الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية

السخاوي، شمس الدين

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. أما بعد حمدًا لله الذي من وجه إليه سؤاله فاز، ومن التمس معونته أرشده للتمييز بين ما حرم وجاز، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، كعبة القصد، التي ليس بينها وبين النجح حجاز، وعلى آله وصحبه، حقائق الفضل ومن بعدهم مجاز. فلما أن يسر الله تعالى على بالاشتغال بالحديث النبوي، وكرعت من هذا المنهل العذب الروي، حتى كدت أمير السقيم من الصحيح، وأحاكي القويم في التعديل والتجريح، مع الاطلاع على إيضاح الغريب، والوقوف على المعنى المصيب، والعزو للمظان فيما لعله يخلى عن كثير، إلى غير ذلك مما يعلمه أهل النقد والتحرير، وصرت أسأل عن ذلك من القاطن والسالك، فيحصل الجواب فيه على الفتح متحريًا ـ إن شاء الله ـ عما يستوجب الطعن والقدح، فلما اجتمع من مسودات ذلك جملة عندي، مما أخشى عدم الانتفاع به في الحياة، وبعدي، استخرت الله تعالى في جمع

الأسئلة أولاً فأولاً، وتعقبت كل سؤال بالجواب عنه مذيلا، لينتفع بذلك من سأله ممن حسن ظنه فيما أبديه وقبله، وبالله الكريم عوني، وإياه أسأل عن الخطأ صوني، إنه قريب مجيب.

1 - حديث: النهي عن كسر سكة المسلمين

1 - حديث: النهي عن كسر سكة المسلمين. رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في سنتهم، وأحمد في مسنده والحاكم في صحيحه كلهم من طريق محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله وهو: ابن عمرو بن هلال، وقيل: ابن شرحبيل المزني عن أبيه رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس. زاد الحاكم وغيره في روايته: أن يُكسر درهما فتجعل فضة أو يُكسر

الدينار فتُجعل ذهباً. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. قلت: وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح للاحتجاج وهو عجيب منهما، فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة، لأن مداره على محمد بن فضاء، وقد قال البخاري: سمعت سليمان بن حرب يضعفه ويقول: كان يبيع الشراب، قال: وقال لي سليمان بن حرب: روى ابن فضا عن أبيه حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين، قال سليمان: ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سكة إنما ضربها الحجاج بن يوسف أو نحوه. انتهى. وروينا في جزء من حديث أبي رفاعة عمارة بن وثيمة أنه قال: يا محمد: أول من ضرب الدنانير في الإسلام: عبد الملك بن مروان، وإنما كانت الدنانير تأتي من بلد الروم ويطلق لهم القراطيس وكانت في رؤوس الطوامير (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله ولا الملائكة

المقربون) إلى آخر الآية [النساء/ 172]، فلما نظر ملك الروم إلى الكتاب، قال: ما هذا؟ فقرئ عليه وقيل له: شتموا آلهتك التي تُعبد ـ يعنون عيسى ـ فغضب وكتب إلى عبد الملك يقول: والله لئن كتبت بعد هذا في الطوامير لأنقشن في الدنانير شتم نبيك، فاغتم عبد الملك فدخل عليه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان ذاهبًا فأخبره، فقال له خالد: لا تغتم اجعل عندك دارًا للضرب، واضرب فيها وامنعه القراطيس، فإنه سيحتاج إليها فيأخذها على ما فيها شاء أو أبى، ففعل، فكان أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بذلك.

2 - حديث: المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى

2 - حديث: "المنبتُّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى". رواه البزار في مسنده وأبو نعيم في بعض تصانيفه والحاكم في علوم الحديث له، والبيهقي في سننه عنه وابن طاهر في صفوة التصوف من طريق الحاكم، كلهم من حديث خلاد بن يحيى عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين

متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى". وقال الحاكم عقب تخريجه: هذا حديث غريب المتن والإسناد، وكل ما روي فيه فهو من الخلاف على محمد بن سوقة، فأما ابن المنكدر عن جابر، فليس يرويه غير محمد بن سوقة، وعنه أبو عقيل، وعنه خلاد بن يحيى. انتهى. وقال البيهقي: هكذا رواه أبو عقيل، وقد قيل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن عائشة ـ يعني من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن محمد ـ وقيل عنه، عن محمد ابن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، هذه رواية عنبسة بن عبد الواحد عن محمد، وقيل: عند غير ذلك. قلت: كرواية شهاب بن خراش عن شيبان النحوي. ورواه عنه عن الحسن البصري مرسلاً، ورواية بعضهم عنه عن ابن المنكدر، وقال: قال عمر. أشار إلى ذلك الدارقطني في "العلل" وقال: ليس فيها حديث ثابت. انتهى. وقد قال البخاري في ترجمة محمد بن سوقة من تاريخه قال لي إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن سوقة حدثني ابن محمد بن المنكدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن محمد بن المنكدر، ورواه أبو عقيل

يحيى عن ابن سوقة عن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح. انتهى. وأبو عقيل ضعفه ابن المبارك، وعلى بن المديني والنسائي وغيرهم. وقال حرب: قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل-: كي حديثه؟ فكان ضعفه، وقال أبو زرعة. لين، وقال ابن حبان: ينفرد بأشياء ليس لها أصول ولا يرتاب الممعن في الصناعة إنها معمولة، وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة، وقال الساجي: منكر الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن عبد البر: هو عند جميعهم ضعيف، ولحديثه شاهد: لكنه ضعيف أيضا. أخرجه البيهقي في سننه، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ـ هو الحاكم ـ أخبرنا محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى حدثنا فضل بن محمد الشعراني، حدثنا أبو صالح ـ يعني عبد الله بن صالح كاتب الليث ـ حدثنا الليث هو ابن سعد عن ابن عجلان ـ يعني محمدًا ـ عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك [فإن المنبت] لا سقرًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فاعمل عمل امرئٍ يظن أن لن يموت أبدًا، واحذر حذرًا يخشى أن يموت غدًا".

والفضل بن محمد: قال أبو حاتم: تكلموا فيه، وقال الحاكم: كان أدبيًا فقيهًا عابدًا عارفًا بالرجال، وكان أرسل شعره فلقب بالشعراني، وهو ثقة، ولم يطعن فيه بحاجة، وقد سُئِلِ عنه الحسين بن محمد القباني فرماه بالكذب، وقال: سمع أبا عبد الله بن الأخرم يُسال عنه فقال: صدوق إلا أنه كان غاليًا في التشيع. المولى لم أقف على اسمه وما عرفته والله أعلم. وله طريقان في الأمثال للعسكري، وتكلم على معناه وهو من حديث جابر أيضًا عند القضاعي في مسند الشهاب، وله طريقة ثالثة لكنها مختصرة أخرجها عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده. حدثنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو بن حمزة، حدثنا خلف أبو الربيع إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق". وخلف هذا غير خلف بن مهران العدوي الذي روى له النسائي حديث: من قتل عصفورًا عبثًا. وإن كان صنيع المزي في

تهذيبه يقتضى أنهما واحد، فإن البخاري قد فرَّق بينهما، فجعل خلف بن مهران إمام مسجد بني عدي غير خلف أبي الربيع إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة، وكذا قال أبو حاتم وذكر أن إمام مسجد سعيد يروي عن أنس، قال البخاري: وعنه عمرو بن حمزة القيسي لا يتابع في حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أعرف خلفًا بعدالة ولا جرح، وكذا قال في الراوي عنه وتوقف في صحة حديثهما، وقال ابن عدي في الراوي

عنه مقدار ما يرويه غير محفوظ، وقال الدارقطني: ضعيف. قلت: وزعم الهيثمي أن رجاله موثقون وأن خلفًا لم يدرك أنسًا، وتعقب عليه بما تقدم، وعلى كل حال فالحديث ضعيف إلا أن هذه الطريق على اختصارها أجود من اللتين قبلها. وبالله التوفيق. وقرأت بخط بعض أصحابنا: المتين: الصلب الشديد، والموغل المبالغ. والمنبت: بالمثناة الذي انقطع ظهره وأصل البت: القطع، فالمراد - والله أعلم - إن هذا الدين مع كونه سهلاً يسيرًا صلب شديد، فبالغوا فيه في العبادة، لكن اجعلوا تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيه بغير رفق فيتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات، فيكون مثله مثل الذي يعسف الركاب ويحملها على السير على ما لا يطيق رجاء الإسراء، فينقطع ظهره فلا هو قطع الأرض التي أراد ولا هو أبقى ظهره سالمًا ينتفع به بعد ذلك، وهذا كالحديث الآخر: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة. قلت: وفي الأمر بالرفق أحاديث كثيرة مخرجة في الستة وغيرها من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم - والله أعلم.

3 - حديث: من آذى ذميا فأنا خصمه

3 - حديث: "من آذى ذميًا فأنا خصمه". رواه أبو داود بنحوه في كتاب الخراج من سنته عن سلميان بن داود بن مهران عن ابن وهب عن أبي صخر المدني عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم وفيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة" وإسناده لا بأس به، ولا يضر جهالة من لم يُسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد كثير ينجبر به جهالتهم، وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح. ورواه البيهقي في سنته من طريق ابن وهب كما أخرجناه، لكنه قال: عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله عن آبائهم دنية، فكذره بلفظ: "ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى صدره: "ألا ومن قتل معاهدًا له ذمة الله وذمة رسول الله، حرم الله عليه ربح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا. قلت: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وجابر، وأبي بكرة، وأبي هريرة، وعبد الله بن جراد وغيرهم. أما حديث عبد الله بن عمرو، فرواه البخاري في الصحيح ولفظه،

ومن لم يُسم: "من قتل معاهدًا بغير حق، لم يرح رائحة الجنة، وإنه ليوجد ريحها من مسيرة أربعين عامًا". وأما حديث جابر، فرويناه من حديث العباس بن أحمد المذكر، قال: حدَّثنا داود بن علي بن خلف، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدَّثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من آذى ذميًا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" وهكذا أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات وقال: قال الخطيب: هذا الحديث منكر بهذا الإسناد، والحمل فيه عندي على المذكر، وكان غير ثقة. قلت: والراوي عنه متهم بالاختلاق.

