترٍ وإِنِّي أسجدُ فِي صبيحَتِها فِي ماءٍ وطينٍ وإنِّي أسجدُ صبيحتَها فِي مَاءٍ وطينٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد بمعناه (¬2). قال أبو سعيد: وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر. وعن أبي بن كعب، وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، فقال أبيّ: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، يحلف ما يستثني ووالله إني لأعلم أي بيلة هي هي التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها (¬3). أسند هذه العلامة في طريق أخرى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو داود، عن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أسمع عن ليلة القدر، فقال: "هِيَ فِي رمضانَ" (¬4). ويروى موقوفًا على ابن عمر، والذي أسنده ثقة. وذكر أبو داود عن مسلم بن خالد الربحي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: "مَنْ هَؤلاءِ؟ "، فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأُبَيُّ بن كعب يصلي وهم يصلون بصلاته. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَابُوا وَنِعْمَ ما صَنَعُوا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1168). (¬2) رواه مسلم (1167). (¬3) رواه مسلم (762) في باب الترغيب في قيام رمضانه وهو التراويح من كتاب صلاة المسافرين. (¬4) رواه أبو داود (1387). (¬5) رواه أبو داود (1377) وقال: مسلم بن خالد ضعيف.

قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي. الترمذي، عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه. فقال: "إنَّهُ منْ قَامَ مَعَ الإِمامِ حتَّى ينصرفَ كُتِبَ لَهُ قَيامُ ليلةٍ" ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونسائه وقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور (¬1). قال: حديث حسن صحيح. مسلم، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل وشَدَّ المئزر وأيقظ أهله (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رمضان شد مئزره فلم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان (¬3). حديث مسلم أصح إسنادًا من هذا وأجل. تم كتاب الصيام والاعتكاف ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (806). (¬2) رواه أبو داود (1376). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1769).

7 - كتاب الحج

كتاب الحج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله علي محمد نبيه الكريم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرةُ إِلى العمرةِ كفارةٌ لِمَا بينهُمَا والحجُّ المبرورُ لَيْسَ لَهُ جزاءٌ إِلّا الجنْةَ" (¬1). النسائي، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تابِعُوا بينَ الحجِّ والعُمَرة فإنّهمَا ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ كَما ينفِي الكيرَ خَبثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ، وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنّةِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَتى هَذَا البيتَ فَلمْ يرفثْ ولَمْ يفسقْ رجعَ كَمَا ولدتْهُ أُمّهُ" (¬3). وقال البخاري: "مَن حَجَّ فَلَمْ يرفثْ. . . . ." الحديث (¬4). مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِا مِنْ يومٍ أَكثرُ منْ أَنْ يعتَقَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1349). (¬2) رواه النسائي (5/ 115). (¬3) رواه مسلم (1350). (¬4) رواه البخاري (1521).

اللهُ فِيهِ عبدًا منَ النّارِ مِنْ يومِ عرفةَ، وإِنَّهُ ليدنُو ثمَّ يباهي بِكُمُ الملائكةَ فيقولُ: مَا أرادَ هَؤلاءَ" (¬1). النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وفدُ اللهِ ثلاثٌ: الغازِي والحاجُ والمعتمرُ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَيّها الناسُ قَدْ فَرضَ اللهُ عَليكُمُ الحجَّ فحجُّوا" قال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قلتُ نَعمْ لَوجبتْ وَلَما استطعتُمْ" ثم قال: "ذَرُونِي ما تركتكُمْ، فإِنَّما هلكَ مَنْ كانَ قبلَكُمْ بكثرةِ سؤالِهِمْ واختلافِهِمْ عَلى أنبيائِهِمْ، فَإِذَا أمرتُكُمْ بِشَيءٍ فأتُوا منه وإذَا نهيتُكُمْ عن شيءٍ فدعُوهُ" (¬3). وقال النسائي، من حديث ابن عباس: "لو قُلتُ نَعَمْ لوجبتْ ثمَّ إِذًا لا تسمعونَ ولا تطيعونَ، ولكنّهُ حجةٌ واحدةٌ" (¬4). أبو داود، عن ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع: "هذِهِ ثُمَّ ظهورُ الحُصْرِ" أي ثم الزمن ظهور الحصر (¬5). الترمذي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن ملكَ زادًا وراحلةً تُبَلِّغُهُ إلى بيتِ اللهِ وَلَمْ يحجّ فَلا عليهِ أَنْ يموتَ يهوديًا أَو نَصْرَانيًا وَذلِكَ أَنَّ اللهَ يقولُ فِي كتابِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} " (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1348). (¬2) رواه النسائي (5/ 113 و 4/ 16). (¬3) رواه مسلم (1337) والنسائي (5/ 110 - 111). (¬4) رواه النسائي (3/ 111). (¬5) رواه أبو داود (1722). (¬6) رواه الترمذي (812).

قال: هذا حديث غريب وفي إسناده مقال. وقال: عن ابن عمر جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: "الزادُ والرّاحلةُ" (¬1). في إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي وقد تكلم فيه من قبل حفظه، وترك حديثه. وقد خرج الدارقطني هذا الحديث من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود وأنس وعائشة وغيرهم. وليس فيها إسناد يحتج به (¬2). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أرادَ الحجَّ فَليتعجلْ" (¬3). ذكره الطحاوىَ وقال فيه: "منْ أرادَ الحجَّ فليتعجلْ، فإنَّهُ يمرضُ المريضُ وتضلُ الضالّةُ وتكونُ الحاجةُ" (¬4). أبو داود، عن عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَرورَةَ فِي الإِسْلاَمِ" (¬5). عمر هو ابن عطاء بن وَرَاز، كذا قال أبو أحمد الجرجاني وهو ضعيف الحديث عندهم، وكذا رأيته مقيدًا، وزاد في التاريخ للبخاري، وقال غيره: إنما هو عمر بن عطاء بن أبي الخوار وعمر هذا ثقة. وذكر الدارقطني من حديث عمر بن قيس بن دينار عن عكرمة عن ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (813). (¬2) انظر سنن الدارقطني (2/ 215 - 218). (¬3) رواه أبو داود (1732). (¬4) ورواه أحمد (1/ 214 و 323 و 355) وابن ماجه (2883). (¬5) رواه أبو داود (1729).

عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقال للمسلم صرورة (¬1). عمر بن قيس هذا ضعيف عند الجميع وهو المعروف بسندل. والصَّرورة الذي لم يحج والصَّرورة أيضًا الذي لا يتزوج وفيه غير هذا. مسلم، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: "لاَ يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إِلاْ ومعهَا ذُو محرمٍ، ولا تسافرُ المرأةُ إلاّ معَ ذِي محرمٍ" فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: "انطلقْ فحجّ معَ امرأتِكَ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يحلُّ لامرأةٍ مسلمةٍ تُسافرُ مسيرةَ ليلةٍ إلاّ ومعَها رجلٌ ذُو حرمةِ مِنهَا" (¬3). وقال أبو داود: "بَريدًا" (¬4). الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج: "ليسَ لَها أَنْ تنطلقَ إِلا بإذنِ زَوجِهَا" (¬5). في هذا الحديث رجل مجهول يقال له محمد بن أبي يعقوب الكرماني رواه عن حسان بن إبراهيم الكرماني. وذكر البزار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سفرُ المرأةِ مَعَ عبدِهَا ضيعةٌ" (¬6). في إسناده إسماعيل بن عياش عن بزيغ بن عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 294). (¬2) رواه مسلم (1341). (¬3) رواه مسلم (1339). (¬4) رواه أبو داود (1725). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 223). (¬6) رواه البزار (1076 كشف الأستار).

مسلم، عن نافع أن ابن عمر، كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسلى ثم يدخل مكة نهارًا، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان فعله (¬1). الدارقطني عن ابن عمر قال: إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة (¬2). الترمذي، عن زيد بن ثابت أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل (¬3). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن عائشة قالت: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِحُرْمِهِ حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت (¬4). وعنها قالت: كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت (¬5). وعنها قالت: أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرمًا (¬6). وعنها قالت: كأني انظر إلي وبيض الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم (¬7). وقال النسائي: بعد ثلاث وهو محرم (¬8). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1259). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 220). (¬3) رواه الترمذي (830). (¬4) رواه مسلم (1189). (¬5) رواه مسلم (1191). (¬6) رواه مسلم (1192). (¬7) رواه مسلم (1190). (¬8) رواه النسائي (5/ 140 و 140 - 141).

وفي أخرى: في أصول شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم (¬1). وعن عائشة أيضًا كان النبي [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم ادهن بأطيب دهن يجده حتى أرى وبيصهُ في رأسه ولحيته (¬2). قال أبو محمد علي بن محمد بن سعيد بن حزم: قول عائشة رضي الله عنها ثم أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمًا لفظ منكر (¬3). ولا خلاف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أحرم بعد صلاة الظهر بذي الحليفة كما قال جابر في حديثه الطويل، ولعل قول عائشة إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضاء أو الحديبية أو الجعرانة. النسائي، عن عروة عن عائشة قالت: طيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحلاله، وطيبته طيبًا لا يشبه طيبكم هذا، بمعنى ليس له بقاء (¬4). الترمذي عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدهن بالزيت وهو محرم غير المقتت (¬5). قال أبو عيسى: المقتت المطيب. وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد وروى عنه الناس. كذا قال في فرقد تكلم فيه يحيى وقد ضعفه أحمد بن حنبل وأبو حاتم، ومرة وثقه ابن معين ومرة قال: ليس بذاك. وذكر الدارقطني عن ابن عمر أنه كان يقول: من السنة أن تدلك المرأة ¬

_ (¬1) رواه النسائي (5/ 139). (¬2) رواه النسائي (5/ 140). (¬3) المحلى (7/ 87). (¬4) رواه النسائي (5/ 137). (¬5) رواه الترمذي (962).

بشيء من الحناء عشية الإحرام، وتعلف رأسها بغسلة ليس فيها طيب ولا تحرم عطلًا (¬1). في إسناده موسى بن عبيد ة الرَّبَذِي. وذكر أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر قال: أقبلنا مع عمر حتى إذا كنا بذي الحليفة أهل وأهللنا، فمر بنا راكب يَنْضَحُ منه ريح الطيب، فقال عمر: من هذا؟ قالوا: معاوية، فقال: ما هذا يا معاوية؟ قال: مررت بأم حبيبة بنت أبي سفيان ففعلت بي هذا، قال: ارجع فاغسله عنك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ" (¬2). قال البزار: لا نعلم لهذا القول سندًا عن عمر إلا هذا، وليس إبراهيم بن يزيد بالقوي، تَمَّ كلامه. إبراهيم بن يزيد هذا منكر الحديث ضعيفه ذكره أبو أحمد الجرجاني وابن أبي حاتم (¬3). البخاري، عن ابن عباس قال: انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنته وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بالصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه لأنه قلدها، ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 272). (¬2) رواه البزار (1099 كشف الأستار) وابن عدي (1/ 228). (¬3) الكامل (1/ 227 - 229) والجرح والتعديل (1/ 146 - 147).

وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم، ثم يحلوا، ذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها، ومن كان معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب (¬1). أبو داود، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -لبد رأسه بالعسل (¬2). النسائي، عن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبيه أنه خرج حاجًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ومعه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية، فلما كانوا بذي الحليفة ولدت أسماء محمد بن أبي بكر، فأتى أبو بكر الصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرها أن تغتسل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت (¬3). زاد أبو داود: وترجل (¬4). محمد بن أبي بكر لم يسمع من أبيه مات أبو بكر ومحمد ابن عامين وسبعة أشهر وأربعة أيام. ذكر هذا أبو محمد بن حزم. ولمسلم عن جابر في حديثه الطويل قال: ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، وأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: "اغتَسِلِي واستشعِري بثوبٍ وأَحرمِي" (¬5). وعن ابن عمر أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا القُمُصَ ولا العمائمَ ولا السراويلاتَ ولا البرانسَ ولا الخِفافَ إِلَّا أحد لا يجدُ النعلينَ فَلْيَلْبَسِ الخفّينِ وليقطعهمَا أسفلَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1545 و 1625 و 1731). (¬2) رواه أبو داود (1748). (¬3) رواه النسائي (5/ 127 - 128). (¬4) لم نر هذا عند أبي داود. (¬5) رواه مسلم (1218).

منِ الكعبينِ ولاَ تَلْبَسُوا منَ الثيابِ شيئًا مسّهُ الزعفرانُ ولا الورسُ" (¬1). زاد الترمذي: "ولا تنتقبُ المرأةُ الحرامُ ولا تلبسُ القفازَينِ" (¬2). وقال: حديث حسن صحيح. الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلى المرأةِ حرمٌ إِلّا فِي وجهِهَا" (¬3). في إسناده أيوب بن محمد أبو الجمل، فأحسن ما سمعت فيه لا بأس به. وذكر أبو داود من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه (¬4). قال يحيى بن معين: يزيد بن أبي زياد لا يحتج بحديثه. ومن حديث عمر بن سويد قال: حدثتني عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين حدثتها قالت: كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمد جباهنا بالسُّكِّ المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهاها (¬5). مسلم، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يقول: "السّراويلُ لِمنْ لَمْ يجدِ الإزارَ والخفانِ لمنْ لَمْ يجدِ النعلينِ" يعني المحرم (¬6). أبو داود عن سالم بن عبد الله أن عبد الله يعني ابن عمر كان يصنع ذلك ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1177). (¬2) رواه الترمذي (833). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 294). (¬4) رواه أبو داود (1833). (¬5) رواه أبو داود (1830). (¬6) رواه مسلم (1178).

(يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة) ثم حدثته صفية بنت عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك (¬1). مسلم، عن يعلى بن أمية أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال: يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال: "انزعْ عنكَ الجبّةَ واغسلْ عَنكَ الصفرةَ ومَا كنتَ صَانِعًا فِي حجِّكَ فاصنعْهُ فِي عمرتِكَ" (¬2). وفي طريق أخرى: عليه جبة صوف متضمخ بطيب (¬3). وفي طريق أخرى: عليه جبة بها أثر من خلوق (¬4). ومن أخرى: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا الطيبُ الذِي بِكَ فاغسلْهُ ثلاثَ مراتٍ" (¬5). زاد النسائي: ثم أحدث إحرامًا. قال: ولا أحسبه بمحفوظ والله أعلم. يعني هذه الزيادة (¬6). أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في الثوب المصبوغ للمحرم ما لم يكن له نفض ولا ردع (¬7). في إسناده الحجاج بن أرطاة. ومن مراسيل أبي داود عن مكحول قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوب مشج بعصفر، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج فأحرم في هذا؟ قال: ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1831). (¬2) رواه مسلم (1180). (¬3) هو رواية من الحديث (1180) قبله. (¬4) انظر ما قبله. (¬5) انظر ما قبله. (¬6) رواه النسائي (5/ 130 - 131). (¬7) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 1/ 108) ولكن حرف فيه "نفض" إلى لعص.

"أَلَكِ غَيرَهُ؟ " قالت: لا، قال: "فأَحرمِي فيهِ" (¬1). وعن صالح بن حسان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا محتزمًا بحبل أبرق فقال: "يَا صاحبَ الحبلِ أَلقِهِ" (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث أحمد بن ميسرة أبي صالح عن زياد بن سعد عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهميان للمحرم (¬3). لا يعرف إلَّا بهذا الحديث على أنه قد رواه عن صالح إبراهيم بن أبي يحيى وهو منكر من حديث زياد بن سعد، وزياد ثقة والحديث لا يصح. مسلم، عن ابن عباس قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الْحُجْفَةَ ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال: "فهنَّ لهنَّ ولمنْ أَتى عليهنَ منْ غيرِ أَهلهنَّ ممَّنْ أرادَ الحجَّ والعمرةَ، فمنْ كانَ دونهنَّ فمن أَهْلِهِ، وكذلك حتَّى أهلُ مكَّةَ يهلّونَ مِنهَا" (¬4). وفي طريق أخرى: ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (¬5). زاد النسائي: "وَلأهْلِ العراقِ ذاتَ عرقٍ" خرجه من حديث عائشة وقال فيه: "وَلأهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الجحْفَةُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 126 - 127) وانظر تحفة الأشراف (13/ 398). وفي الأولى "مشبع" بدل "مشج" وفي الثاني "مسيَّع". (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 126) وانظر تحفة الأشراف (13/ 232). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي (1/ 171). (¬4) رواه مسلم (1181). (¬5) هو رواية من الحديث قبله (1181). (¬6) رواه النسائي (5/ 125).

وعند البخاري أن عمر بن الخطاب حدَّ لأهل العراق ذات عرق (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق العقيق (¬2). في إسناده يزيد بن أبي زياد. أبو داود، عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول: "منْ أَهلَّ بحجةٍ أو عمرةٍ منَ المسجدِ الاقصَى إلى المسجدِ الحَرامِ غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ منْ ذنبهِ وما تأخرَ" أو "وجبتْ لَهُ الجنَّةُ" (¬3). قال أبو حاتم: يحيى بن أبي سفيان يعني الأخنسي هذا شيخ من شيوخ أهل المدينة ليس بالمشهور ممن يحتج به (¬4). ومن مراسيل أبي داود عن ابن سيرين قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة التنعيم (¬5). قال: قال سفيان: هذا الحديث لا يكاد يعرف، يعني حديث التنعيم. ومن مراسيل أبي داود أيضًا عن عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ثوبيه بالتنعيم وهو محرم (¬6). مسلم، عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبدًا يقول: "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لاَ شريكَ لكَ لبيكَ، إِنَّ الحمدَ والنعمةَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1531). (¬2) روأه أبو داود (1740). (¬3) رواه أبو داود (1741). (¬4) الجرح والتعديل (8/ 155) وليس عنده "ممن يحتج به". قلت: وليس هو علة الحديث، وإنما علة الحديث حكيمة، فإنها مجهولة. (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (ص 121) وانظر تحفة الأشراف (13/ 220). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (ص 126) وانظر تحفة الأشراف (13/ 313).

باب

لكَ والملكَ، لاَ شريكَ لكَ" لا يزيد على هؤلاء الكلمات، وإن عبد الله بن عمر يقول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ بهؤلاء الكلمات، وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول: "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ لبيكَ وسعديكَ والخيرُ [كلّه] فِي يديكَ والرّغباءُ إِليكَ والعملُ" (¬1). ابن الأعرابي، عن زينب بنت جابر الأخمسية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في امرأة حجت معها مصمتة "قُولي لَهَا أتتكلّم؟ فإنَّه لاَ حجَّ لمنْ لا يتكم". هذا الحديث أرويه متصلًا إلى زينب. وذكره أبو محمد في كتاب المحلى (¬2). النسائي، عن السائب بن خلاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جَاءنِي جبريلُ عليهِ السلامُ، فقالَ: يَا محمدُ مُرْ أصحابَكَ أَنْ يرفعُوا أصواتَهُم بالتَّلبيةِ" (¬3). باب أبو داود، عن سعد بن أبي وقاص قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفُرْعِ أهلّ إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أُحد أهلّ إذا أشرف على البيداء (¬4). مسلم، عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: بيداؤكم هذه التي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1184). (¬2) رواه ابن حزم في حجة الوداع، وانظر الإصابة (7/ 688). (¬3) رواه النسائي (5/ 162). (¬4) رواه أبو داود (1775).

باب القران والإفراد

تكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد. يعني ذا الحليفة (¬1). أبو داود، عن محمد بن إسحاق عن خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أوجب. فقال: إني لأعلم الناس بذلك أنها إنما كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجًا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه فأهلّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذاك منه أقوام فحفظوه [فحفظته] عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا: إنما أهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استقلت به ناقتهُ، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما علا على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء وايم الله لقد أَوْجَبَ في مصلاه، وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا على شرف البيداء. قال سعيد: فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاهُ إذا فرغ من ركعتيه (¬2). خصيف قال فيه أبو حاتم ويحيى بن معين صالح، ووثقه أبو زرعة، وضعفه غير هؤلاء. باب القران والإفراد النسائي، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1186). (¬2) رواه أبو داود (1770).

جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر (¬1). البخاري، عن أنس قال: صلى النبي [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التورية أهلوا بالحج ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات بيده قيامًا وذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كبشين أملحين (¬2). مسلم، عن مطرف قال: قال لي عمران بن حيصين: أحدثك حديثًا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حج وعمرة ثم أنه لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وقد كان يُسَلَّمُ عليّ حتى اكتويتْ فَتُرِكْتُ، ثم تركت الكي فعاد (¬3). وعن بكر بن عبد الله عن أنس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعًا. قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال لبَّى بالحج وحده، فلقيت أنسًا فحدثته بقول ابن عمر، فقال: ما تَعُدُّوننا إلا صبيانًا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لبيكَ عمرةً وحجًا" (¬4). وعن عبد الله بن شقيق قال: كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: لقد علمت أنّا قد تمتعنا مع رسول ¬

_ (¬1) رواه النسائي (5/ 127). (¬2) رواه البخاري (1551). (¬3) رواه مسلم (1226). (¬4) رواه مسلم (1232).

الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أجل ولكنا كنا خائفين (¬1). النسائي، عن البراء بن عازب قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين أمّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال علي: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ صنعتَ؟ " قلت: أهللت بإهلالك، قال: "فإنّي سقتُ الهَديَ وقرنْتُ" قال: وقال لأصحابه: "لَوْ استقبلتُ منْ أمرِي مَا استدبرتُ لفعلتُ كَما فعلتُمْ، ولكنْ سقتُ الهديَ وقرنْتُ" (¬2). البخاري، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول: "آتانِي الليلَةَ مِنْ رَبِّي آتٍ، فقالَ: صلِّ فِي هَذَا الوَادِي المباركِ، وقُلْ عمرةً فِي حجةٍ" (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "منْ أرادَ منكُمْ أَنْ يهلَّ بِحجٍّ وعمرةٍ فَليفعلْ، ومنْ أرادَ أَنْ يهلَّ بحجٍّ فليفعلْ، ومنْ أرادَ أَنْ يهلَّ بعمرةٍ فَليهلّ" قالت عائشة: وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بعمرة (¬4). زاد عنها في طريق أخرى: فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر (¬5). وعن أبي موسى قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مُنِيخٌ بالبطحاء ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1223). (¬2) رواه النسائي (5/ 148 - 149) وأبو داود (1797). (¬3) رواه البخاري (1534 و 2337 و 7343) وأبو داود (1800). (¬4) رواه مسلم (1211). (¬5) هو رواية من الحديث (1211) قبله.

فقال: "بِمَ أهَللْتَ؟ " قلت: أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هلْ سقتَ منْ هدي؟ " قلت: لا. قال: "فَطفْ بالبيتِ وبالصَفَا والمروةِ ثُمّ حلّ" فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي، فكنت أُفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر، فإني لقائم بالموسم إذ جاءَني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فقلت: أيها الناس من كان أفتيناه بشيء فَلْيَتَّئِدْ فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم، فَبِهِ فائتموا، فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال: أن نأخذ بكتاب الله فإن الله عز وجل قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وأن نأخذ بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل حتى نحر الهدي (¬1). وفي طريق أخرى: قال عمر: قد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فعله، ولكني كرهت أن يصلوا مُعْرِسينَ بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (¬2). أبو داود، عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كذا وكذا وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم. قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا، أما إنها معهن ولكنكم نسيتم (¬3). قالوا: أبو داود الهنائي اسمه خيوان بن خلد ممن قرأ على أبي موسى من أهل البصرة، خيوان بالخاء المنقوطة ذكره أبو محمد بن أبي حاتم وذكره البخاري في باب الحاء المهملة، وقال: روى عنه قتادة ويحيى بن أبي كثير. أبو داود، عن أبي عيسى الخراساني عن عبد الله بن القاسم عن أبيه عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1221). (¬2) رواه مسلم (1222). (¬3) رواه أبو داود (1794).

باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -

سعيد بن المسيب أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه ينهى عن العمرة قبل الحج (¬1). هذا مرسلًا عمن لم يسم، وإسناده ضعيف جدًا. وحديث أبي شيخ المتقدم لم يسمعه من معاوية بكماله سمع منه النهي عن ركوب جلود النمر، وذكر النهي عن القرآن، سمعه من أبي جمانة عن معاوية. ومرة يقول عن أخيه خمان ومرة يقول حمان. قال أبو محمد بن حزم: ولا يعرف من هم. باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلم، عن جعفر بن محمد عن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: "اغْتَسِلِي واسْتَثْفِرِي بثوبٍ وأَحرِمي" فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد "لبيكَ اللَّهمَّ لبيكَ، لبيكَ لاَ شريكَ لكَ لبيكَ، إِنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ، لاَ شريكَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1793).

لكَ" وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا منه، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته، قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول ولا أعلمه إلا [ذكره] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فدنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} "أَبْدَأُ بما بدأَ اللهُ بِهِ" فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره وقال: "لاَ إِله إِلا اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لَهُ لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وحدهُ، أنجزَ وعدَهُ ونصرَ عبدَهُ وهزَم الأحزابَ وحدَهُ" ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: "لَوْ أنّنِي استقبلتُ مِنْ أمرِي ما استدبرتُ، لَمْ أَسُقِ الهديَ وجعلتُهَا عمرةَ، فمنْ كانَ منكُمْ ليسَ معه هَديٌ فليحلَّ وليجعلْهَا عمرةً" فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى وقال: "دَخلتِ العمرةُ فِي الحجِّ مرتين لاَ بَلْ لأَبدٍ أَبدٍ" وقدم علي من اليمن ببدن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشًا على فاطمة للذي صنعت مستفتيًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: "صدقتَ صدقتَ، ماذَا قلتَ حينَ فرضتَ الحجَّ؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فإنَّ معي الهَديَ فلاَ تحلّ" قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - مائةً، قال: فحل

الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مِنى، فأهلوا بالحج، وَرَكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، فأمر بقبة من شعر تُضْرَبُ له بنمرة فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: "إِنَّ دِماءَكُمْ وأموالَكُمْ حَرامٌ عليكُمْ كحُرمةِ يومِكُمْ هَذا فِي شهركُمْ هَذا فِي بلدِكُمْ هَذا، أَلاَ كُلُّ شيءٍ منْ أمرِ الجاهليةِ تحتَ قدميَّ موضوعٌ، ودماءُ الجاهليةِ موضوعةٌ، وإِنّ أولَ دمٍ أضعُ منْ دمائِنَا دمُ ابنِ ربيعةِ بْن الحَارثِ كانَ مسترضعًا في بَنِي سعدٍ فقتلَتْهُ هذيلُ، وَرِبَا الجاهليةِ موضوعةٌ، وأَولُ رِبًا أَضعُ رَبانا رَبَا العباسِ بنِ عبدِ المُطَّلَبِ فإنَّهُ موضوعٌ كلُّهُ، فاتّقُوا اللهَ فِي النّساءِ فَإنكُمْ أخذتموهُنَّ بأمانِ اللهِ، واستحللتُمْ فروجَهُنَّ بكلمةِ اللهِ، ولكُمْ عليهنَّ ألا يوطِئْنَ فرشَكُمْ أحدًا تكرهونَهُ فَإِنْ فعلنَ ذَلِكَ فاضربوهُنَّ ضربَ غَيْرَ مبرِّحٍ، ولهنَّ عليكُمْ رزقَهُنَّ وكسوتهنّ بالمعروفِ، وقَدْ تركتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تضلُّوا بعدَهُ إِنِ اعتصمتُمْ بِهِ كِتابُ اللهِ، وأَنتُم تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنتُمْ قَائِلُونَ؟ " قالوا: نشهد أَنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهمَّ اشهدْ اللَّهُمَّ اشهدْ" ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حَبْلَ المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: "أَيَّها النّاسُ السكينةَ السكينةَ" كلما أتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا حتى

باب

تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه [وسلم] مرت به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه من الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَشِّرِ فحرك قليلًا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الحذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: "انزعُوا بني عبدِ المطلب فَلوْلاَ أَنْ يغلبَكُمُ النّاسُ عَلى سقائِكُمْ لنزعتُ مَعكُمْ" فناولوه دلوًا فشرب منه (¬1). باب مسلم، عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218).

الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قال للناس: "منْ كانَ مِنكُم أَهدَى فَإِنَّهُ لاَ يحلَّ منْ شيءٍ حرمَ منهُ حتَّى يَقْضِي حجَّهُ، ومنْ لَمْ يَكُنْ منكُمْ أَهدَى فَليطفْ بالبيتِ وَبالصْفا والمرْوَةِ وليقصرْ وليحللْ ثُمَّ ليهللْ بالحجِّ وليهدِ، فمنْ لَمْ يجدْ هديًا فليصمْ ثلاثةَ أيامِ في الحجِّ وسبعةً إِذا رجعَ إِلَى أَهْلِهِ"، وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة فاستلم الركن أول كل شيء، ثم خبَّ ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم وانصرف، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم عليه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، ثم حلّ من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهدى وساق الهدي من الناس (¬1). وعن عائشة أنها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يومُ النحرِ يسعُكَ طوافُكَ لحجِّكَ وعمرتِكَ" فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول (¬3). الترمذي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أحرمَ بالحجِّ والعمرةِ أَجزأَهُ طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ حتَّى يحلَّ مِنْهُمَا جَميعًا" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1227). (¬2) رواه مسلم (1211). (¬3) رواه مسلم (1279). (¬4) رواه الترمذي (948).

الدارقطني عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين حج وعمرة [حجته وعمرته] معًا وقال: سبيلهما واحد، قال: وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت (¬1). قال: تفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك. وعن علي بن أبي طالب مثله سواء (¬2). وإسناده ضعيف فيه ابن أبي ليلى وحفص بن أبي داود وهما ضعيفان. وفيه إسناد آخر عن علي وهو متروك، فيه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي (¬3). وعن عبد الله بن مسعود قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحجته وعمرته طوافين، وسعى سعيين، وأبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود (¬4). إسناده ضعيف فيه عبد العزيز بن أبان وغيره. وقال الدارقطني أيضًا: حدثنا أبو محمد بن صاعد إملاء نا محمد بن يحيى الأزدي حدثنا عبد الله بن داود عن شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافين وسعى سعيين (¬5). قال أبو الحسن: يقال: إن محمد بن يحيى حدث بهذا من حفظه فوهم في متنه. والصواب بهذا الإسناد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة، وليس فيه ذكر الطواف ولا السعي، وقد حدث به مرارًا على الصواب، ويقال إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي. والله أعلم. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 258). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 263). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 263). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 264). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 264).

وعن سليمان بن أبي داود عن عطاء ونافع عن ابن عمر وجابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما طاف لحجته وعمرته طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا، ثم قدم مكة فلم يسع بينهما بعد الصدر (¬1). مسلم، عن عروة بن الزبير قال: قد حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به الطواف ثم لم يكن غيره، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم يكن غيره، ثم آخر ما رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها بعمرة وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه؟ ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدوؤن بشيء حين يضعون أقدامهم أولى من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان، وقد أخبرتني أير أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فقط، فلما مسحوا الركن حلوا (¬2). ذكره البخاري وقال: عمرة في المواضع كلها بدل غيره وهو الصواب (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 265). (¬2) رواه مسلم (1235). (¬3) رواه البخاري (1614 و 1615 و 1641 و 1642 و 1796). (¬4) رواه مسلم (1262).

وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشى أربعًا، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة، وكان ابن عمر يفعل ذلك (¬1). وذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في باب جعفر عن حبيبة بنت أبي تجراة الشيبية قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي وهو يقول: "اسعُوا فَإِنَّ اللهَ كَتبَ عليكُمُ السَّعْيَ" (¬2). رواه عبد الله بن المؤمل وتفرد به. قال أبو عمر فيه: كان سييء الحفظ ولا يعلم له حوبة تسقط عدالته. وذكر النسائي عن صفية بنت شيبة عن امرأة قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسعى في المسيل ويقول: "لا يقطعُ الوادِي إلا شدًّا" (¬3). قال أبو عمر وذكر هذا الحديث يبين صحة ما قاله عبد الله بن المؤمل. مسلم، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غدًا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحِجْرَ، وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس: فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلّا الإبْقاءَ عليهم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1261). (¬2) التمهيد (2/ 99 - 102). (¬3) رواه النسائي (5/ 242) ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (2/ 102). (¬4) رواه مسلم (1266).

وذكر أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار عن ابن عباس قال: لما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن أهل مكة يقولون إن بأصحابه هزلًا، فقال لهم حين قدم: "شدُّوا مآزِرَكُمْ وأعضادكُمْ وأَرمِلُوا حتَّى يرَى قومُكُمْ أَنْ بكُمْ قوةً" قال: ثم حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرمل. قال أبو جعفر: قالوا: إنما رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع. في إسناد هذا الحديث الحجاج بن أرطاة. الترمذي، عن جابر قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة دخل المسجد فاستلم الركن ثم مضى على يمينه، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا ثم أتى المقام. . . . . . . وذكر الحديث (¬1). النسائي، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثًا ويمشي أربعًا، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك (¬2). مسلم، عن جابر قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غَشوهُ (¬3). وعن عائشة قالت: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن مخافة [كراهية] أن يُصْرَفَ عنه الناس (¬4). قال أبو عمر بن عبد البر: الوجه في طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكبًا أنه كان في طواف الإفاضة (¬5). وذكر عن طاوس مرسلًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يهجروا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (856 و 857). (¬2) رواه النسائي (5/ 230). (¬3) رواه مسلم (1273). (¬4) رواه مسلم (1274). (¬5) التمهيد (2/ 94).

بالإفاضة، وأفاض في نسائه ليلًا، فطاف على راحلته (¬1). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث يحيى بن أنيسة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته من وجع كان به (¬2). وهذا لا يصح من أجل يحيى بن أنيسة، وقد ذكر أبو أحمد تضعيفه وما قيل فيه. مسلم، عن أم سلمة أنها قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني اشتكي، فقال: "طُوفِي منْ وراءِ النّاسِ وأنتِ رَاكِبَةٌ" قالت: فطفت ورسول الله حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} (¬3). وعند البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أقيمتِ الصَّلاةُ للصبحِ فَطُوفِي عَلى بعيرِكِ والنَّاسُ يُصلّونَ" ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت (¬4). وذكر الدارقطني بإسناد ضعيف بل مجهول عن أم كبشة أنها قالت: يا رسول الله إني آليت أن أطوف البيت حرًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طُوفِي عَلى رجليْكِ سبعينَ سبعًا عن يديكِ وسبعًا عنْ رجليكِ" (¬5). النسائي، عن طاوس عن رجل أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطوافُ صلاةٌ، فَإِذَا طفتُمْ فأقلُّوا الكلامَ" (¬6). الترمذي، عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 94 - 95). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2646). (¬3) رواه مسلم (1276) والبخاري (464 و 1619 و 1633). (¬4) رواه البخاري (1626). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 273). (¬6) رواه النسائي (5/ 222).

قال: "الطوافُ عندَ البيتِ مثلُ الصلاةِ إلَّا أَنّكُمْ تتكلمونَ فيهِ، فمنْ تكلّمَ فَلا يتكلمْنَ إِلّا بخيرٍ" (¬1). أوقفه غير عطاء. البخاري، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير أو بخيط أو بشيء غير ذلك، فقطعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده ثم قال: "قُدْ بيدِهِ" (¬2). أبو داود، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما جُعِلَ الطوافُ بالبيتِ وبينَ الصفا والمروةَ ورميُ الجمارِ لإقامةِ ذكرِ اللهِ" (¬3). النسائي، عن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا بَني عبدَ منافٍ لَا تمنعنَ أحَدًا طافَ بهذا البيتِ وصلّى أَي ساعةٍ شاءَ منْ ليلٍ أَو نهارٍ" (¬4). الترمذي، عن يعلى ابن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت مضطجعًا وعليه برد (¬5). قال: حديث حسن صحيح. خرجه [أبو داود] (¬6). أبو داود من حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ورملوا وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قذفوها على عواتقهم اليسرى (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (960). (¬2) رواه البخاري (1620). (¬3) رواه أبو داود (1888). (¬4) رواه النسائي (1/ 284 و 5/ 223). (¬5) رواه الترمذي (859). (¬6) رواه أبو داود (1883). (¬7) رواه أبو داود (1884).

وذكر الترمذي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر طواف الزيارة إلى الليل (¬1). قال: حديث حسن. مسلم، عن سويد بن عقبة قال: رأيت عمر قبّل الحجر والتزمه، وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بك حفيًّا (¬2). وعن ابن عمر قال: قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أم والله لقد علمت انك حجر ولولا إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك (¬3). وقال النسائي: قبله ثلاثًا (¬4). وذكر البزار عن جعفر بن عبد الله بن عثمان المخزومي قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر ثم سجد عليه فقال: رأيت عمر قبله وسجد عليه، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبله وسجد عليه (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى عن يمينه، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا (¬6). وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (¬7). وزاد من حديث أبي الطفيل: ويقبل المحجن (¬8). البخاري، عن ابن عباس قال: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير كما أتى على ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (920) وأبو داود (2000) وابن ماجه (3059). (¬2) رواه مسلم (1271) والنسائي (5/ 226 - 227). (¬3) رواه مسلم (1270). (¬4) رواه النسائي (5/ 227). (¬5) رواه البزار (1114 كشف الأستار) ووقع فيه تحريف في اسم والد جعفر. (¬6) رواه مسلم (1218). (¬7) رواه مسلم (1272) والبخاري (1607). (¬8) رواه مسلم (1275).

البيت أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر (¬1). أبو داود، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، كما أتى على الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين (¬2). في إسناده يزيد بن أبي زياد. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن بن قدامة الثقفي الكوفي قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف حول البيت، فإذا ازدحم الناس عليه استلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمحجن بيده (¬3). قال البخاري: محمد بن عبد الرحمن هذا في حديثه نظر، أشار البخاري إلى روايته هذا الحديث، ومحمد هذا قليل الحديث. مسلم، عن ابن عمر قال: لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين (¬4). النسائي، عن عبيد الله بن عبيد بن عمير أن رجلًا قال: يا أبا عبد الرحمن ما أراك تستلم إلا هذين الركنين، قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّ مسحهُمَا يحطّ الخطيةَ" وسمعته يقول: "منْ طافَ سَبعًا فهوَ يعدلُ رقبة" (¬5). وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحجرُ الأسودُ مِن الجنّةِ" (¬6). الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحجرُ الأسودُ مِنَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1613). (¬2) رواه أبو داود (1881). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2199). (¬4) رواه مسلم (1267). (¬5) رواه النسائي (5/ 221). (¬6) رواه النسائي (5/ 226).

الجنّةِ وهُوَ أَشدُّ بَياضًا منَ اللبنِ فسوّدتْهُ خَطايَا بَنِي آدمَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: "واللهِ ليبعثَّتهُ اللهُ يومَ القيامةِ لَهُ عينانِ يبصرُ بِهمَا ولسانٌ ينطقُ يشهدُ عَلَى مَن استلَمَهُ بِحقٍّ" (¬2). أبو داود، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس فقيل لعبد الله: أدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة؟ قال: لا (¬3). النسائي، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فصلى ركعتين قرأ بفاتحة الكتاب و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا (¬4). وعن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين الركن اليماني والحجر {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬5). النسائي، عن سعيد بن جبير قال: رأيت عمر يمشي بين الصفا والمروة، ثم قال: إن مشيت فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي، ولئن سعيت فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (877). (¬2) رواه الترمذي (961). (¬3) رواه أبو داود (1902). (¬4) رواه النسائي (5/ 236). (¬5) رواه النسائي في المناسك من الكبرى كما في تحفة الأشراف (5/ 347) وأبو داود (1892). (¬6) رواه النسائي (5/ 242) ورواه (5/ 241 - 242) من طريق كثير بن جمهان عن ابن عمر.

وزاد في طريق أخرى: وأنا شيخ كبير (¬1). مسلم، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهلّ بالحج (¬2). ذكر أبو محمد بن حزم أن هذه الصلاة كان في اليوم الثاني من خروجه عليه السلام من المدينة. ذكر ذلك في حجة الوداع. وقال أبو داود: ثم سلت الدم بيده. وذكر أبو عمر من حديث ابن علية أسنده إلى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشعر بدنة من الجانب الأيسر. قال أبو عمر: هذا عندي حديث منكر من حديث ابن عباس، والصحيح يعني حديث مسلم عن ابن عباس، قال: ولا يصح عنه غيره. مسلم، عن عائشة قالت فتلت قلائد بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديَّ، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حِلًّا" (¬3). وفي رواية: بعث بها مع أبي (¬4). وفي أخرى: قلائد من عهن (¬5). وعنها قالت: أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة إلى البيت غنمًا فقلدها (¬6). ¬

_ (¬1) هو في نفس طريق سعيد بن جبير. (¬2) رواه مسلم (1243). (¬3) رواه مسلم (1321). (¬4) هو رواية من الحديث (1321) قبله. (¬5) انظر ما قبله. (¬6) انظر ما قبله.

وذكر أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا فقد قميصه من جيبه، ثم أخرج من رجليه فنظر القوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنِّي أمرتُ ببدنِي التي بعثتُ بِها أَنّ تقلّدَ وتشعرَ عَلى كَذَا وَكَذَا، فلبستُ قميصِي ونسيتُ، فَلمْ أكنْ لأخرُجَ قميصِي منْ رأسِي وكانَ بعث ببدنهِ وأقَام بالمدينةِ" (¬1). عبد الرحمن بن عطاء ضعيف. وذكره عبد الرزاق أيضًا، وحديث أسد أتمّ لفظًا والإسناد واحد. أبو داود، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال: "أيُ يومٍ هذا؟ " فقالوا: هذا يوم النحر، فقال: "هذا يومُ الحجِّ الأكبرِ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويَجْتَمعَ النَّفَر منا في الهدية (¬4). وعنه قال: اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة كل سبعة في بدنة، فقال رجل لجابر: أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور؟ قال: ما هي إلا من ¬

_ (¬1) رواه أحمد (3/ 400). (¬2) رواه أبو داود (1945). (¬3) رواه أبو داود (1946). (¬4) رواه مسلم (1218) ورقم الباب (354).

البدن، وحضر جابر الحديبية قال: نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة (¬1). وعنه قال: كنا نتمتع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها (¬2). وعنه قال: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بقرة في حجته (¬3). وفي رواية: عن عائشة بدل نسائه (¬4). وقال النسائي: عن إسرائيل عن عمار عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: ذبح عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حججنا بقرة بقرة (¬5). وعن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فحضر النحر، فاشتركنا في البعير عن عشرة وفي البقرة عن سبعة (¬6). وقال الدارقطني في حديث أيوب عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجزورُ فِي الأَضْحَى عَنْ عَشرَةٍ" (¬7). أيوب هذا يكنى أبو الجمل وهو ضعيف، ولم يروه عن عطاء بن السائب غيره، والصحيح ما تقدم من فعل الصحابة رضي الله عنهم. أبو داود، عن جهم بن الجارود عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: أهدى عمر بن الخطاب نجيبًا، فأعطي بها ثلاث مائة دينار، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا ¬

_ (¬1) هو نفس الحديث قبله ورقمه الخاص في الباب (353). (¬2) رقمه الخاص (355) في الحج. (¬3) رقمه الخاص (357). (¬4) رقمه الخاص (357). (¬5) رواه النسائي في الحج من الكبرى كما في تحفة الأشراف (2/ 273 - 274). (¬6) رواه النسائي (7/ 222). (¬7) رواه الدارقطني (2/ 243).

رسول الله أهديت نجيبًا، فأعطيت بها ثلاث مائة دينار أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا؟ قال: "لاَ أنحرها إِيّاهَا" (¬1). جهم لا يعلم له سماع من سالم. وعن أبي الزبير عن جابر وعن عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها (¬2). أبو داود، عن عبد الله بن الحارث الأزدي قال: سمعت غرفة بن الحارث الكندي قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وأُتِيَ بالبدن، فقال: "ادعُوا لِي أَبَا الحسنِ" فدعي له علي فقال: "خُذْ بأسفلِ الحربةِ" وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم طعنا بها في البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليًا رحمة الله عليه (¬3). حديث جابر في نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر البدن ونحر علي ما بقي أصح إسنادًا من هذا، وقد تقدم في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن مراسيل أبي داود عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْبح سبعَ شِيَاهِ" (¬4). وصله يحيى بن الحجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس والصحيح مرسل. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1756). (¬2) رواه أبو داود (1767). (¬3) رواه أبو داود (1766). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 126) وكما في تحفة الأشراف (5/ 103) ورواه ابن ماجه (3136).

الدارقطني، عن عائشة أنها ساقت بدنتين فضلتا، فأرسل إليها ابن الزبير بدنتين مكانهما، قال: فنحرتهما ثم وجدت البدنتين الأوليين فنحرتهما وقالت: هكذا السنة في البدن (¬1). لا يحتج بإسناد هذا الحديث. وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أَهدَى تطوّعًا ثُمّ ضَلَّتْ فليسَ عَلَيه البدلُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، وإِن كانتَ نذرًا فعليهِ البدَلُ" (¬2). وفي رواية؛ "ثُمَّ عطبَت" (¬3). هذا يرويه عبد الله بن عامر الاسلمي المدني وقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين [و] أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. وقد روي أيضًا من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد يسنده إلى ابن عمر ولا يصح أيضًا، والحديث الذي قبله عن عائشة في إسناده سعد بن سعيد المقبري. مسلم، عن زياد بن جبير أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة فقال: ابعثها قيامًا مقيدة سنة نبيكلم صلى الله عليه [وسلم] (¬4). وعن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بُدَنِهِ وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئًا، كال: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا" (¬5). وعن عطاء عن جابر قال: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاثِ في ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 242). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 242) وعبد الله بن شبيب قال الذهبي: واه. (¬3) رواه الدارقطني (2/ 242). (¬4) رواه مسلم (1320) والبخاري (1713) وأبو داود (1768). (¬5) رواه مسلم (1317).

مِنى، فأرخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "كُلُوا وتزوّدُوا" قيل لعطاء قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يسوق بدنة فقال: "اركَبْها" فقال: يا رسول الله إنها بدنة، فقال: "اركبها ويلَكَ" في الثانية أو في الثالثة (¬2). وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله وسئل عن ركوب الهدي فقال: سمعت رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - يقول: "اركبها بِالمعروفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِليها حتَّى تجدَ ظَهرًا" (¬3). ومن مراسيل أبي داود عن ابن جريج عن عطاء قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركب غير منهوكة، قلت: ماذا؟ قال: الراجل والمتيع السير وإن نتجت حمل عليها ولدها وعدله (¬4). مسلم، عن ابن عباس قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست عشرة بدنة مع رجل وأَمَّرَهُ فيها، قال: فمضى ثم رجع فقال: يا رسول الله كيف أصنع بما أُبْدِعَ عليَّ منها؟ قال: "انحرها ثُمَّ اصبغ نعليها فِي دَمِها ثُمَّ اجعلْهُ عَلى صفحتِهَا ولاَ تأكلْ مِنهَا أنتَ وَلا أحدٌ منْ أهلِ رفقتِكَ" (¬5). أبو داود عن ناجية الأسلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بهدي وقال: "إِنْ عطبَ منها شيءٌ فانحرهُ، ثم اصبغْ نعلَهُ فِي دمهِ، ثمّ خَلِّ بينَهُ وبينَ النَّاسِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1972). (¬2) رواه مسلم (1322). (¬3) رواه مسلم (1324). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 126) وانظر تحفة الأشراف (13/ 302). (¬5) رواه مسلم (1325). (¬6) رواه أبو داود (1762) والترمذي (910) وابن ماجه (3105).

مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "نحرتُ ها هُنا ومِنى كلّها منحرٌ، فانحرُوا في رحالِكُم، ووقفتُ ها هنَا وعرفةُ كلها موقفٌ ووقفتُ ها هنَا وجمعٌ كلّهَا موقفٌ" (¬1). جمع والمشعر الحرام والمزدلفة أسماء لموضع واحد قاله أبو عمر. أبو داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وفطركُمْ يومَ تُفطرُونَ وأضحاكُمْ يومَ تضحّونَ، وكلّ مِنًى منحرٌ وكلّ فجاجِ مكَّة منحرٌ وكل جَمعٍ موقفٌ" (¬2). الطحاوي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عرفةُ كلَّها موقفٌ وارتفعُوا عنْ بطنِ عرنةَ، والمزدلفةُ كلّها موقفٌ وارتفعُوا عنْ بطنِ محسرٍ، وشعابُ مِنًى كلّها منحرٌ" (¬3). زاد ابن وهب: "ومنْ جازَ عَروبةَ قَبلَ أَنْ تغيبَ الشَّمسُ فَلا حجَّ لَهُ". رواه مرسلًا عن عمرو بن شعيب. وسلمة بن كهيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي إسناده يزيد بن عياض وهو متروك. أبو داود، عن سليمان بن موسى قال: لم يحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رفع يده الرفع كله إلا في ثلاث مواطن الاستسقاء والاستبصار وعشية عرفة، ثم كان بعد رفع دون رفع. خرجه في المراسيل (¬4). وذكر البزار عن محمد بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه أبو داود (2324). (¬3) رواه الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 72). (¬4) تحفة الأشراف (13/ 226).

وعن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُرفَعُ الأيدِي فِي سبعةِ مواطِنٍ، افتتاحِ الصلاةِ واستقبالِ القبلةِ والصَفا والمروَة والموقفَيْنِ وعندَ الحجرِ" (¬1). رواه غير واحد موقوفًا، وابن أبي ليلى لم يكن حافظًا. النسائي، عن المهاجر المكي قال: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال: ما كنت أظن أحدًا يفعل هذا إلا اليهود، حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نكن نفعله (¬2). أبو داود، عن يزيد بن شيبان قال: أتانا مربغ الأنصاري ونحن بعرفة فقال: إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم: "قفُوا عَلَى مشاعِركُم فإنَّكُم عَلَى إِرثٍ منْ إِرثِ إِبراهيمَ" (¬3). الترمذي، عن عروة بن مضرس قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقنتت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيئ، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهدَ صلاتَنَا هذِهِ ووقف معنا حتَّى يَدفعَ، وقَدْ وقفَ بعرفةَ قبلَ ذلِكَ ليلًا أَوْ نهارًا، فقد تَمَّ حبهُ وقضَى تفثَهُ" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. زاد النسائي: ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك (¬5). وخرج عبد الرحمن بن يعمر قال: شهدت - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وأتله ناس من نجد ¬

_ (¬1) رواه البزار (519 كشف الأستار). (¬2) رواه النسائي (5/ 212) وأبو داود (1870) والترمذي (855). (¬3) رواه أبو داود (1919). (¬4) رواه الترمذي (891) والنسائي (5/ 263 و 264). (¬5) رواه النسائي (5/ 263).

فأمروا رجلًا فسأله عن الحج؟ فقال: "الحجُّ عرفةُ منْ جاءَ ليلةَ جمعٍ قبلَ صلاةِ الصّبح فقد أدركَ حَجَّهُ أيامُ مِنًى ثَلاثَةُ أيامٍ، فمنْ تعجَّلَ فِي يومينِ فَلاَ إِثمَ عليهِ ومنْ تَأخّرَ فَلا إِثمَ عَليهِ" ثم أردف رجلًا فجعل ينادي بها في الناس (¬1). وقال الترمذي: من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر. وقال عن وكيع هذا الحديث أم المناسك (¬2). وقال: حديث حسن صحيح. وقال الدارقطني من حديث محمد بن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِنْ وقفَ بعرفاتَ بليلٍ فقن أدركَ الحجِّ، ومنْ فاتَهُ عرفاتَ بليلِ فقن فاتَهُ الحجِّ، فَليحلّ بعمرةٍ وعليهِ مِنْ قَابِل" (¬3). محمد بن أبي ليلى قد تقدم ذكره، وقبله من هو أضعف منه. مسلم، عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه (¬4). وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن أباه قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء بجمع وليس بينهما سَجْدَةٌ، وصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين، فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله (¬5). وعنه في هذا الحديث: صلاهما بإقامة واحدة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (5/ 264 - 265) والترمذي (889). (¬2) رواه الترمذي (889 و 890). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 241) ومن هو أضعف منه هو رحمة بن مصعب أبو الهاشم الفراء الواسطي. (¬4) رواه مسلم (1285). (¬5) رواه مسلم (1288). (¬6) هو رواية من الحديث (1288) قبله.

وقال البخاري من حديث سالم عن ابن عمرة كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على أثر كل واحدة منهما (¬1). وقال أبو داود: لم يناد في واحدة منهما (¬2). وفي رواية: لم يناد في الأولى (¬3). وقال في حديث أشعث بن سليم عن أبيه قال: أقبلت مع ابن عمر من عرفات فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة فأذن وأقام أو أمر إنسانًا فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا فقال: "الصّلاةُ" فصلى بنا العشاء ركعتين، ثم دعا بعشائه قال: وأخبرني علاج بن عمرو بمثل حديث أبي عن ابن عمر، فقيل لابن عمر في ذلك، فقال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا (¬4). وقال في المراسيل: عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة صلى بأذان وإقامة، وصلى بمنى بإقامة، وصلى بعرفة بإقامتين كل صلاة بإقامة، وصلى بجمع بإقامتين. . . . . . . الحديث (¬5). ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن عطاء أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة صلى كل صلاة بإقامة، وصلى بمنى بأذان وإقامة، وصلى بعرفة بإقامتين كل صلاة بإقامة وكل مجمع بإقامتين كل صلاة بإقامة. وقال مسلم، في حديث أسامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه صلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئًا (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1673). (¬2) رواه أبو داود (1928). (¬3) رواه أبو داود (1928). (¬4) رواه أبو داود (1933). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (ص 124) وانظر تحفة الأشراف (13/ 302). (¬6) رواه مسلم (1280).

وفي طريق أخرى: فركب يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جئنا المزدلفة فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلوا ثم حلوا (¬1). النسائي، عن جابر بن عبد الله قال: سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له حتى انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام الظهر، ئم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا (¬2). تقدم هذا لمسلم في حديث جابر، والحديث الطويل. البخاري، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد الله يعني ابن مسعود إلى مكة، ثم قدمنا جَمْعًا فصلى الصلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، وقائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ هاتينِ الصّلاتينِ حُوِّلَتا عنْ وقتهمَا فِي هذَا المكان المغربَ وَالعشاءَ فَلاَ يقدمُ الناسُ جَمْعًا حتَّى يُعتِمُوا" وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر (¬3). وعن جابر بن عبد الله قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج، فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة، فقال مالك: يا أبا عبد الرحمن، فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال: هذه الساعة؟ قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1280). (¬2) رواه النسائي (2/ 15) وفي الحج من الكبرى كما في تحفة الأشراف (2/ 280). (¬3) رواه مسلم (1683) وكذلك رواه (1675 و 1682).

نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت: إن كنت تريد السنة فاقصد الخطبة وعجل الوقوف، فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق (¬1). مسلم، عن أم حبيبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بها من جمع بليل (¬2). وعن ابن عباس قال: بعث بي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بسحر من جمع في ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وفي طريق أخرى: في ضعفة أهله (¬4). وعن عائشة قالت: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفيض من جمع بليل فأذن لها، فقالت عائشة: فليتني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته سودة، وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام (¬5). وقال النسائي: كما استأذنته سودة فصلت الفجر بمنى ورمت قبل أن يأتي الناس (¬6). البخاري، عن عبد الله مولى أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1660 و 1662 و 1663). (¬2) رواه مسلم (1292). (¬3) رواه مسلم (1293) ولفظه "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثقل (أو قال في الضعفة) من جمع بليل". (¬4) هو رواية من الحديث (1293) قبله. (¬5) رواه مسلم (1290). (¬6) رواه النسائي (5/ 266).

لها: يا هنتاه ما أُرانا إلا قد غسلنا، قالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن (¬1). وفي طريق من طرق مسلم: لظعنه (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الاستجمارُ تَوٌّ، ورميُ الجمارِ تَوٌّ، والسعيُ بينَ الصفا والمَروة تَوٌّ، والطواف توٌّ. . . . ." وذكر الحديث (¬3). الترمذي، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "إذا رمَى اِلجمار مشَى إِليهَا ذَاهبًا ورَاجِعًا" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. وقال أبو داود: عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا وذاهبًا، ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك (¬5). مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله بن مسعود قال: فرمى الجمرة بسبع حصيات، وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة (¬6). وفي طريق أخرى: يكبر مع كل حصاة (¬7). البخاري، عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1679). (¬2) رواه مسلم (1291). (¬3) رواه مسلم (1300). (¬4) رواه الترمذي (900). (¬5) رواه أبو داود (1969). (¬6) رواه مسلم (1296). (¬7) هو رواية من الحديث (1296) قبله.

ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذاتِ الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله (¬1). أبو داود، عن عائشة قالت: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطول القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها (¬2). هذا من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. النسائي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم أهله وأمر ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحى، وأَمَّا بَعْدُ فإذا زالت الشمس (¬4). وعنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذُوا مناسكَكُم فَإنِّي لاَ أدرِي لَعلِّي لاَ أَحجُّ بعدَ حَجّتِي هذِهِ" (¬5). وعن أم الحصين قالت: حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1751 و 1752 و 1753). (¬2) رواه أبو داود (1973). (¬3) رواه النسائي (5/ 272). (¬4) رواه مسلم (1299) وأبو داود (1971) والنسائي (5/ 270). (¬5) رواه مسلم (1297) وأبو داود (1970) والنسائي (5/ 270).

وبلالًا وأَحَدُهُمَا آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافعٌ ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة (¬1). أبو داود، عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك (¬2). الترمذي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة يوم النحر راكبًا (¬3). قال: هذا حديث حسن. مسلم، عن الفضل بن عباس وكان رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: "عليكُم بالسكينةِ" وهو كافٌّ ناقته حتى دخل مُحَسِّرًا (وهو من منًى) قال: "عليكُمْ بحصَى القذفِ الَّذي يُرمَى بِهِ الجمرةُ" وقال: لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى الجمرة [جمرة العقبة] (¬4). زاد في طريق أخرى: والنبي - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده كما يحذف الإنسان (¬5). النسائي، عن ابن عباس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو على راحلته: "هات الْقُطْ لِي" فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: "بِأَمثالِ هؤلاء، وإِيّاكُم والغلوِ فِي الدينِ، فَإِنَّمَا أَهلَكَ مَنْ كانَ قبلكُم الغلو فِي الدِّينِ" (¬6). وقال أبو داود: عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1298). (¬2) رواه الترمذي (903) والنسائي (5/ 270) وابن ماجه (3035) ولم يروه أبو داود فلعله حرف النساخ الترمذي إلى أبي داود. (¬3) رواه الترمذي (899) وأحمد (1/ 232) وابن ماجه (3034). (¬4) رواه مسلم (1282) وليس في هذه الرواية عنده [جمرة العقبة]. (¬5) هو رواية من الحديث (1282) قبله. (¬6) رواه النسائي (5/ 268).

ونحن بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع إصبعيه السبابتين ثم قال بحصَى القذْفِ ثم أمر المهاجرين فنزلوا مُقَدَّم المسجد، وأمر الأنصار أن ينزلوا من وراء المسجد، قال: ثم نزل الناس بعد ذلك (¬1). وقال في موضع آخر عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس بمنى ونزلهم منازلهم، فقال: "ليَنزلِ المُهاجِرونَ ها هُنَا" وأشار إلى ميمنة القبلة "والأنصارُ ها هُنَا" وأشار إلى ميسرة القبلة "ثُمَّ لينزلِ النَّاسُ حولَهُمْ" (¬2). وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند جمرة العقبة راكبًا، ورأيت بين أصابعه حجرًا فرمى ورمى الناس (¬3). الترمذي عن عاصم بن عدي قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما، قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منهما ثم يرمون يوم النفر (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. الدارقطني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء أن يرموا بالليل وأي ساعة من النهار شاؤوا (¬5). وإسناده ضعيف فيه بكر بن بكار وغيره. ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة عن سعد قال: لما قدمنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1957). (¬2) رواه أبو داود (1951). (¬3) رواه أبو داود (1967). (¬4) رواه الترمذي (954 و 955) وأبو داود (1975) وابن ماجه (3036 و 3037). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 276).

في حجته فقمنا، فمنا من رمى بست ومنا من رمى بسبع ومنا من رمى بزيادة، فلم يعب ذلك على أحد منا (¬1). في إسناده الحجاج بن أرطاة. وعن جابر بن عبد الله قال: لما بلغنا وادي محسر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خُذُوا حصَى الجمارِ منْ وَادِي محسرٍ" (¬2). في إسناده عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف عندهم. مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله ونحر ثم قال للحلاق: "خُذْ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس (¬3). وفي رواية: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك، ثم قال: "هَهُنَا أَبُو طَلحَةَ؟ " فدفعه إلى أبي طلحة (¬4). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ اغفر للمحلقينَ" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: "اللهمَّ اغفرْ للمحلقينَ" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: "اللهمَّ اغفرْ للمحلقينَ" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: "وَلِلمقصرينَ" (¬5). وعن ابن عباس قال: قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس ¬

_ (¬1) ورواه النسائي (5/ 275) وليس في إسناده عنده الحجاج بن أرطاة. (¬2) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 1/ 199). (¬3) رواه مسلم (1305). (¬4) رواه مسلم (1305). (¬5) رواه مسلم (1302).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المروة بمشقص؟ فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ عَلَى النِّساءِ الحلقُ إِنّما عَلَى النِّساءِ التقْصِير" (¬2). وذكر ذلك أبو أحمد من حديث عبد الله بن نافع مولى ابن عمر عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ لبَّد رأسَهُ للإحرامِ فقد وجبَ علَيهِ الحلاقةَ" (¬3). عبد الله بن نافع منكر الحديث ضعيفه. وقال فيه النسائي: متروك. وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال في الأصلع: يمر الموسى على رأسه رفعه مرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرة لم يرفعه (¬4). وفي إسناده عبد الكريم بن روح البصري وهو مجهول، ذكر ذلك ابن أبي حاتم قال: ويقال إنه متروك. أبو داود، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة يحدثانه جميعًا ذلك عنها قالت: كانت ليلتي التي يسير إليَّ فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساء يوم النحر، فسار إليَّ فدخل على وهب بن زمعة ودخل معه رجل من آل بني أمية متقمصين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوهب: "هلْ أفضتَ أبَا عبدِ الله؟ " قال: لا والله يا رسول الله، قال: "انْزعْ عنكَ القميصَ" قال: فنزعه من رأسه، ونزع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1246). (¬2) رواه أبو داود (1984 و 1985). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1482). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 256 - 257).

صاحبه قميصه من رأسه ثم قال: ولم يا رسول الله؟ قال: "إِنَّ هذا يومٌ رخصَ لكُمْ فِيهِ إِذَا أَنتُمْ رميتُمُ الجمرةَ أَنْ تحلُّوا" يعني من كل شيء حرمتم منه إلا النساء، "فَإِذَا أَمسيتُم قبلَ أَنْ تطوفُوا هذَا البَيْتَ صرتُم حُرمًا كهيئتِكُم قبلَ أَنْ ترمُوا الجمرةَ حتَّى تطوفُوا بِهِ" (¬1). وذكر أبو داود أيضًا عن الحجاج بن أرطاة عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَمى أَحدُكم جمرةَ العقبةِ فقد حلَّ لَهُ كلَّ شيءٍ إِلا النَّساءَ" (¬2). هذا من رواية أبي حفص الخولاني عن ابن داسة. قال أبو داود: هذا حديث ضعيف والحجاج لم ير الزهريّ ولا سمع منه. مسلم، عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به زمن الحديبية فقال له: "ذاكَ هوامُّ رأسِكَ؟ " قال: نعم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احلقْ ثُمّ اذبحْ شاةً نسكًا، أو صُمْ ثلاثةَ أيامٍ، أَوْ أَطْعم ثَلاثةَ آصع منْ تمرٍ عَلى ستةِ مساكينٍ" (¬3). وعند أبي داود: فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهدي هديا بقرة (¬4). رواه عن نافع أن رجلًا من الأنصار أخبره عن كعب بن عجرة. والصحيح شاة، ولمسلم أيضًا في هذا "أو انسكْ نَسِيكةً" (¬5). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1999). (¬2) رواه أبو داود (1978). (¬3) رواه مسلم (1201). (¬4) رواه أبو داود (1859). (¬5) رواه مسلم (1201). (¬6) رواه مسلم (1308) وأبو داود (1998).

باب

وقد تقدم من حديث جابر أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة بعدما أفاض وهو الأظهر والله أعلم. بيّن ذلك أبو محمد في حجة الوداع. أبو داود، عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر الطواف يوم النحر إلى الليل (¬1). أبو داود، عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رمى الجمرة القصوى رجع إلى المنحر فنحر، ثم حلق ثم أفاض من فوره ذلك. ذكره في المراسيل (¬2). باب أبو داود، عن ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين قال: حدثتني جدتي سَرَّاء بنت نَبْهَان، وكانت ربة بيت في الجاهلية، قالت: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الرؤوس فقال: "أَيّ يومِ هذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "أَليسَ أوسطُ أيامِ التشريقِ" (¬3). قال أبو داود، وكذا قال عَم أبي جدة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق. وهي خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي التي تخطب بمنى. وعن أبي أمامة قال: سمعت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يوم النحر (¬4). وعن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2000). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 127) وانظر تحفة الأشراف (13/ 373). (¬3) رواه أبو داود (1953). (¬4) رواه أبو داود (1955).

باب

بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعليٌّ يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد (¬1). وذكر أبو داود من حديث زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عن عمه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر بعرفة (¬2). وهذا حديث لا يثبت لأنه عن مجهول. وقد ذكر أبو داود أيضًا والنسائي وغيرهما أنه عليه السلام خطب على بعير (¬3). وهو الصحيح المشهور. وذكر أبو داود عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر، وخطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة (¬4). وقد تقدم من حديث جابر أنه عليه السلام خطب قبل الصلاة وهو المشهور الذكره عمل به الأئمة والمسلمون. باب أبو داود، عن طاوس قال: أشهد ألبتة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفيض كل ليلة من ليالي منى (¬5). ذكره في المراسيل وقد أسند، والصحيح مرسل. ذكره أبو أحمد من حديث عمر بن رباح عن عبد الله بن طاوس عن أبيه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1956). (¬2) رواه أبو داود (1915). (¬3) رواه أبو داود (1916) والنسائي (5/ 253) من حديث نبيط، ورواه أبو داود (1917 و 1918) من حديث خالد بن العداء. (¬4) رواه أبو داود (1913). (¬5) تحفة الأشراف (13/ 238).

باب

عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزور البيت أيام منى (¬1). قال عمر هذا حدث بالبواطل عن الثقاة. النسائي، عن أسامة بن زيد قال: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة وأنا رديفه، فجعل يكبح راحلته حتى أن ذفراها ليكاد يُصيب قادمة الرحل وهو يقول: "يَا أيُّها الَّذين عليكُمُ السكينةُ والوقارَ، فإنَّ البرَّ ليسَ فِي إيضاعِ الإبلِ" (¬2). أبو داود، عن عمرو بن الشريد قال: أفضت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعًا (¬3). باب أبو داود في المراسيل قال: حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن يحيى أخبرني يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم شك أبو توبة أن رجلًا من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اقضيَا نسككُمَا وأهديَا هديًا ثُمَّ ارجعَا حتَّى إِذَا كنتُمَا [جئتُمَا] بالمكانِ الَّذِي أصبتُمَا فيهِ مَا أصبتُمَا فيهِ فتفرقَا وَلاَ يَرَى واحدٌ منكُمَا صاحبَهُ، وعليكُمَا حجةَ أُخرَى فتقبلانِ حتَّى إِذَا كنتُمَا بِالمكانِ الَّذِي أصبتُمَا مَا أصبتُمَا فيهِ فتفرقَا ولاَ يَرَى واحدٌ منكُمَا ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي (5/ 1708). (¬2) رواه النسائي (5/ 257). (¬3) كذا في المخطوطة عن عمرو بن الشريد، والذكره في تحفة الأشراف (4/ 153) أن أبا داود رواه في الحج عن محمد بن المثنى عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن إبراهيم بن ميسرة عن يعقوب بن عاصم بن عروة أنه سمع الشريد يقول. . . فذكره. وقال: هذا الحديث في رواية أبي الحسين بن العبد وأبي بكر بن داسة عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم. فظهر خطأ ما في المخطوطة من أنه من حديث عمرو بن الشريد.

باب

صاحبَهُ فأحرمَا وأَتمَّا نسككُمَا وأَهديا" (¬1). باب مسلم، عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَنْفِرَنَّ أحدٌ حتَّى يَكُونَ آخرُ عهدِهِ بِالبَيْتِ" (¬2). وعن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت: فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه ولم يسقهن الهدي، فأحللن، قالت عائشة: فحضت فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة قالت: قلت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة، قال: "أَوْ مَا كنتِ طفتِ لَيالِي قَدمنَا مكةَ؟ " قالت: قلت: لا، قال: "فاذهبِي مَعَ أخيكِ إِلَى التنعيم فَأهلِّي بعمرةٍ ثُمَّ موعدُكِ مكانُ كذَا وكذَا" قالت صفية: ما أراني إلا حابستكم قال: "عَقْرى حَلْقَى أوَ ما كُنتِ طفتِ يومَ النّحرِ؟ " قالت: بلى، قال: "لا بأسَ انفرِي. . . . . ." وذكر الحديث (¬3). وقال أبو بكر البزار حدثنا أحمد بن يزداد حدثنا عمرو بن عبد الغفار حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أميرانِ وليسَا بِأَميرينِ المرأةُ تحجُّ معَ القومِ فتحيضُ قبلَ أَنْ تطوفَ بالبيتِ طوافَ الزّيارةِ، فليسَ لأَصحابِها أَنْ ينفرُوا حتَّى يستأمرُوها، والرَّجلُ يتبعُ الجنازةَ فيُصلِّي عليها لَيسَ لَهُ أَنْ يرجعَ حتَّى يستأمرَ أهلَ الجَنازَةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 122 - 123) وانظر تحفة الأشراف (13/ 421). (¬2) رواه مسلم (1328). (¬3) رواه مسلم (1211). (¬4) رواه أبو بكر البزار (1144 كشف الأستار) وتحرف عنده أحمد بن يزداد إلى "أحمد بن داود" و"عمرو بن عبد الغفار" إلى "أحمد بن عبد الغفار".

عمرو بن عبد الغفار متروك، والأعمش لم يسمع من أبي سفيان، قالوا: إنما يحدث عن صحيفته وأبو سفيان ضعيف. وقد روى هذا الحديث عمرو بن عبد الجبار عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم يتابع عمرو بن عبد الجبار عليه، ولا يحتج بحديث عمرو هذا، وحديثه أخرجه العقيلي (¬1). أبو داود، عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح حتى فرغت وأمر الناس بالرحيل، قالت: وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت فطاف به ثم خرج (¬2). النسائي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أرادَ منكُم أَنْ يهلّ بعمرةٍ فليهلّ، فَلولاَ إنِّي أهديتُ لأهللتُ بعمرةٍ" قالت: فكان من القوم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بالحج، قالت: فكنت أنا ممن أهل بعمرة، فخرجنا حتى قدمنا مكة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، لم أحل من عمرتي، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دَعِي عمرتَكِ وانقضِي رأسَكِ وامتشطِي وأهلِّي بالحجِّ" قالت: ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة، وقد قضى الله حجنا، أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني وخرج بي إلى التنعيم، ¬

_ (¬1) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 287). (¬2) رواه أبو داود (2005). (¬3) رواه أبو داود (2001).

فأهللت بعمرة، فقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم (¬1). وعنها في هذا الحديث قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ كانَ معهُ هديٌّ فليهلّ بالحجِّ معَ العمرةُ ثُمَّ لاَ يحلُّ حتَّى يحلّ منهُمَا جَميعًا" قالت: فقدمت مكة وأنا حائض. . . . . فذكرت الحديث وفيه: فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت فقال: "هذِهِ مكانُ عمرتكِ" فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلوا ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوفًا واحدًا (¬2). وعنها في هذا الحديث قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبًا منها حضت فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قال: "أنَفستِ؟ " يعني الحيضة، قالت: قلت: نعم، قال: "إِنَّ هذَا شيءٌ كتبَهُ اللهُ عَلَى [نساءِ المؤمنينَ منْ] بناتِ آدَم، فاقضِ مَا يقضِي الحاجُّ غيرْ أَنْ لاَ تطوفِي بالبيتِ حتَّى تغتسلِي" قالت: وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بالبقر (¬3). وقال أبو داود: "غيرَ أَنْ لاَ تطوفِي بالبيتِ ولاَ تصلِّي" (¬4). مسلم، عن عائشة أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211). (¬2) هو رواية من الحديث (1211). (¬3) هو رواية من الحديث (1211) ولكن ليس في هذه الرواية ما بين المعكوفين. (¬4) رواه أبو داود (1786). (¬5) هو رواية من الحديث (1211).

وعنها قالت: فلما كان يوم النحر طهرت (¬1). وقد روي من طريق حماد بن سلمة أنها طهرت ليلة البطحاء. ولا يصح. مسلم، عن عائشة في هذا الحديث أيضًا قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أَحرمَ بعمرةٍ ولَم يهدِ فليحللْ، ومنْ أحرمَ بعمرةٍ وأهدَى فَلا يحلّ حتَّى ينحرَ هدْيَهُ، ومنْ أهلَّ بحجٍّ فليتم حجّهُ" قالت عائشة: فحضت. . . . . . . وذكر الحديث (¬2). قال أبو عمر بن عبد البر: روى القاسم بن محمد والأسود بن يزيد وعمرة كلهم عن عائشة ما يدل أنها كانت محرمة بحج لا بعمرة. منها: حديث عمرة عنها خرجنا مج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرى إلا أنه الحج. وحديث الأسود بن يزيد مثله. وحديث القاسم لبّينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج. وغلطوا عروة في حديثه عن عائشة، يعني في قولها: فكنت فيمن أهل بالعمرة. قال إسماعيل بن إسحاق: قد أجمع هؤلاء يعني القاسم والأسود وعمرة على الرواية التي ذكرنا، فعلمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط، ويشبه أن يكون الغلط إنما وقع فيه أن يكون لم يمكنها الطواف بالبيت وأن يحل بعمرة كما فعل من لم يسق الهدي، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تترك الطواف وتمضي على الحج فتوهموا بهذا المعنى أنها كانت معتمرة وأنها تركت عمرتها وابتدأت بالحج. انتهى كلامه (¬3). ¬

_ (¬1) هو رواية من الحديث (1211). (¬2) هو رواية من الحديث (1211). (¬3) التمهيد (8/ 216 - 220).

وقد ذكره مسلم من حديث طاوس عن عائشة أنها أهلت بعمرة (¬1). قال أبو عمر: وقد روى جابر بن عبد الله أنها كانت مهلة بعمرة كما روى عنها عمرة قال: وإنما الغلط الذي دخل على عروة إنما كان في قوله: "انقضِي رأسَكِ وامتشطِي ودَعِي العمرةَ وأهلِّي بالحجِّ". وروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، حدثني غير واحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "دَعِي عمرتَكِ وانقضِي رأسَكِ وأهلِّي وافعلِي ما يفعلْهُ الحاجُّ المسلمونَ فِي حجّهِم". فبين أن عروة لم يسمع هذا الكلام من عائشة، حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة خرجه مسلم رحمه الله، وقال جابر في حديثه فقال: "إِنَّ هذَا أمرٌ كتبَهُ اللهُ عَلَى بناتِ ادَمَ فاغتسِلي وأهلِّي بالحجَّ" ففعلت ووقفت المواقف. . . . . . . وذكر الحديث (¬2). وقال أبو عمر في كتاب التقصي: لا يؤخذ قوله: "انقضِي رأسَكِ وَامتشِطي" لا أحد عن عائشة غير عروة والله أعلم. ووقع في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة في هذه القصة قالت: فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "افعلِي ما يفعلُ الحاجّ غيرَ أَنْ لاَ تطوفِي بالبيتِ وَلا بينَ الصفَا والمروَة" (¬3). أبو داود، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هذه عمرةٌ استمتعنَا بِها، فمِنْ لَمْ يَكُنْ عندَهُ هديٌ فليحللِ الحلّ كلَهُ، وقد دخلتِ العمرةُ فِي الحجِّ إِلى يومِ القيامَةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211). (¬2) التمهيد (8/ 220 - 228). (¬3) رواه مالك (1/ 286). (¬4) رواه أبو داود (1790).

وخرجه مسلم أيضًا (¬1). قال أبو داود: إنما هذا قول ابن عباس: انتهى كلام أبي داود (¬2). وقد صح عن جابر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلتِ العمرةُ فِي الحجِّ" ومعناه إباحة العمرة في أشهر الحج. مسلم، عن جابر بن عبد الله أنه حج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحلّوا منْ إحرامِكُم فطوُفُوا بِالبَيْتِ وبينَ الصفَا والمروة وقصِّرُوا وَأقيمُوا حلالًا حتَّى إِذَا كانَ يومُ التوريةِ فأهلّوا بالحجِّ، واجعلُوا التِي قدمتُم بِها متعةً" قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: "افعلُوا مَا آمركُم فَإِنِّي لَولاَ أنِّي سقتُ الهديَ لفعلتُ مثلَ الذِي أمرتكُم بهِ، وَلاَ يحلُّ منِّي حرامٌ حتَّى يبلغَ الهديَ محلّهُ" ففعلوا (¬3). وفي طريق أخرى: "قَدْ علمتُم إِنِّي أتقاكُم للهِ وأصدقَكُم وأبرّكُمْ، وَلَولا هديي لحللتُ كَمَا تحلونَ، ولَوْ استقبلتُ منْ أمرِي مَا استدبرتُ لَمْ أسقِ الهديَ فَحِلُّوا"ـ فحللنا وسمعنا وأطعنا. وفيه: فقال سراقة بن مالك: يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: "لأَبدٍ" (¬4). الترمذي، عن أبي رزين العقيلي أنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: "حجَّ عنْ أبيكَ واعتمرْ" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1241). (¬2) ونص كلام أبي داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس. (¬3) رواه مسلم (1216). (¬4) هو رواية من الحديث (1216). (¬5) رواه الترمذي (930) وأبو داود (1810) والنسائي (5/ 117).

وذكر الدارقطني عن أبي صالح الحنفي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحجُّ جِهادٌ والعمرةُ تطوعٌ" (¬1). قال: الصواب مرسل عن أبي صالح. كذا وقع عند الدارقطني جهاد، وكذا في مصنف عبد الرزاق: "الحجُّ جهادٌ" رواه عن أبي صالح مرسلًا. الترمذي، عن حجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لاَ وإِنْ تعتمرُوا هِي أَفضلُ" (¬2). قال أبو عيسى: قال الشافعي: العمرة سنة، ولا أعلم أحدًا رخص في تركها، وليس فيها شيء ثابت. ومن منتخب علي بن عبد العزيز عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يمسُّ القرآنَ إِلّا طاهرٌ، والعمرةُ هِي الحجُّ الأصغرُ" (¬3). إسناده ضعيف. وذكر أبو داود في المراسيل عن الزهري قال: قرأت صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبها لعمرو بن حزم. . . . . . فذكر مثله (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث ابن لهيعة عن عطاء عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحجُّ والعمرةُ فَريضتَانِ واجبتَانِ" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر سلسلة الضعيفة (1/ 233 - 234) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (¬2) رواه الترمذي (931). (¬3) انظر نصب الراية (1/ 199). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (ص 105) وانظر تحفة الأشراف (13/ 369 - 370). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 1468).

رواه عن ابن لهيعة قتيبة بن سعيد. قال أبو أحمد: وهذا غير محفوظ عن عطاء. وقد ذكر ابن لهيعة. وذكر الدارقطني عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الحجِّ والعمرةَ فَريضتانِ لاَ يضرُّكَ بأيهمَا بدأتَ" (¬1). الصحيح أن هذا إنما هو من قول زيد بن ثابت، ولا يصح في هذا الباب إلا حديث أبي رزين المتقدم. أبو داود، عن سعيد بن المسيب أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج (¬2). هذا منقطع وضعيف الإسناد. أبو داود، عن عطاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعى في عمرة كلها بالبيت وبين الصفا والمروة، وسعى أبو بكر عام حج إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك (¬3). هذا مرسل. وذكر أبو داود عن النهاس بن قثم عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَهلَّ الرجلُ بِالحجِّ ثُمَّ قدمَ مكَّةَ، وطافَ بالبيتِ وبالصفَا وَالمروة فقَد حلَّ وهِي عمرةٌ" (¬4). النهاس بن قثم عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أهلَّ الرجلُ بالحجِّ. . . . . . " الحديث. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 284). (¬2) رواه أبو داود (1793). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 123) وانظر تحفة الأشراف (13/ 301). (¬4) رواه أبو داود (1791).

النهاس ضعيف. قال أبو داود: ورواه عن ابن جريج عن عطاء دخل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج خالصًا، فجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرة. أبو داود، عن بلال بن الحارث قال: قلت: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة يعني متعة النساء والحج (¬1). خرجه مسلم رحمه الله هذا موقوف على أبي ذر (¬2). أبو داود، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُلبِّي المقيمُ أَوِ المعتمرُ حتَّى يستلمَ الحجَّ" (¬3). في إسناده محمد بن أبي ليلى، والصحيح أنه قول ابن عباس. أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يَا عبدَ الرحمنِ أردفْ أختكَ عائشةَ فأعمِرها منَ التنعيمِ، فإذَا هبطتَ بِها منَ الأكْمةِ فلتحرف بِها فإِنَّها عمرةٌ متقبلةٌ" (¬4). وعن عروة عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح من كداء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كدي عروة يدخل منهما جميعًا، وكان أكثر ما يكون من كدي، وكان أقربها إلى منزله (¬5). الترمذي، عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس يرفعه، أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة، إذا استلم الحجر (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1808) والنسائي (5/ 179). (¬2) رواه مسلم (1224). (¬3) رواه أبو داود (1817) وليس عنده لفظ المقيم. (¬4) رواه أبو داود (1995). (¬5) رواه أبو داود (1868). (¬6) رواه الترمذي (919).

قال: العمل عليه عند أكثر أهل العلم وبه يقول الثوري وأحمد والشافعي وإسحاق. النسائي، عن أبي معقل أنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أم معقل جعلت عليها حجة معك فلم تيسر لها ذلك فما يجزي عنها؟ قال: "عمرةٌ فِي رمضانَ" قال: فإن عندي جملًا جعلته في سبيل الله حبسًا أفأعطيها إياه تركبه؟ قال: "نَعمْ" (¬1). خرج مسلم منه في فضل العمرة، وقال عليه السلام لعائشة وأمرها بالعمرة "ولكنَّهَا عَلَى قدرِ نصبكِ" وقال: نفقتك. خرجه مسلم (¬2). وخرج عن ابن عباس قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفر ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر. فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أي الحل أحل؟ فقال: "الحلُّ كلّهُ" (¬3). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة. وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الحج من الكبرى كما في تحفة الأشراف (9/ 289). (¬2) رواه مسلم (1211). (¬3) رواه مسلم (1240). (¬4) رواه مسلم (1253).

وروي عن محرش الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة ليلًا، وأصبح بالجعرانة كبائت (¬1). أخرج حديثه الترمذي وقال: حديث غريب. مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله: لم أشعر فحلقت قبل أن أَنْحَرَ، فقال: "اذبحْ ولاَ حرجَ" ثم جاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: "ارمِ وَلاَ حرجَ" قال: فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعلْ وَلاَ حرج" (¬2). زاد محمد بن أبي حفصة: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال: "ارمِ ولاَ حَرج" (¬3). قال: ولم يتابع ابن أبي حفصة على قوله: أفضت، أراه وهم. وذكر الحديث والتعليل أبو الحسن الدارقطني خرجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أيضًا. روى هذه الزيادة أسامة الليثي عن عطاء عن جابر، وأنكر هذا على أسامة. ذكر حديثه العقيلي، ورواه سفيان عن ابن جريج عن عطاء مرسلًا (¬4). وروى ابن نمير عن ابن أبي ليلى عن عطاء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ قَدّمَ منْ حجّهِ شيئًا مكانَ شيءٍ فَلاَحرجَ" (¬5). ابن أبي ليلى ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (935) وأبو داود (1996) والنسائى (5/ 199 - 200). (¬2) رواه مسلم (1306). (¬3) هو رواية من الحديث (1306) قبله وانظر سنن الدارقطني (2/ 252). (¬4) الضعفاء (1/ 17 - 21) للعقيلي. (¬5) رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 20 - 21).

البخاري، عن ابن عباس في هذا الحديث قال: رميت بعدما أمسيت فقال: "لاَحرجَ" (¬1). وقال الترمذي من حديث علي بن أبي طالب: أفضت قبل أن أحلق، قال: "احلقْ أَوْ قصّرْ وَلاَ حرجَ" (¬2). وقال: حديث حسن صحيح. زاد أبو داود: "ولا حرجَ إِلَّا عَلى رجلِ اقترضَ عرضَ رجلٍ مسلمٍ وَهُوَ ظالمٌ فذلكَ الَّذِي حرجَ وهلكَ" (¬3). خرجه من حديث أسامة بن شريك. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق الْمُعَرِّسِ، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى (¬4). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون بالابطح (¬5). وعن عائشة في هذا قالت: نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج (¬6). وعن أبي رافع قال: لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزل بالأبطح حين خرج من منى، ولكني جئت فضربت فيه قبته، فجاء فنزل (¬7). وعن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك أخبرني بشيء عقلته ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1735). (¬2) رواه الترمذي (885). (¬3) رواه أبو داود (2015). (¬4) رواه مسلم (1257). (¬5) رواه مسلم (1310). (¬6) رواه مسلم (1311). (¬7) رواه مسلم (1313).

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى، فقلت: أين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثم قال: افعل ما يفعل أمراؤك (¬1). أبو داود، عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى: "نَحنُ نازلونَ غدًا بخيفِ بني كنانةَ حيثُ تَقَاسَمُوا عَلى الكفرِ" وذلك أن قريشًا وبني كنانة تخالفت على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بذلك الْمُحَصَّب (¬3). الترمذي، عن عائشة قالت: قلنا: يا رسول الله ألا نبني لك بيتًا يظلك بمنى قال: "لاَ، مِنى مَنَاخُ منْ سبقَ" (¬4). قال: هذا حديث حسن. وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن أبي حية المكي التميمي، واسم أبي حية اليسع بن الأشعث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن أبْنِيَ كنيفًا بمنى، فلم يأذن لي (¬5). إبراهيم هذا وثقه ابن معين. وقال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1309). (¬2) رواه أبو داود (2013). (¬3) رواه مسلم (1314). (¬4) رواه الترمذي (881). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 238).

باب سقاية الحاج

باب سقاية الحاج مسلم، عن جابر في حديثه: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: "انزعُوا بني عبدِ المطَّلِب، فلَولاَ أَنْ يغلبكُم النَّاسُ عَلَى سقايتِكم لنزعتُ معكُم" فناولوه دلوًا فشرب منه (¬1). الذي نزع له الدلو هو العباس بن عبد المطلب ذكره أبو علي بن السكن. مسلم، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كنت جالسًا مع ابن عباس عند الكعبة، فأتاه أعرابي فقال: ما في أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ، أمن حاجة بكم أم من بخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وخلفه أسامة، فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب، وسقى فضله أسامة وقال: "أَحسنتُم وأجملتُم كذَا فاصنَعُوا" فلا يزيد تغيير ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن ابن عمر أن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (¬3). باب في الاشتراط في الحج وفي الْمُحَصَّر والمريض ومن فاته الحج مسلم، عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير فقال لها: "أَردْتِ الحجِّ؟ " قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: "حجِّي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مسلم (1316). (¬3) رواه مسلم (1315).

واشترطِي وقولي اللَّهمَّ محلِّي حيثُ حبستَنِي" وكانت تحت المقداد بن الأسود (¬1). زاد ابن عباس: فأدركت (¬2). وقال الترمذي: "وقولِي لبيكَ اللَّهمَّ لبيكَ محلِّي منَ الأرضِ حيثُ تُجلسنِي" (¬3). وزاد النسائي: "فإنّ لكِ عَلى ربِّكِ مَا استَثْنَيتِ" (¬4). مسلم، عن ابن عمر أنه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك فقال: لقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، أصنع كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحدُ، اشهدوا أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي وأهدى هديًا اشتراه بقُدَيْدٍ، ثم انطلق يهل بهما جميعًا، حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك ولم ينحر، ولم يحلق، ولم يقصر، ولم يحلل من شيء حرم منه، حتى كان يوم النحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). النسائي، عن ناجية بن جندب الأسلمي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صد النبي، فقال: يا رسول الله ابعث معي فأنا أنحره قال: "وَكيفَ؟ " قال: آخذ به أودية لا يقدر عليه، قال: فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فانطلق به حتى نحره في الحرم (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1207). (¬2) رواه مسلم (1208). (¬3) رواه الترمذي (941). (¬4) رواه النسائي (5/ 167). (¬5) رواه مسلم (1230). (¬6) رواه النسائي في الحج من الكبرى كما في تحفة الأشراف (9/ 3).

باب

أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء (¬1). النسائي، عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ عرجَ أَو كسرَ فقدْ حلَّ وعليهِ حجةٌ أُخرَى". فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق (¬2). زاد أبو داود: "أو مرض" وقال: "عليهِ الحجُّ منْ قَابِل" (¬3). وقال أبو محمد في كتاب الاعراب: روينا من طريق ابن أبي شيبة قال: نا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يدركِ الحجَّ فعليهِ الهديَ وحجَّ قابلًا قالَ: وليجعلَها عمرةً" (¬4). هذا مرسل وضعيف الإسناد. باب مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركابًا بالروحاء فقال "مَنِ القَوْم"؟ فقال: المسلمون قالوا: من أنت؟ قال: "رسولُ اللهِ" - صلى الله عليه وسلم -، فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نَعم ولَكِ أَجرٌ" (¬5). ومن مراسيل أبي داود عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أُريدُ أَنْ أجدد فِي صدورِ المؤمنينَ أيّما صبيٍّ حجَّ بهِ أهلُهُ فماتَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1864). (¬2) رواه النسائي (5/ 198). (¬3) رواه أبو داود (1863). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 237/1). (¬5) رواه مسلم (1336).

أَجزأَ عنهُ فَكانْ أدركَ فعليَه الحجّ، وأيّما مملوكٍ حجَّ بهِ أهلَهُ فماتَ أَجزأَ عنهُ، وإنْ أَعتقَ فعَليهِ الحجّ" (¬1). هذا مرسل مرسل ومنقطع ليس بمتصل السماع. وقال أبو محمد في كتاب الإعراب: روينا من طريق يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا حجَّ العبدُ ثُمَّ عُتِقَ فعليهِ حجةً أُخرَى، وإِذَا حجَّ الأعرابِيُّ ثُمَّ هاجرَ فَعليهِ حجةً أخرى" (¬2). هذا إسناد رجاله أئمة وثقات، ولكن لا أدري الإسناد الموصل إلى يزيد بن زريع، فإن أبا محمد أحال به على كتابه كتاب الإيصال ولم أره. وذكر أبو أحمد من حديث أيمن بن نائل عن أبي الزبير عن جابر قال: حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم (¬3). وقال الترمذي من حديث أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر، فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان (¬4). وقال: حديث غريب. وقد أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها هي تلبي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية. مسلم، عن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص 121) وانظر تحفة الأشراف (13/ 366). (¬2) انظر المحلى (7/ 44) وإرواء الغليل (4/ 156 - 157). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي (1/ 423). (¬4) رواه الترمذي (927).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفاحج عنه؟ قال: "نَعَمْ" وذلك في حجة الوداع (¬1). البخاري، عن ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ فقال: "حجِّي عنهَا، أرأيتِ لَو كانَ عَلَى أمّكِ دينٌ أكلنتِ قاضيتَهُ، اقضُوا اللهَ فالله أحقّ بالوفاءِ" (¬2). وذكر عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن سليمان الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أحج عن أبي؟ قال: "نَعَمْ، إِنْ لَمْ تزدهُ خَيرًا لَمْ تزدهُ شرًّا". قال أبو عمر: تفرد به عبد الرزاق، قال: ولا يوجد في الدنيا عند أحد غيره، وخطّؤوا عبد الرزاق لانفراده به وإن كان ثقة، وقالوا: لفظ منكر ولا يشبه لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وقد جاءت أحاديث مراسيل ضعاف يمنع من أن يحج عن كل واحد، وهي ما روي عن إبراهيم بن محمد بن يحيى العدوي ثم البخاري أن امرأة من العرب قالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتحجِّي عنهُ وليسَ لأحدٍ بعدَهُ". وعن محمد بن حبان الأنصاري أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت إن أبي شيخ كبير. . . . بمثله، قال: "ولبسَ ذَلِكَ لأحدِ بعدَهُ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1334). (¬2) رواه البخاري (1852). (¬3) التمهيد (9/ 129 - 130).

عن محمد بن الحارث التيمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يحجُّ أحدٌ عنْ أحدٍ إلّا ولدٌ عن وَالدِهِ" (¬1). حدثني بهذه الأحاديث القاضي أبو الحسين، تخريج ابن محمد فيما أجازني عن أبي محمد بن حزم، ونقلته من كتاب أبي محمد كتاب حجة الوداع بإسناده. أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: "ومَنْ شبرمةَ؟ " قال: أخ في أو قال: قريب لي، فقال: "حججْتَ عَنْ نفسِكَ؟ " قال: لا، قال: "حجّ عنْ نفسِكَ ثُم حجّ عنْ شبرمةَ" (¬2). علله بعضهم بأنه روي موقوفًا، والذي أسنده ثقة فلا يضره. وروى أبو معشر نجيح عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّ اللهَ يدخلُ بالحجةِ الواحدةِ ثلاثةٌ،- يعني الجنة- الميتُ والحاجُّ عَنهُ والسفرُ لذلِكَ -يَعني الوصيةَ-" (¬3). أبو جعفر أكثر الناس ضعفه، ومع ضعفه يكتب حديثه. رواه عبد الرزاق عن أبي معشر. ¬

_ (¬1) رواه أبو محمد بن حزم في المحلى (7/ 59 - 60) ثم قال: فهذه تكاذيب، ثم أطال في بيان ذلك. (¬2) رواه أبو داود (1811). (¬3) ومن طريق عبد الرزاق رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 2158) ورواه البيهقي (5/ 180) وأبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين (294).

باب في لحم الصيد للمحرم، وما يقتل من الدواب، وفي الحجامة، وغسله رأسه، وما يفعل إذا اشتكى عينيه

باب في لحم الصيد للمحرم، وما يقتل من الدواب، وفي الحجامة، وغسله رأسه، وما يفعل إذا اشتكى عينيه مسلم، عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء أَوْ بِوَدَّان، فرده عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فلما أن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في وجهي قال: "إِنَّا لم نرْدّهُ عليكَ إِلَّا أَنّا حرمٌ" (¬1). وذكر أبو محمد في الإعراب عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عامر وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد وهو محرم تتمير وحش وبيض نعام. قال: ورويناه أيضًا من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). علي بن زيد هو ابن جدعان، وهو الذي وصله لا يحتج بحديثه، والذي ضعفه أكثر ممن وثقه. تمرت اللحم إذا قددته وجففته. مسلم، عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا، فسألهم رمحه، فأبوا عليه، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعضهم، فأدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألوه عن ذلك فقال: "إِنَّما هِي طعمةٌ أطعمكمُوها اللهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1193). (¬2) المحلى (7/ 233). (¬3) رواه مسلم (1196).

وعنه في هذا الحديث قال: "هل أشارَ إِليهِ إنسانٌ منكُم أَوْ أَمرَهُ بشيءٍ؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فَكلُوهُ" (¬1). وعنه فيه أيضًا فقال: "هلْ معكُمْ منهُ شيءٌ؟ "، قالوا: معنا رجله، قال: فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلها (¬2). النسائي، عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صيدُ البرِّ لكُم حلالٌ مَا لَم تصيدُوهُ أَوْ يصدْلَكُم" (¬3). قال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بقوي. وإن كان مالك يروي عنه. وقال الترمذي: لا يعرف للمطلب سماع من جابر. الترمذي، عن أبي المهزم واسمه يزيد بن سفيان عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حج أو عمرة، فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بسياطنا وعصينا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوهُ فَإِنَّهُ منْ صيدِ البحرِ" (¬4). قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي المهزم وقد تكلم فيه شعبة، كذا قال تكلم فيه شعبة وممن تكلم فيه أيضًا أبو زرعة ويحيى بن معين وغيرهما. وذكر أبو داود عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجرادُ من صيدِ البحرِ" (¬5). وميمون بن جابان ليس ممن يحتج به. ¬

_ (¬1) هو رواية من الحديث (1196) قبله. (¬2) هو رواية من الحديث (1196). (¬3) رواه النسائي (5/ 187) وأبو داود (1851) والترمذي (846). (¬4) رواه الترمذي (850) وأبو داود (1854). (¬5) رواه أبو داود (1853).

الدارقطني، عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي اليربوعِ جفرةٌ" (¬1). رواه الثقات الأثبات عن عمر قوله منهم الليث وأيوب وابن عيينة وابن عون وغيرهم، وأسنده الأجلح ومحمد بن فضيل، والأول هو الصحيح. وروى الأجلح أيضًا عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي الضبعِ إِذَا أَصابَهُ المحرمُ كبشٌ، وفِي الظبي شاةٌ، وفِي الأرنبِ عناقٌ، وفِي اليربوعِ جفرةٌ" (¬2). كذا رواه الأجلح من رواية محمد بن فضيل عنه. ورواه أصحاب أيي الزبير عن أبي الزبير عن جابر عن عمر قوله، وهو أصح من المسند (¬3). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع فقال: "هُو صيدٌ، ويجعلُ فيه كبشٌ إِذَا أصابَهُ [صادَهُ] المحرمُ" (¬4). وقال الدارقطني: "كبشٌ مسنٌ". والصحيح حديث أبي داود. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم أن امرأة أغلقت باب بيتها بمكة على هرة وولدها، وخرجت إلى منى ثم إلى عرفة، فرجعت فوجدتهن قد متن، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتق عن كل واحدة منهن رقبة (¬5). هذا مرسل. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 246 - 247 و 247) وانظر العلل (2/ 96 - 98) للدارقطني. (¬2) انظر ما قبله. (¬3) العلل (2/ 95 - 96) للدارقطني. (¬4) رواه أبو داود (3801). (¬5) رواه عبد الرزاق (8242) بمثله وعنده المرأة ميمونة أو أم الفضل.

وذكر الدارقطني عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم في بيض النعام كسره رجل محرم صيام يوم لكل بيضة (¬1). هذا لا يسند من وجه صحيح. وفي المراسيل ذكره أبو داود (¬2). وذكر الدارقطني عن أبي المهزّم عن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه (¬3). وعن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب بن عجرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في بيض نعام أصابها محرم بقدر ثمنه (¬4). أبو المهزّم وحسين ضعيفان، وأبو المهزم أكثر. وذكر أبو داود في المراسيل عن معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلًا محرمًا أوطأ راحلته أَدْحيَّ نعام، فانطلق الرجل إلى علي فسأله عن ذلك؟ فقال علي: عليك في كل بيضة ضراب ناقة أو جنين ناقة، فانطلق الرجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما قال علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ قَالَ عليٌّ مَا سمعتَ، ولكنْ هلمّ إِلى الرخصةِ عليكَ فِي كلِّ بيضةٍ صيامُ يومٍ أَوْ طعامُ مسكينٍ" (¬5). وفي طريق أخرى، فأفتى علي أن يشتري بنات مخاض فيضربهن، فما ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 249 و 250). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (ص 122) وانظر تحفة الأشراف (13/ 382). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 250). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 247). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (ص 122) وانظر تحفة الأشراف (11/ 207). ورواه الدارقطني (2/ 249).

أنتج أهداه إلى البيت، وما لم ينتج أجزأه لأن من البيض ما يصلح ومنها ما يفسد (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، صيام يوم أو إطعام مسكين (¬2). والصحيح مرسل. مسلم، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خمسُ فواسقٍ يقتلنَ فِي الحلِّ والحرمِ الحيةُ والغرابُ الأبقعُ والفارةُ والكلبُ العقورُ والحدياءُ" (¬3). وفي طريق أخرى: "العقربُ والفارةُ والحدياءُ والغرابُ والكلبُ العقورُ" (¬4). وقال أبو داود: "يرمِي الغرابَ وَلا يقتلْهُ" (¬5). خرجه من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به. وذكر أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقتلُ المحرمُ الذئبَ. . . ." وذكر الحديث (¬6). وقد أسنده الحجاج بن أرطاة عن وبرة ونافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ذلك الدارقطني (¬7). الترمذي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقتلُ المحرمُ السبعَ العادِي" (¬8). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 248). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 249). (¬3) رواه مسلم (1198). (¬4) هو رواية من الحديث (1198) قبله. (¬5) رواه أبو داود (1848). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (ص 122) وانظر تحفة الأشراف (13/ 208). (¬7) رواه الدارقطني (2/ 232). (¬8) رواه الترمذي (838).

باب التعريس بذي الحليفة، وكم حجة حج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي دخول الكعبة، والصلاة فيها، وفي تعجيل الرجعة لمن قضى حجه، وفي تحريم الكعبة وفضلها، وفي ذكر ماء زمزم

قال: هذا حديث حسن. وخرجه أبو داود أيضًا (¬1). مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم (¬2). وعن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبي أيوب وسأله كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه وهو محرم؟ وكان أبو أيوب يغتسل وهو محرم، قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا في رأسه، ثم قال لإنسان يصب، فصب على رأسه، فحرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل (¬3). وعن عثمان بن عفان أنه حدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم، ضمدها بالصبر (¬4). باب التعريس بذي الحليفة، وكم حجة حج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي دخول الكعبة، والصلاة فيها، وفي تعجيل الرجعة لمن قضى حجه، وفي تحريم الكعبة وفضلها، وفي ذكر ماء زمزم مسلم، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صدر من الحج والعمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان ينيخ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وعنه عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناخ بالبطحاء التي بذي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1848). (¬2) رواه مسلم (1203). (¬3) رواه مسلم (1205) مطولًا. (¬4) رواه مسلم (1204). (¬5) رواه مسلم (1257).

الحليفة فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك (¬1). وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له: "إِنَّكَ ببطحاءٍ مباركةٍ". قال موسى بن عقبة: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان عبد الله ينيخ به يتحرى معرس النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين القبلة وسطًا من ذلك (¬2). البخاري، عن أبي إسحاق السَّبيعي عن زيد بن أرقم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج غيرها حجة الوداع، قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ثم مكث فيها، قال ابن عمر: فسألت بلالًا حين خرج: ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: جعل عمودين عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى (¬4). وعنه في هذا الحديث: ونسيت أن أسأله كم صلى (¬5). زاد البخاري: واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت قال: ونسيت أن أسأله: كم صلى؟ وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء (¬6). وفي أخرى بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاث أذرع (¬7). ¬

_ (¬1) هو رواية من الحديث (1257). (¬2) رواه مسلم (1346). (¬3) رواه البخاري (4404). (¬4) رواه مسلم (1329). (¬5) هو رواية من الحديث (1329) قبله. (¬6) رواه البخاري (4400). (¬7) رواه البخاري (1599).

وذكر البخاري أيضًا هذا الحديث في كتاب الصلاة وقال فيه: فسألت بلالًا فقلت: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة؟ قال: نعم ركعتين (¬1). والمشهور أنه لم يسأله. وقال أبو داود: عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخل البيت؟ قال: صلى ركعتين (¬2). أبو داود، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها وهو مسرور، ثم رجع إليَّ وهو كئيب فقال: "إِنِّي دخلتُ الكعبةَ لَوْ استقبلتُ منْ أمرِي ما استدبرتُ ما دخلتَها، إِنِّي أَخافُ أَنْ أكونَ قَد شققتُ عَلى أمّتِي" (¬3). هذا يرويه إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصُّفَيْرَاءُ وهو ضعيف الحديث عندهم. وقد روي بإسناد آخر عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ندم على دخوله البيت. خرجه أبو بكر البزار ولا يثبت أيضًا. مسلم، عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين وقال: "هذِهِ القبلةُ" (¬4). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "السفرُ قطعةٌ منَ العذابِ يمنعُ أحدكُمْ نومَهُ وطعامَهُ وشرابَهُ، فَإذَا قَضى أحدُكُمْ نهمتَهُ منْ وجهِهِ فليعجلْ إِلَى أَهلِهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (397). (¬2) رواه أبو داود (2026). (¬3) رواه أبو داود (2029). (¬4) رواه مسلم (1330). (¬5) رواه مسلم (1927).

الدارقطني، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قضَى أحدُكُمْ حجَّهُ فليعجلِ الرجعةَ إِلَى أَهلِهِ فَإنَّهُ أَعظمُ لأجرِهِ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فركب راحلته فخطب فقال: "إِنَّ اللهَ حَبسَ عَنْ مكةَ الفيلَ، وسلّطَ عليهَا رسولَهُ والمؤمنينَ، أَلاَ وَإنَّهَا لَمْ تحلّ لأحدٍ قبلِي ولَنْ تَحلَّ لأحدٍ مِنْ بعدِي، أَلاَ وإِنَّهَا أحلّتْ لِي ساعةٌ منَ النهارِ، أَلاَ وإِنّها ساعتِي هذ حَرامٌ لا يخْبَطُ شوكُها، ولا يُعضدُ شجرُهَا، ولا يلتقطُ ساقطتَهَا إِلّا منشدٌ، ومنْ قُتلَ لهُ قتيلٌ فهوَ بخيرِ النَظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يعطى (يعني الدية) وإما أَنْ يقادَ (أهلَ القتيلِ) " قال: فجاء رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: "اكتبُوا لأبِي شاهٍ" فقال رجل من قريش: إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله عنه: "إِلّا الإذْخَر" (¬2). أراد بقوله اكتب لي يا رسول الله: الخطبة التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ذلك مسلم أيضًا (¬3). وقال مسلم: عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إِنّ مكةَ حرقهَا اللهُ وَلم يحرمْهَا النّاسُ، فَلا يحلّ لامرئٍ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ أَنْ يسفكَ بِهَا دَمًا ولا يَعْضِد بِهَا شجرةً، فإِنْ أحدٌ ترخصَ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 300). (¬2) رواه مسلم (1355). (¬3) في الرواية قبل هذه الرواية.

بقتالِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا فقولُوا لَهُ: إِنَّ الله أَذنَ لرسولهِ ولَمْ يأذنْ لكُمْ، وإِنَّما أَذنَ لِي فيهَا ساعةً منْ نهارٍ، وقدْ عادَتْ حرمتَها اليومَ كحرمتِها بالأمس، وليبلّغِ الشاهدُ الغائبَ" فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بجزية (¬1). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فتح مكة: "إِنَّ هَذا البلدَ حرّمَهُ اللهُ يومَ خلقَ السموات والأرضَ فَهو حرامٌ بحرمةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ إِلى يومِ القيامةِ. . . . . . ." وذكر الحديث (¬2). وذكر أبو بكر البزار عن الأسود بن خلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجدد أنصاب الحرم عام الفتح (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يحلُّ لأحدٍ أَنْ يحملَ السلاحَ بِمكّةَ" (¬4). النسائي، عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على راحلته وهو بالْحَزَوَّرَةِ من مكة يقول لمكة: "واللهِ إِنَّكِ لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ اللهِ إِلى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي خرّجتُ منكِ مَا خَرجتُ" (¬5). وروى ابن الزبير في فضل الصلاة في مكة، وسيأتي في باب فضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن بن الرداد عن يحيى بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1354). (¬2) رواه مسلم (1353). (¬3) رواه أبو بكر البزار (1160 كشف الأستار). (¬4) رواه مسلم (1356). (¬5) رواه النسائي في الحج من الكبرى كما في تحفة الأشراف (5/ 316) والترمذي (3921) وابن ماجه (3108).

سعيد [عن عمرة] قالت: تكلم مروان يومًا على الناس فذكر مكة، فأطنب في ذكرها ولم يذكر المدينة، فقام رافع بن خديج فقال: ما لك يا هذا ذكرت مكة فأطنبت في ذكرها؟! وأشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المدينةُ خيرٌ منْ مكّةَ" (¬1). ومحمد بن عبد الرحمن هذا ليس حديثه بشيء عندهم. أبو داود الطيالسي عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمزم قال: "إِنَّها مباركَةٌ وَهِيَ مباركةٌ طعامٌ طعم، وشفاءُ سقمٍ" (¬2). وروى عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ماءُ زمزمَ لِمَا شُربَ لَه" (¬3). وفي هذا الباب عن ابن عباس (¬4). ذكر الأول أبو جعفر العقيلي وأبو بكر بن أبى شيبة. والثاني أبو الحسن الدارقطني. الترمذي، عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحمله (¬5). قال: هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2198) ورواه الطبراني في الكبير (4450) والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 1/ 160) والمفضل الجندي في "فضائل المدينة، (رقم 12) والحديث باطل، انظر سلسلة الضعيفة (3/ 638 - 639) وصورة رواية ابن عدي مرسل. (¬2) رواه أبو داود الطيالسي (2721) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 1/ 307). (¬3) رواه أحمد (3/ 357 و 372) وابن ماجه (3062) والعقيلي في الضعفاء (2/ 303) والبيهقي (5/ 148) والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 179) والأزرقي في أخبار مكة (291) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 1/ 208) وانظر إرواء الغليل (4/ 320 - 325). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 289) وانظر إرواء الغليل (4/ 329 - 333). (¬5) رواه الترمذي (963).

باب دخول مكة بغير إحرام، وكم كان أذن للمهاجر أن يقيم بها، وفي بيع دورها وتوريثها، ونقض الكعبة وبنيانها، وما جاء في مالها

باب دخول مكة بغير إحرام، وكم كان أذن للمهاجر أن يقيم بها، وفي بيع دورها وتوريثها، ونقض الكعبة وبنيانها، وما جاء في مالها مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام (¬1). وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلُوهُ" (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن خلد بن عبد الله الواسطي مسندًا إلى ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخلْ أحدٌ مكةَ إِلَّا بإحرامٍ منْ أَهلِهَا أَو منْ غيرِ أهلِهَا" (¬3). محمد هذا ضعيف عندهم، وبعده في الإسناد حجاج بن أرطاة. مسلم، عن العلاء بن الحضرمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقيمُ المهاجرُ بمكّةَ بعدَ قضاءِ نسكهِ ثَلاثًا" (¬4). وعن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ فقال: "وهلْ تركَ لَنا عقيلٌ منْ رباعٍ أَوْ دُورٍ" وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرث جعفر ولا علي شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1358). (¬2) رواه مسلم (1357). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 2276). (¬4) رواه مسلم (1352). (¬5) رواه مسلم (1351).

وعن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عائشة لَولاَ أنَّ قومَكَ حديثُو عهدٍ بشركٍ لهدمتُ الكعبةَ، فألزقتَهَا بالأرضِ، ولجعلتُ لَهَا بَابًا شَرقيًا وبَابًا غربيًا، وزدتُ فِيهِ ستةَ أذرعٍ منَ الحِجْرِ، فإِنَّ قُريشًا اقتصرتهَا حيثُ بَنَتِ الكعبةَ" (¬1). وعنها في هذا الحديث: "فَإِنْ بَدا لقومِكَ منْ بعَدي أَنْ يبنُوهُ فهلمِّي أُريكِ مَا تَرَكُوا منهُ"، فأراها قريبًا من سبعة أذرع (¬2). وعنها قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: "نَعَمْ" قلت: فَلِمَ لَمْ يدخلوه البيت؟ قال: "إِنّ قومَكِ قصرَتْ بهمُ النفقةُ" قلت: فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال: "فعلَ ذَلِكَ قومُكِ ليدخلُوا منْ شاؤُوا ويمنعُوا منْ شَاؤُوا ولَولاَ أَنَّ قومَكِ حديثُو عهدَهُمْ فِي الجاهليةِ، فَأخافُ أَنْ تنكرَ قلوبُهُمْ لنظرتُ أَنْ أُدخلَ الجدرَ فِي البيتِ، وإنْ ألزقَ بَابَهُ الأرضَ" (¬3). وعن ابن عمر، وسمع الحديث في قصة الحجر فقال: ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم (¬4). وعن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "لَولاَ أَنَّ قومَكِ حديثُو عهدٍ بجاهليةٍ" أو قال: "بكُفرٍ لأنفقتُ كنزَ الكعبةِ فِي سبيلِ الله" (¬5). أبو داود، عن شقيق عن شيبة يعني ابن عثمان قال: قعد عمر بن الخطاب في مقعدك الذي أنت فيه فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: بلى لأفعلن. قال: قلت: ما أنت بفاعل، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1333). (¬2) هو رواية من الحديث (1333) قبله. (¬3) هو رواية من الحديث (1333) قبله. (¬4) قاله ابن عمر بعد حديث عائشة (1333). (¬5) هو رواية من الحديث (1333).

باب في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي تحريم المدينة وفضلها، وفي فضل مسجدها، وفي بيت المقدس، وفي مسجد قباء

قال: لِمَ؟ قلت: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحركاه، فقام فخرج (¬1). وعن موسى بن باذان عن يعلى بن أمية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "احتكارُ الطعامِ فِي الحرمِ إِلحادٌ فيهِ" (¬2). باب في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي تحريم المدينة وفضلها، وفي فضل مسجدها، وفي بيت المقدس، وفي مسجد قباء الدارقطني، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ زارَ قبرِي وجبتْ لَهُ شفاعَتِي" (¬3). وذكره أبو بكر البزار أيضًا (¬4). وذكر الترمذي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منِ استطاعَ أَنْ يموتَ بالمدينةِ فليمتْ بِهَا، فإنِّي أشفعُ لِمنْ ماتَ بِهَا" (¬5). وهذا الحديث الذي ذكره الترمذي صحيح. مسلم، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أحرّمُ مَا بَينَ لابتَي المدينةِ أَنْ تقطعَ عضاهُهَا أَو يُقتلُ صيدُهَا" وقال: "المدينةُ خيرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يعلمونَ، لاَ يدعهَا أحدٌ رغبةً عنهَا إلا أبدلَ اللهُ فِيهَا منْ هُوَ خيرٌ منهُ، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2031). (¬2) رواه أبو داود (2020). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 278) ولا يصح. (¬4) رواه أبو بكر البزار (1198 كشف الأستار). (¬5) رواه الترمذي (3913).

ولا يثبتُ أحدٌ عَلَى لأَوَائِهَا وجهدِهَا فيموتُ إلا كنتُ لَهُ شَفيعًا أَوْ شَهيدًا يومَ القيامةِ" (¬1). وقال في حديث أبي سعيد: "لاَ يصبرُ أحدٌ عَلى لأوائِهَا وجهدِهَا فيموتُ إِلّا كنتُ لَهُ شَفيعًا أَوْ شَهيدًا يومَ القيامةِ إِذَا كانَ مُسلمًا" (¬2). وعن سعيد بن أبي وقاص في هذا الحديث من الزيادة: "ولاَ يريدُ أَحَدٌ أَهلَ المدينةِ بسوءِ إِلَّا أذَابَهُ الله فِي النّارِ ذوبَ الرصاصِ أَوْ ذَوب الملحِ فِي المَاءِ" (¬3). وعن أبي هريرة قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة، قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباءَ ما بين لابتيها ما ذعرتها، وجعل إثني عشر ميلًا حول المدينة حمى (¬4). وعن علي بن أبي طالب قال: من زعم أن عندنا شيئًا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات وفيها قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المدينةُ حرامٌ مَا بينَ عيرٍ إلى ثورٍ، فمنْ أَحدثَ فيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحدِثًا فَعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةُ والنّاسُ أجمعينَ، لاَ يقبلُ اللهُ منهُ يومَ القيامةِ صرفًا ولاَ عَدلًا. . . . ." وذكر الحديث (¬5). وزاد أبو داود عن أبي حسان عن علي بن أبي طالب في هذه القصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُختلى خلاهَا، ولا يُنفّرُ صيدُهَا، ولا تُلتقطُ لقطتُهَا إِلّا منْ أشاد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1363). (¬2) رواه مسلم (1374). (¬3) رواه مسلم (1363). (¬4) رواه مسلم (1372). (¬5) رواه مسلم (1370).

بهَا، ولاَ يصلحُ لِرَجُلٍ أَنْ يحملَ فيهَا السلاحَ لقتالٍ، ولاَ يصلحُ أَنْ يقطعَ منهَا شجرةٌ إِلَّا أَن يعلفَ رجلٌ بعيرَهُ" (¬1). وعن عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد قال: حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا لا يُخبط شجره، ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل (¬2). وقال من حديث خارجة بن الحارث الجهني عن أبيه عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يخبطُ ولا يعضدُ حِمى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولكنْ يُهشُّ هَشًّا رَفيقًا" (¬3). وذكر أبو داود أيضًا عن سليمان بن أبي عبد الله. قال: رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلًا يصيد في حرم المدينة الذي حرم وسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلبه ثيابه، فجاؤوا يعني مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حرم هذا الحرم وقال: "منْ أَخذَ أحدًا يصيدُ فيهِ فليسلبْهُ ثيابَهُ" فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللَّهُمَّ باركْ لنَا فِي ثمرِنَا، وباركْ لَنا فِي مدينتنَا، وباركْ لَنا فِي صاعِنَا، وباركْ لَنا فِي مدّنَا، اللهمَّ إِنَّ إِبراهيمَ عبدُكَ وخليلُكَ ونبيكَ، وإني عبدُكَ ونبيكَ وإنَّهُ دَعَاك لمكةَ وإنِّي أَدعوكَ للمدينةِ بمثلِ مَا دعاكَ لمكَةَ، ومثلَهُ معَهُ" ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2035). (¬2) رواه أبو داود (2036). (¬3) رواه أبو داود (2039). (¬4) رواه أبو داود (2037). (¬5) رواه مسلم (1373).

وعن عائشة قالت: قدمنا المدينة وهي وبيئة فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوى أصحابه قال: "اللهمَّ حببْ لنَا المدينةَ كَمَا حببتَ لنَا مكَّةَ أَوْ أَشدّ، وَصَحِّهَا، وباركْ لنَا فِي صاعِهَا ومدّهَا وحوِّلْ لنَا حُمَّاهَا إِلى الجحفةِ" (¬1). وعن زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّهَا طَيْبَةُ (يعني المدينة)، وإِنَّها تنفِي الخبثَ كمَا تنفِي النَّارُ خبثَ الفضّةِ" (¬2). وعن جابر بن عبد الله أن أعرابيًا بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد أَقِلْنِي بيعتي، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى فخرج الأعرابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما المدينةُ كالكيرِ تنفِي خبثَها ويَنْصَعُ طَيِّبهَا" (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ لاَ يدخلُهَا الطاعونُ ولاَ الدّجالُ" (¬4). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يدخل المدينةَ رُعْبُ المسيحِ الدجالِ، لهَا يومئذٍ سبعةُ أبوابٍ لكلِّ [على كلِ] بابٍ ملكانِ" (¬5). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تشدُّوا الرحالَ إِلّا إِلى ثَلاَثَةَ مساجد، مسجدِي هذَا والمسجدِ الحرامِ والمسجدِ الأَقصَى" (¬6). وعنه قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت بعض نسائه، فقلت: يا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1376). (¬2) رواه مسلم (1384). (¬3) رواه مسلم (1383). (¬4) رواه مسلم (1379) والبخاري (1880 و 5731 و 7133). (¬5) رواه البخاري (1879 و 7125 و 7216). (¬6) رواه مسلم (827).

رسول الله أي المسجدين أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفًا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: "هو مَسجدكُمْ هَذا" لمسجد المدينة (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي آخرُ الأنبياءِ ومسجدِي آخرُ المساجدِ" (¬2). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاةٌ فِي مسجدِي هَذا أفضلُ منْ ألفِ صلاةٍ فيمَا سِواهُ إلّا المسجدَ الحرامَ" (¬3). وعن عبد الله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث (. . . . . وصلاةٌ فِي المسجدِ الحرامِ أفضلُ منْ صلاةٍ فِي مسجدِي هَذا بمائةِ صلاةٍ". ذكره قاسم بن أَصبغ وغيره (¬4). وذكره أبو عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "منْ قالَ يثربَ فَليقلِ المدينةَ". مسلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بينَ بيتِي ومنبرِي روضةٌ منْ رياضِ الجنّةِ، ومنبرِي علَى حوضِي" (¬5). وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أُحُدًا جبلٌ يحبّنَا ونُحبّهُ" (¬6). النسائي، عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ سليمانَ بنَ داودٍ لَما بنَى بيتَ المقدسِ سألَ اللهُ خلالًا ثلاثةً، سألَ اللهُ حُكمًا يصادفهُ حكمَهُ فَأُوتِيهِ، وسألَ اللهُ مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ منْ بعده فأُوتِيهِ، وسألَ الله حينَ فرغَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1398). (¬2) رواه مسلم (1394). (¬3) رواه مسلم (1394). (¬4) التمهيد (5/ 24 - 25). (¬5) رواه مسلم (1391). (¬6) رواه مسلم (1393).

باب

منْ بناءِ المسجدِ أن لاَ يأتيهِ أحدٌ لا ينهرهُ إلا الصلاةَ فِيهِ أَنْ يخرجهُ منْ خطيئتِهِ كيومَ ولدتْهُ أُمّةُ" (¬1). الترمذي، عن أسد بن ظهير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصّلاةُ فِي مسجدِ قباءٍ كَعمرةٍ" (¬2). قال: لا نعلم لأسد بن ظهير شيئًا يصح غير هذا الحديث. مسلم، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين (¬3). وفي أخرى: يأتيه كل سبت (¬4). باب أبو داود، عن عروة بن الزبير عن الزبير قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ لِيَّةَ حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طرف القرن الأسود حذوها، فاستقبل نخبًا ببصره، ووقف حتى اتقف الناس كلهم ثم قال: "إِنَّ صيدَ وجٍّ وعظامَهُ حرامٌ محرمٌ للهِ" وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف (¬5). عروة بن الزبير رأى أباه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2/ 34) ورواه أحمد (2/ 176) وابن ماجه (1408) وابن خزيمة (1334) وابن حبان (1633) والحاكم (1/ 30 - 31 و 2/ 424). (¬2) رواه الترمذي (324). (¬3) رواه مسلم (1399). (¬4) هو رواية من الحديث (1399) قبله. (¬5) رواه أبو داود (2032).

8 - كتاب الجهاد

كتاب الجهاد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد نبيه الكريم، وعلى له وصحبه وسلم باب التعوذ من الجبن وذمه، ووجوب الجهاد مع البر والفاجر، وفضل الجهاد والرباط والحراسة في سبيل الله، والنفقة فيه، وفيمن مات في الغزو، وفيمن لم يغز، وفيمن منعه العذر، وفي عدد الشهداء البخاري، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللَّهمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ منَ الهمِّ والحزنِ والعجزِ والكسلِ والجبنِ والبخلِ وضلعِ الدينِ وغلبةِ الرجالِ" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "شرُّ مَا فِي رجلٍ شحٌ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2823 و 6367). (¬2) رواه أبو داود (2511).

النسائي، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جاهدُوا المشركينَ بأموالِكُمْ وأيديكُمْ وألسنتِكُمْ" (¬1). وذكر النسائي من حديث أبي زرعة الشيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دَعُوا الحبشةَ مَا ودعوكُمْ، وَاتْرُكُوا التركَ مَا تركوكُمْ" (¬2). أبو سكينة اسمه زياد بن مالك، ولم أسمع فيه بتجريح ولا بتعديل. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن أبي أمامة عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتركُوا الحبشةَ مَا تركوكُمْ فَإنَّه لاَ يَستخرجُ كنزَ الكعبةِ إلّا ذُو السويقتينِ منَ الحبشةِ" (¬3). زهير بن محمد سيئ الحفظ لا يحتج به، ومن طريقه أخرجه أبو داود. مسلم، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الهجرة، قال: "لاَ هجرةَ بعدَ الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيةٌ، وإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانفُروا" (¬4). وذكر النسائي عن حسان بن عبد الله عن عبد الله بن السعدي قال: وفدنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل أصحابي فقضى حاجتهم، وكنت آخرهم دخولًا فقال: "حاجتُكَ" فقلت: يا رسول الله متى تنقطع الهجرة؟ قال: "لاَ تنقطعُ الهجرةُ مَا قُوتلَ الكفارُ" (¬5). قال النسائي: حسان بن عبد الله ليس بمشهور (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 7). (¬2) رواه النسائي (6/ 43 - 44) في حديث طويل، ورواه أبو داود (4302). (¬3) ورواه أبو داود (4309) وعنه الخطيب في التاريخ (12/ 403) والحاكم (4/ 453) وأحمد (5/ 371). (¬4) رواه مسلم (1864). (¬5) رواه النسائي (7/ 147). (¬6) قال ذلك النسائي بعد أن رواه في السير من الكبرى كما في تحفة الأشراف (6/ 402).

وذكر النسائي أيضًا عن عبد الله بن محيريز عن عبد الله بن السعدي عن محمد بن حبيب المصري قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . . فذكر مثله (¬1). قال أبو عبد الرحمن النسائي: محمد بن حبيب لا أعرفه. وقال ابن أبي حاتم: محمد بن حبيب قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن الهجرة، روى عنه عبد الله بن السعدي وأبو ادريس الخولاني. لم يزد على هذا (¬2). وذكر أبو بكر البزار من حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وفي إسناده يزيد بن ربيعة وهو كثير الخطأ ضعيف، ولا سيما في حديث ثوبان. وذكر النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف عن أبي هند البجلي قال: قال معاوية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تنقطعُ الهجرةُ حتَّى تنقطعَ النبوةُ، ولا تنقطعُ النبوةُ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ من قِبَلِ المغربِ" (¬4). أبو هند ليس بالمشهور. مسلم، عن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، فقال لرجل ممن يدعي بالإسلام: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله الذي قلت آنفًا أنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالًا شديدًا، وقد مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِلى النَّار" فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكنَّ به جراحًا ¬

_ (¬1) رواه النسائي فى السير من الكبرى كما فى تحفة الأشراف (8/ 356) والبزار (1748 كشف الأستار). (¬2) الجرح والتعديل (6/ 225) لابن أبي حاتم. (¬3) رواه البزار (1749 كشف الأستار). (¬4) رواه النسائي في السير من الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 454) وأبو داود (2479) وأحمد (4/ 99) والدارمي (2516).

شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال: "اللهُ أكبرُ أشهدُ أني عبدُ اللهِ ورسولُهُ" ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: "إِنَّه لاَ يدخلُ الجنَّةَ إِلَّا نفسٌ مسلمةٌ، وإِنَّ اللهَ يؤيدُ هَذا الدينَ بالرجلِ الفَاجِرِ" (¬1). الصواب خيبر بدل حنين. أبو داود، عن جعفر بن برقان عن يزيد بن أبي نشبة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ منْ أصلِ الإيمانِ، الكفُّ عنْ مَنْ قَالَ لاَ إِلَه إِلا اللهُ وَلاَ نكفرُ بذنبٍ، وَلا نخرجهُ منَ الإسلامِ بعملٍ، والجهادُ ماضٍ منذُ أَنْ بعثنِي اللهُ إِلى أَن يقاتلَ آخرُ أمّتِي الدجالَ، لاَ يبطلهُ جورُ جائرٍ ولاَ عدلُ عادلٍ، والإيمانُ بالأقدارِ" (¬2). يزيد بن أبي نشبة رجل من بني سليم: لا يروي عنه فيما أعلم إلا جعفر بن برقان. وعن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: "طولُ القيامِ" قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهدُ المقلِّ" قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "منْ هجَر مَا حرَّمَ اللهُ عليهِ" قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "منْ جاهدَ المشركينَ بمالِهِ ونفسِهِ" قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: "منْ أهريقَ دمُهُ وعُقِرَ جوادُهُ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لاَ تستطيعونَهُ" قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول: "لا تستطيعونَه" قال في الثالثة: "مثلُ المجاهد فِي سبيلِ اللهِ كمثلِ الصائمِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (111). (¬2) رواه أبو داود (2532). (¬3) رواه أبو داود (1449).

