الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

ابن عبد البر

هذا الكتاب في الأصل رسالة ماجستير لجامعة الجزائر كلية العلوم الإسلامية تخصص: أصول الفقه ونوقشت في 26/ 11/ 1422 هـ وكانت لجنة المناقشة مكونة من: 1 - الدكتور رضوان بن غريبة رئيساً 2 - الدكتور محمد بن عبد رب النبي عضواً 3 - الدكتور نصر سلمان عضواً وأجيزت بتقدير مشرف جداً. • الرسائل في الكلية لها تقديران: مشرف، مشرف جداً.

الأَجْوِبَة عَنِ المَسَائِلِ المُسْتَغْرَبَةِ مِن كتَابِ البخَاري

(ح) وقف السلام الخيرى، 1425 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر القرطبي. أبو عمر يوسف عبد الله محمد بن عبد البر كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري/ أبو عمر يوسف عبد الله محمد بن عبد البر القرطبي، عبد الخالق ماضي - الرياض 1425 هـ 316 ص - 17 سم × 24 سم. 1 - الفتاوي الشرعية 2 - الحديث الصحيح أ - ماضي عبد الخالق (محقق) ... ب - العنوان ديوي 259 ... 3029/ 1425 رقم الإيداع: 3029/ 1425 ردمك: 5 - 035 - 46 - 9960 حقوق الطبع محفوظة لـ: وقف السلام الخيري الطبعة الأولى 1425 هـ - 2004 م الكتاب لا يعبر بالضرورة عن رأي وقف السلام الخيري نستقبل ملحوظاتكم وطلباتكم على العنوان التالي: وقف السلام الخيري المملكة العربية السعودية - الرياض - حي السلام - مقابل بوابة مقبرة النسيم ص. ب: 124724 - الرمز البريدي: 11771 - هاتف: 2090300 - 2090500 - 2090209 - تحويلة: 141، 142 - فاكس: 2092092. E-mail: [email protected]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تقديم د. محمد بن عمر بن سالم بازمول

تقديم د. محمد بن عمر بن سالم بازمول إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسول - صلى الله عليه وسلم -. أما بعد: فقد قرأت كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري"، للحافظ جمال الدين أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البر (ت 463 هـ)، تحقيق ودراسة الطالب: ماضي عبد الخالق في رسالة علمية تقدّم بها لنيل درجة الماجستير في جامعة الجزائر/ كلية العلوم الإسلامية/ الخروبة، للعام 1422 هـ. ولهذا العمل أهميته؛ ففيه إخراج لكتاب من تراث الأمّة الإسلامية المخطوط. وفيه إبراز لكتاب من تراث هذا العالم الكبير الذي كان يلقّب بـ (حافظ المغرب) في وقته. وفيه خدمة لكتاب الجامع الصحيح للإمام البخاري، الذي هو عمدة كتب السنّة الصحيحة المجرّدة لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

وزانه تحقيق الباحث، وما جادت به قريحته من تعليقات في خدمة كتاب ابن عبد البر بتوثيق العزو، وتخريج الأحاديث والآثار، والتعليق على مواضع منها. وعليه، فإنّ طبع هذه الرسالة المفيدة النافعة، من أحسن ما يكون خدمة للعلم وطلابه. وقد اقترحت على الباحث الكريم - وفّقه الله لكلّ خير - أن يقتصر من الدراسة على ترجمة ابن عبد البر واستعراض محتويات كتابه، مع وصف المخطوط، وبيان منهج التحقيق، كما أرفقت له جملة من الملاحظات العامّة والخاصّة، ليزداد العمل حسنًا على حسنه. هذا؛ ومعرفتي للباحث إنما هي من خلال عمله، وقد لمست فيه حبّ العلم، وقدرة على البحث والتحقيق، مع تواضع وحسن خلق، نفع الله به الإسلام والمسلمين. سائلاً اللهَ تبارك وتعالى للجميع التوفيقَ والهدى والرشاد والسداد. كتبه د. محمّد بن عمر بن سالم بازمول جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنّة 17/ 12/ 1423 هـ

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المُقَدِّمَةُ إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]. أمّا بعد: فلقد حظيت السنّة النبوية باعتناء سلف هذه الأمّة واهتمامهم، فقد كانوا يدركون أنّها الوحي الثاني، الذي تلقّاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من ربّه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ

هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، كما كانوا يعلمون أنّها المصدر الثاني الذي يقوم عليه بناء هذا الدين، فهي التي تبيّن القرآن، وتوضّح معانيه ومقاصده، وتتمّ أحكامه وتشريعاته {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، ولا يفرّقون في الاحتجاج والعمل بين ما جاء في كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وما جاء في السنّة النبوية الثابتة. وإذا كان للحديث النبوي هذه المنْزلة من الدِّين فلم يكن عجبًا أن يوجّه أهل العلم عنايتهم، ويصرفوا جهودهم، ويفنوا أعمارهم في خدمة هذا الحديث الشريف، حفظًا له، وتدوينًا لنصوصه، ودراسةً لأحوال رواته ونقلته، وبيانًا لفقهه وأحكامه، وتبيينًا لألفاظه ومعانيه، وتوضيحًا لناسخه ومنسوخه، وراجحه ومرجوحه، وصحيحه وضعيفه وموضوعه، وأسباب وروده، وعلله، ومعلوله، وغريبه، ومسلسله، ومدبّجه، ومؤتلفه، ومختلفه، ومصحّفه، ومقلوبه، ومدرجه، ومرسله ... إلى غير ذلك من فنون علوم الحديث ومجال البحث فيه. إلاَّ أنَّ هذه الجهود بقي أكثرها مخطوطًا، حبيس المكتبات، لم تطله أيدي الباحثين، فتراث الأمَّة المخطوط جزء أصيل من كيانها ووجودها، وبإحيائه ونشره محققا تتسامى صُعُدا في مراقي المجد والحضارة، ونحن - المسلمون - نملك من التراث في مختلف صنوف المعرفة تركة ضخمة خلَّفها لنا آباؤنا وعلماؤنا الأوائل الذين ضربوا في كلّ فنّ وعلم بسهم وافر، ممّا لم نشهد له مثيلاً عند أمّة من الأمم والحقّ أنَّ ثمَّ حركة دائبة يا العصر الحاضر لإحياء هذا التراث، والكشف عن دفائنه، وقد خرج منه عدد كبير، على

أنَّ كثيرا ممَّا خرج في عصرنا من هذا التراث - على أنَّه محقَّق - يحتاج إلى وقفة تقويم وتصحيح، وإعادة نظر لِما يعتور جهود المحققين له من قصور واضح في الالتزام بالنَّهج الأمثل للتحقيق، ولا سيما في الآونة الأخيرة، حيث أسند الأمر إلى غير أهله - ولعلي منهم فأستغفر الله - وأعطيت القوس إلى غير باريها، وتجرَّأ على الخوض في مضمار السباق كلُّ مدَّع وجاهل بما يتطلَّبه المقام؛ من قدرة واستعداد وتمرُّس ودراية. فينبغي قطع الطريق على عبث العابثين والجهلة المرتزقين، وأصحاب الادِّعاء الكاذب، لتتمّ الفائدة من نشر التراث على الوجه المطلوب، وتتوطَّد الثقة به، والاطمئنان إليه من قبل الباحثين والدَّارسين، ويكون قريب المنال منهم، وينبغي أن لا يذهب بنا الوهم إلى أنَّ القصد من تصوير الواقع هو الحدُّ من حركة نشر التراث، وتثبيط الهمم التوَّاقة لنشره، بل القصد من ذلك هو تقويم الواقع، والرُّقيِّ به إلى أسمى المراتب، تحقيقًا وتوثيقًا وصحَّةً، والحثّ على مواصلة المسيرة بخطًى ثابتة وبصيرة نيِّرة. ولهذا أدعو مِن عَلى هذا المنبر العلمي كافَّة الطلبة والباحثين، والأساتذة الكبار المعلِّمين، أن يتوجَّهوا إلى هذا التراث بالتحقيق، وإخراجه للناس مصحَّحًا منقَّحًا، وأن لا يُتْخِموا المكتبة بكثير من البحوث التي نراها اليوم هزيلة سَمْجَة، لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنَّ أصحابها كان همُّهم هو تسجيل موضوع ينالون به درجة علمية أكاديمية معيَّنة يجعلونها وسيلة للاسترزاق، بدل أن يختاروا موضوعات يسهمون بها في بناء صرح العلم الكبير. وإنَّ ممَّا يثقل ميزان جهود علماء السلف في خدمة الحديث، ودفع ما يُتَوَهَّمُ فيه

الاختلاف، أو ما يُسْتَبْهَمُ من معانيه، وأحكامه، كتاب إمام وحافظ المغرب أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ النَّمَري القرطبي (ت 463 هـ) الموسوم "كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري" الذي نخرجه لأوَّل مرة لطلبة العلم، سائلاً الله تعالى التوفيق والسَّداد، وأن يغفر لي خطئي فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأرجو من كلّ من رأى في هذا العمل عيبًا أن يبيِّنَه لي، حتى أتفاداه؛ لأنّ الله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... } [المائدة: 2]، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين. وكتب الفقير إلى عفو الله ومغفرته أبو محمّد عبد الخالق بن محمد ماضي يوم 23 رمضان عام 1422 هـ

سبب اختيار الموضوع

سبب اختيار الموضوع سبب اختيار هذا الموضوع للبحث فيه لإنهاء مرحلة العالمية (الماجستير) يرجع إلى أمور، أهمّها: 1/ قيمة المؤلّف العلمية، وهو الإمام بحقّ جمال الدين يوسف بن عبد الله ابن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري القرطبي، فقد ملأ الآفاق شهرةً وعلمًا، حتّى لقّب بـ "حافظ المغرب"، قال عنه ابن حزم في "الإحكام" (2/ 673 - 674): "وممّن أدركنا من أهل العلم على الصفة التي من بلغها استحقّ الاعتداد به في الاختلاف: ... يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ النمري ... ". وقال الذهبي في "العلوّ للعليّ الغفّار" (ص 182): "لقد كان أبو عمر ابن عبد البرّ من بحور العلم، واشتهر فضله في الأقطار ... "، إلى غير ذلك من الأقوال التي سيجدها القارئ في موضعها من الترجمة. 2/ قيمة الكتاب العلمية، إذ إنّه يتولّى فيه إيضاح ما أشكل من الأحاديث في أصحّ كتاب بعد كتاب الله العزيز، وهو: "الجامع الصحيح" للإمام أبي عبد الله محمّد ابن إسماعيل البخاري (ت 256) - رحمه الله -. 3/ إحالة المصنّف عليه في موسوعتيه العظيمتين: "التمهيد" و"الاستذكار". ولأجل هذه الأسباب ولغيرها، حرصت على خدمة هذا السفر الجليل الذي أرجو أن تثرى به المكتبة الإسلامية العامرة.

خطة البحث

خطّة البحث وقد سلكت في هذا العمل الخطّة التالية: قسّمت البحث إلى مقدّمة وقسمين. المقدِّمة: ذكرت فيها - بعد الحمد والثناء على الله - • سبب اختيار الموضوع. • خطّة البحث. • منهجي في التحقيق. القسم الأوّل: الدراسة، وفيها فصلان: • الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام الحافظ ابن عبد البرّ. • المبحث الأول: مدخل إلى مصادر ترجمة ابن عبد البرّ. • المبحث الثاني: اسم الحافظ ابن عبد البرّ، ونسبه، وكنيته، ومولده. - المطلب الأول: اسم الحافظ ابن عبد البرّ، ونسبه، وكنيته. - المطلب الثاني: مولد الحافظ ابن عبد البرّ. • المبحث الثالث: نشأة الحافظ ابن عبد البرّ العلمية ورحلته. - المطلب الأول: نشأة الحافظ ابن عبد البرّ العلمية. - المطلب الثاني: رحلات الحافظ ابن عبد البرّ العلمية.

• المبحث الرابع: شيوخ ابن عبد البرّ وتلاميذه. - المطلب الأول: شيوخ الحافظ ابن عبد البرّ. - المطلب الثاني: تلاميذ الحافظ ابن عبد البرّ. • المبحث الخامس: ثناء العلماء على الحافظ ابن عبد البرّ ومكانته العلمية. • المبحث السادس: مصنّفات الحافظ ابن عبد البرّ وآثاره. - المطلب الأوّل: المصنّفات في علم القراءات. - المطلب الثاني: المصنّفات في الحديث وعلومه. - المطلب الثالث: المصنّفات في الفقه. - المطلب الرابع: المصنّفات في التاريخ والسير. - المطلب الخامس: المصنّفات في الأدب والأخلاق والتوحيد. • المبحث السابع: وفاة الحافظ ابن عبد البرّ. • الفصل الثاني: دراسة عن كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة. • المبحث الأوّل: اختيارات ابن عبد البرّ العلمية في كتاب "الأجوبة". - المطلب الأوّل: التفسير. - المطلب الثاني: الحديث. الفقرة الأولى: الكلام على معاني الأحاديث. الفقرة الثانية: الأحكام على الأحاديث. الفقرة الثالثة: كلامه في الرواة جرحا وتعديلاً.

- المطلب الثالث: العقيدة. الفقرة الأولى: كون الإسراء والمعراج بالروح والجسد معًا. الفقرة الثانية: ثبوت سماع المقبور لقرع نعال مشيّعيه. الفقرة الثالثة: السؤال في القبر. الفقرة الرابعة: التسليم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. الفقرة الخامسة: حكم أولاد المشركين. الفقرة السادسة: مسألة في رؤيا الأنبياء هل كلّها وحي؟ - المطلب الرابع: الفقه. الفقرة الأولى: حكم الماء غير المستبحر تقع فيه النجاسة. الفقرة الثانية: حلول النجاسة على الماء وحلوله عليها. الفقرة الثالثة: حكم صلاة فاقد الطهورين. الفقرة الرابعة: حكم الصفرة والكدرة. الفقرة الخامسة: حكم تثنية "قد قامت الصلاة" في إقامة الصلاة. الفقرة السادسة: حدّ الصلاة في الليل. الفقرة السابعة: حكم قصر الصلاة في السفر. الفقرة الثامنة: حكم الرهن والكفيل في السلم. الفقرة التاسعة: حكم إقامة الحدود والقصاص في الحرم. الفقرة العاشرة: حكم تغليظ الدية على من قتل في الحرم. الفقرة الحادية عشرة: حكم من فعل عبادة على وجه اجتهد فيه إصابة الحقّ.

- المطلب الخامس: أصول الفقه. الفقرة الأولى: الفرق بين أمر ونهي الله وأمر ونهي الرسول - صلى الله عليه وسلم -. الفقرة الثانية: دلالة "مِنْ". الفقرة الثالثة: جواز النسخ في الأمر والنهي. الفقرة الرابعة: تقديم المثبت على النافي. الفقرة الخامسة: جواز الاجتهاد على الأصول. • المبحث الثاني: الكلام على النسخة المعتمدة في التحقيق. - المطلب الأوّل: عنوان الكتاب. - المطلب الثاني: توثيق نسبة الكتاب. - المطلب الثالث: وصف النسخة المعتمدة مع نماذج من المخطوط. القسم الثاني: النص المحقق. وختمت البحث بفهارس علمية، وجعلت: • فهرس الآيات القرآنية. • فهرس الأحاديث النبوية. • فهرس الآثار. • فهرس المصادر والمراجع. • فهرس الموضوعات.

منهجي في التحقيق

منهجي في التحقيق اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسخة فريدة، وهي النسخة المحفوظة بمكتبة المتحف في قونيا بتركيا، وقد سلكت في تحقيق المخطوط المنهج الآتي: أوّلاً: ضبط النصّ وتنسيقه 1/ حدّدت بداية الصفحات في ورقات المخطوط الأصل، وذلك بوضع الخطّ المائل قبل أوّل كلمة من بداية الوجه في داخل السطر، ثمّ أسجّل رقم الورقة ورمز الوجه، وذلك في الفراغ بين المتن المحقَّق والهامش. 2/ وضعت في أعلى الصفحة عنوان الباب، وعنوان: "الأجوبة عن المسائل المستغربة". 3/ قمت بضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط والأعلام المشتبهة، ووضع الفواصل، وتصحيح الأخطاء الإملائية، وإعادة رسم الكلمات رسمًا يوافق قواعد الإملاء الحديث. 4/ كتبت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بخطّ أثخن تمييزًا لها عن سائر النصّ المحقّق، واضعًا الآيات بين قوسين مزهرين، والأحاديث والآثار بين قوسين هلالين. 5/ بيّنت في غالب الحالات مواضع الإحالات التي ذكرها المصنّف. 6/ وضعت في الهامش صورة الكلمات غير المقروءة على أصلها في المخطوط.

ثانيا: التصحيف والتحريف

ثانيًا: التصحيف والتحريف 1/ إذا وقع تصحيف أو تحريف في النسخة الأصل، كالواقع في أسماء الرواة، فإنّي أثبت الصواب في المتن جاعلاً إيّاه بين هلالين هكذا ()، وأشير في الهامش إلى ما كان في النسخة الأصل، وأقول: وهو خطأ، والصواب المثبت. 2/ وعنيت بالتصحيف ما كان في النقط، وما كان في غير ذلك فهو تحريف. 3/ إذا أخطأ الناسخ في كتابة كلمة من آية قرآنية فإنّي أثبت الصواب كما هو في المصحف، دون تنبيه في الحاشية. ثالثا: الزيادات 1/ بما أنّ النسخة المحقّقة وحيدة فإنّ الزيادات بطبيعة الحال ستكون من خارج الكتاب، فإذا كانت الزيادة ضرورية، ككونها من كتب الحديث والآثار أو الفقه؛ فإنّي أضعها بين قوسين معقوفين []، وأقول في الحاشية: من كتاب كذا وكذا. 2/ فإذا كانت الزيادة يقتضيها السياق ولم تكن ممّا تقدّم، فإنّي أضعها - أيضًا - بين معقوفين قائلاً: ليست في الأصل، وهي متعيِّنة. رابعًا: الآيات القرآنية أذكر في تخريج الآيات القرآنية: اسم السورة ورقم الآية، وهكذا جزء الآية أعتبره في حكم الآية، فأذكر اسم السورة ورقم الآية، دون التنبيه إلى أنّه جزء من الآية طلبًا للاختصار.

خامسا: الأحاديث النبوية

خامسًا: الأحاديث النبوية 1/ إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما؛ فإنّي أكتفي بالعزو إليهما أو إلى أحدهما. 2/ إذا كان في الحديث اختلاف أو علل؛ فإنّي - وإن كان في الصحيحين أو أحدهما - أخرّجه من مظانّه من غير حصر أو تقيُّد. 3/ إن كان الحديث في غير الصحيحين أو أحدهما؛ فإنّي أخرّجه من مظانّه من كتب الحديث من غير تقييد. 4/ حاولت جهدي في الحكم على الأحاديث صحّةً وضعفًا، وقد أعتمد في ذلك على بعض الأئمّة في هذا الشأن، فإن لم أهتد إلى حكم إمام من الأئمّة، اجتهدت في الحكم عليه بناءً على قواعد الحديث المعروفة. 5/ أذكر الكتاب ورقم الحديث والباب إن وجد إذا كان الحديث في الكتب الستّة والموطّأ. 6/ أخرّج الحديث في أوّل موطن ذكره المصنّف، ثمّ أحيل عليه إن كرّر ذكره. 7/ إذا لم أجد الحديث أقول: لم أجده، أو: لم أقف عليه في كتب الحديث التي اطّلعت عليها. 8/ إذا ذكر الحديث من طريق صحابي ولم أجده من طريقه نبّهت على ذلك، وخرّجته من طريق صحابي آخر. 9/ إذا لم يذكر المصنّف نصّ الحديث، وإنّما أشار إلى معناه، فإنّي أقول: يشير المصنّف إلى ما رواه فلان وفلان ... إلخ.

سادسا: الآثار

10/ لا أخرّج الأحاديث الواردة في القسم الدراسي، كما لا أخرّج الأحاديث الواردة في حاشية القسم التحقيقي. سادسًا: الآثار 1/ أخرّج الآثار مع بيان درجتها إن أمكنني ذلك. سابعًا: الأعلام 1/ ترجمت لكلّ من ذكره المصنّف بكنيته أو ذكره مهملاً. 2/ ترجمت لأعلام المذهب المالكي الناقلين لمذهبه. 3/ أذكر في ترجمة العلَم غالبًا: اسمه، وكنيته، ولقبه، وما اشتهر به، وسَنَة وفاته. 4/ أترجم للعلَم عند أوّل موضع ذكر فيه من القسم المحقّق. ثامنًا: الفهارس وأخيرًا؛ عملت فهارس للرسالة شملت ما يلي: 1/ فهرس الآيات. 2/ فهرس الأحاديث. 3/ فهرس الآثار. 4/ فهرسًا تفصيليًّا للموضوعات. 5/ فهرس المصادر والمراجع.

الدراسة

القسم الأول: الدراسة وفيه فصلان: الفصل الأوّل: ترجمة موجزة للحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - الفصل الثاني: دراسة عن كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة".

الفصل الأول ترجمة موجزة للإمام الحافظ ابن عبد البر

الفصل الأول ترجمة موجزة للإمام الحافظ ابن عبد البرّ وفيه مباحث: المبحث الأوّل: مدخل إلى مصادر ترجمة ابن عبد البرّ. المبحث الثاني: اسم الحافظ ابن عبد البرّ، ونسبه، وكنيته، ومولده. المبحث الثالث: نشأة الحافظ ابن عبد البرّ العلمية ورحلته. المبحث الرابع: شيوخ ابن عبد البرّ وتلاميذه. المبحث الخامس: ثناء العلماء على الحافظ ابن عبد البرّ ومكانته العلمية. المبحث السادس: مصنفات الحافظ ابن عبد البرّ وآثاره. المبحث السابع: وفاة الحافظ ابن عبد البرّ.

المبحث الأول مدخل إلى مصادر ترجمة ابن عبد البر

المبحث الأول مدخل إلى مصادر ترجمة ابن عبد البرّ إنّ الذي يشار إليه أوّلاً هو أنّ أوّل من ترجم لابن عبد البرّ هو ابن عبد البرّ نفسه من خلال ما ذكره عن جانب من جوانب حياته العلمية ببيان تاريخ شيوخه الذين أخذ عنهم العلم بطرق التحمّل المختلفة كالسماع والقراءة والإجازة وغيرها من الطرق المتعارف عليها بين أهل العلم، وذلك في كتابين من كتبه هما: "تاريخ شيوخ ابن عبد البر" و"فهرسة الشيخ الفقيه الحافظ أبي عمر ابن عبد البرّ" (¬1)، وهما كتابان لم يصل إلينا منهما - في حدود المعلوم - إلّا ما تضمّنته بعض مصنّفات تلاميذ ابن عبد البر وغيرهم مِمّن ألّف في تراجم علماء الأندلس كالحميدي، وابن بشكوال (¬2). ومن جهة ثانية فإنّ الناظر في تاريخ الحافظ أبي عمر بن عبد البرّ يجد أنّ أقرب المصادر إلى عصره والتي ترجمت له هو جملة من كتب الأندلسيين، منها: • كتاب "جذوة المقتبس" لأبي نصر الحميدي (¬3)، وهو معاصره وواحد من ¬

_ (¬1) انظر: "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" لليث سعود جاسم (ص 226). (¬2) انظر: "ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 309 - 313). (¬3) هو: أبو عبد الله، محمد بن أبي نصر فتّوح بن عبد الله بن حميد بن يصل الأزدي الأندلسي الميورقي، كان =

تلاميذه (¬1). وحديث الحميدي في هذا الكتاب مع ما يفيد الباحثَ من تجلية بعض جوانب ابن عبد البرّ العلمية لم يكن مستفيضًا، وإنّما ذكره بإيجاز، فذكر اسمه ونسبه وكنيته، وأشار إلى تاريخ ولادته، ووصفه بالحفظ والعلم بالقراءات والخلاف في الفقه، وذكر أنّه لم يَخرُج من الأندلس، بل جُلُّ مشيخته منها، فإنّه سمع من أكابر أهل الحديث في قرطبة وغيرها، وسمع من الغرباء الذين قدموا إليها، ونقل أنّه كان يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي - رحمه الله - (¬2). وإلى جانب هذا الاختصار في حياة ابن عبد البرّ فإنّ الحميدي أسهب في بيان مؤلّفات مترجَمِيه في مختلف مجالات العلم، وختم الترجمة بنقل إجازة ابن عبد البرّ له ¬

_ = موصوفًا بالنباهة، والمعرفة، والإتقان، والدين، والورع، عفيفًا، مشتغلاً بالعلم، وكان ثقةً، إمامًا في علم الحديث وعلله، ومعرفة متونه ورواته، محقِّقًا في علم الأصول على مذهب أصحاب الحديث، متبحّرًا في علم الأدب والعربية، ولد سنة (420)، وتوفي سنة (488). انظر ترجمته في: "الإكمال" لابن ماكولا، "سير أعلام النبلاء" (19/ 120)، "بغية الملتمس" (1/ 161)، "الصلة" (2/ 560 - 561)، "وفيات الأعيان" (4/ 282)، "مقدمة الجذوة". (¬1) قال الحميدي في "جذوة المقتبس" (2/ 588): "وقد لقيناه - أي ابن عبد البرّ - وكتب لنا بخطّه في فهرسة مسموعاته ومجموعاته، مجيزًا لنا، وكاتبًا إلينا بجميع ذلك كلّه ... ". (¬2) وهو: على خلاف المعروف من مذهب ابن عبد البرّ، فإنّ الظاهر من كتبه والمتبادر من كلامه أنّه مالكي المذهب، فهو يصرح بقوله: "أصحابنا"، أي: المالكية، و"تحصيل المذهب ... "، و"المسألة عندنا ... "، وكلّ ذلك يقصد به المالكية، هذا مع ميل واضح إلى الترجيح بالدليل واتّباع له، وهو ما ينفي عنه كلّ تعصّب وتقليد بلا نظر، والله أعلم.

بجميع كتبه، وبذكر تاريخ وفاته (¬1). وممّا يستفاد من كلام الحميدي في كتابه أنّ ابن عبد البرّ كان قد استمرّ في التصنيف إلى وقت متأخّر من حياته، إذ لم يمض من الزمن - على أكثر تقدير - منذ لقيه وحسب ما ذكر من تاريخ وفاته، إلى حين موته إلّا اثنا عشرة سنة أو أكثر بقليل (¬2)، فإنّه قال بعد عرض تواليفه، وذكر إجازته له بها: "وتركته حيًّا وقت خروجي من الأندلس، سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، ثمّ بلغتني وفاته، وأخبرني أبو الحسن على ابن أحمد العابدي (¬3) أنّه مات في سنة ستين وأربعمائة بشاطبة من بلاد الأندلس" (¬4)، فيكون عُمُرُ ابن عبد البرّ حينئذ ما بين خمس وسبعين سنة وثمانية وسبعين عامًا. • ودون ما جاء في "الجذوة" في البسط ما قاله صاحب "الصلة" ابن بشكوال (¬5)، ¬

_ (¬1) "جذوة المقتبس" (2/ 586 - 588). (¬2) فإنّ الحميدي ذكر أنه بلغه أن ابن عبد البر توفّي سنة ستّين وأربعمائة، وأمّا الذهبي ذكر من تاريخ وفاته عام ثلاث وستّين وأربعمائة، أي خمس عشرة سنة من خروج الحميدي من الأندلس بعد لقيّه ابن عبد البرّ. انظر: "دول الإسلام" (1/ 273). (¬3) لم أقف على ترجمته. (¬4) وعمره خمسة وتسعون عامًا، انظر "السير" (18/ 159). (¬5) هو: أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود الخزرجي الأنصاري، المولود سنة (490)، أحد الأعلام الأندلسيّين، كان متسع السماع والرواية، نبيهًا، صالح الدخلة، سالم الباطن، متواضعًا، توفي سنة (578). انظر: "مقدّمة الصلة" لإبراهيم الأبياري.

فإنّه اقتصر بعد ذكر اسمه ونسبه وكنيته على بيان مكانة ابن عبد البرّ العلمية وثناء بعض العلماء عليه، مع شيء من التوسع في تسمية شيوخه، [والتركيز على كتابين] من مصنّفاته هما شرحا "موطّإ الإمام مالك - رحمه الله - ": "التمهيد" و"الاستذكار"، وختم الترجمة بذكر تاريخ وفاته، وما روي له عن ابن عبد البرّ من تاريخ ولادته (¬1). والذي يثير الانتباه في هاتين الترجمتين اختلافهما في تاريخ ولادة ابن عبد البرّ حيث ذكر صاحب "الجذوة" أنّه ولد في رجب من سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، أمّا صاحب "الصلة" فقد نقل عن طاهر بن مُفَوِّز - وهو أحد تلاميذ ابن عبد البرّ (¬2) - قوله: "سمعت أبا عمر يقول: ولدتُّ يوم الجمعة، والإمام يخطب، لخمس بقين من ربيع الآخر من سنة ثمان وستين"، قال: "أرانيه الشيخ بخطّ أبيه عبد الله بن محمّد (¬3) - رحمه الله - (¬4)، فيكون بهذا التصريح ما نقله ابن بشكوال أصحّ القولين في تاريخ ولادة ابن عبد البرّ، والله أعلم. • ومثلما جاء في الكتابين السابقين ما نقله الضبي (¬5)، في "بغية الملتمس"، ¬

_ (¬1) "الصلة" (3/ 973 - 974). (¬2) "الصلة" (3/ 974). (¬3) هو: الفقيه العالم أبو محمّد، عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ النمري، والد أبي عمر يوسف، ولد سنة (330)، وتوفّي سنة (380)، انظر: "جذوة المقتبس" (1/ 399). (¬4) "الصلة" (3/ 974). (¬5) هو: أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة، كان حسن الخطّ، صحيح النقل والضبط، ثقة صدوقًا، توفّي سنة (599). انظر: "تكملة الصلة" (ص 126)، "مقدّمة الصلة" (15 - 18).

فإنّه اختصر ما قاله الحميدي في "الجذوة"، مضيفًا إليه بعضًا من كلام ابن بشكوال في "الصّلة" (¬1). • وأوْجَزَ الفتح بن خاقان الأندلسي (¬2) في كتاب "مطمح الأنفس" ترجمة ابن عبد البر، ذاكرًا محاسنه العلمية، وشيئًا من شعره، مقتصرًا على ذلك (¬3). • وأوْجَزُ من ذلك كلّه ما قاله تلميذه ابن حزم الأندلسي (¬4) في كتابه "أصحاب الفتيا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على مراتبهم في كثرة الفتيا": "وممّن أدركنا مِمَّن جرى على سَنَن من تقدّم مِمّن ذكرنا - من أصحاب الاجتهاد والفتيا - يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ النّمري"، وذكر في "رسائله" ما ¬

_ (¬1) "بغية الملتمس" (2/ 659 - 661). (¬2) هو: أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان القيسي الإشبيلي الأندلسي، ولد سنة (480) في سكرة الواد بالقرب من غرناطة، كان أديبًا فاضلًا، وشاعرًا بليغًا، فصيحًا، لكنّه مطعون فيه من ناحية أخلاقه، فكان بذيء اللسان، قويّ الجنان في هجاء الأعيان، اتهم بالخلوة، وحُدّ في شرب الخمر ... ، توفي سنة (529)، وقيل غير ذلك، انظر ترجمته في: "معجم الأدباء" لياقوت (4/ 547). (¬3) القسم الثاني من كتاب "مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس" للفتح ابن خاقان الأندلسي، تحقيق هدى هاشم بهنام، ضمن مجلة "المورد"، المجلد العاشر، العدد (3 - 4، السنة: 1402 - 1981)، دار الحرية للطباعة - بغداد. (¬4) هو: أبو محمد، على بن أحمد بن سعيد، عالم الأندلس، وإمام أهل الظاهر في عصره، أحد أعلام الأدب والفقه والحديث، صاحب المصنفات، منها: "المحلى" في الحديث والفقه، و"النبذ"، و"الأحكام في أصول الأحكام" في أصول الفقه، و "طوق الحمامة" في الأدب، توفي سنة (456). انظر: "وفيات الأعيان" (3/ 325)، "سير أعلام النبلاء" (18/ 184).

لابن عبد البرّ من المصنّفات مُنوِّهًا بها، قائلًا في "التمهيد": "وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلًا، فكيف أحسن منه" (¬1). وأمّا غير الأندلسيين، فمن المغاربة ترجم لابن عبد البرّ القاضي عياض (¬2) في "ترتيب المدارك" ترجمة فصّل فيها وأجاد، وجاء فيها على جوانب من حياته عديدة، منها: اسمه ونسبه، والثناء عليه بالإمامة والتقدّم في العلم ودقّة النظر، وذكر شيوخه، وسماعه للعلم، وتصبّره على ذلك، ودأبه فيه، وافتنانه وبراعته براعةً فاق فيها من تقدّمه من رجال الأندلس حتّى عظم شأنه بها، وعلا ذكره في الأقطار، ورحل إليه الناس، وسمعوا منه، وبيّن بعض من أخذ عنه من أكابر أهل العلم في الأندلس، ومجموع مصنّفاته، وسنة وفاته (¬3). ثمّ توالت التراجم الخاصّة بهذا الحافظ الكبير والإمام النَّحرير في مصنّفات العلماء، منهم ابن خلكان (¬4) في "وفيات الأعيان وأنباء أبناء ¬

_ (¬1) "رسائل ابن حزم" (رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها) (ص 179 - 180). (¬2) هو: أبو الفضل، عياض بن موسى اليحصبي السبتي، الشيخ القاضي، عالم المغرب وقدوتهم، إمام أهل الحديث، المتبحّر في العلوم، ألف التآليف المفيدة البديعة، منها: "إكمال المعلم في شرح مسلم"، و"الشفا في التعريف بحقوق المصطفى"، و"ترتيب المدارك"، وغيرها، توفي سنة (544). انظر: "الديباج" (ص 168)، "شجرة النور الزكية" (1/ 140). (¬3) "ترتيب المدارك" (2/ 808 - 810). (¬4) هو: أبو العباس، شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر البرمكي، كان من فضلاء الشافعيين، بارعًا في المذهب، عالمًا به، بصيرًا بالعربية، علّامةً في الأدب والشعر وأيّام الناس، توفّي سنة (681). =

الزمان" (¬1)، فإنّه ترجم لابن عبد البرّ ترجمة تميّزت بالإطالة في وصف كتاب واحد من كتبه، والنقل منه، لمِا فيه من نوادر العلم والحكم، وهذا الكتاب هو: كتاب "بهجة المجالس وأنس المجالس"، قال فيه: "جمع فيه أشياء مستحسنة تصلح للمذاكرة والمحاضرة"، ثمّ أخذ يورد منه مسائل ونكتًا منها: ما روي من بعض رؤى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعض أصحابه رضي الله عنهم أجمعين؛ ومنها: حِكَم مأثورة وأمثال سائرة من أشعار العرب ونثرهم، وطرائف من الأدب الجاهلي والإسلامي، وبعض العِظات والمقالات. ثمّ أشار أخيرًا إلى مكانة ولد ابن عبد البرّ، أبي محمّد عبد الله بن يوسف، وأنه كان من أهل الأدب البارع والبلاغة، وأنّ له رسائل وشعرًا أفاد منه قوله: لا تكترثن تأملًا واحبس عليك عنان طرفك ... فلربما أرسلته فرماك في ميدان حتفك وبعد هؤلاء جاء مؤرّخ الإسلام شمس الدين الذهبي (¬2)، فترجم لابن عبد البرّ ¬

_ = انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 33)، "شذرات الذهب" (3/ 371). (¬1) انظر منه: (7/ 66 - 72). (¬2) هو: أبو عبد الله، شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني، الحافظ الكبير، مؤرّخ الإسلام، مَهَرَ في فنّ الحديث، وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة، وجمع تاريخ الإسلام فأربى فيه على من تقدّمه، وله: "ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، رحل إليه الناس رغبة في علمه، توفّي سنة (748). انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 123)، "الدرر الكامنة" (3/ 336)، "طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص 521).

في كثير من كتبه كـ: "سير أعلام النبلاء" (¬1)، و"تاريخ الإسلام" (¬2)، و"دول الإسلام" (¬3)، و"العبر في خبر من غبر" (¬4). أمّا كتاب "السير" ففيه من الإضافات والتفصيل والتعليقات المفيدة ما لا تجده في غيره، فإنّه وصفه فيه بالإمام العلّامة، وشيخ الإسلام، وذكر كنيته واسمه ونسبه ومذهبه الفقهي، وسنة ولادته مع الإشارة إلى الخلاف في الشهر الذي ولد فيه، وطلبه للعلم وارتحاله لأجله في الأندلس، وعدّد جملة من الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم مع بيان مروياته عن بعضهم، وكذا مجموعة مِمّن حدّثوا عنه، ومن أجاز له من أهل المشرق. ثمّ جاء بنُقول عمّن أثنى عليه من أهل العلم، وأشاد ببيان علوّ شأنه ورفعة مكانته من بين أقرانه من العلماء، وما يفيد تفوّقه في الحديث وتقدّمه فيه على أهل بلده. ولبيان مكانة ابن عبد البرّ العلمية يقول الذهبي رحمه الله (¬5): "قلت: كان إمامًا ديّنًا، ثقةً، متقنًا، علّامةً، متبحّرًا، صاحب سنّة واتّباع، وكان - أوّلًا - أثريًّا ظاهريًّا - فيما قيل - ثمّ تحوّل مالكيًّا، مع ميل بيّن إلى فقه الشّافعي في مسائل، ولا يُنكر له ذلك، فإنّه مِمّن بلغ رتبة الأئمّة المجتهدين، ومن نظر في مصنّفاته بأن له مَنْزلته من سعة العلم، وقوّة الفهم، وسيلان الذهن، وكلّ أحد يؤخذ من قوله ويترك إلّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) انظر منه: (18/ 153 - 163). (¬2) انظر منه: (31/ 136 - 142). (¬3) انظر منه: (1/ 273). (¬4) انظر منه: (3/ 255). (¬5) "سير أعلام النبلاء" (18/ 157).

ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطّي معارفه بل نستغفر له ونعتذر عنه". كما أفادنا الذهبي أنّ ابن عبد البرّ كان ينبسط إلى أبي محمّد بن حزم ويؤانسه، وأنّ ابن حزم أخذ عنه فنّ الحديث. وقال أيضًا: "وكان في أصول الديانات على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله" (¬1). وفي "تاريخ الإسلام" ذهب إلى أنّ شيوخ ابن عبد البرّ لا يبلغون سبعين نفسًا، إلّا أنّ بعض (¬2) من تتبع شيوخ ابن عبد البرّ الذين أخذ عنهم، واستقصاهم من خلال كتب التراجم المختلفة أوصلهم إلى نحو مائة شيخ أو يزيدون. كما نقل فيه عن بعض شيوخه أنّ ابن عبد البرّ كان في أوّل زمانه ظاهريّ المذهب مدّة طويلة، ثمّ رجع عن ذلك إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد، إلّا أنّه كان كثيرًا ما يميل إلى مذهب الشافعي رحمه الله. ¬

_ (¬1) وهو مذهب يقرّره ابن عبد البرّ نفسه بقوله: "أهل السنّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلّها في القرآن والسُّنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلّا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدّون فيه صفة محصورة، وأمّا أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلّها والخوارج، فكلّهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقرّ بها مشبّه، وهم عند من أقرّ بها نافون للمعبود". "التمهيد" (7/ 145)، وانظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 96)، "مختصر العلوّ للعليّ الغفّار" للذهبي (268 - 269). (¬2) وهو: ليث جاسم السعود في كتابه "ابن عبد البرّ وجهوده في التاريخ" كما سيأتي ذكره.

وليس في كتب الذهبي الأخرى من البيان أكثر ممّا أمكن استفادته من كتاب "السير"، و"تاريخ الإسلام"، وإنّما إيجاز وإشارات فحسب. ثمّ ترجم لابن عبد البرّ من المتأخّرين - على غير سبيل الحصر لهم - ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" من غير إضافات يشار إليها. ثم صديق حسن خان (¬1) في كتابه "التاج المكلّل"؛ ثمّ محمّد مخلوف في "شجرة النور الزكية" من غير إضافة ما يذكر. ثمّ محمّد بن الحسن الحجوي (¬2) في كتابه "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" (¬3) ذاكرًا ما قاله ابن عبد البرّ راثيًا نفسه قبل موته: تذكّرت من يبكي على مداومًا ... فلم ألف إلّا العلم بالدين والخبر علوم كتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله في صحّة الأثر ولم الألى قرْن فقرن وفهم ما ... له اختلفوا في العلم بالرأي والنظر ¬

_ (¬1) هو: أبو الطيّب، صدّيق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري، الملقب بـ "نواب عالي جاه أمير الملك بهادر"، عاش حياة عريضة أتاحت له الاشتغال بالتأليف والتصنيف بنشاط ودأب، فكان صاحب تصانيف كثيرة في علوم مختلفة، ولد سنة (1248)، وتوفي سنة (1307). انظر: "التاج المكلل" (ص 541)، "الأعلام" للزركلي (6/ 167 - 168)، "معجم المؤلّفين" لكحالة (10/ 90 - 91). (¬2) هو: محمّد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، ولد بفاس سنة (1291)، وتوفّي سنة (1376). مقدّمة "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" (1/ 9). (¬3) انظر: (2/ 248).

كما أفرد ابنَ عبد البرّ بالدراسة كثير من المعاصرين في رسائل أكادمية وفي أبحاث مستقلّة، تدلّ عناوينها على الجوانب المقصودة بالبيان فيها، والمراد إبرازها في شخص هذا العالم الفذّ، ومن هؤلاء: • ليث سعود جاسم، في كتاب: "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" (¬1). • سليمان بن صالح بن عبد العزيز الغصن، في كتاب: "عقيدة الإمام ابن عبد البرّ في التوحيد والإيمان - عرضًا ودراسة - " (¬2). • الدكتور محمّد عبد ربّ النبيّ، في رسالة دكتوراه عنوانها: "منهج ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل من خلال كتابه (التمهيد) " (¬3). • الصادق بن الصادق الأنصاري، في رسالة ماجستير عنوانها: "ابن عبد البرّ النمري محدّثًا" (¬4). • إسماعيل الندوي، في رسالة ماجستير عنوانها: "ابن عبد البرّ وجهوده في الحديث والفقه" (¬5). • محمّد بن يعيش، في دراسة عنوانها: "الإمام أبو عمر بن عبد البر: حياته، ¬

_ (¬1) دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع, المنصورة، مصر. (¬2) دار العاصمة للنشر والتوزيع. (¬3) جامعة أمِّ القرى، كلّية الدعوة. (¬4) جامعة الملك عبد العزيز (أمِّ القرى)، كلّية الشريعة، فرع الكتاب والسنّة، سنة: (1398 - 1977). (¬5) جامعة القاهرة، كلّية دار العلوم، قسم الشريعة، سنة: (1384 - 1964).

آثاره، ومنهجه في فقه السنّة" (¬1). • مقال للدكتور فؤاد عبد اللطيف عثمان، بعنوان: "مقارنة بين منهج ابن قدامة المقدسي ومنهجي ابن عبد البرّ وابن حزم في العقيدة والفقه". ¬

_ (¬1) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية: (1410 - 1990).

المبحث الثاني اسم الحافظ ابن عبد البر، ونسبه، وكنيته، ومولده

المبحث الثاني اسم الحافظ ابن عبد البرّ، ونسبه، وكنيته، ومولده المطلب الأول: اسم الحافظ ابن عبد البّر ونسبه، وكنيته هو: جمال الدين يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النّمري القرطبي، كنيته أبو عمر. نسبته إلى قبيلة النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان من قبائل العرب الأصيلة. قال ابن عبد البرّ: "الذي عليه جماعة أهل العلم بالأنساب أنّ النمر بن قاسط في ربيعة" (¬1). المطلب الثاني: مولد الحافظ ابن عبد البرّ ولد الحافظ ابن عبد البرّ - على أصحّ الأقوال في تاريخ ولادته وأرجحها (¬2) - وقت خطبة الجمعة من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة من الهجرة النبوية المباركة. ¬

_ (¬1) "الإنباه على قبائل الرواة" (ص 99). (¬2) قد اختلف في السنة التي وُلد فيها الحافظ ابن عبد البرّ، كما اختلف في الشهر الذي ولد فيه، فقيل: ولد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وثلاثمائة؛ وقيل: في شهر ربيع الثاني سنة ثمان وستين وثلاثمائة؛ =

نقله الطاهر بن مفوّز عن ابن عبد البرّ نفسه من تأريخ والده لهذه الولادة، قال: "أرانيه - أي ابن عبد البر - بخطّ أبيه" (¬1). ¬

_ = وقيل في شهر رجب سنة اثنتين وستّين وثلاثمائة. (¬1) "الصلة" (3/ 974).

المبحث الثالث نشأة الحافظ ابن عبد البر العلمية ورحلته

المبحث الثالث نشأة الحافظ ابن عبد البرّ العلمية ورحلته المطلب الأول: نشأة الحافظ ابن عبد البرّ العلمية ينتسب الحافظ ابن عبد البرّ إلى أسرة علم ودين وزهد، هيّأت له كلّ ما يعينه على طلب العلم، فكان لوالده الإسهام في الحياة العلمية في قرطبة، وكان معروفًا بمكارم الأخلاق وحسن التديّن والورع والتقوى والسمت الحسن، كما كان لجدّه مشاركة في علوم شرعية مع ما كان يغلب عليه من العبادة والتهجّد والزهد. ففي وسط بيئة يغمرها العلم والتديُّن تربّى أبو عمر ابن عبد البرّ، وفي كنفها نشأ نشأة طيّبة مستقيمة، توّاقة إلى حبّ العلم والمعرفة، وتحت رعاية والده نال تعاليمه الأولى على ما هو عادة الأسر العلمية في الأندلس في ذلك الزمن (¬1)، والمنهج المسطور: أن يبدأ الطالب بحفظ كتاب الله وتفهُّمه، وأن يحفظ كلّ ما يعين على فهمه، ويتدرّج في أخذ العلوم، الأولى فالأولى ما يساعده على تنمية قدراته الذهنية ومواهبه الفكرية حتّى تكتمل بنيَتُه ويطير بجناحيه. ¬

_ (¬1) انظر: "مقدمة ابن خلدون" (ص 506)، "ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 113 وما بعدها)، "منهج الحافظ ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل" للدكتور محمّد عبد رب النبي (21 - 22).

المطلب الثاني: رحلات الحافظ ابن عبد البر العلمية

ودرس على عدد كبير من علماء قرطبة، وسمع من شيوخها الأعلامِ الفقهَ والحديث واللغة والتاريخ والأدب، حتّى استقلّ في العلم، وأصبح مِمّن يُعتدُّ بقوله فيه. المطلب الثاني: رحلات الحافظ ابن عبد البرّ العلمية لم يظهر لي فيما قرأت في المصادر التي ترجمت للحافظ ابن عبد البرّ السببُ الثابتُ المتّفقُ عليه من عدم خروجه من الأندلس طلبًا للعلم وعدم ارتحاله لأجل ذلك على ما هو دأب العلماء وشأنهم في الرحلة لطلب العلم، إلّا أنه يذكر له كثرة انتقاله في أرجاء شبه الجزيرة الأندلسية شرقًا وغربًا، وسكناه لكثير من مدنها. ولعلّ سبب عدم خروجه يكمن في استغناء الحافظ ابن عبد البرّ بما وجد من كثرة العلماء ووفرتهم في بلاد الأندلس وخاصّة في مدينة قرطبة، وما شهدته تلك البلاد من نهضة علمية وثقافية عمّت جميع نواحي الحياة، فإنّه عاش في زمن شهد نشاطًا فكريًّا متميَزًا، ساعد عليه ما اهتمّ به الخلفاء من إجلال العلماء، وتقريبهم لهم، وتكريمهم، ورفع منازلهم، وتشجيعهم على التصنيف، وما اعتنوا به - أيضًا - من جمع الكتب من سائر الأقطار الإسلامية وعلى وجه الخصوص بلاد المشرق (¬1). وأمّا فيما يتعلّق بتنقّل ابن عبد البرّ داخل الأندلس، فإنّه يسجّل له رحلات قيل إنّ من أسبابها الأحوال السياسية التي كانت سائدة آنذاك في قرطبة وغيرها من مدن الأندلس، وما آل إليه الوضع من كثرة الفتن والقتل والنهب والسلب، وما أدّى إليه ¬

_ (¬1) انظر: "شجرة النور الزكية" (2/ 127).

ذلك من الهرج وعدم استقرار أحوال الناس (¬1). وقد كان لهذه التنقّلات في أنحاء البلاد الأندلسية الأثر البالغ في تكوين شخصية ابن عبد البرّ العلمية، ووفرة علومه. ولمّا بلغ مبلغ الأكابر إنصات به الزمان، واشتهر اسمه بين الأعلام، وسارت بمصنّفاته الركبان، والله يوفِّق من يريد به خيرًا إلى طاعته وحملِ جزء من رسالته. ¬

_ (¬1) انظر: "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" لليث سعود جاسم (ص 168 وما بعدها).

المبحث الرابع شيوخ ابن عبد البر وتلاميذه

المبحث الرابع شيوخ ابن عبد البرّ وتلاميذه المطلب الأول: شيوخ الحافظ ابن عبد البرّ لم يمنع ابنَ عبد البرّ عدمُ ارتحاله خارج الأندلس طلبًا للعلم من لقيِّ كثير من العلماء الأعلام الأندلسيين وغير الأندلسيين الوافدين إلى الأندلس، وكذا مراسلة آخرين في أقاليم مختلفة (¬1). ومن أشهر شيوخ ابن عبد البرّ: 1 - أبو عمر، أحمد بن عبد الملك بن هاشم الإشبيلي، المعروف بابن المكوي (324 - 401) (¬2): من علماء قرطبة الكبار، وإليه انتهت رئاسة العلم بها في وقته، كان حافظًا للفقه بارعًا فيه، مفتيًا متقنًا، مُقدَّمًا في ذلك على جميع أهل عصره، وكان متينًا في دينه، صلبًا في رأيه، يبتعد عن هوى نفسه، قائلًا بالحقّ عاملًا به. ¬

_ (¬1) وللحافظ ابن عبد البر فهرست شيوخه، انظر: "ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 309 وما بعدها)، وانظر في تعداد وإحصاء شيوخ ابن عبد البرّ فيه (ص 495 - 507). (¬2) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 208)، "الصلة" (1/ 53).

2 - خلف بن قاسم بن سهل، المعروف بابن الدباغ وبسهلون (325 - 393) (¬1): المحدّث المكثر، كان ابن عبد البرّ لا يُقدَّم أحدًا عليه، وقال عنه: "أمّا خلف ابن القاسم بن سهل الحافظ، فشيخ لنا وشيخ لشيوخنا أبي الوليد ابن الفرضي وغيره، كتب بالمشرق عن نحو ثلاثمائة رجل، وكان من أعلم الناس برجال الحديث وأكتبهم له، أجمعهم لذلك وللتواريخ والتفاسير ... ، وهو محُدِّث الأندلس في وقته" (¬2). 3 - أبو عمر، أحمد بن عبد الله بن محمّد الباجي (332 - 396) (¬3): قال فيه ابن عبد البر: "كان أبو عمر الباجي إمام عصره، وفقيه زمانه، جمع الحديث والرأي والسمت الحسن، والهدى والفضل، ولم أر بقرطبة ولا بغيرها من كور الأندلس رجلًا يقاس به في علمه بأصول الدين وفروعه، كان يذاكر بالفقه، ويذاكر بالحديث والرجال (¬4). 4 - أبو عمر، أحمد بن محمّد بن عبد الله المقرئ الطلمنكي (340 - 429) (¬5): أحد الأئمّة، عالم بالقرآن العظيم، قراءته وإعرابه وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، ومعانيه؛ وله اعتناء بالحديث والسنن حفظًا ودرايةً؛ وكان عارفًا بأصول الديانات، مقدَّمًا في ذلك كلِّه معرفة وفهمًا، على هدى وسنّة واستقامة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 326)، "بغية الملتمس" (1/ 357)، "شذرات الذهب" (3/ 144). (¬2) "جذوة المقتبس" (1/ 328). (¬3) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 203)، "الصلة" (1/ 38)، "بغية الملتمس" (1/ 231). (¬4) "جذوة المقتبس" (1/ 203). (¬5) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 181)، "شذرات الذهب" (3/ 243).

5 - أبو المطرف، عبد الرحمن بن محمّد بن عيسى بن فطيس (348 - 402) (¬1): كان من جهابذة المحدِّثين، ومن كبار العلماء المسندين، حافظًا للحديث وعلله، منسوبًا إلى فهمه وإتقانه، عارفًا بأسماء رجاله ونقلته، جمع من الكتب في أنواع العلم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، مع سعة الرواية والحفظ والدراية. ومن جلّة شيوخ ابن عبد البرّ أيضًا (¬2): 1 - إبراهيم بن محمّد بن زكريا الزهري الأفليلي (352 - 441) (¬3). 2 - أبو العباس أحمد بن سعيد، المعروف بابن الحصار (ت 392) (¬4). 3 - أحمد بن عمر بن لهات العذري المري، المعروف بابن الدلائي (393 - 478) (¬5). 4 - أحمد بن عمر بن عبد الله بن عصفور الخضرمي الإشبيلي (338 - 410) (¬6). 5 - أحمد بن فتح بن علي يوسف المعافري، المعروف بابن الرسان (313 - 403) (¬7) 6 - أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي البزاز (309 - 395) (¬8). 7 - أبو العبّاس أحمد بن قاسم بن عيسى اللخمي الإقليشي المقرئ (363 - 410) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 466)، "بغية الملتمس" (2/ 462)، الديباج المذهب (ص 245). (¬2) نقلًا من كتاب: "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 495 - 506). (¬3) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 155). (¬4) انظر ترجمته في: "ترتيب المدارك" (2/ 678). (¬5) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 213)، "الصلة" (1/ 115)، "بغية الملتمس" (1/ 242). (¬6) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 213)، "الصلة" (1/ 54)، "بغية الملتمس" (ص 242). (¬7) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 220)، "الصلة" (1/ 57)، "بغية الملتمس" (1/ 246). (¬8) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 220)، "الصلة" (1/ 140)، "بغية الملتمس" (1/ 248). (¬9) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 221)، "الصلة" (1/ 65)، "بغية الملتمس" (1/ 248).

8 - أبو بكر أحمد بن مطرف، المعروف بابن الخطّاب (ت 410) (¬1). 9 - أبو على الحسين بن عبد الله بن حسين اليماني (326 - 421) (¬2). 10 - حكم بن منذر بن سعيد بن عبد الله بن نجيح (ت 420) (¬3). 11 - خلف بن سعيد بن أحمد الإشبيلي، المعروف بابن المنفوخ (تبعد 403) (¬4). 12 - سلمة بن سعيد الأستجي (327 - 406) (¬5). 13 - أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي (403 - 474) (¬6). 14 - سهيل بن إبراهيم بن سهل بن نوح، المعروف بابن العطار (ت 387) (¬7). 15 - أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي اللغوي (ت 417) (¬8). 16 - أبو بكر عباس بن أصبغ بن عبد العزيز بن غصن الهمداني، المعروف بالحجازي (306 - 386) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 71). (¬2) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 299)، "الصلة" (1/ 231)، "بغية الملتمس" (1/ 328). (¬3) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 239). (¬4) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 323)، "الصلة" (1/ 263)، "بغية الملتمس" (1/ 354). (¬5) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 368)، "بغية الملتمس" (2/ 406). (¬6) انظر ترجمته في: الصلة" (1/ 317)، "ترتيب المدارك" (2/ 802). (¬7) انظر ترجمته في: "تاريخ علماء الأندلس" (1/ 191). (¬8) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 373)، "الصلة" (1/ 371)، "بغية الملتمس" (2/ 413). (¬9) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 503)، "بغية الملتمس" (2/ 560).

17 - عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر الهمداني ابن الخراز البجاني الوهراني (338 - 411) (¬1). 18 - أبو الوليد عبد الله بن محمّد بن يوسف بن نصر الأزدي، المعروف بابن الفرضي (351 - 403) (¬2). 19 - أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان بن جبرون، المعروف بالحبيب (317 - 395) (¬3). 20 - أبو نصر محمّد بن إبراهيم البغدادي الشافعي، المعروف بالمهدي (¬4). 21 - محمّد بن إبراهيم بن سعيد بن أبي القراميد (¬5). 22 - أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن عبيد الله بن محمود البجاني (¬6). 23 - أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن مصعب الأشعري، المعروف بابن أبي مقنع (¬7). 24 - محمّد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين الإلبيري (324 - 399) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 435) , "الصلة" (2/ 475)، "بغية الملتمس" (2/ 477). (¬2) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 396)، "الصلة" (1/ 391)، "بغية الملتمس" (2/ 433). (¬3) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 466) "الصلة" (2/ 558)، "بغية الملتمس" (2/ 520). (¬4) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 869). (¬5) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (1/ 78) , "بغية الملتمس" (1/ 81). (¬6) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 742). (¬7) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 757). (¬8) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 707) , "الصلة" (1/ 119).

المطلب الثاني: تلاميذ الحافظ ابن عبد البر

25 - أبو نصر هارون بن موسى بن جندل القيسي الأديب (ت 430) (¬1). 26 - أبو بكر وسيم بن أحمد بن محمّد الأموي، المعروف بالخنتمي (345 - 404) (¬2). 27 - أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن، المعروف بابن وجه الجنة (304 - 402) (¬3). المطلب الثاني: تلاميذ الحافظ ابن عبد البرّ وأمّا تلاميذ الحافظ ابن عبد البرّ فهم كثرة لا تكاد تحصى، وأظهر الأسباب لذلك علوُّ سنده إذ إنّه لقي كثيرًا من الأكابر الذين رووا العلم في وقته، وجمع عنهم مؤلّفاتهم ومؤلّفات مَن سبقهم مِن المشايخ الكبار، حتى صار من أعلم الناس، بل أعلمهم بالسنن والآثار واختلاف علماء الأمصار ببلده؛ واتصافُه بالاطّلاع وقوة الحفظ، والإتقان، وعلوّ الهمّة، كلُّ هذا جعل الناس يرحلون إليه من أرجاء مختلفة وآفاق متباعدة طلبًا للزيادة في المعرفة والعلوّ في الإسناد، ثمّ إنّه قد طال عمره وتجوّل كثيرًا بأرض الأندلس فتكاثر عليه الطلّاب، وزاد عددهم حتّى فاق كلّ إحصاء. ومصادر ترجمته تذكر لنا كثيرًا من العلماء، والقضاة، والرواة، الذين سمعوا من حافظ المغرب، أو حضروا دروسه، أو رووا كتبه، نذكر منهم طائفة: 1 - أبو جعفر، أحمد بن محمّد بن رزق الأموي القرطبي (427 - 477) (1): ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 942). (¬2) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 928). (¬3) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 601)، "الصلة" (3/ 953)، "بغية الملتمس" (2/ 677).

كان فقيهًا حافظًا للرأي مقدَّمًا فيه، ذاكرًا للمسائل، بصيرًا بالنوازل، عارفًا بالفتوى، وكان مدار طلبة الفقه بقرطبة عليه في المناظرة والمدارسة، وكان فاضلًا دينًا متواضعًا، حليمًا، على هدى واستقامة. 2 - أبو على، حسين بن محمّد بن أحمد الغساني الجياني (427 - 498) (¬2): أحد جهابذة المحدّثين، وكبار العلماء المسندين، بلغ رتبة رئيس المحدّثين بقرطبة في وقته، لم يكن في عصره أضبط منه، وكان له بصر باللغة والإعراب، والمعرفة بالغريب، والشعر، والأنساب. له من المصنّفات: "تقييد المهمل وتمييز المشكل من الأسماء والكنى والأنساب مما ذكر في الصحيحين" في رجال الصحيحين مرتّبًا على حروف المعجم، "مختصر تاريخ ابن الفرضي"، "الكنى والألقاب" وغيرها. 3 - أبو محمّد، عبد الرحمن بن محمّد بن عتاب بن محسن القرطبي (433 - 520) (¬3): كان يحفظ القرآن الكريم، كثير التلاوة له، عارفًا برواياته وطرقه، واقفًا على كثير من تفسيره وغريبه ومعانيه، وكان مدار أصحاب الحديث عليه لثقته وجلالته، وعلوّ إسناده وصحّة كتبه، وهو آخر الشيوخ الجلة الكبار بالأندلس في علوّ الإسناد وسعة الرواية. 4 - أبو الحسن طاهر بن مفوز بن أحمد الشاطبي المعافري (423 - 484) (¬4): ¬

_ = (1) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 114)، "بغية الملتمس" (1/ 211)، "الديباج المذهب" (ص 103). (¬2) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 233)، "بغية الملتمس" (1/ 327)، "الديباج المذهب" (ص 174). (¬3) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 512)، "بغية الملتمس" (2/ 464)، "الديباج المذهب" (ص 246). (¬4) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 376)، "بغية الملتمس" (2/ 422).