وأما حديث أبي بكرة، فرواه أبو داود والنسائي في سننهما والإمام أحمد والدرامي في مسنديهما والحاكم وابن حبان في صحيحهما، والبيهقي في سننه ولفظه: "ومن قتل نفسًا معاهدة بغير حلها، فقد حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها". وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه الحاكم في صحيحه، وقال: على شرط مسلم، والترمذي في جامعه وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في سننه كلهم من حديث محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قتل نفسًا معاهدة، له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحته الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا" وهو عند الطبراني من وجه آخر بلفظ: "من مسيرة مائة عام".

قلت: وفي تصحيح الحاكم له مقال، ليس هذا محله. وأما حديث عبد الله بن جراد، فأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة ومن طريقه أبو منصور الديلمي في الفردوس بلفظ: "من ظلم ذميًا مؤديًا لجزيته موفيًا لعهده فأنا خصمه يوم القيامة". وفي سنده من اتهم بالوضع. وأما حديث من لم يسم: فهو عند أحمد في سمنده من حديث هلال بن يساف عنه مرفوعًا: "سيكون قوم لهم عهد فمن قتل رجلاً منهم لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما". تنبيه: ذكر ابن الجوزي في الموضوعات نقلاً عن خط القاضي أبي يعلي محمد بن الحسين بن الفراء، عن خط ابي حفص البرمكي، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: أربعة أحاديث تدور في الأسواق ليس لها أصل، فذكر منها: (ومن آذى ذميًا فأنا خصمه يوم القيامة".

قلت: وحكاه ابن الصلاح عن أحمد في نوع المشهور ذكره مثالاً، وتعقب غير واحد ابن الصلاح بأن هذا لا يصح، فقد أخرج أحمد في مسنده أحدهما ورد بأن هذا فيه نظر، فكم من حديث قال فيه أحمد: لا يصح وخرجه في مسنده، ومن نظر كتب العلل لابنه عبد الله، والأثرم، والخلال، عرف صحة هذا، وفيه نظر أيضًا، فإنه لم يقل: لم تصح، وإنما قال: لا أصل لها، نعم يحتمل أن يكون مراده لا أصل لها، أي صحيح، لكنه بعيد من السياق. وبالله التوفيق. فائدة: ترجم ابن حبان في صحيحه: إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه، وساق فيه حديثًا عن أبي موسى الأشعري بلفظ: "من سمع يهوديًا أو نصرانيًا دخل النار". وهذا فيه غلط كبير، وذلك أن لفظ الحديث: "من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار"، هكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد في مسنديهما من الطريق التي أخرجه ابن حبان منها، وحينئذ فلا يصح أن يكون شاهدًا لهذا الحديث وإنما ذكرته للتنبيه على ما وقع فيه لئلا يغتر به والعلم عند الله تعالى.

4 - حديث: لحوم البقر داء وسمنها ولبنها دواء

4 - حديث: "لحوم البقر داء وسمنها ولبنها دواء" ليس هو في الكتب المشهورة لا الصحيحين، ولا السنن، ولا مسند الإمام أحمد، نعم أخرجه أبو داود في المراسيل عن النفيلي هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل عن زهير بن معاوية الجعفي أحد الحفاظ قال: حدثتني امرأة من أهلي عن لميكة بنت عمرو أنها وصفت لها سمن بقر من وجع لحقها، وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء ولحومها داء" ورجاله ثقات. وهكذا أخره الطبراني في المعجم الكبير من طريق زهير، لكن من رواية أبي النضر هاشم بن القاسم وهو ثقة أيضًا عنه، ولفظه عن مليكة: قالت: اشتكيت وجعًا في حلقي فأتيتها فوصفت لي سمن بقر، وقالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألبانها شفاء وسمنها دواء

ولحمها داء". ومن هذا الوجه أخرجه ابن منده في معرفة (معرفة الصحابة) ولفظه: أن ألبانها ـ أو لبنها ـ شفاء وسمنها دواء، ولحمها داء يعني البقر. وأخرجه أبو نعيم في كتاب "الطب النبوي" له من طريق علي بن الجعد عن زهير، فقال عن امرأته ـ وذكر أنها صدوقة ـ أنها سمعت من مليكة بنت عمرو، وذكرت أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن الخطاب أنها وصفت لها من وجع بها سمن بقر، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء". قلت: وليس في سنده من ينظر في حاله، إلا المرأة التي لم تسم، فيضعف الحديث بسببها، لا سيما وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر وهو لا يتقرب بالداء، ثم إن لعل أبا داود لم يثبت عنده صحبة ملكية، حيث ذكر حديثها في المراسيل، وصنيع المزي في الأطراف يقتضي ذلك، فإنه قال: يقال: لها صحبة، لكن قد ذكرها ابن منده

وابن عبد البر وجماعة في الصحابة بلا تردد. والعلم عند الله تعالى. ولهذا الحديث طريق أخرى أخرجها الحاكم من طريق سيف بن مسكين، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بألبان البقر وسمنائها وإياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنائها دواء وشفاء ولحومها داء". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: بل سنده ضعيف، والمسعودي اختلط والحديث منقطع، ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في "الطب" بلفظ: "عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمائها شفاء وإياكم ولحومها فإن لحومها داء".

وله طريق ثالثة أو هي من الأولتين، أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن زياد الطحان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سمن البقر وألبانها شفاء ولحومها داء" والطحان متهم بالكذب. وله طريق رابعة: أخرجها أبو نعيم في موضعين من "الطب" من طريق دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب الخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء". ودفاع وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ومن دونه، فيه من لم أعرفه لكن قال ابن القيم: إسناده لا يثبت.

وأصل هذا الحديث قد أخرجه النسائي والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم من رواية طارق عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر"، ورجاله ثقات، وهكذا أخرجه أبو نعيم في "الطب" وفي بعض طرقه عنده أيضًا: "تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيه شفاء، أو بركة، فإنها تأكل من كل الشجر". انتهى. وفي شعب الإيمان للحليمي أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال في البقر: "لحومها داء" ليس الحجاز، ويبوسة لحم البقر منه، ورطوبة ألبانها وسمنها، واستحسن هذا التأويل، والله الموفق.

5 - حديث: ينزل الله تبارك وتعالى كل يوم مائة رحمة ... الحديث

5 - حديث: "ينزل الله تبارك وتعالى كل يوم مائة رحمة ... الحديث". رواه البيهقي في شعب الإيمان، والخطيب في تاريخه، والصابوني في الجزء الثاني من المائتين له من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، قال: حدثنا محمد بن صفوان عن ابن جُريج عن عطاء ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل في كل يوم مائة رحمة، ستين منها على الطائفين بالبيت، وعشرين على أهل مكة، وعشرين على سائر الناس" وقال الصابوني عقب تخريجه: غريب من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. قلت: وحسنه المنذري في ترغيبة، والعراقي في تخريج الإحياء، وفيه نظر، فإن ابن معاوية واهٍ جدًا، قال فيه مسلم والنسائي: متروك، وكذبه ابن معين والدارقطني ورُمي بالوضع، وقال أبو زرعة: كان شيخًا صالحًا، إلا أنه كان كلما لقن تلقن، وفي ترجمته

رواه ابن عدي في كامله وقال: هذا حديث منكر انتهى. والظاهر أنهما حسناه لشواهده، فقد رواه الحارث بن أسامة في مسنده قال: حدثنا أحمد بن يزيد أبو عبد الله من أهل كرمان، حدثنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله كل يوم مائة رحمة، ستون منها للطائفين وعشرون منها لأهل مكة وعشرون منها لسائر الناس" وأحمد لا أعرفه، وأما سعيد، فهو ابن سالم القداح، فاختلف فيه فقال ابن حبان: إنه كان يرى الإرجاء وبهم في الأخبار حتى يجئ بها مقلوبة حتى خرج عن حد الاحتجاج به، ثم روي بسنده إلى ابن معين أنه قال فيه: ليس بشيء. انتهى. ولا يصح هذا التضعيف عن ابن معين، لأن في الطريق إليه جعفر بن أبان، وقد ذكره ابن حبان في الضعفاء وقال: كان كذابًا، والمعروف عن ابن معين توثيقه فقال مرة: ليس به باس، رواه ابن أبي حاتم عن عباس الدوري عنه، وقال مرة: ثقة. نقله ابن عدي في الكامل عنه ووثقه أيضًا جماعة، قال أبو داود: صدوق، وقال أبو حاتم: محله

الصدق وقال أبو زرعة: هو عندي إلى الصدق ما هو، وقال ابن عدي: هو عندي صدوق مقبول الحديث. انتهى. على أنني قد وجدت لكل من أحمد وسعيد متاعًا فرواه أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن محمد بن والوليد والأزرقي في "تاريخ مكة" قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم، وسليم بن مسلم، عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله تعالى على هذا البيت كل يوم وليلة وعشرين ومائة رحمة، ستون منه للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين". لكن سُليم ضعفه أحمد، وابن معين، والنسائي، وأورده ابن حبان في "تاريخ الضعفاء" من طريق سعيد، وسُليم معًا. وجاء أيضًا من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أخرجه التيمي في "الترغيب والترهيب" له لكن إبراهيم ضعفه أحمد وابن معين والنسائي.

