الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

صالح اللاحم

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألاَّ إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإنَّ من أهم المهمَّات، وآكد الفرائض والواجبات، أن يعرف العبد حُكم ربِّ العالمين، ويتفقَّه فيما نزل به من مسائل الشرع والدين، حتى يعبد الله على بصيرة المهتدين، فيكون بذلك على نهج الأنبياء والمرسلين {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. ألا وإنَّ الناس بحاجةٍ إلى من يُعينهم على ذلك من العلماء والباحثين، فأرجو أن يكون عملي هذا من هذا السبيل. الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه: هذا وقد دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع جُملة أمور من أهمها ما يلي: 1 - قلَّة اهتمام الباحثين - سابقيهم ولاحقيهم - بالتعرُّض لمسائل هذا الموضوع، حتى قال الدارمي: الحيض كتابٌ ضائعٌ لم يُصنَّف فيه

تصنيف يقوم بحقِّه (¬1). وقال ابن العربي: والتقصير في عُلومه ومسائله أمرٌ لم يزل يتقادم (¬2). 2 - إنَّه لَمَّا كان الحيض شيئًا قد كتبه الله على بنات آدم (¬3)؛ كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ولكون الشارع قد علَّق به جُملة من الأحكام، ولَمَّا كانت هذه الأحكام ممَّا يلزم جُملة النساء تعلمها، ولكون هذه الأحكام مُفرَّقة مبثوثة في أبواب الفقه، ولوقوع الخلاف في كثيرٍ من هذه المسائل؛ فقد توافرت الدواعي لجمع هذه الأحكام في مؤلَّفٍ مستقِل. قال ابن قدامة: "وقد علَّق الشرع على الحيض أحكامًا وأجمل عدَّها"، ثم قال: وإذا ثبت هذا فالحاجة داعيةٌ إلى معرفة الحيض ليُعلم ما يتعلَّق به من الأحكام (¬4). وقال ابن عابدين: ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لِما يترتَّب عليها ما لا يُحصى من الأحكام (¬5). وقال النووي: ومعلومٌ أنَّ الحيض من الأمور العامة المتكرِّرة، ويترتَّب عليه ما لا يُحصى من الأحكام، فيجب الاعتناء بما هذه حاله (¬6). وقال ابن نجيم: ومعرفة مسائل الحيض من أعظم المهمات لما يترتَّب عليها ما لا يُحصى من الأحكام .. قال: وكان من أعظم الواجبات؛ لأنَّ عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، ¬

(¬1) المجموع (2/ 345). (¬2) حاشية جامع الترمذي (1/ 231). (¬3) أخرجه البخاري من حديث عائشة في كتاب الحيض، باب الأمر بالنساء إذا نفسن (1/ 77). (¬4) المغني (1/ 386). (¬5) رد المحتار (1/ 282). (¬6) المجموع (2/ 345).

منهج البحث

وضرر الجهل بمسائل الحيض أشدُّ من ضرر الجهل بغيرها (¬1). وكلام هؤلاء الأئمَّة وإن كان بمجمله في الحثِّ على تعلُّم أحكام الحيض لِما يترتَّب عليه ما لا يُحصى من الأحكام، فإنَّ هذه الأحكام مفرَّقة مبثوثة في أبواب الفقه، فكان تفرُّقها أعظم داعيًا لي لجمعها في مؤلَّفٍ مستقل، لِما في ذلك من فائدةٍ في توفير الجهد والوقت للقارئ، وخاصة النساء. قال الشربيني: يجب على المرأة أن تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس، فإن كان زوجها عالِمًا لزمه تعليمها، وإلاَّ فلها الخروج لسؤال العلماء، بل يجب ويحرم عليه منعها إلاَّ أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك (¬2). 3 - إنَّ النفاس قرين الحيض فيما يترتَّب عليه من أحكام؛ لأنه حيضٌ مُجتَمع، فحُكمه حكم الحيض إلاَّ في مسائل معدودة (¬3)، فكان ذِكرها متمِّمًا لهذا البحث. 4 - إنَّ الاستحاضة وإن كانت ظاهرةً مرضيَّةً وحدثًا عارضًا فقد أفردها الفقهاء بأحكام خاصة، وقد عمَّت بها البلوى في وقتنا هذا لابتعاد الناس عن الفطرة، وركونهم إلى نصائح الكفرة في تحديد النسل، وقد تفنَّنوا في موانع الحمل التي تسبَّب عنها اضطراب العادة عند كثيرٍ من النساء وشيوع مرض الاستحاضة، فكان بحث ما يتعلَّق بها من أحكام مُتمِّمًا لِما يُذكر للحيض والنفاس. منهج البحث: لا بدَّ لكلِّ باحثٍ من منهج يسلكه، يُحدِّد معالمه قبل الكتابة، ¬

(¬1) البحر الرائق (1/ 199). (¬2) مغني المحتاج (1/ 120). (¬3) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة (1/ 157) مغني المحتاج (1/ 120) كشاف القناع (1/ 199).

وتتكامل صورته بعد انتهاء الموضوع، وإنَّ من أبرز ملامح منهجي في هذا البحث ما يلي: أولاً- اقتصرتُ في بحثي على المذاهب الأربعة والمذهب الظاهري، كما أذكر رأي مشاهير فقهاء السلف من غير فقهاء المذاهب، ما وجدت في ذلك نقلاً. ثانيًا- أقوم بعرض المسألة الخلافية بذِكر القول أولاً فالقائل به، ثم أُتبِعه بالاستدلال، وما وَرد عليه من مناقشة، وما أُجِيب به عنها. ثالثًا- اعتمدتُ في نسبة كلِّ قولٍ لكلِّ مذهبٍ على أمَّهات كتُب المذهب. رابعًا- اجتهدتُ في التوفيق بين الأقوال اتِّباعاً للقاعدة، فإن تعذَّر ذلك رجح ما ظهر لي رجحانه، بناء على قوَّة الأدلَّة، وبما يتمشَّى مع قواعد الشريعة ومقاصدها العامة. خامسًا- عزوتُ الآيات القرآنية إلى مواضعها في كتاب الله، بذكر السورة ورقم الآية. سادسًا- خرَّجتُ جميع الأحاديث الواردة في البحث، وما كان منها في صحيح البخاري أو مسلم أكتفي به، وما لم يُخرِّجه أحدهما أو كلاهما خرَّجته من الصحاح والسنن والمسانيد المتبقية مع بيان درجة الحديث معتمدًا في ذلك على ما ذكره العلماء في ذلك. سابعًا- خرجتُ الآثار الواردة في البحث من مصادرها، مع بيان درجة الأثر ما وجدتُ في ذلك نقلاً عن أهل هذا الفن. ثامنًا- وضحتُ معنى ما يَرِد في هذا البحث من كلماتٍ وألفاظٍ غريبة، ولَمَّا كانت الغرابة وصفًا نسبيًا فقد اعتمدتُ على نفسي واجتهدتُ في حصر هذه الكلمات. تاسعًا- ترجمتُ للأعلام الواردة في هذا البحث، باستثناء مشاهير

خطة البحث

الصحابة والأئمَّة الأربعة، لكونهم لا يحتاجون إلى تعريف، وجعلتُ ذلك في مُلحق خاص في آخر البحث. عاشرًا- عملتُ فهرسًا لهذا البحث اشتمل ما يلي: 1 - فهرسًا للآيات القرآنية. 2 - فهرسًا للأحاديث النبوية. 3 - فهرسًا للآثار. 4 - فهرسًا لمراجع البحث. 5 - فهرسًا لموضوعات البحث. خطة البحث: تشتمل خطة هذا البحث تمهيدًا وثلاثة فصول. التمهيد: وفيه التعريف بالحيض والنفاس والاستحاضة. الفصل الأول: في الأحكام المترتبة على الحيض، وفيه ثلاثة عشر مبحثًا: المبحث الأول: في الأحكام المتعلقة بالطهارة؛ وفيه ثمانية مطالب: المطلب الأول: في قراءة القرآن. المطلب الثاني: في الذِّكر. المطلب الثالث: في مسِّ المصحف. المطلب الرابع: في طهارة بدن الحائض، وطهارة سؤرها (¬1)، وعرقها. المطلب الخامس: في دخولها للمسجد. المطلب السادس: في غسلها من المحيض. المطلب السابع: في اغتسال الحائض للجنابة. ¬

(¬1) السؤر: ما بقي في الإناء، فهو بقية الشيء. انظر: لسان العرب (4/ 33) النهاية (2/ 327).

المطلب الثامن: في تغسيلها إذا ماتت. المبحث الثاني: في الأحكام المتعلقة بالصلاة؛ وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في حكم الصلاة في أثناء الحيض. المطلب الثاني في قضاء ما فاتها أيام الحيض. المطلب الثالث: في طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة. المطلب الرابع: في نزول دم الحيض بعد دخول وقت الصلاة وقبل أن تصليها. المبحث الثالث: في الأحكام المتعلقة بالصيام؛ وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: في حكم الصيام في أثناء الحيض. المطلب الثاني: في قضاء ما فات بالحيض. المطلب الثالث: في إمساك اليوم الذي طهرت في أثنائه. المطلب الرابع: في طلوع الفجر قبل أن تغتسل. المطلب الخامس: في سقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يومه. المبحث الرابع: في اعتكاف الحائض؛ وفيه مطلبان: المطلب الأول: في حكم الاعتكاف. المطلب الثاني: في طروء الحيض حال الاعتكاف. المبحث الخامس: في الأحكام المتعلِّقة بالحج والعمرة، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: في إحرام الحائض بالحج والعمرة. المطلب الثاني: في حُكم الطواف حال الحيض. المطلب الثالث: في حُكم السعي حال الحيض. المطلب الرابع: في انتظار الرفقة لطهر الحائض.

المطلب الخامس: في طواف الوداع على الحائض. المبحث السادس: في الأحكام المتعلِّقة بالنكاح؛ وفيه مطلب واحد: وهو الاستمتاع بالحائض. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة. المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة. المبحث السابع: في الأحكام المتعلقة بالطلاق، وفيه مطلبان: المطلب الأول: في تطليق الحائض. المطلب الثاني: في وطء الزوج للمرأة حال الحيض هل يحلّها للأول. المبحث الثامن: في الخلع في الحيض. المبحث التاسع: في الأحكام المتعلقة بالإيلاء، وفيه مطلبان: المطلب الأول: في احتساب أيام الحيض من أجل المولي. المطلب الثاني: في حصول الفيئة من المولي بالوطء حال الحيض. المبحث العاشر: في الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة. المبحث الحادي عشر: في الأحكام المتعلقة بالاستبراء؛ وفي مطلبان: المطلب الأول: في استبراء الثيب. المطلب الثاني: في استبراء البكر. المبحث الثاني عشر: في الأحكام المتعلِّقة بالنفقة. المبحث الثالث عشر: في تذكية الحائض. المبحث الرابع عشر: في أنه علامة على البلوغ. الفصل الثاني: في الأحكام المترتبة على النفاس.

الفصل الثالث: في الأحكام المترتبة على الاستحاضة؛ وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في أن حكمها حكم الطاهرات. المبحث الثاني: في كيفية تطهرها للصلاة. المبحث الثالث: في وطء المستحاضة.

التمهيد

التمهيد في التعريف بالحيض، والنفاس، والاستحاضة وفيه ثلاثة مطالب * * * المطلب الأول في التعريف بالحيض أولاً- التعريف اللغوي: الحيض لغة: السيلان، من قولهم: «حاض الوادي» إذا سال وحيضان السيول ما سال منها، ومنه: «حاضت السمرة»، إذا سال منها شبه الدم، وهو الصمغ الأحمر. وقيل للحوض، حوض؛ لأنَّ الماء يحيض إليه، أي: يسيل (¬1). ثانيًا: أما الحيض في الاصطلاح: فقد عُرِّف بتعاريف كثيرة تختلف فيما بينها حتى داخل المذهب الواحد، ونذكر هنا تعريفًا من كلِّ مذهب، ثم نُعقِب ذلك بالتعريف المختار. فعرَّفه ابن الهمام من الحنفية: بأنه «الدم الذي ينفضه رحم امرأةٍ سالمة عن داء وصغر» (¬2). ¬

(¬1) لسان العرب مادة «حيض» (7/ 142، 143). (¬2) فتح القدير (1/ 161).

وعرفه ابن جزي من المالكية: بأنه «الدم الخارج من فرج المرأة التي يمكن حملها عادةً من غير ولادةٍ ولا مرض» (¬1). وعرفه الشربيني من الشافعية: بأنه «الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحَّة من غير سبب الولادة (¬2). وعرَّفه ابن قدامة من الحنابلة: بأنه «دم يُرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة» (¬3). وجلُّ هذه التعريفات لا تخلو من نقص، إما بكونها غير جامعة أو غير مانعة، ولعلَّ أجمع ما وقع عليه نظري من تعريف ما عرَّف به البهوتي من الحنابلة حيث قال: هو دم طبيعةٍ وجبِلَّة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة (¬4). فقوله: «دم طبيعة وجبلة» يخرج به ما كان على سبيل المرض ونحوه. وقوله: «من قعر الرحم» يخرج به دم الاستحاضة؛ فإنه من أدنى الرحم، من عِرق يسمى «العاذل». وقوله: «في أوقات معلومة»، أي: فليس دم فساد، وإنما خُلق لحكمة وهي تغذية الولد، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع حيضها في الغالب (¬5). ولو أضيف إلى التعريف لفظة: «من غير سبب ولادة» ليُخرج بذلك دم النفاس لكان أولى، فإنه دم طبيعة، يخرج من قعر الرحم، وفي وقت معلوم هو وقت الولادة، إلاَّ أنَّ سببه الولادة. ¬

(¬1) القوانين الفقهية (31). (¬2) الإقناع (1/ 87). (¬3) المغني (1/ 386). (¬4) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (1/ 370) وقريب منه ما عرف به الشربيني في مغني المحتاج (1/ 108). (¬5) انظر: كشاف القناع (1/ 196).

المطلب الثاني في التعريف بالنفاس

المطلب الثاني في التعريف بالنفاس النفاس لغة: من «النَّفْس» وهو الدم، يقال: «سالت نفسه»، أي: دمه. أو من النَّفَس؛ وهو الفرج من الكرب، يقال: «اللهم نَفِّس عني»، أي: فرِّج عني، ويقال: «نَفَّس الله عنه كربته»، أي: فرَّجها. أو من «التنفيس»: وهو الخروج من الجوف (¬1). أما في الاصطلاح الشرعي: فقد عُرِّف بتعاريف متقاربة. فعرفه المرغيناني من الحنفية: بأنه «الدم الخارج من الرحم بعد الولادة» (¬2). وعرَّفه ابن جزي من المالكية: بأنه «الدم الخارج من الفرج بسبب الولادة» (¬3). وعرفه الرملي من الشافعية: بأنه «الدم الخارج عقب فراغ الرحم من الحمل» (¬4). وعرفه ابن مفلح من الحنابلة: بأنه «دم يُرخيه الرحم للولادة وبعدها إلى مدَّة معلومة» (¬5). ولعلَّ أوفى هذه التعريفات ما عرَّف به الحنابلة؛ إذ إنه جعل منه ما ¬

(¬1) انظر: لسان العرب مادة «نفس» (6/ 236، 239) الصحاح مادة «نفس» (3/ 984، 985). (¬2) الهداية مع فتح القدير (1/ 186). (¬3) القوانين الفقهية (31). (¬4) نهاية المحتاج (1/ 305). (¬5) المبدع (1/ 293).

المطلب الثالث التعريف بالاستحاضة

يكون قبل الولادة، مع وجود أمارة عليه بأن تعقبه ولادة، ويَصحبه الطَّلْق، وقد أشار إلى هذا أيضًا تعريف المالكية له. ثم إنه حدَّد له مدَّة، وجعلها معلومة، فإن زاد عليها فإنَّ الزيادة لا تكون منه، بل قد تكون حيضًا أو استحاضة أو دم فساد. ثم أيضًا قد تضمَّن اشتراط أن يكون خُروجه من الرحم، فلو كان من دونه فإنه لا يدخل في دم النفاس، وقد تضمَّن هذا المعنى أيضًا تعريف الحنفية. المطلب الثالث التعريف بالاستحاضة الاستحاضة في اللغة: قال في اللسان: الاستحاضة أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتاد. يقال: «استحيضت»؛ فهي مُستحاضة. والمستحاضة التي لا يرقأ دم حيضها ولا يسيل من المحيض، ولكنه يُسَلُّ من عِرقٍ يُقال له «العاذل» (¬1). أما في الاصطلاح الشرعي: فقد عُرِّفت بتعاريفَ كثيرةٍ تختلف في ألفاظها حتى داخل المذهب الواحد، إلاَّ أنها ترجع إلى معنى واحد، وهو ما ذُكِرَ في تعريفها لغة .. ودونك تعريفًا لكلِّ مذهب. فعرَّفها ابن نجيم من الحنفية بأنها «اسم لدمٍ خارجٍ من الفرج دون الرحم» (¬2). ¬

(¬1) مادة «حيض» (7/ 142، 143) وانظر: أيضًا الصحاح (3/ 1073). (¬2) البحر الرائق (1/ 226).

وعرَّفها ابن جزي من المالكية: بأنها «الدم الخارج من الفرج على وجه المرض» (¬1). وعرفها الشربيني من الشافعية: بأنها «دم علَّةٍ يسيل من عِرقٍ من أدنى الرحم يُقال له "العاذل"» (¬2). وعرَّفها ابن مفلح من الحنابلة بأنها: «سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل» (¬3). ¬

(¬1) القوانين الفقهية ص 31. (¬2) مغني المحتاج (1/ 108) (¬3) المبدع (1/ 274).

الفصل الأول الأحكام المترتبة على الحيض

الفصل الأول الأحكام المترتبة على الحيض وفيه ثلاثة عشرة مبحثًا:

المبحث الأول في الأحكام المتعلقة بالطهارة

المبحث الأول في الأحكام المتعلقة بالطهارة وفيه ثمانية مطالب: المطلب الأول: في قراءة القرآن. المطلب الثاني: في الذِّكر. المطلب الثالث: في مسِّ المصحف. المطلب الرابع: في طهارة بدن الحائض، وطهارة سؤرها، وعَرقها. المطلب الخامس: في دخولها للمسجد. المطلب السادس: في غسلها من المحيض. والتيمُّم عند فقد الماء. المطلب السابع: في اغتسال الحائض للجنابة. المطلب الثامن: في تغسيلها إذا ماتت * * * المطلب الأول في قراءة الحائض للقرآن (¬1) وفيه فرعان: الفرع الأول: في قراءة الكثير منه (ما كان أكثر من آية) ولأهل العلم في حكم ذلك قولان: ¬

(¬1) نقصد بالقراءة ما كان معها حركة باللسان، فأما النظر في المصحف، وقراءته بالقلب دون حركة اللسان، فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه، انظر: المجموع (2/ 163).

القول الأول: أنه لا يجوز: ذهب إليه الحنفية (¬1)، ومالك في رواية عنه (¬2)، والشافعية (¬3)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬4) وهو قول جمعٌ من فقهاء السلف منهم الحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأكثر أهل العلم (¬5). الأدلَّة: 1 - ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجُنب شيئًا من القرآن» (¬6). ونوقش بضعف الحديث فلا يصلح للاحتجاج؛ لأنَّ في إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها. والطريق الأخرى فيها مُبهم، عن أبي معشر، وهو ضعيف. ورُوِيَ الحديث عن جابر مرفوعًا، وفيه محمد بن الفضل، وهو متروك، وروي عنه موقوفًا، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو كذاب (¬7). ¬

(¬1) انظر: مختصر الطحاوي (18) بدائع الصنائع (1/ 37) المبسوط (3/ 152) البحر الرائق (1/ 210) الفتاوى الهندية (1/ 38). (¬2) انظر: المنتقى (1/ 120، 345) المعونة (1/ 163) التفريع (1/ 206). (¬3) انظر: الوجيز (1/ 18) المهذب (1/ 45) الحاوي (1/ 386) المجموع (2/ 158) مغني المحتاج (1/ 72). (¬4) انظر: المغني (1/ 199) الإنصاف (1/ 243) المبدع (1/ 187) كشاف القناع (1/ 147، 197) الشرح الكبير (1/ 156). (¬5) انظر: الأوسط (2/ 96) المجموع (2/ 158) المغني (1/ 199). (¬6) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة باب ما جاء في الجُنب والحائض أنهما لا يقرءان القرآن (1/ 236) وابن ماجة في كتاب الطهارة، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة (1/ 195) والدارقطني في كتاب الطهارة، باب في النهي للجنب عن قراءة القرآن (1/ 117) والبيهقي في كتاب الحيض، باب الحائض لا تمس المصحف، ولا تقرأ القرآن (1/ 309). (¬7) التلخيص الحبير (1/ 138).

قال ابن تيمية عن الحديث: وهو ضعيفٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث (¬1). وقال ابن حجر: وحديث ابن عمر ضعيف من جميع طُرقه (¬2). 2 - ما رُوِيَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أنه دخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء، فأخذ منه حفنة، فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأُنكِر ذلك عليه فقال: «إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من الخلاء فيُقرِئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه - أو قال: يحجزه - عن القرآن شيء إلا الجنابة» (¬3). وفي رواية: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن على كلِّ حال ما لم ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (21/ 460). (¬2) فتح الباري (1/ 409). (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الجُنب يقرأ القرآن (1/ 155) وسكت عنه. والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا (1/ 98، 99) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة (1/ 195). والنسائي في كتاب الطهارة، باب حجب الجُنب من قراءة القرآن (1/ 157). والدارقطني في كتاب الطهارة، باب النهي للجنب والحائض عن قراءة القرآن (1/ 119). والحاكم في كتاب الأطعمة (4/ 107) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه. قال الحافظ في الفتح (1/ 348) رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي: وابن حبان، وضعف بعضهم أحد رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. قال الألباني: هذا رأي الحافظ في الحديث، ولا نوافقه عليه، فإن الراوي المشار إليه وهو عبد الله بن سلمة، قد قال الحافظ نفسه في ترجمته: من التقريب "صدوق تغير حفظه" وقد سبق أن حدث بهذا الحديث في حال التغير فالظاهر هو أن الحافظ لم يستحضر ذلك حين حكم بحسن الحديث، والله أعلم، ولذلك لما حكى النووي في المجموع (2/ 159) عن الترمذي تصحيحه للحديث تعقبه قوله: وقال غيره من الحفاظ المحققين: هو حديث ضعيف (2/ 242).

يكن جُنبًا» (¬1). والشاهد منه: منع الجُنب من قراءة القرآن، فالحائض مثله؛ لأنَّ حدثها أغلظ (¬2). ونوقش الاستدلال: من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأنه من رواية عبد الله بن سلمة، وقد تغيَّر عقله في كبره، وروايته إياه حال تغيُّره (¬3). الوجه الثاني: أنه لا حجَّة فيه على منع الجُنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجُنب القرآن، وإنما هو فعلٌ منه عليه السلام لا يُلزم؛ فلم يُبيِّن عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة. وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة، وهو عليه السلام لم يصم شهرًا كاملاً غير رمضان، ولم يزد في قيامه على ثلاثة عشرة ركعة .. أفيحرم أن يُصَام شهر كامل غير رمضان، أو أن يتهجَّد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة؟ هذا لا يقوله المانعون، ومثل هذا كثير جدًّا (¬4). 3 - ما رُوِيَ عن علي رضي الله عنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: «هكذا لمن ليس بِجُنب، فأمَّا الجُنب فلا، ولا آية» (¬5). فالحديث نصَّ في منع الجُنب، فالحائض من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا (1/ 98). (¬2) المغني (1/ 200) فتح الباري (1/ 407). (¬3) انظر: التلخيص الحبير (1/ 139) إرواء الغليل (2/ 242). (¬4) المحلى (1/ 103) وانظر أيضًا: نيل الأوطار (1/ 226) والسيل الجرار (1/ 110). (¬5) أخرجه أحمد في المسند (1/ 110) وقد عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد لأبي يعلي، وقال: رجاله رجال موثقون (1/ 276).

ونوقش من أوجه: الوجه الأول: عدم التسليم بصحَّة الحديث؛ لأنه من رواية أبي الغريف عن علي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وعليه اعتمد من قال بصحته، وابن حبان متساهل في التوثيق فلا يُعتمد عليه، لاسيَّما إذا عارضه غيره من الأئمَّة. الوجه الثاني: أنه لو صحَّ فليس صريحًا في الرفع، أي: موضع الشاهد منه. الوجه الثالث: على فرض كونه صريحًا في الرفع فهو شاذ أو مُنكَر؛ لأنَّ في إسناده عائذ بن حبيب، وإن كان ثقة، فقد قال فيه ابن عدي: روى أحاديث أُنكِرت عليه، ولعلَّ هذا منها، فقد رواه من هو أوثق منه وأحفظ موقوفًا على علي (¬1). الوجه الرابع: على التسليم بالجميع وأنه نصَّ في منع الجُنب فلا دلالة فيه على منع الحائض؛ إذ تحتاج هذه الدعوة إلى دليل، وللفارق، ومن أهمه: قدرته على التطهُّر دونها. 4 - ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا توضَّأت وأنا جُنب أكلت وشربت، ولا أصلِّي ولا أقرأ حتى اغتسل» (¬2). ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف (¬3). 5 - ما رُوِيَ عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: أنه كان مضطجعًا إلى جُنب امرأته، فقام إلى جاريةٍ له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت وخرجت، فرأته على جاريته ¬

(¬1) إرواء الغليل (2/ 243، 244). (¬2) السنن الكبرى (1/ 308). (¬3) المجموع (2/ 159).

فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت، وفرغ فقام، فلقيها تحمل الشفرة، فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم! لو أدركتك حيث رأيتك لوجئت بين كتفيك بهذه الشفرة، فقال: وأين رأيتني؟ قالت: على الجارية، فقال: ما رأيتني، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جُنب، فقالت: فاقرأ، فقرأ لها بعض الأبيات، فقالت: آمنت بالله وكذَّبت بصري، ثم غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فضحك حتى بدت نواجذه - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). والدلالة فيه من وجهين: الوجه الأول: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكر عليه قوله "وقد نهى رسول الله أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جُنب". الوجه الثاني: أنَّ هذا كان مشهورًا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم. ونوقش: بأن هذا الحديث ضعيف لضعف إسناده وانقطاعه، فلا يصحُّ للاحتجاج (¬2). 6 - ولأنَّ الحيض حدث يوجب الغسل فوجب أن يمنع قراءة القرآن كالجنابة (¬3). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: عدم التسليم بصحَّة الحكم المقيس عليه؛ إذ لا نسلم بمنع الجُنب من القراءة. الوجه الثاني: لو سلم بمنع الجُنب من القراءة فالقياس لا يصح للفارق، وهو قدرة الجُنب على التطهر دونها. ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني في سُننه، كتاب الطهارة، باب في النهي للجنب والحائض عن قراءة القرآن (1/ 120). (¬2) المجموع (2/ 159). (¬3) المجموع (2/ 159) المعونة (1/ 163).

القول الثاني: أنه يجوز لها ذلك ذهب إليه الإمام مالك في الرواية المشهورة عنه، وعليها أكثر أصحابه (¬1)، والشافعي في قول (¬2)، وأحمد في رواية عنه اختارها ابن تيمية (¬3)، والظاهرية (¬4)، وهو قول ابن المسيب وابن المنذر (¬5). الاستدلال: 1 - ما أخرجه البخاري من حديث كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل: وقد ضمَّنه قوله تعالى: {يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] الحديث (¬6). ووجه الدلالة منه: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الروم وهم كفار، والكافر جُنب، وإذا جاز له مسُّ الكتاب مع اشتماله على آيتين، فكذلك يجوز له قراءته لأنه إنما كتبه إليهم ليقرءوه. ونُوقش من أوجه: الوجه الأول: أنَّ الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير، فإنه لا يُمنع قراءته لأنه لا يُقصد منه التلاوة. ¬

(¬1) انظر: بداية المجتهد (1/ 49) المنتقى (1/ 120، 245) حاشية الدسوقي (1/ 174) الشرح الصغير (1/ 372) شرح الخرشي (1/ 209). (¬2) انظر: الأوسط (2/ 97) المجموع (2/ 356). (¬3) الإنصاف (1/ 243، 347) مجموع فتاوى ابن تيمية (31/ 459). (¬4) المحلى (1/ 102). (¬5) المغني (1992) الأوسط (2/ 97). (¬6) صحيح البخاري كتاب «بدء الوحي»، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله (1/ 5، 6، 7).

الوجه الثاني: أنَّ ذلك يجوز إذا كان فيه مصلحة كتبليغ الدعوة. الوجه الثالث: أنَّ هذا خاص بالقليل منه كالآية والآيتين. الوجه الرابع: أنه لا دلالة فيه على جواز القراءة للجنب، لأنَّ الجُنب إنما مُنِع التلاوة إذا قصدها وعرف أنَّ الذي يقرؤه قرآن، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع (¬1). 2 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كلِّ أحيانه (¬2). ووجه الدلالة: إخبار عائشة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله في كلِّ أحواله، ومنه وقت الجنابة، فيدخل في ذلك قراءة القرآن، لأنه من ذكر الله (¬3). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنَّ المراد بالذكر غير القرآن، فإنه المفهوم عند الإطلاق (¬4). الوجه الثاني: أنه عام خصَّته الأحاديث السابقة في منع الجُنب. 3 - ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقرأ وهو جُنب (¬5). وإذا جاز ذلك للجنب جاز للحائض من باب أولى لقدرته على التطهر دونها. ¬

(¬1) فتح الباري (1/ 408). (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها (1/ 282). والبخاري معلقًا، بصيغة الجزم، في كتاب الحيض، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت (1/ 79). (¬3) المجموع (2/ 159). (¬4) سبل السلام (1/ 71). (¬5) المحلى (1/ 105).

ونوقش: بأنَّ فعل صحابي، وقد اختُلف في الاحتجاج به، كيف وقد رُوِيَ عن غيره ما يعارضه، وهو ما رُوِيَ عن عمر وعلي (¬1)، أضف إليه مخالفة المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4 - أنَّ قراءة القرآن من ذِكر الله وذكره مندوب إليه مأجور فاعله، فمن ادَّعى المنع في بعض الأحوال فعليه الدليل (¬2). ولم يَرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في منعها من القرآن شيء أصلاً .. وقد كان النساء يحضن في عهده - صلى الله عليه وسلم -، فلو كانت القراءة محرَّمة عليهنَّ كالصلاة لكان هذا مما بيَّنه النبيُّ لأمته، وتعلمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك نهيًا لم يجز أن تجعل حرامًا، مع العلم أنه لم ينهَ عن ذلك، وإذا لم ينهَ عنه مع كثرة الحيض عُلِم أنه ليس بمحرَّم (¬3). 5 - أنَّ الحيض ضرورة، فهو يأتي بغير اختيار المرأة، ويطول أمره، فلو مُنعت من قراءة القرآن لنسيت ما تعلَّمت من كتاب الله تعالى بخلاف الجُنب؛ فإنه يأتي الجنابة باختياره غالبًا، وكذلك يمكنه إزالتها في الحال بالاغتسال، أو التيمُّم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله (¬4). ونوقش: بأنَّ المقصود يحصل بالتفكر في ذلك .. فلا تنسى (¬5). وأجيب: بأنَّ هذا غير مُسلَّم؛ إذ المقصود لا يحصل بذلك. ¬

(¬1) المحلى (1/ 102، 104). (¬2) المحلى (1/ 102). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (30/ 191). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 460) عارضة الأحوذي (1/ 213) معالم السنن (1/ 76) المجموع (2/ 159) المعونة (1/ 163). (¬5) المجموع (2/ 159).

الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها

6 - ولأنَّ الحيض كدم الاستحاضة وهو لا يمنع قراءة القرآن (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه القائلون بالجواز لقوَّة ما ذكروه من أدلَّة، وأقواها ولا شك عدم ورود دليلٍ صحيحٍ في المنع. فإن طهرت حرمت عليها القراءة حتى تغتسل؛ لأن الأمر صار بيدها فهي كالجُنب. الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها: هذا وقد اختلف القائلون بعدم جواز القراءة من الحائض، في قراءتها للآية فما دونها على الأقوال التالية. القول الأول: أنه لا يجوز لها قراءة الآية فما دونها إذا كان بقصد التلاوة مطلقًا، فأما إذا لم تقصد بأن قالت: «بسم الله» لافتتاح الأعمال تبركًا أو قالت: «الحمد لله» .. لا بأس. ذهب إليه أكثر الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3) وهو رواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه (¬4). الأدلَّة: 1 - حديث ابن عمر السابق أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقرأ الحائض والجُنب شيئًا من القرآن» (¬5). ¬

(¬1) المنتقى (1/ 345). (¬2) بدائع الصنائع (1/ 38) فتح القدير (1/ 167) المبسوط (3/ 152) الفتاوى الهندية (1/ 38). (¬3) روضة الطالبين (1/ 85) نهاية المحتاج (1/ 220) مغني المحتاج (1/ 72). (¬4) الفروع (1/ 201) الإنصاف (1/ 243) المبدع (1/ 187) كشاف القناع (1/ 147). (¬5) سبق تخريجه.

ووجه الدلالة: أنَّ الحديث عام في النهي عن قراءة القرآن، لا فرق بين الآية وما دونها، لأنَّ قوله: «شيئًا» نَكِرَةٌ في سياق النفي؛ فتعمُّ القليل والكثير (¬1). ونوقش: بضعف الحديث فلا يصلح للاحتجاج (¬2). 2 - حديث علي السابق؛ قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن ثم قال: «هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجُنب فلا ولا آية» " (¬3). ووجه الدلالة واضح: وإذا ثبت هذا في الجُنب فالحائض مثله. ونوقش: بضعفه فلا يصلح للاحتجاج (¬4). 3 - حديث قصَّة عبد الله بن رواحة مع زوجته، وفيه قوله لها: "وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جُنب" (¬5). وهذا نصٌّ عام يشمل القليل والكثير. ونوقش: بضعفه أيضًا كما أسلفنا (¬6). 4 - ولأنه قرآن فمُنع من قراءته كالآية (¬7). القول الثاني: أنه يجوز لها قراءة ما دون الآية، دون الآية التامة: ذهب إليه أبو حنيفة في رواية عنه، اختارها بعض أصحابه (¬8). والإمام أحمد في رواية عنه، وهي المذهب عند أصحابه (¬9). ¬

(¬1) فتح القدير (1/ 167) المغني (1/ 200). (¬2) انظر: (21). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) انظر: (23). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) انظر (23). (¬7) المغني (1/ 200). (¬8) مختصر الطحاوي (18) بدائع الصنائع (1/ 38) فتح القدير (1/ 167) المبسوط (152) اللباب (1/ 48). (¬9) الإنصاف (1/ 243) المبدع (1/ 188) الفروع (1/ 201) المغني (1/ 200)

الأدلَّة: احتج الحنفية لما ذهبوا إليه: 1 - بأنَّ المتعلِّق بالقرآن حُكمان هما: جواز الصلاة، ومنع الحائض عن قراءته، ثم في حقِّ أحد الحكمين يفصل بين الآية وما دونها. وكذلك في الحكم الآخر (¬1). واحتج الحنابلة: 2 - بأنَّ ما دون الآية لا يحصل به الإعجاز، ولا يجزئ في الخطبة، ويجوز إذا لم يُقَصد به القرآن وكذلك إذا قصد (¬2). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: بأنَّ مبني التفريق على التعليل، والتعليل في مقابلة النص مردود (¬3). الوجه الثاني: أنَّ من الآيات ما هو كلمة واحدة فقط، مثل قوله تعالى: {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] وقوله: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] وقوله: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] وقوله: {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] ومنها كلمات كثيرة كآية الدَّين، فإذ لا شكَّ في هذا، فإن في إباحتهم لها قراءة آية الدين، والتي بعدها أو آية الكرسي، أو بعضها ولا تتمها، ومنعهم إياها من قراءة: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} أو منعهم لها من إتمام {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لعجبًا (¬4). الوجه الثالث: أنَّ بعض الآية، والآية قرآن بلا شك، ولا فرق أن يُباح لها آية، أو أن يباح لها أخرى، أو بين أن تمنع من آية، أو تمنع من أخرى (¬5). ¬

(¬1) المبسوط (3/ 152) رد المحتار (1/ 172). (¬2) المغني (1/ 200). (¬3) رد المحتار (1/ 172). (¬4) المحلى (1/ 104). (¬5) المحلى (1/ 103).

المطلب الثاني في الذكر

المطلب الثاني في الذِّكر لا خلاف بين أهل العلم في أنَّ للحائض أن تذكر الله، ولو اشتمل ذلك على بعض آية إذا كان ممَّا لا يتميَّز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر إذا لم تقصد به القرآن (¬1). قال ابن قدامة: فإنه لا خلاف في أنَّ لهم ذِكر الله تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم، ولا يمكنهم التحرُّز من هذا (¬2). * * * المطلب الثالث في مس المصحف المسألة الأولى في كون ذلك حالة الضرورة: لا خلاف بين أهل العلم في أنه يجوز للحائض مس المصحف حالة الضرورة، وقد مثل لذلك بما إذا خيف على المصحف من الحرق أو الغرق أو وقوعه في نجاسة، أو حصوله في يد كافر (¬3). على أنَّ عليها أن تتيمَّم لذلك إذا لم تخشَ الفوات (¬4). المسألة الثانية: في مسِّه في غير حالة الضرورة: وفيها فرعان: الفرع الأول: في مسِّه إذا لم يخالطه غيره من كلام الناس. ¬

(¬1) المغني (1/ 200) وانظر: المجموع (2/ 163) والمحلى (1/ 77) المنتقى (1/ 344).انظر: التبيان في آداب حملة القرآن للنووي (154) والمجموع (2/ 70) حاشية الدسوقي (1/ 125) (¬2) المغنى (1/ 200). (¬3) انظر: التبيان في آداب حملة القرآن للنووي (154) والمجموع (2/ 70) حاشية الدسوقي (1/ 125) المغنى (2/ 204) (¬4) المغني (2/ 204).

الفرع الأول

الفرع الثاني: إذا كان مُختلِطًا بغيره. الفرع الأول: وفيه جانبان: الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل: وقد اختلف أهل العلم في حُكم مسِّ الحائض له في هذه الحالة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يحرم. ذهب إليه جمهور أهل العلم (¬1)، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة (¬2). إلاَّ أنَّ المالكية استثنوا من ذلك المتعلِّمة وكذلك المعلمة في قول. الاستدلال: 1 - قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. وجه الدلالة: أنَّ الضمير (الهاء) يعود إلى القرآن الكريم، والمقصود ¬

(¬1) انظر: الأوسط (2/ 101) المغني (1/ 202) المجموع (2/ 72). (¬2) انظر للحنفية: الهداية (1/ 31) بدائع الصنائع (1/ 33، 44) البحر الرائق (1/ 211) المبسوط (3/ 152) الاختيار لتعليل المختار (1/ 13) اللباب (1/ 43). وانظر للمالكية: مختصر خليل (17) الكافي (1/ 172) المنتقى (1/ 343) بداية المجتهد (1/ 41) حاشية الدسوقي (1/ 125، 174) القوانين (31) وقد استثنوا من ذلك ما إذا كانت معلمة أو متعلمة، انظر: حاشية الدسوقي (1/ 174) حاشية الصاوي (1/ 312) المنتقى (1/ 344). وانظر للشافعية: الوجيز (1/ 17) المهذب (1/ 32) المجموع (2/ 67) الحاوي (1/ 384) مغني المحتاج (1/ 76). وانظر للحنابلة: الفروع (1/ 188) المبدع (1/ 137) الإنصاف (1/ 223) المغني (1/ 202).

بـ {الْمُطَهَّرُونَ} المطهَّرين من الحدث، وهم المكلَّفون من الآدميِّين (¬1). ونوقش الاستدلال من أوجه: الوجه الأول: أن الضمير يعود على اللوح المحفوظ و {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة طهروا من الشرك والذنوب، لأنَّ "الْمُطهَّر" من طهَّره غيره، ولو أُرِيد بنو آدم لقال: "الْمُتَطَهِّرُون"، فلا دلالة فيها على منع المحدث (¬2). وأجيب عنه بعدَّة أجوبة: أحدها- أنه أعقب الآية بوصفه بالتنزيل، وظاهر أنَّ المراد به القرآن الكريم (¬3). الثاني- أنَّ هذا باطل؛ لأنَّ الملائكة لا تناله في وقت، ولا تصل إليه بحال، فلو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه محلُّ (¬4). الثالث- أنَّ الملائكة مُطهَّرون بالإجماع، فيلزم على هذا التفسير للآية استثناء الشيء من نفسه، واستثناء الشيء من نفسه لا يصح (¬5). الرابع- لو سلم بأنَّ المراد بهم الملائكة، فإنه يُقاس عليه بنو آدم، بدليل الأحاديث الواردة في منع المحدث من مسه (¬6). الوجه الثالث: أنَّ الضمير يعود إلى الصحف التي بأيدي الملائكة، والمُطهَّرون هم الملائكة طهروا من الشرك والذنوب (¬7). ¬

(¬1) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) المغني (1/ 203) نيل الأوطار (1/ 244) الحاوي (1/ 384) المعونة (1/ 161). (¬2) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) كشاف القناع (1/ 134) المبدع (1/ 137) نيل الأوطار (1/ 244). (¬3) المجموع (2/ 72) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب (1/ 87). (¬4) أحكام القرآن لابن العربي (1/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225). (¬5) حاشية الشرقاوي (1/ 87). (¬6) كشاف القناع (1/ 134) المبدع (1/ 137). (¬7) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) المنتقى (1/ 344).

قال الإمام مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت في قوله: {لاَ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى} .. {فمن شاء ذكره * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 - 16] (¬1). وأجيب عنه بجوابين: الجواب الأول: أنه قوله {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80] ظاهر أنَّ المراد به المصحف، فلا يُحمل على غيره إلاَّ بدليل (¬2). الجواب الثاني: أنَّ فيه دليلٌ على وجوب التطهُّر لمسِّ المصحف؛ ذلك أنَّ البارئ تعالى وصف القرآن بأنه كريم، وأنه في الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهَّرون، فوصفه بهذا تعظيمًا، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في المصاحف التي بأيدينا، وقد أُمِرنا بتعظيمها فيجب أن نتمثَّل ذلك بما وصف الله القرآن به من أنه لا يمسُّ الكتاب الذي هو فيه إلاَّ مُطهَّر. قال الباجي: وهذا وجهٌ صحيحٌ سائغ (¬3). الوجه الثالث: أنَّ المراد بقوله: {لاَ يَمَسُّهُ} أي: لا يجد طعم نفعه "إلاَّ المطهَّرون" من الذُنوب، التائبون العابدون (¬4) وأجيب عنه: بأنَّه عدول عن الظاهر لغير ضرورة عقل ولا دليل سمع (¬5). الوجه الرابع: أنَّ ما في الآية ليس أمرًا، وإنما هو خبر، والله تعالى لا يقول إلا حقًا، ولا يجوز أن يُصرف لفظ الخبر إلى معنى ¬

(¬1) الموطأ مع المنتقى (1/ 344). (¬2) المجموع (2872). (¬3) المنتقى (1/ 344). (¬4) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738) تفسير القرطبي (17/ 226). (¬5) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738).

الأمر إلا بنصٍّ جليّ، أو إجماع متيقَّن، فلما رأينا المصحف يَمسُّه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عزَّ وجل لم يَعنِ المصحف، وإنما عني كتابًا آخر (¬1). وأجيب عنه بجوابين: الجواب الأول: أنَّ الذي في الآية نهي، وإن كان لفظه لفظ الخبر، فمعناه الأمر؛ لأنَّ خبر البارئ تعالى لا يكون بخلاف مُخبِره، ونحن نشاهد من يمسه غير طاهر (¬2). الجواب الثاني: أنه إن حُمل لفظ الآية على حقيقة الخبر فإنَّ الأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله و {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة. وإن حُمِل على النهي، وإن كان في صورة الخبر، كان عامًا فِينا وهذا أولى؛ لِما رُوِيَ من نهيه - صلى الله عليه وسلم -: «أن لا يمسَّ القرآن إلاَّ طاهر»، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية لأنها مُحتمَلَة (¬3). الوجه الخامس: أنه لو سلم رجوع الضمير إلى القرآن على التعيين لكانت دلالته على المطلوب، وهو منع الجُنب من مسِّه، غير مُسلَّمة؛ لأنَّ المطهَّر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجسٍ دائمًا لحديث: «المؤمن لا ينجس» (¬4). فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجِّس بنجاسة عينية، بل يتعيَّن حمله على من ليس بمشركٍ كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] لهذا الحديث ¬

(¬1) المحلى (1/ 109). (¬2) المنتقى للباجي (1/ 343). (¬3) أحكام القرآن للجصاص (3/ 416). (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب عرق الجُنب، وأن المؤمن لا ينجس (1/ 74، 85). ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (1/ 282).

ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو (¬1) (¬2). الوجه السادس: أنه لو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثًا أكبر أو أصغر، فإنَّ هذا اللفظ من الألفاظ المشتركة، والراجح كون المشترك مُجملاً في معانيه، فلا يُعيِّن حتى يبين. وقد دلَّ الدليل ههنا أنَّ المراد به غيره لحديث: «المؤمن لا ينجس» (¬3). ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحلِّ النزاع ترجيحًا بلا مُرجح، وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه، وفيه الخلاف، ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لَما صحَّ لوجود المانع وهو حديث: «المؤمن لا ينجس» (¬4) (¬5). 2 - حديث كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر بن حزم وفيه: «... وأن لا يمسَّ القرآن إلا طاهر» (¬6). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (4/ 15). ومسلم في كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم (3/ 1490). (¬2) نيل الأوطار (1/ 244). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) نيل الأوطار (1/ 244). (¬6) حديث عمر بن حزم أخرجه مالك في الموطأ كتاب العقول (611). والنسائي في كتاب القسامة، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، واختلاف الناقلين له (8/ 58). وابن حبان في صحيحه، في كتاب التاريخ، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (8/ 18). والدارقطني في الديات (3/ 209) والدارمي في السنن كتاب الديات، باب كم الدية من الإبل (2/ 193) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الديات، باب جماع أبواب الديات فيما دون النفس (8/ 80) والحاكم في المستدرك في كتاب الزكاة (1/ 395) وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل: قد أسند هذا الحديث ولا يصح. التلخيص الحبير (4/ 17). وقال ابن جزم: صحيفة عمرو بن حزم منقطعة، لا تقوم بها حجة، المحلى (12/ 125). وصححه جماعة من الأئمة؛ منهم: الحاكم، وابن حبان، والبيهقي وقال أحمد أرجو أن يكون صحيحًا. وصححه غيرهم من حيث الشهرة، فقال الشافعي: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم، معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة. وقال العقيلي: هذا حديث ثابت محفوظ، انظر: التلخيص الحبير (4/ 18) الهداية في تخريج أحاديث البداية (8/ 496).

ووجه الاستدلال: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يمسَّ القرآن إلا طاهر (¬1). ونوقش الاستدلال: من أوجه. الوجه الأول: ضعف الحديث؛ فإنه من صحيفة ولم يسنده إلاَّ سليمان بن داود الجزري، وسليمان بن قرم، وهما لا شيء، وقد سُئِل يحيى بن معين عن سليمان الجزري الذي يحدث عن الزهري، وروي عنه يحيى بن حمزة؟ فقال: ليس بشيء. وأما سليمان بن قرم فساقط بالجملة. وكذلك من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر، ولا حجَّة في مرسل (¬2). وأجيب عنه: بأن وإن كان صحيفة، فقد تلقته الأمة بالقبول، حتى قال ابن عبد البر: إنه أشبه المتواتر لتلقِّي الناس له بالقبول (¬3). الوجه الثاني: أنَّ الطاهر يُطلق بالاشتراك على المؤمن، والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن ليس على بدنه نجاسة. ¬

(¬1) نيل الأوطار (1/ 243) المغني (/203) السيل الجرار (1/ 108). (¬2) المحلى (12/ 125). (¬3) التلخيص الحبير (4/ 18) نيل الأوطار (1/ 243).

ويدلُّ لإطلاقه على الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن لا ينجس» (¬1). وعلى الثاني: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. وعلى الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» (¬2). وعلى الرابع: الإجماع على أنَّ الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى «طاهرًا»، فحمله على أحد هذه المعاني حملاً للمشترك على أحد معانيه، والراجح خلافه، فعليه يحتاج إلى دليل (¬3). وأجيب عنه: بأنَّ الصحيح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه (¬4). ورُدَّت الإجابة: بأنه لو سُلِّم لَمَا صحَّ فيما نحن فيه لوجود المانع، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن لا ينجس» (¬5). الوجه الثالث: إنَّ إطلاق اسم «النجس» على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر، لا يصحُّ، لا حقيقةً ولا مجازًا ولا لغةً (¬6). قال الشوكاني: فإذا ثبت هذا فالمؤمن طاهرٌ دائمًا فلا يتناوله الحديث، سواء كان جنبًا أو حائضًا أو محدثًا أو على بدنه نجاسة (¬7). الوجه الرابع: أنه محمولٌ على من ليس بمشرِك. ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) من حديث المغيرة بن شعبة، أخرجه البخاري، في كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتين (1/ 59) ومسلم في كتاب الطهارة باب المسح على الخفين (1/ 230). (¬3) نيل الأوطار (1/ 243). (¬4) نيل الأوطار (1/ 244). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) نيل الأوطار (1/ 244). (¬7) المصدر السابق.

وأجيب عنه: بما ثبت من كتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، وقد ضمنه آيات من القرآن، ومعلوم جمعهم بين نجاسة الشرك والجنابة، ووقوع اللمس منهم معلوم. وردت الإجابة من وجهين: الوجه الأول: أنَّ هذا خاص بمثل الآية والآيتين، فإنه يجوز تمكين المشرك منها لمصلحة كتبليغ الدعوة. الوجه الثاني: أنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتُب التفسير، فلا تُخصَّص به الآية والحديث (¬1). 3 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُسافَر بالقرآن إلى أرض العدوِّ. وفي رواية: «مخافة أن يناله العدوُّ» (¬2). وتوجيه الاستدلال: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدوِّ مخافةً أن تناله الإهانة منهم، ومنها أن يمسُّوه، وهذا يدلُّ على منع المحدِث من مسِّه؛ لأنَّ كلَّ كافِرٍ جُنب. وأجيب عنه: بأنَّ الحديث حقٌّ يجب اتباعه، ولكن ليس فيه ألاَّ يُمِسَّ المصحف جُنب ولا كافر، وإنما فيه أن ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط (¬3). ثم لو سُلِّم بمنع الكافر فلا دلالة فيه على منع الحائض من مسِّه. 4 - ما أخرجه الدارقطني عن أنس بن مالك؛ قال: خرج عمر متقلِّدًا السيف، فقيل له: إنَّ خِتنك (¬4) وأختك قد صبئوا، فأتاهما عمر ¬

(¬1) نيل الأوطار (1/ 244). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المحلى (1/ 109). (¬4) الختن: هو زوج الأخت. انظر: النهاية (2/ 10).

وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: «خباب»، وكانوا يقرأون {طه}، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك نَجِسٌ ولا يمسُّه إلا المطهرون، فقم واغتسل، أو توضَّأ، فقام عُمر، فتوضَّأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ: {طه} (¬1). ونوقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بأنَّ الأثر ضعيف، لتفرُّد القاسم بن عثمان به، وليس بقوي (¬2). الوجه الثاني: على فرض ثبوته وصحته فيحمل على الطهارة من الشرك. الوجه الثالث: أنه لو توضَّأ أو اغتسل لم ينفعه وضوءه ولا غسله ما دام لم يسلم. 5 - ولأنها ممنوعة من الصلاة لمعنى فيها، فكانت ممنوعة من مسِّ المصحف كالمشرك، أو كالذي غمرت جسده النجاسة (¬3). ويمكن أن يُناقَش بالفارق للنصِّ الصحيح الصريح في منعها من الصلاة دون ما نحن فيه. وقد احتجَّ المالكية لِما ذهبوا إليه من جواز ذلك حالة التعلُّم والتعليم بأنَّ ذلك للضرورة (¬4). القول الثاني: أن لها مسَّه بظاهر الكفِّ دون باطنه: ذهب إليه الحكم وحمَّاد (¬5). ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني في الطهارة، باب نهي المحدث عن مس القرآن (1/ 123) وقال عقبه: تفرد به القاسم بن عثمان، وليس بالقوي، وقال الحافظ: في إسناده مقال التلخيص (1/ 132). (¬2) كذا قال الدارقطني عقب روايته له (1/ 123). (¬3) المنتقى (1/ 344). (¬4) المصدر السابق. (¬5) المغني (1/ 203) المجموع (2/ 72).

واحتجَّا بأنَّ آلة اللمس باطن اليد، فينصرف النهي إليه دون غيره (¬1). ونوقش: بأنَّ هذا ليس بصحيح؛ فإنَّ كلَّ شيءٍ لاقى شيئًا فقد مسَّه (¬2). القول الثالث: أنَّ لها مسَّه مُطلقًا: ذهب إليه جمعٌ من فقهاء السلف، منهم سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك وأبو العالية (¬3). وهو قول داود (¬4)، وابن حزم (¬5)، ورُوِيَ عن الحكم وحماد (¬6). الأدلَّة: 1 - ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى هرقل عظيم الروم: «أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت فإنما عليك إثم الأريسيين (¬7) و {يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله {مُسْلِمُونَ}» (¬8). ¬

(¬1) المغني (1/ 203). (¬2) المغني (1/ 203). (¬3) الأوسط (2/ 103) النباية (1/ 646) المغني (2/ 202). (¬4) المغني (2/ 202). (¬5) المحلى (1/ 107). (¬6) المجموع (2/ 72). (¬7) الأريسيين: قد اختلف في هذه اللفظة صيغة ومعنى، فرُوي بوزن «الكريمين»، ورُوي الإريسين بوزن «الشربيين»، ورُوي: الإريسيين، بوزن «العظميين». وأما معنى: فقيل: هم الخدم والخول، يعني لصده إياهم عن الدين، وقيل: هم «الأكارون»، وكانوا جماعة من الفرس، وهم عبدة النار، فجعل عليه إثمهم. وقيل: إن في رهط هرقل فرقة تعرف بـ «الأروسية»، فجعل النسب إليهم وقيل «الأريسون»، الملوك واحدهم «إريس»، وقيل: هم العشارون، انظر: النهاية (1/ 38). (¬8) سبق تخريجه.

ووجه الاستدلال: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كتب بهذا إلى الروم مع كونهم جامعين لنجاسة الشرك والجنابة، ووقوع اللمس منهم معلوم (¬1)، وإذا ثبت هذا في هؤلاء فالحائض من باب أولى. ونُوقش من أوجه: الوجه الأول: أن هذا خاص بمثل الآية والآيتين، فإنه يجوز تمكين المشرك من ذلك المقدار لمصلحة، كدعائه إلى الإسلام، وتبليغ الدعوة. الوجه الثاني: أنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتُب التفسير. الوجه الثاني: أنه يُمنع إذا كان يعرف أنَّ الذي يقرؤه قرآنًا. أما لو قرأ في ورقة شيئًا لا يعلم أنه قرآن فإنه لا يمنع (¬2). 2 - ولأن الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا إنكار (¬3). ونُوقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن هذا غير مسلَّم بل حالهم أولى؛ لأنَّ البالغ إنما مُنِع تعظيمًا للقرآن، والصبيُّ أنقص حالاً منه (¬4). الوجه الثاني: لو سُلِّم فإنما جاز حملهم لها للضرورة، لأنَّ في تكليفهم استصحاب الطهارة مما يعظم المشقَّة (¬5). الوجه الثالث: أنَّ ما فيها لا يُقصد إثباته على الدوام، بل هو كالمسودة التي تُتَّخذ وسيلة ولا يُعتنَى بها. ¬

(¬1) المحلى (1/ 107) المغني (1/ 202) فتح الباري (1/ 408) نيل الأوطار (1/ 244). (¬2) فتح الباري (1/ 408) نيل الأوطار (1/ 244) المغني (1/ 203). (¬3) المجموع (2/ 72). (¬4) فتح العزيز (2/ 107) كشاف القناع (1/ 135). (¬5) المجموع (2/ 72) فتح العزيز (2/ 107).

الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل

3 - لأنه إذا لم تحرم القراءة فالمسُّ أولى (¬1). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنا لا نسلم بجواز القراءة حال الحيض. الوجه الثاني: لو سلم بجواز القراءة، فإنما أبيحت للحاجة وعسر الوضوء لها كل وقت (¬2). 4 - وقياسًا على حمله في متاع (¬3). ونوقش: بأن حمله في المتاع غير مقصودٍ فافترقا (¬4). الترجيح: والذي يترجَّح لي ما ذهب إليه القائلون بجواز ذلك للحائض لعدم الدليل على المنع، وقد جوَّزنا لها فيما سبق قراءة القرآن، وهذا فرعٌ عن تلك، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «إنَّ حيضتك ليست في يدك» (¬5). إلا أنه ومراعاة للخلاف، ثم هو أحوط، وأبرأ للذمة، ينبغي أن يكون مسُّها له من وراء حائل. قال الشوكاني بعد بحث واستقصاء: إذا تقرَّر ذلك عرفت عدم انتهاض الدليل على منع مَن عدا المشرك (¬6). الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل: وفيه فقرتان: الفقرة الأولى: في مسِّ المصحف: اختلف القائلون بوجوب التطهُّر لِمَسِّ المصحف في حُكم مسِّها له مع وجود الحائل على الأقوال التالية: ¬

(¬1) المجموع (2/ 72). (¬2) المجموع (2/ 72). (¬3) المجموع (2/ 72). (¬4) المجموع (2/ 72). (¬5) أخرجه مسلم في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض لرأس زوجها (1/ 245). (¬6) نيل الأوطار (1/ 245).

القول الأول: أنه يجوز إذا كان الحائل مُنفصلاً عن المصحف، أما مع اتصاله كجلدة فإنه لا يجوز. ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وأحمد في رواية عنه، وعليها أكثر الحنابلة (¬3). الأدلَّة: لأنَّ الحائل المتصل يعد منه، بدليل أنه يدخل في بيعه وإن لم يُذكَر، بخلاف المنفصل فإنه لا يُعَدُّ منه، ولذا لا يدخل في بيعه إن لم يُذكَر (¬4). القول الثاني: أنه لا يجوز لها مسُّه مطلقًا، وسواء كان الحائل متصلاً أو منفصلاً (¬5). ذهب إليه الشافعية في الصحيح من الوجهين (¬6)، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬7). الأدلَّة: وقد استدلَّ هؤلاء للمنع من مسِّه مع الحائل المتصل بما استدلَّ به أصحاب القول الأول، أما للمنع من مسِّه مع الحائل المنفصل فقالوا: ¬

(¬1) انظر: الهداية (1/ 31) فتح القدير (1/ 168) اللباب (1/ 48) بدائع الصنائع (1/ 33). (¬2) انظر: حاشية الدسوقي (1/ 155). (¬3) الإنصاف (1/ 223) الفروع (1/ 188) كشاف القناع (1/ 134). (¬4) انظر: فتح القدير لابن الهمام (1/ 169) رد المحتار (1/ 173) الفروع (1/ 188) فتح العزيز (2/ 102). (¬5) ويمثلون للحائل المنفصل بالخريطة، وهي وعاء شبه كيس يشرج، من أدم، وخرق والجمع خرائط المصباح المنير (1/ 167). (¬6) انظر: المجموع (2/ 67) روضة الطالبين (1/ 79) مغني المحتاج (1/ 37) فتح الوهاب (1/ 8) نهاية المحتاج (1/ 123). (¬7) الفروع (1/ 188) المبدع (1/ 174) الإنصاف (1/ 224) كشاف القناع (1/ 134).

الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف

لأنها متخذة للقرآن منسوبة إليه، فإذا اشتملت على القرآن اقتضى التعظيم ألاَّ يُمَسَّ إلاَّ على الطهارة (¬1). القول الثالث: أنه يجوز لها مسُّه وراء الحائل، سواء كان متصلاً أو منفصلاً. ذهب إليه الشافعية، في مقابل الأصح من الوجهين (¬2)، وبعض الحنابلة (¬3). واستدلُّوا: بأنَّ النهي إنما ورد عن مسِّه، ومع الحائل إنما يكون المسُّ له دون المصحف (¬4). الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف: ومما هو مفرَّع على مسألة المس اختلاف القائلين باشتراط الطهارة لمسِّ المصحف في حمل الحائض للمحصف بعلاقته أو صندوق ونحو ذلك على قولين: القول الأول: إنه يجوز لها ذلك: ذهب إليه الحنفية (¬5)، والشافعية في وجه (¬6)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬7). ¬

(¬1) المجموع (2/ 68) فتح العزيز (2/ 102) مغني المحتاج (1/ 37) نهاية المحتاج (1/ 134). (¬2) المجموع (2/ 68) فتح العزيز (2/ 102). (¬3) الإنصاف (1/ 223) الفروع (1/ 188). (¬4) فتح العزيز (2/ 102) كشاف القناع (1/ 134). (¬5) انظر: تحفة الفقهاء (2/ 31) الهداية (1/ 31) فتح القدير (1/ 168) اللباب (1/ 48) الاختيار (1/ 31). (¬6) المجموع (2/ 67) مغني المحتاج (1/ 37) وهذا فيما إذا كان محمولاً مع غيره. (¬7) المغني (1/ 204) المبدع (1/ 174) الفروع (1/ 188) الإنصاف (1/ 224).

وروي ذلك عن الحسن وعطاء وطاوس والشعبي والقاسم وأبي وائل والحكم وحَمَّاد (¬1). 1 - لأنَّ النهي إنما يتناول مسَّه، والحمل ليس بمسٍّ فلم يتناول النهي (¬2). 2 - ولأنه غير ماسٍ له فلم يُمنع منه، كما لو حمله في رَحله (¬3). 3 - واحتجَّ الشافعية لما ذهبوا إليه من الوجه: بأنَّ المنع من الحمل، المخلِّ بالتعظيم والإجلال، ويفارق حمل الصندوق والخريطة؛ فإنَّ ذلك تبع للمصحف، وهنا بخلافه (¬4). وقال النووي: لأنه غير مقصود (¬5). القول الثاني: أنه يحرم عليها ذلك: ذهب إليه المالكية (¬6)، والشافعية في الوجه الثاني (¬7)، وأحمد في رواية عنه (¬8)، وهو قول الأوزاعي (¬9). واستدلُّوا بما يلي: 1 - لأنه مكلَّف مُحدِث قاصد لحمل المصحف فلم يجز، كما لو حمله مع مسه. ¬

(¬1) المغني (1/ 202). (¬2) المغني (1/ 203) كشاف القناع (1/ 135) الكافي (1/ 48). (¬3) المغني (1/ 203). (¬4) فتح القدير (2/ 104). (¬5) المجموع (2/ 68). (¬6) مختصر خليل ص (17) الشرح الكبير (1/ 125) الشرح الصغير (1/ 7) المنتقى (1/ 343) إلا أنهم استثنوا من ذلك حالة التعلم والتعليم، دفعًا للحرج والمشقة. (¬7) المجموع (2/ 67) روضة الطالبين (1/ 79) مغني المحتاج (1/ 36) وهذا فيما إذا حملته وحده، وهو الوجه الثاني فيما إذا حمله مع متاع. (¬8) الإفصاح (1/ 76) الفروع (1/ 188) الإنصاف (1/ 224) المبدع (1/ 174). (¬9) المغني (1/ 203).

الفرع الثاني

ونوقش: بأنَّ القياس لا يصحُّ، فإنَّ العلَّة في الأصل مسُّه، وهو غير موجود في الفرع، والحمل لا أثر له، فلا يصحُّ التعليل (¬1). 2 - واحتجَّ الشافعية: لِما ذهبوا إليه فيما إذا حُمل مع متاع بأنه حامل له حقيقة، ولا أثر لكون غيره معه، كما لو حمل المصلي متاعًا فيه نجاسة فإنَّ صلاته تبطل (¬2). الفرع الثاني: إذا كان مختلطًا بغيره: وفيه ثلاثة جوانب: الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير. الجانب الثاني: في مسِّ كتُب الفقه والحديث ونحوها. الجانب الثالث: مسُّ ما تُرجِم منه إلى غير العربية. الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير: اختلف القائلون باشتراط الطهارة لمسِّ المصحف، في مسِّ ما اشتمل على القرآن من كتُب التفسير على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجوز بلا كراهة: ذهب إليه بعض الحنفية (¬3)، وهو قول المالكية (¬4)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬5). ¬

(¬1) المغني (1/ 203). (¬2) فتح القدير (2/ 104) المجموع (2/ 38). (¬3) رد المحتار (1/ 177) الأشباه والنظائر لابن نجيم (112). (¬4) الشرح الكبير (1/ 125) فتح الجليل (1/ 71). (¬5) المغني (1/ 204) المبدع (1/ 173) الإنصاف (1/ 225) الفروع (1/ 191) كشاف القناع (1/ 135).

الأدلَّة: 1 - ما صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - من كتابه إلى قيصر بكتاب يدعوه إلى الإسلام، وقد ضمَّنه آيات من القرآن الكريم (¬1). ووجه الدلالة: تضمينه - صلى الله عليه وسلم - لكتابه الآية من القرآن، مع جمعهم لنجاسة الشرك والجنابة، ووقوع اللمس منهم معلوم (¬2). 2 - ولأنها لا يقع عليها اسم «مصحف»، ولا تثبت لها حرمته (¬3). 3 - ولأنَّ المقصود بالتفسير معاني القرآن دون تلاوته، فلا يجب التطهُّر له (¬4). القول الثاني: إنه يُكرَه: ذهب إليه بعض الحنفية (¬5). 1 - لأن كتب التفسير لا تخلو من آيات القرآن، فيكره مس المحدث لها لذلك (¬6). 2 - ولأنَّ القرآن في كتُب التفسير أكثر منه في غيره، وذِكره فيه مقصود استقلالاً لا تبعًا، فشبهه بالمصحف أقرب من شبهه ببقية الكتُب (¬7). ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) المغني (2/ 204) المبدع (1/ 174) كشاف القناع (1/ 135). (¬3) المغني (2/ 204) كشاف القناع (1/ 134). (¬4) حاشية الدسوقي (1/ 125). (¬5) فتح القدير (1/ 169) رد المحتار (1/ 136) الفتاوى الهندية (1/ 39) والخلاف عند الحنفية في كتب التفسير التي كتب فيها القرآن بخلاف غيرها. رد المحتار (1/ 177). (¬6) فتح القدير (1/ 169). (¬7) رد المحتار (1/ 177).

القول الثالث: أنه يَحرُم. ذهب إليه بعض الحنفية (¬1)، وهو وجه في مذهب الشافعية (¬2)، وحكي ذلك رواية عن الإمام أحمد (¬3). واستدلُّوا: بأنَّ التفسير مشتملٌ على آيات القرآن، بل قد يكون الأكثر منه القرآن؛ فكان مسُّه كمسِّ المصحف (¬4). القول الرابع: أنه إن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها، وإن كان التفسير أكثر لم يَحرم. ذهب إليه الشافعية في الصحيح من المذهب (¬5). واستدلُّوا: بأن كتاب التفسير إذا كان القرآن فيه أكثر، في معنى المصحف فيأخذ حُكمه من حُرمة المس، أما إذا كان القرآن فيه الأقل، فإنه في هذه الحالة ليس في معنى المصحف، فيجوز للمحدث مسَّه، ثم مسُّه والحالة هذه لا يُخِلُّ بتعظيم القرآن (¬6). ¬

(¬1) تحفة الفقهاء (2/ 31) بدائع الصنائع (1/ 33) رد المحتار (1/ 176) مجمع الأنهر (1/ 26). (¬2) الوجيز (1/ 17) المجموع (2/ 69) روضة الطالبين (1/ 80) مغني المحتاج (1/ 37) نهاية المحتاج (1/ 135). (¬3) الإنصاف (1/ 225). (¬4) رد المحتار (1/ 176) بدائع الصنائع (1/ 33). (¬5) المجموع (2/ 69) الوجيز (1/ 17) نهاية المحتاج (1/ 125) مغني المحتاج (1/ 37). (¬6) المغني (2/ 37) المجموع (2/ 69).

الجانب الثاني في مس كتب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن

الجانب الثاني في مسِّ كتُب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن: وقد اختلف القائلون باشتراط الطهارة لمسِّ المصحف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجوز: ذهب إليه المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وبه قال بعض الحنفية (¬3) وبعض الشافعية (¬4). الأدلَّة: 1 - ما ثبت من حديث ابن عباس في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر، وقد ضمنه آية من كتاب الله (¬5). ووجه الاستدلال: تضمينه - صلى الله عليه وسلم - للكتاب الآية من القرآن، ومن المعلوم أنهم سيمسُّونه، وهذا يدلُّ على جواز مس المحدث لِما اشتمل على آيات من القرآن ومنها كتُب الحديث والفقه (¬6). 2 - ولأنها لا يقع عليها اسم «مصحف» ولا تثبت لها حُرمته (¬7). القول الثاني: أنه يُكرَه: ذهب إليه بعض الحنفية (¬8)، وبعض الشافعية (¬9). ¬

(¬1) سراج السالك (1/ 95) حاشية الدسوقي (1/ 125). (¬2) المغني (1/ 204) المبدع (1/ 174) كشاف القناع (1/ 135). (¬3) تحفة الفقهاء (2/ 31) بدائع الصنائع (1/ 33) رد المحتار (1/ 176). (¬4) المجموع (2/ 68) روضة الطالبين (1/ 80). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) انظر: المغني (1/ 204) (¬7) المغني (1/ 204) كشاف القناع (1/ 135). (¬8) فتح القدير (1/ 169) رد المحتار (1/ 176) الفتاوى الهندية (1/ 39). (¬9) المجموع (2/ 69،،70).

الجانب الثالث: مس الحائض لما ترجم من القرآن إلى غير العربية

واستدلُّوا: بأن كتب الحديث والفقه لا تخلو من الآيات القرآنية، فيكره مسّها لذلك (¬1). القول الثالث: أنه يَحرُم: ذهب إليه الشافعية في وجه (¬2)، لأن مسها مع اشتمالها على الآيات من القرآن، يخل بتعظيم القرآن فيحرم (¬3). الجانب الثالث: مس الحائض لما ترجم (¬4) من القرآن إلى غير العربية: وقد اختلف القائلون بحرمة مس الحائض للمصحف، في حكم مسِّها لما ترجم إلى غير العربية على قولين. القول الأول: أنه يجوز لها ذلك: ذهب إليه المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬

(¬1) فتح القدير (1/ 169). (¬2) المجموع (2/ 69) نهاية المحتاج (1/ 126). (¬3) نهاية المحتاج (1/ 126). (¬4) ومبني المسألة على حكم ترجمة القرآن إلى غير العربية. وقد ذهب الجمهور من أهل العلم ومنهم فقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى عدم جواز ترجمة القرآن إلى غير العربية، ولا تصح الصلاة بما ترجم، ولو مع العجز عن القراءة بالعربية. انظر للمالكية: حاشية الدسوقي (1/ 125) وللشافعية: المجموع (3/ 379) مغني المحتاج (1/ 159) وللحنابلة: المبدع (1/ 441) كشاف القناع (1/ 340). وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى جواز ترجمه إلى غير العربية، إلا أنهم اختلفوا في جواز الصلاة بالمترجم، مع القدرة على الصلاة بالعربية، فأجاز ذلك أبو حنيفة ومنع منه صاحباه، وقد روي عنه الرجوع إلى قول صاحبيه. انظر: الهداية (1/ 47) فتح القدير (1/ 284، 285). (¬5) حاشية الدسوقي (1/ 125). (¬6) المجموع (3/ 380). (¬7) الفروع (1/ 417) المبدع (1/ 441) كشاف القناع (1/ 340).

1 - لأن الذي يحرم مسه هو القرآن، والترجمة تفسير لا قرآن؛ لأنَّ القرآن هو اللفظ العربي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وقال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] وترجمته لا تُسمَّى قرآنا فلا تحرم على المحدث (¬1). 2 - ولأن القرآن معجز بلفظه ومعناه، قال الإمام أحمد: القرآن معجز بنفسه (¬2)، أي: بخلاف ترجمته بلغة أخرى. فإذا تُرجِم إلى غير العربية زال الإعجاز باللفظ فلا يُسمَّى «قرآنًا»، فإذ لا يثبت له حُكم القرآن فلا يحرم مسّه (¬3). القول الثاني: أنه يكره لها ذلك: ذهب إليه فقهاء الحنفية (¬4). جاء في الفتاوى الهندية: ولو كان القرآن مكتوبًا بالفارسية يكره لهما (يعني الحائض والجُنب) مسُّه عند أبي حنيفة، وكذلك عندهما على الصحيح (¬5). الاستدلال: قالوا: لأنَّ العبرة للمعنى، ومعنى القرآن موجود في الترجمة فتعلَّقت بها الحرمة (¬6). ¬

(¬1) كشاف القناع (1/ 340). (¬2) كشاف القناع (1/ 340) الفروع (1/ 408). (¬3) حاشية الدسوقي (1/ 125) المجموع (3/ 380) المبدع (1/ 441) الفروع (1/ 417). (¬4) انظر: الفتاوى الهندية (1/ 39) فتاوى قاضي خان (1/ 86) والظاهر أن المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم؛ لأنهم يعتبرونه قرآنا حتى تعلق بها جواز الصلاة، مع القدرة على العربية عند أبي حنيفة ومع العجز عند صاحبيه. (¬5) الفتاوى الهندية (1/ 39) وانظر أيضًا: فتاوى قاضي خان (1/ 86). (¬6) المصادر السابقة.

المطلب الرابع في طهارة سؤر الحائض، وطهارة بدنها، وعرقها

المطلب الرابع في طهارة سؤر الحائض (¬1)، وطهارة بدنها، وعرقها ذهب عامة أهل العلم (¬2) إلى أنَّ بدن الحائض وسؤرها وعرقها طاهر. وقد نقل النووي وابن جرير الإجماع على ذلك. قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم: أعضاء الجُنب والحائض والنفساء وعرقهم، طاهر، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه (¬3). وقال ابن مفلح: بدن الحائض وعرقها وسؤرها طاهر، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك، ولا وضع يدها على شيء من المائعات، ذكره ابن جرير إجماعًا (¬4). ومما يدل لهذا ما يلي: 1 - حديث عائشة: أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه رسول الله فيضع فاه على موضع فيها فيشرب، وتتعرَّق العَرْق (¬5)، ¬

(¬1) السؤر: سبقت الإشارة لمعناه، وهو ما بقي في الإناء، فهو بقية الشيء. (¬2) انظر: الهداية (1/ 23) البحر الرائق (1/ 133) شرح الخرشي (1/ 66) الكافي (1/ 144) التفريع (1/ 195) مواهب الجليل (1/ 52) الأوسط (1/ 297) المجموع (2/ 151) المغني (1/ 69) المبدع (1/ 267) كشاف القناع (1/ 201). لكن قال في المبدع: ولعلَّ المراد ما لم يفسد من المائعات بملاقاة بدنها، وإلا توجه المنع فيها. المبدع (1/ 267) وانظر: كشاف القناع (1/ 201) وقد حكى ابن المنذر في الأوسط، وابن قدامة في المغني: عن جابر بن زيد أنه لا يتوضأ من سؤرها، وحكي عن النخعي القول بكراهة الوضوء منه. الأوسط (1/ 297) والمغني (1/ 69). (¬3) المجموع (2/ 151). (¬4) المبدع (1/ 267). (¬5) العرق: بالفتح، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم: النهاية (3/ 230).

المطلب الخامس دخولها للمسجد

فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها (¬1). 2 - وكانت تغسل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض (¬2). 3 - وقال لعائشة: «ناوليني الخُمرة من المسجد» قالت: إني حائض، قال: «إنَّ حيضتك ليست في يدك» (¬3). 4 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المؤمن لا ينجس» (¬4). المطلب الخامس دخولها للمسجد وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في اللبث فيه. المسألة الثانية: في عبور المسجد. المسألة الأولى: في اللبث: اختلف أهل العلم في حُكم دخول الحائض إلى المسجد ولبثها فيه على قولين. القول الأول: أنه لا يجوز لها ذلك: ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمَّة الأربعة وأصحابهم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وطهارة سؤرها (1/ 245). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب غسل المعتكف (1/ 256) ومسلم في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها (1/ 244). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) انظر: فتح القدير والهداية (1651) البحر الرائق (1/ 205) مجمع الأنهر (1/ 53) مواهب الجليل (1/ 374) الشرح الصغير (1/ 312) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 175) الحاوي (1/ 384) المجموع (2/ 156) المهذب (1/ 45) المغني (1/ 200) المبدع (1/ 260) كشاف القناع (1/ 197).

الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. ووجه الدلالة: أنَّ الله نهى الجُنب عن قربان مواضع الصلاة، وهي المساجد (¬1) وإذا ثبت هذا في الجُنب، ففي الحائض أولى؛ لأن حدثها آكد، ولذلك حرم الوطء، ومنع الصيام، وأسقط الصلاة، وساواها في أكثر الأحكام (¬2). ونُوقش من وجهين: الوجه الأول: أن هذا غير مسلم؛ لأن المسجد لم يذكر في أول الآية فيكون آخرها عائدًا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، والصلاة لا تجوز للجنب إلا أن لا يجد ماء فيتيمَّم صعيدًا (¬3). وقد رُوِي القول بأنَّ الآية في الصلاة نفسها عن علي وابن عباس، وأنَّ معنى الآية: ألاَّ يقرب الصلاة، وهو جُنب إلاَّ وهو مسافر تصيبه الجنابة فيتيمَّم ويصلِّي حتى يجد الماء (¬4). الوجه الثاني: على فرض التسليم بما ذكروه، فإنَّ الآية في الجُنب، ولا دلالة فيها على منع الحائض للفارق، وهو قدرته على التطهُّر دونها. 2 - ما صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله لعائشة وقد حاضت وهي محرمة: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألاَّ تطوفي بالبيت» (¬5). ¬

(¬1) الأوسط (2/ 109) المجموع (2/ 155) المحلى (2/ 250) المغني (1/ 200). (¬2) المغني (1/ 200) الحاوي (1/ 384). (¬3) المحلى (2/ 253) الأوسط (2/ 109). (¬4) المصادر السابقة. وانظر: الأثر عن علي في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 157). والأثر عن ابن عباس في تفسير الطبري (5/ 62). (¬5) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب الأمر بالنساء إذا نفسن (1/ 77) ومسلم في كتاب الحج، باب جواز إدخال الحج على العمرة (2/ 873).

3 - وكذا قوله لما أخبر أن صفية قد حاضت: «أحابستنا هي؟» قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «فلتنفر إذن» (¬1). والشاهد: منعه - صلى الله عليه وسلم - للحائض من دخول المسجد. ونوقش: بأنَّ الذي في الحديث نهيٌ عن الطواف؛ لأنه لا يصحُّ من الحائض، ولا دلالة فيه على منعها من دخول المسجد، فلو كانت ممنوعة لذَكَره (¬2). 4 - ما أخرجه أبو داود من حديث أفلت بن خليفة، عن جسرة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جُنب» (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (195) ومسلم في الحج، باب إذا حاضت المرأة (2/ 964). (¬2) المحلى (2/ 253). (¬3) أخرجه أبو داود، في كتاب الطهارة، باب الجُنب يدخل المسجد (1/ 157) وسكت عنه وأخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة، باب ما جاء في اجتناب الحائض المسجد (1/ 212) من حديث أم سلمة، والحديث قد اختلف في تصحيحه، فقال البيهقي: ليس بقوي، قال: قال البخاري عند جسرة عجائب، وقد خالفها غيرها في سد الأبواب، وقال الخطابي: ضعف جماعة هذا الحديث، وقالوا: أفلت مجهول. وقال الحافظ عبد الحق: هذا الحديث لا يثبت، انظر: المجموع (2/ 160). وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 110) هو غير ثابت: وقال ابن حزم في المحلى: أما أفلتت فغير مشهور ولا معروف بالثقة، وخالفهم غيرهم: فقال أحمد: لا أرى بأفلت بأسًا وقال الدارقطني كوفي ثقة،، وقال العجلي: جسرة تابعية ثقة. ورواه أبو داود ولم يضعفه انظر: المجموع (2/ 160). وقال الشوكاني: وهو حديث صحيح ولا وجه لتضعيف ابن حزم له بأفلت بن خليفة الكوفي، فهو معروف مشهور صدوق، كما صرح بذلك أئمة الحديث، وليس بمجهول كما قال، وأخرج هذه الحديث من غير طريقه ابن ماجة عن جسرة عن أم سلمة وروي من طرق وله شواهد، فالحجة قائمة به. السيل الجرار (1/ 109).

ونوقش: بأن الحديث ضعيف فلا يصحُّ للاحتجاج. قال ابن المنذر: وهو غير ثابت؛ لأن أفلت لا يجوز الاحتجاج بحديثه (¬1). وقال ابن حزم: أما أفلت فغير مشهور، ولا معروف بالثقة (¬2). وأُجيب عنه بأنَّ هذا غير مسلم، بل هو حديث صحيح (¬3). 5 - حديث أم عطية: أَمَرَنا - تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين (¬4). ووجه الاستدلال: ظاهر. ونُوقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أنَّ المراد بالمُصلَّى هنا الصلاة لا مكانها، بدليل الرواية الثانية عند مسلم: «فأمَّا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين» (¬5). الوجه الثاني: أنَّ مُصلَّى العيد ليس له حُكم المسجد، إذا لم يكن مُصلاَّه مسجدًا. الوجه الثالث: أنه لو صحَّ أنه نهي وأنه للتحريم، فعِلَّته كراهة جلوس من لا يصلِّي مع المصلِّين (¬6). ¬

(¬1) الأوسط (2/ 110). (¬2) المحلى (2/ 252). (¬3) السيل الجرار (1/ 109) المجموع (2/ 160) فتح القدير (1/ 165). (¬4) أخرجه البخاري في كتاب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد. وباب اعتزال الحيض المصلى (1/ 9، 10) ومسلم في كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى، وشهود الخطبة (2/ 605). (¬5) صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين باب إباحة خروج النساء في العيدين (2/ 606). (¬6) انظر: إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد (349).

القول الثاني: أنَّ لها ذلك: ذهب إليه داود وابن حزم والمزني (¬1). ولعلَّه قول من يُجيز ذلك للجُنب، منهم: ابن المنذر، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن بن مسلم، وقتادة، وروي عن علي وابن عباس (¬2). الأدلَّة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «.. جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» (¬3). ولا خلاف أنَّ الحائض مُباح لها جميع الأرض، وهي مسجد، فلا يجوز أن يُخَصُّ بالمنع بعض المساجد دون بعض (¬4). ويمكن أن يُناقَش بأنَّ هذا يقتضي استواء المساجد وغيرها في جميع الأحكام ولا تقولون بذلك. 2 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لَمَّا حاضت وهي مُحرِمة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألاَّ تطوفي بالبيت» (¬5). فلم ينهها إلاَّ عن الطواف بالبيت فقط؛ ومن الباطل المتيقَّن أن يكون لا يحلُّ لها دخول المسجد، فلا ينهاها عليه السلام عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف (¬6). 3 - ما روت عائشة أم المؤمنين: «أنَّ وليدة سوداء كانت لحيٍّ من ¬

(¬1) المحلى (2/ 253) المجموع (2/ 160). (¬2) الأوسط (2/ 107، 108). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب التيمم باب قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. ومسلم في كتاب المساجد، باب مواضع الصلاة (1/ 370). (¬4) المحلى (2/ 253). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) المحلى (2/ 253).

العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت، فكان لها خباء في المسجد أو حفش» (¬1) (¬2). قال ابن حزم: فهذه امرأةٌ ساكنة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعهود من النساء الحيض، فما منعها عليه السلام من ذلك، ولا نهى عنه، وكل ما لم ينه عنه فمباح (¬3). ويمكن أن يناقش: باحتمال أنها قد دخلت في سن اليأس، وبه يزول المانع، أو أنها تخرج في أيام حيضها، لما هو معلوم عندهم من المنع، أو أن ذلك للضرورة، لعدم وجود المكان الذي تأوي إليه. 4 - ما ثبت من حديث أبي هريرة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن ليس بنجس» (¬4). قال ابن المنذر: وإذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا .. وكان أويل قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] ما قد ذكرناه (¬5)، وجب ألا يمنع من ليس بنجس من المسجد إلا بحجة، ولا نعلم حجة (¬6). ونوقش: بأنه لا يلزم من عدم نجاستها جواز لبثها في المسجد (¬7). 5 - ما روي عن عائشة؛ قالت: اعتكفت مع رسول الله امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة؛ فربما وضعت الطست (¬8). ¬

(¬1) الخفش: بكسر الحاء، وإسكان الفاء: البيت الصغير، الذليل، القريب السمك، سمي به لضيقه النهاية (1/ 407). (¬2) الحديث مطول في البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم المرأة في المسجد (1/ 113). (¬3) المحلى (2/ 353). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) أي: أنها في المسافر لا يجد الماء فيتيمم انظر: الأوسط (2/ 108). (¬6) الأوسط (2/ 110). (¬7) المجموع (2/ 161). (¬8) الطست: إناء، والتاء فيه بدل من السين فجمعه «طساس»، ويجمع على «طسوس»، النهاية (3/ 124) ترتيب القاموس (3/ 76).

تحتها وهي تصلي (¬1). والشاهد منه: إقراره - صلى الله عليه وسلم - لاعتكاف المستحاضة، والحائض مثلها لا فرق (¬2). ونوقش: بالفارق؛ لأن الاستحاضة حدث لا يمنع الصلاة فلم يمنع اللبث كخروج الدم من أنفه (¬3). 6 - حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ناوليني الخُمرة (¬4) من المسجد» قالت: إني حائض، قال: «إن حيضتك ليست في يدك» (¬5). 7 - ومثله حديث ميمونة؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض (¬6). ووجه الاستدلال منهما ظاهر: 8 - أن المشرك يجوز أن يترك فيمكث في المسجد، فالمسلمة الحائض من باب أولى (¬7). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: عدم التسليم بجواز مكث الكافر، فهو ممنوع. الوجه الثاني: علي التسليم بجواز مكث الكافر، فلأن الكافر لا ¬

(¬1) أخرجه البخاري، في كتاب الحيض، باب الاعتكاف للمستحاضة (1/ 85). (¬2) المحلى (5/ 289، 290). (¬3) المغني (1/ 201). (¬4) الخمرة: هي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده، من حصير أو نسيج من خوص، وسميت خمرة؛ لأنها تخمر الوجه، أي: تغطيه، وقيل: لأن خيوطها مستورة بسعفها. النهاية (2/ 77). (¬5) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض لرأس زوجها (1/ 245) سبق تخريجه. (¬6) أخرجه النسائي في كتاب الحيض، باب بسط الحائض الخمرة في المسجد (1/ 161). (¬7) المجموع (2/ 160).

المسألة الثانية: في عبور المسجد

يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بخلاف المسلم (¬1). 9 - أن الأصل عدم التحريم، وليس لمن حرم دليل صحيح صريح (¬2). الترجيح: ولعلَّ الراجح ما ذهب إليه القائلون بجواز مكثها فيه، لقوة أدلَّته وتضافرها، مع صحَّةٍ وقوَّةٍ ما أوردوه من مناقشة لأدلَّة المانعين، إلاَّ أنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا أمنت تلويثه، وإلا حرم عليها لما يؤدِّي إليه من تنجيس مكان العبادة. المسألة الثانية: في عبور المسجد: وقد اختلف القائلون بمنعها من المُكث في المسجد، في حُكم عبورها له عند الحاجة من أخذ شيءٍ أو تركه أو كون الطريق فيه؛ على قولين: القول الأول: أنَّ لها ذلك: ذهب إليه الحنابلة (¬3)، والشافعية في أصح الوجهين (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، وهو قول الحسن (¬6). واحتجُّوا بما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]. فالمراد بالآية قربان مواضع الصلاة؛ لأنه ليس في الصلاة عبور ¬

(¬1) المجموع (2/ 160) الأوسط (2/ 110). (¬2) المجموع (2/ 160). (¬3) المغني (1/ 201) كشاف القناع (1/ 198) المبدع (1/ 260). (¬4) المهذب (1/ 45) المجموع (2/ 161، 357). (¬5) مواهب الجليل (1/ 374) وحكاه ابن قدامة في المغني عن مالك (1/ 201). (¬6) الأوسط (1/ 107).

سبيل، إنما عبور السبيل في مواضعها وهو المسجد (¬1)، والاستثناء من النهي إباحة (¬2)، وإذا ثبت هذا في الجُنب فالحائض مثله. ونوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن هذا غير مسلَّم، والكلام في الصلاة نفسها، فالمراد بالآية أنَّ المسافر إذا أجنب وعدم الماء جاز له التيمُّم والصلاة وإن كانت الجنابة باقية (¬3). وأجيب عنه من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أنَّ هذا الذي ذكروه ليس مختصًا بالمسافر، بل يجوز للحاضر فلا تحمل الآية عليه. الوجه الثاني: على قولكم في معنى الآية، فإنَّ فيها دليلاً على أنَّ التيمُّم ليس برافعٍ للحدث، وأنتم تأبونه. الوجه الثالث: أنَّ الحديث وأقوال الصحابة وتفسيرهم قد وردا على نحو قَولنا في الآية، فكان الأخذ به أولى (¬4). الوجه الثاني من المناقشة: لو سلم بما ذكرتموه من معنى الآية، فقياس الحائض على الجُنب قياس مع الفارق لغلظ حدثها دونه. 2 - ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ناوليني الخُمرة من المسجد» قالت: إني حائض، قال: «إنَّ حيضتك ليست في يدك» (¬5). 3 - وكذلك حديث ميمونة: «وتقوم إحدانا بالخُمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض» (¬6). ¬

(¬1) المجموع (2/ 160). (¬2) المغني (1/ 201). (¬3) فتح القدير والهداية (1/ 166) المجموع (2/ 161). (¬4) المجموع (2/ 161). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) سبق تخريجه.

ووجه الاستشهاد منهما ظاهر (¬1): 4 - ما رُوِيَ عن جابر قال: كنا نَمرُّ بالمسجد ونحن جُنب (¬2). وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعًا (¬3) وإذا ثبت في الجُنب فالحائض مثله. 5 - أنه روي ذلك عن ابن عباس (¬4)، وابن مسعود (¬5). 6 - ولأنه حدث يمنع اللبث في المسجد، فلا يمنع العبور كالجنابة (¬6). القول الثاني: أنَّ ذلك لا يجوز: ذهب إليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية في مقابل الأصح (¬9). واحتجُّوا بما يلي: 1 - ما رُوِيَ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «.. لأ أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جُنب» (¬10) وهو بإطلاقه حجَّة في منع العبور (¬11). ¬

(¬1) انظر: المغني (1/ 201). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 146). (¬3) الأوسط (1/ 106) المغني (1/ 201). (¬4) أخرجه الطبري في التفسير (5/ 63) وابن المنذر في الأوسط (2/ 107). (¬5) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 412) والطبري في التفسير (5/ 63). (¬6) المهذب (1/ 45). (¬7) انظر: فتح القدير والهداية (1/ 165) رد المحتار (1/ 292) مجمع الأنهر (1/ 53). (¬8) الكافي (1/ 31) الشرح الصغير (1/ 312) مواهب الجليل (1/ 374). (¬9) المجموع (2/ 358) والمهذب (1/ 45) والوجهان في مذهب الشافعية فيما إذا أمنت تلويثه، وإلا فلا تحريم قولاً واحدًا. ولعله قول الجميع. (¬10) سبق تخريجه (58). (¬11) فتح القدير (1/ 165) مجمع الأنهر (1/ 53) المجموع (2/ 161).

المطلب السادس في الغسل من المحيض، والتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله

2 - ولأنه موضع لا يجوز المكث فيه، فكذا العبور كالدار المغصوبة (¬1). المطلب السادس في الغسل من المحيض، والتيمُّم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الغسل: وفيها ثلاثة فروع: الفرع الأول: في حكم الغسل. الفرع الثاني: في صفته. الفرع الثالث: في نقض الشعر المضفور له. الفرع الأول: في حُكم الغسل من المحيض: وفيه جانبان: الجانب الأول: في حُكمه للمسلمة: اتفق أهل العلم على وجوب الغسل على المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض (¬2). وقد دلَّ على ذلك ما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. ¬

(¬1) المجموع (2/ 161). (¬2) مراتب الإجماع لابن حزم (183، 192، 261) بداية المجتهد (1/ 45) شرح مسلم (2/ 353) المجموع (2/ 140، 159).

الجانب الثاني: في إجبار الذمية على الغسل منه

ووجه الدلالة من الآية: أنه يلزمها تمكين الزوج من الوطء، ولا يجوز ذلك إلا بالغسل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬1). 2 - ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلِّي» (¬2). فدلَّ على وجوبه عليها؛ إذ لا بدَّ من الصلاة، ولا بدَّ منه لصحة الصلاة (¬3). الجانب الثاني: في إجبار الذميَّة على الغُسل منه: وقد اختلف أهل العلم في حُكم ذلك على قولين: القول الأول: أنَّ له إجبارها: ذهب إليه الشافعية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة في قول (¬6). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ} [البقرة: 222] فالآية تشترط الطهارة لحِلِّ الوطء، ولم تخصّ مسلمة من غيرها، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقَّه (¬7). ويمكن أن يناقَش بأنَّ هذا في حقِّ المسلمة لأنها قد كُلِّفَته، بخلاف الذميَّة. ¬

(¬1) المجموع (2/ 148). (¬2) البخاري في كتاب الوضوء، باب غسل الدم (1/ 93) ومسلم في كتاب الحيض باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (1/ 263). (¬3) المغني (1/ 277). (¬4) تكملة المجموع (16/ 409). (¬5) القوانين الفقهية (23) المدونة (1/ 37) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 103). (¬6) الفروع (5/ 325) المبدع (7/ 195) الكافي (3/ 122) المغني (10/ 222). (¬7) المبدع (7/ 195) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 103).

الفرع الثاني: في صفته

القول الثاني: أنه لا يملك إجبارها: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة في القول الثاني (¬3). واستدلَّ لهذا القول: بأنها غير معتقدة لذلك (¬4)، وقد قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]. الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الأول، لِما ذكروه من توقُّف حلِّ وطء الزوج عليه، ولأنَّ الغُسل منه ليس بتعبُّدٍ محض، بل هو معقول المعنى، ولذا استُحِبَّ للمستحاضة عند الصلاة، ولأنه لا يتكرَّر كثيرًا فلا يُشَقُّ. الفرع الثاني: في صفته: للغسل من الحيض صفتان، صفة كمال، وصفة إجزاء. أولاً: صفة الكمال: فالغُسل الكامل ما اشتمل على: النيَّة، والتسمية، وغسل اليدين ثلاثًا، وغسل ما بها من أذى، والوضوء، وأن تحثي على رأسها ثلاثًا تروي بها أصول شعرها، ثم تفيض الماء، على سائر بدنها، وتُدلِّك بدنها بيدها، وأن تبدأ بشقِّها الأيمن (¬5). قال أحمد: الغسل من الجنابة على حديث عائشة (¬6)، قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثًا، وتوضَّأ وضوءه ¬

(¬1) البحر الرائق (3/ 11). (¬2) القوانين الفقهية (23). (¬3) الإنصاف (8/ 350). (¬4) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 103). (¬5) انظر: الهداية (1/ 16) بداية المجتهد (1/ 32) الحاوي (1/ 226) المغني (1/ 287) كشاف القناع (1/ 152) المبدع (1/ 194). (¬6) المغني (1/ 289).

ثانيا: الغسل المجزئ

للصلاة، ثم يُخلِّل شعره بيده، حتى إذا ظنَّ أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرَّات، ثم غسل جسده» (¬1). والحديث في غُسل الجنابة، وقد قال أهل العلم: إنَّ غسل الحيض كغُسل الجنابة (¬2). ثم يُستحب لها أن تغتسل بماءٍ وسدر، وتأخذ فِرصة مُمَسَّكة فتتبع بها مجرى الدم، والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها ليقطع عنها زفورة الدم ورائحته، فإن لم تجد مِسكًا فغيره من الطيب، فإن لم تجد فالماءُ شافٍ كاف (¬3). ويدلُّ لهذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض فقال: «تأخذ إحداكن سدرتها (¬4) وماءها، فتتطهر بها فتحسن الطهر، ثم تأخذ فرصة ممسَّكة (¬5) فتتطهَّر بها» فقالت أسماء: وكيف أتطهَّر بها؟ فقال: «سبحان الله!! تطهري بها»، فقالت عائشة كأنها تُخفي ذلك: تتبَّعي أثر الدم (¬6). [ثانياً: الغُسل المجزئ] (*) أما الغُسل المجزئ فيحصل بأن تعمَّ الحائض بدنها بالماء، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب الوضوء قبل الغسل (1/ 69) ومسلم في كتاب الحيض، باب صفة غسل الجنابة (1/ 253، 255). (¬2) قال ابن عبد البر: .. وكذلك غسل المرأة من الحيض، والنفاس، والجنابة سواه، الكافي (1/ 145) وقال الماوردي .. غسل المرأة من حيضها، ونفاسها كغسلها من جنابتها الحاوي (1/ 226). وقال ابن قدامة: وغسل الحيض كغسل الجنابة، إلا في نقض الشعر. المغني (1/ 302). (¬3) الحاوي (1/ 226) المغني (1/ 302). (¬4) السدر: ورق شجر النبق. النهاية (2/ 353) ترتيب القاموس (2/ 539). (¬5) الفرصة بكسر الفاء: قطعة من صوف، أو قطن، أو خرقة، والممسكة المطيبة بالمسك. النهاية (3/ 431). (¬6) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم (1/ 261). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع

الفرع الثالث: في نقض الشعر للغسل من المحيض

وتسبغ فيه، بحيث يجري الماء على أعضائها (¬1). قال ابن عبد البر: المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضَّأ وعمَّ جميع بدنه، فقد أدَّى ما عليه .. وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء (¬2). الفرع الثالث: في نقض الشَّعر للغسل من المحيض: اختلف أهل العلم في حُكم نقض المرأة لشعرها إذا كان مضفورًا على قولَين: القول الأول: أنَّ عليها نقضه: ذهب إليه الحنابلة في المذهب (¬3)، والظاهرية (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، وهو قول الحسن، وطاوس (¬6)، والنخعي (¬7). الأدلَّة: 1 - ما رُوِيَ من حديث أنس مرفوعًا: «إذا اغتسلت المرأة من حيضها، نقضت شعرها نقضًا، وغسلته بخطمي وأشنان، وإن غسلته من الجنابة صبَّت الماء على رأسها صبًّا وعصرته» (¬8). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأنَّ في إسناده مسلم بن صبح اليحمدي، وهو مجهول. ¬

(¬1) انظر: الهداية (1/ 16) الكافي (1/ 146) الحاوي (1/ 220) المغني (1/ 289، 302). (¬2) نقله ابن قدامة في المغني (1/ 289). (¬3) المغني (1/ 299) المبدع (1/ 197) كشاف القناع (1/ 154). (¬4) المحلى (2/ 53). (¬5) المنتقى (1/ 6). (¬6) الأوسط (1/ 134) المغني (1/ 299). (¬7) حلية العلماء (1/ 225) المجموع (2/ 187). (¬8) قال في مجمع الزوائد: أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه سلمة بن صبيح اليحمدي، ولم أجد في ذكره (1/ 273).

الوجه الثاني: اقترانه بالغسل بخطمي وأشنان يدلُّ على عدم الوجوب، فإنه لم يقل أحدٌ بوجوب الخطمي والأشنان (¬1). 2 - حديث عائشة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «انقضي شعرك وامتشطي» (¬2). ووجه الاستدلال ظاهر: ونوقش الاستدلال به من أوجه: الوجه الأول: أنه ليس فيه أمر بالغسل. الوجه الثاني: لو سلم بالأمر بالغسل لم يكن فيه حُجة؛ لأنَّ ذلك ليس هو غسل الحيض، إنما أُمِرت بالغسل في حال الحيض للإحرام بالحج، فإنها قالت: أَدركَنِي يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي» (¬3). الوجه الثالث: أنه لو ثبت الأمر به حُمِل على الاستحباب جمعًا بينه وبين الأدلَّة على عدم الوجوب. الوجه الرابع: أنَّ فيه ما يدلُّ على عدم الوجوب، وهو أنه أمرها بالمشط وليس بواجب، فما هو من ضرورته أولى (¬4). 3 - ما أخرجه ابن ماجة من حديث عائشة السابق وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، وكانت حائضًا: «انقضي رأسك، واغتسلي» (¬5). قال ابن حزم: والأصل في الغسل الاستيعاب للشعر، وإيصال ¬

(¬1) السيل الجرار (1/ 115). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض (1/ 81) ومسلم في كتاب الحج باب وجوب الإحرام (2/ 870). (¬3) كما سبق. (¬4) انظر: المغني (1/ 301) السيل الجرار (1/ 115). (¬5) أخرجه ابن ماجة، في كتاب الطهارة، باب الحائض كيف تغتسل (1/ 210) وقال في الزوائد: إسناده ثقات، وكذا أخرجه ابن حزم في المحلى (2/ 53).

الماء إلى البشرة بيقين، بخلاف المسح، فلا يسقط ذلك إلاَّ حيث أسقطه النص، وليس ذلك إلاَّ في الجنابة فقط (¬1). ويمكن أن يناقش بالأوجه التالية: 1 - أن ما فيه من ذِكر الغسل مخالف لرواية الصحيحين، والأخذ بما فيهما أولى. 2 - أنَّ القائلين بعدم وجوب النقض لا يقولون بالاكتفاء بالمسح، بل يشترطون وصول الماء إلى البشرة، وإلا وجب النقض (¬2). 3 - أنَّ الحديث في الغسل للإحرام بالحج، وليس للغسل من المحيض، بدليل تصريح عائشة بذلك وأنها كانت حائضًا ولَمَّا تطهر. 4 - ولأنَّ الأصل وجوب نقض الشعر ليتحقَّق وصول الماء إلى ما يجب غسله فعُفِيَ عنه في غُسل الجنابة؛ لأنه يكثر فيشق ذلك فيه، والحيض بخلافه، فبَقِيَ على مقتضى الأصل في الوجوب (¬3). القول الثاني: أنَّ ذلك مستحبٌّ وليس بواجب: ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في قول. وهو قول عطاء، والحكم، والزهري (¬7). واستدلُّوا بما يلي: 1 - ما روته أسماء أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، ¬

(¬1) المحلى (2/ 53). (¬2) انظر: المجموع (2/ 187) حلية العلماء (1/ 225). (¬3) المغني (1/ 300). (¬4) الهداية (1/ 16) فتح القدير (1/ 59) البحر الرائق (1/ 196) المبسوط (1/ 45). (¬5) الكافي (1/ 144) القوانين الفقهية (23) المنتقى (1/ 96) المعونة (1/ 132). (¬6) الحاديث (1/ 225، 226) المجموع (2/ 187) حلية العلماء (1/ 225). (¬7) المغني (1/ 300) المبدع (1/ 197).

فقال: «تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه دلكًا شديدًا، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصبُّ عليها الماء» (¬1). والشاهد منه: أنه لم يذكر النقض ولو كان واجبًا لذَكره؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬2). 2 - ما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للحيضة وللجنابة؟ فقال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» (¬3). قالوا: وهذا زيادة (¬4)، يجب قبولها، وهذا صريح في نفي الوجوب (¬5). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن أكثر روايات الحديث ليس فيها ذكر الحيض، فوجب الأخذ بما رواه الأكثر. الوجه الثاني: أن قوله «لا» راجع إلى الجنابة لا غير، لأنَّ النص قد ورد بالنقض للحيض، وهو ما جاء في حديث عائشة. الوجه الثالث: أنه على فرض أنَّ قوله: «لا» راجع إلى الجميع، فإنَّ حديث عائشة ناسخ له، فحديث عائشة زائد حُكمًا ومثبت شرعًا على حديث أم سلمة، والزيادة لا يجوز تركها (¬6). وأجيب عن هذه المناقشات: بأنَّ مبناها على أنَّ حديث عائشة في الغسل للحيض، وقد بيَّنا فيما ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) المغني (1/ 300). (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة (1/ 260). (¬4) يقصد ذكر الحيض، إذا أكثر الروايات أن السؤال عن غسل الجنابة. (¬5) المغني (1/ 300) فتح القدير (1/ 59). (¬6) المحلى (2/ 54).

المسألة الثانية: في التيمم

سبق عدم صحة ذلك، وعلى فرضه، فإنَّ دعوى النسخ تحتاج لعلم المتقدم، فقد تُقلب الدعوى، ويقال: حديث أم سلمة ناسخ لِما في حديث عائشة. 3 - ولأنه موضع من البدن فاستوى فيه الحيض والجنابة كسائر البدن (¬1). الترجيح: والراجح هو القول الثاني من عدم وجوب النقض لقوة أدلَّته، وضعف ما أورد عليها من مناقشة. المسألة الثانية: في التيمُّم: إذا طهرت الحائض من حيضها فلم تجد الماء، أو لم تقدر على استعماله، فهل لها أن تتيمَّم وتستبيح به ما يُستباح بالغسل؟ ذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ لها ذلك (¬2)، واستدلُّوا بما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]. فالآية نصٌّ في تيمُّم الجُنب، فالتي طهرت من المحيض مثله. 2 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء» (¬3). وكلٌّ مأمور بالطهور إذا لم يجد الماء، فالتراب بنص عموم هذا الخبر (¬4). ¬

(¬1) المغني (1/ 300). (¬2) المجموع (2/ 398) المهذب (1/ 45) المغني (1/ 354) المحلى (2/ 195). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب التيمم باب قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (1/ 86) ومسلم في كتاب المساجد، باب مواضع الصلاة (1/ 370). (¬4) المحلى (2/ 198).

المطلب السابع في اغتسال الحائض للجنابة

3 - حديث عمار: أجنبت فتمعكتُ في الصعيد، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يكفيك الوجه والكفان» (¬1). 4 - حديث عمران بن حصين الطويل، وقوله للرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء: «عليك بالصعيد فإنه يكفيك» (¬2). فهذه أحاديث متظافرة في جواز التيمم للجنب، فكذلك الحائض؛ إذ لا فرق. المطلب السابع في اغتسال الحائض للجنابة إذا أجنبت الحائض فهل عليها الاغتسال للجنابة، ولو اغتسلت لهما جميعًا عند طهرها، فهل يكفيها ذلك، أو أنه لا بد من غُسلين؟ اختلف أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه لا يلزمها الاغتسال، ويجزئها غُسل واحد عند طهرها: ذهب إليه جمهور أهل العلم ومنهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). وهو قول ربيعة، وأبي الزناد، وإسحاق وسفيان الثوري، والأوزاعي في رواية عنه (¬7). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب التيمم باب التيمم للوجه والكفين (1/ 88). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم (1/ 91) ومسلم في كتاب المساجد باب قضاء الصلاة الفائتة (1/ 474). (¬3) المغني (1/ 292). (¬4) المدونة (1/ 29) الأوسط (2/ 105) المعونة (1/ 160) التفريع (1/ 197). (¬5) الأم (1/ 45) الأوسط (2/ 105). (¬6) المغني (1/ 292) الشرح الكبير (1/ 101). (¬7) الأوسط (2/ 105) المغني (1/ 292) مصنف عبد الرزاق (1/ 275).

الأدلَّة: احتجُّوا للاكتفاء بغسل واحد عند الطهر بما يلي: 1 - لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يغتسل من الجماع إلا غُسلاً واحدًا (¬1)، وهو يتضمَّن شيئين؛ إذ هو لازم للإنزال في غالب الأحوال (¬2). 2 - ولأنَّ المجامع عليه الاغتسال إذا جامع، فإذا عاود أجزأه الاغتسال عنهما، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يطوف على نسائه بغُسل واحد (¬3). فكذلك الحائض، إذا أجنبت وجب عليها الغسل، فلما حاضت قبل أن تغتسل للجنابة أجزأها غسل واحد (¬4). 3 - ولأنهما سببان يوجبان الغسل، فأجزأ الغسل الواحد عنهما، كالحدث والنجاسة (¬5). 4 - ومثله أيضًا ما إذا اجتمعت أحداث توجب الطهارة الصغرى، كالنوم، وخروج النجاسة، واللمس فنواها بطهارته، أو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أجزأه عن الجميع (¬6). واحتجُّوا لعدم وجوب الاغتسال من الجنابة قبل الطهر وأنه لا يصحُّ بأنَّ الغسل لا يفيد شيئًا من الأحكام (¬7). ونوقش: بأنَّ هذا غير مُسلَّم؛ إذ تستفيد منه جواز قراءة القرآن، على القول بجوازها للحائض دون الجُنب (¬8). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب الغسل مرة واحدة (1/ 169). (¬2) (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه بغسل واحد (1/ 71) ومسلم في كتاب الحيض، باب جواز نوم الجُنب (1/ 248). (¬4) الأوسط (2/ 105) المعونة (1/ 160). (¬5) المغني (1/ 292). (¬6) الأوسط (2/ 106) المغني (1/ 292). (¬7) المجموع (2/ 150) الشرح الكبير (1/ 101). (¬8) المجموع (2/ 150).

القول الثاني: أنَّ عليها أن تغتسل، فإن لم تفعل فغُسلان عند طهرها: ذهب إليه الحسن، والنخعي، وعطاء، وجابر بن زيد (¬1)، وقتادة، والحكم وطاوس، والزهري، وميمون بن مهران (¬2)، وهو قول الظاهرية (¬3). واستدلُّوا: بأنَّ الله تعالى أوجب الاغتسال من الجنابة وأوجب الاغتسال من الحيض، وكلُّ واحدٍ منهما غير الآخر، فلا يجوز إسقاط أحد الغسلين عنها إلاَّ بحجَّةٍ من كتابٍ أو سُنَّةٍ أو اتفاق، ومعنى كلِّ واحد منهما غير الآخر (¬4). القول الثالث: أنَّ عليها أن تغتسل للجنابة، فإن لم تفعل أجزأها غُسل واحد عند طهرها: ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬5)، والأوزاعي في رواية عنه (¬6). واحتجُّوا للاكتفاء بغُسل واحد عند الطهر بما احتجَّ به أصحاب القول الأول. أما إيجاب الغُسل عليها عن الجنابة فلعلَّهم يحتجون بما ذُكِر للقول الثاني من استدلال. وقالوا: إنَّ بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر، كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر (¬7). الترجيح: والراجح أنه لا يلزمها إلاَّ غُسل واحد عند الطهر، إلاَّ أنَّ عليها ¬

(¬1) الأوسط (2/ 105) المغني (1/ 292) مصنف عبد الرزاق (1/ 265) وابن أبي شيبة (1/ 77). (¬2) المحلى (2/ 65). (¬3) المحلى (2/ 65) المعونة (1/ 160). (¬4) الأوسط (2/ 105) المحلى (2/ 65). (¬5) الشرح الكبير (1/ 101). (¬6) الأوسط (1/ 105). (¬7) الشرح الكبير (1/ 101).

المطلب الثامن تغسيل الحائض إذا ماتت

الاغتسال عن الجنابة إذا أرادت قراءة القرآن أو اللبث في المسجد مما هو جائز للحائض (¬1)، ممنوع منه الجُنب. المطلب الثامن تغسيل الحائض إذا ماتت اختلف أهل العلم في الغسل الواجب للمرأة إذا ماتت وهي حائض على قولين: القول الأول: إنها تُغسَّل غُسلاً واحدًا: ذهب إليه عامة أهل العلم (¬2). 1 - لأنها خرجت من حُكم التكليف فلم يبقَ عليها عبادة واجبة، وإنما الغُسل للميت تعبُّد، وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة والنضارة، وهذا يحصل بغسل واحد. 2 - ولأنَّ الغسل الواحد يجزئ من وجد في حقِّه موجبان له كما لو اجتمع الحيض والجنابة (¬3). القول الثاني: إنها تُغسَّل غُسلَين: ذهب إليه الحسن (¬4). ولم أجد دليله فيما ذهب إليه، ولعلَّ النقل الصحيح عنه هو فيما لو ماتت بعد طُهرها من الحيض، فيكون دليل من قال بوجوب الغُسلين عليها فيما إذا أجنبت وهي حائض (¬5). ¬

(¬1) وذلك وفقًا لما اخترناه من جواز القراءة واللبث في المسجد للحائض. (¬2) المجموع (5/ 152) المغني (3/ 381). (¬3) المغني (3/ 381). (¬4) المجموع (5/ 152) المغني (3/ 381). (¬5) انظر: (76) من هذا البحث.

المبحث الثاني في الأحكام المتعلقة بالصلاة

المبحث الثاني في الأحكام المتعلِّقة بالصلاة .. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في حُكم الصلاة أثناء الحيض. المطلب الثاني: في قضاء ما فاتها أيام الحيض. المطلب الثالث: في طُهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة. المطلب الرابع: في بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة وقبل أن تصلِّيَها. المطلب الأول حكم الصلاة أثناء الحيض اتفق أهل العلم على حُرمة الصلاة أثناء الحيض، وأنها لا تصِحُّ منها (¬1). وقد دلَّ على ذلك: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: «دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلِّي» (¬2). ¬

(¬1) انظر: مراتب الإجماع (23) الإجماع لابن المنذر (37/ 43) المحلى (2/ 238) مغني المحتاج (1/ 109) مجمع الأنهر (1/ 53) المعونة (1/ 183). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب غسل الدم (1/ 66، 84، 87، 89، 90) ومسلم في باب المستحاضة وغسلها وصلاتها في كتاب الحيض (1/ 262).

المطلب الثاني في قضاء ما فاتها من الصلوات

2 - وقوله: «أليست إحداكنَّ إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي» (¬1). 3 - وقوله: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» (¬2). 4 - ولأنه يُمنَع رفع الحدث فمُنِع الأداء (¬3). المطلب الثاني في قضاء ما فاتها من الصلوات وكما اتفق أهل العلم على سقوط الصلاة عن الحائض أيام حيضها، فقد اتفقوا على عدم وجوب القضاء عليها (¬4). وقد دلَّ عليه: 1 - حديث معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية (¬5) أنت؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل. قالت: كان يُصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (¬6). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم والصلاة (1/ 83) وفي باب الحائض ترك الصوم والصلاة، من كتاب الصوم (3/ 45). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المعونة (1/ 183). (¬4) الإجماع لابن المنذر (37) (2/ 398) بداية المجتهد (1/ 40) فتح الباري (1/ 265، 334) نيل الأوطار (1/ 280) المحلى (2/ 238) كشاف القناع (1/ 197) ولم يخالف فيه إلا الخوارج ولا يعتبر خلافهم المغني (1/ 387). (¬5) نسبة إلى الحرورية وهي فرقة من الخوارج نزلوا حروراء حين خالفوا عليًا رضي الله عنه فنسبوا إليها وهي قرية من قرى الكوفة معجم البلدان (3/ 236). (¬6) أخرجوا البخاري في باب لا تقضي الحائض الصلاة، من كتاب الحيض (1/ 88) ومسلم في باب المستحاضة وغسلها وصلاها من كتاب الحيض (1/ 262).

المطلب الثالث في طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة

المطلب الثالث في طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة. المسألة الثانية: في وجوب ما يجمع إليها قبلها. المسألة الثالثة: فيما تُدرَك به الصلاة. المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة: ذهب عامة أهل العلم إلى وجوب تلك الصلاة التي طهرت أثناء وقتها، إلاَّ أنهم اختلفوا في اشتراط التمكُّن من الغسل والوضوء قبل خروج الوقت على قولَين: القول الأول: أنَّ الفراغ من الغُسل شرط. فإذا طهرت في آخر وقت الصلاة بمقدار ما لا يمكنها الغسل والوضوء حتى خرج الوقت دون تفريط، فلا تلزمها تلك الصلاة ولا قضاؤها. ذهب إليه مالك (¬1)، والشافعية في قول (¬2)، والأوزاعي (¬3)، والظاهرية (¬4). واستدلُّوا: بأنَّ الله عزَّ وجل لم يُبِح الصلاة إلاَّ بطهور، وقد حدَّ الله تعالى للصلوات أوقاتها، فإذا لم يُمكنها الطهور، وفي الوقت بقية فنحن على يقين من أنها لم تُكلَّف تلك الصلاة التي لم يَحِلُّ لها أن تؤدِّيَها في وقتها (¬5). ¬

(¬1) الكافي (1/ 162) الإشراف (1/ 61) الشرح الصغير (1/ 33). (¬2) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 67). (¬3) الأوسط (2/ 247) المحلى (2/ 239). (¬4) المحلى (2/ 239). (¬5) المحلى (2/ 239).

المسألة الثانية: في وجوب ما يجمع إليها قبلها

ويمكن أن يناقش: بأنَّ حلَّ الصلاة وعدمه لا أثر له في إسقاط الواجب، بدليل ما لو استيقظ جُنبًا قبل خروج الوقت بلحظة. القول الثاني: أن وقتها من حين ترى الطهر لا فرق بين أن تُفرط في الغُسل أو لا. ذهب إليه الحنابلة (¬1)، والشافعية في قول (¬2)، والثوري وقتادة (¬3). 1 - لأنها حينئذٍ ممَّن عليها فرض الصلاة، وإنما بَقِيَ الغسل (¬4). 2 - وعملاً بظاهر الحديث (¬5) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة» (¬6). الترجيح: والراجح هو القول الثاني لقوَّة ما بُنِي عليه من استدلالٍ وعملاً بالأحوط. المسألة الثانية: في وجوب ما يُجمع إليها قبلها: إذا طهرت الحائض في وقت الثانية من صلاتي الجَمْع، العصر أو العشاء، فهل يجب مع أداء الثانية قضاء الأولى؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولَين: القول الأول: أنَّ الصلاة تلزمها، وما يُجمع إليها قبلها. ذهب إليه المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وطاوس، ¬

(¬1) المغني (2/ 46) الإنصاف (1/ 442) المبدع (1/ 354). (¬2) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 67). (¬3) الأوسط (2/ 248). (¬4) الأوسط (2/ 248). (¬5) المجموع (3/ 65). (¬6) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب من أدرك ركعة من الفجر (1/ 144) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة (1/ 424). (¬7) الكافي (1/ 162) الإشراف (1/ 61) الشرح الصغير (1/ 333). (¬8) المذهب (1/ 60) المجموع (3/ 64) فتح العزيز (3/ 65). (¬9) المغني (2/ 46) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 334) المبدع (1/ 354) الإنصاف (1/ 442).