القائمِ القانتِ بآياتِ اللهِ لا يفترُ منْ صيامٍ ولاَ صلاةٍ حتَّى يرجعَ المجاهدُ فِي سبيلِ اللهِ" (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تضمَّن اللهُ عزَّ وجَلَّ لِمنْ خرجَ فِي سبيلهِ، لا يخرجْهُ إِلَّا جهَادًا فِي سبيلِي، وإيمانًا بِي، وتصدِيقًا برسُلِي فهُوَ عَلَيَّ ضَامنٌ أَنْ أدخلهُ الجنَّةَ أوْ أرجعهُ إلى مسكنِهِ الَّذِي خرجَ منهُ نائلًا مَا نَالَ منْ أجرٍ أَوْ غنيمةٍ، والَّذي نفسُ محمدٍ بيدهِ مَا منْ كلمٍ يكْلَمُ فِي سبيلِ الله إِلّا جاءَ يومَ القيامةِ كهيئتِهِ يومَ [حينَ] كلمَ، لونُهُ لونُ دمٍ، وريحُهُ مسْك، والَّذِي نفسُ محمدِ بيدهِ لَولاَ أَن يشقَّ عَلى المسلمينِ مَا قعدتُ خِلافَ سريةٍ تغزُو فِي سبيلِ اللهِ أبدًا، ولكنْ لاَ أَجِدُ سعةً فأحملهُمْ، ولاَ يجدونَ سعةً، ويشقّ عليهمْ أَن يتخلَّفُوا عني، والَّذي نفسُ محمدٍ بيده لوددتُ أَنِّي أغزُو فِي سبيلِ اللهِ فأقتلُ ثُمَّ أَغزُو فَأُقتلُ ثم أَغزُو فأقتلُ" (¬2). النسائي، عن فضالة بن عبيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَنَا زعيمٌ، والزعيمُ الحميلُ لمنْ آمنَ بِي وَأسلمَ، وهاجرَ ببيتٍ فِي ربضِ الجنّةِ وببيتٍ فِي وسطِ الجنّةِ، وأَنَا زعيمٌ لِمنْ آمنَ بِي وأسلَمَ وجاهدَ فِي سبيلِ اللهِ ببيتٍ فِي ربضِ الجنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وسطِ الجنَّةِ وببيتٍ في أعلى غرفِ الجنّةِ، منْ فعلَ ذَلِكَ فَلمْ يدع للخيرِ مَطلبًا، ولا منَ الشرِّ مهربًا، يموتُ حيثُ شاءَ أَنْ يموتَ" (¬3). البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ آمنَ باللهِ ورسولِهِ وأقامَ الصلاةَ وصامَ رمضانَ، كانَ حقًّا عَلى اللهِ أَنْ يدخلهُ الجنَّةَ، هاجرَ فِي سبيلِ اللهِ أَوْ جلسَ فِي أرضِهِ التِي وُلدَ فِيهَا" قالوا: يا رسول الله أفلا نُنَبِّئُ الناس بذلك؟ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1878). (¬2) رواه مسلم (1876). (¬3) رواه النسائي (6/ 21).

قال: "إِنَّ فِي الجنّةِ مائةُ درجةِ أَعدّهَا اللهُ للمجاهدينَ فِي سبيلِهِ كلُّ درجتينِ ما بينَ الدرجتينِ كما بينَ السماءِ والأرضِ، فَإذَا سألتُمُ اللهُ تَعَالَى فسلُوه الفِرْدَوْسَ فإنَّهُ أوسطُ الجنّة وأعلَى الجنَّةِ، وفوقهُ عرشُ الرحمنِ، وَمنهُ تُفجَّرُ أَنهَارُ الجنَّةِ" (¬1). وعن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "واعلَمُوا أَنَّ الجنَّةَ تحتَ ظلالِ السّيوفِ" (¬2). النسائي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيرُ مَا عاشَ النَّاسُ لَهُ رجلٌ ممسكٌ بعِنانِ فرسِهِ فِي سبيلِ اللهِ كلّمَا سمعَ هيعةً أَوْ فزعةً طارَ عَلَى متنِ فرسِهِ، فَالتمسَ الموتَ وَالقتلَ فِي مظانِّهِ، أَو رجلٌ فِي شعبةٍ منْ هذِهِ الشِّعابِ، أَوْ فِي بطنِ وادٍ منْ هذ الأوديةِ فِي غنيمةٍ يقيمُ الصَّلاة ويُؤتي الزكَاة يعبدُ اللهَ حتَّى يأتيهِ اليقينُ، ليسَ مِنَ النَّاس إِلَّا فِي خَيرٍ" (¬3). خرجه مسلم أيضًا (¬4). أبو داود، عن أبي أمامة أنه قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة، قال: "إِنّ سياحةَ أمّتِي الجهادُ فِي سبيلِ اللهِ" (¬5). البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عبدٍ يموتُ لَهُ عندَ الله خيرٌ يسرّهُ أَنْ يرجعَ إِلى الدُّنيَا، وأَن لَهُ الدنيَا ومَا فيهَا إِلَّا الشهيدَ لِمَا يَرى منْ فضلِ الشهادةِ، فإنَّهُ يسرهُ أَنْ يرجعَ إِلى الدُّنيا فيقتلُ مرةً أُخرى، ولروحةٌ فِي سبيلِ اللهِ أَوْ غدوةٌ خيرٌ منَ الدّنيا ومَا فِيها، ولقابُ قوسِ أحدكُمْ أَوْ موضعُ قيدٍ (يعني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2790 و 7423). (¬2) رواه البخاري (2818 و 2833 و 2966 و 3024 و 7237) ومسلم (1742) وأبو داود (2631). (¬3) رواه النسائي في السير من الكبرى كما في تحفة الأشراف (9/ 308). (¬4) رواه مسلم (1889). (¬5) رواه أبو داود (2486).

سوطه) خيرٌ منَ الدّنيا ومَا فِيها، ولوْ أنَّ امرأةً منْ أَهلِ الجنَّةِ اطلعَتْ إِلى أَهلِ الأَرضِ لأَضاءَتْ مَا بينَها ولملأتْهُ رِيحًا، ولنصيفهَا عَلَى رأسِهَا خيرٌ منَ الدّنيا وَمَا فِيهَا" (¬1). وعن عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عيسى وأنا أذهب إلى الجمعة فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منِ اغبرّتْ قدماهُ فِي سبيلِ اللهِ حرمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ" (¬2). مسلم، عن سهل بن حنيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلغهُ اللهُ منازلَ الشهداءِ وإِنْ ماتَ عَلى فراشِهِ" (¬3). النسائي، عن معاذ بن جبل أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ قاتلَ فِي سبيلِ الله من رجلٍ مسلمٍ فواقَ ناقةٍ وجبتْ لَهُ الجنةَ، ومنْ سأَلَ اللهَ القتلَ منْ عندِ نفسِهِ صَادِقًا ثُمَّ ماتَ أَوْ قُتِلَ فَلَهُ أجرُ شهيدٍ، ومنْ جُرِحَ جرحًا فِي سبيلِ اللهِ أَوْ نكتَ نكتةً فإِنَّها تَجيءُ يومَ القيامةِ كأغزرِ مَا كانتْ لَونُهَا كالزعفرانِ وريحُها كالمسكِ، ومنْ جُرحَ جرحًا فِي سبيلِ الله فعليهِ طابعُ الشهداءِ" (¬4). الترمذي، عن أبي هريرة قال: مر رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بِشِعْبٍ فيه عُيَيْنَةٌ من ماء عذبة فأعجبته لطيبها، فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذه الشعب، ولن أفعل حتى استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لاَ تفعلْ فَإنَّ مقامَ أحدكُمْ فِي سبيلِ الله أفضلُ مِنْ صلاتِهِ فِي بيتِهِ سبعينَ عَامًا، أَلّا تحبُونَ أَنْ يغفرَ اللهُ لَكُمْ ويدخِلَكُمُ الجنّةَ؟! اغزُوا فِي سبيلِ الله، منْ قاتَلَ فِي سبيلِ الله فواقَ ناقةٍ وجبتْ لَهُ الجنَّةُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2795 و 2796). (¬2) رواه البخاري (907 و 2811). (¬3) رواه مسلم (1909) وأبو داود (1520) والترمذي (1653) والنسائي (6/ 36 - 37). (¬4) رواه النسائي (6/ 25 - 26) وأبو د اود (2541) والترمذي (1657). (¬5) رواه الترمذي (1650).

الترمذي، عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ يحبهُمُ اللهُ وثلاثَةٌ يبغضهُمُ اللهُ، فأمَّا الذِي يحبّهُ اللهُ فَرجلٌ أَتى قَومًا فسألهُمْ باللهِ، ولَمْ يسألْهُمْ لقرابةٍ بينَه وبينَهُمْ، فمنعوهُ فتخلفَ رجلٌ بأعيَانِهِمْ، فأعطاهُ سرًّا لاَ يعلمُ بعطيتِهِ إِلَّا اللهُ والذي أعطاهُ، وقومٌ سارُوا ليلتَهُمْ حتَّى إِذَا كانَ النومُ أحبّ إِليهِمْ مِمّا يُعْدَل به فوضعُوا رؤوسَهُم، قَام يتملقنِي ويتلُو آياتي، ورجلٌ كانَ في سريةِ فلقَوا [فلقِيَ] العدوَ فهزمُوا، فأقبلَ بصدرِهِ حتَّى يقتلَ أَوْ يفتحَ الله لَهُ، والثلاثةُ الذينَ يبغضهمُ اللهُ، الشيخُ الزانِي، والفقيرُ المختالُ، وَالغني الظلومُ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن المقدام من معدي كرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للشهيدِ عندَ اللهِ ست خصالٍ: يغفرُ لَهُ فِي أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنّةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القَبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأَكبرِ، ويُوضعُ عَلَى رأسِهِ تاجُ الوَقَارِ، الياقوتةُ منهَا خيرٌ منَ الدّنيا ومَا فِيهَا، ويُزوجُ اثنينِ وسبعينَ زوجةً منَ الحورِ العِينِ ويشفعُ فِي سبعينَ منْ أقاربِهِ" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القتلُ فِي سبيلِ الله يكفرُ كلّ شيءٍ إِلا الدينَ" (¬3). البخاري، عن أنس أن أم الربيع بنت البراء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: "يَا أُمَّ حارثةَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2571). (¬2) رواه الترمذي (1663). (¬3) رواه مسلم (1886).

إِنَّهَا جنانٌ فِي الجنة، وإِنَّ ابنَكِ أصابَ الفِردوسَ الأعلَى" (¬1). النسائي، عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كَفَى ببارقةِ السيوفِ عَلى رأسِهِ فتنةً" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشهيدُ لاَ يجدُ مَسَّ القتلِ إِلَّا كَما يجدُ أحدُكُمْ القَرْصَةَ يقرَصُهَا" (¬3). مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر. . . . وذكر الحديث قال فيه: فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: "إِنَّ لَهُ لأَجرينِ" وجمع بين أصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قلَّ عربي مشى بها مثله (¬4). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَما أصيبَ إخوانُكُمْ بأحدٍ جعلَ اللهُ أرواحَهُمْ فِي أجوافِ طيرٍ خضرٍ، تردُ أَنهارَ الجنَّةِ، تأكل منْ ثِمارِهَا، وتَأوِي إلى قناديلَ منْ ذهبٍ معلّقَة فِي ظلِ العرشِ، فَلما وجدُوا طيبَ مأكلهِمْ ومشربهِمْ ومقيلِهِمْ، قالُوا: منْ يبلِّغَ إخوانِنَا عنَّا أننا أحياءٌ فِي الجنّة نرزقُ ليذهبُوا فِي الجهادِ ولاَ ينكلُوا عنِ الحرب، فقالَ اللهُ: أنَا أبلّغْهُمْ عنكُمْ، فَأَنزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} " (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2809) وانظر الفتح (6/ 26 - 27). (¬2) رواه النسائي (4/ 99). (¬3) رواه النسائي (6/ 36). (¬4) رواه مسلم (1802). (¬5) رواه أبو داود (2520) وأحمد (2389) والحاكم (2/ 88) ولم يروه مسلم.

الترمذي، عن كعب بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أرواحُ الشهداءِ فِي حواصلِ طيرٍ خضرٍ تعلّقُ منْ ثمرِ الجنّةِ أَوْ شجرِ الجنّةِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي، عن سمرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الشيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بأَطْرُقِهِ، فقعدَ لَهُ بطريقِ الإسلامِ فقالَ: تُسلمُ وتذَرُ دينَكَ ودينَ آبائِكَ وآباءِ أبيكِ، فعصاهُ فأسلمَ، ثُمَّ قعدَ لَهُ بطريقِ الهجرة فقالَ: تُهاجرُ وتذرُ أرضكَ وسماءَكَ، وإِنَّما مثلُ المهاجرُ كمثلِ الفرسِ في الطِّولِ، فعصاهُ فهاجرَ، ثُمّ قعدَ لَه بطريقِ الجهادِ، فقالَ: تجاهدُ فهو جهدُ النفس والمالِ، فتقاتلُ فتقتلُ فتُنكحُ المرأةُ وَيقسمُ المالُ، فعصاهُ فجاهدَ" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فمنْ فعلَ ذلكَ كانَ حقًّا على الله أنْ يدخلَهُ الجنَّةَ، ومنْ قُتلَ كانَ حَقًّا على اللهِ أنْ يدخلهُ الجنةَ، وإن غرقَ كانَ حقًّا على اللهِ أن يدخلهُ الجنةَ، أو وقصتهُ دابتُهُ كانَ حقًا عَلى اللهِ أن يدخلهُ الجنةَ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن عتيك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ خَرَجِ مُجاهِدًا فِي سبيلِ اللهِ" ثم جمع أصابعه الثلاثة ثم قال: "وأينَ المجاهدون فخرَّ عن دابتهِ فماتَ فَقدْ وقعَ أجرُهُ عَلى اللهِ، أَوْ لسعتهُ دابةٌ فماتَ فقدْ وقعَ أجرُهُ على اللهِ، ومنْ ماتَ حتفَ أنفهِ فقدْ وقعَ أجرهُ عَلَى اللهِ، ومنْ قتلَ قفصًا فقد استجوبَ المآب" (¬3). مسلم، عن أبي موسى الأشعري أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القتال في سبيل الله، فقال: الرَّجُلُ تقاتل غضبًا ويُقاتل حمية، قال: فرفع رأسه إليه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1641) وابن أبي شيبة فى المصنف (5/ 293). (¬2) رواه النسائي (6/ 21 - 22). (¬3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 293 - 294) وفي مخطوطتنا فقد استجوب الثواب.

وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائمًا فقال: "منْ قاتلَ لتكون كلمةُ اللهِ هِي العُليا فَهُوَ فِي سبيلِ اللهِ" (¬1). وفي لفظ آخر: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟. . . . . الحديث (¬2). وذكر أبو داود في المراسيل عن هشام بن سعد عن عطاء الخراساني أن رجلًا قال: يا رسول الله إن بني سلمة يقاتلون، فمنهم من يقاتل للرياء [للدنيا]، ومنهم من يقاتل يعني نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: "كُلُّهُمْ إِذَا كَانَ أَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا" (¬3). النسائي، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ غَزَا وهُوَ لا يريدُ فِي غزاتِهِ إِلّا عِقالًا فَلَهُ مَا نَوَى" (¬4). أبو داود، عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا شيءَ لَهُ" فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا شَيءَ لَهُ" ثم قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ لَا يقبلُ منَ العملِ إِلَّا مَا كانَ لَهُ خالِصًا وابتغِيَ بِه وجهُهُ" (¬5). النسائي، عن أبي هريرة قال: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أولُ النّاسِ قضاء [يقضى لهم] يومَ القيامةِ رجلٌ استشهدَ، فأتَى بِهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعرفَها، قالَ: فمَا عَلمتَ فِيها؟ قالَ: قَاتَلْتُ فيكَ حتَّى استشهدتَ، قالَ: كذبتَ ولكنكَ ¬

_ (¬1) روَاه مسلم (1904). (¬2) هو رواية من الحديث (1904). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (ص 179) وانظر تحفة الأشراف (13/ 305). (¬4) رواه النسائي (6/ 24 - 25). (¬5) رواه النسائي (6/ 25) والطبراني في الكبير (7628) وحسن الحافظ العراقي إسناده في تخريج أحاديث الأحياء (4/ 477) والحديث لم يروه أبو داود.

قاتلتَ ليقال فلانٌ جريءٌ فقدْ قِيلَ، ثم أمرَ بِهِ فسحبَ عَلى وجهِهِ حتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ. . . ." وذكر باقي الحديث (¬1). وقد تقدم لمسلم (¬2). ولمسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت [أم حرام] بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناسٌ من أمتِي عرضُوا عليَّ غزاة فِي سبيلِ اللهِ يركبونَ ثَبَجَ هَذا البحرِ مُلوكًا عَلى الأسرّةِ أو مثلَ الملوكِ على الأسرّةِ" قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناسٌ منْ أُمّتِي عُرِضُوا عليَّ غزاة فِي سبيلِ الله. . . . ." كما قال في الأول، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "أنتِ منَ الأولينَ" فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت (¬3). كانت ركبت غازية مع زوجها عبادة بن الصامت، وكان معاوية قد أغزاه إلى قبرس. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ ماتَ ولم يغزُ ولَمْ يحدثْ بِهِ نفسَهُ ماتَ عَلى شُعبةٍ منْ نفاقٍ" (¬4). البخاري، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك فقال: "إِنَّ بالمدينةِ أَقوامًا ما سُرتُم مَسيرًا ولا قطعتُمْ وَاديًا إِلَّا كَانوا مَعكُمْ" قالوا: يا ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 23 - 24). (¬2) رواه مسلم (1905). (¬3) رواه مسلم (1912). (¬4) رواه مسلم (1910).

رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: "وهُمْ بالمدينةِ حبسَهُمُ العذرُ" (¬1). زاد أبو داود: "ولَا أنفقتُمْ منْ نفقةٍ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يجتمعُ كافرٌ وقاتلهُ فِي النَّارِ أبدًا" (¬3). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يضحكُ اللهُ عزَّ وجلَّ إِلى رجلينِ يقتلُ أحدهُمَا الآخرَ، كِلاهُمَا يدخلُ الجنَّةَ" فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يقاتلُ هَذَا فِي سبيلِ اللهِ فيستشهدُ ثُمَّ يتوبُ اللهُ عَلَى القاتِل فيسلمُ فيقاتلُ فِي سبيلِ اللهِ فيستشهدُ" (¬4). وعن زيد بن خالد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "منْ جهَّز غَازيًا فِي سبيلِ اللهِ فقدْ غَزَا، ومَن خلفَهُ فِي أهلِهِ بخيرٍ فَقَدْ غَزَا" (¬5). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقةِ مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكَ بِهَا يومَ القيامةِ سبعُ مائةِ ناقةٍ كلَّهَا مخطومةً" (¬6). الترمذي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفضلُ الصدقاتِ ظلُّ فسطاطِ فِي سبيلِ اللهِ ومنيحةُ خادمٍ فِي سبيلِ اللهِ، أو طروقةُ فحلٍ فِي سبيلِ اللهِ" (¬7). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4423). (¬2) رواه أبو داود (2508). (¬3) رواه مسلم (1891). (¬4) رواه مسلم (1890). (¬5) رواه مسلم (1895). (¬6) رواه مسلم (1892). (¬7) رواه الترمذي (1627).

النسائي، عن سلمان الفارسي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ رابطَ يومًا أو ليلةً فِي سبيلِ اللهِ كانتْ لَهُ بصيامِ شهرٍ وقيامِهِ. . . . . ." الحديث (¬1). البخاري، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رباطُ يومٍ فِي سبيلِ الله خيرٌ منَ الدُّنيَا ومَا عليهَا" (¬2). الترمذي، عن عثمان بن عفان قال: إني كتمتكم حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كراهية تفرقكم عني، ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رباطُ يومٍ فِي سبيلِ اللهِ خيرٌ منْ ألفِ يومٍ فيما سِواهُ منَ المنازِلِ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي، عن أبي ريحانة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "حرّمَتِ النّارُ عَلَى عينٍ دمعتْ منْ خشيةٍ [وُ] حرّمتِ النّارُ عَلَى عينٍ سهرتْ فِي سبيلِ اللهِ" ونسيت الثالثة، وسمعت بعد أنه قال: "حرّمتِ النَّارُ عَلَى عينٍ غَضّتْ منْ محارِمِ اللهِ" (¬4). أبو داود، عن جابر بن عتيك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "غلبنَا عليكَ يَا أبَا الربيعِ" فصاح النسوة وبكين، فجعل أبو عتيك يسكتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعهنَّ فَإذَا وجبتْ فَلا تبكينَ" قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "الموتُ" قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 39). (¬2) رواه البخاري (2892). (¬3) رواه الترمذي (1667) وليس في نسختنا من الترمذي صحيح. (¬4) روى النسائي في المجتبى (6/ 15) الفقرة الأولى ورواه في السير من الكبرى كما في تحفة الأشراف (9/ 212) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 350) وأحمد (4/ 134) والدارمي (2405) وغيرهم.

باب في الإمارة وما يتعلق بها

تكون شهيدًا، فإنك قد كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله: "إِنَّ اللهَ قدْ أوقعَ أجرَهُ عَلَى قدرِ نيتِهِ، ومَا تعدونَ الشهادةَ؟ " قالوا: القتل في سبيل الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشهادةُ سبعٌ سوَى القتلِ فِي سبيلِ الله، المطعونُ شهيدٌ، والغرقُ شهيدٌ، وصاحبُ ذَاتِ الجَنْبِ شهيدٌ، والمبطونُ شهيدٌ، وَصاحبُ الحريقِ شهيدٌ، والذِي يموتُ تحتَ الهدمِ شهيدٌ، والمرأةُ تموتُ بِجُمْعٍ شهيدةٌ" (¬1). البزار، عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ قُتِلَ دونَ دينهِ فهُوَ شهيدٌ" (¬2). باب في الإمارة وما يتعلق بها أبو داود، عن نافع عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كَانُوا [كانَ] ثلاثةً فِي سفرٍ فليؤمّرُوا" قال نافع: فقلنا لأبي سلمة أنت أميرنا (¬3). يروى هذا مرسلًا عن أبي سلمة، والذي أرسله أحفظ. وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: "إِذَا سافرتُمْ فليؤمكُمْ أَقرؤكُمْ، وإِنْ كانَ أصغرَكُمْ، وإِذَا أمّكُمْ فَهُوَ أميرُكُمْ" (¬4). ذكر هذا الحديث أبو الحسن الدارقطني. وذكر أبو داود عن عقبة بن مالك قال: بعث رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3111). (¬2) لم أره بهذا اللفظ في مسند البزار، والحديث رواه أبو داود (4772). (¬3) رواه أبو داود (2609). (¬4) رواه البزار (466 كشف الأستار).

سرية، فسلَّحت رجلًا منهم سيفًا، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَعجزتُمْ إِذْ بعثتُ رَجلًا [منكُمْ] فلَمْ يمضِي لأمرِي أَنْ تَجعلُوا مكانَهُ منْ يمضِي لأَمرِي" (¬1). البخاري، عن أنس قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَخذَ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثُمَّ أخذهَا جعفرٌ فأُصيبَ، ثُمَّ أخذهَا عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ فأصيبَ، ثُمَّ أخذهَا خالدُ بنُ الوليدِ منْ غيرِ إمرةٍ ففتحَ اللهُ عليهِ، وما يسرّنِي" أو قال: "مَا يسرهُم أنَّهم عندنَا" قال: وإن عينيه لتذرفان (¬2). النسائي، عن أبي بكرة قال: عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هلك كسرى قال: "من استخلفُوا؟ " قالوا: ابنته، قال: "لنْ يُفلحَ قومٌ ولُّوا أمرَهُمْ امرأةً" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "النَّاسُ تبعٌ لقريشٍ فِي هَذا الشأنِ، مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وكافرهُمْ لِكافرهِمْ" (¬4). وعن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: "لا يزالُ الدِّينُ قَائمًا حتَّى تقومَ السَّاعةُ، أَوْ يكونَ عليكُم اثنا عشرَ خليفةً كلّهم منْ قريشٍ" وسمعته يقول: عصيبةٌ منْ المسلمينَ يفتتحون البيتَ الأبيضَ بيتَ كسرى أَو آلِ كسرَى" وسمعته يقول: "إِنَّ بينَ يدَي الساعةِ كذابينَ فاحذرُوهُمْ" وسمعته يقول: "إِذَا أَعطى اللهُ أحدَكُمْ خيرًا فَليبدأْ بنفسهِ وأَهلِ بيتهِ" وسمعته يقول: "أَنَا الفرطُ عَلَى الحوضِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2537). (¬2) رواه البخاري (1446 و 2798 و 3063 و 3630 و 3757). (¬3) رواه النسائي (8/ 227). (¬4) رواه مسلم (1818). (¬5) رواه مسلم (1822).

البزار، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكونُ منْ بعدِي اثْنَا عشرَ خليفةً كلّهُمْ منْ قريشِ" ثم رجع إلى بيته، فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال: "ثمَّ يكونُ الهرجُ" (¬1). النسائي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمةُ منْ قريشٍ إنَّ لهُمْ عليكُمْ حقًّا ولكُمْ عليهِمْ مِثل ذَلِكَ، فإنْ استرحمُوا رَحَمُوا، وإِنْ عَاهَدُوا أَوفوا، وإِنْ حَكمُوا عَدَلُوا، فمنْ لَمْ يفعلْ ذلِكَ منهُمْ فَعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ [والناسِ أجمعينَ] " (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّكُمْ ستَحْرِصونَ عَلَى الإمارةِ، وإِنَّهَا ستكونُ ندامةً وحسرةً يومَ القيامةِ، فَنعمَ المرضعةُ وبَئستِ الفَاطمةُ" (¬3). مسلم، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني، قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: "يَا أَبا ذرِ إِنَّكَ ضعيفٌ وإِنَّهَا أمانةٌ، وإِنَّهَا يومَ القيامةِ خِزْيٌ وندامةٌ إلَّا منْ أخذَهَا بحقِّهَا وأدّى الذي عليهِ فِيهَا" (¬4). البزار عن عوف بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنْ شئتُمْ أنبأتكُمْ عنِ الإمارةِ وَما هِي؟ " فقمت فناديت بأعلى صوتي ثلاث مرات وما هي يا رسول الله؟ قال: "أَولُها ملامةٌ وَثانيها ندامةٌ وثالثُهَا عذابُ يوم القيامةِ، إلّا منْ عدلَ فكيفَ يعدلُ بينَ أقربيهِ؟ " (¬5). أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويلٌ للأمراءِ ويلٌ ¬

_ (¬1) ورواه الطبراني في الكبير (2059). (¬2) رواه النسائي في القضاء من الكبرى كما في تحفة الأشراف (1/ 102). وانظر إرواء الغليل (2/ 298 - 299). (¬3) رواه البخاري (7148). (¬4) رواه مسلم (1825). (¬5) رواه البزار (1597 كشف الأستار).

للأمناءِ ويلٌ للعرفاءِ ليتمنينَ أقوامٌ يومَ القيامةِ أنَّ ذوائبَهُمْ كانَتْ معلقةً بالثّرَيا يتذبذبُونَ بينَ السماءِ والأرضِ وإنّهُمْ لَمْ يَلوا عملًا" (¬1). مسلم، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عبدَ الرَّحمنِ بن سمرةَ لا تسل الإمارةَ فَإنَّكَ إِنْ أُعطيتُها عنْ مسألةِ وكلتَ إليهَا، وإِنْ أَعطيتَها عنْ غيرِ مسألةٍ أُعنتَ عَليهَا" (¬2). البخاري، عن أبي موسى الأشعري قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلين من قومي، فقال أحد الرجلين أمرنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال الآخر مثله، فقال: "إِنَّا لَا نولي هَذا منْ سألهُ ولا من حرصَ عَليهِ" (¬3). وقال النسائي في هذا الحديث: إن إخوانكم عندي من طلبه، قال: فما استعان لهما علي شيء (¬4). الترمذي، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ سكنَ الباديةَ جفا، ومنْ اتبعَ الصيدَ غَفلَ، ومن أَتى أبوابَ السلطانِ افتتنَ" (¬5). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّما الإمامُ جنةٌ، يقاتلُ منْ ورائِهِ ويتقى بهِ، فإن أمرَ بتقوى اللهِ وعدلَ كانَ لَهُ بذلكَ أجرٌ، وإنْ يأمر بغيرِهِ كانَ علَيه منْهِ" (¬6). وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المقسطينَ عندَ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود الطيالسي (2608). (¬2) رواه مسلم (1652) في الأيمان والإمارة والبخاري (7147). (¬3) رواه البخاري (7149). (¬4) رواه النسائي في السير والقضاء من الكبرى كما في تحفة الأشراف (6/ 447). (¬5) رواه الترمذي (2257). (¬6) رواه مسلم (1841).

عَلَى منابرَ منْ نورٍ عَلَى يمينِ الرَّحمنِ، وكلتَا يديْهِ يمينٌ الذينَ يعدلونَ في حكمِهمْ وأهليهِمْ وَما وَلُوا" (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعةٌ يظلُهُمْ اللهُ فِي ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلّهِ، الإمامُ العادلُ. . . . . . ." وذكر الحديث (¬2). وقد تقدم في الزكاة من حديث البخاري. مسلم، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أَلا كلّكُمْ راعٍ وكلّكُمْ مسؤُولٌ عنْ رعيّتِهِ، فالأميرُ الذِي عَلَى النَّاس راعٍ وهُوَ مسؤُولٌ عنْ رعيتِهِ، والرجلُ راعٍ عَلَى أَهلِ بيتهِ وهُوَ مسؤُولٌ عنهُمْ، والمرأةُ راعيةٌ عَلى بيتِ بعلِهَا وولدِهِ وهِيَ مسؤولَةٌ عنهُمْ، والعبدُ راعٍ عَلى مالِ سيّدِه وهُوَ مسؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فكلّكُمْ راعٍ وكلّكُمْ مسؤُولٌ عنْ رعيّتِهِ" (¬3). النسائي، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّ اللهَ سائلٌ كلّ راعٍ عمّا استرعَاهُ، أحفِظَ ذلكَ أَمْ ضيَّعَ؟ حتَّى يسألَ الرَّجلَ عنْ أَهلِ بيتِهِ" (¬4). الترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أحبَّ الناسِ إِلى اللهِ يومَ القيامةِ وأدنَاهُمْ منْهُ مجلسًا إِمامٌ عادلٌ، وأبغضَ النَّاسِ إِلى اللهِ وأبعدَهُمْ منهُ مَجلسًا إمامٌ جائِرٌ" (¬5). البزار، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ أميرِ عشرةٍ إِلّا يُؤتَى بِهِ مغلولًا يومَ القيامةِ حتَّى يفكّهُ العدلُ أَو يوبقَهُ الجورُ" (¬6). مسلم، عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1827). (¬2) رواه مسلم (1031). (¬3) رواه مسلم (1829). (¬4) رواه النسائي في عشرة النساء (2/ 89/ 2) وابن حبان (1562 موارد). (¬5) رواه الترمذي (1329) وأحمد (3/ 22). (¬6) رواه البزار (1640 كشف الأستار).

عبدٍ يسترعِيهِ اللهُ رعيةً يموتُ يومَ يموتُ وهُو غاشٌ لِرَعيّتِهِ إِلَّا حرَّمَ الله عليهِ الجنّةَ" (¬1). وعن عبد الرحمن بن شماسة هو المهدي قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئًا إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أن أخبرك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ منْ أمرِ أُمَّتِي شَيئًا فشقَّ عليهِم فَاشقِقْ عَليهِ، ومَنْ وَلِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فرفِقَ بهِمْ فارفقْ بِهِ" (¬2). أبو داود، عن أبي مريم الأزدي قال: دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك يا أبا فلان؟ وهي كلمة تقولها العرب، فقلت: حديثًا سمعته أُخبرك به، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ ولَّاه اللهُ شيئًا منْ أمرِ المسلمينَ فاحتَجبَ دونَ حاجتِهمْ وخلّتِهِمْ وفقرهِمْ احتجبَ اللهُ دونَ حاجتَه وخلّتَهُ وفقرَهُ" قال: فجعل رجلًا على حوائج الناس (¬3). أبو داود، عن عائشة قالت: قال رسول الله عتيم: "إِذَا أرادَ اللهُ بالأميرِ خيرًا جعلَ لَهُ وزيرَ صدقٍ إِنْ نَسِي ذَكَّرَهُ، وإن ذَكَرَ أعانَهُ، وإِذَا أرادَ الله بِهِ غيرَ ذَلِكَ جعلَ لَهُ وزيرَ سوءٍ إِنْ نَسِي لَمْ يذكِّرْهُ، وإِنْ ذَكرَ لَمْ يعنْهُ" (¬4). النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ والٍ إلَّا وَلَهُ بطانتانِ، بطانةٌ تأمرُهُ بالمعروفِ وتنهَاهُ عنِ المنكرِ، وبطانةٌ لا تألوهُ خبالًا، فَمنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (142) في الإيمان والإمارة. (¬2) رواه مسلم (1828). (¬3) رواه أبو داود (2948). (¬4) رواه أبو داود (2932).

وُقِيَ شرهَا فقدْ وُقِيَ وَهُوَ منَ التي تَغلبُ عليهِ منهُمَا" (¬1). البخاري، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا بعثَ اللهُ منْ نبيٍّ ولا استخلفَ منْ خليفةِ إلَّا كانتْ لَهُ بطانةٌ تأمرُهُ بالمعروفِ وتحضهُ عليهِ، وبطانة تأمرهُ بالشرِّ وتحضهُ عليهِ، فالمعصومُ مَن عصمَ اللهُ" (¬2). مسلم، عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدينُ النصيحةُ" ثلاثًا، قلنا لمن؟ قال: "للهِ ولكتابهِ ولرسولهِ ولأئمةِ المسلمينَ وعامّتِهِمْ" (¬3). الترمذي، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما أخافُ عَلَى أُمَّتِي الأئمةَ المضلينَ" وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزالُ طائفةٌ منْ أمتِي علَى الحقِّ لا يضرهُمْ مَن خذلَهُمْ حتَّى يأتي أمرُ اللهِ" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن مجاشعِ بن مسعود قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبايعه على الهجرة، فقال: "إِنَّ الهجرةَ قَدْ مضتْ لأَهلِهَا، ولكنْ علَى الإسلامِ والجهادِ والخيرِ" (¬5). مسلم، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق حيث ما [أينما] كنا لا نخاف في الله لومة لائم (¬6). مسلم، عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 158). (¬2) رواه البخاري (7198). (¬3) رواه مسلم (55) وليس عنده "ثلاثًا". (¬4) رواه الترمذي (2230) وليس عنده "حسن". (¬5) رواه مسلم (1863). (¬6) رواه مسلم (1709) في الإمارة.

والطاعة، فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم (¬1). وعن عمرو بن العاص في حديث ذكره قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه (¬2). البخاري، عن ابن عمر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى: "هَذِهِ يدُ عثمانَ" فضرب به على يده، فقال: "هَذِهِ لعُثمانَ" (¬3). مسلم، عن الشريد بن سويد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا قَدْ بايعنَاكَ فَارجعْ" (¬4). وعن عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير، فقدمت قباء فنفست بعبد الله بقباء، ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحنكه، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة، قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها فمضغها ثم بَصَقَهَا في فيه، فإن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه وسماه عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه مقبلًا إليه ثم بايعه (¬5). الترمذي، عن أميمة بنت رقية قالت: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة فقال لنَا: "فِيما استطعتنَّ وَأطَقْتُنَّ" فقلت: الله ورسول أرحم بنا منا بأنفسنا، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (56). (¬2) رواه مسلم (121). (¬3) رواه البخاري (3698). (¬4) رواه مسلم (2231). (¬5) رواه مسلم (2146).

قلت: يا رسول الله بايعنا قال: يعني صافحنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما قَوْلي لِمائَةِ امرأةٍ كقَوْلي لامرأةٍ وَاحدةٍ" (¬1). وقال مالك في الموطأ: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لا أصافحُ النِّساءَ إِنَّما قَوْلي لِمائَةِ امرأةٍ كقَوْلي لامرأةٍ واحدةٍ. . . . ." الحديث (¬2). مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعانا لبيعته في أصل الشجرة، قال: فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال: "بَايعْ يَا سَلمةَ" قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، قال: "وأيضًا" حتى إذا كان في آخر الناس قال: "أَلَا تبايعنِي يَا سَلمةَ؟ " قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي وسطهم قال: وأيضًا فبايعته الثالثة. . . . . . وذكر الحديث بطوله (¬3). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، فذكر فيهم: "ورجلٌ بايعَ إِمامًا لا يبايعُ إلَّا لدُّنيَا فَإِنْ أعطاهُ منهَا وفى، وإِنْ لَم يعطِهِ منهَا لَم يَفِ". وقد تقدم بكماله في أول الكتاب (¬4). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانتْ بنُو إِسرائيلَ تَسُوسُهُمْ الأنبياءُ، كلَّما هلكَ نبيُّ خلفَهُ نبيٌّ، وإِنَّهُ لا نَبِي بَعدِي، وستكونُ خَلفًا فتكثرُ" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "ببيعةِ الأَولِ فَالأولِ وأَعطوهُمْ حقّهُمْ، فَإنَّ اللهَ سائِلَهُمْ عَمَّا استرعَاهُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1597) والنسائي (7/ 149) وابن ماجه (2874). (¬2) رواه مالك (2/ 250). (¬3) رواه مسلم (1807) في حديث طويل. (¬4) رواه مسلم (108). (¬5) رواه مسلم (1842).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بُويع لخليفتينِ فاقتلُوا الآخرَ منهُمَا" (¬1). وعن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفر فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خِبَاءَهُ ومنا من ينتضل ومنا من هو في جَشَرِهِ، إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّهُ لَمْ يكُنْ نبيٌّ قبلِي إلَّا كَانَ عَليهِ حَقًا أَنْ يدلّ أمتّهُ عَلَى خيرِ مَا يعلمْهُ لَهُمْ وينذرهُمْ شرَّ مَا يعلمْهُ لَهُمْ، وإِنَّ أمتكُمْ هذ جعلَ عافيتَها فِي أوَّلِهَا، وسيصيبُ آخرَهَا بلاءٌ وأمورٌ تنكرونَها، وتجيءُ فتنةٌ فيرقق بعضها بَعضًا، وتجيءُ الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ: هَذ مهلكتِي، ثُم تنكشفُ وتجيءُ الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ: هذِهِ هذهِ، فمنْ أحبَّ أَنْ يُزحزحَ عنِ النَّارِ ويدخُلُ الجنّة فلتَأتِهِ منيّتُهُ وهُوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، وليأتِ إِلى النَّاسِ الذي يحبّ أَنْ يُؤتَى إِليه، ومنْ بَايعَ إِمامًا فأعطاهُ صفقةَ يده وثمرةَ قلبهِ فليعطِهِ إِنِ استطاعَ، فإنْ جاءَ آخرٌ ينازِعْهُ فاضرُبُوا عُنقَ الآخرِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "منْ أطاعَنِي فقدْ أطاعَ اللهَ، ومنْ عَصانِي فقدْ عَصى اللهَ، ومنْ أطاعَ أميرِي فقدْ أطاعَنِي، ومنْ عَصى أميرِي فقد عصَانِي" (¬3). وعن أبي ذر قال: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجذع الأطراف (¬4). وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع وهو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1853). (¬2) رواه مسلم (1844). (¬3) رواه مسلم (1835). (¬4) رواه مسلم (1837).

يقول: "ولَو استعمِلَ عليكم عبدٌ يقودكُمْ بكتابِ اللهِ فاسمعُوا وأطيعُوا" (¬1). وفي طريق أخرى: "عبدًا حبشيًا مجذعًا" (¬2). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرءِ المسلمِ السمعَ والطاعةَ فيمَا أحبَّ أَوْ كَرِهَ إِلَّا أَن يؤمرَ بمعصيةٍ، فإنْ أُمِرَ بمعصيةٍ فَلا سمعَ وَلا طاعَةَ" (¬3) وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشًا وأمَّر عليهم رجلًا، فأوقد نارًا فقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال آخرون: إنّا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الذين أرادوا أن يدخلوها: "لَوْ دخلتموهَا لَم تَزالوا فيهَا إِلى يومِ القيامةِ" وقال للآخرين قولًا حسنًا قال: "لَا طاعةَ فِي معصيةِ اللهِ إِنَّما الطاعةُ فِي المعروفِ" (¬4). وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كَرِهَ منْ أمِرهِ شَيئًا فليصبرْ عليهِ، فَإِنَّهُ ليسَ أحدٌ منَ الناسِ خَرَجَ منَ السلطانِ شبرًا فماتَ إِلَّا ماتَ ميتةً جاهليةً" (¬5). وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّها ستكونُ بعدِي أثرةٌ وأمورٌ تنكرونَها" قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: "تُؤدّونَ الحقَّ الذِي عليكُمْ وتسألونَ اللهَ الذِي لَكُمْ" (¬6). وعن وائل بن حجر قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1838). (¬2) هو رواية من الحديث (1838) قبله. (¬3) رواه مسلم (1839). (¬4) رواه مسلم (1840). (¬5) رواه مسلم (1849). (¬6) رواه مسلم (1843).

تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعُوا وأَطيعُوا فإنما عليهِم مَا حملُوا وعليكُمْ ما حُمِّلتُم" (¬1). ذكره في سيدي عن وائل (¬2). وعن حذيفة بن اليمان قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ؟ قال: "نعم" قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نَعَمْ" قلت: فهل وراء ذلك الخير شر قال: "نَعَمْ" قلت: كيف؟ قال: "يكونُ بعدِي أئمةٌ لا يهتدونَ بهدايَ ولا يستنُّونَ بسنّتِي وسيقومُ فيهِمْ رجالٌ قلوبُهُمْ قلوبُ الشياطينِ فِي جثمانِ إنسٍ" قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمعُ وتطيعُ للأميرِ وإنْ ضربَ ظهرَكَ وأخذَ مالَكَ فاسمع وأَطعْ" (¬3). هذا يرويه مسلم من حديث أبي سلام عن حذيفة، وأبو سلام لم يسمع من حذيفة قاله الدارقطني. مسلم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ خلعَ يدًا من طاعةٍ لَقِيَ اللهَ يومَ القيامةِ لا حجةَ لَهُ، ومنْ ماتَ وليسَ في عُنُقِهِ بيعةً ماتَ ميتةً جاهليةً" (¬4). وعن عرفجة بن شُرَيْح ويقال ضُريح قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إِنَّها ستكونُ هناتٌ وهناتٌ فمنْ أَرادَ أَن يفرقَ هذهِ الأمةَ وهِيَ جميعٌ فاضربُوهُ بالسيفِ كائنًا منْ كَانَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1846). (¬2) كذا في المخطوطة، وهو خطأ حتمًا. (¬3) رواه مسلم (1847). (¬4) رواه مسلم (1851). (¬5) رواه مسلم (1852).

النسائي، عن عرفجة أيضًا قال: [رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يخطب الناس وهو] يقول: "إِنَّها سَتكونُ هناتٌ وهناتٌ فَمنْ أرادَ أَنْ يفرقَ أمرَ هذِهِ الأمةِ وهي جميعٌ فاضربُوه بالسيفِ [كائنًا منْ كانَ] " (¬1). النسائي، عن عرفجة أيضًا قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يخطب الناس فقال: "إِنَّها ستكونُ بعدِي هناتٌ وهناتٌ، فمن رأيتمُوهُ فارقَ الجماعةَ أَوْ يرِيدُ تفريقَ أمرِ أمةِ محمدٍ كائنًا من كانَ، فاقتلُوهُ، فإنَّ يَدَ اللهِ علَى الجماعةِ، وإِنَّ الشيطانَ معَ منْ فارقَ الجماعةَ يركضُ" (¬2). مسلم، عن عرفجة أيضًا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ أَتاكُمْ وأمرَكُمْ جميعٌ عَلَى رجلٍ واحدٍ يريدُ أَنْ يشقَّ عصاكُمْ أَو يفرّقَ جماعتكُمْ فاقتلُوهُ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ خرجَ عنِ الطاعةِ وفارقَ الجماعةَ فماتَ ماتَ مِيتةً جاهليةً، ومن قاتلَ تحتَ رايةٍ عمِّيَّةٍ يغضبُ لِعَصَبةٍ أَوْ يدعُو إِلى عصبيةٍ أَو ينصرُ عصبةً فقتلُ فقِتْلَةٌ جاهليةٌ، ومن خرجَ على أمتِي يضربُ بَرَّهَا وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنِها، ولا يَفِي لِذي عهدٍ عهدَهُ فلَيس منِّي ولستُ منه" (¬4). وفي طريق أخرى: "ومنْ خَرَجَ من أمَّتِي عَلَى أُمَّتِي" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 93) ولفظه عن عرفجة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستكون بعدي هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم جمع فاضربوه بالسيف" هذا لفظ النسائي، ومن هنا تعرف الفرق بينه وبين اللفظ الذي ذكره المصنف. وليس عنده ما بين المعكوفين. (¬2) رواه النسائي (7/ 92 - 93) ولفظه "إنه سيكون بعدي. . . . . يريد يفرق. . .". (¬3) رواه مسلم (1852). (¬4) رواه مسلم (1848). (¬5) هو رواية من الحديث (1848) قبله.

النسائي، عن جابر بن سمرة قال: خطب عمر الناس بالجابية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في مثل مقامي هذا قال: "أَحسنُوا إِلى أَصحَابِي ثُمَّ الذينَ يلونَهُم ثُمَّ الذِينَ يلونَهُم ثمَّ الذينَ يلونَهُم، ثُمَّ يفشُو الكذِبَ حتَّى أَنَّ الرجلَ ليحلفَ عَلَى اليمينِ قبلَ أَن يُستحلفَ، ويشهدَ عَلى الشهادةِ قبلَ أَنْ يُستشهدَ عَليهَا، فمن أرادَ منكُم أن ينالَ بحبوحةَ الجنَّةَ فيلزَمِ الجَماعةَ، فإنَّ الشيطانَ مَعَ الواحدِ وهُوَ من الاثنينِ أبعدَ، أَلَا لَا يخلّونَ رجلٌ بامرأةٍ، فإنَّ الشيطانَ ثالثهُمَا، أَلَا ومن كانَ منكُم تسوؤُهُ سيئةً وتسرُّه حسنةً فَهُوَ مؤمنٌ" (¬1). الترمذي، عن الحارث الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ أمَرَ يَحيىَ بنَ زكريَا بخمسِ كلماتٍ أَن يعملَ بها ويأمرَ بَنِي إسرائيلَ أن يَعملُوا بِهَا، وإِنَّه كاد أَن يبطئَ بِهَا، قال عيسى: إِنَّ الله أمركَ بخمس كلماتٍ لتعملَ بِهَا وتأمرَ بَنِي إسرائيلَ أَن يعملُوا بِهَا، فَإمَّا أَن تأمُرَهُم وإمَّا أَنْ آمرهُمْ فقالَ يَحيىَ أَخشَى إِن سبقتَنِي أَنْ يخسفَ بِي أَوْ أُعذَّبَ، فجمعَ النَّاسَ فِي بيتِ المقدس فامتلأ المسجدُ وقعدُوا عَلَى الشرفِ، فقالَ: إِنَّ اللهَ أمرني بخمسِ كلماتٍ أَنْ أَعْمَلَ بهنَّ، وآمركُم أَن تعملُوا بهنَّ، أوَّلَهُن أَن تعبدُوا الله ولا تُشرِكُوا بهِ شَيئًا، وإِنَّ مثلَ من أشرك باللهِ كمثلِ رجلٍ اشتَرَى عَبدًا منْ خالصِ مالِه بِذهبٍ أو وَرقٍ، فقالَ: هَذ دَارِي وهَذا عملِي فَاعمل وأدِّ إِليَّ، فكانَ يعملُ ويؤدِّي إِلى غيرِ سيّدِهِ، فأيُّكُم يَرضى أن يكونَ عبدُهُ كذلِكَ؟ وإِنَّ اللهَ أمركُم بالصَّلاةِ فَإذَا صلَّيتُمْ فَلا تلتفتُوا فَإنَّ اللهَ ينصبُ وجهَهُ لوجهِ عبد فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يلتفتْ، وأَمركُمْ بالصيامِ فإِن مثلَ ذَلِكَ كمثلِ رَجُلٍ فِي عصابةٍ معَه صرةٌ فيهَا مسك، فكلّكُم يُعْجَبُ أو تُعجبه ريحهَا، وإِنَّ ريحَ الصَّائمِ أطيبُ عندَ الله من رِيح المسكِ، وأمركُمْ بالصدقةِ، فإنَّ مثلَ ذَلِكَ كَمثلِ رجلٍ أسرَهُ العدوّ، فأوثقُوا يَده ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عشرة النساء من الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/ 15) وأبو يعلى (143).

إِلى عنقِه، وقدَّمُوهُ ليضرِبُوا عنقَهُ، فقالَ: أنَا أفدِيه منكم بالقليلِ والكثيرِ، فَفَدا نفسَهُ منهُمْ، وأمرَكُمْ أَنْ تذكُروا اللهَ فَإنَّ مثلَ ذَلِكَ كَمثلِ رجلٍ خرجَ العدوُ فِي أثرِهِ سِراعًا حتَّى إِذَا أتَى عَلَى حصنٍ حصينٍ أحرزَ نفسَهُ منهُمْ، كذلكَ العبدُ لا يحرِزُ نفسَهُ منَ الشيطانِ إِلَّا بِذكرِ اللهِ تَعالى" قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وأنَا آمركُمْ بخمسٍ الله أمرني بهنَّ، السمعِ والطاعةِ والجهادِ والهجرة والجماعةِ، فإِنَّ منْ فارقَ الجماعةَ قدرَ شبرٍ فقد خَلعَ ربقةَ الإسلامِ مِن عنقِهِ إِلَّا أَن يراجعَ، ومنْ ادّعى دعوَى الجاهليةِ فإنَّهُ منْ جُثَى جهنَّمَ" فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: "وإنْ صلّى وصامَ، فادعُوا بدعوى اللهِ الذي سماكُمْ المسلمينَ المؤمنينَ عبادَ الله" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خيارُ أمتكُمْ الذينَ تحبونَهُم ويحبونكم، وتصلّونَ عليهِم ويصلّونَ عليكُمْ، وشرارُ أئمتكُمْ الذينَ تبغضونَهُم ويبغضونَكُم وَتلعنوهُمْ ويلعنوكُم" قالوا: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عن ذلك؟ قال: "لا مَا أقامُوا فيكُمُ الصَّلاة إلَّا مَن وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شَيئًا من مَعصِيه الله فليكرهُ مَا يأتِي منْ معصيةِ اللهِ ولا يَنزعن يدًا منْ طاعةٍ" (¬2). وعن عبادة بن الصامت قال: دعانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعنا، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بوَاحًا عندكم من الله فيه برهان (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2867). (¬2) رواه مسلم (1855). (¬3) رواه مسلم (1709).

وعن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّه يُستعملُ عليكُمْ أمراءٌ فتعرفونَ وتنكرونَ فمنْ كَرِهَ فقدْ بَرِئَ ومنْ أَنكرَ فقد سَلمَ، ولكنْ مَنْ رَضِيَ وتَابَعَ" قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: "لا مَا صَلّوا" (أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه) (¬1). الترمذي، عن كعب بن عجرة قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم، فقال: "اسمعُوا هَلْ سمعتُمْ أنَّهُ سيكونُ منْ بعدِي أمراء فمنْ دخلَ عليهِمْ فصدّقَهُمْ بكذبِهِمْ وأَعانَهُمْ عَلَى ظُلمِهِمْ فليسَ منِّي ولستُ منهُ، وليسَ بواردٍ عليَّ الحَوضَ" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي طريق أخرى: "منْ غَشِيَ أبوابَهُمْ فصدَّقَهُمْ. . . . . ." الحديث وفيه: "ومنْ غَشِيَ أبوَابَهُمْ أَو لَمْ يغشِ فَلَمْ يصدّقهُمْ فِي كذبِهِمْ. . . . . ." وذكر الحديث بكماله وهو أتم من هذا (¬3). أبو داود، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه: "ادعِي لِي أَبَا بكرٍ وأخاك حتَّى أكتبَ كِتابًا، فإنِّي أخافُ أَنْ يتمنى متمنٍّ ويقولُ قائلٌ: أنا أَوْلَى، ويأبى اللهُ والمؤمنونَ إلَّا أبا بَكرٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1854). (¬2) رواه الترمذي (2260) والنسائي (7/ 160 و 160 - 161) وأحمد (4/ 243) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 452) وابن حبان (279 و 282 و 283 موارد) والطبراني في الكبير (ج 19 رقم 294). (¬3) رواه الترمذي (614). (¬4) رواه أبو داود (595 و 2931). (¬5) رواه مسلم (2387) وفي المخطوطة "ويأبى الله ذلك".

وعن جبير بن مطعم أن امرأة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ قال أبي: كأنها تعني الموت، قال: "فَإِنْ لَمْ تَجدينِي فائتِي أَبَا بكرٍ" (¬1). وعن ابن عمر قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرًا، فقال: راغب وراهب، قالوا: استخلف فقال: أتحمل أمركم حيًا وميتًا، لوددت أن حظي منها الكفاف، لا عليّ ولا إليّ قال: فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، (يعني أبا بكر)، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عبد الله: فعرفت أنه حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مستخلف (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يقتسِمُ ورثتِي دينارًا، مَا تركتُ بعدُ نفقةَ نسائِي، ومؤونَة عامِلي فَهُو صدقةٌ" (¬3). أبو داود، عن بريدة بن خصيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ استعملنَاهُ عَلَى عملٍ فرزقنَاهُ رِزقًا فَما أخذَ بعدَ ذَلِكَ فَهُوَ غلولٌ" (¬4). وعن المستورد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منْ كانَ لنا عَاملًا فليكتسبْ زوجةً، فإنْ لَمْ يكُنْ لَهُ خادمٌ فَلْيَكْتَسِبْ لَهُ خَادمًا، فَإِنْ لمْ يكنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مسكنًا" قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ اتْخذَ غيرَ ذلِك فَهُوَ غالٌ أَوْ سَارِقٌ" (¬5). وعن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2386). (¬2) رواه مسلم (1823). (¬3) رواه مسلم (1760). (¬4) رواه أبو داود (2943). (¬5) رواه أبو داود (2945).

النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ اللهَ إِذَا أَطعَمَ نبيًّا طعمةً فَهُوَ للذي يقومُ منْ بعدِهِ" (¬1). وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ منْ إجلالِ اللهِ إكرامُ ذِي الشيبةِ المُسلِم، وحامِلِ القرآنِ غيرِ الغالِي فِيهِ، والجافِي عنْهُ، وإكرَامُ ذِي السلطانِ المُقْسِطِ" (¬2). البخاري، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعث إلى سعد بن معاذ فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُوْمُوا إلى سيّدِكُمْ" (¬3). تم بعونه تعالى الجزء الثاني من كتاب (الأحكام الوسطى) لابن الخراط ويليه الجزء الثالث وأوله باب نيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيًا في أهله بخير أو شر. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2973). (¬2) رواه أبو داود (4843). (¬3) رواه البخاري (6262) ومسلم (1768) وأبو داود (5215).

جَمِيع الحُقُوق مَحْفُوظَة 1416 هـ - 1995 م الناشر مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - طَرِيق الْحجاز ص. ب: 17522، الرياض: 11494، هَاتِف: 4583712 تلكس: 405798، فاكس ملي: 4573381 فرع القصيم بُرَيْدَة حَيّ الصَّفْرَاء ص. ب: 2376، هَاتِف وفاكس ملي: 3818919

الْأَحْكَامِ الْوُسْطَى مِن حَدْيثِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [3]

باب نيابة الخارج عن القاعد، وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو شر، وفيمن كان له أبوان، وفي غزو النساء، وما جاء أن الغنيمة نقصان من الأجر، وفي الخيل وما يتعلق بذلك، والرمي وفضيلته، والعدد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب نيابة الخارج عن القاعد، وفيمن خلف غازيًا في أهله بخير أو شر، وفيمن كان له أبوان، وفي غزو النساء، وما جاء أن الغنيمة نقصان من الأجر، وفي الخيل وما يتعلق بذلك، والرمي وفضيلته، والعُدَدِ مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثًا إلى بني لحيان من هذيل، فقال: "لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأجْرُ بِيْنَهُمَا" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني لحيان "ليَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ" ثم قال للقاعد: "أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ [أَجْرِ] الْخَارِجِ". (¬2) وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى نِسَاءِ الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنّكُمْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1896) وأحمد (3/ 34 - 35) وابن حبان (4729). (¬2) رواه مسلم (1896) وأحمد (3/ 55) وأبو داود (2510) وكلمة أجر من صحيح مسلم. (¬3) رواه مسلم (1897) وسعيد بن منصور (2331) وأبو داود (2496) وأحمد (5/ 352 =

وعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد، فقال: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ" قال: نعم، قال: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ" (¬1). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال: "هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ " قال: أبواي، قال: "أَذِنَا لَكَ؟ " قال: لا، قال: "فَارْجِعْ فَاسْتأذنْهُما، فإنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنيمَةَ إلَّا تَعَجَّلُوا بِثُلُثيِ الآخِرَةِ، وَيَبْقى لَهُمُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ" (¬3). البخاري، عن عائشة قالت: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، فقال: "جِهَادُكُن الْحَجُّ" (¬4). النسائي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُّ" (¬5). ¬

_ = و 355) والنسائي (6/ 50 و 51) وابن حبان (4634 و 4635) والطبراني في الكبير (1164) وابن أبي عاصم في الجهاد (100 و 101 و 102 و 103) وأبو عوانة (5/ 70) وليس عندهم كلمة نساء في الموضع الثاني. (¬1) رواه مسلم (2549) والبخاري (5972) وأحمد (2/ 165 و 188 و 193 و 197 و 221) والنسائي (6/ 10) والترمذي (1671) والحميدي (585) وابن حبان (318 و 420). (¬2) رواه أبو داود (2530) وفي إسناده دراج أبو السمح وهو ضعيف. (¬3) رواه مسلم (1906) وأبو داود (2497) والنسائي (6/ 18) وابن ماجه (2785) وأحمد (2/ 169). (¬4) رواه البخاري (2875) بهذا اللفظ وله ألفاظ أخرى عنده (1520 و 1861 و 2784 و 2876) وعند أحمد (6/ 67 و 68 و 71 و 79 و 120 و 165 و 166) والنسائي (5/ 114 - 115). (¬5) رواه النسائي (5/ 113 - 114) بإسناد صحيح.

البخاري، عن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة (¬1). مسلم، عن أم عطية قالت: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى (¬2). وعن أنس أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خِنجر، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذَا الْخنْجَرُ؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بَقَرْتُ به بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، قالت: يا رسول الله اقْتُل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بعدك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أُمَّ سُلَيْم إِنَّ اللهَ قَدْ كَفَى وأَحْسَنَ" (¬3). أبو داود، عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَير الْجَنَّةَ، صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صنْعَتِهِ [الخَيْرَ] ومُنْبِلَهُ والرَّامِي بِهِ، فَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِليَ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ ثَلاَثَةٌ، تأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَنُبْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَمِلَهُ رَغْبَةً [عَنْهُ] فَإنَّهُ نعْمَةٌ تَرَكَهَا" أو قال: "كَفَرَهَا" (¬4). النسائي، عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً في سَبِيلِ اللهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2882 و 2883 و 5679). (¬2) رواه مسلم (1812). (¬3) رواه مسلم (1809) وأحمد (3/ 108 - 109 و 286) وابن حبان (4838 و 7185). (¬4) رواه أبو داود (2513) وليس عنده والرامي به. ورواه أحمد (4/ 146 و 148) والنسائي (6/ 28 و 223) وفي الكبرى (4354 و 4420) وانظر تعليقنا على مسند عقبة بن عامر (رقم 37).

اللهِ فَبَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ لَهُ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبةً مُؤمِنَةً كَانَتْ فداه مِنَ النَّارِ عُضْوًا بُعُضْوٍ" (¬1). مسلم، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللهُ، فَلاَ يَعْجُزْ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ" (¬2). البخاري، عن سلمة بن الأكوع قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم وهم ينتضلون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا بني إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كانَ رامِيًا [ارْمُوا] وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ" قال: فأمسك أحد الفريقَين بأيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ! " قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكِمْ" (¬3). وذكر أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن بسر عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد الأعلى عن رسول الله [النبي]- صلى الله عليه وسلم - أنه بعث عليًا يوم غدير [بئر] خم، فرأى رجلًا معه قوس فارسية [فارسي]، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا صَاحِبَ الْقَوْسِ ارْمِهَا [أَلْقِهَا] فَإِنَّهَا مَلْعُونهٌ مَلْعُونٌ حَامِلُهَا، وَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّة" وأشار بقوسه "بِهَذه وَأَشْبَاهِهَا، وَالرّمَاحِ وَألْقَنَا بِهِنَّ يُشَدِّدُ اللهُ دِينَكُمْ وَبِهَا يُمَكِّنُ اللهُ لَكُمْ في الْبِلاَدِ" (¬4). قال أبو داود: وقد أُسند هذا الحديث وليس بصحيح [بالقوي]، وعبد الله بن بسر ليس بالقوي كان يحيى بن سعيد يضعفه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 26 و 27 - 28) مع بعض تغيير في بعض الألفاظ. (¬2) رواه مسلم (1918) وأحمد (4/ 157) وأبو يعلى (1742) وابن حبان (4697) والطبراني في الكبير (17/ 912) والبيهقي (10/ 13). (¬3) رواه البخاري (2899، و 3373 و 3507) وأحمد (4/ 50) وابن حبان (4693 و 4694) والحاكم (2/ 94). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (331) وإسناده ضعيف.

الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ سَبَقَ إِلَّا في نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ حَافِرٍ" (¬1). قال: حديث حسن. السبق بسكون الباء مصدر سبقت وبفتح الباء ما يجعل للسابق على سبقه من جعل أو نوال. أبو داود، عن شيخ من بني سلمة عن عتبة بن عبد السلمي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تَقُصُّوا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ وَلاَ مَعَارِفَهَا وَلاَ أَذْنَابَهَا، فَإِنَّ أَذْنَابَهَا مَذَابُّهَا وَمَعَارِفَهَا دِفَاؤُهَا وَنَوَاصِيَهَا مَعْقُودٌ فِيهَا الْخَيرُ" (¬2). إسناده منقطع. النسائي وأبو داود أيضًا عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأنْبِيَاءِ وأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَارْتَبِطُوا الْخَيلَ وَامْسَحُوا بنَوَاصِيَها وَأَكْفَالِهَا وَقَلِّدُوهَا، وَلاَ تُقَلِّدُوهَا الأَوْتَارَ، وَعَلَيْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرُّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَشْقَرَ أَغَرُّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَدَهَمَ أَغَرُّ مُحَجَّلٍ" (¬3). الترمذي، عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيْرُ الْخَيْلِ الأدْهَمُ الأقْرَحُ الأَرْثَمُ، ثُمَّ الأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ طَلْقُ الْيَمِينِ [اليمنى]، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1700) وأبو داود (2574) والنسائي (6/ 226 و 227) وفي الكبرى (4426 و 4427 و 4428 و 4430). وابن حبان (4690) وأحمد (2/ 256 و 358 و 425 و 474). (¬2) رواه أبو داود (2542) وفي إسناده رجل مجهول. (¬3) رواه النسائي (6/ 218 - 219) وفي الكبرى (4406) واللفظ له ورواه أبو داود (2543 و 2544) مختصرًا. (¬4) رواه الترمذي (1696 و 1697) وابن ماجه (2789) وأحمد (5/ 300) وابن حبان (4676) والدارمي (2433).

قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُمْنُ الْخَيْلِ في الشُّقْرِ" (¬1). قال: حديث حسن غريب. البزار، عن سلمة بن نُفَيْل قال: قال رجل: يا رسول الله بوهي بالخيل [أذيلت الخيل] وألقي السلاح وزعموا أن لا قتال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبُوا، الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لاَ تزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ عَلى الْحَقِّ ظَاهِرَةٌ" قال: وهو مُوَلٍّ ظهره إلى اليمن: "إِنِّي أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ هَا هُنَا وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنِّي مَكْفُوتٌ غَيْرُ مُلَبَّثٍ [لاَبِثٍ]، وَلتَتْبعَنِي أَفُنَادًا، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَهْلُهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا" (¬2). وقال البخاري في هذا الحديث: "وَإِنَّكُمْ مُتَّبِعُونِي أَفْنَادًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُسلِمِينَ الشَّامُ" (¬3). قوله عليه السلام: "أفنادًا" أي فرقًا مختلفين ذكره الهروي. أبو داود، عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني عن أبي مريم عن أبي هريرة عن النبي - رضي الله عنه - قال: "إِيَّايَ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابَّكُمْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1695) وهو عند أحمد (2454) وأبي داود (2545) بلفظ شقرها. (¬2) رواه البزار (1689 كشف الأستار) وهو عند النسائي (6/ 214 - 215) وفي الكبرى (4001 و 8712) وأحمد (4/ 104) والدارمي (56) وابن سعد (7/ 427 - 428) وأبو يعلى (6861) وابن حبان (6777) والطبراني في الكبير (6357 و 6358 و 6359 و 3660) وفي مسند الشاميين (57 و 687 و 1419 و 2524) والحاكم (4/ 477) وابن عساكر في تاريخ دمشق (1/ 103 و 104 و 104 - 105 و 105 - 106) والبخاري في التاريخ (4/ 70 - 71) والمزي في تهذيب الكمال (1/ 323 - 324) من طرق وبألفاظ مختلفة. وله شاهد من حديث النواس بن سمعان عند ابن حبان (7307). (¬3) ليس هو عند البخاري بل هو عند النسائي، وأظن أن كلمة النسائي حرفت إلى البخاري وهو عند النسائي بلفظ "وأنتم تتبعوني. . . . وعقر دار المؤمنين الشام".

مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللهَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبْلِغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِّقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فَعَلَيهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ" (¬1). وعن الوضين بن عطاء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُودِّوا الْخَيْلَ بِنَوَاصِيهَا فَتُذِلُّوهَا" (¬2). ذكره في المراسيل. مسلم، عن جرير بن عبد الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرسهِ بأصبعيه وهو يقول: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ" (¬3). وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ" (¬4). وعن أَبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الشِّكَالَ من الخيل (¬5). فسره في طريق أخرى: والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2567) وعنه البيهقي (5/ 255) وأبو القاسم السمرقندي في المجلس (128 من الأمالي) وعنه ابن عساكر (19/ 85/ 1) من طريق يحيى به وعند أبي داود "إياكم" وفي نسخة من البيهقي "إياي". وفي نسختنا من سنن أبي داود ابن أبي مريم وهو خطأ. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (293). (¬3) رواه مسلم (1872) وأحمد (4/ 361) والنسائي (6/ 221) وفي الكبرى (4414) وابن حبان (4669) وغيرهم. (¬4) رواه مسلم (1874) والبخاري (2851 و 3645) والنسائي (6/ 221) وأحمد (3/ 114 و 127 و 171) وابن حبان (4670). (¬5) رواه مسلم (1875) وأحمد (2/ 250 و 436 و 457 و 461 و 476) وأبو داود (2547) والترمذي (1698) والنسائي (6/ 219) وابن ماجه (2790) وابن حبان (4677 و 4678). (¬6) عند مسلم بعد الحديث (1875).

البخاري، عن سهل بن سعد قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حائطنا فرس يقال له: اللُّحَيْف، قال أبو عبد الله: وقال بعضهم: اللُّخَيْف (¬1). وعن أنس قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة يقال له: مندوب، فركبه وقال: "مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا" (¬2). وعنه قال: فزع الناس فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة بطيئًا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه فقال: "لَمْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ" قال: فما سُبِق بعد ذلك اليوم (¬3). وعنه، استقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على فرس عربي ما عليه سرج وفي عنقه سيف (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ" (¬5). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رَفَقةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ" (¬6). أبو داود، عن أبي بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْقِيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ وَلاَ قِلاَدَةٌ إلَّا قُطعَتْ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2855) ابن سهل ضعيف. (¬2) رواه البخاري (2862) وانظر ما بعده وهو عند ابن حبان (5798). (¬3) رواه البخاري (2969) وله ألفاظ أخر عنده (2627 و 2820 و 2857 و 2866 و 2867 و 2908 و 3045 و 6033 و 6212) ورواه مسلم (2307) وأبو داود (4988) والترمذي (1685) وأحمد (3/ 185). (¬4) رواه البخاري (2866). (¬5) رواه مسلم (2114) وأحمد (366 و 372) وأبو داود (2556) وابن حبان (4704). (¬6) رواه مسلم (2113) وأبو داود (2555) والترمذي (1703) وأحمد (2/ 263 و 311 و 273 و 343 و 385 و 392 و 414 و 444 و 476 و 537) وابن حبان (4703). (¬7) رو اه أبو داود (2552) ورواه البخاري (3005) ومسلم (2115).

أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إبل من إبل الصدقة صعاب للحج، فقلنا: يا رسول الله ما نرى أن تحملنا؟ قال: "مَا مِنْ بَعِيرِ إلَّا وَفِي ذَرْوَتهِ شَيْطَانٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا إِذَا ركِبْتُمُوهَا كَمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَامْتَهِنُوهَا لأنْفُسِكُمْ فَإنَّمَا يَحْمِلُ اللهُ عَلَيهَا" (¬1). أبو داود، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها [أو يشرب من ألبانها] (¬2). في إسناده عبد الله بن جهم عن عمرو بن أبي قيس عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، وعبد الله بن جهم كان صدوقًا لكنه كان يتشيع. وقال أبو بكر البزار: لا نعلم روى هذا الحديث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، إلَّا عمرو بن قيس. والذي نعتمد عليه في هذا الحديث على ما عنى أبو بكر البزار إنما هو قيس بن عمرو بن أبي قيس، وقد سئل الثوري أن يحدث الرازيين، فأحال عليه. البزار، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الجلالة، وأن يشرب ألبانها وأن يحمل عليها. أبو داود، عن سهل ابن الحنظلية قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وقد لحق ظهره ببطنه فقال: "اتَّقُوا اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد (4/ 221) وابن معين في التاريخ والعلل (216) والطبراني في الكبير (22/ 837 و 838) وابن خزيمة (2377 و 2543) وابن سعد (4/ 297) والحاكم (1/ 444) وعنه البيهقي (5/ 252) والحربي في غريب الحديث (1/ 249) وهو حديث صحيح وله شاهدان قاله شيخنا في سلسلة الصحيحة (5/ 342) والطبراني رواه (22/ 837) من طريق ابن أبي شيبة. (¬2) رواه أبو داود (3787) ورواه البزار (18/ 2) من نسخة الأزهر. (¬3) رواه أبو داود (1629) وأحمد (4/ 180 - 181) وابن حبان (545 و 3395).

وعن بريدة قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي، جاء رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله اركب وتأخر الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أَنْتَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ مِنِّي إلَّا أَنْ تَجْعَلْهُ لِي" قال: فإني قد جعلته لك، فركب (¬1). البخاري، عن ابن عباس قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة استقبل أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحدًا بين يديه وآخرًا خلفه (¬2). النسائي، عن ابن مسعود قال: كان يوم بدر ثلاثة على بعير، وكان زميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأبو لبانة يعني ابن عبد المنذر، فكان إذا كان عُقْبَتُهُ قالا: اركب حتى نمشي فيقول: "مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا" (¬3). النسائي، عن جعيل الأشجعي قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة، فلحقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال. "سِرْ يَا صَاحِبَ الْفَرَسِ" قلت: يا رسول الله عجفاء ضعيفة، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخفقة كانت بيده فضربها بها وقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهَا" فلقد رأيتني ما أملك رأسها أن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفًا" (¬4). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2572) والترمذي (2774) وأحمد (5/ 353). (¬2) رواه البخاري (1798 و 5965 و 5966) والنسائي (5/ 212). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (8807) وأحمد (411/ 1 و 418 و 422 و 424) والبزار (1759) وابن حبان (4733) والحاكم (3/ 20) والبيهقي (5/ 258) والبغوي (2686). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8818) وحرف جعيل في المطبوع إلى جعد والهامش جعيد، وكلاهما خطأ. (¬5) رواه مسلم (2116) وأبو داود (2564) والترمذي (1710).

أبو داود، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التحريش بين البهائم (¬1). مسلم، عن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي بين [في] الناس ما يعرض لها أحد (¬2). وفي طريق أخرى: "لاَ تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ" (¬3). الترمذي، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدًا مأمورًا ما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاثة، أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا نُنْزِيَ حمارًا على فرس (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلة فركبها، فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" (¬5). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضمر الخيل يسابق بِهَا (¬6). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبق بين الخيل وفَضَّل الْقُرَحَ في الغاية (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2562) والترمذي (1708). (¬2) رواه مسلم (2595) وأحمد (4/ 429 و 431) وأبو داود (2561) والنسائي في الكبرى (8816) وابن حبان (5740 و 5741). (¬3) رواه مسلم (2596) من حديث أبي برزة الأسلمي. (¬4) رواه الترمذي (1701) والنسائي (1/ 89). (¬5) رواه أبو داود (2565) والنسائي (6/ 224) وأحمد (1/ 100) وابن حبان (4682). (¬6) رواه أبو داود (2576). (¬7) رواه أبو داود (2577).

مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل يعني التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه (¬1). وذكره البخاري (¬2). أبو داود، عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ" (¬3). رواه سعيد بن بشير عن الزهري بمثله (¬4). ورواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من أهل العلم. قال أبو داود: وهذا أصح عندنا من الأول. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل، وجعل بينهما سبقًا، وجعل بينهما محللًا، وقال: "لاَ سَبْقَ إِلّاِ في نَصْلِ أَوْ حَافِرٍ" (¬5). عاصم بن عمر ضعيف عندهم. وذكر أبو داود أيضًا عن الحسين عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ في الرِّهَانِ" (¬6). وقد روي هذا عن حميد عن أنس وهو خطأ، والصواب في إسناده حميد عن الحسن عن عمران (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1870). (¬2) رواه البخاري (420). (¬3) رواه أبو داود (2579) وابن ماجه (2876). (¬4) رواه أبو داود (2580). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 228). (¬6) رواه أبو داود (2581) والترمذي (1123) والنسائي (6/ 111 و 227 - 228 و 228) وأحمد (4/ 429 و 439) وابن حبان (3267). (¬7) رواه النسائي (6/ 111).

ذكر ذلك النسائي رحمه الله. الجلب في هذا الموضع، هو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه فيكون في ذلك معونة للفرس على الجري. والجنب: هو أن يجلب الرجل فرسًا عرياء إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب. البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ احْتبَسَ فَرَسًا في سَبيلِ اللهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَصْدِيقًا بِاللهِ وَبِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شَبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ في مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشُّؤمُ في الدَّارِ وَالْمَرأَةِ وَالْفَرَسِ" (¬2). وفي لفظ آخر: "إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤمِ شَيْءٌ حَقًّا فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ". الترمذي، عن ابن عباس قال: كانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء ولواؤه أبيض (¬3). وذكر أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار عن يحيى بن سعيد أن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت سوداء تسمى العقاب. وهذا حديث مرسل. وذكر النسائي عن البراء بن عازب أنها كانت سوداء مربعة من نمرة (¬4). وذكر أبو داود عن سماك عن رجل من قومه قال: رأيت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفراء (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2853) والنسائي (6/ 225) وابن حبان (4673). (¬2) رواه مسلم (2225). (¬3) رواه الترمذي (1681) وفي إسناده انقطاع. (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8606) وأبو داود (2591) والترمذي (1680) وفي سنده ضعف. (¬5) رواه أبو داود (2593) وفيه من هو مجهول.

وذكر الترمذي عن الزبير بن العوام قال: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته [وصعد النبي - صلى الله عليه وسلم -] حتى استوى، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَوْجَبَ طلَحَةُ" (¬1). مسلم، عن سهل بن سعد قال: جرح وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، وهُشمت البَيْضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب الماء عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادًا، ثم ألصقته بالجرح حتى استمسك الدم (¬2). زاد النسائي في هذا الحديث: أن فاطمة اعتنقت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني لما أبصرته جريحًا - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي أري [رأى] فيه الرؤيا (¬4). قال: هذا حديث حسن غريب. وعن مزيدة العصوي قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة وما بين ذلك حلق فضة (¬5). الذي أسند هذا الحديث ثقة وهو جرير بن حازم، وكذلك أسنده عمرو بن عاصم عن همام عن قتادة (¬6)، ولكن قال الدارقطني: الصواب عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3739). (¬2) رواه مسلم (1790) والبخاري (243 و 2903 و 2911 و 3077 و 4075 و 5248 و 5722). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (9235). (¬4) رواه الترمذي (1561) وأحمد (1/ 271) وابن ماجه (2808). (¬5) رواه الترمذي (1690). (¬6) رواه الترمذي (1691) وفي الشمائل (105) وأبو داود (2583) والدارمي (2461) والنسائي (8/ 219) وفي الكبرى (9813).

باب في التحصن، وحفر الخنادق، وكتب الناس، ومن كم يجوز الصبي في القتال، وترك الاستعانة بالمشركين، ومشاورة الإمام أصحابه، وما يحذر من مخالفة أمره، والإسراع في طلب العدو، وتوخي الطرق الخالية، والتورية بالغزو والإعلام به إذا كان السفر بعيدا والعدو كثيرا

قتادة عن سعيد بن أبي الحسن أخي الحسن مرسلًا (¬1). وذكر الحارث بن أبي أسامة من مسنده من حديث أبي أمامة الباهلي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلى السيف بالفضة. قيل له: سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمعت ممن لم يكذب أو يكذب أو يكذبني. في إسناده عبد العزيز بن أبان وهو متروك أو شبهه. أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي بكرة قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم يتعاطون سيفًا فقال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، أَوَ لَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟ " وقال: "إِذَا أَحَدُكُمْ سَلَّ سَيْفَهُ فنَظَرَ إِلَيْهِ، فأرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَخَاهُ، فَلْيُغْمِدْهُ ثُمَّ لِيُنَاوِلْهُ إِيَّاهُ" (¬2). خرج أبو داود من حديثه، هذا النهي خاصة خرجه من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). باب في التحصن، وحفر الخنادق، وكتب الناس، ومن كم يجوز الصبي في القتال، وترك الاستعانة بالمشركين، ومشاورة الإمام أصحابه، وما يحذر من مخالفة أمره، والإسراع في طلب العدو، وتوخي الطرق الخالية، والتورية بالغزو والإعلام به إذا كان السفر بعيدًا والعدو كثيرًا النسائي، عن البراء قالي: لما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا تأخذ فيه المعاول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى ثوبه، وأخذ المعول فقال: "بِسْمِ اللهِ" فضرب ضربة ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (9814) ونقل الحافظ المزي في تحفة الأشراف (1/ 301) عن النسائي في الكبرى أنه قال عن حديث قتادة عن أنس. وهذا حديث منكر، وقال: وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم. ولم أر ذلك في مطبوعنا من الكبرى. (¬2) ورواه أحمد (5/ 41 - 42) والحاكم (4/ 290) والطبراني في الكبير. (¬3) رواه أبو داود (2588) والترمذي (2164).

فكسر ثلث الصخرة، ثم قال: "اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لأَبْصُرُ قُصُورَهَا الْحَمْرَاءَ الآنَ مِنْ مَكَانِي هَذَا" قال: ثم ضرب أخرى وقال: "بسْمِ اللهِ" وكسر ثلثًا آخر، وقال: "اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لأَبْصُرُ قَصْرَ المَدَائِنِ الأَبْيَضَ الآن" ثم ضرب الثالثة وقال: "بسْم اللهِ" فقطع الحجر وقال: "اللهُ أَكبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لأَبْصُرُ بَابَ صَنْعَاءَ" (¬1). البخاري، عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته ينقل من تراب الخندق حتى واراه عنا الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة وهو يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا . . . . . . . . وذكر باقي الحديث (¬2). وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتبوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ" فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة رجل، فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: عرضني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8858) وأحمد (4/ 303). (¬2) رواه البخاري (2836 و 2837 و 3034 و 4104 و 4106 و 6620 و 8236) ومسلم (1803) وأحمد (5/ 285 و 291 و 300) والدارمي (2459) والنسائي في اليوم والليلة (533) وفي الكبرى (8857). (¬3) رواه البخاري (3060) ومسلم (149) والنسائي في الكبرى (8875) وابن ماجه (4029).

فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة فما دون ذلك فاجعلوه في العيال (¬1). وعن عائشة قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأوه، فلما أدركهم قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُؤمِنُ بِاللهِ وَرَسُولهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؟ " قال: لا، قال: "فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ" قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل، فقال له مثل ما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قال أول مرة، قال: لا، قال: "فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكِ" قال: ثم رجع، فأدركه بالبيداء فقال له كما قال له أول مرة: "تُؤمِنُ باللهِ وَرَسُولهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؟ " قال: نعم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَانْطَلِقْ" (¬2). وذكر أبو داود في المراسيل عن يزيد بن يزيد بن جابر عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم (¬3). والصحيح ما تقدم في حديث مسلم رحمه الله. النسائي، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدي، وأشعر وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينًا له من خزاعة يخبره عن قريش، وصار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بغديد الأشطاط ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1868) والبخاري (2664 و 4097) وأبو داود (4406 و 4407) والترمذي (1711) والنسائي (6/ 155). (¬2) رواه مسلم (1817). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (281) وسعيد بن منصور (2790) وعبد الرزاق (9329) وابن أبي شيبة (12/ 395 - 396) والبيهقي (9/ 53).

قريب من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد أجمعوا لك الأحابيش، فجمعوا لك جموعًا وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَشِيرُوا عَلَيَّ، أتُرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ عَلَى ذَرَارِي هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ، وَإِنْ نَجَوْا يَكُونُ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ أَأُمَ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ" فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم يا رسول الله، إنما جئنا معتمرين ولم نأت لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَرُوحُوا إِذًا" (¬1). خرجه البخاري وقال في آخره: "امْضُوا عَلَى اسْمِ اللهِ" (¬2). مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، ثم قام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخِيضَهَا البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْك الغِمَادِ لفعلنا، قال: فَنَدَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم رَوَايَا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم، أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف فقال:: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُوهُ إذَا كَذَبَكُمْ" ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8581 و 8582) ويوجد اختلاف في اللفظ بين ما هنا وبين ما في السنن الكبرى للنسائي. (¬2) رواه البخاري (1694 و 1695 و 2711 و 2712 و 2731 و 2732 و 4178 و 4179 و 4180 و 4181) وغيره.

قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا مَصْرَعُ فُلاَنٍ" ويضع يده على الأرض ها هنا وها هنا قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وزاد أبو داود في هذا الحديث: وأمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأرجلهم فسحبوا، فألقوا في قليب بدر (¬2). وهذه الزيادة ذكرها مسلم من حديث عبد الله بن مسعود في قصة أخرى قال: غير أن أمية أو أبيًا تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر (¬3). البخاري، عن البراء بن عازب قال: جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجالة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلًا عبد الله بن جبير فقال: إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم [وأوطأناهم] فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم قال: وأنا والله رأيت النساء يَشْدُوْنَ قد بدت خلاخيلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: والله لنأتين الناس فنصيب من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك إذ يدعوهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في آخرهم، فلم يبق مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين رجلًا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه ثم قال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1779). (¬2) رواه أبو داود (2681). (¬3) رواه مسلم (1794) والبخاري (3185).

عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسؤك، قال: يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، ثم جعل يرتجز: أعل هبل، أعل هبل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجِيبُونَه؟ " قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: "قُولُوا اللهُ أَعْلَى وَأَجْلُّ" قال: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجِيبُونَهم" قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: "قُولُوا اللهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ" (¬1). مسلم، عن أنس قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُسَيْسَةَ عينًا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أدري ما استثنى بعض نسائه قال: فحدث الحديث، قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم فقال: "إِنَّ لَنَا طَلِبَةَ، فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيرْكَبْ مَعَنَا" فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة، فقال: "لاَ إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا" فانطلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يتقَدَّم مِنْ أَحَدٌ [مِنْكُمْ] إلى شَيْءِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَه" فدنا المشركين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلى جَنَّةِ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأَرْض، قال: يقول عمير بن الْحُمَامِ الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: "نَعَمْ" قال: بخ بخ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلكَ بَخ بَخ" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "وَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا، فأخرج تمرات من قَرَنِهِ، فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل رحمه الله (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3039 و 3986 و 4042 و 4067 و 4561). (¬2) رواه مسلم (1901).

البزار، عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بعسفان، قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عُيُونَ قُرَيْشٍ [المشركين، الآن على ضَجَنَانَ، (وعَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ)، فَأيَّكُمْ يَعْرُف طَريقَ ذَاتِ الْحَنْظَلِ؟ " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أمسى: "هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَنْزِلُ فَيَسْعَى بَيْنَ يَدَي الرِّكَابِ؟ " فقال رجل: أنا يا رسول الله، فنزل، فجعلت الحجار تنكبه والشجر تتعلق بثيابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اركَبْ" ثم نزل رجل آخر فجعلت الحجارة تنكبه والشجر تتعلق بثيابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اركَبْ" ووقعنا على الطريق حتى سرنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِثْلُ (هذا أو) هَذِهِ الثَّنيَّةِ إلَّا مِثْلُ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ قِيلَ لَهُمُ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} وَلاَ يَجُوزُ أَحَدٌ اللَّيْلَةَ هَذِهِ الثَّنيَّةَ إلَّا غُفِرَ لَهم" فجعل الناس يجوزون ويسرعون، وكان آخر من جاز قتادة بن النعمان في آخر القوم، قال: فجعل الناس يركب بعضهم بعضًا حتى تلاحقنا، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلنا (¬1). البخاري، عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قل ما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا، واستقبل غزو عدو كثير، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1385 في زوائده للحافظ ابن حجر) وقال البزار: لا نعلم أحدًا رواه هكذا إلا محمد بن إسماعيل. قال الحافظ ابن حجر: قلت: هو ثقة يحتمل له التفرد، وشيخه أخرج له مسلم والإسناد كله على شرطه إلا أن هشامًا فيه لين. . . وما بين الهلالين ليس في الزوائد. (¬2) رواه البخاري (2948).

باب

باب الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَربعَةٌ، وَخَيْرُ السّرَايَا أَربَعُ مِائَةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، وَلاَ يُغْلَبُ اثنَا عَشَر أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي الورد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِيّاكُمْ والسَّرِيةَ الّتِي إِنْ لَقِيَتْ فَرَّتْ وإنْ غَنِمَتْ غَلَّتْ" (¬2). إسناد هذا ضعيف جدًا فيه ابن لهيعة وغيره. الترمذي، عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنَ الوِحْدَةِ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ" (¬3). خرجه البخاري أيضًا (¬4). وقال فيه أبو عيسى: حديث حسن صحيح. النسائي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبانِ شَيطَانَانِ وَالثّلَاثَةُ ركْبٌ" (¬5). قاسم بن أصبغ عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَهُمُّ بِالوَاحِدِ وَبِالاثنَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً لَمْ يَهمْ بِهِمْ". ذكره أبو عمر في التمهيد (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1555) وأبو داود (2611) وابن ماجه (2728). (¬2) وعن أبي بكر بن أبي شيبة رواه ابن ماجه (2829). (¬3) رواه الترمذي (1673) والنسائي في الكبرى (8850 و 8851). (¬4) رواه البخاري (2998). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (8849) وأبو داود (2607) والترمذي (1674). (¬6) التمهيد (20/ 8).

باب في استحباب السفر يوم الخميس، والتبكير به، ومن خرج في غير ذلك من الأوقات بالليل والنهار، والخروج في آخر الشهر والخروج في رمضان

وذكره أبو بكر البزار (¬1). وذكر أبو داود في المراسيل عن عطاء قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر الرجل وحده، أو يبيت في بيت وحده (¬2). مسلم، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (¬3). وزاد في طريق أخرى: "فَإنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ". باب في استحباب السفر يوم الخميس، والتبكير به، ومن خرج في غير ذلك من الأوقات بالليل والنهار، والخروج في آخر الشهر والخروج في رمضان البخاري، عن كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس (¬4). أبو داود، عن صخر بن وداعة العامري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتي في بُكُورِهَا" وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (745 و 1276 زوائد الحافظ ابن حجر) والبيهقي (5/ 257). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (311) وابن أبي شيبة (9/ 38 و 12/ 522) وهو عند أحمد (2/ 91) من حديث ابن عمر مرفوعًا نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده. (¬3) رواه مسلم (1869) والبخاري (2990) وأبو داود (2610) وابن ماجه (2879) وأحمد (2/ 6 و 7 و 10 و 63) وابن حبان (4715). (¬4) رواه البخاري (2950). (¬5) رواه أبو د اود (2606) والترمذي (1212) وأحمد (3/ 417 و 431 و 4/ 390) وابن حبان (4754 و 4755) وإسناده ضعيف. ورواه النسائي في الكبرى (8833).

ويروى من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي في بُكُورِهَا يَوْمَ خَمِيسها" (¬1). وفي الباب عن ابن عباس خرّج حديثهما جميعًا أبو بكر البزار (¬2). الصحيح في هذا حديث البخاري، وحديث أبي داود حديث حسن. البخاري، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا (¬3). النسائي، عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية تخرج، فقالوا: يا رسول الله أنخرج الليلة أم نمكث حتى نصبح؟ قال: "أَوَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ تَبِيتُوا في خِرَافٍ مِن خِرَافِ الْجَنَّةِ؟ ". والخراف الحديقة (¬4). البخاري، عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ليال بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا الحج، فلما دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل. . . . . . . وذكر الحديث (¬5). وعن ابن عباس قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح في رمضان. . . . . وذكر الحديث (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البزار (865 زوائد الحافظ) وفي إسناده عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك. (¬2) رواه البزار (866) وفي إسناده عمرو بن مساور وهو ضعيف. (¬3) رواه البخاري (1548). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8834). (¬5) رواه البخاري (2952) بهذا اللفظ وله ألفاظ أخرى. (¬6) رواه البخاري (4275).

باب في الفأل والطيرة والكهانة والخط وعلم النجوم

باب في الفأل والطيرة والكهانة والخط وعلم النجوم مسلم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ" قالوا: ما الفال؟ قال: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" (¬1). الترمذي، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج لحاجة يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. قاسم بن أصبغ، عن بريدة بن حصيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتطير، ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم يتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَنْتَ" قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر فقال: "بَردَ أَمْرُنَا وَصَلحَ" ثم قال: "مِمَّنْ؟ " قال: مِنْ أَسْلَمَ، قال لأبي بكر: "سَلِمْنَا" ثم قال: "مِمنْ؟ " قال: من بني سهم، قال: "خَرَجَ سَهْمُكَ" قال بريدة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فمن أنت؟ قال: "مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسُولُ اللهِ" قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم الذين معه جميعًا، فقال بريدة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة قال بريدة: الحمد لله الذي أسلمت بنو سهم طائعين (¬3). وخرجه ابن أبي خيثمة إلى قوله: خرج سهمك. أبو داود، عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لاَ يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيءِ وكان إذا بعث ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2223). (¬2) رواه الترمذي (1616). (¬3) ورواه ابن عدي في الكامل (1/ 410).

عاملًا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورُئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه ريء بشر ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا أعجبه اسمها فرح بها وريء بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها ريء كراهية ذلك في وجهه (¬1). وعن النسائي في هذا الحديث، ولكن كان إذا سأل عن اسم الرجل فكان حسنًا، وإذا سأل عن اسم الأرض فكان حسنًا بمثله فيهما (¬2). أبو داود، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطِّيرَةُ شِرْكٌ الطِّيرَةُ شِرْكٌ ثلاثًا، وَمَا مِنَّا إلَّا وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" (¬3). يقال: إن هذا الكلام وما منا. . . . . . إلى آخره، إنه قول ابن مسعود. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار قال: حدثني عبد الله. بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا حَسَدْتُمْ فَلاَ تَبْغُوا، وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلاَ تَحَقَّقُوا، وَإِذَا تَطَيرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلى اللهِ فَتَوَكّلُوا" (¬4). ليس إسناده بقوي. مسلم، عن ومعاوية بن الحكم قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أُمَّيَاهُ ما شأنكم تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون بأيديهم عَلَى أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبأبي هو وأمي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3920) وأحمد (5/ 347 - 348) وابن حبان (5827) والبيهقي (8/ 140) وانظر سلسلة الصحيحة (2/ 400 - 401). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (8822). (¬3) رواه أبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) وأحمد (1/ 389 و 438 و 440) والبخاري في الأدب المفرد (909) وابن حبان (6122). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 315).

ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، ثم قال: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَم النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" أو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الإسلام، وإن منا رجالًا يأتون الكهان، قال: "فَلاَ تَأْتِهِمْ" قال: ومنا رجال يتطيرون، قال:"ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ" قال: قلت: ومنا رجال يخطون، قال: "كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ" قال: وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأَنَا رجل من بني آدم آسَفُ كما يأسفون لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَظَّم ذلك عليّ، فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائْتِني بِهَا" فأتيته بها، فقال: "أَيْنَ اللهُ؟ " قالت: في السماء، قال: "مَنْ أَنَا" قالت: أنت رسول الله، قال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّها مُؤمِنَةٌ" (¬1). وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقًا، قال: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطفُهَا الْجِنُّ فَيقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيزيدُ فِيهَا مِئةَ كذْبَةٍ" (¬2). البخاري، عن عائشة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ في الْعَنَانِ -وهو السحاب- فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ- فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الْكَهَنَةِ، فَيَكْذِبُونَ مِنْها مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ" (¬3). مسلم، عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رسول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (537). (¬2) رواه مسلم (2228) والبخاري (5762 و 6213 و 7561). (¬3) رواه البخاري (3210 و 3288).

باب وصية الإمام أمراءه وجنوده، وفضل دل الطريق، والحض على سير الليل، ولزوم الأمير الساقة، والحدو في السير، واجتناب الطريق عند التعريس، وانضمام العسكر عند النزول، وبعث الطوالع والجواسيس، وجمع الأزواد إذا قلت واقتسامها، والمساواة

الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَتى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَيءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (¬1). خرجه أبو مسعود الدمشقي في مسند حفصة رضي الله عنها. أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اقْتبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زادَ مَا زَادَ" (¬2). باب وصية الإمام أمراءه وجنوده، وفضل دل الطريق، والحض على سير الليل، ولزوم الأمير الساقة، والحدو في السير، واجتناب الطريق عند التعريس، وانضمام العسكر عند النزول، وبعث الطوالع والجواسيس، وجمع الأزواد إذا قلت واقتسامها، والمساواة مسلم، عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه ومعاذًا إلى اليمن فقال: "يَسِّرا وَلاَ تُعَسِّرا، وَبَشِّرا وَلاَ تُنَفِّرا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا" (¬3). وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا" (¬4). وعن بريدة بن حصيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2230). (¬2) رواه أبو داود (3905) وأحمد (1/ 227 و 311). (¬3) رواه مسلم (1733 ص 1359) وفى الأصل في المكان الثاني سكنوا ولا تنفروا وهو خطأ، والبخاري (3038) وفي أماكن أخرى. (¬4) رواه مسلم (1734).

"اغْزُوا بِسْمِ اللهِ في سبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تمْثلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُؤَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خلالٍ أَوْ خِصَالٍ فَأيَّتُهُنَّ مَا اجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكفَّ عَنْهُمْ، ثُمَ ادْعُهُمْ إِلى التَحوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أبوْا أَنْ يتحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يكُونُونَ كَأعرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الذِي يَجْرِي عَلى الْمُومِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ باللهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتِكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فَأَرادُوكَ أَنْ تنزِلَهُمْ عَلى حُكْمِ اللهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ". قال هذا أو نحوه (¬1). وأسنده مسلم أيضًا من حديث النعمان بن مقرن (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . . وذكر حديثًا قال: "وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ" (¬3). أبو داود، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوى بِاللَّيْلِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1731). (¬2) ذكره مسلم بعد الحديث (1731). (¬3) رواه البخاري (2891). (¬4) رواه أبو داود (2571).

وعن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير فيزجى الضعيف ويُرْدف ويدعو لهم (¬1). مسلم، عن أنس قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حادٍ حسن الصوت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رُوَيْدًا يَا أَنْجَشَةُ لاَ تكسِرِ الْقَوَارِيرَ" يعني ضعفة النساء (¬2). وعن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، فسرنا ليلًا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هُنَيَّاتِكَ، وكان عامر رجلًا شاعرًا فنزل يحدو بالقوم ويقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداءً لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصباح عولوا علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ " قالوا: عامر، قال: "يَرْحَمُهُ اللهُ. . . . . ." وذكر الحديث (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخَصْبِ فَأَعْطُوا الإِبلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ في السَّنَةِ فَبَادِرُوا بها نِقْيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُق الدَّوَابِّ وَمَأوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ" (¬4). أبو داود، عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَعْدُوا الْمَنَازِلَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2639). (¬2) رواه مسلم (2323). (¬3) رواه مسلم (1802). (¬4) رواه مسلم (1926) والترمذي (2862) وأبو داود (1569) والنسائي في الكبرى (8814). (¬5) رواه أبو داود (2570).

لم يسمع الحسن من جابر. وعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة كذا وكذا، فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي في الناس أن من ضيق منزلًا وقطع طريقًا فلا جهاد له (¬1). وعن أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ تَفَرُّقكُمْ في هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ" فلم ينزلوا بعد ذلك منزلًا إلَّا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوبٌ لعمهم (¬2). مسلم، عن يزيد بن شريك التميمي قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلت معه فأبْلَيْتُ، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقَرٌّ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ رَجُل يَأتِيني بخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فسكتنا، فلم يجبه منا أحد، ثم قال: "أَلاَ رَجُل يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فسكتنا، فلم [يجبه منا أحد، ثم قال: "أَلاَ رَجُل يأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فسكتنا فلم] يجبه منا أحد، فقال: "يَا حُذَيْفَةُ، قُمْ فَائْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ" فلم أجد بدًا إذ دعاني باسمي أن أقوم قال: "اذْهَبْ فَائْتني بخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ" فلما وليت من عنده كأنما أمشي في حَمَّام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يَصْلِي ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ" ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمَّام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قُرِرْتُ، فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءةٍ كانت عليه يُصَلِّي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2629 و 2630). (¬2) رواه أبو داود (2628) وأحمد (4/ 193) والنسائي في الكبرى (8856).

باب النهي عن تمني لقاء العدو، والدعوة قبل القتال، والكتاب إلى العدو وطلب غرتهم، والوقت المستحب للغارة، وقطع الثمار وتحريقها، والنهي عن قتل النساء والصبيان

فيها، فلم أزل نائمًا حتى أصبحت فلما أصبحت قال: "قُمْ يَا نَوْمَانُ" (¬1). وعن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجمعنا أزوادنا فبسطنا له نطعًا، فاجتمع زاد القوم على النطع قال: فتطاولت لأَحْزُره كم هو؟ فحزرته كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ، ونحن أربع عشرة مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جُرُبَنَا، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ " قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقةً أربع عشر مائة، وقال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَرغ الْوَضُوءُ" (¬2). وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" (¬3). باب النهي عن تمني لقاء العدو، والدعوة قبل القتال، والكتاب إلى العدو وطلب غرتهم، والوقت المستحب للغارة، وقطع الثمار وتحريقها، والنهي عن قتل النساء والصبيان مسلم، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1788). (¬2) رواه مسلم (1729). (¬3) رواه مسلم (2500).

الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ" ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَاب وَمُجْرَي الرِّيَاح [السَّحَاب، وَهَازِمَ الأحْزَاب اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ" (¬1). مسلم، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأُعْطِيَنَ هَذ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحبُّهُ اللهُ وَرَسُولُه" قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا [أصبح الناس] غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ " فقال: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ" فأُتِي به، فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عينيه ودعا له فَبَرَأَ، حتى كان لم يكن به وجع، فأعطاه إياها، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإِسْلاَم، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرًا لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمُرُ النّعَمِ" (¬2). وقال النسائي: فنفث في عينيه، وهز الراية ثلاثًا فدفعها إليه (¬3). مسلم، عن أنس أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). البخاري، عن أبي سفيان بن حرب، أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا في الشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1742). (¬2) رواه مسلم (2406). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (8409) من حديث ابن عباس. (¬4) رواه مسلم (1774).

يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم نسبًا. قال: أدنوه مني وقَرِّبُوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من مَلِكٍ؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكنِّي كلمة أدخل فيها غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يَأْتَسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشتهُ القلوب، وسألتك يزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك هل

يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًا سيملك موضع قدمي هاتين، ولقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه، ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به مع دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل عظيم الروم فقرأه فإذا فيه: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولهِ إِلى هِرَقل عَظِيم الرُّوم، سَلاَمٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلمْ يُؤتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأُخْرجنا، فقلت لأصحابي حين أُخرجنا لقد أَمِرَ أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام، وكان ابن النَّاطُور صاحب إيلياء، وهرقل سُقُفًا على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يومًا خبيث النفس، فقال له بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن النَّاطُور: وكان هرقل حَزَّاءً ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يَهُمَّنَّكَ شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وساله عن العرب يختتنون، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى

صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وصار هرقل إلى حمص فلم يَرِمْ حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابهم فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا النبي، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم عليَّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفًا اختبر بها شدتكم في دينكم، فقد رأيت وسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل (¬1). مسلم، عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إليّ إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني المصطلق وهم غارُّون، وأنعامهم تسقي علي الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ قال يحيى أحسبه، قال: جويرية أو ألبتَّة بنت الحارث. وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمرو كان في ذلك الجيش (¬2). والصحيح جويرية وكانت اسمها برة وهي زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحَرْبُ خدْعَةٌ" (¬3). أبو داود، عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ أُعِدُّهُ كَذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ الْقَوْلَ لاَ يُرِيدُ بِهِ إلَّا الإصْلاَح، وَالرَّجُلُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7 و 51 و 2681 و 2804 و 2841 و 2978 و 3174 و 4553 و 5980 و 6260 و 7196 و 7541) ومسلم (1773). (¬2) رواه مسلم (1730) والبخاري (2541) وأبو داود (2633) وأحمد (4857 و 4875 و 5124). (¬3) رواه مسلم (1740).

يَقُولُ في الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا" (¬1). خرجه مسلم أيضًا. (¬2) مسلم، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير إلى طلوع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار. . . . . . وذكر الحديث (¬3). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق، ولها يقول حسان: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً. . . . . . . . . . .} الآية (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل عن مكحول قال: أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة ثم قال: "إِذَا غَزَوْتَ. . . . ." فذكر أشياء ثم قال: "وَلاَ تَحْرقَنَّ نَخْلًا وَلاَ تغْرِقَنَّهُ، وَلاَ تُؤذِيَنَّ مُؤمِنًا" (¬5). ومنها ولم يصل به سنده عن القاسم مولى عبد الرحمن قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . . . . ذكر نحوه قال: "لاَ تَحْرِقَنَّ نَخْلًا وَلاَ تُغْرِقَنَّهَا، وَلاَ تَقْطَعْ شَجَرَةَ مُثْمِرَةً، وَلاَ تَقْتُلْ بَهِيمَةَ لَيْسَتْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، وَاتقِ أَذَى الْمُؤمِنِ" (¬6). والصحيح في هذا حديث مسلم في قطع نخل بني النضير كما تقدم. مسلم، عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض تلك المغازي، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4921). (¬2) رواه مسلم (2605). (¬3) رواه مسلم (382). (¬4) رواه مسلم (1746). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (315). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (543). (¬7) رواه مسلم (1744).

النسائي، عن الأسود بن سريع قال: كنا في غزاة لنا، فأصبنا ظفرًا وقتلنا من المشركين حتى بلغ بهم القتل أن قتلوا الذرية، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ بَلَغَ بِهِمُ الْقَتْلُ أَنْ قَتَلُوا الذّرِّيَةَ، أَلاَ لاَ تُقْتَلَنَّ ذُرِّيَةٌ أَلاَ لاَ تُقْتَلَنَّ ذُرِّيَةٌ" قيل: لِمَ يَا رسول الله أليس هم أولاد المشركين؟ قال: "أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلاَدَ الْمُشْرِكِينَ! " (¬1). وعن عمر بن مرقع بن صيفي بن رباح بن ربيع قال: سمعت أبي يحدث عن جده رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة والناس مجتمعون على شيء، فبعث رجلًا فقال: "انْظُرْ عَلى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ" فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: "مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتلُ" وخالد بن الوليد على المقدمة، فقال: "قُلْ لُخَالِدٍ لاَ تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَةً وَلاَ عَسِيفًا" (¬2). وعن المغيرة عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بهذا (¬3). وعن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع عن حنظلة الكاتب قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة. . . . . الحديث (¬4). ذكره النسائي أيضًا. ويقال حديث سفيان عن أبي الزناد وهم ومرقَع بن صيفي سمع ابن عباس، وجده رباح بن الربيع، ويقال رباح روى عنه ابنه عمرو وأبو الزبير وموسى بن عقبة ويونس بن إسحاق، وعمر بن مرقع لا بأس به قاله ابن معين، وكذلك المغيرة ليس به بأس، وهو المغيرة بن عبد الرحمن الجرامي. أبو داود، عن خالد بن الفِزْر عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8616). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (8625). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (8626). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8627).

"انْطَلِقوا بِسمِ اللهِ وَفي سَبيلِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، لا تَقْتُلُوَ شيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلًا صَغِيرًا، وَلآ امْرَأَةً، وَلاَ تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (¬1). خالد بن الفزر ليس بقوي. ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة نا حميد عن شيخ من أهل المدينة مولى لبني عبد الأشهل عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيوشه قال: "لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامع" (¬2). وذكر أبو محمد بن أحمد بن حزم من طريق القعنبي قال: نا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ" (¬3). إبراهيم هذا هو الشيخ المذكور في الحديث الذي قبل هذا هو ابن أبي حبيبة مولى بني عبد الأشهل وثقه ابن حنبل وضعفه الناس، وقد ذكر حديثه الجرجاني (¬4). وذكر أبو محمد من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقْتُلُوا صَغِيرًا وَلاَ أمْرَأَةً وَلاَ شَيْخًا كَبِيرًا" (¬5). ومن طريق قيس بن الربيع عن عمر مولى عنبسة عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يقتل شيخ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2614). (¬2) ومن طريق ابن أبي شيبة رواه ابن حزم في المحلى (6/ 349). (¬3) رواه ابن حزم في المحلى (6/ 349). (¬4) الكامل (1/ 234) لابن عدي. (¬5) المحلى (6/ 349).

كبير أو يعقر شجر إلا شجر يضر بهم (¬1). وقيس بن الربيع ضعيف، وعمر مولى عنبسة لا أدري من هوِ حتى أسأل عنه. وذكر أبو محمد أيضًا من طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأحوص عن راشد بن سعد قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الشيخ الذي لا حراك له (¬2). هذا مرسل، والصحيح في هذا الباب النهي عن قتل النساء والصبيان كما تقدم لمسلم رحمه الله. وروى حجاج بن أرطاة وسعيد بن بشير كلاهما عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتبَقُوا شَرْخَهُمْ" (¬3). ذكره أبو داود حجاج وسعيد لا يحتج بهما. مسلم، عن الصعب بن جثامة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من ذراريهم ونسائهم، فقال: "هُمْ مِنْهُمْ" (¬4). أبو داود، عن عائشة قالت: لم يقتل من نسائهم، تعني من بني قريظة إلا امرأة إنها لعندي تُحَدِّثُ وتضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتل رجالهم، إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا، قلت: وما شأنك؟ قالت حدثٌ ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 349). (¬2) المحلى (6/ 349). (¬3) رواه أبو داود (2670) والترمذي (1583) ولا أدري من أين استقى الأخ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط قوله في تعليقه على جامع الأصول أن ابن حبان صححه، فإنه لم يروه في صحيحه وليس هو في الإحسان. (¬4) رواه مسلم (1745).

باب الوقت المستحب للقتال، والصفوف، والتعبئة عند اللقاء، والسيما والشعار والدعاء، والاستنصار بالله عز وجل، وبالضعفاء والصالحين، وفي المبارزة والانتماء عند الحرب

أحدثته، فانطلق بها فضرب عنقها، فما أنسى عجبًا منها أنها تضحك ظهرًا وبطنًا وقد علمت أنها تقتل (¬1). باب الوقت المستحب للقتال، والصفوف، والتعبئة عند اللقاء، والسيما والشعار والدعاء، والاستنصار بالله عز وجل، وبالضعفاء والصالحين، وفي المبارزة والانتماء عند الحرب أبو داود، عن النعمان بن مقرن قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل من أول النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح وينزل النصر (¬2). البخاري، عن ابن أسيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنُّبْلِ" (¬3). البزار، عن عبد الرحمن بن عوف قال: عَبَّأَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بدر ليوم بدر (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّرِ فأخذوا بطن الوادي. . . . . وذكر الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2671). (¬2) رواه أبو داود (2655). (¬3) رواه البخاري (2900 و 3984 و 3985). (¬4) رواه البزار (1/ 11) وفيه عنعنة ابن إسحاق. (¬5) رواه مسلم (1780).

النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: كان سيمانا يوم بدر الصوف الأبيض (¬1). وعن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لاَ يُنْصَرُونَ دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ" (¬2). أبو داود، عن المهلب بن أبي صفرة قال: نا من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنْ بَيَّتُمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لاَ يُنْصَرُونَ" (¬3). النسائي، عن صهيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحرك شفتيه بشيء يوم حنين بعد صلاة الفجر، فقالوا: يا رسول الله إنك تحرك شفتيك بشيء، قال: "إِنَّ نَبيًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، ثم ذكر كلمة معناها أَعْجَبَتْهُ كَثرةَ أُمَّتِهِ فقال: لَنْ يَرُومَ أَحَدُ هَؤلاَءِ بِشَيْءٍ، فَأَوْحى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْ أُمًتكَ بَيْنَ إِحْدى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ أسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحُهُمْ، وإمَّا أَنْ أُسَلَّطَ عَلَيْهِم الْجُوعَ، وإمَّا أَنْ أُرْسِلَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، فَقَالُوا: أَمَّا الْجُوعُ وَالْعَدُوُّ فَلاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِمَا، وَلَكِن الْمَوْتُ، فَأرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَمَاتَ مِنْهُمْ في لَيْلَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أُحَاوِلَ، وَبِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ" (¬4). أبو داود، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أُحَاوِلُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أقاتِلُ" (¬5). مسلم، عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا فاستقبل نبي ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8640). (¬2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (615 و 616) وأحمد (4/ 289). (¬3) رواه أبو داود (2597) والترمذي (1682) وأحمد (4/ 289). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8633). (¬5) رواه أبو داود (2632) والترمذي (3584) والنسائي في عمل اليوم والليلة (604).

الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ ائتِنِي مَا وَعَدْتَنِي. . . . . ." وذكر الحديث (¬1). وسيأتي في باب تحليل الغنائم إن شاء الله. أبو داود، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ" أو قال: "قَلُّمَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ الأذَانِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا" (¬2). زاد في أخرى: "وَتَحْتَ الْمَطَرِ". النسائي، عن سعد بن أبي وقاص أنه ظن أن له فضلًا على من دونه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّة بِضَعِيفِهَا بِدَعْوتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ" (¬3). أبو داود، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ" (¬4). مسلم، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَأْتِي عَلى النَّاسِ زَمَان يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فيقال: فِيكُمْ مَنْ رَأى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1763). (¬2) رواه أبو داود (2540) والدارمي (1203). (¬3) رواه النسائي (6/ 45) والبخاري (2896). (¬4) رواه أبو داود (2594) والنسائي (6/ 45 - 46) وأحمد (5/ 198) وابن حبان (4767) والحاكم (2/ 145) والطبراني في مسند الشاميين (590). (¬5) رواه مسلم (2532).

البزار، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر غزوة بدر قال: وبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة يدعو ويقول: "اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لاَ تُعْبَدُ في الأَرْضِ" فلما طلع الفجر قال: "الصَّلاَةَ عِبَادَ اللهِ" فأقبلنا من تحت الشجر والْحَجَفِ، فحث أو حض على القتال وقال: "كَأنِّي أَنْظُرُ إِلى صَرْعَاهُمْ" قال: فلما دنا القوم إذا فيهم رجل يسير في القوم على جمل أحمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: "نَادِ بَعْضَ أَصْحَابِكَ فَسَلْهُ عَنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ الأحْمَرِ، فَإنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأمُرُ بِالْخَيْرِ فَهُوَ" فسأل الزبير: من صاحب الجمل الأحمر؟ فقالوا: عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال، وهو يقول: يا قوم إني أرى قومًا مستميتين، والله ما أظن أن تصلوا إليهم حتى تهلكوا. قال: فلما بلغ أبا جهل ما يقول أقبل إليه فقال: مُلِئَتْ رئتاك رعبًا حين رأيت محمدًا وأصحابه، فقال عتبة: إياي تعير يا مصفر أسته ستعلم أينا أجبن، فنزل عن جمله وأتبعه أخوه شيبة وابنه الوليد، فدعوا للبراز، فانتدب لهم شباب من الأنصار فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِي، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ" قال: فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة، وأقبل عبيدة على الوليد، قال: فلم يلبث حمزة صاحبه أن فرغ منه، قال: ولم ألبث صاحبي، قال: واختلفت بين الوليد وبين عبيدة ضربتان، وانتحر كل واحد منهما صاحبه، قال: فأقبلت أنا وحمزة إليهما ففرغنا من الوليد واحتملنا عبيدة (¬1). خرجه مسلم مختصرًا (¬2). مسلم، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وَلَّيْتم ¬

_ (¬1) رواه البزار (1/ 129): وأحمد (948) وروى بعضه أبو داود (2665). (¬2) لم يخرجه مسلم لا مختصرًا ولا مطولًا من حديث علي.

يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله ما ولَّى، ولكنه انطلق أَخِفَّاءٌ من الناس وحُسَّرُ إلى هذا الحي، الحي من هوزان وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نَبْلٍ كأنها رِجْلٌ من جراد، فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان بن الحارث يَقُودُ بِهِ بَغْلة فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: "أَنَا النّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ اللَّهُمَ نَزِّلْ نَصْرَكَ" قال البراء: كنا والله إذا احْمَرَّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وعن العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، قال: وأنا آخذ بخطام [بلجام] بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ" فقال عباس وكان رجلًا صيتًا، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: والله لكان عَطْفَتَهُمْ حين سمعوا صوتي عَطْفَةَ البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة علي بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ" قال: ثم أخذ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1776) والبخاري (2864 و 2874 و 2930 و 3042 و 4315 و 4316 و 4317) والترمذي (1688).

باب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ" قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حَدَّهُمْ كليلًا وأمرهم مدبرًا (¬1). وعن البراء في هذا الحديث قال: فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل بها وجوههم قال: "شَاهَتِ الوُجُوهُ" فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملئ عينيه ترابًا بذلك القبضة فولوا مدبرين، وهزمهم الله، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين (¬2). وقال أبو داود الطيالسي عن يعلى بن عطاء في هذا الحديث فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم قال: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطَّسْتِ الجديد، فهزمهم الله عز وجل (¬3). باب وذكر أبو داود في المراسيل عن إسماعيل بن سميع الحنفي عن مالك بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني لقيت العدو ولقيت أبي فيهم، فسمعت منه [لك حديثًا] مقالة قبيحة فطعنته بالرمح فقتلته، فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءآخر فقال: يا نبي الله إني لقيت أبي فتركته فأحببت أن يليه غيري [قال: فسكت عنه] (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1775). (¬2) هذا وهم من المؤلف رحمه الله فهو عند مسلم (1777) من حديث سلمة بن الأكوع وليس من حديث البراء بن عازب. (¬3) رواه أبو داود الطيالسي (2372) من حديث أبي عبد الرحمن الفهري. (¬4) رواه أبو داود في المراصيل (328) والبيهقي (9/ 27) وقال: وهذا مرسل جيد الإسناد.

باب

باب ذكر الحاكم في كتاب العلوم من طريق ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمرو بن شعيب قال: قاتل عبد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَذِنَ لَكَ سَيِّدُكَ؟ " قال: لا، فقال: "لَوْ قُتِلْتَ دَخَلْتَ النَّارَ" قال سيده: فهو حر يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الآنَ فَقَاتِلْ" (¬1). قال الحاكم: لا نعلم أحدًا رفعه. باب مسلم، عن بريدة قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منهن (¬2). البخاري، عن أنس بن مالك قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد استبْرَأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري، وفي عنقه السيف وهو يقول: "لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا" ثم قال: "وَجَدْنَاهُ بَحْرًا" أو قال: "إِنَّهُ لَبَحْرٌ" (¬3). أبو داود، عن قيس بن عباد، قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم يكرهون الصوت عند القتال (¬4). وعن موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . . . مثل ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 36). (¬2) رواه مسلم (1814). (¬3) رواه البخاري (2908) وله ألفاظ أخرى. (¬4) رواه أبو داود (2656). (¬5) رواه أبو داود (2657).

وعن سمرة بن جندب: أما بعد فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالجماعة والصبر والسكينة إذا قاتلنا (¬1). أبو داود أيضًا، عن أبي أُسَيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "إِذَا أَكْثبوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَلاَ تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشُوكُمْ" (¬2). مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُفْرِدَ يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رَهِقُوهُ قال: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّة" أو "هُوَ رَفِيقِي في الْجَنَّةِ" فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْصَفنا أَصْحَابَنَا" (¬3). أبو داود، عن الوليد بن هشام أن رجلًا حمل على المشركين يوم حنين وحده من غير أن يؤمر، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فنادى: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاصٍ". ذكره في المراسيل (¬4). وفيها: عن الحسن أن رجلًا أراد أن يحمل على المشركين يوم حنين وحده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتَرَاكَ تَقْتُلُهُمْ وَحْدَكَ، أَمْهِل حَتَّى يَحْمِلَ أَصْحَابُكَ فَتَحْمِلَ مَعَهُمْ" (¬5). ذكره في المراسيل. والصحيح ما تقدم من قتال الأنصاري وحده. وذكره أبو أحمد من حديث الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2560). (¬2) رواه أبو داود (2663 و 2664) والبخاري (2900 و 3984 و 3985). (¬3) رواه مسلم (1789). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (327). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (322).

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمشى في خف واحد أو نعل واحدة، وأن ينام على طريق، وأن ينتقض في براز وحده حتى يتنحنح، أو يلقى عدوًا وحده إلا أن يضطر فيدفع عن نفسه (¬1). هذا إنما يرويه الحسن عن عمرو بن خالد عن حبيب، وعمرو بن خالد متروك، والذي تفرد به أن ينتقض في براز وحده. . . . . . . إلى آخره. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث محمد بن عبد الملك المديني عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنِ اسْتَأْسَرَ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ غيْرِ جَرَاحَةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَعَصَّبَ" (¬2). ومحمد بن عبد الملك ضعيف جدًّا بل متروك. والصحيح ما خرج البخاري في (باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل). عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط سرية عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة، وهو بين عسفان ومكة ذكروا لِحَيٍّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم، حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فَرْقَدٍ وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم انزلوا فأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرملوهم بالنبل، فقتلوا عاصمًا في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 126 - 127). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 158).

ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم أن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا على قتله استعار منها موسى يستحد بها، فأعارته، فأخذ ابنًا لي وأنا غافلة حتى أتاه قالت: فوجدته مجلسه على فخذه، والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خُبيب في وجهي قال: أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمر وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا، فلما: خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددًا. ما أن أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع فقتله ابن الحارث، فكان خُبيب هو الذي سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا، فاستجاب الله بعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حُدِّثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدَّبْرِ فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطع من لحمه شيء. وذكره في المغازي قال فيه: فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، وقال

فيه: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا ولست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وقال في أخرى: فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفر (¬1). مسلم، عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة، على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبيبة؟ قال: بايعناه على الموت (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت (¬3). أبو داود، عن جابر بن عتيك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "مِنَ الْغَيْرَة مَا يُحِبُّ اللهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّ اللهُ فَالْغَيْرَةُ في رِيبَةً، وأَمَّا الَّتي يُبْغِضُهَا اللهُ فَالْغَيْرَةُ في غَيْرِ رَيْبَةِ، وَإِنَّ مِنَ الْخُيَلاَءِ مَا يُبْغِضُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يحِبُّ اللهُ، فَأمَّا الَّتِي يُحِبُّ اللهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللهُ فَاخْتِيَالُهُ في الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ" (¬4). النسائي، عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه عن الكبائر فقال: "الإشْرَاكُ بِاللهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ وَالتَّوَليِّ يَوْمَ الزَّحْفِ" (¬5). البخاري، عن أنس قال: صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح قريبًا من خيبر بغلس، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3045 و 3989 و 4086 و 7402). (¬2) رواه مسلم (1860) والبخاري (2960 و 4169 و 7206 و 7208). (¬3) رواه مسلم (1856). (¬4) رواه أبو داود (2659) والنسائي (5/ 78) وفي إسناده من هو مجهول. (¬5) رواه النسائي (7/ 88).

ثم قال: "اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمنْذرِينَ" فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - المقاتلة وسبى الذرية، وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل عتقها صداقها (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث عباد بن منصور عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس قال: لم يُسْبِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر لكن متعهم ثم أرسلهم وأمسك الماشية (¬2). رواه عن عباد ريحان بن سعيد، وقد مر ذكر عباد بن منصور وذكر من ضعفه. والصحيح حديث مسلم رحمه الله. مسلم، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فقال: عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان من الغد فقال: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان من الغد فقال: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4200) بهذا اللفظ وله ألفاظ أخرى والنسائي في الكبرى (8597). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 339).

أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الأديان كلها إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى، فبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن لي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: لما كان يوم بدر أتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - له قميصًا، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يُقْدَرُ عليه، فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، فلذلك نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه الذي ألبسه. قال ابن عيينة: كانت له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يد فأحب أن يكافئه (¬2). النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال: خير أصحابك في الأسارى، إن شاؤوا في القتلى، وإن شاؤوا في الفداء على أن يقتل منهم عامًا قابلًا مثلهم، فقالوا: الفداء ويقتل منا (¬3). وعن عطية القرظي قال: عرضنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي (¬4). النسائي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة أَمَّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: "اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ" عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومَقيس بن صُبَابَةَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1764). (¬2) رواه البخاري (3008). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (8662) والترمذي (1567). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (8621).

وعبد الله بن أبي سرح، فأما عبد الله بن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارًا وكان أشبَّ الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صُبَابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم ها هنا شيئًا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فما ينجني في البر غيره، اللهم لك عليّ عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع بدني في يده فلأجدنه عفوًا غفورًا كريمًا، فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فنظر إليه ثلاثًا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: "مَا كَانَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآني كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيُقْتُلَهُ" قالوا: ما يدرينا ما في نفسك يا رسول الله هَلّا أومأت إلينا بعينك، قال: "إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تكُونَ لَهُ خائِنَةُ أَعْيُنٍ". أخرجه في كتاب المحاربة (¬1). أبو داود، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعَفُّ النَّاسِ قَتَلَةُ أَهْلِ الإِيْمَانِ" (¬2). البخاري، عن عبد الله بن يزيد قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النهبى والمثلة (¬3). النسائي، عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث وقال: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلَانًا، -رجلين من قريش- فَأَحْرقُوهُمَا بِالنَّارِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: "إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتكمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 105 - 106) وأبو داود (2683). (¬2) رواه أبو داود (2666) وابن ماجه (2681 و 2682) وأحمد (1/ 393). (¬3) رواه البخاري (2474 و 5516).

النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللهُ، فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا" (¬1). أبو داود، عن إبراهيم التيمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلب عقبة بن أبي معيط إلى شجرة، فقال: يا رسول الله أنا من بين قريش؟ قال: "نَعَمْ" قال: فمن للصبية؟ قال: "النَّارُ" (¬2). هذا مرسل. أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة (¬3). البخاري، عن أنس أن رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا ائذن لنا فلنترك لابن أخينا عباس فداءه، فقال: "لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دُرْهَمًا" (¬4). وعن أبي جحيفة قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل كان عندكم بشيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهم يعطيه الله عز وجل رجلًا في القرآن، وما هذه الصحيفة؟ قال: العمل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر (¬5). مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر أَمَّرَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة، فورد الماء فقتل من قتل عليه، وسبى وأَنْظُرُ إلى عُنُقٍ من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الْجَبَلِ فرميت بسهم بينهم وبين الْجَبَلِ، فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8613). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (297) وعبد الرزاق (9390). (¬3) رواه أبو داود (2691) وفي إسناده من هو ضعيف. (¬4) رواه البخاري (2537 و 3048 و 4018). (¬5) رواه البخاري (111 و 1870 و 3047 و 3172 و 3179 و 6755 و 6903 و 6915 و 7300).

قَشَع من أَدَمٍ، قال: القشع النِّطْعُ، معها ابنة لها من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمت المدينة وما كشفت لها ثوبًا، فلقيني رسول الله في السوق، فقال: "يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ" فقلت: يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبًا، ثم لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغد في السوق فقال: "يَا سَلَمةُ هَبْ لِي الْمَرْأةَ للهِ أَبُوكَ" فقلت: ها هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبًا، فبعث بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة فغدا بها ناس من المسلمين كانوا أُسروا بمكة (¬1). البخاري، عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال (¬2). مسلم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنّ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ " فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال: فأخذ بلحيته فقال: آنت أبو جهل؟ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه، أو قال: قتله قومه. وفي رواية قال: فلو غير أَكَّارِ قَتَلَنِي (¬3). زاد النسائي في هذا الحديث أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انْطَلِقْ فَأَرِني مَكَانَهُ" قال: فانطلقت معه فأريته إياه، فلما وقف عليه حمد الله ثم قال: "هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1755) وأبو داود (2697). (¬2) رواه البخاري (3065 و 3976). (¬3) رواه مسلم (1800) والبخاري (3961 و 3962 و 3963 و 4020). (¬4) لم يروه النسائي بهذا التمام بل رواه أحمد عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود وعن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة به وقد سقطتا أي هاتان الروايتان في المسند المطبوع وأثبتهما الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 289) وأوردهما الحافظ ابن حجر في المسند المعقلي في أطراف مسند الحنبلي (1/ 181/ 1) =

مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا جَرِيرُ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخُلَّصَةِ" بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال: فنفرت في خمسين ومائة فارس، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب بيده في صدري ثم قال: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا" فانطلق فحرقها بالنار، ثم بعث جرير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يبشره يكنى أبا أرطاة منا، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب، فبارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خيل أخمس ورجالها خمس مرات (¬1). البزار، عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ فَأَبْرِدُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ" (¬2). الترمذي، عن السائب بن يزيد قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام (¬3). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن جابر بن عبد الله وقفل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزاة، فلما قدم صِرَارًا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين (¬4). ¬

_ = وتوجد رواية عند أحمد (3824) وروى النسائي في الكبرى (8670) من طريق أخرى عن أبي إسحاق به من هذا الحديث قوله: قلت: يا رسول الله قتل أبو جهل قال: "الحمد لله الذي صدق وعده وأعز دينه" وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. (¬1) رواه مسلم (2476). (¬2) رواه البزار (1700 زوائد الحافظ) وصححه الحافظ. (¬3) رواه الترمذي (1718). (¬4) هذا وهم من المؤلف رحمه الله فإن مسلمًا لم يروه بهذا اللفظ وهذا اللفظ عند البخاري (3089) وهو عند مسلم (715) بغير هذا اللفظ.

باب

باب البخاري، عن ابن عمر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جُذَيْمَةَ فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد بن الوليد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل واحد منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه، فرفع يديه فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا فَعَلَ خَالِدٌ" مرتين (¬1). النسائي، من عبد الله بن جعفر، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: "إِنْ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَو اسْتشهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرُ أَوِ اسْتشهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ" فلقوا العدو، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، بهم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، فأتى خبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إِنَّ إِخْوَانكُمْ لقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوِ اسْتشهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَر فَقَاتَلَ حتَّى قُتِلَ أَوِ اسْتشهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَو اسْتشهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ" ثم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ" ثم قال: "ادْعُوا لِي بِنَي أَخِي" فجيء بنا كأننا أَفْرُخٌ، فقال: "ادْعُوا لِي الْحَلَّاقَ" فأمره فحلق رؤوسنا، ثم قال: "أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبِ وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي" ثم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4339 و 7189) والنسائي (8/ 237).

أخذ بيدي فأشالها فقال: "اللَّهُمَّ أَخْلِفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِيِنهِ" ثلاثًا (¬1). وعن عقبة أو أبي قتادة في هذا الحديث قال: فوثب جعفر فقال: يا رسول الله ما كنت أذهب أن تستعمل على زيدًا قال: "امْضِ فَإنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيّ ذَلِكَ خَيْرٌ". ذكره علي بن المديني في كتاب العلل. البخاري، عن عروة بن الزبير قال: لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فبلغ ذلك قريشًا، خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبُدَيْل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرَّ الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه لكأنها نيران عرفة، فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند خطم الجمل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تَمُرُّ كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة فقال: يا عباس من هذه؟ فقال: هذه غفار، فقال: ما لي ولغفار، ثم مرت جهينة فقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك، ومرت سليم فقال مثل ذلك، ثم أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الدمار، ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير بن العوام، فلما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: "مَا قَالَ؟ " ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (8604).

قال: كذا وكذا قال: "كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكنَّ هَذَا يَوْمٌ يُعَظَّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمَ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ" قال: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركن رايته بالحجون، قال عروة: فَأَخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركن الراية، قال: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كذا، فقتل من خيل خالد بن الوليد رجلان، حبيش بن الأشعر وكرز بن جابر الفهري (¬1). مسلم عن أبي هريرة قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحُسَّر، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبة قال: فنظر فرآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَبُو هُرَيْرَةَ" قلت: نعم لبيك يا رسول الله، فقال: "لاَ يَأتِيني إِلَّا أَنْصَارِيٌّ" -ومن الرواة من قال- "اهْتِفْ لِي بِالأَنْصَارِ" قال: فأطافوا به ووبشت قريش أوباشها وأتباعها فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، فإن أصيبوا أعطينا الذي سلبنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وأَتْبَاعِهِمْ؟ " ثم قال بيده إحداهما على الأخرى ثم قال حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدًا إلّا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئًا، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيدت حضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ" فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ" قالوا: لبيك يا رسول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4280).