قلت: ودعوى الصابوني: أنه غريب من حديث ابن جريج، ليس بجيد، فقد قال البيهقي عقب تخريجه: رواه يوسف بن السفر وهو ضعيف عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس. انتهى. أخرجه كذلك الطبراني في "المعجم الكبير" قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا يوسف بن السفر عن الأزراعي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين" لكن يوسف ضعيف جدًا، قال فيه البيهقي هو في عداد من يضع الحديث، وقد ذكر هذا الحديث من هذا الوجه ابن أبي حاتم في "العلل"، وقال: سألت أبي عنه فقال: هذا حديث منكر، ويوس ضعيف الحديث شبه المتروك. انتهى.

وقال أبو زرعة والنسائي: متروك. وكذا قال الدارقطني، وزاد: يكذب. وأورده ابن عدي مع أحاديث في ترجمته من "الكامل" وقال: موضوعة. قلت: وسماه بعضهم عبد الرحمن، أخرجه الطبراني في معجميه الأوسط والصغير قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا عبد الرحمن بن السفر الدمشقي حدثنا الأوزاعي عن عطاء حدثني ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل على هذا المسجد مسجد مكة كل يوم عشرون ومائة رحمة، ستين منها للطائفين، وأربعين للمصلين وعشرين منها للنظارين" وقال عقبه: لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن السفر ـ انتهى. قال ابن عساكر: وهم شعبة فيه ـ يعني في تسمية عبد الرحمن ـ والصواب يوسف ابن السر عن الأوزاعي. قلت: واحتمال كونه أخا يوسف قائم، إذ لا مانع أن يرويا معًا الحديث المذكور، وهما ضعيفان وقد رويناه في مجلس ابن بالويه

قال: أخبرنا المغيرة بن عمرو بن الوليد بمكة حدثنا أبو سعيد المفضل محمد بن الجندي، حدثنا أبو القاسم العابدي عبد الله بن عمرو، حدثنا يوسف بن الفيض، عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى في كل يوم وليلة عشرون ومائة رحمة ينزل على هذا البيت، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين" وهكذا أخرجه ابن صاعد عن العابدي، وقال: إن يوسف هو ابن السفر بن الفيض أبو الفيض ـ يعني أن الفيض اسم جده ـ فمن قال يوسف ابن الفيض أصاب، ونسبه إلى جده، ولم يصحف كنيته. ولهذا الحديث طريق أخرى عن ابن عباس، أخرجه الطبراني في "الكبير" قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبدي بن عمير الليثي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله كل يوم عشرين ومائة رحمة ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت وعشرون للناظرين إلى البت" والليثي ضعفه ابن معين، قال أبو داود والنسائي: ليس بثقة وقال البخاري: منكر الحديث وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه. انتهى. وأقرب طرق هذا الحديث إلى الصحة طريق سعيد بن سالم. والعالم عند الله تعالى.

6 - حديث: إذا انتصف شعبان فلا صوم حتى رمضان

6 - حديث: "إذا انتصف شعبان فلا صوم حتى رمضان" رواه روح بن القاسم، وزهير بن محمد التميمي، وسفيان بن عيينة وشبل ابن العلاء أبو المفضل، وعبد الرحمن بن إبراهيم الحنفي القاص، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبو العميس عتبة بن عبد الله، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومسلم بن خالد الزنجي، وغيرهم، عن العلاء. فأما حديث روح، فقال ابن حبان في صحيحه: أنا الحسن بن محمد بن مصعب، حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان النصف من شعبان فأفطروا حتى يجيء رمضان". وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه قال: حدثني عثمان بن خرزاذ حدثنا مالك بن عبد الواحد أبو غسان حدثنا الحسن بن حبيب به ولفظه: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يدخل رمضان، إلا أن يكون عليه صوم فليسرد ولا يقطع". وأما حديث زهير، فرواه ابن حبان أيضًا قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا زهير بن محمد، عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صوم بعد النصف من شعبان حتى يجيء شهر رمضان". وأما حديث ابن عيينة، فرواه بلفظ: "إذا كان النصف من شعبان

فأفطروا". وأما حديث شبل، فرويناه في فوائد الخلعي من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا ابن أبي فديك ـ يعني إسماعيل ـ عن أبي المفضل ـ هو شبل بن العلاء ـ عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان". وأما حديث عبد الرحمن، فرواه الدرامي في جامعة المسمى "بالمسند"، قال: أخبرنا عبد الصمد ـ يعني ابن عبد الوارث ـ أخبرنا عبد الرحمن الحنفي، عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم وهكذا رواه أبو عوانة في صحيحه: حدثني جعفر بن محمد الطيالسي، حدثنا يحيى بن معين، عن عفان، عن عبد الرحمن به ولفظه: "إذا كان النصف من شعبان فلا تصوموا، ومن كان عليه صوم من رمضان فليسرد الصوم ولا يقطعه" وأخرجه الدارقطني في سننه: حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي، حدثنا علي بن مسلم الطوسي، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا عبد الرحمن فذكره بلفظ: "لا صوم من نصف شعبان حتى رمضان، فمن كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه". وهكذا أخرجه تمام في فوائده والديلمي في مسند الفردوس كلاهما من طريق

الطوسي. وأما حديث عبد العزيز، فقال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: قدم علينا عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" فقال العلاء: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود هكذا، ورواه البيهقي في سننه قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا النضر الفقيه يقول: سمعت محمد بن إبراهيم بن قتيبة الطوسي يقول: سمعت قتيبة بن سعيد فذكره، وقال الترمذي: حدثنا قتيبة به بلفظ: ["إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا"]. ورواه البيهقي أيضًا من طريق أبي مسلم، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عدب العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان". وأخرجه ابن ماجه قال: حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عبد العزيز به.

ورواه الدارمي قال: أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عبد العزيز به ولفظه. وأما حديث عتبة، فقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عتبة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فكفوا عن الصوم حتى يجئ رمضان" وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع، ورواه النسائي وهو في فوائد المحاملي الأصبهانية: حدثنا محمد بن حسان، حدثنا محمد بن ربيعة، حدثنا أبو العميس به بدون: "حتى يجيء رمضان" وساقه أبو عوانة قال: حدثنا علي بن إشكاب حدثنا محمد بن ربيعة به بلفظ: "إذا انتصف شعبان فلا صوم حتى يأتي رمضان". وأما حديث الزبيدي، فرواه أبو عوانة قال: ثنا أبو إسماعيل الترمذي، ثنا محمد بن وهب بن عطية ثنا بقية عن الزبيدي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يجيء رمضان".

وأما حديث مسلم، فرواه ابن ماجه قال حدثنا هشام بن عمار، حدثنا مسلم بن خالد، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجئ رمضان". ورواه أبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة "بالغيلانيات" قال: حدثنا محمد بن غالب، حدثنا عبد الصمد بن النعمان، حدثنا مسلم فذكره بلفظ: "إذ كان النصف من شعبان فلا تصوموا". قلت: ومدار هذا الحديث على العلاء، فقد قال النسائي عقب تخريجه: لا أعلم رواه إلا العلاء بن عبد الرحمن، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وكذا قال غير واحد، منهم: الخليلي حيث قال في العلاء: إنه مختلف فيه، لأنه ينفرد بأحاديث لا يتابع عليها، كحديث: "إذا كان النصف من شعبان" وقد أخرج مسلم من حديث المشاهير دون الشواذ. انتهى، وقال أبو داود: أنكروا على العلاء صيام شعبان، وعنى هذا الحديث. ولما أورده في السنن نقلاً عن أحد أنه قال: هذا حديث منكر، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عنه لكن أورده غيره قول أحمد بلفظ: هو غير محفوظ، وكان ابن مهدي يتوقاه وقال أبو عوانة: قال جعفر

الطيالسي: قال يحيى بن معين: هذا حديث منكر انتهى. فما أدري لأي معنى خرجه مع حكاية هذا لا سيما ومسلم لم يخرجه، ويحتمل أن يكون حمل المنكر هنا على الفرد المطلق فإن ذلك يقع كثيرًا في كلامهم ولا يقتضي ذلك ضعفا، ويحصل التوفيق بين كلامهم، كما قاله شيخنا بحمل المنكر على هذا، وأن من حَسَّنه نظر إلى حال العلاء فإنه صدوق، لكنه ليس في درجة المتقنين، وقد أخرج له مسلم كثيرًا من حديث، مما له فيه متابع، أو شاهد، ولم يخرج له هذا، ومن صححه غير الترمذي جرى على طريقه من لا يفرق بين الصحيح والحسن. وأما الترمذي، فإنما صححه لما اعتقد من تأويله، فإنه قال: معنى هذا الحديث أن يكون الرجل مفطرًا، فإذا جاء نصف شعبان صام، لأجل رمضان، وهو كالحديث الآخر: " لا تقدموا رمضان بصيام" انتهى. والمشهور في هذا الحديث الثاني التقييد بيوم أو بيومين فلا يصلح شاهدًا لحديث العلاء لأن الغرابة في حديثه إنما جاءت من جهة التقييد بنصف الشهر، وقد أغرب ابن حزم، فخص النهي بصوم اليوم السادس عشر، فجرى على ظاهر الرواية التي وقعت له وهي من طريق عبد الرازق عن ابن عيينة عن العلاء بلفظ: "إذا كان النصف من شعبان فأفطروا"، وكأنه لم يقع الرواية الأخرى التي تقتضي استمرار هذا الحكم إلى أن يدخل رمضان انتهى ما قاله شيخنا.