والنخعي، ومجاهد، والزهري، وربيعة، والليث، وأبو ثور، وإسحاق، والحكم والأوزاعي (¬1). قالوا: فإذا كان طُهرها في وقت الصبح أو الظهر أو المغرب؛ لم يلزمها ما قبلها؛ لأنَّ ذلك ليس بوقتٍ لِما قبلها، وإن كان ذلك في وقت العصر، أو في وقت العشاء، لزمها الظهر بما يلزم به العصر، ولزمها المغرب بما يلزم به العشاء. واستدلُّوا بما يلي: 1 - ما رُوِيَ عن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلِّي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلَّت العصر والظهر جميعًا (¬2). 2 - ولأنَّ وقت الثانية وقتٌ للأولى حال العذر (¬3)، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية (¬4). ونوقش: بأن الوقت الذي يُباح فيه الجمع بين الصلاتين حال العذر، خلاف الوقت الذي يبقى فيه من النهار مقدار ما يُصلِّي فيه المرء ركعة؛ لأنَّ الوقت الذي أباحت السنة أن تُجمع فيه بين الصلاتين هما إذا صلاَّهما في وقتهما كجَمعه بعرفة بين الظهر والعصر، وبالمزدلفة بين المغرب والعشاء، وفي غير موضعٍ من أسفاره، وكلُّ ذلك مباحٌ يجوز الاقتداء برسول الله فيه؛ إذ فاعله مُتَّبعٌ للسُنة، والوقت الذي طهرت فيه الحائض قبل غروب الشمس بركعة وقت لا اختلاف بين أهل العلم في أنَّ التارك ¬

(¬1) المغني (2/ 46) المجموع (3/ 66) الأوسط (2/ 244). (¬2) أخرجه عن عبد الرحمن، ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 336) وعبد الرزاق (1/ 333) وأخرجه عن ابن عباس ابن أبي شيبة (2/ 337). (¬3) كما في جمعه في السفر، والمطر، وفي مزدلفة. (¬4) المهذب (1/ 61) المجموع (3/ 65) المغنى (2/ 46) الأوسط (2/ 245).

للصلاتين حتى إذا كان قبل غروب الشمس بركعة ذهب ليجمع بينهما، فصلَّى ركعة قبل غروب الشمس، وسبع ركعات بعد غروب الشمس عاصٍ لله تبارك وتعالى مذموم، إذا كان غير قاصد لذلك في غير حال عذره، إذا كان هكذا فغير جائزٍ أن يُجعل حُكم الوقت الذي أُبيح الجمع فيه بين الصلاتين حُكم الوقت الذي حظر فيه الجمع بينهما (¬1). القول الثاني: أنه لا يلزمه سوى وقت واحد، فلا تلزمه الظهر ولا المغرب، ذهب إليه الحنفية (¬2)، والظاهرية (¬3)، وهو قول الحسن، وقتادة وحماد بن أبي سليمان، وسفيان الثوري (¬4)، واختاره ابن المنذر (¬5). واحتجُّوا بما يلي: 1 - أنَّ وقت الأولى خرج في حال عُذرها فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا (¬6). 2 - ولأنَّ الإجماع انعقد على أنه لا صلاة على الحائض، ثم اختلفوا فيما يجب عليها إذا طهرت في آخر وقت العصر، فأجمعوا على وجوب صلاة العصر عليها، واختلفوا في وجوب صلاة الظهر، وغير جائز أن يوجب عليها باختلاف صلاة لا حجة مع موجب ذلك عليها ... (¬7). 3 - وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر» (¬8) دليل على أنه مدرك للعصر لا الظهر (¬9). ¬

(¬1) الأوسط (2/ 245). (¬2) مجمع الأنهر (1/ 53) فتح القدير (1/ 171) المبسوط (3/ 15). (¬3) المحلى (2/ 239). (¬4) الأوسط (2/ 245) المغني (2/ 46) المجموع (3/ 66). (¬5) الأوسط (2/ 245). (¬6) المغني (2/ 46). (¬7) الأوسط (2/ 245). (¬8) سبق تخريجه. (¬9) الأوسط (2/ 245).

المسألة الثالثة: فيما تدرك به الصلاة

الترجيح: والراجح هو القول الثاني؛ لقوَّة ما بُنِيَ عليه من استدلال، وسلامته من المناقشة. المسألة الثالثة: فيما تُدرَك (¬1) به الصلاة: وفيه فرعان: الفرع الأول: فيما تدرك به الصلاة التي اتُّفق على وجوبها. الفرع الثاني: فيما تُدرك به الصلاة الثانية. الفرع الأول: فيما تُدرك به الصلاة التي اتفق على وجوبها: وفيه قولان: القول الأول: إنها تُدرَك بمقدار ما تدخل في الصلاة، وهي تكبيرة الإحرام .. ذهب إليه الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، والشافعية في قول (¬5). 1 - لأنه إدراك، فاستوى فيه القليل والكثير، كإدراك المسافر صلاة المقيم (¬6). 2 - ولأنه إدراك حرمة فاستوى فيه الركعة والتكبيرة كإدراك الجماعة (¬7). ¬

(¬1) زائد على اشتراط التمكن من الغسل عند القائلين بذلك. انظر: (80) من هذا البحث. (¬2) مجمع الأنهر (1/ 53) فتح القدير (1/ 171). (¬3) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222) المبدع (1/ 354). (¬4) المحلى (2/ 239) مع أخذ الاعتبار لاشتراطهم الفراغ من الغسل. (¬5) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66). (¬6) المغني (2/ 47) المجموع (3/ 66). (¬7) المهذب (1/ 60).

القول الثاني: أنَّ ذلك يحصل بإدراك ركعة كاملة: ذهب إليه المالكية (¬1)، والشافعية في القول الثاني (¬2). والحنابلة في قول (¬3). واستدلُّوا بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (¬4). ونوقش: بأنه من باب التنبيه بالأكثر على الأقل، يؤيِّد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس .. فقد أدركها» (¬5). وأجيب عن المناقشة: بأن السجدة هنا، هي الركعة. 2 - ولأنه هو الذي روي عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس (¬6). 3 - ولأنه بدون الركعة لا يدرك الجمعة فكذلك ههنا (¬7). ونوقش: بالفرق؛ فإنَّ الجمعة إدراك فعل فاعتُبِر فيه الركعة، وهذا إدراك حرمة فهو كالجماعة (¬8). وقال ابن قدامة: وأمَّا الجمعة فإنما اعتبرت الركعة بكمالها لكون الجماعة شرطًا فيها، فاعتُبِر إدراك ركعة كيلا يفوته شرطها في معظمها بخلاف مسألتنا (¬9). ¬

(¬1) الإشراف (1/ 61) بداية المجتهد (1/ 73) الكافي (1/ 162) الشرح الصغير (1/ 333). (¬2) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66). (¬3) الشرح الكبير (1/ 222). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) بداية المجتهد (1/ 73). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66) المغني (2/ 47) الإشراف (1/ 61). (¬8) المهذب (1/ 60). (¬9) المغني (2/ 47).

الفرع الثاني: فيما تدرك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك

الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الأول، لقوة دليله خاصة القياس على إدراك صلاة المقيم، ثم هو أحوط وأبرأ للذمة. الفرع الثاني: فيما تُدرَك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك: وقد اختلفوا في ذلك على الأقوال التالية: القول الأول: أنَّ ذلك يحصل بإدراك تكبيرة الإحرام. ذهب إليه الحنابلة (¬1)، والشافعية في أحد القولين على الجديد (¬2)، واستدلُّوا لإدراك الأولى، بما استدلوا به هناك. أمَّا الثانية: فقالوا لأنَّ وقت الثانية وقت الأولى حال العذر، فإن أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية (¬3). القول الثاني: أنَّ ذلك يحصل بإدراك ركعة. ذهب إليه الشافعية في القول الثاني على الجديد (¬4). واستدلُّوا لإدراك الأولى بما ذُكِر هناك، أما الثانية، فكما ذُكِر للقول الأول. القول الثالث: أنَّ الظهر والعصر بمقدار خمس ركعات، أربع للظهر وركعة للعصر، وتجب المغرب مع العشاء بأربع ركعات ثلاث للمغرب، وركعة للعشاء. ذهب إليه المالكية (¬5)، والشافعية في قول على القديم (¬6). ¬

(¬1) المغني (2/ 47) المبدع (1/ 354). (¬2) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66). (¬3) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66) المغني (2/ 47). (¬4) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66). (¬5) الكافي (1/ 162) الإشراف (1/ 61) الشرح الصغير (3/ 332). (¬6) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 66).

المطلب الرابع في بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها

لأنَّ الوقت اعتُبِر لإدراك الصلاتين، فاعتُبِر وقت يمكن الفراغ من إحداهما والشروع في الأخرى (¬1). المطلب الرابع في بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها وفيها فرعان: الفرع الأول: في قضاء تلك الصلاة. الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها قبلها. الفرع الأول: قضاء تلك الصلاة: إذا دخل الوقت على المرأة وهي طاهر ثم حاضت فهل تلزمها تلك الصلاة، أو أنَّ ذلك يختلف باختلاف الوقت المدرك، وكذا العذر وعدمه؟ أختلف أهل العلم في ذلك: القول الأول: وجوب قضاء تلك الصلاة، لا فرق بين إدراك القليل أو الكثير، ولا بين معذورة بالتأخير أو غيره. ذهب إليه الحنابلة (¬2)، وهو قول الشعبي، والنخعي، وقتادة وإسحاق (¬3). واستدلُّوا: بأنها أدركت جزءًا من وقتها فلزمتها، بدليل ما لو طهرت وقد بقي شيء من الوقت فإنها تلزمها كذا ههنا (¬4). ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) المغني (2/ 47) والشرح الكبير (1/ 222). (¬3) الأوسط (2/ 246) المحلى (2/ 239) مصنف عبد الرزاق (1/ 333) مصنف ابن أبي شيبة (2/ 339). (¬4) المغني (2/ 47) المبدع (1/ 353).

ويمكن أن يجاب بالفارق، لأنَّ آخر الوقت وقت ضرورة، بخلاف أوَّله فهو وقت اختيار. القول الثاني: أنه إن مضى من الوقت قدر ما يسع تلك الصلاة وجب عليها القضاء، وإلا فلا. ذهب إليه الشافعية (¬1). قالوا: لأنها وجبت عليها وتمكَّنت من أدائها، فأشبه ما إذا وجبت الزكاة وتمكَّن من أدائها فلم يُخرِج حتى هلك المال (¬2). القول الثالث: أنه لا قضاء عليها. ذهب إليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والظاهرية (¬5)، وهو اختيار ابن تيمية (¬6). وهو قول حمَّاد بن أبي سليمان، وابن سيرين، والأوزاعي (¬7). واستدلُّوا ما يلي: 1 - أنَّ القضاء إنما يجب بأمرٍ جديدٍ ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء (¬8). 2 - أن الله جعل للصلاة وقتًا محدودًا أوله وآخره، وصحَّ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الصلاة في أول وقتها وفي آخر وقتها، فصحَّ أن المؤخِّر لها إلى آخر وقتها ليس عاصيًا؛ لأنه عليه السلام لا يفعل المعصية، فإذن ليست عاصية فلم تتعين الصلاة عليها بعد، ولها تأخيرها؛ فإذا لم تتعيَّن ¬

(¬1) المهذب (1/ 60) المجموع (3/ 67) فتح العزيز (3/ 90). (¬2) المهذب (1/ 61) فتح العزيز (3/ 90). (¬3) الأصل (1/ 329) فتح القدير (1/ 171). (¬4) الإشراف (1/ 62) الشرح الصغير (1/ 336) بداية المجتهد (1/ 73). (¬5) المحلى (2/ 239). (¬6) المجموع الفتاوى (23/ 335). (¬7) الأوسط (1/ 247) المحلى (2/ 239). (¬8) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 335).

الفرع الثاني: في قضاء ما يجمع إليها

عليها حتى حاضت سقطت عنها (¬1). أي: أنها أخَّرت تأخيرًا جائزًا فهي غير مُفرِطة (¬2). وأورد عليها: النائم، والناسي. وأجاب عنه ابن تيمية: بأنَّ النائم والناسي وإن كان غير مفرط أيضًا فإنَّ ما يفعله ليس قضاء، بل ذلك وقت الصلاة في حقِّه حين يستيقظ ويذكر كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها فإنَّ ذلك وقتها» (¬3) وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد بقضاء الصلاة بعد وقتها (¬4). الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الأول، من لزوم قضاء تلك الصلاة، لقوَّة دليله وأخذًا من مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (¬5). ولأنها لزمتها بإدراك وقتها فلا تسقط إلاَّ بدليلٍ بيِّنٍ واحتياطًا للعبادة. الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها: إذا أدركت المرأة من وقت الأولى من صلاتي الجمع قدرًا تجب به، ثم حاضت فهل يلزمها قضاء الثانية مع الأولى إذا طهرت؟ ومثال ذلك ما لو طهرت في آخر وقت الظهر، أو آخر وقت المغرب فهل تلزمها صلاة العصر أو العشاء؟ ¬

(¬1) المحلى (2/ 239) وانظر: الإشراف (1/ 61) ومجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 335). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 335). (¬3) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها (10/ 148) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الفائتة (1/ 476). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 335). (¬5) سبق تخريجه.

اختلف الموجبون لقضاء الأولى في هذه المسألة على قولين: القول الأول: عدم وجوب الثانية: ذهب إليه الشافعية في المذهب (¬1)، وأحمد في رواية عنه اختارها ابن حامد (¬2). واحتجُّوا بما يلي: 1 - لأنه لم يدرك جزءًا من وقتها ولا وقت تبعها، فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئًا (¬3). 2 - ولأنَّ وقت الأولى وقت الثانية على سبيل التبع، ولهذا لا يجوز فعل الثانية حتى تقدم الأولى، بخلاف وقت الثانية فإنه وقت الأولى لا على وجه التبع، ولهذا لا يجوز فعلها قبل الثانية (¬4). القول الثاني: أنها تجب ويلزم قضاؤها (¬5): ذهب إليه أحمد في الرواية الثانية عنه، وبعض الشافعية (¬6). واحتجُّوا: بأنها إحدى صلاتي الجمع، فوجبت بإدراك جزء من وقت الأخرى، كالأولى (¬7). ونُوقِش بالفارق لوجهين: الوجه الأول: أنَّ مُدرك الثانية مدرك لوقت تبع للأولى، فإنَّ الأولى تُفعل في وقت الثانية متبوعة مقصودة يجب تقديمها والبداية بها، بخلاف ¬

(¬1) المهذب (1/ 61) المجموع (3/ 67) فتح العزيز (3/ 92). (¬2) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222). (¬3) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222). (¬4) المهذب (1/ 61) المجموع (3/ 67) فتح العزيز (3/ 92). (¬5) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222). (¬6) المهذب (1/ 61) فتح العزيز (3/ 92) المجموع (3/ 67). (¬7) المهذب (1/ 61) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222).

الثانية مع الأولى (¬1). الوجه الثاني: أنَّ من لا يجوز الجمع إلاَّ في وقت الثانية ليس وقت الأولى عنده وقتًا للثانية بحال، فلا يكون مدركًا لشيءٍ من وقتها، ووقت الثانية وقتٌ لهما جميعًا، لجواز فعل الأولى في وقت الثانية. ومن جوَّز الجمع في وقت الأولى فإنه يجوِّز تقديم الثانية رخصة تحتاج إلى نية التقديم وترك التفريق، ومتى أخَّر الأولى إلى الثانية كانت مفعولة لا واجبة لا يجوز تركها، ولا يجب نية جمعها، ولا يشترط ترك التفريق بينهما، فلا يصحُّ قياس الثانية على الأولى، والأصل ألاَّ تجب صلاة إلاَّ بإدراك وقتها (¬2). الترجيح: والراجح هو القول الأول لقوَّة ما بُني عليه من استدلال، مع عدم وقوف أدلَّة القول الثاني أمام المناقشة. ¬

(¬1) المهذب (1/ 61) المجموع (3/ 67) فتح العزيز (3/ 92) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222). (¬2) المغني (2/ 47) الشرح الكبير (1/ 222).

المبحث الثالث في الأحكام المتعلقة بالصيام

المبحث الثالث في الأحكام المتعلقة بالصيام وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: حكم الصيام حال الحيض. المطلب الثاني: قضاء ما فات بالحيض. المطلب الثالث: في إمساك اليوم الذي طهرت في أثنائه. المطلب الرابع: في طلوع الفجر قبل أن تغتسل. المطلب الخامس: في سقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يومه. المطلب الأول في حكم الصيام حال الحيض أجمع أهل العلم على تحريم الصوم فرضه ونفله على الحائض، وعلى أنه لا يصح صومها (¬1) ويدل له حديث أبي سعيد .. والحكمة في منعها من ذلك؛ فيها قولان: فقيل: إنَّ الأمر في ذلك تعبُّديّ؛ لأنَّ الطهارة فيه ليست بشرط بدليل صحة ذلك من الجُنب. وقيل: لأنَّ نزول الدم يُضعف البدن، فلو اجتمع مع الصوم أضرَّ بالبدن (¬2). ¬

(¬1) انظر: مراتب الإجماع (40) الإجماع لابن المنذر (43) المحلى (2/ 238) المغني (4/ 397) كشاف القناع (1/ 197) المعونة (1/ 183). (¬2) البحر الرائق (1/ 204).

المطلب الثاني في قضاء الأيام الفائتة

المطلب الثاني في قضاء الأيام الفائتة وكما اتفقوا على حُرمة الصيام عليها فقد اتفقوا على وجوب قضاء ما أفطرت حال حيضها (¬1). وقد دلَّ على هذا: 1 - حديث عائشة: «كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» (¬2). والفرق بين قضاء الصوم وعدم قضاء الصلاة: أنَّ الصلاة تتكرَّر فيُشَقُّ قضاؤها بخلاف الصوم (¬3)، والفرق الأعظم هو النصّ، فلا نحتاج معه لعلَّة. المطلب الثالث في الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك اختلف أهل العلم في المرأة تطهر أثناء النهار، هل يلزمها الإمساك أو لا؟ على قولين: القول الأول: أنه يلزمها الإمساك والقضاء: ذهب إليه الحنفية (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، وهو قول الثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح، والعنبري (¬6). ¬

(¬1) انظر: المصادر السابقة في حكاية الإجماع الأول. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المخرج (6/ 255) المهذب (1/ 45) كشاف القناع (1/ 197) المعونة (1/ 184). (¬4) اللباب (1/ 173) والمبسوط (3/ 57). (¬5) المغني (4/ 388) المبدع (3/ 13). (¬6) المحلى (6/ 362) المغني (4/ 388).

واحتجوا بما يلي: 1 - أنه معنى لو وُجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية (¬1). ونُوقش: بأنَّ القياس لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأنَّ الذي جاءه الخبر بالرؤية كان مأمورًا بصوم ذلك اليوم، لو علم أنه من رمضان وأنه فرضه، وهذه منهية عن الصيام لو صامت كانت عاصية (¬2). 2 - ولأنها لو أكلت ولا عُذر بها اتُّهمت، والتحرز عن مواضع التهم واجب (¬3). ونوقش: بأنَّ هذه التهمة موجودة في دعواها الحيض، ولم ينظر إليها، ثم يمكنها الأكل والشرب خفية فلا محذور. القول الثاني: أنه لا يلزمها الإمساك: ذهب إليه المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وأحمد في رواية عنه (¬6)، والظاهرية (¬7)، وهو قول سفيان الثوري، وجابر بن زيد (¬8). 1 - لِما رُوِيَ عن ابن مسعود أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» (¬9). 2 - ولأنه أبيح لها فطر أول النهار ظاهرًا، وباطنًا، فإذا أفطرت كان لها أن تستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر (¬10). ¬

(¬1) بداية المجتهد (1/ 217) المغني (4/ 388). (¬2) المحلى (6/ 362). (¬3) المبسوط (6/ 58). (¬4) الكافي (1/ 295) الإشراف (1/ 207) الشرح الصغير (2/ 248) القوانين الفقهية (84). (¬5) المجموع (6/ 256) المهذب (1/ 184). (¬6) المغني (4/ 288) المبدع (3/ 13). (¬7) المحلى (6/ 361). (¬8) المحلى (6/ 361) المغني (4/ 388). (¬9) أخرجه ابن حزم في المحلى (6/ 363) وسكت عنه. (¬10) المهذب (1/ 184) المجموع (6/ 257) المغني (4/ 388) الإشراف (1/ 207).

المطلب الرابع في المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض

3 - ولأنَّ الجميع مُتفِقون على وجوب قضاء ذلك اليوم الذي طهرت في أثنائه، فصحّ أنها في هذا اليوم غير صائمة، وإذا كانت غير صائمة فلا معنى لصيامها، ولا أن تؤمر بصوم ليس صومًا، ولا هي مؤدية به فرضًا لله تعالى، ولا عاصية بتركه (¬1). 4 - ولأنه يوم يجوز لها الأكل في أوله بغير شبهة، فجاز لها الأكل في آخره كسائر الأيام (¬2). 5 - ولأن صوم اليوم الواحد عبادة واحدة بدليل أن أوله يفسد بفساد آخره، فلا يجوز أن يكون آخرها واجبًا، وأولها غير واجب كالصلاة الواحدة (¬3). الترجيح: والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أنه لا يلزمها الإمساك لقوة ما بني عليه من استدلال. المطلب الرابع في المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض إذا طهرت الحائض ليلاً فأخَّرت الغسل إلى طلوع الفجر، فهل يصحُّ صومها ذلك اليوم إذا نوت من الليل؟. اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنَّ صيامها صحيح: ذهب إليه جمهور أهل العلم (¬4). ¬

(¬1) المحلى (6/ 362). (¬2) الإشراف (1/ 207). (¬3) الإشراف (1/ 207). (¬4) المغني (4/ 393) الكافي لابن عبد البر (1/ 294) المحلى (6/ 393) إلا أن ابن حزم اشترط عدم تأخير الصلاة عمدًا إلى خروج وقتها، وإلا لم يصح صومها، وبناه على أصله في بطلان الصوم بالمعصية المحلى (6/ 393 - 258).

واحتجُّوا بما يلي: 1 - قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فلما أباح الله المباشرة إلى تبين الفجر عُلِم أنَّ الغسل إنما يكون بعده (¬1). 2 - ولأنه حدث يوجب الغسل، فتأخير الغسل منه إلى أن تصبح لا يمنع صحَّة الصوم كالجنابة (¬2). ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة (¬3). القول الثاني: أنها إن فرَّطت في الغسل قضت وإلاَّ فلا: ذهب إليه محمد بن مسلمة من المالكية (¬4). ولم أعثر على دليل لهذا القول. القول الثالث: أنها تقضي فرَّطت أو لم تفرط: ذهب إليه الأوزاعي، والحسن بن حي، والعنبري (¬5)، وعبد الملك بن الماجشون (¬6). واحتجُّوا: بأنها في بعضه غير طاهر، وليست كالذي يصبح جنبًا فيصوم؛ لأنَّ الاحتلام لا يُنقِض الصوم والحيضة تُنقضه (¬7). ونوقش: بأنَّ هذا لا يصح، فإنَّ من طهرت من الحيض ليست ¬

(¬1) المغني (2/ 393). (¬2) المغني (4/ 393). (¬3) المصادر السابقة. (¬4) الكافي (1/ 294). (¬5) المغني (4/ 393). (¬6) الكافي (1/ 294) المغني (4/ 393). (¬7) الكافي (1/ 294) المغني (4/ 393).

المطلب الخامس سقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه

حائضًا، وإنما عليها حدث مُوجب للغسل، فهي كالجُنب، فإنَّ الجماع الموجب للغسل لو وُجد في الصوم أفسده كالحيض، وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض (¬1). الترجيح: ولعلَّ الراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من صحة الصوم، فرطت في تأخير الغسل أو لم تفرط، لزوال المانع وهو الحيض. المطلب الخامس سقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه إذا جُومعت المرأة برضاها وهي طاهر، ثم جاءها الحيض في يومها فهل تجب عليها الكفارة أو تسقط؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: أنها لا تسقط: ذهب إليها المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والشافعية في قول (¬4). وهو قول الليث، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وابن أبي ليلى (¬5). واحتجُّوا بما يلي: 1 - لأنه معنى «طرأ» بعد وجوب الكفارة، فلم يسقطها كالسفر (¬6). 2 - ولأنها أفسدت صومًا واجبًا في رمضان بجماعٍ تامٍ فاستقرَّت الكفارة عليها، كما لو لم يطرأ عُذر (¬7). ¬

(¬1) المغني (4/ 393). (¬2) المغني (4/ 378) المجموع (6/ 340). (¬3) المغني (4/ 387). (¬4) المجموع (6/ 340) على المقول الموجب للكفارة عليها. (¬5) المجموع (6/ 340) المغني (4/ 378) المبسوط (3/ 75). (¬6) المغني (4/ 378). (¬7) المغني (4/ 378) المبسوط (3/ 75).

القول الثاني: أنها تسقط فلا كفارة عليها: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والشافعية في قول (¬2). قالوا: لأنَّ صوم هذا اليوم خرج عن كونه مُستحقًّا، فلم يجب بالوطء فيه كفارة، كصوم المسافر، أو كما لو قالت البينة أنه من شوال (¬3). ونُوقش: بأنَّ الوطء في صوم المسافر ممنوع وإن سلم، فالوطء ثَمَّ لم يوجب أصلاً؛ لأنَّه وطءٌ مباح في سفر أبيح الفطر فيه بخلاف مسألتنا. وكذا إذا تبيَّن أنه من شوال فإنَّ الوطء غير موجب، لأننا تبينَّا أنَّ الوطء لم يُصادف رمضان، والموجب إنما هو الوطء المفسد لصوم رمضان (¬4). الترجيح: والرَّاجح هو القول الأول لقوَّة دليله وسلامته من المناقشة، مع ضعف ما ذُكِر للقول الثاني من القياس. ¬

(¬1) المبسوط (3/ 75). (¬2) المجموع (6/ 340). (¬3) المغني (4/ 378) المجموع (6/ 340) المبسوط (3/ 76). (¬4) المغني (4/ 378).

المبحث الرابع في اعتكاف الحائض

المبحث الرابع في اعتكاف الحائض وفيه مطلبان: المطلب الأول: حُكم الاعتكاف حال الحيض. المطلب الثاني: في طروء الحيض حال الاعتكاف. المطلب الأول حكم اعتكاف الحائض اختلف أهل العلم في حكم اعتكاف الحائض على قولين: القول الأول: أنه لا يصحُّ: ذهب إليه جمهور أهل العلم (¬1). بل حكى ابن قدامة في المغني: أنه لا خلاف فيه (¬2). ¬

(¬1) رد المحتار (2/ 442) الفتاوى الهندية (1/ 39) الهداية (1/ 132) الكافي (1/ 307) الشرح الصغير (2/ 290) القوانين الفقهية (31 - 85) المهذب (1/ 200) المجموع (6/ 519، 520) روضة الطالبين (2/ 407) المغني (4/ 487) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 123، 215) كشاف القناع (1/ 198) والحنفية ممن يشترط اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، فعلى هذا يصح فيه من الحائض إلا أنهم يمنعونها من وجه آخر، وهو أنه يشترط له الصوم في النذر الواجب وفي النفل روايتان الاختيار (1/ 175، 176) رد المحتار (2/ 441). (¬2) المغني (4/ 487).

الأدلَّة: 1 - استدلَّ أصحاب هذا القول لِما ذهبوا إليه بأنَّ الاعتكاف من شرطه المسجد، وهي ممنوعة من اللبث فيه بما ذكروه من استدلالٍ في مسألة اللبث (¬1). 2 - واستدلَّ بعضهم بأنَّ الاعتكاف من شرطه الصوم، وهو مُحرَّمٌ على الحائض (¬2). ويمكن أن يناقش: بأنَّ هذا غير مُسلَّم، فالراجح عدم اشتراط الصوم له. القول الثاني: أنَّ لها ذلك ويصحُّ منها: ذهب إليه داود، وابن حزم (¬3). واحتج هؤلاء بما يلي: 1 - حديث عائشة قالت: «اعتكفت معه امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضع الطست تحتها وهي تصلِّي» (¬4). 2 - ولأنَّ منعها من الاعتكاف مبنيٌّ على تحريم لبثها في المسجد، وهو غير مُسلَّم؛ إذ لا دليل من كِتابٍ أو سُنَّةٍ، أو إجماعٍ على ذلك (¬5). ¬

(¬1) انظر: (55) من هذا البحث. (¬2) انظر: الهداية (1/ 132) الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 307) المغني (4/ 459) المجموع (4/ 487) والمسألة خلافية، انظر: المجموع (6/ 487) المغني (4/ 459) المحلى (5/ 567). (¬3) المحلى (2/ 250) (5/ 286). (¬4) سبق تخريجه، وقد احتج به ابن حزم في المحلى (5/ 290). (¬5) المحلى (5/ 289) وانظر: الاستدلال على جواز لبثها في المسجد في المسألة السابقة من هذا البحث.

المطلب الثاني في طروء الحيض حال الاعتكاف

3 - كما استدلُّوا بما ذُكِر في الاستدلال لجواز لبثها في المسجد (¬1). الترجيح: الترجيح في هذه المسألة فيما يظهر لي فرع عن الترجيح في مسألة اللبث في المسجد، وقد رجَّحت فيما سبق جواز لبثها فيه لعدم وجود الدليل على منعها من ذلك. إلاَّ أنه هنا، ولكون كثيرٍ من أهل العلم يرَون عدم صحته إلاَّ بصوم، كما أنَّ منهم من لا يُجيزه للنساء في غير مسجد بيتها؛ فإنِّي أتوقَّف عن ترجيح أيٍّ من القولَين. المطلب الثاني في طروء الحيض حال الاعتكاف وقد اختلف القائلون بعدم جواز بقائها في المسجد فيما تفعل إذا حاضت وهي معتكفة على الأقوال التالية: القول الأول: أنه إن كان للمسجد رحبة خرجت إليها وضربت فسطاطها فيه، وإلا رجعت إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت فأتمَّت اعتكافها وقضت ما فاتها، ولا كفارة عليها. ذهب إليه الحنابلة (¬2). واستدلُّوا لمشروعية المكث في الرحبة: بما رُوِيَ عن عائشة قالت: كنَّ المعتكفات إذا حِضن أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) انظرها في موضعها. (¬2) المغني (4/ 487) الشرح الكبير (2/ 71). وخروجها إلى الرحبة مستحب، وليس بواجب، فلو لم تقم في الرحبة، ورجعت إلى منزلها أو غيره فلا شيء عليها؛ لأنها خرجت بإذن الشرع، المغني (4/ 488).

بإخراجهنَّ من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن (¬1). أما إذا لم يكن له رحبة فقالوا: ترجع إلى منزلها؛ لأنه خروجٌ معتادٌ واجب، أشبه الخروج للجمعة أو لِما لا بدَّ منه (¬2). القول الثاني: أنها تضرب فسطاطها في دارها، فإذا طهرت قضت تلك الأيام، وإن دخلت بيتًا أو سقفًا استأنفت. ذهب إليه النخعي (¬3). قال ابن قدامة: وقول إبراهيم تَحكُّم لا دليل عليه (¬4). القول الثالث: أنه ترجع إلى منزلها؛ فإذا طهرت فلترجع. ذهب إليه المالكية (¬5)، والشافعية (¬6). لأنه وجب عليها الخروج من المسجد، فلم يلزمها الإقامة في رحبته، كالخارجة لعدَّة أو خوف فتنة (¬7). ونوقش: بأنَّ القياس مع الفارق؛ لأنَّ خروج المعتدَّة لتُقيم في بيتها وتعتدُّ فيه، ولا يحصل ذلك مع الكون في الرحبة. ¬

(¬1) قال ابن قدامة: رواه أبو حفص بإسناده، ولم أجده. (¬2) المغني (4/ 487) الشرح الكبير (2/ 71). (¬3) المغني (4/ 487) الشرح الكبير (2/ 71) المجموع (6/ 520). (¬4) المغني (4/ 488). (¬5) القوانين الفقهية (85) الشرح الصغير (2/ 290، 291) الكافي (1/ 307). قالوا: فيقضي ما فات ولو كان معينًا كالعشر الأواخر من رمضان، فتقضي ما فاتها أيام العذر، وتأتي بما أدركه منها ولو بعد العيد، وأما غير المعين فتأتي بما بقي عليها. وأما ما نوته بدخوله تطوعًا فإن بقي منه شيء أتت به، ولا قضاء لما فات بالعذر الشرح الصغير (2/ 291). (¬6) المهذب (1/ 200) المجموع (6/ 519) روضة الطالبين (2/ 407) وإنما تبني إذا كانت المدة طويلة لا تنفك عن الحيض غالبًا، وأما إذا كانت تتفك فقولان، روضة الطالبين (2/ 407) المهذب (1/ 200). (¬7) المغني (4/ 487) الشرح الكبير (1/ 71) المجموع (6/ 520).

وكذلك الخائفة من الفتنة، خروجها لتسلم من الفتنة، فلا تُقيم في موضع لا تحصل السلامة بالإقامة فيه (¬1). ¬

(¬1) المغني (4/ 487) الشرح الكبير (1/ 71).

المبحث الخامس في الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة

المبحث الخامس في الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة. المطلب الثاني: في حكم الطواف حال الحيض. المطلب الثالث: في انتظار الرفقة لطهر الحائض. المطلب الرابع: في حكم السعي حال الحيض. المطلب الخامس: في طواف الوداع على الحائض. ... المطلب الأول في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة أجمع أهل العلم على جواز ومشروعية الإحرام من الحائض (¬1) , ويستحب لها إذا أرادت الإحرام أن تغتسل، كما تغتسل غير الحائض، بل هو في حق الحائض آكد لورود الخبر فيها. ومنه ما يلي: 1 - حديث جابر قال: ... حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف ¬

(¬1) انظر: حكاية الإجماع في شرح صحيح مسلم للنووي 5/ 249.

أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري (¬1) بثوب، وأحرمي» (¬2)، والحائض في حكم النفساء، بل الحيض نوع منه (¬3). 2 - حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «النفساء والحائض، إذا أتيا على الوقت، يغتسلان، ويحرمان، ويقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت» (¬4). 3 - وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض (¬5). 4 - ولأنه غسل يراد به النسك، فاستوى فيه الحائض والطاهر (¬6) ولكن قال أهل العلم: إن الحائض إذا رجت الطهر قبل الخروج من الميقات، استحب لها تأخير الاغتسال حتى تظهر ليكون أكمل لها (¬7). ¬

(¬1) الاستثفار: أن تشد في وسطها شيئًا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها. ونظر: الحاوي 1/ 443، المغني 1/ 421. (¬2) أخرجه مسلم في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج 2/ 887. (¬3) المهذب مع المجموع 7/ 210، المغنى 5/ 108، المعونة 1/ 187. (¬4) أخرجه أبو داود، في باب الحائض تهل بالحج، من كتاب المناسك 2/ 357، والترمذي في باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك، من أبواب الحج 4/ 172، وأحمد في المسند 1/ 364. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) المهذب مع المجموع 7/ 213. (¬7) المجموع 7/ 212، المغني 5/ 109.

المطلب الثاني في حكم الطواف حال الحيض

المطلب الثاني في حكم الطواف حال الحيض وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الطواف حال الاختيار. وفيها فرعان: الفرع الأول: في حُكم طوافها في تلك الحال. الفرع الثاني: ما تفعل من أحرمت متمتعة إذا جاءها الحيض قبل تمكُّنها من طواف العمرة، مع خشيتها فوات الحج. الفرع الأول: في الطواف حال الاختيار (¬1): وفيه جانبان: الجانب الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة. الجانب الثاني: في حُكمه من حيث الصحة. الجانب الأول: حُكم طوافها من حيث الحلِّ والحرمة: اتفق أهل العلم على حُرمة طواف الحائض في هذه الحالة (¬2). قال ابن تيمية: .. وأمَّا الذي لا أعلم فيه نزاعًا أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض، إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها، وتأثم به (¬3). ¬

(¬1) ونقصد بحالة الاختيار: ما إذا كان بإمكانها أن تطوف وهي طاهر، كما إذا توفر الأمن، ولم تخش فوات الرفقة، أو كان بإمكانها الرجوع إلى بلدها والعودة لتطوف بعد الطهر. (¬2) انظر: المجموع (2/ 356) بداية المجتهد (1/ 252) شرح صحيح مسلم للنووي (5/ 265) المغني (1/ 387، 388) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 206) المحلى (2/ 220). (¬3) مجموع الفتاوى (26/ 206).

الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة

الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة: أما من حيث صحة الطواف فإنَّ أهل العلم قد اختلفوا في حكم طوافها على قولين: القول الأول: أنه لا يصح: ذهب إليه المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3) والظاهرية (¬4)، وهو قول أكثر أهل العلم (¬5). الأدلَّة: 1 - حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف» (¬6). 2 - وحديث جابر رضي الله عنه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتأخذوا عني مناسككم» (¬7). قالوا: ففي الحديث دليلان: أحدهما: أنَّ طوافه - صلى الله عليه وسلم - بيان للطواف الْمُجمَل في القرآن (¬8). الثاني: قوله: «لتأخذوا عني مناسككم» يقتضي وجوب كلِّ ما فعله إلا ما قام دليلٌ على عدم وجوبه (¬9). ¬

(¬1) انظر: الإشراف (1/ 228) بداية المجتهد (2/ 250) المنتقى (2/ 224) القوانين الفقهية (89) شرح الخرشي (2/ 314) المعونة (1/ 186). (¬2) المجموع (8/ 17) الحاوي (1/ 384). (¬3) المغني (5/ 223) الفروع (3/ 502) المبدع (3/ 221) كشاف القناع (2/ 485). (¬4) المحلى (7/ 257). (¬5) المغني (5/ 223) المجموع (8/ 17). (¬6) أخرجه البخاري في الحج، باب الطواف على وضوء (2/ 168) ومسلم في الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام وترك التحلل (2/ 906). (¬7) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر، وبيان قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لتأخذوا عني مناسككم» (2/ 943). (¬8) الإشراف (1/ 228) المجموع (8/ 18). (¬9) المجموع (8/ 18).

ونُوقش: بأنَّ وضوءه فعل، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب، بل يدلُّ على أنه الأفضل، فمثله مثل الرمل، والاضطباع وتقبيل الحجر (¬1). 2 - ما روي عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الطواف بالبيت صلاة، إلاَّ أنَّ الله أباح فيه الكلام» (¬2). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه موقوف على ابن عباس، ولا يصحُّ رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الوجه الثاني: أنه منتقض، لأننا إذا أخذنا بلفظه فإنه على القواعد الأصولية يقتضي أنَّ جميع أحكام الصلاة تثبت للطواف إلاَّ الكلام. لأنَّ من القواعد الأصولية أنّ الاستثناء معيار العموم، وإذا نظرنا إلى الطواف وجدناه يخالف الصلاة في غالب الأحكام غير الكلام، فهو يجوز فيه الأكل والشرب والضحك، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم ولا ¬

(¬1) الشرح الممتع (1/ 274). (¬2) من حديث ابن عباس أخرجه النسائي في كتاب المناسك، باب إباحة الكلام (5/ 222) والترمذي في الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف (3/ 2840) وابن ماجة (2739) والدارمي (1854) والحاكم في المستدرك (1/ 459) والبيهقي (5/ 85). وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي عليه، وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 85) وعطاء متكلم فيه، وقد اختلط آخر عمره، ومع هذا اختلف عليه فيه، ورواه غير واحد عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا كما بينه البيهقي. وقد تكلم ابن حجر في التلخيص، (1/ 129) عن روايات الحديث ثم قال: صحح إسناده أي: الحاكم وهو كما قال: فإنهم ثقات. وأورده الزيلعي في نصب الراية (3/ 57) وتكلم عليه، وذكر طرقه المرفوعة والموقوفة. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 193) الشرح الممتع (1/ 273) السنن الكبرى (5/ 85) نصب الراية (3/ 57).

قراءة، وكلامه - صلى الله عليه وسلم - يكون محكم لا يمكن أن يُنتقض مما يدلُّ على ضعف الحديث وعدم صدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3 - قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]. ووجه الدلالة من وجهتَين: الأولى: أنه إذا وجب تطهير مكان الطواف، فتطهير بدن الطائف من باب أولى (¬2). ونُوقش: بأنه لا يلزم من وجوب تطهير مكان الطائف من النجاسة وجوب تطهُّر الطائف من الحدث، ويدلُّ له أنكم لا تشترطون الطهارة للاعتكاف مع لزومها على كلامهم إذ لا فرق (¬3). الجهة الثانية من الاستدلال بالآية: أنه لما كان الراكع والساجد لا بدَّ لهما من الطهارة فكذلك الطائف (¬4). ونوقش: بأنَّ إلحاق الطائف بالراكع الساجد ليس بأولى من إلحاقه بالعاكف، بل إلحاقه بالعاكف أشبه؛ لأنَّ المسجد شرط في الاعتكاف وليس شرطًا في الصلاة (¬5). 4 - أنها عبادة متعلِّقة بالمسجد، فكان من شرطها الطهارة كالصلاة (¬6). ونوقش: بأنَّ القياس فاسد، فإنه يقال: لا نُسلِّم أنَّ العلَّة في الأصل كونها متعلِّقة بالبيت، ولم يذكروا دليلاً على ذلك. ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 193، 194) الشرح الممتع (1/ 273). (¬2) الشرح الممتع (1/ 273). (¬3) الشرح الممتع (1/ 273). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 212). (¬5) المصدر السابق (26/ 213). (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 212) الإشراف (1/ 228) المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221).

والقياس الصحيح ما بيَّن فيه أنَّ المشترك بين الأصل والفرع هو علَّة الحكم أو دليل العلَّة. وأيضًا فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة، سواء تعلَّقت بالبيت أو لم تتعلَّق يدلُّ عليه أنهم لَمَّا كانوا يُصلُّون إلى الصخرة كانت الطهارة شرطًا فيها، ولم تكن متعلِّقة بالبيت، وكذلك أيضًا إذا صلَّى إلى غير القبلة، كما يُصلِّي المتطوِّع في السفر، وكصلاة الخوف راكبًا، فإنَّ الطهارة شرط، وليست مُتعلِّقة بالبيت. وأيضًا فالنظر إلى البيت عبادة مُتعلِّقة بالبيت، ولا يُشترط له الطهارة ولا غيرها (¬1). 5 - أنَّ الطائف لا بدَّ أن يُصلِّي الركعتين بعد الطواف، والصلاة لا تكون إلاَّ بطهارة (¬2). ونوقش: بأنَّ وجوب ركعتي الطواف فيه نزاع، وإذا قُدِّر وجوبهما لم تجب فيهما الموالاة، وليس اتصالهما بالطواف بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة، ومعلومٌ أنه لو خطب محدثًا ثم توضَّأ وصلَّى الجمعة جاز، فلأن يجوز أن يطوف مُحدِثًا ثم يتوضَّأ ويصلِّي الركعتين بطريق الأَولَى، وهذا كثيرٌ ما يُبتَلَي به الإنسان إذا نَسِيَ الطهارة في الخطبة فإنه يجوز أن يتطهَّر ويصلِّي (¬3). 6 - ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألاَّ تطوفي بالبيت حتى تطهري» (¬4). فهذا نفيٌ صريحٌ جليٌّ في عدم صحته من الحائض؛ إذ النهي يقتضي الفساد. ¬

(¬1) المصدر السابق (26/ 212). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 213). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 213). (¬4) سبق تخريجه.

القول الثاني: أنه يصحُّ مع الإثم: ذهب إليه الحنفية (¬1)، وأحمد في رواية عنه (¬2)، اختارها ابن تيمية (¬3). الاستدلال: احتجَّ الحنفية بما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. ووجه الدلالة: أنَّ المأمور بالنص هو الطواف، وهو اسم للدوران حول البيت، وذلك يُحقَّق من المحدث والطاهر، فاشتراط الطهارة فيه يكون زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد، ولا بالقياس، لأنَّ الركنية لا تثبت إلاَّ بالنص (¬4). ¬

(¬1) انظر: المبسوط (4/ 38) فتح القدير والعناية (3/ 51) رد المحتار (2/ 519) البحر الرائق (1/ 203). (¬2) المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221) الفروع (3/ 502) حاشية المقنع (1/ 445). (¬3) مجموع الفتاوى (26/ 213) المبدع (3/ 221) حاشية المقنع (1/ 445). وقد اختلف هؤلاء في وجوب الدم أو عدم وجوبه فيما لو طافت وهي حائض. فذهب أحمد في رواية عنه، وبعض الحنفية، إلى سنية الدم، الفروع (1/ 502) المبسوط (4/ 38). وذهب أكثر الحنفية وأحمد في الرواية الثانية عنه إلى وجوب الدم. قالوا: وإنما يجب الدم؛ لأن الطهارة إن لم تكن شرطًا فهي واجبة، وترك الواجب موجب للدم ثم اختلفوا في قدر الدم. فذهب الحنفية إلى وجوب البدنة، لأن المنع من وجهين، من حيث الطواف، ومن حيث دخول المسجد، ولتفاحش النقصان، يلزمها بدنة، وذهب أحمد إلى وجوب الدم ولم يعين بدنة. انظر: الفروع (3/ 502) المبدع (3/ 221) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 205) والمبسوط (4/ 39). (¬4) العناية والهداية (2/ 50) والمبسوط (4/ 38) فتح القدير (2/ 53) بدائع الصنائع (2/ 129) ومراد الحنفية بالنص أي: القرآن فقالوا: إن الأدلة الواردة في الطهارة، أخبار آحاد، والذي فيها زيادة على النص، والزيادة على النص عندهم من باب النسخ، ولا ينسخ النص بخبر الآحاد، انظر: العناية (2/ 50) المبسوط (4/ 38) فتح القدير (2/ 51).

ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الآية عامة، فتخصَّص بما ذكرنا، والتخصيص ليس بنسخ. الوجه الثاني: أنَّ الطواف بغير طهارة مكروه عند أبي حنيفة، ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه؛ لأنَّ الله لا يأمر بالمكروه (¬1). 2 - وبما رُوِيَ عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة فأتمَّت بها عائشة سُنة طوافها (¬2). 3 - ولأنَّ الطواف رُكن من أركان الحج فلم تُشترط له الطهارة كسائر الأركان (¬3). ونوقش: بأنَّ الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج، فلم تكن شرطًا بخلاف الطواف، فإنهم سلَّموا وجوبها فيه (¬4). واحتجَّ الحنابلة: بأنَّ الطواف عبادة لا يُشترط فيها الاستقبال، فلم يُشترط فيها الطهارة كالسَّعي (¬5). ويمكن أن يناقش: بأنَّ الاستقبال ليس هو سبب الطهارة في الصلاة، بدليل اشتراطها حين كانت الصلاة إلى الصخرة، وكذا بالنسبة للمربوط أو الخائف، أو في النافلة على الراحلة في السفر. ¬

(¬1) المجموع (8/ 18). (¬2) ذكره ابن الهمام في فتح القدير (2/ 51) ولم أجده. (¬3) بدائع الصنائع (2/ 129) المجموع (8/ 18) المغني (5/ 223). (¬4) المجموع (8/ 18). (¬5) المبدع (3/ 221).

الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج

ثم إنَّ الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من الأركان، فلم تكن شرطًا بخلاف الطواف، فإنهم كالحنفية قد سلَّموا وجوبها فيه. الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الأول لقوَّة ما بُنِيَ عليه من استدلال، ومن أهمِّه ما ثبت من نهيه لعائشة عن الطواف حتى تطهر. الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج: إذا حاضت المتمتعة قبل أن تطوف للعمرة، وخشيت فوات الحجِّ فماذا تفعل؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: أنها ترفض العمرة وتهل بالحج: ذهب إليه الحنفية (¬1). الأدلَّة: 1 - حديث عروة عن عائشة أنها قالت: «أهللتُ بعمرة فقدمتُ مكة وأنا حائض ولم أطفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «انقضي رأسك، وامتشطي وأهلِّي بالحج، ودعي العمرة» .. قالت: ففعلتُ، فلمَّا قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه، فقال: «هذه عُمرة مكان عُمرتك» (¬2). ¬

(¬1) انظر: الحجة على أهل المدينة (2/ 137) فتح القدير (3/ 23). (¬2) أخرجه البخاري في الحج، باب كيف تهل الحائض والنفساء (2/ 148) ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام (2/ 870).

قالوا: فهذا يدلُّ على أنها رفضت عمرتها وأحرمت بالحج، وذلك من وجوه: الوجه الأول: قوله: «دَعِي عمرتك» وهذا يدلُّ على رفض العمرة. الوجه الثاني: قوله: «وامتشطي» والامتشاط غير جائز للمحرم (¬1). ونوقش الاستدلال من أوجه: الوجه الأول: أنَّ قوله: «انقضي رأسك وامتشطي ودعي العمرة» انفرد به عروة، وخالف به سائر من روى عن عائشة حين حاضت، وقد روى ذلك طاوس والقاسم والأسود وعمرة عن عائشة، ولم يذكر أحد منهم هذه اللفظة (¬2)، وحديث جابر وطاوس مخالفان لهذه الزيادة (¬3). وقد روى حمَّاد بن زياد، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة حديث حيضها فقال فيه: ... فحدثني غير واحد أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «دعي العمرة، وانقضي رأسك، وامتشطي» وذكر تمام الحديث. وهذا يدلُّ على أنَّ عُروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة (¬4). وهو مع ما ذكر من مخالفته بقية الرواة، يدلُّ على الوهم، مع مخالفتها الكتاب والأصول؛ إذ ليس لنا موضع آخر يجوز رفض العمرة مع إمكان إتمامها (¬5). الوجه الثاني: أنَّ معنى «دعي العمرة» أي: دعي أفعال العمرة، فإنها تدخل في أفعال الحج، أو أنَّ المعنى «دعيها بحالها، لا تخرجي منها»، وليس المراد تركها، ويدلُّ عليه وجهان: ¬

(¬1) انظر: الحجة على أهل المدينة (2/ 149) حاشية القادري على كتاب الحجة (2/ 140). (¬2) أخرجها كلها مسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 871) وما بعدها. (¬3) حديث جابر سبق تخريجه، وفيه أنه قال لها: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» وحديث طاوس أخرجه مسلم في الحج، باب وجوه الإحرام، وفيه أيضًا قوله: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» (2/ 879). (¬4) المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 169). (¬5) المغني (5/ 370).

أحدهما- قوله: «يسعك طوافك لحجِّك وعُمرتك». الثاني- قوله: «كوني في عُمرتك» وهذا أولَى من حملة على رفضها لسلامته من التناقض (¬1). وأما قوله: «وامتشطي» فإنه دليلٌ على أنه يجوز للمحرم أن يُمشِّط رأسه، ولا دليل من كتاب أو سُنة أو إجماع على منعه من ذلك ولا تحريمه. وهذا قول ابن حزم وغيره (¬2). أو أنَّ المراد به تسريح شعرها برفق حتى لا يسقط منه شيء، ثم تُضفِّره كما كان (¬3). الوجه الثالث من الاستدلال بالحديث: أنه قال للعُمرة التي أتت بها من التنعيم: «هذه مكان عُمرتك»، ولو كانت عمرتها الأولى باقية لم تكن هذه مكانها، بل كانت عُمرةً مستقلَّة؛ إذ لا تكون الثانية مكان الأولى إلاَّ والأولى مفقودة (¬4). ونوقش: بأنَّ عائشة أحبَّت أن تأتي بعمرة مُفرَدَة، فأخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ طوافها وقع عن حجِّها وعُمرتها، وأنَّ عُمرتها قد دخلت في حجِّها فصارت قارنة، فأبت إلاَّ عمرةً مُفرَدَة كما قصدت أولاً، فلما حصل لها ذلك، قال: «هذه مكان عمرتك» (¬5). وقد روى الأثرم في سننه عن الأسود، قلت لعائشة: اعتمرت بعد الحج؟ قالت: والله ما كانت عمرة، ما كانت إلا زيارة زُرت البيت (¬6). ¬

(¬1) المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 169) وانظر: فتح الباري (3/ 424). (¬2) زاد المعاد (2/ 169) المحلى (7/ 253). (¬3) فتح الباري (3/ 416). (¬4) الحجة على أهل المدينة (2/ 149). (¬5) المغني (5/ 370). (¬6) ذكر الأثر ابن قدامة في المغني (5/ 370) وابن القيم في زاد المعاد (2/ 170) ولم أجده.

الوجه الرابع من الاستدلال: قول عائشة رضي الله عنها: «ترجع صواحبي بحجٍّ وعُمرة، وأرجع أنا بالحج». وهذا صريحٌ في رفض العمرة؛ إذ لو أَدخلت الحج على العمرة لكانت هي وغيرها سواء، ولَمَا احتاجت إلى عُمرةٍ أخرى بعد العمرة والحج اللذين فعلتهما (¬1). ويمكن أن يُناقش: بأنَّ عائشة إنما قالت ذلك بعد أن قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك»، وكان قصدها أن تأتي بعمرة مفردة كما قصدت أولاً، وأن ترجع بمثل ما يرجع به أزواجه، فلمَّا حصل لها ذلك قال لها: «هذه مكان عمرتك» (¬2). الوجه الخامس من الاستدلال: أنها شكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأظهرت الجزع لفوات العمرة، ولم يخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ القارن لا يحتاج إلى الاعتمار مستقلاًّ (¬3). ونوقش: بأن هذا تَحكُّم، وكيف يُقال هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال لها: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك». الوجه السادس: أنَّ عائشة اضطربت لأمرٍ لم يفعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان هذا محلُّ افتخار وابتهاجٍ أنها وافقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأفعال، فإن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف لهما طوافَين، ولم يسعَ سعيَين، فعلى أيِّ أمرٍ تتحسَّر؟ أعلى أمرٍ لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -؟! فدلَّ على أنها كانت ترى الناس فائزين بالطوافين، كما نطقت به أيضًا، حيث قالت: "يرجع الناس بحج وعمرة ... إلخ، ونفسها خائبة عن إدراك طواف العمرة، فحسرت لذلك، ولأجل ذلك أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الحج أن تعتمر من التنعيم ¬

(¬1) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 140). (¬2) انظر: المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 170). (¬3) حاشية الكيلاني على الحجة (2/ 144) نقلاً عن فيض الباري (3/ 83).

تلافيًا لما فاتها، وجبرًا لانكسارها، ولو كان المقصود منه تطييب خاطرها فقط لَما احتاج إلى هذا التطويل، واكتفى بتعليمه المسألة إياها فقط، أو بإخبارها عن نفسه أنه لم يؤدِّ أفعالها مستقلَّة أيضًا، ولو أخبرها أنه لم يَطُفْ للعمرة أيضًا كما لم تَطُفْ لها لطابت نفسهَا ولآثرت موافقتها إياه في الأفعال على ألف عمرة، ولم ترفع إليها رأسًا أصلاً، فهذه قرائن أو دلائل على أنها كانت مُفرِدة قطعًا ولم تكن قارنة (¬1). ويمكن أن يناقش: بأنَّ عائشة فهمت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أنَّ عمرتها دخلت في حجِّها، وأنها تُجزَى عنها، ولكنها كانت تُريد عمرة مفردة كبقية أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، فأمر عبد الرحمن أن يعمرها. وأما القول بأنَّ الأمر لو كان كما ذكرنا لاكتفى بتعليمها فهذا عجب، وأيُّ تعليمٍ أصرح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك»؟! الوجه السابع: أنها لو كانت قارنة لقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك قضيتِ حجِّك وعُمرتك، وكان الطواف الواحد لهما جميعًا»، ولكنه لم يقل ذلك ولم يرَها اعتمرت، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُخرِجَها إلى التنعيم ليُعمرها فترجع بعمرة وحجَّة كما رجع غيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا آخر فعله عليه السلام في حجِّة الوداع، ولم نعلم شيئًا نسخه (¬2). ونوقش: بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك» وهذا اللفظ كافٍ، وقد فهمته عائشة، وأما تحديد لفظة معينة فهذا تحكُّم. الوجه الثامن: أنها لو كانت قارنة لَما أُمِرَت بالوقوف بعرفة قبل ¬

(¬1) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 145). (¬2) الحجة على أهل المدينة (2/ 146).

العمرة؟ إنما السُنة أن يُبدأ بالعمرة قبل العمل بالحج (¬1). ونُوقش: بأنَّ طواف القدوم إنما يلزم - أو يُسن - لِمن أحرم بهما من ميقاتهما، وهذه التي أردفت الحج بمكة لا يلزمها ذلك، لأنها أحرمت بالحجِّ من الحرم، ولا يلزمها للحج طواف الورود، والمعتمر لا يلزمه ذلك أيضًا، وإنما يطوف عند ورود طواف عمرته (¬2). الوجه التاسع: أنها لو كانت قارنة لوجب عليها هدي القرآن، ولَمَّا لم يُنقل ذلك دلَّ على أنها كانت مُفرِدة (¬3). ونوقش: بأنَّ عدم النقل ليس نَقلاً للعدم، لاسيَّما وأنَّ الأصل وجوب الهدي على القارن، فانقلوا لنا أنتم بأنها لم تهدِ. الوجه العاشر: أنكم تزعمون بأنَّ الطواف يُجزِئ لهما جميعًا، وهم يأمرونها بالتقصير إذا رمت وذبحت، ويحلُّ لها كلُّ شيءٍ إلاَّ الجماع والطيب، ولم تطُفْ لعُمرتها بعد، فأنتم تأمرونها أن تقصر لعمرتها قبل أن تطوف، وتسعى وتكون حلالاً ما يحل منه المعتمر غير الجماع والطيب، ولم تطُف بالبيت، ولم تسعَ بين الصفا والمروة لعمرتها (¬4). فإن قلتم: إنَّ هذا التقصير إنما هو للحجِّ خاصة، فلا بدَّ أن تقولوا: إذا طافت وسعت قصرت تقصيرًا آخر للعمرة، ولا ينبغي أن يحلَّ منها شيء حتى تقصر التقصير الثاني، وينبغي لكم أن تجعلوا عليها الهدي في التقصير الأول؛ لأنها قصرت للحج وهي محرمة (¬5). ويمكن أن يُجاب عنه: بأنها بإدخالها حجِّها على عمرتها أصبحت ¬

(¬1) الحجة على أهل المدينة (2/ 144). (¬2) المنتقى للباجي (3/ 60). (¬3) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 142). (¬4) الحجَّة على أهل المدينة (2/ 146). (¬5) المصدر السابق، والحنفية ممن يوجبون على القارن طوافَين وسعيَين، والجمهور على أن عمل القارن كعمل المفرد، انظر: المغني (5/ 347) الإشراف (1/ 230).

قارنة، وعمل القارن كعمل المفرد، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رميتم وحلقتم فقد حلَّ لكم الطيب والثياب، وكلُّ شيءٍ إلاَّ النساء» (¬1). القول الثاني: أنها تحرم بالحج مع عمرتها، وتصير قارنة: ذهب إليه جمهور أهل العلم ومنهم المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5)، وهو قول الأوزاعي وأكثر أهل العلم (¬6). الأدلَّة: 1 - حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كانت بسِرف (¬7) عركت (¬8)، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدها تبكي، فقال: «ما شأنك؟» قالت: شأني أني قد حِضتُ، وقد حلَّ الناس ولم أحلّ، ولم أطُفْ بالبيت، والناس يذهبون إلى الحجِّ الآن، فقال: «إنَّ هذا أمرٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلِّي بالحج»، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال: «فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم» (¬9). 2 - وروى طاوس، عن عائشة أنها قالت: أهللت بعمرة، فقدمت ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب رمي الجمار (1/ 457) وأحمد في المسند (6/ 143). (¬2) الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 334) فتح الباري (3/ 423) المنتقى (3/ 60). (¬3) المجموع (7/ 149، 150). (¬4) المغني (5/ 367) زاد المعاد (2/ 167). (¬5) المحلى (7/ 238، 239). (¬6) المغني (5/ 368). (¬7) سِرف: بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل: أقل، وأكثر النهاية (2/ 362) معجم البلدان (3/ 222). (¬8) عركت: أي حاضت. النهاية (3/ 222). (¬9) سبق تخريجه.