الله، قال: "قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْركَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ" قالوا: قد كان ذلك، قال: "كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتكُمْ" فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله وَرَسُولَهُ يُصْدِقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ" قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينيه ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعوه. وفي أخرى: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِن، وَمَنْ أَلْقى السِّلاَحَ فَهُو آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَا قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِه وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ أَلاَ فَمَا اسْمِي إَذًا -ثلاث مرات- أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولهُ" (¬1). وقال النسائي في هذا الحديث: ولجأت صناديد قريش وعظماؤها إلى الكعبة، يعني دخلوا فيها قال: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طاف بالبيت، فجعل يمر بتلك الأصنام فيطعنها بسية القوس ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} حتى إذا فرغ وصلى جاء فأخذ بَعضَادَتَي الباب ثم قال: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشِ مَا تَقُولُونَ؟ " قالوا: نقول: ابن أخ وابن عم رحيم كريم، ثم أعاد عليهم القول: قالوا مثل ذلك، قال: "فَإِنِّي أَقُولُ كمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} " فخرجوا فبايعوه على الإسلام. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1780) وأبو داود (3024).

ذكر النسائي هذا الحديث في التفسير (¬1). أبو داود، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب، فأسلم بمر الظهران، فقال له العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فلو جعلت له شيئًا، قال: "نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ" (¬2). وعن وهب بن منبه قال: سألت جابرًا هل غنموا يوم الفتح شيئًا؟ قال: لا (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير، وأقر قريظة ومَنَّ عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك، فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأموالهم وأولادهم بين المسلمين، إلا أن بعضهم لحقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآمنهم وأسلموا، وأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود المدينة كلهم بني قينقاع -وهم قوم عبد الله بن سلام- ويهود بني حارثة، وكل يهودي كان بالمدينة (¬4). وعن أبي سعيد الخدري قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد فأتاه على حمار، فلما دنا قريبًا من المسجد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ" ثم قال: "إِنَّ هَؤُلاَءِ نزلُوا علَى حُكْمِكَ" قال: تقتل مَقاتلهم وتَسْبيَ ذريتهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَضَيْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في التفسير (318). (¬2) رواه أبو داود (3021). (¬3) رواه أبو داود (3023). (¬4) رواه مسلم (1766). (¬5) رواه مسلم (1768) والبخاري (3043 و 3804 و 4121 و 6262) وأبو داود (5215 و 5216).

وفي حديث عائشة: نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم إلى سعد بن معاذ، وزاد: وتقسم أموالهم (¬1). أبو داود، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أُبَيٍّ ومن كان معه يعبد الأوثان من الأوس والخزرج ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيٍّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيهم فقال: "لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمْ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسِكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءكُمْ وإِخْوانكُمْ" فلما سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش فكتب كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الْحَلْقَةِ والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خَدَمِ نساءكم شيء وهي الخلاخيل، فلما بلغ كتابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حَبْرًا، حتى نلتقي بمكان الْمَنْصَفِ، فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك، فقص خبرهم، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب فحاصرهم فقال: "إِنَّكُمْ واللهِ لاَ تَأْمَنُونَ عِنْدِي إِلَّا بِعَهْدٍ تُعَاهِدُوني عَلَيْهِ" فأبوا أن يعطوه عهدًا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه، فانصرف عنهم وغدا على بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، فحملت بني النضير، واحتملوا ما أَقَلَّتْ الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، فكل نخل بني النضير لرسول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1769).

الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} يقول: بغير قتال، قال: فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرها للمهاجرين وقسَّمها بينهم، وقسَّم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي في أيْدي بني فاطمة (¬1). مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أربع عشرة مئة وعليها خمسون شاة لا تُرويها، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبِ الركية، فإمَّا دَعَا وإما بَصَقَ فيها، فجاشت فسقنا واستقينا، قال: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعانا للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال: "بَايِعْ يَا سَلَمَةُ" قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، قال: "وَأَيْضًا" قال: ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَزلًا، يعني ليس معه سلاح قال: فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَحَفَةً أو دَرَقَةً، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: "أَلاَ تُبَايِعَنِي يَا سَلَمَةُ؟ " قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وأوسط الناس، قال: "وَأَيْضًا" فبايعته الثالثة ثم قال لي: "يَا سَلَمَةُ أَيْنَ جَحْفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ " قال: قلت: يا رسول الله لقيني عمي عامر عَزلًا فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الأَوَّلُ اللَّهُمَّ أَبْغَنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسي" ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وأَخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت فى أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3004).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سِلاَحَهُمْ واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم، فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضِغثًا في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع أحد منكم رأسه إلَّا ضربت الذي فيه عيناه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وجاء عمي عامر برجل من الْعَبَلاَتِ يقال له مِكْرَز يقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس مُجَفَّفٍ في سَبْعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دَعُوهُمْ يَكْنُ لهم بَدْءُ الفجور وثنَاهُ" فعَفَا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ. . .} الآية كلها، قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلًا بيننا وبين بني لحيان جبل وهم المشركون، فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رَقِيَ هذا الجبل الليلة كأنه طليعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أُنَدِّيه مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستاقه أجمع وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثًا: يا صباحاه، ثم خرجت في أثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فألحق رجل منهم فأصكه سهمًا في رَحْلِهِ حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع، قال: فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم فإذا رجع إليَّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل

فجعلت أُرَديِّهم بالحجارة، قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله عز وجل من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلّا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه ثم أتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردةً وثلاثين رمحًا يستخفون ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى أتوا متضايقًا من ثَنِيَّةٍ، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدرٍ الفزاري فجلسوا يتضحون يعني يتغدون، وجلست على رأس قرن، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا الْبَرْحَ والله ما فارقنا منذ غَلَسٍ يَرْمِينَا حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إليَّ منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني، قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظن قال: فرجعوا فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخْرَمُ الأسدي على أثره أبو قتادة الأنصاري وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي، قال: فأخذت بعنان الأخْرَم، قال: فولَّوا مدبرين، قلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق وأن النار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه، ولحق أبو قتادة فارسُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لتبعتهم أَعْدو على رجلٍ حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئًا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شِعْب فيه ماء يقال له ذو قَرَدٍ ليشربوا منه وهم عِطَاش، قال: فنظروا إليَّ أعْدو وراهم فحليتهم عنه، يعني أجليتهم عنه، فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويخرجون فيشتدون في ثنيَّة، قال: فأعْدو فألحق رجلًا منهم فأصكه

بسهم في نَغْض كتفه، قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع، قال: ما ثكلته أمه أكْوَعُهُ بكرة؟ قال: قلت: نعم يا عدو نفسه أكوعك بكرة، وأردوا فرسين على ثنية قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حَلَّيْتُهُمْ عنه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل وكل شيء استنقذته من المشركين وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من تلك الإبل التي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كبدها وسنامها، قلت: يا رسول الله خَلِّني فأنتخب من القوم مائة رجل، فاتَّبع القوم فلا يبقى منهم مخير إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النهار فقال: "يَا سَلَمَة أتَراكَ كُنْتَ فَاعِلًا؟ " قلت: نعم والذي أكرمك، فقال: "إِنَّهُمْ الآنْ لَيَقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفان" قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورًا، فلما كشفوا جلدهم رأوا غبارًا فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبو قِتَادَة، وخَيْرَ رِجَّالَتِنَا سَلَمَةُ" قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي جميعًا ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، قال: فبينما نحن نسير قال: وكان رجل من الأنصار لا يُسْبَقُ شدًّا، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة، هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك، قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل، قال: "إِنْ شِئْتَ" قلت: أذهب إليك وثنيت رِجْليَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ، قال: فربطت عليه شرفًا قال: أو شرفين، أستبقي نفسي، ثم عدوت في اثره، فربطت عليه شرفًا أو شرفين، قال: ثم إني رفعت حتى ألحقه، قال: فاصكه بين كتفيه، قال: قلت: قد سُبِقْتَ والله، قال: أنا أظن فسبقته إلى المدينة، قال: فوالله ما لبثنا إلا ثلاث

ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم. تا الله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا؟ " قال: أنا عامر، قال: "غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ" قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصه إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا ما متَّعتنا بعامر قال: فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يَخْطِرُ بسيفه يقول: قد علمت خيبر أني مَرْحَبُ ... شاكي السلاح بطل مجرَّب إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبُ قال: وبرز له عمي عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نَفْسِهِ فقطع أكحله فكانت فيها نفسه، قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ ذلِكَ؟ " قلت: ناس من أصحابك، قال: "كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ" ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد، فقال: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ" قال: فأتيت عليًا فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبصق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تَلَهَّب فقال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره قال: فضرب رأس مرحب فقتله، وكان الفتح على يديه (¬1). وعند البخاري في هذا الحديث ولم يذكره بكماله، قلت: يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث إليهم الساعة، فقال: "يَا ابْنَ الأكْوَعِ مَلَكْتَ فَأسْجِحْ" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن عمر قال: حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئًا، فقال: "إنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ" فقال أصحابه: نرجع ولم نفتحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغْدوا عَلى الْقِتال" فغدوا عليه فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا" قال: فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). أبو داود، عن مكحول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصب على أهل الطائف المجانيق. هذا من المراسيل (¬4). وعن أبان بن عبد الله بن أبي حازم عن عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا ثقيفًا، فلما أن سمع ذلك صخر ركب في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1807). (¬2) رواه البخاري (4194). (¬3) رواه مسلم (1778) وفي صحيح مسلم عبد الله بن عمرو، ورواه البخاري (4325 و 6086 و 7480) وأحمد (4588) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الصواب. (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (335).

خيل يمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انصرف ولم يفتح، فجعل صخر يومئذ عهد الله وذمته أن لا يفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكتب إليه صخر: أما بعد فإن ثقيفًا قد نزلت على حكمك يا رسول الله وأني مقبل إليهم وهم في خيل، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة جامعة، فدعا لأَحْمَسَ عشر دعوات: "اللَّهمَّ بَارِكْ لأَحْمَسَ فِي خيْلِهَا وَرِجَالِهَا" وأتاه القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال: يا نبي الله إن صخرًا أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فدعاهم فقال: "يَا صَخْرَ إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا فَقَدْ أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إِلَى الْمُغِيرةَ عَمَّتَهُ" فدفعها إليه، وسال النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ماء كان لبني سليم قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء، فقال: يا نبي الله أنزل فيه أنا وقومي؟ قال: "نَعَمْ" فأنزله وأسلم السلميون، فأتوا صخرًا فسألوه أن يدفع لهم الماء فأبى، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله أسلمنا وأتينا صخرًا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فدعاه فقال: "يَا صَخْرُ إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إِلى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ" قال: نعم يا نبي الله، فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء (¬1). عثمان بن أبي حازم لا أعلم روى عنه إلا أبان بن عبد الله. وعن إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا" (¬2). ورواه أبو داود أيضًا عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص: أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3067). (¬2) رواه أبو داود (3025).

باب قتل كعب بن الأشرف

فاشترطوا أن لا يعشروا ولا يحشروا وَلاَ يُجَبّوْا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ لاَ تُحْشَرُوا وَلاَ تُعْشَرُوا وَلاَ خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ" (¬1). يحشروا معناه الجهاد، ويعشروا معناه الصدقة، أي لا يأخذوا عشر أموالهم، ولا يُجَبّوا أي لا يركعون. ولا يعرف للحسن سماع عن عثمان، والحديث معروف وليس طرقه بقوية. باب قتل كعب بن الأشرف مسلم، عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابرًا يقول: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ أَذَى اللهَ وَرَسُولَهُ" قال محمد بن سلمة: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: "نَعَمْ" قال: ائذن لي فَلأَقُلْ، قال: "قُلْ" فأتاه، فقال له وذكر ما بينهما وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عَنَّانَا، فلما سمعه قال: وأيضًا والله لتَمَلّنَّهُ، قال: إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره وقد أردت أن تسلفني سلفًا، قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد؟ قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنَرْهَنُكَ نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم، قال: يُسَبُّ ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك الَّلأْمَةَ يعني السلاح، قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال: فجاؤوا فدعوه ليلًا فنزل إليهم قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم، قال محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة: إن الكريم لو دعي إلى طعمة ليلًا لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3026).

باب ما جاء في فداء المشركين

فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب، قال: نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذِن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فَشُمَّ فتناول فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه قال: دونكم، قال: فقتلوه (¬1). باب ما جاء في فداء المشركين الترمذي، عن ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعهم (¬2). قال: هذا حديث حسن. ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس أيضًا. قال: أصيب يوم الخندق رجل من المشركين، فطلبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجنوه قال: "لاَ وَلاَ كَرَامَةَ لَكُمْ" قالوا: فإنا نجعل لك جعلًا على ذلك، قال: "ذَلِكَ أَخْبَثُ وَأَخْبَثُ" (¬3). إسناده منقطع وضعيف، وكذلك إسناد الترمذي. النسائي، عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأس الأسود العبسي الكذاب (¬4). فقال: إن الخبر بقتل الأسود جاء أثر موت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو داود في المراسيل عن أبي نضرة قال: لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عدوًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1801) والبخاري (4037). (¬2) رواه الترمذي (1715). (¬3) وعن ابن أبي شيبة رواه أحمد وابنه في المسند (2319). (¬4) رواه النسائي في السنن الكبرى (8672).

باب في الغنائم وقسمتها

فقال: "مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ عَلَى اللهِ مَا تَمَنَّى. . . . . ." وذكر الحديث (¬1). قال أبو داود في هذا أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح منها شيء. باب في الغنائم وقسمتها مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فُضِّلْتُ عَلى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، أَعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنْصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسجدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلى الْخَلْقِ كَافَّة، وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ" (¬2). وعن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يده، فجعل يهتف بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تَعْبَد فِي الأَرْضِ" فما زال يهتف بربه مادًّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من وراءه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأمده الله عز وجل بالملائكة، قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربه بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حَيْزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فأخضَرَّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (296) وابن أبي شيبة (2/ 514) والبيهقي في السنن (9/ 133). (¬2) رواه مسلم (523).

ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّاَلِثَةِ" فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين، قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأَسْرَى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أَرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى أبو بكر، ولكن أرى إن تمكنَّا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبًا لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْكِي لِلَّذي عَرَضَ عَلَي أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهُم الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ" شجرة قريبة من نَبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} فأحل الله الغنيمة لهم (¬1). وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُريدُ أَنْ يَبنيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ، وَلاَ أَحَدٌ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمْ يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلاَ آخَرُ قَد اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ ولاَدَهَا، قال: فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَة حينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيَهِ، قال: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأقبَلَت النَّارُ لِتَأْكُلَهُ، فَأبَتْ أَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1763).

تَطْعَمَهُ فقال: فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلَةِ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ، فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلِ بِيَدِهِ فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ فَلْتبايعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ، فَلَصِقتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ فَقَالَ: فِيكُمْ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ، فَأخرَجُوا لَهُ مَثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قال: فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الْغنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ رَأَى ضَعْفنَا وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا" (¬1). وعنه قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد له وهبه له رجل من جُذَام يدعى رفاعة بن زيد من بني الصُّبَيْبِ، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنَ الْغنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ" قال: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال: يا رسول الله أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ" (¬2). اسم الغلام مِدعم (¬3). وعنه قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فذكر الغلول فعظَّمه وعظَّم أمره ثم قال: "لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْني، فَأقولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتكَ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأقولُ: لاَ أَمْلِكُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1747) والبخاري (3124 و 5157). (¬2) رواه مسلم (115) والبخاري (234، و 6707). (¬3) سمي بهذا الاسم في رواية البخاري ومالك.

لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتكَ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلى رقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهَ أَغِثْني، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبلَغتُكَ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفُقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغتكَ، لاَ أُلْفِيَن أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَتقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثتِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ" (¬1). أبو داود، عن سليمان بن سمرة بن جندب عن سمرة، أما بعد: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كَتَمَ غَالًّا فَإِنَّه مِثْلُهُ" (¬2). وعن رويفع بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَرْكَبْ دَابَّة مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا" وفيه: "وَمِنْ كَانَ يُومِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ فَلاَ يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ" (¬3). وعن صالح بن محمد بن زائدة عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضرِبُوهُ" (¬4). هذا الحديث يدور على صالح بن محمد وهو منكر الحديث ضعيف لا يحتج به ضعفه البخاري وغيره. وفي بعض ألفاظه: "فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ وَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ" ذكره أبو عمر بن عبد البر (¬5). وذكر أبو داود أيضًا من حديث زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1831) والبخاري (3073). (¬2) رواه أبو داود (2716) وفيه مجاهيل. (¬3) رواه أبو داود (2708). (¬4) رواه أبو داود (2713) والترمذي (1461). (¬5) التمهيد (2/ 22).

أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر حَرَّقوا متاع الغال وضربوه (¬1). وزهير بن محمد ضعيف. قال أبو داود: وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد بن مسلم ولم أسمعه منه، ومنعوه سهمه. وعن أبي حازم قال: أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بنطع من الغنيمة، فقيل يا رسول الله هذا لك تستظل به من الشمس قال: "تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتَظِلَّ نَبِيُّكُمْ بِنطْعٍ مِنَ النَّارِ" (¬2). وهذا مرسل. وذكر أبو داود في المراسيل أيضًا عن أبي جعفر الرازي عن ربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتِي بِالْغَنِيمَةِ قَسَّمَها عَلى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، ثم يقبض بيده قبضة من الخمس أَجمع ثم يقول: "هَذَا لِلْكَعْبَةِ" ثم يقول: "لاَ تَجْعَلُوا للهِ نَصِيبًا، فَإِنَّ للهِ الآخِرَةَ والأولَى" ثم يأخذ سهمًا لنفسه وسهمًا لذي القربى، وسهمًا لليتامى، وسهمًا للمساكين، وسهمًا لابن السبيل (¬3). البخاري، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا (¬4). أبو داود، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له ولفرسه سهمين (¬5). وقد روي عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم للفارس سهمين وللراجل سهمًا. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2715). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (295). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (374). (¬4) رواه البخاري (2863 و 4228). (¬5) رواه أبو داود (2733).

ذكره أبو بكر بن أبي شيبة وغيره (¬1). والصحيح في هذا ما ذكره البخاري وأبو داود عن ابن عمر، وقد بين الدارقطني هذا الاختلاف وذكر الصحيح في الحديث والله [أعلم] (¬2). وذكر أبو داود أيضًا في المراسيل عن أبي بشر عن مكحول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَجَّنَ الهجين يوم خيبر، وعَرَّبَ العربي للعربي سهمان، وللهجين سهم (¬3). وروي موصولًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . . . . والمرسل هو الصحيح. وفيها، عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل من أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة، فأصابوا الغنيمة، فقسم للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهمًا، وللدارع سهمين (¬4). مسلم، عن أبي موسى الأشعري، وذكر هجرته وقدومه مع جعفر من أرض الحبشة قال: فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم. وذكر في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكم أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ" (¬5). البخاري، عن ابن عمر وذكر تغيب عثمان بن عفان عن بدر قال: كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة، وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) ومن طريقهم رواه الدارقطني (4/ 106). (¬2) انظر السنن (4/ 101 - 111) للدارقطني. (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (287). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (290). (¬5) رواه مسلم (2502). (¬6) رواه البخاري (3130 و 3698 و 4066).

أبو داود، عن ابن جريج، أخبرني أبو عثمان بن يزيد قال: لم يزل يُعْمَلُ به ويرفعونه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا وُلِدَ لَهُ الْوَلَدُ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ [وَأَرْضِ الصُّلْحِ حتى يَكُونَ بِأَرْضِ العَدُوِّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوّلُ مَا دَخَلَهَا، فَإِنَّ لِذَلِكَ المَولُودُ سَهْمًا مَعَ المُسْلِمِينَ] " قال: وسموا للرجل الذي قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولده أن الرجل إذا مات بعدما دخل أرض العدو وخرج من أرض المسلمين وأرض الصلح فإن سهمه لأهله (¬1). هذا مرسل. قالوا: قال أبو داود: يعني إذا كان معه أمه، والماخوذ به أن لا يغزى إلا بمحتلم. أبو داود، عن حيوة بن شريح عن ابن شهاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم ليهود كانوا غزوا معه مثل سهام المسلمين (¬2). وهذا من المراسيل أيضًا. مسلم، عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس أنه كتب إلى نجدة بن عامر الحروري: كتبت تسألني: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن، قيداوين الجرحى، وَيُحْذَيْنَ الغنيمة، وأما بسهم فلم يضرب لهن، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني متى ينقضي يُتْمُ اليتيم؟ فلعمري لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ به لنفسه ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم، وكتبت تسألني عن الخمس هو لمن؟ وإنا كنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذاك. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (278) وعبد الرزاق (9326 و 9327) وأبو عثمان مجهول. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (282) وابن أبي شيبة (12/ 395) وعبد الرزاق (9328).

وفى أخرى: وسألت عن المرأة والعبد، هل كان لهما سهم معلوم، بمثل ما قال في المرأة (¬1). الترمذي، عن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلموه إني مملوك، فأمرني فقلدت السيف فإذا أنا أجُرُّهُ، فأمر لي بشيء من خُرْثِيَّ الْمَتَاعِ (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر النسائي عن رافع بن سلمة عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه، [أنها] خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة خيبر وأنا سادسة ست نسوة، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معه نساءً، فأرسل إلينا فأتيناه، فرأينا في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغضب فقال لنا: "مَا أَخْرَجَكُنَّ وَبِأَمْرِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ " قلنا: خرجنا يا رسول الله معك نناول السهام ونسقي السويق ونداوي الجرحى، ونغزل الشعر نعين به في سبيل الله، قال: "قُمْنَ فَانْصَرفْنَ" قالت: فلما فَتَح الله لرسوله خيبر أَسْهَمَ لنا كما أسهم للرجل [كسهام الرجال]، فقلت لها: يا جدة وما الذي أسهم لكن؟ قالت: التمر (¬3). حشرج لا أعلم روى عنه إلا رافع بن سلمة بن زياد. ومن طريقه خرجه أبو داود (¬4). وأيضًا فقد صح أنه عليه السلام أسهم للرجال من غير التمر يوم خيبر. وصح أيضًا غزو النساء يوم خيبر وعلمه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقد تقدم ذلك لمسلم، وحنين كانت بعد خيبر. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1812). (¬2) رواه الترمذي (1557) وأبو داود (2730) وابن ماجه (2855) وأحمد (5/ 223) والحاكم (2/ 131). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (8879). (¬4) رواه أبو داود (2729).

وذكر أبو داود في المراسيل عن سعيد بن أبي هلال أن ابن شبل حدثه أن سهلة بنت عاصم ولدت يوم خيبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَاهَلَتْ" ثم ضرب لنا بسهم، فقال رجل من القوم: أعطيت سهلة مثل سهمي (¬1). ومن طريق وكيع عن خالد بن معدان: أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثله (¬2). وهذا أيضًا مرسل. وذكر حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال: قلت: يا رسول الله هل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: "لَا حَتَّى السَّهْمَ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ خُمْسِهِ وَلَيْسَ أَحَقّ بِهِ مِنْ أَخِيهِ" (¬3). ذكر هذا الحديث والحديثين اللذين قبله علي بن أحمد وقال: لا يدرى هذا الرجل القيني ومن هو، كذا قال في القيني، وعبد الله بن شقيق أدرك أبا هريرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم. مسلم، عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جِرابًا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُتبَسِّمًا (¬4). البخاري، عن ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (280). (¬2) الذي رواه أبو داود في المراسيل من طريق وكيع عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن خالد بن معدان قال: أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعربي سهمين وللهجين سهمًا. (286) وليس هذا هو المقصود، بل المقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم للنساء بخيبر سهمًا سهمًا. وهذا رواه أبو داود في المراسيل (279) عن مكحول. ثم رأيت الحديث في المحلى (5/ 398) من طريق وكيع به بلفظ أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء وللصبيان وللخيل. (¬3) المحلى (5/ 404). (¬4) رواه مسلم (1772). (¬5) رواه البخاري (3154).

أبو داود، عن محمد بن أبي مجالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قلت: هل كنتم تخمسون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أصبنا طعامًا يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف (¬1). وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه، حتى إذا رجعنا إلى رحالنا وأَخْرِجَتنا منه مملأة (¬2). وذكر الدارقطني في كتاب العلل عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم حنين: "عَشَرةُ أَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ في مَغَازِيهِمْ الْعَسَلُ وَالزَّيْتُ وَالْخَلُّ وَالْمِلْحُ وَالسرابُ والحجرُ وَالْعُودُ مَا لَمْ يُنْحَتْ وَالْجِلْدُ الطَّرِيُّ وَالطَّعَامُ الَّذِي لَمْ يُخْرَجْ بِهِ" (¬3). قال: يرويه أبو سلمة العاملي واسمه الحكم بن عبد الله بن خطاف عن الزهري عن عروة عن عائشة (¬4). مسلم، عن رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة من تِهَامَةَ فأصبنا غنمًا وإبلًا، فَعَجل القوم فأغْلَوْا بها القدور، فأمر بها فَكُفِئَتْ ثم عَدَلَ عشرًا من الغنم بجزور (¬5). أبو داود، عن معاذ بن جبل قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فأصبنا فيها غنمًا، فقسم فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طائفة وجعل بقيتها في المغنم (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2704). (¬2) رواه أبو داود (2706). (¬3) رواه الطبراني في الأوسط (ص 34، مجمع البحرين) وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 100/ 2). (¬4) قال أبو حاتم: أبو سلمة كذاب متروك الحديث، والحديث الذي رواه باطل كما في العلل (9/ 384) وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. (¬5) رواه مسلم (1968). (¬6) رواه أبو داود (2707).

يرويه شيخ من الأردن يقال له أبو عبد العزيز. أبو داود، نا هناد بن السري نا أبو الأحوص عن عاصم يعني ابن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأصاب الناس حاجةٌ شديدةٌ وجهدًا، وأصابوا غنمًا فانتهبوها، وإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي على قدميه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم عجل يُرَمِلُ اللحم بالتراب ثم قال: "إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ" أو: "إِنَّ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُهْبَةِ" (¬1). الشك من هناد. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتمُوهَا أَوْ أَقَمْتَمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا للهِ وَلِرَسُولهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ" (¬2). البخاري، عن أسلم مولى عمر قال: قال عمر: لولا آخِرُ المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر (¬3). زاد النسائي: سهمانًا (¬4). أبو داود، عن بُشَيْر بن يسار مولى الأنصاري عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2705). (¬2) رواه مسلم (1576) وأبو داود (3036). (¬3) رواه البخاري (2334 و 3125 و 4235 و 4236) وأبو داود (3020). (¬4) لم أره عند النسائي من حديث عمر ولا ذكر الحافظ المزي أن النسائي رواه من حديثه وانظر التعليق (290 و 291) فإن لفظ السهمان موجود في ذلك الحديث. (¬5) رواه أبو داود (3012).

وعن بشير بن يسار أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين سهمًا، جَمْعُ فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهمًا، يجمع كل سهم مائة النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم، له سهم كسهم أحدهم، وعزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهمًا وهو الشطر لنوائبه، وما ينزل به من أمر المسلمين فكان ذلك الكتيبة والوطيح والسلالم وتوابعها، فلما صارت الأموال بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود فعاملهم (¬1). وهذا مرسل وكذلك الذي قبله. وذكره أبو داود عن مجمع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن، قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا (¬2). قال أبو داود: هذا وهم كانوا مائتي فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى صاحبه سهمًا. وقال في موضع آخر: الصحيح أنهم كانوا مائتي فارس. وعن ابن عمر قال: لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم يعملون على النصف مما خرج منها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" فكانوا على ذلك وكان الثمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ويأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق تمر وعشرين وسق شعير. . . . . . وذكر الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3013 و 3014) والأول هو الحديث الذي قبله. (¬2) رواه أبو داود (2736 و 3015). (¬3) رواه أبو داود (3008).

وقد ذكره مسلم إلا الخمس في موضعين، وقسمته التمر على السهمان فإنه لم يذكره (¬1). وعن الزهري وعبد الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقية من أهل خيبر فتحصنوا، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحقن دماءهم ويُسَيِّرَهُمْ، ففعل، فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، فكانت فدك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (¬2). وعن ابن شهاب قال: خمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية (¬3). وعن عمر قال: كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك، فأما بنو النضير فإنها كانت حبسًا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء، جُزْأيْنِ بين المسلمين وجزءًا نفقة لأهله، فما فضل من نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين (¬4). مسلم، عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، إذ نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمر هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلتُ: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي، قال: أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: فغمزني الآخر فقال مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس، فقلت: ألا تريان ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1551). (¬2) رواه أبو داود (3016). (¬3) رواه أبو داود (3019). (¬4) رواه أبو داود (2967).

هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه فقال: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ " فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هَلْ مَسَحْتُمَا سيْفَيْكُمَا؟ " قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: "كِلاَكُمَا قَتَلَهُ" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء (¬1). وعن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلًا من العدو، فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليًا عليهم، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ " قال: استكثرته يا رسول الله، قال: "ادْفَعْهُ إِلَيْهِ" فَمَرَّ خالد بعوف فَجَرَّ بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستُغْضِبَ فقال: "لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِد، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي، إِنَّمَا مَثلُكُمْ وَمَثلَهُمْ كَمَثلِ رُجِلٍ اسْتَرْعى إبِلًا أَوْ غنَمًا، فَرَعَاهَا ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَورَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدِرَهُ، فَصَفْوَهُ لَكُمْ وَكَدِرُهُ عَلَيْهِمْ" (¬2). وفي رواية أخرى قال عوف: فقلت: يا خَالد أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب للقاتل قال: بلى ولكني استكثرته. أبو داود، عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السلب للقاتل، ولم يخمس الخمس من السلب. مسلم، عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طَلَقًا من حَقَيهِ فقيد به الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضَعْفَةُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1752). (¬2) رواه مسلم (1753).

وَرِقَّةٌ في الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد، فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فأتبعه رجل على ناقة له ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل، فندر ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقال: "مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ " فقالوا: ابن الأكوع قال: "لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ" (¬1). وعن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فاشتددت إليه حتى أتيته من ورائه حتى ضربته على حَبْل عاتقه، وأقبل عليَّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَنْ قَتلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ" قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال مثل ذلك، قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم قال مثل ذلك الثالثة، فقمت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةُ؟ " فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي، فارضه من حقه، فقال أبو بكر الصديق لاها الله، إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ" فأعطاني إياه، فبعت الدرع فابتعت به مَخْرَفًا في بني سلمَةَ، فإنه لأول مال تَأَثّلته في الإسلام (¬2). أبو داود، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، يعني يوم حنين: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1754). (¬2) رواه مسلم (1751).

"مَنْ قَتلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلبُهُ" فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلًا وأخذ أسلابهم (¬1). وذكر أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب أن المغيرة بن شعبة نزل هو وأصحاب له بأيلة فشربوا خمرًا حتى سكروا، وناموا وهم كفار وقبل أن يسلم المغيرة بن شعبة فقام إليهم أعليهم، المغيرة فذبحهم، ثم أخذ ما كان لهم من شيء فسار به حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم المغيرة ودفع المال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نُخَمِّسُ مَالًا أُخِذَ غَصْبًا" فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال في يد المغيرة (¬2). ذكر هذا الحديث البخاري مجملًا وقال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا الإِسْلاَمُ فَأَقْبَلَ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ" ولم يذكر تركه في يد المغيرة (¬3). وقال أبو داود في كتابه: "أَمَّا الإسْلاَمُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وَأمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ". ولم يذكر أيضًا تركه في يد المغيرة، ذكر الحديث في الجهاد (¬4). وعن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا، ونفل أهل السرية بعيرًا بعيرًا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر (¬5). زاد في أخرى: بعد الخمس (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2718). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (341) وعنده "ما أخذ غصبًا". (¬3) رواه البخاري (2731 - 2732) من حديث المسور بن مخرمة ومروان. (¬4) رواه أبو داود (2765) من حديث مروان. (¬5) رواه أبو داود (2741). (¬6) رواه أبو داود (2743).

وفي أخرى: فلم يعيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر أن أمير السرية نفلهم (¬1). مسلم، عن ابن عمر قال: بعث رسول الله سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلًا وغنمًا، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا، ونفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بعيرًا (¬2). زاد في أخرى: من الخمس (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُنَفِّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة، سوى قَسْم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب (¬4). أبو داود، عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل (¬5). وعن أبي الجويرية الجرمي قال: أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني سُلَيْمٍ يقال له معن بن يزيد، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين، فأعطاني منها مثل ما أعطى رجلًا منهم ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ" لأعطيتك، ثم أخذ يعرض عليَّ من نصيبه فأبيت (¬6). وعن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم. فما بال ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2745 و 2746). (¬2) رواه مسلم (1749). (¬3) رواه مسلم (1750). (¬4) رواه مسلم (1750). (¬5) رواه أبو داود (2749). (¬6) رواه أبو داود (2753 و 2754).

إخواننا بنو عبد المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لاَ نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ فِي إِسْلَامٍ، وَإنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ". وشبك بين أصابعه (¬1). زاد البخاري، قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم (¬2). وذكر ابن إسحاق قال: نا الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم خمس الخمس من القمح والتمر والنوى، يعني بني المطلب وبني هاشم. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: ولأنَّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس الخمس، فوضحته مواضعه. حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر وحياة عمر، فأوتي بمال فدعاني فقال: خذه فقلت: لا أريده، قال: خذه فأنتم أحق به قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال (¬3). وذكر ابن أبي خيثمة عن عبد الله بن بريدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليًا إلى خالد ليقسم بينهم الخمس، فاصطفى علي منها سبية، فأصبح يقطر رأسه فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما صنع هذا الرجل؟ قال بريدة: وكنت أبغض عليًا، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبرته قال: "أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ " قلت: نعم، قال: "فَأَحِبَّهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَة منْ ذَلِكَ" (¬4). خرجه البخاري، وهذا أبين وإسناده صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2980). (¬2) رواه البخاري (3140) معلقًا هكذا. (¬3) رواه أبو داود (2983) وفي إسناده أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي وفيه كلام. (¬4) كذا هو في النسختين ليس فيه عن أبيه. (¬5) رواه البخاري (4350) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه.

أبو داود، عن عمرو بن عبسة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير قال: "وَلاَ يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ" (¬1). البخاري، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الْحَديث إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدى الطَّائِفَتينِ إِمَّا السَّبْيُ وَإِمَّا الْمَالُ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأنَيْتُ بِكُمْ" وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتظر آخرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ رادٍّ لهمِ إلا إحدى الطائفتين قالوا: فإنا نختار سبينا، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إخْوَانكُمْ هَؤُلاَء قَدْ جَاؤُونَا تَائِبينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنكمْ أَنْ يطيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنكمْ أَنْ يَكُونَ عَلى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ" فقال الناس: قد طَيَّبْنَا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ" فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا (¬2). وذكر أبو داود من حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذه القصة قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رُدُّوا عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2755). (¬2) رواه البخاري (2307 و 2308 و 2539 و 2540 و 2583 و 2584 و 2607 و 2608 و 3131 و 3132 و 4318 و 4319 و 7176 و 7177).

فَمَنْ تَمَسَّكَ بشَيءٍ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَإِنَّ لَهُ عَلَيْنَا سِتة فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُفِيئُهُ اللهُ عَلَيْنَا" (¬1). مسلم، عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا وأنا جالس فيهم، فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم رجلًا لم يعطه وهو أعجبهم إليّ، فقمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا، قال: "أَوْ مُسْلِمًا" فسكت قليلًا ثم غلبني ما أعلم منه، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا، قال: "أَوَ مُسْلِمًا" فسكت قليلًا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا، قال: "أَوَ مُسْلِمًا" قال: "إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ" (¬2). وعن أنس بن مالك أن ناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي رجالًا من قريش المئة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس بن مالك: فحدثت بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ" فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأُعْطِي رِجَالًا حَدِيثي عَهْدٍ بكُفْر أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ، فَوَاللهِ لَمَا تنَقَلِبُونَ بِهِ خَيْرًا مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ" قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا، قال: "فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أثَرَةً ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2694). (¬2) رواه مسلم (150).

شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ" قالوا: سنصبر يا رسول الله (¬1). وفي بعض طرق هذا الحديث عن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذ جمعهم: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجدُكُم ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةَ فَأغنَاكُمُ اللهُ بِي، وَمُتفرِّقينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي" ويقولون: الله ورسولَه آمن، فقال: "أَلاَ تُجِيبُوني؟ " فقالوا: الله ورسوله آمن، فقال: "أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا لأشياءِ عددها، زعم عمرو بن يحيى أن لا يحفظها فقال: "أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاءِ وَالإِبْلِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لِكُنْتُ امْرأً مِنَ الأَنْصَارِ" (¬2). وفي طريق آخر: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ" (¬3). وعن أبي سعيد الخدري في هذا الحديث قال: "أَلاَ تُجِيبُوني يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟ " قالوا: وبماذا نجيب يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل، فقال: "أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ وَلَصَدَقْتُمْ، أتَيْتنا مُكَذَّبًا فَصَدَّقناكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فنَصَرْنَاكَ، وَعائِلًا فَاسَيْنَاكَ" وقال في آخر الحديث: فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا يا رسول الله قسمًا وحظًا. ذكر هذا الحديث ابن إسحاق وسفيان بن عيينة وغيرهما، وهي الأشياء التي لم يذكر مسلم بن الحجاج والله أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1059). (¬2) رواه مسلم (1061). (¬3) رواه مسلم (1059) من حديث أنس. (¬4) رواه أحمد (3/ 57 و 76 - 77) من حديث أبي سعيد، ورواه أحمد (105 و 253) من حديث أنس.

البخاري، عن عمرو بن تغلب قال: أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - قومًا ومنع قومًا آخرين وكأنهم عتبوا عليه فقال: "إِنِّي أُعْطي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ قَوْمًا إِلى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنى وَالْخَيْرِ" منهم عمرو بن تغلب، قال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم (¬1). أبو داود، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: كنا بالمِرْبَدِ فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم حمراء فقلنا: كأنك من أهل البادية؟ فقال: أجل، قلنا. ناولنا هذه القطعة الأدَم التي في يدك، فناولناها فقرأ ما فيها، فإذا فيها: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِلى بَنِي زَهْرِ بْن أُقَيْشٍ، إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلِه إِلَّا اللهُ وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَأَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَذَيْتُمُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ [وسَهم] الصَّفِيِّ أَنْتُمْ آمِنُونَ بِاللهِ بِأَمَانِ اللهِ وَرَسُولهِ" فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). هذا الرجل هو النمر بن تولب، كان جوادًا كريمًا فصيحًا شاعرًا. وعن عائشة قالت: كانت صفية من الصفيِّ (¬3). وعن قتادة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم، وكان إذا لم يعز بنفسه ضرب له سهم ولم يخيَّر (¬4). وعن ابن عون قال: سألت محمدًا يعني ابن سيرين عن سهم رسول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (923 و 3145 و 7535) ولفظ المصنف هو الثاني. (¬2) رواه أبو داود (2999) وليس عنده بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (¬3) رواه أبو داود (2994). (¬4) رواه أبو داود (2993).

الله - صلى الله عليه وسلم - والصفيِّ، قال: كان يضرب له بسهم مع المسلمين وإن لم يشهد، والصفيّ يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء (¬1). محمد بن سيرين وقتادة تابعان جليلان. قال أبو عمر: سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار معروف عند أهل العلم، ولا تخالف أهل السير في أن صفية من الصفي، وأجمع العلماء أن سهم الصفي ليس لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. أبو داود، عن ابن عمر قال: ذهب فرس لنا فأخذها العدو وظهر عليهم المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبق عبد له فلحق بأرض الروم فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَهُ" (¬3). هذا يرويه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر كما تقدم، وإسحاق متروك. وكذا رواه رشدين عن يونس عن الزهري، ورشدين كذلك متروك أو شبه المتروك (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل جمن تميم بن طرفة قال: وجد رجل مع رجل ناقة له، فارتفعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقام البينة أنها ناقته، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ شِئْتَ فَخُذْهَا بِمَا اشْتَرَاهَا" (¬5). هذا مرسل. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2992). (¬2) رواه أبو داود (2699). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 113). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 114). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (339).

وقد أسند من حديث ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة. وياسين ضعيف عندهم (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس أن رجلًا وجد بعيرًا له في المغنم، وقد كان المشركون أصابوه قبل ذلك، فسأل عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَكَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُسِمَ أَخَذْتَهُ بِالثَّمَنِ إِنْ شِئْتَ" (¬2). قال أبو أحمد: هذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة. وقد روي عن مسعر عن عبد الملك. قال يحيى بن سعيد: سألت مسعرًا عنه فقال: هو من حديث عبد الملك، ولكن لا أحفظه، قال يحيى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر علمي، والحسن بن عمارة متروك. وقد روي من حديث سلمة بن علي وإسماعيل بن عياش وهما ضعيفان. أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بظبية فيها خرز، فقسمها للحرة والأمة، قالت عائشة: كان أبي يقسم للحر والعبد (¬3). في إسناده القاسم بن عباس وكان لا بأس به. البخاري، عن المسور بن مخرمة قال: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبية، فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئًا، فقام أبي على الباب فتكلم، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه قباء وهو يريه محاسنه ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير (1834). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 291). (¬3) رواه أبو داود (2952).

وهو يقول: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ" (¬1). زاد في طريق أخرى: وكان في حلقه شيء (¬2). أبو داود، عن عوف بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى الأعزب حظًا، فدعينا وكنت أدعى قبل عمار، فدعيت فأعطاني حظين، وكان لي أهل ثم دُعي بعد عمار بن ياسر فأُعطي حظًا واحدًا (¬3). أبو داود، عن عمرو بن حريث قال: خطّ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دارًا بالمدينة بقوس وقال: "إِن أَزْبِدُكَ أَزْبدُك" (¬4). وعن وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضًا بحضرموت (¬5). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير حُضْرَ فرسه، فأجرى فرسه حتى قام ثم رمى بسوطه، فقال: "أَعْطُوهُ مَنْ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطَ" (¬6). وعن عمرو بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها، وحيث يصلح للزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّة جَلْسِيِّهَا وَغَوْرِيِّهَا، وَحَيْثُ يَصْلُحُ لِلزَّرع مِنْ قُدْسَ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَق مُسْلِمٍ" (¬7). وعن ابن عباس مثله (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2599 و 2657 و 2952 و 2800 و 5864 و 6132). (¬2) رواه البخاري (3127). (¬3) رواه أبو داود (2953). (¬4) رواه أبو داود (3060). (¬5) رواه أبو داود (3058). (¬6) رواه أبو داود (3072). (¬7) رواه أبو داود (3062). (¬8) رواه أبو داود بعد الحديث (3063).

قال الحنيني وهو إسحاق بن إبراهيم قرأته غير مرة، يعني هذا الكتاب، زاد فيه: ذات النصب، وكتب أبي بن كعب (¬1). قال أبو عمر: هذا حديث منقطع لا تقوم به حجة. وخرج أبو داود أيضًا عن سمي بن قيس عن شمير بن عبد عن أبيض بن حمال، أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه الملح الذي بمأربَ، فقطعه له، فلما أن ولّى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العِدَّ قال: فانتزع منه، قال: وسأله عما يحيي من الأراك، قالَ: "مَا لَمْ تنَلْهُ خِفَافُ الإِبِلِ" يعني أن الإبل تأكل منتهى رؤوسها ويُحمى ما فوقه (¬2). وأخرج أبو داود أيضًا عن جامع بن شداد عن كلثوم وهو ابن عامر الخزاعي عن زينب أنها كانت تفلي رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات، وهن يشتكين منازلهن أنها تضيق عليق ويُخْرَجْنَ منها، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تورث دور المهاجرين النساء، فمات عبد الله بن مسعود، فورثت امرأته داره بالمدينة (¬3). كلثوم هذا روى عنه مهاجر أبو الحسن وجامع بن شداد. وخرج أبو داود أيضًا عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا لزم غريمًا له بعشرة دنانير قال: والله ما أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، قال: فتحمل بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ؟ " قال: من معدن، قال: "لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ" فقضاها عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3063). (¬2) رواه أبو داود (364 و 365). (¬3) رواه أبو داود (3080) وفي النسختين جامع بن راشد وهو خطأ. (¬4) رواه أبو داود (3328).

إسناد هذا الحديث لا تقوم به حجة (¬1). أبو داود، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجزْيَتِهَا فَقَدْ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ، وَمَنْ نزعَ صَغَارَ كَافِرِ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ في عُنُقِهِ فَقَدْ وَلَّى الإِسْلاَمَ ظَهْرَهُ" (¬2). إسناده ضعيف جدًا فيه بقية بن الوليد وغيره. أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَالْقَسَامَةَ، القَسَامَةُ الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الفِئَامِ مِنَ النَّاس فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا" (¬3). ¬

_ (¬1) قال الشيخ الألباني رجاله رجال الصحيح وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول (7/ 61 و 10/ 594). (¬2) رواه أبو داود (3082). (¬3) رواه أبو داود (2783 و 2784).

9 - كتاب الصلح والجزية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد نبيه الكريم، وعلى آله وسلم تسليمًا كتاب الصلح والجزية البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ بِالْغَمِيمِ في خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ" فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية التي يُهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ، فَأَلحَّتْ، فقالوا: خلأت القصواء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاء وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حابِسُ الْفِيلِ" ثم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلْونَنِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إلَّا أَعْطَيْتُهُمُ إِيَّاهَا" ثُمَّ زجرها فوثَبت قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يُلَبِّثهُ الناس حتى نزحوه، وشُكِيَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرِّيِّ حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكان عَيْبَةَ نُصْح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تِهَامَةَ، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَر إِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتَّى أتى قريشًا قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته، يقول: قال سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود: فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلَّحُوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: إلى قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطبة رشد، اقبلوها، ودعوني آتيه، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فوالله إنى لأرى وجوها واني لأرى أشوابًا من الناس خليقًا أن يفروا عنك ويدعوك، فقال له أبو بكر الصديق: أمصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ فقالوا: أبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أَجِزْكَ بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما تكلم كلمة أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب يده بنعل السيف وقال: أَخِّر يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر ألستُ أسعى في غَدْرتَكَ؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال

النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا الإِسْلَام فَأقْبَلُ وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهْ في شَيْءٍ" ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضُوئِهِ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يَحِدُّون النظر إليه تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم. والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يُعظم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها جلده ووجهه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضُوئهِ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيمًا له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني ائته، قالوا: ائته، فلما أشرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ" فَبُعِثَتْ له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مِكْرَزٌ بْنُ حفص فقال: دعوني آتيه فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا مِكْرَزٌ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ" فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، قال عكرمة مولى ابن عباس: لما جاء سهيل قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ" رجع إلى الحديث قال: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُب بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ" ثم قال: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" فقال سهيل: لو كنا

نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ" قال: وذلك لقوله: "وَلا يْسأَلُنَنِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتَهُمْ إِيَّاهَا"، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أُخِذنا ضُغْطَةً، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك وإلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا، فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يوسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتَّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده عليّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ" قال: فوالله إذن لا أصالحك أبدًا على شيء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - و: "فَأَجَزْهُ لِي" قال: ما أنا بمجيز ذلك لك، قال: بلى فافعل قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت، قال: وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله، قال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ألست نبي الله حقًا؟ قال: "بَلى" قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بَلى" قلت: فَلِمَ نُعْطِي الدنية في ديننا إِذًا؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصر لي، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بَلى" قال: فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه وتُطوف به، قال: فأاتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال فَلِمَ نُعطى الدنية في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق، قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، قال: فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه وتطوف به، قال

عمر: فعملت لذلك أعمالًا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل حتَّى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تُكلم أحدًا منهم كلمة حتَّى تنحر هديك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتَّى فعل ذلك نَحَر بُدْنَهُ ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل يحلق بعضهم بعضا حتَّى كاد بعضهم يقتل بعضًا غَمًّا، ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حتَّى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فجاءه أبو بَصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتَّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تَمْرِ لهم فقال أبو بَصير لأحد الرجلين: إنى لأرى سيفك هذا جيدًا فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتَّى برد، وفر الآخر حتَّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رَأَى هَذَا ذُعْرًا" فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "وَيْلَ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ" فلما سمع ذلك عرف أنَّه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيفَ البحر، قال: وينفلت منهم أبو جندل فلحق بأبي بَصير، فجعل لا يخرج أحد من قريش قد أسلم إلا لحق بأبي بَصير حتى اجتمعت معه منهم عصابة، فوالله ما يستمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوها وأخذوا أموالهم، وأرسلت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناشده الله والرحم لما أرسل فمن

أتاه فهو آمن، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فأنزل الله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} حتى بلغ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وكانت حميتهم أنهم لن يُقرّوا أنَّه نبي الله، ولم يقرؤوا ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وحالوا بينه وبين البيت (¬1). وذكر أبو داود في هذا الحديث ولم يذكره بكماله أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس، وعلى أن بيننا عَيْبَةَ مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال (¬2). مسلم، عن أنس في هذا الحديث قال: اشترطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاء منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله أتكتب هذا؟ قال: "نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا ومَخْرَجًا" (¬3). وعن البراء بن عازب قال: لما أحصرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيقيم فيها ثلاثًا، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّانِ السلاح السيف وقرابه، ولا يخرج بأحد معه من أهلها، ولا يمنع أحدًا يمكث بها ممن كان معه قال لعلي: "اكْتبُ الشَّرْطَ بَيْنَنَا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحِيمِ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ" - صلى الله عليه وسلم - فقال له المشركون: لو نعلم أَنك رسول الله ما منعناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فأمر عليًا أن يمحوها، فقال علي: لا والله لا أمحاها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرِنِي مَكَانَهَا" فأراه مكانها فمحاها، فكتب ابن عبد الله، أقام بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث قال لعلي: هذا آخر يوم من شرط صاحبك فأمره فليخرج، فأخبره بذلك فقال: "نَعَمْ" فخرج (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2733). (¬2) رواه أبو داود (2766) (¬3) رواه مسلم (1784). (¬4) رواه مسلم (1783).

أبو داود، عن نعيم بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهما، يعني لرسولي مسيلمة حين قرأ كتاب مسيلمة: "مَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ " قالا: نقول كما قال قال: "أَمَا وَاللهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقكُمَا" (¬1). وذكر أبو داود في المراسيل عن الحسن قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقاتل العرب على الإسلام ولا يقبل منهم غيره، وأمر أن يقاتل أهل الكتاب على الإسلام لا يقبل منهم غيره، فإن أبوه فالجزية (¬2). ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل. وذكر أبو داود أيضًا من طريق قشِير بن عمرو عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس قال: جاء رجل من الأسيْدِيِّينَ من أهل البحرين -وهم مجوس هجر- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمكث عنده ثم خرج، فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، فقلت: مَهْ، فقال: الإسلامُ أو القتلُ، قال: وقال عبد الرحمن بن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن فتركوا ما سمعت من الأسيدي (¬3). إسناد حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية هو الصحيح، وهو ما ذكر البخاري عن بجالة بن عبدة قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة، فَرِّقُوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر (¬4). وعن عمرو بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة إلى البحرين، وأمر ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2761). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (328). (¬3) رواه أبو داود (3044). (¬4) رواه البخاري (3156 و 3157).

عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبا عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم وقال: "أَظنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَة قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ" قالوا: أجل يا رسول الله، قال: "فَأَبَشِرُوا وَأَمِّلُوا فَوَاللهِ لَا الْفِقْر أَخْشَى عَلَيْكُنم وَلَكِنِّي أَخْشى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" (¬1). أبو داود، عن ثابت بن سعيد بن أبيض بن حَمَّال عن أبيه عن جده أبيض بن حمَّال أنه كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة حين وفد عليه، فقال: "يَا أَخَا سَبَأٍ لَا بُدَّ مِنْ صَدَقَةٍ" فقال: إنما زرعنا القطن يا رسول الله وقد تبددت سبأ، ولم يبق منها إلا قليل بمأرب، فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبعين حلة من قيمة وفاء بَزِّ المعافر كل سنة عمن بقي من سبأ بمأرب، فلم يزالوا يؤدونها حتَّى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان [إن] العمال انتقضوا عليهم بعدما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما صالح أبيض بن حمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلل السبعين، فرد ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى مات أبو بكر، فلما مات أبو بكر انتقض ذلك وصارت على الصدقة (¬2). لا يحتج بإسناد هذا الحديث فيما أعلم؛ لأن سعيد لم يرو عنه فيما أدري إلا ثابت، وثابت مثله في الضعف. أبو داود، عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم يعني محتلم دينارًا أو عدله معافر ثياب تكون في اليمن (¬3). تقدم الكلام على هذا الحديث في الزكاة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3158 و 4015 و 6425) ومسلم (2961). (¬2) رواه أبو داود (3028). (¬3) رواه أبو داود (3038).

النسائي، عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليِّ، فقلنا: هل عهد إليك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إِلا في كتابي هذا، فأخرج كتابًا من قراب سيفه فإذا فيه: "الْمُومِنُونَ تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعى بذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلى نَفْسِهِ أَوْ آوى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (¬1). وقال البخاري في هذا الحديث: "ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ" (¬2). أبو داود، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث النسائي وزاد فيه: "وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَيَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ" (¬3). البخاري، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي عليٌّ أنه قاتل رجلًا قد أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ" (¬4). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيه كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 19 - 20) وفي الكبرى (8682) وعنده فيهما "لا يقتل مؤمن بكافر". (¬2) رواه البخاري (6755) بهذا اللفظ. (¬3) رواه أبو داود (4531). (¬4) رواه البخاري (3171).

نفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" (¬1). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةِ" (¬2). وفي حديث ابن عمر "فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ" (¬3). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلَا مَنْ قَتلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَرَسُولهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يُرِيحُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت وأبي حُسَيْلٌ قال: فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتلُ معه، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه الخبر فقال: "انْصَرِفَا نَفي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ" (¬5). أبو داود، عن أبي رافع قال: بعثني قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (58) وفي الأصل "إذا ائتمن خان" بدل "إذا خاصم فجر". وهو خطأ، ليس عند مسلم ذلك. (¬2) رواه مسلم (1738). (¬3) رواه مسلم (1735). (¬4) رواه الترمذي (1403). (¬5) رواه مسلم (1787).

وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ في نَفْسِكَ الَّذِي في نَفْسِكَ الآنَ فَارْجِع" قال: فذهبت ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت (¬1). قال أبو داود: وكان هذا في الزمان الأول وأما اليوم فلا يصلح. وعن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية والروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتَّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاءٌ لا غدرٌ، فنظروا فاذا عمرو بن عَبَسَةَ، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَهُ وَلَا يَحُلُّها حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يُنْبِذَ إِلَيْهِمُ عَلَى سَوَاءٍ" فرجع معاوية رحمه الله (¬2). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإِيمَانُ قَيْدَ الْفَتْكِ" (¬3). سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام، وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم ولا ما حولها دَيْرًا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم، ولا يؤووا جاسوسًا ولا يكتموا غشًا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركًا ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه، وأن يوقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا يتسموا بأسماء المسلمين، ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا سرجًا ولا يتقلدوا سيفًا، ولا يتخذوا شيئًا من سلاح، ولا ينقشوا خواتمهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رؤوسهم وأن يلزموا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2758). (¬2) رواه أبو داود (2759). (¬3) رواه أبو داود (2769).

زيهم حيث ما كانوا، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليبًا ولا شيئًا من كتبهم في طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربًا خفيًا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليهم سهام المسلمين، فإن خالفوا ما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق (¬1). وذكر أبو بكر من حديث أبي المهدي سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ في الإِسْلَامِ وَلَا يُجدَّدُ مَا خُرِبَ مِنْهَا" (¬2). أبو المهدي كان رجلًا صالحًا من صالحي أهل الشام، ولكن حديثه ضعيف ولا يحتج به. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي عن زياد بن حُدَيْرٍ عن علي قال: لئن بقيت لأقتلن نصارى بني تغلب ولأسبين الذرية، أنا كتبت العهد بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ينصروا أولادهم (¬3). إبراهيم ضعيف عندهم. وقد رواه من طريق آخر فيه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي وهو ضعيف أيضًا (¬4). وذكر أبو داود من حديث إبراهيم بن مهاجر أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر أحكام أهل الذمة (ص 661 - 662) لابن القيم. (¬2) انظر أحكام أهل الذمة (ص 701). (¬3) الكامل لابن عدي (1/ 215). (¬4) الكامل (4/ 297). (¬5) رواه أبو داود (3040).

وقال: حديث منكر وهو عند الناس شبه المتروك. وأنكروا هذا الحديث على عبد الرحمن بن هانئ عن إبراهيم، ولكن ذكره في إبراهيم بن مهاجر. البخاري، عن عمر بن الخطاب قال: وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم (¬1). وذكر الدارقطني عن الزبير قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتل عن أحد من المشركين إلا عن أهل الذمة (¬2). في إسناده رشدين وقد تقدم ذكره ولا يتصل أيضًا. أبو داود عن العرباض بن سارية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَاب إِلَّا بِإِذْنٍ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ، إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ" (¬3). وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬4). أبو داود، عن حرب بن عبيد الله بن عمير عن جده أبي أمه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ عَلى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ" ترجم عليه عشور أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات (¬5). وهو حديث في إسناده اختلاف، ولا أعلمه من طريق يحتج به. وذكر أبو داود أيضًا عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1392). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 148 - 149). (¬3) رواه أبو داود (3050). (¬4) رواه أبو داود (3052). (¬5) رواه أبو داود (3046).

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلى مُسْلِم جِزْيَةٌ" (¬1). أبو داود، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ" (¬2). يعني الذي يعشر الناس، الجنة. مسلم، عن عمر بن الخطاب أنَّه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارى مِن جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلا مُسْلِمًا" (¬3). وعن أبي هريرة أنه قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى: "يَا مَعشَرَ الْيَهُودِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" قالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ذَلِكَ أُرِيدُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِكَ، أُرِيدُ" فقال لهم الثالثة، فقال: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ للهِ وَلِرَسُولهِ" (¬4). البخاري، عن ابن عمر قال: لما فَدَعَ أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبًا، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامل يهود خيبر على أموالهم فقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فَعُدِيَ عليه من الليل ففُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس هناك عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلَاءَهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاهم أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال لهم عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ " فقال: كان ذلك هُزَيْلَةً من أبي القاسم، فقال: كذبت يا عدو الله، فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة مالهم من ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3053). (¬2) رواه أبو داود (2937). (¬3) رواه مسلم (1767). (¬4) رواه مسلم (1765).

الثمر مالًا وإبلًا وعروضًا من أقتاب وجمال وغير ذلك (¬1). وعن سليمان بن مسلم عن سعيد بن جبير سمع ابن عباس يقول: الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتَّى بَلَّ دمعه الحصى، قلت: يا ابن عباس وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ائْتُونِي بِكَتْفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا" فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر استفهِمُوهُ، فقال: "ذَرُوني فَالَّذِي أنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ" فأمرهم بثلاث قال: "أَخْرِجُوا الْمُشرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ" وأما الثالثة فإما سكت عنها وإما قالها فنسيتها (¬2). النسيان هو من سليمان بن أبي مسلم، كذا قال البخاري عن سفيان بن عيينة. أبو داود، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ في بَلَدٍ وَاحِدٍ" (¬3). قابوس بن ظبيان، مرة وثقه ابن معين ومرة ضعفه، وضعفه غيره، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه. الترمذي، عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر لهم بنصف العقل وقال: "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ" قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: "لَا تَرايا نَارَاهُمَا" (¬4). هذا يرويه مرسلًا عن قيس بن أبي حازم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2730). (¬2) رواه البخاري (114 و 3053 و 3168 و 4431 و 4432 و 5669 و 7366). (¬3) رواه أبو داود (3032). (¬4) رواه الترمذي (1604).

باب ما جاء في حمل السلاح إلى أرض العدو

وذكر النسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله ما أتيتك حتَّى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت أمرأً لا أعقل شيئًا إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله بما بعثك ربنا إلينا؟ قال: "بِالإِسْلَامِ" قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: "أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلى اللهِ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤتيَ الزَكَاةَ، كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصيرَانِ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلى الْمُسْلِمِينَ" (¬1). بهز بن حكيم وثق وضعف، وقد مر ذكره. وذكر أبو داود عن جعفر بن سعد بن سمرة قال: حدثني حُبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب أما بعد، قال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ" (¬2). حديث النسائي أقوى من هذا. أبو داود، عن مكحول والقاسم أبي عبد الرحمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَتْرُكُوا الذُّرِّيَّةَ" يعني لإزاء العدو (¬3). وهذا مرسل. باب ما جاء في حمل السلاح إلى أرض العدو أبو داود، عن أبي إسحاق السبيعي عن ذي الجوشن رجل من الضباب قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال لها: ¬

_ (¬1) رواه النسائي (5/ 82 - 83). (¬2) رواه أبو داود (2787). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (344).

القرحاء، فقلت: يا محمد أنا جئتك بابن القرحاء لتتخذه فقال: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُقَيِّضَكَ بِهِ الْمُخْتَارَةَ مِنْ دُرُوعِ بَدْرِ فَعَلْتُ" فقلت: لا ما كنت لأقيضه اليوم بغرة قال: "فَلَا حَاجَةَ لي فِيهِ" (¬1). هذا كان قبل أن ينزل قول الله عز وجل: {وَلَا تَعَاوَنوُا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ويقال أيضًا: إسحاق لم يسمع من ذي الجوشن، وإنما سمع حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن. ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر، وشمر بن ذي الجوشن لم يذكره أبو محمد بن أبي حاتم ولا البخاري في تاريخهما، هذا فيما رأيت من نسخ كتابهما. وقال أبو محمد بن أبي حاتم محمد بن ذي الجوشن الضبابي روى عنه أبو إسحاق السبيعي مرسل. كمل كتاب الجهاد بحمد الله وعونه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2786).

10 - كتاب النكاح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [وصلى الله علي محمد خاتم النبيين، وآله وصحبه وسلم] (¬1) كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح، ونكاح ذات الدين وما جاء في الأكفاء مسلم، عن علقمة بن قيس قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى ولقيه عثمان فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟ قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذلك لقد قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنُ اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فِإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (¬2). البخاري، عن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفَرَ اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فإني ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفين ليس في نسخة المغرب. (¬2) رواه مسلم (1400).

أصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر فلا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأتزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (¬1). مسلم، عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو أجاز له ذلك لاختصينا (¬2). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينها فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (¬3). وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" (¬4). أبو داود، عن ابن أبي شيبة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَلَغَ لَهُ وَلَدٌ وَعِنْدَهُ مَالٌ بِمَا يُنْكِحهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَأَحْدَثَ فَالإِثْمُ بَيْنَهُمَا" (¬5). هذا من المراسيل. أبو داود، عن أبي هريرة أن أبا هند حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ في شَيْءٍ مِمَّا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ خَيْرٌ، فَالْحَجَامَةُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5063). (¬2) رواه مسلم (1402). (¬3) رواه مسلم (1466). (¬4) رواه مسلم (1467). (¬5) وفي النسخة المغربية عن ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده، ولم أر هذا الحديث لا عند أبي داود ولا عند غيره بهذا الإسناد. (¬6) رواه أبو داود (2102).

أبو هند كان مولى لبني بياضة. وزاد في المراسيل عن الزهري: فقالوا: يا رسول الله نزوج بناتنا من موالينا، فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ. . .} الآية، قال الزهري: نزلت هذه الآية في أبي هند خاصة (¬1). وقد أسند هذا والمرسل هو الصحيح. وذكر الترمذي عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن محمد وسعيد ابني عبيد عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جَاءكمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثلاث مرات (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. انتهى كلام أبي عيسى. قد أسند هذا من حديث أبي هريرة ولا يصح، وإنما هو مرسل (¬3). وروى الدارقطني من حديث الحارث بن عمران الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَأَنْكَحُوا الأَكفَّاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ" (¬4). وهذا حديث ليس له أصل قاله أبو حاتم (¬5)، الحارث ضعيف وكذاك رواه أبو أمية الثقفي ومندل بن علي وعكرمة بن إبراهيم وأيوب بن أبي واقد عن هشام، وأبو أمية وسائرهم ضعفاء. ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا وهو أشبه بالصواب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (230). (¬2) رواه الترمذي (1085). (¬3) انظر تعليق الترمذي على حديث أبي هريرة (1084) عنده. (¬4) رواه الدارقطني (3/ 299). (¬5) العلل (1/ 403) لابن أبي حاتم.

باب الترغيب في نكاح العذارى، والحض على طلب الولد، وإباحة النظر إلى المخطوبة

وذكر أبو بكر البزار في مسنده عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَرَبُ بَعْضُهَا لِبَعْضِ أَكفَّاءُ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكفَّاءُ" (¬1). ولم يسمع خالد من معاذ. وذكر أبو عمر في التمهيد قال: روى بقية عن زرعة عن عمران بن الفضل عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْعَرَبُ أَكفَّاءُ بَعْضُهَا لِبَعْضِ قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ وَحَيٌّ لِحَيٍّ وَرَجُلٌ لِرَجُلٍ إِلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامُ" (¬2). قال: وهو حديث منكر موضوع. وقد روي عن ابن جريج عن ابن مليكة عن ابن عمر مرفوعًا مثله. قال: ولا يصح عن ابن جريج. ومن مراسيل أبي داود عن الحسن قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج الأعرابي المهاجرة. وكان الحسن يقول: إن أقام معه بالمصر فلا بأس (¬3). باب الترغيب في نكاح العذارى، والحض على طلب الولد، وإباحة النظر إلى المخطوبة مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: تزوجت امرأة فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ " قلت: نعم، قال: "أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ " قلت: ثيبًا، قال: "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْعَذَارَى وَلُعَابِهَا". ¬

_ (¬1) رواه البزار (1424 كشف الأستار) قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 275) وفيه سليمان بن أبي الجون ولم أجد من ذكره. (¬2) التمهيد (19/ 165). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (221).

باب ما جاء في الجمع بين الأختين، وفي نكاح ما زاد على الأربع

وفي طريق أخرى: "فَهَلَا جَارِيَة تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ" قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن، قال: "أَمَا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ" (¬1). أبو داود، عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن ونسب وأنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: "لَا" ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ " قال: لا، قال: "فاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِن في أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا" (¬3). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإن اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلى مَا يَدْعُوهُ إِلى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ" فخطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ لها حتَّى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها (¬4). باب ما جاء في الجمع بين الأختين، وفي نكاح ما زاد على الأربع الترمذي، عن فيروز الديلمي قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت ولي أختان قال: "اخْتَرْ أَيُّهُمَا شِئْتَ" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1466). (¬2) رواه أبو داود (2050) والنسائي (6/ 65). (¬3) رواه مسلم (1424). (¬4) رواه أبو داود (2082). (¬5) رواه الترمذي (1129 و 1130). (¬6) في نسختنا حديث حسن فقط.

باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

أبو داود، عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا" (¬1). الصواب قيس بن الحارث. في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف، تركه البخاري. وروى معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية وأسلمن معه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخير أربعًا منهن (¬2). قال البخاري: هذا حديث غير محفوظ. والصحيح ما رواه شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري قال حديث عن محمد بن سويد الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلًا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. [ذكر] الحديث والتعليل أبو عيسى الترمذي رحمه الله. وقال أبو عمر: الأحاديث التي في تحريم نكاح ما زاد على الأربع معلولة كلها. باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه مسلم، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يَبيعُ الرَّجُلُ عَلى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2241). (¬2) رواه الترمذي (1128). (¬3) رواه مسلم (1412).

باب ما نهى أن يجمع بينهن من النساء، وفي نكاح الكتابية والمجوسية، وفي الحر يتزوج الأمة

وقال البخاري: "لَا يَخْطُب الْخَاطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلى سَوْم أَخِيهِ، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلى عَمَّتِهَا وَلَا عَلى خَالَتِهَا، وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتهَا لِتَكْتَفِئ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحْ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا كتَبَ اللهُ لَهَا" (¬2). باب ما نهى أن يجمع بينهن من النساء، وفي نكاح الكتابية والمجوسية، وفي الحر يتزوج الأمة الترمذي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تنكح المرأة على عمتها، والعمة على ابنة أخيها، والمرأة على خالتها، والخالة على ابنة أختها، ولا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين (¬4). خصيف هو ابن عبد الرحمن وقد تكلم في حفظه. وذكر أبو محمد الأصيلي في فرائده عن ابن عباس قال: نهى رسول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5142). (¬2) رواه مسلم (1408). (¬3) رواه الترمذي (1126). (¬4) رواه أبو داود (2067).

الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتزوج المرأة على العمة أو على الخالة وقال: "إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامكُمْ". وذكره أبو عمر في التمهيد (¬1). ومن مراسيل أبي داود عن عيسى بن طلحة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة (¬2). وعن علي بن أبي طلحة عن كعب بن مالك أنَّه أراد أن يتزوج يهودية، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَتَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا لا تُحَصِّنُكَ" (¬3). هذا منقطع وضعيف الإسناد، لا أعلم رواه عن علي غير عتبة بن تميم وأبي بكر بن أبي مريم. وذكر وكيع عن سفيان عن قيس عن الحسن بن محمد بن علي قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، ومن أسلم قبل ومن أبي ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة (¬4). هذا مرسل. وممن روى نكاح المجوسية أبو ثور ويروى أن حذيفة تزوج امرأة مجوسية يقال لها: شاه بردخت، ورأى سعيد بن المسيب نكاح المجوسية بملك اليمين وأكل ذبائحهم (¬5). ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 227 - 278). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (208). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (206) والدارقطني (3/ 148) من رواية أبي بكر بن أبي مريم عن علي به، وقال: أبو بكر بن أبي مريم ضعيف، وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعبًا. (¬4) المحلى (9/ 17). (¬5) المحلى (9/ 18 - 19).

باب في المتعة وتحريمها، وفي نكاح المحرم وإنكاحه، وفي الشغار

وممن قال بأنهم أهل الكتاب علي بن أبي طالب (¬1). وذكر الدارقطني من حديث عفيف بن سالم قال: نا سفيان الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُحَصِّنُ الْمُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا" (¬2). قال: وهم عفيف في رفعه، والصحيح موقوف من قول ابن عمر. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: سأل عبد الملك بن مروان عبد الله بن عتبة بن مسعود: أتحصن الأمة الحر؟ قال: نعم، قال: عن من قال: أدركنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون ذلك (¬3). باب في المتعة وتحريمها، وفي نكاح المحرم وإنكاحه، وفي الشغار مسلم، عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ [علينا] عبد الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (¬4). وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (9/ 18). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 146 - 147). (¬3) رواه عبد الرزاق (13288). (¬4) رواه مسلم (1404) وما بين المعكوفين ليس في نسختنا من صحيح مسلم. (¬5) رواه مسلم (1405).

وعن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (¬1). وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها (¬2). وعن سبرة بن معبد أنَّه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام فتح مكة قال: فَأَقَمْنا بها خمس عشرة ثلاثين بين يوم وليلة، فأذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في متعة النساء، وذكر أنه تزوج امرأة قال: ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وعنه أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِيْ الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا" (¬4). مسلم، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (¬5). وفي بعض طرق هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. ذكره قاسم بن أصبغ وقال: قال سفيان بن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1405). (¬2) رواه مسلم (1405). (¬3) رواه مسلم (1406). (¬4) رواه مسلم (1406). (¬5) رواه مسلم (1407).

قال أبو عمر: على هذا أكثر الناس والله أعلم. وذكر أبو أحمد بن عدي عن مؤمل بن إسماعيل قال: نا عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زجر المتعة أو قال أبو هريرة: هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث (¬1). عكرمة إنما يضعف حديثه عن يحيى بن كثير. مسلم، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمَ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ" (¬2). وعن ابن عباس أنه قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم (¬3). زاد البخاري: وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف (¬4). مسلم، عن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال، وكانت خالتي وخالة ابن عباس (¬5). النسائي، عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهي حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما (¬6). رواه مالك عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مرسلًا. مسلم، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا شِغَارَ في الإِسْلَامِ" (¬7). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل ابنته ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 274 - 275). (¬2) رواه مسلم (1409). (¬3) رواه مسلم (1410). (¬4) رواه البخاري (4258). (¬5) رواه مسلم (1411). (¬6) رواه النسائي في الكبرى (5402). (¬7) رواه مسلم (1415).

باب

على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق (¬1). والتفسير لنافع مولى ابن عمر. باب روى أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث سليمان بن عمرو وهو أبو داود النخعي عن القاسم بن مهران عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البروات والسفتجَات، وقال: "لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْنَهَارِيَّاتِ" (¬2). أجمعوا على أن أبا داود بن عمرو كان يضع الحديث. قال القاضي منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله في تفسير ألفاظ المدونة: السفتجات دراهم يأخذها رجل من رجل بمكان ليضمنها له بمكان آخر، وذكره في غريب ألفاظ المدونة. وذكر الدارقطني عن الحسن بن دينار قال: نا أبو جعفر المنصور عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْتَنِبُوا مِنَ النِّكَاحِ أَرْبَعَةً الْجُنُونَ وَالْجَذَامَ وَالْبَرَصَ" (¬3). كذا قال أربعة ولم يذكر غير ثلاث، أظن أن الرابعة هي القرناء. والحسن بن دينار متروك. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1415). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 249). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 266) وفي نسختنا من سنن الدارقطني الحسن بن عمارة بدل الحسن بن دينار.

باب في نكاح العبد بغير إذن سيده، وفي نكاح الزانية، ونكاح الأمة على الحرة، وفيما أصيب على الحرام، وفي الولي والشهود، وفي المرأة يزوجها وليان

باب في نكاح العبد بغير إذن سيده، وفي نكاح الزانية، ونكاح الأمة على الحرة، وفيما أصيب على الحرام، وفي الولي والشهود، وفي المرأة يزوجها وليان الترمذي، عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيّمَا عَبْدٍ تزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ" (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. أبو داود، عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ" (¬2). عبد الله العمري هذا هو ضعيف عند أهل العلم والحديث، وقد أسنده يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج بهذا الإسناد موقوفًا وهو الصواب. وكذلك رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. ذكر هذا كله الدارقطني وجعل حديث يحيى بن سعيد الأموي في رفع هذا الحديث وهمًا. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن موسى الوجيهي وهو متروك عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَتَزَوَّجُ الْمَمْلُوكُ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ" (¬3). الترمذي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "أَيُّمَا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1111) وأبو داود (2078) عن الحسن بن صالح عن عبد الله به. (¬2) رواه أبو داود (2079). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 10).

رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِها فَلْيَنْكَح ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا" (¬1). قال: رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو وهما ضعيفان ولا يصح الحديث. سعيد بن منصور، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عمن سمع الحسن يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح الأمة على الحرة (¬2). هذا مرسل ومنقطع. ومن طريق ابن جريج قال: أخبرت عن أبي بكر بن عبد الرحمن ابن أم الحكم قال: قال رجل: يا رسول الله زنيت بامرأة في الجاهلية، أفانكح ابنتها؟ قال: "لَا أَرى ذَلِكَ، وَلَا يَصُحُّ لَكَ أَنْ تَنْكَحَ امْرَأَةً تَطَّلعُ مِنْ بِنْتِهَا عَلى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا" (¬3). وهذا مرسل ومنقطع، وأبو بكر مجهول. ومن طريق وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الذي يتزوج المرأة فيغمرها لا يزيد على ذلك "لَا يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا" (¬4). وهذا مرسل ومنقطع. ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أَبي هانئ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1117). (¬2) رواه سعيد بن منصور (741) وفي نسختنا من سنن سعيد حدثني من سمع الحسن وعنه ابن حزم في المحلى (9/ 9). (¬3) رواه ابن حزم (9/ 145 و 149). (¬4) المحلى (9/ 145). (¬5) المحلى (9/ 149).

وهذا أوهى مما قبله وأضعف. وذكر هذه الأربعة الأحاديث أبو محمد علي بن أحمد. وذكر الدارقطني عن عائشة سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَام الْحَلَال، إِنَّما يُحَرِّمُ مَا كَانَ يِنكَاحٍ" (¬1). هذا يرويه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك. وعن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَام الْحَلَال" (¬2). في إسناده إسحاق بن محمد بن أبي فروة وهو متروك الحديث. خرجه الدارقطني أيضًا. ابن أيمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذنه رجل من المهاجرين في امرأة يقال لها أم مهزول، وذكر له أمرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ" (¬3). ذكره أبو داود والنسائي بمعناه. وقال أبو داود: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَنْكِحُ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ إِلَّا مِثْلُهُ" (¬4). وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ" (¬5). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 268). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 368). (¬3) رواه أبو داود (2051) والنسائي (6/ 66 - 78) وانظر المحلى (9/ 66). (¬4) رواه أبو داود (3052). (¬5) رواه أبو داود (3085).

مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، ثلاث مرات، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ" (¬1). في بعض طرق هذا الحديث: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" (¬2). ذكره الدارقطني عن عيسى بن يونس عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك رواه حفص بن غياث وخالد بن الحارث عن ابن جريج. ورواه يحيى بن سعيد وسفيان الثوري وغيرهما من الحفاظ، ولم يذكروا الشاهدين. ذكر ذلك الدارقطني في كتاب العلل. ورواه طلحة بن زيد عن يونس عن الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ". ورواه جعفر بن برقان ويزيد بن سنان كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ذلك الدارقطني أيضًا. وطلحة ومن بعده لا يحتج بهم، وطلحة أضعفهم. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث المغيرة بن موسى بن عثمان البصري مولى عائذ عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ وَخَاطِبٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ" (¬3). رواه عن المغيرة يعقوب بن الحجاج وهدبة بن عبد الوارث، والمغيرة بن موسى هذا قال فيه البخاري منكر الحديث. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3083). (¬2) رواه ابن حبان (4075) والدارقطني (3/ 225 - 226). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 358).

وقال فيه أبو أحمد: المغيرة بن موسى في نفسه ثقة ولا أعلم له حديثًا منكرًا، وهو مستقيم الرواية. وذكر هذا الحديث في باب المغيرة بن موسى. وأصح ما في باب الولي حديث عائشة: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا" كذا قال يحيى بن معين، وإن كان بعض أهل العلم قد تكلم في هذا الحديث، وذلك إنه حديث رواه سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر ابن جريج أنه سأل الزهري عن هذا فأنكره، فضعف الحديث من ضعفه من أجل هذا. وقال آخرون: بل نسي الزهري ولا ينكر على الحافظ أن يحدث بالحديث ثم ينساه، فإذا حدث عنه ثقة وثبت على حديثه أخذ به، وسليمان بن موسى ثقة عند أهل الحديث لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده، كذا قال الترمذي، وتكلم فيه البخاري من أجل أحاديث انفرد بها، كذا قال الترمذي لم يتكلم فيه أحد إلا البخاري. وذكره دحيم فقال: في حديثه بعض الاضطراب قال: ولم يكن في أصحاب مكحول أفقه منه. وقال النسائي: في حديثه شيء. وقال أبو بكر البزار: سليمان بن موسى أجل من ابن جريج. وقال الزهري: سليمان بن موسى أحفظ من مكحول. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يقل أحد عن ابن جريج أنه سأل الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَالثَّيِّبُ نَصِيبٌ مِنْ أَمْرِهَا مَا لَمْ تَدْع إِلَى سَخْطةٍ، فَإِنْ دَعَتْ إِلى سَخْطَةٍ وَكَانَ أَوْلِيَاؤُهَا يَدْعُونَ إِلى الرِّضَى رُفِعَ ذَلِكَ إِلى السُّلْطَانِ" (¬1). رواه من حديث إسحاق بن راهويه عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 237).

عن تميم عن إبراهيم بن مرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قال إسحاق: قلت لعيسى: آخر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: هذا في الحديث فلا أدري. وذكر ابن سنجر من حديث ثابت بن أسلم البناني قال: أخبرني ابن عمر بن سلمة بن عبد الأسد عن أبيه عن أم سلمة قالت: بعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبها، فقالت: مرحبًا برسول الله ومرحبًا بالله ورسوله، أقرئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام وأخبره أني امرأة غيرى وأنا مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهدًا قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا قَوْلُكِ إِني غَيْرَى فَإِنِّي سَأدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ بِالْغَيْرَةِ، وأَمَّا قَوْلُكِ إِنِّي مُصْبِيَةٌ فَإِن الله سَيَكْفِيكِ، وَأَمَّا أَوْلِيَاؤُكِ فَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ شَاهِدًا وَلَا غَائِبًا إِلَّا سَيَرْضَانِي" فقالت لابنها: قم يا عمر زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتزوجها. . . . . . . . وذكر الحديث إلى آخره (¬1). وقد خرجه أبو بكر بن أبي خيثمة أيضًا في كتابه. وابن عمر هذا لا يعرف. وذكر الدارقطني من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلِيُّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ الزَّوْجُ" (¬2). أبو داود، عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ للأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا" (¬3). تكلموا في سماع الحسن من سمرة. ¬

_ (¬1) ورواه ابن عبد البر في التمهيد (3/ 187 - 187) مطولًا بنفس هذا الإسناد إلا أنه عنده "عمر بن أبي سلمة" لا "ابن عمر" ولعل ذلك وقع للمؤلف فقال: إنه لا يعرف. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 279). (¬3) رواه أبو داود (2088) والترمذي (1110) والنسائي (7/ 314).

باب في المرأة تزوج نفسها أو غيرها، والنهي عن عضل النساء، والرجل يزوج ابنته الصغيرة بغير أمرها، واستئمار البكر، وما جاء أن الثيب أحق بنفسها والمرأة تستأمر في ابنتها

باب في المرأة تزوج نفسها أو غيرها، والنهي عن عضل النساء، والرجل يزوج ابنته الصغيرة بغير أمرها، واستئمار البكر، وما جاء أن الثيب أحق بنفسها والمرأة تستأمر في ابنتها الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البَغَايَا اللّائِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغيْرِ بَيِّنِةِ". روي موقوفًا (¬1). الدارقطني، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُزوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإنَّ الزَانِيَةَ هِيَ الَّتِي تزَوِّجُ نَفْسَهَا" (¬2). قال: هذا حديث صحيح وقد روي موقوفًا (¬3). البخاري، عن الحسن: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زوجت أختًا لي من رجل فطلقها حتَّى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقال له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فقلت: الآن أفعل يا رسول الله قال: فَزَوِّجْها إياه (¬4). البزار عن معقل في هذا الحديث قال: فأمرني أن أكفر عن يميني وأزوجها. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1103 و 1104) مرفوعًا وموقوفًا. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 227). (¬3) لا يوجد هذا القول في نسختنا من سنن الدارقطني. (¬4) رواه البخاري (5130).

البخاري، عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال أبو بكر إنما أنا أخوك، قال: "أَنْتَ أَخِي في دِينِ اللهِ وَكِتابِهِ وَهِيَ لِيَ حَلَالٌ" (¬1). مسلم، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين، قالت: فقدمنا المدينة فوعكت شهرًا فوفى شعري جُمَيْمَةً فأتتني أم رومان، وأنا على أرجوحة معي [صواحبي] فصرخت بي فأتيتها، وما أدري ما تريد بي فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب فقلت: هَهْ هَهْ حتى ذهب نفسي فأدخلتني بيتًا فإذا نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة على خير طائر وأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني، فلم يرعني إلا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحّى، فأسلمنني إليه (¬2). وعنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت [سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها ومات عنها وهي بنت] ثمان عشرة (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث قاسم بن عبد الله بن العمري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتلى عائشة عند أبويها قبل أن يبني بها (¬4). القاسم هذا ليس بشيء منكر الحديث كان يكذب. مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإذْنُهَا سُكُوتُهِا" (¬5). وفي رواية: "يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا في نَفْسِهَا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5081). (¬2) رواه مسلم (1422). (¬3) رواه مسلم (1422). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 35). (¬5) رواه مسلم (1421). (¬6) الذي في صحيح مسلم (1421) يستأذنها أبوها في نفسها.

قال أبو داود وذكر هذا الحديث: أبوها ليس بمحفوظ (¬1). وقال أبو داود أيضًا: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ في نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا" (¬2). وقال في رواية: "فَإِنْ بَكَتْ أَو سَكَتَتْ" زاد: بكت، قال: وليس بمحفوظ وهو وهم في الحديث (¬3). وعن إسماعيل بن أمية قال: أخبرني الثقة عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ" (¬4). عبد الرزاق نا معمر عن ثابت عن أنس قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذًا" فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فقالت: لاها الله إذًا، ما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلّا جليبيب وقد منعناها من فلان وفلان، قال: والجارية في سترها تسمع قال: فانطلق الرجل وهو يريد أن يُخْبِرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره، إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه، فكأنما جَلَّت عن أبويها قالا: صدقت، فذهب أبوها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كنت قد رضيته فإني قد رضيته، فتزوجها ثم فزع أهل المدينة، فركب جليبيب فوجدوه قد قتل، ووجد حوله ناسًا من المشركين قد قتلهم، قال أنس: فلقد رأيتها وإنها لأنفق بيت في المدينة (¬5). قاسم بن أصبغ عن ابن عمر أن رجلًا زوج ابنته بكرًا فكرهت، فأتت ¬

_ (¬1) قاله بعد الحديث (2099). (¬2) رواه أبو داود (2093). (¬3) رواه أبو داود (2094). (¬4) رواه أبو داود (2095). (¬5) رواه عبد الرزاق (10333).

باب في الرجل يعقد نكاح الرجل بأمره، وفي الصداق والشروط

النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها. ذكره أبو محمد (¬1). وذكر الدارقطني في هذا الحديث أن عمها زوجها بعد أبيها، وزوجها من عبد الله بن عمر وهي بنت عثمان بن مظعون وعمها قدامة، فكرهته ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما فتزوجها المغيرة بن شعبة (¬2). قال: هذا أصح ممن قال: زوجها أبوها. ذكر هذا الحديث في كتاب العلل وفي كتاب السنن. البخاري، عن خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها (¬3). روي أنها كانت بكرًا، وقع ذلك في كتاب أبي داود وفي كتاب النسائي، والصحيح أنها كانت ثيبًا (¬4). باب في الرجل يعقد نكاح الرجل بأمره، وفي الصداق والشروط أبو داود، عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمهرها عنه أربعة آلاف درهم وبعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل بن حسنة (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (9/ 42). (¬2) انظر السنن (3/ 229 - 231) للدارقطني. (¬3) رواه البخاري (5138 و 5139 و 6945 و 6969). (¬4) رواه أبو داود (2096) إلا إنها عنده ثيب، ورواه النسائي في الكبرى (3582) وعنده أنها بكر. (¬5) رواه أبو داود (2107).

زاد النسائي: وجهزها من عنده (¬1) وذكر أبو أحمد من حديث بقية بن الوليد عن عبد الله بن عمر عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِإِذْنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ" (¬2). قد تقدم الكلام في بقية وفي عبد الله بن عمر. مسلم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كم كان صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: كان صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشًا، قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية، قالت: فتلك خمسمائة درهم (¬3). وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ في عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئًا" قال: قد نظرت إليها، قال: "عَلى كَمْ تزَوَّجْتَهَا؟ " قال: على أربع أواق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلى أَرْبَعَةِ أَوَاقٍ؟ كأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثكَ في بَعْثٍ فَتُصِيبَ مِنْهُ" قال: فبعثه لقتال بني عبس وبعث ذلك الرجل فيهم (¬4). الدارقطني، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءُ إِلَّا الأَكفَّاءِ، وَلَا يُزَوِّجُوهُن إِلَّا الأَوْلِيَاءِ وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ" (¬5). هذا يرويه مبشر بن عبيد وهو متروك. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 119) وفي الكبرى (5512). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 78). (¬3) رواه مسلم (1426). (¬4) رواه مسلم (1424). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 244 - 245).

وخرج الدارقطني عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا مَهْرَ دُونَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ" ولا يصح أيضًا (¬1). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْكِحُوا الأَيَامى" ثلاثًا، قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله؟ قال: "مَا تَرضَى عَلَيْهِ الأَهْلُونَ وَلَوْ قَضِيبٌ منْ أَرَاكِ" (¬2). هذا يروى مرسلًا وهو أصح. وفي المراسيل ذكره أبو داود ولم يذكر القضيب (¬3). وذكر أبو داود عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَعْطى في صدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ" (¬4). هذا يروى موقوفًا ولا يعول على من أسنده. مسلم، عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر فيها وصَوَّبهُ، ثم طاطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، فلما رأت المرأة أنَّه لم يقض فيها شيئًا جَلَسَتْ، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: "فَهَلْ مَعَكَ [عِنْدَكَ] مِنْ شَيْءٍ؟ " فقال: لا والله يا رسول الله قال: "اذْهَبْ إِلى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ " فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري (قال سهل: ما له رداء) فلها نصفه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 245 - 246). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 244). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (215). (¬4) رواه أبو داود (2110).

لبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ" فجلس الرجل حتَّى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليًا فأمر به فدعي، فلما جاء قال: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقرْآنِ؟ " قال: معي سورة كذا وسورة كذا لسور عددها، قال: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قال: نعم، قال: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" (¬1). وفي طريق أخرى: "انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتكهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن (¬3). خرجه النسائي من حديث عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرضت نفسها عليه فقال لها: "اجْلِسِي" فجلست ساعة ثم قامت قال: "اجْلِسِي بَاركَ اللهُ فِيكِ، أَمَّا نَحْنُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِكِ، وَلَكِنْ تملِكِينِي أَمْرَكِ" قالت: نعم، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوه القوم فدعا رجلًا منهم فقال: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجكِ هَذَا إِنْ رَضِيتِ" قالت: ما رضيت لي يا رسول الله فقد رضيته، ثم قال للرجل: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " قال: لا والله، قال، "قُمْ إِلى النِّسَاءِ" فقام إليهن فلم يجد عندهن شيئًا، قال: "وَمَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرآنِ؟ " قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: "قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأتُكَ" (¬4). خرجه النسائي من حديث عسل بن سفيان وهو ضعيف، ضعفه يحيى بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1425). (¬2) رواه مسلم (1425). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (4/ 187). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5506) وأبو داود (2112) وهو عند النسائي مختصر في نسختنا ليس بهذا اللفظ وكذا عند أبي داود.

معين وأحمد بن حنبل، كذا رأيت عند النسائي فيما رأيت من النسخ سورة البقرة أو التي تليها. وعن أبي داود: والتي تليها بغير ألف. وخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن مسعود وزاد: "وَإِذَا رَزقَكَ اللهُ عَوِّضْهَا" فتزوجها الرجل على ذلك (¬1). هذا يرويه عتبة بن السكن وهو متروك. وذكر سعيد بن منصور قال: نا أبو معاوية نا أبو عرفجة الفايشي عن أبي النعمان الأزدي قال: زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة على سورة من القرآن ثم قال: "لَا يَكُونُ لأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا" (¬2). هذا من المرسل وأبو عرفجة وأبو النعمان مجهولان. ذكر هذا الحديث أبو محمد. أبو داود، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ عَلى صِدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيهِ، وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ" (¬3). مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّروطِ أَنْ يُوَفَّى مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بهِ الْفُرُوجَ" (¬4). البخاري، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تشرط المرأة طلاق أختها (¬5). ¬

_ (¬1) الدارقطني (3/ 249 - 250). (¬2) رواه سعيد بن منصور (642) ومن طريقه ابن حزم في المحلى (9/ 97 - 98). (¬3) رواه أبو داود (2129) وابن ماجة (1955) والنسائي (6/ 120). (¬4) رواه مسلم (1418). (¬5) رواه البخاري (2727) مطولًا.

باب في الرجل يعتق الأمة ويتزوجها

باب في الرجل يعتق الأمة ويتزوجها مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى رسول [نبي] الله - صلى الله عليه وسلم - في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وانحسر الإزار عن فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني لأرى بياض فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دخل القرية قال: "اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلنا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قالها ثلاث مرات، قالت: وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد والله وأصبناها عنوة وجمع السبي، فجاءه دحية فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، فقال: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةَ" فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال: "ادْعُوهُ بِهَا" فجاء بها، فلم انظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا" قال: وأعتقها وتزوجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسها أعتقها وتزوجها حتَّى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسًا فقال: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطْعًا" قال: فجعل الرجل يجيء بالأقط، والرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، فحاسوا حيسًا فكانت وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وفي طريق أخرى، فقالوا: محمد والخميس، وقال الناس: لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد، قال: إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها. . . . . . . . وذكر الحديث (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1365). (¬2) رواه مسلم (1365).

وفي أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراها من دحية بسبعة أرؤس (¬1). وذكر ابن أم أيمن عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا امْرِئٍ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ فَلَهُ أَجْرَانِ" (¬2). في إسناده يحيى بن عبد الحميد الحماني وتفرد بقوله: "بمهر جديد" ويحيى هذا وثقه ابن معين وضعفه أبو زرعة وغيره. وكان أحمد بن حنبل يحمل عليه. وفي حديث الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين، قال: "وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ" (¬3). وقد تقدم بكماله لمسلم، وقد أخرجه البخاري وقال فيه من طريق منقطعة أعتقها وأصدقها (¬4). وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن زكريا عن الشعبى قال: كانت جويرية ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصدقها وجعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق (¬5). وهذا مرسل. وذكر الحارث بن أبي أسامة في مسنده قال: نا العباس بن الفضل نا حميد بن الأسود وزيد بن إبراهيم عن حميد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استبرأ صفية بحيضة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1365) وأبو داود (2997) وابن ماجة (2272). (¬2) رواه الطبراني قال شيخنا في الجامع الصغير (2233) ضعيف. (¬3) رواه البخاري (97 و 2544 و 2547 و 2551 و 3011 و 3446 و 5083) ومسلم (154). (¬4) علقه البخاري بعد الحديث (5083). (¬5) رواه عبد الرزاق (13118). (¬6) بغية الباحث (ص 1/ 61 - 2).

باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر

وأنكر علي بن المديني هذا الحديث، والحارث أيضًا قد تكلم فيه وكان قاضي بغداد. وقد روي من حديث إسماعيل بن عياش عن حجاج بن أرطاة عن إلزهري عن أنس ولا يصح هذا (¬1). باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر أبو داود، عن ابن عباس قال: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئًا (¬2). وفي رواية: بعد السنتين (¬3). أبو العاصي اسمه لقيط ولد له من زينب ولد فسماه عليًّا ومات مراهقًا. في إسناد هذا الحديث محمد بن إسحاق، ولم يروه معه فيما أعلم إلا من هو دونه. وقال أبو عمر: رد النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول منسوخ عند الجميع لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها إلا شيء يروى عن إبراهيم النخعي شذّ فيه عن جماعة العلماء ولم يتابعه عليه أحد من الفقهاء إلا بعض أهل الظاهر (¬4). وروى حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (12898) والبيهقي (7/ 449) وقال: في إسناده ضعف. ورواه ابن عدي (2/ 227) وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 439) عن أبيه: هذا حديث منكر جدًّا ليس من حديث الزهري عن أنس. (¬2) رواه أبو داود (2240) والترمذي (1143) والبيهقي (7/ 187). (¬3) وفي رواية بعد ست سنين. (¬4) التمهيد (12/ 20 و 23).

النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد (¬1). وحجاج لا يحتج به. والصواب حديث ابن عباس، ذكر حديث حجاج والكلام عليه أبو الحسن الدارقطني وذكره أيضًا أبو عيسى الترمذي رحمه الله. أبو داود، عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا جاء مسلمًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال: يا رسول الله إنها قد أسلمت معي، فردها عليه (¬2). قال أبو عمر: هذا حديث حسن الإسناد، وأجمعوا أن الزوجين إذا أسلما معًا في حال واحدة أن لهما البقاء [المقام] على النكاح الأول [نكاحهما] إلا أن يكون بينهما نسب يوجب التحريم أو رضاع (¬3). أبو داود، عن ابن عباس قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول (¬4). هذا يرويه إسماعيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس. مالك، عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساءً كُنَّ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار، ومنهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1142) وابن ماجة (2010). (¬2) رواه أبو داود (2238) والترمذي (1144). (¬3) التمهيد (12/ 23). (¬4) رواه أبو داود (2239) وابن ماجة (2008).

وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانًا لصفوان بن أمية ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام وأن يقدم عليه، فإن رضي أمرًا قَبِله وإلا سيَّرَهُ شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أَمْرًا قبلته وإلا سيرتني شهرين، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ" فقال: لا والله لا أنزل حتَّى تبين لي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ لَكَ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعر أداة وسلاحًا عنده فقال صفوان: أطوعًا أم كرهًا؟ فقال: "بل طَوْعًا" فأعاره صفوان بن أمية الأداة والسلاح التي عنده، ثم خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر، فشهد حنينًا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما حتَّى أسلم صفوان فاستقرت عنده امرأته بذلك النكاح (¬1). مالك، عن ابن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن، فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب إليه فرحًا وما عليه رداء حتى بايعه، فثبتا على نكاحهما ذلك (¬2). وهذا أيضًا من مراسيل ابن شهاب ولا يسند. قال أبو عمر في هذا الحديث: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل العلم والسير، وابن شهاب إمام أهل السير ¬

_ (¬1) الموطأ (2/ 13). (¬2) الموطأ (2/ 13).

باب هل يعطى الصداق قبل الدخول، ومن دخل ولم يقدم من الصداق شيئا، ومن تزوج ولم يسم صداقا

وعالمهم، وكان الشعبي كذلك، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده (¬1). كذا قال أبو عمر في هذا الحديث، والحديث الثاني لا أعلمه يتصل أيضًا بوجه يحتج به. باب هل يعطى الصداق قبل الدخول، ومن دخل ولم يقدم من الصداق شيئًا، ومن تزوج ولم يسم صداقًا النسائي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: تزوجت فاطمة فقلت: يا رسول الله ابن بي، فقال: "أَعْطِهَا شَيْئًا" فقلت: ما عندي شيء، فقال: "فَأين دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةِ؟ " قلت: هو عندي، قال: "أَعْطِهَا إِيَاهُ" (¬2). وذكر عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "لَا تَبْنِ بِأهلِكَ حَتَّى تُقَدِّمَ شَيْئًا" قال: يا رسول الله ما عندي شيء، قال: "أَعْطِهَا دِرْعَكَ الْحُطَمِيَّةَ" (¬3). وروى عصمة بن المتوكل عن شعبة عن أبي جُمْرَةَ عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تزَوَّجَ امْرَأَة فَلَا يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَحَدَ نَعْلَيْهِ" (¬4). خرجه أبو جعفر العقيلي، وعصمة هذا كثير الوهم. أبو داود، عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "أَتَرْضَى أَنْ أزَوِّجَكَ فُلَانَة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة: "أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانًا" قالت: ¬

_ (¬1) التمهيد (19/ 12). (¬2) رواه النسائي (6/ 129 - 130). (¬3) رواه عبد الرزاق (10429). (¬4) رواه العقيلي (3/ 340).

باب

نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل الرجل بها ولم يفرض لها صداقًا ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحديبية وكان له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف (¬1). وفي هذا الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ". قال أبو داود: أخاف أن يكون هذا الحديث ملزقًا لأن الأمر على خلاف هذا. وعن خيثمة هو ابن عبد الرحمن عن عائشة قالت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئًا (¬2). قال أبو داود: لم يسمع خيثمة من عائشة. وعن عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يعرض لها فقال: لها الصداق كاملًا وعليها العدة ولها الميراث، فقال معْقل بن سنان: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع بنت واشق (¬3). وهذا الحديث أيضًا خرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ويروى أن الشافعي رجع إلى حديث بروع (¬4). باب وذكر أبو داود عن ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له بَصْرَةُ قال: تزوجت امرأة بكرًا في سترها، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2117). (¬2) رواه أبو داود (2128). (¬3) رواه أبو داود (2114) والترمذي (1145) والنسائي (6/ 121) وابن ماجة (1891). (¬4) السنن الكبرى (7/ 244) للبيهقي.

باب في المحلل

فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَهَا الصّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدْهَا". وفي رواية عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل من الأنصار. هذا الحديث إنما يروى مرسلًا عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذا رواه قتادة ويزيد بن نعيم وأبي عطاء الخراساني كلهم عن سعيد. وفي رواية يزيد أن رجلًا يقال له بصرة بن أكثم وزاد: وفرق بينهما. والإرسال هو الصحيح. وأيضًا فابن جريج إنما رواه عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن صفوان. وإبراهيم هذا متروك الحديث تركه ابن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم وابن المبارك وغيرهم. وسئل عنه مالك بن أنس: أفأوثقه؟ قال: لا ولا في دينه. ويقال نصرة بالنون، وبصرة بالباء. باب في المحلل الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحلل والمحلل له (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. الدارقطني، عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ " قالوا: بلى قال: "هُوَ الْمُحَلَّل" ثم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1120).

باب في الوليمة

قال: "لَعَنَ اللهُ الْمْحَللَ وَالْمُحَللَ لَه" (¬1). إسناده حسن. باب في الوليمة مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة قال: "مَا هَذَا؟ " قال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال: "بَارك اللهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" (¬2). وعنه قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَولم على امرأة بما أولم على زينب فإنه ذهب بشاة (¬3). وعنه قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد: "فاذْكُرْهَا عَلَي" قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهى تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أوامر ربي، قال: فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إذن، قال: ولقد رأيتنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه ليسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني قال: فانطلق حتى رجع إلى البيت، فذهبت ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1936) والطبراني في الكبير (17/ 299) والدارقطني (3/ 251). (¬2) رواه مسلم (1427). (¬3) رواه مسلم (1428).

أدخل فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب، ووُعِظَ القوم بما وُعِظوا به {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلي قوله: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (¬1). وقال البخاري: خرج إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعون له (¬2). وعن صفية بنت شيبة قالت: أَوْلَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعض نسائه بمدين من شعير (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِي أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَليمَةِ فَلْيَأْتِهَا" (¬4). وفي لفظ آخر: "إذَا دَعا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ" (¬5). وعنه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دُعِيتمْ إلى كُرَاع فَأجِيبُوا" (¬6). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" (¬7). وفي حديث أبي هريرة: "فَإنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ" (¬8) وقد تقدم بكماله في الصيام. وعن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَليمَةِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1428). (¬2) رواه البخاري (4794). (¬3) رواه البخاري (5172). (¬4) رواه مسلم (1429). (¬5) رواه مسلم (1429). (¬6) رواه مسلم (1429). (¬7) رواه مسلم (1430). (¬8) رواه مسلم (1431).

يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجبِ الدعْوَةَ فَقَدْ عَصى اللهَ وَرَسُولَه" (¬1). وقد روي هذا موقوفًا (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث يحيى بن عثمان أبي سهل البصري بإسناده إلى أبي هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وإنه بالخيار في العرس والعذار (¬3). وهذا غير محفوظ ويحيى منكر الحديث. وذكر أبو أحمد عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري أن عثمان بن العاص دعي إلى ختان فأبى أن يجيب، فقيل له: فقال: إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ندعى إليه (¬4). هذا هو الصحيح، في هذا الإسناد الحسن بن دينار عن الحسن البصري، والحسن بن دينار متروك. أبو داود، عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من ثقيف كان يقال له معروفًا أي يثنى عليه خيرًا إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْوَليمَةُ أَوَّلُ يَوْم حَقٌّ، وَالثَّانِي مَعْرُوف وَالثالِثُ سُمْعَةٌ" (¬5). قال البخاري: لم يصح إسناده، ولم تصح له صحبة (¬6). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ أَوَّل ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1432). (¬2) رواه مسلم (1432). (¬3) الكامل (7/ 222) لابن عدي. (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 302). (¬5) رواه أبو داود (3745). (¬6) التاريخ الكبير (3/ 425) للبخاري.

يوْيم حَقٌّ، وَطَعَامُ يِوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ، وَمَنْ سَمعَ سَمعَ اللهُ بِهِ" (¬1). في إسناده زياد بن عبد الله وهو كثير الغرائب والمناكير، قاله أبو عيسى. النسائي، عن محمد بن حاطب الجمحي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ الدّفُّ وَالصَّوْتُ في النِّكَاحِ" (¬2). أخرج الترمذي هذا الحديث أيضًا وقال: حديث حسن، وغيره يقول: صحيح (¬3). وأخرج الترمذي أيضًا عن عيسى بن ميمون الأنصاري عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ" (¬4). قال: عيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث، وعيسى بن ميمون [الدنيوري] الذي يروي عن أبي نجيح التفسير ثقة. وذكر العقيلي من حديث عائشة قالت: حدثني معاذ بن جبل أنه شهد ملاك رجل من الأنصار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنكح الأنصاري، وقال: "عَلَى الأُلْفَةِ وَالْخَيْرِ وَالطَّائِرِ الْمَيْمُونِ، دَفِّفُوا عَلَى رَأْسِ صَاحبكُمْ" فدفف على رأسه وأَقبلت السلال فيها الفاكهة والسكر، فنثر عليهم فأمسك القوم ولم ينتبهوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَزْيَنَ الْحِلْمَ أَلاَ تَنْتَهِبُونَ أَلاَ تَنْتَهِبُونَ؟ " قالوا: يا رسول الله نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا، قال: "إِنَّمَا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1097). (¬2) رواه النسائي (6/ 127). (¬3) رواه الترمذي (1088). (¬4) رواه الترمذي (1089).

باب ما يقول إذا دخل بالمرأة، أو اشترى الخادم، وما يقال للمتزوج

نهَيْتكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ، وَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْوَلاَئِمِ" (¬1). وفي إسناده بشر بن إبراهيم الأنصاري البصري وهو ضعيف الحديث. البخاري، عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل حين بنيَ عَلَىَّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعل جويريات يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: "دَعي هَذَا وَقُولي بِالذِي كُنْتِ تَقُولينَ" (¬2). وعن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال رسول [نبي] الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ، فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ" (¬3). وعن أنس قال: أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - نِساءً وصبيانًا مقبلين من عرس فقام ممتنًا فقال: "اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبّ النَّاسِ إِليّ" (¬4). باب ما يقول إذا دخل بالمرأة، أو اشترى الخادم، وما يقال للمتزوج أبو داود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا تزَوَّجَ أَحَدُكُم امْرَأَةً أَوِ اشْتَرى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذَرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ". ¬

_ (¬1) رواه العقيلي (1/ 142) ومن طريقه ذكره الذهبي في الميزان (1/ 312 - 313). (¬2) رواه البخاري (5147). (¬3) رواه البخاري (5162). (¬4) رواه البخاري (5180) بهذا اللفظ.

باب ما جاء في نكاح الحوامل، وذوات الأزواج من الكفار بملك اليمين، وما يقول إذا أتى أهله، وكم يقيم عند البكر وعند الثيب، وأجر المباضعة، وفي أحد الزوجين ينشر سر الآخر، وقول الله عز وجل {نساؤكم حرث لكم} وما نهي عنه من ذلك والتستر

وقال في آخر: "ثُمَّ لِيَأخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلِيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ في الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ" (¬1). وعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رَفَّأَ الإنسانَ إذا تزوج قال: "بارَكَ اللهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرِ" (¬2). باب ما جاء في نكاح الحوامل، وذوات الأزواج من الكفار بملك اليمين، وما يقول إذا أتى أهله، وكم يقيم عند البكر وعند الثيب، وأجر المباضعة، وفي أحد الزوجين ينشر سر الآخر، وقول الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وما نهي عنه من ذلك والتستر مسلم، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أُتي بامرأة مُجِحٍّ على باب فسطاط فقال: "لعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَلُمَّ بِهَا؟ " فقالوا: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلّ لَه؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلّ لَه؟ " (¬3). أبو داود في المراسيل عن عبد الرحمن بن جبير قال: وأعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدها (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2160). (¬2) رواه أبو داود (2130). (¬3) رواه مسلم (1441). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (219).

أبو داود، عن أبي الوداك جبر بن نَوْف عن أبي سعيد الخدري يرفعه أنه قال في سبايا أوطاس: "لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حيْضَةً" تفرد أبو الوداك بقوله حتى تحيض حيضة وأبو الوداك وثقه يحيى بن معين وهو عِنْدَ غيره دون ذلك (¬1). مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًا فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي فإنهم لكم حلال إذا انقضت عدتهن (¬2). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنب الشَّيْطَانَ مَا رَزقتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدر بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرهُ الشَّيْطَانُ أبدًا" (¬3). وعن أنس قال: إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا. قال خالد الحذاء: لو قلت رفعه لصدقت، ولكنه قال السنة كذلك (¬4). وذكر الدارقطني من حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْبِكْرُ إِذَا نَكَحَهَا الرَّجُلُ وَلَهُ نِسَاءٌ لَهَا ثَلاَثُ لَيَالٍ، وَالثَّيِّبُ لَيْلَتَانِ" (¬5). في إسناده عمر بن محمد الواقدي وهو ضعيف بل متروك. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2157). (¬2) رواه مسلم (1456). (¬3) رواه مسلم (1434). (¬4) رواه مسلم (1461). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 284).

وذكر البزار عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةَ فَكَانَ لَيْلَةَ الْبِنَاء فَلْيُصَلِّ ركْعَتَيْنِ، وَلِيَأمُرْهَا فَلْتُصَلِّ خلْفَهُ ركْعَتَيْنِ، فَإِن اللهَ جَاعِل فِي الْبَيْتِ خَيْرًا" (¬1). مسلم، عن أبي ذر أن ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: "أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تُصَدقُونَ بِهِ؟ إِنَّ بِكُل تَسْبِيحَةٍ صَدَقَة وَكُل تكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، [وَكُل تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ] وَأَمْر بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنهْي عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدكُمْ صَدَقَةٌ" قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْر" (¬2). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ منْزِلَةَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" (¬3). وعن جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال جابر: إن شاء مُجَبِّيَةَ وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صِمَامٍ واحد (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَعْجَازِهِنَّ وَلاَ فِي أَدْبَارِهِنَّ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1026 زوائد الحافظ ابن حجر) والطبراني (6067) وفي إسناده حجاج بن فروخ وهو ضعيف قاله الحافظ في لسان الميزان. (¬2) رواه مسلم (1006). (¬3) رواه مسلم (1437). (¬4) رواه مسلم (1435). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 206).

في إسناده حمزة بن محمد الجزري وليس بمعروف، وهو أيضًا منقطع الإسناد. وفي تحريم إتيان المرأة في دبرها أحاديث أحسن من هذا وأصح. ذكر النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاء، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ أَدْبَارِهِنَّ" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتى امْرَأَةً فِي دبرِهَا" (¬2). النسائي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلى رَجُلٍ أتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ" (¬3). وعن عبد الله بن سرخس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيُلْقِ عَلى عُجُزِهِ وَعَلى عُجُزِهَا شَيْئًا، وَلاَ يتجَرَّدَا تَجَردَ الْعَيْرَيْنِ" (¬4). هذا يتصل من حديث صدقة بن عبد الله بن السمين وليس بقوي. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث محمد بن جابر اليمامي عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلاَ يُعْجِلْهَا حَتَّى تَقْضِي حَاجَتَهَا كَمَا يُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ" (¬5). محمد بن جابر روى عنه الأئمة كشعبة والثوري وأيوب وغيرهم. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث هشام بن خالد قال: أخبرنا بقية حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عشرة النساء من الكبرى (124). (¬2) رواه أبو داود (2162). (¬3) رواه النسائي في عشرة النساء (115). (¬4) رواه النسائي في عشرة النساء (143) وقال: هذا حديث منكر. (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 150).

باب في العزل

زوْجَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَلاَ يَنْظُر إِلى فَرْجِهَا فَإن ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمى" (¬1). هكذا قال هشام عن بقية نا ابن جريج، ولا يعرف من حديث ابن جريج. وذكر الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُم وَالتَّعِرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلى أَهْلِهِ، فِاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ" (¬2). قال: حديث حسن غريب. باب في العزل مسلم، عن سعد بن أبي وقاص أن رجلًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ " قال الرجل: أشفق على ولدها أو على أولادها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ" (¬3). وعن جذامة بن وهب قالت: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس وهو يقول: "لَقدْ هَمَمْتُ أَنّ أَنْهى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلاَدَهُمْ فَلاَ يَضُر ذَلِكَ أَوْلاَدَهُمْ شَيْئًا" ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِي" (¬4). إسلام جذامة كان عام الفتح، ويقال: جذامة بالذال المنقوطة. ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 75). (¬2) رواه الترمذي (2800) وفي نسختنا حديث غريب. (¬3) رواه مسلم (1443). (¬4) رواه مسلم (1442).

وعن أبي سعيد الخدري قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة المصطلق، فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا الْعُزْبَةُ، ورغبنا في الفداء وأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا لا نسأله! فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لاَ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَة هِي كَائِنَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتكونُ" (¬1). وعنه في هذا الحديث فقال لنا: "وَإِنَّكمْ لتفعَلُونَ وإنَّكمْ لَتفعَلُونَ وَإِنَّكمْ لَتَفْعَلُونَ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَة إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ" (¬2). النسائي، عن جابر بن عبد الله قال: كانت لنا جوار وكنا نعزل عنهن، فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى، سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كذَبَتْ الْيَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللهُ خَلْقَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّه" (¬3). قد تقدم حديث جذامة في هذا، وأن إسلام جذامة كان عام الفتح، وقيل إن إسلامه كان قبل الفتح. وذكر الدارقطني عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها. قال: تفرد به إسحاق الطباع عن ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن محرز عن أبي هريرة عن أبيه عن عمر ووهم فيه. قال: وخالفه عبد الله بن وهب فرواه عن ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن أبيه عن عمر. قال: وهو وهم أيضًا والصواب مرسل يعني عن حمزة عن عمر ليس فيه عن أبيه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1438). (¬2) رواه مسلم (1438). (¬3) رواه النسائي في عشرة النساء (193) والترمذي (1136) وقال: حسن صحيح. (¬4) العلل (2/ 93) للدارقطني.

باب القسمة بين النساء، وحسن المعاشرة، وحق كل واحد من الزوجين على صاحبه، وأحاديث تتعلق بكتاب النكاح

باب القسمة بين النساء، وحسن المعاشرة، وحق كل واحد من الزوجين على صاحبه، وأحاديث تتعلق بكتاب النكاح مسلم، عن عطاء عن ابن عباس قال: كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع نسوة، فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة (¬1). قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي كذا قال، والذي كان لا يقسم لها كانت سودة بنت زمعة. وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. . . . . وذكر الحديث (¬2). وعنها قالت: ما رأيت امرأة أحب إليَّ أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة، قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سوْدة (¬3). وعن أنس قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - تسع نسوة، فكان إذا قَسَمَ بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن في كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده إليها فقالت: هذه زينب، فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - يده. . . . . . . وذكر الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1465). (¬2) رواه مسلم (2445). (¬3) رواه مسلم (1463). (¬4) رواه مسلم (1462).

وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها، وذكر هبة سوْدة يومها لعائشة قالت: في ذلك أنزل الله عز وجل وفي أشباهها {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} (¬1). وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى النساء، يعني في مرضه فاجتمعن فقال: "إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تأْذَنَّ لِيَ فَأكونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُنَّ" فأذنَّ له (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كَانَ عِنْدَ الرجُلِ امْرَأَتَانِ لاَ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّه سَاقِطٌ" (¬3). قال: إنما أسنده همام، وهمام ثقة حافظ. وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللَّهُمَّ هَذه قِسْمَتِي فِيمَا أمْلِكُ فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ" (¬4). روي مرسلًا. مسلم، عن أسماء قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن لي ضرة فهل علي جناح أن أتشبع من مال زوجي مما لم يُعطني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُور" (¬5). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ ¬

_ (¬1) يقتضي طريقة المصنف أن هذا الحديث عند مسلم وليس كذلك فقد رواه أبو داود (2135). (¬2) رواه أبو داود (2137). (¬3) رواه الترمذي (1141). (¬4) رواه الترمذي (1140). (¬5) رواه مسلم (2130).

لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا" (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وعن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وذكَّر ووعظ فقال: "أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبينَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّع، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغَوُا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إلَّا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًا، فَأَمَّا حَقكُمْ عَلى نِسَائكمُ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تكرَهُونَ، وَلاَ يَأذَن فِي بُيُويكُمْ لِمَنْ تكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" (¬2). قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة، قال: قلت: يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها أم ما ندع؟ قال: "حَرْثُكَ أَنَّى شِئْتَ غَيْرَ أَنْ لاَ تُقَبِّحَ الْوَجْهَ وَلاَ تَضْرِبَ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعمْتَ وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلاَ تَهْجُرْهَا إِلَّا فِي بَيْتِها، كَيْفَ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ إِلَّا بِمَا حَلَّ عَلَيْهَا" (¬3). وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتزل نساءه وقعد في المشربة. ذكره مسلم وسيأتي إن شاء الله تعالى. أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن عمر قال: أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال: "أَلَّا تَخْرُج مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1159) وقال: حديث حسن غريب كذا في نسختنا. (¬2) رواه الترمذي (1163). (¬3) رواه النسائي في عشرة النساء (278).

فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. . . . . وذكر باقى الحديث (¬1). في إسناده ليث بن أبي سليم. أبو داود، عن أياس بن عبد الله بن أبي ذئاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ" فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ" (¬2). وعن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُسْألُ الرَّجُلُ فِيمَا ضرَبَ امْرَأَته" (¬3). في إسناده عبد الرحمن الْمُسْلِي وفيه نظر. النسائي، عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْن الْيَتِيمِ والْمَرْأَةِ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِها لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ" (¬5). النسائي، عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلى امْرَأَة لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ" (¬6). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بنِسَاءِكُمْ مِنْ أَهْلِ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (4/ 303 - 304) وليس عنده محل الشاهد. ورواه أبو داود الطيالسي (1954) وفيه محل الشاهد. (¬2) رواه أبو داود (2146) والنسائي في عشرة النساء (285) وابن ماجه (1985). (¬3) رواه أبو داود (2147) والنسائي في عشرة النساء (286). (¬4) رواه النسائي في عشرة النساء (267 و 268). (¬5) رواه مسلم (1436) والبخاري (5193) والنسائي في عشرة النساء (84). (¬6) رواه النسائي في عشرة النساء (250) والحاكم (2/ 190) والبيهقي (7/ 294).

الْجَنَّةِ الْوَلود الْوَدود العؤود عَلى زَوْجِهَا الَّذي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ جَاءتْ حَتَّى تَأخُذَ بِيَدِ زَوْجِهِا ثُمَّ تَقُولُ: وَاللهِ لاَ أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضى" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ. وإنْ ذَهَبْتَ تُقيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا" (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرِكُ مُومِن مُومِنَة إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرًا"، أو قال: "غَيْرَهُ" (¬3). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ [خُلُقًا] " (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. البخاري، عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل ينقمعن منه فيسيرهن إليَّ فيلعبن معي (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلًا ليخونهم أو يطلب عثراتهم (¬6). زاد في أخرى: حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عشرة النساء (257). (¬2) رواه مسلم (1468). (¬3) رواه مسلم (1469). (¬4) رواه الترمذي (1162). (¬5) رواه البخاري (6130). (¬6) رواه مسلم (715). (¬7) رواه مسلم (715).

النسائي، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطرق أهله ليلًا يقدم غدوة أو عشية (¬1). مسلم، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" قالت: فقلت: ومن أَين تَعرف ذلك؟ قال: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةَ فَإِنَّكِ تَقُولينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبى قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ" قالت: قلت: أجل يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك (¬2). وعن عمر بن الخطاب قال: دخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم، قلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَالْمُؤْمِنُ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ" (¬4). الدارقطني، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لَيَغَارُ بِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَلْيَغِرْ لِنَفْسِهِ". قال: هذا حديث حسن صحيح في كتاب العلل (¬5). البزار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْغَيْرَةُ مِنَ الإيمَانِ والبَذَاءُ مِنَ النِّفَاقِ" (¬6). البخاري، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُبَاشِرِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عثرة النساء (264) والبخاري (1800) ومسلم (1928). (¬2) رواه مسلم (2439). (¬3) رواه مسلم (1479) والبخاري (2468 و 5191). (¬4) رواه مسلم (2761). (¬5) العلل (5/ 306 - 308) للدارقطني. (¬6) رواه البزار (1490 كشف الأستار) وانظر سلسلة الضعيفة (1808).

الْمَرْأةُ المَرْأَةَ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا" (¬1). النسائي، عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احْفَظْ عَوْرتك إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ" قلت: يا رسول الله فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرى أَحَدٌ عَوْرتكَ فَافْعَلْ" قلت: فإذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: "فَاللهُ أَحَق أَنْ يُسْتَحْيَى مِنَ النَّاسِ" (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله في حديثه الطويل قال: فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت ظُعْنُ يَجْرِينَ فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه من الشق الآخر ينظر (¬3). زاد الترمذي في هذا الحديث وخرجه من حديث علي فقال العباس: يا رسول الله لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عمك، قال: "رَأَيْتُ شَابًا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا" (¬4). وقال: حديث حسن صحيح. عن نبهان مولى أم سلمة أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبَا مِنْه" فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ بقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلسْتُمَا تُبْصِرانِهِ؟ " (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5240 و 5241). (¬2) رواه النسائي في عشرة النساء (86) والبخاري (278). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) رواه الترمذي (885). (¬5) رواه الترمذي (2779) وأبو داود (4112).

ذكره أبو داود وقال: هذا لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس: "اعْتَدي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومِ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ" (¬1). وذكر في المراسيل عن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلى الْمفْصلِ" (¬2). وقد أسنده في كتابه سعيد بن المسيب عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). قال: وهو مرسل، قال: وخالد لم يسمع من عائشة. وذكره أبو أحمد من حديث سعيد بن بشير بإسناد أبي داود، قال أبو أحمد: ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير، قال: وقد قال مرة خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة (¬4). أبو داود، عن سالم بن دينار ويقال ابن راشد عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى عائشة بعبد قد وَهَبَهُ لها وعلى فاطمة ثوب إذا قَنَّعَتْ به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: "إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلاَمُكِ" (¬5). سالم هذا روى عنه عبد الرحمن بن مهدي ومسلم بن إبراهيم وغيرهما من الجلة ووثقه يحيى بن معين، وأبو زرعة يقول فيه: ليّن الحديث. ¬

_ (¬1) قاله أبو داود بعد الحديث (4112). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (437). (¬3) رواه أبو داود (4104). (¬4) الكامل (3/ 373) لابن عدي. (¬5) رواه أبو داود (4106).

مسلم، عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري (¬1). وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تَمْعَسُ مَنِيئَةً لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: "إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورة شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورة شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ" (¬2). وعن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُول عَلى النِّسَاءِ" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ" (¬3). قال الليث: الحمو أخ الزوج وما أشبه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه. وذكره الدارقطني عن أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن عن علي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلم النساء إلا بإذن أزواجهن. قال: رواه ابن أبي ليلى عن الحكم عن أبي جعفر عن علي، وخالفه شعبة عن الحكم عن ذكوان أبي صالح عن مولى لعمرو بن العاص عن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا هو الصحيح في هذا الإسناد (¬4). مسلم، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الدنْيَا حُلْوَةٌ خَضرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2159). (¬2) رواه مسلم (1403). (¬3) رواه مسلم (2172). (¬4) العلل (4/ 126 - 127) للدارقطني. (¬5) رواه مسلم (2742).

باب إخراج المخنثين من البيوت

وعن أسامة بن زيد وسعيد بن عمرو بن نفيل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةَ أَضَرَّ عَلى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" (¬1). البزار، عن عطاء بن يسار عن سلمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ اتَّخَذَ مِنَ الْخَدَمِ غَيْرَ مَا يَنْكِحُ ثُمَّ بَغَيْنَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آثَامِهِنَّ شَيْءٌ" (¬2). باب إخراج المخنثين من البيوت مسلم، عن أم سلمة أن مخنثًا كان عندها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت، فقال لأخي أم سلمة: يا عبد الله إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمُ الطَائِفَ غَدًا فَأنَا أَدُلَّكَ عَلى ابْنَةِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لاَ يَدْخَلُ هَؤلاَء عَلَيْكُنَ" (¬3). وعن عائشة قالت: كان يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مخنثًا، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، قالت: فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَا هُنَا لاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ" قالت: فحجبوه (¬4). زاد أبو داود: وأخرجه فكان إذا كان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2741). (¬2) رواه البزار (1034 زوائد الحافظ ابن حجر) وقال: فيه انقطاع. (¬3) رواه مسلم (2180) وفي صحيح مسلم "عليكم". (¬4) رواه مسلم (2181). (¬5) رواه أبو داود (4109).

باب النفقة على العيال

وخرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ هَذَا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى البقيع، فقيل: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ" (¬1). البخاري، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (¬2). وعنه قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء قال: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ" وأخرج النبي فلانًا وأخرج عمر فلانًا (¬3). باب النفقة على العيال البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تطعِمني وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْني، وَيَقُولُ الابْنُ أَطْعمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعْنِي؟ " قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة (¬4). وقال النسائي في هذا الحديث: "وَاْبدَأَ بِمَنْ تَعُولُ" فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: "امْرَأَتُكَ مِمَّنْ تَعُولُ تَقُولُ: أَطْعِمني وَإِلَّا فَارِقْني، خِادِمُكَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4928). (¬2) رواه البخاري (5885). (¬3) رواه البخاري (5886). (¬4) رواه البخاري (5355).

يَقُولُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَلَدُكَ يَقُولُ: إِلى مَنْ تَتْرُكُنِي" (¬1). وقوله: من أعول يا رسول الله ليس في كل النسخ من كتاب النسائي (¬2). وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث وقال فيه: من أعول يا رسول الله، وطريقه وطريق النسائي واحد، هو عندهما من طريق سعيد بن أيوب عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة، وسعيد ومحمد ثقتان (¬3). وقال الدارقطني أيضًا نا أبو بكر الشافعي نا محمد بن بشير بن مطرط نا شيبان بن فروخ نا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمَرْأة تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي. . . . ." الحديث (¬4). قال شيبان ونا حماد بن سلمان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال في الرجل يعجز عن نفقة امرأته قال: أن لا يفرق بينهما (¬5). وذكر الدارقطني قال: نا عثمان بن أحمد بن السماك ونا عبد الباقي بن قانع وإسماعيل بن علي قالوا: أخبرنا أحمد بن علي الخراز نا إسحاق بن إيراهيم البارودي نا إسحاق بن منصور نا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما (¬6). وبهذا الإسناد إلى حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬7).¬

مسلم، عن أبي الزبير عن جابر قال: دخل أبو بكر الصديق يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الناس جلوسًا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا، قال: فقال: لأقولن شيئًا أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة تَسْألَنِي النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هُن حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ" فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده، قلن: لا والله ما نسأل رسول الله ما ليس عنده، ثم اعتزلَهُنَّ شهرًا أو تسعاَ وعشرين. . . . الحديث (¬1). إنما يؤخذ من حديث أبي الزبير ما يذكر فيه السماع، أو كان من رواية الليث عن أبي الزبير، وليس هذا الحديث من رواية الليث فيما أعلم. مسلم، عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" (¬2). وعن عائشة قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ما يعطي من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير إذنه [علمه]، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1478) وعنده فقلن والله لا نسأل رسول الله شيئًا أبدأ ليس عنده. (¬2) رواه مسلم (996) وهذا اللفظ ليس عنده، وإنما عنده بلفظ "أن يحبس عمن يملك قوته". (¬3) رواه مسلم (1714).

باب في الرضاع

البخاري، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم (¬1). النسائي، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَة أَيْسَرُهُنَّ مُونَةً" (¬2). باب في الرضاع مسلم، عن عائشة قالت: جاء عمي من الرضاع يستأذن عليَّ، فأبيت أن آذن له حتى استأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: إن عمي من الرضاعة استأذن علي فأبيت أن آذن له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمُّك" قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قال: "إِنَّهُ عَمُّكَ فَلْيَلجْ عَلَيْك" (¬3). وعنها في هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ" (¬4). وعن أم حبيبة قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ فقال: "أَفْعَلُ مَاذَا؟ " قلت تنكحها، قال: "أَوْ تُحبِّينَ ذَلِكَ؟ " قالت: لست لك بمخلية وأحب من شركني في الخير أختي، قال: "فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي" قلت: فإني أخبرت أنك تخطب درة ابنة أبي سلمة، قال: "ابنة أم سلمة" قلت: نعم قال: "لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِبَيتي في حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5357). (¬2) رواه النسائي في عشرة النساء (392). (¬3) رواه مسلم (1445). (¬4) رواه مسلم (1444).