روى عن ابن عبد البرّ وأكثر عنه، واختصّ به، وهو أثبت الناس فيه، وكان من أهل العلم، مقدّمًا في المعرفة والفهم، عني بالحديث العناية الكاملة، واشتهر بحفظه وإتقانه وذكائه، وكان جيّد الحفظ، بارعًا في الفقه، مع الفضل والصلاح والورع والتواضع. 5 - أبو محمّد، على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (384 - 456) (¬1): عالم الأندلس وأجمعهم قاطبة لعلوم الإسلام، وإمام أهل الظاهر في عصره، أحد أعلام الأدب والفقه والحديث، عارفًا بطرق الاستنباط مجتهدًا فيها، صاحب المصنّفات الكثيرة منها: "المحلى بالآثار" في الحديث والفقه، و"النبذ" و"الإحكام في أصول الأحكام" في أصول الفقه، و"طوق الحمامة" في الأدب، وغيرها من المؤلّفات الكثيرة. 6 - أبو عبد الله، محمد بن أبي نصر فتوح الأزدي الحميدي (420 - 488) (¬2): العالم الفقيه، والمحدّث الحافظ، كان إمامًا مقدّمًا في الحفظ والإتقان، عارفًا بعلل الحديث ومتونه ورواته، محقِّقًا في علم الأصول على مذهب أصحاب الحديث، متبحِّرًا في علم الأدب والعربية، له من الكتب: "جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس وأسماء رواة الحديث والأدب"، "الجمع بين الصحيحين". ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (2/ 489)، "الصلة" (2/ 605)، "بغية الملتمس" (2/ 543)، سير أعلام النبلاء (18/ 185). قال الأستاذ ليت سعود الجاسم في ابن عبد البر وجهوده في التاريخ (ص 148 - 149): "أما طبيعة العلاقة بين ابن حزم وابن عبد البر فقد كانت علاقة تلمذة وصداقة، فقد تلقى ابن حزم عن ابن عبد البر علم الحديث ... ". (¬2) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 818)، "بغية الملتمس" (1/ 161).

ومن تلاميذه أيضًا: 1 - أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن جبرون (¬1). 2 - أبو القاسم الحسن بن عمر الهوزاني (435 - 512) (¬2). 3 - أبو الحسن خليص بن عبد الله العبدري (ت 513) (¬3). 4 - أبو بحر سفيان بن العاص بن أحمد الأسدي (440 - 520) (¬4). 5 - أبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح المقرئ (413 - 496) (¬5). 6 - أبو محمّد عبد الجبار بن سليمان بن أبي قحافة الأنصاري (¬6). 7 - أبو المطرف عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تليد (ت 474) (¬7). 8 - عبد الرحمن بن عبد العزيز بن ثابت الخطيب الشاطبي (446 - 509) (¬8). 9 - أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن أحمد بن العربي (¬9). 10 - أبو عبد الله محمّد بن علي بن فتوح الأنصاري (ت 498) (1). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "التكملة" (ص 224). (¬2) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 226)، "بغية الملتمس" (1/ 325). (¬3) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 286)، "الغنية" (ص 212)، "بغية الملتمس" (1/ 365). (¬4) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 360)، "بغية الملتمس" (2/ 389). (¬5) انظر ترجمته في: "الصلة" (1/ 321)، "بغية الملتمس" (2/ 386). (¬6) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 553). (¬7) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 504). (¬8) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 509). (¬9) انظر ترجمته في: "الصلة" (2/ 438).

11 - أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد (444 - 517) (¬2). 12 - أبو الحجاج يوسف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الأنصاري (ت 550) (¬3). 13 - أبو الوليد يونس بن أحمد الأزدي، المعروف بابن شوقة (ت 474) (¬4). ¬

_ = (1) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 824). (¬2) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 880)، "بغية الملتمس" (2/ 606). (¬3) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 977)، "بغية الملتمس" (2/ 662). (¬4) انظر ترجمته في: "الصلة" (3/ 984).

المبحث الخامس ثناء العلماء على الحافظ ابن عبد البر ومكانته العلمية

المبحث الخامس ثناء العلماء على الحافظ ابن عبد البرّ ومكانته العلمية نال الحافظ ابن عبد البرّ الثناء الحسن من علماء زمانه، من أقرانه وشيوخه وتلاميذه، وكبار المترجِمين له والناقلين عنه، بما يدلّ على علوّ شأنه وسموّ رتبته، وما يدلّ على ما ناله من المكانة العالية في العلم حفظًا وفهمًا، وإتقانًا ودرايةً، وهو أهل لذلك، ومن كلام العلماء فيه: • قول الحميدي: "أبو عمر، فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف في الفقه، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع ... " (¬1). • وقال أبو الحسن الغساني: "سمعت أبا عمر بن عبد البرّ يقول: "لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمّد (¬2)، وأحمد بن خالد الجباب (¬3) "، وأنا أقول إن ¬

_ (¬1) "جذوة المقتبس" (2/ 586)، وانظر: "بغية الملتمس" (2/ 660). (¬2) أبو محمّد، قاسم بن محمّد بن قاسم بن سيار، برع في الفقه، وذهب مذهب الحجّة والنظر وعلم الاختلاف، وكان فقيه الصدر أديبًا شاعرًا، له بصر بالحديث، توفي سنة (276 أو 278). انظر ترجمته في: "ترتيب المدارك" (2/ 446)، "بغية الملتمس" (2/ 587). (¬3) أبو عمر، خالد بن يزيد القرطبي، حافظ ومكثر في الحديث، وكان شيخ الأندلس في عصره، إمامًا في فقه مالك، جمع علمًا كثيرًا مع الزهد والورع، توفي سنة (322)، انظر ترجمته في: "بغية الملتمس" (1/ 221).

شاء الله: إنّ أبا عمر لم يكن بدونهما، ولا متخلّفًا عنهما، ... وأبو عمر شيخنا، ... طلب وتفقّه، ... ودأب أبو عمر في طلب الحديث، وافتن فيه، وبرع براعة فاق بها من تقدّمه من رجال الأندلس" (¬1). • قال أبو محمّد بن حزم: "وممّن أدركنا من أهل العلم على الصفة التي من بلغها استحقّ الاعتداد به في الاختلاف ... يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ النمري" (¬2). • وقال عنه الإمام أبو الوليد الباجي: "لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر ابن عبد البرّ في الحديث" (¬3)، "أبو عمر أحفظ أهل المغرب" (¬4). • وقال ابن بشكوال: "وكان مع تقدّمه في علم الأثر، وبصره بالفقه ومعاني الحديث، له بسطة كبيرة في علم النسب والخبر" (¬5). • وقال ابن خاقان في "مطمح الأنفس": "الفقيه الإمام العالم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البرّ، إمام الأندلس وعالمها الذي التاحت به معالمها، صحح المتن والسند، وميّز المرسل من المسند، وفرق بين الموصول والقاطع، وكسا الملّة منه نور ساطع، حصر الرواة، وأحصى الضعفاء منهم والثقات، وجدّ في تصحيح ¬

_ (¬1) "الصلة" (3/ 973 - 974)، "ترتيب المدارك" (2/ 809). (¬2) "الإحكام في أصول الأحكام" (5/ 102). (¬3) "الصلة" (3/ 973). (¬4) "الصلة" (3/ 973). (¬5) "الصلة" (3/ 974).

السقيم، وجدّد منه كالكهف والرقيم، مع معلنات العلل، وإرهاف ذلك العلل، والتنبيه والتوقيف، والإتقان والتثقيف، وشرح المقفل، واستدراك الغفل، وله فنون هي للشريعة رتاج، وفي مفرق الملّة تاج، أهرت للحديث ضُبًى، وفرعت لمعرفته رُبى، وهبت لتفهمه شمال وصَبا، وشفّت منه وصبا، وكان ثقة، والأنفس على تفضيله متّفقة، وأمّا أدبه فلا تعبر لجُّته، ولا تدحض حجّته، وله شعر لم نجد منه ما نفث به أنفة، وأوصى فيه عن معرفة ... " (¬1). • وجاء في كتاب "المغرب": "إمام الأندلس في علم الشريعة ورواية الحديث ... ، وحافظها الذي حاز خصل السبق واستولى على غاية الأمد" (¬2). • وذكر صاحب "مرآة الجنان" من الثناء عليه أنه: "ليس لأهل المغرب أحفظ منه مع الثقة والدين والنزاهة والتبحّر في الفقه والعربية والأخبار" (¬3). • وقال شيخ الإسلام ابن تيمية إنّه: "إمام أهل المغرب" (¬4)، وهو: "من أعلم الناس بالآثار والتمييز بين صحيحها وسقيمها" (¬5). • وقال الإمام الذهبي فيه: "لقد كان أبو عمر من بحور العلم، ومن أئمّة الأثر، قلّ أن ترى العيون مثله ... ، واشتهر فضله في الأقطار" (¬6). هذا بعض ما قيل في الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) "مطمح الأنفس" (367 - 368). (¬2) "المغرب في حلي المغرب" لأبي سعيد الغرناطي (2/ 329). (¬3) "مرآة الجنان" (3/ 89). (¬4) "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية (5/ 86 - 87). (¬5) "درء تعارض العقل والنقل" (7/ 157). (¬6) "مختصر العلوّ للعليّ الغفارّ" (ص 269).

المبحث السادس مصنفات الحافظ ابن عبد البر وآثاره

المبحث السادس مصنّفات الحافظ ابن عبد البرّ وآثاره " كان - ابن عبد البرّ - موفّقًا في التأليف معانًا عليه" (¬1)، "فجمع وصنّف، وضعّف ووثّق، وسارت بتصانيفه الركبان" (¬2)، له كتب لا مثيل لها، وُصِفت بأنّها: "تيجان رؤوس العظماء وأسوة العلم والعلماء" (¬3)، كيف لا وهو الذي جمع الفنون الكثيرة، وتكلّم في كلّها بقوّة وتحقيق. ولذا فإنّه كان أمنية بعض العلماء الارتحال إليه، بل الارتحال إلى تلاميذه للأخذ عنهم ما رووه من العلم عن شيخهم ابن عبد البرّ. فهذا الحافظ الذي طار اسمه في الآفاق أبو طاهر السِّلَفِي (¬4) كان في نيّته اختراق ¬

_ (¬1) "الصلة" (3/ 974). (¬2) "سير أعلام النبلاء" (18/ 158). (¬3) "الذخيرة" لابن بسام، انظر: "ابن عبد البرّ وجهوده في التاريخ" (199). (¬4) هو: الإمام الحافظ أحمد بن محمّد بن أحمد الأصبهاني الجرواني، سمع من عدّة، وارتحل وله أقلّ من عشرين سنة، وبقي في الرحلة ثمانية عشر عامًا، كتب الحديث والفقه والأدب والشعر، حصل الكتب ونشر العلم إلى أن مات سنة (576). انظر: "سير أعلام النبلاء" (21/ 5)، "الكامل" (11/ 191)، "وفيات الأعيان" (1/ 150).

المطلب الأول: المصنفات في علم القراءات

بلاد المغرب والأندلس للأخذ عن أصحاب أبي عمر بن عبد البر، ... وأثنى أبو طاهر على ابن عبد البرّ ومؤلّفاته بقوله: يا من يسافر في الحديث مشرّقا ... ومغرّبا في البحر بعدَ البر ما أن يرى أبدا لكتب صاغها ... بالغرب حافظها ابن عبد البر (¬1) "فمن نظر إلى مصنّفاته بأن له مَنْزلته من سعة العلم وقوّة الفهم" (¬2)، ومن نظر إلى آثاره أغنته عن أخباره (¬3). المطلب الأوّل: المصنفات في علم القراءات 1 - الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمر بن العلاء بتوجيه ما اختلفا فيه (¬4)، لم أعثر عليه. 2 - التجويد والمدخل إلى علم القرآن بالتحديد (¬5)، لم أعثر عليه. 3 - البيان عن تلاوة القرآن (¬6)، لم أعثر عليه. المطلب الثاني: المصنفات في الحديث وعلومه 1 - التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد (¬7)، مطبوع. ¬

_ (¬1) "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 199 - 200). (¬2) "سير أعلام النبلاء" (18/ 157). (¬3) "المغرب" (2/ 329). (¬4) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "ترتيب المدارك" (2/ 810)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬5) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬6) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬7) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660)، "الصلة" (3/ 974).

2 - التقصّي لحديث الموطّأ وشيوخ مالك (ويسمى: تجريد التمهيد) (¬1)، مطبوع. 3 - الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصارَ مِمّا رسمه مالك في موطّئه من الآثار (¬2)، مطبوع. 4 - الزيادات التي لم تقع في الموطّأ عن يحيى بن يحيى عن مالك ورواه غيره في الموطّأ (¬3)، غير مطبوع. 5 - الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري، وهو المعنى بالدراسة والتحقيق في هذا البحث، وسيأتي تفصيل الكلام فيه. 6 - الاستظهار في طرق حديث عمار (¬4)، لم أعثر عليه. 7 - اختصار كتاب التمييز (¬5)، لم أعثر عليه. 8 - التغطا بحديث الموطّأ (¬6)، لم أعثر عليه. 9 - الشواهد في إثبات خبر الواحد (¬7)، لم أعثر عليه. 10 - عوالي ابن عبد البرّ في الحديث (¬8)، لم أعثر عليه. ¬

_ (¬1) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660)، "الغنية" (ص 113، 202، 256). (¬2) "الصلة" (3/ 974). (¬3) تاريخ التراث العربي "لبروكلمان" (2/ 122). (¬4) "هدية العارفين" (2/ 550). (¬5) "ترتيب المدارك" (2/ 810). (¬6) "هدية العارفين" (2/ 550). (¬7) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660). (¬8) "الغنية" (ص 224).

المطلب الثالث: المصنفات في الفقه

11 - وصل ما في الموطّأ من المرسل والمنقطع والمعضل (¬1)، لم أعثر عليه. 12 - منظومة في السنة (¬2)، لم أعثر عليه. 13 - مسند ابن عبد البر (¬3)، لم أعثر عليه. المطلب الثالث: المصنِّفات في الفقه 1 - الكافي في فروع المالكية (¬4)، مطبوع. 2 - الإنصاف فيما بين المختلفين في "بسم الله الرحمن الرحيم" في فاتحة الكتاب من الاختلاف (¬5)، مطبوع. 3 - اختلاف أصحاب مالك بن أنس واختلاف روايتهم عنه (¬6)، طبع هذه السنة (2003 م) في دار الغرب الإسلامي، بعنوان اختلاف أقوال مالك وأصحابه، تحقيق كلّ من: حميد محمّد لحمر، وميكلوش موراني، حقّقاه معتمدين على النسخة الفريدة منه المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط، برقم: 3369 ك. 4 - الإشراف على ما في أصول الفرائض من الإجماع والاختلاف (¬7)، لم أعثر عليه. ¬

_ (¬1) "الرسالة المستطرفة" (ص 15). (¬2) "المعجم" لابن الآبار (ص 320). (¬3) "الدلائل السمعية" (ص 741). (¬4) "جذوة المقتبس" (2/ 588)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬5) "سير أعلام النبلاء" (18/ 159). (¬6) "جذوة المقتبس" (2/ 588)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬7) "ترتيب المدارك" (2/ 810)، "الغنية" (ص 268)، "سير أعلام النبلاء" (18/ 159).

المطلب الرابع: المصنفات في التاريخ والسير

المطلب الرابع: المصنِّفات في التاريخ والسير 1 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (¬1)، مطبوع. 2 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء (¬2)، مطبوع. 3 - الإنباه على قبائل الرواة (¬3)، مطبوع. 4 - الدرر في اختصار المغازي والسير (¬4)، مطبوع. 5 - القصد والأمم في معرفة أنساب العرب والعجم (¬5)، مطبوع. 6 - الاستغناء في أسماء المشهورين من حملة العلم بالكنى (¬6)، مطبوع. 7 - اختصار تاريخ أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي (284 - 350 (¬7)، لم أعثر عليه. 8 - كتاب في أخبار القضاة (¬8)، لم أعثر عليه. ¬

_ (¬1) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660)، "الصلة" (3/ 974). (¬2) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660)، "الصلة" (3/ 974). (¬3) "ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 223)، "منهج الحافظ ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل" (ص 33). (¬4) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660). (¬5) ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ (ص 223)، "منهج الحافظ ابن عبد البر في الجرح والتعديل" (ص 33). (¬6) "ترتيب المدارك " (2/ 810)، "سير أعلام النبلاء" (18/ 159). (¬7) "ترتيب المدارك" (2/ 810). (¬8) "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" (226).

المطلب الخامس: المصنفات في الأدب والأخلاق والتوحيد

9 - فهرست الحافظ ابن عبد البر (¬1)، لم أعثر عليه. 10 - محن العلماء (¬2)، لم أعثر عليه. 11 - رسالة في تسمية فقهاء الأمصار، مخطوط، أجاب الحافظ ابن عبد البر فيها من سأله عن ذلك، محفوظة بجامعة ليبزج بألمانيا برقم: مجموع (88/ ب - 98/ ب). 12 - رسالة أخرى بعنوان: تعريف فقهاء المالكية، مخطوط، محفوظة بمكتبة فيض الله أفندي، برقم: (2169)، تقع في سبع ورقات، والظاهر من وصف الرسالتين في الفهارس أنهما مختلفتان. المطلب الخامس: المصنّفات في الأدب والأخلاق والتوحيد 1 - بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس (¬3)، مطبوع. 2 - جامع بيان العلم وما ينبغي من روايته وحمله (¬4)، مطبوع. 3 - الاهتبال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال (¬5)، مخطوط، لم تذكر ¬

_ (¬1) "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ " (ص 226)، "منهج الحافظ ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل" (ص 33)، وانظر: "الغنية" (ص 225، 272، 285). (¬2) "ابن عبد البرّ الأندلسي وجهوده في التاريخ" (ص 227)، "منهج الحافظ ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل" (ص 33). (¬3) "جذوة المقتبس" (2/ 588)، "بغية الملتمس" (2/ 661). (¬4) "جذوة المقتبس" (2/ 587)، "بغية الملتمس" (2/ 660)، "الصلة" (3/ 974). (¬5) "سير أعلام النبلاء" (18/ 159).

الفهارس غير نسخة وحيدة منه، محفوظة بمكتبة عارف حكمت، الملحقة بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة. 4 - البستان في الإخوان (¬1)، لم أعثر عليه. 5 - العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم عن العلماء والحكماء (¬2)، لم أعثر عليه. ¬

_ (¬1) "ترتيب المدارك" (2/ 810). (¬2) "جذوة المقتبس" (2/ 588)، "بغية الملتمس" (2/ 661).

المبحث السابع وفاة الحافظ ابن عبد البر

المبحث السابع وفاة الحافظ ابن عبد البرّ أدرَكَت الحافظ ابن عبد البرّ المنية في مدينة شاطبة ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستّين وأربعمائة (463)، عن خمس وتسعين سنة وخمسة أيّام رحمه الله وأنزله منازل المكرمين من عباده الصالحين، آمين.

الفصل الثاني دراسة عن "كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة"

الفصل الثاني دراسة عن "كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة" وفيه مبحثان: المبحث الأوّل: اختيارات ابن عبد البرّ العلمية في كتاب "الأجوبة" المبحث الثاني: الكلام على النسخة المعتمدة في التحقيق

المبحث الأول اختيارات ابن عبد البر العلمية في كتاب "الأجوبة"

المبحث الأوّل اختيارات ابن عبد البرّ العلمية في كتاب "الأجوبة" المطلب الأوّل: التفسير - قال (ص 194) في توجيه معنى قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}: "يجوز أن يكون معناه: وما أنت بمستجيب لك من في القبور، وكذلك هؤلاء لا يستجيبون، وأنّهم كَهُمْ في عدم الاستجابة، ولا عليك أن يجيبوا، إنّما عليك أن تسمعهم وتبلّغهم، إنّما أنت نذير، فهذا معنى قوله والله أعلم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: 22، 23] ". المطلب الثاني: الحديث الفقرة الأولى: الكلام على معاني الأحاديث: 1 - ذهب رحمه الله (ص 97) إلى معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمّ إنّ إبراهيم حرّم مكّة، وإنّي أحرّم ما بين لابتيها" ليس على ظاهره، ووجّهه بأنّ المقصود أنّ إبراهيم أَعْلَم بتحريم مكّة، لا أنّه هو المنشئ للتحريم أوّلاً، فقال رحمه الله بعد سوق الحديث: "ليس على ظاهره، وهو حديث رواه مالك عن عمرو ابن أبي عمرو عن أنس ... ومعناه عندي والله أعلم: أنّ إبراهيم عليه السلام أعلم بتحريم مكّة، وعُلِم أنّها حرام بإخباره، فكانّه حرّمها، إذ لم يعرف تحريمها أوّلاً في زمانه إلاّ على لسانه".

الفقرة الثانية: الأحكام على الأحاديث

2 - ذكر (ص 199) حديث عقبة بن عامر: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلّى على أهل أحد صلاته على الميّت". وحمل معناه على أن المقصود بالصلاة هنا الدعاء، لا الصلاة المعهودة، فقال: "وهذا عندي - والله أعلم - يحتمل أن يكون خرج إليهم فدعا لهم بالرحمة والمغفرة، كما يدعى للميّت، و"الصلاة" في اللغة: "الدعاء"". الفقرة الثانية: الأحكام على الأحاديث: 1 - ذهب رحمه الله (ص 100) إلى توهين حديث عمرو ابن أبي عمرو عن أنس مرفوعَا: "اللهمّ إنّ إبراهيم حرّم مكّة ... "، بعد أن ساق حديث ابن عبّاس: "إنّ هذا بلد حرام، حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ... " الحديث، فقال: "فلا وجه لمِا خالفه من الرواية على أنّها ليست بالقويّة، ولو صحّت لكان معناها ما ذكرنا"، علمًا أنّ الحديث رواه مسلم، كما هو مبيّن في موضعه من القسم المحقق. 2 - ذهب رحمه الله (ص 105) إلى تصويب رواية قتيبة بن سعيد عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح: أنّه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكّة لقتال عبد الله بن الزبير: " أتأذن لي، أيّها الأمير، أحدِّثك قولاً قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح ... " الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره، فقال رحمه الله: "وهذا الحديث الذي سألت عنه ذكره البخاري عن قتيبة بن سعيد عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح: أنّه قال لعمرو بن سعيد وذكر الحديث ... وقد روى هذا الحديث عبد الملك بن هشام عن زياد البكائي عن ابن إسحاق عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال: "لمّا قدم عمرو بن الزبير مكّة

لقتال أخيه عبد الله بن الزبير، جئته فقلت له: ما هذا؟ وذكر الحديث بكماله، فجعل مكان "عمرو بن سعيد": "عمرو بن الزبير"، كما ترى، ورواه يونس بن بكير عن محمّد بن إسحاق بإسناده فقال: "لمِّا بعث عمرو بن سعيد البعث إلى ابن الزبير دخلت عليه، وذكر الحديث، فوافق الليث على قوله: "عمرو بن سعيد"، وهو الصواب إن شاء الله تعالى". 3 - اختياره (ص 113) تضعيف حديث عمرو بن أميّة الضمري في المسح على العمامة، وحجّته عدم ثبوت ذكر العمامة في رواية معمر، وكذا رواية يونس بن يزيد عن الأوزاعي، وليس فيها ذكر العمامة، وكذا رواية جماعة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة لم يذكروا المسح على العمامة، وكذا رواية جماعة عن جعفر بن عمرو بن أميّة عن أبيه لم يذكر المسح على العمامة، وكذا رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وروايته عن المغيرة ليس فيها ذكر العمامة، وكذا لم يذكره النسائي، وقد ذكر أبواب المسح على العمامة، وكذا أبو داود. 4 - اختياره (ص 122) أنّ حديث بول الأعرابي أصحّ الأحاديث كلّها المنقولة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الماء من جهة الإسناد والمعنى. 5 - وهّن رحمه الله (ص 128) حديث أمِّ عطيّة بانفراد أهل البصرة به، وحكم عليه مع التسليم بصحّته بالوقف عليها، حيث قال: "على أنّ خبر أمِّ عطيّة غير لازم العمل به على كلّ حال؛ لأنّها لم تضفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أخبرت أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفتي عن ذلك فأجاب بما قالته، ولا فيه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك".

6 - توهينه (ص 138) لحديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين"، فقال: "فممّا يوهن هذا الحديث أنّ ظاهره يوجب قصر الصلاة فرضًا وعائشة التي جاءت به - رضي الله عنها - عملت بخلافه، وعملها بخلافه مشهور عنها، ولا تحذر تعمل بخلافه إلاّ لأنَّه عندها وهم رجحت عنه، أو لمعنى يزيله عن ظاهره؛ لأنَّه خبر لا يجوز فيه النسخ". 7 - قوله (ص 164) في حكم زيادة إسماعيل بن علية: "إلاّ الإقامة" في حديث: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة"، أنّ هذه اللفظة صحيحة رواها حمّاد بن زيد وإسماعيل، وهما أثبت أصحاب أيوب، وكذا قوله عن رواية أيّوب: "هكذا رواية أيوب لهذا الحديث، وهو أثبت من كلّ من روى هذا الحديث، لا يقاس به خالد ولا غيره، وزيادة مثله مقبولة عند الجميع". 8 - قال رحمه الله (ص 183) عن حديث طلحة: "صلّيت خلف ابن عبّاس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب" الحديث، وحديث عوف بن مالك قال: "صلّيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة رجل من الأنصار، فكان ممّا حفظت: "اللهمّ اغفر له ... "" الحديث: "وإسناد حديثه هذا - أي: طلحة - أصحّ من إسناد عوف بن مالك". 9 - قوله (ص 188) عن حديث قتادة عن أنس عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الميّت إذا دفن أنّه يسمع خفق النعال ... الحديث: "إنّ حديث قتادة عن أنس هذا صحيح". 10 - قوله (ص 207) عن حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أُتِي رسول الله بصبيّ من صبيان الأعراب ليصلّي عليه، فقالت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنّة، لم يعمل سوء، ولم يدركه ذنب ... " الحديث: "حديث منكر".

وعارضه بحديث شعبة عن معاوية بن قرّة عن أبيه مرفوعًا: "أنّ رجلاً من الأنصار مات له ابن فوجد عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يسرّك ألاّ تأتي بابًا من أبواب الجنّة إلاّ وجدته يستفتح لك"؟ فقال - أو فقيل - له: يا رسول الله؛ أَلهُ خاصّة أم للمسلمين عامّة؟ فقال: "بل للمسلمين عامّة". 11 - ذهب المصنّف رحمه الله (ص 234) إلى ترجيح رواية يونس ابن يزيد عن ابن شهاب في حديث أبي هريرة في قصة المرأتين الهذليتين في الديات، فقال رحمه الله: "فأمّا حديث أبي هريرة فاختلف فيه على ابن شهاب، وقد ذكرنا ما صنع فيه مالك، وذكرت من تابعه على ذلك في كتاب "التمهيد"، وأحسنهم سياقة هنا يونس بن يزيد"، ثمّ ساق رحمه الله طريق يونس تامّة. 12 - ذهب رحمه الله (ص 243) إلى ترجيح رواية عاصم عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار أنه سمع طاووسًا عن ابن عبّاس عن عمر: أنّه سأل عن قصّبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: "كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرّة وأن تقتل"، على رواية هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج بإسناده، وعلى رواية ابن عيينة عن عمرو عن طاووس مرسلًا، فلم يذكرا قتل المرأة، فقال رحمه الله: "تابعه حجّاج ابن محمّد، مع معرفته بابن جريج، ولو تفرّد بها أبو عاصم وجب أن تقبل؛ لأنّها زيادة على ما قصر عنه ابن عيينة وهشام بن سليمان عن ابن جريج؛ لأنّهم لم يذكروا قتل المرأة ولا ديتها، وقد ذكر أبو عاصم وحجّاج ما حذفه ابن عيينة.

الفقرة الثالثة: كلامه في الرواة جرحا وتعديلا

الفقرة الثالثة: كلامه في الرواة جرحًا وتعديلًا: 1 - قال (ص 183): "إنّ طلحة هذا الذي روى عن ابن عبّاس أحد الثقات الأثبات الأشراف، وهو طلحة بن عبد الله بن عوف ابن أخي عبد الرحمن ابن عوف، يكنّى أبا محمّد". 2 - قال رحمه الله (ص 203) عن رقبة بن مصقلة: "ورقبة بن مصقلة ثقة". 3 - قوله (ص 207) عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني: "وطلحة بن يحيى ضعيف، لا يحتجّ به". 4 - قوله (ص 212) في أبي خلف ياسين بن معاذ الزيات: "ما رواه ياسين ابن معاذ الزيات وليس بالقويّ ... ". 5 - قوله (ص 223) في أبي الزبير محمّد بن مسلم بن تدرس المكّى: "وأبو الزبير حافظ متقن، ليس به بأس، وجمهور العلماء على الاحتجاج بحديثه وقبوله، ومن جرحه منهم لم يأت في جرحه بحجّة". المطلب الثالث: العقيدة الفقرة الأولى: كون الإسراء والمعراج بالروح والجسد معًا: ذهب (ص 153) رحمه الله إلى أنّ الإسراء كان بالروح والجسد معًا، فقال: "إنّ الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثمّ إلى السماء كان وهو مستيقظ غير نائم، أسري به على حاله بجسده - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الصحيح عندنا"، واستدلّ على ما ذهب إليه بإنكار كفّار قريش هذا الحدث، على أنّه لو كان منامًا ما استنكروه؛ لأنّ الحالِم لا ينكر عليه ما يراه في نومه".

الفقرة الثانية: ثبوت سماع المقبور لقرع نعال مشيعيه

الفقرة الثانية: ثبوت سماع المقبور لقرع نعال مشيّعيه: ذكر رحمه الله (ص 188) فتنة القبر ومساءلة المقبور في معرض إثبات سماع المقبور بعد دفنه مباشرة قرع نعال مشيّعيه، قال: "وهذا لم نقله من جهة قياس ولا إعمال نظر، وإنّما قلناه اتّباعًا للآثار المتواترات المنقولة على ألسنة الجماعات الثقات الذين تناءت أوطانهم وبعدت ديارهم، واختلفت أهواؤهم، كلّهم ينقل في فتنة القبر آثارًا صحيحة من جهة النقل، لا يدفعها إلاّ مبتدع رادّ للسُّنّة". الفقرة الثالثة: السؤال في القبر: ذهب رحمه الله (ص 192) إلى أنّ الكفّار والجاحدين يساءلون في القبر كالمسلمين والمنافقين، فقال رحمه الله: "وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ المنافق هو في الدرك الأسفل من النار، يساءل عن ذلك - أي: عن ربّه ونبيّه ودينه - فغير نكير أن يساءل عن ذلك أو بعضه أو ما يشبهه من جحد بآيات الله واستمعتها نفسه من كفّار قريش وغيرهم، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ اليهود تعذّب في قبورها، وسائر الكفّار في القياس مثلهم". الفقرة الرابعة: التسليم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ذكر رحمه الله (ص 194) معنى حديث أهل القليب ووجه مخاطبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهم، ثمّ قال: "ويمكن أن يكون معناه ما لا ندركه نحن، ولم نؤت من نوع هذا العلم إلاّ قليلاَ على إبانة من الله عز وجل، فإنّ ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تُضْرَب له الأمثال، ولا يدخل عليه المقاييس، فلا يؤمن عبد يجد حرجًا في نفسه من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو العالم بمراد الله عز وجل وبه علمنا ما علمنا".

الفقرة الخامسة: حكم أولاد المشركين

الفقرة الخامسة: حكم أولاد المشركين: ذهب رحمه الله (ص 207) إلى القول بالوقوف في مصيرهم، فلا يحكم لأولاد المشركين بجنّة ولا نار، وعزا هذا المذهب لجمهور أهل السنّة وعامّتهم، فقال رحمه الله: "والذي عليه جمهور أهل السنّة وعامّتهم في أطفال المشركين الوقوف عن القطع عليهم بجنّة أو نار، واستدلّ له بحديث ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". الفقرة السادسة: مسألة في رؤيا الأنبياء هل كلّها وحي؟ ذهب رحمه الله (ص 254) إلى تصحيح مذهب من يقول بأنّ رؤيا الأنبياء كلّها وحي، فقال رحمه الله: "إنّ الصحيح عندنا في هذه المسألة ما قاله ابن عبّاس: "رؤيا الأنبياء حق"، لانّه قد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنّا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا"، وما نزع به ابن عبّاس من كتاب الله قوله تعالى: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، فجعله مأمورًا من ربّه بما أراه في منامه، وفي الحديث المأثور في الذبيح أنّ إبليس لمّا اعترض إبراهيم في مسيره بابنه إلى الذبح قال له إبراهيم: "إنّ ربّي أمرني بذلك" ... ولا أعلم لابن عبّاس في ذلك من الصحابة مخالفًا". المطلب الرابع: الفقه الفقرة الأولى: حكم الماء غير المستبحر تقع فيه النجاسة: اختياره (ص 121) أنّ الماء غير المستبحر الذي وقعت فيه نجاسة فلم تغيّر أحد أوصافه أنّه طاهر مطهّر، واحتجّ له بحديث بول الأعرابي وبحديث: "إنّ الماء طهور لا

الفقرة الثانية: حلول النجاسة على الماء وحلوله عليها

ينجّسه شيء"، ومن جهة النظر أنّه لو نجّسه غير ما يغلب عليه لما صحّت به طهارته لأحد أبدًا، ولو كان القليل منه يفسده قليل النجاسة ما صحّ الاستنجاء بالماء لأحد. الفقرة الثانية: حلول النجاسة على الماء وحلوله عليها: اختيار المصنّف (ص 122) أن لا فرق بين حلول النجاسة على الماء، وبين حلوله عليها، وضعّف قول من فرّق في ذلك، وذهب إلى أنّ العبرة بحصول التغيّر. الفقرة الثالثة: حكم صلاة فاقد الطهورين: اختياره (ص 134) أنّ من فقد الطهورين أو لم يتمكّن منهما صلّى كيفما كان، لكن رأى أن يصلّي ما كان صلاه بلا طهارة إذا قدر على الطهارة بعدُ، وهذا من باب الاحتياط فقط والتورّع، لا أنّه حكم محكم، حيث قال: "والمسألة إذا تعادلت فيها الأدلّة واستوت فيها الحجج، فالوجه في هذا للعلماء التخيير بالفتوى، ولكلّ من نزلت الاحتياط، والاحتياط في هذه المسألة أن يصلّي، ثمّ يعيد إذا قدر على الطهارة، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب". الفقرة الرابعة: حكم الصفرة والكدرة: ذهب رحمه الله (ص 128) إلى أنّ الصفرة والكدرة حيض مطلقًا، حيث استدلّ بفعل عائشة أمِّ المؤمنين وأسماء - رضي الله عنهما -، فكانتا لا تصلّيان حتّى تريا البياض، ثمّ استدلّ بالنظر قائلاً: "لأنّ المرأة إذا كانت حائضًا بيقين ثمّ انقطع عنها الدم وبقيت الصفرة والكدرة، ومعلوم أنّها من بقايا الدم، فالواجب أن لا تخرج من حكم الحيض المتيقّن إلاّ بيقين الطهارة، ولا يقين إلاّ بالنقاء، وكلّ دم يظهر من الرحم فالواجب أن يترك له الصلاة، ومن أنصف بأن له أنّ الصفرة والكدرة من الدم".

الفقرة الخامسة: حكم تثنية "قد قامت الصلاة" في إقامة الصلاة

الفقرة الخامسة: حكم تثنية "قد قامت الصلاة" في إقامة الصلاة: اختياره (ص 166) أن يقول المؤذّن في الإقامة: "قد قامت الصلاة" مرّتين، استدلالاً بحديث أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلاّ الإقامة"، وبحديث عبد الله بن عمر: "إنّما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّتين مرّتين، والإقامة مرّة مرّة، غير أنّه يقول: "قد قامت الصلاة"، مرّتين، قال المصنّف: "هذا قاطع في موضع الخلاف". الفقرة السادسة: حدّ الصلاة في الليل: ذهب رحمه الله (ص 179) بعد أن ذكر حديث ابن عبّاس الذي فيه أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلّى في قيام الليل ثلاث عشرة ركعة، وحديث عائشة الذي فيه أنّه صلّى إحدى عشرة ركعة، إلى أنّ صلاة الليل ليست مقدّرة محدودة بعدد معلوم، وأنّ للمرء أن يزيد فيها وينقص، واستدلّ - أيضًا - بحديث أبي ذرّ: "الصلاة خير موضوع، فمن شاء استكثر، ومن شاء استقلّ". الفقرة السابعة: حكم قصر الصلاة في السفر: اختياره (ص 142) أن قصر الصلاة في السفر سنّة مؤكّدة، لا ينبغي تركها ولا الرغبة عنها، وأنّ الفضل في إتيانها استدلالاً بالأحاديث القاضية بأنّ القصر في السفر صدقة تصدّق الله بها علينا، وبما صحّحه من أنّ الصلاة فرضت أربعًا، نقلاً عن جمع من أهل العلم، منهم ابن عبّاس ونافع بن جبير بن مطعم والحسن البصري، وحمله معنى "فرضت" في حديث عائشة وغيره على معنى "التقدير" أي: قُدِّرت، وكذا استدلاله

الفقرة الثامنة: حكم الرهن والكفيل في السلم

على هذا الاختيار بما نقله عن أبي الفرج القاضي من أنّ الإجماع على وجوب إتمامها خلف المقيم وبحديث: "سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنّا الصائم ومنّا المفطر، ومنّا المقصّر، فلم يعب واحد منّا على صاحبه"، وبإتمام عائشة، وكذا عثمان، وسائر الصحابة لمّا صلّوا وراءه، وبما نقله عن سعد بن أبي وقّاص. الفقرة الثامنة: حكم الرهن والكفيل في السلم: ذهب المصنّف - رحمه الله تعالى - (ص 226) إلى إجازة الرهن والكفيل في السلم، وذلك بالقرآن والسنّة والقياس على إجماعهم على إجازته في الدين المضمون من غير سلم، فقال رحمه الله: "الرهن والكفيل جائز عندنا بظاهر القرآن والسنّة والقياس على إجماع العلماء على إجازته في الدين المضمون من غير السلم"، وعزا هذا المذهب لِمالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم. الفقرة التاسعة: حكم إقامة الحدود والقصاص في الحرم: 1 - ذهب رحمه الله (ص 110) إلى جواز إقامة الحدّ والقصاص في الحرم، وذكر الخلاف في ذلك عن الفقهاء، ثمّ ذكر قول قتادة في توجيه قول الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}: "كان ذلك في الجاهلية، فأمّا اليوم؛ فلو سرق في الحرم قطع، ولو قتَل قُتِل، ولو قدر فيه على المشركين قتلوا"، قال ابن عبد البرّ رحمه الله: "على هذا القول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والأثر، وهو الصحيح عندنا في النظر؛ لأنّ الله تعالى قد أمرنا بالقصاص وإقامة الحدود أمرًا مطلقًا عامًّا، لم يخصّ به موضعًا من موضع، ولا خصّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أجمعت الأمّة على خصوصه، ولا قامت بخصوص حجّة لا مدفع لها".

الفقرة العاشرة: حكم تغليظ الدية على من قتل في الحرم

2 - اختياره (ص 110) أنّ من سرق في الحرم قطع، ولو قَتَل قُتِل، ولو قدر فيه على المشركين قُتلوا، واستدلّ بعموم أمر الله تعالى بإقامة القصاص دون تخصيص لمكان، وكذا لم يخصّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - موضعًا من موضع، ولا أجمعت الأمّة على خصوصه، وكذا لم يرد بخصوصه حجّة لا مدفع لها. الفقرة العاشرة: حكم تغليظ الدية على من قتل في الحرم: ذكر رحمه الله (ص 110) اختلاف الفقهاء في هذه المسألة، ففريق ذهبوا إلى أنّ القتل في الحلّ والحرم سواء، وذهب فريق آخر إلى تغليظها على من قتل في الحرم، وبعد أن حكى المصنّف قولهم قال: "ومن الحجّة على من ذهب هذا المذهب قوله عز وجل في قاتل الخطإ: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، ولم يخصّ موضعًا من موضع، وفرض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الديات، ولم يخصّ موضعًا من موضع، ولا فرّق بين الحلّ والحرم والله أعلم". الفقرة الحادية عشرة: حكم من فعل عبادة على وجه اجتهد فيه إصابة الحقّ: اختياره (ص 161) أنّ من فعل عبادة على وجه اجتهد فيه إصابة الحقّ، كمن طلب الماء، واجتهد ولم يجده فأحرم بالصلاة، ثمّ طرأ عليه الماء أنّه يتمادى في صلاته، ولا شيء عليه، وكذا من اجتهد في طلب القبلة يمنة ويسرة، وكذا من اجتهد في إصابتها فاستدبرها خطأ ثمّ بأن له جهتها أن يستقبلها ويبني في صلاته ولا يعيد.

المطلب الخامس: أصول الفقه

المطلب الخامس: أصول الفقه الفقرة الأولى: الفرق بين أمر ونهي الله وأمر ونهي الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ذهب رحمه الله (ص 100) مذهب جماعة المالكيّين إلى أنّ ما حرّمه الله نصًّا متلوًّا من قرآن أو إخبارًا عن الله بالتحريم في السنّة أقوى من تحريم الأنبياء عليهم السلام، فقال عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ مكّة حرّمها الله، ولم يحرّمها الناس ... ": "وفيه - والله أعلم - دليل أنّ ما حرّم الله في كتابه نصًّا متلوًّا، أو خبرًا عن الله صحيحًا كان أقوى من تحريم الأنبياء عليهم السلام المأمور بطاعتهم والاقتداء بهم"، ثمّ ذكر الخلاف في هذه المسألة. الفقرة الثانية: دلالة "مِن": ذهب رحمه الله (ص 103) إلى أنّ "مِنْ" أكثر ما تدخل للتبعيض، وهذا في معرض توجيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ساعة من نهار"، فقال: "يدلّ على أنّه كان بعض النهار، لم يكن يومًا تامًا - والله أعلم - لأنّ "من" أكثر ما تدخل للتبعيض في مثل هذا". الفقرة الثالثة: جواز النسخ في الأمر والنهي ذهب رحمه الله (ص 95) إلى جواز النسخ في الأمر والنهي، فقال رحمه الله: "ولم تختلف فرق الإسلام على اختلافها في كثير من الدين والأحكام أنّ النسخ في مثل هذا جائز في الأمر والنهي، وأنّ البداء لا يضيفه إلى الله وإلى رسوله إلاّ كافر". الفقرة الرابعة: تقديم المثبت على النافي قال رحمه الله (ص 183): "وليس يُعارَض قول المثبت بقول النافي".

الفقرة الخامسة: جواز الاجتهاد على الأصول

الفقرة الخامسة: جواز الاجتهاد على الأصول ذهب رحمه الله (ص 175) إلى إباحة الاجتهاد على الأصول وجواز فعل المجتهد إذا كان الاجتهاد منه على أصل صحيح. * * *

المبحث الثاني الكلام على النسخة المعتمدة في التحقيق مع نماذج من المخطوط

المبحث الثاني الكلام على النسخة المعتمدة في التحقيق مع نماذج من المخطوط المطلب الأوّل: عنوان الكتاب جاءت تسميته على غلاف النسخة الخطّية بخطّ حديث جدًّا: "الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة"، وكذا سمّاه ابن ليون، وسمّاه القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (4/ 810): "الأجوبة الموعبة في المسائل المستغربة"، وتبعه على ذلك الحافظ الذهبي في "السير" (18/ 159)، وإن كان اقتصر على الجملة الأولى من العنوان، وكاتب جلبي وإسماعيل باشا، ووقع في كتابه تحريف، فقال: "المرعبة" بدل: "الموعبة"، واخترت أن يكون عنوان الكتاب: "الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري"؛ لأنّ المصنّف رحمه الله سمّاه كذلك في كتابه "التمهيد"، انظر: (6/ 169، 481)، (7/ 107)، (17/ 354)، (18/ 115)، (23/ 438)، وكذا ذكره هكذا في "الاستذكار" (1/ 211)، وقال: "الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري"، وكذا الزرقاني في "شرح الموطّأ" (1/ 112)، والسهيلي في "الروض الأنف" (4/ 178).

المطلب الثاني: توثيق نسبة الكتاب

المطلب الثاني: توثيق نسبة الكتاب لا يشكّ باحث في صحّة نسبة كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة" للإمام الحافظ ابن عبد البرّ، ويكفي في ذلك: أ - ذكره منسوبًا إليه على غلاف النسخة الخطّية. ب - أنّ أسلوب الحافظ ابن عبد البرّ بَدَا واضحًا جليًّا في هذا الكتاب، فهو ليس بعيدًا عن أسلوبه في سائر كتبه، وبالخصوص منها كتابه "التمهيد". جـ - أنّه رحمه الله قد أحال في هذا الكتاب على بعض مؤلّفاته، ومنها: "التمهيد"، و"الاستذكار"، وهو قليل، انظر (1/ 211)، وقارن بـ "التمهيد" (6/ 169، 481)، (7/ 107)، (17/ 354)، (18/ 115)، (23/ 438)، حيث أحال على كتابنا هذا، وكذا أحال في "الاستذكار" (1/ 211). د - أنّ بعض الذين ترجموا لابن عبد البرّ نسبوا هذا الكتاب له، وذكروه من جملة مؤلّفاته، وأقدمهم في ذلك القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (4/ 810)، ثم ذكره بعده كلّ من: • الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" (وفيات 461 - 470 هـ/ 140)، وفي "السير" (18/ 159)، و"تذكرة الحفّاظ" (3/ 1129). • ابن ليون التجيبي (سعد بن أحمد بن إبراهيم، المتوفّى سنة 750 هـ) في "بغية المؤانس من بهجة المجالس" (ق 2/ أ - نسخة الرباط). • كاتب جلبي (مصطفى بن عبد الله المشهور بحاجي خليفة، المتوفّى سنة 1036 هـ (في "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" (1/ 12).

المطلب الثالث: وصف النسخة المعتمدة

• إسماعيل بن محمّد باشا البغدادي (المتوفّى سنة 1339 هـ) في "هدية العارفين في أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين" (1/ 550). وذكره بعض المصنّفين في مصنّفاتهم، منهم: • السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (581 هـ) في "الروض الأنف" (4/ 178). • محمّد الزرقاني في "شرحه على الموطّأ" (1/ 112). المطلب الثالث: وصف النسخة المعتمدة • هي نسخة فريدة - فيما أعلم - أصلها محفوظ بمكتبة المتحف في مدينة "قونيا" بتركيا، برقم قديم (4219)، وهي الآن برقم جديد، وهو (12213)، حصلت على نسخة منه أعطانيها شيخي العلاّمة المحدّث حمّاد بن محمّد الأنصاري رحمه الله (¬1)، ثمّ سافرت إلى مدينة "قونيا" بتركيا، فعاينت المخطوط الأصل بنفسي، وقابلته بالنسخة المصوّرة، فاستدركت بعض الشيء الذي لم يظهر في الصورة التي كانت عندي، ولتعذّر التصوير في مكتبة المتحف، واستحالة إخراج المخطوط خارجها، فقد كتبت ما كان ساقطا بخطّي، وبعضه رسمته رسما كما هو في المخطوط، ويظهر أنّ المخطوط كان ضمن مجموع، فقد وجدت على الصفحة الأولى منه التي فيها العنوان: ¬

_ (¬1) توفي صبيحة يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة من عام 1418 هـ، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي الواسع والاهتمام الكبير بطلبة العلم، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن العلم وطلاّبه خير الجزاء وأحسنه.

- وفيه - أيضًا - "كتاب مناسك الحجّ" للشيخ تقي الدين أبي العبّاس أحمد ابن تيمية رحمه الله تعالى. - وفيه: "من نصيحة الملوك" للغزالي. - وفيه أيضًا: فوائد وحكم ومواعظ. - وفيه أيضًا: مسائل متفرّقة على مذهب الشافعي. وعدد أوراقها (52) ورقة، وفي كلّ صفحة من كلّ ورقة (17) سطرًا. • الخطّ: الخطّ نسخ مشرقي عادي، والمخطوط كلّه بخطّ واحد متناسق. • تاريخ النسخ: ليس في النسخة ما يدلّ على تاريخ النسخ، وأشار رمضان ششن في "نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا" (1/ 127) أنّها من منسوخات أوائل القرن التاسع الهجري. • - اسم الناسخ: لم يذكر اسم الناسخ. • استعمل الناسخ في الكتاب المداد الأسود إلاّ في ترقيم الأحاديث، وكذا عند قوله: "الجواب"، فإنّه استعمل المداد الأحمر. • وصف النسخة من حيث الجودة والعناية بها وضبطها: النسخة جيّدة في العموم، إلاّ أنّ فيها سقطًا أظنّه كبيرا، وذلك عند نهاية الصفحة (ب) من الورقة (50)، حيث سقط منه جلّ الحديث رقم (19)، وجلّ الحديث رقم (20)، الذي لم أتبيّن موضوع البحث فيه، وفيها بعض البياضات، وهي قليلة جدًّا، انظر: (ص 102)، وكذا فيها كثير من الخلل الناتج عن إسقاط بعض المفردات الرابطة بين الجمل والكلمات، انظر مثلًا: (ص 225)، وكذا فيها مواضع

استشكلتُ قراءتها وتركيبها، انظر على سبيل المثال: (ص 169)، وقد وقع من الناسخ خطأ في ترقيم الأحاديث المشكلة، فبعد الحديث العاشر ذكر الحديث الثاني عشر بدل الحادي عشر، وقد نبّهت على هذا في القسم المحقّق. وعلى العموم؛ لم تؤثّر هذه البياضات ولا الكلمات الساقطة من تمام سياق الجواب الذي أجاب به المصنّف، والملاحظ أنّ النسخة قد قرئت وعلّق قارئها على المواضع المشكلة، سواء بسقوط بعض الكلمات، أو البياض الموجود أو بعض التراكيب والسياقات المختلّة - بأن وضع على كلّ موضع منها علامة في الحاشية على شكل حرف الهمز (ء)، انظر مثلاً: الورقة (1/ ب)، (3/ ب)، (6/ ب)، (7/ ب)، (9/ ب)، (18/ أ)، وغيرها، وسيأتي التنبيه على كلّ ذلك إن شاء الله في قسم التحقيق. وأيضًا فإنّ هذه النسخة مقابلة، وفيها تصحيحات في الهامش وَلَحْقٌ، وضرب على بعض الكلمات، والجمل الزائدة في النص، وقد قال الإمام الشافعي: "إذا رأيتم الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهدوا له بالصحّة"، "آداب الشافعي ومناقبه" (ص 134). وتميّزت النسخة - أيضًا - بنظام التعقيبة، و"التعقيبة": هي "الكلمة التي تكتب أسفل الصفحة اليمنى غالبًا لتدلّ على بدء الصفحة التي تليها" (¬1)، وكانوا يفعلون هذا وصلاً للجمل بعضها ببعض، وتفاديًا لاضطراب أوراق النسخة إذا تداخلت فيما بينها، ولكنّ الناسخ لم يلتزم هذا النظام في كلّ النسخة، بل فعله أحيانًا. ¬

_ (¬1) انظر: "تحقيق النصوص ونشرها" (ص 41).

هذه الورقة الأولى من المخطوط، وفيها عنوان الكتاب والتاريخ.

هذه اللوحة الأولى من المخطوط وهو بداية الكتاب.

هذه اللوحة الأخيرة من المخطوط وهي نهاية الكتاب.

النص المحقّق كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري" للحافظ ابن عبد البر

[خطبة الكتاب]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم ربِّ يَسِّر الحمد لله الكبير المتعال، المنفرد بالعزّ والكمال، خلق الخلق على غير مثال، بعث الرسل، ونهج السُّبل، وختم أنبياءه بمحمّد - صلى الله عليه وسلم -، أرسله بالحقّ والهدى كاشفًا للحيرة والعمى، أنزل عليه كتابه الناطق بكلامه الصادق ليُبَيِّن للناس ما يَتَّقُون، وما بهم إليه الحاجة مِمّا يعلم - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين. أمّا بعد: رعاك الله وكَلأك، وزاد في توفيقك وتقواك؛ فإنّه وردني كتابك الكريم، تضمّن عن النطق عن محبّتك، وجميل طويل وُدِّك، من تحرّصك على العلم، والازدياد من الفهم، وكريم العناية والاجتهاد والدراية، والجري في ميدان الطلب إلى الغاية، وسألت الله تعالى المزيد من الذي عندك، وإحسانه إليك، وحسن عونه على ما يرضاه، ويزلف إليه ويقرّب منه، وإليه أبتهل لا شريك له، في أن يَهَب لنا ولك علمًا نافعًا، وأن يُجِيرَنا من علم لا ينفع، ودعاء لا يُسمع؛ وذكرتَ في كتابك أنّ علماء زمانك، وفقهاء مِصْرِك أغفلوا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونبذوه وراءهم ظهريًّا، وقرؤوا ظاهره ولم يعلموا باطنه، وتركوا الأصول وعوّلوا على الفروع، إلى سائر ما أوردته من الإطراء الذي نحن عنه في غنى، وذِكرُه عَنًى؛ وذكرتَ أنَّه استعجم عليك من الجامع الصحيح للبخاري

- رحمه الله تعالى - أحاديث استَغْلَقَت عليك معانيها، ورَجَوْتَني لكشف المعمي عنك فيها، وسألتني شرحها وبسطها بما حضرني، وألفاني كتابك عليل اللحم والقلب، قليل النشاط، مشغول الفكر؛ ولكنّي مع ذلك لم أرَ أن أُخليَك من الجواب بما أمكن وحضر، (على الاختصار) (¬1)، وترك التطويل، وحذف الاحتجاج والدليل؛ فذكرتُ أحاديثك في كتابي هذا على حسب ما كتبتَ به، وجئت بلفظك في سؤالك على حسب ما أوردتَه، وجاوبتُ عن ذلك بما حضرني خطُّه، ويُسّر لي ذكره؛ مستجيرًا بالله من الزلل في القول والعمل، ومستقصرًا لنفسي، وباكيًا عليها إذ الأيّام أحوجت إليها، ولعمري إنّه لموضع البكاء؛ لإغفال أهل الطلب ما كان عليه سلفهم، من طلب السنن ومعانيها، وجمع الأصول وحفظها، والعناية بكتاب الله عز وجل، والتفهّم والتفقّه فيه، وفي سُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإضرابهم عن ذلك كلّه، إلى ما قد حلا على قلوبهم مِمّا يجتلبون به دنياهم، وفّقنا الله تعالى وإيّاهم لمِا يرضي به عنّا، وألهمنا الصبر، وأعاننا عليه من الأيّام القليلة المعدودة الفانية، وجعلنا من الطائفة الظاهرة بالحقّ التي لا يضرّها ما ناوأها إلى أن تقوم الساعة، آمين برحمته. وهذا حين أصير إلما ذكر الأحاديث والقول فيها بعون الله تعالى، وهو حسبي ونعم الوكيل. ¬

_ (¬1) في الأصل: "على أنّ الاختصار"، و"أنّ" مقحمة تخلّ بالمعنى" والله أعلم.

1 - الحديث الأول: حديث أبي شريح الخزاعي في تحريم مكة

أوّلها: حديث أبي شريح (¬1) إذ قال لعمرو بن سعيد (¬2)، وهو يبعث البُعوث إلى مكّة: إيذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولًا قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح، سَمِعتْه أذناي ووعاه قلبي وأَبْصَرَته عيناي، ثمّ قال: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ اْلآخرِ أَنْ يَسْفِكَ بهَا دَمًا وَلاَ يَعْضِدَ بهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بقِتَالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بالأمسِ، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إنّ الحَرَم لا يُعيذ ¬

_ (¬1) أبو شُرَيح الكَعْبي، اسمه خُوَيلَد بن عمرو، وهو المشهور، وقيل عكسه، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: هانئ، وقيل: كعب، صحابي أَسلَم قبل فتح مكّة، وكان يَحمِل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم الفتح، ثمّ نزل المدينة، وكان من العقلاء، مات سنة (68) على الصحيح. انظر: ["أسد الغابة" (6/ 164، 2/ 152) و"الإصابة" (4/ 101)]. (¬2) عمرو بن سعيد بن أبي العاص بن أمية القرشي، المعروف بالأشدق، قال العلائي في "جامع التحصيل" (ص 244/ 565): "قال أبو حاتم وغيره: ليست له صحبة"، وقال الذهبي في "الكاشف" (2/ 77/ 4160): خرج على عبد الملك ثمّ خدعه وأمّنه، فقتله صبرًا سنة سبعين. وانظر: "تاريخ دمشق" (46/ 29).

عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخَرْبَة (¬1) (¬2). فقلتَ: ما معنى قوله: "وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ"، وقوله: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بالأَمْسِ"، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بقتل ابن خطل، وقتل الفواسق؟ فالجواب وبالله العون: إنّ قوله: "وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ" إخبار أنّ الله عز وجل حرّمها، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91]، فلا سبيل إلى استحلاله لمن اتقاه إلّا بإذن من الله الذي له ملك السموات والأرض، يمحو ما يشاء ويُثبت، ويُحِلُّ ¬

_ (¬1) "بخَرْبة" قال الحافظ في "الفتح": "بفتح المعجمة وإسكان الراء ثمّ مُوحَّدة، يعني: السرقة، كذا ثبت تفسيرُها في رواية المستملي، وقال ابن بطّال: "الخُربة" بالضم: الفساد، وبالفتح السرقة". وجاء في رواية قتيبة: "ولا فارّا بخُرْبة ("خُرْبة": بليّة) "، قال ابن حجر (4/ 54): "هو تفسير الراوي، والظاهر أنّه المصنِّف، وقد وقع في المغازي: "وقال أبو عبد الله: "الخُربة": البلية ". (¬2) أخرجه البخاري في [العلم (104) باب ليُبلِّغ العِلمَ الشاهدُ الغائب] عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه في [جزاء الصيد (1832) باب لا يعضد شجر الحرم] عن قتيبة. وأخرجه في [المغازي (4295) بابٌ] عن سعيد بن شُرَحبِيل؛ ثلاثتُهم عن الليث بن سعد عن المَقبُري عن أبي شُرَيح به. وأخرجه - أيضًا - في [الجنائز (1349) باب الإذخر والحشيش في القبر]. وأخرجه مسلم في الحجّ (1354) باب تحريم مكّة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلّا المنشد على الدوام.

ويُحرِّم، ويغني ويفقر، ويحيي ويميت، ابتلاءً واختبارًا، لا بداء (¬1) كما قالت اليهود لعنها الله، ولكن لمصالح العباد واختبارهم، ليبلوهم أيّهم أحسن عملًا، وأيّهم ألزم لمِا أُمر به ونُهي عنه، لتقع المجازاة على الأعمال، وقد أذن الله الذي حرّم مكّة - تبارك اسمه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أذن فيه من القتال، ثمّ أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّها عادت إلى حالها، وبه عرفنا تحريمها أوّلًا وآخرًا، ولا علم في مثل هذا إلّا ما قرع السمع؛ لأنّه لا مدخل للعقل في الشرع، ولم تختلف فرق الإسلام على اختلافها في كثير من الدين والأحكام أنّ النسخ في مثل هذا جاء به من الأمر والنهي، وأنّ البَداء لا يضيفه إلى الله وإلى رسوله إلّا كافر، وأغني عن القول في ذلك، وقد روي عن ابن عباس وغيره - رضي الله عنهم - (¬2) عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "القاموس": "بدا بَدْوًا وبُدُوًّا وبداءة: ظَهَر ... وبَدا له في الأمر بَدْوا وبَداء وبداة: نشأ له فيه رأي"، فالبداء في اللغة - كما جاء في القاموس - له معنيان: 1/ الظهور والانكشاف، 2/ نشوء رأي جديد. والبَداء بهذين المعنيين لا تجوز نسبته إلى الله عز وجل، وهو في الأصل عقيدة يهودية ضالّة، وقد وَرَدت في التوراة - التي حَرَّفَها اليهود وِفق ما شاءت أهواؤُهم - نصوصٌ صريحة تتضمّن نسبة معنى البداء إلى الله سبحانه، وذلك في كتابهم المقدّس الفصل السادس من سفر التكوين. وانتقل الاعتقاد في البداء أوّلًا إلى فِرَق السَّبَئية المُدَّعية للتشيُّع، ففِرق السبئية كلّهم يقولون بالبداء: أنّ الله تبدو له البداوات)، انظر: "التنبيه والردّ" للملطي (ص 19). ثمّ أخذ بفكرة البداء المختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لأنّه كان يَدَّعي علمَ الغيب، فكان إذا حدث خلاف ما أَخبَر به، قال: "قد بَدا لربِّكم"! وانظر في أخباره "الملل والنحل" (1/ 147). (¬2) حديث ابن عبّاس: أخرجه البخاري في [الحجّ (1587) باب فضل الحرم]، وأخرجه في [الجزية (3189) باب إثم الغادر للبرّ والفاجر]، وأخرجه في [الجهاد (2783) باب فضل الجهاد والسير] , =

نحو حديث أبي شريح هذا "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ"، وقوله: "لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبلي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أيضًا: "إِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لاَ يَحِلُّ القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلي، وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" (¬1)، والأحاديث في هذا كثيرة، وقد روى ابن عمر وابن عبّاس وأبو بَكرة وعمرو ابن الأحوص وجابر وغيرهم - رضي الله عنهم -، بألفاظ متقاربة ومعني واحد: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَهُمْ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَقَالَ: "أَليْسَ هَذَا البَلَدُ الحَرَامُ؟ "، قالوا: نعم، "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي ¬

_ = و [باب وجوب النَّفِير وما يجب من الجهاد والنية ورقمه (2825)]، و [باب لا هجرة بعد الفتح، ورقمه (3077)]، وأخرجه مسلم في [الحجّ (1353) باب تحريم مكّة وصيدها وخلاها]. وروي - أيضًا - عن أبي هريرة، أخرج حديثه البخاري في [اللقطة (2434) باب كيف تُعرَّف لُقَطة أهلِ الكتاب]، وأخرجه مسلم في [الحجّ (1354) باب تحريم مكّة وصيدها وخلاها]. (¬1) أخرجه البخاري في الحجّ (1587) باب فضل الجهاد والسير، وفي جزاء الصيد (1834) باب لا يَحلُّ القتال بمكّة، وفي الجهاد والسير (2783) باب فضل الجهاد والسير، و (2825) باب وجوب النفير، وفي الجزية والموادعة (3189) باب إثم الغادر للبرّ والفاجر. وأخرجه البخاري في الجنائز (1349) باب الإذخر والحشيش في القبر، وفي جزاء الصيد (1833) باب لا ينفر صيد الحرم، وفي البيوع (2090) باب ما يكره من الحلف في البيع، وفي اللقطة (2433) باب كيف تعرّف لقطة مكّة. وأخرجه مسلم في كتاب الحجّ ورقمه (1353).

شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" (¬1)، وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: "إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ... "، وذكر الحديث (¬2). وفي قوله: "وَلَمْ يحرِّمْهَا النَّاسُ" أيضًا دليل واضح على أنّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبْتَيْهَا (يعني: المدينة) " (¬3)، ليس على ظاهره، وهو حديث رواه مالك عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس (¬4)، وعمرو بن أبي عمرو ¬

_ (¬1) أخرج البخاري حديث أبي بكرة في مواضع من "صحيحه"، فقد أخرجه في: العلم (67) باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ مُبلَّغ أَوعَى من سامعٍ"، وفيه [(105) باب ليُبلِّغ الشاهد منكم الغائب]، وأخرجه في [الحجّ (1741) باب الخطبة أيّام منى]، وأخرجه في [الصيد (5550) باب من قال: الأضحى يوم النحر]، وأخرجه في [الفتن (7078) باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفّارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض"]، وأخرجه في [التوحيد (7447) باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}]، وأخرج حديثه مسلم في [القسامة (1679) باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال]. وأمّا حديث ابن عبّاس فقد أخرجه البخاري في "الصحيح" في [الحجّ (1739) باب الخطبة أيّام مني]. وحديث ابن عمر - أيضًا - أخرجه البخاري في [الحدود (6785) باب ظهر المؤمن حِمًى، إلّا في حدّ أو حقّ]، وأمَّا حديث جابر فسيأتي عزوه (ص: 108)، وأمَّا حديث عمرو بن الأحوص فلم أقف عليه. (¬2) مضي تخريجه (ص: 96). (¬3) أخرجه مسلم في [الحجّ (1374) باب الترغيب في سُكنَى المدينة والصبر على لأوائها]. (¬4) أخرجه البخاري في مواضع، أوّلها في الجهاد والسير (2893) باب مَن غزا بصبيٍّ للخدمة، وفيه (2889) باب فضل الخدمة في الغزو، وأخرجه في أحاديث الأنبياء (3367) في الباب العاشر منه، وأخرجه في المغازي (4084) باب "أُحُدٌ جَبلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه"، وأخرجه في الاعتصام (7333) الباب =

من شيوخ مالك، وليس بذاك القويّ عند بعضهم (¬1)، ومعناه عندي، والله أعلم: أنّ إبراهيم عليه السلام أعلم بتحريم مكّة، وعُلم أنّها حرام بإخباره، فكأنّه حرّمها، إذ لم يُعرف تحريمها أوّلًا في زمانه إلّا على لسانه، كما أضاف عز وجل تَوَفِّي النفوس مرّة إليه بقوله ¬

_ = السادس عشر منه. وأخرجه مسلم في الحجّ (1365) باب فضل المدينة، وأخرجه مالك في "الموطّأ" في كتاب الجامع باب ما جاء في تحريم المدينة (2/ 889)، وغيرُهم، كلُّهم من طريق عمرو ابن أبي عمرو عن أنس. (¬1) عمرو بن أبي عمرو، اسمه مَيسَرة، مولى المُطَّلِب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو عثمان المدني، روي عن أنس بن مالك ومولاه المطلب وعكرمة وأبي سعيد المَقبُري وسعيد المَقبُري وسعيد بن جُبَير وعبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي والأعرج وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، روي عنه إبراهيم بن سُوَيد بن جَيَّان وعبد الله بن سعيد بن أبي هند وعبد الرحمن ابن أبي الزناد ويزيد بن الهاد ومالك ابن أنس وسليمان بن بلال وآخرون. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "ليس به بأس"، وقال الدوري عن ابن معين: "في حديثه ضعف، ليس بالقويّ"، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "ضعيف"، وقال أبو زرعة: "ثقة"، وقال أبو حاتم: "لا بأس به"، وقال البخاري: "روي عن عكرمة في قصّة البهيمة، فلا أدري سمع أم لا؟ "، وقال أبو داود: "ليس هو بذاك، حَدَّث عنه مالك بحديثين، روي عن عكرمة عن ابن عبّاس: "من أتي بهيمة فاقتلوه""، وقال النسائي: "ليس بالقويّ"، وقال ابن عديّ: "لا بأس به؛ لأنّ مالكًا يروي عنه، ولا يروي مالكٌ إلّا عن صدوق ثقة"، وقوّاه ابن حبّان في رواية "الثقات" عنه، ووثّقه العجلي، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (20/ 175): "ليس به بأس"، وقال - أيضًا - (20/ 175): "قد ضعّفه بعضهم، ولم يفرده مالك في "موطئه" بحكم". انظر ترجمته في "التهذيب" و"الميزان". قلت: أخرج له الجماعة، وقال الحافظ في "الفتح": " لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئًا، بل أخرج له من رواية أنس أربعة أحاديث ... "، انظر: "هدي الساري" (ص 453).

تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42]، ومرّة إلى ملك الموت بقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النحل: 32] , وجائز أن يُضاف الشيء إلى مَن له فيه سبب في كلام العرب، ويُحتمَل أن يكون معناه: أنّ إبراهيم منع من الصيد بمكّة والقتال فيها، ونحو ذلك، وإنّي أمنع من مثل ذلك في المدينة، و"التحريم" في كلام العرب: "المنع". تقول العرب: حرّمت عليك داري، أي: منعتك من دخولها، وقال الله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12]، وموسي صغير لا تلحقه عبادة، وإنّما أراد: مَنَعْناه قَبول المراضع، وكما يدلّ - أيضًا - أنّ الله حرّم وليس إبراهيم الذي حرّمها، كما روي عمرو عن أنس قولَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: أنت القائل لمكة خير (¬1) من المدينة؟ فقال له: هي حرم الله وأَمْنُه، وفيها بيته، فقال عمر: لا أقول حرّم الله شيئًا (¬2)، ولم يقل له: لا تَقُل حرّم الله وحرّم إبراهيم. وفي حديث مالك وغيره عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ دَعَاكَ لِمَكَّةَ" (¬3)، وهذا أولى من رواية مَن روي: "أَنَّ ¬

_ (¬1) في الأصل: "خير منّي من المدينة"، والصواب ما أثبتُّ. (¬2) أخرجه مالك في "الموطّأ" في كتاب الجامع منه (1611) باب ما جاء في أمر المدينة، وفيه: "أأنت القائل: لمكّة خير من المدينة؟ ! ... فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئًا"، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير" (1/ 137) من طريقين عن عبد الرحمن بن القاسم، فأخرجه من طريق مالك عنه متّصلًا، ومن طريق يحيى بن سعيد عنه بلاغًا، وقال البخاري: "وحديث ابن سعيد بإرساله أصح"، وأخرجه الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك ص (138) رقم (68). وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكّة" (2/ 262) من طريق يحيى بن سعيد عنه به. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" كتاب الجامع (1594) باب الدعاء للمدينة وأهلها. =

إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ"، وقد ثبت بالآثار الصحاح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ اللهَ حَرَّمَهَا وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَإِنَّهَا بَلَدٌ حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضَ" (¬1)، وهذا مشهور صحيح عند أهل الأثر وجماعة أهل السِّير، فلا وجه لمِا خالفه من الرواية على أنّها ليست بالقوية، ولو صحّت لكان معناها ما ذكرنا، والله أعلم. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ"، تعظيمٌ منه لحُرمتها، وفيه - والله أعلم - دليل على أنّ ما حَرّم الله في كتابه نصًّا متلوًّا أو خبرًا عن الله صحيحًا كان أقوى من تحريم الأنبياء عليهم السلام المأمور بطاعتهم والاقتداء بهم، وهذا موضع اختَلَف فيه العلماء قديمًا وحديثًا، فقوم ذهبوا إلى هذا، وهو مذهب أصحابنا المالكيين، وقوم ذهبوا إلى أنّ ما حرّم الرسول وحرّم الله سواء، ولكلّ واحد من الفريقين حُجَج يطول ذكرها (¬2)، ¬

_ = وأخرجه مسلم في الحجّ (1373) باب فضل المدينة ودعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لها بالبركة. والحديث له طرق من حديث عليّ وأبي قتادة. (¬1) مضي تخريجه (ص 96). (¬2) قال الزركشي في مباحث الأمر من "تشنيف المسامع بجمع الجوامع" (2/ 597): "اختلف العلماء في صيغة "افعل" على أقوال، ... القول التاسع: التفصيل بين أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأمر الله حقيقة في الوجوب، وأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المبتدأ للندب، وحكاه القاضي عبد الوهّاب في "الملخّص" عن شيخه أبي بكر الأبهري، واحترز بـ "المبتدأ" عمّا كان موافقًا لنصّ، أو مبيِّنًا لمجمل، فيكون للوجوب أيضًا، وذكر المازري أنّ النقل اختلف عن الأبهري، فروي عنه هذا، وروي عنه أنّه للندب مطلقًا". وانظر المسألة في "إحكام الفصول في أحكام الأصول" للباجي (ص 198)، وشرح التلقين (1/ 125، 126)، "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف التلمساني (ص 377 - 378)، و"الإبهاج" للسبكي (2/ 26)، و"نهاية السول" للإسنوي (2/ 253).

وقد أجمعوا أنّ صيد المدينة لا جزاء له ولا فدية، وهو تحريم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ صيد مكّة يجزي؛ لأنّه مِن نصّ كتاب الله عز وجل، وهذا مِمّا يُحتجّ به لأصحابنا، وبالله توفيقنا. وفيه - أيضًا - دليل على أنّ الأنبياء لهم أن يحرّموا بما أراهم الله وأذن لهم فيه، والله أعلم. وأمّا قولك: ما معنى قوله عليه السلام: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ"، وهو عليه السلام قد أمر بقتل ابن خطل، وقتل الفواسق، فمعناه عندي والله أعلم: أنّ ابن خطل لمّا وجب سفك دمه لِمَا كان قد ارتكبه من الارتداد وقَتْل مَن قَتَل مِن المسلمين لم تنفعه مكّة وحرمتها في ما قد لزمه، وهو قول أكثر الفقهاء، وسنذكر اختلافهم في ذلك عند تمام القول في هذا الباب إن شاء الله تعالى. ويُحتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بقتل ابن خطل وغيره إلّا في الوقت الذي أُحلّ له فيها القتال، وقال أهل العلم بالسير: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان يعهد إلى أمرائه مِن المسلمين حين أَمَرهم أن يدخلوا مكّة ألّا يقاتلوا إلّا مَن قاتلهم، إلّا أنّه قد عهد في نَفَر سَمّاهم أن يقتلهم، وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد ابن أبي سرح العامري، كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمّ ارتدّ ولحِق بمكّة في قصّة طويلة (¬1)، وعبد الله بن خطل رجلٌ من بني تيم بن غالب، كان مسلمًا فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدِّقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، فقتل الأنصاريَّ وارتدّ ولَحِق بمكّة (¬2)، ¬

_ (¬1) قصّة ابن أبي سرح ذكرها ابن هشام (2/ 409)، والبيهقي في "الدلائل" (5/ 45). (¬2) انظر في شأنه: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 92، 94)، و"المغازي" للواقدي (2/ 859، 860)، و"عيون الأثر" (2/ 176)، و"السيرة" لابن كثير (3/ 564)، و"شفاء الغرام" (2/ 226، 227)، =

وكانت القينتان (فرتني) (¬1) وصاحبتها تغنيان بهِجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهما معه فاستعاذ ابن خطل بالكعبة، وتعلّق بأستارها فلم ينفعه ذلك شيئًا لمِا كان قد سبق فيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتله في ذلك اليوم، [ومنهم: سعيد بن حريث المخزومي، وابو برزة الأسلمي، و] (¬2) الحُوَيْرَث بن نُقَيذ بن وهب بن عبد قصي (¬3)، كان بِمِنًى يُؤْذِي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومِقْيَس بن صُبابة (¬4) لقتله الأنصاريّ الذي قتل ¬

_ = و"تاريخ الإسلام" جزء المغازي (ص 553، 554)، و"الاستذكار" (13/ 347)، و"التمهيد" (6/ 170)، وانظر "الدرر" للمصنف (ص 219). (¬1) في الأصل: "فرتناه"، وذكر الحافظ في "الفتح" (7/ 604) أنّ اسمها: "فرتني"، وكذا المصنّف في "الدرر" (ص 219)، وكذا هي في "الإصابة" (8/ 279)، قال ابن حجر: " فَرْتَني: بفتح الفاء وسكون الراء وفتح المثنّاة الفوقانية بعدها نون؛ إحدى القينتين اللتين كان ابن خطل يعلّمها الغناء بهجاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فكانتا مِمّن أُهدِر دمُهما يوم الفتح، فأسلمت هذه، فتُرِكت، وقُتِلت الأخرى، قاله السهيلي". (¬2) بياض بالأصل، واستدركت الجملة من "الدرر" للمصنّف (ص 219) تتميما للكلام. (¬3) في الأصل: "الحويرث بن نقيذ، ونفيل بن وهب بن عبد قصي"، والتصويب من "الدرر" للمصنّف (ص 219)، وكان الحويرث هذا شديد الأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكّة، فقتله عليّ - رضي الله عنه - يوم الفتح. انظر: "فتح الباري" (7/ 604). وقصّته ذكرها ابن هشام (2/ 410)، وذكر أنّه هو الذي كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكّة، وهو الذي نخس الجمل الذي كانت تركبه فاطمة وأمّ كلثوم أثناء الهجرة إلى المدينة، فرمي بهما إلى الأرض. (¬4) قصّة مقيس ذكرها ابن هشام نقلًا عن ابن إسحاق، وعنده مقيس بن حبابة (2/ 410)، والبيهقي في "الدلائل" (5/ 60 - 61)، وقد ذكر الحافظ في "الفتح" باب {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} (8/ 106 - تحت الحديث رقم 4590) أنّ ابن أبي حاتم أخرجه من طريق سعيد بن جبير، ونقل السيوطي رواية سعيد =

أخاه خطأً بعد أن أخذ دِيَته، وعكرمة بن أبي جهل، فقُتل عبد الله بن خطل والحويرث ومقيس، وهرب عكرمة إلى اليمن، وفرّ العامري إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، واستأمن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمّنه، وقُتلت إحدى القينتين، وهربت الأخرى، وهذا كلّه - والله أعلم - إنّما كان في تلك الساعة التي أُذن فيها بالقتال، ولم يكن ساعة من ساعات النهار المعهودات الإثني عشر، والله أعلم، [وإنّما أراد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" - والله أعلم - لتقليل مرّ الوقت والزمن كما قال الله عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] إنّما أراد عز وجل أنّ منهم مَن يُؤْتَمَن على الكثير، فَيَفِي ويُؤدّي أمانته، ومنهم من يُؤتمن على اليسير فلا يَفِي ولا يُؤدّي أمانتَه، ولم يُرِد القنطار بعينه ولا الدينار بعينه، وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" يدلّ على أنّه كان بعض النهار، لم يكن يومًا تامّا والله أعلم؛ لأنّ "مِن" أكثر ما تدخل للتبعيض في مثل هذا (¬1). ¬

_ = ابن جبير عند ابن أبي حاتم "الدرّ المنثور" (2/ 623)، وذكر أنّ البيهقي أخرج في "شعب الإيمان" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس مثله سواء. وذكر هذه القصّة مطوّلة الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة، وفيها: "فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أظنّه قد أحدث حدثًا، أما والله لا أؤمنه في حلّ ولا حرم، ولا سلم ولا حرب، فقتل يوم الفتح ... " "جامع البيان" (4/ 219). (¬1) جاء صريحًا أنّ ذلك استمرّ إلى العصر، فقد أخرج الإمام أحمد (2/ 179) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: لمّا فتحت مكّة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "كُفّوا السلاح إلّا خزاعة عن بني بكر"، فأذن لهم حتّي صلّى العمر، ثمّ قال: "كُفّوا السلاح ... " الحديث. =

وظاهر قوله: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ" يدلُّ على أنّ الساعة التي أُحلّ فيها القتال لم تكن أكثر من يومٍ، وليس في قَتلِ ابنِ خَطَل وغيرِه ما يُشكل، ولا ما يحتاج إلى القول لمن فهم؛ لأنّ الوقت الذي أُحلّت له كان ذلك منه فيه، والله أعلم، هذا مُمكن لا يُدفع إمكانُه، أو يكون ابنُ خطل إنّما أُمِر بقَتلِه لمِا استَوجَبَه من القتل، فلا يكون ذلك داخلًا في استحلال مكّة والحرَم؛ لأنّ الحَرَم لا يُعِيذ مَن وجب عليه القتل عند أكثر أهل العلم (¬1)، وأيُّ الوجهين كان فليس في قتل ابن خطل وأصحابه ما يدفع قوله: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَما كَانَتْ"، فتَدَبَّر هذا تَجِده كذلك إن شاء الله تعالى. ¬

_ = قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (4/ 306) وقد ساق هذا الحديث مختصرًا: "وهذا غريب جدًّا، وقد روي أهل السنن بعض هذا الحديث، فأمّا ما فيه من أنه رخّص لخزاعة أن تأخذ بثأرها من بني بكر إلى العصر من يوم الفتح فلم أره إلّا في هذا الحديث، وكأنّه - إن صحّ - من باب الاختصاص لهم ممّا كانوا أصابوا منهم ليلة الوتير، والله أعلم". قال محقّق "المسند" (11/ 266) معلّقًا على كلام ابن كثير: "قلنا: قد ورد ذلك - يعني: الترخيص لخزاعة أن تثأر لقتلاها من بني بكر - من حديث ابن عمر عند ابن حبّان - بإسناد حسن". قلت: لم يرد في غير "المسند" أنّ ذلك استمرّ إلى العصر، لا في ابن حبّان ولا غيره، والله أعلم. وقد حسّن رواية أحمد المذكورة محقّق المسند الشيخ شعيب الأرنؤوط. (¬1) لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من دخل الحرم مقاتلًا وبدأ القتال فيه أنّه يقاتل، لقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، وكذلك من ارتكب في الحرم جريمة من جرائم الحدود أو القصاص ممّا يوجب القتل فإنّه يقتل اتّفاقا لاستخفافه بالحرم. انظر: "تفسير الطبري" عند تفسير هذه الآية، و"أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 21)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 285)، و"زاد المسير" (1/ 427)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، وانظر: "تفسير السيوطي" (2/ 270، 271)، و "نيل الأوطار" =

ولخالد بن الوليد في فَتْح مكّة وقَتلِ قومٍ بها قصّة قد ذَكَرها أهلُ السير (¬1) وجاءت بها الأحاديث، ليس بنا حاجة إلى ذكرها. وهذا الحديث الذي سَألتَ عنه ذَكرَه البخاري عن قُتَيبة بن سعيد عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شُرَيح أنّه قال لعمرو بن سعيد، وذكر الحديث. وعمرو بن سعيد هذا - فيما أظنّ والله أعلم - هو عَمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق (¬2)، وقد روي هذا الحديث (عبد الملك) (¬3) بن هشام عن زياد البكّائي عن ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي، قال: لمّا قَدِم عَمرو بن الزبير مكّة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جِئتُه، فقلت له: ما هذا؟ ¬

_ = (7/ 194)، "الموسوعة الفقهية" (17/ 189)، ونقل ابن الجوزي الإجماع عن أبي يعلي فيمن جني فيه بعد دخوله، فإنه يؤمّن، وانظر أيضًا: "معاني القرآن" للنحّاس (1/ 447)، و"التمهيد" (6/ 168، 169). (¬1) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 49، 50)، و"تاريخ الطبري" (2/ 159، 160)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (4/ 296). (¬2) جزم بذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح" في كلامه على الحديث الذي رقمه (104). (¬3) هذا الحديث جاء في المخطوط: "عبد الله بن هشام عن زياد البكائي ... ". والظاهر أنّه خطأ، والصواب: "عبد الملك بن هشام" صاحب "مختصر السيرة لابن إسحاق"، فهو يرويها عن زياد البكائي عن ابن إسحاق، ثمّ ليس في الرواة عن زياد البكائي من اسمه عبد الله بن هشام، والذي ذكره المّزي هو عبد الملك بن هشام، ثمّ إنّ الخبر موجود في "سيرته" (2/ 415) في باب: "ما كان بين أبي شريح وابن سعيد حين ذكّره بحرمة مكّة"، وقال فيها: "لمّا قدم عمرو بن الزبير ... "، وهذه رواية عبد الملك بن هشام عن زياد البكائي عن ابن إسحاق، وهذا - أيضًا - قاله السهيلي في "الروض الأنف"، حيث ألزق الوهم بعبد الملك أو بشيخه زياد، فقال (4/ 177): "هذا وهم من ابن هشام، وصوابه عمرو ابن سعيد بن العاص بن أميّة، وهو الأشدق، وإنّما دخل الوهم على ابن هشام أو على البكائي في روايته".

وذكر الحديث بكماله (¬1)، فجعل مكان عمرو بن سعيد: عمرو بن الزبير، كما ترى. ورواه يونس بن بُكَير، عن محمّد بن إسحاق بإسناده فقال فيه: لمّا بَعَث عمرو ابن سعيد البَعثَ إلى ابن الزبير دخلتُ عليه، وذكر الحديث. فوافق الليثَ على قوله: "عمرو بن سعيد"، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وأمّا قوله في الحديث: "لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً" فمعناه والله أعلم: أنّه لا يَحِلُّ لأَحدٍ فيها قِتال أحدٍ بتأويل يُخالفه فيه منازعُه، وعلى هذا المعنى كان مَخرَج الحديث من أبي شُرَيح، ومَن شَهِد القصّةَ والتَّنْزيلَ كان أعلم بالتأويل. واختَلفَ أهلُ العلم في هذا المعنى (¬2): ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 83) باب خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وفتاويه وأحكامه بمكّة، وهي - أيضًا - عند ابن جرير في "تفسيره" (1/ 591)، إلّا أنّه عنده مختصر، لم يذكر محلّ الشاهد، أعني قوله فيه: "لمّا بعث عمرو بن سعيد ... ". وقد وافق يونس بن بكير جماعة من الرواة عن ابن إسحاق في قوله هذا، منهم: محمّد ابن مسلمة، ويحيى ابن زكريّا بن أبي زائدة عند الطبراني في "الكبير" (20/ 485)، وآخرون. فينظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (14/ 299). (¬2) اختلف أهل العلم في قتال الكفّار والبغاة على أهل العدل في الحرم إذا لم يبدؤوا بالقتال، فذهب طاووس والحنفية، وهو قول ابن شاس وابن الحاجب من المالكية، وصحّحه القرطبي، وقول القفّال والماوردي من الشافعية، وبعض الحنابلة إلى أنّه يحرم قتالهم في الحرم مع بغيهم، ولكنّهم لا يطعمون ولا يسقون ولا يؤوون ولا يبايعون حتى يخرجوا من الحرم. وقال الشافعية في المشهور عندهم وصوّبه النووي: إنّه إذا التجأ إلى الحرم طائفة من الكفّار أو طائفة من البغاة أو قطّاع الطريق يجوز قتالهم في الحرم، وهذا قول سند وابن عبد البرّ من المالكية، وصوّبه =

* فقال بعضهم: لا يجوز قَتلُ مَن خَرَج مُتأوِّلًا بمكّة خاصّةً، وقِتالُه في غيرِها جائزٌ، إذا قام الدليل لمقاتله على بَغْيِه، وأنّ الباغي يُقاتل حتّي يفيء إلى أمر الله، ولا يُقاتل بمكّة على حال إذا كان له وجه يحتمل التأويل، قالوا: ومكّة مَخصوصة بهذا الحكم، كما أنّها خُصَّت بأن لا يُعضد شجرُها، ولا يُستحلَّ صَيدُها، ولا تَحِلُّ لُقَطَتُها إلّا لِمُنْشِدٍ (¬1)، وعلى مُلتَقِط اللُّقَطة منها إنشادُها أبدًا ليس لِلاقِطِها غيرُ ذلك، وفي سائر البلدان يجوز له التصرّفُ فيها بعد العام على حكم اللقطة (¬2)، قالوا: وقد خُصَّت ¬

_ = ابن هارون في الحاصرين في الحجّ، وحكى الحطّاب عن مالك جواز قتال أهل مكّة إذا بغوا على أهل العدل، قال: وهو قول عكرمة وعطاء، وهو قول الحنابلة أيضًا. انظر: ابن عابدين (2/ 256)، و"البدائع" (7/ 114)، و"جواهر الإكليل" (1/ 207)، والحطّاب (3/ 203، 204)، والقرطبي (2/ 251 و 253)، و"شفاء الغرام" (1/ 70)، و"المجموع" (7/ 215)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 166)، و"تحفة الراكع والساجد" (ص 112)، و"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 193). (¬1) يشير إلى الحديث الذي رواه ابن عبّاس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكّة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا"، وقال يوم فتح مكّة: "إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ... لا يعضد شوكه، ولا ينفرّ صيده، ولا تلتقط لقطته، إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها ... "، أخرجه البخاري ومسلم، وسبق عزوه إلى مظانّه (انظر: ص 96). (¬2) يري جمهور الفقهاء أنّه لا فرق بين لقطة الحلّ ولقطة الحرم من حيث جواز الالتقاط والتعريف لمدّة سنة، قالوا؛ لأنّ اللقطة كالوديعة، فلم يختلف حكمها بالحل والحرم، والأحاديث النبوية الشريفة لم تفرّق بين لقطة الحلّ والحرم، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ... اعرف وكاءها وعقاصها، ثمّ عرّفها سنة". ويري الشافعي أنّ لقطة الحرم لا يحلّ أخذها إلّا للتعريف، وأنّها تُعرَّف على الدوام، إذ أنّ الأحاديث الخاصّة بلقطة الحرم لم توقف التعريف بسنة كغيرها، فدلّت على أنّه أراد التعريف على الدوام، وإلّا فلا =

- أيضًا - بأن لا يُحمل فيها سلاحٌ، وذكروا حديث مَعقِلَ بنِ عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ سِلاَحًا" (¬1). * وقال آخَرون: مكّةُ وغيرُها سواء، إلّا في الصيد والشجر. * وقال آخرون: مكّةُ وغيرُها سواء، إلّا في الصيد والشجر واللقطة على ما وصفنا من حكمها. * وقال آخرون: مكّة وغيرها سواء، إلّا في الصيد والشجر، وبيوتُها لا تُكرى، ولا يجوز أَخذُ الكِراء فيها (¬2). ولكلّ واحدٍ منهم آثار يحتجّون، ومعانٍ يذهبون إليها يَطُول ذِكرُها، ولو تعرّضنا لذِكرِها لخَرَجنا عن حُكمِ ما له قصدنا. ومعلوم أنّ قوله عليه السلام: "لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا" أراد الدم الحرام، وليس هذا اللفظ على ظاهره؛ لأنّ الدم الحرام لا يَحِلُّ بمكّة ولا بغيرها، ولكنّه من كلام ¬

_ = فائدة من التخصيص، ولأنّ مكّة شرّفها الله، مثابة للناس يعودون إليها المرّة بعد المرّة، فربما يعود مالكها من أجلها مرّة ثانية، أو يبعث في طلبها، فكأنّه جعل ماله به محفوظًا من الضياع. ينظر لهذه المسألة: "فتح القدير" (6/ 128)، و"الأمّ" (4/ 67)، و"مغني المحتاج" (2/ 417)، و"المغني" و"الشرح الكبير" (6/ 332). (¬1) أخرجه مسلم في الحجّ (1356) باب النهي عن حمل السلاح بمكّة بلا حاجة. (¬2) انظر تفصيل الحكم في مسألة كراء بيوت مكّة: "بدائع الصنائع" (5/ 146) و"الفروق" وعلى هامشها "التهذيب" (4/ 10 - 11)، و"إعلام الساجد" للزركشي (ص 143 - 152)، و"كشّاف القناع" (3/ 160).

العرب؛ لأنّ مِن كلامهم أن يكون المسكوت عنه في معنى المذكور، ويكون بخلافه، ألا ترى إلى قوله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31]، وكذلك قوله عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41]، ولا يَحِلُّ الكفرُ بالقرآن على حال من الأحوال، وكذلك قوله: "لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا حَرَامًا"، وكذلك غيرُها إذا كان الدم حرامًا، وقد أجمعوا أنّه يجوز بها سَفْك دماءِ الدواجنِ كلِّها غيرِ الصيد، وأمّا اختلافُ العلماء فيمن وَجَب عليه حَدّ أو قِصاص فهرب إلى الحَرَم ودخله واستجار به، فإنّ طائفة منهم قالت: مَن قَتل في غير الحَرَم، ثمّ جاء إلى الحرم ودخله، لم يُقَم عليه الحدُّ في الحرم (¬1)، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، قالوا: ومَن قَتَل في الحَرَم قُتل في الحرم (¬2)، وروى ابن جُرَيج عن عطاء عن ابن طاووس قال: مَن أَحدَث في الحَرَم حَدَثًا أَقَمتُ عليه حَدَّه، ومَن أَحدَث حدثًا في غير الحَرَم ثمّ لجأ إلى الحَرَم ودخله لم يُتعرّض، ولكنّه لا يُأوى، ولا يُبايع، ولا يُكلَّم حتّي يَخرُج من الحَرَم، فإذا خرج من الحرم أُقِيم عليه الحدّ لمِا أحدث (¬3). ¬

_ (¬1) روي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن عبّاس وعطاء والزهري والشعبي. انظر: "مصنّف عبد الرزّاق" (9/ 303 - 304)، و"تفسير البغوي" (1/ 328 - 329)، و"تفسير ابن كثير" (1/ 336 - 337)، و"تفسير القرطبي" (4/ 90 - 91). (¬2) انظر المصادر نفسها. (¬3) لم أجده، وروي عن الحسن وقتادة وغيرهما خلافه، أعني أنّ من أصاب حدًّا في الحرم أو في غيره وقدر عليه فيه - أي: في الحرم - أقيم عليه، وقال البغوي: "وهو قول أكثر المفسّرين"، انظر: "تفسيره" (1/ 329). وانظر: "الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور" (1/ 439).

قال عطاء قال ابن عمر: لو آوي قاتل عمر بن الخطاب في الحرم ما هجته (¬1). وقال مجاهد في قوله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} عزيمة لا يخاف فيه أحد دخله. وأمّا قتادة وغيره فقالوا: كان ذلك في الجاهلية، فأمّا اليوم فلو سَرَق في الحرم قُطع، ولو قَتَل قُتل، ولو قُدر فيه على المشركين قُتلوا (¬2). قال أبو عمر: على هذا القول جماعةُ فقهاء الأمصار من أهل الرأي والأثر، وهو الصحيح عندنا في النظر؛ لأنّ الله تعالى قد أَمَرَنا بالقصاص وإقامة الحدود أمرًا مطلقًا عامًّا، لم يَخُصَّ به مَوضِعًا من مَوضِع، ولا خَصَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أجمعت الأمَّةُ على خصوصه، ولا قامت بخصوصه حجّة لا مدفع لها (¬3). وقد اختلف الفقهاء في تغليظ الدية على من قَتَل في الحَرَم، فأكثرُهم على أنّ القتل في الحلّ والحرم سواء فيما يجب فيه من الدية والقَوَد، وإلى هذا ذهب مالك والعراقيّون، وهو أحد قولي الشافعي، وقول الفقهاء السبعة، حاشا القاسم بن محمّد، فإنّه روي عنه وعن سالم أنّه مَن قَتَل خطأً في الحَرَم زِيدَ عليه في الدية ثلث الدِية، وهو ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) انظر: "تفسير البغوي" (1/ 329)، وابن كثير (1/ 337)، والقرطبي (4/ 91) واستحسنه. قال ابن تيمية في "المجموع" (14/ 201): "لو أصاب الرجل حدًّا خارج الحرم ثمّ لجأ إليه فهل يكون آمنًا لا يقام عليه الحدّ فيه أم لا؟ فيه نزاع، وأكثر السلف على أنّه يكون آمنًا، كما نقل عن ابن عمر وابن عبّاس وغيرهما، وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل وغيرهما". (¬3) انظر: "التمهيد" (6/ 168 - 169)، وقد أحال فيه ابن عبد البرّ إلى كتاب "الأجوبة" على أنّه بسط فيه الكلام، وانظر: "الاستذكار" (4/ 404 - العلمية).

قول عثمان بن عفّان (¬1)، وخالفه في ذلك عليّ، وكان الشافعي يري التغليظ في قتل الخطإ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام، وذي الرحم على حَسَب سُنَّة دية العمد المغلّظة، وهذا أشهر عن الشافعي من القول الأوّل (¬2) (¬3)، ومن الحجّة على مَن ذَهَب هذا المَذهَب قوله عز وجل في قاتل الخطإ: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]، ولم يَخُصَّ موضعًا من موضع، وفرض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الديات ولم يَخُصّ موضعًا من موضع، ولا فَرَّق بين الحِلّ والحرَم، والله أعلم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 71) من حديث سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أنّ رجلًا أوطأ امرأة بمكّة فقضى فيها عثمان بن عفّان بثمانية آلاف درهم ديّة وثلث. قال الشافعي: ذهب عثمان - رضي الله عنه - إلى التغليظ لقتلها في الحرم. انظر: "معرفة السنن والآثار" (6/ 197 - 198). (¬2) ينظر كلام الشافعي في: "الأمّ" (6/ 122)، وفي "معرفة السنن والآثار" (6/ 197). (¬3) وهو مذهب الحنابلة - أيضًا - لما روي مجاهد عن عمر - رضي الله عنه -: "أنّه قضى فيمن قتل في الحرم أو في الأشهر الحرم أو محُرِمًا بالديّة وثلث الديّة"، أخرجه عبد الرزّاق (9/ 301 رقم: 17294)، ومن طريقه البيهقي (8/ 71). انظر: "مغني المحتاج" (4/ 54)، و"المهذّب" (2/ 196، 197)، و"المغني" (7/ 772، 774). (¬4) ينظر: "التمهيد" (17/ 353 - 354) اختصارًا، وأحال تفصيله إلى كتابنا هذا، وانظر: "الاستذكار" (8/ 137 - العلمية)، وقال في (ص 138) فيه بعد ذكر الخلاف: "ورد التوقيف في الديّات عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه الحرم ولا الشهر الحرام، فأجمعوا على أنّ الكفّارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء، فالقياس أن تكون الديّة كذلك".

2 - الحديث الثاني: حديث عمرو بن أمية الضمري في المسح على العمامة والخفين

الحديث الثاني حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر ابن عمرو بن أمية عن أبيه (¬1) قال: "رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَي عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ" (¬2). تابعه مَعمَر (¬3)، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عمرو: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - " (¬4) قلتَ: وأَسنَده الأوزاعي، ولم يُسنِده مَعمَر في متابعته؛ لأنّه لَم يذكر جعفرًا (بين) أبي سلمة و (بين) عمرو بن أمية (¬5)، هكذا في كتابك، فقلتَ: ما ¬

_ (¬1) عمرو بن أميّة بن خويلد بن عبد الله أبو أميّة الضمري، صحابيّ مشهور، مات في خلافة معاوية - رضي الله عنهما - قبل الستّين ("الإصابة" 2/ 524). (¬2) أخرجه البخاري في الطهارة كتاب الوضوء (205) باب المسح على الخفّين. (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 369): "أي: تابع الأوزاعيَّ في المتن، لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنّف الإسناد ثانيًا، ليبيّن أنّه ليس في رواية معمر ذكر جعفر". (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 369): "وذكر أبو ذَرٍّ في روايته لفظ المتن وهو قوله: "يمسح على عمامته"، زاد الكشميهني: "وخفّيه"، وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في "الصحيح" ". اهـ أخرج هذه المتابعة البيهقي في "الكبرى" (1/ 270) من طريق عبد الرزّاق أنبأ معمر عن يحيى بمثل إسناد البخاري، وفيه ذكر العمامة. (¬5) في الأصل في الموضعين: "عن"، وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه. =

معنى إدخال البخاري هذه المتابعة وهي غير مسندة؟ فالجواب: إنّ إدخال البخاري متابعة مَعمَر للأوزاعي، إنّما ذلك لأنّه تابعه عن يحيى ابن أبي كثير في هذا الحديث على ذكر المسح على العمامة فيه (¬1)، وإن كان مَعمَر لم يَذكُر إسناد جعفر بن عمرو، وذكره الأوزاعي، وقد روى هذا الحديث عبد الرزّاق عن مَعمر بإسناده هذا عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية الضمري قال: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ" (¬2)، ولم يَزِد، ولم يَذكُر المسحَ على العمامة، وعبد الرزّاق من أَثبَت الناس في مَعمَر، وقد صَنَّف كتابًا جليلًا (¬3) ذَكَر فيه باب المسح على العمامة، ولم يذكر فيه هذا الحديث، وذكره في باب المسح على الخفّين هكذا، لم يَذكُر ¬

_ = - الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمر الأوزاعي أبو عمر، الفقيه، ثقة جليل، مات سنة (157)، ينظر: "تقريب التهذيب". - يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي: ثقة ثبت، لكنّه يُدلِّس وُيرسِل، توفّي (132) وقيل قبل ذلك؛ ينظر: "تقريب التهذيب". (¬1) ويؤيّده قول الحافظ: "أي ... في المتن لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنّف الإسناد ثانيًا، ليُبَيِّن أنّه ليس في رواية معمر ذكر جعفر"؛ انظر: "الفتح" (1/ 369). (¬2) أخرجه عبد الرزّاق في "مصنّفه" (1/ 191) ورقمه (746)، وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 179) من طريق عبد الرزّاق، وكذا البيهقي في "الكبرى" (1/ 271) من طريق عبد الرزّاق أيضًا. وأخرجه من طريق أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق به، دون ذكر العمامة. (¬3) يقصد كتابه "المصنّف"، وهو مطبوع بتحقيق الشيخ حَبِيب الرحمن الأعظمي.

فيه المسح على العمامة، والبخاري لا يُدفع صدقه، وإنّما كان عنده حديث مَعمَر من غير رواية عبد الرزّاق (¬1)، أو حَدَّثه عن عبد الرزّاق بِما ذَكَر مَن وَثِق به مِمَّن لم يَتَّفق مع ما جاء به، وحَسبُك ما ذَكرَه في مَصنَّفه على أنّ المصنَف عندهم لمِعمَر (¬2)، وليس في حديث عمرو بن أمية المسح على العمامة، والله المستعان. ولم يُراعِ البخاري في متابعة مَعمَر الإسناد، إنّما راعي المسح على العمامة؛ لأنّه مَوضِع الاختلاف فيما قد جعله بابًا وأصلًا في كتابه. فأمّا قولُك: "ولم يُسنِده مَعمَر"، فقد أسنده، وذكر فيه عن عمرو: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - "، وهذا في لفظ حديثه في كتابِك، والذي صَنَع مَعمَر فيه إسقاط جعفر ابن عمرو من إسناده، وكذلك رواه جماعة لم يذكروا جعفر [1]، (3) من رواة الأوزاعي وغيره، [و] (¬3) ممّن رواه عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية، لم يذكروا جعفرًا: الوليد بن مسلم (¬4)، وأيُّوب ¬

_ (¬1) "وهي ما أخرجه ابن منده في "كتاب الطهارة" له من طريق مَعمَر بإثباتها"، قاله ابن حجر. (¬2) المقصود به "الجامع" لمعمر بن راشد (ينظر آخر المصنّف لعبد الرزاق). (¬3) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها. (¬4) ابن ماجه (1/ 186/ 562) وفيه ذكر جعفر، وقال المزّي في "تحفة الأشراف" (8/ 139): "حديث: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفّين والعمامة" ق في الطهارة عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن عمرو بن أميّة به، تابعه معمر عن يحيى". وأخرجه - أيضًا - ابن حبّان - كما في "الإحسان" (4/ 173 برقم: 1343) - من طريق عبد الله بن محمّد ابن مسلم قال حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم - وهو دحيم شيخ ابن ماجه فيه - حدّثنا الوليد بن مسلم فقال في السند: عن أبي سلمة قال حدّثني جعفر بن عمرو عن أبيه.

ابن سويد (¬1)، ومحمّد بن كثير (¬2)، وذكروا فيه المسح على العمامة، وكان الوليد ابن مسلم ربّما لم يذكر ذلك. وقد روى هذا الحديث يونس بن يزيد عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية: "أَنَّه رَأَي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَي الخُفَّيْنِ"، لم يَذكُر العمامة، ولا ذكر جعفرًا. ولم يَذكُر في هذا الحديث جعفرَ بن عمرو من رواةِ الأوزاعي - فيما علمتُ - إلّا أبو المغيرة عبد الله بن داود الخريبي (¬3)، وربّما قَصَّر الخريبي عن ذكر العمامة فيه. وروى هذا الحديث جماعة عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، ولم يذكروا المسح على العمامة، وكذلك رواه جماعة عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، لم يذكروا فيه المسح على العمامة فربما (¬4) لا يزيد في هذا الحديث عن جعفر بن عمرو، عن أبيه على قوله. وقد رُوِي هذا الحديث عن أبي سلمة عن المغيرة (¬5)، وعن أبي سلمة عن ¬

_ (¬1) لم أجدها. (¬2) قال ابن أبي حاتم (1/ 67 رقم: 179): "سألت أبي عن حديث رواه محمّد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عمرو بن أميّة الضمري قال: "رأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفّين والعمامة"، فقال أبي: إنمّا هو أبو سلمة عن جعفر بن عمرو بن أميّة عن أبيه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ". (¬3) رواه ابن خزيمة (1/ 92). (¬4) زاد الناسخ حرف الواو سهوًا، ويقع منه هذا في النسخة. (¬5) لم أجده بهذا الإسناد.

أبي هريرة (¬1)، وليس في واحد منهما ذكر المسح على العمامة، وربما كان حديث أبي سلمة عن أبي هريرة حديثًا آخر، ولكن مَن عَلَّلَه جعلَه واحدًا، والاضطرابُ في حديث عَمرو ابن أُمَيَّة في المسح على العمامة عظيم، وهو حديث لا يثبت عند أكثر أهل العلم بالحديث (¬2)، لم يُخرِّجه أبو داود، ولا أحمد بن شعيب (¬3). وقد ذكر النسائي في المسح على العمامة أبوابًا من حديث المغيرة وبلال، ولم يذكر حديث عمرو بن أُميّة، وأبو داود فلم يَصِحّ عنده في المسح على العمامة شيءٌ أَلْبَتَّة (¬4)، وللبخاري انفرادات في أحاديث يُخرِجُها، وأحاديث يَذكُرها لا يُتابِعُه أحدٌ عليها، والكمال لذي العزّة والجلال. * * * ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا الإسناد. (¬2) صحّحه جمع من أهل العلم منهم البخاري حيث أودعه في "صحيحه"، وكذا الدارمي في "المسند" (1/ 554 ورقمه 737)، وفيه بعد أن أخرجه: قيل لأبي محمّد: أتأخذ به؟ قال: إي والله. وابن خزيمة كما في "الصحيح" برقم (181)، وكذا ردّ تعليله الحافظ ابن حجر بدلائل قويّة، كما في "الفتح" (1/ 369). (¬3) وهو النسائي، صاحب "السنن". (¬4) صحّ عنده حديث ثوبان كما في "السنن" باب المسح على العمامة برقم (146)، وأخرج أيضًا حديث أنس بن مالك من طريق أبي معقل عن أنس. وأبو معقل مجهول، كما قال الحافظ، إلّا أن يكون ابن عبد البرّ يقصد: لم يصحّ عند أبي داود من حديث عمرو بن أميّة شيء، فهذا صحيح، والله أعلم.

3 - الحديث الثالث: حديث الفأرة تقع في السمن

الحديث الثالث حديث الفأرة تقع في السمن، ذَكرَه في باب: النجاسات (تقع) (¬1) في الماء والسمن (¬2). وقولك: عرِّفني عن هذا الباب وغيره؛ كيف أَصلُ أهلِ المدينة في الماء؟ ولخِّص لي فيه وجه الصواب، فقد أَشكَل هذا الأصل. فالجواب: إنّ حديثَ الفأرةِ التي وَقعَت في السمن الجامد، فقال رسول الله: "خُذُوهَا وَمَا حَوْلهَا فَأَلْقُوهُ"، إلى ها هنا انتهى حديثُ أكثرِ أصحاب ابن شهاب الذي رَوَوْهُ عنه عن (عُبَيد الله) (¬3) عن ابن عبّاس عن ميمونة، وقد رواه مَعمَر بهذا الإسناد، ورواه - أيضًا - بإسناد آخر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيِّب عن أبي هريرة (¬4)، فعند معمر فيه عن ¬

_ (¬1) في الأصل: "يقع"، وهو خطأ. (¬2) أخرجه البخاري في الوضوء من الطهارة (235 و 236) باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، وأخرجه في الذبائح والصيد (5538 - 5540) باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد والمذاب من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عبّاس عن ميمونة. (¬3) في الأصل: "عبد الله"، وهو خطأ؛ لأن الحديث من رواية: "عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود". (¬4) أخرجه عبد الرزّاق في "المصنف" (279) عن معمر به، ومن طريق عبد الرزّاق أخرجه أبو داود في "السنن" كتاب الأطعمة (3842) باب في الفأرة تقع في السمن، وأحمد (2/ 265)، وابن حبّان =

الزهري حديثان، أحدهما حديث (عبيد) الله (¬1) عن ابن عبّاس، والآخر حديث سعيد عن أبي هريرة، وفي حديث أبي هريرة: "إِنْ كَانَ جَامِدًا فَخُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَأَلْقُوهُ؛ ¬

_ = (4/ 238 - 237/ 1393 و 1394)، وابن الجارود في "المنتقى" (221)، وابن حزم في "المحلّى" (1/ 145)، والبغوي في "شرح السنّة" (2812)، والبيهقي (9/ 353) من طريق أبي داود، والدارقطني في "العلل" (7/ 287). وأخرجه أحمد (2/ 233، 490) عن محمّد بن جعفر عن معمر به. وأخرجه البيهقي (9/ 353)، وأبو يعلي في "المسند" (10/ 213) من طريق عبد الواحد بن زياد عن معمر به، وابن أبي شيبة في "المصنّف" ورقمه (24393) عن عبد الأعلى عن معمر به، والدارقطني في "العلل" (7/ 287) من طريق يزيد بن زُرَيع عن معمر به. وهذا الإسناد رجاله ثقات، وقد اختلف العلماء فيه قديمًا وحديثًا، وسبب هذا الخلاف - والله أعلم - قول سفيان بن عيينة الذي رواه الحميدي في "مسنده" (1/ 149 - 150 ورقمه 312)، ومن طريق الحميدي أخرجه البخاري في الذبائح والصيد (5538)، والبيهقي في الضحايا (9/ 353) من طريق سفيان قال: "حدّثني الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عبّاس يحدّث عن ميمونة - وذكر الحديث. قال أبو بكر: فقيل لسفيان: فإنّ معمرًا يحدّث عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ... ؟ قال سفيان: ما سمعت الزهري يحدّث إلّا عن عبيد الله عن ابن عبّاس عن ميمونة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولقد سمعته مرارًا". ولهذا قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي بعد الحديث (1798): "وحديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث - قال: هو خطأ، أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح حديث معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عبّاس عن ميمونة"، وقال الترمذي بعد الحديث (1798) وساق إسنادهم عن الزهري عن سعيد: "وهو حديث غير محفوظ". (¬1) في الأصل: "عبد الله"، وهو خطأ، كما سبق (ص 117).

وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ". هذه رواية عبد الرزّاق [عن مَعمَر] (¬1) عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ورواه عبد الواحد بن زِياد عن مَعمَر بهذا الإسناد، وقال فيه: "وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبحُوا بهِ" (¬2). واختَلَفَ العَلماءُ في الاستصباح (¬3) بالزيت والمائع تَقَع فيه الميتة وفي بيعه (¬4)، ولم يَختَلِفوا في أكل ما وقعت فيه الميتة من المائعات غير الماء وشربه ذلك أنّه لا يجوّزه إلّا مَن شَذَّ عنهم (¬5)، وقد ذكرنا حكم الزيت يقع فيه الميتة، وما في ذلك للعلماء من الأقوال ¬

_ (¬1) في الأصل بدونها، والسياق يقتضيها. (¬2) سبق تخريجه والحكم عليه (ص 117). (¬3) الاستصباح في اللغة مصدر استصبح، بمعنى: أوقد المصباح، وهو الذي يشتعل منه الضوء، واستصبح بالزيت ونحوه: أمدّ به مصباحه، كما في حديث جابر الذي أخرجه البخاري: "ويستصبح بها الناس"، أي يشعلون بها سرجهم. انظر لهذا: "لسان العرب"، و"تاج العروس"، و"الصحاح"، و"القاموس"، و"المعجم الوسيط"؛ مادّة (صبح)، و"النهاية في غريب الحديث" (3/ 7). (¬4) ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الاستصباح بالمتنجّس في المسجد لا يجوز، وإن كان في غير المسجد فجائز. انظر في هذا الخلاف: "التمهيد" (9/ 41، 42)، "حاشية ابن عابدين" (1/ 220)، و"جواهر الإكليل" (1/ 10، 2/ 203) الحلبي، و"إعلام الساجد" للزركشي (ص 361)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (21/ 83، 608). (¬5) والمقصود هنا مَن قالوا: بأنّ المائع إذا وقعت فيه نجاسةٌ لا يَنجُس إلّا إذا تَغيَّر، وهو قول داود بن علي الظاهري، الذي سمّاه المصنِّف من الشاذَّين في كتابه "التمهيد" (9/ 40)، وكذا قال ابن حزم في "المحلّى" (6/ 116)، لكن خَصَّه بغير السمن، أمّا السمن فلا يَحِلُّ أَكلُه إن كان ذائبًا، سواء مات الفأر فيه أو لم يمت، أمّا إذا وقع فيه غيرُ الفأرِ فلا يَحرُم عنده إلّا إذا تغيّر أيضًا. =

والآثار في كتاب "التمهيد" (¬1). وأمّا الذي سألتَ عنه، كيف أصلُ أهلِ المدينة؟ وأَحبَبتَ تلخيصَ ذلك وإظهار وجه الصواب فيه. فالجواب عن ذلك؛ أنّ أصلَ أهلِ المدينةِ في الماء كتاب الله عز وجل وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: * أمّا الكتاب، فقول الله تبارك وتعالى اسمه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، فسَمَّى اللهُ الماءَ طَهورًا، و"الطَّهور": هو "المُطهِّر لغيرِه"، مثل الضَّروب والقَتول، وهو الذي يُكثِر الضَّربَ والقَتل والفعل في غيره، وقد يكون - أيضًا - بمعنى "طاهر" مثل: صابر وشاكر وصَبور وشَكور وضارب وقاتل، والمعنيان جميعًا في الماء صحيحان، والماء القَراح الصافي، كماء السماء وماء البحار والأنهار والعيون والآبار، إذا لم يخالطه شيءٌ فهو طاهر مُطهِّر؛ وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين. والماء الذي وصفنا طاهر مُطهِّر بإجماعٍ، فلا وجه للإكثار فيه، قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18]، وقد تقدَّم أنَّ الماء النَّازل من السماء طَهور. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" (¬2). ¬

_ = وكذا عزاه الحافظ لأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقال: "هو اختيار البخاري، وقول ابن نافع من المالكية، وحُكِي عن مالك" انظر: "الفتح" (9/ 669). (¬1) انظر: "التمهيد" (9/ 41)، وانظر تفصيلًا جيّدًا في هذا كتاب "الاستذكار" (8/ 507 - 510). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 31)، وأبو داود في (الطهارة، رقمه 66)، والترمذي في (الطهارة، ورقمه 66)، وكذا النسائي (1/ 174)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 47)، والدارقطني في "السنن" (ص 11)، والبيهقي (1/ 4 - 5)، من طرق عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمّد بن كعب عن عبيد الله ابن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري به. =

• وأجمعوا أنّ الماء الطاهر - كثيرًا كان أو قليلاً - إذا خالطته النجاسةُ فغَلَبَت عليه، أو ظَهَرَت فيه برِيحٍ أو لَونٍ أو طَعمٍ؛ أنَّها قد أفسدته، وأنَّه قد حَرُم كما حَرُمت النجاسةُ، وخرج من حكم الطهارة. • وكذلك أجمعوا أنّ الماء المُستَبحرَ الكثيرَ إذا دخلت فيه النجاسة فلم تظهر فيه بلَونٍ ولا طَعمٍ ولا رِيحٍ ولا أثر أنَّ ذلك الماء الطاهر مُطهِّر كما كان، سواء في الحكم طهارته. فإن كان الماء قليلاً أوكان غيرَ مُستَبحرٍ، وحَلَّت فيه النجاسة، فلم يَظهَر فيها لَونٌ ولا طَعمٌ ولا رِيحٌ؛ فهذا موضعٌ كَثُر فيه النِّزاع والاختلاف قديمًا وحديثًا (¬1)، واختَلفَتْ فيه الآثار - أيضًا - وأصلُ أهلِ المدينةِ فيه؛ وهو - أيضًا - مذهب أهل البَصرة، وإليه ذهب اكثرُ أهلِ النَّظرِ، وهو الذي اختاره أكثرُ أصحابنا (المالكيّين) (¬2) من البغداديين؛ أنَّ ذلك الماء طاهر مُطهِّر قليلاً كان أو كثيرًا؛ لأنَّ الماءَ لا يُنجِّسُه شيءٌ إلاَّ ما غلب عليه، ولو نَجَّسه غيرُ ما يَغلِب عليه (لمَا) (¬3) صحَّت به طهارتُه لأحَدٍ أبدًا، ولو كان القليل منه ¬

_ = قال الترمذي: "حديث حسن، وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن ممّا روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من كير وجه عن أبي سعيد". وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 45): "صحيح". (¬1) أَطلَق ابنُ القاسم القولَ بتَركِ استعمال القليل المخالَط بالنجاسة، وإن كان لم يتغيرّ والعدولِ إلى التيمّم، وقال أيضَا: "وإن توضّأ به وصلّى أعاد ما دام في الوقت". قال ابن شاس: "فحُمِل قولُه بالترك على الكراهية لتقييده الإعادة بالوقت، وحُمِل على التنجيس لإطلاقه القول بترك استعماله، والعدول إلى التيمّم، ورواية الدنيّين أنّه طهور، لكن كرهوه للخلاف فيه" انظر: "عقد الجواهر" لابن شاس (1/ 8). (¬2) في الأصل: "المالكيّون"، والأصوب ما أثبتُّ على أنه صفة. (¬3) في الأصل: "الماء"، وهو خطأ واضح من الناسخ.

يفسده قليل النجاسة ما صحّ الاستنجاء بالماء لأحد. والحجّة في هذا المذهب (سنة) (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ في صَبِّه على بَولِ الأعرابي ذَنُوبًا من ماء حين بال في المسجد عنده (¬2)، وهو أصحُّ الأحاديث كلِّها المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الماء من جهة الإسناد والمعنى، وفيه دليل واضح (على أنَّ كلّ الماء من النجاسات) (¬3) والحكم للماء لا للنجاسة، ولا مراعاة لمِا خالطه ومازجه إذا كان الماءُ غالبًا؛ لأنَّ هذا حُكم ما جعله اللهُ طَهورًا مُطهِّرًا لغيرِه، ومعلومٌ أنَّ البول (إذ) (¬4) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصَّبَ عليه قد مازج، ولكن لمَّا كان الماء غالبًا كان مُطهِّرًا للبول، وكان الحكم له ولم يكن للبول المستهلك فيه حكم لسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (ولا فَرقَ عندنا بين حُلول النجاسة على الماء وبين حُلولِه عليها) (¬5)، ولم أَرَ للذين فَرَّقوا بينهما من الشَّافعيين حُجَّة يَعجَز الخَصمُ عن معارضتها؛ وليس شيءٌ من المائعات مجلُّ هذا المَحلَّ غيرُ الماء، فاعلمه. والماء عندنا لا يُفسدُه إلاَّ ما غَلَب عليه من النجاسات المُحرّمات أو ظهر فيه منها، وهذا مذهب مالكِ بنِ أنس وأهلِ المدينة وأكثرِهم، وهي رواية المدنيِّين من ¬

_ (¬1) في الأصل: "لسنة"، والصواب ما أثبتُ؛ لأن السنة هي الحجّة. (¬2) أخرجه البخاري في [الوضوء (220) باب صبّ الماء على البول في المسجد (58)]، وأخرجه في [الأدب (6128) باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يسّروا ولا تعسّروا" (80)]. (¬3) كذا بالأصل، ولا شكّ أنّ في الجملة خللاً واضحًا. (¬4) في الأصل: "إذا"، وهو خطأ. (¬5) في الأصل: "ولا فَرقَ عندنا بين حُلول النجاسة على الماء وبين حُلولِها عليه"، والصواب ما أثبتّه؛ لأنّ ما في الأصل تكرار، والله أعلم.

أصحاب مالك عن مالك، وكذلك حكاه أبو المصعب (¬1) عن مالك وأهل المدينة. وأمَّا المصريُّون من أصحاب مالك؛ يُفسدُه عندهم قليل النجاسة، وإن كَثُر لا يُفسِدُه إلاَّ ما غَلَب عليه من النجاسة أو ظَهرَت فيه بطَعمٍ أو رِيحٍ أو لَونٍ، ولم يحُدُّوا بين القليل والكثير حَدًّا (¬2)، وهذا مذهب الشَّافعي سواء، إلاَّ أنّه حدّ في ذلك حدًّا لحديث القلتين؛ وروى ابن القاسم (¬3) عن مالك في الجُنُب يَغتَسل في الحوض الذي يُسقَى فيه ¬

_ (¬1) أبو مصعب هو: أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، ولد سنة 105 هـ في المدينة، وترعرع فيها، وشاهد مالكًا، فلزمه وتفقّه عليه وأخذ منه وروى عنه وعن ثلّة من شيوخ المدينة، وبرع في الفقه، وتولّى قضاء المدينة، ومات في رمضان سنة 242 هـ، وهو على قضائها. انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" (1/ ترجمة 17)، و"الديباج" لابن فرحون (ص 30)، و"تذكرة الحفّاظ" (2/ 482 - 484) وغيرها. (¬2) انظر: "المقدمات" لابن رشد مع "المدوّنة" (1/ 19 - 20)، وقال التتائي في "شرح الرسالة" (1/ 435): "وهو مذهب ابن القاسم، وظاهر "المدوّنة" عند بعض الشيوخ ... "، ينظر هناك تفصيلاً. (¬3) هو أبو عبد الله عبد الرحمن العُتَقي، أوّل أصحاب مالك المصريّين، وأثبتهم في فقهه، طالت صحبته له، ولم يخلط علمه بغيره، حتّى قيل: "إنّه لم يخالف إلاّ في أربع مسائل"، ذكرها ابن ناجي في "الزكاة من شرح المدوّنة"، وقال فيه مالك: "مثله مثل جراب مملوءٍ مِسكّا"، أخرج له البخاري حديثًا واحدًا في تفسير سورة يوسف، والنسائي كثيرَا، وأثنى عليه كثيرًا هو وغيره، علمًا وضبطًا ودينًا، قال: "ولم يرو "الموطأ" عن مالك أثبت من ابن القاسم، وليس أحد من أصحاب مالك عندي مثله"، وكان - رحمة الله - لا يقبل جوائز السلطان، شديد الورع والضبط والتقوى. انظر ترجمته في: "الانتقاء" (ص 94)، و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص 150)، و"ترتيب المدارك" (3/ 244)، و"الديباج" (ص 146)، و"شجرة النور الزكية" (1/ 58) وغيرها.