ولم أطُفْ حتى حضتُ، ونسكتُ المناسك كلَّها، وقد أهللتُ بالحج، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النفر: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» (¬1). فهذه نصوص صريحة، أنها كانت في حج وعمرة، لا في حج مفرد، وصريحة في أنها لم ترفض إحرام العمرة، بل بقيت في إحرامها كما هي لم تحلّ منه (¬2)، وفي بعض ألفاظ الحديث: «كوني في عمرتك، فعسى الله أن يرزقكيها» (¬3). 2 - ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كان معه هديٌ في حجَّة الوداع أن يهلَّ بالحج مع العمرة (¬4)، ومع إمكان الحج مع بقاء العمرة لا يجوز رفضها (¬5) لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ} [البقرة: 196]. 3 - ولأنَّ إدخال الحج على العمرة جائزٌ بالإجماع من غير خشية الفوات، فمع خشيته أولى (¬6). 4 - ولأنها متمكنة من إتمام عمرتها بلا ضررٍ فلم يجز كغير الحائض (¬7). الترجيح: والراجح ما ذهب إليه الجمهور لقوَّة ما بُني عليه من استدلال، في مقابل ضعف ما أورده الفريق الأول، من أوجه للاستدلال، بحديث عائشة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 879). (¬2) المغني (5/ 386) زاد المعاد (2/ 168) المنتقى (3/ 60). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج هل يجزئه عن طواف الوداع (2/ 201) ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (1/ 875). (¬4) أخرجه البخاري في الحج، باب من ساق مع البدن (2/ 181) ومسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 870، 875). (¬5) المغني (8/ 369). (¬6) المغني (5/ 369). (¬7) المغني (5/ 369).

المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة (¬1). وفيه فرعان: الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة. الفرع الثاني: في حُكمه من حيث الصحَّة وعدمها. الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحرم على المرأة الطواف حال الحيض، ولم يفرِّقوا في ذلك بين حال ضرورة أو غيرها. وقد عدَّ كثيرٌ من أهل العلم هذه من مسائل الإجماع (¬2). قال النووي: وقد أجمع العلماء على تحريم الطواف على الحائض والنفساء (¬3). وقال ابن حزم: أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج حال الحيض؛ فإجماع مقطوع به، لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام (¬4). أدلَّة الجمهور: وإذا كان الجمهور قد اتفقوا على تحريم الطواف على الحائض، ¬

(¬1) ونقصد بالضرورة حالة ما إذا لم يمكنها البقاء في مكة حتى تطهر إلاَّ بعنت ومشقة أو الرجوع إلى بلدها والعودة بعد الطهر، وسيرد لهذا مزيد إيضاح من خلال عرض المسألة. (¬2) انظر: المجموع (2/ 356) نقلاً عن ابن المنذر. وانظر: حكاية الاتفاق في بداية المجتهد (1/ 252) المغني (1/ 387) المحلى (2/ 220). (¬3) المجموع (2/ 356) نقلاً عن ابن المنذر. (¬4) المجموع (2/ 220) وقد قيد ابن تيمية الإجماع على التحريم في حال عدم الضرورة فإنه قال: وأما الذي لا أعلم فيه نزاعًا أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها وتأثم به. مجموع الفتاوى (26/ 206).

فإنهم لم يتفقوا على سبب التحريم، فنذكر الدليل، ومن قال به، ونذكر ما أورد عليه من مناقشة. الدليل الأول: 1 - أنَّ الحائض منهيَّة عن دخول المسجد (¬1). بقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] إذ هي في معنى الجنب، بل حدثها أغلظ (¬2). وبما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جنب» (¬3). ونوقش الاستدلال من أوجه: الوجه الأول: عدم صلاحيته للاستدلال. أما الآية فلأنَّ المسجد لم يذكر في أول الآية، فيكون آخرها عائدًا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، والصلاة لا تجوز للجنب، إلاَّ ألاَّ يجد ماءً فيتيمَّم صعيدًا طيبًا (¬4). وأمَّا الحديث: فإنه ضعيف، ولا يجوز الاحتجاج بمثله (¬5). الوجه الثاني: أنَّ الاستدلال معارض بما هو أقوى منه. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المؤمن ليس بنجس» (¬6). فإذا ثبت أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا، وكان تأويل الآية ما قد سبق، وضعف ما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب» وجب ألاَّ يُمنع من ليس بنجس من المسجد إلاَّ بحجَّة (¬7). ¬

(¬1) انظر: فتح القدير لابن الهمام (1/ 166) رد المحتار (1/ 292) مجمع الأنهر (1/ 53) البحر (1/ 207) المنتقى (3/ 61) مواهب الجليل (1/ 374) المغني (5/ 222، 3267) المبدع (1/ 173). (¬2) المغني (1/ 200). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) الأوسط (2/ 109) المحلى (2/ 250) المجموع (2/ 155). (¬5) الأوسط (2/ 109) المحلى (2/ 253). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) الأوسط (2/ 1110).

وأيضًا: فالاستدلال معارَض بما صحَّ عن عائشة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ناوليني الخُمرة من المسجد» فقلت: إني حائض، قال: «إنَّ حيضتك ليست في يدك» (¬1). وعن ميمونة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض» (¬2). الوجه الثالث: على فرض التسليم بأنها ممنوعة من دخول المسجد، فإنَّ هذا لا يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد لضرورة جائز، كما لو خافت مَن يقتلها إذا لم تدخل المسجد، أو كان البرد شديدًا أو ليس لها مأوى إلاَّ المسجد (¬3). فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرمات مع الضرورة من الدَّم والميتة ولحم الخنزير .. وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب وهي محرمة أغلظ من غيرها وتُباح، بل تجب عند الحاجة (¬4). وإذا كانت إنما منعت من الطواف لأجل المسجد، فمعلوم أن إباحة ذلك للعذر أولى من إباحة مسِّ المصحف للعذر، ولو كان لها مصحف، ولم يمكنها حفظه إلاَّ بمسه، مثل أن يريد أن يأخذه لصٌّ أو كافر، أو ينهبه أحد، ولم يمكنها منعه إلاَّ بمسِّه، لكان ذلك جائزًا لها، مع أنَّ المحدِث لا يمسُّ المصحف، ويجوز له الدخول في المسجد، فعُلِم أنَّ حُرمة المصحف أعظم من حرمة المسجد، وإذا أبيح لها مسُّ المصحف ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 177). (¬4) المصدر السابق (26/ 180).

للحاجة فالمسجد الذي حُرمته دون حرمة المصحف أولى بالإباحة (¬1). الدليل الثاني: ولأنَّ الطواف من شرطه (أو تجب له) الطهارة، ولا تصحُّ منها، فيحرم عليها (¬2). الدليل الثالث: 1 - حديث عائشة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها لَمَّا حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألاَّ تطوفي بالبيت حتى تطهري» (¬3). 2 - وحديث عائشة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، وقد أخبر عن حيض صفية: «أحابستنا هي؟» قيل له: إنها قد أفاضت، قال: «فلتنفر إذن» (¬4). فالحديثان دليلٌ على أنَّ الطواف يحرم مع الحيض، كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص والإجماع (¬5). ونُوقش من أوجه: الوجه الأول: أنَّ سبب منعها من الطواف، لكونها ممنوعة من دخول المسجد (¬6)، وقد بينَّا فيما سبق جواز لبثها عند الضرورة، وهذا منها. ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 184). (¬2) انظر: رد المحتار (1/ 292) فتح القدير (1/ 166) المنتقى (3/ 61) المهذب (1/ 45) المغني (5/ 222، 367) وقد ذكرنا فيما سبق أدلَّة القول بوجوب الطهارة، أو اشتراطها فلا نعيدها هنا فيمكن الرجوع إليها. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) أخرجه البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (2/ 195) ومسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع (2/ 469). (¬5) انظر: المحلى (7/ 256، 257) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 176) المبدع (1/ 261) الشرح الممتع (1/ 274) المهذب المجموع (2/ 356). (¬6) الهداية مع فتح القدير (1/ 166) المبدع (1/ 166) المغني (5/ 267).

الوجه الثاني: على فرض التسليم بأنَّ التحريم لذات الحيض فإنَّا نقول: إنها إذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور مع قيام سبب الحظر، لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرَّمات مع الضرورة من الدم والميتة ولحم الخنزير، وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب، هي محرمة أغلظ من غيرها، وتُباح بل تجب مع الحاج. ولا يمكن قياس مسألتنا على الصوم والصلاة؛ فإنَّ الحائض ليست محتاجة إلى الصوم في الحيض، فإنه يمكنها أن تصوم شهرًا آخر غير رمضان، فإذا كان المسافر والمريض مع إمكان صومهما جعل لهما أن يصوما شهرًا آخر، فالحائض الممنوعة من ذلك أولى أن تصوم شهرًا آخر، وإذا أُمِرت بقضاء الصوم لم تؤمر إلاَّ بشهرٍ واحد، فلم يجب عليها إلاَّ ما يجب على غيرها، ولهذا لو استحاضت فإنها تصوم مع الاستحاضة فإنَّ ذلك لا يمكن الاحتراز عنه، إذ قد تستحيض وقت القضاء. وأمَّا الصَّلاة، فإنها تتكرَّر في كلِّ يومٍ وليلة خمس مرَّات، والحيض ممَّا يمنع الصلاة، فلو قيل: إنها تصلِّي مع الحيض لأجل الحاجة لم يكن الحيض مانعًا من الصلاة بحال، وكان يكون الصوم والطواف بالبيت أعظم حرمة من الصلاة، وليس الأمر كذلك بل كان من حرمة الصلاة أنها لا تصلِّي وقت الحيض، إذ كان لها في الصلاة أوقات الطهر غنية عن الصلاة وقت الحيض (¬1). الدليل الرابع: أنه لو كان طوافها مع الحيض ممكنًا لأُمِرت بطواف القدوم، وطواف الوداع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط طواف الوداع عن الحائض، وأمر ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 183، 184).

عائشة لَمَّا قدمت وهي مُتمتِّعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة، وتحرم بالحج، فعلم أنه لا يمكنها الطواف (¬1). ونُوقش: بأنَّ الطواف مع الحيض محظورٌ لحرمة المسجد أو للطواف أو لهما، والمحظورات لا تُباح إلاَّ حال الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف الوداع، فإنَّ ذلك ليس من الحجِّ، ولهذا لا يودِّع المقيم بمكة، وإنما يودِّع المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت، وكذلك طواف القدوم ليست مضطرَّة إليه، بل لو قدم الحاج وقد ضاق الوقت عليه بدأ بعرفة، ولم يطُف للقدوم، فهو إن أمر بهما القادر عليهما، إما أمر إيجاب فيهما، أو في أحدهما، أو استحباب، فإنَّ للعلماء أقوالاً، وليس واحد منهما رُكنًا يجب على كلِّ حاج بالسُنة الثابتة باتفاق العلماء، بخلاف طواف الفرض، فإنها مضطرَّة إليه؛ لأنه لا حجَّ إلاَّ به، وهذا كما يُباح لها دخول المسجد للضرورة، ولا تدخله لصلاة ولا اعتكاف، وإن كان منذورًا، بل المعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد، ونُصِبت لها قُبَّة في فنائه (¬2). القول الثاني- إنه لا يحرم عليها: ذهب إليه ابن تيمية (¬3)، وتلميذه ابن القيم (¬4)، ونفيا وجود الإجماع على تحريم الطواف، أو عدم صحَّته من المضطرَّة (¬5). وقد ذكر ابن تيمية أنَّ الإجماع على التحريم إنما هو في غير المضطرَّة، فقال بعد كلام: .. وأمَّا الذي لا أعلم فيه نزاعًا أنه ليس ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 214). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 215). (¬3) انظر: مجموع الفتاوى له (26/ 177، 179، 180، 185، 202، 225). (¬4) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/ 110). (¬5) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 205).

لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف على الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها وتأثم به (¬1). وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لهذا القول الذي مال إليه، وقد ذكرنا جُملة منه في مناقشته لِما استدلَّ به الجمهور، ونعيد جملة منه على سبيل الاختصار: فإنه قال: إنَّ نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - للحائض عن الطواف بالبيت إمَّا أن يكون لأجل المسجد، لكونها منهية عن اللبث فيه، وفي الطواف لبث .. وإمَّا أن يكون لكون الطواف نفسه يحرم مع الحيض، كما يحرم على الحائض الصلاة والصوم (¬2). فإن كان تحريمه للأول: لم يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد أو كان البرد شديدًا، أو ليس لها مأوى إلاَّ المسجد (¬3). فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يباح سائر المحرمات مع الضرورة، من الدم والميتة ولحم الخنزير (¬4). وإن كان المنع من الطواف لمعنى في نفس الطواف، كما منع من غيره، أو كان لذلك وللمسجد: كل منهما علَّة مستقلة. فنقول: إذا اضطرت إلى ذلك بحيث لم يمكنها الحج بدون طوافها وهي حائض لتعذُّر المقام عليها إلى أن تطهر، فهذا الأمر دائر بين أن تطوف مع الحيض، وبين الضرر الذي ينافي الشريعة، فإنَّ إلزامها بالمقام إذا كان فيه خوف على نفسها ومالها، وفيه عجزها عن الرجوع إلى أهلها، وإلزامها المقام بمكة مع عجزها عن ذلك، وتضررها به، لا تأتي ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 206). (¬2) مجموع الفتاوى (26/ 176). (¬3) المصدر السابق (26/ 177). (¬4) المصدر السابق (26/ 178).

به الشريعة، فإنَّ مذهب عامة العلماء أنَّ من أمكنه الحج، ولم يمكنه الرجوع إلى أهله لم يجب عليه الحج، أمَّا مع الضرر الذي يُخَاف منه على النفس، أو مع العجز عن الكسب فلا يوجب أحد عليه المقام، فهذه لا يجب عليها حجٌّ يحتاج معه إلى سكنى مكة. وكثيرٌ من النساء إذا لم ترجع مع من حجَّت معه لم يمكنها بعد ذلك الرجوع، ولو قُدِّر أنه يمكنها بعد ذلك الرجوع، فلا يجب عليها أن يبقى وطؤها مُحرَّمًا مع رجوعها إلى أهلها، ولا تزال كذلك إلى أن تعود، فهذا من أعظم الحرج الذي لا يوجب الله مثله؛ إذ هو أعظم من إيجاب حجَّتين، والله تعالى لم يُوجِب إلاَّ حجَّةً واحدة (¬1). وإذا قيل في هذه المرأة: بل تتحلَّل كما يتحلَّل المحصر، فهذا لا يفيد سقوط الفرض عنها، فتحتاج مع ذلك إلى حجَّة ثانية، ثم هي في الثانية تخاف ما خافته في الأولى. وإذا قيل: إنَّ الحج يسقط عن مثل هذه، كما يسقط عمَّن لا تحجُّ إلاَّ مع من يفجر بها، لكون الطواف مع الحيض يحرم كالفجور. قيل: هذا مخالف لأصول الشرع؛ لأنَّ الشرع مبناه على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. وعلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬2) ومعلومٌ أنَّ المرأة إذ لم يمكنها فعل شيءٍ من فرائض الصلاة أو الصيام أو غيرهما، إلاَّ مع الفجور، لم يكن لها أن تفعل ذلك، فإنَّ الله تعالى لم يأمر عباده بأمر لا يمكن إلاَّ مع الفجور، فإنَّ الزنا لا يُباح بالضرورة، كما يُباح أكل الميتة عند الضرورة. ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 185). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله (8/ 142) ومسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر (2/ 975).

قال: وأمَّا إذا أمكن العبد أن يفعل بعض الواجبات دون بعض فإنه يُؤمَر بما يقدر عليه، وما عجز عنه يبقى ساقطًا، كما يؤمر بالصلاة عريانًا ومع النجاسة وإلى غير القبلة، إذا لم يُطق إلاَّ ذلك، وكما يجوز الطواف راكبًا، ومحمولاً للعذر بالنص، واتفاق العلماء، وبدون ذلك فيه نزاع، وكما يجوز أداء الفرض للمريض قاعدًا أو راكبًا، ولا يجوز ذلك في الفرض بدون العذر، مع أنَّ الصلاة إلى غير القبلة والصلاة عريانًا وبدون الاستنجاء، وفي الثوب النجس: حرام في الفرض والنفل، ومع هذا فلأن يصلي الفرض مع هذا المحظورات خير من تركها، وكذلك صلاة الخوف مع العمل الكثير، ومع استدبار القبلة مع مفارقة الإمام في أثناء الصلاة، ومع قضاء ما فاته قبل السلام، وغير ذلك مما لا يجوز في غير العذر. فإن قيل: الطواف مع الحيض كالصلاة مع الحيض، والصوم مع الحيض وذلك لا يباح بحال. قيل: الصوم مع الحيض لا يُحتاج إليه بحال؛ فإنَّ الواجب عليها شهر، وغير رمضان يقوم مقامه، وإذا لم يكن لها أن تؤدِّي الفرض مع الحيض فالنفل بطريق الأولى؛ لأن لها مندوحة عن ذلك بالصيام في وقت الطهر. وأما الصلاة: فإنها لو أبيحت مع الحيض، لم يكن الحيض مانعًا من الصلاة بحال، فإن الحيض مما يعتاد النساء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «إنَّ هذه شيء كتبه الله على بنات آدم» (¬1) فلو أذن لهنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلين بالحيض، صارت الصلاة مع الحيض كالصلاة مع الطهر (¬2). ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) مجموع الفتاوى له (26/ 188، 189).

الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها

الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني؛ لقوَّة ما بني عليه من استدلال، مع سلامة وصحَّة ما أورده على أدلَّة القائلين بالحرمة. الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها: وقد اختلف أهل العلم في حُكم طوافها، لو طافت وهي حائض، هل يصحُّ ذلك منها ويقبل أم لا على قولين: القول الأول- أنه لا يصح: ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3)، والظاهرية (¬4). واستدلُّوا: بما استدلُّوا به فيما سبق في مسألة الطواف حال الاختيار. القول الثاني- أنه يصحُّ: ذهب إليه الحنفية (¬5)، وأحمد في رواية عنه (¬6)، اختارها ابن تيمية (¬7)، وبعض المالكية (¬8)، وروي عن عطاء (¬9). ¬

(¬1) انظر: الإشراف (1/ 28) بداية المجتهد (2/ 250) المنتقى (2/ 224) القوانين الفقهية (89) شرح الخرشي (2/ 314). (¬2) المجموع (8/ 17) الحاوي (1/ 384). (¬3) المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221) الفروع (3/ 502) كشاف القناع (2/ 485). (¬4) المحلى (7/ 257) (2/ 220). (¬5) المبسوط (4/ 38) فتح القدير والعناية (3/ 51) والحجة على أهل المدينة (2/ 133) رد المحتار (2/ 519) بدائع الصنائع (2/ 129). (¬6) المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221) الفروع (3/ 502) حاشية المقنع (1/ 445). (¬7) مجموع الفتاوى (26/ 239، 241). (¬8) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 380). (¬9) فتح القدير (3/ 51) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 208). إلاَّ أنَّ أصحاب هذا القول: أوجبوا عليها الدم، قالوا: لأنَّ الطهارة إن لم تكن شرطًا، فهي واجب، وتركه يوجبه، وقد أشرنا لذلك في هذا البحث. ومال ابن تيمية: إلى عدم وجوب الدم عليها في هذه الحالة، قال: لأنَّ الواجب إذا ترك من غير تفريط، فلا دم. مجموع الفتاوى (26/ 205، 240).

واستدلَّ هؤلاء: بما أسلفناه لهم من الاستدلال في مسألة الطواف حال عدم الضرورة، وزاد عليها ابن تيمية في هذا الموضع، وأتى بما لم يسبق إليه. وقد مثل ابن تيمية للعُذر الذي تسقط به الحرمة في طواف الحائض، وكذا اشتراط الطهارة على القول به، وبالمرأة تحرم بالحج، ثم تحيض قبل طواف الإفاضة، ولا يمكنها الاحتباس بعد الوفد، والوفد ينفر بعد التشريق بيوم أو يومين أو ثلاثة ولا يمكنها البقاء بمكة حتى تطهر، إمَّا لعدم النفقة، أو لعدم الرفقة التي تقيم معها وترجع معها، ولا يمكنها المقام بمكة لعدم هذا أو هذا أو خوف الضرر على نفسها، وما لها في المقام وفي الرجوع بعد الوفد. والرفقة التي معها تارة لا يمكنهم الاحتباس لأجلها، إمَّا لعدم القدرة على المقام والرجوع وحدهم، وإما لخوف الضرر على أنفسهم وأموالهم، وتارة يمكنهم ذلك لكن لا يفعلونه، فتبقى هذه معذورة (¬1). قال: لكن هل يُباح لها الطواف مع العذر؟ هذا محل النظر، وكذلك قول من يجعلها شرطًا، هل يسقط هذا الشرط للعجز عنه ويصح الطواف؟ هذا هو الذي يحتاج الناس إلى معرفته (¬2). فيتوجَّه أن يقال إنما تفعل ما تقدر عليه من الواجبات، ويسقط عنها ما تعجز عنه، فتطوف، وينبغي أن تغتسل كما تغتسل للإحرام وأولى، وتستثفر كما تستثفر المستحاضة وأولى (¬3)، وذلك لوجوه: ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 224). (¬2) المصدر السابق (26/ 225). (¬3) الاستثفار: أن تشد على فرجها ما يمنع خروج الدم، فتأخذ خرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنينها ووسطها على الفرج، انظر: الحاوي (1/ 433) المغني (1/ 421).

أحدها: أنَّ هذه لا يمكن فيها إلاَّ أحد أمور خمسة: إما أن يقال: تقيم حتى تطهر وتطوف، وإن لم يكن لها نفقة، ولا مكان تأوي إليه بمكَّة، وإن لم يمكنها الرجوع إلى بلدها، وإن حصل لها بالمقام بمكة من يستكرهها على الفاحشة فيأخذ مالها إن كان معها مال. وإمَّا أن يقال: بل ترجع غير طائفة بالبيت وتقيم على ما بقي من إحرامها إلى أن يمكنها الرجوع، وإن لم يمكنها بقيت مُحرِمة إلى أن تموت. وإما أن يقال: بل تتحلَّل كما يتحلَّل المحصر، ويبقى تمام الحج فرضًا عليها تعود كالمحصر عن البيت مطلقًا لعذر، فإنه يتحلَّل من إحرامه، ولكن لم يسقط الفرض عنه، بل هو باقٍ في ذمَّته باتفاق العلماء .. ولو كان قد أحرم بتطوُّعٍ من حجٍّ أو عمرة فأحصر، فهل عليه قضاؤه على قولَين مشهورين. وإما أن يقال: من تخاف أن تحيض فلا يمكنها الطواف طاهرًا لا تؤمر بالحج، لا إيجابًا ولا استحبابًا، ونصف النساء أو قريب من النصف يحضن إمَّا في العاشر وإما قبله بأيام، ويستمر حيضهنَّ إلى ما بعد التشريق بيوم أو يومين أو ثلاثة، فهؤلاء في هذه الأزمنة (¬1)، في كثير من الأعوام، أو أكثرها لا يمكنهنَّ طواف الإفاضة مع الطهر، فلا يحججن ثم إذا قدر أنَّ الواحدة حجَّت فلا بدَّ لها من أحد الأمور الثلاثة المتقدمة، إلاَّ أن يسوَّغ لها الطواف مع الحيض (¬2). قال: ومن المعلوم أن الوجه الأول لا يجوز أن تؤمر به، فإن في ذلك من الفساد في دينها ودنياها ما يعلم بالاضطرار أن الله ينهى عنه، فضلاً عن أن يأمر به. ¬

(¬1) أي: الأزمنة التي لا يمكن المرأة الاحتباس بعد الوفد. (¬2) مجموع الفتاوى (26/ 225، 226).

والوجه الثاني- كذلك لثلاثة أوجه: أحدها: أنَّ الله لا يأمر أحدًا أن يبقى محرمًا إلى أن يموت، فالمحصر بعدوٍّ له أن يَحلل باتفاق العلماء، والمحصر بمرض أو فقر فيه نزاع مشهور، فمن جوَّز له التحلُّل فلا كلام فيه، ومن منعه التحلُّل قال: إنَّ ضرر المرض والفقر لا يزول بالتحلل، بخلاف حبس العدو؛ فإنه يستفيد بالتحلل الرجوع إلى بلده، وأباحوا له أن يفعل ما يحتاج إليه من المحظورات، ثم إذا فاته الحج تحلَّل بعمرة الفوات، فإذا صحَّ المريض ذهب، والفقير حاجته في إتمام سفر الحج كحاجته في الرجوع إلى وطنه، فهذا مأخذهم في أنه لا يتحلل، قالوا: لأنه لا يستفيد بالتحلُّل شيئًا، فإن كان هذا المأخذ صحيحًا، وإلاَّ كان الصحيح هو القول الأوَّل، وهذا المأخذ يقتضي اتفاق الأئمَّة على أنه متى كان دوام الإحرام يحصل به ضرر يزول بالتحلُّل فله التحلُّل. ومعلومٌ أنَّ هذه المرأة إذا دام إحرامها تبقى ممنوعة من الوطء دائمًا، بل وممنوعة في أحد قوليهم من مقدمات الوطء، بل من النكاح ومن الطيب وشريعتنا لا تأتي بهذا. الثاني: أنَّ هذه إذا أمكنها العود فعادت أصابها في المرة الثانية نظير ما أصابها في الأولى، إذا كان لا يمكنها العود إلا مع الوفد، والحيض قد يصيبها مدَّة مقامهم بمكة. الثالث: أنَّ هذا إيجاب سَفَرين كاملين على الإنسان للحجِّ من غير تفريطٍ منه ولا عدوان، وهذا خلاف الأصول، فإنَّ الله لم يوجب على الناس الحجَّ إلاَّ مرَّةً واحدة، وإذا أوجب القضاء على المفسد فذلك بسبب جنايته على إحرامه، وإذا أوجبه على من فاته الحج فذلك بسبب تفريطه؛ لأنَّ الوقوف له وقتٌ محدد، يمكن في العادة ألاَّ يتأخَّر عنه، فتأخُّره يكون لجهله بالطريق أو بما بقي من الوقت أو لترك السير

المعتاد، وكلُّ ذلك تفريط، بخلاف الحائض، فإنها لم تفرِّط، ولهذا أسقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها طواف الوداع وطواف القدوم، كما في حديث عائشة وصفية. وأما التقدير الثالث: وهو أن يقال: تتحلَّل كما يتحلَّل المحصر، فهذا أقوى، كما قال ذلك طائفةٌ من العلماء، فإن خوَّفها منعها من المقام حتى تطوف، كما لو كان بمكة عدُّو منعها من نفس الطواف دون المقام على القول بذلك، لكنَّ هذا القدر لا يُسقط عنها فرض الإسلام، ولا يؤمر المسلم بحجٍّ يحصر فيه، فمن اعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت، لم يكن عليه الحج، بل خلو الطريق وأمنه , وسعة الوقت شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين. وإنما تنازعوا: هل هو شرطٌ في الوجوب، بمعنى: أنَّ من ملك الزاد والراحلة مع خوف الطريق أو ضيق الوقت، هل يجب عليه فيحجُّ عنه إذا مات؟ أو لا يجب عليه بحال؟ على قولَين معروفين: فعلى قول من لم يجعل لها رخصة إلاَّ رخصة الحصر يلزمه القول الرابع، وهو أنها لا تُؤمَر بالحج، بل ولا يَجب ولا يُستَحَب، فعلى هذا التقدير يبقى الحجُّ غير مشروعٍ لكثيرٍ من النساء، أو أكثرهنَّ في أكثر هذه الأوقات، مع إمكان أفعالها كلَّها لكونهنَّ يعجزن عن بعض الفروض في الطواف. ومعلوم أنَّ هذا خلاف أصول الشريعة، فإنَّ العبادات المشروعة إيجابًا أو استحبابًا، إذا عجز عن بعض ما يجب فيها لم يسقط عنه المقدور لأجل المعجوز، بل قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (¬1). وذلك مطابق لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ومعلومٌ أنَّ الصلاة وغيرها من العبادات التي هي أعظم من ¬

(¬1) سبق تخريجه.

الطواف لا تسقط بالعجز عن بعض شروطها وأركانها، فكيف يسقط الحج بعجزه عن بعض شروط الطواف وأركانه؟! رابعًا- قال: ومثل هذا القول أن يقال يسقط عنها طواف الإفاضة، فإنَّ هذا خلاف الأصول؛ إذ الحجُّ عبارة عن الوقوف، والطواف أفضل الرُّكنَين وأجلهما، ولهذا يشرع في الحج، ويشرع في العمرة، ويشرع منفردًا، ويُشترط له من الشروط ما لا يُشتَرَط للوقوف، فكيف يمكن أن يصحَّ الحج بوقوف بلا طواف؟! ولكن أقرب من ذلك أن يقال: يجزئها طواف الإفاضة قبل الوقوف، فيقال: إنها إذا أمكنها الطواف قبل التعريف، وإلا طافت قبله؛ لكن هذا لا نعلم أن أحدًا من الأئمَّة قال به في صورة من الصور ولا قال بإجزائه (¬1). قال: فإذا تبيَّن فساد هذه أقسام الأربعة بقي الخامس وهو أنها تفعل ما تقدر عليه، ويسقط عنها ما تعجز عنه. وهذا هو الذي تدلُّ عليه النصوص المتناولة لذلك والأصول المشابهة له، وليس في ذلك مخالفة للأصول والنصوص التي تدل على وجوب الطهارة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «تقضي الحائض المناسك كلَّها إلاَّ الطواف بالبيت» (¬2) إنما تدل على الوجوب مطلقًا، كقوله: «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضَّأ» (¬3)، وقوله: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاَّ بخمار» (¬4). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 229، 230، 231). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور (1/ 43) ومسلم في كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة (1/ 204). (¬4) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار (1/ 421) والترمذي، في الصلاة باب لا تقبل صلاة المرأة إلاَّ بخمار (2/ 215) وقال: حديث حسن، وابن ماجة، في الطهارة، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار (1/ 215) وأحمد (6/ 150) والحاكم (1/ 251) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي عليه وصحَّحه الألباني كما في إرواء الغليل (1/ 214) عليه، وصحَّحه الألباني كما في إرواء الغليل (1/ 214).

وقوله: «حُتِّيه ثم اقرصيه ثم صلي فيه» (¬1)، وقوله: «لا يطوف بالبيت عريان» (¬2)، وأمثال ذلك من النصوص. وقد عُلِم أنَّ جميع ذلك مشروطٌ بالقدرة كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (¬3) وهذا تقسيم حاصر. إذا تبيَّن أنه لا يمكن أن تُؤمَر بالمقام مع العجز والضرر على نفسها ودينها ومالها، ولا تؤمر بدوام الإحرام، وبالعود مع العجز، وتكرير السفر، وبقاء الضرر، من غير تفريط منها، ولا يكفي التحلُّل ولا يسقط به الفرض. وكذلك سائر الشروط، كالستارة واجتناب النجاسة، وهي في الصلاة أوكد، فإنَّ غاية الطواف أن يُشبه بالصلاة، وليس في الطواف نصٌّ ينفي قبول الطواف مع عدم الطهارة، والستارة، كما في الصلاة، ولكن فيه ما يقتضي وجوب ذلك. ولهذا تنازع العلماء: هل ذلك شرط؟ أو واجب ليس بشرط؟ ولم يتنازعوا أنَّ ذلك شرط في صحة الصلاة، وأنه يستلزم أن تؤمر بترك الحج، ولا تؤمر بترك الحج بغير ما ذكرناه، وهو المطلوب (¬4). الدليل الثاني: أن يقال: غاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف، ومعلومٌ أنَّ كونها شرط في الصلاة أوكد منها في الطواف، ومعلومٌ أنَّ الطهارة كالستارة واجتناب النجاسة، بل الستارة في الطواف أوكد من الطواف؛ لأنَّ ستر العورة يجب في الطواف وخارج الطواف، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب غسل الدم (11/ 63) ومسلم في كتاب الطهارة باب نجاسة الدم (1/ 140). (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة، باب ما يستر من العورة (1/ 97). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) مجموع الفتاوى (26/ 233، 234).

ولأنَّ ذلك من أفعال المشركين التي نهى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنها نهيًا عامًا. ولأنَّ المستحاضة ومن به سلس البول ونحوهما يطوف ويصلِّي باتفاق المسلمين، والحدث في حقِّهم من جنس الحدث في حقِّ غيرهم، ولم يفرِّق بينهما إلاَّ العُذر، وإذا كان كذلك وشروط الصلاة تسقط بالعجز، فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى. والمصلِّى يصلِّي عُريانًا، ومع الحدث، والنجاسة في صورة المستحاضة وغيرها، ويصلي مع الجنابة، وحدث الحيض مع التيمم وبدون التيمم عند الأكثرين إذا عجز عن الماء والتراب (¬1). الدليل الثالث: أن يُقال: هذا نوعٌ من أنواع الطهارة، فسقط بالعجز كغيره من أنواع الطهارة، فإنها لو كانت مستحاضة ولم يمكنها أن تطوف إلاَّ مع الحدث الدائم طافت باتفاق العلماء، وفي وجوب الوضوء عليها خلاف مشهور بين العلماء، وفي هذا صلاة مع الحدث، مع حمل النجاسة، وكذلك لو عجز الجنب أو المحدث عن الماء والتراب صلَّى وطاف في أظهر قولي العلماء. الدليل الرابع: أن يُقال شرط من شرائط الطواف، فسقط بالعجز كغيره من الشرائط، فإنه لو لم يمكنه أن يطوف إلاَّ عُريانًا لكان طوافه عُريانًا أهون من صلاته عريانًا، وهذا واجب بالاتفاق، فالطواف مع العري إذا لم يمكن إلاَّ ذلك أولى وأحرى. وإنما قلَّ تكلُّم العلماء في ذلك لأنَّ هذا نادر، فلا يكاد بمكة يعجز عن سترة يطوف بها، لكن لو قُدِّر أنه سُلِب ثيابه، والقافلة خارجون لا يمكنه أن يتخلَّف عنهم، كان الواجب عليه فعل ما يقدر عليه من الطواف مع العري، كما تطوف المستحاضة ومن به سلس البول، مع أنَّ النهي عن الطواف عُريانًا أظهر وأشهر في الكتاب والسنة من طواف الحائض (¬2). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 235). (¬2) المصدر السابق (26/ 238).

قال ابن تيمية: وهذا الذي ذكرته هو مقتضى الأصول المنصوصة العامة المتناولة لهذه الصورة لفظًا ومعنى، ومقتضى الاعتبار والقياس على الأصول التي تشابهها. والمعارض لها لم يجد للعلماء المتبوعين كلامًا في هذه الحادثة المعينة، كما لم يجد لهم كلامًا فيما إذا لم يمكنه الطواف إلا عريانًا. وذلك لأنَّ الصور التي لم تقع في أزمنتهم لا يجب أن تخطر بقلوبهم ليجب أن يتكلَّموا فيها، ووقوع هذا، وهذا في أزمنتهم إمَّا معدومٌ وإمَّا نادرٌ جدًا، وكلامهم في هذا الباب مُطلَق عام، وذلك يُفيد العموم، لو لم تختصّ الصورة المعينة بمعانٍ توجب الفرق والاختصاص، وهذه الصورة قد لا يستحضرها المتكلِّم باللفظ العام من الأئمَّة لعدم وجودها في زمنهم، والمقلِّدون لهم ذكروا ما وجدوا من كلامهم (¬1). قال: هذا الذي توجَّه عندي في هذه المسألة، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم، ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علمًا وعملاً لما تجشمت الكلام، حيث لم أجد فيها كلامًا لغيري، فإنَّ الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به (¬2). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني من صحَّة طوافها حال الضرورة لصحة ما أورده ابن تيمية على قول الجمهور وسلامة ما ذكره من استدلال، ولأنه هو الذي يتمشَّى مع ما بُنِيَت عليه هذه الشريعة من دفع العنت ورفع التشطط. ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 239). (¬2) المصدر السابق (26/ 241).

المطلب الثالث حبس الحائض لمن معها

المطلب الثالث حبس الحائض لمن معها وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: في حبس المحرم. المسألة الثانية: في حبس الرفقة. المسألة الثالثة: في حبس الكري. المسألة الأولى: في حبس المحرم. ذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ المحرم يلزمه البقاء مع من جاءت معه من النسوة إذا حضن حتى يطهرن ويطفن بالبيت (¬1). واستدلُّوا: 1 - بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، قال: «أحابستنا هي؟.» قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: «اخرجوا» (¬2). قال في الفتح: واستدلَّ به على أنَّ أمير الحاج يلزمه أن يؤخِّر الرحيل لأجل من تحيض ممَّن لم تطف للإفاضة (¬3). 2 - ولقول أبي هريرة رضي الله عنه: أمير وليس بأمير: امرأة مع قوم ¬

(¬1) انظر: المنتقى (3/ 60) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (2/ 380) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 224) المحلى (7/ 241) فتح الباري (3/ 590). (¬2) أخرجه البخاري في باب الزيارة يوم النحر، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت وفي باب الإدراج من المحصب من كتاب الحج، وفي باب قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} من كتاب الطلاق، الصحيح (2/ 214، 220، 223) (7/ 75) ومسلم في باب وجوب طواف الوداع من كتاب الحج (2/ 964). (¬3) فتح الباري (3/ 590).

المسألة الثانية: في حبس الرفقة

حاضت قبل طواف الإفاضة، فيحتسبون لأجلها حتى تطهر وتطوف (¬1). 3 - ويمكن أن يُستدلَّ له بحديث أبي هريرة مرفوعًا: «أميران، وليسا بأميرين؛ من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تُدفَن أو يأذن أهلها، والمرأة تحجُّ أو تعتمر مع قومٍ فتحيض قبل طواف الركن، فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم» (¬2). ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف لضعف إسناده، ولو صحَّ فلا دلالة فيه على الوجوب (¬3). وإذا قيل: بوجوب انتظار المحرم للحائض حتى تطهر وتطوف، فهل يجب ذلك مطلقًا، أو أن ذلك مقيَّد بظرف؟ أطلق ابن حزم (¬4)، وكذا الباجي القول بوجوب ذلك (¬5)، وقيَّده بعض المالكية بحالة أمن الطريق حال الرجوع، وإلاَّ لم يلزمه (¬6)، وقيَّده ابن تيمية بما إذا أمكنه ذلك، ولم يستفصل (¬7). المسألة الثانية: في حبس الرفقة: وكما يُحبَس المحرم، تُحبس الرفقة انتظارًا لطهر رفيقتهم في السفر. وقد ذهب إلى هذا جميع من أسلفنا عنهم القول بحبس المحرم (¬8). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 224) ولم أجده. (¬2) أخرجه البيهقي في فوائده والبزار من حديث جابر والحديث ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 590). (¬3) انظر: فتح الباري (3/ 590). (¬4) المحلى (7/ 241). (¬5) المنتقى (3/ 61). (¬6) الشرح الصغير (2/ 380) فتح الباري (3/ 590). (¬7) مجموع الفتاوى (26/ 224). (¬8) انظر: المنتقى (3/ 60) حاشية الصاوي (2/ 380) المحلى (7/ 241) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 224) فتح الباري (3/ 590).

المسألة الثالثة: في حبس الكري

إلا أنَّ مالكًا رحمه الله فرَّق بين مدَّة الانتظار في حقِّ المحرم، والانتظار من الرفقة، فقال باحتباس ذي المحرم حتى يمكنها السفر. وأما الرفقة والأصحاب فقال: إن كان مقامها اليوم واليومين وإلاَّ فلا. ووجه الدلالة: أنَّ الرفقة تلحقهم المشقَّة بطول الحبس، وليس بينهم وبينها عقد، ولا لها عليهم حقٌّ يُحبسون به إلاَّ مقدار ما لا تلحقهم به مضرَّة لمعنى المرافقة والاصطحاب في الطريق، وهي تجد العوض منهم بعد مدَّة، فإنَّ الطريق المأمونة لا تنقطع (¬1). المسألة الثالثة: في حبس الكري: وأما الكري: كصاحب الجمل، أو صاحب السيارة، فهل يلزمه انتظارها حتى تطهر وتطوف، أو أنه لا يلزمه ذلك؟ اختلف أهل العلم في ذلك. القول الأول- أنه لا يلزمه ذلك: ذهب إليه الشافعية (¬2)، وابن المنذر (¬3). قال النووي .. قال أصحابنا: إذا حاضت الحاجَّة قبل طواف الإفاضة ونفر الحجاج بعد قضاء مناسكهم وقبل طهرها، وأرادت أن تقيم إلى أن تطهر، وكانت مستأجرة جملاً؛ لم يلزم الجمال انتظارها، بل له النفر مع الناس (¬4). واستدلُّوا: 1 - بما رُوِيَ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» (¬5). ¬

(¬1) المنتقى (3/ 61). (¬2) المجموع (3/ 257، 285). (¬3) المجموع (3/ 285). (¬4) المجموع (3/ 257). (¬5) رُوي هذا الحديث من عدة طرق عن جمع من الصحابة، فروي من حديث عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وجابر بن عبد الله، وعائشة وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة. 1 - فأما حديث عبادة، فأخرجه ابن ماجة (2/ 57) وأحمد في المسند (5/ 326). 2 - وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة (2/ 57) وأحمد (1/ 313) والدارقطني (4/ 228). 3 - وأما حديث أبي سعيد، فأخرجه الدارقطني (4/ 228) والحاكم (2/ 57) والبيهقي (6/ 69). 4 - وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني (4/ 228). 5 - وأما حديث جابر، فأخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 141). 6 - وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني (4/ 227) والطبراني في الأوسط (1/ 141). 7 - وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الكبير (1/ 70/1). 8 - وأما حديث أبي لبابة، فأخرجه أبو داود في المراسيل، كما في الدراية (2/ 282) وأسانيد هذه الأحاديث فيها مقال، لكن يشهد بعضها لبعض، ولذا قوَّى هذا الحديث جماعة من الأئمَّة، واعتمده الفقهاء قاعدة فقهية. فقال النووي: له طُرق يقوِّي بعضها بعضًا، وهو حديث حسن. وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحَّة أو الحسن الْمُحتج به. وقال الألباني بعد أن ساق طُرق هذا الحديث: فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث، وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها، فإنَّ كثيرًا منها لم يشتدّ ضعفها، فإذا ضُمَّ بعضها إلى بعض تقوَّى الحديث بها، وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله. انظر: الدراية (2/ 282) نصب الراية (4/ 384) إرواء الغليل (3/ 408) فيض القدير انظر: الدراية (2/ 282) نصب الراية (4/ 384) إرواء الغليل (3/ 408) فيض القدير (6/ 431).

وفي حبسه إضرار به، وهو مدفوع شرعًا (¬1). ويمكن أن يناقش: بأنَّ الإضرار في تركه لها لا في حبسه. 2 - القياس على ما لو مرضت، فإنه لا يلزمه انتظارها بالإجماع، فكذا هنا (¬2). ويمكن أن يناقَش: بأنَّ المرض لا تُعلَم مدَّته بخلاف الحيض. ¬

(¬1) المجموع (3/ 285). (¬2) المجموع (3/ 258).

القول الثاني- أنه يلزمه الانتظار، أكثر ما يحبس النساء الدم: ذهب إليه المالكية (¬1)، والظاهرية (¬2). قال الباجي: والذي يُحبَس عليها الكري وذو المحرم والرفقة (¬3). وقال ابن حزم: فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فلا بدَّ لها أن تنتظر حتى تطهر، وتطوف وتحبس عليها الكري والرفقة (¬4). واستدلُّوا: 1 - بأنَّ لها عليها حقُّ ثبت بعقد، فليس له أن يتركها ويذهب بحقِّها، وهو حقٌّ مُعتاد قد عرفه ودخل عليه فلزمه المقام (¬5). 2 - ولأنَّ حقَّها قد تعيَّن عنده، وتعلَّق به دون غيره، فليس له نقله إلى غيره (¬6). الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الثاني، لقوَّة دليله، وسلامته من المناقشة، في مقابل ضَعف ما ذكر للأول من استدلال، على أن يقيِّد ذلك بحالة أمن الطريق إذا رجع وحده أو مع الركب القليل. قال القاضي عياض المالكي: موضع الخلاف بين الشافعي ومالك في هذه المسألة، إذا كان الطريق آمنًا ومعها محرم، فإن لم يكن آمنًا، أو لم يكن معها محرم، لم ينتظر بالاتفاق، لأنه لا يمكنه السير بها وحده (¬7). ¬

(¬1) المنتقى (3/ 61) حاشية الصاوي (2/ 380). (¬2) المحلى (7/ 241). (¬3) المنتقى (3/ 61). (¬4) المحلى (7/ 241). (¬5) المنتقى (3/ 61). (¬6) المنتقى (3/ 61). (¬7) المجموع (3/ 258) وانظر: المنتقى (3/ 61) وفتح الباري (3/ 590).

المطلب الرابع في السعي بين الصفا والمروة من الحائض

وقال أبو بكر بن محمد المالكي: وقد قيل: إنما يحبس عليها كريها إذا كان الأمن، وأما في هذا الوقت حيث لا يأمن في طريقه، فهي ضرورة ويفسخ الكراء (¬1). المطلب الرابع في السعي بين الصفا والمروة من الحائض ذهب عامة أهل العلم إلى عدم اشتراط الطهارة للسعي، وممَّن قال بذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6)، وهو قول عطاء وأبي ثور (¬7). دليل هذا القول: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألاَّ تطوفي بالبيت حتى تطهري» (¬8). إذا لم تُنهَ إلاَّ عن الطواف بالبيت (¬9). 2 - ما رُوي عن عائشة وأم سلمة أنهما قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت وصلَّت ركعتين، ثم حاضت فلتطُف بالصفا والمروة (¬10). 3 - ولأنَّ ذلك عبادة لا تتعلَّق بالبيت فلم يكن من شرطها الطهارة؛ أشبهت الوقوف (¬11). ¬

(¬1) المنتقى (3/ 61). (¬2) فتح القدير (3/ 21 - 51) رد المحتار (2/ 517) الحجة (2/ 137). (¬3) المنتقى (3/ 60). (¬4) المجموع (8/ 79). (¬5) المغني (5/ 246). (¬6) المحلى (7/ 257). (¬7) المغني (5/ 246). (¬8) سبق تخريجه (56) (¬9) المحلى (7/ 257) المجموع (8/ 79) المغني (5/ 246). (¬10) أخرجه أبو بكر الاثرم نقلاً عن المغني (5/ 246). (¬11) المغني (5/ 246).

المطلب الخامس طواف الوداع للحائض

وقد رُوي عن الحسن البصري القول باشتراط الطهارة (¬1). قال ابن رشد: فإنه شبَّهه بالطواف (¬2). الترجيح: وما ذهب إليه الجمهور أرجح، للحديث الصحيح في الإذن لها في فعل كافة المناسك سوى الطواف: المطلب الخامس طواف الوداع للحائض وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحائض: ذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ الحائض لا وداع عليها (¬3). واستدلُّوا: 1 - بحديث عائشة رضي الله عنهما: أنَّ صفية بنت حُيَي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أحابستنا هي؟» قالوا إنها قد أفاضت قال: «فلا إذن» (¬4). وفي رواية «فلتنفر إذن» (¬5) ولم يأمرها بفدية ولا غيرها (¬6). 2 - ولحديث ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم ¬

(¬1) بداية المجتهد (1/ 252) المجموع (8/ 79) المغني (5/ 246). (¬2) بداية المجتهد (1/ 252). (¬3) المحلى (7/ 242) المغني (5/ 341) المجموع (8/ 287) المنتقى (3/ 61) تحفة الفقهاء (2/ 414) فتح الباري (3/ 587) فتح القدير (3/ 59) روضة الطالبين (3/ 116). (¬4) البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (2/ 195) ومسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (2/ 964). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) المغني (5/ 341).

بالبيت، إلاَّ أنه خفّف عن المرأة الحائض (¬1). 3 - وأخرج مالك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنَّ أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد حاضت، أو ولدت بعدما أفاضت يوم النحر، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت (¬2). القول الثاني: أنها لا تنفر حتى تودِّع: رُوِيَ هذا عن عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت (¬3). وقد رُوي عنهم الرجوع عن ذلك. أمَّا زيد: فقد أخرج مسلم عن طاوس قال: كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: تُفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكن آخر عهدها بالبيت؟ فقال ابن عباس: إمَّا لا فاسأل فلانة الأنصارية، هل أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟ فرجع زيد إلى ابن عباس يضحك، وهو يقول: ما أراك إلاَّ قد صدقت (¬4). وأمَّا ابن عمر: فقد أخرج البخاري عن طاوس قال: وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعد: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لهنَّ (¬5). وأمَّا عمر: فقد أخرج عبد الرزاق عن نافع قال: ردَّ عمر بن الخطاب نساء كُنَّ ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الحج، باب طواف الوداع (2/ 195) ومسلم في الموضع السابق (2/ 963). (¬2) الموطأ مع المنتقى (3/ 62). (¬3) المجموع (8/ 284) فتح الباري (3/ 587، 589) المغني (5/ 341). (¬4) أخرجه مسلم في باب وجوب طواف الوداع، من كتاب الحج (2/ 963). (¬5) أخرجه البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (2/ 195).

المسألة الثانية: طهر الحائض بعد مفارقة البنيان

أفضن يوم النحر، ثم حِضن فنفرن، فردَّهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت، ثم بلغ عمر ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول (¬1). الترجيح: والراجح ما ذهب إليه الجمهور للأحاديث الصحيحة في ذلك، وما رُوي عن هؤلاء الصحابة روي عنهم خلافه، وعلى فرض أنه لم يصحّ؛ فالأحاديث الصحيحة حجَّة في ردِّ ذلك. المسألة الثانية: طُهر الحائض بعد مفارقة البنيان: وإذا نفرت الحائض فطهرت قبل مفارقة بنيان مكة لزمها العود والاغتسال والوداع. وقد نصَّ على هذا فقهاء الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). وإنما يلزمها الرجوع لأنها في حكم الإقامة، بدليل أنها لا تستبيح الرُّخَص (¬4). فإن طهرت بعد مسافة القصر لم يلزمها العود بلا خلاف (¬5). وإن طهرت بعد مفارقة البنيان وقبل بلوغ مسافة القصر؛ ففي رجوعها قولان: القول الأول: أنه لا يلزمها الرجوع: ذهب إليه الحنابلة (¬6)، والشافعية في قول (¬7)، لأنها خرجت عن حكم الحاضر (¬8). ¬

(¬1) أخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 242). (¬2) المجموع (8/ 255). (¬3) المغني (5/ 342). (¬4) المغني (5/ 342). (¬5) المجموع (8/ 255). (¬6) المجموع (8/ 255) روضة الطالبين (3/ 116). (¬7) المغني (5/ 342). (¬8) المغني (5/ 342).

القول الثاني: يلزمها الرجوع: ذهب إليه الشافعية في قوله (¬1) قياسًا على الخارج من غير عُذر (¬2). ونوقش: بالفرق؛ لأنَّ غير المعذور قد ترك واجبًا، فلم يسقط بخروجه حتى يصير إلى مسافة القصر، لأنه في حكم إنشاء سفر طويل غير الأول، وههنا لم يكن واجبًا، ولا يثبت وجوبه ابتداءً إلاَّ في حقِّ من كان مقيمًا (¬3). الراجح: والرَّاجح هو القول الأول، لِما ذكروه من الدليل، في مقابل ضعف ما ذكر للقول الثاني من استدلال. ¬

(¬1) المجموع (8/ 255) روضة الطالبين (3/ 116). (¬2) ذكره ابن قدامة إيرادًا على قولهم (5/ 342). (¬3) المغني (5/ 342).

المبحث السادس في الأحكام المتعلقة بالنكاح

المبحث السادس في الأحكام المتعلقة بالنكاح وفيه مطلب واحد: وهو: الاستمتاع بالحائض. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة. المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة. المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة: أجمع أهل العلم على جواز الاستمتاع بالمرأة فيما فوق السرة وتحت الركبة، فقال ابن قدامة: وجملته أنَّ الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنصِّ والإجماع (¬1). وقال النووي: وأما ما سواه - أي: سوى ما بين السرة والركبة - فمباشرتها فيه حلالٌ بإجماع المسلمين (¬2). المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة: وفيه فرعان: الفرع الأول: في الوطء في الفرج. الفرع الثاني: فيما عدا الفرج. ¬

(¬1) المغني (1/ 414). (¬2) المجموع (2/ 364) وانظر: المنتقى (1/ 117).

الفرع الأول: في الوطء في الفرج

الفرع الأول: في الوطء في الفرج: وفيه جانبان: الجانب الأول: في الوطء حال نزول الدم. الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال. الجانب الأول: وفيه فقرتان: الفقرة الأولى: في حُكمه. الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء فيه. الفقرة الأولى: في حكمه: اتفق أهل العلم على تحريم وطء الحائض (¬1). وقد دلَّ على ذلك: 1 - قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أنس: «..... اصنعوا كلَّ شيءٍ إلاَّ النكاح» (¬2). 3 - حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أتى كاهنًا، فصدقه بما قال، أو أتى امرأة في دبرها، أو أتى حائضًا، فقد كفر بما أُنزِل على محمد» (¬3). ¬

(¬1) انظر: حكاية الإجماع في المحلى (2/ 220) المغني (1/ 386، 414) المجموع (2/ 359) المنتقى (1/ 117) مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 624) المعونة (1/ 184). وقد استثنى من ذلك من به شبق، بشرطه: وهو ألاَّ تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج، ويخاف أن تشقق أنثييه إن لم يطأ، ولا يجد غير الحائض، بألاَّ يقدر على مهر حُرة، ولا ثمن أمة. انظر: المبدع (1/ 261) كشاف القناع (1/ 198). (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار (1/ 246). (¬3) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة باب إتيان الحائض (1/ 209) والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض (1/ 242) وقال: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجمي، عن أبي هريرة وقد ضعفه محمد من قبل إسناده اهـ، وأحمد في المسند (2/ 408، 429، 476) والدارمي في كتاب الطهارة، باب من أتى امرأة في دبرها (1/ 259).

الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض

وقد اختلف أهل العلم في دخول إتيان الحائض في باب الكبائر، أو لا (¬1). كما اختلفوا في الحُكم بكفره فيما لو فعله مستحلاًّ (¬2). الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض: وفيها جزءان: الجزء الأول: في الكفارة على العالِم الذَّاكر. الجزء الثاني: في الكفارة على الجاهل الناسِي. الجزء الأول: وفيه ما يلي: أ- حُكم الكفارة. ب- قدر الكفارة أ- حُكم الكفارة: أولاً- في حكمها على الواطئ. ثانيًا- في حكمها على الموطوءة. أولاً في حكمها على الواطئ: اختلف أهل العلم في حكم التكفير على الواطئ على قولين: القول الأول: أنه عليه الكفارة: ذهب إليه أحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬3)، والشافعي ¬

(¬1) انظر: المجموع (2/ 359) فتح القدير (1/ 166) كشاف القناع (1/ 200). (¬2) المجموع (2/ 359) فتح القدير (1/ 166) مجمع الأنهر (1/ 53). (¬3) المغني (1/ 416) كشاف القناع (1/ 251) الإنصاف (1/ 351) المبدع (1/ 226) كشاف القناع (1/ 201).

في القديم (¬1). وجمع من فقهاء السلف منهم: النخعي، وإسحاق، وسعيد بن جبير والحسن والأوزاعي (¬2). على خلاف بينهم في قدر الكفارة وسيأتي: دليل هذا القول: ما رُوي عن ابن عباس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: «يتصدَّق بدينار أو نصف دينار» (¬3). ¬

(¬1) المجموع والمهذب (2/ 359) المهذب (1/ 45) مغني المحتاج (1/ 110). (¬2) الأوسط (2/ 210). (¬3) أخرجه أبو داود في باب إتيان الحائض من كتاب الطهارة (1/ 181). والنسائي في باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها (1/ 168). كما أخرجه الترمذي، في باب ما جاء في كفارة إتيان الحائض، من أبواب الطهارة (1/ 224)، وابن ماجة في باب كفارة من أتى حائضًا (1/ 210) وباب من وقع على امرأته وهي حائض من كتاب الطهارة (1/ 213)، وأحمد في المسند (1/ 230) والحاكم (1/ 171) والبيهقي (1/ 314) .. وقد اختُلف في تصحيح الحديث: فقال ابن المنذر: لا أحسبه بثبت، الأوسط (2/ 312). وقال الشافعي: لا يثبت مثله. وقال النووي: اتفق المحدثون على ضعف حديث ابن عباس هذا واضطرابه، ورُوي موقوفًا ومرسلاً وألوانه كثير، قال: وقد جمع البيهقي طُرقه وبيَّن ضعفها بيانًا شافيًا وهو إمام حافظ متقن، متفق على إمامته، وتحقيقه اهـ المجموع (2/ 260) وقال أحمد: ليس به بأس. المغني (1/ 417) وقال في موضع: ما أحسن حديث عبد الحميد، التلخيص (1/ 166) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والمستدرك (1/ 417). وقال الألباني: وهذا سند صحيح، إرواء الغليل (1/ 218). وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 166): وقد أمعن ابن القطان القول بتصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه، وأقرَّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإمام، وهو الصواب، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا، قال: وفي هذا ما يرد على النووي دعواه أنَّ الأئمَّة كلَّهم خالفوا الحاكم في تصحيحه اهـ. وقد صحَّحه أحمد شاكر: كما في تعليقه على سُنن الترمذي (1/ 253).

ونوقش: من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الحديث ضعيف فلا يصحُّ للاحتجاج (¬1). وأجيب: بأن هذا غير مسلَّم، بل الحديث صحيح (¬2). الوجه الثاني: أنه لو كان الصحيح وجوب الكفارة لِما خيَّر بين شيء ونصفه (¬3). وأجيب: بأنَّ هذا معقول، ومثاله تخيير المسافر بين قصر الصلاة وإتمامها، فأيهما فعل كان واجبًا، كذا ههنا (¬4). القول الثاني: أنه لا غرم عليه في ماله، لكن يستغفر الله: ذهب إليه جمهور أهل العلم (¬5). ومنهم الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعي في الجديد (¬8)، وأحمد في رواية عنه (¬9)، والظاهرية (¬10)، وعطاء، والنخعي ومكحول، والشعبي، وابن أبي مليكة، والزهري، وربيعة، وحماد بن أبي سليمان، ¬

(¬1) المجموع (2/ 260) الأوسط (2/ 312). (¬2) التلخيص الحبير (1/ 166) إرواء الغليل (1/ 218). (¬3) المغني (1/ 418). (¬4) المغني (1/ 418). (¬5) انظر: الأوسط (2/ 210) حلية العلماء (1/ 276) المغني (1/ 416) المجموع (2/ 361) بداية المجتهد (1/ 43). (¬6) فتح القدير (1/ 166) رد المحتار (1/ 290) مجمع الأنهر (1/ 53) البحر الرائق (1/ 207) تبيين الحقائق (1/ 57). (¬7) بداية المجتهد (1/ 43) المنتقى (1/ 117) القوانين الفقهية (31). (¬8) المجموع (2/ 361) حلية العلماء (1/ 276) مغني المحتاج (1/ 110) المهذب (1/ 45). (¬9) الكافي (1/ 74) الإنصاف (1/ 351). (¬10) المحلى (5/ 245).

وأبو الزناد، والليث، وسفيان الثوري (¬1). الاستدلال: 1 - لما رُوِيَ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أتى كاهنًا فصدَّقه بما قال، أو أتى امرأة في دُبرها، أو أتى حائضًا، فقد كفر بما أنزل على محمد» (¬2). ولم يذكر كفارة (¬3). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الحديث ضعيف فلا يصلح للاحتجاج (¬4). الوجه الثاني: أنَّ هذا في المستحيل بدليل أنه حُكِم بكفره. 2 - ولأنه وطءٌ مُحرَّم للأذى فلم تعلق به الكفارة كالوطء في الدُبر (¬5). 3 - ولأنه وطءٌ محرَّم، لا لحرمة عبادة، فلم تجب فيه كفارة كالزنا (¬6). 4 - ولعدم الدليل على إيجابها، والأصل براءة الذمة (¬7). الترجيح: والراجح هو القول الأول لما ذكروه من الحديث، وقد صحَّحه غير واحد من الحفاظ، ولا يمتنع أن يَرِد التخيير بين الدينار ونصفه، فالنصف هو أقلّ ما يجب وما زاد فهو تطوُّع. وقد ورد مثله في كفارة اليمين في التخيير بين العتق والإطعام والكسوة ولا تماثل، وكما ورد التخيير في صلاة السفر بين الركعتين والأربع، فأيًّا فعل فهو واجب. ¬

(¬1) الأوسط (2/ 209) حلية العلماء (1/ 276) المجموع (2/ 361) المغني (1/ 417). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المغني (1/ 417). (¬4) سُنن الترمذي (1/ 242). (¬5) المجموع (2/ 359) المغني (1/ 417). (¬6) المنتقى (1/ 117). (¬7) الأوسط (2/ 212) المحلى (2/ 258) معالم السُنن (1/ 181) التلخيص الحبير (1/ 166).