إِنَّهَا ابْنَةُ أَخي مِنَ الرَّضَاعَةِ رَضَعْتنِي وَإِيَّاهَا ثُوَيْبَةُ فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ" (¬1). وعن عائشة قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنى أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْضِعِيهِ" قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟! فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ" (¬2). وفي أخرى: "أَرْضِعِيهِ تُحْرَمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَب الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ" فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة (¬3). وفي أخرى: فقالت: إنه ذو لحية، فقال: "أَرْضِعِيهِ يَذْهَبِ الَّذِي [مَا] فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ" (¬4). وفي أخرى: وكان قد شهد بدرًا (¬5). وعن زينب ابنة أبي سلمة أن أم سلمة كانت تقول أبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن أحدًا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذه إلا رخصة رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا (¬6). وذكر أبو داود في هذا الحديث أنها أرضعته خمس رضعات، وأن عائشة كانت تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1449). (¬2) رواه مسلم (1453). (¬3) رواه مسلم (1453). (¬4) رواه مسلم (1453). (¬5) رواه مسلم (1453). (¬6) رواه مسلم (1454).

ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها (¬1). مسلم، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، قالت: فقال: "انْظُرْنَ إِخْوَانَكُنَّ [إِخْوَتَكُنَّ] مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ" (¬2). وعن أم الفضل بنت الحارث قالت: دخل أعرابي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتي فقال: يا نبي الله إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولي أنها أرضعت الحُدْثَى رضعة أو رضعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُحرِّمُ الإِمْلاَجَةُ وَلاَ الإِمْلاَجَتَانِ" (¬3). النسائي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ الْمَصَّةُ وَلاَ الْمَصَّتَانِ، وَمَا يُحَرِّمُ فِيْهُ إِلَّا مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ مِنَ اللَّبَنِ" (¬4). قال أبو عمر: لا يصح مرفوعًا وصححه غيره لأن الذي رفعه ثقة (¬5). ومن طريق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ما يحرم من الرضاعة قال: "الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ" (¬6). مسلمة بن علي ضعيف لا يحتج به، وقد أنكر على ابْنِ وَهبٍ الرواية عنه فهو حديث منقطع. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2061) من حديث عائشة وأم سلمة. (¬2) رواه مسلم (1455). (¬3) رواه مسلم (1451). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5460 و 5461). (¬5) التمهيد (8/ 267). (¬6) رواه ابن حزم في المحلى (10/ 199).

أبو داود، عن ابن لعبد الله بن مسعود عن ابن مسعود قال: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم (¬1). في إسناده أبو موسى الهلالي عن أبيه، وقد أسند من طريقه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه (¬2)، وأبو موسى الهلالي وأبوه مجهولان. ذكر ذلك أبو حاتم. النسائي، عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّديِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ" (¬3). تكلموا في سماع فاطمة بنت المنذر من أم سلمة. قال أبو محمد بن حزم: ولدت فاطمة بنت المنذر سنة ثمان وأربعين، وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين، قال: وأبعد سماعها من جدتها أسماء بنت أبي بكر (¬4). أما الترمذي فذكره بهذا الإسناد وقال: حديث حسن صحيح (¬5). وروى أبو بكر من طريق جويبر عن الضحاك عن النزال بن سمرة عن علي، وعن معمر أيضًا عن حزام بن عثمان عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن جابر كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ رِضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ" (¬6). وفي حديث جابر: "بَعْدَ الْفِطَامِ" جويبر وحزام متروكان. وروى أبو أحمد بن عدي من حديث سعيد بن المرزبان عن يزيد الفقير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ رِضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلاَ وِصَالَ فِي صِيَامٍ، وَلاَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2059). (¬2) رواه أبو داود (2060). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (5465). (¬4) المحلى (10/ 207). (¬5) رواه الترمذي (1152). (¬6) المحلى (10/ 203 و 207 - 208).

صُمْتَ يَوْم إِلَى اللَّيْل، وَلاَ عِتْقَ حَتَّى يَمْلِكَ، وَلاَ طَلاَقَ حَتَّى يَتزَوَّجَ، وَلاَ يُتْمَ بَعْدَ حِلْمٍ" (¬1). سعيد هذا هو أبو سعيد البقال، أحسن ما قيل فيه أنه كان لا يكذب، وأنه ممن يكتب حديثه. وذكر أبو أحمد بن عدي أيضًا من حديث ابن جميل نا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُحَرمُ مِنَ الرّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ". قال: هذا يعرف بالهيثم بن جميل مسندًا عن ابن عيينة، وغير الهيثم لا يعرفه عن ابن عباس، والهيثم كان يسكن أنطاكية، ويقال هو البغدادي، ويغلط الكثير على الثقات كما يغلط غيره، وأرجو أن لا يتعمد الكذب (¬2). وذكر ابن أبي حاتم الهيثم هذا وقال: وثقه أحمد بن حنبل (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن (¬4). البخاري، عن عقبة بن الحرث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فأرسل إلى أبي إهاب فسألهم فقالوا: ما علمناها أرضعت صَاحِبَتَنَا، فركب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ " ففارقها وتزوجت غيره (¬5). ¬

_ (¬1) الكامل (3/ 385) لأبي أحمد بن عدي. (¬2) الكامل (7/ 103) لابن عدي. (¬3) الجرح والتعديل (9/ 86) لابن أبي حاتم. (¬4) رواه مسلم (1452). (¬5) رواه البخاري (2640) بهذا اللفظ.

وفي طريق أخرى قلت: إنها كاذبة فقال: "كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتكمَا؟ دَعْهَا عَنْكَ" (¬1). أبو داود، عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما يُذْهب عني مذمة الرضاع؟ قال: "الْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الأَمَةُ" (¬2). وذكر أبو داود في المراسيل عن زياد السهمي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُسْتَرْضَعَ الحمقاء، فإن اللبن يُشْبِهُ (¬3). وقد أسند عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعَدِّي" (¬4). والذي أسنده يتهم بوضعه هو عمرو بن خليف الحتاوي، وحتاوة قرية بعسقلان ذكر ذلك أبو أحمد الجرجاني. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5104). (¬2) رواه أبو داود (2064). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (207). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 154).

11 - كتاب الطلاق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدَنا ومولانا محمد خير خلقه وعلى آله وسلم تسليما كتاب الطلاق باب كراهية الطلاق، وما جاء في الاستثناء فيه، ومن طلق ما لا يملك أبو داود، عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الطَّلاَقُ" (¬1). وهو يروى مرسلًا من حديث محارب (¬2). البزار، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُطَلَّقُ النِّسَاءُ إِلَّا مِنْ رِيبَةٍ، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2178). (¬2) رواه أبو داود (2177).

إِنَّ اللهَ لاَ يُحِب الذَّواقِينَ وَلاَ الذَّوَّاقَاتِ" (¬1). الدارقطني، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَلَّ اللهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ، فَمَنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَه ثُنْيَاهُ" (¬2). في إسناده حميد بن مالك وهو ضعيف. أبو داود، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا فِي غَيْرِ مَا بَأس فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" (¬3). النسائي، عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول الله إن تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس، قال: "طَلِّقْهَا" قال: إني لا أصبر عنها، قال: "فَأمسِكْهَا" (¬4). ذكر القاضي ابن صخر في فوائده عن الأصمعي، إنما كنا بذلها الطعام وما يدخله عليها لا غير. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مَنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ" (¬5). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ" (¬6). قال: هذا حديث حسن غريب. ومن طريق وكيع أسنده إلى الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ طَلَّقَ لاَعِبًا أَوْ أَنْكَحَ لاَعِبًا أَوْ نَكَحَ أَوْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ هَزَا [جاز] " (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1068) زوائد الحافظ. (¬2) رواه الدارقطني (4/ 35). (¬3) رواه أبو داود (2226). (¬4) رواه النسائي (6/ 170) وفي الكبرى (5659). (¬5) رواه أبو داود (2175). (¬6) رواه الترمذي (1184). (¬7) انظر المحلى (9/ 465).

باب ذكر طلاق السنة، ومن طلق ثلاثا، وما جاء في التمليك، والبتة

هذا مرسل، ويروى من طريق فيها إبراهيم بن محمد بن أبي ليلى وهو مذكور بالكذب. وعن ابن جريج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا منقطع فاحش الانقطاع، ذكر حديث وكيع وما بعد أبو محمد علي بن أحمد (¬1). أبو داود، عن مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ طَلاَقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلاَ عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلاَ بَيع إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلاَ وَفَاءَ نَذْر فِيمَا لاَ تَمْلِكُ" (¬2). قال البخاري: هذا أصح شيء في الطلاق قبل النكاح (¬3). وذكر وكيع عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنذر وعطاء بن أبي رباح كلاهما عن جابر بن عبد الله يرفعه: "لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ" (¬4). خرجه أبو محمد. باب ذكر طلاق السنة، ومن طلق ثلاثًا، وما جاء في التمليك، والبتة مسلم، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين ¬

_ (¬1) المحلى (9/ 466). (¬2) رواه أبو داود (2190) ولفظه "ولا وفاء نذر إلا فيما تملك". (¬3) ترتيب العلل الكبير للترمذي (ص 173). (¬4) المحلى (9/ 467).

تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (¬1). وفي بعض طرق هذا الحديث، قال ابن عمر: وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ} (¬2). وعن ابن عمر أيضًا أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مُرْهُ فَليُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أوْ حَامِلًا" (¬3). وعنه في هذا قال: فراجعتها وحسبت لها الطلقة التي طلقتها (¬4). وفي بعض طرق هذا الحديث: "فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ إِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلِّقْهِا" (¬5). قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وسعيد بن جبير وأنس بن سيرين وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبي وائل معناهم كلهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك. وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر. ورواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك (¬6). ولأبي داود في بعض طرق هذا الحديث عن أبي الزبير سمع ابن عمر قال: فردها عليَّ ولم يرها شيئًا (¬7). قال أبو داود: والأحاديث كلها على خلاف ما رواه أبو الزبير (¬8). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1471). (¬2) رواه مسلم (1471). (¬3) رواه مسلم (1471). (¬4) رواه مسلم (1471). (¬5) رواه مسلم (1471). (¬6) سنن أبي داود (2/ 637). (¬7) رواه أبو داود (2185). (¬8) سنن أبي داود (2/ 637).

وذكر محمد بن عبد السلام الخشني قال: نا محمد بن يسار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال: نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته ثلاثًا وهي حائض [قال ابن عمر: لا يعتد بذلك. . . . وفيها. . . أنه يعتد بها ذكر هذا الحديث أبو محمد (¬1). وذكر الدارقطني عن أحمد بن صبيح عن طريف بن ناصح عن معاوية عن عمار الدهني عن أبي الزبير، قال: سألت ابن عمر عن رجل أنه طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض] فقال لي: أتعرف ابن عمر؟ قلت: نعم، قال: طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السنة. قال: [هؤلاء] كلهم شيعة (¬2). لم يرد على هذا وما فيهم من يحتج به فيما أعلم. وروى قاسم بن أصبغ عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن معلى بن عبد الرحمن الواسطي عن عبد المجيد عن محمد بن قيس عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت مرة أخرى إن شاء طلق وإن شاء أمسك (¬3). زاد فيها هذا الحديث أن يمسها في الطهر الأول. ومعلى بن عبد الرحمن ضعيف قاله أبو حاتم، ومرة قال فيه: متروك. وذكر هذا الحديث في مصنفه ابن الصلاح فيما حدثني عنه ابن مدير. ¬

_ (¬1) المحلى (9/ 375) ومكان النقاط كلمتان لم أستطع قراءتهما في المخطوطة المغربية وما بين المعكوفين منها. (¬2) رواه الدارقطني (4/ 7). (¬3) رواه ابن عبد البر في التمهيد (15/ 54) عن عبد الوارث بن سفيان عن قاسم به. وعنده إبراهيم بن عبد الرحيم. وهو ابن دنوقا وهو كذلك في ثقات ابن حبان وتاريخ بغداد وتوضيح المشتبه.

الدارقطني، عن ابن عمر في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هِيَ وَاحِدَةٌ" (¬1). ورواه أيضًا من طريق معلى بن منصور قال فيه: قلت: يا رسول الله أرأيت لو أني أطلقها ثلاثًا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: "لاَ كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتكونُ مَعْصِيَةً" (¬2). قال: معلى بن منصور رماه أحمد بن حنبل بالكذب. وخرج أيضًا عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتيَنِ أَوْ ثَلاَثًا أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَه" (¬3). في إسناده إسماعيل بن أمية وهو متروك. مسلم، عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (¬4). عند أبي داود: إن هذا كان في التي لم يدخل بها وهو عنده منقطع الإسناد (¬5). وذكر أبو أحمد الجرجاني من حديث سليمان بن أرقم عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طَلاَقُ الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا وَاحِدَةٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 9). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 31). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 44 - 45). (¬4) رواه مسلم (1472). (¬5) رواه أبو داود (2199). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 253).

وسليمان بن أرقم متروك، والحديث مرسل. النسائي، عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . . . . . . . (¬1) طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: " أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ " حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ (¬2). رواه مخرمة بن بكير عن أبيه ولم يسمع منه إنما كان يحدث من كتاب أبيه. قال النسائي: لا أعلم رواه غير مخرمة. وذهب البخاري إلى أن محمودًا له صحبة. وقال أبو حاتم: لا نعرف له صحبة. الدارقطني، عن عبادة بن الصامت قال: طلق بعض آبائي امرأته ألفًا، فانطلق بنوه إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله إن أبانا طلق أمنا ألفًا فهل له من مخرج؟ فقال: "إِنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتَّقِ اللهَ فَيَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا، بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ بِثَلاَثٍ عَلي غَيْرِ السُّنَّةِ، وَتِسْعَمَائَةٌ وَتِسْعُونَ إِثْمٌ فِي عُنُقِهِ" (¬3). في سنده تسعة رجال بين مجهول وضعيف. وعن الحسن بن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيَّما رَجُلٍ طَلَّقَ آمْرَأَتهُ ثَلاَثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ وَعِنْدَ رَأسِ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلِيقَةٌ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا جَمِيعًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكَحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" (¬4). في إسناده عمرو بن شمر وهو ضعيف. ¬

_ (¬1) بياض بالأصل. (¬2) رواه النسائي في الصغرى (6/ 142) وفي الكبرى (5594). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 20). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 31).

وروي من طريق محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف أيضًا" (¬1). وذكر الدارقطني أيضًا عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فأبانها منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاب ذلك عليه (¬2). وسلمة بن سلمة ضعيف. والصحيح أنها كانت مفترقات، ولا يصح اللفظ بالثلاث إلا في حديث الملاعنة. وسيأتي إن شاء الله تعالى. الترمذي، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقنك فتبيني ولا آويك أبدًا، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة، فأعلمتها [فأخبرتها] فسكتت عائشة حتى جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل القرآن: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قالت عائشة: فاستأنف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس الطلاق مستقبلًا من كان طلق ومن لم يطلق (¬3). رواه عن عروة مرسلًا وهو أصح. يعني المرسل. وذكر أبو داود في المراسيل عن إسماعيل بن سميع قال: سمعت أبا رزين الأسدي يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 30 - 31). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 17). (¬3) رواه الترمذي (1192).

قول الله عز وجل: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قال: فأين الثالثة؟ قال: "تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" (¬1). وقد أسند هذا عن إسماعيل بن سميع عن قتادة عن أنس والمرسل أصح (¬2). أبو داود، عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد وأبو ركانة وإخوته أم ركانة ونكح امرأة من مُزَيْنَةَ، فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - حمية، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: "أترَوْنَ فُلاَنًا يُشْبِهُ مِنْه كَذَا وَكَذَا مِنْ عَبْدِ يَزيدَ، وفَلاَنًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ " قالوا: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد يزيد: "طَلِّقْهَا"ففعل، فقال: "رَاجِعْ امْرَأتكَ أُمَّ ركَانَةَ وَإخْوَتِهِ" فقال: إني طلقتها ثلاثًا يا رسول الله، قال: "إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ رَاجحْهَا" وتلا: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬3). أخرجه من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس، وهو منقطع، وليس في بني رافع من يحتج به إلا عبد الله. وذكر أبو داود أيضًا عن نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبتة، فأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلقها الثانية في زمن عمر بن الخطاب، والثالثة في زمن عثمان (¬4). قال أبو داود: هذا أصح من حديث ابن جريج، يعني الحديث الذي قبل هذا. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (220). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 4). (¬3) رواه أبو داود (2196). (¬4) رواه أبو داود (2206).

وفي بعض طرق هذا الحديث، ما أردت إلا واحدة قال: "آللهِ" قال: آلله، قال: "هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ" (¬1). في إسناد هذا الحديث [. . . . . . . . . .] (¬2) عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة والزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده وكلهم ضعيف. قال البخاري: علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه. وقال أبو داود: هذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا لأنهم أهل بيته وهم أعلم بقضيتهم وحديثهم. وذكر الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا طلق ألبتة فغضب وقال: "تَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا أَوْ دِينَ اللهِ هُزُوًا وَلَعِبًا مَنْ طَلَّقَ الْبَتةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلاَثًا لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" (¬3). في إسناده إسماعيل بن أبي أمية الكوفي عن عثمان بن مطر عن عبد الغفور بن عبد العزيز الواسطي وكلهم ضعفاء. الترمذي، عن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب: هل علمت أن أحدًا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن؟ قال: لا إلا الحسن، ثم قال: اللهم غفرًا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بني سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَلاَثٌ" (¬4). قال: إنما هو موقوف على أبي هريرة ذكره الترمذي عن البخاري، وكثير ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2208). (¬2) لم نستطع قراءة كلمتين من المخطوطة فوضعنا النقاط بين معكوفين. (¬3) رواه الدارقطني (4/ 20). (¬4) رواه الترمذي (1178).

باب في الخلع

مولى بني سمرة مجهول، قاله علي بن أحمد (¬1). باب في الخلع مالك، عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذِهِ؟ " فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله، قال: "مَا شَأنُكِ؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلِ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَذْكُرَ" فقالت: يا رسول الله كل ما أَعطاني عندي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس: "خُذْ مِنْهَا" فأخذ منها وجلست في بيت أهلها (¬2). البخاري، عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أترُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبِل الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةَ" قال: لا يتابع فيه عن ابن عباس (¬3). وزاد في رواية منقطعة من قولها في ثابت: ولكني لا أطيقه (¬4). وذكر عبد الرزاق عن معمر قال: بلغني أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: بي من ¬

_ (¬1) المحلى (9/ 294). (¬2) رواه مالك (2/ 22 - 23). (¬3) رواه البخاري (5273). (¬4) رواه البخاري (5275).

الجمال ما قد ترى وثابت رجل دَمِيمٌ (¬1). النسائي، عن الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبيّ، فأتى أخوها يشتكيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثابت فقال له: "خُذِ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلِّ سَبيلَهَا" قال: نعم، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها (¬2). [وذكر الترمذي حديث الربيع وقال: الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة، وذكره من حديث عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس وقال: حديث حسن غريب] (¬3). أبو داود، عن عطاء بن أبي رباح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها (¬4). هذا مرسل. وذكر في المراسيل أيضًا عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث حديث المختلعة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ" (¬5). [وذكر الدارقطني عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمختلعة: "زيديه" (¬6). وهذا يرويه الحسن بن عمارة وهو متروك]. وذكر الدارقطني عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الخلع تطليقة بائنة (¬7). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (11759). (¬2) رواه النسائي (6/ 186). (¬3) رواه الترمذي (1185) مكرر. (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (238). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 254) وما بين المعكوفين من النسخة المغربية. (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (236). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 45 - 46).

باب الحقي بأهلك

في إسناده عباد بن كثير الثقفي ولا يصح. باب الحقي بأهلك البخاري، عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: "لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ" (¬1). وعن أبي أسيد في هذا الحديث قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشَّوْط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسُوا هَا هُنَا" فدخل وقد أتي بالجونية، فأنزلت في نخل في بيت أمية بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هِبِي نَفْسَكِ لي" قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى بيده ليضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك، قال: "لَقَدْ عُذْتِ بِمعَاذٍ" ثم خرج علينا فقال: "يَا أبا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقَتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأهلِهَا" (¬2). وقال مسلم: عن سهل بن سعد ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أُجُم بني ساعدة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءها، فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: أعوذ بالله منك، قال: "قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي" فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا، فقالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءك ليخطبك فقالت: أنا كنت أشقى من ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5254). (¬2) رواه البخاري (5255 و 5257). (¬3) رواه مسلم (2007).

باب ما جاء في طلاق المريض والمكره

باب ما جاء في طلاق المريض والمكره أبو داود، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ طَلاَقَ وَلاَ عتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ" (¬1). في إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وهو ضعيف. وذكر العقيلي عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُجِزْ طلاق المريض (¬2). في إسناده سهل بن أبي الصلت السراج. وذكر العقيلي أيضًا من حديث صفوان بن الأصم أن رجلًا كان نائمًا مع امرأته، فقامت وأخذت سكينًا وجلست على صدره، ثم وضعت السكين على حلقه فقالت له: طلقني وإلا ذبحتك، فناشدها الله، فأبت، فطلقها ثلاثًا، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ" (¬3). قال: هذا حديث منكر لا يتابع عليه صفوان ومداره عليه. باب وذكر أبو أحمد من حديث جارود بن يزيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِلى سَنَةٍ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلاَحَنَثَ عَلَيْهِ" (¬4). جارود بن يزيد هذا منكر الحديث ضعيفه، وقد نسبه أبو حاتم إلى الكذب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2193). (¬2) رواه العقيلي (2/ 157). (¬3) رواه العقيلي (2/ 211). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 173).

باب ما يحل المطلقة ثلاثا

باب ما يحل المطلقة ثلاثًا مسلم، عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها قال: فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكا فقال: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَه" وأبو بكر الصديق جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخالد بن سعيد العاص جالس بباب الحجرة لم يؤذن له قال: فطفق خالد ينادي أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). البخاري، عن عكرمة أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر، فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنساء ينصر بعضهن بعضًا، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات لِجَلدُها أشد خضرة من ثوبها، قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها فقال: كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّينَ لَهُ أَوْ لَمْ تَصْلِحِينَ لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسْيَلَتِكِ" قال: فأبصر معه ابنين له فقال: "أَبَنُوكَ هَؤُلاَءِ؟ " قال: نعم، قال: "هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ فَوَاللهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالغُرَابِ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1433). (¬2) رواه البخاري (5825).

باب المراجعة

مسلم، عن عائشة قالت: طلق رجل امرأته ثلاثًا فتزوجها رجل ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يرتجعها [يتزوجها] فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "لاَ، حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا ما ذَاقَ الأَوَّلُ" (¬1). وعنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها فتتزوج رجلًا فيطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا" (¬2). باب المراجعة أبو داود، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة ثم راجعها (¬3). وعن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين سئل عن رجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال: طلقت لغير سنة وراجعت بغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد (¬4). باب التخيير مسلم، عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتأْمِرِي أَبَوَيْكِ" ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1433). (¬2) رواه مسلم (1433). (¬3) رواه أبو داود (2283). (¬4) رواه أبو داود (2186).

قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت: ثم قال:"إِنَّ اللهَ قَالَ: {ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} " فقلت: في أي هذا أستأمر أبويّ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلما فعلت (¬1). وفي طريق أخرى: وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلتُ، قال: "لاَ تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ تَعَالى لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثنَي مُعَلِّمًا مُبشرًا" (¬2). وعنها قالت: خيرِنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترناه، فلم يعددها علينا شيئًا (¬3). وروى ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر ويحيى بن عبد الله كلاهما عن ربيعة أن واحدة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - اختارت نفسها فكانت البتة. وذكره أبو محمد قال: وعبد الجبار ويحيى بن عبد الله هالكان، ثم هو مرسل (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: كانت في بريرة ثلاث قضيَّاتِ أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها، فذكرتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اشْتَريهَا وَأَعْتِقيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" وعتقت، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها قالت: وكان الناس يتصدقون عليها وتُهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلكُمْ هَدِيَّهٌ كُلُوهُ" (¬5). أبو داود، عن ابن عباس أن زوج بريدة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1475). (¬2) رواه مسلم (1475). (¬3) رواه مسلم (1475). (¬4) المحلى (9/ 300). (¬5) رواه مسلم (1504).

باب في الظهار

فخيرها، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرها أن تعتد (¬1). زاد أبو الحسن الدارقطني: عدة الحرة (¬2). البخاري، عن ابن عباس أن زوج بريدة كان عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ راجَعْتِهِ" قالت: يا رسول الله تأمرني قال: "إِنَّما أَشْفَعُ" قالت: فلا حاجة لي فيه (¬3). أبو داود، عن عائشة أن بريدة أعتقت وهي عند مغيث عبدٍ لآل أبي أحمد، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "إِنْ قَرُبَكِ فَلاَ خِيَارَ لَكِ" (¬4). باب في الظهار الترمذي، عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ظاهر من امرأته فوقع عليها، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني ظاهرت امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر قال: "ومَا حَمَلَكَ عَلى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ " قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: "فَلاَ تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ" (¬5). قال: هذا حديث حسن غريب صحيح. أبو داود، عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشكو إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجادلني فيه ويقول: "اتَّقِي اللهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ" فما برحت حتى ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2232). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 296). (¬3) رواه البخاري (5283). (¬4) رواه أبو داود (2236). (¬5) رواه الترمذي (1199).

نزل القرآن {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} إلى الفرض قال: "يعْتِقُ رَقَبَةَ" قالت: لا يجد، قال: "فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا" قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قال: "فإِنِّي سَأعُينُهُ بِعَرَقِ تَمْرٍ" قلت: يا رسول الله وأنا ساعينه بعرق آخر قال: "قَدْ أَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَأطعِمي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وارْجِعِي إِلى ابْنِ عَمِّكِ" (¬1). قال: والعرق ستون صاعًا. وفي رواية: والعرق مكيل يسع ثلاثين صاعًا (¬2). وفي أخرى: عنى بالعرق كيلًا ياخذ خمسة عشر صاعًا (¬3). يقال: خولة وخويلة، وخولة أصح. وذكر أبو داود أيضًا عن عطاء عن أوس بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه خمسة عشر صاعًا من شعير إطعام ستين مسكينًا (¬4). وعطاء لم يدرك أوس بن الصامت. أبو داود، عن سليمان بن يسار أن سلمة بن صخر البياضي ظاهر بامرأته. . . . . . . . فذكر الحديث وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرِ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا" قال: قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وَحْشَيْنِ ما لنا طعام، قال: "فَانْطَلِقْ إِلى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأطْعِمْ سَتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا" (¬5). هذا حديث منقطع. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2214) وفيه نوع اختصار. (¬2) رواه أبو داود (2215). (¬3) رواه أبو داود (2216). (¬4) رواه أبو داود (2218). (¬5) رواه أبو داود (2213).

باب ما جاء في طلاق المملوك

وفي رواية عن سليمان أيضًا قال: فأتُي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فأعطاه إياه وهو قريب من خمسة عشر صاعًا فقال: "تَصَدَّقْ بِهَا" فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أعلى أفقر مني ومِن أهلي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُكَ" (¬1). وذكر أبو داود أيضًا التي ظاهر منها. اسمها جميلة امرأة أوس (¬2). الترمذي، عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال: "كَفَّارةٌ وَاحِدَةٌ" (¬3). لم يسمع سليمان من سلمة. وقال أبو عيسى في هذا الحديث: حديث حسن غريب. البزار، عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني ظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلمْ يَقُلِ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}؟ " قال: أعجبتني، قال: "أَمْسِكْ حَتَّى تُكفِّرَ". قال: لا نعلمه يروى بإسناد أحسن من هذا على أن إسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم. باب ما جاء في طلاق المملوك أبو داود، عن عمرو بن معتِّب أن أبا الحسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم أعتقا بعد ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2217). (¬2) رواه أبو داود (2219). (¬3) رواه الترمذي (1198).

ذلك، هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: نعم قضى بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وعنه في هذا الحديث قال: بقيت لكل واحد قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقال: قال ابن المبارك لمعمر: من هذا أبو الحسن لقد تحمل صخرة عظيمة؟ قال: أبو الحسن هذا معروف وروى عنه الزهري أحاديث، قال الزهري: وكان من الفقهاء. وقال أبو داود: وليس العمل على هذا الحديث. وقال ابن صخر في فوائده وذكر هذا الحديث: عمر بن مغيث ليس بمعروف. الدارقطني، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كَانَتِ الأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ " (¬3). في إسناده سلم بن سالم وهو ضعيف. أبو داود، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ" (¬4). وفي أخرى: "وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ". في إسناد هذا الحديث مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة. قال ابن الأعرابي: قال أبو داود: مظاهر ليس بمعروف. وقال الترمذي وذكر الحديث: مظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث (¬5). ورواه الدارقطني من حديث مظاهر أيضًا وقال: الصحيح عن القاسم ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2187). (¬2) رواه أبو داود (2188). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 311). (¬4) رواه أبو داود (2189). (¬5) قاله بعد الحديث (1182).

خلاف هذا، وذكر عن القاسم أنه قال له: أبلغك في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا (¬1). رواه الدارقطني أيضًا [من حديث صغدي بن سنان] عن مظاهر قال فيه: "طَلاَقُ الأَمَةِ اثْنَتَانِ وَلاَ تَحِل لَهُ حَتَّى تَنْكحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَتَتزوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الأَمَةِ وَلاَ تَتزوَّجُ الأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ" (¬2). وصغدي هذا ضعيف الحديث. وخرج الدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في طلاق الأمة وعدتها مثل ما تقدم (¬3). قال: تفرد به عمر بن شبيب، والصحيح أنه من قول ابن عمر، كذا قال في عمر بن شبيب، ويحيى بن معين يقول فيه: ليس بثقة، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم. وذكر عبد الرزاق في مصنفه قال: نا ابن جريج قال: كتب إليَّ عبد الله بن زياد بن سمعان أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع عن أم سلمة أم المؤمنين أن غلامًا طلق امرأة له حرة تطليقتين، فاستفتت أم سلمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حُرِّمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ " (¬4). ابن سمعان ضعيف جدًا، وقد تقدم ذكره في قراءة أم القرآن بأكثر من هذا. وذكر أبو أحمد من حديث الفضل بن مختار عن عبيد الله بن موهب عن ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 39 - 40). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 39). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 39). (¬4) رواه عبد الرزاق (12952).

باب الإيلاء والتحريم

عصمة بن مالك قال: جاء مملوك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن مولاي زوجني وهو يريد أن يفرق بيني وبين امرأتي، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الطَّلاَقُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ" (¬1). حديث منكر لا يتابع عليه وفضل بن مختار قال فيه أبو حاتم: مجهول (¬2). باب الإيلاء والتحريم البخاري، عن أنس قال: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعًا وعشرين ليلة ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آلَيْتَ شهرًا فقال: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ" (¬3). وعن عمر أن اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه كان من أجل الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة يعني في قوله عليه السلام: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ"، وقد حلف ألا يخبر بذلك أحدًا (¬4). ذكره البخاري من حديث عائشة، وترجم على بعض طرقه {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي. . .} [التحريم: 1] (¬5). وقال مسلم: عن عمر - رضي الله عنه -: وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرًا ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 14). (¬2) وتمام كلامه "وأحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل". (¬3) رواه البخاري (1911 و 5289). (¬4) رواه البخاري (2468). (¬5) رواه البخاري (4912 و 5216 و 5267 و 5268 و 5431 و 5599 و 5614 و 5682 و 6691 و 6972).

من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله في ذلك، وذلك أن التخيير كان عند نزوله عليه السلام اليمين ولخروجه من الإيلاء (¬1). وقال الترمذي: فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين (¬2). وقال النسائي: عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها قال: فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها، فأنزل الله عزوجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] (¬3). مسلم، عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (¬4). الترمذي، عن عائشة قالت: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه وحرم، فجعل الحرام حلالًا، وجعل في اليمين كفارة (¬5). هكذا رواه مسلمة بن علقمة عن داود عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا وهو أصح. ذكر هذا أبو عيسى، وقولها جعل الحرام حلالًا وهو الغسل أو مارية جاريته - صلى الله عليه وسلم -. أبو داود، عن أبي تميمة أن رجلًا قال لامرأته: يا أخية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُخْتُكَ هِيَ" وكره ذلك ونهى عنه (¬6). هذا منقطع الإسناد. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1479). (¬2) رواه الترمذي (3318). (¬3) رواه النسائي في التفسير (627). (¬4) رواه مسلم (1473). (¬5) رواه الترمذي (1201). (¬6) رواه أبو داود (2210).

باب في اللعان

باب في اللعان مسلم، عن سعيد بن جبير أنه سأل ابن عمر قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان يفرق بينهما؟ قال: سبحان الله نعم، إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال: يا رسول الله أرأيت إن وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك قال: فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه، قال: فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه ووعظه وذَكَّره وأخبره: "أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ" قال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها: "إِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ" قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثَنَّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما (¬1). البخاري، عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول "الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . .} فقرأ حتى بلغ {. . . إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1493).

اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضخ قومي سائر اليوم، فمضت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابغَ الأَلْيتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ" فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ" (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم إِلى أهله عشِيًّا، فوجد عند أهله رجلًا، فرأى بعيِنْهِ وسمع بأذنِهِ فلم يهجه، ثم غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشيًا فوجدت عندهم رجُلًا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به، واشتد عليه فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . .} وذكر الحديث وفي آخره ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها ولا قوت من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها وقال: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ أثيْبِجَ حمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلاَلٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابغَ الأَلْيتينِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ " فجاءت به أورق جعدًا جماليًا خدلج الساقين سابغ الأليتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ الأيْمَانُ لَكَانَ لَهَا وَلِي شَأنٌ". قال عكرمة: وكان بعد ذلك أميرًا على مصر ولا يدعى لأب (¬2). مسلم، عن سهل بن سعد أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4747). (¬2) رواه أبو داود (2256).

فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأل عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر وقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فيقتله فتقتلونه؟ أو كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتي بِهَا" قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغنا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وفي طريق آخر: فتلاعنا في المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ" (¬2). وفي آخر: قال سهل: فكان ابنها يدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أنه يرث منها وترث منه ما فرض الله لها (¬3). الدارقطني، عن سهل وذكر هذا الحديث قال: فتلاعنا ففرق رسول الله بينهما وقال: "لاَ يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا" (¬4). وقال أبو داود: عن سهل بن سعد: مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1492). (¬2) رواه مسلم (1492). (¬3) رواه مسلم (1492). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 275). (¬5) رواه أبو داود (2250).

وعن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعاصم بن عدي: "أَمْسِكْ الْمَرْأةَ عِنْدَكَ حَتَّى تَلِدَ" (¬1). مسلم، عن ابن عباس في هذا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَ بَيِّنْ" فوضعت شبيهًا بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، فقال رجل لابن عباس في المجلس: أهي التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بيِّنَةِ لَرَجَمْتُ هَذهِ"؟ فقال ابن عباس: لا،. تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوءِ (¬2). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين: "حِسَابُكُمَا عَلى اللهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا" قال: يا رسول الله مالي، قال: "لآ مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا" (¬3). النسائي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ووقال: "إِنَّهَا مُوجِبَةٌ" (¬4). مسلم، عن عبد الله بن مسعود وذكر حديث المتلاعنين قال: فذهبت لتلتعن فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مه" فأبت فلعنت (¬5). وعن ابن عمر أن رجلًا لاعن امرأته على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وألحق الولد بأمه (¬6). البزار، عن ابن إسحاق قال: وذكر طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2246). (¬2) رواه مسلم (1497). (¬3) رواه مسلم (1493). (¬4) رواه النسائي (6/ 175). (¬5) رواه مسلم (1495). (¬6) رواه مسلم (1494).

عباس قال: تزوج رجل من الأنصار امرأة من بني العجلان فبات عندها ليلة، فلما أصبح لم يجدها عذراء، فرفع شأنها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعا الجارية فقالت: بلى كنت عذراء، فأمر بها فتلاعنا وأعطاها المهر (¬1). لا أعلم ابن إسحاق يروي إلا عن طلحة بن مصرف والله أعلم، وطلحة ابن مصرف من الثقات. وذكر أبو عمر في التمهيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ لِعَانَ بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلاَ كَافِرَيْنِ". قال أبو عمر: ليس دون عمرو بن شعيب من يحتج به (¬2). وذكر الدارقطني من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَربعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ لِعَانٌ، لَيْسَ بَيْنَ الحُرِّ وَالأمَةِ لِعَانٌ , وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرَّ وَالْعَبْدِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِيَّةِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّه لِعَانٌ" (¬3). عثمان الوقاصي متروك. وذكر عبد الرزاق عن ابن شهاب قال: من وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد أَنْ لاَ لِعَانَ بَيْنَ أَربع. . . بمعناه. وعن عطاء الخراساني أنه سمع ما كتب به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عتاب بن أسيد: "وَإِنْ قَالَ رَجُلٌ لِنِسْوةٍ قد أتَتْ إِحْدَاكُنَّ وَلاَ يَدْرِي أَيَّتَهُنَّ، وَلَمْ يَقُلْ هِيَ فُلانَةُ فَلاَ حَدَّ وَلاَ مُلاَعَنَةَ" (¬4). أبو داود، عن أبي هريرة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول حين نزلت آية ¬

_ (¬1) رواه البزار (1077 زوائد الحافظ ابن حجر). (¬2) قاله ابن عبد البر في التمهيد (6/ 192). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 162 - 163). (¬4) رواه عبد الرزاق (12498).

باب

الملاعنة: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلى رُؤُوسِ الأوَّلِينَ" (¬1). باب روى أبو عبيد بإسناده إلى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَشَفَ امْرَأَةً فنظَرَ إِلى عَوْرتِهَا فَقَدْ وَجَبَ الصّدَاقُ". هذا مرسل وفي إسناده يحيى بن أيوب النصري ولا يحتج به. وذكره أبو داود في المراسيل عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان من غير طريق ابن أيوب (¬2). وخرجه الدارقطني أيضًا بمعناه قال: "مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ". رواه من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . . فذكره (¬3). باب فيمن عرّض بنفي الولد مسلم، عن أبي هريرة أن أعرابيًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكرته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبلٍ؟ " ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2265). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (214). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 207).

باب الولد للفراش، وفي المستحلق، ومن أحق بالولد إذا تفرق الزوجان

قال: نعم، قال: "مَا أَلْوَانُهَا؟ " قال: حمر، قال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قال: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَأتى هُوَ؟ " قال: لعله نزعه عرق لها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذَا لَعَلَّهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْق لَهُ" (¬1). زاد البخاري: ولم يرخص له في الانتفاء منه (¬2). باب الولد للفراش، وفي المستحلق، ومن أحق بالولد إذا تفرق الزوجان مسلم، عن عائشة أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليّ أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شَبَهِهِ، فرأى شبهًا بينًا لعتبة فقال: "هُوَ لَكَ بَا عَبْدُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَللْعاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ" فلم ير سودة قط (¬3). وقال البخاري: "هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ" (¬4). وحديث البخاري هو منقطع عنده. اسم هذا الغلام عبد الرحمن، وأمه امرأة يمانية وله عقب بالمدينة. أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ مُسَاعَاةَ فِي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1500) والبخاري (5305 و 6847). (¬2) رواه البخاري (7314). (¬3) رواه مسلم (1457). (¬4) رواه البخاري (4303).

الإِسْلاَمٍ، مَنْ سَاعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبَتِهِ وَمَنْ ادَّعى وَلَدًا مِنْ غَيْرِ رِشْدَةٍ فلاَ يَرِثُ وَلاَ يُورَثُ" (¬1). إسناد هذا الحديث منقطع. أبو داود، عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى "أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أَصَابَهَا فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَليْسَ لَهُ مِما قُسِمَ قَبْلَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَنْ أَدْركَ مِنْ مِيرَاثٍ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ وَلاَ يُلْحَقُ إِذَا كَانَ أَبُوهُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ أَنْكَرَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا أَوْ مِنْ حُرَّةٍ عَاهَرَ بِهَا فِإنَّهُ لاَ يُلْحقُ وَلاَ يَرِثُ، واِنْ كَانَ الَّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُ زَنِيَّةٍ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ أَمَةٍ" (¬2). زاد في رواية: "هُو وَلَدُ زِنًا لأهْلِ أُمِّهِ مَنْ كَانُوا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَذَلِكَ فِيمَا اسْتُلْحِقَ فِي أَوَّلِ الإسْلاَمِ، فَمَا اقْتُسِمَ مِنْ مَالٍ قَبْلَ الإسْلاَمِ فَقَدْ مَضَى" (¬3). وعن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" (¬4). وذكر عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الوليد عن رجل صالح من أهل المدينة عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار، فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد, فخطبها ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2264). (¬2) رواه أبو داود (2265). (¬3) رواه أبو داود (2266). (¬4) رواه أبو داود (2276).

عم ولدها ورجل آخر إلى أبيها، فأنكح الآخر، فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أنكحني رجلًا لا أريده وترك عم ولدي فيأخذ مني ولدي، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباها فقال: "أَنْتَ الَّذِي لاَ نِكَاحَ لَكَ، اذْهَبِي فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ" (¬1). وهذا مرسل وفيه رجل مجهول. أبو داود، عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَهِمَا عَلَيْه" فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ" فأخذ بيد أمه فانطلقت به (¬2). هذا يرويه هلال بن أسامة عن أبي ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدوق. وعن رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْعُدْ نَاحِيَةً" وقال لها: "اقْعُدِي نَاحِيَةً" وأقعد الصبية بينهما ثم قال: "ادْعُوَاهَا" فمالت الصبية إلى أمها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَ اهْدِهَا" فمالت إلى أبيها فأخذها (¬3). اختلف في إسناد هذا الحديث. البخاري، عن البراء بن عازب في قصة ابنة حمزة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بها إلى خالتها وقال: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأمِّ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (10304) وعنده فانكحي عم ولدك. (¬2) رواه أبو داود (2277). (¬3) رواه أبو داود (2244). (¬4) رواه البخاري (2968).

باب الرجلين يقعان على المرأة في طهر واحد وذكر القافة

باب الرجلين يقعان على المرأة في طهر واحد وذكر القافة أبو داود، قال: حدثنا خشيش بن أصرم قال: نا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم قال: أتي علي بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعًا، فجعل كما سأل اثنين قالا: لا، فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة وجعل عليه ثلثي الدية، قال: فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك حتى بدت نواجذه (¬1). وفي لفظ آخر: طيبا بالولد لهذا بدل أتقران بالولد (¬2). هذا الحديث إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات، فإن قيل عبد خير قد اضطرب فيه فأرسله شعبة عن سلمة بن كميل عن الشعبي عن مجهول. ورواه أبو إسحاق الشيباني عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم قلنا: قد وصله سفيان وليس بدون شعبة عن صالح بن حي وهو ثقة عن عبد خير وهو ثقة عن زيد بن أرقم. ذكر هذا الكلام في هذا الحديث أبو محمد (¬3). مسلم، عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسرورًا فقال: "يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2270). (¬2) رواه أبو داود (2269). (¬3) المحلى (9/ 341 - 342).

باب في عدة المتوفى عنها، والإحداد ونفقة المطلقة، وعدة أم الولد وفي المفقود

وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ" (¬1). قال أبو داود: وكان أسامة أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض شديد البياض (¬2). باب في عدة المتوفى عنها، والإحداد ونفقة المطلقة، وعدة أم الولد وفي المفقود مسلم، عن سبيعَةَ الأسلمية أنها نفست بعد وفاة زوجها بليال، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرها أن تتزوج (¬3). وقال البخاري: بأربعين ليلة (¬4). وذكر عبد الرزاق عن معمر، والثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال ابن مسعود: من شاء لاد أعينه إن هذه الآية التي في سورة النساء القصرى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} نزلت بعد الآية التي في البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا. . . . .} الآية، قال: وبلغنا أن عليًا قال: هي أحد الأجلين فقال ذلك. مسلم، عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دَخَلْتُ على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تُوفيَ أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1459). (¬2) في نسختنا من سنن أبي داود بعد الحديث (2267) كان أسامة أسود وكان زيد أبيض. (¬3) رواه مسلم (1485) من حديث أم سلمة أن سبيعة الأسلمية. (¬4) رواه البخاري (4909).

صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جاريةً ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إَلَّا عَلَى زَوْجٍ أَربعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفيَ أخوها، فدعت بطيب قمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةِ تُومِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلى مَيِّتِ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلَّا عَلى زَوْجٍ أَرْبَعَة أَشْهُرِ وَعَشْرًا" قالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي جمنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ" مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: "لاَ"، ثم قال:"إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيه تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلى رَأْسِ الْحَوْلِ" قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت بيتًا ولبست شر ثيابها ولا تمس طيبًا ولا شيئًا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابَّةِ حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ فتقبض به فقلما تَفْتَضُّ بشيء إلّا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تُراجع بعد، ما شاءت من طيب أو غيره (¬1). وعن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُحِدُّ الْمَرْأة عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إَلًّا عَلَى زَوْجٍ أَربعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إَلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تكْتَحِلُ وَلاَ تَمسُّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نَبْذَةَ مِنْ قُسْطٍ أوْ أظْفَارٍ" (¬2). زاد النسائي: "ولا تمتشط" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1486 و 1487 و 1488 و 1489). (¬2) رواه مسلم (938). (¬3) رواه النسائي (6/ 202 - 203).

وفي بعض روايات أبي داود: بدل عصب "إلا مغسولًا" (¬1). وذكر قاسم بن أصبغ عن زينب بنت أم سلمة أن ابنة النحام توفي عنها زوجها، فسألت أمها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن ابنتي تشتكي عينها أفأكحلها؟ قال: "لا" قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: "وَإِنِ انْفَقَأت" (¬2). ذكره أبو محمد وإسناده صحيح. وذكر أبو داود عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المُتَوفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لاَ تَلْبس المُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيابِ وَلاَ المشقة وَلاَ الحلِىَّ، وَلاَ تَخْتَضِبْ وَلاَ يكْتَحِلْ". ولأبي داود أيضًا عن أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صبرًا، فقال: "مَا هَذَا يَا أُمَ سَلَمَةَ؟ " فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب، قال: "إِنَّهُ يَشبُّ الْوَجْهَ فَلاَ تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزَعِيه بِالنَّهَارِ وَلاَ تَمْتشَطِي بِالطِّيبِ وَلاَ بِالحنَاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ" قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: "بِالسّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ" (¬3). ليس لهذا الحديث إسناد يعرف والله أعلم؛ لأنه عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها عن أم سلمة. وذكر أبو داود في المراسيل عن عمرو بن شعيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها، وعلى أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام (¬4). والصحيح ما تقدم. وذكر قاسم بن أصبغ عن عبد الله بن شداد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2302). (¬2) المحلى (10/ 64). (¬3) رواه أبو داود (2305). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (409).

جعفر بن أبي طالب: "إِذَا كَانَ ثلاَثةُ أَيَّامِ فَالْبِسِي مَا شِئْتِ، أو إِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ". شعبة شاك وهو أحد رواة هذا الحديث، ولم يسمع عبد الله بن شداد من النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن طريق حماد بن سلمة قال: نا حجاج بن أرطاة عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن شداد أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تبكي على جعفر وهي امرأته، فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أن تطهري واكتحلي. الحجاج بن أرطاة ضعيف عندهم. ذكر الحديثين أبو محمد (¬1). مسلم، عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِيني" فَآذَنَتْهُ , فخطبها معاوية وأبو الجهم وأسامة بن زيد، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لاَ مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ" فقالت بيدها هكذا: أسامة أسامة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طَاعَةُ اللهِ وَطَاعَةُ رَسُولهِ خَيْرٌ لَكِ" قال: فتزوجته فاغتبطت (¬2). أبو داود، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: أرسل مروان إلى فاطمة فسألها، فأخبرته وذكر هذا الخبر قالت: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لاَ نَفَقَةَ لَكِ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا" (¬3). ¬

_ (¬1) المحلى (10/ 69 - 70). (¬2) رواه مسلم (1480). (¬3) رواه أبو داود (2290).

الدارقطني، عن فاطمة بنت قيس في هذا الخبر قالت: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وقال: "إِنَّمَا السُّكْنى وَالنَّفَقَةُ لِمَنْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ" (¬1). وخرجه النسائي أيضًا (¬2). مسلم، عن الأسود بن يزيد قال: قال عمر: لا نترك كتاب الله عز وجل وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬3). وعن عائشة قالت: ما لفاطمة خير أن تذكر هذا الحديث (¬4). وعن فاطمة أيضًا قالت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يقتحم علي، فأمرها فتحولت (¬5). أبو داود، عن ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فَدُفِعْتُ إلى سعيد بن المسيب فقلت: فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها، قال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى (¬6). الدارقطني، عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 23 - 24). (¬2) رواه النسائي (6/ 144). (¬3) رواه مسلم (1480). (¬4) رواه مسلم (1481). (¬5) رواه مسلم (1482). (¬6) رواه أبو داود (2296). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 21).

وبهذا الإسناد: "لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ" (¬1). إنما يؤخذ من حديث أبي الزبير عن جابر ما ذكر فيه السماع أو كان عن الليث عن أبي الزبير. وحرب بن أبي العالية أيضًا لا يحتج بحديثه. ضعفه ابن معين ووثقه عبيد الله بن عمر القواريري. مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: طلقت خالتي وأرادت أن تَجُذَّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بَلَى فَجُذِّي نَخْلَكِ فِإنَّهُ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا" (¬2). أبو داود، عن زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرجع إلى أهلي، فإنني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ" فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له، فقال: "كَيْفَ قُلْتِ؟ " فرددت عليه القصة التي ذكرت مرة من شأني في زوجي، قالت: فقال: "امْكُثي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ" قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فقضى به واتبعه (¬3). ذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 21). (¬2) رواه مسلم (1483). (¬3) رواه أبو داود (2300). (¬4) رواه الترمذي (1204).

وقال علي بن أحمد: زينب هذه مجهولة لم يرو حديثها غير سعيد بن إسحاق بن كعب وهو مشهور بالعدالة. مالك وغيره يقول فيه إسحاق بن سعيد وسفيان يقول: سعيد (¬1). وقال أبو عمر في هذا الحديث: حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق (¬2). وليس كلام أبي عمر مما يضاد القول الأول. قال أبو عمرو في حديث "إِذَا اخْتَلَفَ المُتبَايعَانِ": إنه حديث محفوظ عن ابن مسعود مشهور عن أصل عند جماعة العلماء، وهو ذكر أنه منقطع. وتكلم في إسناد حديث "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ" وذكر أن العلماء تلقوه بالقبول، وقد قال في غيرهما مثل ذلك (¬3). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير قال: قال مجاهد: استشهد رجال يوم أحد، فآم نساؤهم منهم وكن متجاورات في داره فأتين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلن: إنا نستوحش يا رسول الله بالليل، فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا تبردنا في بيوتنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ، فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةِ إِلَى بَيْتِهَا"ـ (¬4). هذا مرسل. أبو داود، عن ابن عباس قال: نسخت هذه الآية: عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (10/ 108). (¬2) التمهيد (21/ 31). (¬3) التمهيد (16/ 218 - 219). (¬4) رواه عبد الرزاق (12077). (¬5) رواه أبو داود (2298).

وذكر الدارقطني من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد في غير بيتها إن شاءت (¬1). قال: لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف. وذكر الدارقطني عن أبي بن كعب أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} مبهمة هي للمطلقة ثلاثًا وللمتوفى عنها؟ قال: "هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَلِلْمُتَوفَّى عَنْهَا" (¬2). في إسناده المثنى بن صباح وهو ضعيف. وذكر أيضًا عن محمد بن شرحبيل وهو متروك الحديث عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة المفقود: "حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ" (¬3). أبو داود، عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال: لا تُلْبسوا علينا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا. يعني في أم الولد (¬4). لم يسمع قبيصة من عمرو بن العاص. والصواب موقوف. لا تلبسوا ديننا ذكره الدارقطني (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 315 - 316). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 302). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 321). (¬4) رواه أبو داود (2308) وابن ماجه (2083). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 309).

12 - كتاب البيوع

كتاب البيوع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وسلم تسليما باب كراهية ملازمة الأسواق، وما يؤمر به التجار، وما يحذرون منه، وما يرغبون فيه البزار، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تكونَنَّ إِن اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلِ السُّوقَ، وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصبُ رَايَتَه" (¬1). مسلم، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَلِيني مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَم وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثلاثًا، وَإيَّاكُمْ وَهَيَشَاتِ الأَسوَاقِ" (¬2). الترمذي عن رفاعة بن رافع أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى، ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الكبير (6118 و 6131). (¬2) رواه مسلم (1/ 312).

فرأى الناس يتبايعون فقال: "إِنَّ التُّجَارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. الدارقطني، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقَينَ وَالشُهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يقول: "الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلرَّبْحِ" (¬3). وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] يقول: "إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسّتبرَأَ لِدِينهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَام، كالرَّاعِي يَرْعى حَوْل الْحِمى يُوشكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وإِنَّ لِكلِّ مَلِكٍ حِمى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ في الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ" (¬4). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ " قالل: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (¬5). البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْأَتِيَنَّ عَلَى النّاسِ زَمَانٌ لاَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1210) وابن ماجه (2146) وابن حبان (4910) والحاكم (2/ 6) وغيرهم. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 7). (¬3) رواه مسلم (1606). (¬4) رواه مسلم (1599). (¬5) رواه مسلم (102).

يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ" (¬1). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: "هُمْ سَوَاءٌ" (¬2). البزار، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ يَرْجِعُ إِلى قُلٍّ" (¬3). البزار، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلاَفِهِمْ، وَلاَ نَقَصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِين وَشِدَّةِ الْمُؤِونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يْمُطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدْوَّهُمْ وَأَخَذَ بَعْضُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ. . . . . . ." وذكر الحديث (¬4). أبو داود، عن عبد الله بن المكتب هو عبد الله بن الحارث قال: مُرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعير، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مع القوم، فقال بعض القوم: بكم أخذته؟ قال: بكذا وكذا، فلما رجع إلى المنزل قال: كذبت قومًا فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالزيادة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْ بِالْفَضْلِ" (¬5). هو من المراسيل. الترمذي، عن قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2059 و 2083). (¬2) رواه مسلم (1598). (¬3) رواه البزار (1/ 311) المخطوطة المغربية. ورواه ابن ماجه (2279). (¬4) ورواه ابن ماجه (4019) وهو عند البزار (2/ 36) والحاكم (4/ 540) بإسناد آخر عن عطاء به وهو حديث حسن. (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (164).

باب في التسعير، وبيع المزايدة، ومن اشترى وليس عنده الثمن

"يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالإثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ، فَشَوِّبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. البخاري، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وإِذَا اشْتَرَى وإِذَا اقْتَضَى" (¬2). وزاد أبو بكر البزار: "وإذا اقْتُضِيَ". وقال: عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ" (¬3). باب في التسعير، وبيع المزايدة، ومن اشترى وليس عنده الثمن أبو داود، عن أنس قال: قال الناس يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزاقُ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَأ لبُني بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ" (¬4). النسائي، عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَر" (¬5). زاد الدارقطني: "إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1208). (¬2) رواه البخاري (2076). (¬3) ورواه أحمد (2233) وانظر تعليقنا على مسند الشهاب (1/ 376). (¬4) رواه أبو داود (3451). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (6095). (¬6) رواه الدارقطني (3/ 11) وابن الجارود (570) وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر أيضًا.

باب النهي عن بيع الملامسة والمنابذة، وبيع الغرر، وتلقي الركبان والتصرية، وأن يبيع حاضر لباد، وما جاء في السوم قبل طلوع الشمس

الترمذي، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باع حِلْسًا وقدحًا وقال: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ؟ " فقال رجل: أخذتهما بدرهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمِ؟ مَنْ يَزِيدُ عَلَيّ دِرْهَم؟ " فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه (¬1). وقد تقدم بكماله في كتاب الزكاة. وقال الترمذي في حديثه هذا: حديث حسن. أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من عير تبيعًا وليس عنده ثمنه، فأُرْبحَ فيه فباعه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب وقال: "لاَ أَشْتَرِي بَعْدَهَا شَيْئًا إِلَّا وَعِنْدِي ثَمَنُهُ" (¬2). باب النهي عن بيع الملامسة والمنابذة، وبيع الغرر، وتلقي الركبان والتصرية، وأن يبيع حاضر لباد، وما جاء في السوم قبل طلوع الشمس مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين ولبستين، نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع. والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بالليل أو بالنهار ولا يقبله إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل بثوبه وينبذ الآخر إليه بثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1218). (¬2) رواه أبو داود (3344). (¬3) رواه مسلم (1512).

وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (¬1). وعن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ثم تحتمل التي نُتِجَتْ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لاَ يُتَلَقَّى الرّكْبَانُ لِبَيْعٍ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ وَالإبِلَ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" (¬3). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اشْتَرَى شَاةَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لاَ سَمْرَاءَ" (¬4). وفي أخرى: "مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً" (¬5). رواه أبو داود عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنها قَمْحًا" (¬6). وفي إسناده صدقة بن سعيد وليس بالقوي. ورواه سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن هو العدوي عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ لَبَنٍ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1513). (¬2) رواه مسلم (1514). (¬3) رواه مسلم (1515). (¬4) رواه مسلم (1525). (¬5) رواه مسلم (1525). (¬6) رواه أبو داود (3446).

أيوب ويعقوب ضعيفان مجهولان. وقد روي هذا الحديث في الشاة. أبو بكر البزار قال: "رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ بُرٍّ لاَ سَمْرَاءَ". وإسناده صحيح. وذكر قاسم بن أصبغ عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود: أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بَيع الْمُحَفَّلاَتِ خَلاَبَةٌ، وَلاَ تَحِلُّ خَلاَبَةُ مُسْلِمٍ" (¬1). ذكره أبو عمر في التمهيد وقد روي موقوفًا. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ" (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ تَعَالى بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (¬3). النسائي، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان أباه أو أخاه (¬4). أبو بكر بن أبي شيبة، عن نوفل بن عبد الملك عن أبيه عن علي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلقي، وعن ذبح ذوات الدر، وعن ذبح قِنى الغنم، وعن السوْم قبل طلوع الشمس (¬5). إسناد هذا الحديث ضعيف من أجل نوفل، وقبله في الإسناد أيضًا ¬

_ (¬1) التمهيد (18/ 209 - 210). (¬2) رواه مسلم (1519). (¬3) رواه مسلم (1522). (¬4) رواه النسائي (7/ 256). (¬5) هو عند ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 399) نهى عن التلقي فقط.

باب في الكيل، والنهي أن يبيع أحد طعاما اشتراه حتى يستوفيه وينقله

الربيع بن حبيب وقد ضعفه البخاري والنسائي. وذكر ذلك أبو أحمد وذكر الحديث وفيه أيضًا: ليس بمحفوظ (¬1). وإنما يصح منه النهي عن ذبح ذوات الدر خرجه مسلم من حديث أبي هريرة (¬2). ويصح منه التلقي وقد تقدم. قال الزجاج: السوْم أن يساوم في ذلك الوقت سلعته لأنه وقت ذكره الله. قال: ويجوز أن يكون من رعي الإبل لأنه إذا رعت قبل طلوع الشمس وهو ندي أصابها منه الوباء. باب في الكيل، والنهي أن يبيع أحد طعامًا اشتراه حتى يستوفيه وينقله البخاري، عن المقدام بن معد يكرب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَاركْ لَكُمْ فِيهِ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ" (¬4). وروى الدارقطني عن منقذ مولى سراقة عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان: "إِذَا ابْتَعْتَ فَاكَتْلَ، وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ" (¬5). ¬

_ (¬1) الكامل لأبي أحمد بن عدي (3/ 135) وروى بعضه ابن ماجه (2206). (¬2) رواه مسلم (2038). (¬3) رواه البخاري (2128) وليس عنده كلمة "فيه". (¬4) رواه مسلم (1528). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 8).

هذا ليس بمشهور، وقبله في الإسناد من لا يحتج به. ولهذا الحديث إسناد آخر فيه ابن لهيعة ذكره أبو بكر البزار (¬1). أبو داود، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه (¬2). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله عنه - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه ويقبضه (¬3). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيهِ" (¬4) قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه (¬5). وعنه أنهم كانوا يضربُون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتروا طعامًا جِزَافًا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه (¬6). زاد في رواية: إلى رحالهم (¬7). وقال البخاري: عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام (¬8). وروى همام قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم حدثه أن ¬

_ (¬1) رواه البزار (1/ 19). (¬2) رواه أبو داود (3495). (¬3) لم يروه مسلم بهذا اللفظ، وإنما رواه أبو داود (3495) والنسائي (7/ 286) والطبراني في الكبير (13098). (¬4) رواه مسلم (1526). (¬5) رواه مسلم (1527). (¬6) رواه مسلم (1527). (¬7) رواه مسلم (1527). (¬8) رواه البخاري (2123).

باب

يوسف بن ماهك حدثه أن حكيم بن حزام حدثه أنه قال: يا رسول الله إني رجل اشتري هذه البيوع فما تحل في منها وما تحرم علي؟ قال: "يَا ابْنَ أَخِي إِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضهِ" (¬1). هكذا ذكر سماع يوسف بن ماهك في حكيم بن حزام وهشام الدستوائي يرويه عن يحيى، ويدخل بين يوسف وحكيم عبد الله بن عصمة، وكذلك هو بينهما في غير حديث، وعبد الله بن عصمة ضعيف جدًا (¬2). ذكر هذا الحديث الدارقطني وغيره. أبو داود، عن ابن عمر قال: ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أبيعه وأضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم (¬3). باب وذكر الحارث بن أسامة عن الواقدي عن عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان يقول: في هذا الوعاء كذا وكذا ولا أبيعه إلا مجازفة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمَّيْتَ كَيْلًا فَكِلْ" (¬4). ¬

_ (¬1) هذه الرواية ليست من طريق همام وإنما هي من طريق ابان العطار عن يحيى بن يعلى عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم عند الدارقطني (3/ 8 - 9). ورواية همام عنده (3/ 9) بغير هذا اللفظ. (¬2) وتعقبه الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 5) بقوله وهو جرح مردود فقد روى عنه ثلاثة واحتج به النسائي. (¬3) رواه أبو داود (3499). (¬4) رواه الحارث بن أبي أسامة (بغية الباحث) ورواه ابن ماجه (2230) بإسناد حسن من حديث عثمان.

باب ذكر بيوع نهي عنها

الواقدي متروك. وذكر عبد الرزاق قال: قال ابن المبارك عن الأوزاعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا جُزَافًا قَدْ عَلِمَ كَيْلَهُ حَتَّى يُعْلِمَ صَاحِبَهُ" (¬1). وهذا منقطع فاحش الانقطاع. وذكر عبد الرزاق أيضًا قال: نا محمد بن راشد قال: سمعت مكحولًا يقول: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل يبيع طعامًا قد خلط جيدًا بقبيح، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنعْتَ؟ " فقال: أردت أن ينفق، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ فَإنَّهُ لَيْسَ في دِيننَا غِشٌ" (¬2). باب ذكر بيوع نهي عنها النسائي، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المغانم حتى تقسم، وعن الحَبَالى أن يُوطئن حتى يضعن ما في بطونهن، وعن لحم كل ذي ناب من السباع (¬3). مسلم، عن أبي الزبير قال: سألت جابر عن ثمن الكلب والسِّنَّوْرِ، فقال: زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬4). الترمذي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَن، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (14602). (¬2) لم أره عند عبد الرزاق في مصنفه. (¬3) رواه النسائي (7/ 301). (¬4) رواه مسلم (1569). (¬5) رواه الترمذي (1234).

قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أبي الزناد قال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن حثمة عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، فإذا جَدَّ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: قد أصاب الثمر الدُّمَانُ أو أصابه قشام أو أصابه مراض عاهات يحتجون بها، فلما كثرت خصومتهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كالمشورة يشر بها: "فَإِمَّا لاَ فَلاَ تَبَتَاعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا" لكثرة خصومهم واختلافهم (¬1). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها وتذهب عنه الآفة، نهى البائع والمشتري (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَتبَايَعُوا الثَّمَرَ حتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا وَتذْهَبَ عَنْهُ الآفَةُ". قال: بدو صلاحها حمرته وصفرته (¬3). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري (¬4). البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تباع الثمرة حتى تُشْقَحَ، قال: وما تشقح؟ قال: تحمار وتصفار ويؤكل منها (¬5). زاد النسائي: ولا يُباع إلا بالدينار والدرهم، ورخص في العرايا (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3372). (¬2) رواه مسلم (1534). (¬3) رواه مسلم (1534). (¬4) رواه مسلم (1535). (¬5) رواه البخاري (2196). (¬6) رواه النسائي (7/ 263).

أبو داود، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد (¬1). مسلم، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة. والمزابنة: بيع تمر النخل كيلًا وبيع الزبيب بالعنب كيلًا، وعن كل ثمر بخرصه. زاد في الأخرى: وبيع الزرع بالحنطة كيلًا (¬2). البخاري، عن أنس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخاضرة (¬3). مسلم، عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع تمر السنين (¬4). البخاري، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عَسْبِ الْفَحْلِ (¬5). الدارقطني، عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفعل وعن قفيز الطحان (¬6). الترمذي، عن أنس بن مالك أن رجلًا من كلاب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفعل فنهاه عن ذلك، وقال له: يا رسول الله إنا نطرق الفعل فَنُكْرَمُ فرخص لنا في الكرامة (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3371). (¬2) رواه مسلم (1542). (¬3) رواه البخاري (2207). (¬4) رواه مسلم (1536) وليس عنده كلمة "تمر". (¬5) رواه البخاري (2284). (¬6) رواه الدارقطني (3/ 47) ولكن عنده "نُهِيَ عن عسب الفحل" ولذا تعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام بقوله: إني تتبعته في كتاب الدارقطني من كل الروايات فلم أجده إلا هكذا نهي عن عسب الفعل وقفيز الطحان مبنيًا للمفعول. قال: فإن قيل لعله يعتقد ما يقوله الصحابي مرفوعًا، قلنا: إنما عليه أن ينقل لنا روايته لا رأيه، ولعل من يبلغه يرى غير ما يراه من ذلك، فإنما يقبل فعله لا قوله. (¬7) رواه الترمذي (1274).

هذا حديث حسن غريب. النسائي، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب وعسب التيس (¬1). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث، فعن ذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلأ" (¬3). البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ أَنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتأجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" (¬4). أبو داود، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشًا فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة (¬5). يرويه محمد بن إسحاق واختلف عليه في إسناده، والحديث مشهور. ¬

_ (¬1) في النسخة المغربية الترمذي بدل النسائي، وليس عند النسائي إلا النهي عن عسب الفعل وليس التيس رواه النسائي في الصغرى (7/ 310 - 311) وفي الكبرى (6269) كذلك، وليس عند الترمذي حديث أبي هريرة لكنه قال: وفي الباب عن أبي هريرة، قال شارحه في تحفة الأحوذي (4/ 493) وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسب التيس انتهى فلعل ذلك كان في نسخة. ثم رأيت الزيلعي في نصب الراية (4/ 135) نسبه إلى البزار وقال: وعزاه عبد الحق للنسائي وما وجدته. (¬2) رواه مسلم (1565). (¬3) رواه مسلم (1566). (¬4) رواه البخاري (2227 و 2271). (¬5) رواه أبو داود (3357).

أبو داود، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحي بالميت (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بالحيوان (¬2). وكذا الحديثين في المراسيل وهو الصحيح، ولا أعلم بسند إلا من حديث ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان باللحم. خرجه البزار في مسنده، وثابت بن زهير رجل من أهل البصرة منكر الحديث لا يشتغل به. ذكر ذلك أبو حاتم الرازي (¬3). البزار، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان نسيئة (¬4). علي بن عبد العزيز عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. رواه الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. خرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال: وسماع الحسن من سمرة صحيح (¬5). وخرجه الترمذي أيضًا من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيْوَانُ اثْنَانِ بِواحدٍ وَلاَ يَصْلُحُ نَسِيئًا وَلاَ بَأسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ" (¬6). وقد تقدم الكلام في هذا الإسناد. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (177). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (178). (¬3) الجرح والتعديل (2/ 452) وفيه أيضًا ضعيف الحديث. (¬4) ورواه ابن حبان (5028). (¬5) رواه الترمذي (1237). (¬6) رواه الترمذي (1238).

وقال أبو عيسى في هذا الحديث، حديث حسن (¬1). وخرجه الترمذي أيضًا عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة وقال: حديث حسن صحيح (¬2). أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَو كَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا" (¬3). قال الترمذي في تفسير هذا الحديث عند بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين، ولا يفارقه على إحدى البيعتين، وإذا فارقه على إحداهما فلا بأس إذا كانت العقدة على حدة منهما. وقال عن الشافعي: هو أن يقول: أبيعك داري بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا، فإذا أوجب في غلامك وجب لك داري، وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته. أبو داود، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العربان (¬4). هذا الحديث مع ما في إسناده من الكلام هو منقطع؛ لأنه رواه عن القعنبي عن مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب. وهكذا رواه حماد عن مالك التنيسي، وغيره رواه عن يحيى بن يحيى عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب (¬5). ¬

_ (¬1) في نسختنا المطبوعة حسن صحيح. (¬2) رواه الترمذي (1231). (¬3) رواه أبو داود (3460). (¬4) رواه أبو داود (3502). (¬5) رواه مالك هكذا في رواية يحيى بن يحيى (2/ 46) وأبي مصعب (2470).

ورواه ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ذكر ذلك أبو عمر رحمه الله. وقال أبو أحمد بن عدي: يقال إن الثقة ها هنا هو ابن لهيعة، والحديث عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مشهور. وذكر عبد الرزاق في مصنفه قال: أخبرنا الأسلمي عن زيد بن أسلم قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان في البيع، فأحله، قلت لزيد: ما العربان؟ قال: هو الرجل يشتري السلعة فيقول إن أخذتها وإلا رددتها ورددت معها درهمًا. هذا مرسل وفي إسناده الأسلمي. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطر (¬1). وهذا منقطع. ورواه سعيد بن منصور من حديث مكحول عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وهو أيضًا منقطع وإسناده ضعيف. الدارقطني، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بالْخَيَارِ إِذَا رَآهُ" (¬3). هذا يرويه عمر بن إبراهيم الكردي وكان يضع الأحاديث. ورواه مكحول مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد: "إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3382). (¬2) المحلى (7/ 511). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 4 - 5). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 4).

ومع إرساله يرويه أبو بكر بن أبي مريم عن مكحول وهو ضعيف عندهم، ذكره الدارقطني أيضًا. النسائي، عن أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَة مِنَ الطَّعَامِ، ولاَ الصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ مِنَ الطَّعَامِ المسمى" (¬1). مسلم، عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر (¬2). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا (¬3). وقال النسائي، وعن الثني إلا أن تعلم والمعَاوَمَة هي بيع السنين (¬4). مسلم، عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيع الْخَمْرِ وَالْمَيْته وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ" فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ى فإنه يُطْلَى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، قال: "لاَ هُوَ حَرَامٌ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأكَلُوا ثَمَنَهُ" (¬5). زاد أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 270). (¬2) رواه مسلم (1530). (¬3) رواه مسلم (1536). (¬4) رواه النسائي (7/ 296). (¬5) رواه مسلم (1581). (¬6) رواه أبو داود (3488).

وخرج أبو داود أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ" (¬1). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بالمدينة يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ يُعَرِّضُ بالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللهَ سينزل فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلِيَنْتفِعْ بِهِ"، قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، فمَنْ أَدْركَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْها شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْ وَلاَ يَبعْ" فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها (¬2). وعن ابن عباس أن رجلًا أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَهَا؟ " قال: لا، قال: فسارّ إنسانًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ سَارَرْتَهُ؟ " فقال: أمرته ببيعها، قال: "إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا" قال: ففتح الرجل المزاد حتى ذهب ما فيها (¬3). البخاري، عن أبي جحيفة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور (¬4). مسلم، عن أبي مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3485). (¬2) رواه مسلم (1578). (¬3) رواه مسلم (1579). (¬4) رواه البخاري (2238). (¬5) رواه البخاري (2237) ومسلم (1567).

النسائي، عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد (¬1). أبو الزبير يدلس في حديث جابر، فإذا ذكر سماعه منه كان من رواية الليث عن أبي الزبير فهو صحيح، وهذا من رواية جماعة عن أبي الزبير ليس فيهم الليث. ورواه الترمذي من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة قال [نهى] عن ثمن الكلب، إلا كلب الصيد (¬2). وقال: هذا لا يصح من هذا الوجه، أبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان، وتكلم فيه شعبة. قال: وقد روي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا ولا يصح إسناده أيضًا. انتهى كلام أبي عيسى. قد خرجه الدارقطني مسندًا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح من قبل الإسناد، وأسنده من حديث جابر أيضًا ولا يصح لأن فيه الحسن بن أبي جعفر (¬3). وخرجه أبو أحمد من حديث ابن عباس قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمن كلب الصيد (¬4). أخرجه من حديث أحمد بن عبد الله بن محمد أبو علي اللجلاج الكندي الخراساني عن علي بن معبد عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن الهيثم الصراف عن عكرمة عن ابن عباس. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 309). (¬2) رواه الترمذي (1281). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 72 - 73). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 194).

قال: وهذا باطل عن أبي حنيفة، قال: ولأبي حنيفة أحاديث لم يحدث بها إلا أحمد بن عبد الله اللجلاج وهي بواطل. وذكر أبو محمد من طريق ابن وهب عمن أخبره عن ابن عباس عن أبي بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَلاَثٌ هُنَّ سُحُتٌ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ الزَانِيَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ". وهذا منقطع ومرسل. ومن طريق ابن وهب أيضًا عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن العقور (¬1). وفي إسناده حسن بن عبد الله بن ضميرة وهو متفق على ضعفه. أبو داود، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا (¬2). الترمذي، عن علي بن يزيد عن القاسيم عن أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَبِيعُوا الْقينَاتِ وَلاَ تَشْتَرُوهُنَّ وَلا تُعَلَمُوهُنَّ، وَلاَ خَيْرَ فِي تِجَارةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ فِي مِثْل هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. . .} إلى آخر الآية (¬3). علي بن يزيد ضعيف، ضعفه البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأحمد بن حنبل. وقال النسائي: علي بن يزيد أبو عبد الله متروك. وأحسن ما سمعت فيه قول الجرجاني: علي بن يزيد في نفسه صالح إلا أن يروي عنه ضعيف، وهذا الحديث رواه عن علي بن زيد عبيد الله بن زحر ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 494 - 495). (¬2) رواه أبو داود (3482). (¬3) رواه الترمذي (1282).

صاحب كل معضلة، والقاسم ضعفه أحمد بن حنبل ووثقه البخاري. وقال أبو أحمد الجرجاني: وذكر القاسم هذا كان خيرًا فاضلًا ذكر في باب علي بن يزيد. وقال أبو عيسى في حديثه هذا: إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه. ورواه عبد الملك بن حبيب وهو ضعيف هذا الحديث عن علي بن معبد عن موسى بن أعين عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وذكر العباس بن محمد الدوري بإسناده إلى عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالاسْتِمَاعَ إِلَيْهَا" (¬2). في هذا الإسناد سعيد بن رزين عن أخيه عن ليث بن أبي سليم، مجهولان عن ضعيف. ذكر هذا الإسناد والذي قبله أبو محمد. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن مصعب القرقساني قال: نا أبو الأشعث عن أبي رجاء عن عمران بن حصين قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السلاح في الفتنة (¬3). هذا يرويه عن بحر السقاء وهو ابن كنيز عن عبيد الله بن النبطي عن أبي رجاء عن عمران ومحمد بن مصعب كانت فيه غفلة وليس بقوي. وقال أبو أحمد: وليس به بأس وكذا قال أحمد بن حنبل. وقال فيه أبو زرعة: صدوق ولكنه حدث بأحاديث منكرة، وضعفه ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 564). (¬2) المحلى (7/ 561). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 265 - 266) ورواه بحر السقاء عن عبيد الله عن أبي رجاء به (2/ 51).

يحيى بن معين. وبحر بن كنيز المذكور ضعيف. مسلم، عن عمر بن الخطاب. أنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده عند صاحبه وقد أضاعه، وكان قليل المال فأراد أن يشتريه، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له فقال: "لاَ تَشْتَرِه وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَم، فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئهِ" (¬1). رواه سفيان بن عيينة وقال: "لاَ تَشْتَرِهِ وَلَا شيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ". هكذا في المسند (¬2). ورواه المزني عن الشافعي عن سفيان بن عيينة وقال: "دَعْهَا حَتَّى تَوَافِكَ وَأَوْلاَدُهَا جَمِيعًا". مسلم، عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع التمر بالتمر وقال: "ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ" إلا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا يأكلونها رطبًا (¬3). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة (¬4). وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى (¬5). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1620). (¬2) رواه الشافعي (650). (¬3) رواه مسلم (1540). (¬4) رواه مسلم (1541). (¬5) رواه مسلم (1587).

بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ والتَمْرُ بِالتمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" (¬1). أبو داود، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْبُرُّ بِالْبُرُّ مُدْيٌ بِمْدُيٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمْدُي، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فقَدْ أَرْبَى، وَلاَ بَأسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بالْفِضَّةِ وَالْفِضَّة أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا النَسيئَةَ فَلاَ، وَلاَ بَيع الْبُر بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِير أَكثرهما يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلاَ" (¬2). يروى موقوفًا. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا" (¬3). زاد عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَلاَ تَبِيعُوا شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ" (¬4). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بالْمِلْحِ مِثْلًا بمِثْلٍ يَدًا بيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتزَادَ فَقَدْ أَربَى إِلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُه" (¬5). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1587). (¬2) رواه أبو داود (3349). (¬3) رواه مسلم (1588). (¬4) رواه مسلم (1584) وهو مركب من روايتين عند مسلم. (¬5) رواه مسلم (1588).

بِمِثْلِ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتزادَ فَقَدْ أَربى الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ" (¬1). وروى ابن وهب عن يزيد بن عياض عن إسحاق بن عبد الله هو ابن أبي فروة عن جبير بن أبي صالح عن مالك بن الأوس بن الحدثان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْبُرُّ بِالبُرُّ وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَاوِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا" (¬2). هذا مرسل، وإسناده من أضعف الأسانيد يزيد بن عياض، مذكور بوضع الحديث، وإسحاق متروك، وجبير يقال إنه مجهول. وروى معاوية بن عطاء هذا الحديث عن سفيان الثوري عن منصور عن زر عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . . . . . . وذكر الأصناف الستة التي ذكر مسلم وغيره (¬3). وزاد أيضًا: "وَالزَّيْتُ بِالزّيْتِ" وهو إسناد باطل عن الثوري، ولا تصح هذه الزيادة، ولا الزيادات التي في الحديث الأول أيضًا بوجه من الوجوه. ذكر حديث معاوية أبو أحمد بن عدي. مسلم، عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامهُ بصاع قمح، فقال: بعه ثم اشتر به شعيرًا، فذهب الغلام فأخَذ به صاعًا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرًا أخبره بذلك، فقال له معمر: لِمَ فعلت ذلك؟!! انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلًا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ" وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1584). (¬2) المحلى (7/ 427 - 428). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 407) وفي النسخة المطبوعة من الكامل وقع الزبيب بدل الزيت وعمر بن الخطاب بدل عبد بن عمر بن الخطاب وهما خطآن. (¬4) رواه مسلم (1592).

وعن فضالة بن عبيد قال: أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب وهي من الغنائم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ" (¬1). وعنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخَرَزٌ، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لاَ تُباعُ حَتَّى تُفَضَّلَ" (¬2). زاد الدارقطني: قال: إنما أردت الحجارة، قال: "لاَ حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا" (¬3). وكذلك عند أبي داود الحجارة في رواية (¬4). ويي أخرى التجارة. وزاد قال: "فَرُدَّهُ حَتَّى يمَيِّزَ بَيْنَهُمَا" (¬5). وخرج أبو داود من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدينار وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ بَأسَ أَنْ تأخُذَهَا بِسِعْرِ وَزْنهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ" (¬6). النسائي، عن ابن عمر في هذا، الحديث فقال فيه: قال، للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَايَعْتَ صَاحِبَكَ فَلاَ تُفَارِقْهُ وبَيْنَكَ وبَيْنَهُ شَيءٌ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1591). (¬2) رواه مسلم (1591). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 3). (¬4) رواه أبو داود (3351). (¬5) رواه أبو داود (3351). (¬6) رواه أبو داود (3354). (¬7) رواه النسائي (7/ 282).

وهذا الحديث يرويه سماك بن حرب كما تقدم، وقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وتكلم فيه بعضهم بأن قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره، وأيضًا فإنه كان يقبل التلقين، وشهد عليه بذلك شعبة، وكان شعبة لا يقبل منه حديثًا لقن فيه. وكان أحمد بن حنبل يقول فيه: مضطرب الحديث. وضعفه ابن المبارك، وكان مذهب علي بن المديني فيه نحو هذا. وقال خالد بن طليق لشعبة بن الحجاج: يا أبا بسطام حدثني حديث سماك بن حرب في اقتضاء الذهب من الورق فقال: أصلحك الله هذا حديث لم يرفعه إلا سماك بن حرب، وقد حدثنيه سعيد بن المسيب عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه، ورفعه سماك وأنا أفرقُ منه. وروى هذا الحديث أبو الأحوص عن سماك ولم يُقِمْهُ قال فيه سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر: كنت أبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِذَا بِعْتَ صَاحِبَكَ فَلاَ تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ [لَبْسٌ] ". وكذلك رواه وكيع عن إسرائيل عن سماك. كما رواه أبو الأحوص ولا يجوده إلا حماد بن سلمة عن سماك. وحدثنيه هذا المذكور من تخريج النسائي، وكذلك رواه إسرائيل في غير رواية وكيع، كما رواه حماد. وذكر هذا الكلام كله في سماك بن حرب وفي حديثه أبو عمر بن عبد البر وابن أبي حاتم الرازي وغيرهما (¬1). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء بلال بتمر بِرْنِيٍّ، فقال رسول ¬

_ (¬1) التمهيد (16/ 12 - 15).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ " فقال بلال: تمر كان عندنا رديءٌ فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا لاَ تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ" (¬1). وقال في آخر: "لاَ تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وكَذَلِكَ الْمِيزَانُ". خرجه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد (¬2). وذكر إسحاق بن راهويه أخبرنا روح أخبرنا حيان بن عبيد الله وكان رجلًا صادقًا عن أبي مجلز عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَّمْرُ بِالتَّمْرِ. . . ." وذكر الحديث إلى قوله: "فَمَا زَادَ فَهُوَ رِبًا" ثم قال: "وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ" (¬3). قال أبو محمَّد علي بن أحمد قوله: "وَكَذَلِكَ مَا يُكَاُل وَمَا يُوْزَنُ" لم يسمعه أبو مِجْلزٍ من أبي سعيد (¬4). البزار، عن بلال في هذا الحديث قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته بما صنعت فقال: "انْطَلِقْ فَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَخُذْ تَمْرَكَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثلًا بِمِثْلٍ" (¬5). وكذلك خرجه عن أنس قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر، وفي آخره: "رُدُّوهُ عَلَى صَاحِبِه" (¬6). أبو داود، عن عبد الله بن يزيد وهو مولى الأسود بن سفيان أن زيدًا أبا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1594). (¬2) رواه مسلم (1593) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد معًا. (¬3) رواه ابن حزم في المحلى (7/ 417). (¬4) المحلى (7/ 422). (¬5) رواه البزار (898 زوائد البزار للحافظ) وسعيد بن المسيب لم يسمع من بلال. (¬6) رواه البزار (901 زوائد البزار للحافظ).

عياش سأل سعدًا عن البيضاء بالسلت، فقال: أيهما أفضل؟ فقال: البيضاء فنهى عن ذلك، وقال سعد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يُسأل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال لمن حوله: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟! " قالوا: نعم فنهاهم عن ذلك (¬1). اختلف في صحة إسناد هذا الحديث، ويقال: إن زيدًا أبا عياش هذا مجهول. وذكر الدارقطني عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرطب باليابس (¬2). وموسى ضعيف الحديث، وكان رجلًا صالحًا. وذكر الدارقطني أيضًا عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُوزَنُ أَوَ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ" (¬3). كذا رواه المبارك بن مجاهد عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد، ووهم على مالك برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو قول سعيد بن المسيب. وذكر الدارقطني أيضًا عن أبي بكر بن عياش عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس بن مالك وعبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا وُزِنَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ". قال: لم يروه هكذا غير أبي بكر عن الربيع، وخالفه جماعة فرووه عن الربيع عن ابن سيرين عن عبادة وأنس [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] بلفظ غير هذا اللفظ (¬4). أبو داود، عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3359). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 48). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 14). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 18).

باب فيما بيع بغير إذن صاحبه

نافعًا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعَيِنَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَاد سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذلًّا لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِيِنكُمْ" (¬1). أبو عبد الرحمن الخراساني ليس بمشهور. وقَدْ صح في ترك الجهاد، وعيد غير هذا، وفسر أبو عبيد الهروي العينة قال: أن تبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم تشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به، قال: فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أيضًا عينة وهو أهون من الأول وهو جائز عند بعضهم، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، وذلك أن العين هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره. باب فيما بيع بغير إذن صاحبه أبو داود، عن عاصم بن كليب بن شهاب الحربي عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر يوصي الحافر: "أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ" فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه ثم قال: "أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا" فأرسلت المرأة: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إليّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3462).

باب

بها بثمنها فلم توجد، فأرسلت إليَّ بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْعِمِيهِ الأَسَارى" (¬1). باب وذكر عبد الرزاق قال: أخبرنا الأسلمي قال: نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكالئ بالكالئ، وهو الدين بالدين (¬2). الأسلمي وهو إبراهيم بن محمَّد بن أبي يحيى وهو متروك، كان يرمى بالكذب. البزار، عن محمَّد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت: ابتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزورًا من أعرابي بوسق من تمر الذُّخْرَة وهي العجوة، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله فالتمس التمر فلم يجده، فقال للأعرابي: "يَا عَبْدَ اللهِ إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا بِوِسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذُّخْرَةِ وَنَحْنُ نَرَى أنَّهُ عِنْدَنَا فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ" فقال الأعرابي: واغدراه، فزجره الناس وقالوا: تقول هذا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" ثم أعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلام ثانية كما أوردنا فقال الأعرابي: واغدراه، قال: فلما لم يفهم عنه الأعرابي أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أم حكيم: "أَقْرِضِينَا وِسْقًا مِنْ تَمْرِ الذُّخْرَةِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَنَا فَنَقْضِيَكَ" فقالت: أرسل رسولًا يأتي ليأخذه، فقال للأعرابي: "انْطَلِقْ مَعَهُ حَتَّى يُوفِيكَ" (¬3). رواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام عن أبيه مرسلًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3332). (¬2) رواه عبد الرزاق (14440). (¬3) رواه البزار (1309 كشف الأستار) بتصرف. (¬4) رواه عبد الرزاق (15358).

وفي مصنف عبد الرزاق عن وهب بن منبه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا السُّحْتَ" قالوا: وما السحت يا رسول الله؟ قال: "بَيْعُ الشَّجرِ وبَيْعُ الْمَاءِ وَإِجَارة الأَمَةِ الْمَسَافِحَةِ وَبَيْعُ الْخَمْرِ" (¬1). هذا مرسل، وقد صح من طريق آخر بلفظ آخر إلا في بيع الشجر خرجه مسلم وغيره. الدارقطني، عن عمرو بن فروخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التَّمْر حتى يتبين صلاحها، أو بيع الصوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن (¬2). أسنده يعقوب الحضرمي عن عمرو بن فروخ، وأرسله وكيع عن عمرو بن فروخ ولم يذكر التمر والسمن. وأرسله ابن المبارك عن عكرمة بمعناه ولم يذكر التَّمر والسمن. وأما حديث النهي عن بيع التمر حتى يبدو صلاحها فصحيح مسند مجتمع عليه. وذكر الدارقطني أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَحَرَامٌ بَيْعُ ربَاعِهَا وَأَكْلُ ثَمَنِهَا، وَمَنْ أَكَلَ مِنْ أَجْرِ بُيُوتِ مَكَّةَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا" (¬3). قال: كذا رواه أبو حنيفة، والصحيح أنه موقوف. وقد رواه أيضًا من حديث إبراهيم بن مهاجر عن عبد الله بن بأبأ عن ¬

_ (¬1) بعد البحث الشديد لم أره في المصنف لعبد الرزاق. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 14). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 57).

عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَكَّةُ مَتَاعٌ لاَ تُبَاعُ ربَاعُهَا وَلاَ تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا". إبراهيم ضعيف. وذكر عبد الرزاقِ عن يحيى بن العلاء عن جهضم بن عبد الله عن محمَّد بن زيد هو العبدي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن بيع الصدقات حتى تقبض، وعن بيع العبد الآبق، وعن بيع ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن ضربة الغائص (¬1). إسناده لا يحتج به. وذكر الدارقطني من حديث عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة قال: كان لبشير الصغير مقعد لا يكاد يخطئه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففقده ثلاثة أيام، فلما عاد إلى مقعده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَشِيرُ لَمْ أَركَ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ" فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ابتعت بعيرًا من فلان فمكث عندي ثم شرد فجئت به فدفعته إلى صاحبه فقبله مني قال: "وَكَانَ شَرَطَ لَكَ ذَلِكَ فيه؟ " قال: ولكنه قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الشّرْودَ يرد مِنْهُ" (¬2). عبد السلام ليس بالمشهور. وذكر أبو داود في المراسيل عن مكحول قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَشْتَرُوا الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُعْقَلَ وَتُوسَمَ" (¬3). قال أبو داود: هذا يروى من قول مكحول. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (14375). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 23). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (116).

وذكر الترمذي عن أبي أيوب قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). قال: حديث حسن غريب. وذكر أبو داود عن ميمون بن أبي شبيب عن علي أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ورد البيع (¬2). ميمون لم يدرك عليًا. وقد روي عن علي أيضًا بإسناد آخر ولا يصح لأنه من طريق سعيد بن عروبة عن الحكم، ولم يسمع من الحكم. ومن طريق محمَّد بن عبد الله عن الحكم وهو ضعيف جدًا. وقد روي عن شعبة عن الحكم. والمحفوظ حديث سعيد بن أبي عروبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي والله أعلم (¬3). وفي الباب حديث آخر يرويه عن طليق بن محمَّد بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ وَبَيْنَ الأَخِ وَأَخِيهِ" (¬4). هكذا رواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن طليق. ورواه أبو بكر بن عياش عن التميمي عن طليق عن عمران بن حصين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1283). (¬2) رواه أبو داود (2696). (¬3) انظر العلل (3/ 272 - 275) للدارقطني والسنن (3/ 65 - 66) له. (¬4) رواه الدارقطني (3/ 67) بغير هذا اللفظ. (¬5) رواه الدارقطني (3/ 66 - 67).

وغيره يرويه عن سليمان التميمي عن طليق مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محفوظ عن التيمي. الدارقطني عن عبادة بن الصامت، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بين الأم وولدها فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ قال: "حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلاَمُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ" (¬1). في إسناده عبد الله بن عمرو بن حسان وهو ضعيف الحديث. وذكر أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكيم بن حزام في التجارة في الْبَزِّ والطعام، ونهاه عن التجارة في الرقيق (¬2). وذكر الدارقطني عن محمَّد بن طريف عن ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ خِدْمَةِ الْمُدْبَّرِ إِذَا احْتَاجَ" (¬3). قال: هذا خطأ من ابن طريف، والصواب عن عبد الملك عن أبي جعفر مرسلًا. وذكر أيضًا من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُدَبَّرُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ" (¬4). وإسناد هذا ضعيف. والصحيح موقوف، ذكر ذلك الدارقطني. وقد صح بيع المدبر لا بيع خدمته، خرج ذلك مسلم وغيره. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 68). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (163). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 138). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 138).

وذكر الدارقطني عن محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: حدثني عطاء عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع مصحفًا (¬1). محمَّد هذا ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين وغيرهم، وهذا الحديث كذب. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث حفص بن عمر قاضي حلب قال: نا صالح بن حسان عن محمَّد بن كعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إِذَا أَرادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَنْظُرَ إِلَيْهَا، مَا خَلاَ عَوْرَتَهَا مَا بَيْنَ رُكْبَتِهَا إِلَى مَعْقدِ إِزَارِهَا" (¬2). حفص بن عمر منكر الحديث ضعيف، وكذلك صالح بن حسان. وقد رواه أيضًا عيسى بن ميمون المديني عن محمَّد بن كعب، وعيسى متروك ذكره أبو أحمد أيضًا (¬3). الترمذي، عن عباد بن ليث قال: نا عبد المجيد بن وهب قال: قال لي العداء بن خالد: ألا أقرئك كتابًا كتبه لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأخرج لي كتابًا فيه هذا: "هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لاَ دَاءَ وَلا غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ" (¬4). قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث، وقد روى عنه غير واحد من أهل الحديث. ¬

_ (¬1) انظر لسان الميزان (5/ 246). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 390). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 241). (¬4) رواه الترمذي (1216).

باب بيع الخيار

باب بيع الخيار مسلم، عن حكيم بن حزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" (¬1). وقال البخاري، وذكر الحديث من رواية همام بن يحيى قال همام: وجدت في كتابي يختار ثلاث مرار: "فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيُمْحِقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا" (¬2). مسلم، عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ أَيْضًا فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ وإن تَفَرَّقَا دُونَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ" (¬3). قال نافع: فكان، يعني ابن عمر إذا بايع رجلًا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيئة ثم رجع إليه. خرجه أبو داود من حديث محمَّد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، زاد فيه: "وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ" (¬4). ورواه مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت عمرو بن شعيب يقول: سمعت شعيبًا يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعَةً، فَإِنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بالْخِيَارِ حَتَّى يتَفَرَّقَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1532). (¬2) رواه البخاري (2114). (¬3) رواه مسلم (1531). (¬4) رواه أبو داود (3456).

منْ مَكَانِهِمَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلاَ يَحِلُّ لأحَدٍ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ" (¬1). خرجه الدارقطني عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عن مخرمة، ومخرمة لم يسمع من أبيه إنما كان يحدث عن كتابه. وذكر الدارقطني عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَرْ" فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: عمرك الله بيعًا. وعنه في هذا الحديث، فقال الأعرابي: إن رأيت كاليوم مثله بيعًا عمرك الله، ممن أنت؟ قال: "مِنْ قُرَيْشٍ" (¬2). وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن هذا كان قبل النبوة (¬3). وذكر عبد الرزاق من حديث أبان بن عياش عن أنس: أن رجلًا اشترى من رجل بعيرًا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيع وقال: "الْخِيَارُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ" (¬4). أبان لا يحتج أحد بحديثه وكان رجلًا صالحًا. الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَتَفَرَّقْ عَنْ بَيْعٍ إلَّا عَن تَرَاضٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 50). (¬2) رواهما الدارقطني (3/ 21). (¬3) رواه عبد الرزاق (14261). (¬4) لم أره في المصنف لعبد الرزاق بعد البحث الشديد. ثم رأيته عند ابن حزم في المحلى (7/ 262). (¬5) رواه الترمذي (1248).

باب

قال: هذا حديث حسن (¬1). وقال أبو محمد في كتاب الاعراب: روينا من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن قاسم الجعفي عن أبيه عن ميمون بن مهران أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصَّفْقَةُ عَنْ تَرَاضٍ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغْبُنَ مُسْلِمًا" (¬2). هذا مرسل. باب مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: جاء عبد فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْنِيهِ" فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدًا بَعْدُ حتى يسأله أعبد هو؟ (¬3). باب التجارة مع المشركين وأهل الكتاب مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومئة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ معَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ " فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فَعُجِنَ، ثم جاء رجل مشرك مُشْعَانٌ طويل بغنم يسوقها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) الذي في نسختنا هذا حديث غريب. (¬2) رواه أبو محمَّد أيضًا في المحلى (7/ 253) وهو عند ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 83 - 84). (¬3) رواه مسلم (1602).

باب

"أَبَيْع أَمْ عَطِيَّةٌ" أو قال: "أَمْ هِبَةٌ؟ " قال: لا بَل بيَع، فاشترى منه شاة فصنعت وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسواد البطن أن يُشْوَى، قال: وايم الله ما من الثلاثين ومئة إلا حَزَّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُزَّةً من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاه، وإن كان غائبًا خبأ له، قال: فجعل قصعتين فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير أو كما قال (¬1). وعن عائشة قالت: اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهودي طعامًا بنسيئة، فأعطاه درعًا له رهنًا (¬2). باب النسائي عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاع فرسًا من أعرابي واستتبعه ليقبض ثمن فرسه، فأسرع النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبطأ الأعرابي، وطفق الرجال يتعرضون للأعرابي، فيسومونه في الفرس وهم لا يشعرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه حتى زاد بعضهم في السوم على ما ابتاعه به منه، فنادى الأعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع نداءه فقال: "أَلَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ " فقال: لا والله ما بعتك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ" فطفق الناس يلوذون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول: هلم شاهدًا يشهد أني بعتك، قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بعته، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خزيمة فقال: "بِمَ تَشْهَدُ؟ " فقال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2056). (¬2) رواه مسلم (1603).

باب عهدة الرقيق

بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة شهادة رجلين (¬1). باب عهدة الرقيق أبو داود، عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ" (¬2). لم يسمع الحسن من عقبة. وفي رواية بهذا الإسناد: "إِنْ وَجَدَ دَاءً فِي الثَّلاَثِ لَيَالٍ رُدَّ بِغَيْر بَيِّنَةٍ، وَإِنْ وَجَدَ دَاءً بَعْدَ الثَّلاَث كُلِّفَ الْبيِّنَةَ أَنَّهُ اشتَراهُ وَبِهِ هَذَا الدَّاءُ" (¬3). ذكره أبو داود أيضًا. وفي رواية ابن الأعرابي أن هذه الزيادة من كلام قتادة، ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد لا أعلم عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ عَهْدَةَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" (¬4). هذا مرسل. وذكر ابن أبي شيبة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُهْدَةُ الرَّقِيق ثَلاَثٌ" (¬5). تكلموا في سماع الحسن من سمرة. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 301 - 302). (¬2) رواه أبو داود (3506). (¬3) رواه أبو داود (3507). (¬4) المحلى (7/ 274). (¬5) رواه ابن أبي شيبة (14/ 227) وانظر المحلى (7/ 273).

باب إذا اختلف البيعان

باب إذا اختلف البيعان النسائي، عن عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جده قال: قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبٌّ السّلْعَةِ أَوْ يتْركَ" (¬1). ذكر أبو عمر أن في هذا الحديث انقطاعًا، قال: وهو حديث محفوظ عن ابن مسعود مشهور أصل عند جماعة العلماء، تلقوه أيضًا بالقبول وبنوا عليه كثيرًا من فروعه، وقد اشتهر عندهم بالحجاز والعراق شهرة يستغنى بها عن الإسناد كما اشتهر حديث: "لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" انتهى كلام أبي عمر. هذا الحديث يروى بألفاظ منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالبائع أن يحلف ثم يختار المبتاع إن شاء ترك وإن شاء أخذ. خرجه النسائي أيضًا من حديث أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع من أبيه (¬2). ورواه عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ" (¬3). وعون لم يدرك ابن مسعود ذكره الترمذي. وقد روي هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود. وهو مرسل أيضًا. انتهى كلام الترمذي. وحديث القاسم يروى عنه بألفاظ منها: كما تقدم في حديث أبي عبيدة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 302 - 303). (¬2) رواه النسائي (7/ 303). (¬3) رواه الترمذي (1270).

باب في الحكرة

وفي إسناده محمَّد بن أبي ليلى ومن هو أضعف منه. خرجه الدارقطني. ومنها: "إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، فَإِذَا اسْتَهْلَكَ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي" (¬1). وهذا يرويه الحسن بن عمارة وهو متروك. وفي لفظ آخر: "إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ وَالسّلْعَةُ كَمَا هِيَ لَمْ تُسْتَهْلَكْ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ" (¬2). وهذا أيضًا يرويه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف. ذكر هذا والذي قبله أبو الحسن الدارقطني. وذكره أيضًا من حديث عبد الله بن عصمة عن إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْبَيْعُ مُسْتَهْلَكٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ" (¬3). وعبد الله بن عصمة ضعيف. باب في الحكرة مسلم، عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ" فقيل لسعيد: فإنك تحتكر قال سعيد: إن معمرًا، الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 20). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 20). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 21). (¬4) رواه مسلم (1605).

باب في وضع الجوائح

باب في وضع الجوائح مسلم، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ" (¬2). باب روى أبو محمَّد من حديث عبد الملك بن حبيب الأندلسي قال: أخبرنا مطرف عن أبي طوالة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أُصِيبَ ثُلُثُ الثَّمَرِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الْوَضِيْعَةُ" (¬3). قال عبد الملك: وحدثني أصبغ بن الفرج عن السبعي عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة الرأي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح إذا بلغت ثلث التمر فصاعدًا (¬4). قال عبد الملك: وحدثني عبيد الله بن موسى عن خالد بن أياس عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مِنَ الْجَوَائِحِ: الرِّيحُ وَالْبَرَدُ وَالْحَرِيقُ وَالْجَرَادُ وَالسَّيْلُ" (¬5). أحاديث عبد الملك هذا لا يصح منها شيء، الحديثان الأولان مرسلان، وعبد الجبار ضعيف جدًا، وخالد بن أياس متروك، وأبو الزبير يدلس في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1554). (¬2) رواه مسلم (1554). (¬3) المحلى (7/ 281). (¬4) المحلى (7/ 282). (¬5) المحلى (7/ 282).

باب

حديث جابر مع ضعف رواية عبد الملك، وحديث خالد أيضًا ذكره أبو أحمد بن عدي. باب أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللهُ عَثْرَتَهُ" (¬1). أبو داود، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قال سعيد بن المسيب في حديث ذكره كله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ بَأْسَ فِي التَّوْلِيَةِ فِي الطَّعَامِ قبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، وَلاَ بَأْسَ بِالإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، وَلاَ بَأْسَ بِالشَرِكَةِ في الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوفَى" (¬2). قال أبو داود: هذا قول أهل المدينة. وذكره عبد الرزاق بن جريج قال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا مستفاضًا بالمدينة قال: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ" (¬3). باب في الشركة والمضاربة أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِنْ خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3460). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (198). (¬3) رواه عبد الرزاق (14257). (¬4) رواه أبو داود (3383).

الترمذي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْمُرَاهِنِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ يَسْقُونَ الْمَاءَ فَيُصِيبُونَ الَّذِينَ في أَعْلاَهَا، فَقَالَ الَّذِينَ في أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤذُونَنَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَا نَثْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْقِي، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. وعن أبي لبيد لمازة بن زبَّار عن عروة بن الجعد قال: دفع إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيع دينارًا لأشتري له به شاة، فاشتريت له شاتين فبعت إحداهما بدينار، وجئت بالشاة والدينار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت له ما كان من أمري فقال: "بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِيِنكَ" فكان بعد ذلك يخرج إلى كُنَاسَةِ الكوفة فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالًا (¬2). أبو لبيد أثنى عليه أحمد بن حنبل ثناءً حسنًا. وأخرجه البخاري عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يحدثون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا. . . . . . فذكر الحديث (¬3). وذكر الترمذي أيضًا عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار، فاشترى أضحية فأربح فيها دينارًا، فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ضَحِّ بِالشَّاةِ وَتَصَدَّقْ بِالدِّينَارِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2173) والبخاري (2493 و 2686) وابن حبان (297) وغيرهم. (¬2) رواه الترمذي (1258). (¬3) رواه البخاري (3642). (¬4) رواه الترمذي (1257).

باب في الوكالة

قال أبو عيسى: حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع عندي من حكيم بن حزام. باب في الوكالة أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت له إني أردت الخروج إلى خيبر فقال: "إِذَا أَتَيْتَ وَكيلي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتَهِ" (¬1). باب في الشرط أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" (¬2). هذا يرويه كثير بن زيد مولى الأسلميين وهو ضعيف عندهم، وإن كان قد روى عنه جلة، ويرويه عن الوليد بن الرباح ولا أعلم روى عن الوليد إلا كثير بن زيد. وقد روي هذا الحديث من طرق مرسلًا عن عمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3632). (¬2) رواه أبو داود (3594) وعنده "على شروطهم" والحاكم (2/ 49).

وقد روي مسندًا من حديث عائشة وأنس ولفظه: "الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ" (¬1). وأسانيد هذا لا يحتج بها. ورواه الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن حرب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْن الْمُسْلِمِينَ إلَّا صلحًا حَرَّمَ حَلاَلًا أَوْ حَلَّلَ حَرَامًا" (¬2). وقال: حديث حسن. ومن مراسيل أبي داود عن عروة بن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج هو وأبو بكر معه مهاجرين إلى المدينة مَرَّا براعي غنم فاشترى منه شاة وشرط أن سلبها له (¬3). مسلم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ" (¬4). وعن جابر بن عبد الله قال: لما أتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أعيى بعيري فنخسهُ فوثب، فكنت بعد ذلك أحبْس خطامه لأسمع حديثه فما أقدر عليه، فلحقني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بِعْنِيهِ" فبعته منه بخمس أواق، قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال: "وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ" فلما قدمت المدينة أتيته به فزادني أوقية ووهبه لي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 27) والحاكم (2/ 49 - 50) من حديث عائشة ورواه الدارقطني (3/ 28) والحاكم (2/ 50) من حديث أنس. (¬2) رواه الترمذي (1352) وقال: حديث حسن صحيح. (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (179). (¬4) رواه مسلم (1543). (¬5) رواه مسلم (715).

باب في السلم

وذكر عبد الوارث بن سعيد قال: نا أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط. خرجه أبو محمَّد من طريق محمَّد بن عبد الله الحاكم (¬1). باب في السلم البخاري، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يسلفون التمر السنتين والثلاث، قال: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلِ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" (¬2). وعن محمَّد بن أبي المجالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم، قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك (¬3). وقال أبو داود: إلى قوم ما هو عندهم، ولم يقل: ما كنا نسألهم (¬4). أبو داود، عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر أن رجلًا أسلف رجلًا نخل، فلم تخرج تلك السنة شيئًا، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ ارْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ" ثم قال: "لاَ تُسْلِفُوا في النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صلاَحَهُ" (¬5). هذا منقطع الإسناد. ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 324). (¬2) رواه البخاري (2240) بهذا اللفظ. (¬3) رواه البخاري (2244 و 2245). (¬4) رواه أبو داود (3464). (¬5) رواه أبو داود (3467).

باب في الرهن

مسلم، عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل، فقدمت عليه إبل من الشام من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكْرًا، فرجع إِلَيْهِ أبا رافع فقال: لم أجد فيها إلا رَبَاعِيًا، قال: "أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً" (¬1). النسائي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السَّلَفُ في حَبْلِ الْحَبَلَةِ رِبًا" (¬2). أبو داود، عن سعد يعني الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ" (¬3). عطية هو العوفي لا يحتج بحديثه، وإن كان قد روى عنه الحيلة. وروى الحارث بن أبي أسامة من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ إِلَى مَنْفَعَةٍ فَهُوَ رِبًا" (¬4). في إسناده سوار بن مصعب وهو متروك. باب في الرهن البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1600). (¬2) رواه النسائي (7/ 293). (¬3) رواه أبو داود (3468). (¬4) رواه الحارث بن أبي أسامة (1/ 308) مخطوط. والبغوي في حديث العلاء بن مسلم (10/ 2) من طريق سوار عن عمارة عن علي. (¬5) رواه البخاري (2512).

باب في الحوالة

قاسم بن أصبغ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَغْلَقُ الرّهْنُ بِمَرْهُونهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَليْهِ غرْمُهُ" (¬1). روي مرسلًا عن سعيد، ورفع عنه في هذا الإسناد وفي غيره، ورفعه صحيح (¬2). أبو داود، عن عطاء بن أبي رباح أن رجلًا رهن فرسًا فنفق في يده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرتهن: "ذَهَبَ حَقُّكَ" (¬3). هذا مرسل وضعيف الإسناد. والصحيح عن عطاء في هذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ" (¬4). وأسنده الدارقطني عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ". وذكر ضعف الإسناد (¬5). باب في الحوالة مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ" (¬6). البخاري، عن سلمة بن الأكوع قال: كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أُتِي بجنازة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قالوا: لا، قال: "فَهَلْ تَرَكَ ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 379). (¬2) المرسل عند أبي داود في المراسيل (186 و 187) وغيره. (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (188). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (189 و 190). (¬5) رواه الدراقطني (3/ 34) وقال: إسماعيل هذا -أحد رواته- يضع الحديث. (¬6) رواه مسلم (1564).

باب لا وصية لوارث

شيْئًا؟ " قالوا: لا، فصلى عليها، ثم أُتِي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله صلِّ عليها، قال: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قيل: نعم، قيل: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها، ثم أُتِيَ بالثالثة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: "هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قالوا: لا، فقال: "فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قالوا: ثلاثة دنانير، قال: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليَّ دينه، فصلى عليه (¬1). ذكره ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن محمَّد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال فيه: فتحملها أبو قتادة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ وَبَرِئَ مِنْهَا الْمَيِّتُ" قال: نعم يا رسول الله، فصلى عليه فلما كان من الغد قال عليه السلام لأبي قتادة: "مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ " قال: يا رسول الله دفعناه إنما دفعناه أمس، ثم قال بعد ذلك: "مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ " قال: قضيتها يا رسول الله، قال: "الآنَ بَرَدَ عَلَيْهِ جِلْدُهُ" (¬2). باب لا وصية لوارث الترمذي عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلى اللهِ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَانْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا" ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2289). (¬2) ورواه الحاكم (2/ 58).

باب في كسب الكلب

قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: "ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا" ثم قال: "الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ" (¬1). قال: وفي الباب عن عمرو بن خارجة وهو حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أنس بن مالك أن رجلًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن البيع، فقال: يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كُنْتَ غيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فَقُلْ هَاءَ هَاءَ لاَ خَلاَبَةَ" (¬2). اسم هذا الرجل منقذ بن عمرو أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه ونزعت عقله. البخاري في التاريخ الكبير. وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خَلاَبَةَ وَأَنْتَ في كُلِّ سَلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ" (¬3). باب في كسب الكلب أبو داود، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الإماء (¬4). زاد في طريق أخرى: حتى يعلم من أين هو. خرجه عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وخرج أبو داود عن الزهري عن ابن مُحَيِّصَةَ عن أبيه أنه استأذن رسول ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2120). (¬2) رواه أبو داود (3501). (¬3) التاريخ الكبير (8/ 17 - 18). (¬4) رواه أبو داود (3425). (¬5) رواه أبو داود (3427).

الله - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره أن اعلفه ناضحك ورقيقك (¬1). ابن محيصة هو حرام بن سعد بن محيصة، ينسب تارة إلى جده، وليس لسعد صحبة. وقد روى هذا الحديث أبو داود الطيالسي قال: نا شعبة قال: نا أبو بلج قال: سمعت عباية بن رفاعة بن رافع يحدث أن جده هلك وترك غلامًا حجامًا وناضحًا وأرضًا وأمة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل كسب الحجام في علف الناضح. . . . . الحديث (¬2). ولا أعلم هذا أيضًا بمتصل. مسلم، عن رافع بن خديج عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرِّ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجِّامِ خَبِيثٌ" (¬3). وعن ابن عباس قال: حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدٌ لبني بياضة فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أجره، وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته (¬4). ولو كان سحتًا لم يعطه النبي - صلى الله عليه وسلم - أجره. اسم هذا الغلام أبو طيبة، أمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاعين من طعام وكانت ضريبته ثلاثة أصع فخفف عنه صاع. أبو داود، عن أبي ماجدة، وفي رواية عن ابن ماجدة عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنِي وَهَبْتُ لِخَالَتِي غُلامًا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَارَكَ لَهَا فِيهِ فقلت لها: لا تسلميه حَجَّامًا وَلاَ صَائِغًا وَلاَ قَصَّابًا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3422). (¬2) رواه أبو داود الطيالسي (1302). (¬3) رواه مسلم (1568). (¬4) رواه مسلم (1202). (¬5) رواه أبو داود (3430).

لا يصح من قبل أبي ماجدة. وعن عبادة بن الصامت قال: علمت ناسًا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إليّ رجل منهم قوسًا فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله أهدي إليَّ قوسًا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله قال: "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا" (¬1). وفي هذا الباب في هذه القصة أو مثلها عن أبي بن كعب ذكره قاسم بن أصبغ وغيره، وهي أسانيد منقطعة وضعاف (¬2). وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ". خرجه البخاري (¬3). وسيأتي في كتاب الطب إن شاء الله، وليس إسناد حديث أبي داود وغيره مما يعارض فيه إسناد البخاري. وخرج البخاري أيضًا عن عائشة قالت: استأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل هاديًا وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث (¬4). الطحاوي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوا الأَجيرَ أَجْرَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجُفَّ عَرَقُهُ" (¬5). وذكر أبو داود في المراسيل عن إبراهيم النخعي عن أبي سعيد الخدري ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3416). (¬2) المحلى (7/ 19). (¬3) رواه البخاري (5737) من حديث ابن عباس. (¬4) رواه البخاري (2263). (¬5) رواه الطحاوي في مشكل الآثار (4/ 142).

باب في الديون والاستقراض

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استئجار الأجير [ولم يبين] حتى يُبيِّنَ له أجره (¬1). إبراهيم لم يدرك أبا سعيد. باب في الديون والاستقراض البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنَ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ" (¬2). النسائي، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - استدانت، فقيل لها: يا أم المؤمنين تستدينين وليس عندك وفاء، قالت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أَخَذَ دَيْنًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ أَعَانَهُ اللهُ" (¬3). أبو جعفر الطبري، عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُخِيفُوا الأَنْفُسَ بَعْدَ أَمْنِهَا" قالوا: يا رسول الله وما ذاك؟ قال: "الدّيْنُ". خرجه أبو جعفر الطحاوي أيضًا والحارث بن أسامة في مسنده (¬4). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ" (¬5). النسائي، عن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال: استلف مني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ألفًا فجاءه مال فدفعه إليّ وقال: "بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (181). (¬2) رواه البخاري (2387). (¬3) رواه النسائي (7/ 315 - 316). (¬4) انظر سلسلة الصحيحة (5/ 546) لشيخنا محمَّد ناصر الدين الألباني. (¬5) رواه الترمذي (1078 و 1079).

ومَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالأَدَاءُ" (¬1). مسلم، عن حذيفة قال: "أُتِيَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ اَتَاهُ اللهُ مَالًا فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا، قال: وَلاَ يَكْتُمونَ اللهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالكَ فَكُنْتُ أُبَايعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعَسِرَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَحَقُ بِذَلِكَ مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي" قال عقبة بن عامر وأبو سعيد الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). مسلم، عن أبي قتادة قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ" (¬3). الطحاوي، عن بريدة بن حصيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ بكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ" قال: وسمعته يقول: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ" فقلت: يا رسول الله قلت: "بِكُلِّ يَوْمِ صَدَقَةٌ" ثم قلت: "بِكُلِّ يَوْمٍ مِثلَيْهِ صَدَقَةٌ" قال: فقال: "بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ مَا لَمْ يَحِل الدَّيْنَ، فَإذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَإِنْ أَنْظَرَهُ بَعْدَ الْحَلِّ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْليْهِ صَدَقَةٌ" (¬4). مسلم، عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كشف سِجْفَ حجرته ونادى كعب بن مالك، فقال: "يَا كَعْبُ" فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 314). (¬2) رواه مسلم (1560). (¬3) رواه مسلم (1563). (¬4) ورواه أحمد (5/ 360).

أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَاقْضِهِ" (¬1). البخاري، عن عائشة قالت: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب، عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضح الآخر ويستَرْفِقُهُ في شيء وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فقال: "أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب (¬2). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فأكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ" فتصدق النَّاس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه: "خُذُوا مَا وَجدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ" (¬3). أبو داود، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنَّ معاذ بن جبل: لم يزل يدان حتى أغلق ماله كله، فأتى غرماؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فطلب معاذ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل غرماءَهُ أن يضعوا أو يؤخروا فأبوا، فلو تركوا الأخذ من أجل أحد لَتُرِكَ لمعاذ من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ماله كله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء (¬4). وقال في طريق أخرى عن عبد الرحمن: فلم يزد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرماءه على أن خلع لهم ماله (¬5). هذا من المراسيل، وكذا أسنده هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1558). (¬2) رواه البخاري (2705). (¬3) رواه مسلم (1556). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (172). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (171).

عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، والمرسل أصح لأن عبد الرزاق أرسله عن معمر عن الزهري عن ابن كعب أن معاذ بن جبل (¬1). وذكر أبو بكر البزار من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: كنت بمصر فقال لي رجل: ألا أدلك على رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: بلى، فأشار إلى رجل، قلت: من أنت؟ قال: أنا سرق، قلت: سبحان الله ما ينبغي لك أن تسمى بهذا الاسم وأنت رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماني ولن أدع ذلك، قلت: فلم سماك سرق؟ قال: قدم رجل من أهل البادية ببعيرين فابتعتهما منه، ثم دخلت بيتي وخرجت من الجانب من خلف فمضيت فبعتهما، فقضيت منها حاجتي، وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج، فإذا الأعرابي مقيم فأخذ مني وقدمني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره الخبر فقال: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " قلت: قضيت بثمنهما حاجتي يا رسول الله، فقال: "اقْضِهِ" قلت: ليس عندي، قال: "أَنْتَ سُرَّقُ اذْهَبْ بِهِ يَا أَعْرَابِيُّ فَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ حَقَّكَ" فجعل الناس يساومونه فيّ، فيقول: ما تريدون، قالوا: ما تريد نريد أن نبتاعه منك أو نفديه منك، فقال: "والله إِنْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَحْوَجُ إِلَى اللهِ مِنِّي اذْهَبْ فقَدْ أَعْتَقْتُكَ" (¬2). مسلم بن خالد وعبد الرحمن لا يحتج بهما، أو لعل هذا كان قبل أن ينزل قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}. وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (3/ 273) والدارقطني (4/ 230 - 231) والبيهقي (6/ 48). (¬2) رواه البزار (929 زوائد الحافظ) وقال: إسناده ضعيف. ورواه الطبراني في الكبير (6716) والحاكم (2/ 54).

وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ وَلَهُ دَيْنٌ إِلى أَجَلٍ، فَالَّذِي عَلَيْهِ حَالٌّ وَالَّذِي لَهُ إِلَى أَجَلٍ" (¬1). في إسناده أبو حمزة عن جابر بن يزيد، ضعيف عن متروك. النسائي عن الشريد بن سويد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" (¬2). البخاري، عن جابر بن عبد الله أن أباه قتل يوم بدر شهيدًا وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألهم أن يقبلوا ثَمن حائطي ويحللوا أبي، فأبوا، فلم يعطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حائطي وقال: "سَنَغْدُو عَلَيْكَ" فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثَمْرها (¬3). وعن أبي هريرة أن رجلًا تقاضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغلظ له، فَهَمَّ به أصحابه فقال: "دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا وَاشْتَرْوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ" وقالوا لا نجد إلا أفضل من سِنّه، قال: "اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً" (¬4). البزار عن ابن عباس قال: استسلف النبي - صلى الله عليه وسلم - من رجل من الأنصار أربعين صاعًا، فاحتاج الأنصاري فأتاه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا جَاءَنَا شَيْءٌ بَعْدُ" فقام الرجل، وأراد أن يتكلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُلْ إلَّا خَيْرًا فَأَنَا خَيْرُ مَنْ تَسَلَّفَ" فأعطاه أربعين فصيلًا وأربعين لسلفه فأعطاه ثمانين (¬5). النسائي، عن عائشة قالت: كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردان قطريان، فكان ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 232). (¬2) رواه النسائي (7/ 316). (¬3) رواه البخاري (2395). (¬4) رواه البخاري (2390). (¬5) رواه البزار (924 زوائد الحافظ ابن حجر).

إذا جلس فعرق فيهما ثقلا عليه، وقدم لفلان اليهودي بَزٌّ من الشام، فقلت: لو أرسلت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فقال: قد علمت ما يريد محمَّد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو يذهب بهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ قَدْ عَلِمَ أَنِّي لَمِنْ أَتْقَاهُمْ للهِ وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حُدِّثَ أنه ترك صلى عليه وإلا قال: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَليَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَمَلَ مِنْ أُمَّتِي دَيْنًا ثُمَ جَهَدَ عَلَى قَضَائِهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ فَأنَا وَلِيُّهُ" (¬3). بقي بن مخلد نا هشام بن عمار نا ابن عباس نا عتبة بن حميد عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال: سألت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ قَرْضًا فَأَهْدَى إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَلاَ يَقْبَلْهُ وَلاَ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ" (¬4). إسناده صالح (¬5). وذكر الدارقطني عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الزبدة حتى نزلنا قريبًا من المدينة. . . . . وذكر الحديث وفيه أن ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 294). (¬2) رواه مسلم (1619). (¬3) ورواه أحمد (6/ 74 و 154) وأبو يعلى (4838) والبيهقي (7/ 22). (¬4) رواه ابن ماجه (2432) والبيهقي (5/ 350) وضعفه شيخنا انظر سلسلة الضعيفة (3/ 302 - 307). (¬5) هذا ليس في النسخة المغربية.

باب الشفعة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاهم فاشترى منهم جملًا بكذا وكذا صاعًا من التمر، ثم أخذ برأس الجمل فذهب به قال: فلما كان العشي أتانا رجل فقال: السلام عليكم إني أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، وإنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا، قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا (¬1). وذكر العقيلي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر بإخراج بني النضير من المدينة جاءه ناس منهم فقالوا: إنا لنا ديونًا تحل، فقال لهم: "ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا" (¬2). في إسناده رجل يقال له علي بن أبي محمَّد وهو مجهول وحديثه غير محفوظ. ومن طريق غندر عن شعبة عن عامر عن فراس الحازمي عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال: ثلاثة يدعون الله ولا يستجاب لهم، وذكر فيه ورجل كان له على رجل دين فلم يُشْهِدْ عليه. وقد أسنده معاذ بن المثنى عن أبيه عن شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ذكر ذلك أبو محمَّد علي بن أحمد، ومثنى روى عنه يحيى بن سعيد القطان وأبو زرعة الرازي. باب الشفعة مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشُفْعَةُ في كُلِّ شِرْكٍ في أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ لاَ يَصْلُحُ أَن يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 44 - 45). (¬2) الضعفاء الكبير (3/ 251 - 252) للعقيلي. (¬3) المحلى (7/ 225 - 226) وانظر سلسلة الصحيحة (4/ 420 - 421).

فيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ، فَإِنْ أَبَي فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ" (¬1). الترمذي، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا" (¬2). وذكر ابن أيمن عن جابر بن عبد الله قال: اشتريت أرضًا إلى جنب أرض رجل، فقال: أنا أحق بها فاختصمنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ليس له في أرضي طريق ولا حق، فقال عليه السلام: "هُوَ أَحَقُّ بِهَا" فقضى له بالجوار. وهذا يرويه سليمان عن هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء عن جابر (¬3). والحديث الذي قبل هذا رواه خالد الواسطي وأحمد بن حنبل وعبدة بن سليمان عن هشيم بهذا الإسناد. والحديث يدور على عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، ذكر الترمذي حديث خالد خاصة. وذكر علي بن عبد العزيز في المنتخب عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ شُفْعَةَ لِغَائِبٍ وَلاَ لِصَغِيرٍ وَلاَ شَرِيكٍ عَلَى شَرِيكِهِ إِذَا سَبَقَهُ بِالشِّرَاءِ وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ" (¬4). وذكره أبو بكر البزار (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1608). (¬2) رواه الترمذي (1369). (¬3) المحلى (8/ 32) لابن حزم. (¬4) ورواه ابن عدي (6/ 180) ومن طريقه البيهقي (6/ 108). (¬5) رواه البزار (4/ 2) من نسخة الأزهر.

وحديث علي أتم في هذا وهو حديث ضعيف الإسناد فيه البيلماني وغيره. وذكر أبو محمَّد وقال: فيه الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ، فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه. وهو أيضًا من حديث البيلماني عن ابن عمر مسندًا (¬1). الترمذي، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّرِيكُ شَفِيعٌ وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (¬2). أسنده أبو حمزة السكري. ورواه شعبة وأبو الأحوص وغيرهما عن ابن أبي مليكة مرسلًا، والمرسل أصح. روى هذا الحديث محمَّد بن جعفر قال: نا شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْعَبْدِ شُفْعَةٌ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ". ذكر ذلك أبو محمَّد (¬3). ورواه أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل شيء الأرض والجارية والخادم، فقال عطاء: إنما الشفعة في الأرض، فقال له ابن أبي مليكة: تسمعني لا أم لك أقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول هكذا، هكذا رواه مرسلًا (¬4). وقد أسنده عمر بن هارون وهو متروك عن شعبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشُّفْعَةُ فِي العَبْدِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ". ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 17). (¬2) رواه الترمذي (1371). (¬3) المحلى (8/ 11) لابن حزم. (¬4) المحلى (8/ 6).

ذكره ابن عدي (¬1). وذكره الطحاوي قال: نا محمد بن خزيمة نا يوسف بن عدي هو القراطيسي نا ابن إدريس هو عبد الله الأودي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل شيء (¬2). وذكر عبد الرزاق قال: نا الأسلمي قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشفعة في الدين، وهو الرجل يكون له دين على رجل فيبيعه فيكون صاحب الدين أحق به (¬3). زاد في طريق أخرى: إذا أدى مثل الذي أدى صاحبه. وهذه الزيادة رواه عن عمر أيضًا مرسلًا (¬4). وذكر الدارقطني عن عثمان بن عفان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلاَ فَحْلٍ" (¬5). وقال: هذا حديث يرويه محمَّد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان، عن عثمان، قاله صفوان بن عيسى وابن إدريس عنه. ورواه مالك عن أبي بكر بن حزم عن عثمان، لم يذكر أبان وكلهم وقفوه (¬6). ورواه يزيد بن عياض عن أبي بكر بن حزم عن أبان بن عثمان عن أبيه ¬

_ (¬1) الكامل لابن عدي (5/ 30 - 31). (¬2) شرح معاني الآثار (4/ 126). (¬3) رواه عبد الرزاق (14433). (¬4) رواه عبد الرزاق (14432) وفي إسناده رجل لم يسم. (¬5) العلل (3/ 14) للدراقطني. (¬6) العلل (3/ 14 - 15) للدارقطني.

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والموقوف أصح، ويزيد بن عياض ضعيف (¬1). ومن مراسيل أبي داود عن يونس عن ابن شهاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعُونَ دَرًا جَارٌ" قلت لابن شهاب: وكيف أربعون دارًا جار؟ قال: أربعون عن يمينه وعن يساره ومن خلفه وبين يديه (¬2). البخاري، عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقْبِهِ" (¬3). وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد بن سويد عن أبيه قال قلت: يا رسول الله أرض ليس فيها لأحد قسم ولا شريك إلا الجوار قال: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقْبِهِ مَا كَانَ" (¬4). الترمذي، عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. قال أبو عيسى: لا يصح سماع الحسن من سمرة. يذكر ذلك عن علي بن المديني. وذكر ابن أيمن قال: نا أحمد بن زهير بن حرب نا أحمد بن حُباب نا عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ". ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (350). (¬3) رواه البخاري (2258 و 6977 و 6978 و 6980 و 6981). (¬4) المحلى (8/ 33) لابن حزم. (¬5) رواه الترمذي (1368).

قال أحمد بن حُبَاب: أخطأ فيه عيسى بن يونس إنما هو موقوف على الحسن (¬1). وقال الدارقطني: وهم فيه عيسى بن يونس وغيره يرويه عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وكذلك رواه شعبة وغيره عن قتادة وهو الصواب. البخاري، عن أبي هريرة قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل مالا يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَة أَذْرُعٍ" (¬3). وذكر عبد الرزاق قال: نا معمر عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّرِيقُ الْمَيْتَاءُ سَبْعُ أَذْرُعٍ". جابر هو الجعفي. وذكر أبو أحمد من طريق عباد بن منصور الناجي عن أيوب السختياني [عن أبي قلابة] عن أنس قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطريق الميتاء التي تؤتاه مِنْ كل مكان إذا استأذن أهله فيه فإن عرضه سبعة أذرع، وقضى في الشعاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَطْتُمْ عَلَيْهِ وَأَعْلَمْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، وَمَا لَمْ يُحَطْ عَلَيْهِ فَهُوَ للهِ وَرَسُولهِ" (¬4). البخاري، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فأيهما أهدي قال: "أَقْرَبُهُمَا مِنْكِ بَابًا" (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 32 - 33) لابن حزم. (¬2) رواه البخاري (2213) بهذا اللفظ من حديث جابر لا من حديث أبي هريرة. (¬3) رواه مسلم (1613). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 339). (¬5) رواه البخاري (2259 و 2595 و 6020).

باب

باب مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ" ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم (¬1). وقال أبو داود: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ فَلاَ يَمْنَعْهُ" (¬2). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر حق الجار وقال: "ولاَ تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلاَ تُؤْذِهِ بِقتَارِ قِدْرِكَ إلَّا أَن تَغْرِف لَهُ مِنْهَا. . . . ." وذكر الحديث (¬3). وهذا حديث منكر وإسناده ضعيف لا يعول عليه. باب في إحياء الموات، والغراسة، والمزارعة وكراء الأرض، وما يتعلق بذلك مسلم، عن سعيد بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" (¬4). البخاري، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1609). (¬2) رواه أبو داود (3634). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 171). (¬4) رواه مسلم (1610).

شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ" (¬1). أبو بكر بن أبي شيبة، عن يعلي بن مرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِغَيْرِ حَقِّهَا كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَ تُرَابَهَا إِلَى الْمحْشَرِ" (¬2). البخاري، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَحْيَا [أَعْمَرَ] أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لأَحَدِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا" (¬3). النسائي، عن سعيد بن يزيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ" (¬4). أبو داود، عن عروة بن الزبير عن سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا. . . . . ." فذكر مثله. قال: ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس أحدهما نخلًا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: ولقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالقوس حتى أخرجت منها، وإنها لنخل عم. قال: وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري، يعني الذي حدثه هذا الحديث (¬5). وعن عروة أيضًا قال: أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتًا فهو أحق به، جاءنا بهذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جاؤوا بالصلاة عنه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2454 و 3196). (¬2) رواه أبو بكر بن أبي شيبة (6/ 565) وأحمد (4/ 172 و 173). (¬3) رواه البخاري (2335) ولفظه "من أعمر" وليس عنده "ميتة" وهو عند النسائي في الكبرى (5759) بهذا اللفظ. (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5761). (¬5) رواه أبو داود (3074 و 3075). (¬6) رواه أبو داود (3076).

وعن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلأَ" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال]: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاء، فَيَقُولُ اللهُ: الّيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ" (¬3). أبو داود، عن أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي أنه سمع رجلًا من المهاجرين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا أسمعه يقول: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ في ثَلاَثًا: الْمَاءِ وَالْكَلأِ وَالنَّارِ" (¬4). حبان بن زيد لا أعلم روى عنه إلا حريز بن عثمان، وقد قيل فيه مجهول. ورواه عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلأِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ" (¬5). وقال البخاري: عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب منكر الحديث. وضعفه أيضًا أبو زرعة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3077). (¬2) رواه مسلم (1566). (¬3) رواه البخاري (2369 و 7446). (¬4) رواه أبو داود (3477). (¬5) ورواه ابن ماجه (2472) وسنده ضعيف.

قال فيه أبو حاتم: ذاهب الحديث. ذكر حديثه هذا أبو أحمد بن عدي (¬1). وذكر أبو داود من طريق سيار بن منظور رجل من بني فزارة عن أبيه عن امرأة يقال لها بُهَيْسَةَ عن أبيها قالت: استأذن أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الْمَاءُ" قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الْمِلْحُ" قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ" (¬2). بهيسة مجهولة، وكذلك الذي قبلها. وعن صفية ودُحَيْبَهَ ابنتي عُلَيةَ عن قيلة بنت مخرمة قالت: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: تقدم صاحبي حريث بن حسان وافد بكر بن وائل، فبايعه على الإِسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا إلا مسافر أو مجاور فقال: "اكْتُبْ لَهُ يَا غُلاَمُ بِالدَّهْنَاءِ" فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك إنما هي هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال: "أَمْسِكْ يَا غُلاَمُ صَدَقَتِ الْمسْكِينَةُ الْمُسْلِمُ أَخْو الْمُسْلِمِ يَسَعُهُمُ الْمَاءُ وَالشَّجَرُ وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْفَتَّانِ" (¬3). قال أبو داود: الفتان! الشيطان. مسلم, عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الْبِئْرُ جَرْحُهَا جبَارٌ, ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 209). (¬2) رواه أبو داود (3476). (¬3) رواه أبو داود (3070).

وَالْمَعْدَنُ جَرْحُهُ جبَارٌ وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" (¬1). مسلم، عن عبد الله بن الزبير أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّحِ الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ" فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَذْرِ" قال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (¬2). وذكر عبد الرزاق عن أبي حازم القرظي عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في سَيْلِ مهزورٍ أن يحبس في كل حائط حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل وغيره من السيول كذلك. أبو داود، عن أبي قلابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُضَارُّوا فِي الْحَفْرِ" وذلك أن يحفر الرجل إلى جنب الرجل ليذهب بمائه (¬3). هذا مرسل. أبو داود، عن الصعب بن جثامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى البقيعة قال: "لاَ حِمَى إلَّا للهِ وَرَسُولهِ" (¬4). وقال علي بن عبد العزيز في المنتخب: حمى البقيع لخيل المسلمين ترعى فيه. وذكر أبو داود عن ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده أبيض بن حمال أنه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1710). (¬2) رواه مسلم (2357). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (408). (¬4) رواه أبو داود (3083).

سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حمى الأراك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حِمَى في الأَراكِ" (¬1). وعن سُمي بن قيس عن شمير عن أبيض أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ما يحيى من الأراك، فقال: "مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الإِبلِ" (¬2). أصح هذه الأحاديث حديث الصعب بن جثامة وهو الذي يعول عليه. وذكر علي بن عبد العزيز في المنتخب عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَاسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا" (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَغْرِس رَجُلٌ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلاَ يَزْرعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إلا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ" (¬4). الطحاوي، عن أبي سعيد الخدري قال: اختصم رجلان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نخلة فقطع منها جريدة ثم درع بها النخيلة فإذا فيها خمس أذرع فجعلها حريمًا. وقال أبو داود: خمسة أذرع أو سبعة أذرع (¬5). وذكر الزهري عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حَرِيمُ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3066). (¬2) رواه أبو داود (3064) وفي الأصل عن شمير بن قيس عن أبيض والصحيح من سنن أبي داود. (¬3) ورواه أحمد (3/ 183 - 184 و 191) وعبد بن حميد (1216) والبخاري في الأدب المفرد (479). (¬4) رواه مسلم (1552). (¬5) رواه أبو داود (3640).

الزَّرْعِ ثَلاَثُمَائَةِ ذِرَاعٍ، وَحَرِيمُ الْعَيْنِ السَّيْحِ سِتَمَائَةُ ذِرَاعٍ". هذا الحديث يروى مسندًا عن الزهري عن سعيد بن المسميب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويروى مرسلًا كما تقدم، والمرسل أشبه. ذكر الحديث والتعليل أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬1). وذكره أبو داود في المراسيل عن الزهري وقال: قال سعيد من قبل نفسه وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع (¬2). وعن الزهري قال: إن السنة والقضاء. . . . فذكر، يعني ما تقدم، وقال: حريم العين خمسمائة ذراع من كل ناحية، فهذا يعني ما يأذن به السلطان من الحفائر إلا أن يكون لقوم أسلموا عليها أو ابتاعوها (¬3). مسلم، عن وائل بن حجر عن: النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُولُوا الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا الْحَبَلَةُ" يعني العنب (¬4). أبو داود عن عبد الله بن جحش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ في النَّارِ" (¬5). وقال أبو داود: هذا الحديث مختصر، يعني من قطع سدرة في فلاة من الأرض يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثًا وظلمًا بغير حق. البخاري، عن أبي أمامة الباهلي قال: ورأى سكة وشيئًا من آلة الحرث، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ أَحَدٍ إلَّا دَخَلَهُ الذِّلُّ" (¬6). ¬

_ (¬1) السنن (4/ 220) للدارقطني. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (402). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (403). (¬4) رواه مسلم (2248). (¬5) رواه أبو داود (5239). (¬6) رواه البخاري (2321).

البزار، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالجماجم أن تنصب في الزرع. قال أحد رواته: من أجل العين (¬1). البزار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ زَرَعْتُ وَلِيَقُلْ حَرَثْتُ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اقْتَنى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلاَ مَاشِيَةٍ وَلاَ أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ" (¬3). وعن ابن المغفل قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلب ثم قال: "مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلاَبِ" ثم رخص في كلب الغنم والصيد والزرع (¬4). النسائي، عن ابن المغفل أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنَّ الْكِلاَبَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الأَسْوَدَ الْبَهِيمَ وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ كَلْب حَرْثٍ وَلاَ صَيْدٍ وَلاَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث معلى بن هلال الطحان الكوفي أبو عبد الله عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الدار القاصية في اقتناء الكلب إذا كانوا في خوف (¬6). ومعلى هذا متروك. قال فيه يحيى بن معين: هو من المعروفين بالكذب ونحوه قال أحمد ابن حنبل. ¬

_ (¬1) رواه البزار (1166) زوائد الحافظ وقال: يعقوب وشيخه ضعيفان. (¬2) رواه البزار (908) زوائد الحافظ ابن حجر. (¬3) رواه مسلم (1575). (¬4) رواه مسلم (1573). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (4791). (¬6) سقط هذا الحديث من النسخة المطبوعة من الكامل.

وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبي سلمة وغيره عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتني الكلاب إلا صاحب غنم أو خائفًا أو صائدًا. . . . الحديث (¬1). عبد الرحمن هذا عندهم ضعيف. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو تمر (¬2). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، وأن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى عن أرض الحجاز، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم بها على أن يَكْفُوا نخلها عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" فقروا حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا (¬4). وعن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَتْ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ" (¬5). وعن رافع بن خديج أنه قال لعبد الله بن عمر سمعت عمَّيَّ وكانا شهدا بدرًا يحدثان أهل الدار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض، قال عبد الله: ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 275). (¬2) رواه مسلم (1551). (¬3) رواه مسلم (1551). (¬4) رواه مسلم (1551). (¬5) رواه مسلم (1536).

لقد كنت أعلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى، ثم خَشِيَ عبد الله أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض (¬1). وعنه أتى ظهير بن رافع وهو عمه قال: لقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان بنا رافقًا فقلت: وما ذاك؟ ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حق: قال: سألني كيف تصنعون بمحاقلتكم؟ فقلت: نؤاجرها على الربيع والأوساق [أو الأوسق] من التمر والشعير، قال: فلا تفعلوا ازرعوها أو أمسكوها (¬2). أبو داود، عن رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بني حارثة فرأى زرعًا في أرض ظهير فقال: "مَا أَحْسَنَ زَرْعَ ظَهِيرِ" فقالوا: ليس لظهير، قال: "أَلَيْسَ أَرْضَ ظَهِيرٍ؟ " قالوا: بلى ولكنه زرع فلان، قال: "فَخُذُوا زَرْعَكُمْ وَرُودُّوا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ" قال رافع: فأخذنا زرعنا ورددنا إليه النفقة (¬3). وفي أخرى: "أَرَبَيْتُمَا فَرُدَّ الأَرْضَ عَلَى أَهْلِهَا وَخُذْ نَفَقَتَكَ" (¬4). البخاري، عن رافع بن خديج قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يُكْري أرضه ويقول: هذه القطعة لي وهذه لك، فربما أخرجت وذه ولم تُخْرِج ذه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وقال مسلم: وأما الورق فلم ينهنا (¬6). وقال: عن جابر نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1547). (¬2) رواه مسلم (1548). (¬3) رواه أبو داود (3399). (¬4) رواه أبو داود (3402). (¬5) رواه البخاري (2332). (¬6) رواه مسلم (1547). (¬7) رواه مسلم (1536).

البخاري عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أرض تهتز زرعًا، فقال: "لِمَنْ هذه؟ " فقالوا: اكتراها فلان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَها إِيَّاهُ كَانْ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأخُذَ عَلَيْها أَجْرًا مَعلُومًا" (¬1). مسلم، عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كراء الأرض، قال: فقلت: أبالذهب والورق؟ قال: أما بالذهب والورق فلا بأس به (¬2). وذكر أبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي وما سَعِد بالماء منها، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة (¬3). وهذا يصح لأن في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، ويقال ابن لبيبة. وذكر أيضًا من حديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة، وقال: "إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرضٌ فَهُوَ يَزْرَعها، أَوْ رَجُل مُنحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنحَ، وَرَجُل اسْتكْرى أَرضًا بِذَهبٍ أَوْ فِضَّةٍ" (¬4). وآخر الحديث: إنما يزرع ثلاثة إنما هو قول سعيد بن المسيب، وذكر ذلك النسائي (¬5). وذكر أبو داود أيضًا عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2330 و 2342 و 2634) واللفظ للأخير. (¬2) رواه مسلم (1547). (¬3) رواه أبو داود (3391). (¬4) رواه أبو داود (3400). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (4617).

كانَ هذَا شَأْنكُم فَلاَ تكْرُوا الْمَزَارِعَ" فسمع قوله: "فَلاَ تكْرُوا الْمَزَارعَ" (¬1). لا يصح هذا لأن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار. مسلم، عن ابن عمر قال: أعطى رسول الله خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه كل سنة مئة وسق، ثمانين وسقًا من تمر وعشرين وسقًا من شعير، فلما وَلِيَ عمر قسم خيبر، خيّر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع لهن الأرض والماء أو يضمن لهن الأوساق كل عام، فاختلفن، فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق، كل عام، فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء (¬2). البخاري، عن أبي هريرة قالت الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم - اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال: "لاَ" فقالوا: تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا (¬3). أبو داود، عن عطاء عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمِ بِغَيْرِ إِذْنِهم فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفقَتُهُ" (¬4). عطاء بن أبي رباح لم يسمع من رافع. الدارقطني، عن مجاهد أن نفرًا اشتركوا في زرع، من أحدهم الأرض ومن الآخر الفدان، ومن الآخر العمل، ومن الآخر البذر، فلما طلع الزرع ارتفعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألغى الأرض وجعل لصاحب الفدان كل يوم ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3390). (¬2) رواه مسلم (1551). (¬3) رواه البخاري (2325 و 2917 و 3780). (¬4) رواه أبو داود (3403).

درهمًا، وأعطى العامل كل يوم أجرًا، وجعل الغلة كلها لصاحب البذر (¬1). هذا مرسل وفي إسناده واصل بن أبي جميل وهو ضعيف. وذكر الدارقطني أيضًا عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَنَى فِي رِبَاعِ قَوْمٍ بِإذْنِهم فَلَهُ الْقِيمَةُ، وَمَنْ بَنَى بِغَيْرِ إِذْنِهم فَلَهُ النَّقْضُ" (¬2). في إسناده عمر بن قيس يعرف بسندل وهو متروك. أبو بكر بن أبي شيبة، عن أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "اتَّخِذِي غَنَمًا فَإِنَّ فِيها بَرَكَةً" (¬3). البزار، عن عروة بن أبي الجعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيَها الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ" (¬4). زاد الطحاوي: "وَالإِبِلُ عِزٌ لأَهْلِها" (¬5). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَأْسُ الْكُفْرِ نحوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإبِلِ، وَالْفدَّادِينَ أَهْلَ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينهُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ" (¬6). النسائي، عن عبدة بن حزن قال: افتخر أهل الإبل والشاة، فقال رسول ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 76). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 243). (¬3) وعن ابن أبي شيبة رواه ابن ماجه (2034) والطبراني رواه من طريق ابن أبي شيبة وغيره (24/ 1039 و 1040 و 1041). (¬4) وروى البخاري (2850 و 2852) ومسلم (1873) وغيرهما منه الفقرة الاولى، وروى ابن ماجه (2305) وأبو يعلى (6728) والطبراني في الكبير (17/ 404) "والغنم بركة" وكذلك الطحاوي (3/ 274). (¬5) رواه الطحاوي (3/ 274) والطبراني في الكبير (17/ 404) وابن ماجه (2305) وأبو يعلى (6828). (¬6) رواه البخاري (3301 و 3499 و 4388 و 3489 و 4390).

باب في الحبس، والعمرى، والهبة والهدية والضيافة، والعارية

الله - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثَ مُوسَى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثَ دَاوُدُ وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثْتُ أَنا أَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِي بِأَجْيادَ" (¬1). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا بَعَثَ اللهُ نَبَيًّا إلَّا رَعَى الْغَنَمَ" فقال أصحابه: وأنت، قال: "نَعَمْ كُنْتُ أَرعَاها عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَةَ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة، عن ضرار بن الأزور قال: بعثني أهلي بلقوح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرني أن أحلبها فحلبتها فقال: "دَع دَاعِيَ اللَّبَنِ لاَ تَجْهَدْهُ" (¬3). أبو داود، عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري أن عامرًا الشعبي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ وَجَدَ دَابَّة قَدْ عَجَزَ عَنْها أَهْلُها أَنْ يَعلِفُوها فَسَيَّبُوها فَأَخَذَها فَأَحيَاها فَهِيَ لَهُ" قال عبيد الله: فقلت: عمن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). عبيد الله بن حميد روى عنه هشام وأبان العطار ومنصور بن زاذان وغيرهم. باب في الحبس، والعمرى، والهبة والهدية والضيافة، والعارية مسلم، عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط ¬

_ (¬1) رواه النسائي في التفسير (344) والبخاري في الأدب المفرد (577). (¬2) رواه البخاري (2262). (¬3) ورواه أحمد (4/ 76 و 311 و 322 و 339) وابن حبان (5283) والحاكم (3/ 237) وغيرهم. (¬4) رواه أبو داود (3524).

هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به، قال: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِها" قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورث، فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متمول فيه (¬1). ومن حديث محمد بن الصباح الزعفراني عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل أهلها منها بالمعروف غير المنكر. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. مدر: موضع باليمن. وروي عن ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة النساء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حَبْسَ بَعدَ سُورَةِ النِّسَاءِ" (¬2). عبد الله بن لهيعة ضعيف، وأخوه مثله، ولا يتابع عيسى على هذا. ذكر حديثه أبو جعفر العقيلي. أبو داود، عن حميد الأعرج عن طارق المكي عن جابر بن عبد الله قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت، فقال ابنها: إنما أعطيتها حياتها وله إخوة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ لَها حَيَاتَها وَمَوْتَها" قال: كنت تصدقت بها عليها، قال: "ذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ" (¬3). الصحيح في هذا ما خرجه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعمَرَ رَجُلًا عُمرَى لَهُ ولِعَقِبِهِ فقال: قَدْ أَعطَيْتُكَها وَعَقبَكَ مَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1632). (¬2) رواه العقيلي (3/ 397). (¬3) رواه أبو داود (3557).

بقِيَ أَحَدٌ فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعطِيها وعقبه، وإِنَّهَا لاَ تَرجِعُ إِلَى صَاحِبِها مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ" (¬1). وعنه أنه قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. قال معمر: وبذلك كان الزهري يفتي (¬2). وعن الشعبي قال: حدثني النعمان بن بشير أن أمه ابنة رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سَنَةً ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أم هذا ابنة رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ غَيْر هذَا؟ " قال: نعم، قال: "أَكُلَّهُمُ وَهبْتَ لَهُ مِثْلَ هذَا؟ " قال: لا، قال: "فَلاَ تُشْهِدنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهدُ عَلَى جَوْرٍ" (¬3). وفي طريق آخر: "أَفَكُلَّهُم أَعطَيْتَ مِثْل مَا أَعطَيْتَهُ؟ " قال: لا. قال: "فَلاَ يَصلُحُ هذَا، وَإِنِّي لاَ أَشْهدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ" (¬4). وفي طريق آخر: "أَشْهِد عَلَى هذَا غَيْرِي" ثم قال: "أَيَسُرُكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً" قال: بلى، قال: "فَلاَ إِذًا" (¬5). وفي أخرى: "أَفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟ " قال: لا، قال: "اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُم" فرجع أبي فرد تلك الصدقة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1625). (¬2) رواه مسلم (1625). (¬3) رواه مسلم (1623). (¬4) رواه مسلم (1624). (¬5) رواه مسلم (1623). (¬6) رواه مسلم (1623).

وفي أخرى أنه عليه السلام أمر بردها (¬1). النسائي، عن حسين المعلم عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قام خطيبًا، فقال في خطبته: "لاَ يَجُوزُ لامرَأَةٍ عَطِيّهٌ إلَّا بِإذْنِ زَوْجِها" (¬2). ورواه داود بن أبي هند وحبيب المعلم عن عمرو بن شعيب بهذا الإسناد قال: "لاَ يَجُوزَ لامرَأَةِ هِبَةٌ فِي مَالِها إِذَا مَلَكَ زَوْجُها عِصمَتَها" (¬3). ذكره النسائي أيضًا، وقد تقدم الكلام على ضعف هذا الإسناد. وفي بعض طرق هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمر (¬4). وخرجه أبو داود عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬5). البخاري، عن ميمونة أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: استعرت يا رسول الله إني أعتقت وليدتي، قال: "أَوَ فَعَلْتِ؟ " قلت: نعم، قال: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعطَيْتِها أَخْوَالِكَ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ" (¬6). البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لنَا مَثَلُ السُّوءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1623). (¬2) رواه النسائي (5/ 56 - 66 و 6/ 278 - 279). (¬3) رواه النسائي (6/ 278). (¬4) هو عند النسائي (6/ 278 - 279) وأبي داود (3547). (¬5) رواه أبو داود (3547). (¬6) رواه البخاري (2592). (¬7) رواه البخاري (2622).

النسائي، عن ابن عمر وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّة يَرْجِعُ فِيِها إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي عَطِيَّة ثُمَّ يَرْجِعُ فِيها كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا أَشبَعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ" (¬1). ورواه أبو داود من حديث عمروبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزاد فيه: "فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَليُوقَّفْ فَلْيُعَرَّفْ بِمَا اسْتَردَّ ثُم لِيُرفَعْ إِلَيْهِ مَا وَهبَ" ولم يذكر استثناء الولد (¬2). الدارقطني عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَهبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِها مَا لَمْ يُثَبْ مِنْها" (¬3). رواته ثقات لكنه جعله وهمًا. قال: والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله. ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع (¬4). ومن حديث ابن عباس وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي ورفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهما ضعيفان جدًا (¬5). ويروى من حديث الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرجِعْ فِيها" خرجه الدارقطني (¬6). وذكر أبو داود عن غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده أن رجلًا منهم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي يقرئك السلام، فقال: "عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (6/ 265). (¬2) رواه أبو داود (3540). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 43). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 43 و 44). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 44). (¬6) رواه الدارقطني (3/ 44) والحاكم (2/ 52) والبيهقي (6/ 181).

السَّلاَمُ" فقال: إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا، فأسلموا وحسن إسلامهم، ثم بدا له أن يرتجعها منهم أفهو أحق بها أم هم؟ فقال: "إِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُسلمَها لَهُم فَلْيُسَلِّمها، وإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُم، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَهُم إِسْلاَمُهُم، وإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُوتِلُوا عَلَى الِإسْلاَمِ" هذا مختصر (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَهادُوا فَإنَّ الْهديَّةَ تُذْهِبَ وَحَرَ الصَّدرِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِها وَلَوْ [شِقَّ] فِرْسَنِ شَاةِ" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ أَوْ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ" (¬3). وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويثيب عليها (¬4). وعن ابن عمر أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان على بَكْرِ لعمر صَعْبٍ، فكان يتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول أبوه: يا عبد الله لا يتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْنِيهِ" قال عمر: هو لك، فاشتراه ثم قال: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ فَاصنعْ بِهِ مَا شِئْتَ" (¬5). وذكر العقيلي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أُهْدِيَتْ لَهُ هدِيَةٌ وَمَعَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ فَهُم شُرَكَاؤُهُ فِيها" (¬6). هذا يرويه مندل بن علي وعبد السلام بن عبد القدوس وهما ضعيفان. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2934). (¬2) رواه الترمذي (2130). (¬3) رواه البخاري (2568 و 5178). (¬4) رواه البخاري (2585). (¬5) رواه البخاري (2115 و 2610 و 2611). (¬6) رواه العقيلي (3/ 67) وعبد بن حميد (705).

ورواه أيضًا عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي إسناده وضاح بن خيثمة ولا يتابع عليه (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة" قال: أهدى رجل من بني فزانة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة من إبله التي كانوا أصابوا بالغابة، فعوضه منها بعض العوض فتسخطه، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على هذا المنبر: "إِنَّ رِجَالًا مِنَ الْعَرَب يُهْدِي أَحَدُهم الْهدِيَّةَ فَأُعَوِّضُهُ مِنْها بِقَدَرِ مَا عِنْدِي، ثُمَّ يَتَسَخَّطُهُ فَيَظَلُّ يَتَسَخَّطُ عَلَيَّ، وَأيْمُ اللهِ لاَ أَقْبَلُ بَعدَ مَقَامِي هذَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ هدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرَشيٍّ أَوْ أَنْصارِيِّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دُوسيٍّ" (¬2). زاد أبو داود: "أَوْ مُهاجِرِيٍّ" (¬3). وللترمذي أيضًا عن أبي هريرة أن أعرابيًا أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرة، فعوضه منها بكرات. . . . . الحديث، وقال: "لَقَدْ هممْتُ أَلَّا أَقْبَلَ هدِيَّةَ إلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دُوسِيٍّ" (¬4). ليس إسناد هذا الحديث بقوي، وكذلك الذي قبله. أبو داود، عن عياض بن حِمَار، قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة، فقال: "أَسْلمتَ؟ " قلت: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ" هذا كان قبل غزوة تبوك (¬5). وذكر البخاري عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك، وأهدى ملك أَيْلَةَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة بيضاء، فكساه بردًا وكتب له ببحرهم (¬6). ¬

_ (¬1) رواه العقيلي (4/ 328). (¬2) رواه التر مذي (3946). (¬3) رواه أبو داود (3537). (¬4) رواه الترمذي (3945). (¬5) رواه أبو داود (3057). (¬6) رواه البخاري (1481).

أبو داود، عن المقدم بن معدي كرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقُّ كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَصبَحَ بِفَنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِنْ شَاءَ اقْتَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فأصبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا، فَإِن نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُل مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ" (¬2). وذكر الدارقطني عن المقدام قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَلَم يقروُهُ فَأَخَذَ مِنْهُم ثَمَنَ قِرَاهُ ثَلاَثَةَ أَيامٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ". ذكره في كتاب العلل وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن الثوري، وإسماعيل ضعيف عندهم جميعهم إلا في الشاميين، وليس الحديث بشامي. والصحيح حديث أبي داود. مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ نَزَلْتُم بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فإنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حَقَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم" (¬3). وعن أبي شريح العدوي أنه قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَنْ وإنَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيكْرِم ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ" قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ والضِّيَافةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ" وقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصمُتْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3750). (¬2) رواه أبو داود (3751). (¬3) رواه مسلم (1727). (¬4) رواه مسلم (48).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أيَّامِ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلاَ يَحِلّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ" قالوا: وكيف يؤثمه يا رسول الله؟ قال: "يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ" (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن عبد الله ابن أخي عبد الرزاق قال: أظنه عن عبد الرزاق عن سفيان عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الضِّيَافَةُ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْمَدَرِ" (¬2). إبراهيم هذا يحدث المناكير. الترمذي، عن مالك بن نصرة قال: قلت: يا رسول الله الرجل أمر به ولا يقريني ولا يضيفني فيمر بي أفاقريه؟ قال: "لاَ أَقْرِهِ" ورآني رث الثياب فقال: "هلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ " قلت: من كل المال قد أعطاني الله من الإبل والغنم قال: "فَلْيُرَ عَلَيْكَ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بإذْنِهِ، أَيُحبُّ أَحَدُكُم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتكْسَرُ خِزَانتهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ، فَإنَّمَا تَخزُنُ لَهم ضُرُوعُ مَوَاشِيهِم أَطْعِمَتَهم، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ" (¬4). وذكر أبو داود عن الحسن عن سمرة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أتَى أَحَدُكُم عَلَى مَاشِيةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيها صَاحِبُها فَلْيَسْتَأذِنْهُ، وَلِيَشْرَبْ، فَكانْ لَمْ يَكُنْ فَلْيُصوِّتْ ثَلاَثًا فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِلَّا فَلْيحْتَلِبْ وَلِيَشْرَبْ وَلاَ يَحْمِلْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (48). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 273). (¬3) رواه الترمذي (2006). (¬4) رواه مسلم (1726). (¬5) رواه أبو داود (2619).

الترمذي، عن يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فلْيَأكُلْ ولاَ يَتَّخِذْ خُبْنةً" (¬1). قال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم. وذكر من حديث ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلق فقال: "مَنْ، أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ مِنْ غَيْرِ متخذ خُبْنَةَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ" (¬2). قال: حديث حسن. أبو داود، عن عباد بن شرحبيل قال: أصابني سنة فدخلت حائطًا من حيطان المدينة، فَفَرِكْت سنبلًا فأكلت، وحملت في ثوبي فأُتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "مَا عَلَّمْتَ إِذْ كَانَ جَاهِلًا، وَلاَ أَطْعمتَ إِذْ كَانَ جَائِعًا أو قال: سَاغِبًا" وأمره فرد عَلَيَّ ثوبي، وأعطاني وسقًا أو نصف وسق من طعام (¬3). البخاري، عن أيمن الحبشي قال: دخلت على عائشة وعليها درع قِطْر ثمن خمسة دراهم، فقال: ارفع بصرك إلى جاريتي انظر إليها فإنها تُزْهى أن تلبسه في: البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما كانت امرأة تُقَيَّنُ بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره (¬4). أبو داود، عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتَتْكَ رسُلِي فَادفع [فَأَعْطِهِم]، إِلَيْهم ثَلاَثِينَ دِرْعًا فيَ ثَلاَثِينَ بَعِيرًا" فقلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية مؤداة؟ قال: "بَلْ مُؤَدَّاةٌ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1287). (¬2) رواه الترمذي (1289). (¬3) رواه أبو داود (2620). (¬4) رواه البخاري (2628). (¬5) رواه أبو داود (3566).

ورواه النسائي عن صفوان بن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدراعًا يوم حُنين، قال: أغصبًا يا محمد؟ قال: "بَلْ عَارِيةٌ مَضْمُونَةٌ" فضاع بعضها فَعَرَضَ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضمنها له، قال: أنا اليوم برسول الله في الإسلام أرغب (¬1). ورواه أبو داود أيضًا بهذا الإسناد، ولم يقل في بعض طرقه "مَضْمُونَةٌ" وحديث يعلى أصح (¬2). وذكر الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِير غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلاَ عَلَى الْمُسْتَوْدعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ" (¬3). قبل عمرٍو في الإسناد عمرو بن عبد الجبار عن عبيدة بن حسان وهما ضعيفان. وذكر عطاء بن أبي رباح قال: أسلم قوم وفي أيديهم عواري من المشركين، فقالوا: قد أحرز لنا الإسلام ما بايدينا من عواري المشركين، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّ الإِسْلاَمَ لاَ يَحرَزْ لَكم مَا لَيْسَ لَكم، الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ" فأدى القوم ما بايديهم من تلك العواري (¬4). وهذا مرسل. أبو داود، عن قتادة عن الحسن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ" ثم إن الحسن نسي فقال: هو أمينك لا ضمان عليه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (5779). (¬2) رواه أبو داود (3562 و 3563). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 41). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 41). (¬5) رواه أبو داود (3561).

باب

الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. باب ذكر ابن وهب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ" (¬2). هذا من المراسيل. باب الوصايا والفرائض مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا حَقُّ امْرِئ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" (¬3). وعن سعد بن أبي وقاص قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة في واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لاَ" قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: "لاَ الثُلُثُ وَالثُّلُثُ كثِيرٌ، إِنَّكَ اِن تَذَرْ وَرَثتكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُم عَالَةً يَتكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نفَقَةً تَبْتَغِي بِها وَجْة الله إلَّا أُجِرتَ عَلَيْها حَتَّى اللُّقْمَة تَجْعَلها فِي فِي امرَأَتِكَ" قلت: يا رسول الله أخَلَّفُ بعد أصحابي؟ قال: "إِنَّكَ لَنْ تُخْلَفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا تَبْتَغِي بِهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3535) وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (523). (¬3) رواه مسلم (1627).

وَجْة اللهِ إِلَّا ازْدَدتَ بهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تَخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضرُّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصحَابِي هِجْرَتَهم، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعقَابهِم لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعدُ بْنُ خَوْلَةَ" قال: رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أَن تُوَفِّيَ بمكة (¬1). وذكر عبد الرزاق في مصنفه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر إن مات سعد بن أبي وقاص من مرضه هذا أن يخرج من مكة، وأن يدفن في طريق المدينة. وأشار إلى طريق المدينة. وذكره أبو بكر البزار (¬2). الترمذي، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الَّذِي يَعتِقُ أَوْ يَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتهِ مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبعَ" (¬3). الدارقطني، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ" (¬4). هذا رواه ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس. وعطاء هذا لم يدرك ابن عباس ولم يروه وقد وصله يونس بن راشد، فرواه عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. والمقطوع هو المشهور (¬5). وذكر الدارقطني أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلاَ إِقْرَارَ بِدَيْنٍ" (¬6). هذا مرسل، في إسناده نوح بن دراج وهو ضعيف. وذكر أيضًا عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1628). (¬2) رواه البزار (1268) زوائد الحافظ ابن حجر. (¬3) رواه الترمذي (2123) وليس في نسختنا "أو يتصدق". (¬4) رواه الدارقطني (4/ 97) وأبو داود في المراسيل (349). (¬5) رواه الدارقطني (4/ 98 و 152). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 152).

خارجة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى فقال: "إِنَّ الله قَدْ قَسَمَ لِكُل إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلَّا مِنَ الثُّلُثِ" (¬1). وشهر قد تكلموا فيه، وقد ذكره مسلم في صدر كتابه. وذكر الدارقطني أيضًا عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ لِقاتِلٍ وَصِيَّةٌ" (¬2). إسناده ضعيف فيه مبشر بن عبيد وغيره. أبو داود، عن شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرأة ليَعمَلا بِطَاعَةِ الله سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيَضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ" قال: قرأ علي أبو هريرة من ها هنا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار. . . .} حتى بلغ {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬3). أبو داود، عن أبي الزبير المكي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُؤْخَذُ مِنَ الْمُعَاهدِ آخِرُ أَمْرَيْهِ إِذَا كَانَ يَعقِلُ" (¬4). هذا مرسل. وذكر أبو داود أيضًا عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُرَدُّ مِنْ صَدَقَةِ الْجَانِفِ فِي حَيَاتِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُجنِفِ عِنْدَ مَوْتهِ" (¬5). الصحيح عن عروة مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويروى عن عروة قوله، وقد روي موقوفًا على عائشة. وذكر البزار قال: نا إسماعيل بن مسعود قال: نا أبو بكر الحنفي نا ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 152 - 153). (¬2) رواه الدارقطني (236/ 4 - 237). (¬3) رواه أبو داود (2867). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (348). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (194).

محمد بن عبيد الله عن أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود أن رجلًا أوصى لرجل بسهم من ماله، فجعل له النبي - صلى الله عليه وسلم - السدس (¬1). محمد بن عبيد الله هو العرزمي وهو متروك، وأبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان له أحاديث يخالف فيها. أبو داود، عن [سعيد بن] عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوف، ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُتْمَ بَعدَ احْتِلاَمٍ وَلاَ صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيلِ" (¬2). المحفوظ موقوف على علي. وقد روي من حديث جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن في إسناده حزامُ بن عثمان. ذكره أبو أحمد بن عدي (¬3). وذكر أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس في شيء ولي يتيم فقال: "كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلاَ مُبذِرٍ وَلاَ مُتأَئِّلٍ" (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث أبي عامر الخزاز صالح بن رستم قال: ولا بأس به عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: قال رجل: يا رسول الله مم أضرب يتيمي؟ قال: "مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلاَ مُتَأَثِّلِ مِنْ مَالِهِ مَالًا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البزار (973) زوائد الحافظ. (¬2) رواه أبو داود (2873) وسقط من النسختين "سعيد بن". (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 447). (¬4) رواه أبو داود (2872). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 72) ومن طريقه البيهقي (6/ 4).

مسلم، عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ" (¬1). وعن عائشة قالت: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا ولا أوصى بشيء (¬2). البخاري، عن عمر بن الحارث قال: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة (¬3). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرهمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ" (¬4). مسلم، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نُورثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ" (¬5). وعنها أن فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نُورثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذَا الْمَالِ" وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1826). (¬2) رواه مسلم (1635). (¬3) رواه البخاري (2739 و 2873 و 2912 و 3098 و 4461). (¬4) رواه البخاري (2776 و 3096 و 6729). (¬5) رواه مسلم (1758).

قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر. . . . . . . . وذكر الحديث (¬1). وعن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نُورثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" (¬2). وعن عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعباس بن عبد المطلب كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك (¬3). وقال النسائي: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف وسعد وعثمان وطلحة والزبير: أنشدكم الله الذي قامت له السموات والأرض سمعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّا مَعاشِرُ الأنْبِيَاءِ لاَ نُورثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ"؟ قالوا: اللهم نعم (¬4). مسلم، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله: "لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ" (¬5). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ولا الكَافِرُ الْمُسْلِمَ" (¬6). وروى ابن وهب عن محمد بن عمرو التابعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصرَانِيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1759). (¬2) رواه مسلم (1757). (¬3) رواه مسلم (1757). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (6309). (¬5) لم يروه مسلم وإنما رواه الحاكم (2/ 240). (¬6) رواه مسلم (1614). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 74).

محمد بن عمرو شيخ، وهذا الحديث ذكره الدارقطني قال: والمحفوظ موقوف. البخاري، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ مُؤْمِنِ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَأيُّمَا مُؤْمِنِ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عُصبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ" (¬1). مسلم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأهْلِها، فَمَا بقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرِ" (¬2). وعن شعبة قال: حدثني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ فصبوا عليَّ من وضوئه، فعقلت، فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالة، فنزلت آية الميراث. فقلت لمحمد بن المنكدر: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} قال: هكذا أنزلت (¬3). وعن ابن جريج عن أبي جابر فى هذا الحديث قال: فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬4). وعن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أَدَعُ بعدي شيئًا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء ما راجعته في الكلالة وما أَغْلَظَ في شيء ما أغلظ في فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: "يَا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2399). (¬2) رواه مسلم (1615). (¬3) رواه مسلم (1616). (¬4) رواه مسلم (1616).

عُمَرُ أَلاَ تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ النِّسَاءِ" إني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن (¬1). وعن البراء بن عازب قال: آخر آية أنزلت آية الكلالة، وآخر سورة أنزلت براءة (¬2). أبو داود، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله (يَسْتَفْتُونَكَ فِي الْكَلَالَةِ) قال: "مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلاَ وَالِدًا فَوَرَثَتْهُ كَلاَلَةٌ" (¬3). هذا يروى مرسلًا. الترمذي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتين من سعد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك، وإن عمهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: "يقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ" فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال: "أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أَمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بقِيَ فَهُوَ لَكَ" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. البخاري، عن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن بنت وابنة وابن وأخت، فقال: للبنت النصف وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر يقول أبي موسى فقال: ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1617). (¬2) رواه مسلم (1618). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (371). (¬4) رواه الترمذي (2092).

مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم (¬1). أبو داود، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تساله ميراثها، فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة نبي الله شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن سلمة فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه أبو بكر لها، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله من شيء، وما كان القضاء الذي قُضِيَ به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها (¬2). ليس هذا الحديث بمتصل السماع فيما أعلم، والحديث مشهور. أبو داود، عن أبي المنيب عبيد الله بن عبد الله عن ابن بُرَيْدَةَ عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أم (¬3). أبو المنيب وثقه يحيى بن معين. وقال البخاري فيه: عنده مناكير. وعن الحسن أن عمر قال: أيكم يعلم ما وَرَّثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجد؟ فقال معقل بن يسار: أنا، وَرَّثَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس، قال: مع من؟ قال: لا أدري، قال: لا دريت فما تغني إذًا (¬4). الترمذي، عن الحسن عن عمران بن الحصين قال: جاء رجل إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6736). (¬2) رواه أبو داود (2894). (¬3) رواه أبو داود (2895). (¬4) رواه أبو داود (2897).

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن ابن ابنتي مات فما في من ميراثه؟ قال: "لَكَ السُّدُسُ" قال: فلما ولىَّ دعاه قال: "لَكَ سُدُسٌ آخَرُ" فلما ولى دعاه قال: "إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعمَةٌ" (¬1). صحيح أبو عيسى هذا الحديث. قال أبو حاتم لم يسمع الحسن من عمران. وذكر أبو داود عن محمد بن سيرين قال: أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس أم أبي وابنها حي (¬2). هذا مرسل. وقد أسنده محمد بن سالم عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ورث جدة وابنها حي (¬3). محمد بن سالم هو الفارض وهو ضعيف جدًا شبه المتروك، ومنهم من ترك ذكر حديثه الترمذي وقال: حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وقد ورث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع ابنها ولم يورثها بعضهم. وذكر أبو داود أيضًا عن منصور عن إبراهيم النخعي قال: أطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث جدات السدس، قلت: من هن؟ قال: جدتاك من قبل أبيك وجدتك من قبل أمك، فسره في آخر قال: جدتي الأب، أم أبيه وأم أمه وجدة أمه أم أمها (¬4). وهذا مرسل. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2099) وأبو داود (2896) والنسائي في الكبرى (6337) وعند الترمذي "إن ابني مات" وعند أبي داود والنسائي "إن ابن ابني مات". (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (358). (¬3) رواه الترمذي (2102) والبيهقي (6/ 226). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (355).

وذكر ابن وهب عن من سمع من عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعم جدتين السدس إذا لم يكن أم أو شيء دونها، فإن لم توجد إلا واحدة فلها السدس (¬1). مجاهد لم يسمع من علي، وعبد الوهاب ضعيف. الترمذي، عن حكيم بن حكيم قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ" (¬2). قال: هذا حديث حسن. النسائي، عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ وَأَفُكُّ عانَهُ، وَالْخَالُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَانَهُ" (¬3). اختلف في إسناد هذا الحديث وفيه عن عائشة، واختلف فيه أيضًا (¬4). أبو داود، عن زيد بن أسلم عن عطاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب إلى قُبَاءَ يستخير في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عليه لا ميراث لهما (¬5). قال أبو داود: معناه لا سهم لهما ولكن يُوَرَّثُونَ للرحم. وقد أسنده مسعدة بن يسع الباهلي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه لا شيء لهما (¬6). ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 292). (¬2) رواه الترمذي (2103). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (6355). (¬4) رواه النسائي (6352 و 6353). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (361). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 99) وقال (4/ 81) ووهم فيه مسعدة والأول -أي المرسل- أصح.

ومسعدة ضعيف، بل متروك والصواب مرسل. النسائي، عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة قالت: مات مولى لي وترك ابنته، فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف ولها النصف (¬1). ورواه هكذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف. وذكر النسائي أيضًا عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة بن عبد المطلب أعتقت مملوكًا فمات وترك ابنته ومولاته، فورثته ابنته النصف، وورث ابنه حمزة النصف (¬2). قال: وهذا أولى بالصواب من الذي قبله. وذكر أبو داود في المراسيل أيضًا عن عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج عمارة بنت حمزة سلمة بن أبي سلمة، ولم يدركا فماتا فتوارثا (¬3). وذكر الترمذي عن الحارث عن علي بن أبي طالب أنه قال: إنكم تقرؤون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالوصية قبل الدين، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه (¬4). ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد: ولا وصية لوارث. وكلا الحديثين ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (6398). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (6399). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (366). (¬4) رواه الترمذي (2094).

وذكر أبو أحمد عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مولود ولد وله قبل ودبر، من أين يورث؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ حَيْثُ يبُولُ" (¬1). هذا من أضعف إسناد يكون. الترمذي، عن عائشة أن مولى للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقع من عذق نخلة فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوا هلْ لَهُ مِنْ وَارِثٍ؟ " قالوا: لا، قال: "فَادفَعُوهْ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الْقَريةِ" (¬2). قال: هذا حديث حسن. أبو داود، عن بريدة قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: إن عندي ميراث رجل من الأزد، ولست أجد أزديًا أدفع إليه قال: "فَاذْهبْ فَالْتَمسْ أَزْدِيًّا حَوْلًا" فأتاه بعد الحول فقال: يا رسول الله لم أجد أزديًا أدفع إليه، قال: "فَانْطَلِقْ فَانْظُرْ أَؤَلَ خُزَاعِيٍّ تَلْقَاهُ فَادفَعهُ إِلَيْهِ" (¬3). وفي لفظ آخر قال: مات رجل من خزاعة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بميراثه، فقال: "الْتَمِسُوا لَهُ وَارِثًا أَوْ ذَا رَحِمِ" فلم يجدوا له وارثًا ولا ذا رحم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعطُوهُ الْكُبْرَ مِنْ خُزَاعَةَ" (¬4). الترمذي، عن ابن عباس أن رجلًا مات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثًا إلا عبدًا هو أعتقه، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراثه (¬5). قال: هذا حديث حسن. ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 119). (¬2) رواه الترمذي (2105). (¬3) رواه أبو داود (2903) وأحمد (5/ 247) والنسائي في الكبرى (6394 و 6395 و 6396). (¬4) رواه أبو داود (2904). (¬5) رواه الترمذي (2106).

الترمذي، عن الضحاك بن قيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن يُوَرِّثَ امرأة أُشَيْم الضبابي من دية زوجها (¬1). وقال: حديث حسن صحيح. قال أبو عمر وذكر حديث الضحاك: هو حديث صحيح عند جماعة العلماء معمول به (¬2). وذكر الترمذي أيضًا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ" (¬3). في إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وقد تركه بعض أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل، ذكر ذلك الترمذي. ورواه النسائي من حديث ابن جريج ويحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ورواه جماعة عن عمرو بن شعيب مرسلًا عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَرِثُ قَاتِلُ عَمدٍ وَلاَ خَطَأٍ شَيْئًا مِنَ الدِّيَّةِ" (¬5). وذكر الدارقطني عن أبي قرة عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ" (¬6). وعن سفيان عن ليث عن طاوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2110). (¬2) التمهيد (12/ 120). (¬3) رواه الترمذي (2109). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (6367 و 6368). (¬5) رواه مالك (2/ 90) وعبد الرزاق (17782 و 17783) وابن ماجه (2646) والدارقطني (4/ 95 و 237) والبيهقي (6/ 219). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 95 - 96 و 237). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 95 و 237).

وأبو قرة هذا أظنه موسى بن طارق وكان لا بأس به، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف الحديث، وقد تكلم في سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب، والصواب في هذا الارسال عن عمرو بن شعيب عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ذلك الدارقطني. وذكر أيضًا محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يوم فتح مكة فقال: "لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِها وَمَالِهِ، وَهُوَ يَرِثُ مِنْ مَالِها وَدِيَتِها مَا لَمْ يقْتُلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمدًا، فَإنْ قتلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عمدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ وَلاَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَ خَطَأ ورِثَ مِنْ مَالِهِ وَلم تَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ" (¬1). ومحمد بن سعيد أظنه المصلوب وهو متروك عند الجميع (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو أسامة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: تزوج زياد بن حذيفة بن سعيد بن سهل أم وائل بنت معمر الجمحية، فولدت له ثلاثة أولاد، فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء مواليها، فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام، فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو وكان عصبتهم، فلما رجع عمرو وجاءه بنو معمر فخاصموه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر أقضي بينكم بما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا أَحرَزَ الْوَلَدُ أَوِ الْوَالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ" قال: فقضى لنا به وكتب بذلك كتابًا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت، وآخر حتى إذا استخلف مروان توفي مولى لها وترك ألف دينار، فبلغني أن ذلك القضاء قد غير، فخاصموه إلى هشام بن إسماعيل فرفعه إلى عبد الملك بن مروان، قال: وأتيناه بكتاب عمر فقال: إن كنت لأَرَى أَن هذا من ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 72 - 73). (¬2) قال الدارقطني بعد أن روى الحديث (4/ 73) محمد بن سعيد الطائفي ثقة.

القضاء الذي لا يشك فيه، وما كنت أرى أن يشكوا في القضاء به، فقضى لنا به فلم ننازع فيه بعد (¬1). قال أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث حسن صحيح غريب، وذكر توثيق الناس لعمرو بن شعيب، وأنه إنما أنكر من حديثه وضعفه ما كان عن قوم ضعفاء عنه، وقال غيره: نعم عمروبن شعيب ثقة ولكنه يحدث عن صحيفة جده (¬2). خرج أبو داود هذا الحديث، وحديث ابن أبي شيبة أتم (¬3). وقال أبو داود: ثنا أبو سلمة ثنا حماد عن حميد قال: الناس يتهمون عمرو بن شعيب في هذا الحديث. قال أبو داود: روي عن أبي بكر وعمر خلاف هذا، وروي عن علي مثل هذا. وذكر عبد الرزاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن رجلًا أراد أن يشتري عبدًا. . . . . فذكر الحديث وفيه: أن الرجل سأل عن ميراثه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُصْبَةٌ فَهُوَ لَكَ" (¬4). هذا مرسل، وعمرو بن عبيد هذا هو العذري والله أعلم. أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وُرِّثَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة (11/ 391 - 392) وعنده رئاب بن حذيفة. وعن ابن أبي شيبة رواه ابن ماجه (2732) وعنده رباب بن حذيفة، ورواه ابن عبد البر في التمهيد (3/ 61 - 62) وعنده زياد بن حذيفة. (¬2) التمهيد (3/ 62) وعنده حسن غريب. (¬3) رواه أبو داود (2917) ورواه النسائي في الكبرى (6348) مختصرًا جدًا ومن طريق أبي داود رواه البيهقي (10/ 304). (¬4) رواه عبد الرزاق (16214). (¬5) رواه أبو داود (2920).

النسائي، عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصَّبِيُّ إِذَا اسْتَهلَّ وُرِثَ وَصُلِيَ عَلَيْهِ" (¬1). هذا حديث قد روي موقوفًا على جابر. قال الترمذي: وكان الموقوف أصح. ولفظ الترمذي: "الطِّفْلُ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلاَ يَرِثُ وَلاَ يُوَرَّثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ" رواه أيضًا من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وذكر البزار في مسنده عن محمد بن عبد الرحمن البيلمانى عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتِهْلاَلُ الصَّبيِّ الْعِطَاسُ" (¬3). البيلماني ضعيف عندهم. أبو داود، عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله ما للسنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؛ قال: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحيَاهُ وَمَمَاتِهِ" (¬4). قال البخاري: اختلفوا في صحة هذا الخبر. وذكر أبو أحمد من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ وَلاَؤُهُ" (¬5). جعفر هذا متروك وكان جلًا صالحًا رحمه الله. أبو داود، عن عمر بن رؤبة التغلبي عن عبد الواحد بن عبد الله النصري عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمَرْأَةُ تَحُوزَ ثَلاَثَةَ مَوَارِيثَ، عَتِيقَهَا ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (63581). (¬2) رواه الترمذي (1032). (¬3) رواه البزار (976) زوائد الحافظ ابن حجر. (¬4) رواه أبو داود (2918) والترمذي (21112). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 135).

وَلَقِيطَها وَوَلَدَها الذي لاَعَنَتْ عَلَيْهِ" (¬1). ابن رؤبة وعبد الواحد صالحان ولا يحتج بهما، ذكر ذلك أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬2). أبو داود، عن مكحول قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها (¬3). وعن العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬4). وعن عبد الله بن عبيد عن رجل من أهل الشام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لولد الملاعنة: "عُصْبَتُهُ عُصْبَةُ أُمِّهِ" (¬5). هذا من المراسيل. الترمذي، عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَالْوَلَدُ وَلَدُ زِنًا وَلاَ يُورثُ" (¬6). وبهذا الإسناد قال: "يَرِثُ اَلْوَلاَءَ مَنْ يَرِثُ الْمَالَ" (¬7). قال أبو عيسى: ليس إسناده بالقوي، كذا قال، وابن لهيعة قد ضعفه الناس. أبو داود، عن ابن عباس {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2906) والترمذي (2116) والنسائي في الكبرى (6360 و 6361) وابن ماجه (2742). (¬2) الجرح والتعديل (6/ 22 و 108) لابن أبي حاتم ذكر ذلك عن والده. (¬3) رواه أبو داود (2907). (¬4) رواه أبو داود (2908). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (362). (¬6) رواه الترمذي (2113). (¬7) رواه الترمذي (2114).

قال: كان الرجل يحالف الرجل وليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك الأنفال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلّ قَسْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُل قَسمٍ أَدرَكَهُ الِإسْلاَمُ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الإسْلاَمِ" (¬2). وذكر أبو عمر في التمهيد عن عطاء أن رجلًا أسلم على ميراث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصيبه منه (¬3). هذا مرسل. وذكر أبو عمر أن فقهاء الأمصار على خلافه، وذكر أن الناس إنما أخذوا بالحديث الذي قبل هذا إلا عمر فإنه قضى بما في حديث عطاء، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتابعه عثمان على ذلك، وأخذ به أيضًا جابر بن زيد وطائفة من فقهاء التابعين بالبصرة خاصة، ذكر في باب ثور بن يزيد (¬4). أبو داود، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُعَضَّى مِيرَاثُ قَوْمٍ إِذَا لَمْ يَحمِلِ الْقَسْمَ" (¬5). لا يُعضَّى أي لا يقسم. هذا مرسل. أبو داود، عن سليمان بن موسى عن نُصَيْرٍ مولى معاوية قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قِسْمَةِ الضِّرَارِ (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2921). (¬2) رواه أبو داود (2914). (¬3) التمهيد (2/ 58). (¬4) التمهيد (2/ 57). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (369). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (370).

وهذا مرسل أيضًا. مسلم، عن بريدة بن حصيب قال: بينا أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: "وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكَ الْمِيرَاثُ" فقالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صُومِي عَنْهَا" قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: "حِجِّي عَنْهَا" (¬1). أبو داود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْعِلْمُ ثَلاَثَةٌ وَمَا سِوَاها فَهُوَ فَضْلٌ آيةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَهٌ مَاضِيَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ" (¬2). في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. الترمذي، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشدُّهُم فِي أَمرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصدَقُهُم حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُم بالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هذه الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ" (¬3). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. كذا قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والمتفق على المسند في هذا الحديث ذكر أبو عبيدة، وأول الحديث إنما يرويه الحفاظ من أهل البصرة عن خالد عن أبي قلابة مرسلًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1148). (¬2) رواه أبو داود (2885). (¬3) رواه الترمذي (3791).

باب الأقضية والشهادات

باب الأقضية والشهادات الترمذي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ بِهِ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِة عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ" (¬1). قال: حديث حسن غريب. أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينِ" (¬2). أبو داود، عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَرَفَ الْحَق وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَم يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعرِفِ الْحَقَّ لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ" (¬3). الترمذي، بن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ ولَزِمَهُ الشَّيْطَانُ" (¬4). وعن عبد الله بن عمر قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. زاد أبو بكر البزار: "وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمشِي بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرتَشِي". أبو داود، عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ شَفَعَ لأخِيهِ شَفَاعَةً ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1324). (¬2) رواه أبو داود (3572). (¬3) رواه أبو داود (3573). (¬4) رواه الترمذي (1330). (¬5) رواه الترمذي (1337).

وَأَهْدَى لَهُ هدِيَّةَ فَقَدْ أتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا" (¬1). مسلم، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَةدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (¬2). وعن سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مَسْكَنٍ منها قال: يجمع ذلك كله في مسكن واحد ثم قال: أخبرتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌ" (¬3). وعن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يَحكُم أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" (¬4). زاد النسائي: "وَلاَ يقْضِيَنَّ أَحَدٌ فِي قَضَاءٍ بِقَضَاءَيْنِ" (¬5). وروى القاسم بن عبد الله العمري من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْضِي الْقَاضِي إِلَّا وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ" (¬6). خرجه الدارقطني، والقاسم هذا متروك. وذكر الدارقطني أيضًا عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دُعِيَ إِلَى حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لاَ حَقَّ لَهُ" (¬7). هذا مرسل، ومراسيل الحسن عندهم ضعاف جدًا. مسلم، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكمْ تَخْتَصِمُون إِلَيَّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3541). (¬2) رواه مسلم (1716). (¬3) رواه مسلم (1718). (¬4) رواه مسلم (1717). (¬5) رواه النسائي (80/ 247) وفي الكبرى (5983). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 206). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 214).

وَلَعَلَّ بَعْضَكُم أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَق أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذهُ، فَإنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" (¬1). وقال أبو داود في هذا الحديث: أتى رجلان يختصمان في ميراث لم يكن لهما بينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالا" (¬2). زاد في بعض طرقه: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست قال: "فَإِنِّي [إِنَّمَا] أَقْضِي بَيْنكمَا بِرَأْيِ مَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ" (¬3). وعن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عُرِضَ عَلَيْكَ قَضَاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله، قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ الله؟ " قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فإنْ لَمْ تَجِن في سُنَّةِ رِسُولِ اللهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللهِ؟ " قال: فأجتهد رأيي ولا آلو، فضَرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "الْحَمدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ الله لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ" (¬4). هذا الحديث لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال: "إِنَّ اللهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيثبت لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصمَانِ فَلاَ تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا، سَمِعتَ مِنَ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَّينَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1713). (¬2) رواه أبو داود (3584). (¬3) رواه أبو داود (3585). (¬4) رواه أبو داود (3592).

لَكَ الْقَضَاءُ" قال: فما زلت قاضيًا وما شككت في قضاء بعد (¬1). هذا يرويه حسين بن المعتمر ويقال ابن ربيعة عن علي، وكان رجلا صالحًا وفي حديثه ضعف. وقد روي من طريق القاسم بن عيسى الطائي عن الثوري عن علي بن الأقمر عن علي. والقاسم هذا مجهول، ذكره أبو محمد وأسنده إلى القاسم (¬2). البزار، عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال: كُثِّرَ على مَارِيةَ في قبطي ابن عم لها كان يزورها ويختلف عليها، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْ هذَا السَّيْفَ فَانْطَلِقْ فَإِنْ وَجدتَهُ عِنْدَها فَاقْتُلْهُ" قال: قلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يشفني شيء حتى أمشي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: "بَلِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ" فأقبلت متوشحًا السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف فلما رآني أقبلت نحوه وعرف أني أريده، فأتى نخلة فَرَقَى ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شعر برجله فإذا هو أجب أمسح ما له قليلٌ ولا كثيرٌ، فغمدت السيف ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: "الْحمدُ للهِ الذِي يَصْرِفُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ" (¬3). قال: لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلًا عنه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، كذا قال في هذا الإسناد. ورواه يحيى بن سعيد القطان عن الثوري عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن جده علي بن أبي طالب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3582). (¬2) المحلى (8/ 436 - 437). (¬3) رواه البزار (1078) زوائد الحافظ وقال الحافظ: هو إسناد حسن.

وأسنده أبو نعيم عن الثوري عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي، واختلف على أبي نعيم، والمرسل أصح. أبو داود، عن عبد الله بن الزبير قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم (¬1). يرويه مصعب بن ثابت وهو ضعيف. وذكر في المراسيل عن عبد الله بن عبد العزيز العمري قال: لما استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب على اليمن قال علي: دعاني وقال: "قَدِّم الْوَضِيعَ قَبْلَ الشَّرِيفِ، وَقَدِمِ الضَّعِيفَ قَبْلَ الْقَوِيِّ، وَقَدِّمِ الرِّجَالَ قَبْلَ النِّسَاءِ" (¬2) مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا امرَأتانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهبَ بابْنِ إِحدَاهُمَا فَقَالَتْ هذِهِ لِصَاحِبَتها: إِنَّمَا ذَهبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأخْرى: إِنَّمَا ذَهبَ بِابْنِك، فتَحَاكَمَا إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَقَضَى لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُوني بِالسِّكِّينِ أَشْقُّهُ بَيْنكمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ، يَرحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُها، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى" (¬3). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجلُ الَّذِي اشْتَرَى عَقَارًا فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيها ذَهبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرضَ وَلَم أَبْتَغ مِنْكَ الذَّهَبَ، فَقَالَ الَّذِي شَرَى الأَرْضَ: إِنَّمَا بِعتُكَ الأَرضَ وَمَا فِيها، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيةٌ، فَقَالَ: أنكحا الْغُلاَمَ الْجَارِيةَ وَأَنْفقا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْها وَتَصَدَّقَا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3588). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (392). (¬3) رواه مسلم (1720). (¬4) رواه مسلم (1721).

أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ" (¬1). وهذا صحيح الإسناد. أبو داود، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ فَقَن ضَادَّ اللهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلِ وَهُوَ يَعلَمُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ" (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدَ الْخَصِمُ" (¬3). أبو داود، عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيتْبَعُ الْبَيْعُ مَنْ بَاعَهُ" (¬4). النسائي، عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أسيد بن ظهير أنه كان عاملًا على اليمامة، وأن مروان كتب إِلَيْهِ أن معاوية كتب إليه أن: أيَّما رجل سرق منه سرقة فهو أحق بها حيث ما وجدها، ثم كتب مروان بذلك إليّ فكتبت إلى مروان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بأنه إذا كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم، يُخير سيدها فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنها وإن شاء اتَّبَعَ سارقه، ثم قضى بذلك بعد أبو بكر وعمر وعثمان، فبعث مروان بكتابي إلى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان إنك لست أنت ولا أسيد بقاضيين، ولكن أقضي فيما وليت عليكما فأنفذ لما أمرتك به، فبعث مروان بكتاب معاوية، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3594). (¬2) رواه أبو داود (3597). (¬3) رواه مسلم (2668). (¬4) رواه أبو داود (3531) والنسائي (7/ 314).

فقلت لا أقضي به ما وليت بما قال معاوية (¬1). عكرمة بن خالد ضعيف الحديث. مالك، عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلم يَقْبِضْ الَّذي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ مَاتَ المشتري [الَّذِي ابْتَاعَهُ] فصاحب الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ" (¬2). هكذا رواه مالك مرسلًا. ووصله أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، قال: "فَإن كَانَ قَضَاهُ مِنْ ثَمَنها شَيْئًا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَأَيَّمَا امرِئٍ هلَكَ وَعِنْدَهُ مَتَاعُ امرِئٍ بِعَيْنِهِ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يقْتَضِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ" (¬3). وإسماعيل بن عياش حديثه عن الشاميين صحيح ذكره يحيى بن معين وغيره. والزبيدي هو محمد بن الوليد شامي حمصي. ومن طريق ابن أبي عصمة نوح بن أيي مريم قاضي مرو عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ فهُوَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ". وأبو عصمة هذا متروك الحديث. وقد روي من طرق صدقة بن خالد عن محمد، عن عمر بن قيس سَنْدَل عن ابن أبي مليكة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 313) وتحرف في المطبوعة إلى أسيد بن حضير. ورواه أبو داود في المراسيل (192) وعنده أسيد بن حضير. (¬2) رواه مالك (2/ 83). (¬3) رواه أبو داود (3522).

وعمرو بن قيس هذا متروك الحديث أيضًا، ذكر حديث أبي عصمة وما بعده أبو محمد (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدرك مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلِ قَدْ أَفْلَسَ أَوْ إِنْسَانِ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ" (¬2). أبو داود، عن المعتمر يعني ابن عمرو بن رافع عن عمر بن خلدة قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بهِ" (¬3). قال أبو داود: من يأخذ بها أبو المعتمر إني لا أعرفه. وذكر الدارقطني بهذا الإسناد وزاد فيه: "إلَّا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُهُ وفَاءً" (¬4). الترمذي، عن مخلد بن خُفَافٍ عن عروة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الخراج بالضمان (¬5). مخلد بن خفاف معروف بهذا الحديث ولا يعرف له غيره. وقال أبو عيسى فيه: حديث حسن [صحيح]. ورواه الترمذي أيضًا من حديث عمر بن علي الْمُقَدَّمِي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وإنما يعرف هذا بمسلم بن خالد الزنجي عن هشام، ومسلم بن خالد لا يحتج به، وعمر بن علي كان يدلس وبه ضعفه من ضعفه، وكان أحمد بن حنبل يثني عليه ويذكر تدليسه. ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 488) وحكم على الحديثين بالوضع. (¬2) رواه مسلم (1559). (¬3) رواه أبو داود (3523). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 29). (¬5) رواه الترمذي (1285) وأبو داود (3508). (¬6) رواه الترمذي (1286).

وقال الترمذي في حديث عمر بن علي هذا الذي رواه عن هشام بمثلِ رواية ابن مخلد بن خفاف: حديث حسن صحيح. وقال: استغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي، قلت: تراه تدليسًا؟ قال: لا. ورواه جرير عن هشام بن عروة ولم يسمعه منه وليس ممن رواه عن هشام أقوى من عمر بن علي أنه لم يقل فيه نا هشام، وكان عمر يذكر من التدليس بما يذكر. وحديث مسلم بن خالد ذكره أبو داود عن مسلم بن خالد قال: نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلًا ابتاع غلامًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬1). قال الترمذي: تفسيره أن الرجل يشتري العبد فيستغله، ثم يحدث به عيبًا فيرد على البائع، فالغلة للمشتري لأن العبد لو هلك لهلك من مال المشتري. النسائي، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إحدى أمهات المؤمنين، فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام، فضربت يد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجعل فيها الطعام ويقول: "غَارَتْ أُمُّكُمْ فَكُلُوا" فأكلوا فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك القصعة المكسورة في بيت التي كسرتها (¬2). خرجه البخاري أيضًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3510). (¬2) رواه النسائي (7/ 70) وأبو داود (3567). (¬3) رواه البخاري (2481 و 5225).

وقال الترمذي في هذا الحديث: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ" (¬1). وقال: حديث حسن صحيح. وذكر سعيد بن منصور قال: نا سويد بن عبد العزيز الدمشقي نا أبو نوح المدني من آل أبي بكر قال: نا الحضرمي رجل قد سماه عن علي بن أبي طالب قال: قالى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَمَتاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ". سويد بن عبد العزيز مذكور بالكذب، تركه أحمد بن حنبل وضعفه يحيى بن معين، وقالى فيه ليس بشيء، وضعفه غيره أيضًا، وأبو نوح والحضرمي مجهولان، ذكر ذلك أبو محمد (¬2). أبو داود، عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن لي مالًا ووالدًا، كان والدي يحتاج من مالي، قال: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَوْلاَدَكُم مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُم، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلاَدِكُم" (¬3). قد تقدم الكلام في هذا الإسناد. وقد صح من طريق آخر قوله عليه السلام: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ". ذكره أبو بكر البزار وغيره (¬4). وقد قيل إنه منسوخ بآية الميراث، وصح من حديث عائشة قول ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1359). (¬2) المحلى (10/ 128). (¬3) رواه أبو داود (3530). (¬4) رواه البزار (939 زوائد الحافظ من حديث ابن عمر و (940) من حديث عمر و (941) من حديث سمرة.

النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أَموَالِهِم" ذكره أبو داود (¬1). وذكر أبو داود أيضًا عن الأوزاعي عن الزهريّ عن حَرَام بن مُحَيِّصَةَ عن البراء بن عازب قال: كانت لنا ناقة ضارية فدخلت حائطًا فأفسدت، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، كان على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل (¬2). حَرَام بن محيصة عن البراء بن عازب لم يسمع من البراء، وهو حَرَام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن البراء، ولم يتابع على قوله عن أبيه. ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري عن حَرَام بن سعد، وسعيد بن المسيب عن البراء، وفيه اختلاف أكثر من هذا. ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال: نا أبو أمامة بن سهل بن حنيف: أن ناقة دخلت في حائط قوم. . . . فذكره (¬3). وأبو أمامة هذا اسمه أسعد بن سهل، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم. وذكر البزار من حديث دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه أن قومًا اختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خص، فبعث حذيفة بن اليمان يقضي بينهم، فقضى للذي يليه القمط، فلما رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره، فقال: "أَصَبْتَ وَأَحسَنْتَ" (¬4). دهثم متروك الحديث. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3529). (¬2) رواه أبو داود (3570). (¬3) رواه عبد الرزاق (18438). (¬4) ورواه ابن ماجه (2343) والطبراني في الكبير (2087 و 2088).

البزار، عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ حَدِّهِ فأَصَابَ إِنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ" (¬1). أسنده حماد بن مالك الصائغ وليس بقوي، والناس يرسلونه عن الحسن. وذكر أبو محمد في كتاب الإعراب من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: نا أبي قال: قال: ابن جريج. قال أبو محمد: ورويناه أيضًا من طريق وكيع عن ابن جريج ومن طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وابن أبي مليكة: ما زلنا نسمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الآبق بدينار (¬2). وفي رواية أحمد أنه عليه السلام قضى في الآبق إذا جيء به خارجًا من الحرم بدينار. الدارقطني، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سَبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَو فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهم فَهُوَ ضَامِنٌ". في إسناده السري بن إسماعيل وهو متروك الحديث. أبو داود، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن سمرة بن جندب: أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب منه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى فقال: "هبْهُ لِي وَلَكَ كَذَا وَكَذَا أمرًا رَغْبَةَ فِيهِ" فأبى، فقال: "أَنْتَ مُضَارٌّ" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهبْ فَاقْلَع نَخْلَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) ومن طريق البزار رواه ابن حزم في المحلى (11/ 192). (¬2) المحلى (7/ 38) وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 183). (¬3) رواه أبو داود (3636).

وقال: عن واسع بن حَبَّان قال: كانت لأبي لبابة عَذقٌ في حائط رجل، فكلمه فقال: إنك تطأ حائطي إلى عذقك فأنا أعطيك مثله في حائطك فأخرجه عني، فأبى فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه فقال: "يَا أَبَا لُبَابَةَ خُذْ مِثْلَ عَذْقِكَ فَضَمها إِلَى مَالِك، وَاكْفُفْ عَنْ صَاحِبِكَ مَا يَكْرَهُ" فقال: ما أنا بفاعل، قال: "اذْهبْ فَأَخْرِجْ لَهُ عَذق مِثْلَ عَذْقِهِ إِلَى حَائِطِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ فَوْقَ ذَلِكَ بِجِدَارٍ، فَإِنَّهُ لاَ ضَرَرِ فِي الِإسْلاَمِ وَلاَ ضِرَارَ" (¬1). العَذق بالفتح النخلة، والعِذق بالكسر الكُنَاسَةُ. وهذا الحديث في المراسيل، والأول ذكره في كتابه وهو منقطع لأن محمد بن سمرة لا سماع له. وقوله: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" خرجه الدارقطني من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل هو ابن حبيبة، يوثقه أحمد بن حنبل، وقد ضعفه أبو حاتم وقال: منكر الحديث لا يحتج به (¬2). وروي هذا الحديث عن عبد الملك بن معاذ النصيبي عن الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ". ذكره أبو عمر. ورواه مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬3). هكذا رواه مرسلًا. الترمذي، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا [مُؤْمِنًا]، أَوْ مَكَرَ بِهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (407). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 228). (¬3) رواه مالك (2/ 122). (¬4) رواه الترمذي (1941).

قال: حديث غريب. وخرجه أبو بكر البزار عن أبي بكر الصديق أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَدخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بِحَرَامٍ، وَلاَ يَدخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّىَءُ الْمَلَكَةِ، مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا أَوْ غاره" (¬1). وذكر الترمذي أيضًا عن أبي صرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ" (¬2). قال: حديث حسن غريب. هذا الإسناد وإسناد أبي بكر الذي قبله إسناد متقارب، في إسناد أبي بكر أسلم الكوفي والذي قبله فيه فرقد السبخي، وكلاهما يرويه عن مرة الطَيِّب. مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد (¬3). وذكر العقيلي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بشاهد ويمين في الحقوق (¬4). في إسناده مطرف بن مازن وهو ضعيف، رماه أحمد بن حنبل بالكذب. وقال أبو أحمد الجرجاني وذكر حديثه أيضًا: لم أر فيما يرويه متنًا منكرًا. وحديث مطرف هذا عند أبي داود من قول عمرو بن دينار. مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ يُعطَى النَّاسُ بدَعوَاهُم لَأدَّعَى أُنَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَموَالَهُم، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعى عَلَيْهِ" (¬5). وعن وائل بن حجر قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجلان يختصمان ¬

_ (¬1) رواه البزار (1/ 7 - 8). (¬2) رواه الترمذي (1940). (¬3) رواه مسلم (1712). (¬4) رواه العقيلي (4/ 216 - 218) وابن عدي في الكامل (6/ 377). (¬5) رواه مسلم (1711).

في أرض، فقال أحدهما: إن هذا انتزى عَلَيَّ أرضي يا رسول الله في الجاهلية (وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان) قال: "بَيِّنَتُكَ" قال: ليس لي بينة، قال: "يَمِينُهُ" قال: إذًا يذهب بها، يعني بها، قال: "لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَاكَ" فلما قام ليحلف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اقْتَطَعَ أَرضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" (¬1). وفي رواية ربيعة بن عيدان. قال أبو داود في هذا الحديث: قال: يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه ليس يتورع من شيء، قال: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. . . . ." وذكر الحديث (¬2). وزاد من حديث الأشعث بن قيس فقال الكندي: هي أرضه (¬3). وذكر أبو داود أيضًا من حديث الحارث بن سليمان قال: ثنا كردوس عن الأشعث بن قيس أن رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده، قال: "هلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قال: لا ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين. . . . . . . وساق الحديث، لم يذكر في الإسناد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره باليمين (¬4). وذكره النسائي أيضًا، وقد ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد (¬5). وكردوس هو ابن العباس، وقيل: هو ابن هانئ، وقيل: هو ابن عمر. وجعلهم ابن المديني ثلاثة رجال. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (139). (¬2) رواه أبو داود (3623). (¬3) رواه أبو داود (3244). (¬4) رواه أبو داود (3622). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (6002).

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ذلك قال: فيه نظر. ويقال في نسبه: ثعلبي وتعلبي بالتاء الثاء. قال فيه ابن معين: مشهور، ذكر ذلك ابن أبي حاتم. وذكر أبو عمر بن عبد البر من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ". ورواه أبو أحمد من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله سواء، وقال: "إلَّا فِي الْقَسَامَةِ". ورواه أيضًا من حديث مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وهذان الإسنادان يعرفان لمسلم بن خالد عن ابن جريج، وفي المتن زيادة قوله: "إلَّا فِي الْقَسَامَةِ" (¬1). قال أبو أحمد: ومسلم بن خالد لا يحتج به. الدارقطني، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد اليمين على طالب الحق (¬2). رواه من حديث إسحاق بن الفرات عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر. وإسحاق ضعيف. وذكر عبد الملك بن حبيب عن سالم بن غيلان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَتْ لَهُ طِلْبَةٌ عِنْدَ أَخِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَالْمَطْلُوبُ أَوْلَى بِالْيَمِينِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَأَخَذَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواهما ابن عدي في الكامل (6/ 310). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 213). (¬3) المحلى (8/ 453).

هذا مرسل مع ضعف إسناده. الدارقطني، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ زَوْجِها، فَجَاءَتْ عَلى ذَلِكَ بِشَاهِدِ عَدلٍ اسْتُخلِفَ زَوْجها، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ شَهادَةُ الشَّاهِدِ، وَإِنْ نكَلَ فَنكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ وَجَازَ طَلاَقُهُ" (¬1). في إسناده زهير بن محمد وليس بحافظ ولا يحتج به. ومن مراسيل أبي داود عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ احْتَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس خير؟ قال: "قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلْونَهم ثُمَّ الَّذين يَلُونَهُم، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمُ تَبْدُرُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ، وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهادَتَهُ" (¬3). قال إبراهيم النخعي: كانوا ينهونا ونحن غلمان عن العهد والشهادات. وعن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ خَيْرَكُم قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلْونَهُم ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ثُمَّ الَّذين يَلُونَهم" قال عمران: فلا أدري أقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قوله مرتين أو ثلاثًا: "ثُمَّ يكُونُ بَعدَهُم قَوْمٌ يَشْهدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ، وَيَظْهُر فيهمُ السِّمنُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 64 و 166). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (394). (¬3) رواه مسلم (2533). (¬4) رواه مسلم (2535).

وعن زيد بن خالد الجهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلاَ أُخْبِرُكُم بِخَيْرِ الشُّهدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلها" (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن مسلم الطائفي قال: ثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهادَةٌ فَلاَ يَقُلْ: لاَ أُخْبَرُ بِها إِلَّا عِنْدَ الِإمَامِ، وَلَكِنْ لِيُخْبِر بِها لَعَلَّهُ يَرجِعُ أَوْ يرعَوِي" (¬2). محمد بن مسلم وثقه ي حيى بن معين، وكان يعجب سفيان الثوري، وضعفه أحمد بن حنبل. وقال فيه أبو أحمد: له أحاديث حسان غرائب وهو صالح الحديث، لا بأس به لم أر له حديثًا منكرًا. أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ" (¬3). أبو داود، عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمز على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم (¬4). وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان، بهذا الإسناد: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ زَانٍ وَزَانِيَةٍ" قد تكلم في هذا الإسناد (¬5). وروى الترمذي هذا الحديث عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ خَائِنٍ وَلاَ خَائِنَةٍ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1719). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي (6/ 127). (¬3) رواه أبو داود (3602). (¬4) رواه أبو داود (3600). (¬5) رواه أبو داود (3601).

وَلاَ مَجْلُودٍ حَدًّا وَلاَ مَجْلُودَةٍ، وَلاَ ذِي غِمزٍ لأَخِيهِ، وَلاَ مُجرَّب بِشَهَادَةٍ، وَلاَ الْقَانع أَهُلَ الْبَيْتِ لَهم، ولاَ ظَنِينٍ فِي وَلاَءٍ وَلاَ قَرَابةٍ" (¬1). قال: ولا يعرف معنى هذا الحديث ولا يصح عندي من قبل إسناده. انتهى كلام أبي عيسى. يزيد بن زياد المذكور في هذا الإسناد متروك. وقد رواه يحيى بن سعيد الفارسي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر. وهو متروك أيضًا (¬2). ذكر الكلام على يحيى ويزيد أبو حاتم وأبو الحسن الدارقطني. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ مُتَّهَمٍ وَلا ظَنِينٍ" (¬3). وعبد الله بن محمد بن عقيل. ضعفه الناس إلا أحمد بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه فإنهم كانوا يحتجون بحديثه. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ نَخَّاسٍ، مَنِ اسْتَقَالنا شَهادَتَهُ أَقَلْنَاهُ". هذا يرويه عمرو بن عمرو أبو حفص العسقلاني الطحان، وهو في عداد من يضع الحديث (¬4). وذكر أبو داود في المراسيل عن الحسن أن رجلًا من قريش سرق ناقة، فقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فكان جائز الشهادة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2298). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 244). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 129). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي (5/ 66). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (395).

البخاري، عن أنس قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر فقال: "الِإشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَشَهادَةُ الزورِ" (¬1). أبو داود، عن خزيم بن فاتك قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائمًا فقال: "عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بِالشِّركِ [بالِإشرَاك] بِاللهِ" ثلاث مرات، ثم تلى هذه الآية {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (¬2). الطحاوي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمرأَةُ الرَّجُلَ عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعُ الأَرحَامِ، وَظُهُورُ شَهادَةِ الزُّورِ وَكتْمَانُ شهادَةِ الْحَقِّ" (¬3). أبو داود، عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بَدَّاءٍ، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مُخَوَّصًا بالذهب، فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم، فنزلت فيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. . .} الآية (¬4). خرجه البخاري أيضًا (¬5). أبو داود، عن الشعبي أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه، ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2653 و 5977 و 6871). (¬2) رواه أبو داود (3599). (¬3) ورواه أحمد (1/ 407 - 408 و 419 - 420) والحاكم (4/ 446 - 447). (¬4) رواه أبو داود (3606). (¬5) علقه البخاري (2780).

[أهل] الكتاب فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري فأخبراه فقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وإنها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما (¬1). وروي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ مِلَّةِ عَلَى مِلَّةِ إلَّا ملَةِ مُحمَّدٍ، فَإِنَّها تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهمْ". عمر بن راشد ليس بقوي، ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة، وحديثه هذا ذكره الدارقطني رحمه الله (¬2). النسائي قال: نا عمرو بن علي قال: نا عبد الأعلى قال: نا سعيد بن أبي عروبة عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في دابة ليس لواحد منهما بينة، فقضى بها بينهما نصفين (¬3). قال: إسناد جيد (¬4). قال: أخبرنا علي بن محمد بن علي نا محمد بن كثير عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة عن أبي موسى أن رجلين ادعيا دابة وجداها عند رجل، فأقام كل واحد منهما شاهدين أنها دابته، فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين (¬5). قال النسائي: هذا خطأ، ومحمد بن كثير هذا هو المصيصي وهو صدوق إلا أنه كثير الخطأ. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3605). (¬2) المحلى (8/ 497) ورواه الدارقطني (4/ 69). (¬3) رواه النسائي (8/ 248) وفي الكبرى (5998). (¬4) قاله في الكبرى (3/ 487) بعد الحديث المتقدم. (¬5) رواه النسائي في الكبرى (5977).

وإنما خطأه في هذا الحديث لأنه إنما يروي عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن جده أبي موسى الأشعري أن رجلين ادعيا بعيرًا أو دابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين. وذكر الدارقطني هذا الاختلاف، وذكر الحديث واختلافه على قتادة، ثم قال: ورواه أبو كامل مظفر بن مدرك عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة مرسلًا. وقال في آخره: قال حماد: فحدثت به سماك بن حرب، فقال سماك: أنا حدثت به أبا بردة، ثم ذكر الاختلاف على سماك وقال: مدار الحديث يرجع إلى سماك والصحيح عن سماك مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقال غيره: هذا لا يضر الحديث فقد أسنده ثقتان عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى، وهما سعيد بن أبي عروبة وهشام بن يحيى، ولعل سعيد بن أبي بردة سمعه من سماك، وسمعه من أبيه عن أبي موسى. والله أعلم. أبو داود، عن أبي هريرة أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في متاع ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَ أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا" (¬2). البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف (¬3). عبد الرزاق، عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن الحارث عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الشهود إذا استووا أقرع بين الخصمين (¬4). ¬

_ (¬1) العلل (7/ 203 - 205) للدارقطني. (¬2) رواه أبو داود (3616). (¬3) رواه البخاري (2674). (¬4) رواه عبد الرزاق (15211).

وذكر الدارقطني عن محمد بن الحسين قال: نا أبو حنيفة عن هيثم وهو ابن حبيب الصيرفي وهو ثقة عن الشعبي عن جابر أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت هذه الناقة عندي، وأقام بينة، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يده (¬1). وذكر أيضًا عن عطاء عن عمر بن الخطاب قال: أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة رجل وامرأتين في النكاح (¬2). لم يسمع عطاء عمر بن الخطاب، وفي إسناده أيضًا بقية والحجاج بن أرطاة. وذكر أيضًا من حديث عبد الرحمن المدائني وهو مجهول عن الأعمش عن أبي قابل عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَجَازَ شهادة القابلة (¬3). وذكر أبو بكر بن [أبي] شيبة عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجوز في الرضاعة من الشهود؟ قال: "رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ" (¬4). البيلماني ضعيف. وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن أبي جابر البياضي واسمه محمد بن عبد الرحمن ويرمى بالكذب عن ابن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ بِشَهَادَتَيْنِ قُبِلَتِ الأُولَى وَتُرِكَتِ الآخِرَةِ، وَأُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ الْغُلاَمِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 209). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 233). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 233). (¬4) رواه ابن أبي شيبة (4/ 195 و 14/ 176). (¬5) رواه عبد الرزاق (15508).

وفي رواية: "يُؤخَذُ بِقَوْلِ الآخَرِ" (¬1). ومعنى هذا أن يشهد الرجل بشهادة ثم يرجع عنها، ويشهد بخلافها. النسائي، عن أبي يحيى الأغر واسمه مِصدَع عن ابن عباس قال: جاء رجلان يختصمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء، فقال للمدعي: "أَقِمِ البَيِّنَةَ" فلم يقم، وقال للآخر: "احلِف" فحلف آلله الذي لا إله إلا هو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادْفَعْ حَقَّهُ إِلَيْهِ، وَسَتُكَفِّرُ عَنْكَ لاَ إِله إِلَّا اللهُ مَا صَنَعْتَ" (¬2). وعنه عن ابن عباس قال: جاء خصمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فادعى أحدهما على الآخر حقًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدعي: "أَقِمْ بَيِّنَتَكَ" فقال: يا رسول الله ليس لي بينة، فقال للآخر: "احلِفْ بِاللهِ الَّذي لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهُ عَلَيْكَ أَوْ عِنْدَكَ شَيْءٌ" (¬3). مصدع أبو يحيى ذكره أبو أحمد الجرجاني وقال فيه: كان زائغًا حائرًا عن الطريق (¬4). أما ابن أبي حاتم فقال فيه: كان عالمًا بابن عباس (¬5). يقال إن أبا يحيى هذا اسمه زياد كوفي وثقه ابن معين. وذكر أبو أحمد من حديث أشعث بن براز عن الحسن قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسْتَخْلَفَ مسلم بطلاق أو عتاق (¬6). هذا مرسل ومنكر المتن، وأشعث بن براز متروك. أبو داود، نا أحمد بن عبدة نا عمار بن شعيب بن عبيد الله [عبد الله] بن ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (15510). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (6006). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (6007). (¬4) الكامل (6/ 468) لابن عدي. (¬5) الجرح والتعديل (8/ 429) ابن أبي حاتم روى هذا القول عن عمار الدهني. (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 375).

الزبيب العنبري قال: حدثني أبي قال: سمعت جدي الزبيب يقول: بعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا إلى بني العنبر، فأخذوهم بِرُكْبَةَ من ناحية الطائف فاستاقوهم إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فركبت فسبقتهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جندك فأخذونا وقد كنا أسلمنا، وخضرمنا آذان النعم، فلما قدم بالعنبر قال لي نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكْمُ بَيِّنَةٌ عَلَى أنَّكمُ أَسْلَمْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُؤخَذُوا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟ " قلت: نعم، قال: "مَنْ بَيِّنَتُك؟ " قلت: سمرة رجل من بني العنبر ورجل آخر سماه له، فشهد الرجل وأبى سمرة أن يشهد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَبَى أَنْ يَشْهدَ لَكَ، فتَحلِفُ مَعَ شَاهِدِكَ الآخَر؟ " قلت: نعم، فاستحلفني فحلفت بالله لقد أسلمنا يوم كذا وكذا، وخضرمنا آذان النعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهبُوا فَقَاسِمُوهم أَنْصَافَ الأموالِ، وَلاَ تَمَشُّوا ذَرَارِيهم، لَوْلاَ أَنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ ضَلاَلَةَ الْعَمَلِ مَا رَزَيْنَاكُم عِقَالًا" قال الزبيب: فدعتني أمي فقالت: هذا الرجل أخذ زربيتي، فانصرفت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعني فأخبرته، فقال: "احبِسْه" فأخذت بِتَلْبيبِه فقمت معه مكاننا، ثم نظر إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمين، فقال: "مَا تُرِيدُ بِأَسِيركَ؟ " فأرسلته من يدي فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال للرجل: "رُدَّ عَلَى هذَا زِربيَّة أُمِّهِ الَّتي أَخَذْتَ مِنْها" فقال: يا نبي الله إنها خرجت من يدي، قال: فاختلع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - سيف الرجل فأعطانيه، وقال للرجل: "اذْهبْ فَزِدْهُ آصُعًا مِنْ طَعَامٍ" قال: فزادني آصعًا من شعير (¬1). عمار بن شعيب لا يحتج بحديثه. مسلم، عن أبي أمامة الحارثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينهِ فَقَد أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: "وإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3612). (¬2) رواه مسلم (137).

وعن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل أرض باليمين، فخاصمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هلْ لَكَ بينه؟ " فقلت: لا، قال: "فَيَمِينُهُ" قلت: إِذَنْ يحلف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيها فَاجر لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .} إلى آخر الآية (¬1). بعض طرق هذا الحديث: أن خصمه كان يهوديًا، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهودي: "اخلِفْ" (¬2). خرجه أبو داود أيضًا والنسائي وغيرهما من رواية معاوية عن الأعمش عن شقيق، ولم يتابع أبو معاوية على قوله قال لليهودي: "اخلِفْ". مسلم، عن ثابت بن الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَملِكُ، وَلَغنُ الْمُؤمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءً فِي الدُنْيَا عُذّبَ بِهِ يَوْمَ الّقِيَامَةِ، وَمَنِ ادَّعَى دَعوى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِها لَمْ يَزْدهُ اللهُ تَعَالَى إِلَّا قِلَّةً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ" (¬3). تم بعونه تعالى الجزء الثالث من كتاب الأحكام الوسطى لابن الخراط، ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى وأوله باب في اللقطة والضّوال، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ¬

_ (¬1) رواه مسلم (138). (¬2) رواه أبو داود (3621) والنسائي في الكبرى (5991). (¬3) رواه مسلم (110).

جَمِيع الحُقُوق مَحْفُوظَة 1416 هـ - 1995 م الناشر مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - طَرِيق الْحجاز ص. ب: 17522، الرياض: 11494، هَاتِف: 4583712 تلكس: 405798، فاكس ملي: 4573381 فرع القصيم بُرَيْدَة حَيّ الصَّفْرَاء ص. ب: 2376، هَاتِف وفاكس ملي: 3818919

الْأَحْكَامِ الْوُسْطَى مِن حَدْيثِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [4]

باب في اللقطة والضوال

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب في اللقطة والضوال مسلم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لقطة الحاج (¬1). وعن زيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا" (¬2). وعنه أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة فقال: "عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِها، فإنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأدِّهَا إِلَيْهِ" فقَال: يا رسول الله فضالة الغنم؟ فقال: "خُذْهَا فإنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْب" قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت عيناه أو احمر وجهه ثم قال: "مَا لَكَ وَلها؟ مَعها حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاها رَبُّهَا" (¬3). وعنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة في الذهب أو الورق فقال: "اعرِفْ عِفَاصها وَوِكَاءَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنَةَ، فَإنْ لَمْ تَعرِفْ فَاسْتَنْفِقها وَلْتكنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1724). (¬2) رواه مسلم (1725). (¬3) رواه مسلم (1722).

وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبها يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأدِّهَا إِلَيْهِ" وسأله عن ضالة الإبل فقال: "مَا لَكَ وَلها دَعْهَا مَعها حِذَاؤُها وَسِقَاؤُها تَرِدُ الْمَاءَ وَتأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدها رَبُّها" وسأله عن الشاة فقال: "خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ" (¬1). وفي أخرى: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبها وَعَرِفَ عِفَاصها وَعَدَدها وَوِكَاءها فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ" (¬2). وذكر النسائي عن الليث بن سعد قال: حدثني من أرضى عن إسماعيل بن أمية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الضالة فقال: "اعرِفْ عِفَاصَها وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرَفها ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها فَادفَعها إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأتِ فَعَرّفها سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبها وَإِلَّا فَشَأنُكَ بها" (¬3). أبو داود، عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الشاء: "فَاجْمَعها حَتَّى يَأتِيها بَاغِيها" (¬4). قد تقدم الكلام في هذا الإسناد. وذكر الدارقطني عن عمارة بن حارثة الضمري عن عمرو بن يثربي قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى فسمعته يقول: "لاَ يَحِلُّ لاِمرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيءٌ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُه" فقلت حينئذ: يا رسول الله أرأيت إن لقيت غنم ابن عم لي فأخذت منها شاة فاجتزرتها أعليَّ في ذلك شيء؟ فقال: "إِنْ لَقِيتها تَحمِلُ شِفْرَةً وَأَزْنَادًا فَلاَ تَمسَّهَا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1722). (¬2) رواه مسلم (1722). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (5816). (¬4) رواه أبو داود (1713). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 25 - 26).

وفي رواية: "تَحْمِلُ شِفْرَةً وَأَزْنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ" (¬1). وعمارة بن حارث ليس بمشهور بالرواية فيما أعلم. وقد صح تحريم الأموال إلا بطيب نفس من صاحبها أو حق يكون فيها، وخبت الجميش أرض بين مكة والحجار ليس بها أنيس. البخاري، عن شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت سويد بن غفلة قال: كنت مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان في غزاة، فوجدت سوطًا فقال لي: ألقه، فقلت: لا ولكني إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فلما رجعنا حججنا، فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب قال: وجدت صُرَّةً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها مئة دينارٍ، فأتيت بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "عَرِّفْهَا حَوْلًا" فعرفتها حولًا ثم أتيته فقال: "عَرِّفْهَا حَوْلًا" ثم أتيته فقال: "عَرِّفْها حَوْلًا" فعرفتها حولًا، ثم أتيته الرابعة فقال: "اعرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبها وَإِلَّا اسْتمتِع بِها" (¬2). وفي طريق آخر عن شعبة قال: فلقيته بعد مكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا، يعني لقي سلمة (¬3). وقال مسلم في بعض طرقه: قال شعبة: فسمعته بعد عشر سنين يقول: "عَرِّفها عَامًا وَاحِدًا" (¬4). وفي بعض طرقه أيضًا: "وَإِلَّا فَهِيَ كَسبِيلِ مَالِكَ" (¬5). أبو داود عن ابن عجلان من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسئل عن اللقطة فقال: "مَا كَانَ مِنْها فِي طَريِقِ الْمِيتَاءِ أَوِ الْقَريَةِ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 26). (¬2) رواه البخاري (2426 و 2437). (¬3) هو بعد الحديث (2437). (¬4) رواه مسلم (1723). (¬5) رواه مسلم (1723).

الْجَامِعَةِ فَعَرِّفها سَنَةً" قال: "فَإِنْ جَاءَ طَالِبها فَادفَعها إِلَيْهِ، وَإِنْ لَنْ يَأت فَهِيَ لَكَ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ يعني فَفِيها وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" (¬1). وذكر الدارقطني عن سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن حسين الواسطي عن عمرو بن شعيب بهذا الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن اللقطة توجد في أرض العدو فقال: "فِيها وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" (¬2). سويد بن عبد العزيز ضعيف مع ضعف عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أبو داود، عن أبي الزبير عن جابر قال: رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصى والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به (¬3). كذا رواه المغيرة بن زياد عن أبي الزبير. ورواه المغيرة بن أسلم عن أبي الزبير عن جابر قال: كانوا لم يدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمغيرة بن أسلم أصح حديثًا وأصلح من حديث المغيرة بن زياد. وقد روي عن إسرائيل عن عمر بن عبد الله بن يعلى عن حُكَيْمَةَ عن أبيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً دِرهمًا أَوْ حَبْلًا أَوْ شُبْة ذَلِكَ، فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامِ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعرِّفْهُ ستَّةَ أَيَّامٍ" (¬4). حُكَيْمَة يقال: هي حكيمة بنت غيلان الثقفية. عمر بن عبد الله هذا منكر الحديث ضعيفه، ذكره أبو محمد بن أبي حاتم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1710). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 194 - 195). (¬3) رواه أبو داود (1717). (¬4) رواه أحمد (4/ 173) والطبراني في الكبير (ج 22 رقم 700). (¬5) الجرح والتعديل (6/ 118).

وفي هذا الباب عن مسلمة بن عُلَيٍّ عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ وَجَدَ دَوَابًا [إدَاوَةً] أَوْ سِكِّينًا فَلْيَسْتَمتع أَوْ لِيُعَرِّفْ" (¬1). وقد مَرَّ ذكر ضعف هذا الإسناد. النسائي، عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله عون قال: "مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهد ذَوَيْ عَدلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَها وَوِكَاءَها وَلاَ يَكْتُم وَلاَ يُغَيِّبْ، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِها، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُها [وَإِلَّا فهُو] مَالُ اللهِ يُؤتيهِ مَنْ يَشَاءُ" (¬2). وذكر البزار عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة فقال: "لاَ تَحِل اللَّقَطَةُ، فَمَنْ لَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرّفْهُ سَنَةً، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الأجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ" (¬3). في إسناده يوسف بن خالد السمتي ولا يصح. أبو داود، عن موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن علي بن أبي طالب دخل على فاطمة وحسن وحسين يبكيان، فقال: ما يبكيكما؟ قالت: الجوع، فخرج علي فوجد دينارًا بالسوق، فجاء إلى فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا دقيقًا، فجاء اليهودي فاشترى به دقيقًا، فقال: أنت ختن هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول الله؟ قال: نعم، قال: فخذ دينارك ولك الدقيق، وخرج عليّ حتى جاء فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان الجزار فخذ لنا بدرهم لحمًا، فذهب فرهن الدينار ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 316) ومسلمة متروك والمثنى بن الصباح ضعيف. (¬2) رواه النسائي في الكبرى (5808) وليس في المطبوعة من السنن ما بين المعكوفين ورواه أبو داود (1709) وابن ماجه (2505). (¬3) المحلى (7/ 122).

بدرهم لم فجاء به فعجنت ونصبت وخبزت، فأرسلت إلى أبيها فجاءهم، فقالت: يا رسول الله أذكر لك فإن رأيته حلالًا لنا أكلناه وأكلت معنا من شأنه كذا وكذا، فقال: "كُلُوا بِسْمِ اللهِ" فأكلوا منه، فبينما هم مكانهم إذا غلام ينشد الله تعالى والإسلام الدينار، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعي له فسأله، فقال: سقط مني في السوق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَلِيُّ اذْهبْ إِلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَكَ: أَرسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ وَعَلَيَّ دِرهمكَ" فأرسل إليه، فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه (¬1). وذكر عبد الرزاق عن أبي سعيد الخدري أن عليًا رضي الله عنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدينار وجده في السوق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَرِّفْهُ ثَلاَثًا" ففعل لم يجد أحدًا يعترفه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْهُ أَوْ شَأْنُكُم بِهِ. . . . ." فذكر الحديث (¬2). وفي إسناده أبو بكر بن أبي سبرة وهو متروك الحديث. البخاري، عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثمرة في الطريق فقال: "لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتها" (¬3). النسائي، عن عبد الله بن الشخير أن ناسًا من بني عامر قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: نجد هوامًا من الإبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرقُ النَّارِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1716). (¬2) رواه عبد الرزاق (18637) ورواه أبو يعلى (1073) والبزار (952) زوائد الحافظ من طريق ابن جريج عن أبي بكر به، وأبو بكر هذا قال الحافظ رموه بالوضع وهو ابن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، وشريك ضعيف. (¬3) رواه البخاري (2055 و 2431). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5790).

باب في العتق وصحبة المماليك

زاد من حديث الجارود: "فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا" ثلاثًا (¬1). أبو داود، عن عكرمة أحسبه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ضَالَّةُ الإبْلِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتها وَمِثْلُها مَعَهَا" (¬2). هكذا ذكره على الشك. وذكر عبد الرزاق في المصنف عن طاوس وعكرمة مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الضَّالَّةُ الْمَكْتُومَةُ مِنَ الإبلِ قَرِينَتها مِثْلُها، إِنْ أَدَّاهَا بعدَمَا يَكْتُمُهَا أَوْ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ قَرِينَتها مِثْلَهَا" (¬3). باب في العتق وصحبة المماليك مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أعتَقَ رقبَةً أعتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْها عُضْوًا مِنْ أَعضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرجَهُ بِفَرجِهِ" (¬4). الترمذي، عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّمَا امرِئٍ مُسْلِمٍ أعتَقَ امرَءاَ مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يُجْزِي كُل عُضْوٍ مِنْها عُضْوًا مِنْهُ، وَأيُّمَا امرِئٍ مُسْلِمٍ أَعتَقَ امرَأَتينِ مُسْلِمَتينِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يُجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ، وَأيُّمَا امرَأةٍ مُسْلِمَةٍ أعتَقَتْ امرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَها مِنَ النَّارِ يُجْزي كُل عُضْوٍ مِنْها عُضْوًا مِنها" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (5792). (¬2) رواه أبو داود (1718) وعبد الرزاق (18599). (¬3) رواه عبد الرزاق (17300) وفي المصنف "فديتها" بدل "قرينتها". (¬4) رواه مسلم (1509). (¬5) رواه الترمذي (1547).

مسلم، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيْمَانُ بِاللهِ وَالْجهادُ فِي سَبيلِهِ" قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أَنْفَسها عِنْدَ أَهْلها وَأَكْثرها ثَمَنًا"قال: فإن لم أفعل؟ قال: "تُعِينُ صَانِعًا وتَصنَعُ لأَخْرَقَ" وقال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَجُزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مملُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيعتِقَهُ" (¬2). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعتَقَ شِركًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَال يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُومَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْعدلِ، فَأعطَى شُرَكَاءَهُ حصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقد عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" (¬3). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أعتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ استُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" (¬4). ذكر الاستسعاء في هذا الحديث يروى من قول قتادة، ذكر ذلك شعبة وهشام وهمام عن قتادة. وأما البخاري ومسلم فإنهما أخرجاه مسندًا عن أبي عروبة وجرير عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتابع جريرًا وابن أبي عروبة حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (84). (¬2) رواه مسلم (1510). (¬3) رواه مسلم (1501) والبخاري (2522). (¬4) رواه مسلم (1503). (¬5) رواه البخاري (2526 و 2527) ومسلم (1503) وذكر البخاري المتابعة.

النسائي، عن ابن عمر وجابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَعتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةِ مَا أَسَاءَ مِن مُشَاركَتِهِم، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ" (¬1). أبو داود، عن ابن التلب واسمه ملقام عن أبيه أن رجلًا أعتق نصيبًا له في مملوك فلم يضمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال أحمد بن حنبل: إنما هو بالتاء التلب. الصحيح في هذا ما تقدم من تضمين المعتق لأن ابن التلب مجهول. وذكر عبد الرزاق عن عمرو بن حوشب قال: أخبرنا إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده، قال: كان لهم غلام يقال له طهمان أو ذكوان فأعتق جده نصفه، فجاء العبد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تُعْتَقُ فِي عِتْقِكَ وَتُرَقُّ فِي رِقِّكَ" (¬3). وذكر عبد الرزاق عن علي في رجل أعتق عبده عند الموت وترك دينًا وليس له مال، قال: يستسعى العبد في قيمته. وعن أبي زياد الأعرج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬4). وهذا مرسل. وذكر سعيد بن منصور قال: نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص كان لهم غلام فأعتقوه كلهم إلا رجل واحد، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل يستشفع به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (4961) ووقع فيه نقص وأخطاء فليصحح من هنا. (¬2) رواه أبو داود (3948) والنسائي في الكبرى (4969). (¬3) رواه عبد الرزاق (16705). (¬4) رواه عبد الرزاق (16766).

على الرجل، فوهب الرجل نضيبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. واسمه رافع أبو البهاء (¬1). وهذا منقطع لأن محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه. وذكره عبد الرزاق أيضًا (¬2). وذكر أبو داود عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: كنت مملوكًا لأم سلمة. فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عشت، فقلت: لو لم تشترطي عليّ ما فارقت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فاعتقتني واشترطت عليّ (¬3). وسعيد بن جمهان وثقه يحيى بن معين. وقال فيه أبو حاتم: لا يحتج بحديثه. أبو داود، عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربًا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله ردهم إليه، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ عَلَيْكُم مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكم عَلَى هذَا" وأبى أن يردهم وقال: "هُم عُتَقَاءُ اللهِ" (¬4). أبو داود، عن عبد ربه بن الحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاصر أهل الطائف خرج إليه أرِقَّاءُ من أرقائها فأسلموا، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أسلم مواليهم بعد ذلك رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولاء، يعني لهم (¬5). ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 180). (¬2) رواه عبد الرزاق (16733) وتحرف فيه سعيد إلى سليم. (¬3) رواه أبو داود (3932) والنسائي في الكبرى (4995). (¬4) رواه أبو داود (2700). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (368).

هذا مرسل وليس إسناده بقوي. وقد أسند مثل القصة أبو بكر البزار من حديث عبد الله بن عباس وغيلان الثقفي، وفي الإسناد عبد الله بن لهيعة ولا يصح (¬1). وعن ابن عباس أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْوَلاَءَ لَيْسَ بِمنتَقِلٍ وَلاَ مُتَحَوَّلٍ" (¬2). وفي إسناده المغيرة بن جميل وهو مجهول. النسائي، عن ضمرة عن سعيد بن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَقَدْ عُتِقَ" (¬3). عللوا هذا الحديث بأن ضمرة تفرد به ولم يتابع عليه. وقال بعض المتأخرين: ليس انفراد ضمرة بهذا الحديث علة فيه؛ لأن ضمرة ثقة والحديث صحيح إذا أسنده ثقة، ولا يضره انفراده ولا إرسال من أرسله ولا توقيف من أوقفه. وذكر النسائي أيضًا عن الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مُحرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ" (¬4). لا يصح هذا لأن سماع الحسن من سمرة لا يصح إلا في حديث العقيقة، وكذلك حديث ابن عباس جاء رجل بأخيه فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتق أخي هذا، فقال: "إِنَّ اللهَ أعتَقَهُ حِينَ مَلكتهُ". ¬

_ (¬1) رواه البزار (984) زوائد البزار للحافظ ابن حجر، ورواه في المعجم الكبير (ج 18/ 659) وفي إسناده ابن لهيعة وهو هنا ضعيف والراوي عنه الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعن. هذا بالنسبة لحديث غيلان. وعند البزار الراوي عنه عمرو بن خالد. وأما حديث ابن عباس فرواه البزار (990) زوائد الحافظ ابن حجر وقال: رجاله ثقات. (¬2) رواه البزار (983) والطبراني في الكبير (10684). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (4897) ووقع تحريف في أسماء بعض الرواة. (¬4) رواه النسائي في الكبرى (4898 - 4902).

لا يصح أيضًا من أجل ضعف الإسناد، وهذا الحديث ذكره الدارقطني (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث يحيى بن سعيد المازني الفارسي قاضي شيراز عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عتق اليهود والنصارى والمجوس (¬2). ويحيى بن سعيد هذا قال فيه أبو أحمد: ليس من أولئك المعروفين وكان يحدث عن الثقات بالبواطل. مسلم، عن عمران بن حصين أن رجلًا أعتق ستة مماليك عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولًا شديدًا (¬3). القول الشديد: هو والله أعلم ما يكره. النسائي، عن الحسن عن عمران بن الحصين أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه القصة: "لَقَد هممَتُ أَنْ لاَ أُصَلِّيَ عَلَيْه" (¬4). أبو داود، عن أبي قلابة أن رجلًا من بني عُذْرَةَ أعتق عبدًا له في مرضه لم يكن له غيره مال، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسعى في الثلثين (¬5). هذا من المراسيل. الدارقطني، عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: قال رسول ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 129 - 130). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 194). (¬3) رواه مسلم (1668) وأبو داود (2958 و 2959) والنسائي في الكبرى (4974 - 4979). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (4975). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (352 و 353).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ بَأس بِبَيْعِ خِدمَةِ الْمُدَبَّرِ إِذَا احتَاجَ" (¬1). الصواب مرسل عن عبد الملك. وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُدَبَّرُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهبُ، وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ" (¬2). إسناده ضعيف، والصحيح موقوف. ومن مراسيل أبي داود عن أبي قلابة: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدبر من الثلث (¬3). وقد أسند من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أسنده علي بن ظبيان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وعلي بن ظبيان ضعيف عندهم وأصح ما فيه أنه من قول ابن عمر. وذكر ذلك الدارقطني رحمه الله (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث إسحاق بن إبراهيم بن عمران بن عمير المسعودي مولاهم عن القاسم بن عبد الله قال: قال ابن مسعود: يا عمير أعتقك؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أَعتَقَ مملُوكًا فَلَيْسَ لِلْمملُوكِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ" (¬5). قال: لا يتابع إسحاق على هذا وهو قليل الحديث جدًا. النسائي، عن القاسم بن محمد قال: كان لعائشة غلام وجارية زوج، قالت: فأردت أن أعتقهما فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 138). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 138). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (351). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 138). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 335) كذا في النسختين القاسم بن عبد الله وفي الكامل القاسم بن عبد الرحمن.

أَعتَقَتْهِمَا فَابْدَئِي بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمرأَةِ" (¬1). البخاري، عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مئة رقبة وحمل على مئة بعير، فلما أسلم حمل على مئة بعير وأعتق مئة رقبة، قال: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أصنعها في الجاهلية كنت أتحنث بها، يعني أتبرر بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلمتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ" (¬2). وعن عائشة قالت: جاءت بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدَةً واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي، فذهبت إلى أهلها فأبوا ذلك عليها، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألني فأخبرته فقال: "خُذِيها وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أعتَقَ" قالت عائشة: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ مُنكم يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فأَيُّمَا شَرطٍ كَانَ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، فَقَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ وَشرطُ اللهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكم يَقُولُ أَحَدَهم: أَعتِقْ يَا فُلاَنَ وَالْوَلاَءُ لِي، إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أعتَقَ" (¬3). زاد في آخر: ففعلت عائشة (¬4). وعنهما في هذا الحديث: أن بريدة لم تكن نقصت من كتابتها شيئًا (¬5). البزار، عن سلمان الفارسي وذكر حديثه وما جرى عليه من الرق، وفي ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (4936). (¬2) رواه البخاري (2538). (¬3) رواه البخاري (2563). (¬4) رواه البخاري (2729). (¬5) رواه البخاري (2717).

الحديث ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَاتِبْ يَا سَلْمَان" فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أُحيِيَهَا لَهُ، وبأربعين أوقية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "أَعِينُوا أَخَاكُم. . . . . ." وذكر باقي الحديث (¬1). وفي إسناده محمد بن إسحاق. أبو داود، عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة قالت: وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له، فكاتبت على نفسها وكانت امرأة مُلاَّحةً تأخذها العين، قالت عائشة: فجاءت تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها، فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث، وأنا كان من أمري ما لا يخفى عليك، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس، وإنني كاتبت على نفسي فجئت أسألك في كتابتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلْ لَكِ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ؟ " قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتكِ وَأَتَزَوَجُكِ" قالت: قد فعلت، قالت فتسامع، تعني الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم وقالوا: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سبيها مئة أهل البيت من بني المصطلق. قال أبو داود في هذا الحديث: إن الولي يزوج نفسه (¬2). ¬

_ (¬1) ورواه أحمد (5/ 441 - 444) والطبراني في الكبير (6065) وابن سعد في الطبقات (4/ 75 - 80) وابن هشام في السيرة (1/ 238 - 241) والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 164 - 169) وانظر سير أعلام النبلاء (1/ 506 - 511) وصرح محمد بن إسحاق في رواية أحمد بالتحديث. فهو حسن، وانظر المحلى (8/ 225) أيضًا. (¬2) رواه أبو داود (3931).

مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته (¬1). خرجه ابن صخر في الفوائد عن يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاَءُ لحْمَةٌ كَلحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يوهَبُ" (¬2). النسائي، عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو أنه قال: يا رسول الله نسمع منك أحاديث فتأذن لنا أن نكتبها؟ قال: "نَعَمْ" فكان أول ما كتب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة: "لاَ يَجْوزُ شَرْطَانِ فِي بَيعٍ وَاحِدٍ وَلاَ شَرْط وَلاَ بَيعٌ وَسَلَفٌ وَلاَ بَيعُ مَا لَمْ يضْمَنْ، وَمَنْ كَانَ مُكَاتِبًا عَلَى مِئَةِ دِرهمٍ فَقَضَاها إِلَّا عَشَرَةَ دَراهِم فَهُوَ عَبْدٌ أَوْ عَلَى مِئَةِ أُوقِيَةِ فَقَضَاها إِلَّا أُوقِيتينِ فَهُوَ عَبْدٌ" (¬3). عطاء هو الخراساني ولم يسمع من عبد الله بن عمرو، كذا قال علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (¬4)، ولم أجد أحدًا ذكر لعطاء الخراساني سماعًا من عبد الله بن عمرو فيما رأيت. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُكَاتَبُ عَبدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَم" (¬5). وهذا الحديث أيضًا يرويه عطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو كما تقدم. ويروى من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكره عبد الباقي بن قانع، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1506). (¬2) ورواه البيهقي (10/ 293) وقال: هذا وهم من يحيى بن سليم أو من دونه في الإسناد والمتن جميعًا. (¬3) رواه النسائي في الكبرى (5027). (¬4) المحلى (8/ 232). (¬5) لكن رواه أبو داود (3926) من طريق أخرى بإسناد حسن عن عمرو به.

وإنما يعرف من قول ابن عمر وهو الصحيح، وعنه خرجه أبو محمد (¬1). وذكر الترمذي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إحدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحتَجِبْ مِنْه" (¬2). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن عكرمة عن عمار عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قال: "إِنْ عَلِمتُم مِنْهُم حِرْفَةً وَلاَ تُرسِلُوهُمْ كَلاًّ عَلَى النَّاسِ" (¬3). هذا مرسل وضعيف. النسائي، عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال: "رُبْعُ الْكِتَابَة" (¬4). هذا يرويه ابن جريج عن عطاء بن السائب، ويقال: إنه لم يسمع منه إلا بعد الاختلاط، ويقال إنه موقوف على علي. النسائي، عن علي بن أبي طالب وابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُكَاتبُ يُعتَقُ مِنْهُ بقَدَرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ بِقَدَرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدَرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ" (¬5). أبو داود، عن خطاب بن صالح مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت مِعقَلٍ امرأة من خارجة قيس عيْلاَنَ قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة من خارجة قيس عيلان قدم عمي المدينة في الجاهلية فباعني من الحُبَابِ بن عمرو ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 231 - 232). (¬2) رواه الترمذي (1261). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (185). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5034 و 5035). (¬5) رواه النسائي (8/ 46).

وأخي أبي اليسر بن عمرو، فولدت له عبد الرحمن بن الحباب، فقالت امرأته: الآن والله تباعين في دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَليُّ الْحُبَابِ بْنِ عمرٍو؟ " قيل: أخوه أبو اليسر، فبعث إليه فقال: "أَعتِقُوها فَإذَا سَمِعتُم بِرَقِيق قَدِمَ عَلَيَّ فَأئْتُؤنِي أعوِّضكُم مِنْها فَأعتَقُونِي" فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقيق فعوضهم مني غلامًا (¬1). هذا ضعيف الإسناد. الدارقطني، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال: "لاَ يُبَعنَّ وَلاَ يُوهبْنَّ وَلاَ يُورثْنَّ يَسْتمتِعُ بِها سَيِّدُها مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ" (¬2). هذا يروى من قول ابن عمر ولا يصح مسندًا. وعن سعيد بن المسيب أن عمر أعتق أمهات الأولاد، وقال عمر: أعتقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). في إسناده عبد الرحمن الإفريقي وهو ضعيف، ذكره الدارقطني أيضًا. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمُّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ وإنْ كَانَ سَقْطًا" (¬4). في إسناده الحسين بن عيسى الحنفي وهو منكر الحديث ضعيفه. وعن ابن عباس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3953). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 135) وما قاله من أنه يروى من قول ابن عمر، قال ابن القطان: إنما يروى من قول عمر وهو عند مالك (2/ 139 - 140). وقال: وعندي أن الذي أسنده خير من الذي أوقفه- وهو يونس بن محمد. (¬3) رواه الدارقطني (4/ 136). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 131).

سَيِّدها فَإِنَّها إِذَا مَاتَ حُرَّةٌ مِنْ بعد مَوْتِهِ" (¬1). في إسناد هذا والذي قبله الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس وهو ضعيف. ومن حديثه عن ابن عباس أيضًا قال: لما ولدت مارية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعتَقَهَا وَلَدُهَا" (¬2). وعن جابر قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر نهانا فانتهينا (¬3). النسائي عن جابر قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حيّ ما نرى بذلك بأسًا (¬4). وفي لفظ آخر: فلا ينكر ذلك علينا (¬5). ورواه من طريق أبي الزبير عن جابر، ذكر في الأول سماع أبي الزبير من جابر ولم يذكره في الثاني. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا معاوية بن هشام نا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، ثم ذكر في أنه زجر عن بيعهن، وكان عمر يشتد في بيعهن. أيوب ضعيف، ولكن ذكر أبو حاتم أن كتاب أيوب عن يحيى صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 132). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 131) وهذا الحديث قبل الحديث قبله عند الدارقطني. (¬3) رواه أبو داود (3954) وابن حبان (4324) والحاكم (2/ 18 - 19) والبيهقي (10/ 347). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬4) رواه النسائي في الكبرى (5039) وأبو يعلى (2229) وأحمد (3/ 321) وابن ماجه (2517) وابن حبان (4323). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (5040).

قاسم بن أصبغ عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية إبراهيم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعتَقها وَلَدُهَا" (¬1). وفي إسناد هذا محمد بن مصعب القرقساني وهو ضعيف كانت فيه غفلة، وأحسن ما سمعت فيه من قول المتقدمين صدوق ولا بأس به، وبعض المتأخرين يوثقه. وخرج الدارقطني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِمَملُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلاَ اسْتِثنَاءَ لَه" (¬2). في إسناده حميد بن مالك وهو ضعيف. مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دُبُرٍ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَلَكَ مَالٌ غيْرُهِ؟ " فقال: لا، فقال: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمان مئة درهم، فجاء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْها، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِقَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فهكَذَا وَهكَذَا" يقول: بين يديك وعن يمينك وعن شمالك (¬3). وروى أبو مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي الأنصاري عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله في قصة هذا المدبر فقال: إنما أذن في بيع خدمته. وعبد الغفار هذا يرمى بالكذب، وكان غاليًا في التشيع، وذكر حديثه أبو أحمد الجرجاني (¬4). مسلم عن المعرور بن سويد قال: مررنا بأبي ذر بالزبدة وعليه برد وعلى ¬

_ (¬1) المحلى (8/ 215). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 35) ومكحول لم يلقَ معاذًا. (¬3) رواه مسلم (997). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 327 - 328) والدارقطني (4/ 127 - 128).

غلامه مثله، فقلت: يا أبا ذر لو جمعت بينهما لكانتا جبة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا أبا ذَرٍّ إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِليَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُم جَعَلَهُم اللهُ تَحتَ أَيْدِيكُم، فَأَطْعِمُوهُم مِمَّا تأكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُم مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلاَ تكلِّفُوهُم مَا يَغْلِبُهُم، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم" (¬1). أبو داود، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لاَءَمَكم مَنْ مَملُوكِيكُم فَأَطْعِمُوهُم مِمَّا تأكُلُونَ وَاكْسُوهم مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَمَنْ لاَ يُلاَءِمُكُم مِنْهُم فَبِيعُوهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامِهِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ وَقَد ولِيَ حَرَهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُقْعِنهُ مَعَهُ فَلْيَأكلْ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا فَلْيَضع فِي يَدِهِ مِنْهُ أكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ" قال: يعني لقمة أو لقمتين (¬3). وعن زادان أبو عمر: أن ابن عمر دعا بغلام له، فرأى في ظهره أثرًا، فقال: أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق، ثم أخذ شيئًا من الأرض، فقال: ما في منه من الأجر، ما ترون هذا إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ ضَرَبَ غُلاَمَهُ حَدًّا لَمْ يَأتِهِ فَكان كَفَارتَهُ أَنْ يُعتِقَه" (¬4). وفي رواية: "مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ" لم يذكر الحد (¬5). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي: "اعْلَم أَبَا مَسْعُودٍ للهُ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ" فالتفت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1661). (¬2) رواه أبو داود (5157). (¬3) رواه مسلم (1663). (¬4) رواه مسلم (1657). (¬5) رواه مسلم (1657).

فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ" أو "لَمَستْكَ النَّارُ" (¬1). وعن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا، فهرَبْت ثم جئت قبيل الظهر، فصليت خلف أبي، فدعاه ودعاني ثم قال: أمتثل منه فعفا ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لنا إلا خادم واحدة، فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعتِقُوهَا" قالوأ: ليس لهم خادم غيرها، قال: "فَلْيَسْتَخْدِمُوها فَإِنْ اسْتَغْنُوا عَنْها فَلْيُخلُّوا سَبِيلَها" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَذَفَ مَملُوكَهُ بِالزِّنَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَال" (¬3). أبو داود، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجاجًا حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونزلنا، فجلست عائشة إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلست إلى جنب أبي بكر وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة مع غلام أبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره فقال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة، فقال أبو بكر: بعير واحد تضله، فطفق يضربه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ويقول: "انْظُرُوا إِلى هذَا الْمحرِمِ مَا يَصنَعُ؟ " وتبسم (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدَكُمُ عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُم عَبيدُ اللهِ وَكُلُّ نِسَائِكم إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلاَمِي وَجَارِيتي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1659). (¬2) رواه مسلم (1658). (¬3) رواه مسلم (1660). (¬4) رواه أبو داود (1818). (¬5) رواه مسلم (2249).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُم اسْقِ رَبَكَ أَطْعِم رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكم رَبِّي وَلِيقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلاَيَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلِيَقُلْ: فَتَايَ فَتَاتِي، غلامي" (¬1). وفي طريق أخرى: "وَلاَ يقُلْ الْعَبْدُ لِسَيِّد مَوْلاَيَ فَكان مَوْلاَكُمُ اللهُ" (¬2). وقال أبو داود: "لاَ يَقُولَنَّ الْمَملُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي، وَليَقُلْ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي" (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " [إِنَّ] الْعَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأحسَنَ عِبَادَةَ اللهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْن" (¬4). وعن جرير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا عَبْدِ أَبقَ فَقَد بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" (¬5). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ" (¬6). وعن منصور عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول: "أَيُّمَا عَبْدِ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَد كَفَرَ حَتَّى يَرجِعَ إلَيْهِم". قال منصور: قد والله رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكني أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة (¬7). النسائي عن جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2249). (¬2) رواه مسلم (2249). (¬3) رواه أبو داود (4975). (¬4) رواه مسلم (1664). (¬5) رواه مسلم (69). (¬6) رواه مسلم (70). (¬7) رواه مسلم (68).

باب في الأيمان والنذور

وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا" قال: فأبق غلام لجرير فأخذه فضرب عنقه (¬1). وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَبقَ الْعَبْدُ إِلَى أَرْضِ الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ" (¬2). باب في الأيمان والنذور مسلم عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، "ألاَ إِنَّ اللهَ يَنْهاكُم أَنْ تَخلِفُوا بآبائِكُم، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصمُتْ" (¬3). النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحلِفُوا بِآبِائِكم وَلاَ بِأُمَّهاتِكُم وَلاَ بِالأَنْدَادِ، وَلاَ تَخلِفُوا إِلَّا بِاللهِ وَلاَ تحلِفُوا إِلأَ وَأَنْتُم صَادِقُونَ" (¬4). أبو داود عن سعد بن عبادة قال: سمع ابن عمر رجلًا يحلف لا والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللهِ فَقد أَشْرَكَ" (¬5). وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الإسْلاَم، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وإنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجعَ إِلَى الإِسْلاَم سَالِمًا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 102). (¬2) رواه النسائي (7/ 102 - 103). (¬3) رواه مسلم (1646). (¬4) رواه النسائي (7/ 5). (¬5) رواه أبو داود (3251). (¬6) رواه أبو داود (3258).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا" (¬1). مسلم عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلاَم كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عَذَّبَهُ اللهُ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُم فَقَال فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ فَلْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامرْكَ فَلْيَتَصَدَّق" (¬3). وفي رواية: "فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ" (¬4). وفي أخرى: "مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالعُزَّى" (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ فِي مَجْلِسٍ: هَلُمَّ أُقَامِركَ فَقَد وَجَبَ عَلَيْهِ كفَّارَةُ يَمِينٍ" (¬6). هذا يرويه مسلمة بن عُلَيٍّ الخشني وهو ضعيف عندهم. البخاري عن عائشة قالت: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} قالت: أنزلت في قوله لا والله بلى والله (¬7). أبو داود عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هُوَ قَوْلُ [كَلاَمُ] الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَّا وَالله بَلَى واللهِ" (¬8). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3253). (¬2) رواه مسلم (110). (¬3) رواه مسلم (1647). (¬4) انظر ما قبله. (¬5) انظر (114). (¬6) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 314). (¬7) رواه البخاري (6663). (¬8) رواه أبو داود (3254).

رواه جماعة عن عائشة قولها. النسائي عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلَهُ ثُنْيَاهُ" (¬1). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ مَضَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حَانِثٍ" (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ لاِمرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ غُلاَمُهُ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ الله إِنْ شَاءَ اللهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ" (¬3). هذا يرويه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وإسحاق هذا يحدث بالمناكير عن الثقات. أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَاللهِ لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَاللهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَاللهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ" (¬4). ويروى مسندًا من حديث عبد الواحد بن صفوان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الثانية ثم سكت ساعة ثم قال: "إِنْ شَاءَ اللهُ" (¬5). وعبد الواحد بن صفوان ليس حديثه بشيء، والصحيح مرسل. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (4769). (¬2) رواه النسائي (7/ 25) وفي الكبرى (4771) وليس عنده في المكانين "غير حانث". وهو في آخر حديث ابن عمر عنده (6/ 12) وفي الكبرى (4735) بإسناد آخر وبلفظ آخر، وهو عند أبي داود (3264). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 338). (¬4) رواه أبو داود (3285). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 299).

وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمِينَ فِي غَضَبٍ وَلاَ طَلاَقَ وَلاَ عِتَاقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ" (¬1). إسناده ضعيف. مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امرَأَة كُلُّهُن تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيل الله، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلم يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلم تَحمِلْ مِنْهُن إِلَّا امرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَجَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَده لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ الله لَجَاهدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرسَانًا أَجْمَعُونَ". وفي أخرى لو قال: "إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَخنُثْ وَكَانَ دَركًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ" (¬2). وعن أبي موسى قال: أتَيْنَا النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهط من الأشعريين نستحمله، فقال: "وَاللهِ مَا أَحمِلَكُم وَلاَ عِنْدِي مَا أَحمِلَكُم عَلَيْهِ" قال: فمشينا ما شاء الله ثم أتي بإبل، فامر لنا بثلاث ذود غُرِّ الذُّرى، فلما انطلقنا قلت أو قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا، أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا، فأتوه فاخبروه فقال: "مَا أَنَا حَمَلْتكم وَلَكِنَّ الله حَمَلَكم، وَإِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لاَ أَحلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمً أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفرتُ عَنْ يَميِنِي وَأتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (¬3). وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا حَلَفَ أَحَدُكم عَلَى ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 16) إلا أن لفظه الا نذر إلا فيما أطيع الله ولا يمين في قطيعة رحم" والباقي مثله وليس عنده "لا يمين في غضب" وهو ضعيف لضعف سليمان بن أبي سليمان الزهري. ورواه ابن عدي في الكامل (3/ 260) مثل لفظ الدارقطني. (¬2) رواه مسلم (1654). (¬3) رواه مسلم (1649).

الْيَمِينِ فَرأَى خَيْرًا مِنْها فَلْيُكَفِّرها وَلِيَأت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (¬1). وعن أبي هريرة قال: أعتم رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا، فأتى أهله بطعامه فحلف أن لا يأكل من أجل الصبية، ثم بدا له فأكل، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيَأْتِها وَلْيُكَفر عَنْ يَمِينِهِ" (¬2). وروى أبو داود من حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيَدَعْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَإِن تَرْكَها كَفَّارَتُهَا" (¬3). قال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ" إلا ما لا يعبأ به. وله عن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن عياش عن أبيه عن عمرو بن شعيب بهذا الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نَذْرَ إلَّا فِيمَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، وَلاَ يَمِينَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ" (¬4). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث يحيى بن سعيد الفارسي عن عمرو بن دينار عن عطاء [عن طاوس عن مجاهد وعطاء] عن ابن عباس وابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله وبالهدي وبالأيمان المغلظة إن مضى شهر كذا وكذا حتى يطلق امرأته؟ قال: "إِنَّها يَمِينٌ يُكَفِّرُها" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1651). (¬2) رواه مسلم (1650). (¬3) رواه أبو داود (3274). (¬4) رواه أبو داود (3273). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 194) وما بين المعكوفين ليس في الكامل.

ويحيى بن سعيد هذا كان قاضي شيراز، وكان يحدث بالبواطيل عن الثقات. وذكر عن يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيَأتِها فإن كَفَارَتَهَا طَلاقٌ أَوْ عِتَاقٌ" [فإنها كفارتها إلا طلاقًا أو عتاقًا] (¬1). ويحيى هذا ضعفه ابن معين والنسائي وأبو زرعة الرازي. وذكر أبو أحمد في كتاب الإعراب روينا من طريق الحجاج بن منهال قال: أخبرنا أبو الأشهب عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ بِسُورةٍ مِنَ الْقُرآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنْها يَمِينُ صبْرٍ إِنْ شَاءَ بَرَّ وَإِنْ شَاءَ فَجَرَ" (¬2). قال: وبه يقول الحسن وأحمد، وزاد في موضع آخر: وبه يقول ابن مسعود. وذكر البزار عن ابن عباس قال: كفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه بصاع من تمر وأمر الناس أن يفعلوه، فمن لم يجد فبنصف صالح من بر (¬3). في إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي وهو ضعيف عندهم، ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وأحمد بن حنبل وغيرهم. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لأَنْ يَلجَ أَحَدُكُمْ بِيَمنِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعطَى كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللهُ لَه" (¬4) وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَمِينُ عَلَى نِيَةِ الْمُسْتَخلِفِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 205) ولفظ الكامل ما بين المعكوفين. (¬2) المحلى (6/ 285). (¬3) ورواه ابن عدي في الكامل (5/ 34). (¬4) رواه مسلم (1655). (¬5) رواه مسلم (1653).

أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَمِينُ حَنثٌ أَوْ نَدَمٌ" (¬1). البخاري، عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال: "الإشْرَاكُ بِاللهِ" ثم قال: ماذا؟ قال: "عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ" ثم ماذا؟ قال: "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ" قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الَّذِي يَقْطَعُ مَالَ امرِئِ مُسْلِمِ هُوَ بِها كَاذِبٌ" (¬2). الترمذي، عن عبد الله بن أنيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الشِّركُ باللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَمَا حَلَفَ حَالِف بِاللهِ يَمِينَ صَبْرٍ فَأدخَلَ فِيها مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةِ إلَّا جُعِلَتْ نُكْتَهً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (¬3). البخاري، عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبرار المقسم (¬4). ذكر أبو داود في المراسيل عن أبي الزاهرية وراشد بن سعد: أهدت امرأة إلى عائشة تمرًا، فأكلت وبقيت تمرات، فقالت المرأة: أقسمت عليك إلا أَكَلْتِهِ كله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الإِثْمَ عَلَى الْمُحنِثِ" (¬5). وصله الدارقطني عنهما عن عائشة ولا يصح (¬6). ¬

_ (¬1) ورواه ابن ماجه (2103) وابن حبان (4356) والطبراني في الصغير (1083) والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 129) والحاكم (4/ 303) والبيهقي (10/ 30) والقضاعي في مسند الشهاب (260 و 261). (¬2) رواه البخاري (6920) بهذا اللفظ. (¬3) رواه الترمذي (3020) وأحمد (3/ 495) وابن حبان (5563) والحاكم (4/ 296). (¬4) رواه البخاري (6654). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (388). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 142 - 143).

ورواه من حديث أبي هريرة بمعناه ولا يصح أيضًا (¬1). وذكر أبو محمد من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جذعان عن علي بن حسين أن أبا لبابةَ ربط نفسه إلى سارية فقال: لا أحل نفسي حتى يحلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنزل توبتي، فجاءت فاطمة تحله، فابى أن يحله إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فَاطِمَةَ بضْعَةٌ مِنِّي" (¬2). هذا مرسل، وعلي بن زيد ضعفه أكثرهم. وذكر الدارقطني عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ" (¬3). إسناده ضعيف فيه صباح بن بسطام وغيره. عبد الرزاق، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَمِينَ لِوَلَدِ مَعَ وَالِدٍ، وَلاَ يَمِينَ لِزَوْجٍ مَعَ زَوْجَةٍ، وَلاَ يَمِينَ لِمملُوكٍ مَعَ مَالِكِهِ" (¬4). الحديث في إسناده حرام بن عثمان وهو متروك. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وفي إسناده محمد بن كريب وهو ضعيف عندهم. أبو داود، عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك، كفر عن يمينك وكلم أخاك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يَمِينَ عَلَيْكَ وَلاَ نَذْرَ فِي ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 142). (¬2) المحلى (6/ 318 - 319). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 171). (¬4) رواه عبد الرزاق (13899 و 15918) وابن عدي في الكامل (2/ 447). (¬5) المطالب العالية (1723) ورواه ابن عدي في الكامل (6/ 252).

مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَلاَ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلاَ فِيمَا لاَ تملِكُ" (¬1). قال أحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب عن عمر عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، إذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل. ذكر هذا عنه أبو محمد بن أبي حاتم (¬2). وروى هذا الحديث أبو داود أيضًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر قصة الأخوين (¬3). أبو داود، عن سويد بن حنظلة قال: خرجنا يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا وائل بن حجر، فاخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا له، وحلفت أنه أخي، فقال: "صَدَقْتَ الْمُسْلِمُ أَخُو المسلِمِ" (¬4). أصح إسناد في هذا ما خرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر قول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لسارة: "إِنَّ هذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعلَم أَنَّكِ امرَأَتِي يَغْلِبنِي عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكَ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فِي الإسْلاَمِ، فَإِنِّي لاَ أَعلَمُ فِي الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ. . . . . . . ." وذكر الحديث. وسيأتي إن شاء الله عز وجل (¬5). مسلم، عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النذر وقال: "إنَّهُ لاَ يَأتِي بِخَيْرٍ وإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ" (¬6). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3272). (¬2) الجرح والتعديل (4/ 61). (¬3) رواه أبو داود (3274). (¬4) رواه أبو داود (3256). (¬5) رواه مسلم (2371). (¬6) رواه مسلم (1639).

لَمْ يَكُنِ اللهُ قَدّرَهُ لَهُ، وَلكن النَّذْرُ يُوافِقُ الْقَدَرَ، فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ" (¬1). وعن عمران بن حصين قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عُقَيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فاتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوثاق، فقال: يا محمد، فاتاه فقال: "مَا شَأنُكَ؟ " قال: بم أخذتني، وبم أخذت سابقة الحاج؟ قال إِعظَامًا لذلك: "أَخَذْتُكَ بِجَرِيرة حُلَفَائِكَ ثَقِيفِ" ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد يا محمد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رقيقًا، فرجع إليه فقال: "مَا شَأنُكَ؟ " فقال: إني مسلم، فقال: "لَوْ قُلْتها وَأَنْتَ تَملِكُ أَمرَكَ أَفْلَحتَ كُلَّ الْفَلاَحِ" ثم انصرف فناداه فقال: يا محمد يا محمد، فأتاه فقال: "مَا شَأنُكَ؟ " قال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني، قال: "هذِهِ حَاجَتكَ" ففدي بالرجلين، قال: وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، وكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نَعَمَهُمْ بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فاتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترغ وناقة مُنَوَّقَة، فجعلت في عَجُزها ثم زجرتها وانطلقت وَنَذِرُوا بها وطلبوها، فأعجزتهم قال: ونذرت لله عز وجل إن نجاها الله عليها لتنحرها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له، فقال: "سُبْحَانَ اللهِ، بِئْسَ مَا جَزَتْهَا نَذَرَت إِنْ نَجَّاها اللهُ عَلَيْها لَتَنْحَرَنَّها، لاَ نَذْر فِي مَعصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَملِكُ الْعَبْدُ" (¬2). أبو داود، عن ثابت بن الضحاك: نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1640). (¬2) رواه مسلم (1641).

ينحر إبلًا بِبُوَانَةَ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أن أنحر إبلًا بِبُوانة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلْ كَانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيةِ يُعبَدُ؟ " قالوا: لا، قال: "فَهَل كانَ فِيها عِين مِنْ أَعيَادِهم؟ " قالوا: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرِ فِي معصِيَةِ الله وَلاَ فِيمَا لاَ يَملِكُ ابنُ آدَمَ" (¬1). البخاري، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يعصِيَ اللهَ فَلاَ يَعصِهِ" (¬2). زاد أبو جعفر الطحاوي: "وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينهِ" (¬3). وهكذا عند أبي داود في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نَذْرَ فِي مَعصِيَةِ وَكَفَّارتَهُ كَفَارَةُ يَمِينِ" (¬4). وحديث الطحاوي أحسن إسنادًا من حديث أبي داود وأصح. وقال أبو داود: عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لاَ يُطِيقُهُ فَكفَّارتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا يُطِيقُهُ فَلْيَفِ بِه" (¬5). وقال ابن الجارود عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "النَّذْرُ نَذْرَانِ، فَمَا كَانَ للهِ فَكَفَّارَتَهُ الْوَفَاء بِهِ، وَمَا كانَ لِلشَّيْطَانِ فَلاَ وَفَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِينٍ" (¬6). وذكر سعيد بن منصور قال: نا حماد بن زيد عن محمد بن الزبير ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3313). (¬2) رواه البخاري (6696 و 6700). (¬3) رواه الطحاوي في المشكل (1/ 470 و 3/ 37). (¬4) رواه أبو داود (3290). (¬5) رواه أبو داود (3322). (¬6) رواه ابن الجارود (935).

الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نَذْرَ فِي غَضَبٍ" (¬1). ورواه عبد الوارث بن سعيد وجرير بن حازم كلاهما عن محمد بن الزبير بهذا الإسناد وقال: "لاَ نَذَرْ فِي مَعصِيَةِ اللهِ وَكَفَارتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ" (¬2). ومحمد بن الزبير ضعيف جدًا، ذكر حديث جرير أبو أحمد بن عدي (¬3). وذكر يحيى بن أبي كثير عن رجل من بني حنيفة وعن أبي سلمة كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَلاَ فِي معصِيَةِ اللهِ وَكَفارتُهُ كَفَارَةُ يَمِينٍ" (¬4). هذا مرسل ومنقطع. ذكره عبد الرزاق. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث الوليد بن سلمة مؤدب المأمون عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نَذْرَ فِي غَلَطٍ" (¬5). قال: حديث غير محفوظ. وذكر الدارقطني عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ الله فِي أَمْرٍ لاَ يُرِيدُ بهِ وَجْة الله تَعَالَى، فَكَفاتُهُ كَفَارة يَمِينٍ، وَمَنْ جَعَلَ عَلَيهِ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي أَمرٍ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ سُبْحَانَهُ فَلْيَركَبْ وَلَا يَمشِي، فَإذَا أتَى مَكَّةَ قَضَى نَذْرَه" (¬6). ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 249) وانظر إرواء الغليل (8/ 211 - 213). (¬2) المحلى (6/ 249). (¬3) الكامل (6/ 203) لابن عدي. (¬4) رواه عبد الرزاق (15815). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 78). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 159 - 160) قال ابن أبي حاتم بن أبيه غالب بن عبيد الله متروك الحديث منكر الحديث.

هذا مختصر من حديث يرويه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري وهو متروك. ذكر ذلك ابن أبي حاتم. وقال مسلم: عن عقبة بن عامر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ" (¬1). وعنه أنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن استفتأنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتيته فقال: "لِتَمْشِي وَلتَركَب" (¬2). وقال أبو داود عن ابن عباس في هذا الحديث: أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله لَغَنِي عَنْ مَشْيِ أُخْتك فَلْتَرْكَبْ وَلْتَهْدِ بَدَنَةً" (¬3). وفي لفظ آخر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لاَ يَصنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا فَلتَحُجَّ رَاكِبَةَ وَلْتكَفرْ عَنْ يَمِينِهَا" (¬4). وقال الطحاوي: عن عقبة بن عامر أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِر وَلْتَهْدِ هديًا" (¬5). وللنسائي في هذا الحديث: "وَلْتَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامِ" ولم يذكر الهدي (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1645). (¬2) رواه مسلم (1644). (¬3) رواه أبو داود (3304). (¬4) رواه أبو داود (3295). (¬5) رواه الطحاوي في المشكل (3/ 39) عن ابن عباس أن عقبة بن عامر أتى النبي الخ. وكذلك رواه في شرح معاني الآثار (3/ 131). (¬6) رواه النسائي (7/ 20) من حديث عقبة بن عامر.

كذلك عند أبي داود كما عند النسائي ليس فيه ذكر الهدي إلا ما تقدم من حديث ابن عباس (¬1). مسلم عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى شيخًا يهادي بين ابنيه فقال: "مَا بَالُ هَذَا؟ " فقالوا: إنه نذر أن يمشي، فقال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ" وأمره أن يركب (¬2). أبو داود، عن جابر بن عبد الله أن رجلًا قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: "صَلِّ هَا هُنَا" ثم أعاد عليه فقال: "صَلِّ هَا هُنَا" ثم أعاد عليه فقال: "شَأْنكَ إِذًا" (¬3). البخاري، عن ابن عباس قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيَتَكلَّمْ وَليَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" (¬4). وذكر عبد الرزاق عن يحيي بن العلاء عن رشدين بن كريب مولى ابن عباس أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أنحر نفسي، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهدي مائة ناقة وأن يجعلها في ثلاثين سنين، وقال: "لَا تَجِدُ مَنْ يَأْخُذُ مِنْكَ مَعًا" (¬5). رشدين ضعيف والحديث مرسل. النسائي، عن ابن عباس قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل يقود رجلًا بحبل في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3293). (¬2) رواه مسلم (1642). (¬3) رواه أبو داود (3305). (¬4) رواه البخاري (6704). (¬5) المحلى (6/ 263).

قَرَنِ، فتناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - ققطعه، فقال: إنه نذر (¬1). وفي أخرى عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر يعني برجل وهو يطوف بالكعبة ويقود إنسانًا بخزامة في أنفه، فقطعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم أمره أن يقوده بيده (¬2). خرجه البخاري أيضًا (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 18). (¬2) رواه النسائي (7/ 18). (¬3) رواه البخاري (6703). (¬4) رواه مسلم (1656).

13 - كتاب الديات والحدود

كتاب الديات والحدود بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله علي محمد، وعلي الطيبين وصحبه وسلم تسليمًا مسلم، عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ" ثم قال: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "ألَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قلنا: بلى، قال: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ " قلنا: بلى، قال: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير إسمه قال: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر؟ " قلنا: بلى يا رسول الله قإل: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمُ" أحسبه قال: "وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلاَ تَرْجِعَنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضُ مَنْ يُبَلِّغُهُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" ثم قال: "أَلاَ هَلْ بَلّغْتُ؟ " (¬1). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1679).

وفي أخرى: "وَأعْرَاضَكُمْ" من غير شك (¬1). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ" (¬2). وعن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقَرَّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية (¬3). أبو داود، عن أبي عمرو هو الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قتل بالقسامة رجلًا من بني نصر بن مالك بِبَحْرَةِ الرُّغَاءِ على شط لِيَةَ، قال: "الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ مِنْهُمْ" (¬4). هكذا رواه مرسلًا. مسلم، عن سهل بن أبي حثمة عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو قفير، فأتى يهودَ فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حُوَيِّصَة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب مُحَيِّصَةُ وهو الذي كان بخيبر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمحيصة: "كَبِّرْ كَبِّرْ" يريد السِّنَّ، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنوا بِحَرْبِ [مِنَ اللهِ وَرَسُولهِ] " فكتب إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فقالوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1679). (¬2) رواه مسلم (1678). (¬3) رواه مسلم (1670). (¬4) رواه أبو داود (4522) وفي المراسيل (270).

وعبد الرحمن: "أَتَخْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُم؟ " قالوا: لا، قال: "فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ" قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء (¬1). وعن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة وعبد الله بن سهل انطلقا قِبَل خيبر. . . . . فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ برمَّتِهِ" قالوا: أَمْرٌ لم نشهده كيف نحلف، قال: "فَتُبرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ. . . . ." وذكر الحديث (¬2). وقال أبو داود في هذا الحديث: عن عبد الرحمن بن بجيد أن سهلًا والله أوهم الحديث، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى يهود: "أنَّهُ قَدْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَتِيلٌ فَدُوهُ" فكتبوا يحلفون بالله خمسين يمينًا ما قتلناه ولا علمنا له قَاتلًا، قال فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده مائة ناقة (¬3). الصحيح المشهور أن اليهود لم يحلفوا. وقال النسائي: عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار عن سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ؟ " قالوا: ما لنا بينة قال: "فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ" (¬4). قال: ولم يتابع سعيد على هذه الرواية فيما أعلم. أبو داود، عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود وبدأ بهم: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1669) وما بين المعكوفين ليس في صحيح مسلم. (¬2) رواه مسلم (1669). (¬3) رواه أبو داود (4525). (¬4) رواه النسائي (8/ 12) وفي الكبرى (6921) وقال هنا: لم يتابع سعيد الخ.

خَمْسُونَ رَجُلًا" فَأبوا، فقال للأنصار: "اسْتَحِقُّوا" فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم (¬1). النسائي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلًا على أبواب خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ" قال: يا رسول الله ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم، قال: "فَتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسَامَةً" قال: يا رسول الله وكيف أحلف على ما لا أعلم؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَسْتَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ قَسَامَةً" قالوا: يا رسول الله وكيف نستحلفهم وهم يهود؟! فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديته عليهم وأعانهم بنصفها (¬2). قال النسائي: لا أعلم أحدًا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية. ومن كتاب الدارقطني عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في قوم وجد بينهم قتيلًا، فاستحلف منهم خمسين شيخًا بالله رب هذا البيت الحرام ورب هذا البلد الحرام ورب هذا الشهر الحرام أنهم ما قتلوه ولا يعلموا له قاتلًا، فلما حلفوا قال لهم: أدوا دية مغلظة في أسنان الإبل أو من الدنانير والدراهم دية وثلثًا، ثم قال: إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (¬3). هذا مختصر، في إسناده عمر بن صبيح وهو متروك الحديث. وعن ابن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَجْعَلُوا عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ دِيَةِ الْمُعْتَرِفِ شَيْئًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4526). (¬2) رواه النسائي (8/ 12) وفي الكبرى (6922) وقال هنا: لا نعلم أحدًا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية. (¬3) رواه الدارقطني (4/ 170). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 178) والطبراني في مسند الشاميين (2124) والحارث بن نبهان متروك.

في إسناده محمد بن سعيد وأظنه المصلوب. مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَي كُلِّ بَطْنٍ عُقُولهُ، ثم كتب "أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَوَلَى مَوْلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ"، ثم أُخْبِرتُ أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك (¬1). وعن وائل بن حجر قال: إني لقاعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بِنَسْعَةٍ، فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقَتَلْتَهُ؟ " فقال: نعم قتلته، قال: "كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ " قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عنْ نَفْسِكَ؟ " قال: ما لي مال إلا كساي وفأسي، قال: "فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرْونَكَ؟ " قال: أنا أهون على قومي من ذاك، فرمى إليه بِنِسْعَتِهِ، فقال: "دُونَكَ صَاحِبَكَ" فانطلق به الرجل، فلما ولى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" فرجع فقال: يا رسول الله بلغني أنك قلت: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" وأخذته بأمرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ " قال: يا نبي الله، لعله قال: بلى فإن ذاك كذاك، قال: فرمى بِنَسعَتِهِ وخلى سبيله (¬2). وعنه في هذا الحديث: فانطلق به وفي عنقه نسعة يجرها، فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" فأتى رجل الرجل فقال له مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخلى عنه (¬3). أبو داود، عن وائل أيضًا قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة، قال: فدعا ولي المقتول فقال: "أَتَعْفُو؟ " قال: لا، قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1507). (¬2) رواه مسلم (1680). (¬3) رواه مسلم (1680).

"أَفتَأْخُدُ الدِّيَةَ؟ " قال: لا، قال: "أَفَتَقْتُلُ؟ " قال: نعم، قال: "اذْهَبْ بِهِ" فلما كان في الرابعة قال: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ عَفَوْتَ عَنْهُ يبُوء بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ" قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته يجر النسعة (¬1). وعند أبي داود أيضًا في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ؟ "، قال: لا (¬2). وعن أبي هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله والله ما أردت قتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للولي: "أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا ثُمَّ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ" قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفًا بنسعة فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة (¬3). وعن أبي شريح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيل مِنْ هُذَيلٍ، وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذَا قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خَيْرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقلَ أَوْ يَقتُلُوا" (¬4). تقدم لمسلم في كتاب الحج في تحريم مكة التخيير بين القود والدية. أبو داود، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنحَجزُوا الأوَّلَ فَالأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً" (¬5). مسلم، عن أنس أن امرأة يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك، قال: "مَا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4499). (¬2) رواه أبو داود (4501). (¬3) رواه أبو داود (4498). (¬4) رواه أبو داود (4504). (¬5) رواه أبو داود (4538).

كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ" أو قال: "عَلَيَّ" قال: قالوا: ألا تقتلها؟ قال: "لَا" قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وذكر أبو داود من حديث أبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باليهودية فقتلت، وإن بشر بن البراء كان ممن أكل من تلك الشاة فمات (¬2). هكذا رواه مرسلًا، والصحيح ما تقدم. مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضَرَّتَهَا بعمود فُسْطاط وهي حبلى، فقتلتها، قال: وإحداهما لِحْيَانِيَةٌ، قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أَنُغْرَمْ دِيَةَ من لا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطَلُّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ " وجعل عليهم الدية (¬3). وفي حديث أبي هريرة: فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وَوَرثَّها ولدها ومن معهم. . . . . وذكر الحديث وفي آخره: "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ" من أجل سجعه الذي سجع (¬4). وقال النسائي: فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة وأن يقتل بها (¬5). وخرجه من حديث حمل بن مالك. وقال أبو داود: عن أبي هريرة: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة عبدٍ أو أمة، أو فرس أو بغل (¬6). والصواب ما تقدم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2190). (¬2) رواه أبو داود (4511 و 4512). (¬3) رواه مسلم (1682). (¬4) رواه مسلم (1681). (¬5) رواه النسائي (8/ 21 - 22) وفي الكبرى (6941). (¬6) رواه أبو داود (4579).

وقال من حديث بريدة أن امرأة خذفت امرأة فأسقطت، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل في ولدها خمسمائة شاة، ونهى يومئذ عن الخذف (¬1). قال أبو داود: هكذا قال عباس، يعني ابن عبد العظيم. والصواب مائة شاة. وفي مسند الحارث بن أبي أسامة: وفي الجنين غرة عبد أو أمة، وعشرين من الإبل ومئة شاة. أخرجه عن أبي المليح مرسلًا أن حمل بن مالك كانت له امرأتان، مليكة وأم غطيف، فقذفت إحداهما الأخرى بحجر، فأصابت قبلها فماتت، وألقت جنينها ميتًا. . . . . . الحديث (¬2). وذكر عبد الرزاق عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين يقتل في بطن المرأة بغرة في الذكر غلام، وفي الأنثى جارية (¬3). وهذا مرسل وضعيف جدًا. النسائي، عن سليمان بن كثير نا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قُتِلَ فِي عِمَّيًا أَوْ رِمِّيًا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ بِعَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقَوْدُ يَدَيْهِ، وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْه صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4578). (¬2) المطالب العالية (1855). (¬3) رواه عبد الرزاق (18354). (¬4) رواه النسائي (8/ 39 - 40).

وذكر ابن أبي حاتم تضعيف سليمان بن كثير عن يحيي بن معين، وقال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه. وأما أبو أحمد الجرجاني فلم يذكر فيه أكثر من قول يحيي بن معين: سليمان بن كثير وهشيم سمعا من الزهري وهما صغيران. ولعل يحيي بن معين وأبا حاتم إنما ضعفاه من أجل هذا. وقال الجرجاني: ولسليمان بن كثير عن الزهري وعن غيره أحاديث صالحة، وهو لا بأس به. ولم أسمع أحدًا قال في روايته عن غير الزهري شيء. وذكر ابن أبي شيبة قال فيه: فما كان من رمي أو ضربة بعصا أو رمية بحجر فهو مغلظ في الأسنان من الإبل (¬1). وحديث ابن أبي شيبة من رواية إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، والذي قبله صحيح. وذكر أبو بكر الشافعي من حديث العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا قَوْدَ فِي الْمَأْمُومَةِ وَلَا الْجَائِفَةِ وَلَا الْمُنَقِّلَةِ" (¬2). في إسناده من لا يحتج به، رشدين بن سعد وغيره، ولا أعلمه أيضًا بمتصل الاستماع. الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .] (¬3). ¬

_ (¬1) المحلى (10/ 269). (¬2) ورواه ابن ماجه (2637) وأبو يعلى (6700) عن أبي كريب عن رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن معاذ بن محمد الأنصاري عن ابن صهبان عن العباس. ومن طريق أبي يعلى رواه البيهقي (8/ 65) وابن صهبان لم يدرك العباس. وتابع رشدين ابن لهيعة عند أبي يعلى (6702 و 6705) والراوي عن ابن لهيعة في الرواية الثانية عند أبي يعلى عبد الله بن وهب. (¬3) وفي المخطوطة بدل ما بين المعكوفين "لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة" =

وعنه عن ابن عباس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي دِيَةِ الأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ، عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ لِكُلِّ إصْبعٍ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأَصَابِعُ سَوَاءٌ عَشَرَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَالأَسْنَانُ سَوَاءٌ الثَّنِيَّةُ، وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاء" (¬2). البخاري، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاء". يعني الخنصر والإبهام (¬3). النسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قال في خطبته: "في المْوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ" (¬4). وذكر عبد الرزاق قال: نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموضحة بخمس من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء (¬5). وعن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقض فيما دون الواضحة بشيء (¬6). وعن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي ¬

_ = كما تقدم، ومن المعلوم أن ذلك الحديث لم يرو عن ابن عباس ولا هو عند الترمذي عن أي صحابي، فلذلك وضعنا النقاط بين المعكوفين، ومع الأسف الشديد أن النسخة الثانية هنا فيها نقص فلم نستفد منها هنا ما هو صحيح. (¬1) رواه الترمذي (1388). (¬2) رواه أبو داود (4559). (¬3) رواه البخاري (6895). (¬4) رواه النسائي (8/ 57). (¬5) رواه عبد الرزاق (17312). (¬6) رواه عبد الرزاق (17320).

الْمَنْقُولَةِ خَمْس عَشَرَة مِنَ الإِبلِ أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الشِّاءِ أَوِ الْبَقَرِ" (¬1). هذه كلها مراسيل، والصحيح حديث النسائي: "فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ". وذكر عبد الرزاق أيضًا عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنَ الإبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الشّاءِ" (¬2). وبه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشرٌ، فِي كُل إصْبعِ لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُنَّ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الشَّاءِ" (¬3). أبو داود، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثًا قال: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثِرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُذْكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ أَوْ سَدَانَةِ الْبَيْتِ" ثم قال: "أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا" (¬4). رواه القاسم بن ربيعة عن عقبة بن الأوس عن عبد الله بن عمرو. ورواه يزيد وموسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمر. ورواه يزيد بن عون عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يعقوب السدوسي عن ابن عمر. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (17369). (¬2) رواه عبد الرزاق (17418). (¬3) رواه عبد الرزاق (17696). (¬4) رواه أبو داود (4588).

ورواه عبد الوارث وسفيان بن عيينة كلاهما عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر (¬1). والصحيح قول من قال: عبد الله بن عمرو. يعقوب السدوسي هو يعقوب بن أوس، ويقال: عقبة بن أوس، وهما واحد وهو الذي رواه عنه القاسم بن ربيعة، ولا أعلم روى عنه غيره، وليس بمشهور. ولا يصح للقاسم سماع من عبد الله بن عمرو. الترمذي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَتلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاؤُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاؤُوا أَعْتَقُوا أَوْ أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ وَذَلِكَ لِتشدِيدِ الْعَقْلِ" (¬2). قال: حديث حسن غريب. أبو داود، عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن: "مَنْ قُتِلَ خَطأً فَدِيَتُهُ مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ ثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَعَشَرَةُ ابْنِ لَبُونٍ" (¬3). ذكر ذلك عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بهذا الإسناد قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمان مئة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلمين، قال: فكان كذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبًا فقال: إن الإبل قد غلت، ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف ¬

_ (¬1) رواه أحمد (2/ 164 و 166) وأبو داود (4549) والنسائي (8/ 40) وابن ماجه (2627) والدارقطني (3/ 104) والبيهقي (8/ 44) والبغوي (2536) من طرق عن علي بن زيد بن جدعان به عن عبد الله بن عمر. (¬2) رواه الترمذي (1387). (¬3) رواه أبو داود (4541) من طريق محمد بن راشد به، انقلب الإسناد على المؤلف.

درهم، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية (¬1). وعن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بهذا الإسناد قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقوِّمُ دية الخطأ على أهل القرى أربع مئة دينار أو عدلها من الورق ويقومها على أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، فإذا هاجت رخصًا نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين أربع مئة دينار إلى ثمان مئة دينار، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، قال: وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل البقر مئتي بقرة، ومن كان دية عقله في الشاء فألفي شاة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ" قال: وقَضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأنف إذا جاع الدية كاملة وإذا جدعت ثندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق، أو مئتي بقرة، أو ألف شاة، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرجل نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل، وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق، أو البقر أو الشاء والجائفة مثل ذلك، وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئًا إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها، قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ الناسِ إِلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا" (¬2). وبهذا الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4542) من طريق حسين المعلم به. (¬2) رواه أبو داود (4564). (¬3) رواه أبو داود (4565).

وفي رواية: "وَذَلِكَ أَنْ يَنْزُوَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ النَّاسِ فَتكُونُ دِمَاءٌ فِي عِمِّيَّا فِي غَيْرِ ضَغِينَةٍ وَلَا حَمْلِ سِلَاحٍ" (¬1). وعن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية على أهل الإبل مئة من الإبل، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلية (¬2). وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). حديث جابر هذا يرويه أبو نميلة يحيي بن واضح عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأبو نميلة ثقة. أبو داود، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بني مَخَاضٍ ذَكَرٍ" (¬4). خرجه من حديث حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خِشْف بن مالك الطائي عن عبد الله، وهو إسناد ضعيف. وذكر أبو داود أيضًا عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر قال: سمعت زياد بن ضميرة يحدث عن أبيه وكانا شهدا حنينًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر دية الأشجعي الذي قتله محلِّم بن جَثَّامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُونَ فِي فُورِنَا هَذا، وَخَمْسُونَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. . . . ." وذكر الحديث (¬5). أبو داود، عن محمد بن سالم وهو الطائفي عن عمرو بن دينار عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4565). (¬2) رواه أبو داود (4543). (¬3) رواه أبو داود (4544). (¬4) رواه أبو داود (4545). (¬5) رواه أبو داود (5403).

عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفًا (¬1). هذا رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلًا، وهو أصح. وذكر أبو محمد من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد الله عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ بُخَمْسِ مِئَةِ آيَةٍ إِلَى أَلفِ آيَةٍ أَصْبَحَ وَلَهُ قِنْطَارٌ فِي الآخِرَةِ، وَالْقِنْطَارُ دَيةُ أَحَدِكُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا" (¬2). هذا مرسل. وكيع حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن مكحول قال: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدية ثمان مئة دينار، فخشي عمر من بعده فجعل الدية اثني عشر ألفًا (¬3). النسائي، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه السنن والفرائض والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن، وهذه نسختها: "مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إلَي شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدٍ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنِ وَمُعَافِرَ وَهَمَدَانَ، أَمَّا بَعْدُ:. . ." وَكَانَ فِي كِتَابهِ: "إِنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوْدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَذْعَهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4546). (¬2) المحلى (10/ 290). (¬3) المحلى (10/ 292).

كُلِّ أصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الْمُوضَّحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ، وَأَن الرَّجُلَ يُقْتلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ" (¬1). رواه عن عمرو بن منصور عن الحسن بن موسى عن يحيي بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بإسناده. وسليمان بن داود هذا الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف، وبقال إنه سليمان بن أرقم. وروى النسائي أيضًا هذا الحديث في النسخة عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيي بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بإسناده (¬2). قال: وهذا أشبه بالصواب، وسليمان بن أرقم متروك إلا أن سليمان بن أرقم قال في حديثه: "وَالْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ". وقد رواه يونس بن يزيد عن الزهري مرسلًا (¬3). ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في العقول. . . . وذكره (¬4). وحديث الزهري أتمّ، وحديث مالك ذكره النسائي، وكذلك هو في الموطأ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 57 - 58) وفي الكبرى (7058). (¬2) رواه النساثي (8/ 58 - 59) وفي الكبرى (5059). (¬3) رواه النسائي (8/ 59) وفي الكبرى (7060). (¬4) رواه مالك في الموطأ (2/ 181). (¬5) رواه النسائي (8/ 60) وفي الكبرى (7062).

وذكر أبو داود في المراسيل حديث يونس وقال: قد أسند هذا ولا يصح. وقال الذي قال: سليمان بن داود وهم، يعني إنما يصح في إسناده سليمان بن أرقم (¬1). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس أن في الكتاب الذي عندهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الأَنْفِ إِذَا قُطِعَ الْمَارِنُ مِئَةٌ" وذكر في هذا الكتاب أيضًا: "وَإِذَا قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِيهِ مِئَةُ نَاقَةٍ، قَدِ انْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ وَذَهَبَ نَسْلُهُ" (¬2). وذكر الدارقطني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: كان في كتاب عمرو بن حزم حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجران، وذكر الديات: "وَفِي الأُذُنِ خَمْسُونَ" (¬3). ومن مراسيل أبي داود عن مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي مَا أَقْبَلَ مِنَ الأَسْنَانِ خَمْسُ فَرَائِضَ" (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إِذَا مَنَعَ الْكَلَامَ، وفي الذَّكَرِ الدِّيَةُ إذا قُطِعَتِ الْحَشَفَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَّةِ" (¬5). قال أبو أحمد: هذا غريب المتن لا يروى إلا من هذا الطريق، وذكر ¬

_ (¬1) المراسيل (ص 212 - 213). (¬2) رواه عبد الرزاق (17464 و 17636). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 209). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (261). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 101).

ضعف العرزمي، وإن عامة رواياته غير محفوظة. النسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيتِهَا" (¬1). في إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش وهو في غير الشاميين ضعيف كثير الخطأ لا يؤخذ حديثه، وهو أيضًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر عن كتاب لعمر بن عبد العزيز قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيمن قتل يوم أضحى أو فطر بأن ديته على الناس جماعة؛ لأنه لا يدرى من قتله (¬2). النسائي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى" (¬3). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ" (¬4). وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض على كل رجل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم، وأنه ينفى من أرضه إلى غيرها (¬5). هذا مرسل. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 44 - 45) وفي الكبرى (7008) ثم قال: إسماعيل بن عياش ضعيف الحديث كثير الخطأ. (¬2) رواه عبد الرزاق (18315). (¬3) رواه النسائي (8/ 45) وفي الكبرى (7009). (¬4) رواه النسائي (8/ 45) وفي الكبرى (7010). (¬5) رواه عبد الرزاق (18484).

وذكر أبو أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُ مِئَة دِرْهَمٍ" (¬1). في إسناده عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة ولا يصح. أبو داود، عن ابن عباس قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المكاتب يُقْتَلُ يُودى مَا أَدَّى من كتابته دية الحر، وما بقي دية المملوك (¬2). وعن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ" (¬3). الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَدّى الْعَامِرِيَّيْنِ دية الْمُسْلِمَيْنِ، وكان لهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال: هذا حديث غريب. وذكر الدارقطني عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ودى ذميًا دية مسلم (¬5). في إسناده رجل يقال له أبو كرز وهو متروك. ومن مراسيل أبي داود عن ربيعة بن عبد الرحمن قال: كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزمن أبي بكر وزمن عمر وزمن عثمان، حتى كان صدرًا يعني من إمارة معاوية، قال معاوية: إن كان أهله قد أصيبوا به فقد أصيب به بَيْتُ مال المسلمين، فاجعلوا لبيت مال المسلمين النصف ولأهله النصف خمس مئة دينار خمس مئة دينار، ثم قتل رجل آخر من أهل الذمة فقال معاوية: لو أنا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت المال فجعلناه ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 208). (¬2) رواه أبو داود (4581). (¬3) رواه أبو داود (4583). (¬4) رواه الترمذي (1404). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 129).

وضعًا على المسلمين وعونًا لهم، فمن هناك وضع عقلهم إلى خمس مئة (¬1). وقد أسند هذا بركة بن محمد من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر قصة معاوية مختصرة، وبركة متروك. وزاد: فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رد الأمر إلى القضاء الأول (¬2). ومنها عن سعيد بن المسيب قال: قال رسمول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ" (¬3). البزار، عن حنش بن المعتمر أنهم احتفروا بئرًا باليمن، فسقط فيها الأسد فأصبحوا ينظرون إليه، فوقع رجل في البئر فتعلق برجل آخر فتعلق الآخر بالآخر حتى كانوا أربعة فسقطوا في البئر جميعًا، فجرحهم الأسد فتناوله رجل برمحه فقتله، فقال الناس للأول: أنت قتلت أصحابنا وعليك ديتهم، فأتى أصحابه فكادوا يقتتلون، فقدم علي رضي الله عنه على تلك الحال، فسألوه فقال: سأقضي بينكم بقضاء، فمن رضي منكم جاز عليه رضاه، ومن سخط فلا حق له حتى تأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقضي بينكم، قالوا: نعم، فقال: اجمعوا ممن حضر البئر من الناس ربع دية ونصف دية وثلث دية ودية تامة، للأول ربع دية لأجل أنه هلك فوقه ثلاثة، والثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد، وللآخر الدية تامة، فإن رضيتم فهذا بينكم قضاء، وإن لم ترضوا فلا حق لكم حتى تأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقضي بينكم، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العام المقبل، فقصوا عليه فقال: "أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ" وهو جالس في مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فقال: إن عليًا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (268) ووقع في المراسيل "وظيفًا عن المسلمين وعورتهم" بدل "وضعًا عن المسلمين وعونًا لهم" فلم يتنبه محقق الكتاب إلى ذلك فليصحح من هنا. (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 48). (¬3) رواه أبو داود في المراسيل (264).

قضى بيننا، فقال: "كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمْ؟ " فقصوا عليه، فقال: "هُوَ مَا قَضَى بَيْنَكُمْ" (¬1). حنش بن المعتمر هذا يقال له حنش بن ربيعة، ويكنى أبا المعتمر. قال أبو حاتم فيه: كان عبدًا صالحًا، ولست أراهم يحتجون بحديثه. وقال أبو بكر البزار في حديثه هذا: لا نعلمه يروي إلا عن علي، ولا نعلم له طريقًا عن علي إلا هذا الطريق. أبو داود، عن بصرة عن عمران بن حصين: أن غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فاتى أهله النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليهم شيئًا - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وذكر الدارقطني من حديث دَهْثَمٍ بن قُرَّانِ اليمامي عن نمران بن جَارِيَةَ عن أبيه أن عبدًا مملوكًا خرج فلقي رجلًا فقطع يده، ثم لَقِيَ آخر فشجه، فاختصم مولى العبد والمقطوع والمشجوج إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبدأ المقطوع فتكلم، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العبد فدفعه إلي المقطوع، ثم استعدى المشجوج فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العبد من المقطوع فدفعه إلى المشجوج، فذهب المشجوج بالعبد ورجع المقطوع لا شيء له (¬3). خرجه في المؤتلف والمختلف، ودهثم متروك الحديث. ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن جابر الجعفي عن أبي عازب وهو مسلم بن عمرو عن النعمان بن بشير قال: قال ¬

_ (¬1) روا اه البزار (732) ورواه أيضًا أبو داود الطيالسي (2260) وابن أبي شيبة (9/ 400) وأحمد (573 و 574 و 1063 و 1310) ووكيع في أخبار القضاة (1/ 95 - 97 و 97) والبيهقي (8/ 111) من طرق عن سماك به. (¬2) رواه أبو داود (4590). (¬3) رواه الدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 435).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إِلَّا السَّيْفُ، وفِي كُلِّ خَطَأٍ إِرْشٌ" (¬1). أبو عازب لا أعلم روى عنه إلا جابر الجعفي. ومن طريق عبد الباقي بن نافع إلى إبراهيم ابن بنت النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). وإبراهيم هذا مجهول، ذكر ذلك أبو محمد. أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أُعْفِي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ" (¬3). هذا حديث منقطع. النسائي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في العين العوراء السَّادَّة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها، وفى اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا نُزِعَتْ بثلث ديتها (¬4). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْه طُبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ" (¬5). هذا والذي قبله من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو. والأول رواية العلاء بن الحارث عن عمرو وهو ثقة، والثاني من رواية الوليد عن ابن جريج عن عمرو. قال أبو داود: وهذا لم يروه إلا الوليد، لا يدرى هو صحيح أم لا هذا الكلام عن الأعرابي. مسلم، عن عمران بن حصين قال: قاتل يعلى ابن منية أو أمية رجلًا، ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة (9/ 344) والدارقطني (3/ 106 و 107). (¬2) المحلى (10/ 269). (¬3) رواه أبو داود (4507). (¬4) رواه النسائي (8/ 55) وفي الكبرى (7044). (¬5) رواه النسائي (7/ 52 - 53) وفي الكبرى (7068).

فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فَمهِ فنزع ثَنِيَيَّهُ، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ لَا دَيَةَ لَهُ" (¬1). زاد أبو داود: "إِنْ شِئتَ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ يَدِكَ فَيَعَضُّهَا ثُمَّ تَنْزِعُهَا مِنْ فِيهِ" (¬2). مسلم، عن أنس أن أخت الربَيِّع أم حارثة جرحت إنسانًا، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القِصَاصَ الْقِصَاصَ" فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سُبْحَانَ اللهِ أُمَّ الرُّبيِّع القِصَاصُ كِتَابُ اللهِ" قالت: والله لا يقتص منها أبدًا، قال: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ" (¬3). البخاري، عن أنس أن أخت الربيع وهي ابنة النضر كسرت ثنية جارية، فطلبوا الارش وطلبوا العفو، فأبوا فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ إلا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، قال: "يَا أَنَسُ كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ" فرضي القوم فعفوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ" (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقاد من خدش. قال أبو أحمد: نا سعيد بن عثمان الحراني والحسين بن أبي معشر قالا: نا مخلد بن مالك ثنا العطاف بن خالد عن نافع عن أبن عمر. . . . فذكره (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1673). (¬2) رواه أبو داود (4585). (¬3) رواه مسلم (1675). (¬4) رواه البخارى (2703) وفي المخطوطتين أن أخت الربيع وكلمة أخت ليست في جميع روايات البخاري. (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 378).

قال أبو أحمد: وهذا لم أسمعه بهذا الإسناد إلا منهما جميعًا وهو منكر، سمعت ابن أبي معشر يقول: كتبنا عن مخلد بن مالك كتاب عطاف قديمًا ولم يكن فيه هذا الحديث، كان ابن أبي معشر أومأ إليَّ أن مخلدًا لقن هذا الحديث، ذكره في باب عطاف، وقال في عطاف: لم يحمده مالك بن أنس وهو مدني، وقال فيه عن أحمد بن حنبل: ثقة صحيح الحديث، ومرة وثقه ابن معين ومرة قال: لا بأس به. وذكر ابن أبي حاتم مخلد بن مالك، وذكر رواية أبي زرعة وقوله فيه: لا بأس به. أبو بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلًا طعن رجلًا بقرن في ركبتِهِ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستقيد، فقال له: "حَتَّى تَبْرَأَ" فَأَبَى وعجل واستقاد فعنبت رجله وبرئت رجل المستقاد منه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: "لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنّكَ أَبَيْتَ" (¬1). هذا يرويه أبان وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة مرسلًا أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو عندهم أصح، على أن الذي أسنده ثقة جليل وهو ابن علية. وروى يحيي بن أبي أنيسة وزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسْتَأْنَى بِالْجَرَاحَاتِ سَنَةً" (¬2). ويحيى ويزيد متروكان. ذكر الدارقطني حديث يزيد، وذكر أسد بن موسى من حديث يحيي. وذكر الدارقطني من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (9/ 369) وعنه الدارقطني (3/ 89) والبيهقي (10/ 66) وابن حزم في المحلى (10/ 266). (¬2) رواية يزيد عند الدارقطني (3/ 90).

شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من الجرح حتى ينتهي (¬1). النسائي، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهِ بِشَيْءٍ كَفَّر اللهُ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ" (¬2). أبو داود، عن أنس قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو (¬3). وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا جهم مصدقًا فلاحاه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: القود يا رسول الله، قال: "لَكُمْ كَذَا وَكَذَا" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضِاكُمْ". فقالوا: نعم، فخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّ هَؤلَاءِ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوْدَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا، أَرَضِيْتُمْ؟ " قالوا: لا فهم المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفوا عنهم، ثم دعاهم فزادهم، فقال: "أَرَضيتُمْ؟ " قالوا: نعم، قال: "إِنِّي خَاطِبٌ النَّاسَ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ؟ " قالوا: نعم، فخطب الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَرَضِيْتُم؟ " فَقَالوا: نعم (¬4). وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الكتاب الذي كتبه بين قريش والأنصار: أن لا يتركوا مَفْرَحًا أن يعينوه من فكاك أو عقل (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 90) إلا أنه حرف مسلم فيه إلى محمد فليصحح من هنا. (¬2) رواه النسائي في التفسير (166) من الكبرى ورواه أحمد (5/ 316) وابنه عبد الله في زوائد المسند (5/ 329 - 330) وابن جرير في التفسير (6/ 168 - 169) والبغوي في التفسير (2/ 41) وهو حديث صحيح وله شواهد. (¬3) رواه أبو داود (4497). (¬4) رواه أبو داود (4534). (¬5) رواه عبد الرزاق (17812).

قال عبد الرزاق: المفرح هو الذي يكون عليه العقل في ماله خاصة (¬1). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلُمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِيِنِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" (¬2). أبو داود، عن عبيد الله بن عمير عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإحْدَى ثَلَاثٍ: [رَجُلٌ] زَنا بَعْدَ إحْصَانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا للهِ وَرَسُولهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضِ، أَوْ يَقْتلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا" (¬3). وعن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فامر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وقد تقدم في الجهاد بأتم من هذا. البخاري، عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُقْتلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" (¬5). وذكر أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن عبد العزيز الحضرمي قال: قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر مسلمًا بكافر قتله غيلة، وقال: "أَنَا أَوْلَى وَأَحَقُّ مَنْ أَوْفى بِذِمَّتِهِ" (¬6). هكذا رواه مرسلًا. ¬

_ (¬1) الذي في المصنف: والمفرح كل ما لا تحمله العاقلة. (¬2) رواه مسلم (1676). (¬3) رواه أبو داود (4353). (¬4) رواه أبو داود (4358). (¬5) رواه البخاري (6915). (¬6) رواه أبو داود في المراسيل (251).

وأرسله أيضًا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن. عن عبد الرحمن بن البيلماني. وقد أسند عن ابن البيلماني عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح من أجل ابن البيلماني. والصحيح حديث علي رضي الله عنه في أن: "لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" (¬1). النسائي، عن الحسن عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَتلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ، وَمَنْ أَخْصَاهُ أَخْصَيْنَاهُ" (¬2). قال البخاري عن علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وأخذ بهذا. وقال البخاري: أنا أذهب إليه. وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. أبو داود، عن سوار أبي حمزة وكان ثقة قال: نا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل مستصرخ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "وَيْحَكَ مَا لَكَ؟ " فقال: شَرٌّ، أبصر لسيده جارية فغار فجب مذاكيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيَّ بِالرَّجُلِ" فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ" فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: "عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ" أو: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" (¬3). قال أبو داود: الذي عتق كان اسمه روح بن دينار، والذي جبّه زنباع. وذكر البزار عن ابن البيلماني وهو ضعيف عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ مَوْلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالنَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 134 - 135). (¬2) رواه النسائي (8/ 20 - 21). (¬3) رواه أبو داود (4519). (¬4) رواه البزار (ص 6) من نسخة الأزهر التي فيها بعض مسند ابن عمر. وانظر المحلى (8/ 203).

وفي الباب عن ابن عباس فيمن حرق مملوكه أو مثل به مثل (¬1). حديث ابن عمر ذكره العقيلي في إسناده عمر بن عيسى الأسدي القرشي وهو مجهول. ذكر حديثه أبو محمد وكذلك الكلام فيه. الترمذي، عن سراقة بن مالك قال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقِيدُ الأَبَ مِنِ ابْنِهِ ولا يقيد الابن من أبيه (¬2). وعن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ" (¬3). وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجدِ، وَلَا يُقْتلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ" (¬4). حديث سراقة وعمر وابن عباس لا يصح منها شيء، عللها مذكورة في كتاب الترمذي وغيره. وذكر الدارقطني عن علي قال: من السنة ألا يقتل مسلم بذي عهد ولا حرّ بعبد (¬5). وفي إسناده جابر الجعفي وليس بمتصل أيضًا. [وذكر الدارقطني عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ" (¬6). في إسناده جويبر عن الضحاك مقطوع وضعيف. ¬

_ (¬1) رواه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 182) ومن طريقه ابن حزم في المحلى (8/ 205) ورواه ابن عدي في الكامل (5/ 58) وفي المخطوطتين والمحلى عمرو بن عيسى وهو خطأ. (¬2) رواه الترمذي (1399). (¬3) رواه الترمذي (1400). (¬4) رواه الترمذي (1401). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 134) وهذا الحديث والكلام على إسناده غير موجود في النسخة المغربية. (¬6) رواه الدارقطني (3/ 133).

ورواه عمر بن عيسى الأسلمي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكِهِ وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدِهِ" (¬1). وعمر هذا منكر الحديث ضعيفه، وهذا الحديث ذكره أبو أحمد] (¬2). وذكر الدارقطني أيضًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا قتل عبده متعمدًا، فجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة جلدة ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين، ولم يقد به، وأمره أن يعتق رقبة (¬3). في إسناده إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا الإسناد حجازي. وقد رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر الرقبة (¬4). وإسحاق بن فروة متروك، ذكر حديثه الدارقطني أيضًا، ولا يصح في هذا شيء. ومن مراسيل أبي داود عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ أَبَاهُ فَاقْتُلُوهُ" (¬5). وقد أسند من حديث بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف عندهم، ذكر هذا أبو أحمد بن عدي (¬6). الدارقطني عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ ¬

_ (¬1) انظر التعليق (299) فهو نفس الحديث. (¬2) ما بين المعكوفين في النسخة المغربية فقط. (¬3) رواه الدارقطني (3/ 143 - 144). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 144). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (485) وفيه "من ضرب أباه". (¬6) الكامل (2/ 38) لابن عدي.

الآخَرُ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَهُ وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَك" (¬1). رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر هكذا. وروى معمر وابن جريج عن إسماعيل مرسلًا، والإرسال أكثر. البزار، عن أبى إسرائيل الملائي عن عطية عن أبي سعيد قال: وجد قتيل أو ميت بين قريتين، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فذرع ما بينهما، فوجدوه أقرب إلى إحداهما بشبر، وكأني أنظر إلى شبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني إلى أقرب إحداهما، فألقاه إلى أقربهما (¬2). قال: وأبو إسرائيل ليس بالقوي وإنما يكتب من حديثه ما لا يحفظ عن غيره. كذا قال. وقد وثقه ابن معين. وأما النسائي فقال فيه: ليس بثقة، وكان يسب عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد روى هذا الحديث أيضًا الصَّبِيُّ بن الأشعث بن سالم السلولي قال: سمعت عطية العوفي عن أبي سعيد قال: وجد قتيل بين قريتين. . . . الحديث. ذكره أبو أحمد قال: ولم أعرف للمتقدمين كلامًا في الصَّبِيِّ إلا أني ذكرته لما أنكرت من روايته. كذا قال في الصَّبي (¬3). وقال فيه أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وعطية أيضًا لا يحتج به وإن كان قد روى عنه كثير من الجلة، وهذا الحديث لا يصح من وجه من الوجوه. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 140). (¬2) رواه البزار (1534 كشف الأستار). (¬3) الكامل (4/ 90 - 91) لابن عدي.

النسائي، عن طاوس عن عبد الله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ" (¬1). روي موقوفًا، والذي أسنده ثقة. البخاري، عن عكرمة قال: أُتِيَ علي بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ" ولقتلتهم، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" (¬2). وذكر الدارقطني من حديث عبد الله بن عيسى الخرزي عن عفان عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُقْتلُ الْمَرْأَةُ إِذَا ارْتَدَّتْ" (¬3). عبد الله بن عيسى كان كذابًا يضع الحديث على عفان وغيره، ولا يصح هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو أحمد من حديث جابر بن عبد الله قال: ارتدت امرأة عن الإسلام، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عليها الإسلام وإلا قتلت، فأبت أن تقبل فقتلت (¬4). وهذا حديث يرويه عبد الله بن عطارد بن أذينة الطائي قال: ولا يتابع عليه وهو منكر الحديث، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا (¬5). وفي هذا الحديث عرض الإسلام على من ارتد. وذكر أبو أحمد من حديث موسى بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب عن ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 117) مرفوعًا وموقوفًا. (¬2) رواه البخاري (6922). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 117 - 118). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 214). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 383) وليس عنده كلمة بمعنى.

أبي هريرة أن امرأة ارتدت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى فلم يقتلها. رواه حفص بن سليمان عن موسى وهو حديث منكر، ولم يروه عنه غيره، وحفص ضعيف. مسلم، عن أنس أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبلِ الصَّدَقَةِ فتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا" ففعلوا، فصحوا ثم مالوا على الرعاءِ فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث في أثرهم فأُتِي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الْحَرَّةِ حتى ماتوا (¬1). قال أبو داود في هذا الحديث: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم قَافَةً، فأُتِيَ بهم فأنزل الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا. . . . .} الآية (¬2). وزاد في أخرى: ثم نهى عن المثلة (¬3). وقال مسلم عن أنس: إنما سمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء (¬4). كان هذا الفعل من هؤلاء المرتدين سنة ست من الهجرة، واسم الراعي يسار وكان نوبيًّا فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات وأدخل المدينة ميتًا، ففعل بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلما فعلوا. الترمذي، عن جندب البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1671). (¬2) رواه أبو داود (4366). (¬3) رواه أبو داود (4367). (¬4) رواه مسلم (1671). (¬5) رواه الترمذي (1460).

في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ذكره الترمذي وغيره. مسلم، عن أنس بن مالك أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ بين حجرين، فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديًا فَأَوْمَأت برأسها، فأُخذَ اليهودي فأقر، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرض رأسه بالحجارة (¬1). وفي طريق أخرى: أن رجلًا من اليهود قتل جارية من الأنصار على حلي لها، وفيه أنه رضخ رأسها بالحجارة (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن جابر اليمامي عن زياد بن علاقة عن مرداس وهو ابن عروة له صحبة أن رجلًا رمى رجلًا بحجر فقتله، فَأُتِيَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقاد منه (¬3). محمد بن جابر كان قد عمي واختلط عليه حديثه وذهبت كتبه فضعف. وذكر البزار من حديث الحر بن مالك عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا قَوْدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ" (¬4). أسنده الحر بن مالك عن مبارك بن فضالة هكذا ولا بأس به، والناس يرسلونه عن الحسن. وذكر البزار أيضًا عن الثوري عن جابر وهو الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْقَوْدُ بِالسَّيْفِ وَلكُلِّ خطَأٍ أَرْشٌ" (¬5). وقد مر ذكر جابر الجعفي، وأبو عازب اسمه مسلم بن عمرو. وقد روى عن علي وأبي هريرة وابن مسعود وكلها ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1672). (¬2) رواه مسلم (1672). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 151) وفي النسخة المغربية كان أعمى بدل كان قد عمي. (¬4) رواه ابن ماجه (2668) وانظر إرواء الغليل (7/ 285 - 289). (¬5) ورواه ابن ماجه (2667) وغيره وانظر الإرواء.

والنسائي، عن أبي برزة قال: مررت على أبي بكر وهو متغيظ على رجل من أصحابه، فقلت: يا خليفة رسول الله من هذا الذي تغيظ عليه؟ قال: ولِمَ تسأل؟ قلت: أضرب عنقه، قال: فوالله يعني لأَذْهَبَ عِظَمُ كلمتي غضبه، ثم قال: ما كانت تلك لأحد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). مسلم، عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، تقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرأونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّميَّه، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬2). روى خبر الخوارج علي وجابر وأبو سعيد وسهل بن حنيف وغيرهم. وروى كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُكْمُ اللهِ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ لَا يُقْتَل أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُجَاز عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يُتْبَع مَوالِيهِمْ، وَلَا يُقْسَم فِيْئُهُمْ" (¬3). وهم عندنا الخوارج، وكوثر بن حكيم هذا متروك الحديث، وحديثه هذا ذكره الحارث بن أسامة وأبو بكر البزار. أبو داود، عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتُمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، قال: فأخذ الْمِعْوَلَ فضربها في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هنالك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فجمع الناس فقال: "أُنْشِدُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 109) وليست عنده كلمة يعني. (¬2) رواه مسلم (1066). (¬3) ورواه الطبراني في الأوصط (ص 245 مجمع البحرين) والحاكم (2/ 155) والبيهقي (8/ 182) ولابن عدي في الكامل (6/ 76).

باب حد الزنا وفيمن يعمل عمل قوم لوط

الله رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ" فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المعول فجعلته في بطنها، واتكأت عليه حتى قتلتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا فَاشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ" (¬1). الطفل يقال: هو عبد الله بن زيد الخطمي. أبو داود، عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي: "ابْنُكَ هَذَا؟ " قال: إي ورب الكعبة قال: "حَقًّا" قال: أشهد به، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثبت شبهي في أبي أو من حَلِفِ أبي عليَّ، ثم قال: "أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلًا تَجْنِي عَلَيْهِ" وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2). باب حد الزنا وفيمن يعمل عمل قوم لوط النسائي، عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرؤيا قال: "فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلى مِثْلِ بنَاءِ التَّنُّورِ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَل مِنْهُمْ، فَإِذَا أتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤْلَاءِ؟ قَالَا: هُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4361). (¬2) رواه أبو داود (4495). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7658).

خرجه البخاري أيضًا (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ" (¬2). ذكر الطحاوي عن عائشة أن هذا كان في رجل مخصوص (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال سعيد بن عبادة: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلًا لم أمسه حتى آتِيَ بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ" قال: كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأُعَاجِلُهُ بالسيف قبل ذلك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي" (¬4). أبو داود، عن عبادة بن الصامت قال ناس لسعد بن عبادة: يا أبا ثابت قد نزلت الحدود لو أنك وجدت مع امرأتك رجلًا كيف كنت صانعًا؟ قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا، أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء، قال ذلك قد قضى الحاجة فانطلق فاجتمعوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله ألم تر إلى أبي فارس قال كذا وكذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بِالسَّيْفِ شَاهِدًا" ثم قال: "لَا، لَا، أَخَافُ أَنْ يَتَتَابَعَ فِيهِ السَّكْرَانُ وَالْغَيْرَانُ" (¬5). هذا من رواية ابن الأعرابي. وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر عن كثير بن زياد عن الحسن في الرجل يجد مع امرأته رجلًا قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بِالسَّيْفِ شَا" يريد أن يقول شاهدًا فلم يتم الكلمة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1143 و 3354 و 4674 و 6096 و 7047). (¬2) رواه أبو داود (3963) والطحاوي في المشكل (1/ 391). (¬3) رواه الطحاوي في المشكل (1/ 392 - 393). (¬4) رواه مسلم (1498). (¬5) رواه أبو داود (4417). (¬6) رواه عبد الرزاق (17918).

وعن معمر عن الزهري وذكر قول سعد قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْبَى اللهُ إِلَّا بِالْبيِّنَةِ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رجلًا من الأعراب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ" قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وأني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمئة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مئة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ [عَلَيْكَ]، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، واغْدُ يا أَنيس إِلى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفْتَ فَارْجُمْهَا" قال: فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت (¬2). وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ" (¬3). وعن بريدة بن خصيب قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله طهرني، فقال: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ" قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ" قال: فرجع غير بعيد فجاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (17917). (¬2) رواه مسلم (1697 و 1698) وليس في صحيح مسلم كلمة [عليك]. (¬3) رواه مسلم (1690).

"فِيمَ أَطَهِّرْكَ؟ " قال: من الزنا، قال: فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبِهِ جُنُونٌ" فأخبر أنه ليس بمجنون، قال: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟ " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَزَنَيْتَ؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم، فكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده في يده، ثم قال: أقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم جلوس، فسلم ثم جلس فقال: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ" فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ" قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني، فقال: "وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْةِ" فقالت: أراك تريد أن تَرْدُدَنِي كما رَدَدْتَ ماعز بن مالك، قال: "وَمَا ذَاكَ؟ " قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: "آنْتِ؟ " قالت: نعم، فقال لها: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ" قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت قال: قد وضعت الغامدية، قال: "إذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ" فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا رسول الله، قال: فرجمها (¬1). وعنه: أن ماعز بن مالك أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني، فرده فلما كان من الغد أتاه قال: يا رسول الله إني قد زنيت، فرده الثانية فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه فقال: "أتعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيئًا؟ " قالوا: ما نعلم إلَّا وَفِيَّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضًا فسألهم، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرته ثم أمر به فرجم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1695).

فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها فلما كان من الغد قالت: يا رسول الله لم تردني لعلك تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله إني لحبلى، قال: "إِمَّا لَا فَاذْهَبي حَتَّى تَلِدِي" فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، فقالت: هذا وقد ولدته، قال: "فَاذْهَبِي فَأَرْضَعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ" فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، قالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد فَسَبَّهَا، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبه إياها فقال: "مَهْلًا يَا خَالِد وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةَ لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهم" ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت (¬1). وعن أبي سعيد الخدري وذكر حديث ماعز قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد. فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، قال: فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عُرْضِ الحرة، فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة، حتى سكت ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا من العشي، قال: "أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى برَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا نَكَلْتُ بِهِ" قال: فما استغفر له ولا سبّه (¬2). النسائي، عن أبي هريرة وذكر قصة ماعز قال: فذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراره حين مسته الحجارة، قال: "فَهَلًا تَرَكْتُمُوهُ" (¬3). وقال أبو داود: "لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1695). (¬2) رواه مسلم (1694). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7204). (¬4) رواه أبو داود (4419).

وليس إسناد هذا بالقوي لأنه من حديث هشام بن سعد عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه عن جده هزال عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يحتج بهذا الإسناد. وقال من حديث جابر: "فَهَلَا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ" (¬1). وهذا من حديث محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا أحسن من الذي قبله وأصح. أبو داود، عن أبي هريرة في حديث ماعز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أَنِكْتَهَا؟ " قال: نعم، قال: "حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ " قال: نعم، قال: "كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرَّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ " قال: نعم، قال: "هَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ " قال: نعم أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من أهله حلالًا، قال: فأمر به فرجم (¬2). البخاري، عن ابن عباس قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرَتَ" قال: لا يا رسول الله، قال: "أَنِكْتَهَا؟ " لا يُكني قال: نعم، فعند ذلك أمر به فرجم (¬3). وقال أبو داود: ولم يصل عليه (¬4). وقال البخاري من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له خيرًا وصلى عليه (¬5). وذكر أبو داود عى نعيم بن هزال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز حين اعترف: "إِنَّكَ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتِ فِيمَنْ؟ " قال: بفلانة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4420). (¬2) رواه أبو داود (4428). (¬3) رواه البخاري (6824). (¬4) رواه أبو داود (4421). (¬5) رواه البخاري (8620). (¬6) رواه أبو داود (4419).

وعن يزيد بن نعيم وهو ابن هزال عن أبيه أن ماعزًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزال: "لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ" (¬1). وفي طريق أخرى: أن هزالًا أمر ماعزًا أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فناداه: يا رسول الله إني زنيت. . . . وذكر الحديث، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أَحْصَنْتَ؟ " قال: نعم (¬3). أبو داود، عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا زنى بامرأة، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن، فأمر به فرجم (¬4). ذكره النسائي أيضًا وقال: لم يرفعه غير ابن وهب (¬5). ثم خرج عن جابر أنه قال في محصن زنا ولم يعلم بإحصانه حتى جلد، ثم علم بإحصانه قال: "يُرْجَمُ" (¬6). قال: وهذا هو الصواب والذي قبله خطأ. مسلم، عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلي من الزنى فقالت: يا نبي الله أصبت أحدًا فأقمه عليَّ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: "أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا" ففعل، فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فَشُكَّتْ عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وهي قد زنت؟! فقال: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (7274 - 4278 و 7280). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (7278). (¬3) رواه مسلم (1691). (¬4) رواه أبو داود (4438). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (7211). (¬6) رواه النسائي في الكبرى (7212) وانظر تحفة الأشراف (2/ 323).

الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدَتْ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ " (¬1). وذكر النسائي في طريق منقطعة عن أبي بكرة الثقفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ" ثم جاءت فقالت: إني ولدت غلامًا، فكفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اذْهَبِي حَتَّى تَطْهَرِي" فذهبت ثم رجعت فقالت: قد طهرت، فأرسل معها نسوة فاستبرأن طهرها ثم جئن فشهدن عنده أنها قد طهرت، فأمر بحفرة إلى ثندوتها ثم جاء المسلمون معه فأخذ حصاة مثل الحمصة فرماها بها، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: "ارْمُوا وَاتَّقُوا اللهِ فِي وَجْهِهَا. . . ." وذكر الحديث، ولم يذكر أنها كانت من عامر (¬2). وذكر النسائي أيضًا عن الشعبي أن عليًا جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتك: بكتاب الله، ورجمتك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الشعبي رأى علي بن أبي طالب. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء يهود فقال: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ " قالوا: نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما، قال: "فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فجاؤوا بها فقرأوها حتى إذا مروا بآية الرجم، وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مره فليرفع يده، فرفعها فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، قال عبد الله: فكنت فيمن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1696). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (7209 و 7210) وفيه امكثي حتى تضعي. (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7141).

رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه (¬1). أبو داود، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الْقُفِّ، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت المدراس، فقالوا: يا أبا القاسم إن رجلًا منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسادة فجلس عليها ثم قال: "ائْتُونِي بِالتَّوْرَاةِ" فأُتِيَ بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: "آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَك" ثم قال: "ائْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ" فأُتِيَ بفتًى شاب ثم ذكر قصة الرجم (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا فقال: "ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ" فأتوه بابني صوريا، فنشدهما: "كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْراةِ؟ " قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: "فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجِمُوهُمَا؟ " قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليهود فجاؤوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجمهما (¬3). في إسناده مجالد بن سعيد. وذكر أبو داود من طريق منقطعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني اليهود: "أُنْشِدُكُمُ الله الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة عَلى مَنْ زَنَى. . . . ." وساق الحديث (¬4). وذكر من حديث عكرمة بمعناه مرسلًا وترجم عليه كيف يحلف الذمي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1699). (¬2) رواه أبو داود (4449). (¬3) رواه أبو داود (4452). (¬4) رواه أبو داود (3624 و 4450). (¬5) رواه أبو داود (3626).

أبو داود، عن النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يأتي جارية امرأته فقال: "إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جُلدَ مِئةً، وإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ رَجَمْتُهُ" (¬1). هذا الحديث لا يتصل إلا من حديث خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان، وخالد هذا مجهول. قال أبو حاتم: لا أعرف أحدًا يقال له خالد بن عرفطة إلا الذي له صحبة. أبو داود، عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها، وإن كان طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها" (¬2). وفي طريق آخر ولم يذكر فيه قبيصة نحو ذا، إلا أنه قال: وإن كان طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها (¬3). وهذا أيضًا لا يصح. قال النسائي: ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به (¬4). وذكر أبو عمر في هذا الحديث وصححه، وذكر شهرته عن الحسن، ولم يذكر قبيصة، وإنما ضعف الحديث من أجل قبيصة. النسائي، عن البراء بن عازب قال: أصبت عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4459). (¬2) رواه أبو داود (4460). (¬3) رواه أبو داود (4461). (¬4) السنن الكبرى (4/ 298) للنسائي. (¬5) رواه النسائي (6/ 109 - 110) وفي الكبرى (5489).

أبو داود، عن وائل بن حجر أن امرأة خرجت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد الصلاة، فتلقاها رجل فتجللها فقضى حاجته منها، فصاحت وانطلق ومر عليها رجل فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمر به قال صاحبها الذي وقع عليها: يا رسول الله أنا صاحبها، فقال لها: "اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكِ" وقال للرجل قولًا حسنًا. قال أبو داود يعني الرجل المأخوذ: فقالوا [وقال] للرجل الذي وقع عليها ارجمه، [ارجموه] فقال: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ" (¬1). رواه إسرائيل وأسباط بن نصر عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه وكان سماك يقبل التلقين. أبو داود، عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ" (¬2). وبهذا الإسناد أيضًا: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهَا وَاقْتُلُوهُ مَعَهَا" قال: قلت: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها، وقد عمل بها ذلك العمل (¬3). اختلف في إسناد هذين الحديثين، وعمرو بن أبي عمرو قال فيه يحيي بن معين هو ضعيف ليس بالقوي وليس بحجة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4379). (¬2) رواه أبو داود (4462). (¬3) رواه أبو داود (4464) وعنده "فاقتلوه واقتلوها معه".

وقال فيه أحمد بن حنبل وأبو حاتم: ليس به بأس، ووثقه أبو زرعة. ذكر ذلك كله أبو محمد بن أبي حاتم الرازي. وذكره أبو أحمد الجرجاني فقال فيه عن يحيي بن معين: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي، وكان مالك يروي عنه ويستضعفه. قال مالك: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي. وقال فيه أحمد بن حنبل: لا بأس به روى عنه مالك. وقال السعدي: عمرو بن أبي عمرو مضطرب الحديث. وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ". وقال أبو أحمد: عمرو بن أبي عمرو روى عنه مالك وهو عندي لا بأس؛ لأن مالكًا لا يروي إلا عن ثقة أو صدوق. وذكر أبو أحمد من حديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يعمل عمل قوم لوط، وفي الذي يؤتي في نفسه، وفي الذي يقع على ذات محرم، وفي الذي يأتي البهيمة: "يُقْتَلُ" (¬1). قال: هذا يرويه عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، وليس في روايته الذي يؤتي في نفسه. وعباد بن منصور ضعفه النسائي وأبو زرعة ويحيى بن معين. وقال يحيي بن سعيد: عباد بن منصور ثقة، وليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه (¬2). قال أبو أحمد: هو من جملة من يكتب حديثه. وذكر أيضًا من حديث عاصم بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن ¬

_ (¬1) الكامل (5/ 116 - 117). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 339).

الخطاب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَارْجُمُوا الأَعْلَى وَالأَسْفَلَ ارْجُمُوهُمَا جَمِيعًا" (¬1). وعاصم بن عمر ضعيف عندهم، ضعفه ابن معين وأحمد بن حنبل وأبو حاتم والبخاري والنسائي وغيرهم. ومن حديثه ذكره الترمذي رحمه الله (¬2). النسائي، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغَرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرَّب، وأن عمر ضرب وغرَّب (¬3). ذكر الدارقطني أن الصواب عن ابن عمر في هذا الحديث أن أبا بكر، وليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. أبو داود، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اشتكى رجل منهم حتى أُضْنِيَ فعاد جلدةً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال من قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنّي وقعت على جارية دخلت عليَّ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلدة على عظم، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا له مئة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة (¬4). اختلف في إسناد هذا الحديث. مسلم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس أقيموا ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد في الكامل (6/ 230). (¬2) أورده بعد الحديث (1456). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7342) والترمذي (1438) والحاكم (4/ 369) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬4) رواه أبو داود (4472).

على أرقائكم الحد، من أحصن مِنْهُمْ ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت، فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَحْسَنْتَ" (¬1). وقال النسائي: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا هِيَ جَفَّتْ مِنْ دِمَائِهَا فَاجْلِدْهَا" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (¬2). النسائي، عن علي قال: زنت جارية لي، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لَا تَضْرِبْهَا حَتَّى تَضَعَ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَت فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ" (¬4). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا ولو بِضَفِيرٍ" قال: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة (¬5). وفي طريق أخرى: "ثُمَّ لِيَبِعْهَا فِي الرَّابِعَةِ" (¬6). وكذلك عند الترمذي (¬7). وذكر مالك في الموطأ عن يزيد بن أسلم أن رجلًا اعترف على نفسه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1705). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (7269). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7267). (¬4) رواه مسلم (1703). (¬5) رواه مسلم (1703). (¬6) رواه مسلم (1703). (¬7) رواه الترمذي (1440).

باب

بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال: "فَوْقَ هَذَا" فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: "دُونَ هَذَا" فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد ثم قال: "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِستْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كتَابَ اللهِ" (¬1). قال أبو عمر بن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يسند بهذا اللفظ من وجه من الوجوه (¬2). باب ذكر القاسم بن أصبغ عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن المعطل السلمي أنه ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجائه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستعداه عليه فلم يعده، وعقل جرحه وقال: "إِنَّكَ قُلْتَ قَوْلًا سَيِّئًا" (¬3). تكلموا في سماع سعيد بن المسيب عن صفوان، وصفوان قتل في أيام عمر، وإن كان سعيد قد سمع من عمر نَعْيَهُ النعمان بن مقرن. باب في القطع مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقَطَعُ يَدُهُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 169). (¬2) التمهيد (5/ 321). (¬3) سير أعلام النبلاء (2/ 549). (¬4) رواه مسلم (1687) والبخاري (6783 و 6799).

وفي أخرى: "إِنْ سَرَقَ حَبْلًا وَإِنْ سَرَقَ بَيْضَةً" (¬1). وقال البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرونه يساوي دراهم (¬2). وذكر أبو بكر البزار عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في بيضة من حديد، قيمتها أحد وعشرون درهمًا (¬3). وإسناده ضعيف فيه المختار بن نافع وغيره. مسلم، عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" (¬4). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقًا في مجن قيمته ثلاثة دراهم (¬5). أبو داود، عن إسماعيل بن أمية أن نافعًا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع يد رجل سرق ترسًا من صُفَّةِ النساء ثمنه ثلاث دراهم (¬6). البخاري، عن عائشة قالت: لم يكن يقطع يد السارق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن المجن ترس أو جحفة، وكان كل واحد منهما ذا ثمن (¬7). زاد أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عنهما وأن يد السارق لم تكن تقطع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1687). (¬2) نقله البخاري بعد الحديث (6783). (¬3) رواه البزار (1430) زوائد الحافظ ابن حجر. (¬4) رواه مسلم (1684). (¬5) رواه مسلم (1686). (¬6) رواه أبو داود (4386). (¬7) رواه البخاري (6794).

في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه (¬1). أبو داود، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي لاَ أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ" (¬2). هذا مرسل. النسائي، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ الْمِجَنِّ" قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار (¬3). وذكر حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ" (¬4). ذكره الدارقطني وقد تقدم الكلام في ضعف الإسناد. مسلم، عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يدها (¬5). وعنها: أن قريشا أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتَشْفَعُ فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟! " فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أَمَّا بَعْدُ فَإنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدِ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها، ¬

_ (¬1) وكذا رواه إسحاق بن راهويه في مسنده والإسماعيلي كما في الفتح (12/ 106). ومن طريق ابن أبي شيبة رواه ابن حزم في المحلى (12/ 247). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (245). (¬3) رواه النسائي (8/ 81) وفي الكبرى (7422). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 192 - 193). (¬5) رواه مسلم (1688).

قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). اختلفت الروايات في قصة هذه المرأة، فالذي قال سرقت أكثر ممن قال استعارت. النسائي، عن صفوان بن أمية قال: كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثون درهمًا، فجاء رجل فاختلسها مني، فأُتِي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به ليقطع، فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: "فَهَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِنِي بِهِ؟ " (¬2). زاد في أخرى: إني قد وهبتها له (¬3). رواه سماك بن حرب عن حميد بن أبي صفوان، وعبد الملك بن أبي بشر عن عكرمة عن صفوان، وأشعث بن نزار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان صفوان نائمًا في المسجد. ورواه عمرو بن دينار عن طاوس عن صفوان. ذكر هذه الطرق النسائي. ورواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أن صفوان بن أمية (¬4). وقد روي من غير هذا الوجه، ولا أعلمه يتصل من وجه يحتج به. وذكر الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقطعه من المفصل (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1688). (¬2) رواه النسائي (8/ 69 - 70). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (7371). (¬4) رواه مالك (2/ 174). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 204 - 205).

وذكر أبو أحمد من حديث ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سارقًا من المفصل (¬1). وليث هذا ابن أبي سليم ذكره في باب خالد بن عبد الرحمن الخراساني وهي رواية عن مالك بن معول عن ليث وخالد ثقة معروف. وذكر الدارقطني عن عروة بن الزبير قال: شفع الزبير في سارق، فقيل: حتى نبلغه الإمام، فقال: "إِذَا بَلَغَ الإمَامَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالْمُشّفعَ" كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). في إسناده محمد بن موسى بن مسكين أبو غزية وهو ضعيف. ورواه مالك عن ربيعة أن الزبير، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والموقوف هو الصحيح. وذكر النسائي عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عمه رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ" الكثر الجمر (¬4). هكذا رواه سفيان بن عيينة. ورواه غيره ولم يذكر واسع بن حبان، ولم يتابع سفيان على هذه الرواية إلا حماد بن يحيى، فإنه رواه عن شعبة عن يحيى بن سعيد مثل رواية سفيان، وأما غير حماد فإنه رواه عن شعبة، ولم يذكر واسع بن حبان، ومحمد بن يحيى بن حبان لم يسمع من رافع. وعن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 38). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 205). (¬3) رواه مالك (2/ 174). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (7456).

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: "مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرِ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ" (¬1). وقال في آخر عن هشام بن معد عن عمرو بهذا الإسناد: "وَلَيْسَ فِي شَيْءِ مِنَ الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ إِلَّا فِيمَا آوَاهُ الْمَرَاحُ فَبَلَغَ ثَمَن الْمجَنِّ ففِيهِ قَطْعُ الْيَدِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ ففِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ" (¬2). قال أبو عمر في قوله وغرامة مثليه هو منسوخ لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به إلا ما جاء عن عمر في رقيق حاطب بن أبي بلتعة، ورواية عن أحمد بن حنبل، ومحمل هذا على العقوبة والتشديد، والذي عليه الناس العقوبة في الغرم بالمثل لقوله عز وجل: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬3) وأبو عمر يصح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا كان الراوي عنه ثقة. أبو داود، عن جنادة بن أبي أمية قال: كنا مع بسْر بن أرطاة في البحر، فأُتِيَ بسارق يقال له مِصْدَر قد سرق بُخْتِيَةً، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الْغَزْوِ [السَّفَرِ] " ولولا ذلك لقطعته (¬4). بُسْر هذا يقال: ولد في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت له أخبار سوءٍ في جانب علي وأصحابه، وهو الذي ذبح طفلين لعبيد الله بن العباس، ففقدت أمهما عقلها وهامت على وجهها، فدعى عليه رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله، فكان كذلك. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 85) وفي الكبرى (7446). (¬2) رواه النسائي (8/ 85 - 86) وفي الكبرى (7447). (¬3) التمهيد (19/ 212). (¬4) رواه أبو داود (4408) في أبي داود "في السفر" ولفظ "في الغزو" عند الترمذي (1450).

قال يحيى بن معين: كان بشر بن أرطاة رجل سوء. أبو داود، عن فضالة بن عبيد قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه (¬1). في إسناده حجاج بن أرطاة. أبو داود، عن عمر بن أبي سلمة عنِ أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَرَقَ الْمَمْلُوكُ فَبِعْهُ وَلَوْ بِنَشٍّ" (¬2). النسائي، عن جابر بن عبد الله قال: جيء بسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اقتُلُوهُ" قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: "اقطَعُوهُ" فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: "اقْتُلُوهُ" قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: "اقْطَعُوهُ" فقطع فأتي به الثالثة فقال: "اقْتُلُوهُ" قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: "اقْطَعُوهُ" فقطع، ثم أتي به الرابعة فقال: "اقْتُلُوهُ" قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: "اقْطَعُوهُ" فأتي به الخامسة فقال: "اقْتُلُوهُ" قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره ثم كسر بيده ورجله، فانصدعت الإبل ثم حملوا عليه الثانية ففعل مثل ذلك، ثم حملوا عليه الثالثة فرميناه بالحجارة، ثم ألقيناه في بئر ثم رمينا عليه الحجارة (¬3). هذا يرويه مصعب بن ثابت وليس بالقوي قاله النسائي، وليس هذا الحديث بصحيح ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا. وذكر النسائي أيضًا عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ" قال: بلى، قال: "اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4411). (¬2) رواه أبو داود (4412). (¬3) رواه النسائي (8/ 90 - 91) وفي الكبرى (7471).

جِيئُوا بِهِ" فقطعوه ثم جاؤوا به، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ أَسْتَغْفِرُ الله وأتوب إِلَيْهِ" قال: أستغفر الله وأتوب إليه، قال: "اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ" (¬1). أبو المنذر لا أعلم روى عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. وذكر عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلًا قال: أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل سرق شملة، بهذا الحديث فقال: "اقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ احْسمُوهَا" (¬2). وعن معمر عن ابن المنكدر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع رجلًا ثم أمر به فحسم ثم قال: "تُبْ إِلَى اللهِ" قال: أتوب إلى الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَعَتْ فِي النَّارِ، فَإِنْ عَادَ تَبِعَهَا وَإِنْ تَابَ اسْتَشْلاَهَا" (¬3). قال عبد الرزاق يقول: استرجعها. وروى النسائي من حديث عصمة بن مالك وعبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة أن مملوكًا سرق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفى عنه، ثم سرق الثانية والثالثة والرابعة، ففي كل مرة يرفع إليه فيعفو عنه، ثم رفع إليه الخامسة وقد سرق فقطع يده، ثم رفع إليه السادسة فقطع رجله، ثم رفع إليه السابعة فقطع يده، ثم رفع إليه الثامنة فقطع رجله وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعٌ بِأَربْعٍ" (¬4). ولم يقل في حديث عبد الله: "أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ". وهذا لا يصح للإرسال وضعف الإسناد. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 67) وفي الكبرى (7363). (¬2) رواه عبد الرزاق (18923). (¬3) رواه عبد الرزاق (18925). (¬4) لم يروه النسائي لا في الصغرى ولا في الكبرى، وانظر نصب الراية (3/ 373) ونقد الإمام الذهبي لبيان الوهم والإيهام (ص 72 - 73).

خرجه الدارقطني والحارث بن أسامة (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن عبدًا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقطعه وقال: "مَالُ اللهِ سَرَقَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ" (¬2). قال: حجاج بن تميم ليست روايته عن ميمون بن مهران مستقيمة. وذكر الدارقطني عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ" (¬3). إسناده منقطع. وذكر الدارقطني أيضًا عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ الآبِقِ إِذَا سَرَقَ قَطْعٌ وَلاَ عَلَى الذّمِّيِّ" (¬4). قال: لم يرفعه غير فهد بن سليمان والصواب موقوف. وذكره أيضًا من حديث عبيد الله بن النعمان عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ وَلاَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ حُدُودٌ" (¬5). والصواب موقوف. وذكر أيضًا عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 137 - 138) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 483) من حديث عصمة بن مالك. ورواه عبد الرزاق (18773) وابن أبي شيبة (9/ 511) وأبو داود في المراسيل (247) والبيهقي (8/ 283) من حديث عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة. (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 229). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 182). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 86). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 87). (¬6) رواه الدارقطني (3/ 202).

باب الحد في الخمر

تفرد به عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه عن عائشة، وهو كثير الخطأ على هشام ضعيف الحديث. الترمذي، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُختَلِسٍ قَطعٌ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. باب الحد في الخمر مسلم، عن حصين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأُتِيَ بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حُمْران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي قم فاجلده، فقال علي قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِّ حارَّها من تولَّى قارَّها فكأنه وجد عليه فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة وهذا أحب إليَّ (¬2). وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد في الخمر بالنعال والجريد أربعين (¬3). وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1448). (¬2) رواه مسلم (1707). (¬3) رواه مسلم (1706) هذا ليس في النسخة الأولى. (¬4) رواه مسلم (1706) هذا في النسخة المغربية بعد الحديث بعده.

وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد في الخمر بالنعال والجريد، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الله بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين (¬1). وعن علي بن أبي طالب قال: ما كنت لأقيم على أحد حد فيموت فيه فأجد منه في نفسي إلا صاحب الخمر؛ لأنه إن مات وديته لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسنَّهُ (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب، فقال: "اضرِبُوهُ" فقال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنَعْلِه والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُولُوا هَكَذَا لاَ تُعِينُوا عَلَيه الشَّيْطَانَ" (¬3). زاد في أخرى بعد ذكر الضرب: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "بَكِّتُوهُ" فاقبلوا عليه يقولون: أما اتقيت الله أما خشيت الله أما استحييت من الله ورسوله، ثم أرسلوه (¬4). وفي أخرى: ولكن قولوا: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ" (¬5). النسائي، عن عبد الرحمن بن أزهر بن عبد يغوث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بشارب يوم حنين، فحثى في وجهه التراب ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وبما كان في أيديهم حتى قال: "ارْفَعُوا" فرفعوا، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلك سنة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1706). (¬2) رواه مسلم (1707). (¬3) رواه أبو داود (4477). (¬4) رواه أبو داود (4478). (¬5) هو نفس الرواية (4478) وليست رواية أخرى. (¬6) رواه النسائي في الكبرى (5283).

وذكر عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أخبرني محمد بن المنكدر عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤقت في الخمر حدًا. قال ابن عباس: شرب رجل فسكر فَلُقِيَ يميل في فج فانطلق به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أن حاذوا به دار ابن عباس انفلت فدخل على عباس، فالتزمه من ورائه، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فضحك وقال: "أَقَددْ فَعَلَهَا؟! " ثم لم يأمر فيها بشيء (¬1). النسائي، عن ابن عمر ونفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِن شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ" (¬2). في بعض الروايات عن أبي داود القتل في الخامسة ولا يصح، إنما الصحيح في الرابعة، وذكر الخامسة من حديث ابن عمر (¬3). وقال أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل وفي باب الرَّاء من الكنى منه أبو الرمداء البلوي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا شرب الخمر أربع مرات، فأمرت به فضربت عنقه من رواية ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي سليمان مولى أبي سلمة عن أبي الرمداء البلوي (¬4). وهذا الإسناد لا يحتج به. وقال النسائي من حديث زياد البكاء عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله: فإن عاد الرابعة فأضربوا عنقه، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعيمان أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (5290). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (5300). (¬3) رواه أبو داود (4483). (¬4) الجرح والتعديل (9/ 369). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (5303).

باب في القذف

البخاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه عبد الله وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتِي به يومًا فأمر به فجلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلْعَنُوهُ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬1). باب في القذف الترمذي، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَا يَهُودِيُّ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وإِذَا قَالَ يَا مُخَنَّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحرم فَاقْتُلُوهُ" (¬2). إسناده ضعيف لأنه من رواية إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس. إلا أن أحمد بن حنبل يوثق إبراهيم بن إسماعيل هذا وضعفه غيره. وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم عن داود بن الحصين عن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ يَا يَهُودِيُّ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ" (¬3). مرسل ضعيف جدًا. أبو داود، عن ابن عباس أن رجلًا من بني بكر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مئة وكان بكرًا، ثم سأله البينة على المرأة، فقال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6780). (¬2) رواه الترمذي (1462). (¬3) رواه عبد الرزاق (13745).

كذب والله يا رسول الله، فجلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد الفرية ثمانين (¬1). وعن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها (¬2). إسناد حديث سهل هذا أحسن من إسناد الحديث الذي قبله. أبو داود، عن عائشة قالت: لما نزل عذري قالت: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك وتلى، يعني القرآن، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم (¬3)، وسَمَّاهم ثابت بن حسان ومسطح بن أثاثة، ويقولون أن المرأة حمنة بنت جحش (¬4). وقال الطحاوي: ثمانين ثمانين وهم الذين تولوا كبر ذلك، وقالوا بالفاحشة: حسان ومسطح وحمنة. مسلم، عن أبي بردة الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ" (¬5). أبو داود عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلا الْحُدُود" (¬6). هذا يرويه عبد الملك بن زياد وعطاف بن خالد وهما ضعيفان (¬7). الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَؤُوا الْحُدُودَ عَنِ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4467) والنسائي في الكبرى (7348) وقال: هذا حديث منكر. (¬2) رواه أبو داود (4466). (¬3) رواه أبو داود (4474). (¬4) رواه أبو داود (4475). (¬5) رواه مسلم (1708). (¬6) رواه أبو داود (4375) وهو حديث صحيح انظر سلسلة الصحيحة (2/ 234 - 241). (¬7) رواه عطاف عند العقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 343).

الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ لأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ" (¬1). رواه يزيد بن زياد الدمشقي وهو ضعيف، وأبو حاتم يقول فيه: متروك الحديث. أبو داود، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ" (¬2). قد تقدم الكلام في ضعف هذا الإسناد وانقطاعه. أبو داود، عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة (¬3). بهز بن حكيم وثقه ابن معين وعلي بن المديني. وقال فيه أبو حاتم: شيخ لا يحتج بحديثه. وقال أبو زرعة: بهز بن حكيم صالح ولكنه ليس بالمشهور. أبو داود، عن أزهر بن عبد الله الحرازي أن قومًا من الكلاعين سرق لهم متاع، فاتهموا أناسًا من الحاكة فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحبسهم أيامًا ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان؟ فقال النعمان: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم فإن خَرَجَ متاعكم فذاك وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم فقالوا: هذا حكمك؟ قال: هذا حكم الله ورسوله (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1442). (¬2) رواه أبو داود (4376). (¬3) رواه أبو داود (3630) والترمذي (1417). (¬4) رواه أبو داود (4382).

في إسناده بقية بن الوليد عن صفوان، وأحسن حديثه ما كان عن يحيى بن سعيد. قال النسائي وأخرج هذا الحديث: هذا حديث منكر لا يحتج بمثله، وإنما أخرجته ليعرف (¬1). أبو داود، عن أبي فراس قال: خطبنا عمر فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به أغير، ذلك فليرفعه إليَّ أقصُّه منه، قال عمرو بن العاص: لو أن رجلًا أدب بعض رعيته أنقصه منه؟ قال أبي: والذي نفس بيده [إلا] أقصه منه وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقص من نفسه (¬2). أبو داود عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَنِ الْمُبْتَلى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ" (¬3). وقال في حديث: "عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ" ولم يقل المبتلى (¬4). وقال: "عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ" (¬5). قال الدارقطني وذكر حديث علي رضي الله عنه: وأنه رواية من روى هذا الحديث موقوفًا على عمر وعلي بن أبي طالب أشبه بالصواب (¬6). وذكر أبو أحمد من حديث جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُتِبَت الصَّلاَةُ عَلَى الْغُلاَمِ إِذَا عَقِلَ، وَالصَّوْمُ إِذَا ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 66) وفي الكبرى (7361). (¬2) رواه أبو داود (4537). (¬3) رواه أبو داود (4398). (¬4) رواه أبو داود (4401). (¬5) رواه أبو داود (4401). (¬6) انظر العلل (3/ 72 - 74 و 192) للدارقطني.

أَطَاقَ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ إِذَا احْتَلَمَ" (¬1). جويبر لا يحتج به أحد، وقد تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي كانا لا يحدثان عنه، ولا يصح سماع الضحاك من ابن عباس. البخاري، عن عبادة بن الصامت قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رهط، فقال: "أبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُصِيبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ الله فَذَلِكَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 122). (¬2) رواه البخاري (6801 و 7213) بهذا اللفظ وله ألفاظ أخرى.

14 - كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مسلم، عن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًا فَاذْبَحْهُ وَإِنْ أَدْركْتَهُ قَد قَتلَ وَلَمْ يَأكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتلَ فَلاَ تَأْ كُلْ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ، فَإِنْ رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِد فِيهِ إِلَّا أثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي المَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ" (¬1). وفي أخرى: "فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُكَ" (¬2). وقال النسائي في هذا الحديث: "فَإِنْ أَدْركْتَهُ لَمْ يقْتلْ فَاذْبَحْ واذْكُرِ اسْمَ اللهِ" (¬3). مسلم، عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المعراض ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1929). (¬2) رواه مسلم (1929). (¬3) رواه النسائي (7/ 179 - 180) وفي الكبرى (4774).

فقال: "إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ" وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلب فقال: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلاَ تَأكُلْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ" قلت: فإن وجدت مع كلبي كلبًا آخر فلا أدري أيهما أخذه قال: "فَلاَ تَأْكُلْ" (¬1). وفي أخرى: فسألته عن صيد الكلب فقال: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أخْذُهُ" (¬2). وفي آخر: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ" (¬3). النسائي، عن عدي بن حاتم أيضًا قال: قلت: يا رسول الله إنا أهل صيد وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين فيتبع الأثر فيجدهُ ميتًا، قال: "إِذَا وَجَدْتَ السَّهْمَ فِيهِ وَلَمْ تَجِدْ أَثَرَ سَبُعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ" (¬4). مسلم، عن أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل من آنيتهم وأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي المعلم أو بكلبي الذي ليس بمعلم، فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك قال: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ فَإِنَّكُمْ بأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأكُلُوا فِيهَا، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّم فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدركْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1929). (¬2) رواه مسلم (1929). (¬3) رواه مسلم (1929). (¬4) رواه النسائي (7/ 193) وفي الكبرى (4812). (¬5) رواه مسلم (1930).

وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يدرك صيده بعد ثلاث: "فَكُلْهُ مَا لَمْ ينْتِنْ" (¬1). وقال الترمذي عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قدور المجوس فقال: "انْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبخوا فِيهَا" (¬2). قال: هذا مشهور من حديث أبي ثعلبة. وقد ذكر الحديث عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن أبي ثعلبة إلا أنه قال: يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب، كما تقدم لمسلم وقال: "إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ" (¬3). ورواه من طريق الحجاج هو ابن أرطاة عن الوليد بن أبي مالك عن عابد الله وهو أبو إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة وقال فيه: قلت: إنّا أهل سفر نمر باليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم. . . . . . الحديث (¬4). أبو داود، عن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيد الكلب: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدَاكَ" (¬5). هذا يرويه داود بن عمرو الدمشقي قال فيه أحمد بن حنبل: مقارب الحديث. وقال فيه أبو حاتم شيخ. وقال أبو زرعة: لا بأس به. ومرة قال فيه ابن معين: مشهور ومرة قال: ثقة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1931). (¬2) رواه الترمذي (1560 و 1796). (¬3) رواه الترمذي (1797). (¬4) رواه الترمذي (1464). (¬5) رواه أبو داود (2852).

ويروى مثل حديث أبي ثعلبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ويروي فيه أيضًا عن عدي بن حاتم، رواه أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة عن الشعبي عن عدي بن حاتم. وأسد بن موسى لا يحتج به عندهم، ويعرف بأسد السنة (¬2). ورواه عن أسد عبد الملك بن حبيب. ورواه سفيان الثوري عن سماك عن مُريِّ بن قطن عن عدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا كَانَ مِنْ كَلْبٍ ضَارٍ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ" قال: قلت: وإن أكل؟ قال: "نَعَمْ" (¬3). وسماك كان يقبل التلقين. ذكر ذلك النسائي وغيره، ولو لم يكن سماك لما صح من أجل مري بن قطن. ذكر هذين الحديثين اللذين قبله أبو محمد. وذكر في الباب عن أبي النعمان عن أبيه قال وأبو النعمان مجهول (¬4). [وفي إسناده الواقدي عن أبي عمر الطائي، قال: وهو مجهول] (¬5). الترمذي، عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي فقال: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2857) والنسائي (7/ 191) وانظر المحلى (6/ 166). (¬2) المحلى (6/ 168). (¬3) المحلى (6/ 166). (¬4) المحلى (6/ 166). (¬5) ما بين المعكوفين ليس في النسخة المغربية، وعبارة ابن حزم فى المحلى (6/ 168) وأما حديث أبي النعمان فمصيبة، فيه الواقدي مذكور بالكذب، عن ابن أخي الزهري وهو ضعيف، عن أبي عمير الطائي ولا يدرى من هو، عن أبي النعمان وهو مجهول. (¬6) رواه الترمذي (1467).

قال: لا نعرفه إلا من حديث مجالد. وعن جابر قال: نهينا عن صيد كلب المجوس (¬1). إسناده ضعيف. أبو داود، عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيد فقال: إني رميته من الليل وأعياني ووجدت سهمي فيه من الغد، وقد عرفت سهمي فقال: "اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَظِيمٌ لَعَلَّهُ أَعَانَكَ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَنْبَذَهَا عَنْكَ" (¬2). هذا مرسل، وفي المراسيل ذكره. وذكرها أبو أحمد بن عدي من حديث حَرَام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ أَنِيسَةِ تَوَحَّشَتْ فَذَكَاتُهَا ذَكَاةُ الْوَحْشِيَةِ" (¬3). وحرام عندهم كما قال الشافعي الرواية عن حزام. مسلم، عن سعيد بن جبير أن قريبًا لعبد الله بن مغفل خذف، قال: فنهاه وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف وقال: "إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ" قال: فعاد فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ثم تخذف لا أكلمك أبدًا (¬4). وعن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِنا لاقو العدو غدًا وليس معنا مُدًى قال: "أَعْجلْ أَوْ أَرْني مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدى الْحَبَشَةِ" قال: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1466). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (383) وعنده أبعدها عنك. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 446 - 447). (¬4) رواه مسلم (1954).

وأصبنا نَهْبَ إبلٍ وغنم فَنَدَّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ اوبلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا كَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا" (¬1). زاد الحميدي: "وكلوه". مالك، عن البهزي واسمه زيد بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء فإذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دَعُوهُ فَإنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ" فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه بين الرفاق، ثم مضى حتى إذا كان بالاثاية بين الرُّويْثةِ والعَرْجِ إذا ظَبْي حاقف في ظل وفيه سهم، فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا أن يقف عنده لا يُرِيبُهُ أحد من الناس حتى يجاوزه (¬2). أبو داود، عن أم كرز قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا" (¬3). مسلم، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير (¬4). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكلُهُ حَرَامٌ" (¬5). وعن أبي ثعلبة قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الأهلية من الحمر (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1968). (¬2) رواه مالك (1/ 255). (¬3) رواه أبو داود (2835). (¬4) رواه مسلم (1934). (¬5) رواه مسلم (1933). (¬6) رواه مسلم (1936).

وعن أنس قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر أصبنا حمرًا خارجًا من القرية فطبخنا منها، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفيت القدور بما فيها وإنها لتفور بما فيها (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن غالب بن أَبْجرُ قال: قلت يا رسول الله أصابتنا السنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال: "أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ فَإِنَّمَا حَرَّمَتْهَا مِنْ أَجْلِ جَوَالِ الْقَرْيَةِ" (¬3). وهذا الحديث ليس بمتصل الإسناد إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن لويْم وهو غير معروف. وفي إسناده أيضًا رجل يقال له عبد الرحمن بن بشر وهو كذلك. وجوال جمع جالة وهي التي تأكل الجلة وهي العُذْرَةُ. أبو داود، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلالة وألبانها (¬4). هذا يرويه محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. ورواه الثوري عن مجاهد مرسلًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1940). (¬2) رواه الترمذي (1795). (¬3) رواه أبو داود (3809 و 3810). (¬4) رواه أبو داود (3785).

وأما النهي عن لبن الجلالة فقد روي من طريق آخر (¬1). وزاد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "وَلاَ تُرْكَب حَتَّى تُعْلَفَ أَربعِينَ لَيْلَةً" (¬2). وفي إسناده إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي وهو ضعيف، وأبوه لا يحتج به. أبو داود، عن عمرو بن زيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها (¬3). البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل (¬4). وقال أبو داود: وأذن لنا في لحوم الخيل (¬5). وذكر من حديث حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل (¬6). وذكر من حديث خالد بن الوليد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حَرَامٌ عَلَيْكُمْ لُحُومُ الْحُمُرِ الأهْلِيَةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا" (¬7). هذا يرويه صالح بن المقدام عن جده المقدام بن معد يكرب عن خالد ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3786) والنسائي (7/ 240) من حديث ابن عباس. (¬2) رواه الدارقطني (4/ 283) وليس في المطبوعة "ولا تركب". (¬3) رواه أبو داود (3807). (¬4) رواه البخاري (5524). (¬5) رواه أبو داود (3788). (¬6) رواه أبو داود (3789). (¬7) رواه أبو داود (3806) بهذا اللفظ.

ولا تقوم به حجة لضعف إسناده ذكر ذلك أبو عمرو بن عبد البر (¬1). ولا يؤخذ من حديث أبي الزبير عن جابر إلا ما ذكر فيه السماع أو كان من رواية الليث عن الزبير. وذكر الترمذي من حديث عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن جابر قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير (¬2). عكرمة مضطرب الحديث عن يحيى بن كثير. وذكر أبو أحمد من حديث خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فخطب الناس فقال: "أَلَّا وَإِنِّي أُحَرِّمُ عَلَيْكُمْ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمَا يُنْحَرُ مِنَ الدَّوَابِّ إلَّا مَا سَمَّى اللهُ تَعَالَى" (¬3). ذكر أبو أحمد تضعيف خالد عن أحمد بن حنبل وقول النسائي فيه ليس بثقة. وذكره أبو حاتم وقال: عنده أحاديث مناكير. وقال فيه أبو زرعة: لا بأس به وهو شامي، وهو خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك واسم أبي مالك هانئ. قال أبو حاتم: وسئل عن يزيد هذا قيل: كان من فقهاء الشام وكان ثقة، وسئل عنه أبو زرعة فأثنى عليه خيرًا. وذكر يزيد بن أبي مالك والد عبد الرحمن ولم يقل فيه أكثر من روى عنه ¬

_ (¬1) التمهيد (10/ 128). (¬2) رواه الترمذي (1478). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 12) وليس في النسخة المطبوعة من الكامل "وما ينحر من الدواب".

أبو إسحاق الهمداني ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وقال فيه أحمد: اسمه يزيد بن عبد الرحمن، وقال: كان فقيه دمشق ومفتيهم. وقال في خالد: لم أر من حديث خالد إلا كلما يحتمل في الرواية أو يرويه ضعيف عنهم فيكون البلاء من الضعيف لا منه. قال أبو أحمد: وقد روى هذا الحديث عن خالد بن معدان ثور بن يزيد ويحيى بن سعيد كذلك. وذكر الترمذي عن إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم بن أبي المخارق، وعن حيان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الضبع فقال: "أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ؟! " وسألته عن أكل الذئب فقال: "أَوَ يَأْكُلُ الذِّئْبَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ" (¬1). ضعف أبو عيسى هذا الإسناد. وقد صح إباحة أكل الضبع بإسناد آخر، وقد تقدم في الحج. أبو داود، عن عقبة بن وهب بن عقبة العامري قال: سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تحل لنا الميتة؟ فقال: "مَا طَعَامُكُمْ؟ " قلنا: نَعْتَبِقُ وَنصطبح. فسره عقبة قال: قدح غدوة وقدح عشية، قال: "ذَاكَ وَأَبِي الْجُوعُ" فأحل لهم الميتة على هذه الحال (¬2). قال ابن عيينة: عقبة بن وهب هذا ما كان من شأنه الحديث. وقال فيه ابن معين: صالح الحديث. وذكر أبو داود من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن رجلًا نزل الحرة ومعه أهله وولده فقال رجل: إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1792). (¬2) رواه أبو داود (3817).

فأمسكها، فوجدها فلم يجد صاحبها، فمرضت فقالت امرأته انحرها فأبى، فنفقت فقالت: اسلخها حتى نقدد لحمها ونأكله، فقال: حتى نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فسأله، فقال: "هَل عِنْدَكَ غِنَى يُغنِيكَ؟ " فقال: لا، قال: "فَكُلُوهَا" قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال: هلّا كنت نحرتها، فقال: استحييت منك (¬1). أبو داود عن ملقام بن التلب قال: صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أسمع لحشرة تحريمًا (¬2). أبو داود، عن عيسى بن نُمَيْلَةَ عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ، فتلى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا. . .} الآية قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خَبِيثَةٌ مِنَ الْخَبَائِث" فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال (¬3). ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد هو ابن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بضب فلم يأكله، فقالت: يا رسول الله ألا نطعمه المساكين قال: "أَنُطْعِمُهُمْ مَا لَمْ نَأْكلْهُ؟ " (¬4). الأشهر في هذا الحديث رواية من رواه عن إبراهيم عن عائشة، ولم يذكر الأسود. ذكر ذلك الدارقطني. مسلم، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، فأتوا بلحم ضب فنادت امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه لحم ضب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا فَإِنَّهُ حَلاَلٌ وَلَكِنهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3816). (¬2) رواه أبو داود (3798). (¬3) رواه أبو داود (3799). (¬4) رواه أحمد (6/ 105 و 123 و 144) وانظر المحلى (6/ 113). (¬5) رواه مسلم (1944).

وعن أنس قال: مررنا فاستفتحنا أرنبًا بمر الظهران فسعوا عليه فَلَغِبُوا، قال: فسعيت حتى أدركتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، فبعث بوركها وَفَخْذَيْهَا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبله (¬1). وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم بن عمر عن عبد الكريم أبي أمية قال: سأل جرير بن أنس الأسلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأرنب فقال: "لاَ آكُلُهَا أُنْبِئْتُ أنَّهَا تَحِيضُ" (¬2). عبد الكريم ضعيف عند الجميع والحديث منقطع أيضًا. وذكر النسائي عن موسى بن طلحة قال: أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأرنب قد شواها رجل، فلما قدمها إليه قال: يا رسول الله إني تركت بهذا دمًا، فتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأكلها، وقال لمن عنده: "كُلُوا فَإِنِّي لَوْ اشْتَهَيْتُهَا أَكَلْتُهَا" (¬3). هذا مرسل. أبو داود، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجراد فقال: "أَكْثَرُ جُنُودِ اللهِ لَا آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ" (¬4). هذا يروى مرسلًا، والذي أرسله قاله أشهر ممن وصله. وقد روي من حديث ثابت بن زهير قال: سمعت نافعًا يحدث عن ابن عمر قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل يسأله عن الضب فقال: "لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلاَ مُحَرِّمِهِ" قال: والجراد، قال: "وَالْجَرَادُ مِثْلُ ذَلِكَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1953). (¬2) رواه عبد الرزاق (8699). (¬3) رواه النسائي (4/ 224). (¬4) رواه أبو داود (3813). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/ 94).

الحديث في الضب مشهور، وإنما الغريب قوله: "والجراد مثل ذلك" وثابت بن زهير يخالف الثقاة ويحدث بالمناكير، ذكر حديثه أبو أحمد. مسلم، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد (¬1). وذكر الدارقطني عن زينب بنت منخل ويقال منجل عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زجر صبياننا عن الجراد وكانوا يأكلونه (¬2). قال: والصواب موقوف. وذكر في المؤتلف والمختلف أن منجلًا -بالجيم- تصحيف. وذكر الدارقطني أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُحِلَّ لَنَا مِنَ الدَّم دَمانِ، وَمِنَ المَيْتَةِ مَيْتَتَانِ، مِنَ الْمَيْتَةِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَمِنَ الدَّمِ الْكَبِدُ وَالطَّحالُ" (¬3). هذا يرويه عبد الله وعبد الرحمن ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن ابن عمر وهما ضعيفان ولا يحتج بهما. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وكان من خيار الناس وأهل الورع والدين عن أبيه عن رجل من الأنصار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل أُذنَي القَلْبِ. رواه إسحاق بن أبي إسرائيل عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير. ورواه عنه أيضًا يحيى بن إسحاق البجلي فقال: عن عبد الله بن يحيى بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1952). (¬2) ورواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 135) قال الذهبي في الميزان (1/ 303) وهذا منكر. (¬3) رواه الدارقطني (4/ 271 - 272).

أبي كثير عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل أذني القلب. قال: ولم أجد فيه، يعني في عبد الله هذا للمتقدمين كلامًا. وقد أثنى عليه إسحاق بن أبي إسرائيل وأرجو أنه لا بأس به ولا أعرف له شيئا ننكره: ألا نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل أذني القلب (¬1). كذا قال: لم أجد للمتقدمين فيه كلامًا، وقد قال فيه أحمد بن حنبل: ثقة لا بأس به. وقال فيه أبو حاتم: صدوق. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عمر بن موسى بن وجيه عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكره مأكل سبع من الشاة: المثانة والمرارة والغدة والأنثيين والحياء والدم (¬2). عمر بن موسى متروك الحديث. وأما تحريم الدم فقد صح بالقرآن، وصح غسله بالخبر المسند الصحيح. مسلم، عن زهدم الْجُرْمي قال: كنا عند أبي موسى فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي، فقال له: هلم فتلكأ، فقال: هلم فإني قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منه (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث غالب بن عبيد الله الجزري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أيامًا ثم يأكلها بعد ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) الكامل (4/ 215 - 216) لابن عدي. وفي المخطوطتين رواه إسرائيل بن أبي إسحاق وهو خطأ صححناه من الكامل. (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 12). (¬3) رواه مسلم (1649). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 5).

غالب بن عبيد الله متروك الحديث. النسائي، عن عبد الله هو ابن عمرو بن العاص يرفعه قال: "مَنْ قَتلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَألَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "حَقُّهَا أَنْ تَذبحَهَا فَتَأْكُلَهَا وَلاَ تَقْطَع رَأْسَهَا فَيُرْمَى بِهَا" (¬1). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَمَّرَ علينا أبا عبيدة بن الجراح نتلقَّى عيرًا لِقُرَيْشٍ، وزودنا جرابًا من تمر لم يَجِد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله، قال: فانطلقنا على ساحل البحر فدفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العَنْبَر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليها شهرًا ونحن ثلاث مئة حتى سمنَّا قال: ولقد رأيتنا نغترف من وَقْبِ عينه بالقلال الدهن، ونتقطع منه القِدَرَ كالثور أو كَقَدْرِ الثور، ولقد أخذ منا أبا عبيدة ثلاثة عشر رجلًا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذنا ضِلَعًا من أضلاعه فأقامه ثم رحل أعظم بعير معنا، فمرّ من تحتها ثم تزودنا من لحمها وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له فقال: "هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ " قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله (¬2). قوله: فأكله، ذكره البخاري أيضًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 239). (¬2) رواه مسلم (1935). (¬3) رواه البخاري (4362).

وذكر أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلاَ تَأْكُلُوهُ" (¬1). إنما يرويه الثقات من قول جابر، وإنما أسند من وجه ضعيف من حديث يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر. ومن حديث عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب وهو ضعيف لم يرو عنه إلا إسماعيل بن عياش (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3815). (¬2) حديث عبد العزيز هذا رواه ابن عدي في الكامل (5/ 285).

15 - كتاب الضحايا

كتاب الضحايا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مسلم، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا" (¬1). وفي لفظ آخر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلاَلُ ذِي الْحَجَّةِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّي" (¬2). هذا الحديث قد روي موقوفًا. قال الدارقطني: وهو الصحيح عندي أنه موقوف. وذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬3). أبو داود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمِرْتُ بِيَوْمِ الأضْحَى عِيدًا جَعَلَهُ اللهُ لِهَذ الأُمَّةِ" فقال الرجل: أرأيت إن لم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1977). (¬2) رواه مسلم (1977). (¬3) انظر إرواء الغليل (4/ 376 - 378).

أجد إلا منيحة أهلي أفأضحي بها؟ قال: "لاَ وَلَكنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِكَ [وَأَظْفَارِكَ وَتَقُصُّ شَارِبَكَ] وَتَحْلقُ عَانَتَكَ فَتِلْكَ تَمَامُ أُضحِيَّتِكَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). وعن حنش قال: رأيت عليًا يضحي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه (¬2). حنش هذا لا يحتج بحديثه. أبو داود، عن أبي رملة واسمه عامر عن مخنف بن سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتِ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيةَ وَعتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ عَنهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ" (¬3). قال أبو داود: العتيرة منسوخة. إسناد هذا الحديث ضعيف وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ فَرْعَ وَلاَ عَتِيرَةَ". وفي هذا الباب عن يحيى بن زرارة بن كريم الحارثي قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ، فِي الْغَنَمِ أُضْحِيَتُهَا وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ إِلَّا وَاحِدَةً". وزرارة هذا لا يحتج بحديثه. وحديثه خرجه النسائي (¬4). وخرج الدارقطني عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ تقْرُبَنَّ مُصَلَّانَا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2789). (¬2) رواه أبو داود (2790). (¬3) رواه أبو داود (2788). (¬4) رواه النسائي (7/ 168 - 169) وفي الكبرى (4552). (¬5) رواه الدارقطني (4/ 285) ولفظه: "من وجد منكم سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" ورواه ابن ماجه (3123) ولفظه "من كان له سعة" الحديث. والحديث رواه الحاكم =

قال: الصواب موقوف. وعن رفاعة بن هرير قال: أخبرنا أبي عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أستدين وأضحي؟ قال: "نَعَمْ فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ" (¬1). قال: هذا إسناد ضعيف. وخرج النسائي عن عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني ما كره أو نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأضاحي، قال: قال فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هكذا بيده، ويدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعُ لاَ تُجْزِئ الأضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوْرُهَا، وَالمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعَهُا". وَالْكَسَيْرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقي" قال: فإني أكره أن يكون نقص في القرن والأذن، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد (¬2). وفي طريق آخر: "الْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنقِي" بدل الكسيرة (¬3). وعن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء (¬4). وفي أخرى: ولا نبواء. وعنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بمقابلة أو مدابَرَة أو شرقاء أو خرقاء أو جذعاء (¬5). وذكر أبو عمر في التمهيد عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري ¬

_ = (2/ 389 و 4/ 231 - 232) وأحمد (2/ 321) وغيرهم. (¬1) رواه الدارقطني (4/ 283) وتمام كلامه وهرير هو ابن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ولم يسمع من عائشة ولم يدركها. (¬2) رواه النسائي (7/ 215). (¬3) رواه النسائي (7/ 215 - 216). (¬4) رواه النسائي (7/ 216 - 217). (¬5) رواه النسائي (7/ 217).

قال: اشتريت كبشًا لأضحي به فأكل الذئب من ذنبه، أو قال: أكل الذئب ذنبه، فسألت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ضَحِّ بِهِ" (¬1). في إسناده جابر بن يزيد الجعفي. وقال أبو عمر في هذا الحديث: ليس إسناده بالقوي، وقال: إن محمد بن قرظة لم يسمع من أبي سعيد الخدري، وكان شعبة يصف جابر بن يزيد بالحفظ ويحسن الثناء عليه. وذكر أبو محمد هذا الحديث قال: فعدا الذئب على ذنبه. وهو أيضًا من حديث جابر (¬2). وذكر أيضًا من حديث حجاج بن أرطاة عن بعض شيوخه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أيضحّى بالبتراء؟ قال: "لاَ بَأْسَ بِهَا" (¬3). وهذا ضعيف ومنقطع. أبو داود عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أن يضحى بعضباء الأذن والقرن (¬4). العضباء، ما قطع النصف فما فوقه، والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها، والشرقاء التي شق أذنها، والخرقاء التي تخرق أذنها للسمة. أبو داود، عن أبي حميد الرعيني قال: أخبرني يزيد ذو مضر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت: يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئًا يعجبني غير ترماء فكرهتها، فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها، قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني؟! قال: نعم إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المُصَفَّرةِ والمستأصلة والبخقاء المشيعة والكسراء، ¬

_ (¬1) التمهيد (20/ 169) ولم أر فيه قوله وليس إسناده بالقوي. (¬2) المحلى (6/ 12). (¬3) المحلى (6/ 12). (¬4) رواه أبو داود (2805).

فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي استؤصل قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفًا وضعفًا، والكسراء الكسيرة (¬1). أبو حميد ويزيد ليسا بمشهورين فيما أعلم، لا أعلم روى عن يزيد إلا أبو حميد ولا عن أبي حميد إلا ثور بن يزيد. وذكر أبو داود أيضًا في المراسيل عن طاوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يكره في الضحايا فقال: "الْعَوْرَاءُ وَالْعَجْفَاءُ وَالْمُصَرَّمَةُ أَطُبَّاؤُهَا كُلُّهَا" (¬2). مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا ضحايا فأصابني جذع، فقلت: يا رسول الله أصابني جذع، فقال: "ضَحِّ بِهِ" (¬3). وفي طريق أخرى: فبقي عتود فذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فقال]: "ضحِّ به أَنْتَ" (¬4). والعتود: الجذع من المعز. وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةَ، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" (¬5). وذكر أبو داود عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له مجاشع من بني تميم، فعزت الغنم فأمر مناديًا فنادى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الشَّيءُ" (¬6). هو مجاشع بن مسعود. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2803). (¬2) رواه أبو داود في المراسيل (376). (¬3) رواه مسلم (1965). (¬4) رواه مسلم (1965). (¬5) رواه مسلم (1963). (¬6) رواه أبو داود (2799).

وذكر أبو محمد من طريق سليمان بن يسار عن مكحول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ضَحُّوا بِالجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ وَالثَّنِيَّةِ مِنْ الْمَعَزِ" (¬1). وهذا مرسل. مسلم، عن البراء بنِ عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ لَيسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ" وكان أبو بردة بن يسارٍ قد ذبح فقال: عندي جذعة خير من مسنة، فقال: "اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" (¬2). وعنه أن خاله أبا بردة ذبح قبل أن يذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه معدوم، وإني عجلت نسكي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعِدْ نُسُكًا". فقال: يا رسول الله إن عندي عناق لبن خير من شاتي لحم فقال: "هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتيَكَ وَلاَ تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" (¬3). وفي طريق آخر: إن عندي جذعة من المعز (¬4). وعن جندب بن سفيان قال: شهدت الأضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ" (¬5). وعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِنَّ ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 21). (¬2) رواه مسلم (1961). (¬3) رواه مسلم (1961). (¬4) رواه مسلم (1961). (¬5) رواه مسلم (1960).

اللهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسنُوا الْقِتْلَة، وإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" (¬1). وذكر الدارقطني عن سالم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، وإِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ (¬2). وهذا الحديث يروى عن الزهري عن سالم عن أبيه، والذي أسنده عنه لا يحتج به. والصحيح عن الزهري مرسلًا وفيه من الزيادة على الحديث الصحيح: أن توارى الشفار عن البهائم. أبو داود، عن المطلب عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشِ، فذبحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: "بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي" (¬3). لا يعرف للمطلب سماعٌ من جابر، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذبح وينحر بالمصلى. خرجه مسلم وغيره (¬4). مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فَأُتُيَ بِهِ ليضحي به فقال: "يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمَدْيَةَ" ثم قال: "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1955). (¬2) ورواه ابن ماجه (3172) وأحمد (2/ 158) رقم (5864) ولم أره في سنن الدارقطني. (¬3) رواه أبو داود (2810). (¬4) رواه أبو داود (2811) وأحمد (2/ 109) رقم (5876) من حديث ابن عمر. ولم أره عند مسلم. بل رواه البخاري (5552).

"بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" ثم ضحى به (¬1). زاد النسائي: ويأكل في سواد (¬2). مسلم، عن أنس قال: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما (¬3). أبو داود، عن أبي عياش رجل من أهل مصر عن جابر بن عبد الله قال: ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين، موجئين، فلما وجههما قال: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأمَّتِهِ بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ" ثم ذبح (¬4). أبو عياش روى عنه خالد بن أبي عمران ويزيد بن أبي حبيب، ولم أسمع فيه بتجريح ولا تعديل. وذكر أبو أحمد عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر عن أبيه عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالجزور، وبالكبش إذا لم يكن جزور، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ الْعُشُرُ" (¬5). عبد الله بن نافع ضعيف وقد تقدم القول فيه. الترمذي، عن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1967). (¬2) رواه النسائي (7/ 220 - 221) وفي الكبرى (4480) من حديث أبي سعيد. (¬3) رواه مسلم (1966). (¬4) رواه أبو داود (2795) وعنده "وأنا من المسلمين". (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 164) ولفظه "في الركاز العشور". (¬6) رواه الترمذي (1501).

قال: حديث حسن غريب. وقد تقدم لمسلم في الحج الاشتراك في الهدي. وذكر الترمذي أيضًا عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن ابن عباس وأبى هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شريطة الشطان (¬2). قال الحسن بن عيسى: وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الودج ثم تترك حتى تموت. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب قال: قال ابن عباس: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذبيحة أن تفرس يعني أن تنخع قبل أن تموت (¬3). قد تقدم ذكر من وثق شهرًا ومن ضعفه. وبه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذبيحة نصارى العرب (¬4). البخاري، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينحر ويذبح بالمصلى (¬5). وعن كعب بن مالك: أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمر بأكلها (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1505). (¬2) رواه أبو داود (2826). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 320). (¬4) رواه ابن عدي (5/ 321). (¬5) رواه البخاري (5552). (¬6) رواه البخاري (5504).

وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن معاذ عن معمر عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في ذبيحة المرأة والصبي والغلام إذا ذكروا اسم الله (¬1). جابر الأول هو الجعفي وقد تقدم ذكره. النسائي، عن سليمان بن يسار عن زَيد بن ثابت أن ذئبًا نَيَّبَ في شاة فذبحوها بمروة، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكلها (¬2). أبو داود، عن عروة بن الزبير عن عائشة أنهم قالوا: يا رسول الله إن هنا أقوامًا حديثو عهدهم بشرك، وإنهم يأتونا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال: "اذْكُرُوا أَنْتُمْ اسْمَ اللهِ وَكُلُوا" (¬3). ورواه مالك ولم يذكر عائشة (¬4). وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجْتَهدُوا إيمَانهُمْ وَكُلُوا". رواه مرسلًا كذلك. وذكر أبو داود عن ثور بن يزيد عن الصلت هو مولى سويد بن متحوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَبيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلاَلٌ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، إنَّهُ إِنْ ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا اسْمَ اللهِ" (¬5). هذا مرسل. وقد أسنده الدارقطني من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْلِمُ ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 239). (¬2) رواه النسائي (7/ 225). (¬3) رواه أبو داود (2829) وهو عند البخاري في مواضع منها (5507). (¬4) رواه مالك (1/ 322 - 323). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (378).

يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ وَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ لِيَأْكُلْ" (¬1). وعن أبي هريرة فيمن نسي التسمية أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمُ اللهِ عَلَى فَمِ كُلِّ مُسْلِمٍ" (¬2). وكلا الحديثين ضعيف. وذكر أبو داود عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" (¬3). وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ قال: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّه" (¬4). عبيد الله بن أبي زياد ضعيف الحديث، وفي إسناد حديث أبي سعيد مجالد بن سعيد وهو ضعيف. ذكرهما جميعًا ابن أبي حاتم. ويروى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين قال: "ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّه أَشْعَرَ أَمْ لَمْ يُشْعِرْ" (¬5). خرجه الدارقطني وإسناده ضعيف، فيه عصام بن يوسف عن مبارك عن مجاهد. وخرج في ذكاة الجنين أيضًا عن أبي هريرة وعلي وابن عباس كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث أبي داود (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 296). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 385) ومن طريقه البيهقي (9/ 240). (¬3) رواه أبو داود (2828). (¬4) رواه أبو داود (2827). (¬5) رواه الدارقطني (4/ 271). (¬6) رواه الدارقطني (4/ 274 - 275).

وله في لفظ الحديث عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الجنين يخرج ميتا قال: "إِنْ شِئْتُمْ فَكُلُوهُ" (¬1). وفي أخرى: "إِذَا سَمَّيْتُمْ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ" (¬2). ولا يحتج أيضًا بأسانيدها كلها. وقال في حديث ابن عمر: والصحيح موقوف. مسلم، عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ" (¬3). الدارقطني، عن جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ" (¬4). أبو داود، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنهما بلغهما أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأَضَاحِي إِلَى هِلاَلِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ بِذَلِكَ" (¬5). هذا مرسل. قال أبو محمد: وبه يقول أبو سلمة وسليمان بن يسار (¬6). ومن طريق بقية بن الزبير عن مبشر بن عبيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذبح بالليل (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 272). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 273). (¬3) رواه مسلم (1978). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 284). (¬5) رواه أبو داود في المراسيل (377). (¬6) المحلى (6/ 41). (¬7) المحلى (6/ 43).

مبشر متروك الحديث. أبو داود، عن أبي العشراء عن أبيه أنه قال: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا من اللبة أو الحلق، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخْذِها لأجْزَأَ عَنْكَ" (¬1). قال أبو داود: لا يصح هذا إلا في المتردية والنافرة (¬2). وذكر العقيلي عن أبي هريرة أن بعيرًا تردى، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطعنوه (¬3). في إسناده يحيى بن المثنى، قال: وهو معروف بنقل الحديث. أبو داود، عن ابن عباس أيضًا قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن معاقرة الأعراب (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادَّخِرُوا ثَلاَثًا، وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ" فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فيها الودك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا ذَاكَ؟ " قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال: "إِنَّمَا نَهَيْتكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا" (¬5). وعن سعيد بن جبير قال: مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا إن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2825). (¬2) الذي في سنن أبي داود "والمتوحش" بدل "والنافرة". (¬3) رواه العقيلي (4/ 432). (¬4) رواه أبو داود (2820). (¬5) رواه مسلم (1971).

باب الفرع والعتيرة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئًا فيه روح غرضًا (¬1). وعن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل شيئًا من الدواب صبرًا (¬2). الترمذي، عن أبي واقد قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهمِ يَجُبُّونَ أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، قال: "مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فهُوَ مَيْتَةٌ" (¬3). قال: هذا حديث حسن غريب. البزار، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيًا شديدًا (¬4). باب الفرع والعتيرة مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ فَرْعَ وَلاَ عَتِيرَةَ" (¬5). الفرع: أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، يعني يذبحونه لآلهتهم. النسائي، عن داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزيد بن أسلم قالوا: يا رسول الله الفرع؟ قال: "الفَرْعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكْهُ حَتَّى يَكُونَ بِكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ تُعْطِيهِ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَتلْصِقَ لَحْمُهُ بِوبَرِهِ فَتُكْفِئَ إِنَاءَكَ وَتُوَلِّهَ نَاقَتكَ" قالوا: يا رسول الله العتيرة قال: "وَالْعَتِيرَةُ حَقٌّ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1958). (¬2) رواه مسلم (1959). (¬3) رواه الترمذي (1480). (¬4) رواه البزار (1282) زوائد الحافظ وصححه الحافظ. (¬5) رواه مسلم (1976). (¬6) رواه النسائي (7/ 168) وفي الكبرى (4551) وسقط "عن جده" من السنن الصغرى.

باب في العقيقة

وعن نبيشة الخير رجل من هذيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ كَيْ تُشبِعَكُمْ فَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْخَيْرِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا، وَإِنَّ هَذ الأَيَّامَ أَيَّامَ أَكلٍ وَشُرْبِ وَذِكْرِ اللهِ" فقال رجل: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: "اذْبَحُوا للهِ فِي أَيِّ شَهْرِ مَا كَانَ، وَبَرُّوا اللهَ وَأَطْعِمُوا فقال رجل: يا رسول الله إنا كنا نُفْرِعٌ فَرعًا في الجاهلية فما تأمرنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي كُلِّ سَائِمَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَرْعٌ تَغْذُو غَنَمُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ وَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإنَّ ذَلِكَ هُوَ خَيْرٌ" (¬1). باب في العقيقة مالك، عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال: "لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ" وكأنه كره الاسم وقال: "مَنْ وُلدَ لَهُ وَلَا فَأَحِبُّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدهِ فَلْيَفْعَلْ" (¬2). قال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم يروى معنى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه ومن حديث عمرو بن شعيب. وقد اختلف فيه على عمرو وأحسن أسانيده ما أسنده عبد الرزاق وقال: أخبرنا داود بن قيس قال: سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال: "لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ" وكأنه كره الاسم، قالوا: يا رسول الله ينسك أحدنا عن ولده؟ قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 170) وفي الكبرى (4556). (¬2) رواه مالك (1/ 328).

عنْ وَلدِهِ فَلْيَفْعَلْ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مِثْلاَنِ، وعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ" (¬1). أبو داود عن أم كرز قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مِثْلاَنِ وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ" (¬2). الترمذي، عن يوسف بن ماهك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة، فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُمْ: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ" (¬3). قال: حديث حسن صحيح. زاد النسائي: "لاَ يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كَانَتْ أَمْ إِنَاثًا" (¬4). خرجه عن أم كرز عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: عن سلمان بن عامر الضبي أن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِي الْغَلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهرِيقُوا عَنْهُ دَماءً وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" (¬5). وعن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى" (¬6). سماع الحسن عن سمرة حديث العقيقة صحيح. ذكر أبو داود هذا الحديث كما ذكره النسائي. وذكره من طريق همام قال: أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن ¬

_ (¬1) التمهيد (4/ 304 - 305) والحديث رواه عبد الرزاق (7961) والنسائي (7/ 162 - 163). (¬2) رواه أبو داود (2836). (¬3) رواه الترمذي (1513). (¬4) رواه النسائى (7/ 165). (¬5) رواه النسائي (7/ 164). (¬6) رواه النسائي (7/ 166).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى" فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به؟ قال: إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفه واستقبلت بها أوداجها، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى تسيل على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق (¬1). هذا وهم من همام، وليس يوجد هذا. وقال غيره: همام ثبت، وقد سبق أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية المذكورة فَوَصَفَهَا. وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَلُوقُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ" يعني في العقيقة (¬2). إبراهيم هذا لا أعلم أحدًا وثقه إلا أحمد بن حنبل وحده، وأما الناس فضعفوه. الترمذي، عن علي رضي الله عنه قال: عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال: "يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً" قال: فوزناه فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم (¬3). قال: ليس إسناده بمتصل. وذكر ابن أيمن من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن كبشًا وعن الحسين كبشًا (¬4). وهو صحيح. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2837). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 234). (¬3) رواه الترمذي (1519). (¬4) ورواه أبو داود (2841) وانظر المحلى (6/ 242) وإرواء الغليل (4/ 379 - 380).

وفيه عن أنس، ذكره ابن الجهم وهو صحيح أيضًا (¬1). وذكر أبو داود من حديث ابن عباس: وكان مولد الحسن في عام أحد، ومولد الحسين في العام الثاني. وكان سماع أم كرز من النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقيقة: "عن الغلام شاتان" الحديث المتقدم ذكره النسائى (¬2). ومولد الحسن والحسين ذكره أبو محمد (¬3). ومن مراسيل أبي داود عن جعفر عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: "أَنْ يَبعَثُوا إِلَى بَيْتِ الْقَابلَةِ مِنْهَا بِرِجْلٍ، وَكلُوا وَأَطْعِمُوا وَلاَ تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا" (¬4). وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الكريم أبي أمية قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ. . . . .} إلى آخر السورة (¬5). أبو داود، عن بريدة قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران (¬6). البزار، عن عائشة بهذا قالت: فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا مكان الدم خلوقًا (¬7). ¬

_ (¬1) ورواه ابن حبان (5309) وأبو يعلى (2945) وغيرهما وانظر المحلى (6/ 242). (¬2) رواه النسائي (7/ 165) وفي الكبرى (4543). (¬3) المحلى (6/ 242). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (379). (¬5) رواه عبد الرزاق (7976). (¬6) رواه أبو داود (2843). (¬7) رواه البزار (1239 كشف الأستار) وأبو يعلى (4521) وابن حبان (5309) وغيرهم.