وقد وقفت على طريق لهذا الحديث من جهة غير العلاء، رواها الطبراني في الأوسط قال: حدثنا [أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله المنكدري قال: حدثني أبي عن أبيه عن] جده، عن عبد الرحمن بن يعقوب [المرقي عن أبي هريرة بلفظ: "إذا انتصف شعبان فأفطروا"]. هكذا أخرجه البيهقي في "الخلافيات" قال: حدثنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ إملاء، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب النسوي، حدثنا زكريا بن يحيى بن الحارث، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا حسين بن محمد، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن مولى الخرقة وهو عبد الرحمن بن يعقوب أبو العلاء، عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان النصف من شعبان فأفطروا" لكنها معلولة، فقد رواه ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن المنكدر، فقال عن العلاء، عن أبيه، فرجع الحديث إلى العلاء، والله الموفق.

7 - حديث: الأرمد لا يعاد

7 - حديث: "الأرمد لا يُعاد". رواه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن سفيان الحضرمي، والعقيلي في "الضعفاء" من حديث سعيد بن أبي مريم، والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث سليمان بن عبد الرحمن، كلهم عن مسلمة بن علي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يعاد صاحبهن: الرمد، وصاحب الضرس، وصاحب الدمل" وقال الطبراني عقب تخريجه: لم يروه عن الأزاعي إلا مسلمة. قلت: وهو متروك، والحديث بسببه واه، وقد ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"، وقال البخاري: منكر الحديث، وإنما يروي هذا من كلام يحيى بن أبي كثير، وقال النسائي والدارقطني: متروك ونقل عن العقلي أنه رواه بقية عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير من قوله وهو أولى انتهى.

أخرجه البيهقي كذلك في الشعب عن الحاكم: سمعت علي بن حمشاذ سمعت الحسين بن الفضيل، وحدثنا الحكم بن موسى، حدثنا هقل، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: "ثلاثة لا يعادون: الضرس والرمد والدمل". وقال: هذا أصح. وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: ولع بعض العوام بأن الأرمد لا يُعاد، وقد أخرج أبو داود في "سننه" من حديث يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن زيد بن أرقام قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني. ورجاله ثقات. وقد حسن المنذري إسناده وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح ولم يخرجه من أصحاب الكتب الستة أحد سواه. لكن قد رواه البيهقي في "الشعب" من طريق عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبيه عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال: أصابني رمد فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد أفاق بعض الإفاقة ثم خرج، ولقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت لو أن عينيك لما بهما ما كنت صانعًا؟ قال: أصبر وأحتسب، قال: "أما والله لو كانت عينيك لما بهما، ثم صبرت واحتسبت ثم مت، لقيت الله عز وجل ولا ذنب لك وله عنده طريق

أخرى، رواه من طريق محمد بن المصفى عن معاوية بن حفص عن مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم من رمد كان به. قال المنذري: وذكر بعضهم عيادة المغمى وقال: فيه رد لما يعتقده عامة الناس أنه لا يجوز عندهم عيادة من مرض من عينيه، وزعموا ذلك، لأنهم يرون في بيته مالا يراه هو، قال: وحالة الإغماء أشد من حالة مرض العين، وقد جلس النبي صلى الله عليه وسلم في بيت جابر في حالة إغماء، حتى أفاق وهو صلى الله عليه وسلم الحجة. قلت: ويتأيد ذلك أيضًا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "اذهبوا بنا إلى بني واقف نزور البصير وكان محجوب البصر". وأما ما يروى من قوله: " لا غم إلا غم الدين، ولا وجع إلا وجع العين"، فهو

8 - حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم في الصلاة فلما سلم قال: مر بي ميكائيل الحديث

حديث منكر. والله أعلم. 8 - حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم في الصلاة فلما سلم قال: "مر بي ميكائيل" الحديث. رواه أحمد بن منيع والطبراني في الأوسط والكبير من حديث علي بن ثابت عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله ـ وليس بابن حرام، هذا ابن رئاب ـ قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر في غزوة بدر؛ إذ تبسم، فلما قضي الصلاة قيل له: يا رسول الله تبسمت في الصلاة؟ قال: "مر بي ميكائيل وعلى جناحه الغبار فضحك إلى، فتبسمت". قال الطبراني بعده: لم يروه عن جابر إلا أبو سلمة، ولا عنه إلا الوازع تفرد به علي. قلت: والوازع ليس بثقة، فيما قاله أحمد، ويحيى بن معين

وغيرهما، وقال الحاكم وغيره: روى أحاديث موضوعة. انتهى. فالحديث بسببه ضعيف لا تقوم بمثله الحجة، ومن حسنه فقد وهم، وقد أورده الدميري عند قول المنهاج: والأصح أن التنحنح. والله أعلم.

9 - حديث: عمل علي رضي الله عنه لبعض أهل الذمة

9 - حديث: "عمل علي رضي الله عنه لبعض أهل الذمة". رواه ابن ماجه في سننه من طريق حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم خصاصة، فبلغ ذلك عليًا عليه السلام، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئًا، ليغيث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بستانًا لرجلٍ من اليهود، فاستسقى له سبعة عشر دلوًا كل دلو بتمرة، فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم. لكن حنش ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد ويحيى بن معين وجماعة، وهو بفتح الحاء المهملة بعدها نون ثم شين معجمة لقب واسمه: حسين بن قيس، أبو علي الرحبي، وله طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده قال: أخبرنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي زياد، عن كعب بن القرظي، حدثني من سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث قال: خرجت في غداة شاتية من بيتي جائعًا حرضًا قد أدلقني البرد، فأخذت إهابًا قد كان عندنا، فجبته ثم أدخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لبلغني، فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطلعت إلى يهودي في حائط من ثغرة جداره، فقال

مالك يا أعرابي، هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح الحائط، ففتح لي، فدخلت فجعلت أنزع دلوًا ويعطيني تمرة، حتى إذا ملأت كفي قلت: حسبي منك الآن، فأكلتهن، ثم جرعت في الماء، ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابة من أصحابه فاطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ما كان فيه من النعيم، ورأى حاله التي هو فيها، فذرفت عيناه فبكى ثم قال: "كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في أخرى، وسترت بيوتكم كما تستر الكعبة" قلنا: نحن يومئذ خير نكفي المؤنة ونتفرغ للعبادة؟ قال: "أنتم اليوم خير منكم يومئذ". وهكذا أخرجه أبو يعلي في مسنده: حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا وهب به ولفظه: خرجت في غداة شاتية جائعًا قد أوبقني البرد، فأخذت ثوبًا من صوف قد كان عندنا، ثم أدخلته في عنقي وحمزته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شيء لبلغني، فخرجت في بعض نواحي المدينة فانطلقت إلى يهودي في حائطه، فاطلعت عليه من ثغرة جداره، فقال: مالك يا أعرابي، هل لك في دلو بتمرة؟ قلت: نعم، افتح لي الحائط، ففتح لي، فدخلت، فجعلت أنزع الدلو، ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي، قلت: حسبي منك الآن فأكلتهن، ثم جرعت من الماء، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد، وهو مع عصابة من أصحابه فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة بفروة، وكان أنعم غلام بمكة، وأرفهه عيشًا، فلما رآه

النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر ما كان فيه من النعيم، ورأى حاله التي هو عليها فذرفت عيناه، فبكى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم اليوم خير، أم إذا غدي على أحدكم بحفنة من خبز ولحم، وريح عليه بأخرى، وغدي في حلة وراح في أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ " قلنا: بل نحن يومئذ خير، نتفرغ للعبادة، قال: "أنتم اليوم خير". وهو عند الترمذي في "جامعة" قال: حدثنا هناد، قال حدثنا هناد، قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، حدثنا يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت إهابًا معطوبًا فحولت وسطه فأدخلته عنقي، وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل وإني لشديد الجوع، ولو كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام لطعمت منه، فخرجت ألتمس شيئًا، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط، فقال: مالك يا أعرابي، هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم، فافتح الباب حتى أدخل، ففتح، فدخلت فأعطاني دلوه، فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرةً، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه، وقلت: حسبي فأكلتها، ثم جرعت من الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. وقال عقبه: حسن غريب. قلت: هو كذلك لولا الراوي الذي لم يسم، فإن يزيد وثقه النسائي وبان حبان، لكن قال البخاري: لا يتابع على حديثه، والراوي عنه

قد صرح بالتحديث، وقد رواه العدني في "مسنده" فحدد المبهم وجعله عن محمد بن كعب بدل كعب، فإنه قال: حدثنا هشام بن سليمان حدثنا أبو رافع، سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث أن أهل العراق أصابتهم أزمة، فقام بينهم علي بن أبي طالب فقال: يا أيها الناس أبشروا فوالله إني لأرجو أن لا يمر عليكم إلا يسير حتى تروا بما يسركم من الرخاء، واليسر قد رأيتني، مكثت ثلاثة أيام من الدهر ما أجد شيئًا آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستطعمه لي، فقال: يا بنية! والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلا ما ترين ـ لشيء قليل بين يديه ـ ولكن ارجعي فسيرزقكم الله، فلما جاءتني أخبرتني، وانقلبت وذهبت حتى آتي بني قريظة، فإذا يهودي على شفير بئر، فقال: يا علي هل لك أن تسقي نخلاً لي وأطعمك؟ قلت: نعم، فبايعته على أن أنزع كل دلو بتمرة، فجعلت أنزع، فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرةً حتى امتلأت يداي من التمر، فقعدت فأكلت، ثم شربت من الماء، ثم قلت: يا لك بطنًا، لقد لقيت اليوم خيرًا، ثم نزعت ذلك لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعت، فانقلبت راجعًا حتى إذا كنت ببعض الطريق إذا أنا بدينار ملقى، فلما رأيته وقفت أنظر إليه وأوامر نفسي أأخذه أم أذره؟ وأبت إلا آخذه، وقلت: أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته، فلما جئتها أخبرتها الخبر، قال: هذا رزق الله، ومن الله، فانطلق فاشتر لنا دقيقًا، فانطلقت حتى جئت السوق، فإذا بيهودي من يهود فدك يبيع دقيقًا من دقيق الشعير، فاشتريت منه، فلما اكتلت، قال: ما أنت لأبي القاسم؟ قلت: ابن عمي وبنته امرأتي، فأعطاني الدينار، فجئتها فأخبرتها الخبر، فقالت: هذا رزق الله