ثانيا: الكفارة على الموطوءة

ثانيًا: الكفارة على الموطوءة: هذا وقد اختلف الموجبون للكفارة في حُكم التكفير على الموطوءة على قولين: القول الأول: أنَّ عليها الكفارة: ذهب إليه أحمد (¬1)، لأنه وطء يوجب الكفارة، فوجب على المرأة المطاوعة، ككفارة الوطء في الإحرام (¬2). القول الثاني: أنها غير واجبة: جعله القاضي وجهًا في مذهب أحمد (¬3)، وهو قول الشافعية (¬4). لأنَّ الشرع لم يرد بإيجابها عليها، وإنما يُتلقَّى الوجوب من الشرع (¬5). الترجيح: والراجح هو القول الأول، لما ذكروه، ولتساويهما في ارتكاب المحرم. ب- من الجزء الأول: في قدر الكفارة: وقد اختلف القائلون بالكفَّارة في قدرها على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يتصدق بدينار أو نصف دينار، على سبيل التخيير أيهما أخرج أجزأه. ذهب إليه أحمد بن حنبل في رواية عنه (¬6)، وروي هذا من قول ابن عباس (¬7). ¬

(¬1) المغني (1/ 418) كشاف القناع (1/ 201) الإنصاف (1/ 352). (¬2) المغني (1/ 418). (¬3) المغني (1/ 418). (¬4) المجموع (2/ 360). (¬5) المغني (1/ 418 - 419). (¬6) المغني (1/ 417) الإنصاف (1/ 351) المبدع (1/ 226). (¬7) الأوسط (2/ 210) والدارمي في سُننه (1/ 254) وعبد الرزاق (381).

الاستدلال: 1 - لحديث ابن عباس السابق: في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدَّق بدينار أو نصف دينار (¬1). 2 - ولأنه رُوي عن ابن عباس القول بذلك (¬2). 3 - ولأنه حُكم تعلَّق بالحيض فلم يُفرِّق بين أوله وآخره كسائر أحكامه (¬3). القول الثاني: أنه إن كان في فور الدم فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار (¬4). ذهب إليه النخعي، وروي هذا من قول ابن عباس، قال ابن المنذر: وهي الرواية الثابتة عنه (¬5)، وهو قول الشافعي في القديم (¬6). لِما روي عن ابن عباس: إن كان في فور الدم فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار (¬7). ونوقش: بأنَّ الصحيح منه أنها على التخيير، بلا فرق بين لون الدم، أو أوله وآخره (¬8). وقد قال أبو داود عقبها: هكذا الرواية الصحيحة (¬9). القول الرابع: أنه إن وطئها قبل الطهر فدينار، وإن وطئها وقد طهرت من الحيض ولم تغتسل فنصف. ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 328) والدارمي في سُننه (1/ 254) وابن حزم في المحلى (2/ 254). (¬3) المغني (1/ 418) كشاف القناع (1/ 201). (¬4) الدارمي في سُننه (1/ 254) الأوسط (2/ 210). (¬5) الأوسط (2/ 210). (¬6) المجموع (2/ 359) حلية العلماء (1/ 276) مغني المحتاج (1/ 110). (¬7) أخرجه الدارمي في سُننه (2/ 254) وابن المنذر في الأوسط (2/ 210). (¬8) المغني (1/ 418). (¬9) السُنن له (1/ 182).

ذهب إليه الأوزاعي، وقتادة (¬1). ولم أعثر على دليل لهذا القول. القول الخامس: أنه عليه ما على الذي يقع على أهله في رمضان. ذهب إليه الحسن (¬2). واحتجَّ بالقياس على الوطء في نهار رمضان (¬3). القول السادس: أن عليه عتق رقبة. ذهب إليه سعيد بن جبير (¬4)، وجعله المتولي والرافعي وجهًا في مذهب الشافعي على القديم (¬5). الاستدلال: 1 - لما رُوِي عن ابن عباس: «أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلاً أصاب حائضًا بعتق نسمة» (¬6). ونوقش: بضعفه لضعف إسناده (¬7). 2 - ولأنه روي عن عمر القول بذلك (¬8). الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الأول؛ لأنَّ العمدة في وجوب الكفارة حديث ابن عباس في التخيير بين الدينار ونصفه، والحديث لم يُفرِّق بين حالة وأخرى، ثم هو اختيار راوي الحديث ابن عباس، وهو أعلم بما رَوَى، وقد حكم أبو داود بأنه الصحيح فيما رُوِي عنه (¬9). ¬

(¬1) الأوسط (2/ 210). (¬2) الأوسط (2/ 210) ومصنف عبد الرزاق (1/ 329) والمحلى (2/ 254). (¬3) المحلى (2/ 256) مصنف عبد الرزاق (1/ 329). (¬4) الأوسط (2/ 210). (¬5) المجموع (2/ 360). (¬6) أخرجه ابن حزم في المحلى (2/ 256). (¬7) المحلى (2/ 256، 257). (¬8) المجموع (2/ 360). (¬9) السُنن له (1/ 182).

الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل

الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل وقد اختلف القائلون بوجوب الكفارة على المتعمد، في وجوبها هنا على قولين: القول الأول: أنها تجب: ذهب إليه الحنابلة في أحد الوجهين (¬1): الاستدلال: 1 - لعموم الخبر (¬2). 2 - ولأنها كفَّارة تجب بالوطء، أشبهت كفارة الصوم والإحرام (¬3). القول الثاني: أنها لا تجب: ذهب إليه الحنابلة في أحد الوجهين (¬4)، والشافعية على القول القديم الموجب للكفارة (¬5). الاستدلال: 1 - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» (¬6). 2 - ولأنها تجب لمحو المأثم، فلا تجب مع النسيان، ككفارة اليمين (¬7). ¬

(¬1) المغني (4/ 418) كشاف القناع (1/ 201). (¬2) المغني (1/ 418) كشاف القناع (1/ 102). (¬3) المغني (1/ 418) كشاف القناع (1/ 102). (¬4) المغني (1/ 418). (¬5) المجموع (2/ 359). (¬6) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق المكروه والناسي (1/ 659) والبيهقي (7/ 356) والدارقطني في كتاب النذور (4/ 170) والحاكم في المستدرك (2/ 198) والطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الطلاق (3/ 95) وابن حبان في صحيحه (1498). والحديث قد اشتهر بين الفقهاء، وأهل الأصول، وقد صحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبي والضياء المقدسي، وحسنه النووي، الهداية في تخريج أحاديث البداية (1/ 166) وصحَّحه من المتأخرين أحمد شاكر، وكذا الألباني، إرواء الغليل (1/ 123). (¬7) المغني (1/ 418).

الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال

الترجيح: ولعلَّ الراجح، هو القول الثاني، لِما ذكروه من الحديث، والمعنى. الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال: وفي فقرتان: الفقرة الأولى: حكم الوطء. الفقرة الثانية: في الكفارة. الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال: أما الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال، فقد اختلف أهل العلم فيه على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يحرم. ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول أكثر فقهاء السلف (¬4). بل قال ابن المنذر: هو كالإجماع من أهل العلم (¬5). وقال المروزي: لا أعلم في هذا اختلافًا (¬6). الاستدلال: 1 - قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي ¬

(¬1) انظر: الاستذكار (2/ 26) المنتقى (1/ 118) بداية المجتهد (1/ 50) القوانين الفقهية (31) الشرح الصغير (1/ 312) مواهب الجليل (1/ 373) المعونة (1/ 185). (¬2) المجموع (2/ 368) حلية العلماء (1/ 277) مغني المحتاج (1/ 110). (¬3) المغني (1/ 419) الإنصاف (1/ 349) المبدع (1/ 262) كشاف القناع (1/ 199) الشرح الكبير (1/ 157). (¬4) الأوسط (2/ 215) المغني (1/ 419) الاستذكار (2/ 26) المنتقى (1/ 118) حلية العلماء (1/ 216) المجموع (2/ 370) مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 625). (¬5) الأوسط (2/ 215). (¬6) المغني (1/ 419).

الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فجعل الامتناع لأجل الأذى، وهو عيافة النفس الشريفة، ونفار الطبائع الكريمة عن مخالطة القذارة بالحيض، وذلك موجود قبل الاغتسال (¬1)، ولهذا قال للمرأة التي سألته عن غسل الحيض .. فذكر الخبر إلى أن قال: «... وخذي فِرصة من مسك فاستعمليها» قالت لها عائشة: تتبَّعِي أثر الدم (¬2). ونوقش: بأنه لو كان لأجل ما ذكرتم لم يجز وطء المستحاضة، لأن أذى جريان الدم أكثر من أثر الحيض. وأجيب عن المناقشة من وجهين: الوجه الأول: بالفارق بين أذى دم الحيض ودم الاستحاضة، لما هو معلوم من خبث دم الحيض ونتنه بخلاف دم الاستحاضة. الوجه الثاني: أنَّ وطء المستحاضة لا يجوز دون خوف العنت، وأما مع خوف العنت، فلأنه يُخشَى من مواقعة ما هو أكثر من الأذى، ولأنَّ ذلك يفضي إلى رفع مقصود النكاح وحله، فاستثني لهذه الضرورة وبقي ما ليس فيه ضرورة على الأصل المذكور (¬3). 2 - قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. وقد رُوي {يَطهرْنَ} بالتشديد والتخفيف، والقراءتان في السبع (¬4). والاستدلال بالآية على قراءة التشديد ظاهر وصريح في اشتراط الغسل، ومعناها «حتى يتَطَهَّرن»، وإنما أدغم التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. ¬

(¬1) الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب (1/ 581). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) الانتصار (1/ 581). (¬4) المجموع (2/ 370).

أي: فتطهروا (¬1). ونوقش الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: بأنه إذا حمل على هذا احتيج إلى شرط آخر، وهو انقطاع الدم. وأجيب: بأنَّ هذا غير مسلم؛ لأنَّ التطهير لا يكون إلاَّ بعد انقطاع الدم، فأمَّا إذا اغتسلت قبله لم تكن تطهَّرت. الوجه الثاني: أنه قال بعد ذلك: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فكيف يكون ذلك، أي أنَّ هذا تكرار. وأجيب: بأنَّ إعادته تأكيد للأول وبيان كما نقول: "لا تأكل حتى تغرب الشمس، فإذا غربت فكلْ". فنحن معكم بين أمرَين: إما أن يكون الأول أراد به الاغتسال والثاني تأكيدًا له، أو يكون أراد بالأول انقطاع الدم والثاني الاغتسال، فيكون قد علَّق جواز الوطء بشرطَين (¬2). أما على قراءة التخفيف فالاستدلال بها من أوجه: الوجه الأول: أنَّ معناها أيضًا «يغتسلن»، وهذا شائع في اللغة؛ فيصار إليه جمعًا بين القراءتين (¬3). الوجه الثاني: أنَّ الإباحة مُعلَّقة بشرطَين: أحدهما انقطاع دمهن، والثاني تطهُّرهنَّ، وهو اغتسالهن، وما علق بشرطين لا يُباح بأحدهما (¬4)، كما قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. ونوقش: بأنَّ هذه الدعوى غير مسلَّمة، وإنما هُما شرط واحد، ¬

(¬1) المجموع (2/ 370) الانتصار (1/ 578). (¬2) الانتصار (1/ 579). (¬3) المجموع (2/ 371). (¬4) المجموع (2/ 371) الانتصار (1/ 576) المغني (1/ 420).

ومعناه حتى ينقطع دمهن، فإذا انقطع فأتوهن، كما يقال: "لا تكلم زيدًا حتى يدخل الدار، فإذا دخل فكلمه" (¬1). وأجيب عن المناقشة من أوجه: الوجه الأول: أنَّ ابن عباس والمفسرين وأهل اللسان فسَّروه فقالوا: معناه «فإذا اغتسلن»، فوجب المصير إليه (¬2). الوجه الثاني: أنَّ ما قالوه فاسد من جهة اللسان؛ فإنه لو كان كما يقولون لقيل: «فإذا تطهرن» فأعيد الكلام، كما يقال: "لا تكلم زيدًا حتى يدخل، فإذا دخل فكلِّمْه"، فلما أعيد بلفظ آخر دلَّ على أنهما شرطان كما يقال: "لا تكلم زيدًا حتى يأكل، فإذا أكل فكلمه". الوجه الثالث: أنَّ فيما قلنا جمعًا بين القراءتين فتعيَّن (¬3). 3 - وعلى الحنفية من القياس: أنه طهر من الحيض لم يضامه تطهير فلم يُبِح الوطء، دليله إذا انقطع لأقل من أكثره، وهذا لأنه لا يخلو في الأصل أن يكون الوطء لم يُبَح لِما ذكرنا، أو لأنها لا تأمن معاودة الدم، أو لأنَّ الحيض ما زال حُكمًا. بطل أن يكون لمعاودة الدم، فإنها إذا اغتسلت، أو مضى عليها وقت صلاة، أو تيمَّمت وصلَّت لا تأمن معاودة الدم، ويباح وطؤها عندهم (¬4)، وبطل أن يكون لأنَّ الحيض ما زال حُكمًا لأنه لو لم يزل لم نأمرها بالاغتسال والشروع في الصلاة والصيام، فلم يبقَ إلاَّ انه لم ¬

(¬1) المجموع (2/ 371). (¬2) المجموع (2/ 371) المغني (1/ 420). (¬3) المجموع (2/ 371). (¬4) أي: عند الحنفية انظر: فتح القدير (1/ 171) أحكام القرآن للجصاص (1/ 349) رد المحتار (1/ 294).

يضامه تطهير (¬1). ونوقش: بأنَّ ما دون الأكثر من زمان الحيض، وانقطاع الدم فيه لا يؤذَن بالطهر، لأنَّ الدم دفقات وليس بسائل على الدوام، فلم يصحّ الوطء؛ لأنَّ انقطاعه يجوز أن يكون لدفقة من دفقاته بخلاف انقطاعه لأكثره، فإنا تيقنَّا طهارتها منه فجاز وطؤها (¬2). وأجيب: بكيف أمنت انقطاعه إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة أو صلَّت بالتيمم (¬3). وردت الإجابة: بأنَّا إنما أبحنا الوطء إذا اغتسلت لأنها استباحت الصلاة، وإذا أباح لها الشرع الصلاة فقد أباح وطؤها، وكذلك إذا مضى وقت صلاة فقد أثبت الشرع وجوب الصلاة في ذمَّتها، ولا تثبت الصلاة في ذمَّة حائض، وكذلك إذا صلّت بالتيمُّم فقد فعلت ما لا يجيزه الشرع إلاَّ لطاهر، فما أبحنا الوطء إلاَّ بيقين الانقطاع (¬4). وأجيب عن الرد: بأنه إذا لم يُؤذَن الاغتسال ومضى وقت الصلاة بزوال حيضها يقينًا فلِمَ أبحتم الوطء والدم يعرض أن يعود؟ ولِمَ إذا أباح الشرع الصلاة لها يُباح وطؤها؟ والمتيمِّمة عند انقطاع الدم لدون الأكثر يُباح لها فعل الصلاة، ولا يُباح له الوطء (¬5). وكذلك نعلم أنَّ المتحلِّل التحلُّل الأول يُباح له كلُّ المحظورات في الحجِّ إلاَّ الوطء، ثم إذا أوقفت جواز الوطء على جواز الصلاة وإيجابها في الذمة، أفلا أوقفتها إذا انقطع لأكثره على ذلك، وقد قلت: تُوطأ قبل أن تستبيح الصلاة، وإلاَّ أوقفت جواز فعل الصلاة وثبوتها في ¬

(¬1) الانتصار (1/ 581) وانظر: الاستدلال مختصرًا في المغني (1/ 420) والإشراف (1/ 55). (¬2) ذكره لهم في الانتصار (1/ 582) وانظر: رد المحتار (1/ 296). (¬3) أي: عند المعترض وهم فقهاء الحنفية انظر: رد المحتار (1/ 295). (¬4) الانتصار (1/ 582) وانظر: فتح القدير (1/ 171) رد المحتار (1/ 294). (¬5) كما هو المذهب عند الحنفية.

الذمّة على إباحة الوطء؛ لأنَّ إباحة الصلاة كإباحة الوطء، فليس بأن تجعل إباحة الوطء موقوفاً على إباحة الصلاة، بأولى أن تجعل إباحة الصلاة موقوفة على إباحة الوطء، ولا فرقان بينهما (¬1). قال أبو الخطاب موردًا للحنفية: نعم، ويجوز أن تقول: عند إباحة الوطء، وإباحة الصلاة تقف على أمر ثالث، ويقول آخر: إنها تقف على رابع: وأجاب عنه: بأن هذا يُفضي إلى فساد وتخليط، فيجب أن ترجع إلى النظر الصحيح، وهو أنَّ انقطاع الدم في العادة المستمرة السنين الكثيرة يجري مجرى انقطاعه لأكثره في غلبة الظن، لاسيَّما ولك في الأكثر مخالف (¬2)، لا يمكنك القطع بإبطال مذهبه، بل إنه إذا انقطع في هذه العادة المستمرة يباح وطؤها من غير غسل، فلما شرطت الغسل فيجب أن تشرطه فيه إذا انقطع لأكثره عندك (¬3). 4 - أنَّ الإجماع منعقد على تحريم وطئها في حال الحيض، فلمَّا اختلفوا بعد إجماعهم من منع وطئها في حال الحيض وجب أن يكون التحريم قائمًا حتى يتَّفقوا على الإباحة، ولم يتَّفقوا قط إلاَّ بعد أن تطهر بالماء في حال وجود الماء (¬4). القول الثاني: أنه إن انقطع الدم لأكثر الحيض حلَّ وطؤها، وإن انقطع لدون ذلك لم يُبَح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة ذهب إليه الحنفية (¬5). ¬

(¬1) الانتصار (1/ 582). (¬2) وهم جمهور أهل العلم. انظر: الأوسط (2/ 227) المغني (1/ 389) الإفصاح (1/ 96) بداية المجتهد (1/ 36). (¬3) الانتصار (1/ 583). (¬4) الأوسط (2/ 214). (¬5) انظر: فتح القدير والهداية (1/ 171) اللباب (1/ 44) أحكام القرآن للجصاص (2/ 35) المبسوط (2/ 16) رد المحتار (1/ 294) مجمع الأنهر (1/ 53) رءوس المسائل (34) الفتاوى الهندية (1/ 38).

الاستدلال: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222]. والاحتجاج بالآية من أوجه: الوجه الأول: أنَّ قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} لا يحتمل إلاَّ انقطاع الدم، وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يحتمل الغسل وانقطاع الدم، فيجب حمل اللفظ المحتمل على ما لا يحتمل، ويكون تقديره، ولا تقربوهن حتى ينقطع دمهن، فإذا انقطع دمهن فأتوهن. ويكون الثاني تأكيدًا للأول بدليل شيئين: أحدهما: أنَّ الله تعالى ذِكره بلفظ الغاية فقال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وحكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها، فإذا كان قبل الغاية لا يجوز وطؤها فبعدها يجوز، وعندكم لا يجوز إلا بوجود شرط آخر فيلغوا حكم الغاية. الثاني: أنَّ الغاية إذا علَّق عليها حكم، ثم أعيدت بلفظ الشرط فالظاهر أن الثاني هو الأول، ألا ترى أنه لو قال: لا تكرم زيدًا حتى يدخل الدار، فإذا دخل الدار فأكرمه، رجع الثاني إلى الدخول الأول (¬1). ونوقش القول: باحتمال أن يكون الثاني هو الأول: من عدة أوجه: الوجه الأول: بما روي عن ابن عباس: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالماء (¬2). وهو قول عكرمة. وروي عنه: «فإذا اغتسلن» (¬3)، وهو قول مجاهد (¬4). ¬

(¬1) الانتصار (1/ 576، 577) وانظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 349). (¬2) أخرجه البيهقي في السُنن (1/ 309) وابن جرير في التفسير (2/ 316). (¬3) انظر: زاد المسير (1/ 249). (¬4) مصنف عبد الرزاق (1/ 330) السُنن الكبرى للبيهقي (1/ 370).

الوجه الثاني: أن التَفعُّل إذا أضيف إلى من يصحُّ منه الفعل اقتضى إيجاده كما يقال: تَكرَّم وتَطرَّف وتَسدَّد. الوجه الثالث: أنه لو أراد بهما معنى واحدًا لقال: «حتى يطهرن»، «فإذا تطهَّرن»، فلما خالف بين اللفظين علمنا أنَّ ذلك لاختلاف معناهما. الوجه الرابع: أنه قد مدحها في آخر الآية فقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولا يمدحها إلاَّ على ما هو من فعلها، وهو الغسل، فأما انقطاع الدم فليس من فعلها. الوجه الخامس: أنَّ حمله على انقطاع الدم لا تقولون به إذا كان لدون الأكثر، وحمله على الغسل يقول به الجميع في الأكثر، والأقل، فوجب الحمل عليه. الوجه السادس: أنَّ حمله على انقطاع الدم حمل لفظين على معنى واحد، وحمله على الغسل حمل كلِّ لفظ على معنى مستجَد، فكان أولى؛ لأنه تكثير لفوائد القرآن (¬1). أما القول: بأنَّ حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها: فنوقش: بأنه صحيح، ما لم يستأنف بعدها شرط آخر، فأما إذا استؤنف شرط آخر فإنه يقف عليه كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. فجعل بلوغ النكاح شرطًا، وإيناس الرشد شرطًا آخر، فكذلك قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} شرط وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} شرط آخر، ولهذا أعاده بغير اللفظ الأول، فزاد فيه التاء والتشديد (¬2). الوجه الثاني: من الاحتجاج بالآية: أنَّ الله تعالى نهى عن وطء الحائض، وأباح وطء الطاهر بقوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} الآية. ¬

(¬1) انظر: الاقتصار (1/ 577، 578). (¬2) الانتصار (1/ 578)

وأجمعوا أنَّ للزوج وطء زوجته الطاهر، ولو كانت إذا انقطع دمها، إمَّا تطهر باغتسالها، وجب ما لم يكن الغسل منها أنها حائض، وليس على الحائض عند الجميع غسل، والحيض معنى، والطهر ضده، ولَمَّا حظر تبارك اسمه وطء الحائض، وأباح وطء الطاهر ولزم الحائض الاسم لظهور الدم، وجب أنها طاهر لانقطاعه وظهور النقاء. الوجه الثالث من الاحتجاج بالآية: أنَّ الله حرَّم وطء الحائض حتى تطهر بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} الآية. وكان وطؤها إذا طهرت من الحيض قبل أن تطهر بالماء مباحًا؛ لأنَّ النهي لَمَّا لم يقع في هذه الحال، كان داخلاً في جُملة قوله، وما سكت عنه فهو معفوٌّ عنه (¬1). 2 - ولأنه يجوز الصوم والطلاق، فكذلك الوطء (¬2). ونوقش: بأنَّ الشرع ورد بتحريم الصوم على الحائض، وهذه ليست بحائض، وهنا حرم الوطء حتى تغتسل. وأما الطلاق: فإنَّ تحريمه لتطويل العدَّة، وذلك يزول بمجرد الانقطاع (¬3). 3 - ولأنَّ تحريم الوطء هو للحيض، وقد زال وصارت كالجنب (¬4). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنَّا لا نُسلم بأنَّ التحريم للحيض، بل هو لحدث ¬

(¬1) ذكرهما ابن المنذر في الأوسط (2/ 15) فقال: واحتج بعض من أدركنا ممن يخالف ما عليه عوام أهل العلم. (¬2) الانتصار (1/ 583) المجموع (2/ 370) وانظر: رد المحتار (1/ 294) أحكام القرآن للجصاص (1/ 349) فتح القدير (1/ 170). (¬3) المجموع (2/ 371). (¬4) المجموع (2/ 370) المغني (1/ 419) الانتصار (1/ 584) وانظر: رد المحتار (1/ 295) أحكام القرآن للجصاص (1/ 351).

الحيض، وهو باق (¬1). الوجه الثاني: أنه يُنتقض بالانقطاع لدون أكثر الحيض (¬2). الوجه الثالث: أنَّ الجنابة لا تمنع الوطء وكذا غسلها بخلاف الحيض (¬3). الوجه الرابع: أنَّ حدث الحيض آكد من حدث الجنابة، فلا يصحُّ قياسه عليه (¬4). القول الثالث: أنها إذا رأت الطهر فغسلت فرجها فقط، أو توضَّأت فقط، أو اغتسلت كلها، فأي ذلك فعلت فقد حلَّ لزوجها وطؤها، ذهب إليه داود وابن حزم (¬5). وروي نحوه عن قتادة وعطاء (¬6)، وذكره ابن رشد للأوزاعي (¬7)، وحكي أيضًا عن طاوس ومجاهد (¬8). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222]. فقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} معناه: حتى يحصل لهن الطهر الذي هو عدم الحيض. ¬

(¬1) المجموع (2/ 371). (¬2) المجموع (2/ 371) المغني (1/ 420). (¬3) المجموع (2/ 371). (¬4) المغني (1/ 420). (¬5) انظر: المحلى (2/ 233) (11/ 309). (¬6) المحلى (11/ 309) الأوسط (2/ 213). (¬7) بداية المجتهد (1/ 43). (¬8) الأوسط (2/ 13) حلية العلماء (1/ 289). لكن قال ابن المنذر: فأما ما روي عن عطاء، ومجاهد، وطاوس فقد روينا عن عطاء، ومجاهد، خلاف هذا القول. وذكر الروايتين عنهما ثم قال: فهذا ثابت عنهما والذي روي عن عطاء، وطاوس، ومجاهد الرخصة، ممن لا يجوز أن يقابل به ابن جريج الأوسط (2/ 214).

الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال

وقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} هو صفة فعلهنَّ. وكل ما ذكرنا من الغسل أو الوضوء أو غسل الفرج يُسمَّى في الشريعة وفي اللغة «تطهرًا، وطهورًا، وطهرًا»، فأيُّ ذلك فعلت فقد تطهَّرت. قال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فجاء النص والإجماع بأنه غسل الفرج والدُبر بالماء. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (¬1). يعني: الوضوء. ومن اقتصر بقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} على غسل الرأس والجسد كلِّه دون الوضوء ودون التيمم ودون غسل الفرج بالماء، فقد قفا ما لا علم له به، وادَّعى أنَّ الله تعالى أراد بعض ما يقع عليه كلامه بلا برهان من الله تعالى (¬2). ونوقش: بأنَّ التطهُّر المذكور بالآية يُراد به المعهود السابق، وهو الغسل الذي يزول به كلُّ معنى يمنعه الحيض، ومنه الصلاة والطواف. الترجيح: والراجح ما ذهب إليه الجمهور من توقُّف حلِّ الوطء على الغسل لقوة ما بُني عليه من استدلال. ومن أقواها ولا شكَّ ظاهر الآية من توقُّف حلِّ ذلك على التطهر بعد الطهر. الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال: وقد اختلف القائلون بوجوب الكفارة في الجماع حال الحيض في وجوبها بالجماع بعد الطهر قبل الاغتسال على قولين: ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة (1/ 204). (¬2) المحلى (2/ 233، 243) (11/ 309).

الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرة وفوق الركبة

القول الأول: أنه لا تلزمه كفارة: ذهب إليه الحنابلة (¬1). لأنَّ وجوب الكفارة بالشرع، وإنما ورد الخبر بها في الحائض وغيرها لا يساويها؛ لأنَّ الأذى المانع من وطئها قد زال بانقطاع الدم (¬2). القول الثاني: أنَّ عليه نصف دينار: ذهب إليه قتادة والأوزاعي (¬3). لأنه حكم تعلَّق بالوطء في الحيض، فثبت قبل الغسل، كالتحريم (¬4). ونوقش: بأنه يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضًا فإنَّ الكفارة تجب بالوطء في الحيض، ولا تجب في غيره (¬5). الترجيح: والراجح هو القول الأول، لِما ذكروه من استدلال، في مقابل ضعف ما ذكر للقول الثاني. الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرَّة وفوق الركبة. وقد اختلف أهل العلم في حكم ذلك على الأقوال التالية. القول الأول: أنه يحرم: ذهب إليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية في الأصح (¬8) ¬

(¬1) المغني (1/ 418). (¬2) المغني (1/ 418). (¬3) المغني (1/ 418). (¬4) المغني (1/ 418). (¬5) المغني (1/ 418). (¬6) فتح القدير (1/ 167) مجمع الأنهر (1/ 53) البحر الرائق (1/ 208). (¬7) المنتقى (1/ 117) الإشراف (1/ 45) بداية المجتهد (1/ 41) القوانين (31) المعونة (1/ 184). (¬8) المجموع (2/ 363) حلية العلماء (1/ 276) مغني المحتاج (1/ 110) الوجيز (1/ 52).

وجمع من فقهاء السلف منهم: سعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، وشريح وقتادة وسليمان بن يسار (¬1). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. فالمحيض: الحيض مصدر حاضت المرأة حيضًا، ومحيضًا، بدليل قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}. والأذى: هو الحيض المسؤول عنه (¬2). وقال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]. ونوقش: بأن اللفظ يحتمل المعنيين، وإرادة مكان الدَّم أرجح، بدليل أمرين: أحدهما: أنه لو أراد الحيض لكان أمرًا باعتزال النساء في مدَّة الحيض بالكلية (¬3). الثاني: أن سبب نزول الآية، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، فلم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوهنَّ في البيت فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فنزلت هذه الآية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح» (¬4). 2 - ولما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض» (¬5). وفائدة ذلك: أن يحول المئزر بين موضع الحيض وما دونه (¬6). ¬

(¬1) المجموع (2/ 365) الأوسط (2/ 207) المحلى (11/ 303). (¬2) المغني (1/ 415) المجموع (2/ 263) الأوسط (2/ 207) الإشراف (1/ 54) المعونة (1/ 184). (¬3) المغني (1/ 415). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) البخاري باب مباشرة الحائض من كتاب الحيض (1/ 78) ومسلم في باب مباشرة الحائض فوق الإزار (1/ 242). (¬6) الإشراف (2/ 54).

3 - ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه محمول على الاستحباب جمعًا بين قوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله (¬1). وقد يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض المباح تقذرًا كتركه أكل الضَّب والأرنب (¬2). الوجه الثاني: أنَّ ما رووه دليل على حِلِّ ما فوق الإزار لا على تحريم ما تحته (¬3). الوجه الثالث: أنَّ هذا مفهوم، والمنطوق كما سيأتي مُقدَّم عليه (¬4). 3 - ولما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: «فوق الإزار» (¬5). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يصح (¬6). الوجه الثاني: أنه لو صح؛ فإنَّ المراد بالإزار هنا الفرج بعينه، كما هو منقول عن اللغة، فليست مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق الإزار تفسيرًا للإزار في حديث عمر، بل هي محمولة على الاستحباب (¬7). 4 - ولأنَّ ذلك تحريم للفرج، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى (¬8). ¬

(¬1) المجموع (2/ 363) المغني (1/ 416). (¬2) المغني (1/ 416). (¬3) المغني (1/ 416). (¬4) فتح القدير (1/ 167) المغني (1/ 416) كشاف القناع (1/ 200). (¬5) أخرجه أحمد في المسند عنه (1/ 14) وعن عائشة (6/ 72) وأخرجه ابن حزم في المحلى عنه، وعن معاذ وعائشة وابن عباس وحزام ابن حكيم، وضعَّفها كلها (2/ 243). (¬6) انظر: المحلى (2/ 243). (¬7) المجموع (2/ 363). (¬8) المجموع (2/ 363).

5 - ولأنه معنى يحرِّم الوطء في الفرج، فوجب أن يحرمه فيما دونه كالإحرام والصوم (¬1). 6 - ولأنه وطء مقصود في العادة كالوطء في الفرج (¬2). 7 - ولأنه لَمَّا منع الوطء في الفرج لأجل الأذى، وجب أن يمنع مما يقاربه؛ لأنَّ الأذى يصيبه غالبًا إذا كان دم الحيض يسيل بنفسه من غير اختيار المرأة، وبذلك فارق الدُبر (¬3). القول الثاني: أنه إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن الفرج لضعف شهوة، أو شدَّة ورع جاز وإلاَّ فلا. ذهب إليه الشافعية في وجه (¬4). ولم أجد دليلهم عليه. ولعله أخذًا مما ورد في حديث عائشة السابق وقولها في آخره: «... وأيكم يملك أربه (¬5) كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك أربه؟» (¬6). القول الثالث: أنه جائز. ذهب إليه أحمد (¬7)، والشافعية في وجه في المذهب (¬8)، ومحمد بن الحسن (¬9)، والظاهرية (¬10)، وهو قول جمع من فقهاء السلف منهم: ¬

(¬1) الإشراف (1/ 55). (¬2) الإشراف (1/ 55) المعونة (1/ 184). (¬3) الإشراف (1/ 55). (¬4) المجموع (2/ 363). (¬5) أربه: أي حاجته، تعني أنه كان غالبًا لهواه، وأكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان: أحدهما أنه الحاجة، والثاني: أرادت به العضو، من الأعضاء الذكر خاصة. النهاية (1/ 36). (¬6) سبق تخريجه، وهو حديث: «كان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض». (¬7) المغني (1/ 415) كشاف القناع (1/ 198). (¬8) المجموع (2/ 363) مغني المحتاج (1/ 110). (¬9) فتح القدير (1/ 167) البحر الرائق (1/ 208). (¬10) المحلى (2/ 249) (11/ 305).

عكرمة والشعبي: والثوري، وإسحاق، والحكم، وروي عن عطاء، ومسروق، والحسن، والنخعي (¬1). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. والمحيض اسم لمكان الحيض، كالمقيل، والمبيت، فتخصيصه، موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه (¬2). 2 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} إلى قوله تعالى: {فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222]. قال ابن المنذر: فقال غير واحد من علماء الناس: من حيث أمركم الله أن يعتزلوهنَّ في حال الحيض، والمباح منها بعد أن تطهر هو الممنوع منها قبل الطهارة، والفرج محرم في حال الحيض بالكتاب والإجماع، وسائر البدن على الإباحة التي كانت قبل الحيض (¬3). 2 - حديث أنس في صنيع اليهود مع المرأة إذا حاضت، وسؤال الصحابة عن ذلك، ثم نزول الآية، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اصنعوا كلَّ شيء إلاَّ النكاح» (¬4). وهذا تفسير لمراد الله، ولا تتحقَّق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض؛ لأنه يكون موافقًا لهم (¬5). ونوقش: بأنه منسوخ بحديث عمر السابق؛ لأنَّ حديث أنس كان متصلاً بنزول الآية. ¬

(¬1) المحلى (11/ 303) (2/ 249) المجموع (2/ 366) المغني (1/ 415) الأوسط (2/ 206). (¬2) المغني (1/ 415) المحلى (2/ 248) كشاف القناع (1/ 200). (¬3) الأوسط (1/ 218). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) المغني (1/ 416).

وأجيب: بأن حديث عمر لا يصحُّ، ولو صحَّ فمن له أنه كان بعد نزول الآية، ولعلَّه قبل نزولها، فإذا كان ممكنًا هذا فلا يجوز القطع بأحدهما، ولا يجوز ترك ما جاء به القرآن، وبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أثر نزول الآية، لمثل هذا النص (¬1). 3 - ما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنب منها شعار (¬2) الدم» (¬3). 4 - ولأنه منع الوطء لأجل الأذى فاختص محله (¬4). الترجيح: والراجح هو القول الثاني، لقوة ما بُني عليه من استدلال، ومنه حديث أنس الصحيح الصريح، وأنَّ المنع من أجل الأذى، وهو غير موجود في الاستمتاع دون الفرج. ¬

(¬1) المحلى (2/ 249). (¬2) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد؛ لأنه يلي شعره، النهاية (2/ 480). (¬3) أخرجه الدارمي في باب مباشرة الحائض من كتاب الطهارة (1/ 243). (¬4) المغني (1/ 416) كشاف القناع (1/ 200).

المبحث السابع في الأحكام المتعلقة بالطلاق

المبحث السابع في الأحكام المتعلِّقة بالطلاق وفيه مطلبان: المطلب الأول: في تطليق الحائض. المطلب الثاني: في وطء الزوج الثاني للمرأة أثناء الحيض هل يحلها للأول. المطلب الأول في تطليق الحائض وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الطلاق قبل الدخول: وفيها فرعان: الفرع الأول: في حُكمه: اختلف أهل العلم في حكم الطلاق قبل الدخول على قولين: القول الأول: جواز إيقاع الطلاق، وأنه لا سُنة ولا بدعة في طلاق غير المدخول بها. ذهب إليه أكثر أهل العلم (¬1). ¬

(¬1) انظر: فتح القدير (3/ 474) رد المحتار (3/ 231) الكافي (1/ 471) الشرح الصغير (3/ 345) المنتقى (4/ 96) حلية العلماء (7/ 20) مغني المحتاج (3/ 307) روضة الطالبين (8/ 3) المغني (10/ 340) زاد المعاد (5/ 220) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 7) المحلى (11/ 450) اختلاف العلماء لأبي نصر المروزي (130) بداية المجتهد (2/ 47).

واستدلَّوا على ذلك بما يلي: 1 - قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]. 2 - وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. فقد أباح الله سبحانه طلاق التي لم تُمسّ بالوطء، ولم يُحدِّد في طلاقها وقتًا ولا عددًا، فوجب من ذلك أنَّ هذا حُكمها (¬1). وقد بيَّن سبحانه أنَّ المطلَّقة قبل الدخول لا عدَّة عليها، والمنع من طلاق المدخول بها في الحيض إنما هو لِما فيه من تطويل العدَّة إذا طُلِّقت في تلك الحال، وهذه لا عدَّة عليها (¬2). 3 - ولأنَّ الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقلُّ بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها (¬3). القول الثاني: أنه يحرم. ذهب إليه نفر من الحنفية (¬4)، وأشهب من المالكية (¬5). واحتجَّا: بأنه طلاق حائض فتعلَّق به المنع، كطلاق المدخول بها (¬6). ¬

(¬1) المحلى (11/ 450). (¬2) المغني (10/ 340) الكافي (1/ 471) مغني المحتاج (3/ 308) المنتقى (3/ 96). (¬3) الهداية مع فتح القدير والعناية (3/ 474). (¬4) الهداية وفتح القدير (3/ 474) العناية (4/ 474). (¬5) المنتقى (3/ 96) وقد ذهب بعضهم إلى أن منع أشهب إنما هو على الكراهة لا التحريم، انظر: المصدر السابق (3/ 96). (¬6) الهداية وفتح القدير (3/ 474) المنتقى (3/ 96).

الفرع الثاني: في وقوعه

والجامع أنه وقت النفرة، فلم يكن الطلاق فيه دليل الحاجة فلا يُباح (¬1). ونوقش: بالفارق، لأنَّ الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقلُّ بالحيض (¬2). وأجيب عن المناقشة: بأنَّ هذا تعليل في مقابلة النص، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر: «ما هكذا أمرك الله» (¬3). ورُدَّت الإجابة من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الإشارة من قوله هكذا إلى طلاقه الخاص الذي وقع منه، فجاز كون تلك مدخولاً بها. الوجه الثاني: أنه قال في رواية في هذا الحديث: «فتلك العدَّة التي أمر الله تعالى أن يُطلَّق لها النساء» (¬4) والعدَّة ليست إلاَّ للمدخول بها (¬5). الترجيح: والرَّاجح ما ذهب إليه الجمهور لقوَّة ما بُنِي عليه من استدلال. الفرع الثاني: في وقوعه: أمَّا وقوعه فقد اتفق أهل العلم على وقوعه، فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنَّ من طلَّق ز وجته قبل أن يدخل بها تطليقة أنها قد بانت منه، ولا تحلُّ له إلاَّ بنكاحٍ جديد (¬6). ¬

(¬1) فتح القدير (3/ 474). (¬2) الهداية مع فتح القدير (3/ 474). (¬3) ذكره ابن الهمام في فتح القدير (3/ 474) ولم أجده فلعله يشير به إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء». (¬4) أخرجه البخاري في الطلاق، باب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ومسلم في كتاب الطلاق باب تحريم طلاق الحائض بيغر رضاها (2/ 1093). (¬5) فتح القدير (3/ 474). (¬6) الإشراف له (4/ 163) وانظر: اختلاف العلماء لأبي نصر (103) الكافي (1/ 470) المغني (1/ 340).

المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول

المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول: وفيه ثلاثة فروع: الفرع الأول: في حُكمه. الفرع الثاني: في وقوعه، واحتسابه من عدد الطلقات. الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق بعد الدخول. الفرع الأول: في حُكم إيقاع الطلاق في الحيض. اتفق أهل العلم على تحريم إيقاع الطلاق حال الحيض إذا كانت الزوجة مدخولاً بها. قال ابن قدامة: وأمَّا المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار، وكلِّ العصور على تحريمه (¬1). وإنما يحرم لما يلي: 1 - لأنَّ المطلِّق خالف أمر الله تعالى بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن شاء طلَّق قبل أن يَمِسَّ، فتلك العدّة التي أمر الله تعالى أن تُطلَّق لها النساء» (¬2). 2 - ولأنه إذا طلَّق في الحيض طوَّل العدَّة عليها؛ فإنَّ الحيضة التي طلَّق فيها لا تُحسب من عدَّتها (¬3). ¬

(¬1) المغني (10/ 324) وانظر: حكاية الاتفاق بداية المجتهد (2/ 47) مجموع فتاوى ابن تيمية (7/ 33). (¬2) أخرجه البخاري في الطلاق باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} (6/ 163) ومسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (2/ 1093). (¬3) المغني (1/ 326) مغني المحتاج (3/ 308).

الفرع الثاني: في وقوع الطلاق

الفرع الثاني: في وقوع الطلاق: أمَّا الإلزام بالطلاق المحرَّم، فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه يقع، ويلزمه طلاقه. ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم: الأئمَّة الأربعة وأصحابهم (¬1)، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبو ثور (¬2). قال ابن المنذر: وكل من نحفظ عنه من أهل العلم إلاَّ ناسًا من أهل البدع (¬3). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وهذا يعمُّ كلَّ طلاق. وكذلك قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ولم يفرِّق. وكذلك قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241]. وهذه مطلَّقة. وهي عمومات لا يجوز تخصيصها إلاَّ بنصٍّ أو إجماع (¬4). ¬

(¬1) انظر: الهداية وفتح القدير والعناية (3/ 474) رد المحتار (3/ 224) إعلاء السُنن (11/ 146) المبسوط (6/ 16) المنتقى (3/ 96) الإشراف (2/ 123) بداية المجتهد (2/ 48) الكافي (1472) الشرح الصغير (3/ 343) روضة الطالبين (8/ 4) مغني المحتاج (3/ 309) حلية العلماء (7/ 19) المغني (10/ 327) الكافي (3/ 160) المحرر (2/ 51) المبدع (7/ 260) الإنصاف (8/ 448) زاد المعاد (5/ 223) السيل الجرار (2/ 348) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 81). (¬2) الإشراف لابن المنذر (4/ 163). (¬3) الإشراف له (4/ 163) ونقله ابن قدامة عن ابن عبد البر (10/ 327). (¬4) زاد المعاد (5/ 229).

ونوقش: بأنَّ الطلاق المحرَّم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتَّب الشارع عليها أحكام الطلاق. ونسألكم: ما تقولون فيمن ادَّعى دخول أنواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح وقال: شمول الاسم للصحيح من ذلك والفاسد سواء، وكذلك سائر العقود المحرَّمة، وكذلك العبادات المحرَّمة المنهي عنها إذا ادَّعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية، وحُكِم لها بالصحة لشمول الاسم لها؟ فإن قلتم: صحيحة، ولا سبيل لكم إلى ذلك، كان قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين. وإن قلتم دعواه باطلة، تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلناه، وإن قلتم: تُقبل في موضع وتُرَدُّ في موضع، قيل لكم، ففرِّقوا بفرقان صحيح مطَّرد منعكس، معكم به برهان من الله بيَّن ما يدخل من العقود المحرَّمة تحت ألفاظ النصوصن فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت له حُكم البطلان. وإن عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يُحسن كلُّ أحدٍ مقابلتها بِمثلها، أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله، فقد جعلتم عين محل النزاع مقدمة في الدليل، وذلك عين المصادرة على المطلوب، فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} وتحت قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وأمثال ذلك، وهل سلم لكم منازعوكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم (¬1). 2 - أمَّا ورد في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأه وهي حائض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر رضي الله عنه عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «مُرْه فليُراجعها ثم ليمسكها، حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، ثم ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 235).

إن شاء أمسك بعد، وإن شاء يطلق قبل أن يمس، فتلك العدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النساء» (¬1). قالوا: وهذا يدُلُّ على وقوع الطلاق؛ إذ الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق (¬2). ب- ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال: قلت لابن عمر: أفتعتدّ عليه، أو تُحسب عليه؟ قال: نعم، أرأيت إن عجز واستحمق (¬3). ج- وقول ابن عمر: «فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها» (¬4). فكيف يظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحسبها من طلاقها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَرَها شيئًا (¬5). د- وروي عنه: «وما يمنعني أن أعتد بها» (¬6). وهذا إنكارٌ منه لعدم الاعتداد بها (¬7). وروي عن ابن جريج؛ قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجَّل في دار الندوة ذاهبًا إلى المدينة، ونحن مع عطاء: هل حسبت تطليقة ابن عمر امرأته حائضًا، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬8). ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) انظر: الإشراف (2/ 123) بداية المجتهد (2/ 49) المنتقى (3/ 98) المغني (10/ 328). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق (6/ 163) ومسلم في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (2/ 1096). (¬4) أخرجه مسلم عن سالم في باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، من كتاب الطلاق (2/ 1095). (¬5) زاد المعاد (5/ 230). (¬6) أخرجه مسلم في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (2/ 1097). (¬7) زاد المعاد (5/ 230). (¬8) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 309). وروى مسلم في صحيحه: قال عبيد الله: قلت لنافع، ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها (2/ 1094).

ونوقش: بأن هذا معارض بما صحَّ عن ابن عمر من قوله: «فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا» (¬1) فهذا النص الصريح الصحيح ليس بأيديكم ما يقاومه بل جميع ما ذكرتموه من ألفاظ هذا الحديث، إما صحيحة غير صريحة وإما صريحة غير صحيحة (¬2). وإليكم بيان ذلك: أمَّا ما ورد في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مُره فليراجعها» فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على معان: أحدها: ابتداء النكاح كقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} [البقرة: 230] ولا خلاف بين أحدٍ من أهل العلم بالقرآن أنَّ المطلِّق ههنا هو الزوج الثاني، وأنَّ التراجع بينها وبين الزوج الأول، وذلك نكاح مبتدأ. الثاني: الإمساك كقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] والمراد به الرجعة بعد الطلاق (¬3). الثالث: الرد الحسِّي إلى الحالة التي كان عليها أولاً، كقوله لأبي ¬

(¬1) أخرجه أحمد في المسند (5524). وأبو داود في الطلاق، باب طلاق السنة (2/ 635) من حديث عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأله ابن عمر. والنسائي: في الطلاق. باب وقت الطلاق للعدة (6/ 450) وقد أشار إليها مسلم في صحيحه (2/ 1089) وقد صحَّحه ابن القيم انظر: زاد المعاد (5/ 219) (5/ 226). وابن حزم كما في المحلى (11/ 457) وقال الحافظ: إسنادها على شرط الصحيح، نيل الأوطار (6/ 253) ورواه الحميدي في الجميع بين الصحيحين، وقد التزم ألاَّ يذكر إلاَّ ما كان صحيحًا على شرطهما. نَيل الأوطار (6/ 254). (¬2) زاد المعاد (5/ 235). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 100) زاد المعاد (5/ 288).

النعمان بن بشير لما نحل ابنه غلامًا خصَّه به دون ولده: «ردَّه» (¬1)، فهذا ردُّ ما لم تصحُّ فيه الهبة الجائزة التي سمَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جورًا، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها خلاف العدل. ومن هذا قوله لمن فرَّق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك وردَّ البيع (¬2)، وليس هذا الردُّ مستلزمًا لصحة البيع؛ فإنه بيع باطل، بل هو ردُّ شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا، وكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتَّة. ويؤيدها: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل لفظ: «المراجعة» وهو يقتضي المفاعلة، والرجعة من الطلاق يستقلُّ بها الزوج بمجرَّد كلامه، فلا يكاد يُستعمل في لفظ المراجعة، بخلاف ما إذا ردَّ بدن المرأة إليه فرجعت إليه باختيارها؛ فإنهما قد تراجعا، كما يتراجعان بالعقد باختيارهما بعد أن تنكح زوجًا غيره (¬3). ويدل عليه أنَّ النبيَّ لم يأمر ابن عمر بالإشهاد على الرجعة (¬4): وأمَّا قوله: «أرأيت إن عجز واستحمق» فلا دلالة فيها على أنَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في العطية (3/ 1242). (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في التفريق بين السبي (3/ 145) عن ميمون ابن أبي شيبة عن علي أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وردَّ البيع، قال أبو داود: وميمون لم يدرك عليِّ. وأخرجه الترمذي في البيوع، باب كراهية الفرق بين الأخوين، أو بين الوالدة وولدها، في البيع (3/ 572) والذي فيه أنَّ التفريق بين أخوين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا علي، ما فعل غلامك» فأخبرته بالبيع فقال: «ردَّه، ردَّه» وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وابن ماجة في كتاب التجارات، باب النهي عن التفريق بين السبي (2/ 755) وكلاهما عن ميمون عن علي. (¬3) زاد المعاد (5/ 228). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 100).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حسبها عليها، والأحكام لا تُؤخَذ بمثل هذا. ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حسبها عليه، واعتدَّ عليه بها لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه إلى «أرأيت»، وكان ابن عمر أكره ما إليه «أرأيت»، فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظة «أرأيت» الدَّالة على نوع من الرأي سبَّبه عجز المطلق وحُمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي أذن الله له فيه، والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به، وأنه ساقط من فعل فاعله، لأنه ليس في دين الله تعالى حُكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر، إلاَّ أن يكون فعلاً لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم، فقد عجز واستحمق. وحينئذ يقال: هذا أدلُّ على الردِّ منه على الصحة واللزوم، فإنه عقد عاجز أحمق، على خلاف أمر الله ورسوله، فيكون مردودًا باطلاً، فهذا الرأي والقياس أدلُّ على بطلان طلاق من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره (¬1). وأما قول ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وما روي عنه: «وما يمنعني أن أعتدَّ بها». فقد نوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه لم يقل فيه إنَّ رسول الله حسبها تطليقة، ولا إنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال اعتدّ بها طلقة، وإنما هو إخبار عن نفسه، ولا حجَّة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الوجه الثاني: أنه صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيد الله عن نافع عنه في الرجل يُطلِّق امرأته وهي حائض؟ قال: لا ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 228) وانظر المحلى (11/ 456). (¬2) المحلى (11/ 456).

يعتد بذلك (¬1). الوجه الثالث: أنَّ الألفاظ قد اضطربت عن ابن عمر في ذلك اضطرابًا شديدًا، وكلَّها صحيحة عنه، وهذا يدل على أنه لم يكن عنده نصٌّ صريحٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقوع تلك الطلقة والاعتداد بها، وإذا تعارضت تلك الألفاظ نظرنا إلى مذهب ابن عمر وفتواه فوجدناه صريحًا في عدم الوقوع، ووجدنا أحد ألفاظ حديثه صريحًا في ذلك، فقد اجتمع صريح روايته وفتواه على عدم الاعتداد، وخالف في ذلك ألفاظًا مُجملة مضطربة (¬2). وأمَّا ما روي عن نافع أنَّ تطليقة عبد الله حُسِبت عليه، فهذا غايته أن يكون من كلام نافع، ولا يعرف من الذي حسبها، أهو عبد الله نفسه، أو أبوه عمر، أو رسول الله؟ ولا يجوز أن يشهد على رسول الله بالوهم والحسبان، وكيف يعارض صريح قوله: «ولم يرها شيئًا» بهذا المجمل (¬3). 3 - ما روى حمَّاد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من طلَّق في بدعة ألزمنا بدعته» (¬4). ونوقش: بأنَّه حديث باطل، ولم يروِه أحدٌ من الثقات من أصحاب حمَّاد بن زيد، وإنما هو من حديث إسماعيل بن أمية الذراع الكذاب، الذي يذرع ويفصل، ثم الراوي له عنه عبد الباقي بن نافع، وقد ضعَّفه البرقاني وغيره، وكان قد اختلط في آخر عمره، وقال: ¬

(¬1) أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 453) وصحح، وكذا صحَّحه ابن القيم، كما في الهدي (5/ 226) وكذلك الشوكاني كما في نيل الأوطار (6/ 254). (¬2) زاد المعاد (5/ 236). (¬3) زاد المعاد (5/ 237). (¬4) أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 455).

الدارقطني: يخطئ كثيرًا ومثل هذا إذا تفرَّد بحديث لم يكن حديثه حجَّة (¬1). ثم لو صحَّ - ولم يصحّ قط - لكان لا حجة فيه، لأنه كان معنى قوله: «ألزمناه بدعة» أي: إثمها، وليس فيه، أنه يُحكم عليه بإمضاء حكم بدعته (¬2). 4 - أنه رُوي عن زيد وعثمان الفتيا بوقوع الطلاق (¬3). ونوقش: بأن هذا لا يصِحُّ عنهما، فإنَّ أثر عثمان فيه كذَّاب عن مجهول لا يعرف عينه ولا حاله، فإنه من رواية ابن سمعان، عن رجل. وأثر زيد: فيه مجهول عن مجهول: قيس بن سعد عن رجل سماه عن زيد، ثم لو صح ما روي عنهما: لكان معارضًا بما صح عن ابن عمر أنه قال لا يعتد بها (¬4). 5 - أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض، وهو صاحب القصة، وأعلم الناس بها، وأشدُّهم اتباعًا للسُنن، وتَحرُّجًا من مخالفتها (¬5). ونوقش: بأنَّ هذا غير مسلم، إذ الصحيح عنه عدم الاعتداد بهذه الطلقة، ولو فرض صحَّة النقل عنه بالوقوع، لكان معارضًا بما نقل عنه من عدم الاعتداد، ثم على فرض أن هذا رأيه، فالعبرة بما رواه لا بما رآه (¬6). 6 - أنَّ الفروج يحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق، ¬

(¬1) المحلى (11/ 455) زاد المعاد (5/ 238). (¬2) المحلى (11/ 455). (¬3) أخرجها ابن حزم في المحلى (11/ 454) وضعَّفها. (¬4) زاد المعاد (5/ 238). (¬5) زاد المعاد (5/ 230). (¬6) زاد المعاد (5/ 236).

وتجديد الرجعة والعقد (¬1). ونوقش: بأنَّ هذا مسلَّم، وهو موجب القول بعدم صحَّة الطلاق، فإنَّ الاحتياط أن يبقى الزوجان على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة، وإن أصبنا فصوابنا في جهتَين، وأنتم ترتكبون أمرين: تحريم الفرج على من كان حلالاً له بيقين وإحلاله لغيره، فإن كان خطأً فهو خطأ من جهتين (¬2). 7 - أنَّ النكاح لا يدخل فيه إلاَّ بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين، ورضا الزوجة المعتبر رضاها، ويخرج منه بأيسر شيء، فلا يحتاج الخروج منه إلى شيء من ذلك، بل يدخل فيه بالعزيمة، ويخرج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه (¬3). ونوقش: بالتسليم بسهولة الخروج منه، ولكن لا يخرج منه إلاَّ بما نصبه الله سببًا يخرج به منه، وأذن فيه، وأما ما ينصبه المؤمن عنده، ويجعله هو سببًا للخروج منه فكلا (¬4). 7 - ولأنه طلاق من مكلَّف في محلِّ الطلاق فوقع، كطلاق الحامل (¬5). ويمكن أن يناقش: بالفارق لوجود الإذن في طلاق الحامل بخلاف هذا فقد نُهي عنه. 8 - ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة، وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظًا عليه وعقوبة له (¬6). ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 232) المحلى (11/ 458). (¬2) زاد المعاد (5/ 240) المحلى (11/ 458). (¬3) زاد المعاد (5/ 232). (¬4) زاد المعاد (5/ 240). (¬5) المغني (10/ 328) الإشراف (2/ 123). (¬6) المغني (10/ 328) المنتقى (3/ 98).

9 - ولأنه إزالة مُلك مبني على التغليب والسراية فوجب أن ينفذ في حال الطهر والحيض كالعتق (¬1). القول الثاني: أنه لا يقع. ذهب إليه جمع من فقهاء السلف منهم: طاوس، وعكرمة وخلاس بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة. ويروى عن ابن أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق (¬2)، وهشام بن عبد الحكم، وابن علية، (¬3) وابن حزم (¬4). وهو قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة، ومالك وأحمد (¬5)، وهو اختيار ابن تيمية (¬6)، وابن القيم (¬7). الاستدلال: 1 - أنَّ النكاح ثابت بيقين، ولا يزول إلاَّ بيقين مثله من كتاب أو سُنة أو إجماع متيقَّن، ولا سبيل لكم إلى ذلك (¬8). 2 - أنَّ هذا طلاق لم يشرعه الله البتَّة ولا أذن فيه، فليس من شرعه، فكيف يُقال بنفوذه؟ .. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وصحَّ عن النبيِّ المبيِّن عن الله مراده من كلامه أنَّ الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطُهر الذي لم يجامع فيه أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس طلاقًا ¬

(¬1) الإشراف (2/ 123) المنتقى (3/ 98). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 82) إعلان السُنن (11/ 146) نيل الأوطار (6/ 252). (¬3) المغني (10/ 327) المنتقى (3/ 98) الإشراف (2/ 132) حلية العلماء (7/ 21) المبدع (7/ 260). (¬4) المحلى (11/ 452). (¬5) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 83) بداية المجتهد (2/ 48) الإنصاف (8/ 448). (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 7، 22، 81، 98). (¬7) زاد المعاد (5/ 221). (¬8) زاد المعاد (5/ 225).

للعدَّة في حقِّ المدخول بها، فلا يكون طلاقًا، فكيف تُحرم المرأة به؟ وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق المأذون فيه، وهو الطلاق للعدَّة، فدلَّ على أنَّ ما عداه ليس من الطلاق، فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرَّتين، فلا يكون ما عداه طلاقًا (¬1). 3 - ما رواه أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر، قال أبو الزبير وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلَّق امرأته حائضًا؟ فقال: طلَّق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنَّ عبد الله بن عمر طلَّق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا وقال: «إذا طهرت فليطلِّق أو ليُمسك» .. قال ابن عمر: وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} في قبل عدتهن» (¬2). قالوا: وهذا إسناد في غاية الصحَّة؛ فإنَّ أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يُخشَى من تدليسه، فإذا قال: سمعت، أو حدثني، زال محذور التدليس، وزالت العلَّة المتوهَّمة، وأكثر أهل الحديث يحتجُّون به إذا قال «عن» ولم يصرِّح بالسماع، ومسلم يُصحِّح ذلك من حديثه .. فأمَّا إذا صرَّح بالسماع فقد زال الإشكال وصحَّ الحديث وقامت به الحجة (¬3). ونوقش: بأنه خلاف الأحاديث الصحيحة. قال أبو داود: والأحاديث كلُّها على خلاف ما قال أبو الزبير (¬4). ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 225). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المحلى (11/ 457) زاد المعاد (5/ 226). (¬4) مختصر سُنن أبي داود للمنذري (3/ 97).