الدوابّ؛ ولم يكن غسل ما به من الأذى؟ فقال: "قد أفسد الماء ونجَّسه" (¬1). وسئل عن الحياض التي تكون بين مكَّة والمدينة، وهي حياض كبار؛ يَغتَسِل فيها الجُنُب ولم يَغسِل ما به من الأذى؟ فقال: "أكره للجنب أن يغتسل في الماء الدائم؛ ولا يضرّ الماء ذلك إذا كان كثيرًا" (¬2). فقد تَبيَّن بما ذكره ابنُ القاسم عنه ما أضفنا فيه عنهم. وقد سئل ابن القاسم عن إناء الوضوء يسقط فيه مثلُ رؤوس الإبر من البول؟ فأجاب: "فإنَّه قد نجس" (¬3)، وإلى هذا ذهب جماعةُ أصحاب مالك من أهل المغرب ومصر إلاَّ عبد الله بن وهب، فإنَّه قال: "فيما روى المدنيُّون عن مالك؛ إنّ الماء قليلَه وكثيرَه لا يَنجُس إلاَّ بما غَلَب عليه أو ظهر فيه"، على حَسَب ما وَصَفنا. وقد رُوي عن أصحابنا في البئر تقع فيه النجاسة الميتة روايات مُضطَرِبة؛ أكثرُها على أنّ البئر يُفسِد (ماءَها) (¬4) الميتةُ تقع فيه. وكان إسماعيل بن إسحاق (¬5) يقول: "إنَّ كلّ ما رُوِي عن ابن القاسم وغيرِه ¬

_ (¬1) انظر: "المدوّنة" (1/ 31). (¬2) المصدر نفسه. (¬3) انظر: "النوادر والزيادات" (1/ 78)، و"البيان والتحصيل" (1/ 187). (¬4) في الأصل: "ماؤها"، والصواب ما أثبتُّ. (¬5) هو الإمام العلاّمة الحافظ شيخ الإسلام، أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن محدّث البصرة حمّاد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري المالكي، قاضي بغداد، وصاحب التصانيف، أخذ الفقه عن أحمد بن المعذَّل وطائفة، وصناعة الحديث عن عليّ بن المديني، وفاق أهل عصره في الفقه، كان مولده سنة 199 هـ، وكانت وفاته فجأة في شهر ذي الحجّة سنة 282 هـ. =

(من) (¬1) مثل تلك الروايات، فإنّما هي على طريق التنَزُّه والاستحباب"، وأمَّا الأصل عندنا كما ذكرنا. ولقد سأل أحمد بن المُعَذَّل (¬2) (عبد) (¬3) الملك (¬4) عن البئر تقع فيه الميتة؟ فقال: "ينزح منها عشرون، ثلاثون، أربعون دلوًا"، قال أحمد: ثمَّ قال: أفلا سألتني عن قولي هذا؟ فقلت: لقد هَمَمتُ أن أسألكَ حتّى بدا شيء فقال: "إنّما قلتُ هذا لك لئلاَّ تظنَّ أنّ في هذا حدًّا أو شيئًا واجبًا، وإنّما هو لتَطيِيب النفس عليه، والماء على طهارته حتّى ¬

_ = انظر ترجمته في: "السير" (13/ 339، وما بعدها)، و"تاريخ بغداد" (6/ 284 - 290)، و"الديباج المذهب" (1/ 282 - 290)، وغيرها. (¬1) في الأصل: "عن"، وهو خطأ. (¬2) أحمد بن المعذّل بن غيلان بن حكم شيخ المالكية، أبو العبّاس العبدي البصري المالكي الأصولي، شيخ إسماعيل القاضي، تفقه بعبد الملك بن الماجشون ومحمّد بن مسلمة، وكان من بحور الفقه، صاحب تصانيف وفصاحة وبيان، قال الذهبي: "لم أر له وفاة". تنظر ترجمته في: "السير" (11/ 519 - 521)، و"العبر" (1/ 434)، و"الوافي بالوفيات" (8/ 184، 185)، و"شذرات الذهب" (2/ 95، 96). (¬3) في الأصل: "عند" والصواب المثبت. (¬4) هو الفقيه العلاّمة مفتي المدينة أبو مروان عبد الملك بن الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ابن الماجشون التيمي مولاهم المدني المالكي، تلميذ الإمام مالك، حدّث عن أبيه ومالك وإبراهيم ابن سعد وطائفة، وحدّث عنه أبو حفص الفلاّس، ومحمّد بن يحيى الذهلي، وعبد الملك بن حبيب الفقيه، ويعقوب الفسوي وآخرون. قال ابن عبد البرّ: "كان فقيهًا فصيحًا، دارت عليه الفتيا في زمانه وعلى أبيه قبله، وكان ضريرًا". انظر: "الانتقاء" (ص 57)، و"طبقات ابن سعد" (5/ 442)، و"ترتيب المدارك" (2/ 360 - 365)، و"الديباج المذهب" (2/ 866)، و"السير" (10/ 359)، وغيرها.

يُتيَقَّن فيه النجاسة". وهذا قولٌ صحيحٌ في النظر والأثر. وقد أتينا على هذا المعنى وتقصِّي القول فيه بالآثار المرفوعة وغيرها عن علماء المدينة وسَلَفِهم، وبالحُجَج الواضحة في كتاب "التمهيد" (¬1)، وبالله التوفيق. حدَّثني محمّد بن إبراهيم قال: حدَّثنا محمّد بن معاوية (¬2) قال: أبنا أحمد بن شعيب قال: ثنا قتيبة بن سعيد قال: نا حمَّاد عن ثابت عن أنس: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المسْحدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: دَعُوهُ، فلّمَا فَرَغ دَعَا بِدَلْوٍ فَصَبَّه عَلَيْهِ" (¬3). وهذا حديث ثابت صحيح، وقال يحيى بن معين: "أَثبَتُ النَّاس في أنس ثابت البناني، وأثبت النَّاس في ثابت حمَّاد بن سلمة" (¬4). وقد رُوِي من وُجوه كثيرة من حديث أنس وحديث أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فمَنِ ادَّعى أنَّ طهارة الأرضِ لها حُكمٌ مُنفَرِد فعليه إقامة الدليل، ولن يَجِد إلى ذلك سبيلاً. ¬

_ (¬1) (1/ 334 - 332). (¬2) في الأصل: " ... محمّد بن معاوية [أبنا عبدُ الله بن محمّد قال: وثنا حمزة بن محمّد قال جميعًا: ] أبنا أحمد ابن شعيب"، والظاهر أنّ الجملة بين المعكوفين مقحمة؛ لأنّ ابن عبد البرّ أخرج الحديث بإسناده في "التمهيد" (24/ 16)، فساق الإسناد المذكور أعلاه والله أعلم. (¬3) أخرجه البخاري في الأدب، باب الرفق في الأمر كلّه، ورقمه (6025)، ومسلم في الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، ورقمه (284) من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس. (¬4) إِنْ كان الحافظ بن عبد البر أتى بهذا، لأجل أنَّ الحديث من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، فلم أجده أنا إلاَّ من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، والله أعلم.

4 - الحديث الرابع: حديث أم عطية قالت: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا"

الحديث الرَّابع حديث أمِّ عطيَّة قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا" (¬1). وثبت أنَّ مالكًا يقول ولم يختلف قوله في ذلك: "إنَّ الصُّفرة والكُدرة حَيضٌ في أيَّام الحيض وفي غيرِ أيَّامه"؟ فالجواب عن ذلك: إنَّ مالكًا - رحمه الله - لم يَختَلِف قوله: "إنَّ الصُّفْرة والكُدرة حَيضٌ في أيّام الحيض وبإثره"، واختَلَف قولُه في ذلك في غيرِ أيَّامِ الحيض؛ والقول الأوَّل أشهر عنه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [كتاب الحيض (326) باب الصفرة والكدرة في غير أيّام الحيض (25)] عن قتيبة، وأخرجه أبو داود في [الطهارة (308) باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر (119)] عن مسدّد، والنسائي في [الطهارة، باب الصفرة والكدرة] عن عمرو بن زرارة؛ ثلاثتهم عن أيّوب عن محمّد ابن سيرين عن أمِّ عطيّة - رضي الله عنه -. وأخرجه ابن ماجه في "الطهارة (647) باب ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة والكدرة (127)] عن محمّد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيّوب به. كلّهم بلفظ: "كنّا لا نعدّ الصفرة والكدرة شيئًا"، زاد مسدّد: "بعد الطهر"، وكذا وردت الزيادة عند أبي داود برقم (307) من طريق حّماد عن قتادة عن أمِّ الهذيل عن أمِّ عطيّة - وكانت بايعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كنّا لا نعدّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا". (¬2) قال المصنّف - رضي الله عنه - في "الاستذكار" (1/ 324 - 325 - العلمية): "اختلف قول مالك في الصفرة والكدرة، ففي "المدوّنة" لابن القاسم عنه: "أنه قال في المرأة ترى الصفرة والكدرة في أيّام حيضتها وفي=

وأمَّا حديث أمِّ عطيَّة، فحديثٌ انفرد به أهلُ البصرة، وأُجيب أنّ الأحاديث عنده لم يَلزَمْه عملٌ (¬1)؛ لأنَّ العمل إنَّما يَلزَم المقبولُ من الشهادات والأخبار، على أنّ خَبَر أمِّ عطيَّة [غير] (¬2) لازم العمل به على كلّ حال؛ لأنّها لم تُضِفـ[ـه] (¬3) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أَخبَرت أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استُفتِي عن ذلك فأجاب بما قالته، ولا فيه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِم ذلك. وقد خالفَتها عائشةُ أمُّ المؤمنين وأسماء - رضي الله عنهنَّ - (فكانتا) (¬4) لا تصلِّيان حتّى تريا البياض (¬5)، والنظر يشهد لهذا القول؛ لأنّ المرأةَ إذا كانت حائضًا بيقين ثمَّ ¬

_ = غير أيّام حيضتها؟ قال مالك: ذلك حيض، وإن لم تر مع ذلك دما"، وذكر ابن عبدوس في "المجموعة" لعلي بن زياد عن مالك، قال: "ما رأت المرأة من الصفرة والكدرة في أيّام الحيض أو في أيّام الاستطهار؛ فهو كالدم، وما رأته بعد ذلك؛ فهو استحاضة"، وهذا قول صحيح، إلاّ أنّ الأوّل أشهر". (¬1) كذا بالأصل، والعبارة غير مستقيمة. (¬2) ساقطة من الأصل، ولا يستقيم الكلام بدونها. (¬3) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها. (¬4) في الأصل: "فكانت"، والصواب المثبت لتعيّن التثنية. (¬5) أمّا حديث عائشة؛ فقد رواه مالك في "الموطّأ" في [الطهارة، باب طهر الحائض، ورقمه (97) - "موطّأ يحيى"] عن علقمة بن أبي علقمة عن أمّه مولاة عائشة أمِّ المْؤمنين أنّها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أمِّ المؤمنين بالدَّرَجة فيها الكُرْسُف، فيه الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة؟ فتقول لهنّ: "لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء"، تريد بذلك الطهر من الحيض. قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في "الإرواء" (1/ 219): "وهذا سند جيّد لولا أنّ أمِّ علقمة هذه لم يتبيّن لنا حالها، وإن وثّقها ابن حبّان والعجلي، ففي النفس من توثيقهما شيء، فإنّ المتتبّع لكلامهما في الرجال يجد في توثيقهما تساهلاً، وخاصّة الأوّل منهما، كما فصّلته في "الردّ على الحبشي" (ص 31)، والحديث علّقه =

انقطع عنها الدَّم وبقيت الصُّفْرة والكُدْرة، ومعلومٌ أنَّها من بَقايا الدم، فالواجب ألاَّ تَخرُج من حُكْم الحَيْض المُتَيَقَّن إلاَّ بيقين الطَّهارة، ولا يقينَ إلاَّ بالنَّقاء، وكلُّ دمٍ يظهر من الرَّحِم فالواجب أن يُترَك له الصلاة، ومَن أَنصَف بان له أنّ الصُّفْرة والكُدْرة من الدم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكي الصَّلاَةَ" (¬1)، وقد يجوز أن يكون أمَامها صُفرة وغيرُ صُفرة. وابتداءُ الحيضِ ضعيفٌ ثمَّ يَقوَى بَعدُ، وهذا عند النساء معروفٌ، والكلام في هذا واضح؛ فلا وجه فيه للإطالة. وقال عبد الله بن غانم (¬2): قلتُ لمالك: إنَّا لَم نَكَد نرى الصُّفرة والكُدرة شيئًا؛ ¬

_ = البخاري [(1/ 500) تحت الباب (19) من كتاب الحيض، وهو باب إقبال الحيض وإدباره] ". ثمّ قال: "ثمّ وجدت له طريقًا أخرى عنها بلفظ: "قالت: إذا رأت الدم فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر أبيض كالفضّة، ثمّ تَسُلُّ وتصلّي"، أخرجه الدارمي (1/ 214)، وإسناده حسن، وبه يصحّ الحديث. • أمّا حديث أسماء؛ فقد أخرجه الدارمي برقم (849) في [الطهارة، باب الطهر كيف هو؟ ]، من طريق محمّد بن إسحاق قال حدّثتني فاطمة عن أسماء قالت: "كنّا نكون في حِجرِها، فكانت إحدانا تحيض، ثمّ تطهر، فتغتسل وتصلّي، ثمّ تَنكُسُها الصفرة اليسيرة، فتأمرنا أن نعتزل الصلاة حتّى لا نرى إلاّ البياض خالصًا". وهذا إسناد حسن، ومحمّد بن إسحاق قد صرّح بالتحديث، فانتفت شبهة التدليس. (¬1) أخرجه البخاري في "الصحيح" في [كتاب الحيض (306) باب الاستحاضة] من حديث عائشة أنّها قالت، وكذا مسلم في "صحيحه" في [الحيض، برقم (501)]. (¬2) هو: عبد الله بن عمر بن غانم الرُّعَيْبِي، أبو عبد الرحمن، قاضي إفريقية، روى عن مالك وإسرائيل =

ولا نرى ذلك إلاَّ في الدم العبيط (¬1)؟ فقال مالك: "وهل الصُّفرة والكُدرة إلاَّ دم"، ثمّ قال: "إنَّ هذا البلد إنَّما كان العمل فيه بالنبوَّة، وإنَّ غيرَهم إنّما العمل فيهم بأمر الملوك". وقد اختَلف العلماءُ في الصُّفْرة والكُدْرة قديمًا وحديثًا اختلافًا كثيرًا (¬2)، والصواب ما قلتُ لك - إنْ شاء الله تعالى - وعليه أكثرُ الفقهاء بالحجاز والعراق؛ وبالله العصمة والتوفيق. ¬

_ = وابن يونس وداود بن قيس الفرّاء وابن أنعم وأبي يوسف القاضي، وروى عن عبد الله بن مسلمة القعنبي. وثّقه أبو سعيد بن يونس وأبو داود وأبو العرب القيرواني وابن خلفون، وضعّفه ابن حبّان، وقال عنه أبو حاتم: "مجهول"، وقال الذهبي في "المغني": "مجهول الحال"، وقال عنه الحافظ في "التقريب": "وثّقه ابن يونس وغيره، ولم يعرفه أبو حاتم، وأفرط ابن حبان في تضعيفه". انظر ترجمته في "تهذيب الكمال"، و"تهذيب التهذيب"، و"الجرح والتعديل" (5/ الترجمة: 503)، و"المجروحين" لابن حبّان (2/ 39)، و"ميزان الاعتدال" (2/ ترجمة 4470)، و"ترتيب المدارك" (2/ 185 - 179 - العلمية)، و"طبقات أبي العرب" (ص 11). (¬1) "العبيط" قال في المصباح المنير (ص 390): ودم عبيط: طريٌّ خالص لا خلط فيه. (¬2) ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيضٌ؛ لأنّه الأصل فيما تراه المرأة في زمن الإمكان، ولحديث عائشة - رضي الله عنهما -، وعند الشافعية وجهٌ أنّ الصفرة والكدرة ليستا بحيض؛ لأنّهما ليستا على لون، ولحديث أمِّ عطيّة - رضي الله عنهما -، وهذا قول ابن الماجشون أيضًا، قال الدسوقي: وجعله المازري والباجي هو الذهب. واختلفوا في الصفرة والكدرة في غير أيّام الحيض، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّهما ليستا بحيض في غير أيّام الحيض لحديث أمِّ عطيّة، وذهب المالكية والشافعية إلى أنّهما حيض، إذا رأتهما المعتادة بعد عدّتها، فإنّها تجلس أيّامها عند الشافعية، وتستظهر بثلاثة أيام عند المالكية. انظر "رسائل ابن عابدين" (1/ 192)، "حاشية الدسوقي" (1/ 197)، "الخرشي على مختصر خليل" (1/ 202)، "حواشي الشرواني وابن القاسم العبادي على تحفة المحتاج" (1/ 400)، "مغني المحتاج" (1/ 113)، "نهاية المحتاج" (1/ 340)، و"كشّاف القناع" (1/ 213).

5 - الحديث الخامس: حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنها استعارت من أسماء قلادة

الحديث الخامس حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهمُ الصُّلاَةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، (فَشَكَوْا) (¬1) ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ" (¬2). هكذا ذكرتَ الحديث في كتابك؛ فقلت: فكأنَّ البخاريَّ - رحمه الله - جوَّز الصلاة عند العُذر وامتِناع التيمّم بغير تيمُّم؟ فالجواب إنَّ هذا الباب قد اختَلَف فيه العلماءُ قديمًا، وتنازع فيه فقهاءُ الأمصار، فذهب منهم قومٌ إلى أن المَحبُوسين في المِصرِ، والمهدم عليهم، والمصلوبين، وكلُّ مَن لا يَقدِر على الوضوء بالماء وعلى التيمّم بالأرض أو التراب؛ أنَّه لا يصلّي حتّى يُمكِنَه الوضوءُ أو التيمّمُ، ولو أقام ما شاء الله أن يُقِيم، وإذا انطلق صلَّى كلّ صلاة لم يَكُن صلاَّها من أجل ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل: "وشكوا"، والصواب ما أثبتُّ، لما هو موجود في كتب الحديث. (¬2) الحديث أخرجه البخاري في [التيمّم (336) إذا لم يجد ماء ولا ترابًا]، وكذا أخرجه مسلم في [الحيض (367) باب التيمّم] من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وتتمّة الحديث: "فقال أسيد بن حضير لعائشة: جزاكِ الله خيرًا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلاّ جعل الله ذلك لكِ وللمسلمين فيه خيرًا". (¬3) قال به أصبغ وأبو حنيفة، انظر: "النوادر والزيادات" (1/ 109)، و"الذخيرة" (1/ 250)، ورجّحه ابن رشد - كما في "البيان والتحصيل" (1/ 207) - وكذا عزاه ابن عبد البرّ إلى أشهب - كما في "الاستذكار" (1/ 304 - العلمية)، و"التمهيد" (19/ 274) -.=

وحُجّة مَن ذهب هذا المذهب قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ" (¬1)، فمَن لَم يُمكِنه الطهور، ولم يكن له إلى الصلاة سبيلٌ [لا يصلّي] (¬2)، ومِمّن ¬

_ = واختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال، قاله عياض كما في "الإكمال" (1/ 219): "أوّلها: يصلّي ثمّ لا إعادة عليه؛ لأنّ عدمه عذر كالسلس والاستحاضة، ولأنّه ظاهر الحديث. ثانيها: يصلّي ثمّ يعيد إذا وجد الطهور على الاحتياط ليأتيَ أوّلا بغاية ما يقدر عليه، ثمّ لمّا وجد الماء لزمته الطهارة والإعادة، وقاله الشافعي. ثالثها: لا يصلّي ولا يعيد؛ لأنّ الخطاب لم يتوجّه عليه، لعدم الشرط من الطهارة حتّى خرج وقتها، كالحائض تطهر، وكمن بلغ وأسلم بعد الوقت. رابعها: لا يصلّي لكنّه يعيد إذا وجد الماء، كمن غمره المرض أو غلبه النوم أو النسيان، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". قال: وهذه الأقوال كلّها عندنا في المذهب لمالك وأصحابه، والمرويّ منها عن مالك: لا صلاة ولا إعادة، وهو قول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي". (¬1) رواه مسلم في [الطهارة (224) باب وجوب الطهارة للصلاة]، والترمذي في [الطهارة (1) باب لا تقبل صلاة بغير طهور]. وأخرجه أبو داود في [الطهارة (59) باب فرض الوضوء]، وكذا النسائي في [الطهارة، باب فرض الوضوء، وفي الزكاة، باب الصدقة من غلول]، وأخرجه ابن ماجه في [الطهارة (271) باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور]، وأخرجه أحمد في أوّل مسند البصريّين (5/ 74، 75)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 235)، وابن حبّان كما في "الإحسان" (3/ 104)، والدارمي في "المسند" (1/ 175)، كلّهم من طريق أبي المليح عن أبيه أسامة بن عمير به. وصحّحه الألباني كما في "الإرواء" (1/ 153 - 154). وروي - أيضًا - من حديث أنس وأبي بكرة. (¬2) يظهر أنّ في هذا الموضع سقطًا، ولا يستقيم الكلام بدون الزيادة؛ لأنّها جواب الشرط.

ذهب إلى هذا من أصحابِنا أَشهَب (¬1)، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والثوري وزُفَر، وهو أحد قولي الشَّافعي. وذهب منهم آخرون إلى أنّ مَن كانت حاله ما وَصَفنا صَلَّى كيف أَمكَنَه بغير طهور؛ إذا لم يُمكِنه الطهور، وأعاد بعد ذلك إذا قَدَر على الطهور بالماء أو التيمّم عند عدم الماء، ومِمّن ذهب إلى هذا أيضًا مِن أصحابنا عبد الرحمن بن القاسم (¬2) وهو قول أبي يوسف ومحمّد واللَّيث بن سعد، وهو أحد قولي الشافعي - أيضًا - وكلّ هؤلاء قال: "إنَّ مَن كانت حاله ما وصفنا وصلَّى على ذلك لم يَكُن له بُدٌّ من الإعادة إذا قَدَر على الطهور". وليس في حديث عائشة أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهم بالإعادة عند وجود الماء. وقد زعم بعض العلماء أنّ الانفصال من ذلك بأنَّ التيمّم لم يكن مشروعًا حينئذ لأنّه نزل لغد؟ وهذا عندي لا وَجهَ له؛ لأنّهم كانت طهارتُهم طهارةً واحدة، حينئذ فصَلَّوْا دونها، وكذلك مَن عدِم الطهارة بالماء وعدِم البدل منها، وهي الطهارة بالصَّعيد، ولم يَقدْرِ على شيءٍ من ذلك كلّه؛ كان حُكمُه كذلك والله أعلم. ¬

_ (¬1) عزا القرافي في "الذخيرة" (1/ 350) إلى أشهب القول بالصلاة حالا وعدم القضاء. (¬2) ذكره عنه ابن أبي زيد في "النوادر والزيادات" (1/ 108)، وابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/ 206، 207) من العتبية، وكذا نقله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم، ويُنظر: "الاستذكار" (1/ 305)، و"التمهيد" (19/ 275 - 276).

وقد ذهب بعضُ المتأخِّرين من الفقهاء (¬1) أنَّ مَن كانت حاله تلك على ظاهر حديث عائشة هذا [لا يصلّي] (¬2) والفقهاءُ على خلافه كلُّهم، وفي المسألة نظر؛ لأنّه يحتمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ" لِمَن قَدَر على الطَّهور، كما أنّه لا يَقبَل صلاة عُريانٍ وهو قادرٌ على ثوبٍ يَستُرُه فتَرَكَه عامدًا. وقد رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صلاَةَ حَائِضٍ حَتَّى تَخْتَمِرَ" (¬3). والمسألةُ إذا تعادلت فيها الأدلَّة واستَوَت فيها الحُجَج؛ فالوجه في هذا للعلماء التخيير بالفتوى، ولكلّ من نزلت [به] (¬4) الاحتياط، والاحتياط في هذه المسألة أن ¬

_ (¬1) لعلّ المقصود ابن خويز منداد، القائل بسقوط الصلاة عمّن معه عقله، لعدم الطهارة، فإنّ ابن عبد البرّ تعقّبه بقوله: "قول ضعيف مهجور شاذّ مرغوب عنه" "الاستذكار" (1/ 305). (¬2) غير موجودة في الأصل، والسياق يقتضيها. (¬3) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في "سننه" [كتاب الصلاة (642) باب المرأة تصلّي بغير خمار]، والترمذي في "سننه" في [الصلاة (377) باب ما جاء: لا تقبل صلاة المرأة إلاّ بخمار]، وقال: "حديث عائشة حديث حسن"، وأخرجه ابن ماجه في [الطهارة وسننها (655) باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلاّ بخمار]، وغيرهم؛ من طرق عن حمّاد بن سلمة عن قتادة عن محمّد بن سيرين عن صفيّة بنت الحارث عن عائشة مرفوعًا به. وقد اختلف فيه على قتادة، فروي عنه عن محمّد بن سيرين مسندًا، وعنه عن الحسن مرسلاً. لكن هذه العلّة لا تضرّ كما بيّنه الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في "الإرواء" (1/ 215). (¬4) والمقصود كل من نزلت به مثل هذه النازلة، وهي فقد الطهورين أو عدم استطاعتهما، أنه يحتاط فيصلّي، والزيادة متعيّنة ليستقيم الكلام.

يُصَلِّيَ، ثمّ يُعِيد إذا قَدَر على الطهارة، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب، ليُؤدِّيَ فَرضَه بيقين، ويَخرُج من الاختلاف، ويَدَع ما يَريبُه إلى ما لا يَريبُه، ومَن ترَك الشُّبُهاتِ استَبْرَأ لدِينِه وعِرضِه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وقد روى ابنُ دينار عن مَعْنٍ عن مالك، فيمن كَتَّفَه الوَالِي، وحَبَسَه، فمَنَعَه من الصلاة حتّى خرج الوقت؟ : "ليس عليه إعادة" (¬1). وهذه رواية مُنكَرة، وقياسُه على المُغمَى عليه لا وجه له. وروى ابنُ القاسم عن مالك في هذا وفي المهدم عليه البيت: "أنّهم يُعِيدون إذا خَرَجوا؛ لأنّهم كانت معهم عقولُهم"، وهذا هو الصحيح عندنا وعليه القياس. * * * ¬

_ (¬1) انظره في: "الاستذكار" (1/ 305)، و"التمهيد" (19/ 275 - 276)، قال ابن عبد البرّ: "وإلى هذه الرواية - والله أعلم - ذهب ابن خويز منداد؛ لأنّه قال: "في الصحيح من مذهب مالك: أنّ كلّ من لم يقدر على الماء، ولا الصعيد حتّى خرج الوقت أنّه لا يصلّي ولا إعادة عليه"، قال: "ورواه المدنيّون عن مالك؛ وهو الصحيح من مذهبه". قال أبو عمر ابن عبد البرّ: لا أدري كيف أقدم على أن جعل هذا الصحيح من مذهب مالك مع خلافه جمهور السلف وعامّة الفقهاء وجماعة المالكيّين؟ وأظنّه ذهب إلى ظاهر حديث مالك في هذا في قوله: "وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فنام رسول الله حتّى أصبح"، وهذا لا حجّة فيه؛ لأنّه لم يذكر أنّهم لم يصلّوا، بل فيه: نزلت آية التيمّم". اهـ

6 - الحديث السادس: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين

الحديث السادس حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "فُرِضَتِ الصّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ وَالسُّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "الصحيح" [كتاب الصلاة (1090) باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء؟ ]، وفيه: "قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ؟ قال: تأوّلت ما تأوَّل عثمان"، وأخرجه في [مناقب الأنصار (3935) باب التاريخ من أين أرّخوا التاريخ]، وأخرجه مسلم [كتاب صلاة المسافرين وقصرها (685) باب صلاة المسافرين وقصرها]، وفي حديث الزهري: "فقلت لعروة: ... " كما ذكره البخاري؛ من حديث عروة عن عائشة مرفوعًا. وأخرجه مسلم من حديث ابن عبّاس في الكتاب والباب نفسه، ورقمه (687) من طريق مجاهد وموسى بن سلمة الهذلي عنه به. وأخرجه البخاري - أيضًا - من حديث ابن عمر في [كتاب تقصير الصلاة (1102) باب من لم يتطوّع في السفر دبر الصلاة وقبلها]، ومسلم في الكتاب والباب السابق، ولفظه: عن حفص بن عاصم قال: صحبت ابن عمر في طريق مكّة، قال فصلّى لنا الظهر ركعتين، ثمّ أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلّى، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبّحون، قال: "لو كنت مسبّحًا لأتممت صلاتي؛ يا ابن أخي، إنّي صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثمّ صحبت عثمان فلم يزد حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ".=

فالجواب: إنّ الكلام في هذا الحديث يطول، وقد ذكرنا في كتابنا "التمهيد" وفي "الاستذكار" - أيضًا - ولكن نَذكُر منه هاهنا جُمَلاً كافية إن شاء الله تعالى، فنقول: إنّ هذا الحديث ليس على ظاهره إن صحّ معبره (¬1)؛ لأنّ هناك آثارًا كثيرة تدفعه، فأمّا إسناده وصحّته من جهة النقل فلا مقال فيه لأحد. ¬

_ = وأخرج هذه الرواية الإمام أحمد، وأخرجها من طريق أخرى (2/ 44 - 45) من طريق خُبيب ابن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم به بلفظ: "وخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يصلّي صلاة السفر، يعني ركعتين، ومع أبي بكر وعمر وعثمان ستّ سنين من إمرته، ثمّ صلّى أربعًا". قال الألباني في "الإرواء" (3/ 4): "ورواية خبيب هذه - وهو ثقة - تبيّن خطأ قول عيسى بن حفص في روايته عن عثمان: "فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله"، فقد زاد عليهما في آخر أمره، كما في هذه الرواية الصحيحة عن حفص، وقد تابعه جماعة، ولذلك أنكر بعض المحقّقين قول عيسى هذا". (¬1) المقصود به عبارة الحديث، أي متنه، والمعنى - والله أعلم - إن صحّ ظاهر الحديث على أنّ القصر في الصلاة فرض؛ لأنّه قال في "التمهيد" (11/ 174): "وحسبك بتوهين ظاهر حديث عائشة وخروجه عن ظاهره مخالفتها له، وإجماع جمهور فقهاء المسلمين أنّه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم". قلت: إسناد حديث عائشة يصحّحه الحافظ ابن عبد البرّ، حيث يقول (16/ 293): "هذا حديث صحيح الإسناد عند جماعة أهل النقل، لا يختلف أهل الحديث في صحّة إسناده". وتوهين الحافظ المتن بمخالفة عائشة وعملها بخلاف مقتضاه يردّه رواية ابن عبّاس وابن عمر عملهما بوفقه، وإنكارهما على من أتمّ، خاصّة ابن عمر، وكذا ما صحّ عن عروة لمّا سئل عن سبب إتمام عائشة - وهو من أعرف الناس بها - قال: "تأوّلت ما تأوّل عثمان".

فمِمَّا يُوهِن هذا الحديث أنّ ظاهرَه يوجب قصرَ الصلاة فرضًا وعائشة التي جاءت به - رضي الله عنها - عَمِلت بخلافه، وعَمَلُها بخلافه مشهورٌ عنها، ولا تحذر تعمل بخلافه إلاّ لأنّه عندها وَهَم رجعتْ عنه، أو لمعنى يُزيلُه عن ظاهره؛ لأنّه خَبرٌ لا يجوز فيه النسخ، لاستحالة نسخ الأخبار، وإنّما يُنسَخ الأمر والنهي. وإمّا لكثرة الرجوع عنه (إقرارًا) (¬1) بالوهم والنسيان، فمن هاهنا رفَع العلماء جوازَ النسخ على ما كان مخرجه مخرج الخبر في الكتاب والسنّة، فقِفْ على هذا الأصل. ذكر عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: "أنّها كانت تتمّ في السفر" (¬2). فإن قال قائل: إنّ عائشة - رضي الله عنها - إنّما أتَمَّت في السفر لأنّها أمِّ المؤمنين؛ فحيث نزلتْ فهي عند بيتها وكأنّه مَنْزلها؟ قيل له: هذا تأويل فاسد لا وجه له، ولا يجوز مثله أدْ يتأوَّل على عائشة - رضي الله عنها - لِمَا فيه من خلاف السنّة والإجماع؛ لأنّه لو كان نزولها حيث نزلت مَنْزلاً لها لأنّهم بَنُوها لَما جاز لها القصر أصلاً لأنّها في مَنْزلها. وقد أجمع المسلمون أنّ القصر كان لها مباحًا في سفرها، وأكثرهم يقول: لا ينبغي ترك القصر، ولو كان ذلك كذلك ما قصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو المؤمنين، وبه صارت ¬

_ (¬1) في الأصل: "إقرار"، والمثبت أقرب إلى الصواب، على أنّه منصوب على التمييز. (¬2) أخرجه في "المصنّف" (2/ 561/ 4461)، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 452) من طريق عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة به، وهذان الإسنادان صحيحان.

عائشة أمِّ المؤمنين؛ ألا ترى في قراءة أُبيّ بن كعب - رحمه الله -: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِيِنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لهُمْ" (¬1). وقد كان للمؤمنين أمّهات عدّة (يسافرن) (¬2) في الحجّ والعمرة وغيرها، فما بَلَغَنا عن واحدة منهنّ أنّها تأوّلَت هذا التأويل. وقد تأوّلت طائفة على عائشة - رحمها الله - تأويلاً أضعف من هذا، لا يليق منّا قَبوله ولا ذكره، ولا يليق بنا مثله. والذي يجوز أن يُتَأوّل عليها ما قد وافقها فيه غيرُها، فقد أتَمَّ الصلاة في السفر جماعةٌ من السلف الصالح منهم عثمان بن عفّان وسعد بن أبي وقّاص (¬3) وغيرهما. ¬

_ (¬1) وذكر ابن كثير والقرطبي وغيرهما هذه القراءة في تفاسيرهم، عند قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} من الآية نفسها، وهي قراءة لابن عبّاس - أيضًا - كما ذكر ذلك المصنّف في "التمهيد" (11/ 171)، وكذا المفسّرون عند هذه الآية. (¬2) في الأصل: "يسافرون"، والصواب المثبت، لتعيّن التأنيث. (¬3) أخرجه عبد الرزّاق (2/ 560 - 561) ورقمه (4459 و 4460)، والطحاوي (1/ 424) مختصرًا؛ عن أبي بكرة عن روح عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: "أيّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوفي الصلاة في السفر فقال: لا أعلمه إلاّ عائشة - رضي الله عنها - وسعد بن أبي وقاص". أقول: وهذا إسناد منقطع؛ لأنّ عطاء لا يذكر له سماع من سعد، فهو بهذا مرسل، وقد قال الحافظ في ترجمته في "التقريب": "ثقة فقيه فاضل لكنّه كثير الإرسال". أخرج الطبري في "تهذيب الآثار" (2154) قال: حدّثنا ابن المثنّى حدّثنا محمّد بن جعفر حدّثنا شيبة عن عبد الرحمن بن القاسم حدّثنا شيخنا - يعني: ابن أبي مليكة - عن المسور بن مخرمة عن أبي مخرمة: "أنهم كانوا يصلّون مع سعد بقرية من قرى الشام أربعًا، وسعد يصلّي ركعتين"، وهذا إسناد صحيح.=

وقد تُؤُوِّل على عثمان في إتمامه تأويلات لم يُرْوَ شيءٌ منها عنه، وإنّما هي ظنون وتوجيهات، والله أعلم (¬1). وقد عاب ابن مسعود على عثمان بالإتمام في سفره ثمّ أدام عثمان الصلاة، وفي ذلك الوقت يصلّي ابن مسعود خلفه وأتمّ معه، فقيل له: أنت تَعِيبُه بالإتمام وتتمّ معه؟ فقال: "الخلافُ شرٌّ" (¬2). فلو كان القصر عند ابن مسعود فرضًا لم يتمّ معه ولم يُصَلِّ خلفَه، ولكنّه كان عنده والله أعلم - سنّة ورخصة، فكَرِه خلاف إمامه فيما قد أبيح له، ومثل قصّة ابن مسعود هذه حديث سلمان. ¬

_ = وأخرجه الطحاوي من طريقين (1/ 419 - 420)، في الأوّل منهما حبيب بن أبي ثابت، مدلّس ولم يمرّح بالسماع، وفي الثاني رجل مبهم؛ لأنّ مالكًا قال: عن الزهري أنّ رجلاً أخبره، وفِي هذين الطريقين: "قيل لسعد: نراك تقصر؟ فيقول: نحن أعلم". (¬1) ذكر المصنف في "التمهيد" بعضها، وذكرها ابن القيّم في "زاد المعاد" (1/ 451 - 453)، فمنها: • أنّه أخذ بالمباح في ذلك، إذ للمسافر أن يقصر وأن يتمّ، كما كان له أن يصوم وأن يفطر. • أنّه إنّما أتمّ في السفر لأنّه كان له في تلك المنازل أهل ومال. • إنّما أتمّها خوفًا من أن يتّخذها الأعراب سنة، ويعتقدوا أنّ فرض الصلاة ركعتين مطلقًا. • أنّه أزمع أن يعتمر بعد الحجّ أي: نوى الإقامة بعد الحجّ. (¬2) أخرجه البخاري في [كتاب تقصير الصلاة (1084) باب الصلاة بمنى]، وكذا في [الحجّ (1657) باب الصلاة بمنى]، وأخرجه مسلم في [صلاة المسافرين وقصرها (695) باب قصر الصلاة بمنى]، وأخرجه أبو داود في [المناسك (1960) باب الصلاة بمنى، وزاد: "قال الأعمش: فحدّثني معاوية بن قرّة عن أشياخه: أنّ عبد الله صلّى أربعًا، قال: فقيل له: عبت عثمان، ثمّ صلّيت أربعًا؟ ! قال: الخلاف شرّ". قال الألباني: "صحيح"، كما في "صحيح أبي داود" ورقمه (1726).

وذكر عبد الرزّاق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن ابن أبي ليلى الكِنْدي عن سَلمان: "أنّه كان مع قوم في السفر فحضرت الصلاة، فقالوا له: صلِّ، فقال: إنّا لا نَؤُمُّكم ولا نَنكِح نساءَكم، وأبى، فتقدّم رجل من القوم فصلّى أربع ركعات؛ فلمّا سلّم قال سلمان: ما لنا وللمُرَبَّعة؟ إنّما كان يكفينا نصف المربَّعة، ونحن إلى الرخصة أحوج" (¬1)، فلم يُعِد سلمان الصلاة، وأخبر أنّ القصر رخصة فتدبّر. ومِمّا يقدح في حديث عائشة إتمامها في السفر، ومثله - أيضًا - إجماع الفقهاء على أنّ المسافر إذا صلّى خلف المقيم وأدرك معه ركعة تامّة أنّه يصلّي أربعًا، ولو كان فرضُ المسافر ركعتين لم ينتقل إلى أربع مع إمامه، كما أنّ المقيم إذا صلّى به المسافر لا ينتقل فرضه للائتمام بإمامه، بل يتمّ صلاته بعد سلام إمامه المسافر كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[و] (¬2) عمر بعده، حيث قالا بمكة - كلّ واحد منهما في وقته لمن صلى معهما من المقيمين وهما مسافران: "أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سُفْرٌ" (¬3)، ولم يبلغنا أنّ أحدًا من علماء المسلمين نهى ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزّاق في "المصنّف" (2/ 4283/52)، وابن أبي شيبة (2/ 204/ 8160)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 419)، والبيهقي في "الكبرى" (2/ 144)، كلّهم من طريق أبي إسحاق - وهو السبيعي - عن أبي ليلى الكندي به، وهو صحيح. (¬2) ليست بالأصل وهي متعيَّنة. (¬3) أخرجه أبو داود في [كتاب الصلاة (1229) باب متى يتمّ المسافر؟ ]، والإمام أحمد في "المسند" (4/ 432)، والطيالسي (1/ 124، 125)، والبيهقي في "الكبرى" (3/ 135) من حديث عمران ابن حصين قال: "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهدت معه الفتح، فأقام بمكّة ثماني عشرة ليلة لا يصلّي إلاّ ركعتين، ويقول: "يا أهل البلد صلّوا أربعًا، فإنّا قوم سَفْر"". ومدار هذه الأسانيد على علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ولهذا ضعّفه الألباني، كما في "ضعيف أبي داود".=

المسافر إذا أقيمت عليه في الحضر الصلاة في المسجد عن الدخول معهم. وهذا كلّه يَدُلُّك على أنّ القصر ليس بفرض عندهم، وإنّما هو سنّة وإباحة، وحَدَّثَت عائشةُ أحاديثَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فمنها حديث عمر بن الخطّاب أنّ يَعْلى ابن أُمَيّة قال له: "ما لنا نقصر الصلاة في السفر ونحن آمنون، وقد قال الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}، ونحن نَجِد أَمْنًا؟ فقال عمر: عجبتُ مِمّا عجبتَ منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ"" (¬1). وهذا يدلّ على أنّ القصر رحمة وتوسعة وسنّة مسنونة. ومنها حديث المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَامَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ، وَأَتَمَّ الصَّلاَةَ وَقَصَرَ" (¬2). ¬

_ = وأما الموقوف على عمر، فقد أخرجه مالك في الموطّأ - رواية يحيى - كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة المسافر إذا كان إمامًا، أو كان وراء إمام. (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" [كتاب صلاة المسافرين وقصرها (686) باب صلاة المسافرين وقصرها"، لكن من رواية ابن أبي عمّار عن عبد الله بن بابية عن يعلى بن أميّة، ولم أجده من رواية عائشة عن عمر. (¬2) أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" (3/ 141، 142)، وابن أبي شيبة (2/ 452)، والبزّار (1/ 329)، والدارقطني (2/ 189)، والطحاوي (1/ 241) من طريق المغيرة بن زياد به. ومغيرة بن زياد الموصلي، أبو هاشم، قال أحمد: "ضعيف الحديث، حدّث بأحاديث مناكير"، وقال: "مضطرب الحديث ومنكر"، وقال: "أحاديثه مناكير"، وقال: "كلّ حديث رفعه مغيرة فهو منكر". وسأل عبدُ الله بن أحمد أباه عن هذا الحديث: يصحّ؟ فقال: "له أحاديث منكرة"، وأنكر هذا الحديث "مسائل عبد الله" (107). =

وحديث طلحة [بن] (¬1) عمرو عن عطاء عن عائشة قالت: "كِلاَ اْلأَمْرَيْنِ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ قَدْ صَامَ وَأَفْطَرَ، وَأَتَمَّ وَقَصَرَ فِي السَّفَرِ" (¬2). ومنها - أيضًا - حديث أنس بن مالك الأنصاري: " [إنّا معاشر] (¬3) أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسافر فيُتِمّ بعضنا ويَقْصُر بعضنا، ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا، فلا يعيب أحدٌ منّا على صاحبه" (¬4). ¬

_ = ووثّقه وكيع، وقال ابن معين: "ليس به بأس، ثقة"، وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالمتين عندهم" "الكامل" (6/ 2353). وقال الهيثمي: "فيه المغيرة، واختلف في الاحتجاج به" "المجمع" (2/ 157). (¬1) في الأصل: "و"، والمثبت هو الصواب. (¬2) أخرجه الدارقطني (2/ 189)، ومن طريقه البيهقي (3/ 142)، وقال الدارقطني: "طلحة ابن عمرو ضعيف". (¬3) ساقطة من الأصل، وموضعها فيه بياض، واستدركتها من "سنن البيهقي" كما سيأتي. (¬4) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (3/ 145)، وفيه زيد بن الحواري أبو الحواري العمّي البصري، قاضي هراة، يقال: اسم أبيه مرّة، قال الحافظ في "التقريب": "ضعيف". وفيه - أيضًا - عمران بن زيد التغلبي، قال ابن معين: "ليس يحتجّ بحديثه" في رواية الدوري، وفي رواية له - أيضًا - عن ابن معين: "ليس به بأس"، وقال ابن محرز عنه: "ضعيف"، وقال أبو حاتم: "شيخ يكتب حديثه، ليس بالقويّ"، وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وذكره في "المجروحين"، ووهم في اسمه، فقال: "عمران بن يزيد التغلبي" انظر: "تهذيب الكمال"، وقال الحافظ في "التقريب": "ليّن"، لكن قال: "الثعلبي" بدل التغلبي، ولعلّه خطأ؛ لأنّ كلّ من ترجم له قال: "التغلبي" - والله أعلم. قال ابن عبد البرّ في "التمهيد" (11/ 173) بعد إيراد هذين الحديثين: "وإن كان زيد العمّي وطلحة بن عمرو مّمن لا يحتجّ بهما، فإنّ الأحاديث الثابتة، والاعتبار بالأصول تصحّح ما جاءا به مع فعل عائشة رحمها الله تعالى".=

وقد ذكرنا هذه الآثار وغيرها في كتاب "التمهيد" باب ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن (أسيد) (¬1)، فاقتصرنا ها هنا على المتون دون الأسانيد بشرط الاختصار والفرار من الإكثار. ومنها - أيضًا - حديث عمرو بن أميّة الضمري (¬2) وحديث الجُرَشِي (¬3)، ومنها حديث أنس بن مالك القُشَيري: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاَةِ" (¬4)، وظاهر قوله: "وضع" أنَّ ذلك فيما قد كان وجب ¬

_ = قلت: وقد ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية الاحتجاج بهذين الأثرين وغيرهما ممّا فيه أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أتمّ في السفر أو أقرّ الإتمام بحضرته بقوّة، يراجع له: "مجموع الفتاوى" (24/ 144 - 159)، أو "مجموعة الرسائل والمسائل" (2/ 77 - 99)، أو " الفتاوى الكبرى" (2/ 99 - 204). (¬1) في الأصل (أسد) وهو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي المكي ت (87) أو (86) انظر تهذيب التهذيب، وانظر الآثار التي أحال عليها المصنف فيه (11/ 170 - 173). (¬2) حديث عمرو بن أميّة الضمري أخرجه الدارمي في الصيام (1/ 342)، والطحاوي (1/ 423)، كلّهم من طريق الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن أبي أميّة الضمري، وهو صحيح. (¬3) هو: ربيعة بن عمرو، ويقال: ابن الحارث، الدمشقي، أبو الغاز الجرشي، مختلف في صحبته، قتل يوم مَرْج راهط سنة (64)، وكان فقيها، وثّقه الدارقطني وغيره. انظر: "الاستيعاب" (2/ 493)، و"أسد الغابة" (2/ 215)، و"الإصابة" (1/ 510)، و"تقريب التهذيب"، ولم أجد حديثه الذي أشار إليه المصنّف. (¬4) أخرجه الإمام أحمد (4/ 347، 5/ 29)، وابنه عبد الله (4/ 374)، وأبو داود في [الصوم (2408) باب اختار الفطر]، والترمذي في [الصوم - أيضًا - (715) باب الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع]، وقال: "حديث حسن، ولا يعرف لأنس هذا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث"، والنسائي (2276)، وابن ماجه (1667)، وابن خزيمة (3/ 267 - 268)، والطحاوي (1/ 423)، كلّهم عن أبي هلال =

فوضع منه أو فيه. هذا التأويل دليل على أنّ الصلاة لم تفرض ركعتين ركعتين كما قالت عائشة. وقد قال بأنّ الصلاة فرضت أربعًا أربعًا (حين) فرضت، وصلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر ركعتين جماعة من أهل العلماء، منهم ابن عبّاس ونافع بن جبير بن مطعم والحسن البصري؛ كلّهم يزعم أنّ الصلاة أوّل ما فرضت أربعًا، وذلك اليوم الذي أصبح فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ليلة أُسْرِي به، أتاه جبريل فصلّى به عند البيت الصلوات، بدأ بالظهر وختم بالصبح في يومين أربع ركعات أربع ركعات إلاّ المغرب والصبح. ولا يَختَلِف أهلُ السير بالأثر أنّ الصلاة لم تُفرَض إلاّ بالإسراء، وأنّ جبريل نزل على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صبيحةَ تلك الليلة وقتَ الظهر، فصلّى به على هيئة صلاتنا اليوم، وهذا كلّه من قولهم يدفع حديث عائشة أو يصرفه عن ظاهره. وقد ذكرنا ما للعلماء في هذا الباب من الآثار والأقوال مُسْتَقصى في كتاب "التمهيد" (¬1). وهذا الذي ذكرتُ لك مذهبُ مالك بن أنس وأكثر أصحابه وأهل المدينة. ¬

_ = الراسبي محمّد بن سليم عن عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك الكعبي، وأبو هلال الراسبي صدوق فيه لين، كما قال الحافظ في "التقريب"، وقال صاحبًا "تحرير التقريب": "بل ضعيف يعتبر به". وللحديث شاهد من طريق أيّوب عن أبي قلابة عن أنس أخرجه أحمد (5/ 29)، وابن خزيمة (2/ 268) عن إسماعيل بن عليّة عن أيّوب قال: "كان أبو قلابة حدّثني هذا الحديث، ثمّ قال لي: هل لك في الذي حدّثنيه فدلّني عليه، فلقيته قال: حدّثني قريب لي يقال له: أنس"، وفيه الجهالة والواسطة. والحديث حسّنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" ورقمه (1835). (¬1) انظر: "التمهيد" (16/ 293 - 318).

حكى أبو الفرج القاضي (¬1) عن أبي المصعب الزهري عن مالك قال: "القصر في السفر للنساء والرجال سنّة". ثمّ قال أبو الفرج: "فلا معنى للاشتغال بالاستدلال على مذهب مالك مع ما ذكره أبو المصعب عنه أنّ القصر عنده سنّة لا فرض". ومِمّا يدلّ على ذلك من مذهبه أنّه لا يرى الإعادة على مَن أتمّ في السفر إلاّ في الخوف (¬2). قال أبو عمر: أصل القصر في السفر مع الخوف خرج مخرج الإباحة والرخصة لقوله - عز وجل -: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، ثمّ سَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - القصر في السفر أَمْنًا، فهو على ذلك الأصل، والله أعلم. وقد رُوِّينا عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - والقاسم بن محمّد أنّهما قالا [بذلك] (¬3). [حدّثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدّثنا قاسم، (¬4) ابن أصبغ ¬

_ (¬1) أبو الفرج بن العطّار القاضي، فقيه، أديب، من الموصوفين بالدهاء، والبلاغة والحذق، وكان رئيسًا محتشمًا، توفّي بعد الأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في: "بغية الملتمس" (ص 460 رقم 1545) للضبي، و"جذوة المقتبس" (ص 363 رقم 951)، وقال: "رأيته في حدود الأربعين وأربعمائة"، و"التكملة لكتاب الصلة" (4/ 65 - رقم: 180). (¬2) هذا كلّه ذكره ابن عبد البرّ في "التمهيد" (16/ 317). (¬3) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها لتمام المعنى. (¬4) الزيادة من "التمهيد" (16/ 302) والسياق يقتضيها، والأثر أخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد". وكذا أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 135) من طريق مالك بن مغول عن أبي حنظلة به، إلاّ أنّه قال: "ونحن آمنون"، بدل: "ونحن نجد الزاد والمزاد"، وأخرجه - أيضًا - في (2/ 20)، وكذا الدولابي في "الكنى" (1/ 160) من طريق يحيى بن سعيد القطّان عن إسماعيل - أعني: ابن أبي خالد - عن أبي حنظلة به. =

قال: ثنا عبد الله بن روح المدائني قال: ثنا عثمان بن عمر قال: أبنا مالك بن مِغول عن أبي حنظلة الحذّاء قال: "قلت لابن عمر: أصلّي في السفر ركعتين والله تعالى يقول: {إِنْ خِفْتُمْ}، ونحن نجد الزاد والمزاد، فقال: كَذَلِكَ سَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ". حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال: ثنا قاسم بن أصبغَ قال: [ثنا عبد الله ابن روح المدائني، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ] (¬1) ثنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة قال: "سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتين، قلت: فأين قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ونحن آمنون؟ فقال: سُنَّهُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " (¬2). وروى قتادة عن صفوان بن (محرز) (¬3) أنّه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: "رَكْعَتَانِ، سُنَّةُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " (¬4). ¬

_ = وكذا أخرجه من غير طريق يحيى عن إسماعيل، انظر: (2/ 31)، (2/ 57)، و (2/ 84)، وسمّاه شعبة فيه: حكيم الحذاء وغيرها. وإسناد هذا الحديث مداره على أبي حنظلة الحذاء، قال الحافظ في "تعجيل المنفعة" (2/ 444): "هو معروف، يقال له الحذاء، ولَم يُسَمَّ ... ولا أعرف فيه جرحًا، بل ذكره ابن خلفون في "الثقات" "، وعليه يكون حديثه حسنًا؛ لأنّه روى عنه ثقتان: إسماعيل بن أبي خالد، ومالك بن مغول، وذكره ابن خلفون في "الثقات"، والحديث صحيح لغيره والله أعلم. (¬1) غير موجود بالأصل، والسند بدونه فيه خلل، كما هو في الإسناد الذي قبله مباشرة. (¬2) سبق تخريجه والكلام عليه في الحديث الذي قبله. (¬3) في الأصل: "محمّد"، وهو خطأ؛ لأنّي لم أجد في الرواة عنه من اسمه صفوان بن محمّد، وكذا هو - أي: ابن محرز - في "شرح معاني الآثار"للطحاوي. (¬4) أخرجه الطحاوي (1/ 422) - وفيه: عن عمر، وهو خطأ - بلفظ: "الصلاة في السفر ركعتان من=

وروى ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكير (¬1) بن الأشجّ عن القاسم بن محمّد أنّ رجلاً قال له: "عجبتُ من عائشة حين كانت تصلّي أربعًا في السفر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلّي ركعتين؟ ! فقال له القاسم: عليك بسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنّ مِن النّاس مَن لا يُعاب" (¬2). ومثل هذا حديث عبد الله بن عمر - أيضًا - إذ سأله أُمَيَّة بن عبد الله ابن خالد ابن أسيد فقال له: "إنّا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر؟ فقال له عبد الله بن عمر: يا ابن أخي؛ إنّ الله بعث إلينا محمّدًا - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم شيئًا، وإنّما نفعل كما رأيناه يفعل" (¬3). ¬

_ = خالف السنة كفر"، ولم أجده باللفظ الذي ذكره المصنّف، والحديث فيه قصّة، أوّلها: "عن صفوان ابن محرز أنّه سأل ابن عمر - رضي الله عنه - عن الصلاة في السفر؟ فقال: أخشى أن تكذب عليّ، ركعتان، من خالف ... " وذكر الحديث. والمقصود بالكفر هنا كفر النعمة التي أنعم الله بها من التخفيف، أفاده الخفاجي في "نسيم الرياض على الشفا للقاضي عياض" رحمهما الله. (¬1) في الأصل: "بكر"، والصواب المثبت، ينظر كتب التراجم كالتهذيب وغيره. (¬2) لم أجده. (¬3) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 94) وابن خزيمة في "الصحيح" (1/ 72)، وابن حبّان كما في "الإحسان" (3/ 6 - العلمية)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 258)، وقال: "رواته مدنيّون ثقات"، كلّهم من طريق الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أميّة به. ورواه مالك في "الموطّأ" رواية يحيى (1/ 145) لكن عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد عن ابن عمر به، قال ابن عبد البرّ في "التمهيد" (11/ 161): " هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك، =

ولم يقل ابن عمر للسائل قالت عائشة: إنّ الصلاة في السفر والحضر هكذا فرضت. فإن قال قائل: إنّ عمر بن الخطّاب قد قال: "صَلاَةُ المُسَافِرِ رَكعَتَانِ تَمَامٌ غيرَ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيَكُمْ - صلى الله عليه وسلم - " (¬1). ¬

_ = ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث أيضًا؛ لأنّه لم يسمّ الرجل الذي سأل ابن عمر، وأسقط من الإسناد رجلاً ... وهذا الحديث يرويه ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أميّة بن عبد الله بن خالد بن عبد الله ابن أسيد عن بن عمر". وقال الدارقطني: خالفه - أي مالك - جماعة من أصحاب الزهري، منهم: يونس، وعقيل، ومعمر، والليث بن سعد، وفليح بن سليمان، وغيرهم، فرووه عن الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد ... ، وهو الصواب. انظر الأحاديث التي خولف فيها مالك: (ص 50)، والعلل له: (4/ ل: 75/ ب). (¬1) أخرجه أحمد (1/ 37)، والنسائي في الجمعة (3/ 111)، باب عدد صلاة الجمعة، وفي تقصير الصلاة في السفر (3/ 118)، وفي العيدين (3/ 183) باب عدد صلاة العيدين، وابن ماجه في الإقامة (1063) باب تقصير الصلاة في السفر، والبيهقي (3/ 199 - 200)، والطحاوي (1/ 421 - 422)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 353)، وأبو يعلى (241) من طرق عن زبيد بهذا الإسناد. وأخرجه ابن ماجه في الإقامة (1064)، والبيهقي (3/ 199) من طريق يزيد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر. والحديث قد أعلّ بالانقطاع، قال النسائي بعد الرواية الأولى: "عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر"، وقال أحمد بعد رواية الحديث: "قال سفيان: وقال زبيد مرّة: أراه عن عمر، قال عبد الرحمن على غير وجه الشكّ، وقال يزيد - يعني: ابن هارون -: ابن أبي ليلى قال: سمعت عمر". والذين رووه عن زبيد دون ذكر كعب كما في "الحلية" هم: سماك بن حرب والثوري وشعبة وشريك وعليّ بن صالح والجرّاح أبو وكيع وعمرو بن قيس الملائي وخلق ذكرهم. =

وفي هذا دليل على أنّها لا قصر فيها وإنّما هكذا فرضت؟ قيل له: لا دليل فيه على ما ذكرت؛ لأنّ عمر هو الذي روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ القصر صدقة تصدّق الله بها على عباده، يعني: توسعة ورخصة ورحمة. ومعنى حديث عمر - والله أعلم - إن صحّ عنه: "إنّ صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر"، يعني: إنّ ذلك تمام في الأجر غير نقص منه، وتمام في أداء فريضة غير نقص منها (¬1) بها كمَن صلّى أربعًا في الحضر سواء؛ كلٌّ قد أدّى فرضه وكُتب له أجرُه، هذا ما لا يدفع احتماله، والله أعلم. على (أنّه) (¬2) حديث كوفي، وقد اختُلِف في إسناده. ¬

_ = وأمّا سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر فقد اختلف فيه اختلافًا كبيرًا، وسبب ذلك والله أعلم اختلافهم في تحديد مولده، فقد نقل بعض المؤرّخين أنّه ولد لستّ سنين بقين من خلافة عمر، كما في "تاريخ بغداد" (10/ 200)، و"التهذيب" وفروعه، وعند هؤلاء لم يصحّ سماعه. بينما نقل آخرون أنّه ولد قبل ذلك، قال أبو نعيم في "الحلية" (4/ 353): "ولد في خلافة أبي بكر، وأسند عن عمر"، وقال الذهبي في "السير" (4/ 263): "ولد في خلافة الصدّيق - أو قبل ذلك - وحدّث عن عمر ... وقيل - هكذا على التمريض، والذهبي من أهل الاستقراء التامّ، وله الباع الطويل في هذا وفي نقد الروايات -: بل ولد في وسط خلافة عمر"، وقال مسلم في مقدّمة "الصحيح" (1/ 34): "وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد حفظ عن عمر بن الخطّاب"، والله أعلم. وعلى هذا يكون الحديث صحيحًا، وقد صحّحه الشيخ الألباني كما في "الإرواء" (638). (¬1) كذا بالأصل. (¬2) في الأصل: "أن"، والصواب المثبت.

فإن قال: إنّ ابن عبّاس يقول: "فُرِضت الصلاة في الحضَر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" (¬1)، وفي هذا دليل على أنّ صلاة السفر هكذا فُرِضَت ركعتين، وهو فرضها؟ قيل له: حديث ابن عبّاس هكذا يعارض حديث عائشة؛ لأنَّه يقول: إنّها فُرِضت في الحضر أربعًا، وعائشة تقول: فرضت في السفر والحضر ركعتين، ثمّ زِيد في صلاة الحضر. وقد يكون معنى قول ابن عبّاس: "فُرِضت" يعني: قُدِّرت، والمقرُّ حكمُها، كما يقال: فَرَض القاضي نفقة اليتيم والزوجة كذا وكذا، بمعنى قَدَّرها وحكم بها، لا أنّه أوجبها، ومن أصحابنا وغيرهم مَن جعل قصر الصلاة في السفر فرضًا، والذي اختاره أبو الفرج أنّها سنّة لرواية أبي المصعب ذلك عن مالك فلا معنى للاشتغال بجعلها في حَيِّز الفروض، واحتجّ بالإجماع على جواز إتمامها خلف المقيم؛ قال: ولو كان القصر مفروضًا لمَا جاز للمسافر أن يُتِمَّ في حال سفره خَلْف مقيم ولا غيره، كما أنّ الإتمام لها لو كان على (المسافر) (¬2) مفروضًا لم يَجُز له الاقتصار على صلاة المسافر، وهذا المعنى قد ذكرناه فيما سلف من هذا الباب. واحتجّ أبو الفرج - أيضًا - بحديث أنس: "سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمنَّا المفْطِرُ وَمنَّا المقَصِّرُ، فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدٌ مِنَّا عَلَى صَاحِبِهِ" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "الصحيح" [كتاب صلاة المسافرين وقصرها (687) باب صلاة المسافرين وقصرها]. (¬2) في الأصل: "الحاضر"، وهو خطأ واضح. (¬3) مضى تخريجه (ص 143).