ومن الله عز وجل، فاذهب به، فارهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم، ففعلت، ثم جئتها به فقطعتها لها ونصبت وعجنت وخبزت ثم صنعنا طعامًا، وأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا فلما رأى الطعام قال: "ما هذا؟ ألم تأتيني آنفًا تسألني؟ " فقلنا: بلى اجلس يا رسول الله نخبرك الخبر، فإن رأيته أكلت وأكلنا فأخبرناه الخبر، فقال: "هو طيب فكلوا باسم الله"، ثم قام فخرج فإذا هو بأعرابية تشتد كأنه نزع فؤادها، فقالت: يا رسول الله: إني أبضع معي بدينار فسقط مني والله ما أدري أين سقط، فانظر بأبي وأمي أن يذكر لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعي لي على بن أبي طالب" فجئته فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن قراريطك عليّ فأرسل بالدينار"، فأرسل به فأعطاه الأعرابية فذهبت. هكذا أخرجه العدني وشيخه قد أخرج له مسلم في صحيحه، والبخاري تعليقًا، لكن قال أبو حاتم: إنه مضطرب الحديث ومحله الصدق، ما أرى بحديثه بأسا، وأبو رافع إن لم يكن إساعيل بن رافع القاص الذي ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، وقال الدارقطني وغيره: متروك فلا أدري من هو؟

ولهذا الحديث طريق أخرى، أخرجها ابن ماجه أيضًا إلا أنها باختصار جدًا من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حية عن علي رضي الله عنه قال: كنت ألدو الدلو بتمرة وأشترط أنها جلدة. وأبو حية ـ بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت ـ لا يعرف اسمه، وقال أحمد: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وسماه عمرو بن عبد الله، وصحح ابن السكن وغيره حديثه. والجلدة هي: اليابسة اللحاء الجيدة قاله الهروي. وجاء من وجه أخر فيه بعض مخالفة، وقال أبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة "بالغيلانيات": حدثنا الحارث بن محمد ـ يعني ابن أبي أسامة ـ حدثنا داود بن المحبر حدثنا عدي بن الفضل عن أيوب عن مجاهد ح وعباد بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه، كلاهما عن علي بن أبي طالب قال: أصابنا وأنا بالمدينة جوع شديد حتى مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعرف جهد الجوع في وجهي، فخرجت ألتمس العمل، فإذا أنا بامرأة من اليهود قد جمعت

ترابًا لها تريد أن تبله، فقاطعتها على كل ذنوب بتمرة، فمددت لها ثلاثة عشر ذنوبًا حتى تزلعت يداي، فأتيتها فعدت ثلاثة عشر تمرة، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم وصببتها بين يديه فأكلناها وأصبنا من الماء. وداود ضعفه غير واحد، وقيل: إنه كان يخطئ ويصحف كثيرًا وهو في الأصل صدوق، وشيخه قال ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث. لكن تابعه إسماعيل ـ وهو ابن علية ـ عن أيوب، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن ولفظه: جعت مرة بالمدينة جوعًا شديدًا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة ... الحديث. وهذه الطريق أجودها. وقد أخرجه أبي نعيم في "الحلية" من طريق "المسند" حدثنا إسماعيل بن علية، ومن طريق أبي يعلى: حدثنا أبو الربيع حدثنا حماد قالا: حدثنا أيوب السختياني عن مجاهد قال: خرج علينا علي بن أبي طالب يومًا متعجزًا فقال: جعت بالمدينة جوعًا شديدًا فخرجت أطلب

العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا، فظننتها تريد بله، فأتيتها فقاطعتها على كل ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبًا حتى مجلست يداي، ثم أتيت الماء فاصبت منه ثم أتيتها فقلت: يكفي هكذا بين يديها ـ وبسط إسماعيل يديه وجمعهما ـ فعدت لي ست عشرة تمرة، أو سبع عشرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها. وقال حماد في حديثه: استقيت ستة عشر، أو سبعة عشر، ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي خيرًا، ودعا لي. وقال عقبه: رواه موسى الطحان عن مجاهد نحوه. ثم ساقه كذلك من طريق عبد الله بن أ؛ مد بن حنبل: حدثني علي بن حكيم الأودي حدثنا شريك عن موسى الطحان عن مجاهد عن علي قال: جئت إلى حائط أو بستان، فقال لي صاحبه: دلو وتمرة، فدلوت دلوًا بتمرة، فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملئ كفي، فأكل بعضه وأكلت بعضه. انتهى. وهو عند أحمد أيضًا عن أسود عن شريك إلا أن موسى. وقد وقع ذلك لغير علي من الصحابة رضي الله عنهم فأخرج ابن ماجه في سننه من طريق محمد بن فضيل: حدثنا عبد الله بن سعيد عن جده ـ هو أبو سعيد المقبري ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل

من الأنصار فقال: يا رسول الله! ما لي أرى لونك منكفئًا؟ ـ يعني متغيرًا ـ قال: "الخمص"، فانطلق الأنصاري إلى رحلة، فلم يجد في رحله شيئًا، فخرج يطلب، فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً له، فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري أن لا يأخذه خدرة ـ يعني المعفنة ـ ولا تارزة ـ يعني اليابسة ـ ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جلدة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لكن عبد الله ضعيف جدًا. وأخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" بسند فيه مجاهيل من من طريق محمد بن إبراهيم بن عنمة الجهني، عن أبيه، عن جده، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلقيه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي إنه ليسؤني الذي ارى بوجهك وعما هو؟ قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لوجه ارجل ساعة، ثم قال: "الجوع"، فخرج الرجل يعدو، أو شبيهًا بالعدو، حتى أتى بيته، فالتمس عندهم الطعام فلم يجد شيئًا، فخرج إلى بني قريظة فآجر نفسه على كل دلو ينزعها بتمرة حتى جمع حفنة، أو كفأ من تمر، ثم رجع بالتمر حتى وجد النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس لم يرم، فوضعه بين يديه وقال: كل أي رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين لك هذا التمر؟ " فأخبره الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأظنك تحب الله ورسوله؟ " قال: أجل، والذي بعثك بالحق لأنت أحب إلىَّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي، فقال: "أما لا فاصطبر للفاقه، وأعد للبلاء

تجفافًا فوالذي بعثني بالحق، لهما إلى من يحبني أسرع من هبوط الماء من رأس الجبل إلى أسفله". وأخرج الطبراني في "الكبير" أيضًا بسند جيد عن كعب بن عجزة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرايته متغيرًا، قال: فقلت بابي أنت [وأميي مالي أراك متغيرًا؟ قال: "ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث" قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي غبلاً له فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمرًا وأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أين لك يا كعب؟ " فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبني يا كعب؟ " فقلت: بأبي أنت وأمي نعم. وذكر الحديث. ويحتمل أن يفسر به المبهم.

10 - حديث لا مهر أقل من عشرة دراهم

10 - حديث "لا مهر أقل من عشرة دراهم". رواه الدارقطني والبيهقي في سننيهما، وأبو يعلي في مسنده وابن عدي في كامله والعقيلي في الضعفاء، كلهم من طريق مبشر بن عبدي عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء وعمرو بن دينار ع ن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء، ولا مهر دون عشرة دراهم". وقال الدارقطني عقب تخريجه: مبشر بن عبيد متروك الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها، وفي موضع آخر: يضع الحديث ويكذب. وقال ابن عدي: هذا ليس بشيء وهو مع اختلاف ألفاظ المتن واختلاف إسناده باطل، ولا يرويه غير مبشر. وقال البيهقي: هذا حديث ضعيف بمرة. والحجاج بن أرطاة لا يحتج به، ولم يأت به عن الحجاج غير مبشر بن عبيد الحلبي، وقد أجمعوا على تركه، وكان أحمد بن حنبل يرميه

بوضع الحديث. ونقل ـ أعني البيهقي ـ عن ابن خزيمة أنه قال: وقد رواه من طريق بقية عن مبشر وأنا أبرأ من عهدته وعن الإمام أحمد: أنه ضعيف لا تقوم بمثله الحجة، وعن أبي علي الحافظ النيسابوري قال: مبشر بن عبيد متروك الحديث، وهذا يعني الحديث منكر لم يتابع عليه انتهى. وقال الإمام أحمد أيضًا: روي عنه بقية وأبو المغيرة أحاديث موضوعة، كذب قال ابن القطان في كتابه: وهو كما قال، لكن بقي عليه أن الحجاج بن أرطاة ضعيف، ويدلس على الضعفاء انتهى. وقال الجوزجاني عن أحمد: مبشر بن عبيد شغله القرآن عن الحديث، أحاديثه بواطيل. وقال ابن حبان: روى عن الثقات الموضوعات، لا يحل كتب حديثه إلا تعجبًا وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الهداية للحنفية: هو حديث ضعيف وتبعه شيخنا في