وقال الشافعي: ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به (¬1). وقال الخطابي: حديث يونس بن جبير أثبت من هذا (¬2)، يعني قوله: «مُرْه فليراجعها» وقوله: «أرأيت إن عجز واستحمق؟» قال: فمه. وقال ابن عبد البر: وهذا لم ينقله أحد غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة أجلاَّء، فلم يقل ذلك أحدٌ منهم، وأبو الزبير ليس بحجَّة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه؟ (¬3). وأجيب عن ذلك: بأن ما ذكروه لا يُوجب ردَّ خبر أبي الزبير. أمَّا قول أبي داود: الأحاديث كلُّها على خلافه، فليس بأيديكم سوى تقليد أبي داود، وأنتم لا ترضون ذلك، وتزعمون أنَّ الحجَّة من جانبكم فدعوا التقليد، وأخبرونا أين في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير؟ فهل فيها حديث واحد أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتسب عليه تلك الطلقة وأمره أن يعتدَّ بها، فإن كان ذلك فنعم، ولا تجدون إلى ذلك سبيلاً، وغاية ما بأيديكم: «مُرْهُ فليُراجعْها» والرجعة تستلزم وقوع الطلاق، وقول ابن عمر وقد سُئل: أتعتدُّ بتلك التطليقة؟ فقال: «أرأيت إن عجز واستحمق؟» وقول نافع أو من دونه: «فحُسِبت من طلاقها». وليس وراء ذلك حرف واحد يدلُّ على وقوعها، والاعتداد بها، ولا ريب في صحَّة هذه الألفاظ، ولا مُطعن فيها، وإنما الشأن كلُّ الشأن في معارضها لقوله: فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا" وتقديمها عليه، ومعارضتها لما نذكر لقولنا من أدلَّة (¬4). ¬

(¬1) المصدر السابق والصفحة. (¬2) معالم السُنن له (3/ 95). (¬3) زاد المعاد (5/ 227) نيل الأوطار (6/ 253). (¬4) زاد المعاد (5/ 227) تهذيب سُنن أبي داود له (3/ 96).

وقد بينَّا في مناقشة تلك الأدلَّة معنى كلِّ لفظ وما يعتريه من احتمالات. وأمَّا قول الشافعي: إنَّ نافعًا أثبت في ابن عمر من أبي الزبير وأخصّ، فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض، فكيف ولا تعارض بينهما؟ فإنَّ رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تُحسب عليه، وأمَّا نافع فرواياته ليس فيها شيءٌ صريحٌ قط، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبها عليه (¬1)، وكما يقال في هذا يُقال في قول الخطابين وكذا في قول ابن عبد البر. 4 - أنَّ هذا طلاق لم يأذن الله فيه، وهو لو وكَّل وكيلاً أن يُطلِّق امرأته طلاقًا جائزًا، فطلَّق طلاقًا محرَّمًا لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان إذن المخلوق مُعتبَرًا في صحَّة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع؟ (¬2). ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ غير الزوج لا يملك الطلاق، والزوج يملكه بمحلَّه (¬3). 5 - أنَّ الشارع قد حجر على الزوج أن يُطلِّق في حال الحيض، فلو صحَّ طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على منعه التصرُّف أقوى من حجر الشارع حيث يُبطِل التصرُّف بحجره (¬4). 6 - أنه لو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلِّقها طلقة ثانية فائدة، بل فيه مضرَّة عليهما؛ فإنَّ له أن يُطلقها بعد المراجعة بالنصِّ والإجماع، وحينئذٍ يكون في الطلاق مع الأول تكثير الطلاق وتطويل العدة وتعذيب الزوجين جميعًا، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب عليه ¬

(¬1) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96). (¬2) المغني (10/ 317) زاد المعاد (5/ 322) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 97) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 22) المبدع (7/ 260). (¬3) المغني (10/ 328). (¬4) زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

أن يطأها قبل الطلاق؛ بل إذا وطئها لم يحلّ له أن يطلقها حتى يتبيَّن حملها أو تطهر الطهر الثاني (¬1). 7 - أنَّ هذا طلاق محرَّمٌ منهيٌّ عنه، فالنهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه، فلو صحَّحناه لكان لا فرق بين المنهيِّ عنه والمأذون فيه من جهة الصحَّة والفساد. 8 - أنَّ الشارع إنما نهى عنه وحرَّمه؛ لأنه يبغضه ولا يحب وقوعه، بل وقوعه مكروهٌ إليه فحُرمه لئلاَّ يقع ما يبغضه ويكرهه، وفي تصحيحه وتنفيذه ضدّ هذا المقصود (¬2). ونوقش: بأنَّ تحريمه لا يمنع ترتُّب أثره وحُكمه عليه كالظهار، فإنه مُنكَر من القول وزور، وهو مُحرَّمٌ بلا شك وترتب أثره عليه وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفر، فهكذا الطلاق البدعي محرَّم ويترتَّب عليه أثره إلى أن يراجع ولا فرق بينهما. ولو لم يكن معنا في المسألة إلاَّ طلاق الهازل، فإنه يقع مع تحريمه، لأنه لا يحلُّ له الهزل بآيات الله، فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجاد أولى أن يقع مع تحريمه. وأيضًا فالإيمان أصل العقود وأجلُّها وأشرفها، يزول بالكلام المحرَّم إذا كان كفرًا، فكيف لا يزول عقد النكاح بالطلاق المحرَّم الذي وضع لإزالته. ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 22) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 97). (¬2) زاد المعاد (5/ 224) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 24) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96، 98) قال ابن تيمية: إذ الأصل الذي عليه السلف والفقهاء أنَّ العبادات والعقود إذا فُعلت على الوجه المحرَّم لم تكن لازمة صحيحة، وهذا وإن نازع فيه طائفة من أهل الكلام فالصواب مع السلف وأئمة الفقهاء؛ لأنَّ الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يستدلون على فساد العبادات والعقود بتحريم الشارع لها، وهذا متواتر عنهم مجموع الفتاوى (33/ 24).

وكذلك القذف محرَّم، ويترتَّب عليه أثره من الحدِّ، ورد الشهادة وغيرهما (¬1). وأجيب عن المناقشة: أمَّا القياس على الظهار، فأجيب عنه بأنه قياس يدفعه ما ذكرنا من النصِّ، وسائر تلك الأدلَّة التي هي أرجح منه. ثم يقال: هذا معارَض بمثله، سواء معارضة القلب بأن يقال: تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح. ويقال ثالثًا: ليس للظهار جهتان: جهة حلٍّ، وجهة حُرمة، بل كلُّه حرام، فإنه مُنكر من القول وزور، فلا يمكن أن ينقسم إلى حلال جائز وحرام باطل، بل هو بمنزلة القذف من الأجنبي والردَّة، فإذا وجد لم يوجد إلاَّ مع مفسدته، فلا يُتصوَّر أن يُقال منه حلال صحيح وحرام باطل بخلاف النكاح والطلاق والبيع، فالظهار نظير الأفعال المحرمة التي إذا وقعت قارَنَتْهَا مفاسدها فترتبت عليه أحكامها، وإلحاق الطلاق بالنكاح، والبيع والإجارة، والعقود المنقسمة إلى حلال وحرام وصحيح وباطل أولى (¬2). وأمَّا القياس على وقوع الطلاق من الهازل مع تحريمه، فهو قياس مع الفارق؛ لأنَّ طلاق الهازل إنما وقع لأنه صادف محلاًّ، وهو طُهر لم يجامع فيه فنُفِّذ، وكونه هزل به إرادة منه ألاَّ يترتَّب أثره عليه، وذلك ليس إليه بل إلى الشارع، فهو قد أتى بالسبب التام، وأراد ألاَّ يكون سببه فلم ينفعه ذلك، بخلاف من طلَّق في غير زمن الطلاق، فإنه لم يأتِ السبب الذي نصبه الله سبحانه مفضيًا إلى وقوع الطلاق، وإنما أتى بسببٍ من عنده وجعله هو مفضيًا إلى حُكمه، وذلك ليس إليه. وأمَّا قياسه على زوال الإيمان بالكلام المحرم إذا كان كفرًا، فمع ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 231، 232). (¬2) زاد المعاد (5/ 238، 239) تهذيب السُنن (3/ 96).

الفارق، وهو ما ذكرناه في الظهار من أنه ليس لها جهتان: جهة حلٍّ وجهة حُرمة، بل كلُّه حرام، فإذا وُجِد لم يوجد إلاَّ مع مفسدته. ويقال في القياس على القذف ما قيل في هذا من انعدام الجهتين؛ إذ ليس للقذف إلاَّ جهة واحدة محرَّمة (¬1). 9 - أنه إذا كان النكاح المنهيُّ عنه لا يصحُّ لأجل النهي فما الفرق بينه وبين الطلاق؟ وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح وصحَّحتم ما حرَّمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين (¬2). ونوقش: بأن هذا قياس مع الفارق، والفرق بين النكاح المحرَّم والطلاق المحرَّم أنَّ النكاح عقد يتضمَّن حلَّ الزوجة وملك بضعها، فلا يكون إلاَّ على الوجه المأذون فيه شرعًا، فإنَّ الأبضاع في الأصل على التحريم، ولا يباح منها إلاَّ ما أباحه الشارع، بخلاف الطلاق، فإنه إسقاط لحقِّه وإزالة لملكه، وذلك لا يتوقَّف على كون السبب المزيل مأذونًا فيه شرعًا كما يزول ملكه عن العين بالإتلاف المحرَّم وبالإقرار الكاذب وبالتبرُّع المحرَّم. وفرق آخر بين النكاح المحرَّم والطلاق المحرَّم، أنَّ النكاح نعمة فلا تُستباح بالمحرَّمات، وإزالته وخروج البضع عن ملكه نقمة فيجوز أن يكون سببها محرَّمًا. وأيضًا أنَّ الفروج يُحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق وتجديد الرجعة والعقد. وأيضًا أنَّ النكاح لا يُدخَل فيه إلاَّ بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين ورضا الزوجة المعتبَر رضاها، ويخرج منه بأيسر شيء فلا يحتاج الخروج منه إلى شيءٍ من ذلك، بل يُدخَل فيه ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 238). (¬2) زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

بالعزيمة ويُخرَج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه؟ (¬1). وأجيب عن هذه المناقشة بما يلي: أمَّا ما ذكرتموه من الفارق بين العَقدين، وأنَّ النكاح عقد يملك به البضع والطلاق عقد يخرج به فنعم، من أين لكم برهان من الله ورسوله بالفرق بين العقدين في اعتبار حُكم أحدهما والإلزام به وتنفيذه وإلغاء الآخر وإبطاله؟ أما عن قولكم: إنَّ النكاح نعمة فلا يكون سببه إلاَّ طاعة بخلاف الطلاق؛ فإنه من باب إزالة النعم فيجوز أن يكون سببه معصية. فيقال: قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يَفكُّ بها المطلِّق الغلَّ من عنقه والقيد من رجله؛ فليس كلُّ طلاقٍ نقمة، بل من تمام نعمه على عباده أن مكَّنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلَّص ممَّن لا يحبها ولا يلائمها، فلم يرَ للمتحابين مثل النكاح، ولا للمتباغضين مثل الطلاق. وأما قولكم: إنَّ الفروج يُحتاط لها فنعم، وهكذا قلنا سواء، فإنا احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهةٍ واحدة، وإن أصبنا فصوابنا من جهتين، جهة الزوج الأول وجهة الثاني، وأنتم ترتكبون أمرَين: تحريم الفرج على من كان حلالاً له بيقين وإحلاله لغيره، فإن كان خطأً فهو خطأٌ من جهتين، فتبيَّن أنَّا أولى بالاحتياط منكم. أما قولكم: إنَّ النكاح يدخل فيه بالتشديد والاحتياط، ويخرج منه بأدنى شيء، فيقال: نعم، هذا مسلَّم، ولكن لا يخرج منه إلاَّ بما نصبه الله سببًا يخرج به منه، وأذن فيه، وأما ما ينصبه المؤمن عنده، ويجعله هو ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 233، 232) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96،98).

سببًا للخروج منه فكلاَّ (¬1). 10 - أنه لو كان الطلاق المحرَّم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يُباح له الطلاق بعدها، والأمر برجعة لا فائدة فيها مما تنزَّه عنه الله ورسوله، فإنه إن كان راغبًا في المرأة فله أن يُرجعها، وإن كان راغبًا عنها فليس له أن يرتجعها، فليس في أمره برجعتها مع لزوم الطلاق له مصلحة شرعية، بل زيادة مفسدة، ويجب تنزيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الأمر بما يستلزم زيادة الفساد، والله ورسوله إنما نهيا عن الطلاق البدعي لمنع الفساد، فكيف يأمران بما يستلزم الفساد؟! (¬2). 11 - إنَّ الشارع يُحرِّم الشيء لَما فيه من المفسدة الخالصة أو الراجحة، ومقصوده بالتحريم المنع من الفساد وجعله معدومًا، فلو كان يترتَّب عليه مع التحريم من الأحكام ما يترتب على الحلال فيجعله لازمًا نافذًا كالحلال لكان ذلك إلزامًا منه بالفساد الذي قصد عدمه، فيلزم أن يكون ذلك الفساد قد أراد عدمه مع أنه ألزم الناس به، وهذا تناقض يُنزَّه عنه الشارع - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 12 - ولأنه لو كان الطلاق نافذًا في الحيض لكان الأمر بالمراجعة والتطليق بعده تكثيرًا من الطلاق البغيض إلى الله، وتقليلاً لما بقي من عدده الذي يتمكن من المراجعة معه، ومعلوم أنه لا مصلحة في ذلك (¬4). 13 - أنَّ مفسدة الطلاق الواقع في الحيض، لو كان واقعًا لا يرتفع بالرجعة والطلاق بعدها، بل إنما يرتفع بالرجعة المستمرة التي تلمُّ شعث النكاح وترفع خرقه، فأمَّا رجعة يعقبها طلاق، فلا تزيل مفسدة ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 240) انظر: تهذيب السُنن (3/ 98). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 23/24). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 25). (¬4) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 97، 98).

الطلاق الأول لو كان واقعًا (¬1). 14 - أنَّ الشارع إنما حرمه ونهى عنه لأجل المفسدة التي تنشأ من وقوعه، فإنَّ ما نهى عنه الشرع وحرَّمه لا يكون قط إلاَّ مشتملاً على مفسدة خالصة أو راجحة، فنهى عنه قصدًا لإعدام تلك المفسدة، فلو حُكم بصحته ونفوذه لكان تحصيلاً للمفسدة التي قصد الشارع إعدامها وإثباتًا لها (¬2). 15 - أنَّ لله تعالى في الطلاق المباح حُكمين: أحدهما إباحته والإذن فيه، والثاني: جعله سببًا للتخلص من الزوجة، فإذا لم يكن الطلاق مأذونًا فيه انتفى الحكم الأول، وهو الإباحة، فما الموجب لبقاء الحكم الثاني وقد ارتفع سببه؟ ومعلومٌ أنَّ بقاء الحكم بدون سببه ممتنع (¬3). 16 - أنَّ الشارع أباح للمكلَّف من الطلاق قدرًا معلومًا في زمنٍ مخصوص، ولم يُملِّكه أن يتعدَّى القدر الذي حُدَّ له، ولا الزمن الذي عُيِّنَ له، فإذا تعدَّى ما حُدَّ له من العدد كان لغوًا باطلاً، فكذلك إذا تعدَّى ما حُدَّ له من الزمان يكون لغوًا باطلاً، فكيف يكون عدوانه في الوقت صحيحًا ومعتبرًا لازمًا وعدوانه في العدد لغوًا باطلاً؟ وهذا كما أنَّ الشارع حَدَّ له عددًا من النساء مُعيَّنًا في وقتٍ معيَّن، فلو تعدَّى ما حُدَّ له من العدد كان لغوًا وباطلاً، وكذا لو تعدَّى ما حُدَّ له من الوقت، بأن ينكحها قبل انقضاء العدَّة مثلاً أو في وقت الإحرام، فإنه يكون لغوًا باطلاً؛ فقد شمل البطلان نوعي التعدي عددًا أو وقتًا (¬4). ¬

(¬1) المصدر السابق والصفحة. (¬2) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 97، 98) (¬3) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 99، 100). (¬4) المصدر السابق والصفحة.

17 - وأيضًا فالصحَّة إما أن تُفسَّر بموافقة أمر الشارع أو أن تُفسَّر بترتُّب أثر الفعل عليه، فإن فُسِّرت بالأول لم يكن تصحيح هذا الطلاق ممكنًا، وإن فُسِّرت بالثاني وجب أيضًا ألاَّ يكون العقد المحرَّم صحيحًا؛ لأنَّ ترتُّب الثمرة على العقد إنما هو بجعل الشارع العقد كذلك، ومعلوم أنه لم يُعتبَر العقد المحرَّم، ولم يجعله مُثمرًا لمقصوده كما مر (¬1). 18 - وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحَّة مع كونه مُنشِئًا للمفسدة ومشتملاً على الوصف المقتضي لتحريمه وفساده، جمع بين النقيضين، فإنَّ الصحَّة إنما تنشأ عن المصلحة، والعقد المحرَّم لا مصلحة فيه؛ بل هو منشأ لمفسدة خالصة أو راجحة، فكيف تنشأ الصحة من شيء هو منشأ المفسدة (¬2). 19 - وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحة إمَّا أن يُعلَم بنصٍّ من الشارع أو من قياسه أو من توارد عرفه في محال حُكمِه بالصحَّة، أو من إجماع الأمَّة، ولا يمكن إثبات شيءٍ من ذلك في محلِّ النزاع، بل نصوص الشرع تقتضي ردَّه وبطلانه كما تقدم، وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه، وكذلك استقراء موارد عرف الشرع في مجال الحكم بالصحَّة إنما يقتضي البطلان في العقد المحرَّم لا الصحَّة، وكذلك الإجماع؛ فإنَّ الأمَّة لم تجمع قد - ولله الحمد - على صحَّة شيءٍ حرَّمه الله ورسوله، لا في هذه المسألة، ولا في غيرها، فالحكم يستند إلى أيِّ دليل (¬3). 20 - ما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». وفي رواية: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬4). ¬

(¬1) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 100). (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر السابق. (¬4) أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (3/ 167) ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (3/ 1343).

الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض

قال ابن القيم: فهذا عام لا تخصيص له بردِّ ما خالف أمره وإبطاله وإلغاءه، فكيف يقال: بأنَّ هذا الطلاق المنهيَّ عنه والمحرَّم صحيحٌ لازمٌ نافذ (¬1). وقال الشوكاني: وهو حديثٌ صحيحٌ شاملٌ لكلِّ مسألةٍ مخالفةٍ لِما عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومسألة النزاع من هذا القبيل، فإنَّ الله لم يُشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره (¬2). الترجيح: والراجح هو القول الثاني لقوَّة أدلته وكثرتها وتظافرها في الدلالة على عدم وقوع الطلاق البدعي. الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض: وفيه جانبان: الجانب الأول: في حُكم الرجعة. الجانب الثاني: في الإجبار على الرَّجعة. الجانب الأول: في حُكم الرجعة في الطلاق البدعي: هذا وقد اختلف القائلون بوقوع الطلاق في حكم الرجعة في ذلك الطلاق على قولين: القول الأول: أنها غير واجبة وإنما ذلك مستحب: ذهب إليه الحنفية في قول (¬3)، والشافعية (¬4)، وأحمد في رواية عنه، ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 100). (¬2) نيل الأوطار (6/ 254). (¬3) رد المحتار (3/ 233). (¬4) روضة الطالبين (8/ 4) مغني المحتاج (3/ 309) حلية العلماء (7/ 23).

وهي المذهب (¬1)، والأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى (¬2). أدلَّة هذا القول: 1 - لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها، وأقل أحوال الأمر الاستحباب (¬3). 2 - ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره، وإنما أمر أباه أن يأمره، والآمر بالأمر بالشيء ليس آمرًا بذلك الشيء (¬4). ونوقش: بأنَّ النبي قال: «فليراجعها» وهذا أمر منه. وأجيب: بأنَّ المراد فليراجعها لأجل أمرك، فيكون الوجوب لأجل أمر الوالد (¬5). 3 - ولأنَّ ابتداء النكاح إذا لم يكن واجبًا فاستدامته كذلك (¬6). ونوقش: بعدم صحَّة هذا القياس؛ لأنَّ الاستدامة واجبة هنا لأجل الوقت، فإنه لا يجوز فيه الطلاق (¬7). 4 - ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرَّم الطلاق (¬8). 5 - ولأنَّ المعصية وقعت فتعذَّر ارتفاعها (¬9). ونوقش: بأن تعذُّر ارتفاع المعصية لا يصلح صارفًا للصيغة عن الوجوب لجواز رفع أثرها وهو العدَّة وتطويلها؛ إذ بقاء الشيء بقاء ما هو أثره من وجهٍ فلا تُترك الحقيقة (¬10). ثم قد يناقش: بأنه الرجعة يرتفع عنه الإثم، وهو قول جمع من أهل العلم (¬11). ¬

(¬1) المغني (10/ 328) المبدع (7/ 261) الإنصاف (8/ 450). (¬2) المغني (10/ 328) تهذيب السُنن لابن القيم (3/ 103). (¬3) المغني (10/ 328) المبدع (7/ 261). (¬4) مغني المحتاج (3/ 309). (¬5) مغني المحتاج (3/ 309). (¬6) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 103). (¬7) المصدر السابق. (¬8) المغني (10/ 228). (¬9) رد المحتار (3/ 223). (¬10) رد المحتار (3/ 223). (¬11) المغني (3/ 309).

6 - ولأنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلم تَجِب عليه الرجعة فيه، كالطلاق في طُهرٍ مسَّها فيه (¬1). القول الثاني: وجوب الرجعة: ذهب إليه الحنفية في قول (¬2)، ومالك (¬3)، وأحمد في رواية عنه (¬4)، وداود الظاهري (¬5). أدلَّة هذا القول: 1 - لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، وظاهر الأمر الوجوب (¬6). 2 - ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» (¬7) وطلاقها حال الحيض إضرارٌ بها؛ لأنه يُطوِّل عليها العدَّة، فيجب إزالته، ولا طريق إلى ذلك إلاَّ بالارتجاع (¬8). 3 - ولأنَّ الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح، واستبقاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق (¬9). 4 - ولأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فالإمساك مراجعتها في العدَّة والتسريح تركها حتى تنقضي عدتها. وإذا كانت الرجعة إمساكًا فلا ريب في وجوب إمساكها في زمن الحيض وتحريم طلاقها فتكون واجبة (¬10). ¬

(¬1) المغني (10/ 329) المبدع (7/ 261). (¬2) رد المحتار (3/ 233). (¬3) بداية المجتهد (2/ 49) الإشراف (2/ 123) الشرح الصغير (3/ 343) الكافي (1/ 472) المنتقى (3/ 67). (¬4) المغني (10/ 328) المبدع (7/ 261) الإنصاف (8/ 450). (¬5) المغني (10328) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 103). (¬6) الإشراف (2/ 123) بداية المجتهد (2/ 49) رد المحتار (3/ 223) المغني (10/ 329). (¬7) سبق تخريجه (141). (¬8) الإشراف (2/ 123). (¬9) المغني (10/ 329) تهذيب السُنن (3/ 103) المبدع (7/ 261). (¬10) المغني (10/ 328) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 103).

الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة

5 - لأنَّ الرجعة إذا تعلَّقت بضررٍ كانت تابعةً له في الثبوت والانتفاء .. ألا ترى أنَّ المعسر بالنفقة إذا طلَّق عليه فارتجع فإنَّ مراجعتها معتبَرة بيُسره، فإذا دام إعساره لم تصحَّ؛ فإنَّ إثباتها إضرار بها؟ .. كذلك المولى، فإذا ثبت ذلك وجب في هذا الموضع إذا كان في منع الرجعة خوف ضرر بها أن يُزال بارتجاعها لزوال الضرر عنها (¬1). الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة: وإذا قيل بوجوب الرجعة، فهل يُجبَر على رجعتها أو لا؟ أطلق الأكثرون القول بوجوب الرجعة، ولم يتعرَّضوا للإجبار، في حين ذهب مالك (¬2)، وداود (¬3)، إلى القول بالإجبار. وقد ذهب المالكية إلى إجباره على الرجعة إذا كان الطلاق رجعيًّا، ويستمرُّ الجبر إلى آخر العدَّة، فإن خرجت من العدة بانت. وقال أشهب: يُجبَر ما لم تطهر من الحيضة الثانية، لأنه عليه الصلاة والسلام أباح في هذه الحالة طلاقها، فلا معنى لإجباره في هذه الحالة (¬4). والأمر بارتجاعها حق لله تعالى فيجبره الحاكم، وإن لم تقُم المرأة بحقِّها في الرجعة، فإنْ أبَى من الرجعة هُدِّد بالسجن، ثم إن أبى سُجِن بالفعل، ثُم إن أبى هُدِّد بالضرب، ثم إن أبى ضرب بالفعل، يفعل ذلك كلَّه بمجلسٍ واحد، فإن أبى الارتجاع ارتجع الحاكم بأن يقول: ارتجعتها لك. ¬

(¬1) الإشراف (2/ 123). (¬2) انظر: بداية المجتهد (2/ 49) الإشراف (2/ 123) الشرح الصغير (3/ 344) الكافي (1/ 472). (¬3) انظر المغني (10/ 328). (¬4) الشرح الصغير (343، 344) المنتقى (3/ 98).

المطلب الثاني وطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول

وجاز به، أي: بارتجاع الحاكم الوطء والتوارث، وإن لم ينوِها الزوج، لأنَّ نية الحاكم قائمة مقام نيته (¬1). المطلب الثاني وطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول اختلف أهل العلم في المطلقة البائن يطأها الزوج الثاني، وهي حائض هل يحصل بذلك الإحلال على قولين: القول الأول: أنها لا تحلُّ له بذلك: ذهب إليه المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). 1 - لأنه وطء حرام لحقِّ الله تعالى، فلم يحصل به الإحلال، كوطء المرتدَّة (¬4). ونُوقش: بالفارق؛ لأنَّ المرتدَّة ليست في العصمة بخلاف هذه. القول الثاني: أنها تحلُّ بذلك: ذهب إليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، واختاره ابن قدامة من الحنابلة (¬7). 1 - لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) الشرح الصغير (3/ 429). (¬3) المغني (10/ 551) الشرح الكبير (4/ 535). (¬4) المغني (10/ 551) الشرح الكبير (4/ 535). (¬5) رد المحتار (3/ 414). (¬6) ذكره لهم ابن قدامة في المغني (10/ 551). (¬7) المغني (10/ 551).

وهذه قد نكحت زوجًا غيره (¬1). 2 - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (¬2) وهذا قد وجد (¬3). 3 - ولأنه وطء في نكاح صحيح في محلِّ الوطء، على سبيل التمام فأحلَّها كالوطء الحلال، وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة، أو وطئها مريضة يضرُّها الوطء (¬4). الترجيح: والراجح هو القول الثاني، لقوَّة دليله في مقابل ضعف ما ذكره الأوَّلون، بعدم صحَّة ما استدلُّوا به من القياس. ¬

(¬1) المغني (10/ 551) الشرح الكبير (4/ 535). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب إذا طلقها ثلاثًا ثم تزوجت بعد العدة زوجًا غيره فلم يمسها (6/ 182) ومسلم في كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره ويطأها (2/ 1056). (¬3) المغني (10/ 551) الشرح الكبير (4/ 535) رد المحتار (1/ 414). (¬4) رد المحتار (1/ 414).

المبحث الثامن في الخلع في الحيض

المبحث الثامن في الخلع في الحيض وإذا كان أهل العلم قد اتَّفقوا على تحريم الطلاق زمن الحيض، فقد اختلفوا في الخلع فيه على قولين: القول الأول: أنه لا يجوز: ذهب إليه المالكية (¬1)، وهو قول جمع من فقهاء السلف (¬2). الاستدلال: 1 - لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وهذا مطلَق. 2 - ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أنكر الطلاق في الحيض لم يستفصل. القول الثاني: أنه يجوز: ذهب إليه الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشافعية (¬5)، وقال ابن تيمية إنه قول أكثر أهل العلم (¬6). الاستدلال: 1 - قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]. وهذا مطلق (¬7). ¬

(¬1) الشرح الصغير (3/ 343). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 21). (¬3) رد المحتار (3/ 234). (¬4) المغني (10/ 269) كشاف القناع (1/ 198). (¬5) مغني المحتاج (3/ 308) المهذب وتكملة المجموع (17/ 13). (¬6) مجموع الفتاوى (33/ 21). (¬7) مغني المحتاج (3/ 308).

2 - ولأنَّ ضرر تطويل العدَّة عليها، والخلع يحصل بسؤالها، فيكون رضًا منها به، ودليلاً على رجحان مصلحتها فيه (¬1). 3 - ولأنَّ المنع من الطلاق في الحيض للضرر الذي يلحقها بتطويل العدة، والخلع جعل للضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والتقصير في حقِّ الزوج والضرر بذلك أعظم من الضرر بتطويل العدَّة، فجاز دفع أعظم الضَّررين بأخفهما (¬2). 3 - واستدلَّ ابن تيمية لهذا القول: 1 - بأنَّ الخلع ليس بطلاق، بل فرقة بائنة، وهو في أحد قولي العلماء تُستبرأ فيه بحيضة فلا عدَّة عليها (¬3). 2 - ولأنها تملك نفسها بالاختلاع فلهما فائدة في تعجيل الإبانة لرفع الشرع الذي بينهما بخلاف الطلاق الرجعي، فإنه لا فائدة في تعجيله قبل وقته، بل ذلك شرٌّ بلا خير (¬4). الترجيح: والراجح هو القول الثاني لقوَّة أدلَّته وتظافرها، وأقواها ولا شكَّ ما ذكره ابن تيمية من أنه لا عدَّة عليها وإنما هو استبراء بحيضة واحدة (¬5). ¬

(¬1) المغني (3/ 269) مغني المحتاج (3/ 308) كشاف القناع (1/ 198). (¬2) المغني (10/ 269) تكملة المجموع (17/ 13). (¬3) مجموع الفتاوى (33/ 21). (¬4) المصدر السابق. (¬5) انظر: الكلام في عدة المختلعة من هذا البحث.

المبحث التاسع في الأحكام المتعلقة بالإيلاء

المبحث التاسع في الأحكام المتعلقة بالإيلاء وفيه مطلبان: المطلب الأول: في احتساب أيام الحيض من أجل المولى. المطلب الثاني: في حصول الفيئة من المولي بالوطء حال الحيض. المطلب الأول عدم احتساب وقت الحيض من مدة الإيلاء إذا آلى (¬1) الرجل من امرأته ضُربت له المدَّة التي حَكم بها سبحانه وتعالى بقوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227]. فإن قام بالزوجة مانع من الوطء لم يحتسب على الزوج من المدَّة، وقد استثنى من ذلك الحيض فإنه يحتسب عليه، ولا يمنع ضرب المدَّة إذا كان موجودًا وقت الإيلاء (¬2) لأنه لو مُنع لم يمكن ضرب المدَّة، لأنَّ الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر، فيؤدِّي ذلك إلى إسقاط حُكم الإيلاء (¬3). ¬

(¬1) الإيلاء شرعًا: حلف الزوج على ترك وطء زوجته مدة تزيد على أربعة أشهر. انظر المطلع (343). (¬2) انظر: حلية العلماء (7/ 146) روضة الطالبين (8/ 253) مغني المحتاج (3/ 349) المغني (11/ 34) البدع (8/ 61) كشاف القناع (1/ 199). (¬3) المبدع (8/ 61) كشاف القناع (1/ 199).

المطلب الثاني حصول الفيئة من المولي بالوطء حال الحيض

المطلب الثاني حصول الفيئة من الْمُولِي بالوطء حال الحيض. إذا آلى الزوج من زوجته ثم وطئها قبل انتهاء المدَّة وهي حائض، فهل يخرج من الإيلاء بذلك؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: أنه يحنث: فيخرج من حُكم الإيلاء بذلك: ذهب إليه الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). لأنَّ يمينه انحلَّت، ولم يبقَ مُمتنعًا من الوطء بحكم اليمين، فلم يبقَ الإيلاء كما لو كفر عن يمينه أو كما لو وطئها مريضة (¬3). القول الثاني: أنه لا يخرج من الإيلاء. اختاره أبو بكر من الحنابلة، وذكر أنه قياس المذهب (¬4). لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الإيلاء، كالوطء في الدبر. ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ الوطء في الدبر لا يُحنث به، وليس بمحلاً للوطء بخلاف مسألتنا (¬5). الترجيح: والراجح هو القول الأول، لقوَّة دليله. ¬

(¬1) ذكره لهم صاحب المغني (11/ 33). (¬2) المغني (11/ 33) الشرح الكبير (4/ 557). (¬3) المغني (11/ 33) الشرح الكبير (4/ 557). (¬4) المصادر السابقة. (¬5) المغني (11/ 34).

المبحث العاشر في الأحكام المتعلقة بالعدة

المبحث العاشر في الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة (¬1) وفيه مطلبان: المطلب الأول: فيما اتفق عليه من أمر المعتدة التي تحيض. المطلب الثاني: ما وقع فيه الخلاف من أمر العدة. المطلب الأول ما وقع فيه الاتفاق 1 - اتفق أهل العلم على وجوب العدَّة على المطلقة إذا كانت مدخولاً بها، وأنها تُعتد بالأقراء إذا كانت من أهل الأقراء، أي: ممَّن تحيض (¬2). وذلك لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. ب- كما أجمع أهل العلم على أنَّ الصَّبية، أو البالغ المطلقة التي لم تحض إن حاضت قبل انقضاء الشهور الثلاثة بيوم، أو أقل من يوم، أنَّ عليها استئناف العدَّة بالحيض (¬3). ¬

(¬1) العدَّة: تربص، أي انتظار ووقف يلزم المرأة مدة معلومة، بعد زوال النكاح أو شبهه، انظر: أنيس الفقهاء (167) البناية (4/ 767). (¬2) الإجماع لابن المنذر (109) مراتب الإجماع لابن حزم (76) المغني (11/ 194، 199) بداية المجتهد (2/ 66). (¬3) الإجماع لابن المنذر (109) والإشراف له (4/ 285).

المطلب الثاني ما وقع فيه الخلاف

ج- هذا وقد ذهب عامة القائلين بوقوع الطلاق في الحيض إلى أنَّ الحيضة التي تُطلَّق فيها لا تُحتسب من عدَّتها (¬1)، وذلك: 1 - لأنَّ الله تعالى أمر بثلاثة قروء، فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلَّق فيها لم يبقَ منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة، فلا يُعتدُّ بها. 2 - ولأنَّ الطلاق إنما حرم في الحيض لِما فيه من تطويل العدَّة عليها، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءًا، كان أقصر لعدتها، وأنفع لها، فلم يكن مُحرَّمًا (¬2). المطلب الثاني ما وقع فيه الخلاف وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: في المراد بـ «الأقراء». المسألة الثانية: في عدَّة الأمَّة ذات الأقراء. المسألة الثالثة: في عدَّة المختلعة. المسألة الأولى في المراد بـ «الأقراء»: اختلف أهل العلم في المراد بالأقراء في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] على قولين: القول الأول: أنها الحيض: ذهب إليه الحنفية (¬3)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬4). ¬

(¬1) المغني (11/ 203) بداية المجتهد (2/ 68). (¬2) المغني (11/ 203). (¬3) رد المحتار (3/ 505) فتح القدير (4/ 308) البناية (4/ 770). (¬4) المغني (11/ 200) الإنصاف (9/ 279) المبدع (8/ 177).

وهو قول جمع من فقهاء السلف منهم: علقمة والأسود، وإبراهيم النخعي، وشريح، والشعبي، والحسن، وقتادة وسعيد بن جبير، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وإسحاق، وأبو عبيد، والثوري، والعنبري، والأوزاعي، والحسن بن حي، وابن شبرمة وربيعة، ومجاهد، ومقاتل والضحاك وعكرمة والسدي وإسحاق (¬1). وروي عن جمع من فقهاء الصحابة منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وابن عباس، ومعاذ بن جبل، ومعبد الجهني، وعبد الله بن قيس (¬2). الأدلَّة (¬3): 1 - قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. فظاهر الآية وجوب التربُّص ثلاثة كاملة، ومن جعل القروء الأطهار لم يوجب ثلاثة؛ لأنه يكتفي بطُهرَين وبعض الثالث، فيخالف ظاهر النصِّ، ومن جعله الحيض أوجب ثلاثة كاملة، فيوافق ظاهر النصِّ، فيكون أولى من مخالفته (¬4). 2 - قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. ¬

(¬1) المغني (11/ 220) زاد المعاد (5/ 600) المحلى (11/ 629). (¬2) المغني (11/ 200) زاد المعاد (5/ 600) فتح القدير (4/ 308) البناية (4/ 770). (¬3) وسأذكر الأدلَّة دون ما ورد عليها من مناقشات تجنُّبًا للإطالة، حيث إنَّ المسألة من أمهات مسائل الخلاف، وقد أطال الكلام عليها ابن القيم في الهدي، فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه (5/ 600 - 650). (¬4) المغني (1/ 202) العناية (4/ 311) زاد المعاد (5/ 604) النهاية (4/ 771) بداية المجتهد (2/ 67) المبدع (7/ 117).

وجه الاستدلال: أنَّ الله نقلهنَّ عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر، فدلَّ ذلك على أنَّ الأصل الحيض (¬1) كما قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6]. 3 - قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وهذا هو الحمل والحيض عند عامة المفسرين، والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي. ولهذا قال السلف والخلف، هو الحمل والحيض، وقال بعضهم: الحمل، ولم يقل أحد قط: إنه الطهر (¬2). 4 - ولأنَّ لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلاَّ للحيض (¬3)، ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر، فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل متعين (¬4). 5 - ما جاء في حديث ابن عباس: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: «خير بريرة، فاختارت نفسها، وأمرها أن تعتدَّ عدَّة الحرَّة فكانت عدَّة الحرَّة هي الثلاث الحيض» (¬5). ومن حديث عائشة: «أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض» (¬6). ¬

(¬1) المغني (2/ 201) زاد المعاد (5/ 611) فتح القدير (4/ 311). (¬2) زاد المعاد (5/ 610). (¬3) ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - للمستحاضة «دعي الصلاة أيام أقرائك». أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر (1/ 208) والترمذي في كتاب الطهارة، باب المستحاضة تتوضَّأ لكلِّ صلاة (1/ 220) وابن ماجة في كتاب الطهارة باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها (1/ 204). (¬4) انظر: المغني (1/ 201) زاد المعاد (5/ 609) المبدع (8/ 117) السيل الجرار (2/ 380). (¬5) أخرجه أحمد في المسند (2542، 3405). قال الشوكاني: ورجاله رجال الصحيح السيل الجرار (1/ 381). (¬6) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب خيار الأمة إذا أُعتِقت (1/ 671) قال في الزوائد إسناده صحيح ورجال موثوقون .. وكذا قال الشوكاني في السيل الجرار (1/ 381).

ووجه الاستدلال: ظاهر. 6 - أمره - صلى الله عليه وسلم - للمختلعة أن تعتدَّ بحيضة. أ- فأخرج النسائي من حديث الربيع بنت معوذ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة ثابت بن قيس بن شماس لَمَّا اختلعت من زوجها أن تتربَّص حيضة واحدة وتلحق بأهلها (¬1). ب- وفي سُنن أبي داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي أن تعتد بحيضة» (¬2). ج- وفي الترمذي: «أنَّ الربيع بنت معوذ اختلعت على عهد رسول الله من زوجها فأمرها النبي - أو أمرت - أن تعتد بحيضة» (¬3). 7 - ويدل له حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «طلاق الأمَّة تطليقتان، وعدتها حيضتان» (¬4). ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «طلاق الأمة اثنتان، وعدتها حيضتان» (¬5). ¬

(¬1) أخرجه النسائي في كتاب الطلاق، باب عدة المختلعة (6/ 497) وسنده حسن. (¬2) أخرجه أبوداود في كتاب الطلاق، باب الخلع (2/ 670) والترمذي في الطلاق، باب ما جاء في الخلع (3/ 482) ورجاله ثقات. (¬3) أخرجه الترمذي في الطلاق، باب ما جاء في الخلع (2/ 482) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود في الطلاق، باب سُنة طلاق العبد (2/ 639) وقال: وهو حديث مجهول، وابن ماجة في الطلاق، باب في طلاق الأمة وعدتها (1/ 672) والترمذي في الطلاق باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان (3/ 489). وقال عقبة: حديث عائشة حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلاَّ من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث. (¬5) أخرجه ابن ماجة في الموضع السابق (1/ 272) قال في الزوائد: إسناد حديث ابن عمر فيه عطية العوفي متفق على تضعيفه، وقد صح من قول ابن عمر، أخرجه مالك في الموطأ (2/ 574).

8 - أنَّ الاستبراء عدَّة مختصرة، فكان النصُّ على الحيض فيه معنويًّا لكون عدة الحرائر بالحيض لا بالطهر (¬1). وقد ثبت عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» (¬2). 9 - ولأنَّ العدةَّ استبراء فكانت بالحيض، كاستبراء الأمة، وذلك لأنَّ الاستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل والذي يدلُّ عليه الحيض فوجب أن يكون الاستبراء به (¬3). 10 - ولأنَّ العدَّة تتعلَّق بخروج خارج من الرحم، فوجب أن تتعلَّق بالطهر كوضع الحمل، يُحقِّقه أنَّ العدَّة مقصودها معرفة براءة المرأة من الحمل فتارة تحصل بوضعه، وتارة بما ينافيه، وهو الحيض الذي لا يتصوَّر وجوده معه (¬4). 11 - أنَّ الأدلَّة والعلامات، والحدود والغايات، إنما تحصل بالأمور الظاهرة المتميِّزة عن غيرها، والطهور هو الأمر الأصلي، ولهذا متى كان مستمرًا مُستصحبًا لم يكن له حُكم يفرد به في الشريعة، وإنما الأمر المتميِّز هو الحيض، فإنَّ المرأة إذا حاضت تغيَّرت أحكامها من بلوغها وتحريم العبادات عليها من الصلاة، والصوم، والطواف، وغير ذلك. ¬

(¬1) المغني (1/ 201) زاد المعاد (5/ 612) السيل الجرار (1/ 682) فتح القدير (4/ 311). (¬2) أخرجه أحمد في المسند (3/ 62، 87) وأبو داود في النكاح، باب وطء السبايا (2/ 614) وسكت عنه، والحاكم (2/ 195) وصحَّحه وقد صحَّحه الألباني كما في الإرواء (7/ 214). (¬3) المغني (11/ 202) فتح القدير (4/ 311) النيابة (4/ 772) المبدع (8/ 117) زاد المعاد (5/ 612). (¬4) المغني (11/ 202).

ثم إذا انقطع الدم واغتسلت فلم تتغيَّر أحكامها بتجدُّد الطهر، لكن لزوال المغير الذي هو الحيض، فإنها تعود بعد الطهر إلى ما كانت عليه قبل الحيض من غير أن يجدَّد لها الطهر حُكمًا، و «القرء» أمر يُغير أحكام المرأة، وهذا التغير إنما يحصل بالحيض دون الطهر (¬1). القول الثاني: أنها الأطهار: ذهب إليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وأحمد في رواية عنه (¬4)، والظاهرية (¬5). وهو قول جمع من فقهاء السلف منهم: الفقهاء السبعة، وأبان بن عثمان، والزهرين وعمر بن عبد العزيز، وأبو ثور (¬6). وروي عن زيد بن ثابت، وعائشة، وعبد الله بن عمر (¬7). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. أي: في عدَّتهنَّ، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]. أي: في يوم القيامة. ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 615). (¬2) الكافي (1/ 516) الإشراف (2/ 166) بداية المجتهد (2/ 67) المنتقى (3/ 94) الشرح الصغير (3/ 516). (¬3) روضة الطالبين (8/ 366) مغني المحتاج (3/ 385) حلية العلماء (7/ 316). (¬4) المغني (11/ 200) الإنصاف (9/ 279) المبدع (8/ 117) زاد المعاد (5/ 601). (¬5) المحلى (11/ 623). (¬6) المغني (11/ 201) زاد المعاد (5/ 601) المحلى (11/ 624) وما بعدها، بداية المجتهد (2/ 67) البناية (4/ 770). (¬7) المحلى (11/ 629) المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 601).

وإنما أمر بالطلاق في الطهر لا في الحيض (¬1)، ويدلُّ عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر: «مُره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء طلَّق، وإن شاء أمسك، فتلك العدَّة التي أمر الله تعالى أن تُطلق لها النساء» (¬2). فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ العدَّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هي الطهر الذي بعد الحيضة، ولو كان القرء هو الحيض، كان طلقها قبل العدَّة لا في العدَّة (¬3). 2 - أنَّ اللسان يدلُّ على ما ذهبنا إليه ومن ذلك. أ- أنَّ «القرء» اسم وُضِع لمعنى، فلمَّا كان الحيض دمًا يرخيه الرحم فيخرج، والطهر دم يُحتبس فلا يخرج، وكان معروفًا من لسان العرب، أنَّ القرء: الحبس. تقول العرب: «هو يقري الماء في حوضه»، وفي سقائه، وهذا يدلُّ على أنَّ المراد بـ «القرء» الطهر (¬4). ب- أن هذا الجمع خاص بالقرء الذي هو الطهر، وذلك أنَّ القرء الذي هو الحيض يُجمع على «أقراء» لا على «قروء» (¬5). ج- أنَّ الحيضة مؤنثة، والطهر مذكَّر، فلو كان القرء الذي يُراد به الحيض لَما ثبت في جمعه الهاء؛ لأنَّ الهاء لا تثبت في جمع المؤنَّث فيما دُون العشرة (¬6). ¬

(¬1) المغني (1/ 200) بداية المجتهد (2/ 67) زاد المعاد (5/ 615) الإشراف (2/ 166). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) زاد المعاد (5/ 66) الأم (5/ 209) بداية المجتهد (2/ 68) المغني (11/ 200) مغني المحتاج (3/ 385). (¬4) بداية المجتهد (2/ 67) زاد المعاد (5/ 617) الإشراف (2/ 166) مغني المحتاج (3/ 385). (¬5) بداية المجتهد (2/ 67). (¬6) بداية المجتهد (2/ 67).

3 - من المعقول: أ- أنها عدَّة عن طلاقٍ مجرَّد مباح، فوجب أن يُعتبر عُقَيب الطلاق، كعدَّة الآيسة والصغيرة (¬1). ب- ولأنه زمانٌ يجوز إيقاع الطلاق فيه فوجب أن يكون مُعتدَّا فيه، أصله الحمل (¬2). الترجيح: والراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنَّ المراد بها الحيض؛ لقوَّة ما بُنِي عليه من استدلال، ومن أهمها ولا شكّ توارد كلمات الشارع على استعمالها في الحيض. وكذا اتفاق كلمة هذا الجمع الكبير من فقهاء الصحابة. مسائل مترتبة على كلِّ قول: أولاً- عند القائلين بأنها الحيض. وعلى القول بأنَّ المراد بها «الحيض» لا تنقضي العدة حتى تنقضي الحيضة الثالثة، وهل تنقضي بمجرَّد الطهر؟ اختلف هؤلاء على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها تنقضي عدَّتها بمجرَّد طهرها من الحيضة الثالثة. ذهب إليه الشافعي في القديم (¬3)، وأحمد في رواية عنه (¬4). والأزواعي وسعيد بن جبير (¬5). ¬

(¬1) المغني (11/ 201). (¬2) الإشراف (2/ 166). (¬3) المغني (11/ 205) زاد المعاد (5/ 603) حيث كان يقول: الإقراء الحيض. (¬4) المغني (11/ 205) زاد المعاد (5/ 603) المبدع (8/ 118). (¬5) المغني (11/ 205) زاد المعاد (5/ 603).

الأدلَّة: 1 - لأنَّ الله تعالى قال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وقد كملت القروء بدليل وجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها (¬1). 2 - ولأنه لم يبقَ في حُكم العدَّة في الميراث، ووقوع الطلاق بها، واللعان، والنفقة فكذلك فيما نحن فيه (¬2). القول الثاني: إنها لا تنقضي عدَّتها حتى تغتسل. ذهب إليه أبو حنيفة فيما إذا انقطع الدم لأكثر الحيض (¬3)، وأحمد في الرواية الثانية عنه (¬4)، وسعيد بن المسيب، وشريك، وإسحاق (¬5)، وهو المشهور عن أكابر الصحابة؛ منهم: عمر وعلي وابن مسعود وأبو بكر وعثمان وأبو موسى وعبادة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وابن عباس (¬6). الأدلَّة: 1 - لأنه قول الأكابر من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم فكان إجماعًا (¬7). 2 - ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض (¬8). ¬

(¬1) المغني (11/ 205) المبدع (8/ 118). (¬2) المغني (11/ 205) المبدع (8/ 118). (¬3) فتح القدير (4/ 167) البناية والهداية (4/ 601) (¬4) المغني (11/ 205) زاد المعاد (5/ 603) المبدع (8/ 118). (¬5) المغني (11/ 205). (¬6) المغني (11/ 205) فتح القدير (4/ 308). (¬7) المغني (11/ 205) المبدع (8/ 118). (¬8) المغني (11/ 205) المبدع (8/ 118).

واحتجَّ للحنفية: بأنّ الحيض عندهم لا يزيد على عشرة أيام، فبمجرَّد الانقطاع خرجت من الحيض فانقطعت العدَّة وانقطعت الرجعة (¬1). القول الثالث: أنها في عدَّتها، ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها. ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬2)، والثوري (¬3)،، وهو قول أبي حنيفة، لكن إذا انقطع الدم لأقل الحيض (¬4). دليل هذا القول: لم أجد لِما ذهب إليه أحمد في هذه الرواية من دليل، ولعلَّه نظر إلى أنها قد تتعمَّد إطالة العدَّة بترك الاغتسال، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلاَّ تركها صلاة وقت. أما الحنفية فقالوا: إنها فيما دون العشر يُحتمل عوده الدم، فلا بدَّ أن يُعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال، أو بلزوم حُكم من أحكام الطاهرات بمضيِّ وقت الصلاة (¬5). الترجيح: ولعلَّ الراجح هو القول الثاني من أنها لا تنقضي عدَّتها حتى تغتسل، بلا فرق بين أن ينقطع دمها لأقل مدَّة أو أكثرها، لقوَّة ما بُنِيَ عليه من استدلال، خاصة اتفاق كلمة أكابر فقهاء الصحابة على ذلك، ولأنها ما تزال في حكم الحيض في منعها من الصلاة ومنع الجماع والطواف وغير ذلك، إلاَّ أنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يعرف منها قصد إطالة العدة. ¬

(¬1) فتح القدير والهداية (4/ 167) البناية (4/ 602) المغني (11/ 205). (¬2) المغني (11/ 205) زاد المعاد (5/ 603). (¬3) المصادر السابقة. (¬4) البناية والهداية (4/ 601) فتح القدير (4/ 167). (¬5) المصادر السابقة.

ثانيًا- ما يترتَّب على القول بأنها الأطهار. وعلى القول بأنها الأطهار إذا طلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة (¬1). وإن طلَّقها حائضًا - وقيل بوقوعه - فقد اختلف هؤلاء في وقت انتهاء العدَّة على قولين: القول الأول: أنها تنقضي برؤية الدم من الحيضة الرابعة. ذهب إليه مالك (¬2)، والشافعي في ظاهر مذهبه (¬3)، والحنابلة (¬4)، وإليه ذهب القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وأبان بن عثمان، وأبو ثور (¬5). الأدلَّة: 1 - لأنَّ الله جعل العدة ثلاثة قروء، فالزيادة عليها مخالفة للنصِّ، فلا يُعوّل عليه (¬6). 2 - ولأنَّ الظاهر أنه حيض (¬7). 3 - ولأنه قول جمع من الصحابة منهم: زيد، وابن عمر، وعائشة (¬8). ¬

(¬1) الكافي (1/ 516) المهذب (2/ 144) روضة الطالبين (8/ 367) المغني (11/ 205). (¬2) الكافي (1/ 516) الشرح الصغير (3/ 523). (¬3) روضة الطالبين (8/ 367) مغني المحتاج (3/ 385) حلية العلماء (7/ 317) المهذب (2/ 144). (¬4) المغني (11/ 205). (¬5) المغني (11/ 205). (¬6) روضة الطالبين (8/ 367) المغني (11/ 205). (¬7) روضة الطالبين (8/ 367). (¬8) الأثر عن زيد أخرجه مالك في الموطأ باب ما جاء في الأقراء، وعدة الطلاق، وطلاق الحائض من كتاب الطلاق (2/ 577) والشافعي في المسند في كتاب الطلاق باب العدة (2/ 59) والبيهقي في السُنن الكبرى، كتاب العدد (7/ 415). والأثر عن ابن عمر، وعائشة، عزاه ابن قدامة للأثرم بإسناده، المغني (11/ 205).

القول الثاني: أنها لا تنقضي حتى يمضي من الدم يوم وليلة. ذهب إليه الشافعي في القول الآخر (¬1)، وحكاه القاضي احتمالاً في مذهب الحنابلة (¬2). الأدلَّة: 1 - لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا نحكم بانقضاء العدَّة حتى يزول الاحتمال (¬3). ونوقش: بأنه قد حُكِم بكونه حيضًا في ترك الصلاة، وتحريمها على الزوج، وسائر أحكام الحيض فكذلك في انقضاء العدَّة (¬4). القول الثالث: أنها إن حاضت للعادة انقضت العدة بالطعن في الحيضة، وإن حاضت لغير العادة بأن كانت عادتها ترى الدم في عاشر الشهر فرأته في أوله لم تنقضِ حتى يمضي عليها يوم وليلة. ذهب إليه الشافعية في وجه (¬5). هذا وقد اختلف القائلون بأنَّ القرء: الطهر، في احتساب القرء الذي طلقها فيه قرءًا على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها تحتسب به. ذهب إليه عامة القائلين بأنها الطهر (¬6). ¬

(¬1) روضة الطالبين (8/ 367) مغني المحتاج (3/ 385) حلية العلماء (7/ 317) المهذب (2/ 144). (¬2) المغني (11/ 205). (¬3) المغني (11/ 205). (¬4) المغني (11/ 205). (¬5) روضة الطالبين (8/ 367) حلية العلماء (7/ 317). (¬6) الكافي (1/ 516) الشرح الصغير (3/ 523) روضة الطالبين (8/ 366) مغني المحتاج (3/ 385). المغني (11/ 205) المحلى (11/ 623).

1 - لأنَّ الطلاق إنما حرم في الحيض دفعًا لضرر تطويل العدة عليها، فلو لم يحتسب ببقية الطهر قرءًا، كان الطلاق في الطهر أضرَّ بها وأطول عليها (¬1). 2 - ولأنَّ بعض الطُّهر وإن قلَّ يصدق عليه اسم «قرء»، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وإنما هو شهران وبعض الثالث (¬2). القول الثاني: أنها لا تحتسب به، فتعتدُّ بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلَّقها فيه. ذهب إليه الزهري (¬3). كما لا تُحتسب ببقية الحيضة عند من يقول: «القرء» الحيض (¬4). القول الثالث: أنه إن كان جامعها في ذلك الطهر، لم تحتسب ببقيته وإلاَّ احتسبت. ذهب إليه أبو عبيد (¬5). لأنه زمن حُرم فيه الطلاق، فلم يحتسب به من العدَّة، كزمن الحيض (¬6). ونوقش: بأنه لا يصح؛ لأنَّ تحريم الطلاق في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته فلا يجوز أن تجعل العلَّة في عدم الاحتساب تحريم الطلاق، فتصير العلَّة معلولاً وإنما تحريم الطلاق في الطُهر الَّذي أصابها فيه، لكونها مرتابة ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها (¬7). ¬

(¬1) المغني (11/ 23). (¬2) مغني المحتاج (3/ 385). (¬3) المغني (11/ 203) زاد المعاد (5/ 602). (¬4) زاد المعاد (5/ 602). (¬5) المغني (11/ 203)، زاد المعاد (5/ 602) حلية العلماء (7/ 317). (¬6) المغني (11/ 203)، حلية العلماء (7/ 317). (¬7) المغني (11/ 203).

المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض

المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض: فقد اختلف أهل العلم في قدر عدَّتها على قولين: القول الأول: أنها قراءة على اختلافهم في فهم القرء: ذهب إليه جمهور أهل العلم (¬1). الأدلَّة: 1 - ما رُوي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» (¬2). ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف لضعف إسناده، فلا يصلح للاحتجاج (¬3). 2 - ولأنه قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعًا (¬4). ونوقش: بأنَّ دعوى الإجماع تخالف ما صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أنَّ عدَّة الأمَة التي لم تبلغ ثلاثة أشهر» (¬5). وصحَّ ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، والحسن، وربيعة، والليث والزهري، ومالك وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في قول. ومعلوم أنَّ الأشهر في حقَّ الآيسة والصغيرة بدل عن الأقراء الثلاثة، ¬

(¬1) الإشراف لابن المنذر (4/ 291) الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2/ 169) بداية المجتهد (2/ 70). المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 651) حلية العلماء (7/ 328). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) انظر تخريجه وكذا المحلى (11/ 630، 715). (¬4) المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 654). (¬5) أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 714).

فدلَّ على أن بدلها في حقِّها ثلاثة (¬1). وأجيب: بأنَّ القائلين بهذا هم بأنفسهم القائلون: إنَّ عدَّتها حيضتان، وقد أفتوا بهذا وهذا، ولهم في الاعتداد بالأشهر ثلاثة أقوال: أحدها: أنها شهران. ذهب إليه الشافعي في قول (¬2)، وأحمد في رواية عنه (¬3)، وروي عن عمر، وهو قول عطاء، والزهري، وإسحاق (¬4). وحجَّة هذا القول: أنَّ عدتها بالأقراء حيضتان، فجعل كلّ شهر مكان حيضة (¬5). والقول الثاني: أنَّ عدّتها شهر ونصف: ذهب إليه أبو حنيفة (¬6)، والشافعي في قول (¬7)، وأحمد في رواية عنه، وسعيد بن المسيب (¬8)، وهو قول علي وابن عمر (¬9). وحجة هذا القول: 1 - أنَّ التصنيف في الأشهر ممكن، فتنصفت بخلاف القروء. ونظير هذا: أنَّ المحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مُدٍّ ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 655). (¬2) روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326). (¬3) زاد المعاد (5/ 655)، المغني (11/ 209). (¬4) المغني (11/ 209)، زاد المعاد (5/ 655). والأثر عن عمر أخرجه البيهقي في باب عدَّة الأمَة (7/ 425). (¬5) زاد المعاد (5/ 655) المغني (11/ 209). (¬6) البناية (4/ 775). (¬7) روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326). (¬8) المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655). (¬9) أخرجهما ابن أبي شيبة في كتاب الطلاق، باب كم عدة الأمة إذا طلقت (5/ 166، 167).

أخرجه، فإن أراد الصيام مكانه لم يجزه إلاَّ صوم يومٍ كامل (¬1). 2 - ولأنها معتدَّة بالشهور فكانت على النصف من عدَّة الحرة كالمتوفِّي عنها (¬2). والقول الثالث: أنَّ عدَّتها ثلاثة أشهر كوامل: ذهب إليه مالك (¬3)، والشافعي في قول (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، ورُوِي عن عمر، وجمع من فقهاء السلف؛ منهم: الحسن، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، ويحيى الأنصاري، وربيعة (¬6). 1 - لعموم (¬7) قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]. والفرق عند هؤلاء بين اعتدادها بالأقراء، وبين اعتدادها بالشهور، أنَّ الاعتبار بالشهور للعلم ببراءة رحمها، وهو لا يحصل بدون ثلاثة أشهر في حقِّ الحرَّة والأمَة جميعًا، لأنَّ الحمل يكون نُطفة أربعين يومًا، ثم علَّقة أربعين يومًا، ثم مضغة أربعين وهو الطور الثالث الذي يمكن أن يظهر فيه الحمل، وهو بالنسبة إلى الحرَّة والأمَة سواء بخلاف الأقراء، فإنَّ الحيضة الواحدة علم ظاهر على الاستبراء، ولهذا اكتفى بها في حقِّ المملوكة، فإذا زوِّجت فقد أخذت شُبهًا من الحرائر، وصارت أشرف من ملك اليمين، فجعلت عدَّتها بين العدتين (¬8). ¬

(¬1) المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655). (¬2) المغني (11/ 209). (¬3) الكافي (1/ 516). (¬4) روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 327). (¬5) المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655). (¬6) المغني (11/ 209). (¬7) المغني (11/ 210). (¬8) زاد المعاد (5/ 655، 656) المغني (11/ 210).