قال أبو عمر: وهذا حديث انفرد به العمّي (¬1) وليس بالقويّ، والصواب عندي في هذا الباب أنّ قصر الصلاة في السفر من السنن المؤكّدة التي لا ينبغي تَرْكُها ولا الرَّغْبَة عنها، وأنّ الفضل في إتيانها، وبالله التوفيق. ذكر عبد الرزّاق عن ابن جريج عن عطاء قال: "لا أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتمّ الصلاة في السفر إلاّ سعد بن أبي وقّاص"، قال: وكانت عائشة تُوفي الصلاة في السفر وتصوم، قال: وسافر سعد بن أبي وقّاص ونفر من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأتمّ سَعدٌ الصلاة وصام، وقصَر القوم وأفطروا، فقالوا لسعد: كيف نُفطِر ونَقصُر الصلاة وأنتَ تُتِمُّها وتصوم؟ فقال: دُونكُم أمركم، فإنّي أَعلَمُ بشأني. قال عطاء: فلم يُحرِّمْه عليهم سعد، ولم يَنْهَهُم عنه، قال ابن جريج: فقلت لعطاء: فأيُّ ذلك أحبُّ إليك؟ قال: قصرها، وكلّ ذلك قد فعل الصالحون" (¬2). والاختيار عن الثوري عن عاصم عن أبي قلابة أنّه كان يقول: "إن صلّيت في السفر أربعًا فقد صلاّها مَن لا بأس به، وإن صلّيت ركعتين فقد صلاّها من لا بأس به" (¬3). ¬

_ (¬1) هو: زيد بن الحواري أبو الحواري العمي، البصري، قاضي هَراة، يقال: اسم أبيه مرّة، ضعيف من الخامسة. (¬2) سبق تخريجه (ص 139). (¬3) أخرجه عبد الرزّاق (2/ 561/ 4464) بهذا الإسناد مختصرًا دون جملة القصر، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 206/ 8188) من طريق عبدة عن عاصم به بلفظ: "إن صلّيت في السفر ركعتين فالسنّة، وإن صلّيت أربعًا فالسنّة"، وذكره البيهقي في "الكبرى" (2/ 144 - 145) قال: "وروينا جواز الأمرين عن سعيد بن المسيّب وأبي قلابة".

قال أبو عمر: وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصر أولى وأفضل إن شاء الله تعالى. حدّثني سعيد بن نصر قال: ثنا قاسم بن أصبغ قال: ثنا ابن وضّاح قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا ابن عُلَيَّة عن عليّ بن زيد عن أبي نضرة قال: "مرّ عمران بن حصين في مجلسنا، فقال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى المدِينَةِ، وَشَهِدتُّ مَعَهُ الفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لأَهْلِ الْبَلَدِ: "صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِئا سَفْرٌ"، وَاعْتَمَرْتُ مَعَهُ ثَلاَثَ عُمَر لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ" (¬1). فصل: ثمّ سألتَ كيف كان الإسراء: أَبِرُوحِه أو بجسده؟ فالجواب: إنّ الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثمّ إلى السماء كان وهو مستيقظ غير نائم، أُسْرِي به على حاله بجسده - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الصحيح عندنا (¬2)، ومِمّا يَدُلُّك على ذلك ¬

_ (¬1) سبق تخريجه والكلام عليه، انظر (ص 141). (¬2) تأوّل البعض حادث الإسراء والمعراج، فزعم أنّه رؤيا منامية، ومنهم من زعم أنّه بالروح وليس بالجسد، والصواب كما ذكر المصنّف وكما ثبت عن ابن عبّاس أنّها رؤيا عين بالروح والجسد، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، ينظر "صحيح البخاري" [كتاب التفسير، حديث رقم (4716)]، و"تفسير الطبري" (15/ 110) حول نفي سفيان بن عيينة أن تكون الرؤيا بالمنام، وهذا هو رأي جمهور العلماء أنّ الإسراء كان يقظة بروحه وجسده، مرّة واحدة، وأنّ الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة.=

[ما ذكره] (¬1) أهل السير: "أنّ أبا جهل وكفّار قريش أنكروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ادّعاه في إتيانه تلك الليلة بيتَ المقدس من مكّة، وذهبوا إلى أبي بكر، فقالوا: يا أبا بكر؛ هل لك في صاحبك يزعم أنّه قد جاء هذه الليلة بيتَ المقدِس وصلّى فيه ورجع إلى مكّة؟ قال: فقال أبو بكر: إنّكم تكذبون عليه، فقالوا: بل هو ذاك في المسجد يحدثّ به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك، والله إنّه ليخبرني الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا أعجب مِمّا تعجبون منه، ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبيَّ الله؛ أحدَّثتَ هؤلاء أنّك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ فقال: نعم؛ قال: يا نبيّ الله؛ صِفْهُ لي، فإنّي قد جئته؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فرفع لي حتّى نظرت إليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر: صدقتَ، أشهد أنّك رسول الله، كلّما وصف منه شيئًا قال: صدقتَ، أشهد أنّك رسول الله، أشهد أنّك رسول الله، حتّى إذا انتهى قال لأبي بكر: "وَأَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ"، فيومئذ سَمّاه الصدّيق" (¬2). ¬

_ = يراجع: "تفسير الطبري" (15/ 12، 14)، و"زاد المعاد" لابن القيّم (1/ 99، 3/ 34، 40)، و"السيرة النبوية الصحيحة" (1/ 192)، و"فتح الباري" تحت الحديث رقم (3886). (¬1) غير موجود بالأصل، وبها ينسجم الكلام. (¬2) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "زياداته على المسند" (1/ 309)، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 167 - 168، رقم 12782)، كما نقله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 69 - 70)، وقال: "رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير"، ورجال أحمد رجال الصحيح".=

ففي هذا الخبر، وهو مشهور مأثور ما يدلّك على أنّ الإسراء لم يكن بروحه في منامه، لأنّه - صلى الله عليه وسلم - لو قال لهم: إنّي رأيت البارحة في المنام أنّي أتيت بيت المقدس، ما أنكر ذلك عليه أَحَد؛ لأنّ الرؤيا لا يُنكِر ذلك منها مؤمن ولا كافر، لكن يدفعها ويجعلها من الطبائع، ولا يقول فيها بقول أهل الإسلام، والرؤيا وعبارتها في الجاهلية معلوم عندهم. ¬

_ = وكذا أخرجه البيهقي في "دلائل النبوّة" (2/ 360)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 62 - 63)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وانظر "المصنّف" لعبد الرزّاق (5/ 328). والرواية وردت مطوّلة عند الطبري من طريق ابن شهاب عن ابن المسيِّب وأبن سلمة بن عبد الرحمن "جامع البيان" (15/ 6)، والسيوطي في "الدر المنثور" (5/ 228). ملاحظة: قال مؤلّف "السيرة النبوية الصحيحة" الدكتور أكرم ضياء العمري (1/ 191): "وقد وردت قصّة الإسراء والمعراج مفصّلة مطوّلة من طريق ضعيفة متونها تشبه أخبار القصّاص"، وعزاها إلى "تفسير الطبري" (15/ 11 - 14)، و"مستدرك الحاكم" (2/ 571) بإسناد فيه أبو هارون العبدي، وهو متروك، كما في "التقريب"، وقال الذهبي - كما في "السيرة النبوية" (178 - 181) -: "هذا حديث غريب عجيب". وهناك رواية أخرى في "تفسير الطبري" (15/ 6 - 11) وفي إسنادها أبو جعفر الرازي، وهو عيسى ابن أبي عيسى صدوق سيّء الحفظ، كما في "التقريب"، وقد ضعّف البيهقي هذا الحديث كما في "الدلائل" (2/ 396 - 403)، وقال الذهبي - كما في "السيرة النبوية" له (ص 182) -: "تفرّد به أبو جعفر الرازي، وليس هو بالقويّ، والحديث يشبه كلام القصّاص، إنما أوردته للمعرفة لا للحجّة"، وقال ابن كثير - كما في "التفسير" (3/ 21): "في ألفاظه غرابة ونكارة شديدة". ومِمّا أنكره ابن كثير: الصلاة في بيت لحم، وسؤال الصدّيق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك.

ومِمّا يدلّك - أيضًا - على ذلك قول أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - في هذا الخبر لقريش حين قالوا له: إنّ صاحبك يزعم أنّه أتى بيت المقدس، فقال: إنّكم تكذبون عليه، وممكن عنده الرؤيا أكثر من ذلك من بلوغ خراسان وأقصى الأرض والصعود إلى الهواء ورؤية الله تبارك وتعالى وغير ذلك مِمّا يراه الكفّار في الرؤيا (¬1). وأبو بكر - رضي الله عنه - كان من أبصر الناس بالرؤيا وأحسنهم لها تعبيرًا، فهذا كلّه يدلّك على أنّها لم تكن رؤيا، وإنّما أُسرِي به كما ذكرنا. وأمّا قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] فمختلف في تأويلها اختلافًا كثيرًا يطول ذكره؛ وإنكار عائشة - رضي الله عنها - الإسراء بجسده لا يصحّ عنها، ولا يثبت قولها: "ما (فُقِدَ) (¬2) جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ¬

_ (¬1) السياق يدلّ على أنّ الكفّار يمكن أن يروا الله - تبارك وتعالى - في المنام، وهذا لم أجده عن أحد من أهل العلم، لكن وجدتُّ ما يدلّ على أنّ المؤمنين يرون ربّهم، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه رأى ربّه في المنام، في حديث: "رأيت ربّي الليلة في أحسن صورة ... "، وأمّا رؤية الله تعالى في المنام لغيره - صلى الله عليه وسلم - فقد نقل صاحب "سراج الطالبين شرح منهاج العابدين" اتّفاق الصحابة والتابعين من بعدهم على جوازها ووقوعها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وقد يرى المؤمن ربّه في المنام في صور متنوّعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا، لم يره إلاّ في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص، رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولا تعبير ولا تأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق". انظر في هذه المسألة: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (3/ 390)، و"كتاب الفقه الأكبر" لأبي حنيفة بشرح ملا على القاري (ص 113)، و"سراج الطالبين على منهاج العابدين" شرح إحسان محمّد دحلان (1/ 133). (¬2) في الأصل: "فقدت"، وهو خطأ واضح؛ لأنّه ذكر بعدُ هذه اللفظة: "أعني: فقدت"، وقال: "هذا من الكذب الواضح".

أُسْرِي بروحه" (¬1). وقد قال بعضهم عنها: "ما فَقَدتُّ جسدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة"، وهذا من الكذب الواضح؛ لأنّ عائشة لم تكن وقت الإسراء معه، وإنّما ضمّها بعد ذلك بسنين كثيرة بالمدينة، ولو كانت رؤيا ما كان في ذلك شيء يقدح في الديانة ولا في الشريعة لأنّ رؤيا الأنبياء - عليهم السلام - وحي صحيح بدليل الكتاب والسنّة؛ قال الله - عز وجل - حكاية عن إبراهيم - عليهم السلام - في ابنه لمّا بلغ معه السعي؛ {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، ، وكان الوحي يأتيه نائمًا ويقظانًا، وكذلك كان يأتي الأنبياء قبله أيقاظًا ونيامًا. ¬

_ (¬1) وهذا الحديث أخرجه ابن إسحاق في "مغازيه" (5/ 265) قال: "حدّثني بعض آل أبي بكر عن عائشة ... " وذكره، وفيه إبهام من روى عنه ابن إسحاق، فالحديث على هذا منقطع، وأورده ابن كثير في "السيرة النبوية" (2/ 105) من طريق ابن إسحاق، ثمّ ساق من طريق ابن إسحاق قال: حدّثني يعقوب بن عتبة: أنّ معاوية كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت من الله رؤيا صادقة"، وذكر تردّد ابن إسحاق، وجوّز كلا الأمرين أعني: وقوع ذلك في المنام أو في اليقظة. قال ابن كثير: "ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنّه كان يقظان لا محالة ... وليس مقتضى كلام عائشة - رضي الله عنها - أن جسده - صلى الله عليه وسلم - ما فُقِد، وإنّما كان الإسراء بروحه - أن يكون منامًا كما فهمه ابن إسحاق، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم". قلت: وتمسّك القائلون بأنّ الإسراء وقع منامًا برواية شريك لحديث الإسراء في "صحيح البخاري" [كتاب التوحيد، باب وكلّم الله موسى تكليمًا، رقم (7517)] من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر أبي عبد الله، الذي قال عنه الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطئ، وقد اضطرب في حديث الإسراء، وساء حفظه ولم يضبطه"، وجاء فيه: "ثمّ استيقظت"، وهذا من جُملة أخطاء شريك في هذا الحديث الذي بسببه نزلت رتبته، وجملة أخطائه فيه - كما ذكر ابن حجر في "الفتح" (12/ 493 - 494) -: عَشرٌ، فلتُراجَع هناك.

قال - صلى الله عليه وسلم -: "تَنَامُ عَيْنَايَ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي، وَتَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي يقظانٌ، وَإِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُنَا" (¬1). وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ؛ كَانَ يَرَى الرُّؤْيَا فَتَأْتِي مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ" (¬2). والذي عليه جمهور أهل الفقه و (الأكثرون) (¬3) أنّ الإسراء به كان وهو يقظان أُسرِيَ بجسده وروحه على هيئته وحاله، فرأى ما رأى، ما كذب الفؤاد ما رأى - صلى الله عليه وسلم - وشرَف وكرَم. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المناقب (3569 - 3570) باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه، وفي التوحيد (7517) باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. (¬2) أخرجه البخاري في بدء الوحي برقم (3)، ومسلم [كتاب الإيمان 160 باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة. (¬3) في الأصل: "والأكثرين"، وهو خطأ.

7 - الحديث السابع: حديث لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط ولا بول

الحديث السابع عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسْتَقْبلُوا الْقِبْلَةَ ولاَ تَسْتَدْبرُوهَا بغَائِطِ وَلاَ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا" (¬1). وقلتَ: ما معنى: "شرّقوا أو غرّبوا"؟ فالجواب: إنّ هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - كان بموضع (تكون) (¬2) القبلة منه في ناحية الجنوب، فمن قبلته في ناحية الجنوب؛ قيل له: "شرّق أو غرّب"، وكذلك من كانت القبلة منه في ناحية الشمال أيضًا، لئلاّ يَستقبِل القبلة ولا يستدبرَها، ومحُال أن يُقال لمن كانت القبلة منه إلى مطلع الشمس أو مغربها: "لا تَستقبِل القبلة، ولكن شرّق أو غرّب"؛ لأنّ هذا كان يقتضى الأمر بالشيء والنهي عنه في حالة واحدة، وهذا محُال، والكلام في هذا ليس ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [الوضوء (144) باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلاّ عند البناء: جدار أو نحوه]، وأخرجه في [الصلاة (394) باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة]. وأخرجه مسلم في [الطهارة (264) باب الاستطابة] من طرق عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيّوب. (¬2) في الأصل: "يكون"، وهو خطأ لتعيّن التأنيث.

يكاد يُحتاج إليه، وهذا الحديث من حديث "الموطّأ" (¬1) وقد ذكرناه في كتابنا (¬2)، وذكرنا ما للعلماء فيه من المعاني والفقه، والله المعين لا شريك له. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطّأ" [كتاب القبلة، باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجة] من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق عن أبي أيّوب الأنصاري، ولفظه: "والله ما أدري كيف أصنع بهذا الكرابيس - أي: المراحيض -؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " فذكره. (¬2) المقصود "التمهيد" (1/ 303 - 312)، و"الاستذكار" (1/ 442) وما بعدها.

8 - الحديث الثامن: حديث تحويل القبلة في قباء

الحديث الثامن حديث ابن عمر: "بَيْنَمَا النَّاسُ بقُبَاءَ فِي الصَّلاَةِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَاَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ" (¬1). وقلتَ: وكأنّه لم يرَ عليهم إعادةَ ما كانوا صَلوا قبل أن يستديروا إلى الكعبة؟ (¬2). فالجواب: إنّ هذا حديث صحيح، وهو أصل فيمن فعل ما أُمِر به ثمّ طرأ عليه ما يدخل عليه فيه أنّه لا ينقض فعله، وهو أصلنا فيمن طلب الماء واجتهد ولم يجده فتيمّم؛ وأحرم بالصلاة ثمّ طرأ عليه الماء؛ أنّه يتمادى ولا شيء عليه؛ لأنّه فعل مما أُمِر به، ولم يكن عليه غير ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [الصلاة (403) باب ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلّى إلى غير القبلة]، وأخرجه في التفسير في مواضع أرقامها (4488، 4490، 4491، 4493، 4494)، وأخرجه في [التفسير (7251) باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام]، وأخرجه مسلم في [المساجد ومواضع الصلاة (526) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة]؛ من طرق عن عبد الله بن دينار المزني عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. (¬2) قال أبو عوانة بعد إخراج هذا الحديث (1/ 394): "وهذا الحديث ممّا يحتج به على إثبات خبر الواحد"، وكذا قال ابن عبد البرّ في "التمهيد" (17/ 45)، وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 322): " ويحتجّ به - أيضًا - في نسخ المتواتر بالآحاد، وهو الحقّ". (¬3) إذا كان المصنّف - رحمه الله - يقصد بقوله: "وهو أصلنا" المالكية، فهذا غير صحيح، فقد ذكر ابن أبي زيد - رحمه الله - =

وكذلك من اجتهد في طلب القبلة يَمْنة ويَسْرة أنّه يميل إليها ويتمادى في صلاته، لأنّه لم يكن عليه أكثر مِمّا فعل، وكذلك إذا استدبرها أيضًا ثمّ بان له ذلك في صلاته استدار وبنى؛ وفي هذا اختلاف، والصحيح أنّه لا فرق بين التشريق والتغريب وبين الاستدبار، وحديث ابن عمر كان بالمدينة، ومن استقبل بيت المقدس بالمدينة استدبر الكعبة، والصحابة - رضي الله عنه - استداروا في ذلك وبَنَوا، فلا وجه لمِا خالف ذلك. وأمّا الإعادة على مَن صلّى إلى غير القبلة مجتهدًا فغير واجبة عند أكثر العلماء، ومن قال بوجوبها في الوقت فهو مُسقِطُها أيضًا لكنّه يَستحِبّ الإعادة؛ لأنّ الإعادة لو كانت واجبة ما أسقطها خروج الوقت، وأمّا مَن صلّى إلى غير القبلة متعمّدًا أو غير مجتهد؛ فالإعادة عليه عند العلماء أَبّدًا، لانَّه ترك فرضًا من فروض الصلاة عامدًا فلا صلاة له، وهذا الحديث أصل في معان كثيرة من الفقه (¬1). ¬

_ = في "النوادر والزيادات" (1/ 110 - 111) اختلافًا في هذا الباب عن أئمّه المالكية، وكذا القرافي في "الذخيرة" (1/ 360 - 361)، فلينظر هناك. وقد عزا الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - هذا لمذهب مالك، ولم يذكر عنه خلافه في "الاستذكار" (1/ 314 - 315)، والظاهر أنّه أصل عنده، انظر: "التمهيد" (17/ 47). (¬1) ذكر الحافظ ابن عبد البرّ اختلاف الفقهاء بشيء من البسط في "التمهيد" (17/ 55 - 57)، ثمّ قال: "النظر في هذا الباب يشهد ألاّ إعادة على فرد صلّى إلى القبلة عند نفسه مجتهدًا لخفاء ناحيتها عليه ... وقد كان العلماء مجُمِعين على أنّه قد فعل ما أبيح له فعله، بل ما لزمه، ثمّ اختلفوا في إيجاب القضاء عليه إذا بان له أنّه أخطأ القبلة، وإيجاب الإعادة فرض، والفرائض لا تثبت إلاّ بيقين لا مدفع له". وينظر: "النوادر والزيادات" (1/ 198)، و"الذخيرة" (2/ 132 - 134)، و"المدوّنة" (1/ 92)، و"الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 221 - 222).

9 - الحديث التاسع: حديث أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا [الإقامة]

الحديث التاسع حديث ابن عُلَية عن خالد الحَذّاء عن أبي قلابة عن أنس قال: "أُمِرَ بلاَلُ أَنْ يَشْفَعَ اْلأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ"، قال إسماعيل: فذكرتُه لأيّوب فقال له: إلاّ [الإقامة] (¬1). وقلتَ: ما معنى استثناء هذه اللفظة؟ وإن كانت من الحديث أم لا؟ وما معنى ترك مالكـ - رحمه الله - تكرار قوله: "قد قامت الصلاة"؟ ¬

_ (¬1) أخرجه هكذا البخاري في [الأذان (607) باب الإقامة واحدة إلاّ قوله "قد قامت الصلاة"]، ومسلم في [الصلاة (378) باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة]، وروي من غير طريق عن أبي قلابة عن أنس. وقوله: "أمر بلال" أي: أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء مصرّحًا به كذلك في "سنن النسائي" (2/ 3)، و"صحيح أبي عوانة" (1/ 326)، وابن حبّان (3/ 92)، والحاكم (1/ 198)، وقال: "إنّه على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، ومثل هذا اللفظ يقتضى الرفع على الصحيح عند المحدّثين والأصوليّين. قال الخطّابي في "معالم السنن" (1/ 279): "زعم بعض أهل العلم أنّ الآمر له بذلك أبو بكر أو عمر - رضي الله عنهما -، وهذا تأويل فاسد؛ لأنّ بلالاً لحق بالشام بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستخلف سعدًا القرظ على الأذان في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".

فالجواب: إنّ هذه اللفظة صحيحة رواها حمّاد بن زيد (¬1) وإسماعيل، وهما أثبت أصحاب أيّوب (¬2)، رويا عنه عن أبي قلابة عن أنس قال: "أُمِرَ بِلاَل أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ ويُوتِرَ الإِقَامَةَ [إلاّ الإقامة] (¬3) "، هكذا رواية أيّوب لهذا الحديث، وهو أثبت مِن كلّ [مَن] (¬4) روى هذا الحديث لا يقاس به خالد ولا غيره (¬5)، وزيادة مثله مقبولة عند الجميع. وأمّا قوله: "إلاّ الإقامة" (فلا) (¬6) يختلف العلماء من أهل الفقه والأثر مِمّن يقول بهذا الحديث وبما في معناه من الأحاديث أنّ معنى قوله: "قد قامت الصلاة" تثنّى مرّتين. والناس في هذا على وجهين؛ طائفة تقول بإفراد الإقامة إلاّ قوله: "قد قامت الصلاة" فإنّهم يثبتونها مرّتين [لـ]ــهذا (¬7) الحديث وغيره (¬8)، منهم الشافعي والأوزاعي ¬

_ (¬1) حديثه رواه البخاري في "الصحيح" في [الأذان (605) باب الأذان مثنى مثنى]، ومسلم في [الصلاة (378) باب الأمر بشفع الأذان، وإيتار الإقامة]. (¬2) لا يختلف أئمّة الحديث في أنّ حمّادًا وابن عليّة هما أثبت أصحاب أيّوب، لكن قال النسائي: "أثبت أصحاب أيّوب حمّاد بن زيد، وبعده عبد الوارث وابن عليّة". وقدّم بعضهم حمّادًا وبعضهم ابن عليّة، انظر: "شرح علل الترمذي" (2/ 699 - 700). (¬3) ليست في الأصل، والسياق يقتضيها لأنّها محلّ البحث. (¬4) ليست بالأصل، والسياق يقتضيها. (¬5) ينظر المصدر نفسه (2/ 688 - 689). (¬6) في الأصل: "ولا"، وهو خطأ. (¬7) زيادة متعيّنة. (¬8) يقصد حديث عبد الله بن عمر قال: "إنّما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّتين مرّتين، والإقامة مرّة مرّة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة توضّأنا وخرجنا إلى الصلاة".=

وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى النيسابوري صاحب مالك وأبو ثور، وهو مذهب الحسن البصري ومكحول والزهري، وعلى هذا وَلَدُ أبي مَحْذورة ومؤذّنوا مكّة إلى اليوم كما ذكروا كلّهم؛ يقول: قد قامت الصلاة مرّتين وتفرد دون سائر الإقامة (¬1)، واختلف في تربيعه في الأذان، وأمّا التهليل المختوم به في الأذان والإقامة فلا خلاف أنّه لا يثنّى في أذان ولا إقامة. وطائفة أخرى تقول: "قد قامت الصلاة" مرّتين؛ لأنّها (تُثنِّي) (¬2) الأذان كلّه إلاّ التكبير، فإنّها تربّعه والإقامة تثنّيها كلّها من أوّلها إلى آخرها حاشى التهليل؛ وهذا قول الكوفيين (¬3). ¬

_ = أخرجه أبو داود [كتاب الصلاة (510) باب في الإقامة]، والنسائي (2/ 21) [كتاب الأذان، باب كيف الإقامة؟ ]، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 193)، والدارمي (1229)، وابن حبّان (1672، 1677)، والدارقطني (1/ 239)، قال الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود": "إسناده حسن". (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 58 - 60)، و"المحلّى" لابن حزم (2/ 185 - 194)، و"المجموع شرح المهذّب" (3/ 94 - 97)، و"شرح السنة" للبغوي (2/ 55 - 57)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (1/ 438 - 444)، و"نيل الأوطار" (2/ 45 - 47). قال الخطّابي في "معالم السنن" (1/ 279): "وعلى هذا عامّة الناس في عامّة البلدان". وقال ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (1/ 369): "ولا خلاف بين مالك والشافعي في الإقامة إلاّ في قوله: "قد قامت الصلاة"، فإنّ مالكًا يقولها مرّة، والشافعي يقولها مرّتين، وأكثر العلماء على ما قال الشافعي. (¬2) في الأصل: "بين"، وهو تصحيف. (¬3) يقصد أبا حنيفة وأصحابه والثوري وابن المبارك والحسن بن حىّ وعبد الله بن الحسن. انظر المصادر السابقة و"الاستذكار" (1/ 369).

وقال مالك: لا يقول المؤذّنون "قد قامت الصلاة" إلاّ مرّة واحدة، وذكروا أنّ وَلَد سَعْد القرظ مؤذِّن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر يؤذّنون بالمدينة حتّى الآن، يقولون: "قد قامت الصلاة" مرّة واحدة، وأهل الحجاز والشام على تثنية الأذان ووتر الإقامة إلاّ مالكًا، فإنّه يقول "قد قامت الصلاة" مرّة واحدة (¬1)، وغيره يقولها مرّتين. وقد كان الشافعي يقول ببغداد "قد قامت الصلاة" في الإقامة مرّة واحدة؛ ذكره الزعفراني عنه، وقال: إنّ بني محذورة يقولونها مرّتين؛ ثمّ رجع بمصر إلى قولها مرّتين (¬2). ومن حجّة من قال "قد قامت الصلاة" مرّتين - أيضًا - ما رواه شعبة عن أبي جعفر مؤذّن مسجد العريان قال: سمعت أبا المثنّى مسلم بن المثنّى (¬3) يقول: سمعت ابن عمر يقول: "إِنَّما كَانَ اْلأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غيرَ أنَهُ يَقُولُ: "قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ "مَرَّتَيْنِ" (¬4). هذا قاطع في موضع الخلاف، فأمّا ترك مالك - رضي الله عنه - لتكرير "قد قامت الصلاة" مرّتين لأنّ الأذان والإقامة عنده مِمّا لا يحتاج فيه إلى أخبار الخاصّة العدول، لأنّه مِمّا يقع ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 135)، و"الإشراف" (1/ 217 - 218)، و"الذخيرة" (1/ 454). (¬2) انظر: "المجموع" للنووي (3/ 97)، و"معرفة السنن والآثار" (1/ 439). (¬3) هنا علامة لحق في المخطوط، ولا معنى لها، والله أعلم. (¬4) سبق تخريجه قريبًا (ص 164).

في اليوم والليلة خمس مرّات، وليست من الأشياء التي تقع نوادر يحتاج فيها إلى نقل الخاصّة الآحاد العدول. والأذان والإقامة عنده مأخوذان عن العمل المتواتر بدار الهجرة والسنّة (¬1)، وأصل مالك في الأخبار ألاّ يَقْبَل ما عارضه مثل هذا وشبهه (¬2). ولَعَمْرِي؛ لقد تُدفَع (كثير) (¬3) من أخبار الخاصّة بأضعف من هذا العمل، على ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى" و"الذخيرة" و"الإشراف" المصادر السابقة، وقال المازري في "المعلم" (1/ 389): "المشهور عن مالك إفراد الإقامة لأنَّه المعمول به في المدينة"، انظر: "الاستذكار" (1/ 390). (¬2) ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - كلامًا نفيسًا في عمل أهل المدينة وحجّيته، وقسّمه إلى مراتب: المرتبة الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كنقلهم لمقدار الصاع والمدّ، وكترك صدقة الخضروات والأحباس، وهذا حجّة باتّفاق العلماء. المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان، وهذا حجّة في مذهب مالك، وهو المنصوص عن أبي حنيفة، وهو ظاهر مذهب أحمد، والمحكي عن أبي حنيفة يقتضي أنّ قول الخلفاء الراشدين حجّة، إذ لا يعلم عمل في هذه الفترة مخالف للسنّة. المرتبة الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان، كحديثين وقياسين، وجهل أيّهما أرجح وأحدهما يعمل به أهل المدينة، ففيه نزاع، فرجّح به مالك والشافعي، ولم يرجّح به في مذهب أبي حنيفة، ووجه لأصحاب أحمد أنّه يرجّح به، وقيل: هو المنصوص عن أحمد. المرتبة الرابعة: العمل المتأخِّر بالمدينة، والذي عليه أئمّة الناس أنّه ليس بحجّة شرعية، قال: هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وهو قول المحقّقين من أصحاب مالك كالقاضي عبد الوهّاب. انظر: "مجموع الفتاوى" (20/ 303 - 310). (¬3) في الأصل: "كثيرًا" بالنصب، وهو خطأ.

أنّ خبر أبي قلابة عن أنس انفرد به - أيضًا - أهل البصرة، وقد يجوز أن لا يسمع مالك به، ولا يسمع برواية أيّوب وزيادته (¬1)، وإن قال: كان سمعه وعلّه. فالجواب عندي على أصله ما ذكرت لك، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) بل صرّح به مالك - كما في "الموطأ" ليحيى (1/ 71) - حيث قال: " ... لم يبلغني في النداء والإقامة إلّا ما أدركت الناس عليه، فأمّا الإقامة فإنّها لا تثنّى، ذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا".

10 - الحديث العاشر: حديث "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة"

الحديث العاشر حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَمَّا رَجَعَ مِنَ اْلأحْزَابِ: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّيهَا حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّيهَا، [لَمْ يُرِدْ] (¬1) مِنَّا ذَلِك (¬2)، فَذُكِر ذَلِك لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدًا مِنْهُمْ" (¬3). ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة، وصورتها في الأصل: {وردنا}، والتصحيح من "صحيح البخاري". (¬2) تكرّرت لفظة "ذلك" في المخطوط، وهو خلل. (¬3) الحديث أخرجه البخاري في [كتاب الخوف (946) باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء]، وفي [المغازي (4119) باب مرجع النبيّ من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إيّاهم]. وأخرجه مسلم في [الجهاد والسير (1770) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهمّ الأمرين المتعارضين]؛ كلّهم من طريق عبد الله بن محمّد بن أسماء الضبعي عن عمّه جويرية عن نافع عن ابن عمر به، إلاّ أن مسلمًا قال: "الظهر" بدل "العصر". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/ 471 - 472): "كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري، ووقع في جميع النسخ عند مسلم: "الظهر"، مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، وقد وافق مسلمًا أبو يعلى وآخرون". قلت: أخرجه كذلك أبو عوانة في الجهاد (4/ 173)، وابن حبّان (3/ 12)، من طريق أبي يعلى عن عبد الله بن محمّد بن أسماء عن جويرية به (7/ 108).=

وقلتَ: إدخال البخاري هذا الحديث، ينقض بعضُهم به قولَ الشافعي: إنّ الطالب لا يصلّي صلاة الخوف إلّا صلاة كاملة؛ لأنّ الله - عَزَّ وَجَل - لم يشترط أن تصلّى صلاة الخوف إلاّ مع مقاتلته، خوف الفتنة؛ لأنّ الخوف يرتفع عن الطالب، وقلتَ: فانظر رحمك الله: إن كان هذا الحديث الذي أدخل البخاري حجّة على الشافعي أم لا؟ لأنّه اعترض معترِض فقال: أمّا الذين صلّوا في الطريق فأتَمّوا: والذين صَلّوا في بني قريظة بعد فوات الوقت، فلا خوف عليهم؟ هذا كلّه لفظ كتابك. فالجواب: إنّ حديث ابن عمر هذا ليس فيه شيء مِمّا ذكرتَ، فلا يقتضي معنًى من المعاني التي إليها أَشَرْتَ، وإنّما فيه إباحة الاجتهاد على الأصول (¬1)، وجواز فعل المجتهد إذا ¬

_ = ورجّح الحافظ في حديث ابن عمر حديث مسلم؛ لأنّه يحافظ على اللفظ كثيرًا، ولموافقة من وافق مسلمًا على لفظه بخلاف البخاري، أو أنّ عبد الله بن محمّد بن أسماء حدّث به على اللفظين، بدليل موافقة أبي عتبان لجويرية على لفظ مسلم. وأمّا بالنظر إلى حديث غيره - أعني: حديث عائشة وكعب بن مالك في الباب - فيحمل على أنه قال: "الظهر" لطائفة، وقال: "العصر" لطائفة والله أعلم. انظر: "الفتح" (4/ 472 - 473). (¬1) ذكر الحافظ ابن عبد البرّ هذه المسألة في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 69) فقال: "باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة"، وانظر كلامًا في هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنّة النبوية" (3/ 411 - 412)، و"مجموع الفتاوى" (3/ 244)، =

كان الاجتهاد منه على أصل صحيح؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يصلّوا العصر في بني قريظة واستعجالاً منه لهم وحبًّا لإدراك الناس من اليهود الناقضين لعهده؛ المُعِينِين على الأحزاب، وقد كان عند أصحابه أنّه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها حتّى يَفوت، فلما أدركتهم الصلاة وخشَوا فَوْتَها، من خشي ذاك منهم بدر إلى أدائها على أصله في فرض وقتها واحتمال قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده مثل ذكر الآية (¬1)، قد يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - لو روجع بالسؤال، فقيل له: أرأيت لو خشينا فوت العصر أنصلّي أم نُتِمّ؟ (¬2) كان يقول: لا تفرّطوا في صلاتكم، فإنّي طَمِعْتُ لكم أن تدركوا بني قريظة في بقية من الوقت، وكان قولي ما قلتُه استعجالاً لكم وهذا وجه احتمال. والطائفة التي أخّرت الصلاة حتّى تأتي بني قريظة، استعملت ظاهر لفظه، ووقفت عنده، فعذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلّهم باجتهادهم، كما عذر الله - عزَّ وجَل - داود وسليمان، إذ حكما في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم (¬3)، فأثنى على سلمان أن فَهِمَها، وعَذَر داود ولم يَذُمَّه لاجتهاده، وهذا الاجتهاد عند العلماء على الأصول؛ لأنّ ظاهر لفظه - صلى الله عليه وسلم - أصله مِمّا كانوا عليه من معرفة الوقت، فافهم هذا ترشد إن شاء الله تعالى. ¬

_ = وانظر: "الرسالة" (ص 560)، و"رفع الملام" (ص 57)، و"إعلام الموقعين" (1/ 67، 203)، و"إرشاد الفحول" (ص 256 - 257). (¬1) لعلّه يقصد قوله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]. (¬2) في الأصل: "إذ كان يقول"، "وإذ هنا مقحمة لا معنى لها والله أعلم. (¬3) يشير إلى الآية (78) من سورة الأنبياء.

وأمّا قولك: (إدخال) (¬1) البخاري هذا الباب ينقض به قول الشافعي إنّ الطالب لا يصلّي صلاة الخوف (¬2)، فهذا قول من لا علم له بالآثار ولا بمقصد المصنِّفين لها؛ وما بقي في هذا الحديث مِمّا يدلّ على أنّ القوم كانوا مبتدئين للعدوّ أو ممّا يدلّ على أنّ القوم قصَروا الصلاة أو أتمّوا أو ما فيه ما يكون حجّة على مَن قال: إنّ الطالب لا يصلّي صلاة الخوف، أو على من قال: إنه يصلّيها، ما فيه شيء يدلّ على شيء مِمّا ذكرتَ، ولم يكن أحد من بني قريظة (¬3) هاربًا فيُتَّبَع، وإنّما كانوا في حصونهم لم يَبْرَحوا منه، وكانوا قد أعانوا أبا سفيان والأحزاب بالرأي والسلاح، ونقضوا العهد (¬4)، وقد رامهم أبو سفيان وقريش أن يخرجوا فيقاتلوا معهم، فأبَوا عليهم، إلاّ أن يُعطوهم رهنًا يكون بأيديهم وثيقة، قالوا: فإنّا نخشى إن ضرستكم (¬5) الحرب، ¬

_ (¬1) في الأصل: "أدخل"، والصواب المثبت. (¬2) قال الشافعي في "الأم" (1/ 250): "ولا يجوز لأحد أن يصلّى صلاة الخوف إلّا بأن يعاين عدوًّا قريبًا غير مأمون أن يحمل عليه، يتخوّف حمله عليه من موضع، أو يأتيه من يصدّقه بِمثل ذلك من قرب العدوّ منه أو مسيرهم جادّين إليه، فيكونون هم مخوَّفين". وانظر المصدر نفسه (1/ 258 - 259). (¬3) كانت غزوة بني قريظة بعد الأحزاب مباشرة في آخر ذي القعدة وأوّل ذي الحجّة من السنة الخامسة للهجرة، انظر: "الطبقات" لابن سعد (2/ 74)، و"السيرة" لابن هشام (3/ 324). (¬4) وهذا هو سبب غزوة بني قريظة، ينظر تفصيله في: "مغازي" الواقدي (3/ 454 - 459)، و"تاريخ الرسل والملوك" للطبري (3/ 570 - 573)، وابن حزم "جوامع السيرة" (187 - 188)، و" الدرر" لابن عبد البرّ (181 - 183)، وابن سيّد الناس" عيون الأثر" (3/ 59 - 60)، و"البداية والنهاية" (4/ 103 - 104)، وكلّ هؤلاء ذكروا خبر غدر بني قريظة دون إسناد. (¬5) في الأصل: "ضرستكم بينكم"، والصواب المثبت. وكذا وردت في كتب السيرة، انظر: "الاكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول الله" (2/ 129)، "تاريخ =

واشتدّ عليكم القتال أن تنشمروا (¬1) إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا، فأبت قريش وغطفان أن يعطوهم رهنًا (¬2) وحرّك الله بينهم وبعث عليهم الريح الشديدة في ليال شديدة البرد، فجعلت تكْفَؤُ قُدورَهم، وتَطْرَح أَبْنِيَتَهم حتّى فَرُّوا ليلاً (¬3)، فلمّا أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيقن بفرارهم، انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة هو والمسلمون ووضعوا السلاح (¬4)، فلمّا كان الظهر، أتى جبريل - عليه السلام - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صفة دِحْيَةَ بنِ خليفة الكلبي، قال الزهري: معتجرًا بعمامة من استبرق على بغلة عليها قطيفة ديباج، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد وضعت السلاح؟ قال: نعم، قال جبريل: ما وَضعَت الملائكةُ السلاحَ بعدُ، وما رجعتُ الآن إلاّ مِن طلب ¬

_ = الرسل والملوك" (2/ 97)، و"السيرة النبوية" (4/ 189)، و"البداية والنهاية" (4/ 112)، كلهم من طريق ابن إسحاق مرسلة. قال ابن منظور في "اللسان" (6/ 118): "وضرسهم الزمان: اشتدّ عليهم ... وضَرَسته الحروب تَضْرِسُه ضَرْسًا: عَضَّته، وحرب دروس: أكول عضوض". (¬1) في "لسان العرب" (4/ 427): "شَمَر يَشْمُر شَمْرًا وانشَمَر وشَمَّر وتَشَمَّر: مرّ جادًّا". (¬2) انظر لهذا قصّة نعيم بن مسعود الغطفاني "السيرة" لابن هشام (2/ 319 - 320) عن ابن إسحاق معلّقًا، و"مغازي" الواقدي (2/ 480 - 483)، و"مصنف عبد الرزاق" (5/ 368 - 369) مرسلاً عن ابن المسيِّب، ومراسيله أحسن المراسيل، وموسى بن عقبة من روايته عن الزهري المرسلة - ومراسيله ضعيفة - عند البيهقي في "الدلائل" (3/ 404 - 405). (¬3) انظر: ابن سعد (2/ 97) من مرسل سعيد بن جبير، و"دلائل النبوّة" للبيهقي (3/ 406) من رواية موسى بن عقبة عن الزهري، وهي مرسلة كما مرّ. (¬4) أخرجه البخاري في [المغازي (4117) باب مرجع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إيَّاهم].

القوم، إنّ الله يأمرك يا محمّد، بالمسير إلى بني قريظة، فإنّي عامدٌ إليهم، فمُزَلْزِلٌ عليهم، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذّنًا، وأذّن: من كان سامعًا ومطيعًا فلا يُصَلِّيَنَّ العصرَ إلاّ في بني قريظة" (¬1)، واستعمل على المدينة ابن أمِّ مكتوم (¬2)، وقَدِمَ عليُّ بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها النّاس، فهل في هذا الحديث، أو حديث ابن عبّاس في شيء من الآثار؛ أنّ القوم كانوا ذلك الوقت طالبين العدوّ وكان بين أيديهم وهل فيها ما يدلّ على أنّ المسافة بين المدينة وبين قريظة يجب فيها التقصير في ذلك الحديث، أو في غيره ذكر؛ و (هل) (¬3) دعوى ذلك من مدّعيه إلاّ تَظَنُّنًا وتَخَرُّصًا؟ ولا يجوز القول في دين الله إلاّ باليقين. وأمّا قولُك، أو قول مَن حكيتَ قولَه: "وأمّا اذين صلّوا في الطريق وأتَمّوا"؛ فمَن هذا الذي نَقَل إليكم أنّهم أتَمّوا أو قَصَروا، وأنّ الآخرين أمنوا الخوف؛ وما أدري ما الخوف الذي أَمِنوا منه؟ لأنّه لم يذكر في خبر، وهذا علم لا يُدرَى إلاّ بخبر، والله المستعان. وأمّا الشافعي - رحمه الله - فقوله: "إنّه لا يجوز لأحد أن يصلّي صلاة الخوف إلاّ أن يعاين عدوّا قريبًا غير مأمون أن يحمل عليه "في كلام طويل له في كتابه (¬4)، وقال في صفة الخوف الذي للرجل أن يصلّي فيه راجلاً وراكبًا، للقبلة وغيرها: "إطلال العدوّ على العسكر، فيتراءون ويتقاربون حتّى ينالهم الرمي في غير حصْن، وربما نالهم الطعن والضرب. ¬

_ (¬1) انظر هذا الأثر، وهو منقطع، عند ابن إسحاق (2/ 233/ 2349) و"تخريج الدلالات السمعية" (1/ 215)، و"السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 234)، و"البداية والنهاية" (4/ 116). (¬2) ذكره ابن هشام في "السيرة" (3/ 716)، وابن سعد (3/ 74) كلاهما بدون إسناد. (¬3) في الأصل: "هذه"، وهو خطأ، والصواب ما أثبتُّ. (¬4) في "الأمّ" (1/ 250).

فإذا كان هذا صفةُ صلاةِ شدّةِ الخوف، وإن كانوا يستقبلون بالعدوّ والعدد قليل، يقوم بكلّ طائفة منه مَن يليها ولم يُحِطِ العدوُّ بهم؛ صَلَّوا صلاة غير شدّة الخوف، قال: ولا بأس في شدّة الخوف بالطعنة والضربة الخفيفة، وإن تابع الطعن أو الضرب، لم تُجْزِهِ صلاتُه" (¬1)، هذا كلّه قول الشافعي. وقال الثوري: إذا كنتَ خائفًا وكنتَ راكبًا أو قائمًا أو (ماشيًا) (¬2) أو حيث كان وجهك، تجعل السجود أخفض من الركوع، وذلك عند المسايفة كقول مالك وسائر الفقهاء، وذلك متقارب كلّه لا يختلف معناه، إلاّ الأوزاعي؛ فإنّه أجاز للطالب أن يصلّي راكبًا على ظهره، ورواه عن شرحبيل بن حسنة، والفقهاء على خلافه في ذلك، وظاهر القرآن لا يُطلِق الصلاة راكبًا وراجلاً إلاّ مع شدّة الخوف، وكذلك السُّنَّة (¬3). ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (1/ 254 - 255) مع اختلاف في الألفاظ وتركيب الجمل فيه. (¬2) في الأصل: "ماش"، والصواب - إن شاء الله - ما أثبتُّ. (¬3) انظر لهذا: "روضة الطالبين" (2/ 60)، "روض الطالب" (2/ 273)، "كشاف القناع" (2/ 18)، "المغني" (3/ 316)، و"بدائع الصنائع" (1/ 244)، وانظر: "التمهيد" (15/ 281 - 283)، و"الاستذكار" (2/ 406 - 407). قال ابن الملقّن في "الإعلام" (351 - 352): "جاءت صلاة الخوف عن النبى - صلى الله عليه وسلم - على ستة عشر نوعًا، وهي مفصّلة في "صحيح مسلم" بعضها، وبعضها في "سنن أبي داود"، واختار الشافعي منها ثلاثة أنواع: بطن نخل، وذات الرقاع، وعسفان، وذكر الحاكم في "مستدركه" منها ثمانية أنواع، وذكر ابن حبّان في "صحيحه" منها تسعة، وصحّح ابن حزم في صفتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر وجها، وذكر ابن القصّار المالكي عشرة، وذكر القرطبي في "شرح مختصر مسلم" عشرة أحاديث منها، وتكلّم عليها ... وقال الإمام أحمد: ما أعلم في هذا الباب إلّا حديثًا صحيحًا، واختار حديث سهل بن أبي حَثْمة". =

روى ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفة صلاة الخوف وحكمَها، وقالوا في الحديث: "وإن كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صلّوا رِجالاً ورُكْبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها" (¬1)، فلم يُطلِق هذه الصلاة للخائف إلاّ في حال شدّة الخوف، هذه حال لا يُصلَّى فيها جماعة لحال شدّة الخوف، وفي النظر معلوم أنّ الطالب غير خائف، فكيف يصلّي صلاة الخوف؟ وهل يجوز صلاة الخوف لغير خائف؟ هذا ما لا يُفهَم في لسان ولا سنّة ولا بيان، والله المستعان. فإن قال قائل: إنّ عبد الله بن أُنَيس (¬2) صلّى وهو طالب؛ يومئ برأسه حين بعثه ¬

_ = انظر: "المفهم" (3/ 1422)، و"المستدرك" (1/ 335، 338)، و"الأوسط" لابن المنذر (5/ 29 - 36)، و"الإحسان" (7/ 119، 147)، و"المحلّى" (5/ 33، 42). (¬1) الحديث أخرجه البخاري في [التفسير (4535) باب {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}] [البقرة: 239]، من طريق مالك عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: "يتقدّم الإمام وطائفة من الناس ... "، وذكر الحديث، وأخرجه مسلم في [الصلاة (839)] من طريق موسى بن عقبة عن نافع، وأخرجه - أيضًا - من طريق الزهري عن سالم عن أبيه. (¬2) هو: أبو يحيى عبد الله بن أنيس، الجهني المدني، حليف الأنصار، صحابي مشهور، كبير القدر، بطل شجاع مقدام، شهد العقبة مع السبعين، وشهد أحدًا والخندق وما بعد ذلك، وكان هو ومعاذ يكسران أصنام بني سلمة، بعثه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ سريّة وحده، وإليه سار جابر بن عبد الله مسيرة شهر ليسمع منه حديثًا واحدًا؛ حديث المظالم والقضاء، تأخّر موته بالشام إلى سنة ثمانين على المشهور، وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، والله أعلم. انظر ترجمته في: "الاستيعاب" (3/ 869)، و"الإصابة" (2/ 278)، و"التقريب".

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قتل الهذلي الذي كان أجمع لغزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ (¬1). قيل له: لم تتدبّر حديث عبد الله بن أنيس، ولو تدبّرتَه لعلمتَ أنّه كان خائفًا، لأنّه قد كان اجتمع به وعاينه، حين صنع ذلك، ولفظ حديثه: " فأقبلت نحوه وخشيتُ أن يكون بيني وبينه مجاولة (¬2) تشغلني عن الصلاة، فصلّيتُ وأنا أمشي نحوه". ألا ترى إلى قوله: "فخشيتُ"، وهو الخوف الصحيح؟ على أنّه ليس في هذا الحديث أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوّز ذلك له ولا كرهه ولا علم به، وفيما ذكرناه مقنع لمن وُفِّق لفهمِه. ¬

_ (¬1) حديثه أخرجه ابن خزيمة (2/ 91 - 92)، وابن حبّان (7160)، وأحمد (3/ 496)، وأبو يعلى (905)، وأبو داود مختصرًا (1249)، وأخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوّة" (445)، والبيهقي في "الكبرى" (3/ 256)، كلّهم من طريق ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه به. وابن عبد الله بن أنيس مجهول، كما قال الألباني، وقال الهيثمي في "المجمع" (6/ 203): "وفيه راو لم يسمّ". قلت: بل ورد تسميته عند البيهقي فسمّاه عبد الله، وعبد الله هذا ترجمه ابن أبي حاتم، ولم يجرّحه أحد، وذكره ابن حبّان في "الثقات". وحسّن الحافظ إسناده في "الفتح" (2/ 437)، وضغفه الألباني كما في "ضعيف أبي داود" (232) لجهالة ابن عبد الله بن أنيس. (¬2) في جميع الروايات: "محاولة"، وقال محققو "المسند": "وفي (ق) مجاولة". و"المجاولة": المغالبة، وهو من: جال في الحرب على قِرْنِه، يجول. انظر: "النهاية" لابن الأثير (1/ 317).

11 - الحديث الحادي عشر: حديث ابن عباس إذ بات عند ميمونة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى، فذكر ثلاث عشرة ركعة، الحديث

الحديث الحادي عشر (¬1) حَدِيثُ ابْنِ عبَّاسٍ إِذْ بَاتَ عَنْدَ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلّى، فَذَكَرَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (¬2)، قلتَ: وَرَوَتْ عَائِشَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فِيهَا الْوِتْرُ وَرَكعَتَا الْفَجْرِ (¬3)، وسألت التعريف بالصحيح من هذا؟ ¬

_ (¬1) في الأصل: "الثاني عشر"، والظاهر أنّ الناسخ أخطأ في الترقيم؛ لأن هذا الحديث ترتيبه "الحادي عشر"، وقد صحّحت ترتيب ما تبقى من الأحاديث. (¬2) حديث ابن عبَّاس أخرجه البخاري في مواضع منها: [كتاب الوضوء (183) باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره]، وفي [الوتر (992) باب ما جاء في الوتر]، وأخرجه مسلم في [كتاب صلاة المسافرين وقصرها (763) باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه]. (¬3) لم أجد في رواية عائشة ما ذُكر، بل الثابت كما في "صحيح مسلم" في [صلاة المسافرين (736)]، وغيره من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلّى بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منه اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيصلّى ركعتين خفيفتين"، وفي رواية عند مسلم: "يسلّم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة". وفي رواية عراك عن عروة عنها: "كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر" وفيه عنها: "كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يقوم بتسع ركعات"، وفيه وفي "صحيح البخاري" (1147) عنها: "كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: أربعًا، أربعًا، وثلاثًا". وعنها: "كان يصلّى ثلاث عشرة ركعة: ثمانيًا، ثمَّ يوتر، ثمّ يصلّى ركعتين وهو جالس، ثمَّ يصلّى ركعتي الفجر"، أخرجه البخاري في [الأذان (619) باب الأذان بعد الفجر]، وفي [التهجّد (1159) باب =

فالجواب: إنّها آثار ثابتة كلُّها من جهة النقل، نقلها مالك وغيره من الثقات، وليس منها شيء متعارض، ولا يخلو الأمر فيها من أحد وجهين؛ إمّا أن تكون الركعتان الزائدتان على الإحدى عشرة ركعتي الفجر على ما في حديث عائشة، فيكون حديث عائشة مفسّرًا لمِا أجْمَلَه ابن عبّاس، وتكون الزيادة على ذلك مقبولة، كما يقبل الأثر المنفرد، وإمّا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى ثلاث عشرة ركعة مرّات وإحدى عشرة مرّة، وكان يصلّي كذا، كذا أبدًا، فيكون ذلك دليلاً على ما عليه جماعة الفقهاء من أنّ صلاة الليل ليست مقدَّرة محدودة بعدد معلوم (¬1)، وأنّ للمرء أن يزيد فيها وينقص، والصلاة كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذرّ: "خَيْرُ مَوْضُوعٍ؛ فَمَنْ شَاءَ اسْتكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ ¬

_ = المداومة على ركعتي الفجر]، ومسلم في [صلاة المسافرين (738) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الليل]. وأخرج البخاري في [التهجّد (1164) باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، وغيره من طريق مالك عن هشام ابن عروة عن أببه عن عائشة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثمَّ يصلّى إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين"، وفي رواية للإمام أحمد (6/ 230): ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلاّ في آخرها". قال الشيخ الألباني في "تمام المنّة" (249 - 252): "وإسناده على شرط الشيخين". لكن رواية هشام هذه شاذّة كما ذكر العلّامة الألباني، وانظر تحقيقًا بديعًا له في الكتاب المذكور آنفًا. (¬1) قال في "التمهيد" (13/ 214): "وليس في عدد الركعات من صلاة الليل حدّ محدود عن أحد من أهل العلم لا يتعدّى، وإنَّما الصلاة خير موضوع ... ".

اسْتَقَلَّ" (¬1). وكذلك أعمال البرّ كلّها. وأيّ الأمرين كان فليس فيه حكم، وإنّما هي إباحة وفعل خير. وفى أحاديث عائشة - رضي الله عنها - في صلاة الليل للنقلة من الحجازيين والعراقيين اختلاف واضطراب، وللعلماء فيها مذاهب (¬2). ¬

_ (¬1) حديث أبي ذرّ أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 178)، وابن حبّان (2/ 76/ 361)، والحارث - كما في بغية الباحث - (1/ 53/195) عن أبي ذرّ بإسناد ضعيف، وأخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 84/ 243) عن أبي هريرة، وأخرجه الإمام أحمد (5/ 265) عن أبي أمامة، قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 21): سنده ضعيف، وقال الهيثمي بعد أن أورده من طريقين (1/ 159) و (1/ 160)، قال عن الأوّل: "فيها المسعودي، وهو ثقة، لكنه اختلط"، وقال عن الثاني: "مداره على على بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف". ورواه ابن أبي عاصم في "كتاب الزهد" (1/ 287) موقوفًا على الحسن. وأورده الألباني من حديث أبي هريرة في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 280) وقال: "حسن لغيره". (¬2) قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 21) نقلاً عن القرطبي: "أشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم حتى نسب بعضهم حديثها إلى الاضطراب، وهذا يتمّ لو كان الراوي عنها واحدًا، أو أخبرت عن وقت واحد، والصواب أن كل شيء ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعدّدة، وأحوال مختلفة، بحسب النشاط، وبيان الجواز، والله أعلم". وقال في الجمع بين مختلف روايات عائشة (3/ 20): فمن رواية مسروق قال: "سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: "سبع، وتسع، وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر". أمّا من رواية القاسم بن محمّد: "كان يصلّى من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر". وفي رواية لمسلم من هذا الوجه: "كانت صلاته عشر ركعات، ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر =

وكلّ حديث لها في ذلك ليس فيه جلوس في اثنتين ولا سلام، فهو مجمل يقضي عنه حديث ابن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلَاةُ اللّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى"، وقوله: "مثنى" يقتضي الجلوس والسلام في كلّ ركعتين (¬1)، إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. ¬

_ = فتلك ثلاث عشرة ركعة"، فأمّا ما أجابت به مسروقًا فمرادها أنّ ذلك وقع منه بأوقات مختلفة، فتارة كان يصلّي سبعًا، وتارة تسعًا، وتارة إحدى عشرة، وأمّا حديث القاسم فمحمول على أنّ ذلك كان غالب أحواله ... إلخ. كما ذكر الجمع بين مختلف الروايات لحديث ابن عبّاس (2/ 483). فائدة: ذكر الحافظ ابن حجر (3/ 21): "من الحكمة في عدم الزيادة على إحدى عشرة أنّ التهجّد والوتر مختصّ بصلاة الليل، وفرائض النهار: الظهر وهي أربع، والعصر وهي أربع، والمغرب وهي ثلاث، وهي وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلًا, وأمّا مناسبة ثلاث عشرة فبضمّ صلاة الصبح - لكونها نهارية - إلى ما بعدها". (¬1) بل خرّج مسلم كما سبق (ص 178) في [كتاب المسافرين] حديث عائشة بطرقه، فذكر طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وفيه: " ... يسلّم بين كل ركعتين".

12 - الحديث الثاني عشر: حديث طلحة قال: "صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قال: لتعلموا أنما هي سنة"

الحديث الثاني عشر حَدِيثُ طَلْحَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ" (¬1). قُلْتَ: وَرَوَى الْبُخَارِي عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ اْلأنْصَارِ، فَكَانَ مِمَّا حَفِظْتُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُ ارْحَمْهُ، ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري في [الجنائز (1335) باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة] من طريق شعبة وسفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة به. وقد جمع الشيخ الألباني في كتابه النفيس "أحكام الجنائز" (ص 151) بين روايات هذا الحديث، فقال: "ثمّ يقرأ عقب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة، لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: "صلّيت خلف ابن عبّاس - صلى الله عليه وسلم - على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتّى أسمعنا، فلمّا فرغ أخذت بيده فسألته فقال: إنّما جهرت لتعلموا أنها سنّة وحقّ". وعزاه لأبي داود والنسائي والترمذي وابن الجارود في "المنتقى" والدارقطني والحاكم. قلت: وأخرج الشافعي في "الأمّ" (1/ 239 - 240)، ومن طريقه البيهقي (4/ 39)، وابن الجارود (265)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 436) عن الزهري عن أبي أمامة أنّه أخبره رجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ السُّنة في الصلاة على الجنازة أن يكبّر الإمام ثمّ يقرأ بفاتحة الكتاب ... ". وصحّحه الألباني كما في "أحكام الجنائز" (ص 155). قال الشافعي: "وأصحاب النبىّ - صلى الله عليه وسلم - لا يقولون بالسُّنّة والحقّ إلّا السنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله تعالى".

إِلَى آخِرِ الْدُّعَاء ... " (¬1)، وَلَمْ يَذْكُرْ فَاتِحَةَ الكِتَابِ؟ فالجواب: إنّ طلحةَ؛ هذا الذي روى عن ابن عبّاس، أحدُ الثقات الأثبات الأشراف، وهو طلحة بن عبد الله بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف، يُكنّي أبا محمّد، من علماء أهل المدينة، وكان من سروات قريش وأجوادهم، وكان قد وَلِيَ المدينة، فكان سعيد ابن المسيِّب يقول إذا ذكره: "ما وَلِيَنا مثله"، تُوفِّي سنة سبع وتسعين. وإسناد حديثه هذا أصحّ من إسناد حديث عوف بن مالك، ولو كان حديث عوف بن مالك ثابتًا (¬2) ما كان فيه شيء يعارض حديث ابن عبّاس هذا. لأنّ عوفًا إنّما قال: فكان ما حَفِظتُ من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصّة دون القراءة التي هي محفوظة على كلّ لسان عنده، أو يكون لم يسمع من ذلك إلّا ما ذكر، وليس من قال: لم أسمع ولم أحضر ولم أعلم، بشاهد؛ لأنّ الشاهد مَن أثبت لا مَن نفى. وليس يعارض قولُ المثبِت بقول النافي، وقد أخبر ابن عبّاس أنّ قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة سُنّة، وقال هذا القول ليُثْبِت الحجّة فيها. ¬

_ (¬1) حديث عوف بن مالك لم يخرجه البخاري، وإنّما أخرجه مسلم في [الجنائز (963) باب الدعاء للميت في الصلاة] من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك بلفظ: صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللهمّ اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه ... " وذكر الحديث. (¬2) بل هو ثابت، فقد أخرجه مسلم وغيره كما مرّ قريبًا.