«مختصره لهذا الكتاب» وقال: إسناده واه، فيه مبشر بن عبيد وهو كذاب انتهى. وقد جاء هذا عن علي بسندين ضعيفين لكنه من قوله، أخرجه الدارقطني والبيهقي أيضًا من طريق داود الأودي عن عامر الشعبي، والدارقطني أيضًا من طريق جويبر وغيره عن الضحاك عن النزال، كلاهما عن علي قال: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم، ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. انتهى. وداود هو - ابن يزيد - قال أحمد وابن معين: ضعيف، وقال ابن معين أيضًا: ليس حديثه بشيء، وقال ابن حبان فيما نقله ابن الجوزي: ضعيف، كان يؤمن بالرجعة، والشعبي لم يسمع من علي، وقد قال البيهقي: وقد أنكره حفاظ الحديث، قال سفيان: الحديث ما زال هذا ينكر عليه، قيل له: إن شعبة روى عنه فضرب جبهته، وقال: داود داود! وقال أحمد بن حنبل: لقن غياث بن إبراهيم: داود الأودي عن الشعبي عن علي: لا يكون مهرًا أقل من عشرة دراهم، فصار حديثًا. انتهى. وغياث هذا هو: ابن إبراهيم البصري، قال يحيى بن

معين: كذاب، ليس بثقة ولا مأمون، وقال محمد بن الحكم عن أحمد: بلغني أن غياثًا دخل على داود الأودي قال له: تحفظ عن الشعبي عن علي بهذا؟ فقال: لا يدخل شريك على داود، فحدثه داود عن الشعبي عن علي بذلك. قال أحمد: هذا باطل وإنما لقنوه له. قال أحمد: ولم يحد الله لنا في النكاح والمهر قليلاً ولا كثيرًا، وكان يحيى بن سعيد وابن مهدي لا يحدثان عن سفيان عن داود بن يزيد شيئًا قط. وقال ابن المديني: لا أروي عنه. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم، وقال الأزدي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هذا الحديث مع اختلاف إسناده باطل ولا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث. انتهى. وجويبر أيضًا ضعيف، ورواية غيره عن الضحاك فيها من لا يعرف، والحديث على كل حال لذلك واه جدًا، وقد قال شيخنا عقب حديث على هذا: في "مختصر الهداية" أيضًا: أخرجه الدارقطني من وجهين ضعيفين ويعارضه حديث سهل بن

سعد في الواهبة: "التمس ولو خاتمًا من حديد" متفق عليه. وعن جابر رفعه "من أعطى في صداق امرأة ملأ كفه سويقًا، أو تمرًا فقد استحل". أخرجه أبو داود ورجح وقفه، وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز صداق امرأة على نعلين، أخرجه الترمذي، وابن ماجه. والدارقطني من حديث أبي سعيد: "لا يضر أحدكم بقليل من ماله تزوج، أم بكثير بعد أن يشهد" إسناده ضعيف. انتهى. وقد روينا عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: رووا عن علي فيه شيئًا لا يثبت مثله، لو لم يخالفه غيره أنه لا يكون مهرًا أقل من عشرة دراهم. قلت: وقد روي عن علي ما يخالف هذا ولفظه: الصداق ما تراضى عليه الزوجان. لكن إسناده ضعيف. فائدة: وقع في النسخة التي وقفت عليها من تخريج الرافعي للبدر الزركشي أن داود الأودي هذا هو: ابن عبد الله، لا ابن يزيد، فإنه ثقة وهذا

مقلوب لا أدري وقع كذلك من البدر أو من الناسخ فليتنبه لذلك. تنبيه: كان السبب للسؤال عن هذا الحديث أن بعض من يتهم بالمجازفة نقل عن شيخنا فيه كلامًا يشهد القلب بوضعه، إلا أني بعد الإرسال بالجواب وقفت على شرح "الهداية" للعلامة كمال الدين ابن الهمام، فوجدته قد اعتمد هذا النقل، فتعجبت من ذلك، ولفظ الشيخ بعد أن ألم بشيء من كلام الأئمة، ثم وجدنا في شرح الشيخ برهان الدين الحلبي يعني على البخاري، ذكر أن البغوي قال: إنه حسن. وقال فيه: رواه ابن أبي حاتم من حديث جابر، عن عمرو بن عبد الله الأودي بسنده، ثم أوجدنا بعض أصحابنا صورة السند عن الحافظ، قاضي القضاة العسقلاني، الشهير بابن حجر، قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع، عن عباد بن منصور، حدثنا القاسم بن محمد، سمعت جابرًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا مهر أقل من عشرة ... الحديث الطويل" قال القاضي: إنه بهذا الإسناد حسن، ولا أقل منه. انتهى. وهذا التركيب لا يصدر إلا من عارف، وليس القائل متأهلاً لذلك، فابن أبي حاتم روي عن الأودي، وهو ثقة عن وكيع ـ وهو ابن محرز ثقة أيضًا، إلا أن البخاري قال: عنده عجائب وضعفه العقيلي عن عباد بن منصور ـ ثقة ـ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ... وقد حار فكري في ذلك لا سيما وقد أمعنت في التفتيش عنه، فلم أظفر به. والله الموفق.

11 - حديث: الحج جهاد كل ضعيف

11 - حديث: "الحج جهاد كل ضعيف" رواه أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه من حديث أم سلمة بسند رجاله ثقات، ليس فيهم محل نظر إلا أن الراوي له عن أم سلمة وهو محمد بن علي بن الحسين لا يعرف له سماع منها، وقد تساهل الصاغاني فذكره في جملة الأحاديث التي زعم أنها مخرجة في مسند الشهاب للقضاعي وهي موضوعة، وتعقبه العراقي في ذلك ولله الحمد.

12 - حديث: يغفر للحاج في ذي الحجة والمحرم وصفر والعشرين من ربيع الأول

12 - حديث: "يغفر للحاج في ذي الحجة والمحرم وصفر والعشرين من ربيع الأول". لم أقف عليه مرفوعًا، وقد أخرجه مسدد في مسنده، وأبو الشيخ وغيرهما بسند، فيه ليث بن أبي سليم ـ وهو ضعيف ـ عن المهاجر، عن عمر رضي الله عنه قال: يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج، بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وعشرًا من ربيع الأول. وفي الجزء الثامن عشر من "المجالسة" للدينوري من طريق يوسف بن أسباط: حدثنا ياسين الزيات قال: يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج، في ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول. قلت: ويمكن أن تكون الحكمة في ذلك أن أكثر الحاج يصل إلى مكة في أول ذي الحجة، أو قبله يسير، ومعلوم أن الحسنة بعشر أمثالها، فجُعل لكل يوم من عشر ذي الحجة، ما عدا يوم الوقوف، والذي بعده، لمزيد الثواب فيهما عشرة أيام، فتبلغ ذلك ثمانين يوما، والقدر المذكور هنا ذا المقدار، ويحتمل أن يكون ذلك أقصى زمن، ينتهي فيه القاصد لمكة غالبًا. وقد أخرج أحمد في "مسنده" من حديث ابن عمر مرفوعًا.

"إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته، فإنه مغفور له". وعند البزار والطبراني في "الصغير" عن أبي هريرة رفعه: "يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج". وكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في "مستدركه" والبيهقي بلفظ: "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وتعقب بأن في إسناده شريك القاضي، ولم يخرج له إلا في المتابعات، وفي الديلمي بلا سند مما لم يقف عليه ولده، ولا شيخنا، وهو ركيك لفظًا ومعنى، عن على رفعه: "يغفر للحاج، ولأهل بيت الحاج، ولقرابة الحاج، ولعشيرة الحاج، ولمن شيع الحاج، ولمن استغفر له الحاج أربعة أشهر، عشرون بقين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر" والعلم عند الله تعالى.

13 - حديث: بشارة عثمان بالخلافة بعد عمر

13 - حديث: "بشارة عثمان بالخلافة بعد عمر". رواه أبو نعيم في ترجمة يونس بن عبيد من "الحلية" قال: حدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا الحسن بن الطيب، حدثنا أبو كامل، حدثنا عمرو بن الأزهر، حدثنا يونس بن عبيد، وأبان بن أبي عياش، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فاستأذن فقال: "ائذن له وبشره بالجنة، وبالخلافة بعدي" ثم جاء عمر رضي الله عنه فاستأذن فقال: "ائذن له وبشره بالجنة، وبالخلافة من بعد أبي بكر" ثم جاء عثمان رضي الله عنه فاستأذن فقال: "ائذن له وبشره بالجنة وبالخلافة بعد عمر" وهذا الحديث واهٍ جدًا، بل لا يصح، فعمرو قال البخاري: إنه يُرمى يكذب مجازفة، لا أكثر الله في المسلمين مثله. وأبان ضعيف جدًا، قال فيه شعبة: لأن يزني الرجل أحبّ إليّ من أن يروي عن أبان. وقد قال أبو نعيم عقب روايته هكذا ما نصه: غريب من حديث يونس عن أنس بهذا اللفظ، تفرد به أبو كامل الجحدري عن

عمرو. انتهى. وقد رويناه من وجه آخر عن أنس، أخرجه أبو يعلي في "مسنده" ومن طريقه أبو سعد الكنجروذي في "فوائده" قال: حدثنا أبو يهز الصقر بن عبد الرحمن بن بنت مالك بن مغول، حدثنا عبد الله بن إ دريس، عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بستانًا، وجاء آتٍ فدق الباب فقال لأنس: "قم يا أنس فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعدي" قال: قلت يا رسول الله أعلمه؟ قال: "أعلمه" فإذا أبو بكر قلت: أبشر بالجنة وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب فقال: "يا أنس قم فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد أبي بكر"، قال: قلت: يا رسول الله أعلمه؟ قال: "أعلمه"، قال: فخرجت فإذا عمر، فقلت له: أبشر بالجنة وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب، فقال: "قم يا أنس، فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول" فخرجت فإذا عثمان فقلت له: أبشر بالجنة وأبشر بالخلافة بعد عمر، وإنك مقتول قال: فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لِمه؟ والله ما تغنيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي منذ بايعتك، قال: "هو ذاك يا عثمان". قال أبو سعيد اليشكري: حسن من حديث المختار عن أنس،