الدليل الثالث: من أدلة الجمهور: 3 - ولأنه معنى ذو عدد، يُبنى على التفاضل، فلا تساوي فيه الأمة الحرَّة كالحدِّ (¬1). وقد روى هذا المعنى عن ابن مسعود من قوله: يكون عليها نصف العذاب، ولا يكون لها نصف الرخصة (¬2). ونُوقش من أوجه: الوجه الأول: أن الأثر لا يصحُّ، لأنه منقطع؛ إذ هو عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ولم يسمع إبراهيم من عبد الله (¬3). وأجيب بعدم التسليم بالانقطاع: لقول إبراهيم: إذا قلت "قال عبد الله"، فقد حدَّثني غير واحد عنه، وإذا قلت: "قال فلان عنه"، فهو عمَّن سمَّيت. ومن المعلوم أنَّ بين إبراهيم وعبد الله أئمَّة ثقات، لم يُسمِّ قط متهمًا ولا مجروحًا ولا مجهولاً، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد الله أئمَّة أجلاَّء نبلاء، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم: قال عبد الله، لم يتوقَّف في ثبوته عنه (¬4). الوجه الثاني: لو سلم بصحته فإنه يقال لقائل هذا القول ومصوبه، ما نحن جعلنا عليها نصف العذاب، ولا نحن نجعل لها نصف الرخصة، بل الله تعالى جعل عليها نصف العذاب، ولم يجعل لها نصف الرخصة. ثم هبك لو جعلنا نحن عليها نصف العذاب وكان ذلك مباحًا لنا أن نجعله، فمن أين لنا أن نجعل لها نصف الرخصة؟ (¬5) ¬

(¬1) المغني (11/ 206). (¬2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (12879) عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ورجاله ثقات. (¬3) المحلى (11/ 717). (¬4) زاد المعاد (5/ 653). (¬5) المحلى (11/ 717).

الوجه الثالث: أنَّ قياس هذه العدَّة على حدِّ الزنا فاسد؛ لأنه لا شبه بين الزنا الموجب للحدِّ وبين طلاق الزوج، والقياس عند القائل به لا يصح إلاَّ على شبهٍ بين المقيس والمقيس عليه، فكيف بمن لا يرى القياس أصلاً؟ ثم فساد آخر .. وهو أنكم أوجبتم القياس على نصف الحدِّ في الأمَة، وأنتم لا تختلفون في أنَّ حدَّ الأمة في قطع السرقة كحدِّ الحرة، فمن أين وجب أن تُقاس العدّة عندهم على حد الزنا دون أن يقيسوه على حدِّ السرقة؟ ثم هلا قاسوا عدَّة الأمَة من الطلاق على ما لا يختلفون فيه من أنَّ عدَّتها «إن كانت حاملاً» كعدَّة الحرة، وهذا القياس أولى من قياس العدَّة على حد الزنا. ثم يلزمهم إذا قاسوا عدَّة الأمة على حدِّها ألاَّ يُوجِبوا عليها إلاَّ نصف الطهارة ونصف الصلاة ونصف الصيام، قياسًا على حدِّها (¬1). القول الثاني: أنَّ عدَّتها عدَّة الحرة؛ أي: ثلاثة قروء: ذهب إليه الظاهرية (¬2)، وعلَّق ابن سيرين القول به على عدم مُضيِّ سنة (¬3)، ورُوِي عن مكحول والأصم (¬4). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. ¬

(¬1) المحلى (11/ 718، 719). (¬2) المحلى (11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70)، حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 652). (¬3) حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 650) (11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70). (¬4) البناية (4/ 774)، زاد المعاد (5/ 650).

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. قال ابن حزم: وقد علم الله عزَّ وجلَّ إذا أباح لنا زواج الإماء أنه يكون عليهنَّ العِدَد المذكورات، فما فرَّق سبحانه بين حرَّةٍ ولا أمَة في ذلك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] (¬1). ونوقش الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: بأنَّ هذه الآيات لا تتناول الإماء، وإنما تتناول الحرائر، فإنه سبحانه قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] إلى أن قال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهذا في حقِّ الحرائر دون الإماء، فإنَّ افتداء الأمَة إلى سيدها لا إليها، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]. فجعل ذلك إليهما، والتراجع المذكور في حقِّ الأمَة، وهو العقد إنما هو إلى سيدها، لا إليها، بخلاف الحرَّة، فإنه إليها بإذن وليها. وكذلك قوله تعالى في عدَّة الوفاء: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234]. ¬

(¬1) المحلى (11/ 711).

المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض

فإنَّ هذا في حقِّ الحرة، وأما الأمة فلا فعل لها في نفسها البتَّة؛ فهذا في العدّة الأصلية، وأمَّا عدة الأشهر ففرع وبدل. وأما عدَّة وضع الحمل فيستويان فيها، كما ذهب إليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون، وعمل به المسلمون، وهو محض الفقه (¬1). الوجه الثاني: أنه يخالف ما عليه فقهاء الصحابة؛ ومنهم: عمر، وابنه، وابن مسعود، وزيد وعلي وهم أعلم بكتاب الله وسُنة رسوله، ويخالف عمل المسلمين، لا إلى قول صاحب البتَّة، ولا إلى حديث صحيح ولا حسن، بل هو عموم أمره ظاهر عند جميع الأمَّة، ليس هو مما تخفى دلالته ولا موضعه، حتى يظفر به الواحد والاثنان دون سائر الناس، هذا من أبين المحال (¬2). الترجيح: والرَّاجح ما ذهب إليه الجمهور، وهو ما اشتُهِر عن كبار فقهاء الصحابة، واستمرَّ عليه عمل المسلمين. المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض. اختلف أهل العلم في عدَّة المختلعة إذا كانت من ذوات الأقراء على قولين. القول الأول: أنَّ عدتها عدة المطلَّقة: ذهب إليه جمهور أهل العلم، منهم: أبو حنيفة (¬3)، ومالك (¬4)، والشافعي (¬5)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬6)، وسعيد بن ¬

(¬1) زاد المعاد (5/ 654). (¬2) زاد المعاد (5/ 653). (¬3) البناية (4/ 758، 769) فتح القدير (4/ 307). (¬4) الكافي (1/ 517) بداية المجتهد (5/ 52). (¬5) روضة الطالبين (7/ 375) (8/ 365) مغني المحتاج (3/ 384). (¬6) المغني (11/ 195) زاد المعاد (5/ 677).

المسيب، وسليمان بن يسار، والحسن، والشعبي، وسالم بن عبد الله، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وقتادة وخلاس بن عمرو، والليث والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبو عبيد (¬1). الأدلَّة: 1 - قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الآية عامة في المطلَّقات، خصَّ منها المختلعة بالسُنة كما سيأتي. الوجه الثاني: أنَّ الآية في الرجعية أما المختلعة فلما لم يكن عليها رجعة، لم يكن عليها عدَّة، بل استبراءٌ بحيضة؛ لأنها لما افتدت منه وبانت ملكت نفسها، فلم يكن أحقَّ بإمساكها، فلا معنى لتطويل العدَّة عليها بل المقصود العلم ببراءة رحمها، فيكفي مجرد الاستبراء (¬2). ونوقش: بأنَّ الأمر ليس معلَّقًا بحقِّ الزوج في الرَّجعة، لوجوب الثلاثة قروء في حقِّ البائن. وأجيب: بأنَّ هذا منعَ منه الإجماع، على أنَّ من أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يلزم البائن سوى قرء واحد (¬3). 2 - أنه رُوِي عن عليِّ بن أبي طالب (¬4). 3 - ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة، فكانت ثلاثة قروء، كغير الخلع (¬5). ¬

(¬1) الإشراف لابن المنذر (4/ 288) المغني (11/ 195). (¬2) زاد المعاد (5/ 670، 671). (¬3) انظر: زاد المعاد (5/ 373). (¬4) أخرجه ابن المنذر في الإشراف (4/ 288). (¬5) المغني (11/ 196).

ويمكن أن يناقش: بعدم التسليم بأنَّ كلَّ فرقةٍ في الحياة تلزم فيها الثلاث، والخلاف موجود حتى في المطلَّقة البائن. القول الثاني: أنَّ عدَّتها حيضة: ذهب إليه أحمد في روايةٍ عنه اختارها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (¬1)، وإسحاق بن راهوية، وأبان بن عثمان (¬2)، وابن المنذر (¬3)، وحكاه أبو جعفر النحاس إجماع الصحابة (¬4). واستدلُّوا بما يلي: 1 - لِما رواه النسائي: "أنَّ ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي، فجاء أخوها يشتكيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثابت فقال: «خذ الذي لها عليك، وخلِّ سبيلها» فقال: نعم، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتربَّص حيضة واحدة وتلحق بأهلها" (¬5). 2 - ورُوِي عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعتُ من زوجي، ثم جئتُ عثمان، فسألت ماذا عليَّ من العدَّة؟ قال: لا عدَّة عليك، إلاَّ أن يكون حديث عهدٍ بك فتمكثين حتى تحيضي حيضة، قالت: وإنما تبع في ذلك قضاء رسول الله في مريم المغالية، كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه (¬6). 3 - أنَّ ذلك قول عثمان وابن عباس وابن عمر (¬7). ونوقش: بأن ما رُوي عنهما مُعارِض بما رُوِي عن عمر، وعلي، ¬

(¬1) المغني (11/ 195) زاد المعاد (5/ 678). (¬2) الإشراف (4/ 288) المغني (11/ 195) زاد المعاد (5/ 677). (¬3) الإشراف (4/ 288). (¬4) زاد المعاد (5/ 670). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) المغني (11/ 195).

وقولهما أولى (¬1). وأما ابن عمر: فقد روى مالك بن نافع أنه قال: عدَّة المختلعة عدَّة المطلقة (¬2)، وهذا أصح عنه (¬3). 3 - أن ذلك مقتضى القياس، فإنه استبراءٌ لمجرَّد العلم ببراءة الرحم، فكفَّت فيه حيضة، كالمسبيَّة، والأمَة المستبرأة، والحرة المهاجرة (¬4). والشارع إنما جعل عدَّة الرجعية ثلاثة قروء لمصلحة المطلِّق والمرأة ليطول زمان الرجعة، وهذه الحكمة منتفية هنا (¬5). الترجيح: والراجح هو القول الثاني لقوَّة ما بُني عليه من استدلال، ومنه الحديث الصحيح، وكذا ما ذكروه من القياس على من كانت في معناها. ¬

(¬1) المغني (11/ 196). (¬2) الموطأ في باب طلاق المختلعة من كتاب الطلاق (385). (¬3) المغني (11/ 196). (¬4) زاد المعاد (5/ 679). (¬5) زاد المعاد (5/ 679 - 670).

المبحث الحادي عشر في الاستبراء

المبحث الحادي عشر في الاستبراء (¬1) من ملك أمة بسبب من أسباب الملك كالبيع والهبة والإرث، أو كانت من نصيبه من السبي، وكانت الجارية غير حامل (¬2). فلا يخلو حالها من أن تكون من ذوات الأقراء أي: ممَّن تحيض أو لا (¬3). والذي يعنينا هنا ما إذا كانت من ذوات الأقراء: وفي ذلك مطلبان: المطلب الأول: في استبراء الثيب. المطلب الثاني: في استبراء البكر. المطلب الأول في استبراء الثيب وفيه مسألتان: المسألة الأولى: ألاَّ يعلم براءتها من الحمل. المسألة الثانية: أن تعلم براءتها منه. ¬

(¬1) الاستبراء: تربص يقصد منه العلم ببراءة رحم ملك يمين. انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/ 88). وانظر في عريف الاستبراء أيضًا: مغني المحتاج (3/ 408) المطلع (349) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 552) الزاهر (357). (¬2) لأن استبراء الحامل وضع حملها. (¬3) واستبراء من لا تحيض لصغر أو إياس، إنما يكون بالشهور، وليس هذا محله.

المسألة الأولى: ألا يعلم براءتها من الحمل

المسألة الأولى: ألاَّ يعلم براءتها من الحمل: فقد ذهب عامة أهل العلم إلى وجوب الاستبراء (¬1)، ومما يدلُّ على الوجوب ما يلي: 1 - ما روى أبو سعيد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عام أوطاس أن تُوطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حملٍ حتى تحيض (¬2). 2 - وما روي عن رويفع بن ثابت، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يحلُّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يقع على امرأةٍ من السبي حتى يستبرئها بحيضة» (¬3). 3 - وفي لفظ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأتينَّ ثيبًا من السبي حتى يستبرئها بحيضة» (¬4). المسألة الثانية: أن يعلم براءتها من الحمل: وذلك كما لو حاضت عند البائع، أو كانت عند امرأة وهي مصونة فانتقلت عنها إلى رجل، أو من باعها مجبوب أو ذو محرم. وقد اختلف أهل العلم في وجوب استبرائها على قولين: القول الأول: وجوب الاستبراء: ذهب إليه الجمهور؛ ومنهم: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬

(¬1) انظر: زاد المعاد (5/ 714) المغني (11/ 274) المحلى (11/ 727) الإشراف (4/ 314) فتاوى النساء، من فتاوى ابن تيمية (449) مغني المحتاج (3/ 408) روضة الطالبين (8/ 338) الكافي (1/ 537) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (7/ 89). (¬2) أخرجه أبو داود، في النكاح، باب وطء السبايا (2/ 614) وأحمد في المسند (3/ 28، 62) والدامري في كتاب الطلاق، باب استبراء الإماء (2/ 171). (¬3) أخرجه أبو داود في النكاح باب وطء السبايا (2/ 616) والترمذي في النكاح، باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل (1131) وقال: حديث حسن. (¬4) أخرجه الدارمي (2/ 214). (¬5) ذكره لهم صاحب المغني (11/ 214) زاد المعاد (5/ 714). (¬6) الكافي (1/ 537).

والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وعطاء، والحسن، والنخعي، وهشام بن حسان، والأوزاعي (¬3). واستدلُّوا بما يلي: 1 - حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض» (¬4). والشاهد منه: نهيه عن وطء غير ذات الحمل حتى تحيض، وهذا عام (¬5). ونوقش: بأنَّ المراد منه من يجوز أن تكون حاملاً وألاَّ تكون، فيمسك عن وطئها مخافة الحمل؛ لأنه لا علم له بما اشتمل عليه رحمها، وهذا قاله في المسبيَّات لعدم علم السابئ بحالهنَّ (¬6). قال ابن القيم: وعلى هذا فكلُّ من ملك أمَة لا يعلم حالها قبل الملك، هل اشتمل رحمها على حملٍ أم لا؟ لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة، هذا أمرٌ معقول، وليس بتعبُّدٍ محض لا معنى له، فلا معنى لاستبراء العذراء، والصغيرة التي لا تحمل مثلها، والتي اشتراها من امرأته وهي في بيته لا تخرج أصلاً، ونحوها مما يُعلَم براءة رحمها (¬7). 2 - أنَّ الاستبراء يجب للتعبُّد أو له وللعلم ببراءة الرحم، وإذا كان كذلك وجب لا فرق بين من علم ببراءتها ومن لم يعلم (¬8). ونوقش: بأنَّ هذا أمر معقول، وليس بتعبُّد محض لا معنى له (¬9). ¬

(¬1) روضة الطالبين (8/ 427) مغني المحتاج (3/ 408). (¬2) المغني (11/ 274) زاد المعاد (5/ 714). (¬3) المغني (11/ 274) الإشراف (4/ 314). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) روضة الطالبين (8/ 427) المغني (11/ 274) زاد المعاد (5/ 714). (¬6) زاد المعاد (5/ 718). (¬7) زاد المعاد (5/ 719). (¬8) المغني (11/ 274) الإشراف (4/ 314) زاد المعاد (5/ 714). (¬9) زاد المعاد (5/ 718).

3 - ما روي عن عطاء قال: تداول ثلاثة من التجار جارية، فولدت فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه القافة، فألحقوا ولدها بأحدهم، ثم قال عمر: من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربَّص بها حتى تحيض، فإن كانت لم تحض، فليتربَّص بها خمسًا وأربعين ليلة (¬1). 4 - أنَّ الاستبراء عدَّة الأمة، فيجب على هذه كما يجب على الحرة التي تعرف براءة رحمها من الحمل (¬2). القول الثاني: أنه غير واجب: ذهب إليه جماعة من أهل الحديث (¬3)، واختاره ابن القيم (¬4)، ونسبه ابن القيم لمالك نقلاً عن بعض المالكية (¬5). واحتجوا بما يلي: 1 - أنَّ الاستبراء إنما شرع للعلم ببراءة الرحم من الولد، وعلى هذا فكلُّ من مَلك جارية يعلم أنها لم تُوطأ بعد ما حاضت في ملك سيدها إلى أن ملكها فلا استبراء عليه. وفي نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره (¬6)، دليل على أنَّ النهي إنما وقع على الوطء لعلَّة الحمل (¬7). وكذلك قوله: «ولا يأتينَّ ثيبًا من السبي حتى يستبرئها» (¬8) دليلٌ ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (12884) (12896). (¬2) زاد المعاد (5/ 714) المغني (11/ 275). (¬3) الإشراف (4/ 314). (¬4) زاد المعاد (5/ 717). (¬5) زاد المعاد (5/ 715) وانظر: الشرح الصغير للدردير (3/ 553). (¬6) أخرجه الترمذي من حديث رويفع، في كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل، وقال: حديث (3/ 429) وأبو داود في النكاح، باب وطء السبايا (2/ 615) وأحمد في المسند (4/ 108) وقد حسنه الألباني، كما في الإرواء (7/ 213). (¬7) الإشراف (4/ 314) زاد المعاد (5/ 718). (¬8) سبق تخريجه.

المطلب الثاني في استبراء البكر

على ذلك؛ لأنه لَمَّا نصَّ على الثيب لأنها قد وطئت ولم يجعل على البكر استبراء (¬1). قال ابن المنذر: واحتجَّ بعض من هذا مذهبه بأنَّ الله تعالى أباح وطء ما ملكت اليمين عامًا مُطلقًا، ولا يجوز أن يمنع المالك من وطء أمته إلاَّ بِحجَّة، ولا نعلم حجة تمنع من وطء من يعلم ألاَّ حمل بها (¬2). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني لقوَّة أدلته، ولزوال المعنى الذي شرع الاستبراء لأجله. المطلب الثاني في استبراء البكر وقد اختلف أهل العلم في وجوب استبرائها على قولين: القول الأول: وجوب استبرائها: ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). واستدلُّوا بما يلي: 1 - حديث أبي سعيد السابق وما فيه من نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - من وطأ غير ذات الحمل حتى تحيض. 2 - ومثله ما جاء في حديث رويفع (¬7). ¬

(¬1) الإشراف (4/ 314). (¬2) الإشراف (4/ 314). (¬3) ذكره لهم ابن قدامة (11/ 274) وابن القيم في زاد المعاد (5/ 714). (¬4) الكافي (1/ 527) الشرح الصغير (3/ 555). (¬5) روضة الطالبين (8/ 427) مغني المحتاج (3/ 408). (¬6) المغني (11/ 274) زاد المعاد (5/ 714). (¬7) سبق تخريجهما.

فعمومه يقتضي تحريم وطء أبكارهنَّ قبل الاستبراء، كما يمتنع وطء الثيب (¬1). ونوقش: بأنَّ غايته أنه عموم أو إطلاق ظهر القصد منه، فيخصُّ أو يقيِّد عند انتفاء موجب الاستبراء. ويخص أيضًا بمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكح ثيبًا من السبايا حتى تحيض». ويخص أيضًا بمذهب الصحابي، وهو ما صحَّ عن ابن عمر، ولا يُعلم له مخالف من الصحابة (¬2). 3 - ولأنه ملك جارية محرَّمة عليه، فلم تحلّ له قبل استبرائها، كالثيب التي تحمل (¬3). ونوقش: بالفارق، للاحتمال في الثيب بخلاف البكر. 4 - ولأنه سبب موجب للاستبراء، فلم يفترق الحال فيه بين البكر والثيِّب والتي تحمل والتي لا تحمل كالعدَّة (¬4). القول الثاني: أنه لا يجب استبراؤها: ذهب إليه الظاهرية (¬5)، وابن سريج من الشافعية (¬6)، وابن تيمية وابن القيم (¬7)، وروي عن ابن عمر (¬8). واحتجُّوا بما يلي: 1 - أنَّ الغرض من الاستبراء معرفة براءتها من الحمل، وهذا ¬

(¬1) المغني (11/ 274) روضة الطالبين (8/ 724) مغني المحتاج (3/ 408) زاد المعاد (5/ 717). (¬2) زاد المعاد (5/ 717، 718). (¬3) المغني (11/ 275). (¬4) المغني (11/ 275). (¬5) المحلى (11/ 728). (¬6) روضة الطالبين (8/ 427). (¬7) زاد المعاد (5/ 717). (¬8) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 351) تعليقًا.

معلومٌ في البكر (¬1). ونوقش: بأنَّ هذا غير مسلَّم؛ إذ العذراء قد تحمل (¬2). وأجيب: بأن هذا نادر فلا يُلتَفت إليه. 2 - أنه ليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عام في وجوب استبراء كلِّ من تجدَّد له عليها ملك على أية حالة كانت، وإنما نهى عن وطء السبايا حتى تضع حواملهن وتحيض حوائلهن (¬3). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولا غير ذات حمل حتى تحيض» يراد به من يجوز أن تكون حاملاً وأن لا تكون، فيمسك عن وطئها مخافة الحمل، لأنه لا علم بما اشتمل عليه رحمها (¬4). 3 - ما جاء في صحيح البخاري من حديث بريدة، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا رضي الله عنه إلى خالد - يعني باليمن - ليقبض الخُمس، فاصطفى عليُّ منه سبيَّة، فأصبح وقد اغتسل، فقلت لخالد: أما ترى إلى هذا؟ قال بريدة: فلمَّا قدمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له فقال: «يا بريدة، أتبغض عليًّا؟» قلت: نعم، قال: «لا تبغضه؛ فإنَّ له في الخمس أكثر من ذلك» (¬5). قال ابن القيم: فهذه الجارية إما أن تكون بكرًا فلم يرَ عليُّ وجوب استبرائها، وإما أن تكون في آخر حيضها فاكتفى بالحيضة قبل تملُّكه لها وبكلِّ حال، فلا بدَّ أن يكون تحقُّق براءة رحمها بحيث أغناه عن الاستبراء (¬6). ¬

(¬1) الإشراف (4/ 314) المغني (11/ 274) زاد المعاد (5/ 714). (¬2) المغني (11/ 275) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 55). (¬3) زاد المعاد (5/ 718). (¬4) زاد المعاد (5/ 718). (¬5) أخرجه البخاري في المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد إلى اليمن قبل حجة الوداع (8/ 52، 53). (¬6) زاد المعاد (5/ 718).

2 - ما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت، أو أعتقت فلتُستبرأ بحيضة، ولا تُستبرَأ العذراء» (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي أنَّ الاستبراء إنما شُرِّع للعلم ببراءة الرحم من الحمل، وقد رجَّحت فيما سبق عدم وجوب استبراء من علم براءة رحمها من الحمل ولو كانت ثيبًا، والعلم ببراءة الرحم من الحمل ليست متوقِّفة على الحيض (¬2)، وإنما هو أحد الوسائل، فإذا كان وجود البكارة مانع من الحمل فلا تحتاج إلى استبراء، وإلاَّ فلا بدَّ منه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري عليقًا بصيغة الجزم (4/ 351) ووصله عبد الرزاق (7/ 227) من طريق أيوب عن نافع عنه. (¬2) ولا يرد علينا أن الاعتداد لذات الأقراء لا يكون إلا بالحيض، وبالثلاثة قروء؛ لأن للاعداد معاني أخر غير الاستبراء، وإلا لاكتفى بقرء واحد.

المبحث الثاني عشر وجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض

المبحث الثاني عشر وجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض إذا سلَّمت الزوجة نفسها لزوجها حال الحيض فهل تجب نفقتها؟ اختلف أهل العلم في ذلك. القول الأول: وجوب النفقة. ذهب إليه عامة أهل العلم؛ لأنَّ الاستمتاع ممكن، ولا تفريط من جهتها (¬1). القول الثاني: أنها لا تجب: ذهب إليه بعض أهل العلم (¬2). 1 - قياسًا على الصغيرة إذا سلَّمت إليه، فإنها لا تجب لها النفقة. ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ للصغيرة حالا يتمكَّن من الاستمتاع بها فيها استمتاعًا تامًا، والظاهر أنه تزوجها انتظارًا لتلك الحال، بخلاف هذه، ولذلك لو طلب تسليم الحائض وجب تسليمها، ولو طلب تسليم الصغيرة لم يُجَب. وأجيب: بأنَّ الصحيحة لو بذلت الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب لها النفقة، فكذلك هذه. ¬

(¬1) المغني (11/ 399) الشرح الكبير (5/ 121) مغني المحتاج (3/ 252) نهاية المحتاج (6/ 373). (¬2) المغني (11/ 399).

وردت الإجابة: بأن تلك منعت ممَّا يجب عليها، وهذه لا يجب عليها التمكين ممَّا فيه ضرر (¬1). الترجيح: والراجح هو الأول لقوَّة دليله وضعف دليل القول الآخر. ¬

(¬1) المغني (11/ 399) وانظر أيضًا: الشرح الكبير (5/ 121).

المبحث الثالث عشر تذكية الحائض

المبحث الثالث عشر تذكية الحائض ذهب عامة أهل العلم إلى جواز التذكية من المرأة، ولم يفرِّقوا بين حائضٍ وطاهر. فقال ابن المنذر: وأجمعوا على إباحة ذبيحة الصبي والمرأة، إذا أطاقا الذبح، وأتيا على ما يجب أن يؤتى عليه (¬1). وقال ابن تيمية: وتذبح المرأة وإن كانت حائضًا .. وذكاة المرأة جائزة باتفاق المسلمين (¬2). واستدلُّوا: 1 - بما أخرجه البخاري أنَّ جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنمًا بسلع، فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكَّتها بحجر، فسُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: «كُلُوهَا» (¬3). وقال ابن قدامة: وفيه فوائد: الثالثة: إباحة ذبيحة الحائض؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل (¬4). 2 - ولأنَّ حيضتها ليست في يدها (¬5). وقد حكى ابن حزم في الْمُحلَّى وجود الخلاف في ذبيحة الحائض، ولم يُسَمِّ من قال بهذا ولم يذكر دليله (¬6). ¬

(¬1) انظر: الإجماع له (69) وكذا المغني (13/ 311). (¬2) مجموع الفتاوى (35/ 234). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة المرأة والأمة (6/ 226). (¬4) المغني (13/ 311). (¬5) مجموع فتاوى ابن تيمية (35/ 234). (¬6) المحلى (8/ 185).

ولعلَّه يحتج بما رُوي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يَذبح ضحاياكم إلاَّ طاهر» (¬1). وهو مناقش: بأنه إن صحَّ فهو في الكافر، لِما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المؤمن لا ينجس» (¬2). ¬

(¬1) ذكره ابن قدامة في المغني في كلامه على حكم ذبح الكافر للأضحية (13/ 389) ولم أجد الحديث. (¬2) سبق تخريجه.

المبحث الرابع عشر في أنه علامة على البلوغ

المبحث الرابع عشر في أنه علامة على البلوغ إذا حاضت الجارية كان ذلك علامة على بلوغها، ذهب إليه كافة أهل العلم (¬1). وقد دلَّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلاَّ بخمار» (¬2). فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدلَّ على أنَّ التكليف حصل به (¬3). ¬

(¬1) انظر: رد المحتار (6/ 299) مواهب الجليل (1/ 375) المجموع (2/ 367) مغني المحتاج (1/ 120) المبدع (1/ 262) كشاف القناع (1/ 199). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) المبدع (1/ 262) كشاف القناع (1/ 199).

الفصل الثاني في الأحكام المترتبة على النفاس

الفصل الثاني في الأحكام المترتبة على النفاس

في الأحكام المترتبة على النفاس قال أهل العلم: وحُكم دم النفاس حُكم دم الحيض، فيما يجب به ويحرم وما يسقط به عنها (¬1). قال ابن قدامة: لا نعلم في هذا خلافًا (¬2)، وقال الشربيني بالإجماع (¬3)، لأنه دم الحيض، وإنما احتبس لأجل الحمل (¬4). وقد استثنى أهل العلم من ذلك ما يلي: الحكم الأول: أنَّ الحيض يوجب البلوغ والنفاس لا يوجبه لثبوته قبله بالإنزال الذي حبلت منه. الحكم الثاني: الاعتداد؛ لأنَّ الاعتداد بالقروء، والنفاس ليس بقروء، ولأنَّ العدة تنقضي بوضع الحمل (¬5). الحكم الثالث: أنَّ النفاس لا يحتسب به على المولي، لأنه ليس بمعتاد بخلاف الحيض؛ فإنه يحتسب عليه بمدَّته، ولا يمنع ضرب المدة إذا كان موجودًا وقت الإيلاء. ¬

(¬1) انظر: رد المحتار (1/ 299) مواهب الجليل (1/ 375) مغني المحتاج (1/ 120) المجموع (2/ 520) الشرح الكبير (1/ 157) المبدع (1/ 262) كشاف القناع (1/ 199) السيل الجرار (1/ 150). (¬2) الشرح الكبير (1/ 157). (¬3) مغني المحتاج (1/ 120). (¬4) الشرح الكبير (1/ 157) مغني المحتاج (1/ 120). (¬5) مغني المحتاج (1/ 120) الشرح الكبير (1/ 157) كشاف القناع (1/ 199) رد المحتار (1/ 299).

لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة؛ لأنَّ الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدِّي ذلك إلى إسقاط حُكم الإيلاء (¬1). ذهب إلى هذا الشافعية في الأصح (¬2)، والحنابلة في أحد الوجهين؛ وهو المذهب (¬3). والقول الثاني: أنه كالحيض: وذهب إليه الشافعية في مقابل الأصحَّ (¬4)، والحنابلة في الوجه الثاني (¬5). قالوا: لأنه بمنزلته في أحكامه (¬6). القول الثاني: أنَّ النفاس يقطع التتابع: ذهب إليه الحنفية، والشافعية في مقابل الأصحّ، والحنابلة في الوجه الثاني (¬7). قالوا: لأنه فطر أمكن التحرز منه، ولا يتكرَّر في العام، أشبه الفطر لغير عذر. قالوا: ولا يصح قياسه على الحيض؛ لأنه أندر منه (¬8). ¬

(¬1) المبدع (8/ 22) كشاف القناع (1/ 199). (¬2) روضة الطالبين (8/ 253). (¬3) المبدع (8/ 22) كشاف القناع (1/ 199). (¬4) روضة الطالبين (8/ 253). (¬5) المبدع (8/ 22). (¬6) المبدع (8/ 22). (¬7) رد المحتار (1/ 299) روضة الطالبين (8/ 302) المبدع (8/ 61). (¬8) المبدع (8/ 61).

وقد أضاف إليها بعض الحنفية: أنَّ النفاس لا حدَّ لأقلِّه، بخلاف الحيض، وأنَّ النفاس أكثره أربعون، وأنه لا يحصل به الفصل بين طلاق السنة والبدعة (¬1). ¬

(¬1) رد المحتار (1/ 299).

الفصل الثالث في الأحكام المترتبة على الاستحاضة

الفصل الثالث في الأحكام المترتبة على الاستحاضة وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في أنَّ حُكمها حُكم الطاهرات. المبحث الثاني: في كيفية تطهُّرها للصلاة. المبحث الثالث: في وطء المستحاضة.

المبحث الأول في أن حكمها حكم الطاهرات

المبحث الأول في أن حُكمها حكم الطاهرات ذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ المستحاضة فيما يلزمها من العبادات وتستبيحه من القرب حكم النساء الطاهرات، وأنه لا يثبت لها شيء من أحكام الحيض. وقد نقل ابن جرير وغيره الإجماع على أنها تقرأ القرآن، وأنَّ عليها جميع الفرائض التي على الطاهر (¬1). وقد رُوي عن إبراهيم النخعي أنها لا تمسُّ مُصحفًا (¬2)، ولم أعثر على دليلٍ لِما ذهب إليه إبراهيم. وهو محجوج بالقياس على الصلاة والقراءة (¬3). ¬

(¬1) انظر: المجموع (2/ 542) معالم السُنن (1/ 217) شرح النووي لصحيح مسلم (4/ 17) جامع المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) الحاوي (1/ 442) كشاف القناع (1/ 207). (¬2) المجموع (2/ 542). (¬3) المصدر السابق.

المبحث الثاني تطهر المستحاضة للصلاة

المبحث الثاني تطهر المستحاضة للصلاة وفيه مطلبان: المطلب الأول: في عمل ما يمنع خروج الدم. المطلب الثاني: فيما يلزمها من التطهر بالماء. المطلب الأول في عمل ما يمنع خروج الدم إذا أرادت المستحاضة التطهُّر للصلاة فإنه يلزمها غسل محلِّ الحدث، ثم شدِّه والتحرُّز من خروج الدم بما يمكنها، فتحشوه بقطنة أو ما أشبهه ليردَّ الدم، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: «.. أنعت لك الكرسف (¬1)، فإنه يُذهِب الدَّم» (¬2). فإن لم يرتد الدم بالقطن ونحوه، استثفرت (¬3)، بخرقة، لما في حديث أم سلمة: «لستثفر بثوب» (¬4)، وقال لحمنة: ¬

(¬1) الكرسف: القطن. انظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (214) مقدمة الحاوي. (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (1/ 199) والترمذي في الطهارة باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد (1/ 221) وأحمد (6/ 439). (¬3) الاستثفار: سبق إيضاحه، وهو أن تشد على فرجها ما يمنع خروج الدم، فتأخذ خرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنينها ووسطها على الفرج. (¬4) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المرأة تستحاض (1/ 62) والنسائي في كتاب الطهارة، باب ذكر الاغتسال من الحيض (1/ 99 - 149) وأحمد في المسند (6/ 293، 304، 320).

المطلب الثاني فيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء

«تلجَّمي» (¬1) لما قالت: إنه أكثر من ذلك. قال أهل العلم: فإن فعلت ذلك، ثم خرج الدم، فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشدِّ والطهارة (¬2)، وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شدُّة أكثر من ذلك، لم تبطل الطهارة؛ لأنه لا يمكن التحرُّز منه، فتصلِّي ولو قطَرَ الدم (¬3). قالت عائشة: اعتكفتْ مع رسول الله امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة، والطست تحتها وهي تصلِّي (¬4). المطلب الثاني فيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء القول الأول: أنَّ عليها أن تغتسل لكلِّ صلاة: إلاَّ أن تؤخِّر الظهر إلى العصر فتصلِّيهما معًا، وكذا المغرب مع العشاء، ثم تغتسل لفجرٍ غُسلاً ثالثًا. ذهب إليه ابن حزم (¬5). ¬

(¬1) سبق تخريجه في الصفحة السابقة. (¬2) وهذا من الحنفية، والشافعية، والحنابلة اللذين يرون أنَّ خروج الدم حدث في حقِّ المستحاضة انظر: الحاوي (1/ 443) (2/ 533) المغني (1/ 421) فتح القدير (1/ 180) وقد ذهب مالك وربيعة وجماعته من أهل العلم إلى عدم لزوم الوضوء عليها بخروج الدم، فلا يلزمها الوضوء لكل صلاة، ما لم يرد عليها ناقض من نواقض الوضوء. انظر: جامع المسائل الفقهية (1/ 99) بداية المجتهد (1/ 43) السيل الجرار (1/ 150) المغني (1/ 422). (¬3) انظر: الحاوي (1/ 443) المجموع (2/ 532) المغني (1/ 421). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) انظر: المحلى (2/ 286).

وروى هذا عن عليِّ وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء (¬1). واستدلُّوا لغسلها لكلِّ صلاة: بما رُوي من حديث أم حبيبة بنت جحش: أنها كانت تهراق الدم، وأنها سألت رسول الله فأمرها أن تغتسل لكلِّ صلاة (¬2). وأمَّا جمعها بين الصلاتين بغُسل واحد فاستدلُّوا: بما رُوي من حديث أسماء بنت عميس أنها قالت: قلت يا رسول الله، إنَّ فاطمة بنت أبي حبيش استُحِيضت؟ فقال رسول الله: «لتغتسل للظهر والعصر غُسلاً واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غُسلاً واحدًا، وتغتسل للفجر غسلاً، وتتوضَّأ فيما بين ذلك» (¬3). قال ابن حزم: فهذه آثار في غاية الصحة، وذَكَر أسانيدها، ثم قال: وهذا نقل تواتر يوجب العلم (¬4). ونوقش الاستدلال: من أوجه: الوجه الأول: بأنه لا يصحُّ لضعف هذه الأحاديث. قال النووي: وأمَّا الأحاديث الواردة في سُنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالغسل لكلِّ صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بيَّن البيهقي ومن قبله ضعفها (¬5). وإنما صحَّ في هذا ما رواه البخاري ومسلم أنَّ أمَّ حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحاضت فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم ¬

(¬1) انظر المحلى (2/ 289، 290) المجموع (2/ 536) نيل الأوطار (1/ 283) سُنن الترمذي (1/ 230) قال ابن حزم: أسانيدها في غاية الصحة. (¬2) أخرجه أبو داود في الطهارة، باب ما رأى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة (1/ 205). (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال تجمع بين الصلاتين، وتغتسل لهما غسلاً واحدًا (1/ 207) وابن حزم في المحلى (2/ 287). (¬4) المحلى (2/ 288). (¬5) انظر: المجموع (2/ 536).

صلِّي»، فكانت تغتسل عند كل صلاة (¬1). قال الشافعي: إنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكلِّ صلاة، ولا أشكُّ أنَّ غسلها كان تطوُّعًا غير ما أُمِرت به، وذلك واسع لها (¬2). وقال الشوكاني: .. وقد صرَّح جماعة من الحفَّاظ بأنها لا تقوم بها الحجة، وعلى فرض أنَّ بعضها يشهد لبعض فهي لا تقوى على معارضة ما في الصحيحين وغيرهما من أمره - صلى الله عليه وسلم - لها بالغسل إذا أدبرت الحيضة فقط (¬3)، وترك البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرَّر في الأصول (¬4). الوجه الثاني: ما أجاب به الخطابي فإنه قال عقب الحديث: وهذا الحديث مختصر، وليس فيه ذكر حال هذه المرأة، ولا بيان أمرها وكيفية شأنها في استحاضتها، وليس كلُّ امرأة مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكلِّ صلاة، وإنما هي فيمن يُبتَلى وهي لا تميِّز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها، فهي لا تعرف موضعها ولا عددها، ولا وقت انقطاع الدم عنها من أيامها المتقدِّمة، فإذا كانت كذلك فإنها لا تدع شيئًا من الصلاة، وكان عليها أن تغتسل عند كلِّ صلاة؛ لأنه قد يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان انقطاع دمها فالغسل عليها عند ذلك واجب (¬5). الوجه الثالث: أنَّ المراد بالغسل في هذه الأحاديث الوضوء؛ لأنه يُطلق عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض باب عرق الاستحاضة (1/ 84) ومسلم في كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (1/ 262). (¬2) المجموع (2/ 536). (¬3) السيل الجرار (1/ 149). (¬4) نيل الأوطار (1/ 284). (¬5) معالم السُنن له (1/ 205).

الوجه الرابع: أن تُحمَل أحاديث الغسل لكلِّ صلاة على الاستحباب جمعًا بينها، وبين ما في الأحاديث الصحيحة (¬1). القول الثاني: أنها تغتسل لكلِّ يوم غُسلاً واحدًا. ذهب إليه جماعة من أهل العلم (¬2). واستدلُّوا بما يلي: 1 - ما أخرجه أبو داود عن علي قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كلَّ يوم (¬3). 2 - وقال ابن رشد: فلعلَّهم إنما أوجبوا ذلك عليها لمكان الشكِّ، ولست أعلم في ذلك أثرًا (¬4). القول الثالث: أنها تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر: ذهب إليه الحسن، وسعيد بن المسيب، وسالم، وعطاء (¬5). واستدلُّوا بما يلي: 1 - بأنه رُوي ذلك عن عائشة وابن عمر وأنس بن مالك (¬6). 2 - ولعلهم نظروا إلى أن وقت الظهر أيسر وقت للاغتسال، وأبعده عن الضرر فقالوا بذلك (¬7). القول الرابع: أنه لا يجب عليها غسل، غير اغتسالها في إدبار ¬

(¬1) نيل الأوطار (1/ 284، 320) البناية (1/ 677). (¬2) المجموع (2/ 536) بداية المجتهد (2/ 43). (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال: تغتسل كل يوم مرة (1/ 212). (¬4) بداية المجتهد (1/ 43). (¬5) المجموع (2/ 535) نيل الأوطار (1/ 283). (¬6) أخرجها عنهم أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر (1/ 211). (¬7) انظر: المنتقى (1/ 126).

الحيضة. ولكن عليها أن تتوضَّأ لكلِّ فريضة وليس لها تجمع بالوضوء الواحد بين فرضين. ذهب إليه الشافعية (¬1)، وهو قول عروة بن الزبير، وسفيان الثوري، وأبي ثور (¬2). واستدلُّوا بما يلي: 1 - حديث عروة عن عائشة؛ قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر خبرها .. قال: «ثم اغتسلي ثم توضئي لكلِّ صلاة» (¬3). ¬

(¬1) الحاوي (1/ 442) المهذب والمجموع (2/ 535) حلية العلماء (1/ 303) الوجيز (1/ 25). (¬2) المجموع (2/ 535) نيل الأوطار (1/ 322). (¬3) أخرجه الترمذي في الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة، وقال: حديث حسن صحيح (1/ 218) وأبو داود في الطهارة، باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر (1/ 209) قال الخطابي: ثم إن أبا داود، ذكر طرقه، وضعف أكثرها، معالم السُنن (1/ 209) والنسائي (1/ 203) بلفظ: فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي وأحمد (6/ 42، 204، 262) وابن ماجة في الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة التي عدت أيام أقرائها (1/ 204) والبيهقي (1/ 344). قال الألباني: والحديث صحيح (1/ 146). وقد أخرجه البخاري عن عروة عن أبيه عن عائشة بلفظ: «إنما ذلك عرق، وليس بحيضة فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلِّي» قال عروة: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب غسل الدم (1/ 62). وقد اختلف في هذه اللفظة، فذهب فريق من أهل العلم إلى أنها معلقة، منهم العينين كما في البناية (1/ 679) والزيلعي كما في نصب الراية (1/ 332). قال الحافظ في الفتح: وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته اهـ (1/ 106). وقال الشيخ أحمد شاكر: وصنيع البخاري هذا أوهم بعض الناس أن هذا القول معلق وليس موصولاً بالإسناد وهو خطأ اهـ تحقيقه على سُنن الترمذي (1/ 218). وادَّعى آخرون أنَّ هذا القول من كلام عروة، وليس من الحديث المرفوع، وأنه مدرج فيه، قال الحافظ في الفتح: وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضَّأ بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله فاغسلي (1/ 332).

ونوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن الحديث ضعيف (¬1). وأجيب: بأن هذا غير مسلم بل الحديث صحيح (¬2). الوجه الثاني: أنه على تقدير حذف مضاف، أي: توضئي لوقت كلِّ صلاة. وأجيب: بأن هذا مجاز، يحتاج إلى دليل (¬3). 2 - ولأن مقتضى الدليل وجوب الطهارة من كلِّ خارجٍ من الفرج، خالفنا ذلك في الفريضة الواحدة للضرورة، وبقي ما عداها على مقتضاه (¬4). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أنَّ الضرورة موجودة في المكتوبة الأخرى. الوجه الثاني: أنكم تُجيزون لها النافلة ولا ضرورة (¬5). 3 - ولأنها طهارة ضرورة فلم يَجُز أن تجمع بها بين فرضين قياسًا على فرضه في وقتين (¬6). 4 - ولأنَّ كلَّ من لم يُجِز أن يُصلِّي بعد فرضه إذا لم يجز أن يصلِّي بعد فرضه قضاء كالمحدث (¬7). القول الخامس: أنَّ عليها أن تتوضَّأ لوقت كلِّ صلاة، وتصلِّي بذلك الوقت ما شاءت من الفروض والنوافل ما لم يخرج الوقت. ¬

(¬1) المجموع (2/ 535) بل قال النووي: باتفاق الحفاظ. (¬2) انظر: تخريجه. (¬3) نيل الأوطار (1/ 332). (¬4) المجموع (2/ 535). (¬5) البناية (1/ 776). (¬6) الحاوي (1/ 442). (¬7) المصدر السابق (1/ 442).

ذهب إليه الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2). واستدلُّوا بما يلي: 1 - ما جاء في الحديث السابق من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم توضئي لكلّ صلاة» (¬3). قالوا: فـ «اللام» تُستعار للوقت. كما في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] (¬4). أي وقت الصلاة (¬5). 2 - ما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المستحاضة تتوضَّأ لوقت كل صلاة» (¬6) (¬7). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه حديث باطل لا يُعرف (¬8). الوجه الثاني: بأنَّ للفائت وقتًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها، فذلك وقتها» (¬9). ¬

(¬1) البناية (1/ 675) فتح القدير (1/ 180) اللباب (1/ 46). (¬2) المغني (1/ 423) المبدع (1/ 290) كشاف القناع (1/ 215). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) انظر الاستدلال بهذا الحديث في: المغني (1/ 423). (¬5) البناية (1/ 677) فتح القدير (1/ 181). (¬6) الحديث بهذا اللفظ لم أجده، وقد عزاه العيني في البناية إلى مسند أبي حنيفة انظر: البناية (1/ 677). لكن قد يدل له حديث عائشة السابق، وفيه: «وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» أخرجه الترمذي (1/ 218) وقال: حسن صحيح، وقد احتج به ابن مفلح في المبدع (1/ 290). (¬7) وقد ذكر الاحتجاج المرغيناني كما في الهداية مع البناية (1/ 677) وابن مفلح كما في المبدع (1/ 290). (¬8) المجموع (5/ 535). (¬9) الحديث أخرجه البخاري في المواقيت، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها (1/ 147) ومسلم في الموضع السابق (1/ 477).

الوجه الثالث: أنَّ الصلاة تجب بالوقت، فصار أمره بالوضوء لوقت كلِّ صلاة أمرًا بالوضوء لكلِّ صلاة، لأنَّ المقصود بالوضوء الصلاة دون الوقت (¬1). 2 - ولأنها طهارة عُذر وضرورة، فتقيَّدت بالوقت كالتيمُّم (¬2). ونوقش: بأنَّ الأصل المقيس عليه غير مسلَّم؛ إذ لا نُسلِّم بأنَّ طهارته مُقيَّدة بِمُدَّة؛ إذ لا تبطل عندنا ما لم يحدث. 3 - ولأنَّ كلَّ طهارة صحَّ أن يؤدَّى بها النفل صحَّ أن يؤدِّي بها الفرض قياسًا على غير المستحاضة (¬3). ونوقش: بأنَّ القياس فاسد الموضوع، لأنَّ النفل أخفُّ حالاً وأقل شروطًا، والفرض أغلظ حالاً وآكد شروطًا، فلم يجز مع اختلاف موضوعهما بالتخفيف والتغليظ أن يجمع بينهما فيما اختلفا فيه من تخفيف وتغليظ، على أنَّ المعنى في أصله المردود إليه من طهارة غير المستحاضة أنها طهارة يصلِّي بها الفروض المؤدَّاة (¬4). 4 - ولأنها طهارة عُذر فوجب أن يتقدَّر بالوقت دون الفعل، قياسًا على المسح على الخُفين (¬5). ونوقش: بأنَّ القياس لا يصحُّ؛ لأنَّ المسح طهارة رفاهية، وطهارة المستحاضة طهارة ضرورية، ثم المعنى في المسح أنها لما جاز أن يؤدَّى بها فرضَين في وقتَين جاز في وقت، وههنا بخلافه (¬6). 5 - ولأنَّ الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرًا فيدار الحكم عليه. ¬

(¬1) الحاوي (1/ 442). (¬2) المغني (1/ 423) كشاف القناع (1/ 215) المبدع (1/ 291). (¬3) ذكره لهم صاحب الحاوي (1/ 442) وهو من باب الإيراد على الشافعية اللذين يجيزون أن يصلي به النافلة دون فريضة ثانية (¬4) الحاوي (1/ 442). (¬5) الحاوي (1/ 442). (¬6) الحاوي (1/ 442).

ومعناه: أنَّ في تقدير طهارتها بالصلاة بعض الجهالة والحرج؛ لأنَّ الناس متفاوتون في أداء الصلاة؛ فمنهم مطوِّل لها، ومنهم غير مطوِّل، فلم يمكن ضبطه؛ فقدرنا طهارته بالوقت دفعًا للحرج (¬1). واحتجُّوا لوجوب الوضوء في الجملة: 6 - بأنه خارج من السبيل، فأوجب الوضوء كالمذي (¬2). القول السادس: أنه لا يجب عليها شيء غير غسلها من الحيض. ذهب إليه مالك (¬3)، وربيعة، وعكرمة (¬4). قالوا: إلاَّ أن تحدث حدًّا غير الاستحاضة. واحتجَّ هؤلاء: لعدم وجوب الغسل. بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «إنما ذلك عرق وليس بالحيضة» (¬5). وهذا ينفي وجوب الغسل، كسائر العروق (¬6). وأمَّا عدم وجوب الوضوء: 1 - فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة «فاغتسلي وصلِّي» (¬7) ولم يأمرها بالوضوء ولو لزمها لأمرها (¬8). ونوقش: بأنَّ هذا غير مسلم فالصحيح أنه أمرها بالوضوء (¬9). 2 - ولأنه دم لا يجب به الغسل فلم يجب به الوضوء كما لو خرج من سائر الجسد (¬10). ¬

(¬1) الهداية والبناية (1/ 678) فتح القدير (1/ 180). (¬2) المغني (1/ 423) المبدع (1/ 291) كشاف القناع. (¬3) المنتقى (1/ 127) بداية المجتهد (1/ 43) جامع المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 98). (¬4) المغني (1/ 442) سُنن أبي داود (1/ 214). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) المنتقى (1/ 127). (¬7) سبق تخريجه. (¬8) جامع المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) بداية المجتهد (1/ 44). (¬9) انظر: تخريج الحديث (258). (¬10) المنتقى (127).

3 - ولأنه ليس بمنصوص على الوضوء منه، ولا في معنى المنصوص، لأنَّ المنصوص عليه هو الخارج المعتاد (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه عدم وجوب الغسل عليها غير غسلها من الحيض، لعدم الدليل الذي تقوم به الحجَّة، لاسيَّما في هذا التكليف الشاق. أمَّا الوضوء: فإنه يلزمها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة إن خرج منها شيءٌ لظاهر حديث عائشة (¬2)، فإن لم يخرج منها شيءٌ بَقِيَت على وضوئها الأول، إلاَّ أن يفسد ذلك الوضوء بشيءٍ من النواقض المعروفة، وذلك لعدم الدليل على انتقاض وضوئها إذا لم يخرج منها شيء. ¬

(¬1) ذكره لهم ابن قدامة في المغني (1/ 423) وكذا ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/ 629). (¬2) حديث عائشة في سؤال فاطمة بنت أبي حبيش للنبي عن تطهرها للصلاة، وقد سبق تخريجه قريبًا (258).

المبحث الثالث وطء المستحاضة

المبحث الثالث وطء المستحاضة اختلف أهل العلم في حكم وطء المستحاضة على قولَيْن: القول الأول: جواز ذلك: ذهب إليه جُمهور أهل العلم؛ ومنهم: أبو حنيفة (¬1)، ومالك (¬2)، والشافعية (¬3)، وأهل الظاهر (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، وابن عباس، وابن المسيب، والحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقتادة، وحمَّاد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله المزني، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور وابن المنذر (¬6). واحتجُّوا بما يلي: 1 - قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ} [البقرة: 222]. وهذه قد تطهَّرت من الحيض (¬7). 2 - وبما رواه عكرمة عن حمنة بنت جحش رضي الله عنهما: «أنها كانت ¬

(¬1) البناية (1/ 621) اللباب (1/ 45). (¬2) بداية المجتهد (1/ 45) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) المدونة (1/ 50) المنتقى (1/ 127) الكافي (1/ 159) الشرح الصغير (1/ 306). (¬3) المجموع (2/ 372) الأم (1/ 59). (¬4) المحلى (2/ 296). (¬5) المغني (1/ 421) الكافي (1/ 84) المبدع (1/ 292). (¬6) المجموع (2/ 372) الأوسط (2/ 217) البناية (1/ 662) نيل الأوطار (1/ 330) بداية المجتهد (1/ 45) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) المنتقى (1/ 127). (¬7) المجموع (2/ 372) وانظر: المحلى (2/ 296).

مستحاضة وكان زوجها يجامعها» (¬1). 3 - وعن عكرمة أيضًا قال: كانت أم حبيبة تُستحاض فكان زوجها يغشاها (¬2). 4 - ولأنَّ حمنة كانت تحت طلحة، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وقد سألتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أحكام المستحاضة، فلو كان حرامًا لبينه لهما (¬3). ونوقش: بأنَّ غايتهما أنهما فعلى صحابي، ولم ينقل التقرير لهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بالإذن بذلك (¬4). 5 - وفي صحيح البخاري قال: قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلَّت الصلاة أعظم (¬5). 6 - ولأنَّ المستحاضة كالطَّاهرات في الصلاة والصوم والاعتكاف والقراءة وغيرها، فكذا في الوطء (¬6). 7 - ولأنه دم عرق فلم يمنع الوطء كالناسور (¬7). 8 - ولأنَّ التحريم بالشرع، ولم يرد بتحريم، بل ورد بإباحة الصلاة التي هي أعظم، كما قال ابن عباس (¬8). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، في الطهارة باب المسحاضة يغشاها زوجها (1/ 216). قال النووي: وسنده حسن المجموع (2/ 372). (¬2) أخرجه أبو داود في الموضع السابق (1/ 216). (¬3) المغني (1/ 421). (¬4) نيل الأوطار (1/ 330). (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا بصيغة الجزم في كتاب الحيض باب إذا رأت المستحاضة الطهر (1/ 85). (¬6) المجموع (2/ 372) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) الأوسط (2/ 217) المنتقى (1/ 127). (¬7) المجموع (2/ 373) اللباب (1/ 45). (¬8) المجموع (2/ 373) نيل الأوطار (1/ 330).

القول الثاني: أنه لا يجوز: ذهب إليه أحمد في رواية عنه؛ وهي المذهب (¬1). وهو قول ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وسليمان بن يسار، والحكم، والزهري، وابن علية، والمغيرة بن عبد الرحمن، وبعض المالكية (¬2). واحتجُّوا بما يلي: 1 - بما رُوي عن عائشة أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها (¬3). ونوقش: بأنه إن صحَّ عنها فهو اجتهاد منها، ثم هو معارض بمثله عن الصحابي كما صحَّ عن ابن عباس. 2 - ولأنَّ بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض، فإنَّ الله تعالى منع وطء الحائض مُعلِّلاً بالأذى بقوله: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أمرٌ باعتزالهن عُقيب الأذى مذكورٌ بفاء التعقيب (¬4). 3 - ولأنَّ الحكم إذا ذُكر مع وصف يقتضيه ويصلح له عُلِّل به، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] والأذى يصلح أن يكون علَّة، فيُعلَّل به، وهو موجود في المستحاضة، فيثبت التحريم في حقِّها (¬5). ¬

(¬1) المغني (1/ 420)، المبدع (1/ 292) لكن قال الحنابلة: إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور؛ لأن حكمها أخف من حكم الحائض. المغني (1/ 420). (¬2) المغني (1/ 420) المجموع (2/ 372) الأوسط (2/ 217) جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 99) المنتقى (1/ 127). (¬3) أخرجه البيهقي في كتاب الحيض، باب صلاة المستحاضة واعتكافها (1/ 329). (¬4) المغني (1/ 420) وانظر: الأوسط (2/ 217) البناية (1/ 662) نيل الأوطار (1/ 330). (¬5) المغني (1/ 420).

ونوقش: القياس على الحائض من وجهين: الوجه الأول: أنه قياس يخالف ما سبق من دلالة الكتاب والسُنة فلم يقبل. الوجه الثاني: أنَّ المستحاضة لها حكم الطاهرات في غير محل النزاع، فوجب إلحاقه بنظائره لا بالحيض الذي لا يشاركه في شيء (¬1). الترجيح: والرَّاجح هو القول الأول لقوَّة ما بُنِي عليه من استدلالٍ في مقابل ضعف ما ذكر للقول الثاني من استدلال. ¬

(¬1) المجموع (2/ 373).

تراجم الأعلام الواردة في البحث

تراجم الأعلام الواردة في البحث (¬1) أولاً- الأسماء: أبان بن عثمان الأموي، أبو سعيد: قال فيه عمرو بن شعيب: ما رأيت أعلم بحديث ولا أفقه منه، وعدَّه يحيى بن سعيد في فقهاء المدينة، مات سنة 105 هـ. تهذيب التهذيب (1/ 97). أحمد بن صالح المصري، أبو جعفر الحافظ المعروف بـ «ابن الطبري»، كان جامعًا، يعرف الفقه والحديث والنحو. قال أبو نعيم: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز منه، مات سنة 248 هـ. تهذيب التهذيب (1/ 41). إسحاق بن راهوية: الحافظ الإمام إسحاق بن إبراهيم بن مخلَّد الحنظلي المروزي يعرف بابن راهويه وُلد سنة 166 هـ، صنَّف تصانيف كثيرة لم يصل إلينا منها شيء، قال عنه أحمد: لا أعلم في العراق له نظيرًا، وما عبر الجسر مثل إسحاق. تُوفِّي سنة 236 هـ، وقيل: سنة 237 هـ. انظر: تهذيب التهذيب (1/ 216) تذكرة الحفاظ (2/ 433) وفيات الأعيان (1/ 199). أسماء بنت عميس: الخثعمية، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، ثم تزوَّجها أبو بكر، ثم علي، وولدت لهم، وكان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا. تهذيب التهذيب (12/ 399). إسماعيل بن أمية: بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال الزبير بن بكار: كان فقيه أهل مكة. مات سنة 144 هـ. ¬

(¬1) وهو مرتب على النحو الآتي: الأسماء، الكنى، الأنساب والألقاب، من نُسب إلى أبيه أو جده أو أمه.