ولفظ ما أوردتَه من حديث ابن عبّاس في سؤالك ناقص، وإنّما الحديث: "أنّ ابن عبّاس قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب فجهر بها، ثمّ لمّا انصرف قال: إنّما جهرتُ بها لتعلموا أنّ قراءتَها سُنّة" (¬1). وإنّما كان يكون حديث عوف معارضًا لمِا قال ابن عبّاس، لو قال عوف: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقرؤوا على الجنازة بفاتحة الكتاب"، فحينئذ كان يصحّ التعارض، فيطلب الدليل على الناسخ منهما من المنسوخ، على أنّ كلّ مَن قال بقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة من الفقهاء لا يمنع ولا يَدفع أن يُدعى للميّت مع قراءتها بما في حديث عوف بن مالك من الدعاء، وبأكثر وبأقلّ، وكلّهم يستعمل حديث عوف بن مالك، ومثله في ذلك ولا يأباه؛ مع قراءة فاتحة الكتاب. والذين يقولون بقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، يختلفون على قولين، فطائفة منهم تقول بقراءة فاتحة الكتاب عقيب كلّ تكبيرة وتدعو بإثرها؛ لأنّ التكبيرة في الصلاة مقام ركعة في غيرها؛ روي ذلك عن أبي هريرة (¬2) والمِسْوَر بن مَخْرَمة. وبعض المحدّثين يرفع حديثهما أيضًا؛ وهو قول الحسن بن عليّ والحسن البصري (¬3)، ومحمّد بن سيرين، وشَهْر بن حَوْشَب، وفِرْقة من أهل الظاهر. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه وعزوه (ص 182). (¬2) جاء في "الأوسط" لابن المنذر (5/ 439) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه اّنه سأل أبا هريرة: كيف تصلّي على الجنازة؟ قال: "أنا لعمر الله أخبرك؛ اتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبّرت، وحمدت الله، وصلّيت على نبيّه محمّد - صلى الله عليه وسلم - ثمّ أقول: اللهمّ عبدك ... " وذكر الحديث، وسنده صحيح. (¬3) أخرجه ابن أبى شيبة (3/ 298) من طريق ابن عون: "أنّ الحسن كان يقرأ بفاتحة الكتاب في كل تكبيرة على الجنازة"، وكذلك هو عند عبد الرزاق (3/ 491/ 6341) من طريق يونس عنه.

وقال آخرون: لا يُقرأُ عليها بفاتحة الكتاب إلّا مرّة واحدة عقيب التكبيرة الأولى، وهذا قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود بن عليّ، وروي ذلك عن ابن عبّاس من وجوه، وعن ابن مسعود وعثمان بن حنيف وابن الزبير و (عبيد) (¬1) ابن عمير وأبي أمامة بن سهل بن حنيف. وقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة مشهور معلوم بالمدينة، والاختلاف في هذه المسألة بالمدينة معروف (¬2)، ومِمَّن قال: ليس في الصلاة على الجنازة قراءة، وإنّما هو دعاء، مالك وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابهم، وروي ذلك عن ابن عمر (¬3) وفَضالة ابن عُبَيد، وقد روي - أيضًا - عن أبي هريرة خلاف الرواية الأولى، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب والشعبي والحكم وحمّاد. وروي - أيضًا - عن ابن سيرين خلاف الرواية الأولى (¬4)، ومن طريق النظر أنّها ¬

_ (¬1) في الأصل: "عبد"، والصواب المثبت، وهو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أبو عاصم المكّي، ولد على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قاله مسلم، وعدّه غيره في كبار التابعين، وكان قاصّ أهل مكّة، مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمر. (¬2) ذكر ابن حزم في "المحلّى" (1/ 351 - 354) الخلاف في المسألة، وذكر الخلاف عن أهل المدينة، فقال: "وهم يعظّمون خلاف أهل المدينة، وهاهنا أريناهم عمل الصحابة وسعيد بن المسيِّب وأبي أمامة والزهري، علماء أهل المدينة، وخالفوهم، وبالله تعالى التوفيق". (¬3) صح عنه كما في "الموطّأ" في [الجنائز (19) باب ما يقول المصلّي على الجنازة؟ ] من طريق نافع أنّ عبد الله ابن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة. (¬4) ينظر للخلاف في القراءة خلف صلاة الجنازة: "الاستذكار" (3/ 40)، و"الأمّ" للشافعي (1/ 270)، و"مسائل أبي داود للإمام أحمد" (ص 153)، و"الأوسط" لابن المنذر (5/ 438)، و"نيل الأوطار" =

كسائر الصلوات؛ لأنّها لا ركوع فيها ولا سجود ولا تشهّد، فغير نكير أن تكون خارجة من عموم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلاة لمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ"، لكنّهم قد أجمعوا على أنّها لا تُصلَّى على غير طهارة، ولا إلى غير القبلة، إلّا الشعبي وحده، فإنّه شذّ عن العلماء في هذه المسألة وأجازها بغير وضوء ولا تيمّم، وقال: "إنّما هو دعاء" (¬1)، ومسائل الخلاف يطول الكلام فيها، فلا وجه للتعريض بذلك، وفيما أتينا به بيان ما سألت عنه إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ = (4/ 69 - 70)، و"المغني" (3/ 411)، و"المحلى" (3/ 351 - 354)، و"المدونة الكبرى" (1/ 174)، و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (1/ 362). (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 498/ 11478) من طريق يزيد بن هارون قال: نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في الرجل يحضر الجنازة وهو على غير وضوء؟ قال: "يصلّي عليها". ورواه من طريق وكيع عن سهل ومطيع عن الشعبي قال: "يصلّي عليها"، زاد فيه مطيع: "ليس فيه ركوع ولا سجود". إسناد الأوّل صحيح.

13 - الحديث الثالث عشر: حديث قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الميت إذا دفن أنه يسمع خفق النعال ... الحديث

والحديث الثالث عشر حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَيِّتِ إِذَا دُفِنَ أَنهُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ إِذَا وَلوْا عَنْهُ مُدْبرِينَ (¬1). وَذَكرْتَ قَوْلَ عَائِشَةَ حِينَ ذُكرَ لَهَا حَدِيثُ أَهْلِ الْقَلِيبِ أَنهَا نَزَعَتْ بقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [الجنائز (1338) باب الميّت يسمع خفق النعال]، وفيه [(1374 باب ما جاء في عذاب القبر] من طريق سعيد بن أبي عروبة، ومسلم في [كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2870) باب عرض مقعد الميّت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، من طريق شيبان ابن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولّى عنه أصحابه، إنّه ليسمع قرع نعالهم"، قال: "يأتيه ملكان فيقعدانه ... " الحديث. (¬2) أخرجه البخاري في [المغازي (3978 - 3979 - 3980 - 3981) باب قتل أبي جهل]، ومسلم في [الجنائز (932) باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه] من طريق أبي أسامة حمّاد بن أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميّت يعذب في قبره ببكاء أهله"، فقالت: "وَهِلَ، إنّما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّه ليعذّب بخطيئته وذنبه، وإنّ أهله ليبكون عليه الآن"، ذلك مثل قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على القليب، وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: "إنّهم ليسمعون ما أقول"، إنّما قال: "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق"، ثم قرأتْ [النمل: 80]: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، يقول: حين تبوّءوا مقاعدهم من النار".

فالجواب: إنّ حديث قتادة عن أنس هذا صحيح، ومعناه؛ أنّ الميّت تُرَدُّ إليه روحه فيساءل في قبره عن ربِّه وعن دينه ونبيِّه، ويأتيه الملكان الفتانان اللذان يفتن الله بهما المُرتابِين ويُثبِّت المؤمنين، وإذا رُدّت عليه روحه؛ لم يُنكَر عليه سماع المنصرفين من دفنه وهذا لم نَقُلْه من جهة قياس ولا إعمال نَظَر، وإنّما قلناه اتّباعا للآثار المتواترات المنقولة على ألسنة الجماعات الثقات الذين تناءت أوطانهم وبَعُدَت ديارُهم، واختلفت أهواؤهم كلّهم ينقل في فتنه القبر آثارًا صحيحة من جهة النقل لا يدفعها إلّا مبتدع (¬1)، ¬

_ (¬1) حديث السؤال في القبر روي عن عدّة من الصحابة، منهم: 1/ أبو هريرة: وحديثه عند الترمذي في الجنائز (3/ 374/ 1071)، وقال: "حسن غريب"، وابن أبي عاصم في "السنّة" (2/ 416 - 417/ 864)، وابن حبّان في "صحيحه" كما في "موارد الظمآن" (ص 179) حديث (779)، وحسّن الألباني إسناده في هامش "السنّة"، وانظر: "السلسلة الصحيحة" (1391). 2/ أنس: حديثه سبق تخريجه قبل قليل. 3/ عبد الله بن عمرو: وحديثه رواه ابن حبان - كما في "الموارد" (ح 778 - ص 197)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"، وهو حسن بطرقه. 4/ عبد الله بن مسعود: حديثه أخرجه الآجرّي في "الشريعة"، لكن فيه أبو بكر بن عياش، ساء حفظه لمّا كبر، لكن يشهد له حديث أنس المتقدم. 5/ البراء بن عازب: حديثه أخرجه أحمد (4/ 278)، وأبو داود في "السنة" - عون المعبود - (13/ 92 - 89)، وعبد الله بن أحمد في "السنّة" (1438 - 1444)، وابن أبي شيبة (3/ 374 - 380)، والحاكم في "المستدرك" وصحّحه (1/ 37 - 39)، وغيرهم، وصحّحه الألباني كما في "أحكام الجنائز" (198 - 202). أقول: ذهب أهل السنة والجماعة إلى إثبات عذاب القبر ونعيمه، وأقرّوا به، وهو من جُملة عقيدتهم =

(رادّ) (¬1) للسنن، وليس من أئمّة المسلمين وفقهائهم وحملة الآثار منهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أحد ينكر فتنة القبر. فلا وجه للاشتغال بأقاويل أهل البدع والأهواء المضِلَّة، وقد روي عن جماعة من المفسّرين العالمِين بتأويل القرآن من الصحابة والتابعين، أنّهم أوّلوا في عذاب القبر آيات من كتاب الله تعالى، منها قوله عز وجل: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101] (¬2)، قالوا: المرّتان: القتل (¬3) وعذاب القبر (¬4)، قال بعضهم: ¬

_ = التي يدينون الله بها، وعندهم أن النعيم أو الجذاب يقع على البدن والروح معًا. قال ابن أبي العزّ في "شرح الطحاوية" (399 - 400): "وليس السؤال في القبر للروح وحدها كما قال ابن حزم وغيره، وأفسد منه قول من قال: إنّه للبدن بلا روح، والأحاديث الصحيحة تردّ القولين، وكذلك عذاب القبر يكون للنفس والبدن جميعًا، باتّفاق أهل السنّة والجماعة، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتّصلة به. واعلم أنّ عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكلّ من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قُبِر أو لم يُقبر، أكلته السباع، أو احترق حتّى صار رمادًا ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور". قال أبو بكر المروزي "طبقات الحنابلة" (1/ 62): قال لنا أبو عبد الله: "عذاب القبر حقّ، ما ينكره إلّا ضالّ مضلّ". وقال ابن هانئ في "مسائله" (1/ 191): قيل له - أي: الإمام أحمد -: وعذاب القبر، ومنكر ونكير؟ قال أبو عبد الله: "نؤمن بهذا كلّه، ومن أنكر واحدة من هذه فهو جهمي". (¬1) في الأصل: "رادًا"، والصواب ما أثبتُ اتباعًا لقواعد النحو. (¬2) في الأصل: "عذاب غليظ"، وهو خطأ. (¬3) أخرجه الطبري (11/ 8) بسند صحيح عن مجاهد في هذه الآية: "القتل والسباء". (¬4) أخرج الطبري (11/ 9) بسند حسن عن قتادة في هذه الآية: "عذاب الدنيا وعذاب القبر".

الجوع وعذاب القبر (¬1). ومنها قوله عز وجل: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، قالوا: العَيْش الضَنْك عذاب القبر (¬2). ومنها قوله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ (¬3) الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (¬4) فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}؛ قالوا: أنزلت هذه في عذاب القبر (¬5). وقد روي من حديث البراء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك حديث مرفوع بمثل ذلك (¬6). وأمّا الآثار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في عذاب القبر فلا تَكاد تُحصى بعددٍ تواترًا واشتهارًا وصحّةً، وكذلك هي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان كثيرة شهيرة يجب الاستناد ¬

_ (¬1) نسبه ابن كثير (2/ 350) لمجاهد، وكذا البغوي في "تفسيره" (4/ 323)، والقرطبي (8/ 153)، والطبري (11/ 9). (¬2) أخرجه ابن حبّان (7/ 388 - 389/ 3119)، والحاكم (1/ 381) من طريق أبي الوليد ثنا حماد ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا، وسكت الذهبي عن إسناد الحاكم، وحسّن الشيخ الأرنؤوط إسناده في تعليقه على "الإحسان"، وأخرج له الحاكم شاهدًا من حديث أبي سعيد، وقال: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حمّاد بن سلمة به، نقله ابن كثير، وقال: "إسناده جيّد". (¬3) ليست موجودة في الأصل. (¬4) في الأصل بعد قوله: {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} زيادة: "فالقول الثابت"، ولا معنى لها، ولذا حذفتها. (¬5) أخرجه البخاري في [كتاب التفسير (4699) باب سورة إبراهيم]، ومسلم في [كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها (4/ 2201) باب عرض مقعد الميّت من الجنّة أو النار عليه ... ] من حديث البراء ابن عازب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) سبق تخريجه (ص 188)، وهو حديث البراء الطويل الذي فيه وصف حالة المحتضر، وبعد خروج روحه مسلمًا كان أو كافرًا، وكيف تستقبل روحهما، ثم تعاد إلى الجسد، وسؤال الملكين في القبر.

إليها (¬1)؛ لأنه لا يجوز على جماعتهم الغلط في تأويل قول الله عز وجل: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11]. وكلُّ مَن تكلّم في تفسير القرآن من السلف في هذه الآية وغيرها يُقِرّ بفتنة القبر ويؤمن بها ويرى الآثار فيها (¬2) وهم أهل العلم بالقرآن ولسان العرب ومراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) هناك من لم يُوَفَّق للحقّ فجحد عذاب القبر أو أثبته إثباتا يوافق هواه، أمّا الأحاديث المتواترة الصحيحة في هذا الباب - كما ذكر المصنّف وغيره - فلم يلتفتوا إليها، وكثير منهم انظر إلى المسألة من زاوية عقلية صرفة مع أنّ العقل لا يحيل ذلك مطلقًا، فقدرة الله تبارك وتعالى عظيمة، وهي فوق كلّ شيء، ولم يرد في الشريعة ما تحيله العقول، وقد يرد فيها ما تحار فيه العقول، وفي الإيمان بمثل هذا دافع على زيادة الإيمان والتسليم لله - جل وعلا - والمعرفة بعظيم قدرته وسلطانه. انظر: "الروح" لابن القيّم (80 - 81). (¬2) في الأصل: "عنها"، والمثبت هو الظاهر في الصحّة، ومقصود المؤلف: "ويرى صحّة الآثار فيها"، والله أعلم. (¬3) لا شكّ أن أهل السنة والجماعة نزعوا بآيات من الكتاب العزيز دلالات على ثبوت عذاب القبر زيادة على ما ذكر المصنف، فذكروا قوله تعالى: {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93] , وقوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 45، 46] , وقوله: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الطور: 45 - 47]. لكن ما ادّعاه المصنف رحمه الله من أن قوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} لا يختلف من تكلّم فيها أنّه أثبت بها عذاب القبر، فهذا خلاف الواقع، فقد أخرج الطبري بسند حسن عن قتادة في قوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} قال: "كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثمّ أماتهم الموتة التي لا بدّ منها، ثمّ أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتان". =

وأمّا حديث القليب، فهو ثابت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس عنه: "أنْهُ وَقَفَ عَلَى كفَّارِ قُرَيْشِ؛ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ، وَأَبِي جَهْل بْنِ هِشَامٍ، وَأَشْيَاعِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ القَلِيبِ، فَنَادَاهُمْ بِأَسمائِهِمْ: هَلْ وَجَدتُّمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدتُّ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًا"، فقال له أصحابه: يا رسول الله؛ أتنادي قومًا قد جيفوا؟ فقال: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لمِا أَقُولُ، وَلَكِنّهمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا" (¬1). فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّهم سمعوه، وقد يحتمل أن يكون وقوفه عليهم ونداؤه إيّاهم كان في الوقت الذي تُرَدّ فيه الروح في القبر إلى من يساءل عن ربّه ودينه، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ المنافق هو في الدرك الأسفل من النار يساءل عن ذلك، فغير نَكِير أن يساءل عن ذلك أو ¬

_ = وقال ابن كثير عند هذه الآية: "قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "هذه الآية كقوله تعالى: {تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} "، وكذا قال ابن عبَّاس والضحاك وقتادة وأبو مالك، وهذا هو الصواب الذي لا شكّ فيه ولا مرية"، ثمّ ذكر في معنى ما ذكره المصنّف عن السدّي وضعّفه. (¬1) هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبري (2/ 37)، وابن هشام في "السيرة" (2/ 638 - 639)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (3/ 292) من طريق ابن إسحاق قال: حدّثني حميد الطويل عن أنس به، انظر "الدرر" للمصنف (1/ 107). وأخرج نحوه البخاري في "الصحيح" [المغازي (3976) باب قتل أبي جهم]، والإمام أحمد برقم (12014، 15766) من طريق قتادة عن أنس به، وأخرجه مسلم في [كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها (2874) باب عرض مقعد الميّت] من حديث ثابت عن أنس. وفيه قال قتادة: "أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا ونَقِيمةً وحسرةً وندمًا". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/ 353): " أراد قتادة بهذا التأويل الردّ على من أنكر أنهم يسمعون، كما جاء عن عائشة أنها استدلّت بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ".

بعضه أو ما يشبهه مَن جحد بآيات الله واستمعتها نفسه من كفّار قريش وغيرهم، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ اليهود تعذّب في قبورها (¬1) وسائر الكفّار في القياس مثلهم (¬2). ¬

_ (¬1) حديث عذاب اليهود في قبورهم أخرجه البخاري في [الجنائز (1375) باب التعوّذ من عذاب القبر]، ومسلم في [كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2869) باب عرض مقعد الميّت] من حديث أبي أيّوب قال: خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعدما غربت الشمس، فسمع صوتًا، فقال: "يهود تعذّب في قبورها". (¬2) وقع الخلاف عن السؤال في القبر أهو خاصّ بمن يدّعي الإيمان محقًّا كان أو مبطلًا - كالمنافق - أم أنه يشمل الكافر؟ والصواب - والله أعلم - أن السؤال يشمل الجميع، ففي حديث أنس في عذاب القبر، قال - صلى الله عليه وسلم -: "وأمّا المنافق أو الكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ... "، وفي رواية له: "وأمّا الكافر أو المنافق"، وفي رواية لأبي داود من حديث أبي هريرة: "وإن الكافر إذا وضع"، وفي رواية أحمد من حديث أبي سعيد: "وإن كان كافرًا أو منافقًا"، وفي رواية عن أسماء: "فإن كان فاجرًا أو كافرًا"، وفي رواية أخرى لها في الصحيحين: "وإنّ المنافق أو المرتاب". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 282): "فاختلفت هذه الروايات لفظًا، وهي مجتمعة على أن كلًّا من الكافر والمنافق يسأل، ففيه تعقيب على من زعم أنّ السؤال إنما يقع على من يدّعي الإيمان، إن محقًّا أو مبطلًا، ومستندهم ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير - كذا، والذي في "المصنّف" (3/ 59) عن ابن جريج قال: قال عبد الله بن عمر فذكره - أحد كبار التابعين، قال: "إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأمّا الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه"، وهذا موقوف، والأحاديث الناصّة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة، فهي أولى بالقَبول". ثم نسب إلى ابن عبد البرّ القول بأنّ الكفار لا يسألون عن دينهم، والمثبت في النسخة خلاف ما نسبه ابن حجر، وقبله ابن القيم في "الروح"، إلّا أن يكون قصدهم ما ذكره ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (3/ 88) قال: "وأمّا قوله: "إنّ أحدكم" فإنّ الخطاب موجّه إلى أصحابه وإلى المنافقين، والله أعلم، فيعرض على المؤمن مقعده من الجنّة، وعلى المنافق مقعده من النار"، وانظر: "التمهيد" (14/ 109).

وقد يمكن أن يكون أثر أهل القليب خصوصًا بهم، خُصُّوا بِرَدِّ أفهامِهم إليهم ففهموا عنه عليه السلام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ"، وهو عليه السلام لا يقول إلّا حقًّا، وليكن هذا لمن يكون على مذهب من يقول: إنّ الأرواح على أفنية القبور ولم يكن لهم قبر إلّا القليب، فكانت أرواحهم تسمع ذلك، وإن لم تردّ إلى أجسادهم، ألا ترى إلى سَلامِه - صلى الله عليه وسلم - على أهل المقبرة؛ وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمنينَ" (¬1). ويمكن أن يكون معناه ما لا نُدركُه نحن، ولم نُؤْتَ مِن نوع هذا العلم إلّا قليلًا على إبانة من الله عز وجل، فإنّ ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تضرب (¬2) له الأمثال، ولا يدخل عليه المقاييس، فلا يُؤمِن عبدٌ يَجِد حرجًا في نفسه من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو العالم بمراد الله عز وجل، وبه عَلِمْنا ما عَلِمْنا، وإنّما بُعِث إلى أُمّتِه وهي لا تعلم شيئًا؛ جزاه الله عنها بأفضل ما جزى نَبِيًّا عن أمّته. وقد أنكر أهل العلم المناظرة في مثل هذا ممّا قد صحّ به الأثر، واشتهر به الخبر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: لا شيء في هذا إلّا التسليم؛ وأباحوا كلّهم المناظرة فيما تحته عمل من الأحكام التي شرع فيها القياس والتمثيل. وأمّا قول الله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، فليمس فيه - والله أعلم - ما يدفع شيئًا مِمّا ذكرنا، ويجوز أن يكون معناه؛ وما أنت بِمُستجيبٍ لك مَن في القبور، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في [الطهارة (249) باب استحباب إطالة الغرّة والتحجيل]، وفي [الجنائز (974) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، من حديث أبي هريرة، وأخرجه غيره. (¬2) في الأصل: "أن لا تضرب"، والظاهر أن "أن" مقحمة لا معنى لها.

وكذلك هؤلاء لا يستجيبون، وأنّهم كَهُمْ في عدم الاستجابة ولا عليك أن يجيبوا إنّما عليك أن تُسمِعَهم وتُبلِّغَهم، إنّما أنت نذير، فهذا معنى قوله والله أعلم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} (¬1). ومعلوم أنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للكفّار، وقد علمنا أنّه يسمع الكفّار بدعائه إيّاهم إلى الإيمان ولم يعدم منهم السمع، ولو عدموا السمع لارتفع عنهم ¬

_ (¬1) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}: "اعلم أن التحقيق الذي دلّت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أنّ معنى قوله هنا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا يصحّ فيه من أقوال العلماء إلّا تفسيرين: الأول: أن المعنى: إنّك لا تسمع الموتى، أي: لا تسمع الكفّار الذين أمات قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماعَ هدى وانتفاع؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة، وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع، ومن القرائن القرآنية الداتة على ما ذكرنا أنه - جلّ وعلا - قال بعده: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}. الثاني: هو أن المراد بـ "الموتى" الموتى بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفيّ في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وإنّ هذا مثل ضُرِب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتّباع، كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل، لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع، كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأمّا سماع آخر فلا، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه أبو العبّاس ابن تيمية رحمه الله ... ". انظر: "أضواء البيان" (6/ 416 - 420).

التكليف، إنّما عدمت منهم الاستجابة، فمعنى قوله والله أعلم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}: وما أنت بمستجيبٍ لك مَن في القبور، ومثل هذا قوله عز وجل: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى [يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ] (¬1)} , وقوله: {مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ}. وقد يكون "سمع" بمعنى أجاب، كقوله: سمع الله دعاءك، وسمع الله لمن حمده، يريدون أجاب الله دعاءك وحَمْدك - والله أعلم بما أراد بقوله ذلك - وهذا خارج على أصول السنّة ولسان العرب، وبمثل هذا أباح العلماء تأويل القرآن، وهذا الذي حضرني من الجواب فيما سألتَ عنه، فإن أنكرتَ شيئًا من قولي، وبان لك إنكاره، فلا تعجل حتّى تخاطبني بما ظهر إليك ليقع عليه جوابي، ويَقِرَّ الحقُّ مَقَرَّه، وبالله العصمة والتوفيق لا شريك له. * * * ¬

_ (¬1) زيادة على الأصل متعيّنة؛ لأن الوقف على الموتى ممنوع.

14 - الحديث الرابع عشر: حديث ترك الصلاة على شهداء أحد، وحديث صلاته - صلى الله عليه وسلم - على شهداء أحد بعد ثماني سنين

الحديث الرابع عشر سؤالك عن ترك الصلاة على الشهداء (¬1)، وعن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهداء أُحُد بعد ثماني سنين (¬2). ¬

_ (¬1) حديث ترك الصلاة على الشهداء أخرجه البخاري في [الجنائز (1343) باب الصلاة على الشهيد]، وفيه [(1347) باب من يقدّم في اللحد]، وفي [المغازي (4079) باب من قتل من المسلمين يوم أحد] من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيّهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسَّلوا، ولم يصلَّ عليهم". (¬2) أخرجه البخاري في [الجنائز (1344) باب الصلاة على الشهيد]، وفي [المناقب (3596) باب علامات النبوّة في الإسلام]، وفي [المغازي (4042) باب غزوة أحد]، وفيه قوله: بعد ثماني سنين، وفيه [(4085) باب أحد جبل يحبّنا ونحبه]، وفي [الرقاق (6426) باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها]، وفيه [(4590) باب في الحوض]. وأخرجه مسلم في [كتاب الفضائل (2296) باب إثبات حوض نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - وصفاته] من طريق أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى على قتلى أحد بعد ثماني سنين، كالمودّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: ... " الحديث بتمامه.

فالجواب: عن ذلك أنّ الصلاة على الشهيد غيرُ مجُمَع عليها ولا على تَركِها، وقد اختلفت الآثار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، واختلف علماء المسلمين فيه، فروى جابر وغيره عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنّه لم (يُصَلِّ) عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ" (¬1)، وبذلك قال مالك بن أنس والليث بن سعد ¬

_ (¬1) في الأصل: "أنّه لم يزل يصلّي على قتلى أحد"، والظاهر أنّه خطأ، والخطأ أظنه من الناسخ، وما أكثر أخطاءه؛ لأن الثابت عن جابر - كما مرّ في أوّل الحديث - أنّه نفى صلاته - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد، والظاهر أنّ العبارة هكذا: "أنّه لم يصلِّ على قتلى أحد"، وبهذا قال مالك في "البيان والتحصيل" (2/ 249 - 250)، و"النوادر والزيادات" (1/ 615 - 617)، و"المدوّنة" (1/ 182)، و"الذخيرة" (2/ 474)، و"الإشراف" (1/ 357)، والشافعي، كما نصّ على ذلك ابن حجر في "الفتح"، وكذا حكاه النووي في "المجموع" (5/ 261) على أنّه متفق عليه بين الشافعية، وغيرهما. والتحقيق في الصلاة على الشهيد ما ذكره العلّامة الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 107 - 108)، بعدما ذكر الأحاديث الدالّة على ثبوت صلاته - صلى الله عليه وسلم - على الشهداء، قال: "قد يقول قائل: لقد ثبت في هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء، والأصل أنها واجبة، فلماذا لا يقال بالوجوب؟ ! قلت: لما سبق ذكره ... ونزيد على ذلك هنا، فنقول: لقد استشهد كثير من الصحابة في غزوة بدر وغيرها، ولم ينقل أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلّى عليهم، ولو فعل لنقلوه عنه، فدلّ ذلك على أن الصلاة عليهم غير واجبة". وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (4/ 295): "والصواب في المسألة أنّه مخيّر بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وهي الأليق بأصوله ومذهبه". قلت: وحكى هذا الوجه من الجمع النووي في "المجموع" (5/ 260) عن إمام الحرمين والبغوي وغيرهما. فلاح بأنّ إيراد الحديث هكذا خطأ، والصواب ما أثبتّ.

والشافعي وجماعة، وروى ابن عبّاس (¬1) وابن الزبير (¬2) أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "صلَّى عَلَى حَمْزَةَ وَعَلَى سَائِرِ شُهَدَاء أُحُدٍ"، وبذلك قال فقهاء العراقيين والشاميين. وروى عقبة بن عامر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صلاتهُ عَلَى الميَتِ" (¬3). وهذا عندي - والله أعلم - يَحتَمل أن يكون خرج إليهم فدعا لهم بالرحمة والمغفرة كما يُدعَى للميّت، والصلاة في اللغة الدعاء، وليس في دعائه لهم ما يحتاج إلى القول؛ لأنه لعلّه أُمر بذلك كما أُمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات (¬4)، وسواء دعا لهم بعد ثماني سنين أو ثمانين سنة، فقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع فصلّى على أهله، وذكر أنّه بذلك أُمِر، ومعنى ذلك عندنا - أيضًا - أنّه دعا لهم، فإن ظنّ ظانّ أنّ صلاته على شهداء أحد من أجل أنّه لم يصلّ عليهم، وهذا لا يظنّه عالم، وقد صحّ عنه صلاته - صلى الله عليه وسلم - على أهل البقيع، والاختلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا في الصلاة على (الشهداء) (¬5) أشهر وأعرف من الاختلاف في غسلهم، فإنّ الآثار في ترك غسلهم لم ¬

_ (¬1) حديث ابن عباس أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 503)، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو "ضعيف، كبر فتغيّر وصار يتلقّن، وكان شيعيًا"، قاله الحافظ في "التقريب". (¬2) حديث ابن الزبير أخرجه - أيضًا - الطحاوي (1/ 503)، قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 106): "إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات معروفون، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث". (¬3) سبق تخريجه في (ص 197). (¬4) ثبت في الرواية قوله: "فصلى على أهل أحد صلاته على الميّت"، وبهذا اندفع تأويل المصنّف رحمه الله. (¬5) في الأصل: "الشهيد"، والظاهر المثبت لأجل السياق.

تضطرب ولا تختلف، وإن كان سعيد بن المسيِّب والحسن البصري وعبيد الله ابن الحسن العنبري قد قالوا: إنّ الشهداء كلّهم مَن قَتَله منهم العدوّ ومَن قُتِل في المعتَرَك من أنواع الشهداء كلّهم يُغسَلون ويُصلَّى عليهم (¬1)، وقال سائر العلماء من التابعين وفقهاء الأمصار وأهل الآثار أنّهم لا يغسلون، واختلفوا في الصلاة عليهم على حَسَب ما ذكرتُ لك ومسائل الخلاف يتّسع فيها القول؛ لأنّ لكلٍّ وجهًا لم يذهب إليه إلّا بعد اجتهاده (¬2)، والله الموفّق للصواب. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 467). (¬2) انظر للخلاف في هذه المسألة: "نيل الأوطار" (4/ 49 - 50)، و"المغني" (3/ 467)، و"المحلى" (3/ 337 - 336)، و"الفتح" (3/ 249 - 250).

15 - الحديث الخامس عشر: حديث الصبي الذي قتله الخضر

الحديث الخامس عشر سؤالك عن الصبيّ الذي قتله الخضر (¬1) أكان قد بلغ الحلم أم لم يبلغ أو كان مِمّن اجترح الذنوب أم لا؟ وما يجب أن يعتقد في أطفال المشركين، هكذا في كتابك عن الصبيّ الدي قتله الخضر. فالجواب: إنّه لو صحّ أنه كان صبيًّا حين قتله الخضر عليه السلام لصحّ أنه كان مِمّن لَم يبلغ الحُلُم، لأنّ اسم الصبيّ لا يقع على من احتلم، والصبيّ عند أهل اللغة المولود ما دام رضيعًا، فإذا فُطِم سُمِّي غلامًا إلى سبع سنين ويصير يافعًا إلى عشر سنين ثمّ يصير حَزَوَّرا، وإلى خمس عشرة منه (¬2). فالغلام الذي قتله الخضر قد سمّاه الله غلامًا ولم يُسمِّه صبيًّا ولا حَزوَّرا ولا رجلًا؛ وهذا الاسم حقيقته عند أهل اللغة ما ذكرتُ لك، وإذا كان ذلك كذلك ارتفع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [العلم (122) باب ما يستحبّ للعالم إذا سئل أيّ الناس أعلم، فيكل العلم إلى الله]، وفي [التفسير (4725) باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}]، وفيه [(4627) باب {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا}]، وفيه [(4727) باب {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ}]، وأخرجه مسلم في [الفضائل (2380) باب من فضائل الخضر عليه السلام]. (¬2) ذكر هذا الحافظ ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (3/ 110)، و"التمهيد" (18/ 109).

عنه اكتساب الاثم، واجتراح السيّئات. وأمّا قول موسى عليه السلام: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74] فإنّه لمّا كان عنده مِمّن لم يجترِح السيّئات ولا يجري عليه كتابتها لصِغَرِه سَمّاه زاكيًا، فأعلمه الخضِر بعلم من علم الله لم يكن عنده. والذي عليه أهل العلم بتأويل القرآن والسنّة، أنّ الغلام الذي قتله الخَضِر كان (مِمّن) (¬1) لم يبلغ حدّ التكليف على ما قاله أهل اللغة في الغلام أنّه كان طُبع كافرًا أو خُلِق كافرًا شَقِيًّا في بطن أمّه على ما روى ابن مسعود وأنس وأبو هريرة وغيرهم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ" (¬2). وقد روى سليمان (¬3) عن رَقَبةَ بن مَصْقَلة عن [أبي] (¬4) إسحاق (¬5) ¬

_ (¬1) في الأصل: "من"، والمثبت هو الصواب. (¬2) لم أجده بهذا اللفظ والسياق عن ابن مسعود - سيأتي عنه موقوفًا وله حكم الرفع - ولا عن أنس، وأمّا عن أبي هريرة فقد أخرجه الآجرّي في "الشريعة" (2/ 785/ 366)، واللالكائي (4/ 596/ 1057)، وابن بطّة (2/ 138/ 140)، وأشار إليه البيهقي في "الاعتقاد" (ص 58)، من طريق يحيى بن عبد الله بن عبيد الله ابن أبي مليكة عن أبيه عن أبي هريرة، ويحيى قال عنه أحمد وأبو حاتم: "منكر الحديث"، وقال الحافظ في "التقريب": "ليّن"، وعليه، فالإسناد ضعيف، لكن له طريق صحيحة عن ابن سيرين عن أبي هريرة رواه اللالكائي (4/ 596/ 1055، 1056)، وابن بطة (2/ 137/ 139)، والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 58) بلفظ: "السعيد من سُعِد في بطن أمه" فقط، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: "الشقى من شقي في بطن أمّه"، فقد رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 83/ 188)، وصحّحه الألباني. (¬3) سليمان هو: ابن بلال التيمي، مولاهم، أبو محمد وأبو أيوب المدني، ثقة، مات سنة (177) "التقريب". (¬4) غير موجودة في الأصل. (¬5) أبو إسحاق هو: عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة مكثر عابد، اختلط بأخرة، مات سنة (129)، وقيل قبل ذلك "التقريب".

عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن أبيّ بن كعب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ الغُلاَمَ الَّذِي قتلَهُ الخَضِرُ طُبعَ كَافِرًا وَلَوْ عَاشَ لأَرْهَقَ أَبَوَيهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا" (¬1). ورَقَبة بن مَصْقَلة ثقة (¬2)، وغيره في الإسناد يستغنى عن ذكره. وهذا الحديث مطابق للآثار المتواترة في أنّ: "الشَقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمَهِ" (¬3). وروى سفيان وشعبة وأبو عوانة وأبو معاوية وعبد الواحد بن زياد وجماعة يطول ذكرهم كلّهم عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ أَوْ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ يَمْكُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثم يَصِيرُ مُضْغةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُم يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أنثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ مَا الأَجَلُ؟ وَمَا الأثرُ؟ فَيُوحِي وَيَكْتُبُ الملكُ، حَتَّى إِنَ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى لاَ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في [القدر (2661) باب معنى: "كل مولود يولد على الفطرة"]. (¬2) قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "شيخ ثقة من الثقات، مأمون"، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين: "ثقة"، وكذا قال النسائي، وقال العجلي: "ثقة، وكان مفوّها يُعَدُّ من رجالات العرب، وكان صديقًا لسليمان التيمي"، وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وأرّخ ابن الأثير وفاته سنة (129)، وقال الدارقطني: "ثقة، إلّا أنه كانت فيه دعابة"، انظر: "تهذيب التهذيب"، وقال الحافظ عنه في "التقريب": "ثقة مأمون، وكان يمزح". (¬3) سبق الكلام عليه وتخريجه (ص 202).

يَكُونُ بَيْنَه وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ أَوْ قَيْدُ بَاعٍ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ، فَيَعَمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنه وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ أَوْ قَيْدُ ذِرَاعٍ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الجَنّةَ" (¬1). حدّثنا سعيد بن نَصْر وعبد الوارث بن سفيان قالا: حدّثنا قاسم بن أصبغ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا يحيى بن أبي (بكير) (¬2) قال: ثنا زهير قال: ثنا عبد الله بن عطاء أنّ عكرمة بن خالد حدّثه أنّ أبا الطفيل حدّثه أنّه سمع عبد الله ابن مسعود يقول: "إنّ الشقيّ من شقي في بطن أمّه، وإنّ السعيد مَن وُعِظ بغيره، فخرجتُ من عنده أتعجّب مِمّا سمعتُه منه حتّى دخلت على (سريحة) (¬3) حذيفة ابن أَسِيد الغفاري فتعجّبتُ عنده، فقال: مِمَّ تعجب؟ فقلت: سمعت أخاك عبد الله ابن مسعود يقول: "إنّ الشقيّ مَن شَقَيَ في بطن أمّه وإنّ السعيد من وُعِظ بغيره"، قال: ¬

_ (¬1) حديث عبد الله بن مسعود أخرجه البخاري في [القدر (6594) أوّل حديث فيه]، وأخرجه مسلم في [القدر (2643) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمّه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته]، وله طرق كثيرة عن ابن مسعود، قال الحافظ في "الفتح" (11/ 487): " قد رواه أبو عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عند أحمد، وعلقمة عند أبي يعلى، وأبو وائل في "فوائد تمام"، ومخارق بن سليم وأبو عبد الرحمن السلمي؛ كلاهما عند الفريابي في كتاب "القدر"، وأخرجه - أيضًا - من رواية طارق، ومن رواية أبي الأوص الجشمي؛ كلاهما عن عبد الله مختصرًا، وكذا لأبي الطفيل عند مسلم، وناجية ابن كعب عند العيسوي، وخيثمة بن عبد الرحمن عند الخطّابي وابن أبي حاتم، ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن مسعود جماعة من الصحابة ... " فذكرهم. (¬2) في الأصل: "بكر"، والتصحيح من كتب الرجال و "التمهيد" (18/ 100). (¬3) في الأصل: "شريحة"، والتصويب من كتب التراجم و"التمهيد" نفسه.

ومن أيّ ذاك تعجب؟ فقلت: أيشقى أحدٌ بغير عمل؟ فأهوى إلى أذنيه وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذنيّ هاتين يقول: "إِنَّ النُّطْفَةَ تَمكثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ (يَتَصَوَّرُ) (¬1) عَلَيْهَا الملكُ - قال زهير: حسبته قال: الَّذِي يَخْلُقُهَا - فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أنثَى؟ يَا رَبِّ سوِيٌّ أَوْ غيرُ سَوِيٍّ؟ فيجعله الله سويًّا أو غير سويّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ؛ مَا أَجَلُهُ؟ مَا خَلْقُهُ؟ مَا رِزْقُهُ؟ " (¬2). قال أبو عمر: والعلماء مجُمِعون إلّا طائفة شذّت أنّ أولاد المسلمين في الجنّة وإن كانوا لم يبلغوا الحُلُم، فعلمنا بالإجماع أنّ مَن مات من أولاد المسلمين قبل أن يبلغ التكليف كان مِمّن سُعِد في بطن أمّه ولم يَشْقَ، ففي هذا بيان وتلخيص لجملة تلك الأحاديث (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل: "تتصوّر"، والصواب المثبت للزوم التذكير، وورد في "التمهيد" نفسه: "يتسوّر"، وهو خطأ ظاهر؛ لأنّ "تسوّر" بمعنى علا، لا يتعدّى بحرف الجرّ، وأمّا "تصوَّر" بمعنى سقط فيتعدّى بحرف الجرّ، انظر "النهاية" لابن الأثير (2/ 420) و (2/ 60). (¬2) لم أجده بهذا السياق عند غير المصنف، فقد أخرجه في "التمهيد" (18/ 102)، وأخرجه مسلم بسياق آخر في [القدر (2644، 2645) باب كيفية خلق الآدمي]، وأخرجه - أيضًا - أحمد في "المسند" (4/ 706)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 80/ 180)، واللالكائي (4/ 592/ 1045)، وابن بطّة (2/ 130/ 130)، والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 78)، من طرق عن أبي الطفيل به. (¬3) ذكر الخلّال عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن أطفال المسلمين؟ فقال: "ليس فيهم اختلاف أنهم في الجنة"، "أحكام أهل الملل" (ص 36). وقال النووي: "أجمع من يعتدّ به من علماء المسلمين على أنّ من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنّه ليس مكلّفًا، وتوقّف فيه بعض من لا يعتدّ به لحديث عائشة" "شرح مسلم" (16/ 207)، ونقله النووي عن المازري (16/ 183). =

وقد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من نقل الآحاد العدول معنى ما أجمعوا عليه؛ من ذلك روى شعبة عن معاوية بن قُرّة بن إياس المزني عن أبيه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنّ رجلًا من الأنصار مات له ابن صغير فوجد عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَسُرُّكَ أَلّا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ يَسْتَفْتِحُ لَكَ؟ "، فقال أو فقيل له: يا رسول الله؛ أله خاصّة أم للمسلمين عامّة؟ فقال: "بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةٌ" (¬1). وقد أجمع جمهور العلماء على القول بهذا الحديث، وكفى بهذا حجّة. وأمّا حديث طلحة بن يحيى عن عمّته عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: "أُتِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ مِن صِبيان الأعراب ليُصَلِّيَ عليه، فقالت: طُوبَى له، عُصْفُورٌ مِن عصافيرِ الجنّة، لَم يعمل سوءًا ولم يُدْرِكْه ذنب، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الجَنّةَ، وَخَلَقَ لهَا أَهْلًا، وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبائِهِمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كانُوا عَامِلِينَ"" (¬2). ¬

_ = وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 245): "قال القرطبي: نفى بعضهم الخلاف في ذلك، وكأنّه عنى به ابن أبي زيد، فإنّه أطلق الإجماع في ذلك، ولعلّه أراد إجماع من يعتدّ به". وقال - أي: الحافظ -: "وكون أولاد المسلمين في الجنّة قاله الجمهور، ووقفت طائفة قليلة". (¬1) الحديث أخرجه النسائي في "المجتبى" في [الجنائز منه، باب الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة]، وابن حبّان - كما في "الإحسان" (4/ 262) - والإمام أحمد (5/ 34، 35)، والحاكم (1/ 384)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد"، وأقرّه الذهبي. (¬2) الحديث أخرجه مسلم في [القدر (2662) باب معنى: "كلّ مولود يولد على الفطرة"] من طريق فضيل بن عمرو وطلحة بن يحيى كلاهما عن عائشة بنت طلحة به.

فحديثٌ مُنكَر، وطلحة بن يحيى ضعيف لا يُحتَجّ به (¬1)، وأكثرُ النّاس على حديث شعبة عن معاوية بن قُرّة، إلّا طائفة تفرط في الخير والقول به، تجعل الأطفال كلّهم في المشيئة ما سبق لهم في بطون أمّهاتهم. وهذا قول في أطفال المسلمين مهجور ولم يَعدُّوه خلافًا. وأمّا أطفال المشركين فاختلفت الآثار في ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واختلف العلماء في ذلك - أيضًا - باختلافها، والذي عليه جمهور أهل السنّة وعامّتُهم في أطفال المشركين، ¬

_ (¬1) طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني، نزيل الكوفة، روى عن أبيه وأعمامه وابن عمّيه إبراهيم بن محمّد بن طلحة، ومعاوية بن إسحاق بن طلحة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ومجاهد ابن جبر، وعمّته عائشة بنت طلحة، روى عنه السفيانان وعبد الله بن إدريس، وعبد الواحد بن زياد، ويحيى القطّان، ووكيع وآخرون، وثّقه يعقوب بن شيبة وابن معين والدارقطني والعجلي وابن سعد، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث، حسن الحديث، صحيح الحديث"، وقال أبو زرعة وأحمد والنسائي في رواية صالح وفي رواية: "ليس بالقويّ"، وقال أبو داود: "ليس به بأس"، وقال يعقوب بن سفيان: "شريف، لا بأس به، في حديثه لين"، وقال البخاري في رواية ابن عديّ: "منكر الحديث"، ولا توجد في شيء من كتبه كما قال أصحاب "التحرير"؛ فهو بهذا حسن الحديث إن شاء الله. على أنّه قد توبع، فقد تابعه فضيل بن عمرو كما في "صحيح مسلم"، فزالت علّة الإسناد، وأمّا المتن؛ فقد أشكل هذا الحديث على كثير من الناس، فردّه الإمام أحمد، وطعن فيه، وقال: "من يشكّ أنّ أولاد المسلمين في الجنّة! "، وقال: "إنهم لا اختلاف فيهم"، وتأوّل بعضهم بقوله: "الإنكار من النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة إنما كان لشهادتها للطفل المعين بأنه في الجنة، كالشهادة للمسلم المعين، فإن الطفل تبع لأبويه، فإذا كان أبواه لا يشهد لهما بالجنّة، فكيف يشهد للطفل التابع لهما؟ ! والإجماع إنما هو على أنّ أطفال المسلمين من حيث الجملة مع آبائهم، فيجب الفرق بين المعيّن والمطلق". انظر: "تعليق ابن القيّم على "أبي داود مع مختصر المنذري" (7/ 82)، و"طريق الهجرتين" (ص 369).

الوقوف عن القطع عليهم بجنّة أو بنار (¬1)؛ لأنّ ابن شهاب روى عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة سمعه يقول: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين؟ فقال: ¬

_ (¬1) الخلاف في أطفال المشركين كبير جدًّا، أوصل الأقوال فيه بعض العلماء إلى عشرة، لكن المشهور منها اثنان: * الأوّل: أن الله يمتحنهم ويبعث إليهم رسولًا في عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنّة، ومن عصاه أدخله النار، فهناك يظهر منهم ما علمه الله سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم، وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرّد العلم، قال شيخ الإسلام: "وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين، وعليه تتنزّل جميع الأحاديث"، انظر "مجموع الفتاوى" (4/ 247). * الثاني: أنّهم في الجنّة، يدلّ على ذلك حديث سمرة بن جندب الذي في البخاري في رؤيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي - وفيه: "وأمّا الولدان الذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة"، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال: "وأولاد المشركين"، قال ابن القيّم: "فهذا الحديث الصحيح صريح في أنّهم في الجنّة، ورؤيا الأنبياء وحي" "طريق الهجرتين" (ص 364). قال النووي: "وهو الذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه المحقّقون" "شرح مسلم" (16/ 208). أمّا الأقوال الأخرى فكثيرة، منها: إنّهم تحت المشيئة، ومنها: أنهم تبع لآبائهم، ومنها: القول بالتوقّف والإمساك، كما هو مذهب المصنّف. أقول: قد غلّط ابن القيّم من فهم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، التوقّف وعدم الحكم لهم بجنّة أو نار، وإنما المعنى: "الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا"، فهو سبحانه وتعالى يعلم القابل منهم للهدى، العامل به لو عاش، والقابل منهم للكفر المؤثِر له، لكن لا يدلّ هذا على أنّه يجزيهم بمجرّد علمه، فهم بلا عمل يعملونه، وإنّما يدلّ على أنّه يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتهم ... " "طريق الهجرتين" (ص 361)، وانظر التعليق على هذا الموضع في "الشريعة" (2/ 817 - 818)، و"الفتح" (3/ 246 - 251).

"اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كانُوا عَامِلِينَ" (¬1). وروى أبو بِشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله، (رواه) (¬2) شعبة وغيره عنه (¬3). وروى الثوري عن أبي نَضْرة العَبْدي عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬4). وجائز عند أكثر الجماعة وأهل السنّة وممكن تعذيب الله الأطفال في الآخرة بالنار كما يؤلمهم في الدنيا بالآلام والأسقام إن كان سبق لهم ذلك عند أخذ الميثاق عليهم، وكتب عليهم في بطون أمّهاتهم بِدَرَك الشقاء لهم حينئذ، والله عز وجل غير ظالم لهم، ولا لغيرهم؛ لأنّ الظالم إنّما يكون من أزال الشيء عن موضعه، بأن يخالف ما أُمر به أو نهي عنه، وقد جلّ الله تعالى عن أن يُؤمَر أو يُنهَى، والكلام في هذا طويل جدًّا. وقد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خَلَقَ اللهُ تَعَالَى آدَمَ، ثُمَّ أَخَذَ الخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ، ¬

_ (¬1) حديث أيى هريرة من طريق الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي أخرجه البخاري في [القدر (6598) باب "الله أعلم بما كانوا عاملين"]، ومسلم فيه [(2659) باب معنى "كلّ مولود يولد على الفطرة"]. (¬2) في الأصل: "ورواه"، والصواب ما أثبتُّ؛ لأنه لم يذكر من روى عن أبي بشر غير شعبة، وقوله: "وغيره" فقد رواه مع شعبة عن أبي بشر أبو عوانة - كما في "صحيح مسلم" (2660) - وهشيم - كما عند الآجري في "الشريعة" (2/ 821)، وأبي يعلى في "المسند" (4/ 362/ 2479) -. (¬3) حديث ابن عباس من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أخرجه البخاري في "صحيحه" في [القدر منه (6597) باب "الله أعلم بما كانوا عاملين"]. (¬4) لم أجده، ولا عند المصنف، رغم أنّه عقد بابًا قال فيه: "باب ذكر الأخبار التي احتجّ بها من أوجب الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين وغيرهم بجنة أو نار وجعل جميعهم في مشيئة الجبّار" "التمهيد" (18/ 98).

فَقَالَ: هَؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ وَلاَ أُبالِي، وَهَؤُلاَءِ لِلنَّارِ وَلاَ أُبالِي" (¬1)، وروي هذا من وجوه كثيرة بمعنى واحد. (وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثني أبي قال: حدّثني أحمد بن خالد قال: ثنا عليّ بن عبد العزيز؛ [و] أخبرنا قاسم بن محمّد (¬2) قال: ثنا خالد بن سعيد قال: ثنا أحمد بن عمرو قال: ثنا محمّد بن سنجر قالا جميعًا) (¬3): ثنا حجّاج بن منهال قال: ثنا حمّاد بن سلمة قال: ثنا عليّ بن (زيد) (¬4) عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة العصر إلى مغربات الشمس؛ حفظها من حفظها، ونَسِيَها من نَسِيَها، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, ¬

_ (¬1) أخرج هذا الحديث قريبًا من هذا السياق البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (7/ 186)، وقال: "وفيه روح بن المسيّب، قال ابن معين: "صويلح"، وضعّفه غيره ... ". واْخرجه ابن أبي عاصم في "السنّة" (1/ 89 - 90/ 203)، وابن بطّة (2/ 79/ 59)، والآجرّي (2/ 751 - 752/ 332)، كلّهم من طريق روح به، وقال الألباني في تعليقه على "السنة": "ضعيف جدًّا". (¬2) قاسم بن محمّد بن عبّاس بن وليد بن صارم بن أبي الفراء، المعروف باب عسلون، ويكنّى أبا محمد (314 - 396) "الجذوة" (329)، و"الصلة" (467)، و"البغية" (416). (¬3) وقع في النسخة الأصل خطأ في هذا الإسناد، حيث ورد فيه ما يلي: "وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثني أبي قال: حدّثني أحمد بن خالد قال: ثنا على بن عبد العزيز قال: أخبرنا قاسم بن محمد قال: ثنا خالد بن سعيد قال: ثنا أحمد بن عمرو قال: ثنا محمّد بن سنجر قالا جميعًا"، والصواب ما أثبتّ؛ لأن الإسناد محوّل عند القاسم بن محمد، وهو من شيوخ ابن عبد البرّ، ولذا تعيّن زيادة "الواو" للدلالة على تحويل الإسناد والله أعلم. (¬4) في الأصل: "زايد"، وهو خطأ.

وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلاَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، أَلاَ إِنَّ بَني آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا، فَيَحْيَى مُؤْمنَا وَيَمُوتُ مُؤْمنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا، وَيمُوتُ مُؤْمنًا، وَمنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا. . ." (¬1)، وذكر باقي الحديث. وهذه الآثار كلّها في معنى حديث غلام الخضر أنّه طبع كافرًا، والآثار في هذا الباب كثيرة جدًّا لا يحملها الكتاب. وقالت طائفة من أهل العلم: إنّ أطفال المشركين في النار، واحتجّوا بحديث الشعبي عن علقمة بن قيس عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: أتينا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه المصنّف في "التمهيد" (18/ 60) قال: حدّثنا خلف بن القاسم - قراءة منّي عليه - أنّ أحمد بن محمّد بن أبي الموت المكّي حدّثهم قال: حدّثنا محمّد بن علي بن زيد الصائغ قال: حدّثنا سعيد بن منصور قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا محمّد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد به. أقول: قد أخرجه - أيضًا - من طريق حمّاد بن زيد الترمذي في [الفتن (2191) باب ما جاء ما أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة]، وقال: "وهذا حديث حسن صحيح"، وأخرجه - أيضًا - الطيالسي (1/ 286) والحاكم (4/ 505) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 310) وأحمد (3/ 19) من طريق حمّاد بن سلمة، وقال الحاكم: "تفرّد بهذه السياقة على بن زيد بن جدعان القرشي عن أبي نضرة، والشيخان لم يحتجا بعليّ بن زيد"، وقال الذهبي معلِّقًا: "قلت: ابن جدعان صالح الحديث". وأخرجه أحمد (3/ 61) من طريق عبد الرزّاق عن معمر، والحميدي (2/ 331) من طريق سفيان، والخطيب في "تاريخه" (10/ 237) عن شعبة؛ كلّهم عن عليّ بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد به. وابن جدعان ضعيف، كما في "التقريب"، ولم أجد من أخرجه من طريق حجّاج بن منهال عن حمّاد غير ما هو موجود عند المصنف، فالحديث ضعيف، والله أعلم.

وأخي، فقلنا: يا رسول الله؛ إنّ أُمَّنا كانت تَقْرِي الضيفَ وتَصِلُ الرَّحِم وتفعل، وأنّها وَأَدَتْ أختا لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافع أُخْتَنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمُ الوَائِدَةَ وَالْمَوْءُودَةَ، فَإِنَّهُما جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الوَائِدَةُ الإِسْلاَمَ، فَتُسْلِمَ فَيَعْفُوَ اللهُ عَنْهَا" (¬1). وهذا عندنا يَحتَمِل أن يكون خرج قوله - صلى الله عليه وسلم - في عَيْن لا يتعدّى (¬2)، واحتجَّت هذه الطائفة - أيضًا - بحديث ابن عبّاس عن الصعب بن جثامة أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن أهل الديار من المشركين فَيُسْبُون، فيصاب من ذراريهم ونسائهم؟ فقال: "هُمْ مِنْهُمْ"، وبعضهم يقول في هذا الحديث: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ" (¬3). وهذا - أيضًا - عندنا على أحكام الدنيا، وعلى ذلك خرج السؤال. والجواب - والله أعلم - أنّه لا قَوَد على مَن قتل مِن أطفالهم ولا دِيَة ولا كَفّارة. وقالت طائفة من أهل العلم أيضًا: أطفال المشركين في الجنّة، واحتجّوا بآثار، منها: ما رواه ياسين بن معاذ الزيّات - وليس بالقويّ (¬4) - عن الزهري عن عروة عن ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الإمام أحمد (3/ 478)، والنسائي في التفسير في "الكبرى" (6/ 507/ 11649) من طريق الشعبي به، وإسناده صحيح، غير أنّ الشيخ شعيب في تعليقه على "المسند" (25/ 268) أعلّه بالنكارة، قلت: ويمكن حمله على ما ذكر المصنّف رحمه الله. (¬2) المقصود أنّ هذا حادثة عين لا تعمّ. (¬3) أخرجه البخاري في [الجهاد والسير (3012، 3013) باب أهل الدار يبيّتون فيصاب الولدان والذراري]، ومسلم في [الجهاد والسير (1745) باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمّد]. (¬4) هو: أبو خلف ياسين بن معاذ الزيات، قال عنه البخاري: "يتكلّمون فيه، منكر الحديث"، وقال الجوزجاني: "لم يقنع الناس بحديثه"، وقال ابن معين: "ضعيف، ليس حديثه بشيء"، وقال=

عائشة قالت: سألَتْ خديجةُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين؟ فقال: "هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ"، ثمّ سألَتْه بعد ذلك؟ فقال: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"، ثمّ سألَتْه بعدما استحكم الإسلام؟ فَنَزلت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، فقال: "هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَقَالَ: هُمْ عَلَى الفِطْرَةِ، وَقَالَ: هُمْ فِي الجَنَّةِ" (¬1). واحتجّوا - أيضًا - بالحديث الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة وغيره: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ" (¬2)، قالوا: والفطرة عندنا الإسلام، واحتجّوا - أيضًا - بحديث عياض بن حمار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: إِنِّي خَلَقْتُ ¬

_ = أبو حاتم: "كان رجلًا صالحًا، لا يعقل ما يحدّث به، ليس بقويّ، منكر الحديث"، وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث"، وقال النسائي: "متروك الحديث"، وقال أبو داود: "كان يذهب إلى الإرجاء، متروك الحديث، ضعيف"، وقال ابن عديّ: "وكلّ رواياته أو عامّتها غير محفوظة"، وقال مسلم: "منكر الحديث"، وقال ابن حبّان: "يروي الموضوعات عن الثقات، وينفرد بالمعضلات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال"، وقال الذهبي في "المغني": "تركه النسائي وغيره". انظر: "التاريخ الكبير" (8/ 429)، و"أحوال الرجال" (1/ 150)، و"الجرح والتعديل" (9/ 312)، و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي (1/ 111)، و"الكامل في الضعفاء" (7/ 184)، و"المجروحين" (3/ 142)، و"الكنى والأسماء" (1/ 285)، و"المغني" (2/ 729). (¬1) لم أجد الحديث بهذا الإسناد عند غير المصنف، وقد أخرجه في "التمهيد" (18/ 117)، وعبد الرزّاق في "المصنّف" - كما في "الفتح" (3/ 247) - لكن قال فيه: ". . .أبو معاذ قال: حدّثنا الزهري عن عروة به. . ."، وأبو معاذ هذا هو سليمان بن أرقم البصري ضعيف؛ فالحديث ضعيف على كلا التقديرين والله أعلم. (¬2) الحديث له طرق كثيرة عن أبي هريرة وابن عبّاس وعائشة، أخرجه البخاري (6598، 6599)، ومسلم (2659، 4658) وغيرهما.

عِبَادِي حُنَفَاءَ" (¬1)، في حديث طويل ذكره، واحتجّوا - أيضًا - بحديث أبي رجاء العُطاردي عن سَمُرَة بن جُنْدُب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حديث الرؤيا - الحديث الطويل - وقوله: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ"، قال: فقيل: يا رسول الله؛ فأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ". وفي رواية أخرى عن أبي رجاء العُطاردي في هذا الحديث: "وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ أَوْلاَدُ النَّاسِ" (¬2). وهذا الحديث محُتمِل للتأويل أيضًا، ليس فيه حجّة قاطعة، وبالله التوفيق. وقد استوعبنا القول في معاني هذا الباب كلِّه، وما تفرق [أهل] (¬3) الإسلام فيه في "التمهيد" (¬4) [وذكرنا فيه] (¬5) ما جاء من الآثار، والحمد لله. واحتجّوا - أيضًا - بقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقوله: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في [كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها (2865) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنّة وأهل النار]. (¬2) أخرجه بهذا السياق تامًّا البخاري في "صحيحه" مقطعًا في مواضع كثيرة، وأوفاها ما أخرجه في [كتاب التعبير (7047) باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح]، وفي [الجنائز (1286)]، وأخرجه مسلم في [الرؤيا (2275) باب رؤيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مختصرًا جدًّا، وانظر الكلام عليه في "الفتح" (12/ 466). (¬3) في الأصل غير موجودة، والسياق يوجبها. (¬4) "التمهيد" (18/ 57 - 145)، وانظر: "الاستذكار" (3/ 97 - 107). (¬5) في الأصل غير موجودة، والسياق يوجبها.