باب في الختان

أبو داود، عن أبي رافع قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة (¬1). ابن أيمن، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن نفسه بعدما جاءته النبوة (¬2). باب في الختان قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ" فذكر فيها الختان، وقد تقدم في الطهارة (¬3). البخاري، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أنا يومئذ مختون، قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَتَنَ إبْرَاهِيْمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةٍ بِالقَدُّوْمِ" (¬5). قال أبو عمر في التمهيد: روى حجاج بن أرطاة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5105) وانظر إرواء الغليل (4/ 400 - 401). (¬2) المحلى (6/ 239) ورواه عبد الرزاق (7960) والبزار (864) زوائد الحافظ والطبراني في الأوسط (998) والبيهقي (9/ 300) وقال البزار تفرد به عبد الله بن المحرر وهو ضعيف جدًا. (¬3) وهو عند البخاري (6297). (¬4) رواه البخاري (6299 و 6300). (¬5) رواه مسلم (2370) والبخاري (6298).

قال: وهذا الحديث يدور عن حجاج بن أرطاة وليس ممن يحتج به إذا انفرد في حديثه. والذي أجمع عليه المسلمون الختان للرجال (¬1). أبو داود، عن محمد بن حسان قال: نا عبد الوهاب الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ" (¬2). محمد بن حسان رجل مجهول وهو حديث ضعيف. قاله أبو داود. قال: وقد روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بإسناده ومعناه، وليس هو بالقوي. وقد روي مرسلًا، ومعنى لا تنهكي لا تبالغي في الخفض. ¬

_ (¬1) التمهيد (21/ 59) وانظر المعجم الكبير (7/ 273) بتحقيقنا. (¬2) رواه أبو داود (5271).

16 - كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة البزار، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعاء ذكره: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ الجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسُ الضَّجِيعِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْست البَطَانَةِ" (¬1). وعن طلحة بن عبيد الله قال: تمشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنا وهو صائم، فجهده الصوم، فحلبنا له ناقة لنا في قعب وصبينا عليه عسلًا نكرم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند فطره، فلما غابت الشمس ناولناه القعب، فلما ذاقه قال بيده كانه يقول: "مَا هَذَا؟ " قلنا: لبنًا وعسلًا أردنا نكرمك به، قال: "أَكْرَمَكَ الله بمَا أَكْرَمْتَنِي" أو دعوة هذا معناها ثم قال: "مَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللهُ، وَمَنْ بَذَرَ أَفْقَرَهُ اللهُ، وَمَنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اللهُ، وَمَنْ تَجَبَّرَ قَصَمَهُ اللهُ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ" (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طَعَامُ ¬

_ (¬1) رواه البزار (3605 كشف الأستار). (¬2) ورواه أبو داود (1547) والنسائي (8/ 263) وابن ماجه (3354). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (9/ 96) وانظر مسند الشهاب (2/ 5) بتحقيقنا.

الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ" (¬1). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُومِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدِ" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضافه ضيف وهو كافر، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة فشرب حلابها، ثم أمر بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ" (¬3). النسائي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أنَسُ إِنِّي أُرِيدُ الطّعَامَ فَأَطعِمْنِي شَيْئًا" فأتيته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال، قال: "يَا أَنَسُ انْظُرْ رَجْلًا يَأْكُلُ مَعِي" فدعوت زيد بن ثابت فجاء. . . . وذكر الحديث (¬4). مالك، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طَعَامُ الْبَخِيلِ دَاءٌ، وَطَعَامُ السَّخِيِّ شِفَاءٌ" (¬5). هذا من رواية المقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك. البخاري، عن عبد الله بن عمر أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2059). (¬2) رواه مسلم (2060). (¬3) رواه مسلم (2063). (¬4) رواه النسائي (4/ 147) وأحمد (3/ 197). (¬5) ومن طريق مالك رواه الخطيب في كتاب البخلاء (ص 37) وأبو القاسم الخرقي في فوائده وحكم عليه شيخنا بالوضع.

خير؟ فقال: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ" (¬1). مسلم، عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدي تطيش في الصحفة، فقال لي: "يَا غُلاَمُ سَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِيِنكَ وَكُلْ مِمّا يَلِيكَ" (¬2). الترمذي، عن العلاء بن الفضل عن عبيد الله بن عكراش عن أبيه وأكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثريدًا فقال له: "يَا عِكرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ" ثم أتينا بطبق فيه ألوان الرطب أو من ألوان الرطب -عبيد الله شك- قال: فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطبق ثم قال: "يَا عِكْرَاشُ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ" ثم أتينا بماء فغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ومسح ببلل يديه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: "يَا عِكْرَاشُ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ الْنَّارُ" (¬3). قال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل. مسلم، عن جابر بن عبد الله سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكرَ اللهَ عَنْدَ دُخُولهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ لَكُم، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عنْدَ دُخُولهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْركْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ" (¬4). الترمذي، عن عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (28). (¬2) رواه مسلم (2022). (¬3) رواه الترمذي (1848). (¬4) رواه مسلم (2018). (¬5) رواه الترمذي (1858).

قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِيِنهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ" (¬1). زاد حمزة بن محمد في حديث أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: "وَلِيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ" (¬2). البخاري، عن أبي جحيفة قال: كنت عند النبي- صلى الله عليه وسلم -فقال لرجل عنده: "لاَ آكُلُ وَأَنَا متَّكِئٌ " (¬3). أبو داود، عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين عن الجلوس على مائدة فيها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه (¬4). لم يسمعه جعفر من الزهري. وعن أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكَّينِ فَإنَّهُ مِنْ فِعْل الأعَاجِمِ، وَانهَسُوهُ فَإنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ" (¬5). قال أبو داود: ليس هذا بالقوي. وقال: عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، فأخذ الشفرة فجعل يَحُزُّ لي بها، قال: فجاء بلال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2020). (¬2) ورواه ابن ماجه (3266). (¬3) رواه البخاري (5399). (¬4) رواه أبو داود (3774). (¬5) رواه أبو داود (3778).

فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: "مَا لَهُ تَرِبّت يَدَاهُ" وقام يصلي، وكان شاربي وفي فقصه على سواك، أو قال: أقصه لك على سواك (¬1). وروى المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن سفيان بن فرات وهو ابن عبد الله عن أبي حازم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كره شم الطعام، قال: "إِنَّمَا تَشُمُّ السِّبَاعُ". ذكره أبو أحمد بن عدي وقال: لا أعلم رواه غير المسيب، وقال: قال أبو عروبة: كان المسيب لا يحدث إلا بشيء يعرفه، وكان النسائي حسن الرأي فيه ويقول: يؤذوننا فيه، أي يتكلمون فيه (¬2). وذكر ابن أبي حاتم المسيب هذا فقال: روى عنه أبي وأبو زرعة، سمعت أبي يسأل عنه فقال: صدوق وكان يخطئ كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل (¬3). وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث المنير بن الزبير الشامي عن مكحول عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع (¬4). مكحول لم يسمع من عائشة. وذكر أبو محمد من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل (¬5). وهذا مرسل. الترمذي، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر حديثًا قال: "لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلِيَاْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (188). (¬2) الكامل (6/ 387) لابن عدي. (¬3) الجرح والتعديل (8/ 294) لابن أبي حاتم. (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 469). (¬5) المحلى (6/ 121). (¬6) رواه الترمذي (3218).

قال حديث حسن صحيح. أبو داود، عن وحشي بن حرب أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ" قال: نعم، قال: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ" (¬1). مسلم، عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعامًا فجاءت جارية كأنها تُدْفَعُ، فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لَيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذَتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا" (¬2). زاد في طريق أخرى: ثم ذكر اسم الله وأكل (¬3). أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلاَ يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاَهَا" (¬4). هذا أصح من حديث النسائي عن عبد الله بن بسر وصنعوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثريدة بسمن، فقال: "خُذُوا بِسْم اللهِ" وأشار إلى ذروتها بأصابعه الثلاثة. . . . . . وذكر الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3764). (¬2) رواه مسلم (2017). (¬3) رواه مسلم (2017). (¬4) رواه أبو داود (3772). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (6764).

مسلم، عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاثة أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل الطعام أو الأدام أكل بثلاثة أصابع (¬2). قد وقع ذكر محمد بن عبد الرحمن في الطب، وهذا الحديث ضعيف عن هشام، وقد رواه غير الطفاوي أيضًا. مسلم، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: "إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عَنْهَا الأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَيْطَانِ" وأمرنا أن نَسْلُتَ القصعة قال: "فَإِنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ" (¬3). النسائي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمُ الطَّعَامَ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يَلْعِقَهَا فَإِنَّ آخِرَ الطَّعَامِ فِيهِ بَرَكَةٌ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ بَرَكَةٌ" (¬5). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2032). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 195). (¬3) رواه مسلم (2034). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (6767). (¬5) رواه مسلم (2035).

يَمْسَحَنَّ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا" (¬1). الترمذي، عن مقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِن بَطْنٍ، بِحَسَب ابْنِ آدَمَ أَكْلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ" (¬2). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمْرٌ وَلَمْ يَغْسلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ" (¬3). مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لَيَرْضى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَب الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا" (¬4). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من طعامه قال: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلنا مُسْلِمِينَ" (¬5). وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة فَجاء بخبزٍ وزيتٍ فأكل ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ" (¬6). مسلم، عن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط طعامًا، كان إذا اشتهى أكله، وإن كرهه تركه (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3847). (¬2) رواه الترمذي (2380). (¬3) رواه أبو داود (3852). (¬4) رواه مسلم (2734). (¬5) رواه أبو داود (3850). (¬6) رواه أبو داود (3854). (¬7) رواه مسلم (2064).

الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ" (¬1). قال: حديث حسن غريب. البخاري، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: "لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ" (¬2). النسائي، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا بِالْبَرَكَةِ" (¬3). أبو داود، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ فَأجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ" (¬4). مسلم، عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان رجل من الأنصار يقال له: أبو شعيب وكان له غلام لحام، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف في وجهه الجوع، فقال لغلامه: ويحك اصنع لنا طعامًا لخمسة نفر فإني أريد أن أدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، قال: فصنع ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه خامس خمسة واتَّبَعَهُمْ رجل، فلما بلغ الباب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنَا فَإنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ" قال: بل آذن له يا رسول الله (¬5). وعن أنس أن جارًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسيًا كان طَيِّبِ المرق، فصنع ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2486). (¬2) رواه البخاري (5426 و 5632 و 5831 و 5837). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (300). (¬4) رواه أبو داود (3756). (¬5) رواه مسلم (2036).

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا ثم جاء يدعوه فقال: "وَهَذِهِ؟ " لعائشة فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ" فعاد يدعوه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذهِ؟ " قال: لا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ" ثم عاد يدعوه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذِهِ؟ " قال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله (¬1). وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " قالا: الجوع يا رسول الله، قال: "وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا" فقاموا معه فأتى رجلًا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَيْنَ فُلاَنٌ؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أجد اليوم أكرم أضيافًا مني، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر ورطب وتمر فقال: كلوا من هذه وأخذ المدية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكَ وَالْحَلُوبَ" فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْئَلُنَّ عَن هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمُ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ" (¬2). البخاري، عن أنس قال: كنت غلامًا أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام وعليه دباء، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء، قال: فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه، قال: فأقبل الغلام على عمله، قال أنس: لا أزال أحب الدباء بعدما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع ما صنع (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2037). (¬2) رواه مسلم (2038). (¬3) رواه البخاري (5435).

وقال مسلم: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حول القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ (¬1). وقال: عن أبي ذر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: وضعت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه (¬3). البخاري، عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِسَّاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" (¬4). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأدام، فقالوا: ما عندنا إلا خل فدعا به، فجعل يأكل به ويقول: "نِعْمَ الإدَامُ الْخَلُّ نِعْمَ الإدَامُ الْخَلُّ" (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن محمد بن المغيرة قال: نا مسعر عن محارب قال: أضافني جابر يعني ابن عبد الله فقرب إليَّ خبزًا وخلًا فقال: كُلْ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "حَسْبُ المَرْءِ أنْ يَحْقِرَ مَا قُدِّمَ إِلَيْهِ" وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ" (¬6). قال: تفرد به مسعر فيما أعلم بقوله: "حسب المرء أن يحقر ما قدم إليه" ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2041). (¬2) رواه مسلم (2625). (¬3) رواه مسلم (194). (¬4) رواه البخاري (3411 و 3433 و 3769 و 5418). (¬5) رواه مسلم (2052) وعنده "نعم الأدم الخل". (¬6) الكامل (4/ 218 - 219) لابن عدي.

وعامة أحاديث عبد الله بن محمد بن المغيرة لا يتابع عليه. مسلم، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَجُوعُ أَهْلُ بِيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ" (¬1). وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ" (¬2). وعن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرن بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه. الاستئذان من قول ابن عمر (¬3). البزار، عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ قِرَانِ التَّمْرِ فَأَقْرِنُوا فَقَد وَسَّعَ اللهُ الْخَيْرَ" (¬4). مسلم، عن عبد الله بن بشر قال: نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي فقربنا إليه طعامًا وَوَطْبَةً فأكل منها، ثم أُتِيَ بتمر وكان يأكله ويُلْقِي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى، ثم أُتِي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي وأخذ بلجام دابته ادع الله لنا، فقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَأرْحَمْهُمْ" (¬5). وعن أنس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقعيًا يأكل التمر (¬6). وعنه أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر فجعل يقسمه وهو مُحْتَفِزٌ، فأكل منه أكلًا ذريعًا (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2046). (¬2) رواه مسلم (2047). (¬3) رواه مسلم (2045). (¬4) رواه البزار (1107) زوائد الحافظ وفي إسناده يزيد بن بزيع قال الحافظ: ضعيف. (¬5) رواه مسلم (2042). (¬6) رواه مسلم (2044). (¬7) رواه مسلم (2044).

وفي رواية: أكلًا حثيثًا. وعن عبد الله بن جعفر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل القثاء بالرطب (¬1). أبو داود، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل البطيخ بالرطب ويقول: "يَنْكَسِرُ حَرّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْد هَذَا بِحَرِّ هَذَا" (¬2). وعن ابْنَيْ بسر السُلميين قالا: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمنا له تمرًا وزبدًا، وكان يحب التمر والزبد (¬3). وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج السوس منه (¬4). الذين رووا هذا الحديث مرسلًا عن إسحاق أكثر ممن أسنده (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث مبارك بن سحيم قال: أخبرنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تفتيش التمر وعن شق التمر (¬6). مبارك بن سحيم قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال فيه النسائي: متروك، وكذلك قال فيه غيره أو معناه. أبو داود، عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع تمرة على كسرة وقال: "هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2043). (¬2) رواه أبو داود (3836). (¬3) رواه أبو داود (3837). (¬4) رواه أبو داود (3832). (¬5) رواه أبو داود (3833). (¬6) لم أره في ترجمة مبارك بن سحيم من الكامل فلعله سقط من المطبوع. (¬7) رواه أبو داود (3830) ولفظه أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة. . . الحديث.

وعن أبي الزبير عن جابر قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شعب من الجبل وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمر على ترس أو حَجَفَةٍ، فدعوناه فأكل معنا وما مس ماءً (¬1). ترجم عليه باب طعام الفجأة. الدارقطني، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَخِيْكَ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلاَ تَسْأَلُهْ، وَإِذَا سَقَاكَ فَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلاَ تَسْأَلْهُ". أسنده يحيى بن غيلان وعبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة، وأوقفه غيرهما والموقوف أصوب (¬2). ورواه أبو أحمد من حديث خالد بن مسلم الزنجي حدثني زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. . . . . . ." فذكر بمثله (¬3). وهذا الإسناد لا بأس به، مسلم بن خالد ضعفه ابن المديني ووثقه يحيى بن معين. وقال فيه أبو أحمد: لا بأس به. مسلم، عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْكَمْأةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3762). (¬2) لم أره بهذا اللفظ وبالإسناد الذي ذكره المصنف عند الدارقطني، بل رأيته بهذا اللفظ عند الحاكم (4/ 126) من طريق الحميدي عن سفيان به. ورواه للدارقطني (4/ 258) وأحمد (2/ 399) والحا كم (4/ 126) عن طريق أخرى وبلفظ آخر من حديث أبي هريرة، وهو الذي ذكره المصنف بعد هذا. (¬3) رواه ابن عدي (6/ 309) وانظر ما قبله. (¬4) رواه مسلم (2049).

وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل (¬1). الترمذي، عن أسلم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَاركَةٍ" (¬2). وخرجه أيضًا عن عبد الله بن عيسى عن عطاء الشامي عن أبي أسيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وقال: حديث غريب ولم ينسب عطاء. وقال فيه علي بن المديني: هو عطاء بن يزيد الليثي، ووصف الأزدي الاضطراب في حديث عمر الذي قبل هذا. أبو داود، عن قرة بن أياس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هاتين الشجرتين وقال: "مَنْ أَكَلَهُمَا فَلاَ يَقْرُبَنَّ مَسْجِدَنَا"وقال: "وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَّ آكِلِيهِمَا فَأَمِيتُوهما طَبْخًا" قال: يعني الثوم والبصل (¬4). وقد صح إباحة كلهما نيئًا، وقد تقدم في الصلاة. وذكر أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال: أكلت ثومًا فأتيت مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سبقت بركعة، فلما دخلت المسجد وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريح الثوم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرُبَنا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا" فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله والله لتعطيني يدك، قال: فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر، قال: "إِنَّ لَكَ عُذْرًا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1474). (¬2) رواه الترمذي (1851). (¬3) رواه الترمذي (1852). (¬4) رواه أبو داود (3827). (¬5) رواه أبو داود (3826).

البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ. فَإِن فِي إحْدَى جَنَاحَيْهِ شِفَاءٌ وَفِي الآخَرِ دَاءٌ" (¬1). زاد أبو داود: "وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ" (¬2). رواه من حديث ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3320 و 5782) وعنده تقدم الداء على الشفاء. (¬2) رواه أبو داود (3844).

17 - كتاب الأشربة

كتاب الأشربة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَرِبَ مِنْكُمُ النَّبِيذَ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَو تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا" (¬1). وعن أبي قتادة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خليط التمر والبسر، وعن خليط التمر والزبيب، وعن خليط الزهو والرطب وقال: "انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ" (¬2). وروى ابن المبارك عن وقاء بن أياس عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين شيئين نبيذهما مما يبغي أحدهما على صاحبه، قال: سألته عن الفضيخ فنهاني عنه قال: وكنا نكره المذنب من البسر مخافة أن يكون شيئين وكنا، نقطعه معه (¬3). وقاء بن أياس كوفي هذا يكنى أبا زيد وثقه يحيى بن معين ومرة قال: لم يكن بالقوي، وضعفه يحيى بن سعيد وقد روى عنه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1987). (¬2) رواه مسلم (1988). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 90).

وقال فيه أبو حاتم: صالح الحديث. وهذا الحديث ذكره ابن عدي. وذكر أبو داود عن عائشة قالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب، فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). في إسناده أبو بحر البكراوي وهو ضعيف عندهم وله في إسناد آخر. والصحيح النهي كما ذكره مسلم وغيره. وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن رديح قال: نا عطاء بن أبي ميمونة عن أم سليم وأبي طلحة أنهما كانا يشربان بنبيذ الزبيب والبسر يخلطانه، فقيل له: يا أبا طلحة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن هذا، قال: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند العوز في ذلك الزمان كما نهى عن الإقران (¬2). قال: عمر بن رديح يخالفه الثقات في بعض ما يرويه. لم يقل فيه أكثر من هذا. وقد ضعفه أبو حاتم. وقال فيه ابن معين صالح الحديث. وقال أبو بكر بن أبي حيثمة نا أحمد بن محمد الصفار قال: نا أبو حفص عمر بن رديح وكان يوثق. مسلم، عن بريدة بن حصيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ نَهَيْتكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الأَدَمِ فَكُلُوا فِي كُلِّ وِعَاء غَيْرَ أَنْ لاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا" (¬3). وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتبذ له أول الليل فيشربه إذا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3708). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 24). (¬3) رواه مسلم (977) كذا في النسختين "إلا في ظروف الأدم" والذي في صحيح مسلم "في ظروف الأدم" بحذف إلا، ورواه أبو داود (3698) كما في النسختين.

أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال: "اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ فَإنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لاَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" (¬2). مسلم، عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة أشياء، من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل، والخمر ما خامر العقل، وثلاثة أشياء وددت أيها الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلينا فيها: الْجَدُّ والكلالة وأبواب من أبواب الربا (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ" (¬4). أبو داود، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَّةِ، وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ" (¬5). مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مسكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2004). (¬2) رواه أبو داود (3716). (¬3) رواه مسلم (3032). (¬4) رواه مسلم (1985). (¬5) رواه أبو داود (3677). (¬6) رواه مسلم (2003).

وعن جابر بن عبد الله أن رجلًا قدم من جيشان، وجيشان من اليمن، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: الْمِزْرُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ مْسُكِرٌ هُوَ؟ "، قال: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسقِيَهُ مِن طِينَةِ الْخَبَالِ" قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: "عَرَقُ أَهْلِ النارِ" أو"عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ" (¬1). أبو داود، عن محمد بن رافع أخبرنا إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت النعمان يقول: عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ مُخَمَّر خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بَخِسَتْ صَلاَتُهُ أَربعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: "صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لاَ يَعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" (¬2). النسائي، عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي وهو عبد الله بن فيروز قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له بالطائف يقال له: الوهط وهو مُخَاصِرٌ فتى من قريش يُزَنُّ ذلك الفتى بشرب الخمر، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ شَرْبَةً لَمْ تُقْبَلْ لَهُ تَوْبَة أَربعِينَ صَبَاحًا، فَإنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإنَ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ أَربعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2002). (¬2) رواه أبو داود (3680). (¬3) رواه النسائي (8/ 317).

ورواه النسائي أيضًا من حديث عثمان بن حصن عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا" (¬1). الدارقطني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَمَنْ شَرِبَهَا لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاَةٌ أَربعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ فِي بَطْنِهِ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً" (¬2). وعن زيد بن خالد قال: تلقفت الخطبة من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك سمعته يقول: "وَالْخَمْرُ جِمَاعُ الإثْمِ" (¬3). وذكر الترمذي في كتاب العلل عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ" (¬4). يرويه محمد بن سليمان الأصفهاني وهو مقارب الحديث، قاله عن البخاري (¬5). الترمذي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" (¬6) وقال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 314). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 248). (¬3) رواه الدارقطني (4/ 247). (¬4) لم أره في ترتيب أبي طالب القاضي لعلل الترمذي وانظر سلسلة الصحيحة (2/ 294). (¬5) ترتيب العلل الكبير للترمذي (2/ 979) لأبي طالب القاضي. (¬6) رواه الترمذي (1865). (¬7) رواه أبو داود (3687).

وعن ديلم بن الهرسع الحميري قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملًا شديدًا، وإنا نتخذ فيها شرابًا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا، فقال: "هَلْ يُسْكِرُ؟ " قلت: نعم، قال: "فاجْتَنِبُوهُ" قلت: فإن الناس عندنا غير تاركيه، قال: "فَإِنْ لَمْ يَتْرْكُوهْ فَقَاتِلُوهُمْ" (¬1). مسلم، عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر، فإذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فجرت في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها فهرقتها. . . . . . وذكر الحديث (¬2). البزار، عن ابن عباس قال: حرمت الخمر لعَيْنِهَا قليلها وكثيرها، والسَّكْرُ من كل شراب. وهذا أصح إسنادًا في السكر. وذكره النسائي أيضًا وفي بعض طرقه: والمسكر من كل شراب. وهذا أصح إسنادًا (¬3). وقد روي مرفوعًا من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي إسناده سعيد بن عمارة عن الحارث بن النعمان. ومن حديث أبي سعيد الخدري وفي إسناده سوار بن مصعب عن عطية العوفي (¬4). وفي حديث علي بن أبي طالب وفي إسناده عبد الرحمن بن بشر الغطفاني. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3683). (¬2) رواه مسلم (1980). (¬3) ورواه النسائي (8/ 321). وأحمد في الأشربة (23 و 109) والطحاوي (2/ 324) والطبراني في الكبير (10837 و 10839 - 10841 و 12389 و 12633). (¬4) المحلى (6/ 180).

وكلهم ما بين ضعيف ومجهول، والصحيح هو الموقوف. وذكر العقيلي عن علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأشربة عام حجة الوداع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَرَّمَ اللهُ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا وَالسّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ" (¬1). يرويه عبد الرحمن بن بشر الغطفاني وهو مجهول في الرواية والنسب وهو مذكور أولًا. وذكر النسائي عن أبي الأحوص عن سماك وهو ابن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلاَ تَسْكَرْوا" (¬2). قال النسائي: هذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلاَّم بن سُلَيْم لا نعلم أن أحدًا تابعه عليه من أصحاب سماك، وسماك ليس بالقوي، وكان يقبل التلقين. ورواه شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشْرَبُوا وَلاَ تَسْكَرُوا" (¬3). وشريك لا يحتج بحديثه ويدلس أيضًا. وروى المشمعل بن ملحان وهو ضعيف عن النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انْتَبِذُوا فِيهَا، يعني في الظروف، فَإِنَّ الظُّرْوفَ لاَ تَحِلُّ شَيْئًا وَلاَ تُحَرِّمُ، وَلاَ تَسْكَرُوا". ¬

_ (¬1) رواه العقيلي (2/ 424). (¬2) رواه النسائي (8/ 319). (¬3) المحلى (6/ 180 - 181).

ذكره أبو محمد (¬1). وزاد فيه أبو أحمد بن عدي قال عمر يا رسول الله ما قولك يا رسول الله: "لاَ تَسْكَرُوا؟ " قال: "يَا عُمَرُ اشْرَبْ فَإِذَا خَشِيتَ فَدَعْ" (¬2). رواه من حديث مشمعل عن النضر وفي باب النضر ذكره، وذكر قول النسائي في النضر أنه متروك، وقال فيه أبو أحمد: ومع ضعفه يكتب حديثه. وروى النسائي عن ابن عمر قال: رأيت رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح من نبيذ وهو عند الركن، فدفع القدح إليه فرفعه إلى فيه فوجده شديدًا فردّه على صاحبه، فقال رجل من القوم: يا رسول الله أحرام هو؟ فقال: "عَلَيَّ بِالرَّجُلِ" فَأُتِيَ به، فأخذ منه القدح ثم دعا بماء، فصبه فيه ثم رفعه إلى فيه فَقَطَّبَ، ثم دعا بماء أيضًا فصب فيه ثم قال: "إِذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الأَوْعِيَةُ فَاكسِرُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ" (¬3). في إسناده عبد الملك بن نافع وليس بمشهور، ولا يحتج بحديثه، ولا يتابع على هذا من روايته، والمشهور عن ابن عمر خلاف حكايته. ذكر هذا كله النسائي. ويقال: عبد الملك بن نافع، ويقال: عبد الملك بن القعقاع وهما واحد، ويقال: رجلان. رواه جرير عن أبي إسحاق الشيباني عن مالك بن القعقاع عن ابن عمر رفعه بمعناه. ذكره الدارقطني وقال: كذا قال مالك بن القعقاع. ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 180 - 181). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 21). (¬3) رواه النسائي (8/ 323 - 324).

وقال غيره: عن عبد الملك بن نافع ابن أخي القعقاع وهو رجل مجهول ضعيف. والصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا أَسْكَرَ قَلِيلِهِ فَكَثِيرُهُ حَرَامٌ" (¬1). وروى النسائي عن أبي مسعود قال: عطش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة فاستسقى، فأُتِيَ بنبيذ من السقاية، فشمه فقطَّب، فقال: "عَلَيَّ بِذَنُوبِ مِنْ زَمْزَمَ" فصب عليه ثم شرب، فقال رجل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لاَ" (¬2). هذا في إسناد يحيي بن اليمان وتفرد به ولا يعرف الحديث إلا من طريقه، ويحيي بن يمان ضعيف لا يحتج به لسوء حفظه وكثرة خطئه، ذكره النسائي وغيره. ويروى عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب قال: عطش النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . فذكره. رواه الثوري عن الكلبي، وحسبك بالكلبي وأبي صالح ضعفاء ولا يعرف الحديث إلا ليحيى بن اليمان كما تقدم، وحديث الكلبي ذكره الدارقطني رحمه الله (¬3). وذكره أبو بكر البزار من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ بِالْمَاءِ" (¬4). وفي إسناده يزيد بن أبي زياد الكوفي وهو ضعيف لا يحتج به. ¬

_ (¬1) سنن الدارقطني (4/ 262). (¬2) رواه النسائي (8/ 325). (¬3) سنن الدارقطني (4/ 261 - 262) وسنن البيهقي (8/ 304). (¬4) المحلى (6/ 182 - 183).

وذكره عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِيَنْبذْ أَحَدُكُمْ فِي سِقَاءِ وَإِذَا خَشِيَ فَلْيُشَجَّجْهُ بِالْمَاءِ" (¬1). وفي إسناده أبان بن عياش. ويروى عن ابن عباس أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي إسناده سماك، قال: اشْرَبُوا فِي السِّقَاءِ، فَإِنْ رَهِبْتُمْ غَلْمَتَهُ فَأَمِدُّوهُ بِالْمَاءِ" (¬2). ذكره ابن أبي شيبة. وروي أيضًا من حديث ابن عباس مرفوعًا، وفي إسناده علي بن بذيمة، وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لوفد عبد القيس. خرجه أبو بكر البزار وأبو داود بمعناه (¬3). وذكر أبو محمد عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بمكة بالنبيذ، فذاقه فقطب فرده، وقيل له: يا رسول إنه شراب أهل مكة، قال: فرده فصب عليه الماء حتى رغى وقال: "حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيِنْهَا، وَالسّكْرِ مِنْ كُلَّ شَرَابٍ" (¬4). وهذا يروى من طريق محمد بن الفرات وهو ضعيف ذكره ابن أبي حاتم. ومن طريق شعيب بن واقد وهو ضعيف عن قيس بن قطن ويقال: إنه مجهول. وذكر من طريق أبي بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" فقال له رجل: إن هذا الشراب ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (16950) وفيه أيضًا رجل مجهول. (¬2) ورواه الطبراني في الكبير (11769). (¬3) رواه أبو داود (3696). (¬4) المحلى (6/ 184).

إذا أكثرنا منه سكرنا، قال: "لَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا شَرِبَ تِسْعَة فَلَمْ يسْكرْ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِذَا شَرِبَ الْعَاشِر فَسَكرَ فَهُوَ حَرَامٌ" (¬1). وهذا إسناد متروك من أجل الكلبي وأبي صالح. وعن علقمة قال: سألت ابن مسعود عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسكر قال: "الشَّرْبَةُ الآخِرَةُ" (¬2). في إسناده الحجاج بن أرطاة. وذكر من طريق سعيد بن منصور عن أبي العلاء بن الشخير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشْرَبُوا مَا لَمْ يُسَفِّهْ أَحْلاَمَكُمْ وَلاَ يُذْهبُ أَمْوَالَكُمْ" (¬3). وهذا مرسل. وذكره عبد الرزاق عن أبي العلاء مرسلًا كذلك (¬4). وحديث الكلبي: "إِذَا شَرِبَ تِسْعَة" ذكره أبو أحمد بن عدي أيضًا (¬5). وحديث علي بن أبي طالب ذكره العقيلي أيضًا (¬6). أبو داود، عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكر ومُفَتِّرٍ (¬7). المفتر: كل شراب يورث الفتور والخدر في أطراف الأصابع وهو مقدمة السكر. أبو داود، عن مالك بن أبي مريم قال: دخلت على عبد الرحمن بن غنم ¬

_ (¬1) المحلى (6/ 184). (¬2) المحلى (6/ 185). (¬3) المحلى (6/ 185). (¬4) رواه عبد الرزاق (17012). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 117). (¬6) رواه العقيلي (4/ 123 - 124). (¬7) رواه أبو داود (3686).

فتذاكرنا الطلاء، فقال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لِيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا" (¬1). زاد ابن أبي شيبة: "يُضْرَبُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنيَّاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأرْضَ" (¬2). روياه جميعًا من حديث معاوية بن صالح الحمصي وقد ضعفه قوم، منهم يحيى بن معين ويحيى بن سعيد فيما ذكره ابن أبي حاتم. وقال أبو حاتم فيه: حسن الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به، ووثقه ابن حنبل وأبو زرعة. الترمذي، عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري والمشترى له (¬3). قال: هذا حديث غريب. مسلم، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الخمر تتخذ خلًا، قال: "لا" (¬4). الترمذي، عن أنس عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي الله إني اشتريت خمرًا لأيتام في حجري، قال: "أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدِّنَانَ" (¬5). في إسناد حديث الترمذي ليث بن أبي سليم. ويروى في كسر جرار الخمر وشق زقاقها عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وأسانيدها ضعيفة، فيها ثابت بن يزيد الخولاني ونُسَيْرُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3688). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (7/ 107) وتمامه "ويجعل منهم القردة والخنازير". (¬3) رواه الترمذي (1295). (¬4) رواه مسلم (1983). (¬5) رواه الترمذي (1293).

ذعْلُوقٍ وابن لهيعة وعمر بن صهبان وغيرهم. وذكر الدارقطني من حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في إهاب الميتة: "إِنَّ دَبَاغَهُ يُحِلُّ كَمَا يُحِلُّ خَمْرُ الخَلِّ" (¬1). تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف. مسلم، عن أنس قال: سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن (¬2). وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" (¬3). زاد الدارقطني: "أَوَ إِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ" خرجه من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). الترمذي، عن كبشة قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب من [في] قربة معلقة قائمًا، فقمت إلى فيها فقطعته (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. كبشة هذه أنصارية إحدى بني مالك بن النجار، وتعرف بالبرصاء. مسلم، عن قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه زجر عن الشرب قائمًا قال قتادة: قلنا: فالأكل؟ قال: "ذَلِكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 266). (¬2) رواه مسلم (2008). (¬3) رواه مسلم (265). (¬4) رواه الدارقطني (265). (¬5) رواه الترمذي (1893). (¬6) رواه مسلم (2024).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقئْ" (¬1). في إسناده عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف. وعن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها (¬2). وعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنفس في الشراب ثلاثًا ويقول: "إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ" قال أنس: وأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا (¬3). النسائي، عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ أَهْنَاُ وَأَمْرَأُ" (¬4). مسلم، عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتنفس في الإناء (¬5). مالك عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النفخ في الشراب، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أَرْوىَ من نفس واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَبِنِ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ وَتَنَفَّسْ" قال: فإني أرى القذاة فيها، قال: "فَأَهْرِقْهَا" (¬6). وذكر الترمذي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شرب تنفس مرتين (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2026). (¬2) رواه مسلم (2023). (¬3) رواه مسلم (2028). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (6887). (¬5) رواه مسلم (267). (¬6) رواه مالك (2/ 221). (¬7) رواه الترمذي (1886).

قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين، وقد ذكر تضعيف رشدين في موضع آخر. وخرج عن ابن عطاء بن أبي رباح عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ" (¬1). قال: هذا حديث غريب. البزار، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الطعام والشراب (¬2). البخاري، عن أنس قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارنا هذه، فاستسقى فحلبنا له شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه فأعطيته، وأبو بكر عن يساره وعمر تجاهه وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر فأعطى الأعرابي فضله ثم قال: "الأَيْمَنُونَ الأيْمَنُونَ أَلاَ فَيَمِّنُوا" قال أنس: فهي سنة فهي سنة ثلاث مرات (¬3). مسلم، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِي هَؤُلاَءِ؟ " فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فَتَلَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده (¬4). وعن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ" يعني شربًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1885). (¬2) رواه البزار (2871 كشف الأستار). (¬3) رواه البخاري (2571) ومسلم (2029). (¬4) رواه مسلم (2030). (¬5) رواه مسلم (681).

أبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الإناء (¬1). في إسناده قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف الحديث. وذكر العقيلي عن معمر بن عبد الله التميمي عن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشاب اللبن بالماء (¬2). قال: معمر منكر الحديث لا يعرف إلا بالنقل وحديثه غير محفوظ. وذكر البزار عن امرئ القيس هو المحاربي عن عاصم بن بجير عن ابن أبي نبيح قال: أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا مَعْشَرَ بَنِي مُحَارِبٍ نَصَرَكُمُ اللهُ لاَ تَسْقُونِي حَلِيبَ امْرَأَةٍ". ليس هذا الإسناد بمعروف والله أعلم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عمر قال: مررنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على برك ماء فجعلنا نكرع فيها، فقال: "لاَ تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ فَاشْرَبُوا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إِنَاءٍ أَطْيَبُ مِنَ الْيَدِ" (¬3). في إسناده ليث بن أبي سليم عن سعيد بن عامر عن ابن عمر. وسعيد هذا لا يعرف. والصحيح ما خرج البخاري عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شنَةٍ وَإِلّاَ كَرَعْنَا" قال: والرجل يحول الماء في حائطه قال: فقال الرجل: يا رسول الله عندي. . . . . وذكر الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3722) وعنده أن ينفخ في الشراب. (¬2) رواه العقيلي (4/ 205). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (8/ 229). (¬4) رواه البخاري (5621).

البزار، عن ابن عباس قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح قوارير فكان يشرب فيه (¬1). هذا يروى منقطعًا، ووصله مندل بن علي وكان لا بأس به عند بعضهم. أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُسْتَعْذَبُ له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان (¬2). النسائي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، فَعَلَيْكُمْ بِألْبَانِ الْبَقَرِ فَإنَّهَا تَرِمُ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ" (¬3). الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المجثمة ولبن الجلالة، والشرب من في السقاء (¬4). قال: حديث حسن صحيح. البخاري، عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَكْفِئُوا صِبْيَانكُمْ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عَنِ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رْبَّمَا اجْترَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ" (¬5). مسلم، عن جابر أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتشَرُ حِينَئِذٍ، فَاِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتككُمْ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1130) زوائد الحافظ. (¬2) رواه أبو داود (3735). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (6863). (¬4) رواه الترمذي (1825). (¬5) رواه البخاري (3316). (¬6) رواه مسلم (2012).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشِيكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّياطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ" (¬1). وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةَ يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوبَاءِ" (¬2). قال الليث بن سعد: الأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول. مسلم، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتكُمْ حِينَ تنَامُونَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2013). (¬2) رواه مسلم (2014). (¬3) رواه مسلم (2015).

18 - كتاب الزينة واللباس

كتاب الزينة واللباس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مسلم، عن المسور بن مخرمة قال: أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعليّ إزار خفيف، قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ وَلاَ تَمْشُوا عُرَاةً" (¬1). وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبهِ مِثْقَالُ ذَرَّهِ مِنْ كبْر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، قال: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" (¬2). النسائي، عن مالك بن نضلة الجشمي قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا رث الثياب، فقال: "أَلَكَ مَالٌ؟ " قلت: نعم يا رسول الله من كل المال، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (341). (¬2) رواه مسلم (91).

قال: "إِذَا أَتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ" (¬1). أبو داود، عن مهاجر الشامي عن ابن عمر يرفعه: "مَنْ لَبسَ ثَوْب شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلُهُ" (¬2). مهاجر ليس بمشهور، وقبله في الإسناد شريك عن عثمان بن أبي زرعة. وفي طريق أخرى عن ابن عمر مرفوعًا: "ثُمَّ تَلْهَبُ فِيهِ النَّارُ". وذكر أبو داود أيضًا عن أبي المنيب الحرشي عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" (¬3). البخاري، عن البراء بن عازب قال: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار القسم، ونهى عن الشرب في الفضة، ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لبس الحرير والديباج والقسي والاستبرق (¬4). وقال في حديث حذيفة: وعن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه (¬5). زاد مسلم من حديث البراء في ذكر الفضة: "فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ بها فِي الآخِرَةِ" (¬6). وقال: عن ابن عمر قال: رأى عمر عطاردًا التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء، وكان رجلًا يغشى الملوك ويصيب منهم، فقال: يا رسول الله رأيت ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 180 - 181 و 196) وفي الكبرى (9557). (¬2) رواه أبو داود (4029). (¬3) رواه أبو داود (4031). (¬4) رواه البخاري (1239 و 2445 و 5175 و 5635 و 5650 و 5838 و 5849 و 5863 و 6222 و 6654). (¬5) رواه البخاري (5837). (¬6) رواه مسلم (2066).

عطاردًا التميمي يقيم في السوق حلة سيراء فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا يَلْبَس الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ" فلما كان بعد ذلك أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحلل سَيْراء، فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة، وقال: "شَفِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ" قال: فجاء عمر بحلته يحملها، فقال: يا رسول الله بعثت إليّ بهذه الحلة وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت، فقال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا" وأما أسامة فراح في حلته، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرًا عرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله ما تنظر إلي وأنت بعثت بها إليَّ، فقال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكنْ بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَشُقَّهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ" (¬1). وفي طريق آخر: فلبستها يوم الجمعة وللوفد (¬2). السيراء المضلع بالقز. وعن عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير وقال: "مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ" (¬3). النسائي، عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ" (¬4). داود السراج لا أعلم روى عنه إلا قتادة. أبو داود، عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2068). (¬2) رواه مسلم (2068). (¬3) رواه مسلم (2069). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (9607 - 9611).

والله يَمِينٌ أخرى ما كذبني أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامًا يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ"وذكر كلامًا قال: "يُمْسَخُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ" (¬1). الحر هو الزنا، قاله الباهلي، ورُوِيَ الخز بالخاء والزاي، والصواب ما تقدم. مسلم، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر عن أمها قالت: هذه جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجت إليَّ جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسها فنحن نغسلها للمرضى ويُستشفى بها (¬2). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في الْقُمُصِ الحرير في السفر من حكة كانت بهما، أو وجعٍ كان بهما (¬3). وفي رواية: من حكة كانت بهما من غير شك (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لباس الحرير عند القتال (¬5). عيسى بن إبراهيم بن طهمان ضعيف عندهم، بل متروك. أبو داود، عن ابن عباس قال: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4039). (¬2) رواه مسلم (2069). (¬3) رواه مسلم (2076). (¬4) رواه مسلم (2076). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 250).

الْمُصْمَت من الحرير، فأما الْعَلَمَ من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به (¬1). في إسناده خُصَيْف بن عبد الرحمن الخدري وثقه أبو زرعة، ويحيى بن معين يقول فيه: صالح الحديث وضعفه غيرهما. مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليّ ثوبين معصفرين فقال: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ لِبَاسِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهُمَا" (¬2). أبو داود، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية، فالتفت إليّ وعليّ ريطة مضرجة بالعصفر، فقال: "مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟ " فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورًا لهم، فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد، فقال: "يَا عَبْدَ اللهِ مَا فَعَلَتْ الرَّيْطَةُ؟ " فأخبرته فقال: "أَلاَ كسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ الْمُضَرَّجَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِالْمُشَبَّعَةِ وَلاَ الْمُوَرَّدَةِ" (¬3). ورواه من حديث إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن شفعة السمعي عن عبد الله بن عمرو إلا أنه قال: وعليّ ثوب مصبوغ بعصفر مورد (¬4). البخاري، عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المياثر الْحُمْرِ (¬5). أبو داود، عن ابن سيرين عن معاوية بن أبي سفيان قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلاَ النِّمَارَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4055). (¬2) رواه مسلم (4077). (¬3) رواه أبو داود (4066 و 4067). (¬4) رواه أبو داود (4068). (¬5) رواه البخاري (5838). (¬6) رواه أبو داود (4129).

قال: فكان معاوية لا يتهم في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. النسائي، عن أبي أفلح الهمداني عن عبد الله بن زُرَيْرٍ أنه سمع علي بن أبي طالب قال: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي" (¬1). وقال علي بن المديني في هذا الحديث: حديث حسن ورجاله معروفون. وذكر النسائي أيضًا عن أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ أَحَلَّ لإنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَحَرَّمَهُ عَلى ذُكُورِهَا" (¬2). رواه يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد وأبو معاوية ومحمد بن عبيد وحماد بن مسعود عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه من لا يحتج به عن عبيد الله عن نافع عن سعيد عن رجل من أهل العراق عن أبي موسى. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن سعيد عن رجل من أهل العراق عن أبي موسى، واختلف فيه عن أيوب. وذكر الدارقطني أن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى (¬3). وذكر الترمذي هذا الحديث من حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى ولم يذكر بينهما أحدًا. وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 160 و 160 - 161). (¬2) رواه النسائي (8/ 161). (¬3) العلل (7/ 241 - 242) للدارقطني. (¬4) رواه الترمذي (1720).

النسائي، عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الذهب إلا مقطعًا (¬1). وقد خرج المنع من التحلي بالذهب للنساء عن ثوبان وحذيفة وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد وغيرهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). والصحيح الإباحة للنساء، ذكر ذلك النسائي وأبو داود. وقال النسائي أيضًا عن المقدام بن معدي كرب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحرير والذهب وَمَيَاثِرِ النمور (¬3). أبو داود، عن عرفجة بن أسعد أنه قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفًا من وَرِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفًا من ذهب (¬4). أبو داود، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رفَقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمْرٍ" (¬5). وعن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أسامة بن عمير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود السباع (¬6). يروى عن أبي المليح مرسلًا، ذكره الترمذي قال: وهو أصح، يعني المرسل (¬7). النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أقول ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 161 - 162 و 163). (¬2) انظر آداب الزفاف (ص 222 - 238). (¬3) رواه النسائي (7/ 176). (¬4) رواه أبو داود (4232). (¬5) رواه أبو داود (4130). (¬6) رواه أبو داود (4132) والترمذي (1770). (¬7) رواه الترمذي (1771).

نهاكم عن تختم الذهب، وعن لبس القِسيِّ وعن لباس الْمُقَدَّم والمعصفر، وعن القراءة راكعًا (¬1). مسلم، عن البراء قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا مربوعًا بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئًا قط أحسن منه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الحلة إزار ورداء. وذكر أبو داود عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أَرَى هَذهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكمْ؟ " فقمنا سراعًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكسية فنزعناها (¬3). إسناده منقطع وله عن حريث بن الأبج السليحي أن امرأة من بني أسد قالت: كنت يومًا عند زينب امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نصبغ ثيابًا لها بِمَغْرَةٍ، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كره ما فعلت، فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع فاطلع، فلما لم ير شيئًا دخل (¬4). قال أبو داود في إسناد هذا الحديث: نا ابن عوف الطائي نا محمد بن إسماعيل حدثني أبي قال ابن عوف: وقرأت في أصل إسماعيل قال: أخبرنا ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 167). (¬2) رواه مسلم (2337). (¬3) رواه أبو داود (4070). (¬4) رواه أبو داود (4071).

ضمضم عن شريح بن عبيد عن حبيب بن عبيد عن حريث بن الأبلج السليحي. . . . . فذكره. وعن ركانة بن عبد يزيد قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلاَنِسِ" (¬1). إسناده مجهول لا يعرف لبعضهم سماع من بعض. وعن وهب مولى أبي أحمد عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وهي تختمر فقال: "لَيَّةٌ لاَ لَيَّتيْنِ" (¬2). قال أبو داود: معناه لا تعتم مثل الرجل يقول لا تكرره طاقة ولا طاقتين. مسلم، عن عمرو بن حريث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه (¬3). أبو داود، عن سليمان بن خربوذ قال: نا شيخ من أهل المدينة قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: عممني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَدَلَهَا بين يدي ومن خلفي (¬4). أبو داود، عن عبد الله بن عباس قال: لقد رأيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن ما يكون من الحلل (¬5). قال أبو عبيد: الحلل برود اليمن، قال: والحلة إزار ورداء ولا تكون حلة حتى تكون ثوبين. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4078). (¬2) رواه أبو داود (4115). (¬3) رواه مسلم (1359). (¬4) رواه أبو داود (4079). (¬5) رواه أبو داود (4037).

وعن عبد الله بن سعد الدمشقي عن أبيه قال: رأيت رجلًا يتجارا على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال أبو داود: عشرون نفسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أقل أو أكثر لبسوا الخز (¬2). النسائي، عن أبي رثمة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب وعليه بردان أخضران (¬3). مسلم، عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحبرة (¬4). النسائي، عن عائشة أنها جعلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بردة من صوف فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها، وكان يحب الريحة الطيبة (¬5). مسلم، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة إزارًا وكساءً ملبدًا، فقالت: في هذا قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية: إزارًا غليظًا (¬6). وعن عائشة قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود (¬7). المرحَّل الموشى بمثل صور الرجال. والمرجل بالجيم: هو الموشى أيضًا بمثل صور الرجال. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4038). (¬2) قاله بعد الحديث (4039). (¬3) رواه النسائي (8/ 204). (¬4) رواه مسلم (2079). (¬5) رواه النسائي في الكبرى (9661) وأبو داود (4074). (¬6) رواه مسلم (2080). (¬7) رواه مسلم (2081).

الترمذي، عن أم سلمة قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القميص (¬1). وعن أسماء بنت يزيد قالت: كان كم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسغ (¬2). قال: حديث حسن غريب. مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ" (¬3). وعن عائشة قالت: كان وسادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يتكئ عليه من أدم حشوه ليف (¬4). أبو داود، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأيته متكئًا على وسادة على يساره (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: لما تزوجت قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَّخَذْتَ أَنمَاطًا" قلت: وأَنَّى لنا أنماط، قال: "أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ" قال جابر: عند امرأتي نمط فأنا أقول: نَحِّيهِ عني، وتقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا سَتَكُونُ" (¬6). أبو داود، عن عبد الله بن حكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرض جهينة وأنا غلام شاب: "أَنْ لاَ تَسْتَمْتِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَالبٍ وَلاَ عَصَبٍ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1763 و 1764). (¬2) رواه الترمذي (1765). (¬3) رواه مسلم (2084). (¬4) رواه مسلم (2082). (¬5) رواه أبو داود (4143). (¬6) رواه مسلم (2083). (¬7) رواه أبو داود (4127).

قد صح الخبر في الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وقد تقدم في الطهارة. البخاري، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فقال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ" (¬1). النسائي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِزْرءُ الْمُؤمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّارِ، لاَ يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ بَطَرًا" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَا رَجُلٌ يتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (¬3). الترمذي، عن ابن عمر قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: "يُرْيِخنَ شِبْرًا" قالت: إِذًا تكشفت أقدامهن؟ قال: "فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أنس عن عمر قال: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإزار فهو في القميص (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5784). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (9714 - 9717). (¬3) رواه مسلم (2088). (¬4) رواه الترمذي (1731). (¬5) رواه أبو داود (4095).

وعن عكرمة أنه رأى ابن عباس يأتزر فيضع إزاره من مُقَدّمه على ظهر قدميه ويرفع من مؤخره، قلت له: تأتزر هذه الإزرة؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتزرها (¬1). وعن أبي هريرة قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل (¬2). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد، وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره (¬3). الصماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. والاحتباء: احتباء الرجل بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء. مسلم، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بيتًا فِيهِ كلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ" (¬4). وقال البخاري: "وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ" (¬5). وقال أبو داود: "صورة ولا كلب ولا جنب" (¬6). وإسناد مسلم والبخاري أصح وأجل. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4096). (¬2) رواه أبو داود (4098). (¬3) رواه مسلم (2099). (¬4) رواه مسلم (2106) من حديث ابن عباس عن أبي طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) رواه البخاري (3225). (¬6) رواه أبو داود (227 و 4152) من حديث علي بن أبي طالب.

السَّلاَمُ فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرِ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْب، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمثالِ عَلَى الْبَابِ يُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرة وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ" ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . . وذكر الحديث (¬1). مسلم، عن عائشة قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقلبه، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَوِّلي هَذَا عَنِّي فَإنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا" قالت: وكانت لنا قطيفة كنا نقول: علمها حرير وكنا نلبسها (¬2). وعنها قالت: رأيته، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزاته، فأخذت نمطًا فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال: "إِنَّ الله لَمْ يأمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارة وَالطِّينَ" قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفًا فلم يعب ذلك عليَّ (¬3). وعنها في النمرقة التي فيها التصاوير، قالت: فأخذته فجعلته مرْفقتين، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرتفق بهما في البيت (¬4). وعن بُسْر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بشر عبيد الله الخولاني أن أبا طلحة حدثه أن رسول الله ي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ" قال بسْر: فمرض زيد بن خالد فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير، فقلت لعبيد الله: ألم يُحدثنا في التصاوير؟ قال: إنه قال: إلا رقمًا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4158). (¬2) رواه مسلم (2107). (¬3) رواه مسلم (2107). (¬4) رواه مسلم (2107).

في ثوب ألم تسمعه؟ قلت: لا، قال: بل قد ذكرت ذلك (¬1). أبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجد ثوبًا سماه باسمه إما قميصًا أو عمامة ثم يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْد أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مَنْ خَيْرِهِ وَخَيرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ". قال أبو نصرة: وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس أحدهم ثوبًا جديدًا قيل له: تبلي ويخلف الله عز وجل (¬2). البخاري، عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعلي قميص أصفر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَهْ سَنَه". قال عبد الله بن المبارك: وهي بالحبشية "حسنة حسنة" قال: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهَا" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي" (¬3). مسلم، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: "يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةِ مِنْ نَارِ فَيَجْعَلُهَا فِي يَده" فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك فانتفع به، فقال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وذكر الدارقطني عن عطاء بن يزيد عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في يده خاتمًا من ذهب فنزعه بغضب، فلما عقل النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقاه، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يره فقال: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2106). (¬2) رواه أبو داود (4020). (¬3) رواه البخاري (3071). (¬4) رواه مسلم (2090).

هكذا رواه النعمان بن راشد عن الزهري عن عطاء. ورواه الحفاظ من أصحاب الزهري عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتمًا. وهو الصحيح (¬1). أبو داود، عن عائشة قالت: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - حلية من عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معرضًا عنه أو ببعض أصابعه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: "تَحَلِّي بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ" (¬2). مسلم، عن ابن عمر قال: اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ورق فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه فى بئر أريس نقشه محمد رسول الله (¬3). زاد في طرق أخرى: وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه (¬4). قال أبو داود: لم يختلف على عثمان حتى سقط الخاتم من يده. وذكر الدارقطني عن حميد بن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُكْتَبُ فِي الْخَاتَمِ بِالْعَرَبِيَّةِ" (¬5). قال: الصحيح عن حميد عن الحسن مرسلًا. أبو داود، عن أنس قال: كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة كله فصه منه (¬6). مسلم، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتمًا من فضة، ونقش فيه محمد ¬

_ (¬1) العلل (6/ 319 - 320) للدارقطني. (¬2) رواه أبو داود (4235). (¬3) رواه مسلم (2091). (¬4) رواه مسلم (2091). (¬5) قاله أبو داود بعد الحديث (4218). (¬6) رواه أبو داود (4217).

رسول الله، وقال للناس: "إِنِّي اتخَذْتُ خاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَلاَ يَنْقُشْ أَحَدُكُمْ عَلَى نَقْشِهِ" (¬1). وعنه: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورق، وكان فصه حبشيًا (¬2). وعنه أنه أبصر في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم من ورق يومًا واحدًا، قال: فصنع الناس الخواتيم من ورق فلبسوه، فطرح النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم (¬3). وعند النسائي من حديث ابن عبد الله أنه عليه السلام كان يختم به ولا يلبسه (¬4). وذكر أبو داود عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (¬5). قال أبو داود: هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتمًا من ورق ثم ألقاه. والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبيد الله بن محمد العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتاب مما يلي كفه (¬6). قال: هذا متن غريب بهذا الإسناد، وذكر ضعف العرزمي، وأن عامة رواياته غير محفوظة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2092). (¬2) رواه مسلم (2094). (¬3) رواه مسلم (2093). (¬4) رواه النسائي (8/ 195) وفي الكبرى (9551). (¬5) رواه أبو داود (19). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 102).

أبو داود، عن أبي ظبية عبد الله بن مسلم ولا يحتج بحديثه عن عبد الله بن بريدة عن بريدة أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من شبه فقال له: "مَا لِي أَجِدُ مِنكَ رِيحَ الأِصْنَامِ؟ " ثم طرحه وجاء عليه خاتم من حديد فقال: "مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حُلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ " فطرحه فقال: يا رسول الله أي شيء اتخذه؟ قال: "اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلاَ تُتِمَّهُ مِثْقَالًا" (¬1). وعن أياس بن الحارث بن معيقيب عن جده قال: كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديد ملوي عليه فضة (¬2). أياس لا أعلم روى عنه إلا نوح بن ربيعة. وعن الهيثم بن شفي عن صاحب له عن أبي ريحانة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخاتم إلا لذي سلطان (¬3). مسلم، عن أنس قال: كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى (¬4). الترمذي، عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتختم في يمينه (¬5). قال البخاري: هذا أصح شيء روي في هذا الباب. النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخاتم في السبابة والوسطى (¬6). البخاري، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب التيمن ما استطاع في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4223). (¬2) رواه أبو داود (4224). (¬3) رواه أبو داود (4049). (¬4) رواه مسلم (2095). (¬5) رواه الترمذي (1744). (¬6) رواه النسائي (8/ 177) وفي الكبرى (9528).

شأنه كله، في طهوره وترجله وتنعله (¬1). أبو داود، عن عبد الله بن بريدة أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رَحَلَ إلى فضالة بن عبيد، فذكر حديثًا فقال: ما لي أراك شعثًا وأنت أمير الأرض؟ قال، يعني فضالة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، فقال: وما لي لا أرى عليك حذاءً؟ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نحتفي أحيانًا. هذا مختصر (¬2). أبو داود، عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتعل الرجل قائمًا (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها يقول: "اسْتكثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ راكِبًا مَا انْتَعَلَ" (¬4). وعن ابن عمر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها (¬5). البخاري، عن أنس: ان نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لها قبالان (¬6). مسلم، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ وَلاَ تَحْتَبِ فِي إِزر رٍ وَاحِدٍ. . . ." الحديث (¬7). أبو داود، عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا انْقَطَعَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (426). (¬2) رواه أبو داود (4160). (¬3) رواه أبو داود (4135). (¬4) رواه مسلم (2096). (¬5) رواه مسلم (1187). (¬6) رواه البخاري (5857). (¬7) رواه مسلم (2099).

باب في الخضاب

شِسْع أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْشِ فِي نَعْلِ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلحَ شِسْعَهُ وَلاَ يَمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلاَ يَأكُلْ بِشِمَالِهِ" (¬1). مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَليُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا" (¬2). الترمذي، عن عائشة قالت: ربما مشى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نعل واحدة (¬3). في إسناده ليث بن أبي سليم. ورواه من طريق آخر من فعل عائشة، قالت: وهو أصح (¬4). أبو داود، عن ابن عباس قال: من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه (¬5). باب في الخضاب مسلم، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ" (¬6). وعن جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة عام فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غَيرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4137) ورواه مسلم (2099). (¬2) رواه مسلم (2097). (¬3) رواه الترمذي (1777). (¬4) رواه الترمذي (1778). (¬5) رواه أبو داود (4138). (¬6) رواه مسلم (2103). (¬7) رواه مسلم (2102).

النسائي، عن عروة بن الزبير عن أبيه عن النبي عن - صلى الله عليه وسلم - قال: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ" (¬1). رواه أيضًا من حديث عروة عن ابن عمر (¬2). قال: وكلاهما ليس بمحفوظ. وقال الدارقطني: المشهور عن عروة مرسلًا (¬3). أبو داود، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ" (¬4). البخاري، عن [عثمان بن] عبد الله بن موهب قال: دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرات من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - مخضوبًا (¬5). زاد ابن أبي خيثمة بالحناء والكتم. والإسناد واحد (¬6). أبو داود، عن أبي رثمة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو ذو وفرة وبها ردع من حناء وعليه بردان أخضران (¬7). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران (¬8). وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التزعفر للرجال (¬9). ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 137 - 138). (¬2) رواه النسائي (8/ 137). (¬3) العلل (4/ 234 - 235). (¬4) رواه أبو داود (4205). (¬5) رواه البخاري (5897). (¬6) وكذا رواه ابن ماجه (3623). (¬7) رواه أبو داود (4206). (¬8) رواه أبو داود (4210). (¬9) رواه مسلم (2101) من حديث أنس.

أبو داود، عن زيد بن أسلم أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته (¬1). قال أبو عمر بن عبد البر: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن عليه السلام يخضب (¬2). مسلم، عن ابن سيرين قال: سألت أنسًا هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خضب؟ فقال: لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض، قال: فقلت له: فكان أبو بكر يخضب؟ قال: فقال: نعم بالحناء والكتم (¬3). زاد في طريق آخر: واختضب عمر بالحناء. رواه من حديث ثابت عن أنس. وذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يختضب (¬4). أبو داود، عن ابن عباس قال: مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل قد خضب بالحناء، فقال: "مَا أَحْسَنَ هَذَا" ومر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال: "هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا" قال: ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال: "هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ" (¬5). في إسناده حميد بن وهب، قال البخاري فيه: منكر الحديث. أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " [يَكُونُ] قَوْمٌ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4064). (¬2) التمهيد (21/ 80 - 87). (¬3) رواه مسلم (2341). (¬4) رواه مسلم (2341). (¬5) رواه أبو داود (4211).

باب

يَخْضُبُونَ فِي آخر الزَّمان بِالسَّوَادِ كحَوَاصِلِ الحَمَامِ لا يُرِيحُونَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ" (¬1). باب مسلم، عن ابن عباس قال: كان أهل الكتاب يَسْدِلُونَ أشعارهم، وكان المشركون يَفْرُقُون رؤوسهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ثم فرق بعد ذلك (¬2). وذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اخْصُبُوا وَفَرِّقُوا وَخَالِفُوا الْيَهُودَ". وقال في إسناده إسناد صحيح كلهم ثقات. أبو داود، عن عائشة قالت: كنت إذا أردت أن أفرق رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - صَدَعْتُ الفرق من يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه (¬3). الترمذي، عن أم هانئ قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وعليه أربع غدائر (¬4). قال: هذا حديث حسن. مسلم، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شمط مقدمة رأسه ولحيته، فكان إذا ادهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجههْ مثل السيف، قال: لا بل مثل القمر وكان مستديرًا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4212). (¬2) رواه مسلم (2336). (¬3) رواه أبو داود (4189). (¬4) رواه الترمذي (1781) وفي المطبوع من نسختنا زيادة "غريب". (¬5) رواه مسلم (2344).

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريسًا أصابتها حصبة فَتَمَرَّقَ شعرها أفأصله؟ قال: "لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ" (¬1). زاد البخاري: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، قال: "لا" (¬2). النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن تحلق المرأة شعرها [رأسها] (¬3). هذا يرويه همام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي، وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة، فروياه عن قتادة مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث معلى بن عبد الرحمن الواسطي قال: نا عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها على كل حال (¬5). قال: وهذا عن عبد الحميد بهذا الإسناد يرويه معلى، وقال في معلى: أرجو أنه لا بأس به ولم يذكر لأحد فيه قولًا أكثر من ثناء الدقيقي عليه. وذكر أبو حاتم فقال فيه: ضعيف كأن حديثه لا أصل له، وقال مرة: متروك الحديث. النسائي، عن أبن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيًا حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهى عن ذلك فقال: "اتْرُكُوهُ كُلَّهُ أَوِ احْلِقُوهُ كُلَّه" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2122). (¬2) هو في البخاري (5935) بمعنى ذلك. (¬3) رواه النسائي (8/ 130) وفي الكبرى (9297) وفيهما رأسها بدل شعرها. (¬4) العلل (3/ 195) للدارقطني. (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 373). (¬6) رواه النسائي (8/ 130) وفي الكبرى (9296).

وذكر أبو أحمد من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن أن أنس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حلق القفا بالموسى إلا عند الحجامة (¬1). قال أبو أحمد: هذا متن منكر وسعيد بن بشير الغالب عليه الصدق وعلى حديثه الاستقامة، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ" (¬2). البخاري، عن عبد الله بن مسعود: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنفصات والمتفلجات للحُسْنِ المغيرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله عز وجل (¬3). أبو داود في المراسيل، عن عثمان بن الأسود سمع مجاهدًا يوقل: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا طويل اللحية فقال: "لِمَ يُشَوِّهُ أَحَدُكُمْ نَفْسَه؟ " قال: ورأى رجلًا ثائر الرأس يعني شعثًا فقال: "مَهْ أَحْسِنْ إِلَى شَعْرِكَ أَوِ احْلِقْه" (¬4). وفي كتاب أبي داود عن أبي الزناد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَ لَهُ شَعْر فَلْيُكْرِمْه" (¬5). وعن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى رجلًا شعثًا قد تفرق شعره فقال: "أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟ " ورأى رجلًا آخر عليه ثياب ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (3/ 373) إلا أنه فيه عن أنس عن عمر فجعله من مسند عمر. (¬2) رواه مسلم (2124) وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الحديث. وهذا اللفظ للبخاري (5937). (¬3) رواه البخاري (5948) وانظر أيضًا (4886 و 4887 و 5931 و 5939 و 5943). (¬4) رواه أبو داود في المراسيل (448). (¬5) رواه أبو داود (4163).

وسخة فقال: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَه؟ " (¬1). أبو داود، عن قيس بن بشر عن أبيه عن أبي الحنظلية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الرجل خريم الأسدي لَوْلاَ طُولُ جُمَّتِهِ وَإسْبَالُ إِزَارِهِ" فبلغ ذلك خُرَيْمًا فجعل يأخذ شَفْرَةً فقطع بها جُمَّتَهُ إلى أذنيه ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه (¬2). وقال بهذا الإسناد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يقول]: "إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأصلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى يكونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ" (¬3). الحديث أطول من هذا لكني اختصرته. وعن شييم بن بيتان الغساني عن شيبَان القتباني عن رويفع بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا رُوَيْفعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ تَطُولُ بِكَ بَعْدِي فَأخْبِر النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيتهُ أَوْ تَقَلَّدَ وِتْرًا أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْم فَإِنَّ مُحَمَّدًا مَنْهُ بَرِيءٌ" (¬4). شَيَيْم بن بيتان ثقة وشيبان لا أعلم روى عنه إلا شييم. ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَة فِي الإِسْلاَمِ إلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وفي آخر يرجع إلى هذا الإسناد: "إِلَّا كَتَبَ اللهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْه بِهَا خَطِيئَةً" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4062). (¬2) رواه أبو داود (4089). (¬3) هو نفس الحديث السابق. (¬4) رواه أبو داود (36). (¬5) رواه أبو داود (4202).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلاَ يَرُدَّهُ فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ" (¬1). وقال مسلم: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ" ولم يذكر الطيب (¬2). البخاري، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد الطيب (¬3). أبو داود، عن أنس أيضًا قال: كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكة يتطيب منها (¬4). وعن الحسن عن عمران بن الحصين أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ أَركَبُ الأرْجُوَانَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْمُعَصْفَر وَلاَ الْقَمِيصَ، الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ" قال: وأومأ الحسن إلى جيب قميصه قال: وقال: "أَلاَ وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لاَ لَوْنَ لَهُ، أَلاَ وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لاَ رِيحَ لَه" (¬5). تكلموا في سماع الحسن من عمران، وحملوا هذا الحديث في المرأة إذا خرجت، وأما إذا كانت في بيتها فتطيب بما شاءت. مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ" (¬6). وعن نافع أن ابن عمر كان إذا استجمر استجمر بِالأُلْوَّة غير مُطَرَّاةٍ، وكافور يطرحه مع الالوة قال: هكذا كان يستجمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). وذكر أبو أحمد من حديث عمر بن حبيب العدوي قال: نا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: سألت أنسًا عن كحل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كان يكتحل في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4172). (¬2) رواه مسلم (2253). (¬3) رواه البخاري (5929). (¬4) رواه أبو داود (4162). (¬5) رواه أبو داود (4048). (¬6) رواه مسلم (2252). (¬7) رواه مسلم (2254).

اليمنى ثنتين وفي اليسرى ثنتين وواحدة بينهما. قال ابن سيرين: هكذا الحديث وإنما أحب أن يكون في هذه ثلاث وفي هذه ثلاث وواحدة بينهما (¬1). قال أبو أحمد: عمر بن حبيب حسن الحديث يكتب حديثه مع ضعفه. النسائي، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِن رِيحِهَا فَهِيَ زانِيَةٌ" (¬2). مسلم، عن أنس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل (¬3). أبو داود، عن حميد الشامي عن سليمان المُنَبِّهى لا أعرفهما عن ثوبان في حديث ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره: "يَا ثَوْبَانُ اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلاَدَةً مِن عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ" (¬4). قال يحيى بن معين في حميد الشامي وسليمان المنبَّهِي: لا أعرفهما، وكذا قال أحمد بن حنبل في حميد: لا أعرفه. قال أبو أحمد: إنما أنكر على حميد هذا الحديث وهو حديثه لا أعلم له غيره (¬5). وذكر أبو داود عن بُنَانَةَ مولاة عبد الرحمن بن حسان الأنصاري عن عائشة قالت: بينما هي عندها إذ دخل عليها بجارية وعليها خلاخل يصوتن فقالت: لا تدخلنها علي إلا أن تقطع جلاجلها، وقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 39). (¬2) رواه النسائي (8/ 153). (¬3) رواه مسلم (2101). (¬4) رواه أبو داود (4213). (¬5) الكامل (2/ 270 - 271) لأبي أحمد بن عدي. (¬6) رواه أبو داود (4231).

باب في الأسماء والكنى

باب في الأسماء والكنى مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمى ملكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَالِكَ إِلَّا اللهِ". قال سفيان بن عيينة: مثل شاهنشاه (¬1). أبو داود، عن أبي وهب الجشمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَمُّوا بِأَسْمَاء الأَنْبِيَاء، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقهُمَا حَارِثٌ وَهُمَامٌ، وَأَصْبَحُهمَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ" (¬2). مسلم، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِله إِلا اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا وَلاَ ربَاحًا وَلاَ نَجيحًا وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلاَ يَكُونُ، فَيَقُولُ: لاَ، إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعٌ فَلاَ تَزِيدَنَّ عَلَيَّ" (¬3). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير اسم عاصية وقال: "أَنْتِ جَمِيلَةٌ" (¬4). وعن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة فحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمها جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند بَرَّة (¬5). وعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي بَرَّةَ فقالت لي زينب ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2143). (¬2) رواه أبو داود (4950). (¬3) رواه مسلم (2137). (¬4) رواه مسلم (2139). (¬5) رواه مسلم (2140).

بنت أبي سلمة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا الاسم وسُميت بَرَّةُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأهْلِ الِبر مِنْكُمْ" قالوا: بم نسميها؟ قال: " [سَمُّوهَا] زَيْنَبَ" (¬1). وعن أنس قال: نادى رجل رجلًا بالبقيع يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إني لم أَعْنِكَ وإنما دعوت فلانًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَمُّوا بِاسْمي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمى محمدًا أبا القاسم (¬3). قال: حديث حسن صحيح. وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أرأيت إن ولد لي بعدك أسَميهِ محمدًا وأكنيه بكنيتك؟ قال: "نَعَمْ" قال: وكانت رخصة لي (¬4). وصح أيضًا هذا الحديث. أبو داود، عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني ولدت غلامًا فسميته محمدًا وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك فقال: "مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي" أو "مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي" (¬5). أصح هذه الأحاديث إسنادًا وأجل حديث مسلم. وذكر أبو أحمد من حديث إسحاق بن نجيح الملطي عن عباد بن راشد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2142). (¬2) رواه مسلم (2131). (¬3) رواه الترمذي (2841). (¬4) رواه الترمذي (2843). (¬5) رواه أبو داود (4968).

عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُولُوا مُسَيْجِد وَلاَ مُصَيْحِفٌ" ونهى عن تصغير الأسماء، وأن يسمى الصبي علوان أو حمدون أو يَغْمُوسُ وكل اسم فيه أوه أو وي (¬1). هذا حديث موضوع، وكان إسحاق هذا كذابًا. أبو داود، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نُغَرٌ يلعب به فمات، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فرآه حزينًا فقال: "ما شَأْنُهُ؟ " قال: مات نغره، فقال: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَل النُّغَيْرُ" (¬2). وعن عائشة أنها قالت: يا رسول الله كل صواحبي لهن كُنَى قال: "فَاكْتَنِي بابنكِ عَبْدِ اللهِ" يعني ابن أختها عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله (¬3). وعن هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْحكَمُ وإلَيْهِ الْحُكَمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَم؟ " فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتَوْني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحْسَنَ هَذَا" قال: "فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ " قال: لي شريح ومسلم وعبد الله، قال: "فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ " قال: قلت: شريح، قال: "فَأَنْتَ أبو شُرَيْحٍ" (¬4). مسلم، عن أسامة بن زيد في حديث ذكره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على سعد بن عبادة فقال: "أَيْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ -يريد ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 331). (¬2) رواه أبو داود (4969). (¬3) رواه أبو داود (4970). (¬4) رواه أبو داود (4955).

باب في السلام والاستئذان

عبد الله بن أبي- قَالَ كَذَا وَكَذَا؟ " قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح (¬1). هو عبد الله بن أبي ابن سلول عظيم المنافقين. مسلم، عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ" (¬2). النسائي، عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدُنَا فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُم" (¬3). البزار، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَمُّونهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ يَسُبُّوْنَهُمْ" (¬4). باب في السلام والاستئذان مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا وَلاَ تُومِنُوا حَتَّى تَحَابوا، أَوَلاَ أَدُلكمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَم بَيْنَكُمْ" (¬5). وعن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ" قالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌّ من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قالوا: وما حقه؟ قال: "غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمِعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1798). (¬2) رواه مسلم (1428). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (244). (¬4) رواه البزار (80/ 2) من النسخة الأزهرية وأبو يعلى (3386) وسنده ضعيف. (¬5) رواه مسلم (54). (¬6) رواه مسلم (2121).

وعن أبي هريرة أن رجلًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ. . . . ." وذكر الحديث (¬1). النسائي، عن جابر بن سليم قال: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: "عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ الْمَيتِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ثَلاَثًا" أي هكذا فقل (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلى الْكَثيرِ" (¬3). وفي طريق آخر: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ" (¬4). الترمذي، عن فضالة بن عبيد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ" (¬5). البزار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلى الْقَاعِدِ، وَالْمَاشِيانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ فَهُوَ أَفْضَلُ" (¬6). أبو داود، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلاَمِ" (¬7). مسلم، عن أنس أنه كان يمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر بصبيان فسلم عليهم (¬8). ¬

(¬1) رواه مسلم (397). (¬2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (317). (¬3) رواه البخاري (6234). (¬4) رواه البخاري (6233). (¬5) رواه الترمذي (2705). (¬6) رواه البزار (1692) زوائد الحافظ وقال: صحيح. (¬7) رواه أبو داود (5197). (¬8) رواه مسلم (2168).

النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلِّمْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأولَى بِأحَقَّ مِنَ الثَّانِيَةِ" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا انْتَهَى أَحَدكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيسَلِّمْ، فَإِذَا أَرادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ" (¬2). وعن سعيد بن خالد الخزاعي عن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا امَرُّوا أَنْ يُسَلَّمَ أَحَدُهمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ" (¬3). يرويه عبد الله بن المفضل عن عبيد الله بن أبي رافع هكذا، ويقال: إنه لم يسمع منه بينه وبينه رجلًا في غير ما حديث. وقد ذكر سعيد السماع في هذا الحديث، ورأيت تضعيف سعيد هذا عن أبي زرعة وأبي حاتم (¬4). الطحاوي، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشون فإذا لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينًا وشمالًا، وإذا التقوا من وراءها سلم بعضهم على بعض (¬5). أبو داود، عن أبي هريرة قال: إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه، فإن حال بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضًا. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (370). (¬2) رواه أبو داود (5208). (¬3) رواه أبو داود (5210). (¬4) في النسخة المغربية وقد ضعف أبو زرعة وأبو حاتم هذا. (¬5) ورواه البخاري في الأدب المفرد (1011) وله طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط (ص 266 مجمع البحرين).

رفعه بإسناد آخر عن أبي هريرة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - (¬1). الترمذي، عن عبد الحميد بن بهرام أنه سمع شهر بن حوشب يقول: سمعت أسماء بنت يزيد تحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم، وأشار عبد الحميد بيده (¬2). شهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وكان البخاري يقوي أمره ويقول: هو حسن الحديث، وكذا قال أبو زرعة لا بأس بحديثه. وشهر بن حوشب تركه شعبة ويحيى بن سعيد وتكلم فيه ابن عون ثم روى عن رجل عنه. وقال النضر: إن شهرًا تركوه أي طعنوا فيه، وإنما طعنوا فيه لأنه كان ولي أمر السلطان، وأحسن حديثه ما كان عن عبد الحميد عنه. ذكر ذلك الترمذي وابن أبي حاتم وغيرهما. الترمذي، أخبرنا قتيبة أخبرنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغيْرِنَا، لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ إِشَارةٌ بِالأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَة بِالأَكُف" (¬3). قال أبو عيسى: هذا حديث إسناده ضعيف. وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة ولم يرفعه. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ قَبْلَ الْكَلاَمِ". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5200) والبخاري في الأدب المفرد (1010) وانظر سلسلة الصحيحة (رقم 186). (¬2) رواه الترمذي (2697). (¬3) رواه الترمذي (2695).

وبإسناد هذا الحديث عن جابر أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدْعوا أَحَدًا إِلَى الطَّعَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ" (¬1). إسناده ضعيف ضعفه الترمذي، وغيره من أجل رواته عنبسة بن عبد الرحمن. ويرويه عنبسة أيضًا عن محمد بن زاذان وهو منكر الحديث. وأحسن من هذا ما ذكره أبو أحمد من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ قَبْلَ السُّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَ مِنْكُمْ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلاَمِ فَلاَ تُجِيبُوهُ" (¬2). وذكر الترمذي أيضًا عن المقدام بن الأسود في حديث قال: فَيَجيءُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان" (¬3). وذكره مسلم (¬4). قال أبو عيسى فيه: حديث حسن صحيح. الترمذي، عن حنظلة بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: "لاَ" قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لاَ" قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نَعَمْ" (¬5). وحنظلة بن عبيد الله هذا يروي مناكير وهذا الحديث مما أنكر عليه، وكان قد اختلط. وقال أبو عيسى في حديثه هذا: حديث حسن. وذكر الدارقطني عن عمرة عن عائشة قالت: لما قدم جعفر من أرض ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2699). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 291). (¬3) رواه الترمذي (1719). (¬4) رواه مسلم (2055). (¬5) رواه الترمذي (2728).

الحبشة خرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعانقه (¬1). هذا في إسناده أبو قتادة الحراني. وقد روي عنها من طريق آخر فيها محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمر (¬2). قال: وكلاهما غير محفوظ وهما ضعيفان. أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح يضحكهم، فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في خاصرته بالعود فقال: أصبرني، قال: "اصْطَبِرْ" قال: إنك عليك قميصًا وليس عليّ قميص، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله (¬3). اصبرني أقدني واصطبر استقد. أبو داود، عن عبد الله بن عمر. . . . . وذكر قصته قال: فدنونا يعني من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلنا يده (¬4). في إسناده يزيد بن أبي زياد الكوفي ولا يحتج به. الترمذي، عن صفوان بن عسال قال: قال يهوديٌّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال صاحبه: لا تقل نبي إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله عتير فسألاه عن تسع آيات بينات فقال لهم: "لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرقُوا وَلاَ تزَنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلاَ تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلى ذِي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلاَ تَسْحَرُوا وَلاَتأكُلُوا الرِّبَا، وَلاَ تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلاَ تُوَلُوا الفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصةً لْيَهُودَ أَلَّا تَعْتَدُوا فِي ¬

_ (¬1) راجع الكامل (4/ 194) لابن عدي. (¬2) راجع الكامل (6/ 220) لابن عدي. (¬3) رواه أبو داود (5224). (¬4) رواه أبو داود (2647).

السَّبْتِ" قال: فقبلوا يده ورجله وقالوا: نشهد أنك نبي قال: "فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتبعُونِي؟ " قالا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبيٌّ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود (¬1). قال: حديث حسن صحيح. البخاري، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ" قالت: قلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا نرى. تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). النسائي، عن عمران بن حصين قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل فسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عَشْرون" ثم جلس ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "عِشْرُونَ" ثم جلس وجاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ثَلاَثُونَ" (¬3). البخاري، عن كعب بن مالك. . . . . . وذكر حديثه وقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، حتى كملت خمسون ليلة. وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن بتوبة الله علينا حتى صلى الفجر (¬4). الترمذي، عن أسامة بن يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود فسلم عليهم (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2733). (¬2) رواه البخاري (3768). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (337). (¬4) رواه البخاري (4418). (¬5) رواه الترمذي (2702).

مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَبْدَأُوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقِ فَاضْطَروهُ إِلَى أَضْيَقِهِ" (¬1). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ: وَعَلَيْكَ" (¬2). وعن عروة عن عائشة قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" قالت: ألم تسمع ما قالوا؟! قال: "قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ" (¬3). وفي رواية: "قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ" بغير واو (¬4). الترمذي، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتِقَيَانِ فَيتصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا" (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن هانئ وهو مجهول عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ صَافَحَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَلْيتوَضَّأ أَوْ لِيَغْسِلْ يَدَهُ" (¬6). رواه عن إبراهيم بقية بن الوليد وليس بابراهيم بن هانئ النيسابوري نزيل بغداد، ذلك ثقة معروف. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عنبسة بن سعيد القطان عن هشام بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2167). (¬2) رواه مسلم (2164). (¬3) رواه مسلم (2165). (¬4) رواه مسلم (2165). (¬5) رواه الترمذي (2727). (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 260).

عروة عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مس يهوديًا فتوضأ (¬1). هذا مختصر، وعبسة بن سعيد هذا أخو أبو ربيع السمان كان صدوقًا وكان لا يحفظ. مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مجلس عند أبي بن كعب، فأتى أبو موسى الأشعري مغضبًا حتى وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإنْ أُذِنَ لَكَ وإِلَّا فَارْجِعْ"؟ قال أبي: وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت، ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فاستأذنت ثلاثًا ثم انصرفت، فقال: قد سمعناك ونحن يومئذ على شغل، فلوما استأذنت حتى يؤذن لك، قال: استأذنت كما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا، قال أبيّ: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنًا، قم يا أبا سعيد، فقمت حتى أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا (¬2). الترمذي، عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأٍ وضغابيس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والنبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى الوادي، قال: فدخلت ولم أسلم ولم أستأذن فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ فَقُلْ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ". وذلك بعدما أسلم صفوان (¬3). قال: حديث حسن غريب. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 265). (¬2) رواه مسلم (2153). (¬3) رواه الترمذي (2710). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 228).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تأذَنُوا لِمَنْ لاَ يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ" (¬1). هذا والذي قبله من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويهما إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف يكتب حديثه مع ضعفه. مالك، عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله رجل فقال: يا رسول الله أستاذن على أمي؟ فقال: "نَعَمْ" فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَأذِنْ عَلَيْهَا، فقال الرجل إني خادمها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَأذِنْ عَلَيْهَا" أتَحِب أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ " قال: لا، قال: "فَاسْتَأذِنْ عَلَيْهَا" (¬2). هكذا رواه مرسلًا عن عطاء. أبو داود، عن عبد الله بن بسر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ". وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور يومئذ (¬3). وذكر أبو أحمد بن عدي عن خارجة بن مصعب عن عبد الحميد بن سهيل عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَابِ سِتْرٌ وَلاَ بَابٌ فَلاَ بَأسَ أَنْ يَطلعَ فِي الدَّارِ" (¬4). خارجة هذا يكتب حديثه، وقد تركه أحمد بن حنبل، ومرة قال فيه ابن معين كذاب ومرة قال: ليس بثقة. وقال مسلم بن الحجاج: سمعت يحيى بن يحيى وسئل عن خارجة بن مصعب فقال: خارجة عندنا مستقيم الحديث ولم نكن ننكر من حديثه إلا ما ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي (1/ 228 - 229). (¬2) رواه مالك (2/ 239 - 240). (¬3) رواه أبو داود (5186). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 55).

كان يدلس فيه غِياث بن إبراهيم، فإنا كنا قد عرفنا تلك الأحاديث فلا يعرض لها (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُه" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد لبنًا في قدح، فقال: "أَبَا هُرَيْرَةَ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَةِ فَادْعُهُمْ إِليَّ"، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذنوا فدخلوا (¬3). مسلم، عن جابر قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعوت فقال: "مَنْ هَذَا؟ " قلت: أنا، فخرج وهو يقول: "أَنَا أَنَا" (¬4). وفي رواية كأنه كره ذلك (¬5). وعن سهل بن سعد أن رجلًا اطلع في جحر في باب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِدْرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُني لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَينكَ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الأذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" (¬6). وعن أنس بن مالك أن رجلًا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص، فكأني انظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يختله ليطعنه (¬7). ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال (8/ 20). (¬2) رواه أبو داود (5189). (¬3) رواه البخاري (6246). (¬4) رواه مسلم (2155). (¬5) رواه مسلم (2155). (¬6) رواه مسلم (2156). (¬7) رواه مسلم (2157).

باب العطاس والتثاؤب

وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ" (¬1). وذكر العقيلي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدَّارُ حَرَمٌ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ حَرَمَكَ فَاقْتُلْهُ" (¬2). وفي إسناد هذا الحديث محمد بن كثير القصاب البصري وهو ضعيف. باب العطاس والتثاؤب مسلم، عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمتُوهُ، فَإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ" (¬3). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُم وَحَمِدَ اللهَ كَانَ حَقًا عَلَى كُل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُد مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" (¬4). وفي طريق آخر: "فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلحُ بَالَكُمْ" (¬5). وقال النسائي: "يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ" (¬6). مسلم، عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطس رجل عنده فقال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2158). (¬2) رواه العقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 130). (¬3) رواه مسلم (2991). (¬4) رواه البخاري (6226). (¬5) رواه البخاري (6224). (¬6) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (212) من حديث علي وسنده ضعيف.

باب

له: "يَرْحَمُكَ اللهُ" ثم عطس أخرى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" (¬1). وقال الترمذي: في الثالثة: "أَنْتَ مَزْكُومٌ" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض بها صوته (¬3). وقال الترمذي: غطى وجهه (¬4). وعن أبي موسى: كان اليهود يتعاطسون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله، فيقول: "يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلحُ بَالَكُمْ" (¬5). باب الترمذي، عن أبي هريرة قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا مضطجعًا على بطنه فقال: "إِنَّ هَذ ضَجْعَةٌ لاَ يُحِبهَا اللهُ" (¬6). أبو داود، عن الشريد بن سويد قال: مرّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهرت واتكأت على ألية يدي قال: "أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟ " (¬7). وعن علي بن شيبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجًى فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" (¬8). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2993). (¬2) رواه الترمذي (2743). (¬3) رواه أبو داود (5029). (¬4) رواه الترمذي (2745). (¬5) رواه أبو داود (5038). (¬6) رواه الترمذي (2768). (¬7) رواه أبو داود (4848). (¬8) رواه أبو داود (5041).

الحجى ها هنا، الحاجز الذي يمنع الماشي أن يقع منه. مسلم، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُقِيمَنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسَ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا" (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" (¬2). وعن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل نفر ثلاثة، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأوى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيي فَاسْتَحْيىَ اللهُ مِنْهُ، وأَمَّا الآخَرُ فَأعرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْه" (¬3). أبو داود، عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من جلس وسط الحلقة (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كَانَ الرَّجُلاَنِ فِي مَجْلِسٍ يَتَحَدَّثَانِ فِي الْفِقْهِ فَلاَ يَجْلِسْ إِلَيْهِمَا الثَّالِثُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمَا" (¬5). تفرد به مسلمة بن عُلَيٍّ الخشني عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عن ابن عمر، ومسلمة بن علي منكر الحديث ضعيفه عندهم. وذكر أبو داود عن قيس بن أبي حازم عن أبيه أنه جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2177) وهو مركب من روايتين. (¬2) رواه مسلم (2179). (¬3) رواه مسلم (2176). (¬4) رواه أبو داود (4826). (¬5) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 313).

يخطب فقام في الشمس، فأمر به فحول إلى الظل (¬1). وعن محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّل فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ" (¬2). هكذا رواه منقطعًا من حديث مخلد بن خالد وابن السرح قالا: نا سفيان عن محمد بن المنكدر، إلا أن مخلدًا قال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْفَيْءِ". ورواه أبو أحمد من حديث عبد الله بن محمد بن المغيرة عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقعد الرجل بين الظل والشمس وقال: "إِنَّهُ مَقْعَدُ الشَّيْطَانِ" (¬3). وإسناد أبي داود هو المشهور، وعبد الله بن محمد بن المغيرة ليس بقوي. وأحسن ما في هذا الباب حديث أبي المنيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مجلسين وملبسين، فأما المجلسان فالجلوس بين الشمس والظل، والمجلس الآخر بأن يحتبي في ثوب يفضي بصرك إلى عورتك، وأما الملبسان فأحدهما المصلي في ثوب واحد لا يتوشح به، وأمّا الآخر فهو أن يصلي في سراويل ليس عليه رداء (¬4). وأبو المنيب وثق وضعف، وحديثه هذا ذكره أبو أحمد وغيره. وذكره أبو داود عن أبي الخصيب زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4822). (¬2) رواه أبو داود (4821). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 218). (¬4) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 329 - 330) والحاكم (4/ 272) ورواه ابن ماجه (3722) والعقيلي مختصرًا.

قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). أبو الخصيب لا أعلم روى عنه إلا عقيل بن طلحة. وعن أبي مجلز قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يتمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬2). ولمسلم من حديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال وقد جاء سعد بن معاذ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" وقد تقدم الحديث بكماله في الجهاد (¬3). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنهُ" (¬4). أبو داود، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يمشي، يعني الرجل بين المرأتين (¬5). هذا يرويه داود بن أبي صالح المزني عن نافع عن ابن عمر ولا يتابع عليه، وبه يعرف. وله فيه لفظ آخر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَقْبَلَتْكَ الْمَرْأَتَانِ فَلاَ تَمُرَّ بَيْنَهُمَا، خُذْ يُمْنَةً أَوْ يُسْرَةً" (¬6). ذكره أبو أحمد بن عدي. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4828). (¬2) رواه أبو داود (5229). (¬3) رواه مسلم (1768). (¬4) رواه مسلم (2184). (¬5) رواه أبو داود (5273) وابن عدي في الكامل (3/ 87 - 88). (¬6) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 88).

باب في ثواب الأمراض وما يصيب المسلم

أبو داود، عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء: "اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ" قال: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به (¬1). في إسناد هذا الحديث شداد بن أبي عمرو بن حَمَّاس عن أبيه. قال الهروي: حققت الطريق وأحققته إذا توسطته، وحاق الطريق: وسطه. وذكر أبو أحمد من حديث بقية عن علي المهدي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذوات الفروج أن يركبن السروج (¬2). علي المهدي هو علي بن علي القرشي وهو مجهول فيما قال أبو أحمد. وقد روى هذا الحديث إسحاق بن نجيح الملطي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةِ تُومِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تَفْرَجَ عَلَى السُّرْجِ" (¬3). وإسحاق بن يحيى معروف بالكذب، ذكر حديثه هذا أبو أحمد أيضًا. باب في ثواب الأمراض وما يصيب المسلم البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُد فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيني مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5272). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 183 - 184). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 330). (¬4) رواه البخاري (5671 و 6351 و 7233).

وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ" (¬1). وفي حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حَتَّى الْهَمّ يَهُمُّهُ" (¬2). الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: "الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأمْثلُ فَالأمْثلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينه، فَإنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بلاَؤُهُ، وإنْ كَانَ فِي دِينهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلى حَسَب دِينهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يتركَهُ يَمْشِي عَلى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُومِنِ وَالْمُؤمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْه" (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب أو أم المسيب قال: "مَا لَكِ تُزَفْزَفينَ؟ " فقالت: الحمى لا بارك الله فيها، قال: "لاَ تَسُبِّي الْحِمّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ بِالْخَطَايَا كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" (¬6). البخاري، عن أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5640) بغير هذا اللفظ، وهذا اللفظ عند مسلم (2572). (¬2) رواه مسلم (2573) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد. (¬3) رواه الترمذي (2398). (¬4) رواه الترمذي (2399). (¬5) رواه البخاري (5645). (¬6) رواه مسلم (2575).

ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ" يريد عينيه (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الوهاب الخفاف عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِنْ كُنُوزِ الْبِرَّ إِخْفَاءُ الصَّدَقَةِ وَكتْمَانُ الْمَصَائِبِ وَالأمْرَاضِ، وَمَنْ بَثَّ فَلَمْ يَصْبِرْ" (¬2). الدارقطني، عن الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ أَنَّ لُحُومَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَهْلِ البَلاَءِ" (¬3). مسلم، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإذَا سَمِعْتُمْ بهِ فِي أَرْضٍ فَلاَ تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأنتُمْ بِهَا فَلاَ تَخرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" (¬4). وعن أنس قال: قال رسول الله: "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلَّ مُسْلِمٍ" (¬5). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ سِتَّينَ إِلَى سَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ" (¬6). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ" قيل: وما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَح لَهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْه" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5653). (¬2) رواه ابن عدي (3/ 234). (¬3) ورواه الترمذي (2402) والطبراني في الصغير (241). (¬4) رواه مسلم (2218). (¬5) رواه مسلم (1916). (¬6) رواه الترمذي (3550) وابن ماجه (4236) وابن حبان (2980). (¬7) رواه مسلم (2162).

باب في الطب

وعن ثوبان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ" (¬1). وفي آخر: قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: "جَنَاهَا" (¬2). أبو داود، عن زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعيني (¬3). وذكر أبو أحمد من حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُعَادُونَ صَاحِبُ الضِّرسِ وصَاحِبُ الرَّمَدِ وَصَاحِبُ الدُّمَلِ" (¬4). وهذا يرويه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف عندهم. البخاري، عن أنس بن مالك قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقعد عند رأسه، فقال له: "أَسْلِمْ" فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ" (¬5). باب في الطب مسلم، عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِكُلِّ دَاءِ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءٌ الدَّاءَ بَرَأَ بِإذنِ اللهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2568). (¬2) رواه مسلم (2568). (¬3) رواه أبو داود (3102). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 313). (¬5) رواه البخاري (1356). (¬6) رواه مسلم (2204).

وروى يحيى بن زهدم بن الحارث عن أبيه قال: حدثني أبي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تكْرهُوا أَرْبَعًا فِإنَّهَا لأرْبَعَةٍ، لاَ تكْرهُوا الرَّمَدَ فَماِئهُ يَقْطَعُ عُرُوقَ الْعَمَى، وَلاَ تكْرهُوا الزُّكَامَ فَإنَّهُ يقْطَعُ عُرُوقِ الْجُذَامِ، وَلاَ تكْرهُوا السُّعَالَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عُرُوقَ الْفَالج، وَلاَ تكْرهُوا الدَّمَامِيلَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عُرُوقَ الْبَرَصِ" (¬1). ذكره أبو أحمد بن عدي. الترمذي، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ" (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن أسماء أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ" وقال: "إِنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" (¬3). الطحاوي، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَشُنَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مِنَ السَّحَرِ ثَلاَثًا" (¬4). وعن ابن عباس قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأبرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ" (¬5). رواه أبو بكر بن أبي شيبة. ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 242). (¬2) رواه الترمذي (2040). (¬3) رواه مسلم (2211). (¬4) رواه الطحاوي في المشكل (2/ 346) والنسائي في الكبرى (7612) وأبو يعلى (3794) والحاكم (4/ 200 و 401). (¬5) رواه الطحاوي في المشكل (2/ 346) والبخاري (3261) والنسائي في الكبرى (7614).

وذكر قاسم بن أصبغ عن أم خالد بنت سعيد قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا حم الزبير أن يبرد له ماء ثم نصبه عليه. مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِهِ عَسَلًا" فسقاه ثم جاءه فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: "اسْقِهِ عَسَلًا" فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا" فسقاه فبرأ (¬1). وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلّا السَّامَ" والسام الموت (¬2). وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ" (¬3). أبو داود، عن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت مرضًا أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني فوضع يده بين ثَدْيَيَّ حتى وجدت بردها على فؤادي فقال: "إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْؤودٌ ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَتَطَبَّبُ، فَلْيَأخذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوة الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَواهُنَّ ثُمَّ لِيُدَّلِكَكَ بِهِنَّ" (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فأشار أن لا تَلدُّوني فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: "لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إلَّا لدَّ غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2217). (¬2) رواه مسلم (2215). (¬3) رواه مسلم (2216). (¬4) رواه أبو داود (3875). (¬5) رواه مسلم (2213).

وعن أم قيس قال: دخلت بابن لي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلقت عليه من العذرة، فقال: "عَلاَمَ تَدْعَوْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذِهِ الْعِلاَقِ، عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِي فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجُنُبِ، وَيُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرء وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجُنُبِ" (¬1). وعن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: "إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء الخبيث (¬3). وذكر الدارقطني عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسقى البهائم الخمر (¬4). الصحيح في هذا موقوف على ابن عمر. الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السّمِّ، وَالْكَمْأة وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ" (¬5). البخاري، عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتد به وجعه قال: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قُرَبٍ لَمْ تَحَللْ أَوْكِيتهُنَّ لَعَلي أعْهَدُ إِلى النَّاسِ" فأجلسنا، في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم طفقنا نصب عليه حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الصلاة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2214). (¬2) رواه مسلم (1984). (¬3) رواه أبو داود (3870). (¬4) ورواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 133 و 247). (¬5) رواه الترمذي (2066). (¬6) رواه البخاري (4442).

الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالسُّعُوطُ وَاللَّدُودُ وَالْمَشْيُ. . . . . ." وذكر الحديث (¬1). أبو داود، عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وَثْءٍ كان به (¬2). الترمذي، عن أسماء بنت عميس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألها: "بِمَ تَسْتَمْشِينَ؟ " قالت: بالشبرم، قال: "حَارُّ جَارٌّ" قالت: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ شَيْئًا كَانَ فِيهِ شَفَاءٌ مِنَ الْمَوْتِ لَكَانَ فِي السَّنَا" (¬3). قال: هذا حديث غريب. يعني دواء المشي. وذكر أبو أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي أخبرنا هشام بن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَنْفَعُ مِنَ الْجُذَامِ أَنْ تَأْخُذَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ كُلَّ يَوْمِ تَفْعُل ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ" (¬4). قال: لا أعلم رواه بهذا الإسناد غير الطفاوي وله غرائب وإفرادات وكلها تحتمل، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا. وقد قال فيه يحيى بن معين: صالح. وقال فيه أبو حاتم: صدوق إلا أنه يهم أحيانًا. وقال فيه أبو زرعة: منكر الحديث. أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ احْتَجَمَ لِسَبع ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2047 و 2048). (¬2) رواه أبو داود (3863). (¬3) رواه الترمذي (2081) وفي نسختنا حسن غريب. (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 195).

عَشَرَةَ وتعَ عَشَرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ" (¬1). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: رُمِيَ أُبَيٌّ يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). البخاري، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ" (¬3). وفي حديث جابر بن عبد الله: "وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ" خرجه مسلم (¬4). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، وَإِنَ خَيْر أَكْحَالِكُمُ الإِثْمدُ يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ" (¬5). زاد الترمذي: وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثًا في كل عين (¬6). مسلم، عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعْرِضوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ" (¬7). وعن أبي سعيد الخدري أن ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في سفر، فمرُّوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم، فلم يضيفوهم فقالوا لهم: هل فيكم راق فإن سيد الحي لديغ أو مصاب؟ فقال رجل منهم: نعم، فأتاه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3861). (¬2) رواه مسلم (2207). (¬3) رواه البخاري (5681). (¬4) رواه مسلم (2205) والبخاري (5683). (¬5) رواه أبو داود (4061). (¬6) رواه الترمذي (1757). (¬7) رواه مسلم (2200).

فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل فأُعطِيَ قطيعًا من غنم، فأبى أن يقبلها وقال: حتى أذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب، فتبسم وقال: "مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" ثم قال: "خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ" (¬1). وقال البخاري من حديث ابن عباس: فقال: يا رسول الله آخذ على كتاب الله أجرًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ" (¬2). أبو داود، عن عقبة بن عامر بينا أنا أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذب بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} ويقول: يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوّذٌ بِمِثْلِهِمَا" قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة (¬3). مسلم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها (¬4). وعنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلا شِفَاؤك شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سُقْمًا" فلما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثقل، أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده عن يدي ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى" قالت: فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2201). (¬2) رواه البخاري (5737). (¬3) رواه أبو داود (1463). (¬4) رواه مسلم (2192). (¬5) رواه مسلم (2192).

وعنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقاه جبريل عليه السلام قال: "بِسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُل دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَمِنْ شَرَّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ" (¬1). وعن عثمان بن أبي العاص أنه شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَألمْ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِسْمِ اللهِ ثَلاَثًا، وَقُلْ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأحَاذِرُ" (¬2). البخاري، عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ويقول: "إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَةِ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمةٍ" (¬3). الترمذي، عن أبي خزامة بن يعمر عن أبيه قال: سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أرأيت رُقى نسترقيها ودواء نتداوى به وَتْقَاةَ نَتَّقِيَها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. وذكر أبو داود عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود كان يقول: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يكره عشر خلال، الصفرة يعني الخلوق، وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب، والتبرج بالزينة لغير محلها، والضرب بالْكِعَابِ والرقى إلا بالمعوذات، وعقد التمائم، وعزل الماء لغيره أو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2185). (¬2) رواه مسلم (2202). (¬3) رواه البخاري (3371). (¬4) رواه الترمذي (2065).

غير محله، وفساد الصبي غير مُحَرِّمِهِ. وقال معتمر: عن أو لغير محله (¬1). عن عبد الرحمن بن حرملة ضعفه البخاري وقال: لا يصح حديثه. ذكر ذلك ابن عدي وليس ذلك أيضًا بمشهور في أصحاب ابن مسعود. مسلم، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَم، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، والنَّبِيّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ وَلَكِن انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيم فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمتكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغيْرِ حِسَابٍ، وَلاَ عَذَابٍ" ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام وَلَمْ يشركوا بالله، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟! " فأخبروه فقال: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أَنْتَ مِنْهُمْ" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "سَبقَكَ بِهَا عكَاشَةُ" (¬2). البخاري، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحر حتى أنه كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا قال: "يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصمِ، قَالَ: فِي أَي شَيْءِ؟ قَالَ: فِي مشْطٍ وَمِشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4222). (¬2) رواه مسلم (220).

تَحْتَ رعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ" قال: فأتى البئر حتى استخرجه؟ فقال: هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ" قالت: فاستخرج، قالت: قلت: أفلا أي تَنَشِّرْتَ؟ فقال: "أَمَا وَاللهِ فَقَدْ شَفَانِي وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا" (¬1). وقال مسلم بن الحجاج: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: "لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا فَأمرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ" (¬2). وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شيْءٌ سَابَقَ الْقَدَر سَبقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" (¬3). مالك، عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فَلُبِطَ سهل، فأتُيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه، فقال: "هَلْ تَتهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟ " قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامر بن ربيعة فتغيط عليه وقال: "عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاة أَلاَ بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَه" فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس (¬4). ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة قال فيه: ثم أمره، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فغسل وجهه وظهور عقبيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3175 و 3268 و 5763 و 5765 و 5766 و 6063 و 6391). (¬2) رواه مسلم (2189). (¬3) رواه مسلم (2188). (¬4) رواه مالك (2/ 228).

وظاهرهما في الإناء، ثم أمره فصب على رأسه، وكفأ الإناء من خلفه، قال: وأمره فحسى منه حسوات فقام فرجع مع الركب. ذكره أبو عمر في التمهيد في حديث ابن شهاب عن أبي أمامة (¬1). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصَحّ" (¬2). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ عَدْوَى وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ" فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها، قال: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ " (¬3). الترمذي، عن المفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة ثم قال: "كُلْ بِسْمِ اللهِ ثِقَّةً بِاللهِ وَتَوَكُّلًا" (¬4). قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد عن المفضل. وروى هذا الحديث شعبة عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن ابن عمر أخذ بيد مجذوم. وحديث شعبة أثبت عندي وأصح. وذكر أبو أحمد من حديث المغيرة بن عبد الرحمن الحذامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا الْمَجْذُومَ كَمَا يُتَّقَى الأَسَدُ" (¬5). ¬

_ (¬1) التمهيد (6/ 234 - 235). (¬2) رواه مسلم (2221). (¬3) رواه مسلم (2220). (¬4) رواه الترمذي (1817). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 356).

باب

أبو داود، عن عكرمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وفيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَرُوهَا ذَمِيمَةً" (¬1). باب مسلمِ، عن بريدة بن حصيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأنَّمَا صَبَغ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" (¬2). مالك، عن أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬3). اختلف في إسناد هذا الحديث. وذكر أبو محمد من طريق عبد الملك بن حبيب قال: حدثني عبد الملك بن الماجشون عن المغيرة عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ مَنْ لَعِبَ بِالْمَيْسَر -يعني النرد والشطرنج- ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي مَثَل الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقيحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يُصَلِّي أَتَقُولُ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَتَه؟! ". ومن طريقه نا أسد بن موسى وعلي بن معبد عن ابن جريج عن حية بن سلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشَّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَنْ لَعِبَ بِهَا وَالنَّاظِرُ إِلَيْهَا كَآكِلِ لَحْمِ الْخَنْزِيرِ". ومن طريق ابن حبيب حدثني الجذامي عن أبي رواد عن أبيه أن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3924). (¬2) رواه مسلم (2260). (¬3) رواه مالك (2/ 237).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الشَّاهُ الَّذِي يَقُولُ قَتَلْتُهُ وَاللهِ أَهْلَكْتُهُ وَاللهِ اسْتأْصَلْتُهُ، وَاللهِ إِفْكًا وَزُورًا وَكَذِبًا عَلَى الله" (¬1). هذه الأحاديث الثلاثة مراسيل وضعاف. وروى حماد بن زيد عن أبي عمران عن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاتَ فَوْقَ إِجَارٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ فوَقَعَ فَمَاتَ، أَوْ ركِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتجَاجِهِ فَهَلَكَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" (¬2). هكذا رواه حماد بن زيد، وغيره يرويه عن أبي عمران عن زهير بن عبد الله موقوفًا وهو الصواب، وزهير ليس له صحبة ذكر هذا كله الدارقطني. وحماد بن زيد جليل حافظ. وذكر أبو داود عن بشر بن أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا" (¬3). قال أبو داود: هذا حديث ضعيف جدًا، بشر أبو عبد الله وبشير مجهولان. الترمذي، عن بريدة بن حصيب قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحًا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلاَ" فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت دفها تحت إستها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 567 - 568). (¬2) انظر الصحيحة (2/ 500 - 502). (¬3) رواه أبو داود (2489).

ليَخَافُ منكَ يَا عُمَرُ، كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة. وفي هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار يغنيان. وفي رواية: يلعبان بدف. وقد تقدم الحديث في العيدين، وتقدم أيضًا في النكاح حديث. البخاري، عن الربيع بنت معوذ في إباحة الغناء في العرس والضرب بالدف. وحديث الترمذي أيضًا. وذكر النسائي عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا عَائِشَةُ تَعْرِفينَ هَذِهِ؟ " قالت: لا يا نبي الله، قال: "هَذِهِ قِينَةُ بَنِي فُلاَنِ تُحَبِّينَ أَنْ تُغَنِّيكِ" فَغَنتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ نَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي مَنْخَرَهَا" (¬2). أبو داود، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ" (¬3). إسناده منقطع. وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3690) وأحمد (5/ 353 و 356). (¬2) رواه النسائي في عشرة النساء (74) وليس عنده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نفخ الشيطان في منخرها. (¬3) رواه أبو داود (4927).

العمري عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ" (¬1). وعبد الرحمن متروك. الترمذي، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره: "لَكِنْ نُهِيتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرثةِ شَيْطَانٍ" (¬2). في إسناده محمد بن أبي ليلى الفقيه وهو سيئ الحفظ لم يحتج به أحد. وقد صح النهي عن خمش الوجوه وشق الجيوب وعن رفع الصوت عند المصيبة بإسناد آخر. وروى فرج بن فضالة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشَرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاَءُ" وذكر فيهن: "وَاتَّخَذُوا القينَاتِ وَالْمَعَازِفَ". وفرج بن فضالة ضعيف جدًا، وقبله في الإسناد ثلاثة مجهولون لاحق بن الحسن وضرار بن علي وأحمد بن عبد الله بن سعيد بن كثير. ذكر هذا الحديث أبو محمد (¬3). وذكر من طريق قاسم بن أصبغ عن كيسان مولى معاوية عن معاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تسع فذكر فيهن الغناء والنوح. وكيسان مجهول لا أعلم روى عنه إلا محمد بن مهاجر (¬4). وذكره بإسناده إلى ابن شعبان قال: حدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 279). (¬2) رواه الترمذي (1005). (¬3) المحلى (7/ 561). (¬4) المحلى (7/ 561 - 562).

أخبرنا محمد بن الغمر بن أبي حماد بحمص ويزيد بن عبد الصمد أخبرنا عبيد بن هشام الحلبي هو أبو نعيم أخبرنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَلَسَ إِلى قِينَةٍ فَسَمعَ مِنْها صُب فِي أُذُنَيْهِ اْلآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). إبراهيم بن عثمان وابن أبي الغمر مجهولان، والحديث مكذوب ولا يصح من حديث مالك. ومن طريق ابن شيبان قال: روى هاشم بن ناصح وعمر بن موسى عن مكحول عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ" (¬2). مكحول لم يلق عائشة، وهاشم بن ناصح مجهول، وعمر بن موسى الذي يروي عن مكحول يقال إنه الوجيهي وكان يضع الحديث. ذكره ابن أبي حاتم. وذكر ابن عدي من حديث يحيى بن العلاء الرازي وأصله مدني سكن ري وهو متروك الحديث قال: حدثني بشر عن نمير أنه سمع مكحولًا يقول: أخبرنا يزيد بن عبد الله عن صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه عمرو بن قرةُ فقال: يا رسول الله كنت على الشقوة ولا أرى أني أرزق إلا بكفي فائذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ آذَنُ لَكَ وَلاَ كَرَامَةَ، وَلَقَدْ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ لَقَدْ رَزقكَ اللهَ طَيِّبًا فَاخْتَرْتَ مَا حَرّمَ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ، وَكَانَ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ مِنْ حَلاَلٍ أَوْلَى بِكَ لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَنَكَلْتُ بكَ، قُمْ وَتُبْ إلَى اللهِ أَمَا واللهِ إِنْ عُدْتَ بَعْدَ التَّقْدِمَةِ ضَرَبْتكَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَحَلَقْتُ رَأْسَكَ مُثْلَةً، وَنَفَيْتُك عَنْ أَهْلِكَ، وَأَحْلَلْتُ سَلَبَكَ نُهْبَةً لِفِتيَانِ ¬

_ (¬1) المحلى (7/ 562 - 563). (¬2) المحلى (7/ 563).

الْمَدِينَةِ" فقام عمرو بن قرة وبه من الخزي والشر ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما قام: "هُمُ الْعَصَابَةُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِغَيُرِ تَوْبَةٍ حَشَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخَنَّثًا عُرْيَانا كُلَّمَا قَامَ صُرعَ. . . . ." وذكر الحديث (¬1). وبشير بن نمير أيضًا ليس بثقة والحديث باطل. وذكر من حديث يزيد بن عبد الملك النوفلي أخبرنا داود بن فراهيج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "النَّظَرُ إِلى الْمُغنيَةِ حَرَامٌ، وَغِنَاؤُهَا حَرَامٌ، وَثَمَنُهَا حَرَام كَثمَنِ الْكَلْبِ سُحْتٌ، وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَإلَى النَّارِ" (¬2). يزيد بن عبد الملك ضعيف، لا أعلم أحدًا وثقه. وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عمر بن يزيد المدائني وهو منكر الحديث سمعت الحسن بن أبي الحسن حدث عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النائحة والمستمعة والمغني والمغنى له (¬3). لا يصح سماع الحسن من أبي هريرة. وذكر أبو محمد من طريق سعيد بن منصور عن حسان بن أبي سنان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ اتَّخَذُوا الْقِينَاتِ وَالْمَعَازِفَ وَالدُّفُوفَ وَيَشْرَبُونَ هَذِهِ الأشْرِبَةَ. . . . ." وذكر الحديث. وهذا مختصر (¬4). وقد رواه سعيد بن منصور في حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه (¬5). وفي إسناده فرقد السنجي والحارث بن نبهان. ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 198 - 199). (¬2) رواه ابن عدي (7/ 262) رواه يزيد عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عن عمر، وليس عن داود بن فراهيج عن أبي هريرة، كذا في نسختنا من الكامل. (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 29). (¬4) المحلى (7/ 564). (¬5) المحلى (7/ 565).

وفي هذا الباب حديث قد تقدم في كتاب الأشربة من حديث أبي مالك. أبو داود، عن نافع قال: سمع ابن عمر مزمارًا، قال: فوضع إصبعيه في أذنيه وناى عن الطريق وقال: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نسمع مثل هذا فصنع مثل هذا (¬1). في بعض الروايات عن أبي داود قال: هذا حديث منكر. وعن الوليد بن عبيدة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وقال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (¬2). الغبيراء: شراب تعمله الحبشة من الدرة يقال لها السكركة، والكوبة الطبل. ولا يصح تحريم الكوبة لأن الوليد بن عبدة غير معروف. ورواه أبو بكر البزار من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم الخمر والميسر والكوبة. في إسناده قبيصة عن الثوري، وقبيصة ضعيف. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ رَبِّي حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْكُوبَةَ وَالْقِينَ" ثم قال: "إِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالِمَ" (¬3). في إسناده يحيى بن أيوب المصري عن عبيد الله بن زحر، وعبيد الله هذا ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وعلي بن المديني. وقال فيه أبو زرعة: صدوق، ووثقه البخاري. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4924). (¬2) رواه أبو داود (3685). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (8/ 197).

باب

وفي هذا الباب عن أبي أمامة، وقد تقدم في كتاب البيوع في إسناده علي بن يزيد. وحديث آخر عن عائشة مذكور معه علته. أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يتتبع حمامة فقال: "شَيْطَانٌ يتبَعُ شَيْطَانَةً" (¬1). مسلم، عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: وكان يأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَرِّبُهُنَّ إليَّ (¬2). مسلم، عن سهل بن حنيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال]: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلِيَقُلْ لَقِسَتْ" (¬3). باب النسائي، عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال]: "لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ، وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ" (¬4). وذكر أبو أحمد من حديث فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمحى اسم من أسماء الله بالبصاق (¬5). ولا يتابع فرات على هذا الحديث، وليس فرات بالقوي. البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4940). (¬2) رواه مسلم (2440). (¬3) رواه مسلم (2550). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (985). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/ 23).

باب

يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الأمْرَ أقُلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (¬1). باب الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْتشًارُ مُؤتَمَنٌ" (¬2). وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ عَلَى أَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ" (¬3). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَتِهِ" (¬4). باب أبو داود، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوا الْحَيَّات كُلَّهُنَّ، فَمَنْ خَافَ ثَأرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (¬5). مسلم، عن أبي لبابة الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلَّا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء (¬6). وعن أبي سعيد الخدري في حديث ذكره في قصة الفتى الذي قتل الحية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4826 و 6181 و 7491) ومسلم (2246). (¬2) رواه الترمذي (2822). (¬3) رواه الترمذي (2506). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 39). (¬5) رواه أبو داود (5261). (¬6) رواه مسلم (2233).

فمات في الحين فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْها شَيْئًا فآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" (¬1). وفي طريق آخر: "فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ كَافِرٌ" (¬2). وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقًا (¬3). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَتلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِك" (¬4). وعنه عن رسول الله قال: "إِنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَة أهْلَكَتْ أُمَّةً مِنَ اَلأمَمِ تُسَبّحُ" (¬5). وفي طريق آخر: "فَهَلاَ نَمْلَةً وَاحِدَةً" (¬6). أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد (¬7). النسائي، عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبًا ذكر ضفدعًا في دواء عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتله (¬8). وذكر أبو أحمد من حديث عبد الرحمن بن هانئ قال: نا سفيان هو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2236). (¬2) رواه مسلم (2236). (¬3) رواه مسلم (2238). (¬4) رواه مسلم (2240). (¬5) رواه مسلم (2241). (¬6) رواه مسلم (2241). (¬7) رواه أبو داود (2567). (¬8) رواه النسائي (7/ 210).

باب في الأدب

الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ ضِفْدَعًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلاَلًا" (¬1). وقد رواه عبد الرحمن بن هانئ عن أبي مالك النخعي وسفيان (¬2). ولا يصح؛ لأن عبد الرحمن بن هانئ ليس حديثه بشيء، والصحيح حديث النسائي الحديث الذي قبل هذا والله أعلم. باب في الأدب مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبلٍ مِئَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً" (¬3). الترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حَلِيمَ إلَّا ذو عَثْرَةٍ، وَلاَ حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ" (¬4). البخاري، عن عائشة أن رجلًا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه قال: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ" فلما جلس تطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، قال: "يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتَنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْزِلَةً مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 315 - 316). (¬2) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 316). (¬3) رواه مسلم (2547). (¬4) رواه الترمذي (2033). (¬5) رواه البخاري (6032 و 6054 و 6131).

باب

وفي رواية: "اتِّقَاءَ فَحْشِهِ". باب أبو داود، عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقد السير بين إصبعين (¬1). باب مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مَنَ النَّارِ" (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَليَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ" (¬3). وفي رواية: "إِذَا ضَرَب". وقال عبد الرزاق في مصنفه في هذا عن معمر عن قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ وَجْهَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ" (¬4). هكذا رواه مرسلًا، ثم قال: عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، كذا قال: مثله (¬5). البخاري، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2589). (¬2) رواه مسلم (2617). (¬3) رواه مسلم (2612). (¬4) رواه عبد الرزاق (17950). (¬5) رواه عبد الرزاق (9/ 444) أورده المحقق في الهامش.

باب

مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا" (¬1). باب مسلم، عن المقدام بن عمرو قال: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نَحْثِيَ التراب في وجوه المداحين (¬2). وعن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر عنده رجل، فقال رجل: يا رسول الله ما من رجل بعد رسول الله أفضل منه في كذا وكذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ" مرارًا يقول ذلك ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا إِنْ كَانَ يُرى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلاَ أُزكي عَلَى اللهِ أَحَدًا" (¬3). باب مسلم، عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: "أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ" (¬4). وذكر الدارقطني عن ابن المنكدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَعَتْ أَحَدَكُمْ أُمُّهُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَليُجِبْ وَإِذَا دَعَاهُ أَبُوهُ فَلاَ يُجِبْ". قال: هكذا رواه حفص بن غياث عن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر مرسلًا. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (452 و 7075). (¬2) رواه مسلم (3002). (¬3) رواه مسلم (3000). (¬4) رواه مسلم (2548).

ورواه عبد العزيز بن أبان عن أبي ذئب عن ابن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلًا، والمرسل أصح. مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ: عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جرَيْجٍ، وَكَانَ جرَيْجٌ رَجلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمَّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتي فَأَقْبَلَ عَلى صَلاَتِهِ، فَانْصَرَفَتْ أُمُّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي فَأَقْبَلَ عَلى صَلاَتِهِ، فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ الْمُومِسَاتِ فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يتمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَت: إنْ شِئْتُمْ لأَفْتِننَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ راعِيًا كَانَ يَأوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَاسْتَنزَلُوهُ وهدموا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: زَنَيْتَ بهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاؤُوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ: يَا غُلاَمُ مَنْ أَبْوكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ الرَّاعِي، فَأَقبَلُوا عَلى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: لاَ، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلْوا، وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ أُمَّهُ فَمَرَّ رَجُلٌ راكِبٌ عَلى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْني مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّديَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فنظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْضَعُ" قال: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها، قال: "وَمَرُّوا بِجَارِيَة وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنعمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ ابني مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرِّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُل حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ:

اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقْلُتَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ، فَقُلْت: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ ابني مِثْلَهَا، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، قَالَ: إِنَّ ذَلكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبارًا فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذه يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ وَسَرِقْتِ وَلَمْ تَسْرقْ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا" (¬1). وذكر أبو أحمد من حديث عباد بن كثير بن قيس الرملي وليس بالثقفي عن عروة بن رويم عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلى بَابِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَخْرُجْ إِلَّا بِإذْنِ أَبَوَيْهِ" (¬2). عباد بن كثير الرملي وثقه ابن معين، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم. وقال البخاري: فيه نظر. ووثقه أيضًا زياد بن الربيع اليحمري وكان زياد من الثقات. وقد رواه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: نا مخرمة بن بكير عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . . فذكره. تفرد به أحمد بن علي وأنكر عليه. وقد روي موقوفًا ولم يذكر فيه نافع، ذكره أبو أحمد أيضًا (¬3). وذكره الترمذي عن ابن عمر قال: كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلقها فأبيت، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا عَبْدَ الله طَلِّق امْرَأَتَكَ" (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2550). (¬2) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (4/ 337). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (1/ 185). (¬4) رواه الترمذي (1189).

أبو داود، عن أبي أسيد قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به عند موتهما؟ قال: "نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" (¬1). البزار، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُ لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ، وَثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَقُوقُ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَنَّانُ عَطَاءهُ وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ" (¬2). خرجه النسائي أيضًا (¬3). وخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لاَ شَكَّ فِيهِن: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْو الْوَالِدِ عَلَى وَلَده" (¬4). البزار، عن أبي هريرة قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي وهو في ظل أُطْمةٍ فقال: عتا علينا ابن أبي كبشة فقال ابنه عبد الله: والذي أكرمك بالحق لئن شئت لآتينك برأسه فقال: "لاَ وَلَكِنْ بُرَّ أَبَاكَ وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ" (¬5). مسلم، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الإِسْلاَمِ غَيْرَ أَبِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ" (¬6). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5142). (¬2) رواه البزار (1786) الى قوله المترجلة. (¬3) رواه النسائي (5/ 80 - 81). (¬4) رواه الترمذي (3448). (¬5) رواه البزار (2708 كشف الأستار) ورواه الطبراني في الأوسط (231). وابن حبان (428). (¬6) رواه مسلم (63).

وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ" (¬1). مسلم، عن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ". قال سفيان: يعني قاطع رحم (¬2). البخاري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد فما قبلت واحدًا منهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ" (¬4). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ لله مِئَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَل منْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يتعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا يَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وتسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬5). الترمذي، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفُقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ" (¬6). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشج، أشج عبد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2563). (¬2) رواه مسلم (2556). (¬3) رواه البخاري (5991). (¬4) رواه مسلم (2318) والبخاري (5997). (¬5) رواه مسلم (2752). (¬6) رواه الترمذي (2013).

القيس: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبهُمَا اللهُ الْحِلْمُ وَالأنَاة" (¬1). البخاري، عن ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرك النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيَاءُ مِنَ الإيمَانِ وَالإيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاء وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر أبو عمر من حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ دِينِ خُلُقٌ وَخُلُقُ الإسْلاَمِ الْحَيَاءُ، مَنْ لاَ حَيَاءَ لَهُ لاَ دِينَ لَهُ". قال: هذا حديث الشاميين وإسناده حسن. قال: وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "زَيِّنُوا الإسَلاَمَ بِخَصْلَتَيْنِ" قلت: وما هما؟ قال: "الْحَيَاءُ وَالسَّمَاحَةُ فِي اللهِ لاَ فِي غَيْرِهِ". ذكره في باب مالك عن [سلمة بن] صفوان من كتاب التمهيد (¬4). الترمذي، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقَيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيء" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. البزار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكمْ لَنْ تَسعُوا النَّاسَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (17). (¬2) رواه البخاري (3483 و 3484 و 6120). (¬3) رواه الترمذي (2009). (¬4) التمهيد (21/ 142) وفي النسختين مالك عن صفوان وهو خطأ. وإنما هو مالك عن سلمة بن صفوان. (¬5) رواه الترمذي (2002).

بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمُ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" (¬1). الترمذي، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يَا ذَا الأُذُنَيْنِ" قال: يعني مازحه (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خِمْسَةٍ وَعِشرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" (¬3). وعن أبي ذر قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالسُّرعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" (¬5). أبو بكر بن أبي شيبة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرتهُ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنْ اعْتَذَرَ إِلَى اللهِ قَبِلَ اللهُ مِنْهُ عُذْرَهُ" (¬6). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَلاَ زادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلّا عِزًا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البزار (1677) وأبو يعلى (6550). (¬2) رواه الترمذي (1992) وهذا الحديث لا يوجد في النسخة المغربية. وفي نسختنا من سنن الترمذي حديث صحيح غريب. (¬3) رواه أبو داود (4776). (¬4) رواه أبو داود (4782). (¬5) رواه مسلم (2609). (¬6) رواه ابن أبي شيبة. في المسند (3125 المطالب العالية) وعنه أبو يعلى في مسنده (4338). (¬7) رواه مسلم (2588).

البخاري، عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْنَ الْمُتَحَابُّون بِجَلاَلِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي" (¬2). مالك، عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قالَ اللهُ تَبَارك وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ" (¬3). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَاد أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ الْجَنَّة مَنْزلًا" (¬4). قال: حديث حسن غريب. أبو عمر بن عبد البر، عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: "مَنْ أَنْتِ؟ " قالت: جثامة الْمُزَنِيَّةُ، فقال: "بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمزَنِيَّةُ، كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ " قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تُقْبَلُ على هذه العجوز هذا الإقبال قال: "إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ" (¬5). مسلم، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَصَاحِبُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذيَكَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6021). (¬2) رواه مسلم (2566) ومالك (2/ 234). (¬3) رواه مالك (2/ 236) مطولًا. (¬4) رواه الترمذي (2008). (¬5) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1810).

وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةَ، وَصَاحِبُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً" (¬1). البزار، عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله أي جلسائنا خير؟ قال: "مَنْ ذَكَّرَكُمْ بِاللهِ رُؤيتُهُ، وَزَادَكُمْ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ وَذَكرَكُمْ بِالآخرة عَمَلُه" (¬2). الترمذي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيْنهَى عَن الْمُنْكَرِ" (¬3). وروى واصل بن عبد الرحمن أبو حرة الرقاشي قال: قال محمد بن سيرين: قال عمرة: قالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِيُلوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ زَلَّاتهمْ" (¬4). ذكره أبو أحمد بن عدي في باب واصل ولم يذكر له علة. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهُوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" (¬5). النسائي، عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويبعدني من النار، قال: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2628). (¬2) لم أره بهذا اللفظ في مجمع الزوائد منسوبًا إلى البزار، بل نسبه إليه (10/ 78) بلفظ قال رجل: يا رسول الله من أولياء الله؟ قال: "الذين إذا رُؤوا ذكر الله". ورواه بهذا اللفظ أبو يعلى (2437) ونسبه إليه في مجمع الزوائد (10/ 226) ورواه أيضًا عبد بن حميد (631) وسنده ضعيف من أجل مبارك بن حسان. (¬3) رواه الترمذي (1921). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 87). (¬5) رواه مسلم (2988).

عَلَيْهِ تُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤتي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُج الْبَيْتِ" ثم قال: "أَلاَ أَدُلُكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ" ثم تلا هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع. . . . . .} حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} ثم قال: "أَلاَ أُخُبِركَ برَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَتهِ وَسَنَامِهِ" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهادُ" قال: "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه فقال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا" قلت: يا رسول الله وَإِنَا لَمْؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بهِ؟ قال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاس فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ" أو قال: "عَلى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِمْ" (¬1). البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ فَعَلَى الْبَادِئ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ" (¬3). البخاري، عن أبي ذر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلاَ يَرْمِيهِ بالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَنْبَغِي لِصدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا" (¬5). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في التفسير (414). (¬2) رواه البخاري (6044). (¬3) رواه مسلم (2587). (¬4) رواه البخاري (6045). (¬5) رواه مسلم (2597).

الْمُؤمِنُ بِالطَّعَانِ وَلاَ اللَّعّضانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. أبو داود، عن جابر بن سليم قال: رأيت رجلًا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئًا إلا صدروا عنه، قلنا: من هذا؟ قالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال: "لاَ تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلاَمُ فَإنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ الْمَيتِ، قُلْ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ" قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: "أَنَا رَسُولُ اللهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِذَا أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتُهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأرضٍ قَفْرٍ وَفَلاَةٍ فَضَلَّتْ راحِلَتك فَدَعَوْتُهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ" قال: قلت: اعهد إلي، قال: لاَ تَسُبَّنَّ أَحَدًا" فما سببت بعده حرًا ولا عبدًا ولا بعَيرًا ولا شاة، قال: "وَلاَ تَحْقرنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إِزاركَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أبيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزارِ فِإنَّهَا مِنَ الْمَخْيَلَةِ، وَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمَخْيَلَةَ، وَإِن امْرُءٌ شَتَمَكَ أَوْ عَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلاَ تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ" (¬2). وقال النسائي: "يَكُون أَجرُ ذَلِكَ لَكَ وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ" (¬3). البخاري، عن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضُوا إِلَى مَا قَدْ قَدَّمُوا" (¬4). الترمذي، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأحْيَاءَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1977). (¬2) رواه أبو داود (4084). (¬3) رواه النسائي في الكبرى (9699). (¬4) رواه البخاري (1393 و 6516). (¬5) رواه الترمذي (1982).