تهذيب التهذيب (1/ 284). إسماعيل بن عياش: عالم الشاميين: قال الذهبي عنه: كان من أوعية العلم، إلاَّ أنه ليس بِمُتقِن لما سمِعَه بغير بلده، كأنه كان يعتمد على حفظه فوقع خلل في حديثه عن الحجازيين وغيرهم، مات سنة 181 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 253) الكاشف (1/ 76). الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، الثقة الثبت الفقيه، مات سنة 74 هـ. تهذيب التهذيب (1/ 342). أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم: اسمه «مسكين»، و «أشهب» لقب، انتهت إليه رئاسة الفتوى والفقه في مصر بعد ابن القاسم، قال الشافعي: ما رأيت أفقه من أشهب. تُوفِّي سنة 204 هـ. الديباج المذهب (1/ 307) ترتيب المدارك (1/ 447). أفلت بن خليفة العامري، ويقال: «الذهلي» ويقال له: «فليت» قال أحمد: ما أرى فيه بأسًا، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الدارقطني: صالح. تهذيب التهذيب (1/ 366). بريرة: مولاة عائشة، قيل: كانت مولاة لقوم من الأنصار. وقيل: لآل عتبة، فاشترتها عائشة فأعتقتها، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها. الإصابة (4/ 252) الاستيعاب (4/ 249)؟ بكر بن عبد الله: المزني، البصري، يكنى بـ «أبي عبد الله»، وثَّقه ابن معين والنسائي وأبو زرعة وابن سعد وغيرهم، توفي سنة 106 هـ. تهذيب التهذيب (1/ 484). ثابت بن قيس: بن الشماس، الأنصاري، كان خطيب الأنصار، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم الرجل ثابت» قتل يوم اليمامة في عهد أبي بكر. الاستيعاب (1/ 192) الإصابة (1/ 195). جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية: قال العجلي: ثقة تابعيه، وذكرها ابن حبان في الثقات، قال البخاري: عند جسرة عجائب. تهذيب التهذيب (12/ 406) الكاشف (3/ 422). جعفر بن محمد الصادق: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، المدني، المعروف بـ «الصادق»، كان من سادات أهل البيت فقهًا، وعلمًا وفضلاً مات سنة 148 هـ. الجرح والتعديل (2/ 487)، تهذيب التهذيب (2/ 103).

الحارث بن يزيد العكلي، التيمي: تفقَّه على إبراهيم النخعي، وكان ثقة في الحديث، روي له البخاري مقرونًا. تهذيب التهذيب (2/ 164). حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة الأنصارية التي اختلعت من ثابت بن قيس. الإصابة (4/ 270) الاستيعاب (4/ 274). حجاج بن أرطاة: بن ثورة بن هبيرة بن شراحيل النخعي، الكوفي القاضي، كان فقيهًا، وكان أحد مفتي الكوفة، قال فيه الثوري: عليكم به فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه، مات نسة 145 هـ. تهذيب التهذيب (2/ 197) سير أعلام النبلاء (7/ 68). الحسن البصري: هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، من أكابر أئمَّة التابعين، عُرف بغزارة العلم وشدة الورع وفصاحة اللسان، كان جريئًا على قول الحق لا يخاف في الله لومة لائم، توفي سنة (110 هـ). وفيات الأعيان (2/ 69) الأعلام (2/ 242) شذرات الذهب (1/ 136). الحسن بن صالح بن حي: الهمداني، الكوفي الفقيه، العابد، قال فيه أبو زرعة: اجتمع في الحسن بن حي إتقان وفقه وعبادة، وزهد مات سنة 169 هـ. تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 126) شذرات الذهب (1/ 262). الحكم بن عتيبة: أبو محمد الكندي، مولاهم، الكوفي الحافظ الثقة، عالم أهل الكوفة، وأحد الأعلام. قال المغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبي - صلى الله عليه وسلم -. توفي سنة 115 هـ. تذكرة الحفاظ (11/ 117) تهذيب التهذيب (1/ 167). حماد بن أبي سليمان: العلامة الإمام، فقيه العراق، وأصله من أصبهان، كان أحد العلماء الأذكياء، والكرام الأسخياء، له ثروة وحشمة وتجمل، تتلمذ عليه الإمام أبو حنيفة ولازمه حتى توفي فخلفه في مجلسه، توفي سنة 120 هـ. سير أعلام النبلاء (5/ 231) تهذيب التهذيب (3/ 16). حماد بن زيد: بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، الأزرق، المجود شيخ العراق، وحماد بن زيد. مات سنة 179 هـ. تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 228) شذرات الذهب (1/ 292) طبقات الحفاظ للسيوطي (103).

خباب بن الأرت: الصحابي المشهور، كان من السابقين إلى الإسلام، وهو أول من أظهر إسلامه، فعُذِّب لذلك، شهد المشاهد كلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. الإصابة (1/ 416). خلاس بن عمرو: الهجري، البصري، روي عن علي وعمار، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. قال عبد الله عن أبيه: ثقة، ثقة. مات قبيل المائة. تهذيب التهذيب (3/ 177). داود بن علي الأصبهاني: الحافظ المجتهد، فقيه الظاهرية، نفي القياس في الشريعة وتمسك بظواهر النصوص، وتبعه جمع كثير، اشتهروا بالظاهرية توفي سنة (270 هـ). تذكرة الحفاظ (2/ 572) سير أعلام النبلاء (13/ 97) تاريخ بغداد (8/ 339). ربيعة بن أبي عبد الرحمن: التيمي مولاهم، المعروف بربيعة الرأي، أحد فقهاء المدينة وحفاظها وعلمائها بأيام الناس، أخذ عنه مالك الفقه والحديث، قال عنه مالك يوم مات: ذهبت حلاوة الفقه. توفي سنة 136 هـ. مشاهير علماء الأمصار (81) شذرات الذهب (1/ 194). الربيع بنت معوذ: بن عفراء، الأنصارية، روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنها ابنتها عائشة وخالد بن ذكوان وسليمان بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، وكانت من المبايعات تحت الشجرة. تهذيب التهذيب (12/ 418). رويفع بن ثابت: بن السكن، بن عدي بن حارثة، من بني مالك بن النجار، نزل مصر وولاه معاوية على طرابلس، وتوفي ببرقة، وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد. توفي سنة 56 هـ. الإصابة (1/ 522). زفر بن الهذيل بن قيس العنبري. فقيه من أكابر أصحاب أبي حنيفة، كان من أصحاب الحديث فغلب عليه الرأي، ولي قضاء البصرة، وتوفي بها سنة 158 هـ. الفوائد البهية (75) مشاهير علماء الأمصار (170) شذرات الذهب (1/ 243). سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. أحد أجلَّة التابعين، وسادتهم وفقهاتهم. وأحد فقهاء المدينة السبعة. توفي بالمدينة في خلافة هشام سنة 106 هـ. مشاهير علماء الأمصار (65) تذكرة الحفاظ (1/ 88).

سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، الوالبي، مولاهم، كوفي، من كبار التابعين، أخذ عن ابن عباس، وأنس وغيرهما، من كبار الصحابة، خرج على الأمويين مع ابن الأشعث فظفر به الحجاج فقتله صبرًا رحمه الله سنة 95 هـ. تذكر الحفاظ (1/ 76) سير أعلام النبلاء (4/ 321). سعيد بن المسيب، ابن حزن القرشي، المدني. أحد فقهاء المدينة السبعة، قال عنه ابن عمر: لو رأى هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسره، توفي سنة 91 هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 217) شذرات الذهب (1/ 102). سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري، الكوفي، أحد الأئمَّة المجتهدين، قال عنه سفيان بن عيينة: سفيان الثوري أمير المؤمنين بالحديث، له آراء فقهية مبثوثة في كتب الخلاف، مات سنة 161 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 111) تاريخ بغداد (9/ 151). سليمان بن داود الخولاني الجزري: قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري في الكبير: فيه نظر، وقد ذكره الدارقطني في المتروكين، وقال الدوري: ضعيف. وقال علي بن المديني: منكر الحديث، وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه إذا انفرد ووثقه ابن حبان. تهذيب ابن عساكر (6/ 275، 277) الضعفاء للعقيلي (2/ 127). سليمان بن معاذ بن قرم الضبي، روى عن ابن المنكدر وثابت، وعنه أبو داود، ويونس المؤدب، قال أبو زرعة وغيره: ليس بذاك. الكاشف (1/ 319). سليمان بن يسار، مولى ميمونة زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد أئمَّة التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، كان سعيد بن المسيب إذا جاءه أحد يستفتيه قال: اذهب إلى سليمان بن يسار، فإنه أعلم من بقي اليوم. توفي سنة 100 هـ. تذكره الحفاظ (1/ 58) مشاهير علماء الأمصار (64). شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، اختلف في صحبته، ولي قضاء الكوفة لعمر، واستمر قاضيًا، بها إلى أن وليها الحجاج في خلافة عبد الملك، فطلب منه أن يعفيه فأعفاه سنة 77 هـ، وتوفي سنة 87 هـ. وقيل: سنة 82 هـ. الاستيعاب (2/ 148) تذكرة الحفاظ (1/ 55). شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، الكوفين القاضي، أحد الأئمَّة الأعلام. مات سنة 177 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 232) تهذيب التهذيب (4/ 333).

الضحاك: الضحاك بن سفيان الكلابي، أبو سعد والي نجد. صحابي له أربعة أحاديث، وكان من عمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات. الإصابة (2/ 206). طاوس بن كيسان الخولاني اليمني. أحد الأئمَّة الأعلام، وأحد فقهاء التابعين، توفي بمكة سنة 106 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 90) وفيات الأعيان (2/ 509) مشاهير علماء الأمصار (112). عائذ بن حبيب: أبو أحمد القرشي. قال فيه يحيى بن معين: ثقة، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر عائذ بن حبيب فأحسن الثناء عليه، وقال: كان شيخًا جليلاً عاقلاً. الجرح والتعديل (7/ 17). عبد الرحمن بن أيمن: مولى بني مخزوم، روى عن ابن عمر، وعنه أبو الزبير، وعمرو بن دينار، قال عنه الذهبي: صدوق. الكاشف (2/ 139). عبد الرزاق بن همام بن نافع، أبو بكر الحميري، الصنعاني، أحد الأعلام الثقات، رحل إليه الأئمَّة في اليمن، له المصنف في الحديث والآثار، وتفسير القرآن توفي سنة 211 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 364) شذرات الذهب (2/ 27) تهذيب التهذيب (6/ 310). عبد العزيز بن صهيب البناني الأعمى: روى عن أنس وشهر7، وعنه شعبة، وابن علية. قال الذهبي: حجة. توفي سنة (130 هـ). الكاشف (2/ 176). عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، قال ابن عبد البر: كان من أهل العلم، ثقة، فقيهًا محدثًا، مأمونًا حافظًا، مات سنة 35 هـ. وقيل 30 هـ، تهذيب التهذيب (5/ 164). عبد الله بن سلمة الهمداني، المرادي، الكوفي. وثقه العجلي، ويعقوب بن شيبة، وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال النسائي وأبو حاتم: يعرف وينكر، وقال ابن حجر: صدوق تغير حفظه. ميزان الاعتدال (2/ 430) تهذيب التهذيب (5/ 341). عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن مناف. اختلف في لقائه النبي وهو صغير، عمل لعبد الملك بن مروان على العراق، وولي قضاء المدينة الإصابة (3/ 63).

عبد الله بن معقل: ابن مقرن، الإمام أبو الوليد، المزني، الكوفي. من خيار التابعين وفقهائهم. مات سنة 88 هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 206) تهذيب التهذيب (6/ 40). عروة بن الزبير بن العوام، الأسدي، القرشي، إمام من أجل أئمَّة التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، روى الكثير من الأحاديث عن أم المؤمنين عائشة، توفي سنة 93 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 62) مشاهير علماء الأمصار (64). عطاء بن أبي رباح القرشي، مولاهم، أحد الفقهاء والأئمَّة المجتهدين، لقي جمعًا من الصحابة، وأخذ عنهم العلم، وانتهت إليه الفتوى في مكة، توفي سنة 114 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 98) وفيات الأعيان (3/ 261). عطاء بن أبي مسلم الخراساني، المحدث الواعظ، نزيل دمشق والقدس، اشتهر بكثرة تنقله في الغزو والجهاد. مات سنة 135 هـ. سير أعلام النبلاء (6/ 140) شذرات الذهب (1/ 192). عكرمة: بن عبد الله مولى ابن عباس رضي الله عنهما، أحد فقهاء التابعين وفقهاء مكة، وهو بريري الأصل. مات سنة 107 هـ. سير أعلام النبلاء (5/ 12) مشاهير علماء الأمصار (82). علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النخعي، الكوفي، كان من أعلم الناس في فقه ابن مسعود، توفي سنة (53 هـ) وقيل: (62 هـ). مشاهير علماء الأمصار (100) تهذيب التهذيب (7/ 276). عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، كانت في حجر عائشة، قال ابن المديني: عمرة أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها ماتت سنة (103 هـ). تهذيب التهذيب (12/ 438). عمرو بن دينار الجمحي، مولاهم، المكي، الأثرم، أحد الأعلام، وكان مفتي مكة. مات سنة (115) أو (116 هـ). مشاهير علماء الأمصار (804) تهذيب التهذيب (3/ 436). عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، السبتي، أحد علماء المذهب المالكي، كان إمامًا حافظًا محدثًا، فقيهًا.

من تصانيفه: الشفا في حقوق المصطفى، التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة. مات سنة (544 هـ). شجرة النور الزكية (140) الديباج المذهب (2/ 46). الاستيعاب (4/ 383)، الإصابة (4/ 381). فاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد، القرشية الأسدية. تزوجها عبد الله بن جحش فولدت له محمد. الإصابة (4/ 381). القاسم بن عثمان البصري. حدث عن أنس، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها ا. هـ، وقد حدث عنه إسحاق الأزرق أحاديث لا يتابع منها على شيء. الضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 480) التاريخ الكبير (4/ 1/165) الميزان (3/ 375). القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، الإمام الثقة الفقيه، المحدث، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. مات سنة (101 هـ). تذكرة الحفاظ (1/ 96) تهذيب الأسماء واللغات (2/ 55). قتادة بن دعامة السدوسي: المفسر، الحافظ، قال فيه أحمد: قتادة أحفظ أهل البصرة. وكان مع علمه بالحديث والتفسير، رأسًا في العربية، وأيام العرب والنسب، مات سنة (117 هـ). العبر (1/ 146) تذكرة الحفاظ (1/ 122) سير أعلام النبلاء (5/ 269). قيس بن سعد: المكي، أبو عبد الله، روى عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعمرو بن دينار، ومكحول، وغيرهم، وعنه خلق. قال ابن سعد: كان قد خلف عطاء في مجلسه، ولكنه لم يعمر. مات سنة 17 هـ. تهذيب التهذيب (8/ 397). كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري، الخزرجي، صحابي، اشتهر في الجالية، وكان في الإسلام من شعراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشهد معه أكثر الوقائع. مات سنة 50 هـ. الأعلام (5/ 228). الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أحد الأئمَّة المجتهدين، كان إمام أهل مصر في عصره حديثًا وفقهًا، وقد انتشر مذهبه في مصر مدَّة، وجرت بينه وبين مالك مناظرات ومراسلات، قال فيه الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلاَّ أنَّ أصحابه لم يقوموا به. مات سنة 175 هـ. تهذيب التهذيب (8/ 459) شذرات الذهب (1/ 285) وفيات الأعيان (1/ 438).

مجاهد بن جبر، الحبر المكي، قال عن نفسه: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. توفي وهو ساجد سنة (103 هـ). شذرات الذهب (1/ 125) تهذيب التهذيب (10/ 42). محمد بن أبي بكر الصديق: روى عن أمه أسماء بنت عميس، وعنه ابنه القاسم مرسلاً. قدم مصر واليًا لعلي، فالتقاه معاوية بن خديج فهزمه، ثم قتل بمصر سنة 28 هـ. الكاشف (3/ 23). محمد بن إسحاق: بن يسار بن خيار. المدني المطلبي، نزل بغداد، قال فيه ابن سعد: ثقة، ومن الناس من تكلم فيه، وقال الدارقطني: اختلف الأئمَّة فيه، وليس بحجة وإنما يعتبر به مات سنة 15 هـ. مشاهير علماء الأمصار (139) تهذيب التهذيب (5/ 38). محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء: صحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه، عرف بسعة العلم وفصاحة اللسان، قام بنشر مذهب أبي حنيفة، له تصانيف كثيرة منها: «المبسوط» و «الجامع الصغير» و «الكبير» و «السير الكبير والصغير» توفي سنة (119 هـ) الفوائد البهية (163)، وفيات الأعيان (4/ 184) البداية والنهاية (10/ 202). محمد بن الفضل بن عطية بن عمر بن خالد العبسي، مولاهم، الكوفي كذب أحمد حديثه، وكذا الجوزاني، والنسائي، وابن خراش، وغيرهم توفي سنة (180 هـ). تهذيب التهذيب (9/ 401) ميزان الاعتدال (4/ 6). محمد بن مسلمة: بن محمد بن هشام بن إسماعيل، روى عن مالك وتفقه عنده، وكان أحد فقهاء المدينة، من أصحاب مالك وكان أفقههم توفي سنة 206 هـ. الديباج (227). مسروق بن الأجدع بن مالك، أحد الأئمَّة الأعلام، قال فيه الشعبي: ما علمت أحدًا أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق. توفي سنة (63 هـ). تاريخ بغداد (13/ 232). مسلم بن الحجاج: بن مسلم النيسابوري، أحد الأئمَّة المبرزين في علم الحديث، رحل في طلبه إلى أكثر البلاد الإسلامية، وجمع عددًا كبيرًا من الأحاديث استخرج منها كتابه المسمى بـ «الصحيح»، وقد رُوي عنه أنه قال: اخترته من ثلاثمائة ألف حديث، وهو أصحُّ كتاب في السنة بعد صحيح البخاري توفي سنة (261 هـ).

تاريخ بغداد (13/ 100) تذكرة الحفاظ (2/ 588). مسلم بن صبيح الهمذاني، مولاهم، أبو الضحى، الكوفي العطار، قال ابن حجر: كان ثقة كثير الحديث، وقال أبو حصين: رأيت الشعبي وإلى جنبه مسلم بن صبيح فإذا جاءه شيء، قال: ما ترى يا ابن صبيح. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. تهذيب التهذيب (10/ 132). معاذة: بنت عبد الله العدوية، أم الصهباء البصرية، ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال: كانت من العبَّادات. تهذيب التهذيب (12/ 452). معبد بن خالد الجهني: يكنى «أبا زرعة»، قال ابن أبي حاتم والعسكري، له صحبة، روى عن أبي بكر وعمر. مات سنة 72 هـ. تهذيب التهذيب (10/ 222). المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي: أحد أعيان أصحاب مالك، وكان مفتي المدينة بعد مالك، وعرض عليه الرشيد القضاء فأبى. مات سنة (188 هـ). الديباج المذهب (2/ 243) شذرات الذهب (1/ 310). مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي، الخراساني، صاحب التفسير، قال ابن حجر: كذبوه، وهجروه، تهذيب التهذيب (10/ 279). مقسم بن بجرة، ويقال: ابن نجدة، أبو القاسم، روى عن ابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وعائشة وجمع وعنه ميمون بن مهران، والحكم بن عتيبة، وغيرهم، وقد اختلف فيه. تهذيب التهذيب (10/ 288). مكحول الدمشقي: فقيه الشام، طاف الأرض في طلب العلم، وكان فقيه دمشق، وأحد أوعية العلم، قال أبو حاتم: ما أعلم أحدًا أفقه من مكحول، توفي سنة 113 هـ. تهذيب التهذيب (10/ 260) شذرات الذهب (1/ 146). ميمون بن مهران الجزري، أبو أيوب الرقي الفقيه، قال فيه عمر بن عبد العزيز: إذا ذهب هذا صار الناس من بعده رجراجة. مات سنة 116 هـ. تهذيب التهذيب (10/ 391).

نافع: أبو عبد العدوي، المدني، مولى ابن عمر، وأحد أوعية العلم، وحفاظه، بعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل مصر يعلمهم السنن. مات سنة (117 هـ). تذكرة الحفاظ (1/ 99). هشام بن حسان: الأزدي الفردوسي: أبو عبد الله البصري، روى عن الحسن وابن سيرين، وأنس، وحفصة، وهشام بن عروة، وعنه خلق، مات سنة 146 هـ. طبقات الحفاظ (78) تذكرة الحفاظ (1/ 163). هشام بن عروة: بن الزبير بن العوام، أحد حفاظ المدينة وصالحيهم، وأهل الورع، والفضل في الدين، مات سنة 146 هـ. سير أعلام النبلاء (6/ 34) تذكرة الحفاظ (4/ 301). يحبى بن أبي أنيسة: الغنيو، الجزري، ضعف حديثه ابن سعد، وأبو حاتم، وابن المديني، وغيرهم. وقال البخاري: ليس بذاك، ولا يتابع ففي حديثه. وقال النسائي والدارقطني، متروك الحديث. توفي سنة (146) تهذيب التهذيب (11/ 183) ميزان الاعتدال (4/ 364). يحيى بن ضمرة الحضرمي: قاضي دمشق، أبو عبد الرحمن البتلهي، الثقة، الإمام مات سنة 183 هـ. الكاشف (3/ 223). يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو: أبو سعيد الأنصاري، المدني، قاضي المدينة، ثم قاضي القضاة للمنصور، مات سنة (143 هـ). تاريخ بغداد (14/ 101) تذكرة الحفاظ (1/ 137). يحيى بن معين: هو الإمام الحافظ شيخ المحدثين أبو زكريا، يحيى بن معين بن عون بن بسطام الغطفاني ثم المزي مولاهم، أحد الأعلام، ولد سنة 158 هـ، قال فيه الإمام أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث. تهذيب التهذيب (11/ 280) طبقات الحفاظ (185) سير أعلام النبلاء (11/ 71) وفيات الأعيان (6/ 139). يحيى بن سعيد البصري: المعروف بابن القطان، وأحد أعلام الإسلام، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثله. وهو أول من جمع كلامه في الجرح والتعديل. مات سنة (198 هـ). تاريخ بغداد (14/ 135) تهذيب التهذيب (11/ 216).

ثانيًا- من عرف بكنيته: أبو بكر: عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، صاحب الخلال، وشيخ الحنابلة في وقته، له مصنفات في العلوم المختلفة، منها: الشافي، والمقنع، وتفسير القرآن توفي سنة 363 هـ. تاريخ بغداد (10/ 459) شذرات الذهب (3/ 45). أبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه، وأحد الأعلام، اشتغل أول أمره بالمذهب الحنفي، وبعد أن قدم الشافعي بغداد تبعه وهو الذي نقل المذهب الشافعي القديم، له مصنفات كثيرة جمع فيها بين الفقه والحديث، وله آراء فقهية منثورة في كتب الخلاف، توفي سنة 240 هـ، وقيل: سنة (246 هـ). وفيات الأعيان (1/ 26) شذرات الذهب (2/ 94) سير أعلام النبلاء (12/ 72). أبو جعفر الباقر: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان ناسكًا عابدًا، له في العلم، وتفسير القرآن، آراء وأقوال، توفي بالمدينة سنة (114 هـ). سير أعلام النبلاء (4/ 401) الأعلام (1/ 270). أبو جعفر: النحاس: أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، المصري، المعروف بالنحاس، واللغوي، الأديب، الفقيه، المفسر له تصانيف كثيرة؛ منها: معاني القرآن، الناسخ والمنسوخ، تفسير القرآن مات سنة (338 هـ). شذرات الذهب (2/ 346) معجم المؤلفين (2/ 82). أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد، الكلوذاني، أحد الأئمَّة المذهب الحنبلي وأعلامه، درس الفقه على القاضي أبو يعلي. ولزمه حتى برع في المذهب والخلاف، وصار إمام وقته في الفقه، صنف تصانيف كثيرة؛ منها الهداية في الفقه، والانتصار في المسائل الكبار، ورءوس المسائل. مات سنة 510 هـ. المنهج الأحمد (2/ 233) النجوم الزاهرة (5/ 212). أبو داود: سليمان بن الأشعث بن عمرو الأزدي السجستاني الإمام العلم صاحب السنن وكان رأسًا في الحديث ورأسًا في الفقه، ذا جلالة وحرمة، وصلاح وورع، حتى أنه كان يشبه شيخه أحمد بن حنبل، قال إبراهيم الحربي أُلِين لأبي داود الحديث كما أُلِين لداود الحديد .. له مؤلَّفات منها: السنن، والناسخ والمنسوخ، والقدر، والمراسيل. توفي سنة 275 هـ.

شذرات الذهب (2/ 167) طبقات الحفاظ للسيوطي (265) تهذيب التهذيب (4/ 169) تاريخ بغداد (9/ 55) تذكرة الحفاظ (2/ 591). أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس، المكي. الحافظ، المكثر، حدث عنه جمع من الصحابة، وعنه خلق، قال عطاء: كنا نكون عند جابر فيحدثنا، فإذا خرجنا تذاكرنا الحديث، فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث. مات سنة (128 هـ) تذكرة الحفاظ (1/ 126) طبقات الحفاظ (57). أبو الزناد: عبد الله بن ذكوان الأموي. أحد فقهاء المدينة وعلمائها، قال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة من طالب علم وفقه، وشعر وصنوف. مشاهير علماء الأمصار (135) سير أعلام النبلاء (5/ 445). أبو سلمة بن عبد الرحمن: بن عوف، الزهري، المدني، الحافظ أحد الأعلام، اختلف في اسمه فقيل: عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته، مات سنة 97 هـ. مشاهير علماء الأمصار (64) سير أعلام النبلاء (4/ 287). أبو العالية: رفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي مولاهم، البصري، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو داود: ذهب علم أبي العالية، لم يكن له رواة. مات سنة 93 هـ وقيل: سنة 106 هـ. تهذيب التهذيب (3/ 284). أبو عبيد: القاسم بن سلام، الإمام المجتهد الحافظ، له تصانيف كثيرة في القرآن والفقه، والحديث، واللغة، من أشهرها: الناسخ والمنسوخ، وغريب الحديث، الأموال. توفي بمكة سنة 224 هـ. المنهج الأحمد (1/ 140) تاريخ بغداد (12/ 403). أبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي البصري، أحد الأعلام الحفَّاظ، وأحد عباد التابعين، هرب من البصرة مخافة أن يلي القضاء، فدخل الشام يأوي الرباطات، ويكون في الثغور، ومعه بنيٌّ له. مات سنة 104 هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 468) تهذيب التهذيب (5/ 224). أبو معشر: يوسف بن زيد البصري، أبو معشر البراء العطار. ضعَّفه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال النسائي وأبو داود: ليس بذاك، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. تهذيب التهذيب (11/ 429) ميزان الاعتدال (4/ 475).

أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس، الأنصاري لزم أبا حنيفة، وتفقَّه عليه، وكان له فضل في نشر المذهب الحنفي، وولي قضاء بغداد في خلافة هارون الرشيد، له مصنفات كثيرة من أشهرها: الخراج، الأمالي، النوادر. مات سنة 182 هـ. تاريخ بغداد (14/ 242) تذكرة الحفاظ (1/ 292). أم حبيبة بنت جحش: حمنة بنت جحش الأسدية. أخت زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت تحت مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد، وخلف عليها طلحة بن عبد الله وهي التي كانت تستحاض، وقد زعم الواقدي: أن المستحاضة أم حبيبة بنت جحش أخت حمنة. قال ابن حجر: ولا وجه لرد الأقوال الصحيحة لقوله وحده. قال: لكن في رواية الزهري عن عروة عن أم حبيبة بنت جحش ختن رسول الله، وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، رواه مسلم هكذا. وفي نصه: على أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ما يرجح ما ذهب إليه الواقدي. وقد رجحه إبراهيم الحربي، وزيَّف غيره، واعتمده الدارقطني. تهذيب التهذيب (12/ 411). أم سليم: بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، الأنصارية، أم أنس خادم رسول الله، أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار. الإصابة (4/ 462). أم عطية: الأنصارية، نسيبة بنت الحارث، روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عددًا من الأحاديث، وروي عنها جمع. الإصابة (4/ 477). ثالثًا- من اشتهر بلقب أو نسب: الأثرم: أحمد بن محمد بن هاني، الإسكافي، الأثرم، أبو بكر، المحدث الفقيه، صاحب الإمام أحمد له من المصنفات: السنن في الفقه، العلل، الناسخ والمنسوخ مات (261 هـ). تاريخ بغداد (5/ 110) تذكرة الحفاظ (2/ 135). الأصم: الإمام المفيد الثقة، محدث المشرق، أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم، ظهر به الصمم بعد مجيئه من الرحلة، مات سنة (346 هـ). طبقات الحفاظ (355) تذكرة الحفاظ (3/ 860).

الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام، كان رأسًا في العلم والعمل، والفقه مات سنة 157 هـ. النجوم الزاهرة (3/ 30) مشاهير علماء الأمصار (180). الباجي: هو أبو الوليد سليمان بن خلف التميمي الفقيه المالكي الحافظ، ولد سنة (403 هـ) كان فقيهًا محققًا راوية محدِّثًا، متكلِّمًا أصوليًا، فصيحًا شاعرًا مطبوعًا، حسن التأليف، منها: شرح الموطَّأ المهذب في اختصار المدونة، وفي الأصول: أحكام الفصول في إحكام الأصول، الإشارة في الحديث. ترتيب المدارك (2/ 807). البتي: عثمان بن مسلم البتي، أبو عمرو البصري، الفقيه، المجتهد: له آراء فقهية كثيرة مبثوثة، في كتب الخلاف، كان يبيع البتوت: وهو كساء غليظ، فقيل: البتي توفي سنة 134 هـ وقيل (143 هـ). تهذيب التهذيب (7/ 152) الخلاصة (262). البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري، الإمام الحافظ، المحدث، صاحب الصحيح، ألفه في ستة عشر عامًا، قال عنه أحمد: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل. توفي سنة (256 هـ). تاريخ بغداد (2/ 4، 36) شذرات الذهب (2/ 134). البرقاني: أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي، الشافعي، أحد الأئمَّة الحفاظ، الفقهاء مات سنة (425 هـ). تذكرة الحفاظ (3/ 1074) طبقات الحفاظ (418). البهوتي: منصور بن يونس بن صلاح الدين حسين بن أحمد بن علي بن إدريس، البهوتي، الفقيه الحنبلي، انتهت إليه رئاسة الحابلة في وقته، توفي بمصر سنة (1051 هـ) ـ له مؤلفات منها: الروض المربع، كشاف القناع. الأعلام (8/ 249) معجم المؤلفين (13/ 22). البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، الخسروجي، لزم الحاكم وتخرج به، وأكثر عنه جدًا، وزاد عليه بأنواع من العلوم، له مصنفات كثيرة؛ منها: السنن الكبرى، والصغرى، وشعب الإيمان، ودلائل النبوة، والخلافيات، مات سنة (458). طبقات الشافعية للسبكي (4/ 8) النجوم الزاهرة (5/ 77).

الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي، أحد أئمَّة الحديث، وحفاظه، ومن أهل ترمذ. تتلمذ على البخاري وشاركه في بعض شيوخه، وكان آية في الحفظ والإتقان، عمي في آخر عمره، ومن تصانيفه الجامع الكبير، وهو أحد الصحاح الستة، مات بترمذ سنة (279 هـ). شذرات الذهب (2/ 174) الوفيات لابن قنفذ (190). الخطابي: أبو سليمان أحمد بن إبراهيم بن الخطابب، الخطابي، البستي، من ولد زيد بن الخطاب، أخي عمر، جمع بين الفقه والحديث، واللغة والأدب، وانتفع به الكثير، له تصانيف منها معالم السنن، غريب الحديث، شرح البخاري مات سنة (388). تذكرة الحفاظ (3/ 209) مرآة الجنان (2/ 435). الدارقطني: هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود، الدارقطني الشافعي، أحد أئمَّة علماء الحديث، ولد ببغداد، ورحل إلى الشام ومصرن فأفاد وروى عنه أئمَّة كبار كالإسفراييني والحاكم، له تصانيف؛ منها السنن، والعلل والضعفاء وغير ذلك توفي سنة 385 هـ. تاريخ بغداد (12/ 34) تذكرة الحفاظ للذهبي (3/ 199). الدارمي: الإمام الحافظ شيخ الإسلام بسمرقند، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهارم الدارمي التميمي. مات يوم التروية (255 هـ) تذكرة الحفاظ (2/ 534) طبقات الحفاظ (239). الرافعي: أبو القاسم، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزوين. له مصنفات؛ منها فتح العزيز شرح الوجيز، شرح مسند الشافعي، المحرر في الفقه مات سنة (623 هـ). طبقات الشافعية للإسنوي (1/ 571) الأعلام (4/ 55). الرملي: محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين، الرملي، فقيه الديار المصرية في عصره، ويقال له الشافعي الصغير توفي سنة 1004 هـ. الأعلام (6/ 7) معجم المؤلفين (8/ 255). الزهري: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، القرشي، كان من أبرز حفاظ التابعين، وفقهائهم قال عنه ابن تيمية: حفظ الزهري الإسلام نحوًا من سبعين سنة توفي سنة 124 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 108) سير أعلام النبلاء (5/ 326).

السدي: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، الإمام المفسر، الحجازي، ثم الكوفي، أحد موالي قريش، اختلف في توثيق هـ. ماتت سنة (127 هـ). سير أعلام النبلاء (5/ 264). الشربيني: محمد بن أحمد، الشربيني القاهري، الشافعي، برع في الفقه، والتفسير، وعلوم العربية. له مصنفات؛ منها: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، وشرح منهاج الدين للجرجاني توفي سنة 977 هـ. شذرات الذهب (8/ 348) معجم المؤلِّفين (8/ 269). الشعبي: عامر بن شراحيل الشعبي الحميري الكوفي، عالم من أجل علماء التابعين، عرف بفصاحة اللسان، وحضور البديهة، وله آراء فقهية كثيرة مبثوثة في كتب الخلاف، مات سنة (103 هـ). سير أعلام النبلاء (4/ 294) شذرات الذهب (1/ 126). الشوكاني: محمد بن علي بن عبد الله الشوكاني، تفقه على مذهب زيد بن علي، وطلب الحديث حتى فاق فيه أهل زمانه، وخلع ربقة التقليد. له مؤلفات عديدة؛ منها: فتح القدير في التفسير، وإرشاد الفحول في الأصول. توفي سنة (1250 هـ). البدر الطالع (2/ 214) معجم المؤلفين (11/ 53). العنبري: عبيد الله بن الحسن، العنبري القاضي، ولي قضاء البصرة، وكان ثقة، عاقلاً من الرجال، وقد نقل عنه القول: بأن كل مجتهد مصيب، وقيل: إنه رجع عنه. مات سنة 168 هـ. تهذيب التهذيب (7/ 827). العيني: محمود بن أحمد بن موسى الحنفي، المشهور بالعيني، وأحد كبار المحدثين، والمؤرخين، ولي قضاء القاهرة، ثم عكف على التدريس والتأليف له مؤلفات كثيرة؛ أشهرها: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، والبناية على الهداية في الفقه، مات سنة (855 هـ). الضوء اللامع (1/ 135) البدر الطالع (2/ 294). القاضي أبو يعلي: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء، الفقيه، الحنبلي، عالم عصره في الفقه والأصول، وأنواع الفنون، ولي قضاء بغداد. له مؤلَّفات كثيرة؛ منها الروايتين والوجهين، الأحكام السلطانية، توفي سنة (458 هـ). طبقات الحنابلة (2/ 193) شذرات الذهب (3/ 306).

المتولي: عبد الرحمن بن مأمون بن علي المتولي، أبو سعيد، أحد كبار فقهاء الشافعية، برع في الفقه والأصول، والخلاف، توفي سنة (478 هـ). طبقات الشافعية (1/ 306) الأعلام (3/ 323). المرغيناني: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، المرغيناني، الحنفي، الفقيه، الحافظ، المفسر، له مؤلفات كثيرة، أشهرها: شرح الجامع الكبير، والهداية وتوفي سنة (593 هـ). الفوائد البهية (141) الأعلام (5/ 73). المروزي: الإمام شيخ الإسلام، أبو عبد الله المروزي الفقيه، كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة، ومن بعدهم في الأحكام، وقال الحاكم: إمام أهل عصره في الحديث بلا مدافعة مات سنة (294 هـ) تذكرة الحفاظ (2/ 650) طبقات الحفاظ (289). المزني: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، صاحب الإمام الشافعي، وتفقه به، وكان زاهدًا، عالمًا جدلاً حسن الكلام في النظر، مات سنة (264 هـ). الوفيات لابن قنفذ (186) وفيات الأعيان (1/ 196). النخعي: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، أحد كبار علماء التابعين، كان فقيه العراق في وقته، مات مختفيًا من الحجاج، ولما بلغ الشعبي موته، قال: والله ما ترك بعده مثله، كان موته سنة (96 هـ). مشاهير علماء الأمصار (111) طبقات ابن سعد (6/ 188). النسائي: أحمد بن شعيب بن علي النسائي، صاحب السنن، وأحد كبار أئمَّة الجرح والتعديل. مات سنة (303 هـ). تذكرة الحفاظ (2/ 698) الأعلام (1/ 171). النووي: يحيى بن شرف بن مري الحزامي النووي، الفقيه، المحدث، تتلمذ عليه الكثير، ويعد أستاذ المتأخرين من علماء الشافعية، له مصنفات كثيرة منها: المنهاج والروضة، وشرح صحيح مسلم. توفي سنة (676 هـ). طبقات الشافعية للسبكي (8/ 395) تذكرة الحفاظ (4/ 1470). رابعًا- من نسب إلى أبيه أو أمه: ابن أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الفقيه المجتهد، ولي قضاء الكوفة، وجرت له مع مالك مناظرات ومراسلات، مات سنة (148 هـ). طبقات الحفاظ للسيوطي (81) تهذيب التهذيب (9/ 301).

ابن أبي مليكة: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي، رأى ثمانين من أصحاب رسول الله ص، كان من الصالحين والفقهاء في التابعين، معدود في طبقة عطاء، وقد ولي القضاء لابن الزبير، مات سنة (117 هـ). مشاهير علماء الأمصار (83) شذرات الذهب (1/ 153). ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، أبو العباس، الحراني، ثم الدمشقي، كان إمامًا في الحديث، والتفسير، والفقه، وفنون العلوم، له مصنفات كثيرة، قال في فوات الوفيات: إنها تبلغ ثلاث مائة مجلد، من أشهرها: درء تعارض العقل والنقل، السياسة الشرعية، رفع الملام عن الأئمَّة الأعلام، توفي سنة (728 هـ). الدرر الكامنة (1/ 168) البداية والنهاية (14/ 118). ابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم، المفسر، المحدث، الفقيه، يقال: إنه أول من صنف الكتب. قال أحمد: كان ابن جريج من أوعية العلم. مات سنة 150 هـ. الوفيات لابن قنفذ (130) مشاهير علماء الأمصار (145). ابن جرير: محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الفقيه، المفسر، بل المجتهد المطلق، صاحب المصنفات المشهور؛ منها: جامع البيان في تفسير القرآن اختلاف الفقهاء التاريخ، مات سنة (310 هـ). ذكرة الحفاظ (2/ 710) طبقات الفقهاء للشيرازي (93). ابن جزي: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى، الكلبي، الغرناطي، الفقيه المالكي، لازم ابن رشد وتفقه به، له تصانيف؛ منها: وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم، القوانين الفقهية، التسهيل لعلوم التنزيل، مات سنة (741 هـ). الدرر الكامنة (3/ 356) الديباج المذهب (295). ابن حامد: الحسن بن حامد بن علي بن مروان، البغدادي، إمام الحنابلة في وقته، كان مُعظَّمًا مُقدَّمًا عند الدولة، وله المصنفات العظيمة في مختلف الفنون، منها: الجامع في اختلاف العلماء، وتهذيب الأجوبة، وشرح الخرقي، مات سنة 403 هـ. المنهج الأحمد (2/ 98) تاريخ بغداد (7/ 303). ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان، التميمي، البستي، الشافعي، المحدث، الحافظ، المؤرخ، الفقيه اللغوي، ولي قضاء سمرقند. توفي سنة (354 هـ).

البداية والنهاية (11/ 259) شذرات الذهب (3/ 16). ابن حجر العسقلاني: هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد أبو الفضل المصري الشافعي، المعروف بابن حجر العسقلاني ولد سنة 773هوصنف التصانيف الكثيرة السائرة، من أشهرها كتابه: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الدرر الكامنة، مات سنة (852 هـ). شذرات الذهب (7/ 27) الضوء اللامع (1/ 38) البدر الطالع (1/ 87). ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأموي مولاهم: كان ذكيًا، حافظًا واسع العلم، وهو الذي تولى نشر المذهب الظاهري، ودافع عنه، له مؤلفات كثيرة؛ منها: المحلى في الفقه، والأحكام في أصول الفقه، والفصل في الملل والنحل. توفي سنة (459 هـ). شذرات الذهب (3/ 399) الأعلام (4/ 254). ابن رشد: محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المالكي، الشهير بابن رشد الحفيد، من أهل قرطبة، برع في فنون العلم، له مؤلفات؛ منها: بداية المجتهد، تهافت التهافت في الفلسفة، والكليات في الطب، مات سنة (595 هـ). شذرات الذهب (4/ 320) الأعلام (6/ 213). ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، فقيه الشافعية في وقته، ولي القضاء بشيراز، وتولى نشر المذهب الشافعي. مات سنة (306 هـ). طبقات الشافعية (2/ 87) البداية والنهاية (11/ 129) الأعلام (1/ 185). ابن سيرين: محمد بن سيرين الأنصاري، مولى أنس بن مالك إمام كثير العلم والورع، وفقيه ثقة فاضل، حافظ، متقن يعبر الرؤيا، رأى ثلاثين من الصحابة مات سنة (110 هـ). سير أعلام النبلاء (4/ 606) طبقات الحفاظ للسيوطي (38). ابن شبرمة: عبد الله بن شبرمة الضبي، أحد مشاهير فقهاء الكوفة، ولي قضاء الكوفة، وكان عفيفًا، ثقة، شاعرًا حسن الخلق مات سنة (144 هـ). مشاهير علماء الأمصار (168) شذرات الذهب (1/ 251). ابن عابدين: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، الحنفي، له تصانيف كثيرة؛ أشهرها: رد المحتار على الدر المختار، العقود الدرية توفي سنة (1252 هـ). الأعلام (6/ 267) معجم المؤلفين (9/ 77).

ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، النمري، الحافظ شيخ علماء الأندلس، عظم شأنه في وقته، وعلا ذكره في الأقطار، ورحل إليه في طلب العلم، ألف كتبًا كثيرة؛ من أشهرها: التمهيد، الاستذكار، توفي سنة (473 هـ). ترتيب المدارك (1/ 808) تذكرة الحفاظ (3/ 1128). ابن عدي: عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الجرجانين المحدث، الحافظ، الناقد الفقيه، رحل كثيرًا في طلب الحديث. له تصانيف؛ منها: الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين، الانتصار في الفقه، مات سنة (365 هـ). طبقات الشافعية للسبكي (2/ 233) شذرات الذهب (3/ 51). ابن العربي: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعافري، الأندلسي، الإشبيلي، المالكي، قاضي إشبيلية، له تصانيف؛ من أشهرها: شرح جامع الترمذي، المحصول في الأصول، أحكام القرآن، مات سنة (543 هـ الديباج المذهب (281) شذرات الذهب (4/ 141). ابن عرفة: محمد بن عرفة، الورغمي، إمام تونس وعالمها، وخطيبها، ومفتيها، كان من كبار فقهاء المالكية، من تصانيفه: المبسوط في الفقه سبعة مجلدات، والحدود في التعريفات الفقهية. مات سنة (803 هـ). الديباج المذهب (337) الأعلام (7/ 272). ابن علية: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، المعروف بابن علية، وعلية أم هـ. كان من العلماء المتقنين وأهل الفضل في الدين. توفي سنة (193 هـ). مشاهير علماء الأمصار (161) شذرات الذهب (1/ 133). ابن القاسم: عبد الرحمن بن القاسم العتقي، المصري، أحد أعلام المذهب المالكي، روي ع ن مالك الحديث والفقه، وتفقه به، وروي المدونة عن مالك. توفي سنة (191 هـ). ترتيب المدارك (1/ 433) تهذيب التهذيب (6/ 252). ابن قدامة: عبد الله بن محمد بن قدامة، الجمَّاعيلي، المقدسي ثم الدمشقي، أحد كبار فقهاء المذهب الحنبلي، له تصانيف كثيرة؛ أشهرها: كتابه المغني في الفقه، وله المقنع، والكافي والروضة في الأصول. توفي سنة (620 هـ). ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (133) الأعلام (4/ 191).

ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الفقيه الأصولي، المفسر، بل المجتهد المطلق، لازم ابن تيمية وتأثر به، وحمل لواء رسالته من بعده؛ لم مصنفات كثيرة؛ من أشهرها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد، والطرق الحكمية مات سنة (751 هـ). البدر الطالع (2/ 143) النجوم الزاهرة (10/ 449). ابن الماجشون: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة، كان فقيهًا، فصيحًا دارت عليه الفتوى في زمانه إلى موته، توفي سنة (212 هـ). ترتيب المدارك (1/ 360) شجرة النور الزكية (1/ 56). ابن ماجة: محمد بن يزيد بن ماجه القزويني. أحد الأئمَّة الأعلام وصاحب السنن، أحد الكتب الستة، رحل في طلب العلم كثيرًا، له مؤلفات؛ منها تفسير القرآن، وكتاب التاريخ. مات سنة (273 هـ). وفيات الأعيان (4/ 279) تذكرة الحفاظ (2/ 189). ابن مفلح: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح المقدسي، الراميني الأصل، ثم الدمشقي الصالحي، برع في الفقه والأصول، له مؤلفات؛ منها: المبدع، والآداب الشرعية. مات سنة (884). الضوء اللامع (1/ 152) شذرات الذهب (7/ 337). ابن المنذر: هو الإمام محمد بن المنذر بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري، كان مجتهدًا حافظًا ورعًا قال الذهبي كان على نهاية على معرفة الحديث، والاختلاف وكان مجتهدًا لا يقلد أحدًا من مؤلفاته: الإشراف على مذاهب أهل العلم، المبسوط، وعني فيهما ببيان آراء الفقهاء في المسائل الخلافية توفي سنة (319 هـ). طبقات السبكي (3/ 102) وفيات الأعيان (4/ 207). ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم بن محمد البري، المشهور ابن نجيم، عالم من أجل علماء الحنفية المتأخرين، له مؤلفات أشهرها: البحر الرائق في الفقه والأشباه والنظائر في القواعد توفي سنة (970 هـ). التعليقات السنية (55) شذرات الذهب (8/ 358). ابن الهمام: كمال الدين، محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السكندري، قدم القاهرة وولي القضاء بالإسكندرية، له مصنفات منها: فتح القدير، التحرير في الأصول، وقد عدَّه ابن نجيم من أهل الترجيح، وعده غيره من أهل الاجتهاد. توفي سنة (861 هـ). الفوائد البهية والتعليقات السنية (180، 181).

مصادر البحث

مصادر البحث 1 - أحكام القرآن، محمد بن عبد الله بن العربي: ط. عيسى البابي الحلبي وشركاه. 2 - الاختيار لتعليل المختار. عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي: منشورات المطبعة التعاونية مصر. 3 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. محمد ناصر الدين الألباني: ت: المكتب الإسلامي. 4 - الإشراف على مسائل الخلاف. عبد الوهاب بن نصر البغدادي: ط. مطبعة الإدارة. 5 - الأم. محمد بن إدريس الشافعي: ط. دار الفكر، بيروت. 6 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. علي بن سليمان المرداوي: ط. دار إحياء التراث العربي. 7 - أنيس الفقهاء في تعريف الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، قاسم القونوي: ط. دار الوفاء للنشر والتوزيع، جدة. 8 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف. محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري: ط. دار طيبة، الرياض. 9 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق. زين الدين بن نجيم الحنفي: ط. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 10 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين بن مسعود الكاساني: ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 11 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد، محمد بن أحمد بن محمود بن رشد الحفيد. ط. دار الفكر بيروت. 12 - البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني: ط. دار الفكر، بيروت. 13 - التاج والإكليل بشرح مختصر خليل. محمد بن أبي القاسم العبدري، الشهير بالمواق، ط. دار الفكر، بيروت.

14 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. عثمان بن علي الزيلعي: ط. مطبعة بولاق. 15 - تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي: ط. دار الكتب العلمية بيروت. 16 - تصحيح المستدرك. مطبوع بهامش المستدرك. أحمد بن عثمان الذهبي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 17 - تغليق التعليق. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ودار عمان للنشر والتوزيع عمان. 18 - التفريع، لأبي القاسم عبيد بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري: ط، دار الغرب الإسلامي. 19 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: ط. دار المعرفة بيروت. 20 - التلقين: عبد الوهاب بن نصر البغدادي: ط. دار الباز. 21 - تهذيب سنن أبي داود، ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي: ط. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. 22 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن. محمد بن جرير الطبري: ط. البابي الحلبي وأولاده. 23 - الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: نشر مركز تحقيق التراث. 24 - جواهر الإكليل شرح مختصر خليل. صالح عبد السميع الأزهري. ط. البابي الحلبي. 25 - الجوهر النقي على سنن البيهقي. علي بن عثمان المارديني ابن التركماني: ط. دار الفكر بيروت. 26 - حاشية ابن قاسم على الروض المربع. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: ط المطابع الأهلية للأوفست، الرياض. 27 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن عرفة الدسوقي: ط. البابي الحلبي، مصر. 28 - حاشية الصاوي على الشرح الصغير، أحمد بن محمد الصاوي: ط. البابي الحلبي، مصر. 29 - حاشية العدوي على شرح الخرشي، علي بن أحمد الصعيدي، ط. دار الفكر بيروت.

30 - حاشية عميرة على شرح المنهاج للجلال المحلى. الشيخ عميرة: ط. البابي الحلبي. 31 - الحاوي الكبير. علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 32 - الحجة على أهل المدينة. محمد بن الحسن الشيباني: ط. عالم الكتب، بيروت. 33 - حلية العلماء. أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال: نشر مكتبة الرسالة الحديثة. 34 - رد المحتار على الدر المختار. محمد أمين: الشهير بابن عابدين: ط. البابي الحلبي. 35 - روضة الطالبين يحيى بن شرف النووي: ط. المكتب الإسلامي. 36 - الروض المربع بشرح زاد المستقنع، مطبوع مع حاشية ابن قاسم: منصور بن يونس البهوتي: ط. المطابع الأهلية للأوفست، الرياض. 37 - زاد المعاد في هدي خير العباد، شمس الدين، محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، ابن قيم الجوزية. ط. مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية. 38 - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، أبو منصور الأزهري: مطبوع مع مقدمة الحاوي. 39 - سبل السلام. محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني، الصنعاني: ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 40 - سنن ابن ماجة. محمد بن يزيد القزويني: ط. البابي الحلبي. 41 - سنن أبي داود. سليمان بن الأشعث السجستاني: ط. دار الحديث للطباعة والنشر، بيروت. 42 - سنن الترمذي. محمد بن عيسى الترمذي: ط. البابي الحلبي. 43 - سنن الدارقطني. علي بن عمر الدارقطني: ط. عالم الكتب، بيروت. 44 - سنن الدارمي. عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: ط. حديث أكادمي، للنشر والتوزيع فيصل آباد، باكستان. 45 - السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي: ط. دار المعرفة، بيروت. 46 - سنن النسائي. أحمد بن شعيب النسائي: ط. دار المعرفة، بيروت. 47 - شرح الخرشي على مختصر خليل. محمد بن عبد الله بن علي الخرشي: ط. دار الفكر بيروت.

48 - شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي: ط. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 49 - الشرح الصغير على أقرب المسالك. لأبي البركات أحمد الددردير: ط. البابي الحلبي. 50 - الشرح الكبير على مختصر خليل. لأبي البركات أحمد الدردير: ط. البابي الحلبي. 51 - الشرح الكبير. ابن قدامة شمس الدين، عبد الرحمن بن محمد بن أحمد: نشر المكتبة السلفية المدينة، مكتبة المؤيد الطائف. 52 - شرح معاني الآثار. أحمد بن محمد الطحاوي: ط. دار الكتب العلمية بيروت. 53 - شرح منتهى الإرادات. منصور بن يونس البهوتي. ط. دار الفكر، بيروت. 54 - الصحاح. إسماعيل بن حماد الجوهري: ط. دار العلم للملايين. 55 - صحيح البخاري. محمد بن إسماعيل البخاري: ط. المكتبة الإسلامية استانبول. 56 - صحيح مسلم. مسلم بن الحجاج القشيري: ط. دار إحياء التراث، بيروت. 57 - العدة شرح العمدة. بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي: ط. توزيع أحمد الباز، مكة المكرمة. 58 - العناية شرح الهداية، محمد بن محمود البابرتي: ط. دار الفكر، بيروت. 60 - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى. مرعي بن يوسف الحنبلي منشورات المؤسسة السعيدية، الرياض. 61 - الفتاوى الهندية. العلامة الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند. ط. دار إحياء التراث العربي. 62 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: نشر وتوزيع: رئاسة البحوث العلمية والإفاء والدعوة والإرشاد. 63 - فتح الوهاب. أبي يحيى، زكريا الأنصاري: ط. المكتبة الإسلامية. 64 - الفروع: شمس الدين، أبي عبد الله بن محمد بن مفلح: ط. عالم الكتب، ببيروت.

65 - القوانين الفقهية: محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي: الناشر: عباس أحمد الباز، مكة. 66 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي. لأبي عمرو بن عبد البر النمري القرطبي: مطبعة حسان، القاهرة. 67 - الكافي. موفق الدين، عبد الله بن قدامة المقدسي: ط. المكتب الإسلامي بيروت. 68 - كشاف القناع عن متن الإقناع. منصور بن يونس البهوتي: ط. مكتبة النصر الحديثة، الرياض. 69 - لسان العرب، جمال الدين بن مكرم بن منظور الإفريقي، المصري: ط. دار صادر بيروت. 70 - اللباب في شرح الكتاب. عبد الغني الغنيمي، الحنفي: المكتبة العلمية، بيروت. 71 - المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح: ط. المكتب الإسلامي. 72 - المبسوط. شمس الدين السرخسي: ط. دار الكتب العلمية بيروت. 73 - المحلى شرح المجلى. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: ط. مكتبة الجمهور العربية، القاهرة. 74 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الله بن الشيخ سلمان، المعروف بداماد أفندي: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 75 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي: ط. دار الكتاب العربي بيروت. 76 - المجموع شرح المهذب. محيي الدين، يحيى بن شرف النووي: ط. دار الفكر بيروت. 77 - مجموع فتاوى ابن تيمية. جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وولده محمد: ط. دار العربية بيروت. 71 - المبدع في شرح المقنع. إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح: ط. المكتب الإسلامي. 72 - المبسوط. شمس الدين السرخسي: ط. دار الكتب العلمية بيروت. 73 - المحلى شرح المجلي. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم. ط. مكتبة الجمهورية العربية، القاهرة. 74 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الله بن الشيخ سلمان، المعروف، بداماد أفندي: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 75 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. علي بن أبي بكر الهيثمي: ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 76 - المجموع شرح المهذب. محيي الدين، يحيى بن شرف النووي: ط. دار الفكر، بيروت. 77 - مجموع فتاوى ابن تيمية. جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وولده محمد: ط. دار العربية، بيروت. 78 - مختصر سسن أبي داود، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري: ط. دار المعرفة بيروت. 79 - المدونة. رواية سحنون بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك: ط. دار صادر، بيروت.

80 - مراتب الإجماع. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 81 - المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله، المعروف بالحاكم: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 82 - المستوعب. محمد بن عبد الله السامري: ط. مكتبة المعارف الرياض. 83 - المسند. الإمام أحمد بن محمد بن حنبل: ط. المكتب الإسلامي. 84 - مسند الشافعي. محمد بن إدريس الشافعي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 85 - المصنف في الأحاديث والآثار، إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن أبي شيبة: ط. الدار السلفية، بومباي. 86 - المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الرزاق بن همام الصنعاني: ط. المكتب الإسلامي. 87 - مطالب أولي النهى مصطفى السيوطي الرحيباني: المكتب الإسلامي، دمشق. 88 - معالم السنن. لأبي سليمان الخطابي: ط. دار المعرفة بيروت. 89 - المعونة. عبد الوهاب بن نصر البغدادي: ط. دار الباز. 90 - مغني المحتاج. الشيخ محمد الشربيني الخطيب: ط. دار التراث العربي. 91 - المغني. عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة: ط. هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان. 92 - المقنع: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي: ط. المكتبة السعيدية بالرياض. 93 - المنتقى شرح الموطأ. سليمان بن خلف الباجي: ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 94 - منتهى الإرادات. محمد بن أحمد الفتوحي، الشهير بابن النجار: ط. عالم الكتب بيروت. 95 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل. محمد بن محمد المغربي، المعروف بالخطاب: ط. دار الفكر بيروت. 96 - المهذب. لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي: ط. دار الباز، للنشر والتوزيع مكة المكرمة. 97 - الموطأ. الإمام مالك بن أنس: ط. دار النفائس، بيروت. 98 - نصب الراية لأحاديث الهداية. عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي: نشر الكتبة الإسلامية.

99 - النهاية في غريب الحديث. المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) ط. دار الفكر. 100 - نهاية المحتاج. أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 101 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار. محمد بن علي الشوكاني: ط. البابي الحلبي. 102 - الهداية شرح بداية المبتدي. علي بن أبي بكر المرغيناني: ط. المكتبة الإسلامية. 103 - الوجيز: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي: ط. دار المعرفة بيروت.

مصادر تراجم الأعلام

مصادر تراجم الأعلام 1 - أسد الغابة: علي بن محمد بن الأثير: ط. دار الشعب. 2 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ابن عبد البر النمري القرطبي ط. دار صادر، بيروت، مطبوع بهامش الإصابة. 3 - الإصابة في تمييز الصحابة. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: ط. دار صادر بيروت. 4 - الأعلام. خير الدين الزركلي: ط. الطبعة الثالثة. 5 - البداية والنهاية. إسماعيل بن كثير: نشر مكتبة الأصمعي للنشر والتوزيع الرياض. 6 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع، محمد بن علي الشوكاني: ط. دار الجيل بيروت. 7 - تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب، البغدادي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 8 - تذكرة الحفاظ. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: ط. دار صادر بيروت. 9 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان مذهب مالك. القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي: منشورات دار مكتبة الحياة بيروت، دار الفكر ليبيا. 10 - التعليقات السنية على الفوائد البهية. لأبي الحسنات اللكنوي: ط. دار المعرفة للطباعة والنشر. 11 - تهذيب الهذيب. ابن حجر العسقلاني: مطبعة مجلس دائرة المعارف، بحيدر آباد الهند، الطبعة الأولى. 12 - الجرح والتعديل. عبد الرحمن بن أبي حاتم: مطبعة دائرة المعارف، بحيدر آباد الطبعة الأولى. 13 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لأبي الوفاء القرشي: ط دائرة المعارف العثمانية بالهند.

14 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد. 15 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، إبراهيم بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ط. دار التراث للطبع والنشر القاهرة. 16 - سير أعلام النبلاء. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: ط. مؤسسة الرسالة بيروت. 17 - شجرة النور الزكية في تراجم المالكية محمد بن محمد مخلوف: ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 18 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن العماد الحنبلي: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 19 - الضعفاء الكبير، محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 20 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، محمد بن عبد الرحمن السخاوي: منشورات دار مكتبة الحياة لبنان. 21 - طبقات الحفاظ جلال الدين السيوطي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 22 - طبقات الحنابلة. للقاضي ابن أبي يعلى: ط. مطبعة السنة المحمدية. 23 - طبقات الشافعية. تقي الدين السبكي: ط. البابي الحلبي وشركاه. 24 - الطبقات الكبرى. محمد بن سعد: ط. دار صادر بيروت. 25 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية. لأبي الحسنات اللكنوني: ط. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 26 - مشاهير علماء الأمصار. محمد بن حبان البستي: ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 27 - معجم المؤلفين. عمر رضا كحالة: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 28 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. عبد الرحمن بن محمد العلمي: ط. عالم الكتب بيروت. 29 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال. محمد بن أحمد الذهبي: ط. البابي الحلبي. 30 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي: مصورة عن طبعة دار الكتب المصري. 31 - الوفيات: أحمد بن الحسين بن علي الخطيب، الشهير بابن قنفذ القسطنطيني: منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت. 32 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أحمد بن محمد بن خلكان: ط. دار القلم، بيروت.

§1/1