تَعْمَلُونَ} [التحريم: 7]. قالوا: ومَن لم يعمل ولم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء ولم يُجْزَ بما لم يعمل. واحتجّوا - أيضًا - بالإجماع في رفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا؛ قالوا: فالآخرة بذلك أولى، وقالوا: وإذا لم يكونوا في النار بدليل القرآن والسنّة؛ لم يكن لهم بُدٌّ من الجنّة؛ لأنّه لا دار هناك للقرار إلّا الجنّة والنار، وقد روى يزيد بن هُرْمُز عن ابن عبّاس في جوابه لنجدة الحروري، حين كتب إليه يسأله عن مسائل منها: قتل أولاد المشركين؟ فكتب إليه ابن عبّاس: "إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتل أولاد المشركين، وأنت فلا تقتلهم إلّا أن تكون تعلم منهم مثل ما علم الخضر من الغلام حين قتله" (¬1)، والكلام في هذا الباب يتّسع، وقد طوّلتْ فيه الفرق، والله الموفّق للصواب. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم في [الجهاد والسير (1812) باب النساء الغازيات يرضخ لهنّ ولا يسهم، والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب، من طريق يزيد بن هرمز به.

16 - الحديث السادس عشر: حديث أبي (جمرة) إذ سأل ابن عباس عما استيسر من الهدي

الحديث السادس عشر حديث أبي (جمرة) (¬1) عن ابن عبّاس إذ سأله عمّا استيسر من الهدي فقال: "جَزور أو بقرة أو شاة أو شِرْكٌ في دم" (¬2). وحديث عليّ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَكَهُ فِي هديه" (¬3). قلتَ: وتَرَكَ أهل العلم بأجمعهم هذا المعنى، وقالوا: ما اسْتَيْسَر من الهدي؛ شاة (¬4)، قلتَ: وقد ذكر مالك في "موطّئه" ما يوافق قول ابن عبّاس، ¬

_ (¬1) في الأصل: "حمزة"، والصواب المثبت، وأبو جمرة هو: نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري، نزيل خرسان، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، ت (128). (¬2) أخرجه البخاري في [الحج (1688) باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}]، وأخرجه فيه [(1567) باب التمتّع والقران والإفراد بالحجّ]، ومسلم في [الحجّ (1242) باب جواز العمرة في أشهر الحجّ] مختصرًا دون الجملة المقصودة بالبحث. (¬3) الحديث أخرجه البخاري في [كتاب الشركة (2505 - 2506) باب الإشراك في الهدي والبدن فإذا أشرك رجل رجلًا في هديه بعد ما أهدى] من حديث جابر وابن عبّاس، وعزاه المزّي في "تحفة الأشراف" إلى كتاب الحجّ، ولم أجده فيه، وأخرجه مسلم [(1216) باب بيان وجوه الإحرام]، وليس فيه ذكر إشراك عليّ في الهدي، من طريق عطاء عن جابر وطاووس عن ابن عبّاس. (¬4) صحّ هذا عن ابن عبّاس من وجوه عديدة - كما في "تفسير الطبري" (2/ 216) - أنّه قال: " {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} شاة". =

وهو حديث أبي الزبير عن جابر قال: "نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ" (¬1). فالجواب: إنّ حديث ابن عبّاس وقوله هذا صحيح مُستعمَل عند جمهور أهل العلم، وليس بمتروك عند جميعهم كما ظننتَ، بل لا يَتْرُكُه إلّا أقلُّهم، اللهمّ إن كنت أدرتَ ظاهر قوله: "أو شِرْكٌ في دم"، فتَوَهَّمْتَ أنّ الشاة يجوز فيها الاشتراك؛ لأنّه يقع عليها اسم دم، فإن كنتَ ظننتَ هذا؛ فهو كما ذكرتَ، لا يقوله أحد من علماء المسلمين (¬2) - (أي: من) (¬3) وجب عليه دم أنّه تجزئه بعض شاة - وإنّما أجاز العلماء الاشتراك في البدنة ¬

_ = وصحّ عن ابن عمر - كما في "الطبري" (2/ 218) قال: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى حدّثنا معتمر سمعت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: " {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة دون البقرة، والبعير دون البعير". وكذا عن عائشة عند الطبري - أيضًا - (2/ 218) قال: حدّثنا ابن محمّد حدّثنا عبد الوهّاب - هو: ابن عبد المجيد الثقفي - سمعت يحيى بن سعيد سمعت القاسم بن محمّد قال: "كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} من الإبل والبقر"، وانظر ما قاله مالك في هذا في "الموطّأ" [كتاب الحجّ، باب ما استيسر من الهدي]. (¬1) أخرجه مالك في [الضحايا (9) باب الشركة في الضحايا] ومن طريق مالك أخرجه مسلم في [الحجّ (1318) باب الإشراك في الهدي] وآخرون. (¬2) نصّ المصنّف في "التمهيد" (12/ 140) على إجماع المسلمين في هذه المسألة. (¬3) الأصل: "لا يقوله أحد من علماء المسلمين، فمن وجب عليه دم أنّه تجزئه بعض شاة"، والصواب ما أثبتُ؛ لأن الإجماع على عدم جواز الاشتراك في الشاة والله أعلم.

والبقرة دون الشاة لكلّ مَن لَزِمَه ما اسْتَيْسَر من الهدي لمُتعة أو قِران أو غير ذلك مِمّا يَدخُل في الحجّ؛ لأنّ البدنة والبقرة تعدل عنهم سبع شياه، ومِمّن أجاز ذلك من أهل العلم؛ الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ابن عليّ (¬1) وعامّة الفقهاء، وروى منصور عن ربعي قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: البقرة عن سبعة" (¬2). وروى محمّد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أناس من أصحاب محمّد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: "البقرة عن سبعة" (¬3). وعن عليّ وابن مسعود قالا: "البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة" (¬4)، وأكثر العلماء على هذا. ¬

_ (¬1) ذكر الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 187) أنّ مذهب داود القول بجوازه في التطوّع لا الفرض. (¬2) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 178) من طريق مؤمّل عن سفيان عن منصور عنه به. ومؤمّل قال عنه البخاري: "منكر الحديث"، واتّفق أبو حاتم وابن سعد والنسائي في "عمل اليوم والليلة" ويعقوب بن سفيان والدارقطني ومحمّد بن نصر المروزي وغيرهم على أنّه كثير الخطإ على الرغم من توثيقهم له في الجملة، وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق سيّء الحفظ"، فالأثر ضعيف لتفرّد مؤمّل به، وانظر: "تحرير التقريب". (¬3) أخرجه الطحاوي - أيضًا - (4/ 179) من طريق خالد بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن يزيد ابن عبد الله بن قُسَيط عنه به، والإسناد صحيح. (¬4) حديث في أخرجه الترمذي - دون ذكر البدنة -[(1503) باب في الضحيّة بعضباء القرن والأذن، والطحاوي في "معاني الآثار" (4/ 178)، والإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (2/ 127)، والحديث ضعّفه الألباني كما في "ضعيف الترمذي". =

وقد روى ابن عبّاس والمسْوَر بن مَخْرَمة: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؛ البَدَنَةَ عَنْ عَشَرَةٍ" (¬1)، وهذا حديث غير مُستعمَل عند الجميع (¬2). ¬

_ = وحديث ابن مسعود أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/ 83)، وعزاه ابن حزم في "المحلّى" إلى ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عنه به، والإسناد صحيح. (¬1) حديث ابن عبّاس أخرجه الترمذي في [الأضاحي (1501) باب ما جاء في الإشراك في الأضحية]، والنسائي في "الكبرى" (4123) باب الإشراك في الهدي]، وابن ماجه في [الأضاحي (3131) باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ ]، والنسائي في "الصغرى" [باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا]، والإمام أحمد (1/ 275)، وابن خزيمة (2908)، وابن حبّان (4007)، والطبراني (11929)، والبيهقي (5/ 235)، والبغوي (1132)، والحاكم (4/ 230). رجاله ثقات رجال الصحيح، غير الحسن بن يحيى، فقد ترجم له الحسيني في "الإكمال" (165) وقال: "فيه نظر". وقال الأرنؤوط في تعليقه على "المسند" (4/ 287): "قلت: هو متابع، والحسين بن واقد - وإن احتجّ به مسلم، وعلّق له البخاري - عنده بعض ما ينكر، وقد تفرّد برواية حديث ابن عبّاس هذا". قال البيهقي: "حديث عكرمة يتفرّد به الحسين بن واقد عن غلباء بن أحمر، وحديث جابر أصحّ منه"، وحديثه تقدّم (ع 217). والحديث صحّحه الألباني كما في "صحيح سنن الترمذي" (1214)، و"صحيح ابن ماجه" (3131). وحديث المسوّر بن مخرمة أخرجه الإمام أحمد (4/ 323 - 328 - 331، 323، 328)، والبيهقي (5/ 234) من طرق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم به، وإسناده صحيح، وهذا الحديث على كلِّ حال شاذٌّ، والمحفوظ حديث جابر. (¬2) أخرج الحاكم (4/ 230) مثل حديث ابن عباس والمسور عن جابر بسند صحيح من طريق الثوري عن أبي الزبير به، لكن الثوري خولف - كما ذكر الذهبي - وصحّ أيضًا عن ابن المسيّب كما =

وقد أجمع العلماء أنّ البقرة لا تجوز عن أكثر من سبعة، وكذلك البدنة (¬1)، وفي إجماعهم على ذلك دليل أنّ الحديث وَهَمٌ أو منسوخ، وإنّما قلتُ ذلك - إنّ هذا إجماع - لأنّ المسألة على قولين؛ أحدهما نفي الاشتراك في البدنة والبقرة أصلًا، والثاني إجازة الاشتراك فيها عن سبعة لا زيادة، وكلا القولين ينفي الاشتراك فيما فوق السبعة، وقد كان زُفَر بن الهُذَيل يقول: "إن كان الهدي الواجب على سبعة أنفس وكان من باب واحد، مثل أن يكونوا كُلُّهم وَجَب عليهم دم مُسْتَيْسَر عن متعة أو غيرها من وجه واحد جاز لهم الاشتراك في البقرة والبدنة إذا كانوا سبعة فأدنى؛ قال: وإن اختلف الوجه منه وجب عليهم الدم، [و] (¬2) لَم يُجْزِهم ذلك" (¬3)، وكان أبو ثور يقول: "إن شاركهم ذِمِّيٌّ أو مَن لا يريد الهدي، وأراد حصّته من اللحم أجزأ مَن أراد منهم ¬

_ = ذكره ابن حزم في "المحلّى" (5/ 155) حيث قال بعد أن ذكر الآثار الدالّة على اشتراك السبعة في البدنة، والعشرة أيضًا: "فهذا اختلاف من الصحابة والتابعين، على أنّنا إذا تأمّلنا فعل الصحابة - رضي الله عنهم - وقولهم في ذلك، فإنّما هو أنّ البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة، وهذا قول صحيح، وليس فيه منعٌ من جوازهما عن أكثر من سبعة". (¬1) دعوى الإجماع غير صحيحة، ولو نقل المصنّف رحمه الله الاتفاق لكان أحسن، كما قال صاحب "المغني" (13/ - 363 - 364): ". . .وهذا قول أكثر أهل العلم. . ."، ثمّ ذكر من القائلين بإجزاء البدنة عن عشرة: سعيد بن المسيّب وإسحاق بن راهويه. قلت: وقد ثبتت بذلك الأحاديث كما سبق قريبًا. (¬2) في الأصل غير موجودة، والسياق يوجبها. (¬3) انظر: "نيل الأوطار" (5/ 116)، و"المبسوط" للسرخسي (4/ 135)، و"تبيين الحقائق" (6/ 8)، و"بدائع الصنائع" (5/ 72)، وذكره المصنّف في "الاستذكار" (4/ 270).

الهدي سبعة ويأخذ الباقون حِصَّتَهم من اللحم"، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد: "إن كان منهم ذمّيّ أو من لا يريد الهدي فلا يُجْزِهم عن الهدي" (¬1). وأمّا مالك رحمه الله فإنّه كان يجيز الاشتراك في هدي التطوّع، روى ذلك ابن وهب وغيره عنه، ومن حُجَّتِه في ذلك: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرك عليًّا في هديه" (¬2)، وكان تطوّعًا؛ لأنّه كان عنده مُفرِدًا في حجّته - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجيز مالك الاشتراك في الهدي الواجب ولا الضحايا إلّا أن يتطوّع الرجل فيضحّي عن نفسه وعن أهل بيته بشاة واحدة، فيجوز ذلك؛ لأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تطوّع ببعض ضحاياه عنه وعن أمّته (¬3). وقال ابن شهاب عن عمرة وعروة عن عائشة: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً وَاحِدَةً فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بَيْنَهُنَّ" (¬4)، وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (4/ 270). (¬2) مضى تخريجه (ص 216). (¬3) انظر: "النوادر والزيادات" (2/ 455)، وجاء في "الذخيرة" (3/ 354 - 355) المنع من الاشتراك مطلقًا، وانظر: "الاستذكار" (4/ 270)، و (7/ 237 - 238)، و"التمهيد" (12/ 154 - 155). (¬4) لم أجد التصريح بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "نحر عن نسائه. . ." الحديث إلَّا عند النسائي في "الكبرى"] (4126) باب النحر عن النساء من طريق الزهري عن عروة عن عائشة؛ بل الوارد بهذا الإسناد فيه ذكر حجّة الوداع، وقصّة عائشة فيها. وأمّا حديث ابن شهاب عن عمرة عن عائشة؛ فأخرجه أبو داود في [المناسك (1750) باب في هدي البقر]، والنسائي في "الكبرى" [المناسك (4127) باب النحر عن النساء]، وابن ماجه فيه [(3135) باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة]، وهو صحيح الإسناد، انظر: "صحيح سنن أبي داود (1539). وأمّا الحديث الذي ذكره المصنّف؛ فقد أخرجه البخاري في [الحجّ (1709) باب ذبح الرجل البقر عن =

عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬1). وأنكر مالك الاشتراك في الهدي الواجب والضحايا ومَن وَجَب عليه ما استيسر من الهدي لم يُجْزِه عنده دم منفرد من دماء الأزواج الثمانية أقلّه شاة منفردة، ولم يكن عنده حديث أبي الزبير مَعمولًا به؛ لأنّ الآثار اضطربت في نَحْرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حَصَره العدوّ يومئذ فنَحَرَ، والنحر عند مالك على المُحْصَر بعدوّ مُستَحَبٌّ وليس بواجب، وأكثر العلماء يوجبونه، وبيان مذاهبهم في ذلك في "التمهيد" (¬2). ولو رأى مالك رحمه الله أهل بلده يعملون بحديث جابر ما تَرَكَه؛ لأنّه قد كان عَرَفَه ¬

_ = نسائه من غير أمرهنّ] من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن قال: سمعت عائشة. . . فذكرت الحديث، وفيه: "فدخل علينا بلحم البقر، فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه". وكذا أخرجه مسلم بهذا الإسناد في [الحجّ (124) (125) باب بيان وجوه الإحرام]، وأورده مالك في "الموطّأ" في [الضحايا (11) باب الشركة في الضحايا] معضلًا عن الزهري. وروي الحديث من طريق القاسم والأسود وعروة بأسانيد صحيحة. وانظر: "التمهيد" (12/ 155 - 156). (¬1) أخرجه أبو داود في [المناسك (1751) باب في هدي البقر]، والنسائي في "الكبرى" في [المناسك (4128) باب النحر عن النساء]، وابن ماجه في [الأضاحي (3133) باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ ]، وابن خزيمة (4/ 288 - 289)، وابن حبّان - كما في "الإحسان" (6/ 127 - 128) - وهو صحيح، انظر: "صحيح أبي داود" (1540). (¬2) انظر: (12/ 154)، (15/ 198 - 199)، و"الاستذكار" (5/ 170 - 171).

ورواه، ومالك يذهب إلى أنّ الخبر إذا عمل بعضُ أهلِ بلده به وأفتَوا بخلافه وفشا ذلك عندهم جاز له تركه، وغيره يخالفه في هذا الأصل، والله الموفّق للصواب. وأبو الزبير حافظ مُتقِن ليس به بأس، وجمهور العلماء على الاحتجاج بحديثه وقَبوله، ومَن جرحه منهم لم يأت في جرحه بحجّة (¬1)، والله المستعان. وقد روى عطاء عن جابر (¬2) مثل رواية أبي الزبير سواء، وروى جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ"، والحمد لله ربّ العالمين. ¬

_ (¬1) أبو الزبير: محمّد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم المكي، روى عن العبادلة الأربعة، وعن عائشة وجابر وأبي الطفيل وغيرهم، روى عنه عطاء - وهو من شيوخه - والزهري وأيّوب وابن جريج ومالك وهشام بن عروة والليث بن سعد وخلق كثير، وثّقه يعلى ابن عطاء وأحمد وابن معين والنسائي وابن عديّ وابن حبّان وابن سعد والساجي، وليّنه الشافعي ويعقوب بن شيبة وأبو زرعة وابن عيينة، وضعّفه شعبة وأبو حاتم وغيرهما، روى له البخاري مقرونًا بغيره وباقي الستّة، قال عنه الحافظ في "التقريب": "صدوق". (¬2) مضى تخريجه (ص 216).

17 - الحديث السابع عشر: حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلم من يهودي طعاما إلى أجل وارتهن منه درعا من حديد

الحديث السابع عشر حديث الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السَّلم، فقال: حدّثني الأسود عن عائشة: " أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْلَمَ مِنْ يَهُوِدِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ" (¬1). وقلتَ: هل يجوز الرهن (¬2) في السلم (¬3)؟ قلتَ: وكأنّه إذا أحدث في السلم الرهن لا يَعرف بما رهن أبرأس المال أو بالمُسْلَم فيه، وإن أخده برأس المال، فرأس ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في [البيوع (2068) باب شراء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة]، وفيه [(2096) باب شراء الإمام الحوائج بنفسه]، وفيه [(2200) باب شراء الطعام إلى أجل]، وأخرجه في [كتاب السَّلم (2251) باب الكفيل في السلم]، وفيه [(2252) باب الرهن في السلم]، وأخرجه في [الاستقراض (2386) باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته]، وأخرجه في [الرهن (2509) باب من رهن درعه]، وفيه [(2513) باب الرهن عند اليهود وغيرهم]، وأخرجه في [الجهاد (2916) باب ما قيل في درع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب]، وأخرجه في [المغازي (4467)]. وأخرجه مسلم في [المساقاة (1603) (124، 125، 126) باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر]؛ من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة به، وكلّها بلفظ: "اشترى" وليس "أسلم". (¬2) "الرهن" في اللغة الثبوت والدوام، ويأتي بمعنى الحبس، انظر "لسان العرب" مادة "رهن". وشرعًا: "جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذّر الوفاء". انظر: "المغني" (4/ 361)، وابن عابدين (5/ 307)، وأسنى المطالب (2/ 144). (¬3) من معاني "السَّلَم" في لغة العرب: الإعطاء والتسليف، انظر: "لسان العرب" مادة "سَلَم" (12/ 295). =

المال غير الدَّيْن، إنّما دَينُه ما أسلم فيه [و] (¬1) رأس المال لا يجب الطلب به، وإن أخذه بالمسلم فيه فكأنّه اقتضاه قبل أجله؟ هذا نصّ ما ورد في كتابك. فالجواب: إنّ الذي نزع به إبراهيم من حديثه عن الأسود عن عائشة حين سُئِل عن الرهن في السَّلَم، وجه صحيح قِبلةٌ من نَظَرِه (¬2)؛ لأنّ الرهن إذا جاز بالسنّة في الدَّيْن الثابت من ثمنٍ في طعام أو غيره، فكذلك يحوز في السَّلَم لأنّه دَيْن ثابت في الذمّة مضمون، كثمن سلعة مبيعة سواء، والقرآن قد أطلق المُداينات وعَمَّها، ولم يَخُصَّ سَلَمًا من غير سَلَم، فأباح فيها الرهن والوثيقة بما أمكن من الإشهاد وغيره؛ قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. وقد رُوِي عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: "أشهد أنّ السَّلَف المضمون إلى أجل معلوم بكيل معلوم ووزن معلوم، (أحلّه) (¬3) الله عز وجل وأذن فيه، ¬

_ = شرعًا: "بيعٌ موصوفٌ في الذمّة بِبَدَلٍ يُعطى عاجلًا"، وقد اختلف الفقهاء في تعريفه تبعًا لاختلافهم لا الشروط المعتبرة فيه، انظر: "الموسوعة الفقهية" (25/ 191). و"السَّلَم" المقصود في الحديث هو السَّلَف، ولم يرد به السلف العرفي، ذكره ابن حجر في "الفتح" (4/ 354). (¬1) زيادة متعيّنة. (¬2) المقصود من هذه العبارة أن قول إبراهيم النخعي مبنيّ على نظره في المسألة، وهو قبلةٌ له، أي: اتّجاه له في المسألة. (¬3) في الأصل: "أجلّه"، والتصحيح من كتب الحديث والتفسير.

أما تقرءون: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} " (¬1). قال أبو عُمر: الرهن والكفيل في السَّلَم جائز عندنا بظاهر القرآن والسنّة والقياس على إجماع العلماء على إجازته في الدين المضمون من غير السَّلَم، وهذا كلُّه قول مالك والشافعي و (أبي) (¬2) حنيفة وأصحابهم؛ والرهن عند مالك والشافعي بالمُسْلَم فيه (¬3)، لا برأس المال وبالمُسْلَم فيه فأيّهما شاء، قالوا؛ لأنّ رأس المال كبعض السَّلَم وقد يَدْخل السَّلَم دواخلُ فلا يجب إلّا رأس المال. وقال مالك رحمه الله: "يجوز الرهن والكفيل في السلم"، قال: "ولم يبلغني عن أحد أنّه كرهه إلّا الحسن، وليس به بأس". قال أبو عمر: مِمّن أجاز الرهن والكفيل في السَّلَم مجاهد وعطاء (¬4) ¬

_ (¬1) لم أجده من رواية سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، بل رواه غير سعيد، وهو أبو حسّان الأعرج، أخرجه عبد الرزاق (8/ 5/ 14064) من طريق معمر، والبيهقي (6/ 19)، وفي "معرفة السنن والآثار" (4/ 402)، والحاكم (2/ 286)، والشافعي في "مسنده" (2/ 597) من طريق أيّوب كلاهما عن قتادة عن أبي حسّان الأعرج به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وأقرّه الذهبي. قال الشافعي - رضي الله عنه -: "فإن كان كما قال ابن عبّاس أنّه في السلف قلنا به في كلّ دين قياسًا عليه لأنّه في معناه" "معرفة السنن والآثار" (4/ 402). (¬2) في الأصل "أبو حنيفة"، وهو خطأ. (¬3) ويحسن أن يقدّر هنا: "أو برأس المال"، كي يستقيم السياق، ويدلّ على ما بعده. (¬4) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (4/ 404/ 3565) من طريق الشافعي قال: "أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن عطاء". =

وعمرو بن دينار (¬1) والشعبي (¬2)، وقد روي عن الحسن إجازته (¬3)، وروي عنه كراهته (¬4)، ¬

_ = أقول: وسعيد بن سالم القدّاح أبو عثمان المكّي، أصله من خراسان أو الكوفة، روى عن أيمن بن نابل وموسى بن عُلَيّ بن رباح وابن جريج ومالك بن مغول وإسرائيل والثوري وغيرهم، وروى عنه ابن عيينة - وهو أكبر منه - وبقيّة ويحيى بن آدم وأسد بن موسى - وهم من أقرانه - والشافعي وابن أبي عمر وعليّ بن حرب وغيرهم. وثّقه ابن معين، وقال أبو داود: "صدوق يذهب إلى الإرجاء"، وقال أبو زرعة: إلى الصدق ما هو"، وقال أبو حاتم: "محلّه الصدق"، وقال النسائي: "ليس به بأس"، وقال ابن عديّ: "حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة، وهو عندي صدوق لا بأس به، مقبول الحديث". وضعفّه عثمان الدارمي والساجي وابن حبّان، ورماه غير واحد بالإرجاء، منهم الشافعي والعقيلي والبخاري وأبو داود والعجلي وابن حبّان ويعقوب بن سفيان. قال ابن حجر في "التقريب": "صدوق يَهِم، رمي بالإرجاء، وكان فقيها". وفيه عنعنة ابن جريج عن عطاء، فالأثر ضعيف. (¬1) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (4/ 404/ 3564) من طريق الشافعي: أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار. قلت: الكلام فيه كسابقه. (¬2) أخرجه عبد الرزّاق في "المصنَّف" (8/ 11/ 14093) من طريق إسماعيل بن عبد الله قال: "حدّثني ابن عون قال: سألت عنه الشعبي. . ." فذكر هذا المعنى. وهذا إسناد حسن، وإسماعيل بن عبد الله هو: ابن الحارث البصري، قريب ابن سيرين، قال الحافظ: "صدوق من السابعة، لم يصب الأزدي في تضعيفه". وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" (4/ 272 - 273) من طريق الشيباني وابن عون وإسماعيل ابن أبي خالد كلّهم عن الشعبي، فالأثر صحيح. (¬3) لم أجده. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (8/ 9/ 10481) من طريق معمر عن قتادة عنه به، وأخرجه (8/ 9/ 14084) من طريق ابن عيينة عن هشام بن هجير. =

وكذلك النخعي اختُلِف عنه فيه أيضًا على حَسَب ذلك، فروي عنه الوجهان جميعًا (¬1)، وكذلك اختُلِف عن ابن عبّاس وابن عمر - رضي الله عنهما - في ذلك أيضًا، فروى خالد الحذّاء عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّه كره الرهن والكفيل في السلم. وروى الثوري عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عبّاس أنّه كان لا يرى بأسًا بالرهن والكفيل في السَّلَم (¬2). وروى ابن جُرَيج عن عمرو بن دينار عن ابن عمر: أنّه كان يجيزه (¬3). ¬

_ = قلت: كذا هو في "المصنَّف": "هشام بن هجير"، ولم أجد فيما طالته يدي راويا بهذا الاسم، ولعلّه: "ابن حجير" وليس "ابن هجير"؛ لأنّ ابن حجير يروي عن الحسن، ويروي عنه ابن عيينة، وهو هشام ابن حجير المكّي، ضعّفه أحمد بن حنبل وابن معين ويحيى بن سعيد القطّان، وذكره العقيلي في "الضعفاء" ونقل عن ابن عيينة أنّه قال: "لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره"، ووثّقه العجلي وابن سعد والساجي والذهبي في "الكاشف"، وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه"، ونقل الآجرّي عن أبي داود أنّه ضرب الحد بمكّة، وقال ابن حجر في "التقريب": "صدوق له أوهام"، انظر: "تهذيب الكمال"، و"تهذيب التهذيب"، و"تقريب التهذيب". وعلى كلٍّ فقد توبع هشام كما في الموضع الذي قبله. (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 18/ 200271) من طريق حفص وابن فضيل عن الأعمش عنه - أي: إجازته - ولم أجد عنه القول بكراهته. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (8/ 10/ 14090)، وابن أبي شيبة (4/ 273/ 20033)، وعلّقه البيهقي (6/ 19) عن مقسم عن ابن عبّاس، وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه البيهقي (6/ 19) من طريق ابن وهب عن ابن جريج به، وإسناده صحيح.

وروى هُشَيم عن أبي بِشْر عن سعيد بن جبير عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ذلك الربا المضمون (¬1). وكرهه عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬2) لم يُختَلَف عنه فيما علمتُ. وروى ابن جريج وسفيان بن عيينة عن زياد بن سعيد عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياض أنّ عليًّا كره الرهن في السَّلَم (¬3). وروي عن سعيد بن جبير (¬4) وعكرمة مثل ذلك أيضًا من كراهته، وهو قول الأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور، وقد أخبرنا بالصحيح عندنا بما اختلفوا فيه؛ وهو جائز على ما ذكرنا بدليل الكتاب والسنّة والقياس على الإجماع (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حزم في "المحلّى" (9/ 157) من طريق أبي عوانة عن أبي بشر به، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه عبد الرزّاق (8/ 9/ 10482) من طريق الثوري عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي يزيد عن أبي عياض - وهو مسلم بن نُذَير الكوفي - عن عليّ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 272/ 20034) من طريق وكيع عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي زائدة عن أبي عياض به. وفي الإسنادين ابن جريج، وهو مدلّس، وقد عنعن، وأيضًا في إسناد عبد الرزّاق: عبد الله بن أبي يزيد المازني أبو عبد الرحمن البصري، قال عنه الحافظ: "مقبول"، وأمّا أبو عياض، وإن قال عنه الحافظ: "مقبول"، فقد قبل حديثه أبو حاتم، حيث قال (8/ الترجمة 863 "الجرح والتعديل"): "لا بأس بحديثه"، وذكره ابن حبّان في "الثقات" (8/ 398) وعزا ابن سعد إلى غير معلوم أنّه رمي بالقول بالرجعة، فهو على هذا حسن الحديث إن شاء الله تعالى. (¬3) لم أجده بالإسناد الذي ذكره المصنّف، والوجود المثبت قبل قليل. (¬4) أخرجه عبد الرزّاق (8/ 9/ 10840) من طريق على بن بَذِيْمة، وابن أبي شيبة (4/ 273/ 20038) من طريق بكر بن عتيق؛ كلاهما عن سعيد به، وإسناد عبد الرزّاق صحيح. (¬5) بين فيما سبق الإجماع المقصود، انظر: (ص 226).

وقد أمر الله عز وجل عند التنازع بالردّ إلى كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجعل في الاختلاف والتفرّق حجّة، بل ذمّ ذلك ومدح الإجماع وتواعد من اتّبع غير سبيل المؤمنين أن: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} الآية، فما أجمعوا عليه فحقّ، وما اختلفوا فيه فواجب النظر فيه وردّه إلى أشبه الأشياء به من الكتاب والسنّة والأصول الصحيحة، وبالله التوفيق. وأمّا قولك: "إنْ أَخَذ الرهن بالمُسْلَم فيه فكأنّه اقتضاه قبل أجله"، فقول ضعيف؛ لأنّ الرهن وثيقة، وليس في الاستيثاق شيء من معنى الاقتضاء لأنّه لو شاء أن يُتبع الرهن في سَلمه قبل حلول أجله لم يكن ذلك له (¬1)، ولو كان الرهن كالقضاء لم يصحّ بالدين المؤجَّل أبدًا، والرهن أشبه بالإشهاد منه بالاقتضاء، ولذلك جعله الله بَدَلًا من الكتاب والإشهاد بقوله: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، والله أسأل السداد والرشاد. ¬

_ (¬1) المقصود: ليس لمن أسلم سلعة أن يأتي بعدُ ويطلب رهنًا.

18 - الحديث الثامن عشر: حديث أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها ... الحديث

الحديث الثامن عشر حديث أبي هريرة: "أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ (¬1) رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ بغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الْتِي قَضَى عَلَيْهَا بالْغُرَّةِ تُوُفِّيتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا" (¬2). ¬

_ (¬1) جاء في "الصحيح" - أيضًا - أنّ المضروبة من بني لحيان، قال ابن الملقّن في "الإعلام" (9/ 109): "ولا تنافي بينهما، فإنّ لحيان - بكسر اللام، وقيل: بفتحها - بطن من هذيل، وفي "الصحيح" أنّ إحداهما كانت ضرّة الأخرى". اهـ قلت: واسم المضروبة: مليكة ابنة عويمر من بني لحيان، كذا ذكره ابن أبي شيبة في "المصنّف" (10/ 55)، والمصنِّف في "الاستيعاب" (4/ 1914)، و"الفتح" (10/ 228). وأمّا الضاربة فهي أمِّ عفيف بنت مسروح، ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (نفسه)، وقال الخطيب في "المبهمات" (514): "غطيفة، ويقال: أمِّ غطيف". (¬2) أخرجه البخاري بهذا اللفظ والسياق في [الفرائض (6740) باب ميراث المرأة والزوج والولد وغيره، عن قتيبة، وفي [الديات (6959) باب جنين المرأة، وأنّ العقل على الوالد وعصبة الوالد، لا على الولد] عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم في [القسامة (1681/ 34) باب دية الجنين، ووجوب الديّة في القتل الخطإ وشبه العمد على عاقلة الجاني] عن قتيبة؛ كلاهما عن الليث بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة. أقول: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثمّ إنّ المرأة التي قضى عليها بالغرّة توفّيت" يوهم أنّ المقصود الجانية، وليس =

وقلتَ: وكان ضَرْب المرأة صاحبتها بالعمود يُشبه العمدَ وطريقه طريق العمد، وقضى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه بالدية على عاقلة (¬1) المرأة، والعاقلة لا تحمل العمد، وإنّما تحمل الخطأ؛ وقلتَ: فكيف وجه خروج هذا الحديث؟ وكيف أوجب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على عاقلةٍ دية العمد؟ فالجواب، وبالله عوني وهو حسبي: إنّ حديث أبي هريرة هذا فيه ما ذكرتَ، وهو حديث قد ذكره مالك في "موطّئه" عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيِّب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وعن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مُسنَدًا (¬2)، ولم يذكر مالك حكم الدية وسكت عن ذلك، وإنّما ساق فيه قصّة الجنين وحكمه لا غير، وما أظنّ مالكًا - والله أعلم -[ما] (¬3) روى من ¬

_ = كذلك، بل هي المجني عليها، فأقيم "على" مكان "اللام"، كما يقال: "بارك الله فيك، وبارك عليك"، ذكره عياض في "الإكمال" (5/ 490). وأمّا قوله: "وأنّ العقل على عصبتها" المقصود: القاتلة كما جاء في لفظ آخر: "فجعل دية المقتول على عصبة القاتلة". انظر تفسيره في "إكمال المعلم" (5/ 490 - 491)، و"شرح النووي على مسلم" (11/ 177). (¬1) "العاقلة" جمع "عاقل"، وجمع الجمع "عواقل"، و"المعاقل": الدِّيات، و"العقل": الديّة، سُمِّيت بذلك لأنّ مؤدّيها يعقلها بفناء أولياء المقتول، هذا لغة. وأمّا عند الفقهاء؛ فالمقصود بالعاقلة: "العصبات، ما عدا الآباء والأبناء"، انظر: "الإعلام" لابن الملقّن (9/ 109). (¬2) انظر: "الموطّأ" ليحيى [كتاب العقول (5 - 6) باب عقل الجنين]، وصوّب الدارقطني في "العلل" (9/ 352) رواية مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬3) تعيّن زيادة "ما" النافية؛ لأنّ مالكًا رحمه الله لم يرو من طريق "موطَئه" قصّة قتل المرأة مع جنينها وحكم دمها.

طريق "موطّئه" قصّة قتل المرأة مع جنينها، وحكم دمها إلّا لما بلغه فيه من الاضطراب، فقد اختلفت الرواية في هذا المعنى من الحديث اختلافا كثيرًا (¬1)، ولِمَا وجد العمل بالمدينة من نفي شبه العمد (¬2)، والله أعلم. وإنّ منهم جماعة ينفون ذلك (¬3)، وهذا الحديث والقصّة كلّها مدارها على ¬

_ (¬1) الاضطراب المدّعى من المصنّف هو ما ورد من اختلاف الروايات في الآلة التي ضُرِبَت بها أمِّ الجنين، ففي رواية يونس وعبد الرحمن في "الصحيح": "فرمت إحداهما الأخرى بحجر"، زاد عبد الرحمن: "فأصاب بطنها وهي حامل"، وكذا في رواية أبي المليح عند الحارث، لكن قال: "فخذفت"، وقال: "فأصاب قبلها"، ووقع في رواية أبي داود من طريق حمل بن مالك: "فضربت إحداهما الأخرى بمسطح"، وعند مسلم من طريق عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة قال: "ضربت امرأة ضرّتها بعمود فسطاط، وهي حبلى، فقتلتها"، ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 258)، وانظر: "التمهيد" (7/ 107 - 108). قلت: ولا يؤثّر هذا الاختلاف في المضروب به على صحّة الحديث، وألفاظه كلّها تدلّ على أنّ أمِّ الجنين ضُربت بآلة لا تقتل في الغالب، وأنّ القاتلة لم تقصد القتل، وهو ضابط شبه العمد، وقد بيّن المصنِّف سبب عدم رواية مالك لقصّة قتل المرأة وَقَوَدِها بأوضح مِمّا هو موجود في كتابنا هذا في كتابه "الاستذكار" (8/ 70)، فقال: "وأظنّه أسقطه لما فيه من القضاء بالديّة على عاقلة المرأة القاتلة بالحجر والمسطح - وهو العود - وذلك شبه العمد، وهو عنده باطل". (¬2) عرّف المصنِّف رحمه الله "شبه العمد" في "الاستذكار" (8/ 71) بقوله: "هو أن يعمد الضارب إلى المضروب بحجر، أو عصا، أو سوط، أو عمود، أو ما الأغلب فيه أن لا يقتل مثله من الحديد وغيره"، وقال ابن قدامة في "المغني" (11/ 462): "ويسمّى: "عمدَ الخطإ"، و"خطأ العمد"، لاجتماع العمد والخطأ فيه". (¬3) روي عن عليّ بن أبي طالب، ذكره البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 167)، وكذا هو قول الليث ابن سعد كمالك، ذكره عياض في "إكمال المعلم" (5/ 469)، وكذا قال المصنّف في "الاستذكار" (8/ 164): "قد تابع مالكًا على نفي شبه العمد الليثُ بن سعد، وما أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار على ذلك تابعهما". =

حمل بن مالك بن النابغة، رجل من الأعراب من هُذَيل (¬1)، ولكنّه قد روى حديثه هذا معه جماعة من الصحابة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فممّن رواه: أبو هريرة (¬2) والمغيرة ابن شعبة (¬3) وابن عبّاس (¬4) وجابر وغيرهم - رضي الله عنهم -. فأمّا حديث أبي هريرة فاختلف فيه على ابن شهاب، وقد ذكرنا ما صنع فيه مالك وذكرنا من تابعه على ذلك في كتاب "التمهيد" (¬5)، وأحسنهم سياقة هنا يونس بن يزيد. ¬

_ = وقال بعدما نقل عن جمع من الصحابة القول بإثبات شبه العمد (8/ 185): "ولا مخالف لهم من الصحابة، ولا من التابعين فيما علمته، إلَّا اختلافهم في صفة شبه العمد، وعلى ذلك جمهور الفقهاء". (¬1) هنا عبارة: ". . . هذيل عنده عُرضت لزوجته إحداهما مع الأخرى"، وأرى أنّه لا محلّ لها من الكلام، إذ يستقيم السياق بدونها، أو أن الصواب: "عنده امرأتان فضربت إحداهما الأخرى"، كما جاء في بعض الروايات، والله أعلم. وحمل بن مالك بن النابغة الهذلي أبو نضلة البصري، صحابي، روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ديّة الجنين، وليس له عندهم غيره، قاله ابن حجر؛ روى عنه عبد الله بن عبّاس، وذكر أبو ذرّ الهروي في "مستدركه" أن عمر بن الخطاب روى عنه - أيضًا - قال أبو موسى في "الذيل" في ترجمة عامر ابن مُرَقِّش: "أن حَمَلًا هذا قُتل في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، قال الحافظ: "وعندي أن هذا من الأوهام؛ لأنّ في حديثه هذا أنّه قام إلى عمر لمّا خطب فحدّثه"، انظر: "الاستيعاب" (1/ 66)، و"تهذيب التهذيب" (1/ 492)، و"طبقات ابن سعد" (7/ 24). (¬2) حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في [الفرائض (6740)]، و [الديات (6909)]، ومسلم في [القسامة (1681)] وغيرهما. (¬3) حديثه أخرجه مسلم في [القسامة (1682)] وغيره. (¬4) حديثه سيأتي عزوه (ص 241). (¬5) ذكر المصنِّف طرق حديث أبي هريرة في "التمهيد" (6/ 277 - 281)، وانظر تفصيل القول في علل هذا الحديث وطرقه والاختلاف على الزهري فيه كتاب "العلل الواردة في الأحاديث" للإمام =

روى ابن وهب وابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيّب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان مِن هُذَيل، فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى أنّ دية جنينها عبدًا أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلة القاتلة، فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله؛ أَغْرَم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا اسْتَهَلَّ، فمثل ذلك (يُطَلُّ) (¬1)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهَّانِ"، من أجل سَجْعِه الذي سَجَع (¬2). فاحتج من أثبت شبه العمد بحديث أبي هريرة هذا. وعن جابر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3)، وروايات رُوِيَت في ذلك أيضًا عن حمل ¬

_ = الدارقطني (9/ 348 - 363) حيث صوّب الدارقطني رحمه الله رواية مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعن الزهري عن سعيد بن المسيّب مرسلًا. (¬1) في الأصل: "يطال"، والصواب المثبت؛ لأنّ كلّ روايات الحديث جاءت بلفظ: "يُطَلّ". ومعنى يُطَلّ: أي يُهدَر، يقال: طُلَّ دمه، وأُطِلّ، وأطلّه، وأجاز الكسائي بناءه للمعلوم، أي: طلّ. انظر: "النهاية" لابن الأثير (3/ 136). (¬2) الحديث أخرجه البخاري في [الديات (6910) باب جنين المرأة وأنّ العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد] من طريق ابن وهب، وكذا أخرجه مسلم في [القسامة (1681) باب ديّة الجنين ووجوب الديّة في قتل الخطإ وشبه العمد على عاقلة الجاني] من طريق ابن وهب، ولم أجده من رواية ابن المبارك عن يونس، ولا أشار إليه المصنّف في "التمهيد"، ولا الدارقطني في "العلل". (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" في [الديّات منه (4575) باب ديّة الجنين، وابن ماجه في [الديّات (2648) باب عقل المرأة على عصبتها وميراثها لولدها] وابن أبي شيبة برقم (27289) من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر به مختصرًا، قال المنذري في "مختصره" (6/ 369): "وفي إسناده مجالد بن سعيد، وقد تكلّم فيه غير واحد ". =

ابن مالك بن النابغة المذكور عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك (¬1). واحتجّوا - أيضًا - بحديث خالد الحذّاء عن القاسم بن ربيعة بن جوْشَن (¬2) عن عقبة بن أوس السدوسي عن رجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو عبد الله بن عمرو ابن العاص، هكذا قال حمّاد بن زيد وغيره: أنّ رسول الله خطب يوم فتح مكّة، فقال في خطبته: "أَلاَ إِنَّ قَتْلَ الخَطَإِ بَالسَّوْطِ وَالعَصَا وَالحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ؛ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَة فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا" (¬3). ¬

_ = قلت: قال الحافظ فيه: "ليس بالقويّ، وقد تغيّر في آخر عمره". لكن للحديث شواهد كثيرة يتقوّى بها، ولذا صحّحه الألباني، كما في "صحيحي سنن أبي داود وابن ماجه". (¬1) منها ما أخرجه أبو داود في [الديّات (4572) باب ديّة الجنين]، والنسائي في [القسامة (4739) باب قتل المرأة بالمرأة]، وابن ماجه في [الديّات (2641) باب الميراث من الديّة]، والدارمي في [الديّات (2425) باب ديّة الجنين]، والطحاوي (3/ 188)، وابن حبّان - كما في "الإحسان" (7/ 605 - الحوت) - والدارقطني (3/ 115)، والحاكم (3/ 575)، وأحمد في "المسند" (4/ 79) و (1/ 364) كلّهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عبّاس: "أنّ عمر نشد الناس في قضيّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الجنين؟ فقام حَمَل فقال: . . ." فذكره. وروي من طريق طاووس عن عمر. والحديث صحيح، صحّحه الألباني، كما في صحاح السنن. (¬2) قال الحافظ في "التقريب": "القاسم بن ربيعة بن جَوْشَن بجيم ومعجمة، وزن جعفر، الغَطَفاني، بفتح المعجمة ثمَّ المهملة وبالفاء: بصريّ ثقة عارف بالنسب من الثالثة". (¬3) أخرجه أبو داود في [الديات (4547) باب في دية الخطأ شبه العمد، وفيه (4548)]، وأخرجه النسائي في [القسامة (4793 - 4798) باب كم دية شبه العمد؟ ]، وابن ماجه في [الديات (2627) باب دية شبه العمد =

وقد روى إسماعيل بن مسلم والحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عبّاس عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله بمعناه: "مَنْ ضَرَب بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ فَدِيَتُهُ مُغَلَّظَةٌ فِي أَسنَانِ الْإِبِلِ" (¬1). ¬

_ = مغلّظة]، وابن الجارود (ص 261)، والطحاوي (3/ 185 - 186)، وابن حبّان (7/ 601 - الحوت)، والدارقطني (3/ 103، 104، 105)، كلّهم من طريق خالد الحذّاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة ابن أوس عن عبد الله بن عمرو به، وهو صحيح. وانظر تخريجه مفصّلًا، وتحقيقًا بديعًا في الاختلاف على هذا الحديث: "الإرواء" برقم (2197). (¬1) لم أجده بهذا اللفظ من رواية الحسن بن عمارة عن عمرو، بل الموجود به رواية إسماعيل ابن مسلم عند الدارقطني (3/ 94)، لكن عن عمرو بن دينار عن ابن عبّاس، ولفظه: "العمد قود اليد، والخطأ عقل لا قود فيه، ومن قُتل في عِمِّيَة بحجر أو عصا أو سوط فهو ديّة مغلّظة في أسنان الإبل"، وروي بغير ذكر تغليظ الدية، وهو عند أبي داود في [الديات (4539 - 4540) باب من قتل في عمِّيّا بين قوم]، وكذا عند النسائي في [القسامة (4789 - 4790) باب من قتل بحجر أو سوط]، وابن ماجه في [الديات (2635) باب من حال بين وليّ المقتول وبين القود أو الدية]، والدارقطني (3/ 93 - 95)، من طرف عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عبّاس به، فخالف إسماعيل بن مسلم كلاّ من سليمان بن كثير، وحمّاد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وسعيد بن سليمان، والحسن بن عمارة في إسناده، فرووه عن عمرو عن طاووس عن ابن عبّاس مسندًا من غير ذكر تغليظ الدية، ورواه عن عمرو عن ابن عبّاس بذكر تغليظ الدية، فخالف الجماعة في الإسناد والمتن، فحديثه شاذّ، إلّا أن يقال: الجماعة الذين رووا الحديث بلفظ: "من قتل في عَمِّيّة في رِمِّيًا تكون بينهم بحجارة، أو جلد بالسوط، أو ضرب بعصا؛ فهو خطأ عقله عقل الخطإ. . ."، يحمل حديثهم على ما قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 165): "يشبه أن يكون المراد: فهو شبه خطإ، لا يجب به القود، كالحديث الأوّل، والله أعلم"، فلا يكون شاذًّا على هذا، لكن لفظ الحديث صريح في جعل عقل مَن فعل ذلك عقل الخطإ، فالله أعلم.

قالوا: فقد ثبت بهذه الأحاديث أنّ شبه العمد ما ليس بعمد محض ولا خطأ محض، ومِمّن قال بإثبات شبه العمد من الفقهاء؛ الشافعي وأبو حنيفة والثوري وعثمان البتي وأصحابهم، وابن شُبْرُمة وابن أبي ليلى والأوزاعي والطبري وأهل الحديث وجماعة فقهاء العراقيين والشاميين وجمهور التابعين. وقال أبو حنيفة والشافعي ومَن تَبِعَهم: الدية في ذلك على العاقلة، وقال ابن شُبْرُمة والبتي والأوزاعي: هي في مال الجاني مغلّظة (¬1). واختلفوا في كيفية شبه العمد، فجملة قول أبي حنيفة أنّه إذا قتله بحديدة أو بلفظة قضيب أو بالنار فهو عمد، وفيه القصاص (¬2)، وما سوى ذلك من العمد لا قصاص فيه، وفيه الدِّية مغلّظة على العاقلة وعلى القاتل الكفّارة، وجملة قول أبي يوسف ومحمّد أنّ شبه العمد ما لا يَقتُل، كاللطمة الواحدة، والضربة الواحدة بالسوط والوكز، و [لو كرّر] (¬3) ذلك حتّى صار جملته مِمّا يقتل؛ كان عمدًا، وفيه القصاص بالسيف، وكذلك إذا غرّقه في ماء بحيث لا يمكنه الخلاص منه، وهو قول عثمان البتّي، إلّا أنّه يجعل دية شبه العمد [في ماله] (¬4) [وقال الثوري: شبه العمد] (¬5) أن يضربه بعصًا أو ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (12/ 16)، و"نيل الأوطار" (7/ 92)، و"معرفة السنن والآثار" (6/ 197)، و"بدائع الصنائع" (7/ 255). (¬2) انظر: "بدائع الصنائع" (7/ 233)، و"تبيين الحقائق" (6/ 97 وما بعدها)، و"تكملة فتح القدير" (8/ 244)، و"الدر المختار وردّ المحتار" (5/ 375)، و"أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 323). (¬3) ليست بالأصل، والسياق يقتضيها، واستدركتها من "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 228). (¬4) ليست بالأصل، والاستدراك من "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 228)، فقد نقله المصنِّف عنه بالحرف، وكذا هو في "الاستذكار" (8/ 166). (¬5) ليست بالأصل - أيضًا - والتصويب من "أحكام القرآن" للجصّاص (نفسه).

حجر أو ببندقة (¬1) فيموت، ففيه الدية مغلّظة ولا قَوَد فيه، والعمد ما كان بسلاح، وفيه القود، هذه رواية الأشجعي عنه. وروى عنه الفضل بن دُكيْن قال: لو أخذ (¬2) عودًا أو عظمًا فجرح به بطن حيٍّ (2) فهو شبه عمد، وليس فيه قود (¬3). وقال الأوزاعي: "إن ضربه بعصًا أو سوط ضربة واحدة فمات فذلك شبه العمد، ففيه الدية مغلّظة في ماله، وإن (ثنّى) (4) بالعصا ثمّ مات مكانه من الضربة الثانية فعليه القصاص"، [وقال الحسن بن صالح] (¬4) وإن لم يَمُت من الثانية مكانه ثمّ مات بعد فهو شبه العمد؛ لا قصاص فيه. وقال المُزني عن الشافعي: إذا عمد رجل بسيف أو حجر أو سنان رمح أو بشيء له حدّ (يخرق) (¬5) الجلد واللحم إذا ضربه به أو رمى به، فضرب به إنسانًا فجرحه جرحًا كبيرًا أو صغيرًا فمات منه فعليه القَوَد، وكذلك إن شَدَخَه بحجر أو تابع عليه الخنق، أو والى عليه بالسوط حتّى يموت أو طبق عليه بيتًا بغير طعام ولا شراب مدّة الأغلب أن يموت في مثلها؛ أو ضربه بسوط في شدّة حرّ أو برد ونحو ذلك مِمّا الأغلب أنّه يموت منه، فعليه القود، وإن ضربه بما لا يجرح بحدّه أو ألقاه في بحر ¬

_ (¬1) في "أحكام القرآن " للجصّاص: "أو بيده". (¬2) في "أحكام القرآن" للجصّاص (نفسه)، و"المحلّى" لابن حزم (10/ 280 - 281): "مدّد" و"حرٍّ". (¬3) انظر: "شرح معاني الآثار" (3/ 186 - 189)، و"أحكام القرآن" للجصّاص الموضع السابق. (¬4) في الأصل كلمة غير هذه، ولم أتمكّن من قراءتها، هذه صورتها: [. . . .]، والتصويب من "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 229)، و"المحلّى" (10/ 279)، لكن كلام الأوزاعي ينتهي عند كلمة "القصاص"، ثمّ يأتي بعده كلام الحسن بن صالح الذي فيه أنّه إن لم يمت مكانه. . . إلخ. (¬5) في الأصل: "فخرق"، والصواب المثبت.

قريب البرّ وهو يحسن العَوْم أو ما يغلب أنّه لا يموت منه فمات فلا قود عليه، وفيه الدية على العاقلة مغلّظة (¬1). وشبه العمد عند الشافعي رحمه الله في الجراح وفي النفس جميعًا، وعند أبي حنيفة لا يكون شبه العمد [إلّا في النفس] (¬2). و[قوم] (¬3) أنكروه؛ منهم مالك والليث وجماعة من أهل المدينة، قال مالك رحمه الله: "شبه العمد باطل، إنّما هو عمد أو خطأ، ومن ضرب (أحدًا) (¬4) بعصًا أو رماه بحجر فهو عمد، وفيه القصاص، فإن انصرف عنه وهو حيٌّ ثمّ مات كانت فيه القسامة (¬5) " (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر المزني" مع "الأمّ" للشافعي (8/ 344)، وكذا "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 229)، وليس فيه جملة: "وإن ضربه بما لا يجرح بحدِّه أو ألقاه في البحر. . . مغلّظة"، وهي موجودة عند الجصّاص في "أحكامه" ناقلًا إيّاها عن المزني، فإمّا أن يكون ابن عبد البرّ ينقل عن الجصّاص، أو يكون ما في "المختصر" ناقصًا، والله أعلم. (¬2) غير موجود بالأصل، والسياق يقتضيها لتمام الكلام؛ لأنّه محصل مذهب أبي حنيفة، كما نصّ عليه الجصّاص وغيره. (¬3) ليست موجودة بالأصل - أيضًا - والسياق يقتضيها لاستقامة الكلام. (¬4) في الأصل: "أحد"، وهو خطأ. (¬5) القسامة: هي بفتح القاف، وتخفيف السين، مشتقّة من القسم، أو الإقسام، وهي اليمين التي يحلف بها المدّعي للدم عند اللَّوَث، قاله ابن فارس في "مجمل اللغة" (752) باب القاف والسين، وما يثلّثهما، والجوهري في "الصحاح" (ق س م)، وقال الأزهري: "هي اسم للأولياء الذين يحلفون على استحقاق دم المقتول" "تهذيب اللغة" (8/ 423) مادّة (ق، س، م)، وفي الشرع: قال ابن قدامة في "المغني" (12/ 188): " المراد بالقَسامة الأيمان المكرّرة في دعوى القتل". وقال ابن عرفة في "شرح حدوده" (485): "هي حَلِف خمسين يمينًا أو جزءًا منها على إثبات الدم"، وانظر: "الموسوعة الفقهية" (33/ 166). (¬6) انظر: "المدوّنة" (4/ 558)، و"المنتقى" (7/ 101)، و"الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكّام" (2/ 270).

وقال الليث: "كلّ ما عمد به إنسان إنسانًا فضربه به فمات المضروب، ففيه القصاص، ولو ضربه بأصبعه" (¬1). ومن الحجّة لقائل هذه المقالة: أنّ القرآن إنّما نطق بالعمد والخطأ، والأحاديث في شبه العمد مضطربة، فأمّا الحديث المأثور في المرأة الهُذَلِية التي رمت صاحبتها بحجر أو بمسطح فقتلتها وجنينها فقد روي على نحو ما ذهبنا إليه، وعلى خلاف ما تقدّم، روى أبو عاصم النبيل (¬2) وحجّاج بن محمّد عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عبّاس: "أنّ عمر بن الخطّاب أنشد الناس ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين، فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: إنّي بين امرأتين؛ وإنّ إحداهما ضربت الأخرى بِمِسْطَح فقتلَتْها وجنينَها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغُرَّة، وقضى في المرأة أن تُقتَل مكانها" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 229). (¬2) هو: الضحّاك بن مخلد بن الضحّاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، مات سنة (212) أو بعدها. (¬3) أخرجه أبو داود في [الديات (4572) باب دية الجنين]، وابن ماجه في [الديات (2641) باب الميراث من الدية]، والدارمي (2341)، وابن حبّان (6021)، والدارقطني (3/ 115 - 117)، والطحاوي (3/ 188)، والبيهقي (8/ 114)، من طريق أبي عاصم، والنسائي في [القسامة (4739) باب قتل المرأة بالمرأة] من طريق حجّاج بن محمّد، إلّا أن البيهقي قال بعد إيراد الحديث: "شكّ فيه عمرو ابن دينار، والمحفوظ أنّه قضى بديتها على عاقلة القاتلة". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (6/ 367): " قوله: "أن تقتل" لم يذكر في غير هذه الرواية، وقد روي عن عمرو بن دينار أنّه شكّ في قتل المرأة بالمرأة ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قلت: وأخرج الرواية التي شك فيها عمرو بن دينار الإمام أحمد (1/ 364) من طريق عبد الرزّاق ومحمّد بن بكر البرساني كلاهما عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنّه سمع طاووسًا يخبر عن ابن عبّاس عن عمر أنّه شَهِد (كذا) قضاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فجاء حمل بن مالك بن النابغة، فقال: "كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقتلتها وجنينها، فقضى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرّةِ عبدٍ وأن تقتل"، فقلت لعمرو: أخبرني ابن طاووس عن أبيه كذا وكذا - يعني: فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديّتها وغرّةٍ في جنينها - فقال: لقد شكّكتني. ولعلّ هذا الشكّ أثّر في عمرو، فصار يرويه على الجادّة، فقد أخرجه دون ذكر الأمر بقتل المرأة عبد الرزّاق (18343)، ومن طريقه الطبراني (3482)، والدارقطني (3/ 117)، والحاكم (3/ 575)، عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به مسندًا. وقد روي مرسلًا عن طاووس، من طريق سفيان بن عيينة، أخرجه الشافعي في "مسنده" (2/ 103)، وأبو داود (4573)، وأخرجه النسائي (4816)، والبيهقي من طريق حمّاد بن زيد كلاهما عن عمرو ابن دينار عن طاووس عن عمر مرسلًا، لم يذكر فيه ابن عبّاس، ولم يذكر فيه الأمر بقتل المرأة القاتلة. وأخرجه كذلك الشافعي في "مسنده" (2/ 103 - 104)، ومن طريقه البيهقي (8/ 114)، عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن طاووس عن طاووس عن عمر بنحوه. وأخرجه عبد الرزّاق (18342) عن ابن جريج عن ابن طاووس عن طاووس قال: "ذُكر لعمر ابن الخطّاب قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. . . فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديتها وغرّة في جنينها". وأخرجه عبد الرزّاق (18339)، ومن طريقه الدارقطني (3/ 117)، عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: "استشار عمر. . . فقضى رسول الله حتى بالدية في المرأة، وفي الجنين بغرّة" الحديث. أقول: وبهذا يتبين أنّ قوله في الحديث على المرأة القاتلة: "وأن تُقتَل" شاذّة، لم ترد إلّا في رواية حجّاج وأبي عاصم في حديث ابن عبّاس، فضلًا عن باقي روايات الحديث التي في الباب عن عبد الله ابن عمرو وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعبادة بن الصامت.

أخبرني عبد الله بن محمّد بن عبد المؤمن قال: ثنا محمّد بن بكر بن داسة التمار بالبصرة قال: ثنا أبو داود قال: ثنا محمّد بن مسعود قال: ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووسًا عن ابن عبّاس عن عمر: أنّه سأل عن قصّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: "كنت بين امرأتين، فضربَت إحداهما الأخرى بِمِسْطَح فقتلَتها وجنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرّة وأن تقتل". وذكر الطحاوي (¬1) أنّ حجّاج بن محمّد الأعور تابع أبا عاصم على روايته هذه عن ابن جريج بإسنادها ومتنها، وذكر في المرأة أن تقتل مكانها. ففي هذا الحديث أنّه قضى في المرأة بالقتل لا بالدية، فلا وجه لإثبات شبه العمد بما قد اختلف فيه ولم يثبت، والأحكام لا تستقرّ إلّا بما ثبت ولم يعارضه ما ينقضه. فإن قيل: إنّ الحميديّ روى هذا الحديث عن هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج بإسناده (¬2)، [و] (¬3) أنّ ابن عيينة رواه عن عمرو عن طاووس مرسلًا (¬4)، ولم يذكر قتل المرأة، وإنّ ذكر قتل المرأة غلط من أبي عاصم؟ قيل له: تابعه حجّاج بن محمّد مع معرفته بابن جريج، ولو تفرّد بها أبو عاصم ¬

_ (¬1) لم أَهتَدِ إلى موضعه، وانظر: "المحلّى" (10/ 382). (¬2) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 188) من طريق الحميدي. (¬3) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها. (¬4) بل مسندًا، كما سبق بيانه وعزوه (ص 241).

وجب أن تقبل (¬1) لأنّها زيادة على ما قصّر عنه ابن عيينة وهشام بن سليمان عن ابن جريج؛ لأنّهم لم يذكروا قتل المرأة، ولا ديتَها، وقد ذكر أبو عاصم وحجّاج ما حذفه ابن عيينة (¬2)، وقد روي عن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - أسعى شبه العمد، وقال: "يَعْمِد أحدُكم فيضرب أخاه بالعصا، ثمّ يقول: لا قود عليّ، لا أوتى بأحد فعل ذلك إلّا أَقَدتُّ منه" (¬3). وللذين أثبتوا شبه العمد اعتراض في حديث حمل بن مالك بن النابغة هذا، قالوا: إن كان ابن عيينة لم يذكر فيه قتل المرأة، فإنّ محمّد بن مسلم الطائفي وحمّاد بن زيد (¬4) ومحمّد بن أبي جحادة (رووا) (¬5) هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن ابن طاووس (¬6) أنّ عمر، هكذا مرسلًا، كما رواه ابن عيينة، وقالوا فيه: "وقضى في المرأة بالدية". ¬

_ (¬1) في الأصل: "وجب أن لا تقبل"، بالنفي، وهو خطأ؛ لأنّ المصنِّف في صدد بيان ثبوت رواية أبي عاصم المتابع من حجّاج بن محمّد، والله أعلم. (¬2) قد بينت فيما سبق (ص 242) أنّ رواية أبي عاصم وحجّاج شاذّة لمخالفتها، لا لأنّها زيادة، ففي رواية الناس أنّه حكم بالدية، وفي رواية أبي عاصم وحجّاج حكم بالقود، وقد ذكرنا أنّ عَمرًا شكّ في رواية: "وأن تُقتل"، فتنبّه. (¬3) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 189، وابن أبي شيبة (27686) من طريق زيد بن جبير الجُشْمِي عن جَرْوة بن حُمَيل عن أبيه عن عمر به. (¬4) روايته سبق الإشارة إلى موضعها (ص 242). (¬5) في الأصل: "روى"، وهو خطأ. (¬6) هو: عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني، أبو محمّد، ثقة فاضل عابد، مات سنة 132 هـ.