مسلم، عن أيوب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتقيَانِ فيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ" (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُفْتَح أَبْوَابُ الْجَنَّة يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيقُولُ [فَيُقَالُ]: انْظُرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" (¬2). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيْبَةُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذَكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتبتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهتَّهُ" (¬3). أبو داود، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هُؤُلاَء يَا جبْرِيلُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَاْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِيهِمْ وَفِي أَعْرَاضِهِمْ" (¬4). الترمذي، عن عائشة قالت: حكيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا، فقال: "مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا" قالت: فقلت: يا رسول الله إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا كأنها تعني قصيرة، قال لها: "لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2560). (¬2) رواه مسلم (2565). (¬3) رواه مسلم (2589). (¬4) رواه أبو داود (4878). (¬5) رواه الترمذي (2502).

وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَد اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن عائشة أنه اعتل بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب: "أَعْطِيهَا بَعِيرًا" فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر (¬2). مسلم، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ نَمَّامٌ" (¬3). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبر، وإِنَّ الْبِر يَهْدِي إِلَى الْجنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِديقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُور يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيتحَرى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا" (¬4). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ" (¬5). وفي طريق آخر: "وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ" (¬6). أبو داود، عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1931) وفي نسختنا في السنن حسن فقط وهو كذلك في النسخة المغربية. (¬2) رواه أبو داود (4602). (¬3) رواه مسلم (105). (¬4) رواه مسلم (2607). (¬5) رواه مسلم (59). (¬6) رواه مسلم (59).

يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ أَعُدُهُ كَاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ الْقَوْلَ لاَ يُرِيدُ إِلَّا الإصْلاَحَ، وَالرَّجُلُ يقُولُ فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأتَهُ وَالْمَرْأة تُحَدِّثُ زَوْجَهَا" (¬1). خرجه مسلم أيضًا (¬2). وخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَهِيمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ إِلَّا ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ اثْنَتيَنِ فِي ذَاتِ اللهِ، قَوْلُهُ: إنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ هَذَا، وَوَاحِدَةً فِي شَأْنِ سَارة فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارةٌ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاس، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبني عَلَيْكِ، فَإنْ سَألَك فَأخبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الإِسْلاَم، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رِآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لاَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تكونَ إِلَّا لَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدَهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا: ادْعي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلاَ أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الأولَى، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَفَعَلَتْ، فَعَادَ فَقُبضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتيَنِ الأُولَيَيْنِ، فَقَالَ لَهَا: ادْعي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي فَلَكِ عَهْدُ اللهِ أَنْ لاَ أَضُرَّكِ، فَفَعَلَتْ فَأُطْلِقَتْ يَدُهُ، فَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا آتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ، فَأَخرجْهَا مِنْ أَرْضِي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ، قالَ: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا، مَهيمْ، فَقَالَتْ: خَيْرًا كَفَّ اللهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا" قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء (¬3). الترمذي، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأفضَل ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4921). (¬2) رواه مسلم (2605). (¬3) رواه مسلم (2371).

مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ؟ " قالوا: بلى، قال: "صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" (¬1). قال: هذا حديث صحيح. البزار، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أَبْلَغَ ذَا سُلْطَانِ حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغَهَا ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ عَلى الصِّرِاط يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ" (¬2). مسلم، عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُومِنُ لِلْمُومِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" (¬3). وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ [فِي] تَوادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتكى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهْرِ وَالْحُمَّى" (¬4). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذي يَأْتِي هَؤلاَء بِوَجْهِ وَهَؤُلاَء بِوَجْهٍ" (¬5). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يُلْدَغُ الْمُومِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدِ مَرَّتَيْنِ" (¬6). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرْوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2509). (¬2) رواه البزار (1593 كشف الأستار). (¬3) رواه مسلم (2585). (¬4) رواه مسلم (2586). (¬5) رواه مسلم (2526). (¬6) رواه مسلم (2998). (¬7) رواه مسلم (2563).

أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَاْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ" أو قال: "الْعُشْبَ" (¬1). وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرَ أَنْ يُعَجِّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدّخِر لَهُ فِي الآخِرَةِ مِثْل الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" (¬2). مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الظلْمَ ظُلُمَاتٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬3). وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن الله تعالى: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرمًا فَلاَ تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوني أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمُكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتكسُوني أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُوني أَغْفِرُ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي إِنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرُكُمْ وإنْسُكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَر قَلْبِ رجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرُكُمْ وَإِنسكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوني فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلتهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمخيطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4903). (¬2) رواه أبو داود (4902). (¬3) رواه مسلم (2579).

ثمَّ أُوفِيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلّا نَفْسَهُ" (¬1). وذكر الدارقطني عن أبي معشر عن المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دَعْوةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ فَاجِر فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ" (¬2). الترمذي، عن أبي بكر الصديق أنه قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمهُمْ اللهُ بِعِقَابِ مِنهُ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. البزار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا رَأَيْتُم أُمّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ إِنَّكَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُودِّع مِنْهُمْ" (¬4). يقال: إن في إسناده انقطاعًا. البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءِ فَلْيتحلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدَرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تكنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2577). (¬2) ورواه أحمد (2/ 367) وابن أبي شيبة (10/ 275) والطيالسي في مسنده (1266) والخطيب في تاريخه (2/ 271 - 272) والقضاعي في مسند الشهاب (315) وله ما يعضده. (¬3) رواه الترمذي (3057). (¬4) رواه البزار (3302 كشف الأستار) وأحمد (2/ 163 و 189 - 190 و 190) وابن عدي (6/ 123) وأبو بكر الشافعي في الفوائد (6/ 65/ 2) والحاكم (4/ 96).

أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" (¬2). الترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذِّلُّ مِنْ كُل مَكَانٍ يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنِ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولِسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ" (¬3). قال: هذا حديث حسن. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيَنْتهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونَنَّ عَلَى اللهِ أَهْوَنَ مِنَ الْجُعْلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرءَ بأَنْفِهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّة الْجَاهِلِيةِ، إِنَّمَا هُو مُؤمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ" (¬4). وفي رواية: "عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاء" (¬5). قال: حديث حسن. النسائي، عن الحارث بن مالك الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَعَا بِدَعْوى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ" فقال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: "نَعَمْ وإنْ صَامَ وَصَلَى، فَادْعُوا بِدَعْوة اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤمِنِينَ عِبَادَ اللهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2449 و 6534). (¬2) رواه أبو داود (4090). (¬3) رواه الترمذي (2492) وفي نسختنا من السنن حسن صحيح. (¬4) رواه الترمذي (3955) وفي نسختنا من سنن الترمذي حسن غريب. (¬5) رواه الترمذي (3956). (¬6) رواه النسائي في الكبرى (8866) وفي التفسير (369).

الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمُصِيبُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرك ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَأمُرْ بالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكر، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيتبَؤأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَعْظَمَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانِ جَائِرٍ" (¬2). وعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قال: قلت: قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًا مُطَاعًا وَهَوًى مُتبًعا وَدُنْيَا مُؤثَرَةً، وإِعْجَابَ كُلِّ رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصةِ نَفْسِكَ وَدع الْعَوَامَ فَإِنَّ مِنْ وَرائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِثْلَ عَمَلِكُم". وفي رواية: قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: "لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ" (¬3). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُؤتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَيَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرِّحَاءِ، فَيَجْتَمعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2257). (¬2) رواه الترمذي (2174). (¬3) رواه الترمذي (3058).

بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيقُولُ: بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" (¬1). أبو داود، عن العرس بن عميرة الكندي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا" وقال مرة: "فَأَنْكَرَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَمَنْ شَهِدَهَا" (¬2). البزار، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدَّالُ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللهُ يُحِب إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا زالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُورثُه" (¬4). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِنَّما هُوَ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ" وأشار مالك بالسبابة والوسطى (¬5). البخاري، عن صفوان بن سليم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيلَ" (¬6). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬7). مسلم، عن عائشة قالت: جاءت امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، ثم قامت فخرجت وابنتاها، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2989). (¬2) رواه أبو داود (4345). (¬3) رواه البزار (656) زوائد الحافظ. (¬4) رواه مسلم (2625). (¬5) رواه مسلم (2983). (¬6) رواه البخاري (6006). (¬7) رواه البخاري (6007) ومسلم (2982).

باب في التوبة والزهد

فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته حديثها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذه الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: "واللهِ لأنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُوذِيهِمْ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئرًا فنزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذي بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَ فِيهِ حَتَّى رميَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ" قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرًا؟ فقال: "فِي كُلِّ كَبِدِ رَطْبةٍ أَجْرٌ" (¬3). باب في التوبة والزهد مسلم، عن الأغر المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ فَإنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ" (¬4). البخاري، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ" (¬5). مسلم، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2629). (¬2) رواه مسلم (1914). (¬3) رواه مسلم (2244). (¬4) رواه مسلم (2702). (¬5) رواه البخاري (4141 و 7450).

بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مسيءُ النَّهَارِ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيتوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ مِنْ مَغْرِبِها" (¬1). الترمذي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ" (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِر لَهُمْ" (¬3). الترمذي، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" (¬4). قال: حديث غريب. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُومِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيةٍ مهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتيقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْركَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأنَامُ فِيهِ حَتَّى أَمُوتَ، فوضع رَأْسهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ راحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فاللهُ أَشدُ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزادِهِ" (¬5). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: "أذنب عبد ذنبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللهُ تَبَارك وَتَعَالَى: أذْنَبَ عَبْدٌ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2759). (¬2) رواه الترمذي (3537). (¬3) رواه مسلم (2749). (¬4) رواه الترمذي (2499). (¬5) رواه مسلم (2744).

ذنْبًا عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأخذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارك وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبارك وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ ربًا يَغْفِرُ الذَّنْبَ اعْمَل مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: "اعمَلْ مَا شِئْتَ" (¬1). وعن أبي سعيد الخدري أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتلَ تِسْعَةَ وتسْعِينَ نَفْسًا، فَسَألَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى راهِبٍ فَأَتًاهُ، فَقَال: إِنَّهُ قَتلَ تَسْعَةَ وتسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ فَكَملَ بِهِ مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَم أَهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ عَلى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّه قَتلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإنَّ بِهَا أُناسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعَ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَك فِي صُورة آدَمي فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، فَإلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ". قال قتادة: فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره (¬2). أبو داود، عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وأبو لبابة أو من شاء الله إن من توبتي أن أهجر دار ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2758). (¬2) رواه مسلم (2766).

قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة؟ قال: "يُجزِئ عَنْكَ الثُّلُثُ" (¬1). رواه معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال: كان أبو لبابة. . . . . . فذكر معناه، والقصة لأبي لبابة (¬2). الترمذي، عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلاَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا" (¬3). مسلم، عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر، قال: "أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" (¬4). البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًا فَقَدْ آذَنتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَربَ إِليَ عَبْدِي بِشَيْءِ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يتقربُ إِلي بِالنَّوافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ، فَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يُبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلِئَنْ سَألَنِي لأعْطِيَنهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَدْتُ عَنْ شَيْءِ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤمِنِ يَكرَهُ الْمَوْتَ وَأَنا أَكْرَهُ مُسَاءَتَه" (¬5). مسلم، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة فقال: "مَنْ هَذِهِ؟ " فقلت: امرأة لا تنام تصلي، قال: "عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَواللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُه" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3319). (¬2) رواه أبو داود (3320). (¬3) رواه الترمذي (2601). (¬4) رواه مسلم (2819). (¬5) رواه البخاري (6502). (¬6) رواه مسلم (785).

وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" (¬1). البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُه" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "وَلاَ أَنا إِلّا أَنْ يَتَغَمّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا بِشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا" (¬2). مسلم، عن حنظلة الأسدي قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار حتى كَأَنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر رضي الله عنه حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله قال: "وَمَا ذَاكَ؟ "قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدومُونَ عَلَى مَا تكونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحْتكمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثلاث مرات (¬3). أبو بكر بن أبي شيبة، عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَدْيًا قَاصِدًا فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّيْنَ يَغْلِبْه" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (783). (¬2) رواه البخاري (6463). (¬3) رواه مسلم (2750). (¬4) وعن ابن أبي شيبة رواه ابن أبي عاصم في السنة (95).

البزار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّة فَتْرةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشّرَكَاء عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه" (¬2). أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى فِي الْعَلاَنِيَةِ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ صَلى فِي السِّرِّ فَأَحْسَنَ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَذَا عَبْدِي حَقًّا" (¬3). خرجه في كتاب الزهد. وذكر الدارقطني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَتْ لَهُ سَرِيرَةٌ صَالِحَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ أَظْهَرَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاءً يُعُرَفُ بِهِ". قال: الصحيح في هذا عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). البزار، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ لَخَشِيتُ عَلَيْكُم مَا هُوَ أَكْثرُ مِنْهُ الْعُجْبُ" (¬5). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ يَعْلَمُ الْمُومِن مَا عِنْدَ ¬

_ (¬1) ورواه ابن أبي عاصم في السنة (51) وابن حبان (11) والطحاوي في المشكل (2/ 88) وأحمد (2/ 158 و 165 و 188 و 210) وغيرهم. (¬2) رواه مسلم (2985). (¬3) ورواه ابن ماجه (4200). (¬4) العلل (5/ 333 - 334). (¬5) رواه البزار (2303) زوائد الحافظ.

اللهِ مِنَ الْعُقْوبَةِ مَا طَمعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ" (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي الْمُؤمِنُ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلاَةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ ربهِ وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لاَ يُشَار إِلَيْهِ بالأَصَابع وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا فَصَبَر عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ نَغَضَ بِيَدِهِ فَقَالَ: عُجِّلَتْ مَنِيتُهُ، قَلتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُه" (¬2). وعن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلِيَسَعْكَ بَيْتك وَابكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ" (¬3). البزار، عن أبي خلاد وكانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا فِي الدُّنْيَا وَقِلةَ مَنْطِقٍ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلَقَّى الْحِكْمَةَ" (¬4). وعن أنس قال: لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر فقال له: "يَا أبا ذَرٍّ أَلاَ أَدُلُكَ عَلى خَصْلَتَيْنِ هُمَا خَفِيفَتَانِ عَلى الْظَّهْرِ وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصّمْتِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَده مَا عَمِلَ الْخَلاَئِقُ بِمِثْلِهِمَا" (¬5). وذكر أبو أحمد من حديث عثمان بن سعيد الكاتب عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصُّمْتُ حُكْمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُه" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2755). (¬2) رواه الترمذي (2347). (¬3) رواه الترمذي (2406). (¬4) ورواه ابن ماجه (4101) والطبراني في الكبير (22/ 975) وانظر سلسلة الضعيفة (4/ 395 - 397) لشيخنا محمد ناصر الدين الألباني. (¬5) رواه البزار (2327) زوائد الحافظ وفيه بشار بن الحكم وهو ضعيف. (¬6) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 196).

قال: حديثه حسن ويكتب على لينه. أبو بكر بن أبي شيبة، عن عائشة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمْحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ طَالِبًا" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" (¬2). الترمذي، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغيْرِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوة لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي" (¬3). البزار، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ: جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ وَطُولُ الأَمَلِ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا" (¬4). مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجن" قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: "وَإِيِّايَ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُني إِلَّا بِخَيْرٍ" (¬5). وفي رواية: "قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ" (¬6). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَحْمَدِ اللهَ، ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (13/ 229) وابن ماجه (4243). (¬2) رواه مسلم (2564). (¬3) رواه الترمذي (2411). (¬4) رواه البزار (2203) زوائد الحافظ وفي إسناده هانئ بن المتوكل وهو ضعيف. (¬5) رواه مسلم (2814). (¬6) رواه مسلم (2814).

وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيتعوذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثم قال؟ [قَرَأ] {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} " (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. البزار، عن فضالة بن عبيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: "هَذَا يَوْمٌ حَرَام وَبَلَدٌ حَرَام فَدِمَاؤكمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ مِثْلَ هَذَا الْبَلَدِ وَهَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمَ تَلْقَوْنَهُ، وَحَتَّى دَفَعْةٌ دَفَعَهَا مُسْلِمٌ يُرِيدُ بِهَا سُوءًا حَرَامٌ، وَسَأُخْبِرُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ، الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده، وَالْمُؤمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" (¬2). مسلم، عن أبي قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه، قال: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ" (¬4). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذِلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوى هَا هُنَا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بِحَسَبِ امْرِئِ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعرْضُهُ" (¬5). ابن أبي خيثمة عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقُوا فَرَاسَةَ الْمُؤمِنِ فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2988) وفي نسختنا من سنن الترمذي حسن غريب فقط. (¬2) رواه البزار (790) زوائد الحافظ وقال: وإسناده صحيح. (¬3) رواه مسلم (2642). (¬4) رواه مسلم (2622 و 2854). (¬5) رواه مسلم (2564). (¬6) ورواه الطبراني في الكبير (7497) ومسند الشاميين (2402) وغيره.

باب

أبو داود، عن أبي قلابة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزَالُ فِي أُمَّتِي تسْعَةٌ لاَ يَدْعُونَ الله بِشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُمْ بِهِمْ تُمْطَرُونَ وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ" قال: وحسبت أنه قال: "وَبِهِمْ يُدْفَعُ عَنْكُمْ" (¬1). هذا مرسل. باب الترمذي، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" (¬2). ابن أبي خيثمة عن الضحاك بن سفيان قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا طَعَامكَ؟ " قلت: اللحم واللبن، قال: "ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى مَاذَا؟ " قلت: "لى ما علمت يا رسول الله، قال: "فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثلًا لِلدُّنْيَا" (¬3). الترمذي، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ ما فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالاَهُ أَوْ عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ" (¬4). قال: حديث حسن غريب. مسلم، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدّ مَحْبُوسُونَ إلَّا أصْحَابَ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في المراسيل (309) وتحرفت كلمة سبعة فيه إلى شيعة. ورواه عبد الرزاق (20457). (¬2) رواه الترمذي (2320). (¬3) ورواه أحمد (3/ 452) والطبراني في الكبير (8138). (¬4) رواه الترمذي (2322). (¬5) رواه مسلم (2736).

الترمذي، عن خَوْلَةَ بِنتِ قيس قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيهَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللهِ وَرَسُولهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةَ إِلَّا النَّارُ" (¬1). قال: حديث حسن صحيح. مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلى حُبِّ اثْنَتَيْنِ طُولِ الْحَيَاةِ وَحُبِّ الْمَالِ" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ" (¬3). مسلم، عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ خَيْرًا فَنَفَخَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا" (¬4). مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا" قال: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: "بَرَكَاتُ الأرْض" قالوا: يا رسول الله وهل ياتي الخير بالشر؟ قال: "لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ، لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ إِلّا بالْخَيْرِ، لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ إِلّا بِالْخَيْرِ، إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا أَكَلَةَ الْخَضِرِ فَإِنَّهَا تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ ثُمَّ اجْتَزَتْ وَبَالَتْ وثَلَطَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوةٌ لمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2374). (¬2) رواه مسلم (1046). (¬3) رواه البخاري (6435). (¬4) رواه مسلم (94) في الزكاة رقم (33). (¬5) رواه مسلم (1052).

زاد في طريق آخر: "وَيَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). عبد بن حميد عن زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَتْ نِيَتُّهُ الآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ راغِمَةٌ، وَمنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَدْ كُتِبَ لَه" (¬2). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَملْأ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسَدُّ فَقْرَكَ، وإِلَّا تَفْعَلْ مَلأتُ يَدَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ" (¬3). أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلّا بُعِثَ بجَنَبَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيانِ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسكًا تَلَفًا" (¬4). الترمذي، عن عثمان بن عفان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرتهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ" (¬5). قال: حديث حسن صحيح. وجلف الخبز يعني ليس معه إدام. مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرزِقَ كفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا أتَاهُ" (¬6). الترمذي، عن عبيد الله بن محصن وكانت له صحبة قال: قال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1052). (¬2) ورواه ابن ماجه (4105) وابن حبان (680) والطبراني في الكبير (4891 و 4925). (¬3) رواه الترمذي (2466). (¬4) ورواه أحمد (5/ 197) وفي الزهد (ص 26) وابن حبان (686). (¬5) رواه الترمذي (2341). (¬6) رواه مسلم (1054).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. البزار، عن خباب بن الأرت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءِ إِلَّا الْبِنَاءِ فِي هَذَا التُّرَابِ" (¬2). الترمذي، عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْما وَأَجُوعُ يَوْمًا، وقال ثلاثًا أو نحوها: فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ" (¬3). قال: حديث حسن. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويًا وأهله لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّة قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمِ وَهُوَ خَمْسمائَةِ عَامٍ" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2346). (¬2) ورواه الطبراني في الكبير (3620) بلفظ قريب من هذا وهو عند الترمذي وابن ماجه مختصرًا. (¬3) رواه الترمذي (2347). (¬4) رواه الترمذي (2360). (¬5) رواه الترمذي (2354).

أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوٍ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ" (¬2). حدثني عبد الرحمن بن محمد الإمامي نا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني نا أبو بكر بن ثابت الخطيب بإسناده إلى ابن عباس قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يَا غُلاَمُ" أو قال: "يَا بُنَيَّ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَات فَيَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ " فقلت: بلى، فقال: "احْفَظ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظَ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدّةِ، إِذَا سَأَلتَ فَاسْألَ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهَ، فَقَدْ جَفّ الْقَلَمُ بمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْمَلْ للهِ بالشُّكْرِ وَالْيَقِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ بِمَا تَكْرَهُ خَيْرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". خرجه في كتاب الفصل للوصل وهو حديث صحيح. وقد خرجه الترمذي وهذا أتم (¬3). مسلم، عن صهيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْس ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُومِنِ، إِنْ أَصَابتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2963). (¬2) رواه مسلم (2959). (¬3) رواه الترمذي (2516). (¬4) رواه مسلم (2999).

الترمذي، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضى، وَمَنْ سخِطَ فَلَهُ السَّخْطُ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. البخاري، عن مرداس الأسلمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ لاَ يُبَالِيهِمُ اللهُ بَالَةَ" (¬2). وعن أبي هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلغَهُ سِتِّينَ سَنَةً" (¬3). الترمذي، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَتَوَكَلُونَ عَلى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر أبو أحمد من حديث علي بن غراب الكوفي قال: نا المغيرة بن أبي قرة السدوسي عن أنس بن مالك أن رجلًا قال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أم أعقلها وأتوكل؟ قال: "بَلْ اعْقَلْهَا وَتَوَكَّلْ" (¬5). علي بن غراب صدوق لا بأس به. وقال في هذا الحديث: نا المغيرة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2396). (¬2) رواه البخاري (6434). (¬3) رواه البخاري (6419). (¬4) رواه الترمذي (2344). (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 206).

وذكر ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه قال: ظلمه الناس حين تكلموا فيه، يعني علي بن غراب. وقد ذكره الترمذي من حديث يحيى بن سعيد عن المغيرة، وقال: حديث غريب (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُرْسَلِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ، قال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَر الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبَهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسَهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (¬2). الترمذي، عن أبي الحوْرَاء السعدي قال: قلت للحسين بن علي: ما حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: حفظت منه: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلى مَالاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طَمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن عطية السعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأسٌ" (¬4). قال: حديث حسن غريب. البخاري، عن المقدام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2517). (¬2) رواه مسلم (1015). (¬3) رواه الترمذي (2518). (¬4) رواه الترمذي (2451). (¬5) رواه البخاري (2072).

الترمذي، عن أنس بن مالك قال: كان إخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر محترف فشكى المحترف أخاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. أبو داود، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (¬2). مسلم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" (¬4). البخاري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهَا كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحِّةُ وَالْفَرَاغُ" (¬5). وعن ابن عمر قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي وقال: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (¬6). الدارقطني، عن محمد بن أبي عميرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2451) وليس في نسختنا من السنن غريب. (¬2) رواه أبو داود (3529). (¬3) رواه مسلم (2822). (¬4) رواه مسلم (2956). (¬5) رواه البخاري (6412). (¬6) رواه البخاري (6416).

جُرَّ عَلى وَجْهِهِ مِنْ يَوْم وُلِدَ إِلَى يَوْم يَمُوتُ هَرَمًا فِي طَاعَةِ اللهِ لَحَقَرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَوَدَّ أَنَّهُ زِيدَ كَمَا يَزْدَادُ مِنْ الأَجْرِ" (¬1). البزار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَمَنّوا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطلَعِ شَدِيدٌ، وإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ العَبْدِ حَتَّى يَرْزقهُ اللهُ الإنَابَةَ" (¬2). النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتُ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه، قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعنًا ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريطة عليه على أنفه هكذا" (¬4). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيَّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬5). مالك، عن كعب بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّما نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ ¬

_ (¬1) انظر الإصابة (6/ 29). (¬2) ورواه أحمد (3/ 332) والبزار (3422 كشف الأستار). (¬3) رواه النسائي (4/ 4) وفي الكبرى (1950). (¬4) رواه مسلم (2872). (¬5) رواه مسلم (2866).

باب من ذكر الحشر والجنة والنار

طَائِرٌ مُعَلَّقٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ إِلَى جَسَده يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). باب من ذكر الحشر والجنة والنار النسائي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَالَ اللهُ تَبَارك وَتَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذبني، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنِّي لاَ أُعِيدُهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَلَيْسَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَعَز عَلَي مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَّ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنا اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ" (¬2). خرجه البخاري أيضًا (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ النَّفْخَتيَنِ أَرْبَعُونَ" قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا، قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة قال: أبيت "ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبقْلُ، قال: وَلَيْسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيْءٌ إلَّا يَبْلى إِلَّا عظمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنْبِ فمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬4). وفي طريق آخر: "مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ" (¬5). ووقع في كتاب البعث لأبي بكر بن أبي داود من حديث أبي سعيد: قيل وما هو يا رسول الله؟ قال: "مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ وَمِنْهُ تُنْتَؤُونَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 186). (¬2) رواه النسائي (6/ 112). (¬3) رواه البخاري (4974). (¬4) رواه مسلم (4974). (¬5) رواه مسلم (2955). (¬6) رواه ابن أبي داود في كتاب البعث (17) وسنده ضعيف.

مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ" (¬1). وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ" (¬2). النسائي، عن معاوية بن حيدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال: وأشار بيده إلى الشام فقال: "هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةَ وَتَخرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةَ أَنْتُمْ أَخْيَرُهُمْ وَأَكْرَمُهُمْ عَلى الله، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُعْرِبُ عَلَى أَحَدِكُمْ فَخْذُهُ" (¬3). وفي طريق آخر: "فَخْذُهُ وَكَفُّهُ" (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عراةً غُرْلًا" قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: "يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ" (¬5). وعن سليم بن عامر قال: حدثني المقداد بن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تكُونَ مِنْهُمْ بمِقْدَارِ مِيلٍ" قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين، قال: "فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدَرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتيَهِ، وَمِنْهُمْ منْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2878). (¬2) رواه مسلم (2790). (¬3) رواه النسائي في التفسير (451). (¬4) رواه النسائي في التفسير (489). (¬5) رواه مسلم (2859).

يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا" وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه (¬1). قاسم بن أصبغ، عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث قال فيه: "تُدْنى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدَرِ مِيلٍ وَيُزَادُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا يغْلي مِنْهَا الْهَوَامُ كَمَا تُغْلى الْقدرُ عَلى الأَثَافِي" (¬2). وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنْ عُمْرهِ فِيمَا أَفناهُ، وَعَنْ جَسَدهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أين اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ". خرجه الترمذي أيضًا وقال: حديث حسن صحيح (¬3). مسلم، عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى؟ قال: سمعته يقول: "يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ كَتفَهُ عَلَيْهِ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أيْ رَب أَعْرفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ" (¬4). وعن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دخولًا وَآخرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذَنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا يَومَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُول: نَعَمْ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرِضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: إِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا" فلقد رأيت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2864). (¬2) ورواه أحمد (5/ 245) والطبراني في الكبير (7779). (¬3) ورواه الدارمي (543) والترمذي (2419) وأبو يعلى (7434) والخطيب في اقتفاء العلم العمل (1) وأبو نعيم في الحلية (10/ 232). (¬4) رواه مسلم (2768).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه (¬1). وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهْرِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةِ؟ " قالوا: لا، قال: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟ " قالوا: لا، قال: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تُضَارُّونَ فِي رؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا" قال: "فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَلَمْ أُكرمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟ " فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقول: أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبْلَ، وَأَذْركَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاَقي؟ فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يلقى الثَّالثَ فَيَقولُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلُكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثِنْي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقولُ: هَا هُنَا، إِذًا، قَالَ فَيُقَالُ لَهُ الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدانا عَلَيْكَ وَيتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ، مَن ذا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخْذِهِ انْطِقِي، فَيَنْطِقُ فَخْذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسه، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ " قالوا: المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم ولا متاع، فقال: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (190). (¬2) رواه مسلم (2968).

فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (¬1). البخاري، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْلُصُ الْمُؤمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضِ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنَقَوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدِ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَتُؤَدُنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" (¬3). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذَّبَ" فقلت: أليس قد قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ فقال: "لَيْسَ ذَلِكَ الْحِسَابُ إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَاب عُذِّبَ" (¬4). وعن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاءُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلاَ يَظْمَأَ بَعْدَهُ أَبَدًا" (¬5). قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2581). (¬2) رواه البخاري (2440 و 6535). (¬3) رواه مسلم (2582). (¬4) رواه مسلم (2876). (¬5) رواه مسلم (2292).

مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلى أَعْقَابِهِمْ" قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا وأن نُفْتَنَ عن ديننا (¬1). وعن أبي سعيد الخدري أن ناسًا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ، وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال: "مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِتتَّبِعْ كُل أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كنَا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَال: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَى إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَاركَ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، قَالَ: فَمَا تَنْظُرُونَ؟ تَتبعُ كُل أُمَّةٍ مَا كَانتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهِمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لاَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2293).

نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا (مرتين أو ثلاثًا) حَتَّى أَنَّ بَعْضُهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقِ فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءَ وَرِيَاءَ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةَ وَاحِدَةَ كلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةِ، فَيَقُولُ: أَنا ربَّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُنَا، ثُمَّ يُضْرَب الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَفَاعَةُ وَتقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّم سَلِّمْ" قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: "دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهَا خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَة تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجِ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةَ للهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَق مِنَ الْمُؤْمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحِجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرَهُمْ عَلى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتيهِ يَقُولُونَ: رَّبنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنا بِهِ، فَيَقولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارِ مِنْ خَيْرٍ فأَخرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أحدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارِ مِنْ خَيْرِ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنا أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثقالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرِ فَأَخْرَجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: ربَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا" وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَع الْمُؤمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ

قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا قَط خَيْرًا قَدْ عَادُوا حِمَمًا فَيُلْقِيَهُمْ فِي نَهْرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ أَلاَ تَرَوْنَهَا تكونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ يَكُونُ أُصَيْفَرَ وَأُخَيْضَرَ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّل يَكُونُ أَبْيَضَ" فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: "فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الخَوَاتِمِ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ مِن غيْرِ عَمَل عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّة فَمَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلاَ يسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا" (¬1). مسلم، عن أنس قال: حدثنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لِذُرّيَّتِكَ، فيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ، فيُؤتَى مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسى فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ، فَيُؤتَى عيسى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا فَأَنطَلِقُ فَأَسْتَاْذِنُ عَلَى رَبَّي عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤذَنُ لِي، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأحمَدُهُ بِمحَامِدَ لاَ أَقْدِرَ عَلَيْهَا الآنَ يُلْهمنيهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجدًا، فَيُقَالُ لي: يَا مُحَمَّدٌ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ انْطَلِقْ فمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا، فَانْطَلِقُ فَأَفعَلُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأَحْمِدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (183).

تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تشَفَّعْ، فَأقولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِي: انْطَلُقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأنَطَلِقُ فَأَفَعَلُ ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمُدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَع تشفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنى مِنْ مِثْقَالِ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَاْنطَلِقُ فَأَفَعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي عَزَ وَجَل فِي الرَّابِعَةِ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَع لَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلّا اللهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ أو قال: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجَلاَلِي لأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" (¬2). وفي طريق آخر: "إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" (¬3). مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن ابن صياد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة فقال: "دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ" (¬4). مسلم، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جَنّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيَتُهُمَا وَمَا فِيهمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبَّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (193). (¬2) رواه مسلم (2751) ولكن لفظه "لما خلق الله الخلق" الحديث ولم أر هذا اللفظ عنده ولا عند البخاري. (¬3) رواه مسلم (2751). (¬4) رواه مسلم (2928). (¬5) رواه مسلم (180).

الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْن رَأَتْ وَلاَ أُذُن سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَفِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا، وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرؤوا إِنْ شِئْتُمْ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ" (¬2). قال: هذا حديث حسن غريب. البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (¬3). النسائي، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْربْهَا فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الذهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ بِهِمَا فِي الآخِرَةِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3292). (¬2) رواه الترمذي (2525). (¬3) رواه البخاري (2796). (¬4) رواه النسائي في الكبرى (6869) والحاكم (4/ 141) والطبراني في مسند الشاميين (1220).

مسلم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرِاءونَ الْكَوْكَبَ الدُّريَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوُ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنهُمْ" قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ" (¬1). مسلم، عن محمد بن سيرين قال: إِمَّا تفاخروا وإِمَّا تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة أَوَ لَمْ يقل أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورة الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبِ دُرِّيِّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَراءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ" (¬2). وقال البخاري: "زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعيْنِ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبِ دُرِّيِّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةَ، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتَمَخَّطونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ اللُّؤلُؤْ وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِتُّونَ ذِراعًا فِي السَّمَاءِ" (¬4). وفي رواية: "خَلْقِ" (¬5). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2831). (¬2) رواه مسلم (2834). (¬3) رواه البخاري (3254). (¬4) رواه مسلم (2834). (¬5) رواه مسلم (2834).

فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا، وإِن لَكُمْ أَنْ تُحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرُمُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} " (¬2). مسلم، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ للْمُؤمِنِ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، للْمُؤمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُومِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا" (¬3). الترمذي، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُعْطَى الْمُؤمِن فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ" قلت: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يُعْطَى قُوَّةَ مِئَةٍ" (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. الدارقطني، عن جابر بن عبد الله قيل: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: "لاَ، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ وَالْجَنَّةُ لاَ مَوْتَ فِيهَا" (¬5). الترمذي، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وإِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2835). (¬2) رواه مسلم (2837) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد. (¬3) رواه مسلم (2838). (¬4) رواه الترمذي (2536). (¬5) انظر سلسلة الصحيحة (3/ 74 - 78) لشيخنا الألباني.

فَوَعِزتكَ لاَ يَسْمَعُ بهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمكَارِهِ، قَالَ: ارْجِعْ فَانْظُرْ مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإذَا هِيَ قَدْ حُفتْ بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَلَّا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيْتُ أَنْ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُل زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ يَجُرُّونَهَا" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ" قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا" (¬3). مسلم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطٌّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ، فَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُوسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2560). (¬2) رواه مسلم (2842). (¬3) رواه مسلم (2843). (¬4) رواه مسلم (2807).

الترمذي، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ" (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. الترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ رَصَاصَة مِثْلَ هَذِهِ" وأَشار إلى مثل الجمجمة: "أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ لَبَلَغَتْ إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا" (¬2). قال في إسناده: حسن صحيح. الترمذي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قال: "تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقْلَصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وسط رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِيَ شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّتَهُ" (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ" (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2585). (¬2) رواه الترمذي (2588). (¬3) رواه الترمذي (2587). (¬4) رواه الترمذي (2582).

مسلم، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلاَنِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهوَنُهُمْ عَذَابًا" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلْظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ" (¬2). الترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ" (¬3). قال: حديث غريب. مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا آدَم، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلفٍ تِسْعَمَائَةُ وَتسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} قال: فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أين ذلك الرجل؟ قال: "أَبْشِرْوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ" قال: ثم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ" فحمدنا الله وكبرنا ثم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فحمدنا الله وكبرنا ثم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْل الْجَنَّةِ، إِنَّ مَثلَكُمْ كَمَثلِ الشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِراعِ الْحِمَارِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (213). (¬2) رواه مسلم (2851). (¬3) رواه الترمذي (2580) (¬4) رواه مسلم (222).

باب في السعادة والشقاوة والمقادير

الترمذي، عن بريدة بن حصيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ" (¬1). قال: حديث حسن. مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيْؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلاَ مَوْتَ" ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وأشار بيده إلى الدنيا (¬2). باب في السعادة والشقاوة والمقادير مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خُلُقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسلُ اللهُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيْؤمَرُ بِأَربَع كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ رِزْقهُ وَأَجَلهُ وَعَمَلهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لاَ إِلَه غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2546). (¬2) رواه مسلم (2849).

الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخلُهَا" (¬1). مسلم، عن علي بن أبي طالب قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة، فنكس فجعل يَنْكُتُ بمخصرته ثم قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُها مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: "مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاَوَةِ" فقال: "اعْملُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ" ثم قرأ: " {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} " (¬2). الترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان، فقال: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟ " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: "هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهُمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا" ثم قال للذي في شماله: "هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبدًا" فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه، فقال: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ عَمَلَ مَا عَمِلَ، وإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده فنبذهما ثم قال: "فَرَغَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2643). (¬2) رواه مسلم (2647).

ربَكُمْ مِنَ الْعِبَادِ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. البخاري، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ" (¬2). زاد النسائي: "ثُمَّ خَلَقَ سَبع سَمَواتٍ" (¬3). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (¬4). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص [أنه] سمع رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ" (¬5). البزار، عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اجرِ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (¬6). هذا من حديث أهل الشام وإسناده حسن، ذكر ذلك علي بن المديني. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2141). (¬2) رواه البخاري (3191). (¬3) رواه النسائي في التفسير (260). (¬4) رواه مسلم (2653). (¬5) رواه مسلم (2654). (¬6) ورواه أبو داود (4700) وابن أبي عاصم في السنة (102 و 103 و 104 و 105) والطبراني في مسند الشاميين (58 و 59).

وقد رواه الترمذي لإسناد آخر (¬1). أبو داود، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلاَ تَعْودُوهُمْ، وإِنْ مَاتُوا فَلاَ تَشْهَدُوهُمْ" (¬2). يروى هذا مَوْقوفًا على ابن عمر. قال الدارقطني: وهو الصحيح. وذكر الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي الإِسْلاَمِ نَصِيبٌ الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ" (¬3). قال: هذا حديث غريب. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كِلٍّ خَيْرٌ، احْرصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقْلُ لَوْ أَنِّيَ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" (¬4). أبو داود، عن سيف الشامي عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيِّسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل" (¬5). مسلم، عن طاوس قال: أدركت ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: كل شيء بقدر قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2155). (¬2) رواه أبو داود (4691). (¬3) رواه الترمذي (2149). (¬4) رواه مسلم (2664). (¬5) رواه أبو داود (3627).

"كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزَ وَالْكَيْسَ" أو "الْكَيْسَ وَالْعَجْزَ" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَمُ؟ أَنْتَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُلَّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ، قال: نعم، قال: أفَتَلُومُني عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَي قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأذُنَانِ زِنَاهُمَا السَّمْعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجلِ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ" (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا ويُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تَنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمَعَاءَ وَهَلْ يَحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ" ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (¬4). وفي طريق آخر: "حَتَّى يكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا" (¬5). وفي آخر فقال رجل: يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2655). (¬2) رواه مسلم (2652). (¬3) رواه مسلم (2657). (¬4) رواه مسلم (2658). (¬5) رواه مسلم (2658). (¬6) رواه مسلم (2658).

وفي آخر: "لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى هَذ الْفِطْرَةِ حَتَّى يُبيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ" (¬1). مسلم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْغُلاَمَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبعَ كَافِرًا، وَلَوْ عَاشَ لأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكفْرًا" (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: دُعِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكِ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ" (¬3). البخاري، عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرؤيا قال: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الطوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ" فقال بعض المسلمين: يا رسول الله فأولاد المشركين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ" (¬4). وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل قال: حدثتني بهية مولاة القاسم قالت: سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المسلمين أين هم يوم القيامة؟ قال: "فِي الْجَنَّةِ يَا عَائِشَةُ" وسألته عن أولاد المشركين أين هم يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: "فِي النَّارِ يَا عَائِشَةُ" فقلت مجيبة له: لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم الأقلام، قال: "رَبّكِ أَعْلَمُ مَا كَانُوا عَامِلِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ لأَسَمعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2658). (¬2) رواه مسلم (2661). (¬3) رواه مسلم (2662). (¬4) رواه البخاري (845 و 1386 و 2085 و 2791 و 3236) مختصرًا ومطولًا. (¬5) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 207).

باب

والصحيح حديث البخاري الذي قبل هذا. ويحيى بن المتوكل ضعيف عندهم، وبهية لم يرو عنها إلا أبو عقيل، وإنما يروي مقدار خمسة أحاديث أو ستة إلى سبعة. مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة: اللهم متعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ سَألتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لاَ يُعَجِّلُ اللهُ مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ حَلِّهِ، وَلاَ يُؤَخرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حَلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا لَكِ" فقال رجل: يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مُسِخَ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ" (¬1). باب مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبِّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجُلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرِنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِن أتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2663). (¬2) رواه مسلم (2760). (¬3) رواه مسلم (2675).

وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ مَثلُ الْحَى وَالْمَيِّتِ" (¬1). النسائي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْلِسُونَ مَجْلِسًا لاَ يَذْكُرُونَ اللهَ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ" (¬2). وعن أبي عياش الزرقي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَه كَعدْلِ رَقَبَةِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَكُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُط عَنْهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتِ وَكَانَ فِي حِرْز مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَإِذَا أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ" (¬3). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ للهِ وَالْحَمْدُ للهِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وحده لاَ شَرِيكَ لَهُ" أُرَاه قال فيهن: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، وإذا أصبح. قال ذلك أيضا: "أَصَبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ" (¬4). النسائي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (779). (¬2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (409). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (27). (¬4) رواه مسلم (2723).

وَرَسُولُكَ، أَعْتَقَ اللهُ رُبْعَهُ مِنَ النَّارِ، قال: فَإِنْ قَالَهَا أَربعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْم مِنَ النَّارِ" (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أصبح: "اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النّشُورُ" (¬2). وعن الحارث بن مسلم التميمي قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تَتكلَّمَ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ فِي يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللهُ لَكَ جِوَارًا مِنَ النَّارِ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تَتَكلَّمَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرًاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللهُ لَكَ جِوارًا مِنَ النَّارِ" (¬3). وعن عثمان بن عفان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَقَالَهَا حِينَ يُمْسِي لَمْ تَفْجَاْهُ فَاجِئَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُمْسِيَ" (¬4). أبو داود، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ تَوَكَلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَيَتَنحَّى لَهُ الشَّيْطَانُ، قال: فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِي وَوُقِيَ" (¬5). مسلم، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ أَشْهَدُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (9). (¬2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (8). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (111). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (15). (¬5) رواه أبو داود (5095).

أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوح مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ" (¬1). وفي رواية: "أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثرً مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ بِحَمْدِهِ فِي يَوْم مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زبَدِ الْبَحْرِ" (¬3). البزار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ لاَ إِلهَ إِلَّا الله نَفَعتُهُ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِ يُصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ" (¬4). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا قَالَ عَبْدٌ لاَ إِلهَ إِلَّا الله مُخْلِصًا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ" (¬5). قال: هذا حديث حسن [غريب]. النسائي، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُركَ بِهِ وَأَدْعُوكِ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى قُلْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ مُوسى: يَا رَبِّ كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا، قَال: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (28). (¬2) رواه مسلم (28). (¬3) رواه مسلم (2691). (¬4) رواه البزار (2) زوائد الحافظ. (¬5) رواه الترمذي (3590).

قَالَ: لاَ إلَه إِلَّا أَنْتَ إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَواتِ السَّبع وَعَمَّارَهُنَّ وَالأَرْضِينَ السَّبع فِي كَفَّةٍ وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كَفَّةٍ لَمَالَتْ بِهِن لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ" (¬1). مالك، عن زياد بن أبي زياد عن طلحة بن عبيد الله بن طلحة بن كريز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهُ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ" (¬2). هذا مرسل. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ" (¬3). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" (¬4). وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا جلوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَيَعْجُزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ" فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: "يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ" (¬5). الترمذي، عن جويرية بنت الحارث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليها وهي في مسجد، ثم مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها قريبًا من نصف النهار فقال لها: "مَا زِلْتِ عَلَى ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (834 و 1141). (¬2) رواه مالك (1/ 167 - 168 و 292). (¬3) رواه مسلم (2694). (¬4) رواه مسلم (2695). (¬5) رواه مسلم (2698).

ذَلِكَ؟ " فقالت: نعم، فقال: "أَلاَ أُعَلمَكَ كَلِمَاتٍ تَقُولينَهَا، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَد خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَد خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضى نَفْسِهِ، سُبْحانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشه، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مَدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مدَادَ كَلِمَاته، سبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. قال مسلم في هذا الحديث: "مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ " قالت: نعم، قال: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كلِمَاتِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ. . . . . ." وذكر الحديث (¬2). عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، لاَ يَضُرُّكَ بِأيِّهِنَّ بَدَأْتَ" (¬3). النسائي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَم إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ، وَإِنَّ أَبْغَضَ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَيْنَ اللهُ؟ فَيَقُولُ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ" (¬4). وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسْتكثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ" قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الْمسلَّةُ" قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3555). (¬2) رواه مسلم (2726). (¬3) رواه مسلم (2137). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (849 و 850). (¬5) ونسبه المزي في تحفة الأشراف (3/ 362) إلى النسائي في عمل اليوم والليلة ولم أره =

البزار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِوَصِيَّةِ نُوحٍ ابْنَه؟ " قالوا: بلى، قال: "أَوْصَى نُوحٌ ابْنَهُ فَقَالَ لابْنهِ: يَا بُنَي إِنِّي أُوصِيكَ بِأثْنتينِ، وَأَنْهَاك عَنِ اثْنَتَيْنِ أُوصِيكَ بقَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَإِنَّهَا لَوْ وُضِعَتْ فِي كفةٍ وَوُضِعَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ فِي كَفةٍ لَرَجَّحَتْ بِهِن، وَلَوْ كَانَتْ حَلَقَةً لَفَصَمْتُهُنَّ حَتَّى تَخْلَصَ إِلَى اللهِ، وَبِقَوْلِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا عِبَادَةُ الْخَلْقِ وَبِهَا تُقْسَمُ أَرْزَاقُهُمْ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتينِ، عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبرِ فَإِنَّهُمَا يَحْجُبَانِ عَنِ اللهِ" قال: قيل: يا رسول الله أمن الكبر أن يتخذ الرجل الطعام الطيب فتكون عليه الجماعة أو يلبس القميص النظيف؟ قال: "لَيْسَ ذَلِكَ يعني بالكبر، إِنَّمَا الكِبْرَ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ وَتَغْمُضَ الناسَ" (¬1). ذكره القاضي ابن صخر في فوائده وقال فيه: "فَإِنَّهَا عِبَادَةُ الْخَلْقِ وَبِهَا تُقْطَعُ أَرْزَاقُهُمْ وَهُمَا الْكِبْرُ وَالْوُلُوجُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". الترمذي، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ" (¬2). قال: حديث حسن صحيح. النسائي، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلاَ أُعلمُكَ كَلِمَةً مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، يَقُولُ اللهُ: أَسْلَمَ عَبْدي وَاسْتَسْلَمَ" (¬3). أبو داود، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ ¬

_ = فيه. ورواه أبو يعلى (1384) وأحمد (3/ 75) وابن حبان (840) والحاكم (1/ 512) وغيرهم. (¬1) رواه البزار (2088) زوائد الحافظ وحسن إسناده. (¬2) رواه الترمذي (3464 و 3465). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (13).

باب

جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضيْقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" (¬1). البخاري، عن شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتنَي، وَأنَا عَبْدُكَ وَأَنا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ بِنَعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُنْوبَ إِلَّا أَنْتَ" قال: "ومَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" (¬2). النسائي، عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِس ذِكْرٍ كَانتْ كَالطَّابعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِس لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَتَهُ" (¬3). باب أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ" - صلى الله عليه وسلم - (¬4). النسائي، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ، وَمَنْ صَلَّى عَلَي مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1518). (¬2) رواه البخاري (6306 و 6323). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (424). (¬4) رواه أبو داود (2042). (¬5) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (61).

باب

وعن أبي طلحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم والبشرى في وجهه، فقلنا: إنا لنرى البشرى في وجهك، فقال: "إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلِكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ ربَكَ عَزَّ وَجَلَّ يقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلاَ يُسَلَّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا" (¬1). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَوْلَى النَّاسِ بِي أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً" (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. النسائي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يِصَل عَلَيَّ" - صلى الله عليه وسلم - (¬3). باب مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي" (¬4). الترمذي، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ" (¬5). قال: هذا حديث حسن غريب. وعن أبي المليح عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 44 و 50). (¬2) رواه الترمذي (484). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (56). (¬4) رواه مسلم (2675). (¬5) رواه الترمذي (3370).

"لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. البزار، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: "دُعَاءُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ" (¬2). وفي طريق أخرى: أي العبادة أفضل؟ قال: "دُعَاءُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ". أبو داود، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك (¬3). النسائي، عن ابن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه أن يدعو ثلاثًا ويستغفر ثلاثًا (¬4). مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ وَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ فأعطني فَإِنَّهُ لاَ مُسْتكرِهَ لَهُ" (¬5). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ" (¬6). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْع بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِل" قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: "يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَلْيَسْتَحْسِرْ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَع الدُّعَاءَ" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2139). (¬2) رواه البزار (2147 و 2148) زوائد الحافظ. (¬3) رواه أبو داود (1482). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (457). (¬5) رواه مسلم (2678). (¬6) رواه مسلم (2679). (¬7) رواه مسلم (2735).

أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمِ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحِدَى ثَلاَثٍ، إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا" قالوا: إِنا نكثر يا رسول الله، قال: "اللهُ أَكْثَرُ" (¬1). مسلم، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ، وَلَكَ بِمِثْلِ" (¬2). البخاري، عن عكرمة عن ابن عباس قال: انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك" (¬3). النسائي، عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ" (¬4). البزار، عن علي بن أبي طالب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ما يكرهه قال: "الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالِ" وإذا رأى ما يسره قال: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ" (¬5). النسائي، عن ربيعة الأسدي قال: رأيت عليًا رضي الله عنه أُتِيَ بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم كبر ثلاثًا وحمد الله ثلاثًا ثم قال: لا إله إلا الله سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومًا مثلما قلت ثم ¬

_ (¬1) ومن طريق ابن أبي شيبة رواه ابن عبد البر في التمهيد (5/ 344) وهو عند أحمد (3/ 18). (¬2) رواه مسلم (2732). (¬3) رواه البخاري (6337). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (211). (¬5) رواه البزار (1/ 104) ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1380).

استضحك، فقالوا: مِمَّ استضحكت يا رسول الله؟ قال: "يَعْجُبُ رَبُّنَا مِنْ قَوْلِ عَبْدِهِ سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلَّا أَنْتَ" (¬1). وللترمذي في هذا الحديث قال: بسم الله ثلاثًا، وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت (¬2). وقال: حديث حسن صحيح. مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخلِيفَةُ فِي الأَهْل، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكآبَةِ الْمنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلِبِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ" وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ وَلِرَبِّنَا حَامِدُونَ" (¬3). وفي رواية: "وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَالْحَوْرَ بَعْدَ الكَوْرِ وَدَعْو الْمَظْلُومِ" (¬4). الترمذي، عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا سافر "ادْنُ مِنِّي، أُوَدِّعْكَ كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "أَسْتَوْدع اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (502). (¬2) رواه الترمذي (3446). (¬3) رواه مسلم (1342). (¬4) رواه مسلم (1343) من حديث عبد الله بن سرجس. (¬5) رواه الترمذي (3443).

وعن أنس قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله إني أريد سفرًا فزودني، قال: "زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى" قال: زدني، قال: "وَغَفَرَ ذَنْبَكَ" قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: "وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُ كُنْتَ" (¬1). قال: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن خولة بنت حكيم أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرَّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ" (¬2). النسائي، عن أبي المليح عن ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا عَثَرَتْ بِكَ الدَّابَةُ فَلاَ تَقُلْ تَعسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَنَعْتُهُ، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ الله فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ" (¬3). النسائي، عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ" (¬4). وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبَلَغَ فِي الثّناءِ" (¬5). مسلم، عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَاْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3444). (¬2) رواه مسلم (2708). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (554). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (601). (¬5) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (180).

وَرَهْبَةَ إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ منْجا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيَّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ وَأَنْتَ عَلى الْفِطْرَةِ" قال: فرددتهن لاستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: "قُلْ: آمَنْتُ بِنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْتَ" (¬1). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه قال: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيى وَباسْمِكَ أَمُوتُ" وإذا استيقظ قال: "بِسْمِ اللهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (¬2). وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْالكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" قال: وإذا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، وإذا أَمْطَرت سُرِّيَ عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته، فقال: "لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} " (¬3). النسائي، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه حين يمسي وحين يصبح: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِيِني وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي". قال جبير: هو الخسف (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2710). (¬2) رواه مسلم (2711). (¬3) رواه مسلم (899). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (566).

أبو داود، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ناشئًا في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة، ثم يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا" وإذا رأى مطرًا قال: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيْئًا" (¬1). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلاَبِ وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لاَ تَرَوْنَ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدَّيَكَةَ فَسَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَيْطَانِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا" (¬3). وعن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ" (¬4). وذكر الدارقطني عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اطْلُبُوا الْخَيْرَ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ، فَإِنَّ للهِ نَفَحَاتِ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ" (¬5). أبو بكر بن أبي شيبة، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، قال: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِأَمْرِ فَلْيُصَلِّ ركْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يُسَمِّي الأَمْرَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5099). (¬2) رواه أبو داود (5103). (¬3) رواه مسلم (2729). (¬4) رواه مسلم (3009). (¬5) ورواه البغوي في شرح السنة (1378) وقال: غريب.

إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرتَكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ خَيْرًا لِي فِي دِيِني وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدِرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لِي فِي دِيِني وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدِرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ" (¬1). خرجه البخاري أيضًا (¬2). مسلم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا الله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ" (¬3). النسائي، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ، وَأَصْلحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" (¬4). وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بِهَا فِي بَطْنِ الحُوتِ لاَ إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَدْعُوَ بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءِ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ" (¬5). وفي طريق آخر: "إِذَا نَزَلَ بأَحَدٍ مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلاَءٌ مِنْ بَلاَءِ الدُّنْيَا وَدَعَا بِهِ فُرِّجَ عَنْهُ" (¬6). الترمذي، عن عمر بن الخطاب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في ¬

_ (¬1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة (10/ 285 - 286). (¬2) رواه البخاري (1166 و 2382 و 7390). (¬3) رواه مسلم (2730). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (651). (¬5) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (656). (¬6) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (655).

الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه (¬1). قال: حديث حسن صحيح غريب. مسلم، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللَّهُمَّ أَصْلحْ لِي دِيِني الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَة لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ" (¬2). وعن طارق بن أشيم أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزِقْنِي" ويجمع أصابعه إلى الإبهام قال: "فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ آخِرَتَكَ وَدُنْيَاكَ" (¬3). وعن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". وفي رواية: "فِي صَلاَتِي وَفِي بَيْتِي" (¬4). وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزَلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أعْلنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنتَ المُقدمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءً قَدِيرٌ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3386). وتفرد به حماد بن عيسى وهو ضعيف. (¬2) رواه مسلم (2720). (¬3) رواه مسلم (2697). (¬4) رواه مسلم (2705). (¬5) رواه مسلم (2719).

الترمذي، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفوَ فَاعْفُ عَني" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي، عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سَلُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فَإِنَّهُ مَا أُوتيَ عَبْدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرٌ مِنْ مُعَافَاةٍ" (¬2). الترمذي، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول: "رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَي، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغىَ عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَارًا، لَكَ ذَكَارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مِطْوَاعًا لَكَ مُخْبِتًا لَكَ أَؤَاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاهْدِ قَلْبِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي" (¬3). قال: حديث صحيح. وعن عبد الله بن يزيد الخطمي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّك وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ وَمَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُ فَاجْعَلْهُ لِيَ قُوَّةً فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أَحِبُّ فَاجْعَلْهُ لِي قُوَّةٌ فِيمَا تُحِبُّ" (¬4). قال: حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3513). (¬2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (881). (¬3) رواه الترمذي (3551). (¬4) رواه الترمذي (3491).

النسائي، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا جلس لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهن لجلسائه: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ حَنَّتَكَ، وَمنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، اللَّهُمَّ أَمْتِعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنا، وَاجْعَلِ ثَأْرَنَا عَلى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِيننَا وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمنَا، وَلاَ تُسَلِّط عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحُمَنَا" (¬1). البزار، عن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" (¬2). مسلم، عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا" (¬3). وعن عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" (¬4). وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذه الدعوات: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّار وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ¬

_ (¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (401). (¬2) رواه البزار (2157) زوائد الحافظ وقال: إسناده صحيح. (¬3) رواه مسلم (2722). (¬4) رواه مسلم (2739).

وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغسلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنْ الخَطَايَا كَمَا نَقّيْتَ الثَّوبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ" (¬1). وعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهذه الدعوات: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيا وَالْمَمَاتِ" (¬2). البخاري، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَمِنْ دَرْكِ الشَّقَاءِ وَمِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ" (¬3). في بعض طرق البخاري أن الراوي هو سفيان بن عيينة قال: زدت واحدة. الترمذي، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته قال: "بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلى اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نظْلِمَ أَوْ نظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا" (¬4). قال: حديث حسن صحيح. أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ" (¬5). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الأَخْلاَقِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (585). (¬2) رواه مسلم (2706). (¬3) رواه البخاري (6347 و 6616) ببعض تصرف. رواه مسلم (2717). (¬4) رواه الترمذي (3427). (¬5) رواه أبو داود (1544). (¬6) رواه أبو داود (1546).

باب

وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ" (¬1). البخاري، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء ذكره: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمَّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلْعِ الدّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ" (¬2). باب مسلم، عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأَتْرُجَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآن مَثلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثلُ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ" (¬3). وقال البخاري: "مَثلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأَتْرُجَةِ طَعْمهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالْمُومِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ. . . ." وذكر الحديث (¬4). مسلم، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهُ شَاقٌ لَهُ أَجْرَانِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1554). (¬2) رواه البخاري (6369). (¬3) رواه مسلم (797). (¬4) رواه البخاري (5059). (¬5) رواه مسلم (798).

وعن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغتى بِالْقُرْآنِ" (¬1). أبو داود، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصوَاتِكُمْ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُومِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرعْ بِهِ نَسَبُهُ" (¬3). البزار، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ" قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ" (¬4). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ، الأَلِفُ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (792). (¬2) رواه أبو داود (1468). (¬3) رواه مسلم (2699). (¬4) رواه البزار (2/ 107) النسخة الأزهرية وأحمد (3/ 127 و 127 - 128 و 242) وابن ماجه (215) والنسائي في فضائل القرآن (56) والدارمي (3329) وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 38) والحاكم (1/ 556) وغيرهم وهو حديث صحيح. (¬5) رواه الترمذي (2910).

قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَجِيءُ صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيَلْبِسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيَلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنةً" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. أبو داود، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِن مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةِ تَقْرَؤُهَا" (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلاَثٍ" (¬3). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرَّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا" (¬4). وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ مَثَلُ صَاحِبِ الإِبلِ الْمُعَلَّقَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ". زاد في طريق آخر: "وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ وَقَرأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ نَسِيَهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2915). (¬2) رواه أبو داود (1464). (¬3) رواه أبو داود (1390). (¬4) رواه مسلم (790). (¬5) رواه مسلم (7891).

أبو داود، عن المطلب بن عبد الله بن حطب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى القَذَاةَ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةِ أُوتيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا" (¬1). أنكر علي بن المديني أن يكون للمطلب سماعًا من أنس، وكذلك البخاري. قال البخاري: لا أعلم للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله حدثني من سمع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكر هذا كله الترمذي، وذكر هذا الحديث وقال: حديث غريب (¬2). البخاري، عن عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته أو جمله، وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة يقرأ وهو يرجع (¬3). وذكر في طريق آخر صفة الترجيع أأ أثلاث مرات (¬4). وعن قتادة: سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كانت مدًا، ثم قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم (¬5). الترمذي، عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: وما لكم وصلاته كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (461). (¬2) رواه الترمذي (2916). (¬3) رواه البخاري (5047). (¬4) رواه البخاري (7540). (¬5) رواه البخاري (5046).

ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح، ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. مسلم، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لَبَّبْتُهُ بردائه فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَرْسِلْهُ اقْرَأْ" فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ" ثم قال لي: "اقْرَأْ" فقرأت، فقال: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأقْرَؤُوا مَا شِئْتُمْ مِنْهُ" (¬2). البخاري، عن عثمان بن عفان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمْ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (¬3). الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ" (¬4). مسلم، عن ابن عباس قال: بينا جبريل عليه السلام قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه فقال: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ" فنزل منه ملك، فقال: "هَذَا مَلَك نزَلَ إِلَى الأَرْضِ وَلَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ" فسلم وقال: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَواتِيمُ سُورةِ الْبَقَرَةِ،، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْف مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطَيتَهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2923). (¬2) رواه مسلم (818). (¬3) رواه البخاري (5027). (¬4) رواه الترمذي (2913). (¬5) رواه مسلم (806).

مسلم عن أبي مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سِورَةِ الْبَقَرَة مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ" (¬1). مسلم، عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةِ آل عُمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَابَتَانِ أَوْ كَأنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرِ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورء الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعَهَا الْبَطَلَةُ". قال معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة السحرة (¬2). وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَك أعظم؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَك أعظم؟ " قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال فضرب في صدري وقال: "وَالله لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذر" (¬3). زاد أبو بكر بن أبي شيبة: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذ الآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتينِ تُقَدِّسُ الْملكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ" (¬4). مسلم، عن أبي الدرداء أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ" (¬5). وفي رواية: "مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (807). (¬2) رواه مسلم (804). (¬3) رواه مسلم (810). (¬4) وعن ابن أبي شيبة رواه عبد بن حميد (178). (¬5) رواه مسلم (809). (¬6) رواه البزار (1549) زوائد الحافظ. مسند البزار (227/ 1) النسخة الأزهرية وإسناده =

البزار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُل شَيْءٍ قَلْبًا وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يَس" (¬1). أبو عمر بن عبد البر، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أبَدًا". الترمذي، عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خَبَاءَهُ على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. . . .} حتى ختمها، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، وإذا فيه إنسان يقرأ سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. . . .} حتى ختمها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. مسلم، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَعْجُزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ " قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" (¬3). وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} " (¬4). ¬

_ = ضعيف انظر سلسلة الضعيفة (1/ 314) لشيخنا الألباني. (¬1) رواه ابن عبد البر في التمهيد (5/ 268 - 269) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (178 زوائده) وابن السني في عمل اليوم والليلة (680) وابن لال في حديثه (1/ 116) وابن بشران في الأمالي (20/ 38/ 1) والبيهقي في الشعب (2267 - 2270) وابن الضريس في فضائل القرآن (226) وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 38) وإسناده ضعيف. (¬2) رواه الترمذي (2890). (¬3) رواه مسلم (811). (¬4) رواه مسلم (814).

أبو داود، عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِي اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ" (¬1). النسائي، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فقال: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بخَيْرِ النَّاسِ وَشَرِّ النَّاسِ، إِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَو عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ أَوْ عَلَى قَدَمِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، وَإِن مِنْ شَرّ النَّاسِ رَجُلًا فَاجرًا يَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ لاَ يَرْعَوِي إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ" (¬2). أبو داود، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي، قال: "اقْرَؤُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقَدَحُ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلاَ يَتَأَجَّلُونَهُ" (¬3). البزار، عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئيَ عَلَيْهِ بِهْجَتُهُ، وَكَانَ رِدْءًا لِلِإسْلاَمِ اعْتَزَلَ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ وَخَرَجَ عَلَى جَارِهِ بِسَيْفِهِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ" (¬4). البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رجلًا قرأ، وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ خلافها، فجئت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرفته، فرأيت في وجهه الكراهية وقال: "كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1474). (¬2) رواه النسائي (6/ 11 - 12). (¬3) رواه أبو داود (830). (¬4) رواه البزار (131) زوائد الحافظ من حديث جندب عن حذيفة. (¬5) رواه البخاري (5062).

وعن جندب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ" (¬1). أبو داود، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ" (¬2). مسلم، عن عائشة قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأوُلَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فَاحْذرُوهُمْ" (¬3). الترمذي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إلَّا مَا عَلِمْتُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمَّداَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَال فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬4). وعن عدي بن حاتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضُلَّالٌ" (¬5). وعن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك وصدقناك وآمنا بك، قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بَنيهِ إذ قالوا الله على ما نقول وكيل قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال: "تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ" قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة؟ وكيف يذكر الرجل؟ قال: "يَلْتَقِي الْمَاءَانِ فَإِذَا عَلاَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5060 و 5061 و 7364 و 7365). (¬2) رواه أبو داود (4603). (¬3) رواه مسلم (2665). (¬4) رواه الترمذي (2951). (¬5) رواه الترمذي (2954).

الرَّجُلِ آنَثَتْ، وَإِذَا عَلاَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أُذْكَرَتْ" قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: "مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُوكَلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللهُ" قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: "زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ" قالوا: صدقت، قالوا: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: "كَانَ يَسْكُنُ الْبَدْوَ فَاشْتكَى عِرْقَ النَّسا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلاَوِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا" قالوا: صدقت، قالوا: فأخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة، فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك فإنه بقيت هذه حتى نتابعك؟ فقال: "جِبْرِيلُ" فقالوا: ذلك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذلك عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل الله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ. . . . .} إلى آخر الآية (¬1). البخاري، عن البراء بن عازب {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} وَهُمْ اليَهُود {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬2). وقد تقدم ذكر القبلة في الصلاة. البخاري، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَتُسْألُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيبر، فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتشهَدُونَ" ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) هو بهذا اللفظ عند النسائي في الكبرى (9572) وبلفظ قريب منه عند الطبراني في الكبير (12429) ولفظ أحمد (2483) أبعد منه، أما الترمذي فرواه (3117) مختصرًا جدًا. (¬2) رواه البخاري (399).

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} قال: عدلًا إِلى قوله: {شَهِيدًا} (¬1). وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فما أرى على أحد شيئًا ألَّا يطوف بهما، فقالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه ألا يَطُوفَ بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قُدَيْدٍ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (¬2). وعن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله عز وجل: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} الآية (¬3). وقال مسلم: عن البراء كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، قال: فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (¬4). الترمذي، عن ابن عمِر أَن الْجَوْني قال: كنا في سنة الروم فأخرجوا إلينا صفًا عظيمًا من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3339 و 4487 و 7349) ولفظه هو اللفظ الأخير. (¬2) رواه البخاري (4495). (¬3) رواه البخاري (4512). (¬4) رواه مسلم (3026).

المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقال: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التاويل، وإنما نَزَلَتْ هذه فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرًا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أموالنا قد ضاعت، وأن الله قد أعز الإسلام وكئر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يرد علينا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتَرَكْنَا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم (¬1). أبو داود، عن أبي أمامة التيمي قال: كنت رجلًا أَكْرِي في هذا الوجه، وكان ناس يقولون ليس لك حج، فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن إني رجل أكْرِي في هذا الوجه، وإن ناسًا يقولون ليس لك حج، قال: يعني ابن عمر: ألست تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجًا جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يجِبْهُ حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليه هذه الآية، وقال: "لَكَ حَجٌّ" (¬2). البخاري، عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومخبت وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية يتأثموا أن يتجروا في أموالهم، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في موسم الحج (¬3). وعن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2972) والنسائي في التفسير (48) وأبو داود (2512) وابن حبان (4711) والحاكم (2/ 275). (¬2) رواه أبو داود (1733). (¬3) رواه البخاري (1770 و 2050 و 2098 و 4519).

يسمون الخمس، وكان سائر العرب- يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬1). أبو داود، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} و {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا. . .} الآية، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْر} فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه (¬2). وعن ابن عباس أيضًا قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} نسختهما التي في المائدة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. . .} الآية (¬3). الترمذي، عن البراء بن عازب قال: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل، قال: فكان الرجل يأتي من نخله وعلى قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، وكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل، وكان ناس لا يرغبون في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحَشَفُ، وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4520). (¬2) رواه أبو داود (2871). (¬3) رواه أبو داود (3672).

عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ. . .} الآية، قال: ولو أن أحدكم أُهْدِيَ إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على اغماض وحياء، قال: فكنا بعد يأتي أحدنا الرجل بصالح ما عنده (¬1). البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَشُهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ صَدن الشَّيْطَانِ إِيَّاهِ إلَّا مرْيَمَ وَابْنَها" ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬2). الترمذي، عن معاوية بن حَيْدة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "إِنَّكم تتمُونَ سَبْعِينَ أُمَةً أَنْتم خَيْرُها وَأَكْرَمُها عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ" (¬3). مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: فينا نزلت: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} بنو سلمة وبنو حارثة، وما يحب أنها لم تنزل لقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (¬4). البخاري، عن البراء بن عازب قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرجالة عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين وذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، ولم يبق من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثني عشر رجلًا (¬5). مسلم، عن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أحد فرجع ناس ممن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2987). (¬2) رواه البخاري (4548) ومسلم (2366). (¬3) رواه الترمذي (3001). (¬4) رواه مسلم (2505). (¬5) رواه البخاري (4067).

كان معه، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم فرقتين، قال بعضهم: نقتلهم، وقال بعضهم: لا نقتلهم، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (¬1). البخاري، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال: قُطِعَ على أهل المدينة بعث، فاكتُتِبْتُ فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني أشد النهي ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل فأنزل الله عز وجل: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ. . . . .} الآية (¬2). مسلم، عن عائشة {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا. . .} الآية قالت: أنزلت في المرأة تكون عند الرجل فتطول صحبتها فيريد طلاقها فتقول: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل مني، فنزلت هذه الآية (¬3). وعن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} قال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات في يوم جمعة (¬4). وعن عبد الله بن مسعود قال: لما أنزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أيُّنَا لا يظلم نفسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2776). (¬2) رواه البخاري (4596). (¬3) رواه مسلم (3021). (¬4) رواه مسلم (3017).

هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لابنهِ {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " (¬1). وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمسُ مِنْ مَغْرِبِها آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُم أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} " (¬2). وعن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يعيرني تطوفًا تجعله على فرجها، فنزلت هذه الآية: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬3). الترمذي، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} قال قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة أصبعه الأيمن فساخ الجبل وخر موسى صعقًا (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. مسلم، عن المسيب بن حزن قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَمِّ قُلْ: لاَ إِله إِلَّا اللهُ كَلِمَةَ أَشْهدُ لَكَ بِها عِنْدَ اللهِ" فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْة عَنْكَ" فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (124). (¬2) رواه مسلم (157). (¬3) رواه مسلم (3028). (¬4) رواه الترمذي (3074).

أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} وأنزل الله عز وجل في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬1). النسائي، عن صهيب قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُم عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجزَكُمُوهُ، قَالُوا: أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهنَا وَيثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُدخِلنا الْجَنَّةَ وَيَجُزنَا مَنَ الَنَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِم مِنَ النَّظَرِ إِلى وَجْهِهِ وَلاَ أَقَرَّ لأَعْيُنِهِمْ" (¬2). الترمذي، عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هوَاءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلى الْمَاءِ" (¬3). قال يزيد بن هارون: أي ليس معه شيء. قال أبو عيسى: أبو رزين اسمه لقيط بن عامر، وهذا حديث حسن. وذكر أبو أحمد من حديث عفان بن مسلم قال: نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْطِي يُوسُفُ وَأُمُّهُ شَطْرَ الْحُسْنِ" (¬4). قال أبو أحمد: عفان أشهر وأصدق وأوثق من أن يقال فيه بشيء. هكذا قال في عفان وهو كما قال. وقال مسلم في هذا الحديث: نا شيبان بن فروخ نا حماد بن سلمة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (24). (¬2) رواه النسائي في التفسير (254). (¬3) رواه الترمذي (3109). (¬4) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 385).

ولم يذكر أمه وعفان أجل من شيبان (¬1). الترمذي، عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، فحاص الناس حَيْصَةً، فقدمنا المدينة فاختبينا بها وقلنا: هلكنا، ثم أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله نحن الفرارون، قال: "بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا جِئْتُكُمْ" (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وحاص الناس: فروا من القتال، والعكار الذي يفر إلى أمامه لينصره وليس يريد الفرار من الزحف. وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أُبَيِّ بن كعب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَا أُبيُّ وهو يصلي، فالتفت أُبَيٌّ ولم يجبه، وصلى أُبَيٌّ وخفف ثم انصرف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، مَا مَنَعكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟ " فقال: يا رسول الله إني كنت في الصلاة، قال: "أَفَلم تَجِن فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} قال: بلى ولا أعود إن شاء الله، قال: "أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرقَانِ مِثْلُها؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلاَة؟ " قال: فقرأ أم القرآن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِيِ بِيَد مَا فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجيلِ وَلاَ فِي الْفُرقَانِ مِثْلُها، وَإِنَّها لَلسَّبْعُ الْمَثاني وَالْقُرآنُ الْعَظيمُ الَّذِي أُعطيتُهُ" (¬3). قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (162). (¬2) رواه الترمذي (1716). (¬3) رواه الترمذي (2875).

وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَمدُ للهِ أُمُّ الْقرآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ ودُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتهى طَرفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ ثُمَّ أتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي تَربِطُ فِيها الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِد فَصَلَيْتُ فِيهِ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بَإِنَاءٍ مِنْ خمرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جبْرِيلُ: اخْترتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتفتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلِ: وَمَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحمَدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، ففُتِحَ لنا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ - صلى الله عليه وسلم -. فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْر، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتفتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنا بِابْنَي الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَيَحيَى بْنِ زكَرِيا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، فَرَحَّبَا وَدَعَوا لِي بِخَيْر، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتفتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنا بِيُوسُفَ إِذَا هُوَ قَدْ أُعطِي شَطْرَ الْحُسْنِ، قَالَ: فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتفتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لنا فإذَا أَنَا بِإدرِيسَ - صلى الله عليه وسلم -. فَرحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3124).

قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنا بِهارُونَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتفتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، ففُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنا بِمُوسَى فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بُخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتفتَحَ جِبرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَك؟ قَال: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بإِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدخُلُهُ كُل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ انْتهى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتهى وَإِذَا أَوْرَاقُها كآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرها كَالْقِلاَلِ، قَالَ: فَلَمَا غَشِيها مِنْ أمرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مَنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِها، فَأوحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمسِينَ صَلاَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فنزَلْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلى أُمَّتِك؟ قُلْتُ: خَمسِينَ صَلاَةً، قَالَ: ارجع إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ الْتَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُم، قَالَ فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خمسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خمسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجَع إِلَى رِبِّكَ فَاسْألهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَل أَرجِعُ بَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَتِلْكَ خَمسُونَ صَلاَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يعمَلها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلها كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسيِّئَةٍ فَلمْ يَعمَلها لَمْ تكتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلها كُتِبَت سَيِّئَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتهيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبرتُهُ فَقَالَ: ارجع إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفِ" فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَقُلْتُ: قَدْ رَجعتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحيَيْتُ مِنْهُ" (¬1). وعن عبد الله بن مسعود: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (162).

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} قال: كان نفر من الإنس يعبد ون نفرًا من الجن، فأسلم النفر من الجن فاستمسك الإنس بعبادتهم، فنزل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (¬1). وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوار بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيّه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون قراءتك {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} يقول بين الجهر والمخافتة (¬2). وذكر أبو أحمد من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ مجمع بينهما قال: إفريقية (¬3). هذا يرويه محمد بن أبان بن صالح وكان من رؤساء المرجئة، فتكلم فيه من أجل ذلك، ومع ذلك يكتب حديثه. مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون {يَآأُختَ هَارُونَ}، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألت عن ذلك فقال: "إِنَّهُم كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ" (¬4). وروى يحيى بن عمرو بن مالك البكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - كاتب يسمى السجل وهو قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3030). (¬2) رواه مسلم (446). (¬3) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 128 - 129). (¬4) رواه مسلم (2135).

السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} قال: كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. تفرد به يحيى وقد تقدم ذكره في الأيمان والنذور، وحديثه خرجه أبو أحمد (¬1). وخرجه أبو داود من كتاب الإمارة من كتابه من حديث يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد (¬2). يزيد بن كعب ليس ممن يحتج به فيما أعلم. أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ" (¬3). البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَلْقَى إِبْرَهِيمُ أباهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلم أَقُلْ لَكَ لاَ تَعصِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لاَ أعصِيكِ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعدتَني أَلَّا تُخْزِيَني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدَ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي حَرَّمتُ الْجَنَّةَ عَلى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحتَ رِجْلَيْك؟ فَإِذَا هُوَ بِذِبحٍ مُلْتَطخٍ فَيُؤخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ" (¬4). زاد أبو بكر البزار: "فَيَقُولُ أَبُوكَ، فَيَقُولُ: لاَ أَعرِفُكَ" (¬5). الحميدي، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل جبريل: "أَيَّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ " قال: أتمهما وأكملهما (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (7/ 205). (¬2) رواه أبو داود (2935) وحكم شيخ الإسلام ابن تيمية بوضعه. (¬3) وعن أبي بكر بن أبي شيبة رواه ابن ماجه (4341). (¬4) رواه البخاري (3350 و 4768 و 4769). (¬5) رواه البزار (1/ 267) المخطوطة الأزهرية. (¬6) رواه الحميدي في مسنده (535).

الترمذي، عن خيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وذلك قول الله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} قال ناس من المشركين لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارسًا في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر، والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع؟ قال: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فَسَمِّ بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فَعَاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله عز وجل قال: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} قال: وأسلم عند ذلك ناس من المشركين (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. البخاري، عن أبي ذر قال: قال رسول الله لأبي ذر حين غربت الشمس: "تَدرِي أَيْنَ تَذهبُ؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فَإِنَّها تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحتَ الْعرشِ، فَتَسْتأْذِنُ فَيُوذَنُ لَها، وَيُوشَكُ أَنْ تَسْجُدَ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْها، وَتَسْتَأذِن فَلاَ يُوذَنُ لَها، يُقَالُ لَها: ارجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبها، وَذَلِكَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3194).

قَوْلُهُ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} (¬1). الطحاوي، عن أبي هريرة قال: لما نزل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} قال: من هم يا رسول الله؟ قال: وسلمان إلى جنبه قال: "هُمُ الْفُرسُ هذَا وَقَوْمُهُ". وذكر يحيى بن سلام عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث عن ليلة أسري به فقال في حديثه فيما رأى في السماء السابعة: "ثُمَّ رفعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعمُورُ فَإِذَا هُوَ حِيَالَ الْكَعبَةِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هذَا؟ قَالَ: الْبَيْتُ الْمعمُورُ يدخُلُهُ كُل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرُ مَا عَلَيْهم" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} قال: رأى جبريل في صورته له ست مئة جناح (¬3). البخاري، عن أبي هريرة قال: كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثًا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان ثم قال: "لَوْ كَانَ الإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا [عِنْدَ الثُّرَيَّا] لَنَالَهُ رِجَال مِنْ فَارِسَ أَوْ رِجَالٌ مِنْ هؤُلاَءِ" (¬4). وذكر قاسم بن أصبغ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} فقلت: ما أطول هذا! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3199). (¬2) ورواه مسلم (164) من رواية ابن أبي عدي عن سعيد، وليس عنده "فإذا هو حيال الكعبة". (¬3) رواه مسلم (174). (¬4) رواه البخاري.

نَفْسِي بِيدهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ يُصَلِّيَها فِي الدُّنْيَا" (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءَ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زَيدَ فِيها حَتَّى تَعلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} (¬2). قال: هذا حديث صحيح. مسلم، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبَّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، (وهو التعبد) الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فَجِئَهُ الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني قال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترجفَ بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فزملوه حتى ذهب عنه من الروع، قال لخديجة: "أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي؟ " فأخبرها الخبر، قال: "لَقَدْ خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي" قالت له خديجة: كلا أبشر فوالله لا يُخْزِيكَ الله أبدًا، والله إنك لتصَل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ¬

_ (¬1) ورواه أحمد (3/ 75) وابن حبان (7334) وأبو يعلى (1390) وابن جرير (29/ 72) والبيهقي في البعث والنشور (263) وإسناده ضعيف. (¬2) رواه الترمذي (3334).

ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرءًا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخًا كبيرًا، فقالت له خديجة: أي عم اسمع من ابن أخيك، قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران، يا ليتني فيها جذعًا، يا ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ " قال ورقة: نعم لم يأت رجل بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا" (¬1). الترمذي، عن أبي هريرة قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} قال: "أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشهدَ عَلى كُلِّ حرَّ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِها، تَقُولُ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فهذِهِ أَخْبَارُها" (¬2). قال: حديث حسن صحيح غريب. وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهبٍ، وَمَجْرَاهُ عَلى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُربَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أحلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ" (¬3). قال: حديث حسن صحيح. وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى القمر فقال: "يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هذَا فَإِنَّ هذَا {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} " (¬4). قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (160). (¬2) رواه الترمذي (3353). (¬3) رواه الترمذي (3361). (¬4) رواه الترمذي (3366).

باب في الرؤيا

البزار، عن عبد الله بن مسعود قال: كل شيء نزل يا أيها [الناس] فهو بمكة، وكل شيء نزل يا أيها الذين امنوا فهو بالمدينة (¬1). وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فاتحة السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فإذا نزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علم أن السورة قد ختمت واستقبلت وابتدأت سورة أخرى (¬2). يرويه جماعة مرسلًا. باب في الرؤيا البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الل - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤمِنِ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأربَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوُّةِ فَإِنَّهُ لاَ يَكْذِبُ" (¬3). وقال مسلم في هذا الحديث: "أَصدَقكم رُؤْيَا أصدَقُكُم حَدِيثًا" وفيه "وَالرُّؤْيَا ثَلاَثٌ، فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَخزِينٌ مِنَ الشِّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُم فَلْيَقم وَلْيُصَلِّ وَلاَ يُحَدث بِهِ النَّاسَ. . . . . . ." وذكر الحديث (¬4). مسلم، عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُم مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِب وَإِذَا ¬

_ (¬1) رواه البزار (2186) كشف الأستار. (¬2) ورواه أبو داود (788) مختصرًا. (¬3) رواه البخاري (7017). (¬4) رواه مسلم (2263).

رأَى مَا يَكْره فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا وَلْيتعوَذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَلاَ يُحَدِّث بِها أَحَدًا فَإِنَّها لاَ تَضُرُّهُ" (¬1). وعن جابر بن عبد الله عن رسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا رَأَى أَحَدُكمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثًا، وَلْيَتَحَوَّل عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ" (¬2). البخاري، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبها فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ فَلْيحمَدِ الله عَلَيْها وَلْيُحَدِّثْ بِها، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ وَلاَ يَذْكُرها لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ" (¬3). النسائي، عن أبي قتادة في هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمِ الشَّيْءَ يعجِبُهُ فَلْيعرِضْهُ عَلَى ذِي رَأْيٍ نَاصح فَلْيَتَأَؤَلْ خَيْرًا وَلْيَقُلْ خَيْرًا" (¬4). الترمذي، عن أبي رزين لقيط بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُؤْيَا الْمُؤمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأربَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ عَلى رِجْلِ طَائِرِ لَمْ يُحَدِّثْ بِها فَإِذَا حَدَّثَ بِها وَقَعَتْ" (¬5). قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي مسند شعبة من الزيادة: "فَلاَ يُحَدِّثَنَّ بِها إِلَّا حَبِيبًا أَوْ لَبِيبًا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2261). (¬2) رواه مسلم (2262). (¬3) رواه البخاري (6985). (¬4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (909). (¬5) رواه الترمذي (2279). (¬6) رواه علي بن الجعد في الجعديات (1772).

الترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَصدَقُ الرُّؤْيَا بِالأَسْحَارِ" (¬1). الترمذي، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ، فَرُؤْيَا حَقٌّ وَرُؤْيَا يُحدَثُ بِها الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَرُؤْيَا تَحزِينٌ مِنَ الشِّيْطَانِ، فَمَن رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُم فَلْيُصَلِّ" وكان يقول: "يُعْجِبُنِي الْقَيْدُ وَيكْرهُنِي الْغُلَّ" القيد ثبات في الدين، وكان يقول: "مَنْ رآنِي فَإِنِّي أَنَا هُوَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يتمَثَّلَ بِي" وكان يقول: "لاَ تَقُصُصِ الرُّؤْيَا إلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ" (¬2). قال: هذا حديث صحيح. البخاري، عن أبي سعيد الخدري سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَد رَأى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَكَوَّن بي" (¬3). وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ رآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقْظَةِ وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي" (¬4). وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللهُ بِها يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ فِيها وَلَيْسَ بِنَافِخٍ، وَمَنْ تَحلَّمَ كُلِّفَ أَنْ يَعقِدَ شَعِيرَتَيْنِ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْم يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬5). وفي طريق آخر: "وَمَنْ تَحَلَّم بِحِلْمٍ لَم يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2274). (¬2) رواه الترمذي (2280). (¬3) رواه البخاري (6997). (¬4) رواه البخاري (6993). (¬5) رواه البخاري (2225 و 5963 و 7042). (¬6) رواه البخاري (7042).

باب في ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين

باب في ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، إلى هنا انتهى النسب الصحيح، وما فوق عدنان فمختلف فيه، ولا خلاف بينهم في أن عدنان من ولد إسماعيل الذبيح ابن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام. وكنيته - صلى الله عليه وسلم -: أبو القاسم وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهنا تجتمع مع أبيه في النسب. وصفته - صلى الله عليه وسلم -: ليس بالطويل البائن ولا القصير ولا الأبيض الأبهق ولا الآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، رجل الشعر أزهر اللون مشربًا بحمرة في بياض، كأن وجهه القمر حسن العنق ضخم الكراديس أوطف الأشفار أدعج العينين في بياضهما عروقٌ رقاقٌ حمر، حسن الثغر واسع الفم حسن الأنف، إذا مشى كأنه يَتَكَفَّأَ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض، ضخم اليدين لينهما قليل لحم العقبين كث اللحية واسعها، أسود الشعر ليس لرجليه أخمص إذا طول شعره فإلى شحمة أذنيه ومع كتفيه، وإذا قصره فإلى أنصاف أذنيه لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبة، وكان عليه السلام ربعة فإذا مشى مع الطوال طالهم. وأسماؤه - صلى الله عليه وسلم -: محمد وأحمد والماحي يمحو الله به الكفر، والحاشر يحشر الناس على عقبه، والعاقب ليس بعده نبي، والمقفى ونبي التوبة، ونبي الملحمة والمتوكل، وسماه الله رؤوفًا رحيمًا.

ولد - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل لثمان وقيل لاثنتي عشرة ليلة، ووافق من الشهور الأعجمية شهر إبريل وذلك قبل قدوم الفيل بشهر، وقيل بأربعين يومًا وقيل بخمسين يومًا، وكان مولده بمكة، قيل مات أبوه وهو ابن سبعة أشهر وقيل بل تركه حملًا وهو الصحيح، وماتت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة ولم يستكمل له سبع سنين، ثم كفله عمه أبو طالب. وبعث - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لثلاث [لثمان] مضين لربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، وقيل عشر سنين وثلاث عشرة ليلة أكثر وأشهر، وقدم - صلى الله عليه وسلم - المدينة يوم الاثنين وهو الثامن من ربيع الأول سنة أربع وخمسين من عام الفيل على قول الخوارزمي، ومكث بها عشر سنين. وتوفي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة هذا هو الأشهر، كان ابتداء مرضه عند عائشة، واشتد ألمه في بيت ميمونة، ومرض في بيت عائشة بإذن أهله، وعندها مات يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول، ووافق موته يومها الذي كان يدور عليها فيه، ودفن يوم الثلاثاء وقيل ليلة الأربعاء، وكانت علته اثني عشر يومًا - صلى الله عليه وسلم -. ونساؤه - صلى الله عليه وسلم -: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، وهي أول من تزوج تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، ثم تزوج بعدها سودة بنت زمعة من بني عامر بن لؤي، ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق بمكة وبنى بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب بعد الهجرة بسنتين وأشهر، ثم تزوج زينب بنت خزيمة من بني هلال بن عامر وتوفيت بعد ضمه لها بشهرين، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية واسمه حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم وهي آخر نسائه موتًا، وقيل آخرهن موتًا صفية، وتزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة

ماتت في أول خلافة عمر بن الخطاب، ثم تزوج جويرية بنت الحارث من بني المصطلق من خزاعة، ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية، وقيل اسمها هند تزوجها وهي ببلاد الحبشة، وكانت هناك مهاجرة وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينارًا وسيقت إليه من هناك، وماتت في أيام أخيها معاوية، وتزوج أثر فتح خيبر صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون بن عمران أخي موسى بن عمران صلى الله عليهما وهو عمران بن قاهات بن لاوي ابن رسول الله يعقوب - صلى الله عليه وسلم -، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج تزوجها بمكة في عمرة القضاء وماتت أيام معاوية وقبرها بسرف، وقعت عليه السلام في الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها، وهو الصحيح في أزواجه، ولم يتزوج بكرًا غير عائشة. وكان له من الولد القاسم وبه يكنى عاش أيامًا يسيرة وولد له قبل النبوة، وولدان آخران اخْتُلِفَ في اسم أحدهما، ولا تخرج الرواية في ذلك عن عبد الله والقاسم والطيب والطاهر وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم، وهؤلاء كلهم ولدوا بمكة من خديجة، وولد له بالمدينة إبراهيم من مارية القبطية وكانت سريته - صلى الله عليه وسلم -[أهداها له المقوقس] ملك الاسكندرية، ومات إبراهيم قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهر [وكا [ن] عمره عامين غير شهرين]، وكانت له سرية أخرى اسمها ريحانة بنت شمعون من بني قريظة وقيل من بني النضير ماتت قبله عليه السلام، وقيل ماتت مرجعه من حجة الوداع. فقلتا: أكثر هذا الباب من المرتبة الرابعة لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم. مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا سَيِّدُ وَلَد آدَمَ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ، وَأَنا أَوَّلُ مَنْ يَنْشَق عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَنا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلَ مُشَفَّعٍ" (¬1). مسلم، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَي قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعرِفُهُ الآنَ" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وكانت فلقة دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْهدُوا" (¬3). مسلم، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين (¬4). أبو داود الطيالسي، عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال: فجاء السفار فقالوا كذلك (¬5). البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة، فتوضأ فجهش الناس نحوه، فقال: "مَا لَكُمْ؟ " قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا ماء نشرب إلا من بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة (¬6). الترمذي، عن عبد الله بن مسعود قال: إنكم تعدون الآيات عذابًا وإنا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2278). (¬2) رواه مسلم (2277). (¬3) رواه مسلم (2800). (¬4) رواه مسلم (2802). (¬5) رواه أبو داود الطيالسي (2447). (¬6) رواه البخاري (3576 و 4152 و 4153 و 4154 و 4840 و 5639).

كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركة، لقد كنا نأكل الطعام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسمع تسبيح الطعام، قال: وأوتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حَيَّ عَلَى الْوُضُوءِ الْمُبَارك وَالْبَرَكَةِ مِنَ السَّمَاء" حتى توضأنا كلنا (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. الترمذي، عن سمرة بن جندب قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كنا مع نتناول في قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة، قلنا: فما كانت تمد؟ قال: من أي شيء تعجب ما كانت تمد إلا من ها هنا وأشار بيده إلى السماء (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن (¬3). قال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاَتَّخَذْتَ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ صَاحِبَكُم خَلِيلًا" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اهْدَأَ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3633). (¬2) رواه الترمذي (3625). (¬3) رواه الترمذي (505). (¬4) رواه مسلم (2383). (¬5) رواه مسلم (2417).

الترمذي، عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحراء، فقال: "اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" قيل: ومن هم؟ قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، قيل: فمن العاشر؟ قال: أنا (¬1). مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُها الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجرَّاحِ" (¬2). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسبُّوا أصحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بيدهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكم أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهم وَلاَ نَصِيفَه" (¬3). البزار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلى الْعَالَمِينَ سِوى النَّبِيِّينَ وَالْمرسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصحَابِي أَربَعَةً -يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا- وَجَعَلَهم أَصحَابِي، وَقَالَ فِي أصحَابِي كُلُّهم خَيْرٌ، وَاخْتَار أُمَّتِي عَلى الأُمَمِ، وَاخْتَارَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَ قُرُونٍ الأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابعُ" (¬4). ذكره أبو موسى بن سهل وغيره ولم يقل يعني. البزار، عن أبي الدرداء قال: سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ اللهَ قَالَ لِعِيسَى ابْنِ مريَمَ إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بعدِكَ أُمَّةً إِنْ أَصَابَهم مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا، وَإِنْ أَصَابَهم مَا يَكْرَهُونَ احتَسَبُوا وَصَبَرُوا وَلاَ حُلْمَ وَلاَ عِلْمَ، قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3757). (¬2) رواه مسلم (2419). (¬3) رواه مسلم (2540). (¬4) رواه البزار (2019) زوائد الحافظ.

باب الفتن والشروط

يا رَبِّ كَيْفُ هذَا وَلاَ حِلْمَ وَلاَ عِلْم؟ قَالَ: أُعْطِيهم مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي" (¬1). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ" (¬2). باب الفتن والشروط مسلم، عن زيد بن ثابت قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: "مَنْ يعرِفُ أَصحَابَ هذه الأَقْبُر؟ " فقال رجل: أنا، قال: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاَء؟ " قال: ماتوا في الإشراك، فقال: "إِنَّ هذه الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورها، فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدفنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُم مِنْ عَذَاب الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ" ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: "تَعَوَذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظهرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ" قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فلا: "تَعوَّذُوا باللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ" قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال (¬3). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ ¬

_ (¬1) رواه البزار (2845) وأحمد (6/ 450) والطبراني في الكبير والأوسط (ص 379 مجمع البحرين) وفي مسند الشاميين (2050) والحاكم (1/ 348) والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 355 - 356) وحكم عليه شيخنا الألباني بالوضع. (¬2) رواه مسلم (2832). (¬3) رواه مسلم (2867).

اللَّيْلِ المُظْلِم، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا وَيُمسِي كَافِرًا أَوْ يُمسِي مُؤمِنًا وَيصبِح كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرِضٍ مِنَ الدُّنْيَا" (¬1). مسلم، عن حذيفة قال: أخبرنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين قد رأيت أحدهما وأنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُها مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرها مِثْلَ الْمَحِلِ كَجَمرٍ دَحرَجْتَهُ عَلى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ" (ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله) فَيُصبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بني فُلاَنِ رَجُلاَ أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خردَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقد أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايعتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماَ لَيَرُدَّنَهُ عَلَيَّ دَينَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يَهُودِيًّا لَيَرُدَنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأَبَايعَ مِنْكم إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا" (¬2). مسلم، عن حذيفة قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، قال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم فقلت: أنا قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبها نُكِتَ فِيهِ نُكْتَهٌ سَوْدَاءُ وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرها نُكِتَ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلى قَلْبَيْنِ عَلى أَبْيَضَ مِثْلَ الصَّفَا، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُربَادًّا كَالْكُوزِ مُجخِّيًا لاَ يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (118). (¬2) رواه مسلم (143).

هَوَاهُ" قال حذيفة: وحدثْتُهُ أن بينك وبينه بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر، قال عمر: أكسرًا لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قلت: بل يكسر وحدثتُهُ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثًا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد الأحمر: قلت لسعد يعني ابن طارق: يا أبا مالك وما أسود مُربَادًا؟ قال: شدة البياض في سواد، قال: قلت: فما الكوز مجخيًا؟ قال: منكوسًا (¬1). مسلم، عن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعًا يقول: "سُبْحَانَ اللهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَات؟ (يريد أزواجه) لِكَيْ يُصلِّيَنَ، رُبَّ كَاسِيَة فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ" (¬2). مسلم، عن زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ من نومه وهو يقول: "لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ مِثْلُ هذِهِ" وعقد سفيان يده عشرًا، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" (¬3). مسلم، عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرف على أطم من أطام المدينة قال: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى، إِنِّي لأَرَى مَوَاقع الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتكُم كَمَوَاقع الْقَطْرِ" (¬4). البزار، عن كرز بن علقمة قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل للإسلام من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (144). (¬2) لم يروه مسلم وإنما رواه البخاري (115 و 126 و 5844 و 6218 و 7069) وأحمد (6/ 297) والترمذي (2196) وأبو يعلى (6988) وابن حبان (691) والطبراني في الكبير (23/ 833 و 835 و 836). (¬3) رواه مسلم (2880). (¬4) رواه مسلم (2885).

منتهى؟ قال: "أَيُّمَا بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَرادَ اللهُ بِهم خَيْرًا أَدخَلَ عَلَيْهمْ الإِسْلاَمَ" قال: ثم مه، قال: "ثُمَّ تَرتَفِعُ [تَقَعَ] الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الْظُّلَلُ" قال: كلا والله إن شاء الله، قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ لَتَعُودُنَّ فِيها أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ" (¬1). أبو داود، عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَدُورُ رِحَى الإسْلاَمٍ لِخَمسٍ وَثَلاَثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلاَثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلاَثِينَ، فَإِنْ يُهْلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُم لَهُم دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا" قال: قلت: أمما بقي أم مما مضى؟ قال: "مما مضى" (¬2). قال الهروي في تفسير هذا الحديث: قال الحربي: ويروى تزول وكأن تزول أقرب لأنها تزول عن ثبوتها واستقرارها وتدور بما تكرهون وبما تحبون، فإن كان الصحيح سنة خمس فإن فيها قَدِمَ أهل مصر وحصروا عثمان، وإن كانت الرواية سنة ست ففيها خرج طلحة والزبير إلى الجمل، وإن كانت سنة سبع ففيها كان صفين. وقال الخطابي: يريد عليه السلام أن هذه المدة إذا انقضت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف لذلك على أهله الهلاك، يقال للأمر إذا تغير واستحال دارت رحاه، وهذا والله أعلم إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة، وقوله: يعني "يقم لهم دينهم" أي ملكهم وذلك من لدن بايع الحسن معاوية إلى انقضاء أيام بني أمية من المشرق نحوًا من سبعين سنة، والدين الملك والسلطان. مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه البزار (3353 كشف الأستار) وعبد الرزاق (20747) وعنه أحمد (3/ 477) ورواه الطبراني في الكبير (19/ 442 - 446). (¬2) رواه أبو داود (4254).

الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يعبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحرِيش بَيْنَهم" (¬1). مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُهْلِكُ أمَّتِي هذَا الحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعتزلُوهُم" (¬2). مسلم، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّها سَتكونُ فِتَنٌ أَلاَ ثمَّ تَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيها، وَالْمَاشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْها أَلاَ فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبلٌ فَلْيَلْحَقْ بِجلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأرضِهِ" فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يَعمَدُ إِلى سَيْفِهِ فَيَدق عَلى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِينْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ، اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلغْتُ اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ" فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني، قال: "يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ فَيَكُونُ مِنْ أَصحَابِ النَّارِ" (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَتكونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَها تَسْتشرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيها مَلْجَأً فَلْيُعِذْ بِهِ" (¬4). أبو داود، عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤمِنًا وَيمسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤمِنًا وَيُصبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2812). (¬2) رواه مسلم (2917). (¬3) رواه مسلم (2887). (¬4) رواه مسلم (2886).

فَكَسِّرُوا قِسيَّكم وَقَطِّعُوا أَوْتَاركُم وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُم بِالْحِجَارة فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدِكُم فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ" (¬1). أبو داود، عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الفتن، قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فاضعه على عاتقي؟ قال: "شَاركْتَ الْقَوْمَ إِذًا" قال: فما تأمرني؟ قال: "تَلْزَمُ بَيْتكَ" قال: فإن دخل عليَّ بيتي؟ قال: "فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَألق ثَوْبَكَ عَلى وَجْهِكَ يَبُوءُ بإثْمِكَ وَإِثْمِهِ" (¬2). النسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهم وَخَانَتْ أَمَانَاتُهُم وَكَانُوا هكَذَا" وشبك بين أصابعه فقمت إليه فقلت: كيف أصنع عند ذلك يا رسول الله جعلني الله فداك؟ قال: "الْزَم بَيْتِكَ وَأمسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ مَا تَعرِفُ وَدع مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدع عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ" (¬3). مالك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشَكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتَّبعُ بِها شَعَبَ الْجبَالِ، وَمَوَاقع الْقَطْرِ يَفرُّ بدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ" (¬4). مسلم، عن معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْعِبَادَةُ فِي الْهرَج كهِجْرَة إِلَيَّ" (¬5). أبو داود، عن المقدام قال: ايم الله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمِنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ، لَمَنْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4259). (¬2) رواه أبو داود (4261). (¬3) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (205). (¬4) رواه مالك (2/ 243). (¬5) رواه مسلم (2948).

جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمنِ ابْتُلِي فَصَبَرَ فَوَاهًا" (¬1). مسلم، عن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نَعَم" فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نَعَم وَفِيهِ دَخَنٌ" قلت: وما دَخَنَه؟ قال: "قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيهْدونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعرِفُ مِنْهُم وَتُنْكِرُ" فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نَعَم دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُم إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيها" فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "نَعَم قَوْمٌ مِنْ جَلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِألسِنَتِنَا" قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وإمَامَهمْ" قال: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فَاعتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّها وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلى أَصلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلى ذَلِكَ" (¬2). أبو داود، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ زَوى لِي الأَرضَ" أو قال: "إِنَّ رَبِّي زَوى لِي الأَرضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقها وَمَغَارِبها، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِي لِي مِنْها، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وإِنِّي سَألتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَهم بِسَنَةٍ بِعَامَةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِم عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنْفُسِهم فَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُم، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَلاَ أُهْلِكُهُم بِسَنةٍ بِعَامَةٍ، وَلاَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِم عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنْفُسِهِم فَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُم، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِم مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِها، أو قال: بِأَقْطَارها حَتَّى يَكُونَ بَعضُهُم يُهْلِكُ بَعضًا، وَحَتَّى يَكُونَ بَعضُهُم يَسْبِي بَعضًا، وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمتِي لَمْ يُرفَع عَنْها إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلاَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4263). (¬2) رواه مسلم (1847).

تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأوثانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلُّهُم يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنا خَاتَم النَّبِيِّينَ لاَ نبِيَّ بعدِي، وَلاَ تَزَالُ طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُم مَنْ خَالَفَهم حَتَّى يَأتِي أَمرُ اللهِ" (¬1). مسلم، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، فدعا ربه طويلًا ثم انصرف إلينا فقال: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَألتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعطَانِيها، وَسَألتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيها، وَسَألتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأسَهُم بَيْنَهُم فَمَنَعَنِيها" (¬2). مسلم، عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" فقلت: أو قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ" (¬3). البخاري، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا" (¬4). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَرْجِعُوا بَعدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ" (¬5). وعن ابن عباس: "لا ترتدوا" بدل: "لاَ تَرجِعُوا" (¬6). مسلم، عن المقداد بن الأسود أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4252). (¬2) رواه مسلم (2890). (¬3) رواه مسلم (2888). (¬4) رواه البخاري (6874 و 7070). (¬5) رواه البخاري (6166 و 6785 و 6868 و 7077). (¬6) رواه البخاري (7079).

رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مِنِّي بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْتُلْهُ" قال: قلت: يا رسول الله إنه قطِع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فهُوَ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ" (¬1). أبو داود، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعنِقًا صالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَاما بَلَّحَ" (¬2). النسائي، عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كُلُّ ذَنْب عَسى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَقْتلُ الْمُؤمِنَ مُتَعَمدًا أَوِ الرجُلُ يَموت كَافِرًا" (¬3). وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَتْلُ الْمُومِنِ أَعظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا" (¬4). البزار، عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنا نَائِمٌ رَأَيْتُ عمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تحتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبعتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ أَلاَ وَإِنَّ الإِيْمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ" (¬5). هذا صحيح، ولعل هذه الفتن هي التي تكون عند خروج الدجال، والله ورسوله أعلم. وقد ذكر أبو داود من حديث أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (95). (¬2) رواه أبو داود (4270). (¬3) رواه النسائي (7/ 81). (¬4) رواه النسائي (7/ 83). (¬5) ورواه أحمد (5/ 198 - 199) والطبراني في مسند الشاميين (449 و 1198). وابن عساكر (1/ 96 - 97) وأبو نعيم في الحلية (6/ 98).

فسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغْوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَها دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ" (¬1). وعند دمشق يكون نزول عيسى عليه السلام، وعندها يكون الدجال على ما يأتي بعد إن شاء الله. مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَانِي اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدمِ الرِّجالِ تَضْرُتُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعرِ يَقْطِرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهوَ بَيْنَهُمَا يَطُوف بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ مريَمَ، وَرَأَيْتُ وَرَاءَهُ رَجُلًا جَعدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بابْنِ قَطَن وَاضِعًا يَدَهُ عَلى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: الْمَسْيحُ الدَّجَّالُ" (¬2). أبو داود، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ ممَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهاتِ أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهاتِ" (¬3). مسلم، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مريَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلى الْحُفرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ الرَّأْسِ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَريَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ وَلَيَضَعَنَّ الجِريَةَ وَلَيترَكَنَّ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4298). (¬2) رواه مسلم (169). (¬3) رواه أبو داود (4319). (¬4) رواه مسلم (165).

الْقِلاَصُ فَلاَ يُسْعَى عَلَيْها، وَلَيَذْهبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَلَيَدعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ" (¬1). مسلم، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" قال: "فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ أَمِيرهُمُ: تَعَالَ صَلِّ لنْا، فيقول: لاَ إِنَّ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هذِهِ الأُمَّةِ" (¬2). أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الدَّجَّالَ أَعوَرُ جَعْدٌ هِجَان أَقْمَرُ، كَأَنَّ رَأْسَهُ غُضَّةُ شَجَرَةٍ أَشْبَهُ النَّاس بعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ الْخُزَاعِيِّ، فَإِمَّا هلَكَ الهُلَّكُ فإِنَّهُ أَعوَرُ وَلَيْسَ اللهُ بِأعوَرَ" (¬3). مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: "إِنَّ اللهَ تَبَاركَ وَتَعَالى لَيْسَ بِأَعوَرَ، أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عنَبَةٌ طَافِيَةٌ" (¬4). أبو داود، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي كُنْتُ حَدَّثْتكُم عَنِ الْمَسِيحِ الدَّجَالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لاَ تَعقِلُوا، إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعدٌ أعوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلاَ جَحرَاءَ، فَإِنِ الْتبَسَ عَلَيْكُم فَاعلَمُوا أَنَّ ربكُم لَيْسَ بِأعوَرَ" (¬5). مسلم، عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدَّجَّالُ أَعوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى جُفَالُ الشَّعرِ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (155). (¬2) رواه مسلم (156). (¬3) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (151/ 132 - 133). (¬4) رواه مسلم (169). (¬5) رواه أبو داود (4320). (¬6) رواه مسلم (2934).

أبو بكر بن أبي شيبة عن الفلتان بن عاصم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَمَّا مَسِيحُ الضَّلاَلَةِ فَرَجُلٌ أَجْلَى الْجَبْهةِ مَمسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى عَرِيضُ النَّحرِ فِيهِ دِقٌّ" أي الخناء (¬1). أبو داود الطيالسي عن سفينة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَد أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، أَلاَ وَإِنَّهُ أَعوَرُ الْعَيْنِ الشَّمَالِ وَبِالْيُمنى ظَفْرَةٌ غَلِيظَةٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرُ -يعني مكتوب كافر- يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالآخَرُ نَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ لِلنَّاسِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُم أُحْيِي وَأُمِيتُ؟ وَمَعَهُ مَلِكَانِ يَشْبَهانِ بِنَبِيَينِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِنِّي لأَعْرِفُ اسْمَيْهِمَا وَأسْمَاءَ آبَائِهِمَا، لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيهِمَا سَمَّيْتُهُمَا أَحَدُهُمَا عَنْ يميِنِهِ وَالآَخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَيَقُولُ: أَلَسْتُ بِرَبَكم أُخيِ وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: كَذَبْتَ فَلاَ يَسْمَعُهُ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ، وَيَقُولُ الآخَرُ صَدَقْتَ وَيَسْمَعُهُ النَّاسُ وَذَلِكَ فِتْنَة، ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُ: هذِهِ قَريَةُ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَلاَ يُؤذَنُ لَهُ أَنْ يَدخُلَها، ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الشَّامَ فَيُهْلِكُهُ اللهُ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقٍ" (¬2). مسلم، عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنَا أعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْي الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّج، فَإِمَّا أَدْرَكنَّ أَحَدٌ فيأتي النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ ليُطَأْطِئ فَيَشْرَب مِنْهُ فإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّال مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْها ظَفَرة غَلِيظَةٌ مَكْتُوبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُل مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ" (¬3). وزاد من حديث عمر بن ثابت عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ¬

_ (¬1) المطالب العالية (1039). (¬2) رواه أبو داود الطيالسي (2777). (¬3) رواه مسلم (2934).

النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرى أَحَدٌ [مِنْكُم]، رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ" (¬1). البزار، عن حذيفة قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الدجال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَفِتْنَةُ بَعضِكُم أَخْوَتُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، لَيْسَ مِنْ فِتْنَةٍ صَغِيرَةٍ وَلاَ كَبِيرَةٍ إِلَّا تُصْنَعُ لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَمَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ مَا قَبْلَها فَقَد نَجَا مِنْها، وَاللهِ لاَ يَضُرُّ مُسْلِمًا، مَكْتُوب بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ" (¬2). قاسم بن أصبغ، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ وَإِدبَار مِنَ الْعِلْمِ لَهُ أَربَعُونَ لَيْلَةً يَسِيحُها فِي الأَرضِ، الْيَوْمُ مِنْها كَالسَّنَةِ وَالْيَوْمُ مِنْها كَالشَّهْرِ وَالْيَوْمُ مِنْها كَالْجُمُعَةِ ثُمَّ سَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكم هذِهِ، وَلَهُ حِمَارٌ يَركَبُهُ عَرِيضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ أَربَعِينَ ذِراعًا، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: أَنَا رَبُّكُم، وَهُوَ أَعوَرُ وَإِنَّ ربَّكم لَيْسَ بِأعوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤْهُ كُلُّ مُؤمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ، يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَسَهْلٍ إلَّا الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ حَرَسَهُمَا اللهُ عَنْهُ وَقَامَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأبْوَابِها. . . .". وذكر الحديث (¬3). مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَمِعتم بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْها فِي البَرِّ وَجَانِبٌ مِنْها فِي الْبحرِ؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَها سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاؤُوها نَزَلُوا فَلم يُقَاتِلُوا بِسِلاَحٍ وَلَم يَرمُوا بِسَهْمٍ قَالُوا لاَ إِلهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْها- قال ثور: لا اعلمه إلا قال-: الَّذِي فِي الْبَحرِ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ لاَ إِله إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ جَانِبُها الآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ لَا إِله إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَجُ لَهُمْ فَيَدخُلُونَها فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فقال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (4/ 2245) بعد الحديث (169). (¬2) رواه البزار (3391 كشف الأستار) وأحمد (5/ 389). (¬3) ومن طريقه رواه ابن عبد البر في التمهيد (16/ 180 - 181) ورواه أيضًا أحمد (3/ 367) وابن خزيمة في التوحيد (70) والحاكم (4/ 350) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وفيه عنعنة أبي الزبير وهو مدلس.

إِنَّ الدَّجَّال قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرجِعُونَ" (¬1). وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهم جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذين سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُم، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لاَ وَاللهِ لاَ نُخَلِّي بَيْنَكم وَبَيْنَ إخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهم فَيَنْهزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِم أَبدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهَم أَفْضَلُ الشُّهدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُم يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفكُم فِي أَهْلِيكُم فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُم يعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَيَنْزِلُ عِيسى ابْنُ مَريَمَ - صلى الله عليه وسلم - فأَمَّهم فَإِذَا رآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهم دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ" (¬2). وعن يُسَيْرِ بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فقال رجل ليس له هِجيرَى إلَّا: يَا عَبْدَ اللهِ بن مسعود جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئًا فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يَجْتمعون لأهل الإسلام ويَجْتَمعُ لهم أهل الإسلام، قلت: الروم يعني؟ قال: نعم وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شُرْطَةً للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير كالب وتَفْنى الشُرْطَة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2920). (¬2) رواه مسلم (2897).

شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة إما قالمالا يرى مثلها، وإما قال لم يُر مثلها حتى إن الطائر ليمر بِجَنَبَاتِهم فما يخلفهم حتى غير ميتًا فيتعادُّ بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يُفْرَحُ أو أي ميراث يقاسم، فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببَأسٍ أَكْبَرُ من ذلك فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خالفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعرِفُ أَسْمَائَهُم وَأَسْمَاءَ آبَائِهِم وَأَلْوَانَ خُيُولهِم هُم خَيْرُ فَوَارِسَ عَلى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذِ" أو: "مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلى ظَهْرِ الأرضِ يَوْمَئِذٍ" (¬1). مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُومِنِينَ، فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسالِح الدَّجَّالِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعمِدُ إِلى هذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرِجَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤمِنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاء، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فيَقُولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهاكُم رَبُّكُم أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَه؟ قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإذَا رَآهُ الْمُؤمِنُ قَالَ: يَا أَيُّها النَّاسُ هذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فَيَأمُرُ بهِ الدَّجَّالُ فَيُشَجُّ فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ، فَيُوسَعُ بَطْنُهُ وَظَهْرُهُ ضَربًا فَيَقُولُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ فيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسيحُ الْكَذَّابُ، قَالَ: فَيُؤمَرُ بِهِ فَيُنْشَرَ بِالْمِنْشَارِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ حَتَّى يُفَرَقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يقُولُ لَهُ: قُمْ فَيَسْتَوِي قَائِمًا، قال ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتْؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا أزَدَدتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، قال: ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّها النَّاسُ إِنَّهُ لاَ يَفْعَلُ بعدِي بِأَحَدٍ مِن النَّاسِ، قال: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتَهِ نُحَاسًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2899).

فَلاَ يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قال: فَيَأْخُذُ بيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيحسِب النَّاسُ إِنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عَنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (¬1). وعنه قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان فيما حدثنا قال: "يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَشْهدُ أَنَّكَ الدَّجَّالَ الَّذِي حَدَثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُم إِنْ قَتَلْتُ هذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أتَشُكُونَ فِي الأَمرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحيِيهِ: وَاللهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِني الآنَ، قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلّطُ عَلَيْهِ" (¬2). وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا يَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابها إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ تَحرُسُها، فَيَنْزِلُ بِالسَّبْحَةِ فَتَرْجُف الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ يَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". وفي طريق آخر: "كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ" (¬3). مسلم، عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: "مَا شَأْنُكُمْ؟ " قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، قال: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُم، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُم فَأنَا حَجُيجُهُ دُونَكُم، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُف فَامرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2938). (¬2) رواه مسلم (2938). (¬3) رواه مسلم (2943).

الْعُزَّى بْنِ قْطنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكم فَلْتقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سورة الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ الله فَأثْبُتُوا" قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أَربَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةِ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُم" قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "اقْدُرُوا لَهُ قَدرَهُ" قلنا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كَالْغَيْثِ اسْتَدبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلى الْقَوْمِ فَيَدعُوهُم فَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبونَ لَهِ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتَفطُرُ وَالأَزضَ فَتَنْبُتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِم سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذرًا وَأَسَبَغُه ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأتِي الْقَوْمَ فَيَدعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُم فَيُصبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأيْدِيهِم شَيْءٌ مِنْ أَموَالِهِم، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَها: أَخْرِجِي كُنُوزك، فَتَتبعُهُ كُنُوزُها كَيَعاسِيب النَّحْلِ، ثُمَّ يَدعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرُبهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزِلَتَيْنِ رَميَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَريَمَ - صلى الله عليه وسلم -، فيَنْزِلُ عِنْد الْمَنَارة الْبَيْضَاءِ شَرْقِي دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذا طَأَطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤلُؤِ، فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ ريحَ نَفْسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنفْسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدرِكَهُ بِبَابِ لُذ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأتِي عِيسى ابْنَ مَريَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مَنْهُ فَيمسَحُ عَنْ وُجُوهِهِم وَيحَدِّثُهُم بِدَرَجَاتِهِم فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهِ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِم فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُم مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُم عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْربُونَ مَا فِيها، وَيَمُرُّ آخِرُهُم فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةَ مَاءٌ، وَيَحْضُرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدَهم خَيْرًا مِنْ مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصحَابهُ فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِم فَيُصبِحُونَ فَرْسي كَمَوْتِ نَفْسِ وَاحِدَةِ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبي اللهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَأصحَاُبهُ إِلَى الأَرضِ

فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأرضِ مَوْضِعَ شِبْرِ إِلَّا مَلأَهُ زَهمُهم ونَتْنَهُم فَيَرغَبُ إِلى اللهِ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى عليه السلام وَأَصحَابهُ فيْرُسِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَيَحملُهُم فَيَطْرَحُهُم حَيْثُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يرسِلُ الله مَطَرًا لاَ يَكُنْ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرضَ حَتَّى يتْرُكَها كالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتكِ فَيَوْمَئِذٍ تأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحفها وَيُبَارَكُ فِيْ الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحةَ مِنَ الإِبلِ لَتكفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأخُذُهُم تَحتَ آباطِهم فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤمِنٍ وكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيها تَهَارجُ الْحُمُرِ فَعَلَيْهم تَقُومُ السَّاعَةُ". وقال في طريق آخر بعد قوله: "لَقَد كَانَ بِهذِهِ مَرَةَ مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ وَهُوَ جَبَل بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلنا مَنْ فِي الأَرضِ فَلنقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيرمُونَ بِنُشَّابِهِم إِلى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِم نُشَّابَهُم مَخْضُوبَةً دَمًا" (¬1). وقال الترمذي في هذا الحديث: "يُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأعنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحمُلُهم فَتَطْرَحُهُم بِالْمِهْبَلِ وَيَسْتَوقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِم وَنُشَّابِهِم وَجِعَابِهِم سَبع سِنِينَ" (¬2). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمكُثُ لاَ أَدرِي أَربَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَربَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَربَعِينَ عَامًا، فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَ يُرسِلُ اللهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2137). (¬2) رواه الترمذي (2240).

عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامٍ فَلاَ يَبْقَى عَلى وَجْهِ الأَرضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُم دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ" قال: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِقةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ لاَ يعرِفُونَ مَعرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُونَ مُنْكِرًا، قال: فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُم: أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهم بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهم حَسَنٌ عَيْشُهُم، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، قال: فَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبلِهِ، قال: فَيَصعَقُ وَيصعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ، أو قال: يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّها النَّاسُ هلُمُّوا إِلَى ربكم وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَسْؤُولُونَ، ثُمَّ يقَالُ: أَخْرِجُوا بعْثَ النَّارِ، فَيُقَالُ: مِنْ كم؟ فَيُقَالُ: مَنْ كُلِّ أَلفٍ تِسْعَمَائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، قال: فذلك: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} وذلك {يوْمَ يكشَف عَن سَاق} (¬1). أبو بكر بن أبي شيبة، عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الدجال قال: "وِإِنَّهُ مَتى يَخْرُجُ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أنَّهُ اللهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَيْسَ يَنْفَعُهُ صَالحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذبَهُ فَلَيْسَ يُعَاقَبُ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَل سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَيَظهرُ عَلَى الأَرضِ كُلها إِلَّا الْحَرَمِ وَبَيتِ الْمَقْدِسِ، وإنَّهُ يَحضُرُ الْمُؤمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمقدِسِ، قال: فَيَهْزِمُهُ اللهُ وَجُنُودُهُ حَتَّى أَنَّ جَذْمَ الْحَائِطِ وَأَصلَ الشَّجَرَةِ يُنَادِي يَا مُؤمِنُ هذَا كَافِرٌ يَسْتَتِرُ بِي تَعَالَ اقْتُلْهُ، قال: وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَى أُمُورًا يَتَفَاجُ شَأنُهَا فِي أَنْفُسِكُم فَيَتَسَاءَلُونَ بَيْنَكُمْ هلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُم مِنْها ذِكْرًا وَحَتَّى تزولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاتِبِها، ثُمَّ عَلَى أثَرِ ذَلِكَ الْقَبْضُ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2940). (¬2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/ 151 - 152).

ووقع في حديث عبد الله بن عمرو: "إِلَّا الْكَعبَةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ". ذكره أبو جعفر الطبري. وزاد أبو جعفر الطحاوي: "وَمَسْجِدَ الطُّورِ" رواه من حديث جناد بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). مسلم، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَتْبَعُ الدَّجَّال مِنْ يَهُودِ أَصبَهانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَة" (¬2). مسلم، عن فاطمة بنت قيس قالت: سمعت نداء منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكنت في صف النساء اللائي يلين ظهور القوم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: "لِيَلْزم كُلُّ أَحَدٍ مُصَلاَّهُ" ثم قال: "أَتَدرُونَ لِمَ جَمَعتكمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، ثم قال: "إِنِّي وَاللهِ مَا جَمَعتُكُم لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعتكُم لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيِّ كَانَ رَجُلًا نَصرَانيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَق الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثكُم عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أنَّهُ ركِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحريةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخَم وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبحرِ [حَتَّى] حَيْثُ مَغْرِبَ الشَّمسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُب السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيْتُهُم دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِير الشَّعرِ لاَ يَدرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دبرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكَ مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّها الْقَوْمُ: انْطَلِقُوا إِلَى هذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى حَدِيثِكُم بِالأَشْوَاقِ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْها أَنْ تَكُون شَيْطَانَةً، فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلنا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أعظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كعبَيْهِ ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري (13/ 112). (¬2) رواه مسلم (2944).

بالْحَدِيدِ، قُلنا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُم عَلى خَبَرِي فَأَخْبرُوني مَا أَنْتُم؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ ركِبْنَا فِي سَفِينَةِ فَصَادَفنا الْبَحرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهرًا ثُمَّ أَرفأنَا إِلى جَزِيرَتكَ هذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِها فَدَخَلنا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثيرَ الشَّعرِ لاَ نَدرِي مَا قُبُلُهُ مِنْ لودبرِهِ مِنْ كَثرةِ الشَّعرِ، فَقُلنا: وَيلك مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قُلنا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعمِدُوا إِلَى هذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلى خَبَرِكُم بِالأَشْوَاقِ، فأقبَلنا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِغنَا مِنْها وَلَم نَأَمَنْ أَنْ تكُونَ شَيْطَانَة، فَقَالَ: أَخْبِروني عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلنا: عَنْ أَيِّ شَأْنِها تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْألكُم عَنْ نَخْلِها هل يُثْمِرَ؟ قفنَا لَهُ: نَعَم، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَلَّا يُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُوني عَنْ بَخرِ طَبَرِيَّةَ؟ قُلنا: عَنْ أَيِّ شَأْنِها تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هلْ فِيها مَاءٌ؟ قُلنا: هِيَ كَثِيرةُ المَاءِ، قَالَ: إِنَّ مَاءها يُوشِك أَنْ يَذْهبَ، قال: أَخْبِرُوني عَنْ عَيْنِ زُغَرَ، قلنا عَن أَي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين مَاءٌ؟ وهلْ يَزْرعُ أَهْلُها بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلنا لَهُ: نَعَمْ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائها، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ بِيَثربَ، قَالَ: أَقَاتَلَتْهُ الْعَرَبُ؟ قُلنا: نَعَم قَالَ: كَيْف صَنَعَ بِهم؟ فَأَخْبَزنَاهُ أنَّهُ قَدْ ظَهرَ عَلى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ فَأَطَاعُوهُ، قَالَ: قَالَ لَهم: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلنا: نَعَم، قَالَ: أَمَا إنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُم أَنْ يُطِيعُوهُ وَإِنَّنِي مُخْبِرُكُم عَنِّي إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّي يُوشَكُ أَنْ يُوذَنَ لي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأسِيرَ فِي الأَرضِ فَلاَ أَدعُ قَرْيَةَ إلَّا هبَطْتُها فِي الأَربَعِينَ لَيْلَةَ غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحرَمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدتُ أَنْ أَدخُلَ وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلتًا يَصرِفُنِي عَنْها، وَإنَّ عَلَى كُلِّ بَيْتِ مِنْها مَلاَئِكَة يَخرُسُونَها" قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ هذِهِ طَيْبَةُ هذِهِ طَيْبَةُ هذِهِ طَيْبَةُ، -يعني المدينة- أَلاَ هلْ كُنْتُ حَدَّثْتكم ذَلِكَ؟ " فقال الناس: نعم، حَدِيثُ تميم فَإِنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ حَدَّثْتكم عَنْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَلاَ إِنَّهُ فِي بحرِ الشَّامِ أَوْ بحرِ اليَمَنِ لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ

الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ" وَأَوْمَأَ بيده إلى المشرق، قالت فحفظت: هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). مسلم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُخَرِّبُ الْكَعبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ" (¬2). البخاري، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَأَنِّي بهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُها حَجَرًا حَجَرًا" (¬3). أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة قال: قالى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَأَوَّلُ مَنْ يَسْتَحِلُ هذَا الْبَيْتَ أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ هلَكَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ يَجِيءُ الْحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لاَ يُعَمَّرُ بَعدَهُ قَالَ: وَهُم الَّذين يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ" (¬4). مسلم، عن أبي هريرة قالى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إهابَ أَوْ يَهابَ". قالى زهير: قلت لسهيل: كم ذلك من المدينة؟ قالى: كذا وكذا ميلًا (¬5). مسلم، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قالى: طلع علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتذاكر، قالى: "مَا تَذَاكَرُونَ؟ " قالوا: نذكر الساعة، قال: "إِنَّها لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَةا عَشْرَ آيَاتٍ فذكر الدُّخَّانَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغَرِبِها وَنُزُولِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَيَأجوجَ وَمَأْجْوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2942). (¬2) رواه مسلم (2909) والبخاري (1596). (¬3) رواه البخاري (1595). (¬4) رواه أبو داود الطيالسي (2772). (¬5) رواه مسلم (2903).

وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنُ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحشَرِهم" (¬1). مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ أَوَّلَ الآَيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمسِ مِنْ مَغْرِبِها وَخُرُوجُ الدَّابَةِ عَلى النَّاسِ ضُحًى وَأيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِها فَالأُخْرَى عَلى إِثْرِها قَرِيبًا مِنها" (¬2). ومن حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصغاني عن رباح بن عبيد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِئْسَ الشِّعْب جِيَادٌ" قالوا: وفيم ذلك يا رسول الله؟ قال: "تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ فَتَصْرَخُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ فَيَسْمَعُها مَنْ بَيْنَ الْخَافِقَين" (¬3). لم يتابع رباح على هذا الحديث، خرج الحديث أبو أحمد بن عدي رحمه الله. البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعوَاهُمَا وَاحِدَة، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُم يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ الله، وَحَتَّى يُقْبَض الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثر الْهرَجُ -وهو القتل- وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُم الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعرِضَهُ فَيَقُولُ الَّذِي يَغرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمرَ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1901). (¬2) رواه مسلم (2941). (¬3) رواه الطبراني في الأوسط (ص 431 مجمع البحرين) والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 316) وابن عدي في الكامل (3/ 173).

مَغْرِبِها، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرآها النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُها لَمْ يمُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِها خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَد نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يتبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لَقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَد رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُها" (¬1). أبو داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي لأَرجُو أَنْ لاَ يعجِزَ اللهُ أمَّتِي أَنْ يُؤَخِرَّهم نِصفَ يَوْمٍ". قيل لسعد: وكم نصف اليوم؟ قال: خمس مئة سنة (¬2). كمل السفر الثامن من الأحكام الشرعية بتوفيق الله وعونه وبكماله كمل جميع الديوان وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا سنة أربع وستين وست مئة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7121). (¬2) رواه أبو داود (4350).

§1/1