قالوا: فقد ثبت شبه [العمد] (¬1) في خبر حمل بن مالك - أيضًا - كما ثبت من رواية أبي هريرة وجابر وغيرهما. قالوا: وأكثر أحوال خبر حمل بن مالك بن النابغة أن تُجعَل الرواية فيه معارضة فيسقط، وخبر أبي هريرة وجابر لم يُختَلَف عنهما فيه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَضَى عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ بِالدِّيَةِ". قالوا: وقد روى شعبة وغيره عن قتادة عن أبي المليح الهذلي (¬2) عن حمل ابن مالك بن النابغة هذه القصّة في الجنين والمرأة، وذكر أنّه جعل دية المرأة على عاقلة قاتلتها، ولم يختلف في ذلك عن قتادة (¬3). قالوا: وقد روى خبر ابن عبّاس سِماك عن عكرمة عن ابن عبّاس، فذكر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَضَى بِعَقْلِ المقْتُولَةِ عَلَى العَاقِلَةِ، وَقَضَى فِي الجَنِينِ بِغُرَّةٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها. (¬2) هو: أبو المليح بن أسامة بن عمير بن حنيف بن ناجية الهذلي، اسمه: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد، ثقة، توفّي سنة (98 هـ)، وقيل: (108)، وقيل: بعد ذلك. (¬3) لم أعثر عليه من رواية شعبة، وقد أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (11/ 413)، وكذا الطبراني (3485) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به، ورواه الطبراني بنحوه مختصرًا (3484) عن عبّاد بن منصور عن أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك بن النابغة به. وكذا عزاه المصنّف في "الاستذكار" (8/ 73) إلى شعبة. (¬4) أخرجه أبو داود في [الديات (4574) باب دية الجنين]، والنسائي في [القسامة (4828) باب صفة شبه العمد، وعلى من دية الأجنّة؟ ]، وابن حبّان - كما في "الإحسان" (6019) - والطبراني في "الكبير" (11767)، والبيهقي في "الكبرى" (8/ 115)، وهذا الإسناد ضعيف؛ لأنّ رواية سماك عن عكرمة =

فهذا يقضي على خبر طاووس المختلِف. قالوا: وقد روي عن عليّ أنّه أثبت شبه العمد، وروى شريك وغيره عن أبي إسحاق (¬1) عن عاصم بن ضمرة عن عليّ - رضي الله عنه - قال: "شبه العمد بالعصا والحجر، وليس فيه قود" (¬2). وأمّا حديث جابر فحدّثناه عبد الوارث بن سفيان قال: ثنا قاسم بن أصبغ قال: ثنا بكر بن حمّاد قال: ثنا مسدّد قال: ثنا عبد الواحد - يعني: ابن زياد - قال: ثنا مجالد (¬3) عن الشعبي عن جابر: أنّ امرأتين من هذيل قتلَت إحداهما الأخرى ولكلّ واحدة منهما زوج وولد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دِيَّةُ المقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ القَاتِلَةِ وبرّأ أَهْلهَا (¬4) وَوَلَدهَا"، فقال: عاقلة القاتلة ميراثها لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مِيرَاثُهَا ¬

_ = مضطربة، وفيه أسباط بن نصر الهمداني، أبو يوسف، ويقال: أبو نصر، قال عنه الحافظ: "صدوق كثير الخطإ، يغرب"، ولكن للحديث شواهد يتقوّى بها سبقت، انظر (ص 241). (¬1) هو: عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ثقة مكثر عابد، اختلط بأخرة، مات سنة (129 هـ)، وقيل قبل ذلك. (¬2) أخرجه الطحاوي (3/ 189)، وإسناده ضعيف؛ لأنّ فيه شريكًا، وهو: ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط ثمّ الكوفة، أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيرًا، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وفيه أبو إسحاق، وهو مدلّس، وقد عنعن. وأخرجه ابن أبي شيبة (26766) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق به، ولفظه: "قتيل السوط والعصا شبه العمد". (¬3) هو: ابن سعيد بن عمير الهمداني، أبو عمرو الكوفي، ليس بالقويّ، وقد تغيّر في آخر عمره، توفّي سنة (144 هـ). (¬4) كذا هي في الأصل، وفي "سنن أبي داود": "زوجها"، ولعلّه الصواب، والمعنى أنّ الزوج والولد لا يدفعان من الدية شيئًا، والله أعلم.

لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا" (¬1)، قال: وكانت حُبلى وألقت جنينها فجاءت عاقلة القاتلة أن تَضْمِنَهم، فقالوا: يا رسول الله؛ لا شَرِب ولا أَكَل ولا صاح ولا اسْتَهَلَّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا سَجْعُ الجَاهِلِيَّةِ، فَقَضَى فِي الجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ" (¬2). وقد ذكرنا في كتاب "التمهيد" (¬3) كثيرًا من آثار هذا الباب عن جماعة من الصحابة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وأمّا حديث المغيرة بن شعبة فذكر فيه جرير عن منصور عن إبراهيم عن عبيد ابن (نضيلة) (¬4) عن المغيرة: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ دِيَةَ المقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ القَاتِلَةِ و (غُرَّةٍ) (¬5) لمِا فِي بَطنِها" (¬6). قال أبو داود: "هكذا رواه الحكم عن مجاهد عن المغيرة" (¬7). ¬

_ (¬1) إلى هنا أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما - كما مرّ (ص 235). (¬2) لم أجد هذه الزيادة في رواية المغيرة عند غير المصنِّف هنا. (¬3) انظر: "التمهيد" (6/ 477 - 481)، وأحال تفصيل الكلام على شبه العمد واختلاف العلماء فيه من جهة الأثر وما للعلماء فيها من الأقاويل والوجوه إلى كتابنا هذا، وانظر أيضًا: (7/ 107)، وكذا "الاستذكار" (8/ 69 - 74). (¬4) في الأصل: "فضيلة"، وهو خطأ، وفي "التقريب": "نضلة"، وهو خطأ - أيضًا - فينظر: "تهذيب الكمال"، و"تبصير المنتبه" لابن حجر (4/ 1422)، وهو الموافق لما في كتب الحديث. وهو عبيد بن نُضَيلة الخزاعي، أبو معاوية الكوفي، ثقة من الثانية، ووهم من ذكر أنّ له صحبة، مات في ولاية بشر على العراق. (¬5) في الأصل: "غيرة"، وهو خطأ. (¬6) أخرجه مسلم في [القسامة (1682) باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطإ وشبه العمد على عاقلة الجاني]. (¬7) انظره تحت الحديث رقم (4569)، كتاب الديات، باب دية الجنين.

وقلت أنا: وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن منصور بإسناده ومعناه سواء، وكذلك رواه - أيضًا - سليمان التيمي عن منصور بإسناده مثله، وأمّا شعبة فرواه عن منصور بإسناده، وقال فيه: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي الجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَجَعَلَهَا عَلَى عَاقِلَةِ المرْأَةِ" (¬1)، ففي حديثه هذا؛ أنّ دية الجنين جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة، ولم يذكر شعبة في حديثه هذا دية المرأة ولا قتلها، ويمكن أن تكون الدية المجعولة على العاقلة في حديث الهذليِّين دية الجنين دون غيرها والله أعلم. فلا يكون فيه على مالك حجّة، وأمّا الرواية التي شهد محمّد بن مسلمة للمغيرة في هذا الحديث فإنّما هي في ذكر الجنين لا غير (¬2)، وقد ذكرنا الاختلاف في دية الجنين على من تجب والحجّة لكل قول منها في "التمهيد"، وبالله العون والتوفيق. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في [القسامة (1682) (38) الباب نفسه]، وكذا أخرجه غير مسلم. (¬2) الرواية المقصودة أخرجها البخاري في [الديات (6955) و (6908) باب جنين المرأة]، وأخرجه في [الاعتصام بالكتاب والسنّة (7317) باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى]. وأخرجه مسلم في [الديات (1682) (39) باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطإ وشبه العمد على عاقلة الجاني].

19 - الحديث التاسع عشر: حديث ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم

الحديث التاسع عشر حديث ابن عمر: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِك، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثَمً لِيُمْسِكْهَا بَعْدُ حَتَّى تَطْهُرَ، ثَمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الْتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ" (¬1). قلتَ: وروى يونس بن جبير (¬2) عن ابن عمر أنّه قال: "مُرْهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا، قلتُ: أَتُحْتَسَب بها؟ قال: أرأيت إن عجز واسْتَحْمَقَ؟ " (¬3) قلتَ: فهذا مشكل جدًّا. هذا لفظ كتابك. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري في "الصحيح" [(5251) باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}]، وأخرجه مسلم في [الطلاق (1471) (1) باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها] من طرق عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. (¬2) يونس بن جبير الباهلي، أبو غلّاب البصري، ثقة من الثالثة، مات بعد التسعين، وأوصى أن يُصلِّيَ عليه أنس بن مالك، روى له الجماعة. (¬3) الحديث أخرجه البخاري في "الصحيح" في [الطلاق منه (5252) مختصرًا، باب إذا طلّقت الحائض تعتدّ بذلك الطلاق، وفيه [(5258) باب من طلّق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟ ، وفيه (5333) باب مراجعة الحائض]، وأخرجه مسلم في [الطلاق (1471) (10) و (1471) (7) و (1471) (8) باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنّه لو خالف وقع الطلاق، ويؤمر برجعتها].

فالجواب: إنّي لا أدري ما أشكل عليك من ذلك، وليس فيه سؤال عن معنى، والمعاني فيه كثيرة، وقد ذكرتها في كتاب "التمهيد" مُستوعَبة (¬1) فتأمّلها يغنيك ذلك إن شاء الله تعالى. وأمّا قول ابن عمر لأبي غلاّب يونس بن جبير: "أرأيت إن عجز واستحمق؟ " فمعناه عند أهل العلم: الإنكار عليه في قوله: "أتحتسب؟ "، فكأنّه قال: وهل في (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" (15/ 51 - 80). (¬2) في هذا الموضع وقع سقط أظنّه كبيرًا؛ لأنّ من عادة ابن عبد البرّ - رضي الله عنه - الاستطراد في مثل هذه المسائل التي الخلاف فيها كبير، وأَستَدرِكُ هنا في هذا الموضع ما يجوز أن يكون ابن عبد البرّ أراد ذكره في توجيه قول ابن عمر لأبي غلّاب يونس بن جبير: "أرأيت إن عجز واستحمق؟ " من كتاب "التمهيد" (15/ 62): "ومعنى قوله: "فَمَهْ، أرأيت إن عجز واستحمق؟ " أي: فأيّ شيء يكون إذا لم يعتدَّ بها؟ ! إنكارًا منه لقول يونس: "أفتعتدّ بها؟ " فكأنّه - والله أعلم - قال: وهل من ذلك بدّ أن تعتدّ بها؟ ! أرأيت لو عجز؟ بمعنى تعاجز عن فرض آخر من فرائض الله لم يقمه، أو استحمق فلم يأت به، أكان يعذر فيه؟ ونحو هذا من القول والمعنى"، وقال في "الاستذكار" (6/ 143): "ومعنى قول ابن عمر فيه: "أرأيت إن عجز واستحمق؟ " أي: وهل من ذلك بدٌّ؟ أرأيت لو تعاجز عن فرض آخر من فرائض الله تعالى، فلم يقمه، أو استحمق، فلم يأت به، أكان يعذر فيه؟ ونحو هذا من الإنكار على من شذّ أنّه لا يعتدّ بها". اهـ وقال في "التمهيد" (15/ 62، 63): "والدليل على أنّه قد اعتدّ بها، ورآها لازمة له: أنّه كان يفتي أنّ من طلّق امرأته ثلاثًا في الحيض لم تجز له، ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتدّ بها، لكانت الثلاث - أيضًا - لا يعتدّ بها، وهذا ما لا إشكال فيه عند كلّ ذي فهم". اهـ. أقول: قد أسهب الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله في بيان معاني هذا الحديث في "التمهيد" كما سبق، وانتصر انتصارًا كبيرًا لوقوع طلاق الحائض، وكذا الطلاق الذي لا يكون على الستّة، كطلاق المجامع في الطهر، وادّعى الإجماع فيه، وقال بأنّه لم يخالف في هذه المسألة إلّا طوائف من أهل البدع والضلال، ومقصوده من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذه الطوائف الخوارج والروافض، كما حكاه الشوكاني عن الخطّابي في "نيل الأوطار" (6/ 252). وقد انتصر للقول الثاني - أنّ الطلاق البدعي لا يقع - ابن حزم في "المحلّى"، وخطّأ من ادّعى الإجماع بمخالفة ابن عبّاس وابن عمر في الثابت عنهما، وقال ابن القيّم في "الزاد": "إنّ الخلاف في وقوع الطلاق المحرّم لم يزل ثابتًا بين السلف والخلف، وقد وَهِم من ادّعى الإجماع على وقوعه، وقال بمبلغ علمه، وخفي عليه من الخلاف ما اطّلع عليه غيره"، وساق بعض الآثار بالأسانيد الثابتة عن الصحابة والتابعين. انظر لهذه المسألة: "المحلّى" (6/ 374 وما بعدها)، و"مجموع فتاوي ابن تيمية" (33/ 20 وما بعدها)، و"زاد المعاد" (5/ 198 - 220) وهو من أحسن المباحث في هذا الباب فيما أعتقد، وانظر أيضًا: "نيل الأوطار" (6/ 249 - 255).

20 - الحديث العشرون: ساقط من الأصل

الحديث العشرون (¬1) عليه وسلّم. . . . (¬2) في يمينه أن لا يُحسن إلى أهله أعظم إثمًا من أن يحنِّث نفسه، ويكفّر عن يمينه ويحسن إليهم، فينبغي لمن حلف على أهله في يمين ليس في الحنث فيها إتيان محظور أن يكفّر عن يمينه، ويأتي ما حلف أن لا يأتيه من ذلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (¬3)، وكما لا ينبغي أن يحلف المرء أن لا يَبَرَّ ولا يتّقي ولا يصلح بين الناس. ¬

_ (¬1) الحديث العشرون ساقط من النسخة الموجودة، وليس فيه إلّا ما هو مثبت، ولم أتبين أيَّ الأحاديث قصد بالدراسة هنا. (¬2) هنا الجملة لم أتمكّن من قراءتها، هذه صورتها: {. . . . . .} قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: تشبه أن تكون [قال: أذى أحدكم في لجاجته إذا لج]، والله أعلم (¬3) الحديث بهذا اللفظ أخرجه ابن ماجه في [النكاح (1977) باب حسن معاشرة النساء] من طريقين عن أبي عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمّه عمارة بن ثوبان عن ابن عبّاس به. وأخرجه - كذلك - ابن حبّان - كما في "الإحسان" (4186) - وفيه جعفر بن يحيى، وعمّه عمارة بن ثوبان لم يوثّقهما إلّا ابن حبّان، وللحديث شاهد من حديث عائشة، وإسناده صحيح، أخرجه الترمذي في [المناقب (3895) باب فضل أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -]، والدارمي (2306)، وابن حبّان (4177)، كلّهم من طريق الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وفيه جملة في آخره، وهي: "وإذا مات صاحبكم فدعوه".

21 - الحديث الحادي والعشرون: حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير ...

الحديث الحادي والعشرون هي المسألة التي ختمتَ بها كتابَك وزعمتَ أنّها من مُعضِلات المسائل، وقلت: إنّا تنازعنا في رؤيا الأنبياء عليهم السلام إن كانت كلُّها وحيًا، وهل يجوز فيها الضغث؟ وقلت: احتجّ من جوّز الضغث فيها بحديث عائشة - رضي الله عنها - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيُقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ، وَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" (¬1). فقال المعترِض: كيف يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" وهو يعلم أنّ رؤيا الأنبياء عليهم السلام كلّها وحي، وأنّها من عند الله. واحتجّ - أيضًا - بحديث نوم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح في سفره حتَّى طلعت الشمس (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري في [النكاح (5078) باب نكاح الأبكار]، وفيه [(5125) باب النظر إلى المرأة قبل التزويج]، وأخرجه في [التعبير (7011) باب كشف المرأة في المنام و (7012) باب ثياب الحرير في المنام]، وأخرجه مسلم في أفضائل الصحابة (2438) (79) باب في فضل عائشة - رضي الله عنها - من طريق أبي أسامة حمّاد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به. (¬2) الحديث أخرجه مسلم في كتاب [المساجد ومواضع الصلاة (680) (309) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها]، من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة.

واحتجّ برؤيا يوسف عليه السلام: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]، قال: فلو كانت رؤيا الأنبياء كلّها حقّا ما قال: {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}. قلتَ: واحتجّ عليه من خالفه ولم يُجوِّز على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الضغث في رؤياه بقول ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "رؤيا الأنبياء وحي" (¬1)، ويقوله: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، واحتجّ - أيضًا - بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبي" (¬2). قال: ولو كان هو وغيره سواء (¬3). فأَفْتِنا بالصواب مأجورًا إن شاء الله تعالى. فالجواب: إنّ الصحيح عندنا في هذه المسألة ما قاله ابن عبّاس: "رؤيا الأنبياء حقّ"؛ لأنّه قد روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّا مَعَاشِرَ الأنبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُنَا" (¬4)، وما نزع به ابن عبّاس من كتاب الله قوله تعالى: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، فجعله مأمورًا ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الكبير" (12302)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 176): "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمّد بن أبي مريم، وهو ضعيف، وبقيّة رجاله رجال الصحيح"، وعزاه ابن كثير (4/ 14) إلى ابن [أبي] حاتم، لكن في إسناده: "سماك عن عكرمة"، وهو مضطرب فيه. (¬2) سبق عزوه إلى مظانّه، انظر (ص 158). (¬3) كذا في الأصل، ويظهر أنّ الكلام غير تامّ. (¬4) سبق (ص 160).

من ربّه بما أراه في منامه. وفي الحديث المأثور في الذبيح: أنّ إبليس لمّا اعترض إبراهيمَ في مسيره بابنه إلى الذبح قال له إبراهيم: "إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِذَلِكَ" (¬1)، فهذا كلّه يعضد قولَ ابنِ عبّاس: "رؤيا الأنبياء وحي". ولا أعلم لابن عبّاس في ذلك من الصحابة مخالفًا. وأمّا ما نزع به المخالف من حديث عائشة: "إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ"، فالجواب عن ذلك؛ أنّ تلك الرؤيا كانت بمكّة قبل المبعث (¬2)، ومن قول يوسف عليه السلام: ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا السياق عند غير المصنِّف هنا، وعزاه ابن كثير (4/ 15) إلى عبد الرزّاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال: "اجتمع أبو هريرة وكعب الأحبار. . . ولحق إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال: أين غدوت بابنك؟ قال: لحاجة، قال: فإنّك لم تَغْدُ به لحاجة، وإنّما غدوت به لتذبحه، قال: ولِمَ أَذبَحُه؟ قال: تزعم أنّ ربّك أمرك بذلك، قال: فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلنّ، قال: فتركه، ويئس أن يطاع" الحديث. (¬2) ذكر القاضي عياض في "الإكمال" (7/ 445) أنّ المقصود أنّها رؤيا حقّ وقبل النبوة، وقبل تخليصه من الأضغاث، وإن يكن بعد النبوة فلها ثلاث معان: * هل هي رؤيا وحي، على ظاهرها وحقيقتها، أو هي رؤيا وحي لها تعبير؟ * التردّد: هل هي زوجته في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة فقط؟ * أنه لفظ شكّ لا يراد به ظاهره، وهو أبلغ في التحقيق، ويسمى في البلاغة: "مزج الشك باليقين". وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/ 418) تحت الحديث رقم (7012) عن ابن بطال وغيره، حيث جوزوا أن تكون هذه الرؤيا قبل المبعث، لكن دفعه بما ذكره من رواية حماد بن سلمة في هذا الحديث، ولفظه: "أوتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة، فكشفتها فإذا هي أنتِ"، قال الحافظ: "وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه، حيث جوّزوا أنّ هذه الرؤيا قبل أن يوحى إليه".

{قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} فلا حجّة له فيما نزع به من ذلك بما ظنّه من تأويلها وقد كان يوسف رآها وهو غلام، وأمّا احتجاجه بنوم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سفره عن صلاة الصبح حتّى طلعت الشمس، فجهلٌ وعَيٌّ وغباوة؛ لأنّه ليس من هذا الباب في شيء، وإنّما هو من باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ" (¬1)، وفي حديث آخر: "إِنِّي لأُنَسَّى لأَسُنَّ" (¬2) - شكّ المحدّث - وكان نومه في سفره ذلك ليقع بيانه في أنّ الناسي ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري في [الصلاة (401) باب التوجّه نحو القبلة حيث كان]، ومسلم في [كتاب المساجد ومواضع الصلاة (572) باب السهو في الصلاة والسجود لها]. (¬2) الحديث أخرجه مالك في "الموطّأ" بلاغا في كتاب السهو (1/ 104/ رقم: 2)، باب العمل في السهو. قال أبو العبّاس الداني في "أطراف الموطّأ": "هذا غريب، يقال: إنّ مالكًا انفرد به". وقال ابن عبد البرّ في "التمهيد" (24/ 375): "هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعلمه يروى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه مسندًا ولا مقطوعًا من غير وجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة في "الموطّأ" التي لا توجد في غيره مسندة، ولا مرسلة، والله أعلم، ومعناه صحيح في الأصول". وقال الألباني في "الضعيفة" (1/ 218/ رقم: 101): "باطل لا أصل له". أقول: قد ذكر أبو العبّاس الداني في "أطراف الموطّأ" للحديث شاهدًا، فقال: "وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّي أنسى أو أُنَسَّى لأسنّ" جاء معناه في حديث النوم عن الصلاة لابن مسعود، قال فيه: "إنّ الله تعالى لو أراد أن لا تناموا عنها لم تناموا، ولكن أراد أن تكون سنّة لمن بعدكم"، خرّجه أبو داود سليمان الطيالسي". قلت: أخرجه في "مسنده" (ص 49 - 50/ رقم: 377) عن شعبة والمسعودي عن جامع بن شدّاد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة القاري عن عبد الله بن مسعود قال: "كنّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من الحديبية، فعرّسنا. . ." فذكره، وهذا إسناد حسن، والمسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله، وإن كان قد اختلط لكنّه توبع. =

لا يسقط عنه من الصلاة ما فرض عليه، وإنّ النائم وإن كان القلم عنه مرفوعًا فإنّ فرضَ الصلاة غيرُ ساقط عنه، وليس منه ذلك عملًا وقولًا، كما سكت عن السائل عن وقت الصلاة فأراه العمل أوّل وقتها وآخره كما قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (¬1)، وقال في حَجّته: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" (¬2)، ليقع البيان منه عملًا كما كان يقع منه قولًا، قال الله عز وجل مخاطبًا له صلوات الله وسلامه عليه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. ¬

_ = والحديث أخرجه - أيضًا - الإمام أحمد في "المسند" (1/ 391) من طريق يزيد بن هارون، وأبو يعلى في "المسند" (9/ 187/ رقم: 5285) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والطبراني في "الكبير" (10/ 278/ رقم 10548) من طريق قرّة بن حبيب القَنَوي، ثلاثتهم عن المسعودي به. قال ابن رجب عقب حديث ابن مسعود ["فتح الباري" (3/ 327)]: "يشبه هذا الحديث ما ذكره مالك في "الموطّأ" أنّه بلغه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "إنّما أنسّى لأسنّ". وقال ابن رجب في "فتح الباري" (3/ 328): "وقد قيل: إنّ هذا - يعني: حديث النسيان - لم يعرف له إسناد بالكلّية، ولكن في "تاريخ المفضل بن غسان الغلابي": "حدّثنا سعيد بن عامر قال: سمعت عبد الله بن المبارك قال: قالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنّما أنسّى أو أسهو لأسُنّ". قلت: هذا مع انقطاعه، فيه ردّ على ابن عبد البرّ وأمثاله القائلين بأنّ الحديث ليس له إسناد بالكلّية، والله أعلم". (¬1) أخرجه البخاري في [الأذان (631) باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة]، وأخرجه مسلم في [كتاب المساجد ومواضع الصلاة (674) باب من أحقّ بالإمامة]. (¬2) أخرجه مسلم في [الحجّ (1297) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، وبيان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا مناسككم"].

فهذا باب ليس من الباب الأوّل، والله سبحانه وتعالى أعلم؛ الموفّق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وأزواجه، وأصحابه صلاةً دائمةً بلا انقضاء ولا نهاية، الحمد لله ربّ العالمين، حَمْدًا يُوافِي نعمه، ويكافئ مزيده (¬1). ¬

_ (¬1) ذكر بعض أهل العلم أنّ أفضل صيغ الحمد: "الحمد لله يوافي نعمه ويكافئ مزيده". واحتجّ لما ورد عن أبي تصر التَمَّار أنه قال: قال آدم عليه السلام: يا ربِّ شغلتني بكسب يديَّ فعلِّمني شيئًا من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه: يا آدام إذا أصبحت فقل ثلاثًا: "الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، فذلك مجامع الحمد". وقد رفع هذا الأمر ابن القيّم رحمه الله فأنكره على قائله غاية الإنكار وبيّن رحمه الله أنّ ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من الصحاح أو السنن أو المسانيد، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة وبسط القول في ذلك في رسالة مفردة. يرجع إلى كتاب "صيغ الحمد" المطبوع باسم "مطالع السعد" (ص: 98 و 41، 44)، وانظر أيضًا فقه الأدعية والأذكار القسم الأول (ص: 260، 263).

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - الآيات البيّنات، لأحمد بن قاسم العبادي، ضبط: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997. 3 - الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لأبي عبد الله عبيد الله بن محمّد ابن بطّة العكبري الحنبلي، تحقيق: رضا بن نعسان معطى، دار الراية بالرياض، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1988 م. 4 - ابن عبد البرّ الأندلسيّ وجهوده في التاريخ، لليث سعود جاسم، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الثانية: 1408 هـ - 1988 م. 5 - الإبهاج، للسبكي، مكتبة الكلّيات الأزهرية، القاهرة، سنة 1401 هـ - 1981 م. 6 - إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، للحافظ ابن حجر، تحقيق: الدكتور زهير ابن ناصر الناصر، إصدار: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة، ومركز خدمة السنّة والسيرة النبوبة بالمدينة الطّيبة، الطبعة الأولى: 1415 هـ - 1994 م. 7 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان، ترتيب: علاء الدين على بن بلبان الفارسي، قدّم له وضبط نصّه: كمال يوسف الحوت، دار الباز مكّة المكرّمة (توزيع)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م. ملحوظة: نفس الترتيب قام بضبطه وتحقيقه: شعيب الأرناؤوط، بمؤسّسة الرسالة.

8 - أحكام الجنائز وبدعها، للألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى للطبعة الجديدة، 1412 هـ - 1992 م. 9 - الأحكام السلطانية، لأبي العلاء الفرّاء، صحّحه وعلّق عليه: محمّد حامد الفقّي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1403 هـ - 1983 م. 10 - الأحكام السلطانية في الولايات الدينية، للماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. 11 - الإحكام، للآمدي، كتب هوامشه الشيخ: إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. 12 - أحكام أهل الملل، لأبي بكر أحمد بن محمّد الخلاّل. 13 - إحكام الفصول في أحكام الأصول، لأبي الوليد الباجي، تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1986 م. 14 - الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمّد على بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، تقديم: إحسان عبّاس، دار الآفاق الجديدة، بيروت لبنان، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. 15 - أحكام القرآن، للجصّاص، طبع بمطبعة الأوقاف الإسلامية، بيروت لبنان، سنة 1335 هـ. 16 - أحكام القرآن، لابن العربي، عيسى البابي وشركاؤه (المكتبة)، الطبعة الثانية. 17 - أحوال الرجال، للجوزجاني، تحقيق: البستوي، دار الطحاوي بالرياض، الطبعة الأولى عام: 1405 هـ.

18 - أخبار مكّة، للفاكهي، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، نشر: مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م. 19 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول، للشوكاني، دار المعرفة، بيروت لبنان. 20 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1405 هـ - 1985 م. 21 - الاستذكار، لابن عبد البرّ، تعليق: سالم محمّد عطا ومحمّد على معوَّض، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، وتوزيع: دار الباز بمكّة، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2005 م. 22 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البرّ، تحقيق: على محمّد البجاوي، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، بدون تاريخ. 23 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لأبي الحسن على الجزري، مطبعة الشعب، القاهرة. 24 - أسنى المطالب في أحاديث مختلف المراتب، لمحمّد بن السيّد درويش الشهير بالحوت البيروتي، مطبعة مصطفى محمّد بالقاهرة. 25 - الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي أبي محمّد عبد الوهاب بن علي ابن نصر البغدادي المالكي، خرّج أحاديثه: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1420 هـ - 1999 م. 26 - الإصابة في يميز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمّد معوّض، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1415 هـ - 1995 م. 27 - أضواء البيان في توضيح القرآن بالقرآن، للأمين الشنقيطي، مطبعة المدني بالقاهرة، 1382 هـ.

28 - أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل، المسمّى بـ: إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، للحافظ ابن حجر، تحقيق: زهير بن ناصر الناصر، دار ابن كثير ودار الكلم الطيّب، دمشق بيروت، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1993 م. 29 - أطراف الموطّأ، مخطوط، لأبي العبّاس الداني القرطبي. 30 - الاعتقاد على مذهب أهل السنّة والجماعة، للبيهقي، تصحيح: عبد الله الغماري، دار العهد الجديدة، 1379 هـ. 31 - الإعلام، لخير الدين الزركلي، طبعة دار العلم للملايين، القاهرة، الطبعة الثالثة: 1389 هـ. 32 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقّن، تحقيق: عبد العزيز بن أحمد ابن محمّد المشيقح، دار العاصمة بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى: 1417 هـ - 1997 م. 33 - إعلام الساجد بأحكام المساجد، للزركشي، تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، 1995. 34 - إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، لابن القيّم، تحقيق وتفصيل وتعليق: محمّد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، الطبعة الثانية: 1397 هـ - 1977 م. 35 - الاكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، نشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، صدر منه الجزء الأوّل عام 1968 م، والجزء الثاني عام 1970 م، ولم يصدر الجزء الثالث. 36 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد سوى من ذكر في تهذيب الكمال، للحسيني، تحقيق: عبد الله سرور بن فتح محمّد، دار اللواء بالرياض، الطبعة الأولى: 1412 هـ - 1992 م.

37 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، لابن ماكولا، تحقيق: عبد الرحمن المعلّمي ونايف العبّاس، دار المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى: 1967 م. 38 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض اليحصبي، تحقيق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م. 39 - الأمّ، للإمام الشافعي، دار الفكر، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. 40 - الإنباه على قبائل الرواة، لابن عبد البرّ، مطبعة القدسي، القاهرة، الطبعة الأولى: 1350 هـ - 1930 م. 41 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء، لابن عبد البرّ، دار الكتب العلمية، بيروت. 42 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لأبي بكر محمّد بن إبراهيم بن منذر النيسابوري، تحقيق: أبو حمّاد صغير أحمد بن محمّد بن حنيف، دار الطيبة، الطبعة الثانية: 1414 هـ - 1993 م. 43 - البحر المحيط في الأصول، للإمام الزركشي، حرّره: عبد القادر عبد الله العاني، راجعه: عمر سليمان الأشقر، دار الصفوة للطباعة والنشر بالغردقة، الطبعة الثانية: 1413 هـ - 1992 م. 44 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للحافظ نور الدين على بن سليمان ابن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: الدكتور حسين أحمد صالح الباكري، طبعة الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى: 1413 هـ - 1992 م. 45 - بغية الملتمس في تاريخ أهل الأندلس، لابن عميرة الضبي أحمد بن يحيى، دار الكتاب العربي، 1387 هـ - 1967 م.

46 - البداية والنهاية، لابن كثير، تحقيق الدكاترة: أحمد أبو ملحم وعلى نجيب عطوي وآخرين، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ - 1985 م. 47 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، الطبعة الثانية: 1402 هـ - 1982 م. 48 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، لأبي الوليد ابن رشد القرطبي، تحقيق: سعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، 1404 هـ - 1948 م. 49 - الثقات، لابن حبّان، مؤسّسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م. 50 - تاريخ الأدب العربي (الترجمة العربية)، لبروكلمان، ترجمة: الدكتور عبد الحليم النجار وآخرين، دار المعارف، 1961 م. 51 - تاريخ الإسلام، للذهبي، مطبعة السعادة بمصر، 1369 هـ. 52 - تاريخ الأمم والملوك، للطبري، عناية: أبي الفضل إبراهيم، نشر: دار المعارف بمصر، 1969 م. 53 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، الطبعة الأولى: مطبعة السعادة بمصر، 1349 هـ - 1931 م. 54 - تاريخ دمشق، لابن عساكر، تحقيق: نشاط غزاوي، نشر: مجمع اللغة العربية بدمشق، 1404 هـ - 1984 م. 55 - تاريخ الرسل والملوك، للطبري، تحقيق: أبي الفضل إبراهيم، طبع بالمطبعة الحسينية ودار المعارف بمصر، 1961 م. 56 - التاريخ الصغير، للإمام البخاري، إدارة ترجمان السنّة، لاهور باكستان، 1397 هـ.

57 - التاريخ الكبير، للإمام البخاري، توزيع دار الباز للنشر والتوزيع، مكّة المكرّمة. 58 - تأويل مختلف الحديث، لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، صحّحه وضبطه: محمّد زهري النجار، دار الجيل، بيروت لبنان، 1393 هـ - 1972 م. 59 - التاج المكلّل، لصدّيق حسن خان، المطبعة الهندية العربية، الطبعة الثانية: 1382 هـ. 60 - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر، تحقيق: محمّد بن علي البجاوي، طبعة القاهرة. 61 - تبيين الحقائق شرح كَنْز الدقائق، للحافظ الزيلعي، المطبعة الأميرية ببولاق، 1314 هـ. 62 - تحرير تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر، لبشّار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1417 هـ - 1997 م. 63 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزّي، ومعه: النكت الظراف على الأطراف، للحافظ ابن حجر، تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. 64 - تخريج الدلالات السمعية مع ما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، لعلي بن محمّد بن مسعود الخزاعي التلمساني، تحقيق: أحمد محمّد أبو سلامة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1401 هـ - 1981 م. 65 - تذكرة الحفّاظ، للحافظ الذهبي، دار إحياء التراث، 1959 م. 66 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، تحقيق: الدكتور أحمد بكير محمود، مكتبة الحياة، بيروت، دار الفكر طرابلس ليبيا. 67 - سنن الترمذي، وهو: الجامع المختصر من السنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل المعروف، تصنيف: أبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي، إعداد: فريق بيت الأفكار الدولية.

68 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للإمام الزركشي، دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الله ربيع والدكتور سيّد عبد العزيز، مؤسّسة قرطبة، القاهرة، الطبعة الثانية: 1419 هـ - 1999 م. 69 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمّة الأربعة، للحافظ ابن حجر، تحقيق: إكرام الله إمداد الحقّ (رسالة دكتوراه)، دار البشائر الإسلامية. 70 - تفسير البغوي، المسمّى بـ: معالم التَّنْزيل، للبغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سرار، دار المعرفة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. 71 - تفسير ابن كثير، المسمّى: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار المفيد، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. 72 - تقريب التهذيب، لابن حجر، بعناية: عادل مرشد، مؤسّسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1416 هـ - 1996 م. 73 - تكملة فتح القدير (ضمن: فتح القدير)، لقاضي زاده، الطبعة الأميرية الأولى: 1315 هـ. 74 - التكملة لكتاب الصلة، لابن الأبّار محمّد بن عبد الله القضاعي، تحقيق: عزّت العطّار الحسني وعبد الغنيّ عبد الخالق، القاهرة، 1376 هـ - 1956 م. 75 - التلخيص الحبير، لابن حجر، المضمّن في كتاب المجموع شرح المهذّب، دار الفكر، بيروت لبنان. 76 - تمام المنّة في التعليق على فقه السنّة، للألباني، المكتبة الإسلامية، عمان الأردن، ومكتبة الراية بالرياض، الطبعة الثانية: 1409 هـ. 77 - التمهيد، لابن عبد البرّ، حقّقه: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمّد عبد الكريم البكري، طبعة المملكة المغربية، 1387 هـ - 1967 م.

78 - التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع، للملطي، تعليق: محمّد زاهد الكوثري، مكتبة المثنى، بغد اد، 1388 هـ. 79 - تهذيب الآثار، للإمام الطبري، تحقيق: الدكتور ناصر بن سعد الرشيد وعبد القيّوم عبد ربّ النّبيّ، الطبعة الأولى. 80 - تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، اعتنى به: إبراهيم الزَّيبَق وعادل مرشد، مكتب تحقيق التراث بمؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الولى: 1416 هـ - 1996 م. 81 - تهذيب السنن، لابن القيّم، تحقيق: محمّد حامد الفقّي، المكتبة الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1969 م. 82 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ المزّي، تحقيق: بشّار عواد معروف، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأولى: 1413 هـ - 1992 م. 83 - تهذيب اللغة، للأزهري، دار القومية العربية للطباعة، 1384 م. 84 - تيسير المنفعة بكتابي مفتاح كنوز السنّة والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف، محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، 1409 هـ - 1988 م. 85 - الجامع، لمعمر بن راشد، ضمن مصنّف عبد الرزّاق. 86 - الجامع، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق وشرح: أحمد محمّد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الجديدة الوحيدة. 87 - جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، لابن عبد البرّ، دار الفكر، بيروت لبنان. 88 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للحافظ صلاح الدين أبي سعيد بن خليل ابن كيكلدي العلائي، حقّقه وخرّج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية: 1407 هـ - 1986 م.

89 - الجامع الصحيح، للإمام مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. 90 - الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م. 91 - الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيّامه، للإمام البخاري، ضمن: فتح الباري. 92 - الجامع المفهرس لأطراف الأحاديث النبوية والآثار السلفية التي خرّجها محدّث العصر الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في كتبه المطبوعة، صنعه: أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1989 م. 93 - جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، للحميدي، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثانية: 1410 هـ - 1989 م. 94 - الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1373 هـ - 1953 م. 95 - جوامع السيرة، ابن حزم الأندلسي، دار المعارف بمصر. 96 - جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، لصالح بن عبد السميع الأزهري، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الثانية: 1366 هـ. 97 - حاشية ابن عابدين، المسّماة: ردّ المحتار على الدرّ المختار، طبع بالمطبعة الميمنية أو طبعة استانبول، وبهامشه الدر المختار السابق، والكتاب مشهور باسم: حاشية ابن عابدين. 98 - حاشية الدسوقي، للعلّامة محمّد بن عرفة الدسوقي. 99 - حلية الأولياء، لأبي نعيم، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى: 1357 هـ.

100 - حواشي الشرواني وابن القاسم العبادي مع تحفة المحتاج، للعلّامة ابن حجر الهيثمي، والحواشي مضمّنة في أصل الكتاب. 101 - الخرشي على مختصر خليل، لمحمّد الخرشي المالكي، دار صادر، بيروت لبنان. 102 - درء تعارض العقل والنقل، لأبي العبّاس تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: محمّد رشاد سالم، الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م، جامعة الإمام محمّد ابن سعود الإسلامية. 103 - الدرر في اختصار المغازي والسير، للحافظ يوسف بن عبد البرّ النمري، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، الطبعة الثانية منقّحة. 104 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، دار الجيل، بيروت، 1414 هـ - 1993 م. 105 - الدرّ المختار وردّ المحتار، لابن عابدين، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، 1386 هـ. 106 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام السيوطي، دار الفكر، بيروت. 107 - دلائل النبوّة، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، الطبعة الهندية، تصوير عالم الكتب، بيروت. 108 - دلائل النبوّة ومعرفة وأحوال أصحاب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق وتعليق وتخريج: الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. 109 - دول الإسلام، لمحمّد بن عثمان بن قائماز الذهبي، تحقيق: فهيم محمّد شلتوت ومحمّد مصطفى إبراهيم، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب.

110 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، للإمام الجليل برهان الدين إبراهيم ابن علي بن محمّد بن فرحون اليعمري المدني المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 111 - الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمّد حجّي وآخرين، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1994 م. 112 - رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق: الدكتور إحسان عبّاس، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى: 1981 م. 113 - الرسالة، محمّد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد محمّد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 114 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنّة المشرّفة، محمّد جعفر الكتاني، مكتبة الكلّيات الأزهرية، القاهرة. 115 - رفع الملام عن الأئمّة الأعلام، لابن تيمية، ضمن مجموع الفتاوى (20/ 231 - 293). 116 - الروح، لشمس الدين أبي عبد الله ابن قيّم الجوزية، طبعة دار الندوة الجديدة، بيروت. 117 - الروض الأنف، لعبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، نشر: دار الكتب الحديثة، القاهرة. 118 - روضة الطالبين، لأبي زكريّا يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي. 119 - زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيّم، تحقيق وتعليق وتخريج: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية: 1418 هـ - 1997 م. 120 - زاد المسير، لابن الجوزي، الكتب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1385 هـ - 1965 م. 121 - ساج الطالبين شرح منهاج العابدين، شرح: إحسان محمّد دحلان.

122 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها، لمحمّد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى: 1416 هـ - 1996 م. 123 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، محمّد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى: 1416 هـ - 1996 م. 124 - السنّة، لابن أبي عاصم الضحّاك، تحقيق: محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1405 هـ - 1985 م. 125 - السنّة، لعبد الله بن أحمد بن حنبل، تحقيق: محمّد بن سعيد القحطاني، دار ابن القيّم، الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. 126 - سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي، ومعه كتاب: معالم السنن للخطّابي، إعداد وتعليق: عزّت عبيد الدعاس وعادل السيّد، دار الحديث، حمص سورية، إعداد: فريق بيت الأفكار الدولية، الرياض. 127 - سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد القزويني، تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، إعداد فريق بيت الأفكار الدولية، الرياض. 128 - سنن الدارقطني، لشيخ الإسلام الحافظ الإمام على بن عمر الدارقطني، عالم الكتب، الطبعة الثالثة: 1413 هـ - 1993 م. 129 - السنن الكبرى، للإمام البيهقي، دار المعرفة، بيروت لبنان، 1413 هـ - 1992 م. 130 - سنن النسائي، وهو: المجتبى من السنن، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب ابن علي النسائي، ومعه: شرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي، دار الجيل، بيروت، إعداد: فريق بيت الأفكار الدولية، الرياض. 131 - سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة: 1405 هـ - 1985 م.

132 - السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، الطبعة الثانية: 1375 هـ - 1955 م، مكتبة العلوم والحكم. 133 - السيرة النبوية، للإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت لبنان، 1396 هـ - 1971 م. 134 - السيرة النبوية الصحيحة، للدكتور أكرم ضياء العمري، مكتبة العبيكان، الطبعة الثالثة: 1418 هـ - 1998 م. 135 - السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية دراسة تحليلية، الدكتور مهدي رزق الله أحمد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى: 1412 هـ - 1992 م. 136 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 137 - شجرة النور الزكيّة في طبقات المالكية، محمّد بن أحمد مخلوف، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 1349 هـ. 138 - شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة من الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة والتابعين من بعده، للحافظ أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، تحقيق: الدكتور أحمد سعد حمدان، دار الطيبة، الرياض. 139 - شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، طبعة مكتبة الكلّيات الأزهرية ودار الفكر، 1393 هـ - 1973 م. 140 - شرح حدود أبي عبد الله محمّد بن عرفة، لأبي عبد الله الأنصاري المشهور بالرصّاع التونسي، المطبعة التونسية، تونس، الطبعة الأولى: 1350 هـ.

141 - شرح الرسالة المسمّى: تنوير المقالة في حلّ ألفاظ الرسالة، لأبي عبد الله محمّد ابن إبراهيم بن خليل التتائي المالكي، تحقيق وتعليق وتخريج ودراسة: الدكتور محمّد عياش عبد العال شبير، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1988 م. 142 - شرح الزرقاني على موطّإ الإمام مالك، لمحمّد الزرقاني، صحّحت وروجعت بمعرفة لجنة من العلماء، دار الفكر، 1355 هـ - 1936 م. 143 - شرح السنّة، لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق وتعليق: على محمّد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1412 هـ - 1992 م. 144 - شرح علل الترمذي، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: نور الدين عتر، دار الفلاح للطباعة والنشر، بيروت، 1398 هـ. 145 - الشرح الكبير مع المغني، للإمامين: موفّق الدين أبي محمّد عبد الله بن أحمد ابن محمّد بن قدامة، وشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمّد ابن أحمد بن قدامة المقدسي، المطبعة السلفية ومكتبتها. 146 - شرح الكوكب المنير المسمّى مختصر التحرير أو المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه، محمّد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجّار، تحقيق: الدكتور محمّد الزحيلي والدكتور نزيه حمّاد، جامعة الأمّ القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1987 م. 147 - شرح مشكل الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاوي، تحقيق وتعليق وتخريج: شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأولى: 1415 هـ - 1994 م.

148 - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: محمّد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، مصوّرة عن الطبعة الأولى المصرية. 149 - كتاب الشريعة، لأبي بكر محمند بن الحسين الآجرّي، دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الله ابن عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، دار الوطن، الطبعة الأولى: 1418 هـ - 1997 م. 150 - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، لأبي الطيّب محمّد بن أحمد الفاسي، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام التدمري، نشر دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى: 1405 هـ. 151 - الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمّد بن عمرو بن موسى العقيلي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت. 152 - الضعفاء والمتروكين، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: بوران الضناوي وكمال يوسف حوت، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى: 1405 هـ. 153 - ضعيف سنن أبي داود، للإمام الألباني، مكتبة التراث العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1989 م. 154 - ضعيف سنن الترمذي، للإمام الألباني، مكتبة التراث العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م. 155 - الصحاح، للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي، مصر، 1956 م. 156 - صحيح ابن خزيمة، لابن خزيمة، حقّقه وعلّق عليه وخرّج أحاديثه: محمّد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1412 هـ - 1992 م. 157 - صحيح الترغيب والترهيب، لمحمّد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2000 م.

158 - صحيح الجامع الصغير وزيادته، للشيخ محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1406 هـ - 1986 م. 159 - صحيح سنن أبي داود، لمحمّد ناصر الدين الألباني، مكتبة التراث العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1989 م. 160 - صحيح سنن ابن ماجه، لمحمّد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الثالثة، 1408 هـ - 1988 م. 161 - صحيح سنن الترمذي، لمحمّد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الثالثة، 1408 هـ - 1988 م. 162 - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور، إعداد: الأستاذ الدكتور حكمت بن بشير ابن ياسين، دار المآثر، المدينة المنوّرة، الطبعة الأولى: 1420 هـ - 1999 م. 163 - الصلة، لخلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري القاهرة ودار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى: 1410 هـ. 164 - طبقات الحفّاظ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، مطبعة الاستقلال الكبرى. 165 - طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 166 - طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمّد الحلو والدكتور محمود محمّد، دار هجر، جيزة، الطبعة الثانية: 1413 هـ - 1992 م. 167 - طبقات علماء إفريقيا، لأبي العرب محمّد بن أحمد بن تميم التميمي، دار الكتاب اللبناني. 168 - طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق: الدكتور إحسان عبّاس، الطبعة الثانية: 1401 هـ.

169 - الطبقات الكبرى، لمحمّد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري، دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1410 هـ - 1990 م. 170 - طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيّم، تصحيح: محبّ الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية: 1394 هـ. 171 - ظلال الجنّة في تخريج كتاب السنّة، لمحمّد ناصر الدين لألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1405 هـ - 1985 م. 172 - العبر في أخبار من غبر، لمحمّد بن عثمان بن قائماز الذهبي، طبعة الكويت، 1380 هـ. 173 - العدّة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى محمّد بن الحسين الفراء الحنبلي، تحقيق: الدكتور أحمد سير المباركي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1400 هـ - 1980 م. 174 - عِقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، لعبد الله بن محمّد بن شاس، تحقيق: محمّد أبو الأجفان، وعبد الحفيظ منصور، ومراجعة: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1995. 175 - علل الحديث، لعبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي، نشر مكتبة المثنّى، بغداد. 176 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للإمام الحافظ أبي الحسن على بن عمر ابن أحمد ابن مهدي الدارقطني، تحقيق: الدكتور محفوظ الرحمن زيد الله السلفي، دار طيبة، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. 177 - العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد، تحقيق: طلعت قوج بيكت والدكتور إسماعيل حراج أوغلي، طبعة تركيا. عيون الأثر، لابن سيّد الناس، طبعة دار المعرفة، بيروت.

179 - الغنية (فهرسة شيوخ القاضي عياض)، للقاضي عياض، تحقيق: محمّد بن عبد الكريم، الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس، 1398 هـ - 1978 م. 180 - الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، تقديم: حسين محمّد مخلوف، دار المعرفة، بيروت لبنان. 181 - فتح الباري، لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محبّ الدين الخطيب، وأشرف على طبعه قُصي محبّ الدين الخطيب، دار الريان للتراث - المكتبة السلفية، الطبعة الثالثة: 1407 هـ. 182 - فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمّد بن علي ابن محمّد الشوكاني، دار الخير، الطبعة الأولى: 1413 هـ - 1992 م. 183 - الفروق، للإمام القرافي، طبعة عيسى الحلبي. 184 - فقه الأدعية والأذكار لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1999 م. 185 - الفقه الأكبر شرح ملاّ علي القاري، للإمام أبي حنيفة. 186 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمّد بن الحسن الحجوي. 187 - القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مطبعة السعادة، مصر. 188 - الكاشف، لمحمّد بن عثمان بن قائماز الذهبي، تحقيق: عزّت على عيد عطيّة وموسى على الموشي، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الأولى: 1392 هـ. 189 - الكامل في الضعفاء، أبي أحمد عبد الله بن عديّ، دار الفكر، بيروت. 190 - كتاب الزهد، لابن أبي عاصم، تحقيق: إبراهيم محمّد الجمل، دار القلم للتراث، القاهرة. 191 - كشاف القناع عن متن الإقناع، للعلاّمة منصور بن يونس البهوتي، طبع مطبعة الحكومة، مكة المكرّمة، عام 1394 هـ.

192 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الحنفي الشهير بالملاّ كاتب والمعروف بحاجي خليفة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ - 1992 م. 193 - الكنى، للدولابي، دائرة المعارف، حيدرآباد الهند. 194 - الكنى والأسماء، للإمام مسلم بن الحجّاج، دراسة وتحقيق: عبد الرحيم محمّد أحمد القشقري، المجلس العلمي - إحياء التراث الإسلامي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. 195 - لسان العرب، لمحمّد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت. 196 - المبسوط، لشمس الدين السرخسي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1993 م. 197 - كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين، للحافظ محمّد بن حبّان ابن أحمد بن أبي حاتم التميمي البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الثانية: 1402 هـ. 198 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للإمام نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب، بيروت، 1967 م. 199 - مجمل اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا الرازي، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، نشر مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأولى: 1404 هـ. 200 - مجموعة الرسائل والمسائل، لابن تيمية، مطبعة محمّد على صبيح. 201 - مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمّد ابن قاسم وابنه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416 هـ - 1995 م.

202 - المجموع شرح المهذّب، لأبي زكريّا محي الدين بن شرف النووي، ويليه: فتح العزيز شرح الوجيز، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي، ويليه: التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، دار الفكر. 203 - المحلى بالآثار، لأبي محمّد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق: الدكتور عبد الغفّار سليمان البنداري، دار الباز للنشر والتوزيع، مكّة المكرّمة، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 204 - المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني على شرح المحلي عليه، دار إحياء الكتاب العربي، مصر. 205 - مختصر سنن أبي داود، للإمام المنذري، وفي هامشه: معالم السنن للخطّابي، وتهذيب السنن لابن القيّم الجوزية، تحقيق: محمّد حامد الفقّي، المكتبة الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1969 م. 206 - مختصر السيرة، لمحمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي، تحقيق: الدكتور سهيل زكّار، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى: 1398 هـ - 1978 م. 207 - مختصر العلوّ للعليّ الغفّار، لشمس الدين الذهبي، تحقيق: محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1401 هـ - 1981 م. 208 - مختلف الحديث وموقف النقّاد والمحدّثين منه، لأسامة عبد الله الخيّاط، مطابع الصفا، مكّة المكرّمة، الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. 209 - المدوّنة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، معها: مقدّمات ابن رشد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن رشد، مكتبة الرياض الحديثة، دار الفكر، 1406 هـ - 1986 م.

210 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان، عفيف الدين عبد الله ابن أسعد، تحقيق: عبد الله الجبودي، مؤسّسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1984 م. 211 - مسائل أبي داود للإمام أحمد، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: بهجة البيطار والعلاّمة رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر. 212 - مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر بن هانئ الأثرم، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت. 213 - مسائل عبد الله بن أحمد، لعبد الله بن أحمد بن حنبل، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت. 214 - المسند للحافظ الكبير أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنوّرة. 215 - مسند أبي يعلى الموصلي، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي، تحقيق وتخريج: حسين سليم أسد، دار الثقافة العربية، الطبعة الأولى: 1412 هـ - 1992 م. 216 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق وتعليق وتخريج: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأولى: 1416 هـ - 1995 م، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة: 1403 هـ - 1983 م، وبهامشه: كنز العمّال في السنن والأقوال والأفعال، للمتّقي الهندي، وفي أوّله: فهرس رواة المسند من الصحابة، وضعه: محمّد ناصر الدين الألباني. 217 - مسند البزّار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي، تحقيق: الدكتور محفوظ الرحمن زين الله، مؤلسّسة علوم القرآن، دمشق، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنوّرة، الطبعة الأولى: 1409 هـ.

218 - مسند الدارمي، للحافظ أبي محمّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي، سليم أسد الداراني، دار المغني، الرياض، دار ابن حزم، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2000 م. 219 - مسند الشافعي، للإمام أبي عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي، دار الطاسيلي، الجزائر، 1989 م. 220 - مسند الطيالسي، لأبي داود الطيالسي، طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الهند، الطبعة الأولى: 1321 هـ. 221 - المستدرك على الصحيحين، للإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله: التلخيص، للحافظ الذهبي، بإشراف: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت لبنان. 222 - المسوّدة في أصول الفقه، لأئمّة آل تيمية، جمعها شهاب الدين أحمد بن محمّد ابن أحمد عبد الغنيّ الحراني، تقديم: محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، مصر. 223 - المصباح المنير، الفيّومي أحمد بن محمّد بن علي المقرئ، طبعة دار الكتب العلمية. 224 - مصنّف عبد الرزّاق، للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني، تحقيق وتعليق وتخريج: حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي. 225 - المصنّف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، تقديم وضبط: كمال يوسف الحوت، دار التاج، الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1989 م. 226 - مطالع السعد لابن قيم الجوزية. 227 - مطمح الأنفس ومسرح التأنيس في ملح الأندلس، للفتح بن خاقان الأندلسي، تحقيق: هدى هاشم بهنام، ضمن مجلّة المورد، المجلّد العاشر، العدد 3 - 4، السنة: 1402 هـ - 1981 م، دار الحرّية للطباعة، بغداد.

228 - معالم السنن، للخطّابي، ضمن: مختصر سنن أبي داود، للحافظ المنذري، وتهذيب السنن، للإمام ابن القيّم الجوزية، تحقيق محقد حامد الفقّي، المكتبة الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1969 م. معاني القرآن، للنحاس، تحقيق: محمّد على الصابوني، مؤسّسة الريان، بيروت. معجم الأدباء، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1411 هـ - 1991 م. المعجم الأوسط، للطبراني، تحقيق: طارق عوض وزملائه، دار الحرمين، الطبعة الأولى: 1416 هـ. 232 - المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي على، لابن الأبار محمّد بن عبد الله ابن أبي بكر القضاعي" دار الكتاب العربي، القاهرة، 1387 هـ. 233 - المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي، بغداد، الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م. 234 - معجم المؤلّفين، لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربي، بيروت. 235 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، رتّبه ونظّمه لفيف من المستشرقين، نشره الدكتور وينسنك، مكتبة بريل في مدينة ليدن، سنة 1936 م. 236 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى: 1417 هـ - 1996 م. 237 - معرفة السنن والآثار، للإمام الشيخ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: سيّد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1412 هـ - 1991 م.

228 - المعلم بفوائد مسلم، لأبي عبد الله محمّد بن علي بن عمر المازري، تقديم وتحقيق: فضيلة الشيخ محمّد الشاذلي النيفر، الدار التونسية للنشر، 1407 هـ - 1987 م. 229 - المغازي، لمحمّد بن عمر بن واقد الواقدي، تحقيق: الدكتور مارسدن جوسن، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 240 - المغرب في حلي المغرب، علي بن موسى بن محمّد بن سعيد الغرناطي الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1417 هـ - 1997 م. 241 - المغني، لابن قدامة، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي والدكتور عبد الفتّاح الحلو، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية: 1412 هـ - 1992 م. 242 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لأبي زكريّا محيي الدين زكرّيا النووي، تحقيق وتعليق وإكمال: محمّد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدّة المملكة العربية السعودية. 243 - مفتاح كنوز السنة، للدكتور فنسنك، نقله إلى العربية: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. 244 - مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، للشريف التلمساني، تحقيق: محمّد على فركوس، المكتبة المكّية، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م. 245 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العبّاس القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب مستو ويوسف على بديوي وأحمد محمّد السيّد ومحمود إبراهيم بزّال، دار ابن كثير ودار الكلم الطيّب، الطبعة الأولى: 1417 هـ. 246 - المقدّمات، مع المدوّنة، لابن رشد، مكتبة الرياض الحديثة، دار الفكر، 1406 هـ - 1986 م. 247 - مقدّمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمّد بن خلدون، تحقيق: على عبد الواحد وافي، مكتبة النهضة، مصر القاهرة، الطبعة الثانية: 1401 هـ - 1981 م.

248 - الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: محمّد بن فتح الله بدران، مطبعة الأزهر، مصر، 1970 م. 249 - المنتقى، لعبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري، نشر: المكتبة الأثرية، باكستان. 250 - المنتقى شرح موطّإ الإمام مالك، للباجي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، الطبعة الثالثة: 1403 هـ - 1983 م. 251 - منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، تحقيق: محمّد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية: 1409 هـ - 1989 م. 252 - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 253 - منهج ابن عبد البرّ في الجرح والتعديل، للدكتور محمّد عبد ربّ النّبيّ، رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة أم القرى. 254 - المهذّب، للشيرازي، مطبعة الحلبي. 255 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان، للهيثمي، تحقيق: محمّد عبد الرزّاق حمزة، مكتبة المعارف، الرياض. 256 - مواهب الجليل، لأبي عبد الله محمّد بن عبد الرحمن الحطّاب، دار الفكر، الطبعة الثانية: 1398 هـ - 1978 م. 257 - موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، إعداد: أبو هاجر محمّد السعيد ابن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 258 - الموطّا، للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.

259 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: على محمّد بيجاوي، دار الفكر. 260 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن المقري التلمساني، تحقيق: الدكتور إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، 1388 هـ - 1968 م. 261 - نسيم الرياض على الشفا للقاضي عياض، للخفّاجي، دار الكتب العربي، بيروت. 262 - نهاية السول في شرح منهاج الأصول، لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي، عالم الكتب. 263 - النهاية في غريب الحديث، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمّد ابن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، المكتبة الإسلامية، بيروت. 264 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي، طبعة عيسى الحلبي. 265 - النوادر والزيادات على ما في المدوّنة من غيرها من الأمّهات، لأبي محمّد عبد الله ابن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني، تحقيق: الأستاذ محمّد عبد العزيز الدبّاغ، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1999 م. 266 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيّد الأخيار، للإمام الشوكاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الأخيرة. 267 - هديّة العارفين في أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين، إسماعيل باشا البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ - 1992 م. 268 - هدي الساري (مقدّمة فتح الباري)، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محبّ الدين الخطيب، وأشرف على طبعه قصى محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث - المكتبة السلفية، الطبعة الثالثة 1407 هـ.

269 - الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، مصوّرة عن بيروت، 1404 هـ - 1984 م. 270 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلّكان، تحقيق: إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت.

§1/1