غريب من حديث عبد الله بن إدريس بن يزيد عنه، وقيل: إنه تفرد به الصقر بن عبد الرحمن، وهو إسناد عال، وكلهم ثقات. قلت: كذا قال، وهو مردود، فقد قال علي بن المديني: أنه كذب موضوع، والصقر، قد رماه أبو بكر بن أبي شيبة بالوضع، وقال أبو علي جزره: إنه كذاب، وقال ابن عدي: كان أبو علي ينسبه في هذا الحديث بعينه إلى الضعف، وقال ابن حبان: في قلبي من حديثه، ثم ساقه عغن أبي يعلي كما أخرجناه، على أن الصقر لم ينفرد به، فقد رويناه في ترجمة بكر بن المختار من "الضعفاء" لأبي حاتم بن حبان من رواية إبراهيم بن سليمان الزيات الكوفي، عنه عن أبيه عن أنس، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال: "افتح له وبشره بالجنة وأخبره بأنه الخليفة من بعدي" وذكر الحديث. وبكر ضعيف، لكن لم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" قال: حدثنا إبراهيم بن خرزاد الأنطاكي وحمدون بن عمارة قالا: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، حدثنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطًا

من حوائط الأنصار بالمدينة، ثم قال: يا أنس أحفظ الباب، قال: فضرب الباب فقلت: يا رسول الله! إن هذا الباب يضرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذن له وبشره بالجنة، وأعلمه أنه الخليفة من بعدي"، قال أنس: فجئت أفتح له الباب وأنا لا أدري من هو، فنظرت فإذا هو أبو بكر فبشرته بالجنة، وأخبرته بقول النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر الحديث. وهكذا رواه أبي خيثمة في تاريخه عن سعيد بن سليمان، ونتعجب من أبي عوانة رحمه الله كيف أخرج مثل هذا في صحيحه؟ وفي سنده عبد الأعلى، وقد كذبه ابن معين في إحدى الروايات عنه، وقال في أخرى: ليس بشئ، وضعفه غير واحد منهم ابن المديني، وأبو حاتم والدارقطني وقد قال شيخنا فيما قرأته بخطه: هذا حديث موضوع، قد أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عبد الأعلى ابن أبي المساور، وأخرجه البزار من طريق بكر بن المختار، وبكر وعبد الأعلى واهيان، والصقر أو هي منهما، فلعله تحمله عن بكر، أو عبد الأعلى، فجعله عن عبد الله بن إدريس ليروج، ولو كان هذا وقع ما قال أبو بكر للأنصار: "قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر أو أبو عبيدة" ولا جعل عمر الأمر شورى في ستة وكان يعهد إلى عثمان بلا نزاع. والله المستعان.

14 - حديث: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي تنزف الدم، فقال له أبي بن كعب: عليها شم الكافور، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين لك هذا يا أبي؟ فقال: من قول امرئ القيس ابن ماء السماء: من عادة الكافور

14 - حديث: "أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي تنزف الدم، فقال له أبي بن كعب: عليها شم الكافور، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين لك هذا يا أبي؟ " فقال: من قول امرئ القيس ابن ماء السماء: من عادة الكافور إمساك الدم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة" هذا الحديث صحيح من حديث أبي، إلا أني لم أقف على سببه المذكور بعد الفحص الشديد، والظاهر أنه غير صحيح، نعم، قد ذكر الأئمة أن الكافور مما ينفع الرعاف.

15 - حديث: الترهيب في النكاح

15 - حديث: "الترهيب في النكاح". رواه أبو يعلي في مسنده وعباس الترقفي في جزئه كلاهما من حديث حذيفة بن اليمان رفعه "خيركم في رأس المأتين الخفيف الحاذ". قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفة الحاذ؟ قال: "من لا أهل له ولا مال". وسنده ضعيف لأنه مما انفرد بروايته رواد بن الجراح وهو مما أنكره عليه الحفاظ، وخطأوه فيه، وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده

من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "سيأتي على الناس زمان تحل فيه العزبة ولا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق ومن جحر إلى جحر كالطائر بفراخه وكالثعلب بأشباله، فأقام الصلاة وآتى الزكاة، واعتزل الناس إلا من خير ولمائة شاة عفراء أرعاها بسلع أحب إلي من ملك بني النضير وذلك إذا كان كذا وكذا". وسده ضعيف أيضًا، وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من جهة الحاكم بسند فيه سليمان بن عيسى وهو متروك، من حديث ابن مسعود رفعه: "إذا أتت على أمتي ثلاثمائة وثمانون سنة، أحلت لهم العزوبة" والعزبة هو الترهب على رؤوس الجبال. ومما يدخل هنا ما أخرج الطبراني في معجمه وتمام في فوائده من حديث ابن عباس وهو عند أبي نعيم في بعض تضانيفه من حديث حذيفة مرفوعًا: "لأن يربي أحدكم جرو كلبٍ من بعد أربع وخسمين

ومائة خير له من أن يربي ولدًا لصلبه". وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس رفعه: "يأتي على الناس زمان لأن يربي أحدكم جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا من صلبه" وعنده أيضًا من حديث أبي هريرة رفه: "يا أبا هريرة تزوج، ولا تمت وأنت عزب، ألا وكل عزب في النار، يا أبا هريرة أطلب عزابها في آخر الزمان، فهم خيار أمتي" ومن حديث حذيفة رفعه: "خير أولادكم بعد أربع وخمسين ومائة البنات، وخير نسائكم بعد ستين ومائة العواقر". ومن جهة الطبراني، من حديث أنس رفعه: "في الأربعين بعد المائتين خير أولادكم البنات، وفي الخمسين خير نسائكم العقيمات، وفي الستين يغبط الرجل الذي ليس له أهل ولا ولد، وفي السبعين بعد المائتين البلاء المبين وفي الثمانين السيف وفي التسعين حلت لأمتي الرهبانية وفي الثلاثمائة نعم البيت القر". وكلها ضعيفة، وبعضها ينجبر ببعض، ولا تنافي بينهما وبين أحاديث الغريب في النكاح لما لا يخفى.

16 - حديث: يأتي على الناس زمان يتحابون بألسنتهم ويتباغضون بقلوبهم

16 - حديث: "يأتي على الناس زمان يتحابون بألسنتهم ويتباغضون بقلوبهم". لم أقف عليه بهذا اللفظ وإنما أخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه معناه، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان أقوام، إخوان العلانية، أعداء السريرة" قيل: يا رسول الله: وكيف يكون ذلك؟ قال: "ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم من بعض" وقال الطبراني عقب تخريجه: لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بكر. قلت: وقد ضعفه غير واحد، وله شاهد من حديث ابن عمر رفعه: "يوشك أن يظهر العلم ويخزن العمل يتواصل الناس بألسنتهم ويتباعدون بقلوبهم فإذا فعلوا ذلك طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم". أخرجه الديلمي في مسند الفردوس له بسند ضعيف. واللائق أني تحرى الأخ مناصحة أخيه المسلم، فقد أوصى صعصعة بن

17 - حديث: سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم فابدوءا به

صوحان بعض أقربائه فقال: خالص المؤمن، وخالق الفاجر، فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن وأنه يحق علينا أن نخالص المؤمن. أخرجه غسحاق بن راهويه في مسند، والله الموفق. 17 - حديث: "سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم فابدوءا به". لم أقف على اللفظة الأخيرة في شيء من طرق الحديث، وقد أخرجه الطبراني في معجمه من حديث أبي عبيدة الحداد عن أبي هلال الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية". وأبو عبيدة اسمه: عبد الواحد بن واصل، أخرج له البخاري في صحيحه، واسم شيخه محمد بن سليم، وقد وثقه أبو داود، وقال ابن معين: إنه صدوق، ومرة: ليس به باس وليس بصاحب كتاب. وقال البزار: احتمل الناس حديثه وهو غير حافظ، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن

سعد: فيه ضعف، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث: كلها أو عامتها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت، وفي بعض روايات ما لا يواقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه. انتهى. وقال الطبراني عقب تخريجه: لم يروه عن ابن بريدة إلا أبو هلال ولا عنه إلا أبو عبيدة تفرد به سعد. قلت: ودعواه تفرد أبي عبيدة بروايته عن أبي هلال ليس بجيدة، فقد أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي له، من حديث اسماعيل بن عيسى البصري عن أبي هلال بلفظ: "خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم" وكذا رويناه في المائتين للصابوني من طريق يحيى بن أبي مسرة المكي: حدثنا إسماعيل بن عيسى بن سليمان البصري حدثنا أبو هلال حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية". وقال عقبه: غريب من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، لا أعلم رواه عنه غير ابي هلال الراسبي واسمه محمد بن سليم، ويروي أيضًا عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين انتهى. وفي فوائد تمام الرازي من حديث عبد الملك بن قُريب الأصمعي عن أبي هلال بلفظ: "سيد الإدام اللحم، وسيد الشراب الماء، وسيد الرياحين الفاغية" وحينئذ فمدار هذا الحديث على أبي هلال وقد قدمنا ما فيه. ووجدت لحديثه شواهد منها:

ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" من طريق سليمان بن عطاء عن مسلمة الجزري، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" لكنه ضعيف. وقد قال ابن حبان في "الضعفاء" في ترجمة سليمان هذا: أنه شيخ يروي عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات، وليست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة. انتهى. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من الطريق التي أخرجه منها ابن ماجه، وحكى مقالة ابن حبان المذكورة، لكن قرأت بخط شيخنا متعقبًا عليه: لم يتبين لي الحكم بالوضع على هذا المتن، فإن مسلمة غير مجروح وسليمان بن عطا ضعيف. انتهى. نعم، جزم الحافظ أبو الفضل العراقي وغيره من الأئمة بأنه إسناد ضعيف. ومن شواهده أيضًا: ما أخرجه أبو نعيم في "الطب" له بإسناد

ضعيف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد طعام الدنيا اللحم ثم الأرز" ومنها: ما عزاه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس لحديث صهيب بن سنان، لكنني لم أقف عليه، فينظر في سنده، ومنها: ما رواه أبو الشيخ ابن حيان من رواية ابن سمعان قال: سمعت من علمائنا يقولون: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم، ويقول: "هو يزيد في السمع، وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة، لو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل"، وسنده ضعيف مع انقطاعه، ومنها: ما أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق عمرو بن بكير السكسكي عن أبيه عن أبي سنان الشيباني عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن ربيعة بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم" وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وقال عقبه نقلاً عن العقيلي: لا يعرف هذا الحديث إلا بعمرو، ولا يصح في هذا المتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. قلت: ودعوى الوضع مع ما تقدم من سياق طرقه ليست صحيحة، لا سيما وقد صح فضل عائشة عن النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وهذه فوائد لا بأس بها: أخرج أبو نعيم في "الطب" له بسند ضعيف عن علي قال: "اللحم من اللحم، فمن لم يأكل اللحم أربعين يومًا ساء خلقه". وعنه أيضًا قال: "اللحم ينبت اللحم" وهذا يفسر الذي قبله وفي

لفظ آخر: "عليكم بهذا اللحم، فكلوه فإنه يحسن الخلق ويصفي اللون ويخمص البطن" وهذا اللفظ أخرجه تمام الرازي مرفوعًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل اللحم يحسن الوجه، ويحسن الخلق" زاد غيره "ويطيب النفس" وهو في مسند الفردوس، مع ما في الحديث، لكنه لم يذكر من خروجه، وإسناده فيه نظر، وعند أبي نعيم من حديث علي: "كلوا اللحم فإنه ينبت اللحم، كلوه فإنه جلاء للبصر، من تركه أربعين يومًا ساء خلقه". وسنده ضعيف، ومن حديث ابن عون عن الحسن البصري قال: "اللحم طعام الأحرار" وفي سنده ضعف أيضًا. وعند الإمام أحمد في "مسنده" من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما أنه كان لابد من اللحم شهريًا، إلا مسافرًا، أو رمضان قال: وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مزعة اللحم. ولأبي نعيم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للقلب فرحة عنه أكل اللحم" زاد غيره: "وإنه ما دام الفرح بأحد إلا أشر وبطر، ولكن مرة ومرة" وجزم ابن حبان، وابن الجوزي وغيرهما من الحفاظ كالذهبي بأنه موضوع.

ومن الأباطيل ما ذكره ابن الجوزي من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا اللحم" وقال عقبه: هذا محال، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل اللحم ويحبه ويعجبه، وإنما يهجر اللحم المتهوسون من المتصوفة والمتزهدة حتى قال بعضهم: أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحًا، ولا جرم لما هجروه قويت الماليخوليا عليهم فخلطوا. انتهى. وفي "الشمائل" للترمذي من حديث جابر: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له شاة قال: " [كأنهم] علموا أنا نحب اللحم" وسنده صحيح، وعند الحاكم في "المستدرك" وصححه من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أطيب اللحم لحم الظهر". ولأبي الشيخ بسند ضعيف، من حديث ابن عباس: كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف. ومن حديث أبي هريرة: "لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف" وعند ابن ماجه بسند ضعيف من حديث أبي الدرداء قال: "ما دُعي

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لحم قط إلى أجاب، ولا أهُدي له لحم قط إلى قَبِلَه". وعن أبي هريرة: أتِى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها. متفق عليه في حديث. وعن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه صنيع الأعاجم وانهسوه فإنه أهنأ وأمرأ" رواه أبو داود، وغيره من طريق أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" وقال: سُئِلَ أحمد عنه فقال: ليس بصحيح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتز من لحم الشاة. قلت: ولا ينهض الحكم عليه بالوضع، لأن أبا معشر واسمه نجيح لم يترك، وإن كان هذا الحديث مما أنكر عليه، فقد توبع، ورويناه من طريق يحيى بن هاشم السمسار وهو متروك عن هشام، وأيضًا فإنه لا تضاد بين صنيعه صلى الله عليه وسلم ذلك وبين نهيه، فيحتمل أن يكون النهي عن كيفية مخصوصة، يدل عليه قوله: "إن ذلك صنيع الأعاجم" ويحتمل أن يكون النهي عامًا، والفعل لبيان الجواز. وللحديث المذكور شاهد من حديث صفوان بن أبي أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انهسوا اللحم نهسًا فإنه أهنأ وأمرأ" رواه أبو

داود، والترمذي واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولفظه: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آخذ اللحم عن العظم فقال: "يا صفوان" فقلت: لبيك قال: "قرب اللحم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ". رواه الترمذي عن عبد الكريم بن أمية المعلن عن عبد الله بن الحارث عنه، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم انتهى. وهو واه، روى له البخاري تعليقًا ومسلم متابعة وقد جاء من غير حديثه، أخرجه أبو داود، والحاكم من طريق عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عنه، لكن عثمان لم يسمع من صفوان، وحينئذ فتصحيح الحاكم له ليس بجيد، ولأبي نعيم من طريق ابن عوان قال: قال عمر: إذا أكلتم اللحم فكلوا الخبز فإنه يسد مكان الخلل، وجاء من طرق أخرى بعضها بعض من خرج الصحيح كما بينته فيما مضى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بألبان البقر وسمنانها وغياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء".

18 - حديث: عن مرجع الضمير فيما رواه الشيخان من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة الحديث

ومن حديث القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ضحى في المسجد فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: "اللهم أرقنا سمنًا ولبنًا وشحمًا ولحمًا" قال أبو أمامة: ما رأيت عامًا أكثر سمنًا، ولبنًا ـ يعني منه ـ إن هو إلا في الطريق ما يكاد يشتريه أحد. أخرجه ... والله الموفق. 18 - حديث: "عن مرجع الضمير فيما رواه الشيخان من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة الحديث". فأجبت بأنه اختلف فيه، فقيل: يعود على إسحاق وبه جزم ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي ورجحه بعض متأخري الفقهاء فقال: لا يصح عودة على أنس على الراجح لأنها أم أنس، وقواه

ابن الأثير في أسد الغابة بأن أنسًا لم يكن في خالاته من قبل أبيه ولا أمه من تسمى مليكة. انتهى. وهذا النفي مردود، فقد جزم ابن سعد وابن منده وابن الحصار في "تقريب المدارك" بأنها جدة أنس والدة أمه أم سليم، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية من تبعه، وصنيع صاحب العمدة وظاهر السياق، إلا أن دعوى أن جدة أنس هي أم سليم غلط فاحش، نبه عليه النووي ومما يؤيد أن الضمير يعود على أنس ما وقع في "فوائد العراقيين" من طريق مقدم بن محمد بن يحيى عن عمه القاسم بن يحيى بن عطية عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: أرسلتني جدتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة ... الحديث". وذكر العدوي في "نسب الأنصار" أن اسم والدة أم سليم مليكة، ولفظه: سليم بن ملحان وإخوته زيد، وحرام، وعباد، وأم سليم، وأم حرام بنو ملحان، وأمهم: مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وكذا ذكر نحو ذلك ابن سعد وقال: ثم تزوجها أي أم سليم مالك بن النضر، فولدت له أنس بن مالك،

ثم خلف عليها أبو طلحة، فولدت له عبد الله وأبا عمير. انتهى. وعبد الله، هو والد إسحاق، راوي هذا الحديث عن عمه، أخي أبيه لأمه أنس بن مالك، ومقتضى كلام من أعاد الضمير في جدته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة، ووقع ذلك في وراية عند الدارقطني في "غرائب مالك" وهو أحد الأقوال في اسمها ومستندهم في ذلك ما وقع في الصحيح أيضًا من رواية ابن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا ... الحديث. وفي الاستدلال بذلك نظر، فإن القصة واحدة، طولها مالك، واختصرها سفيان، وأيضًا فيحتمل التعدد ثم إن كون مليكة جدة أنس، لا ينفي كونها جدة إسحاق إذ هو: إسحاق بن عبد الله بن أم سليم بنت مليكة نبه عليه الحصار، وحينئذ فلا اختلاف. وبالله التوفيق.

19 - حديث: من ترك الصلاة ثلاثة أيام متعمدا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أتاه النداء من قبل الله تعالى: كذبت

19 - حديث: "من ترك الصلاة ثلاثة أيام متعمدًا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أتاه النداء من قبل الله تعالى: كذبت". لم أقف عليه، والأحاديث في الوعيد الشديد لمن ترك الصلاة كثيرة جدًا فنشير إلى شيء منها، ففي مسند أحمد والسنن لابن ماجه من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله". وهو بنحوه عند الطبراني وغيره، من حديث عبادة بن الصامت، ولأبي نعيم في الحلية من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمدًا كتب اسمه على باب النار فيمن يدخلها". ولأصحاب السنن الأربعة وصحيحي ابن حبان والحاكم وقال: صحيح عن بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا

وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر". ولمسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل والشرك أو الكفر ترك الصلاة" وللبزار والطبراني بسند حسن عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان". وللطبراني من حديث أنس بسند لا بأس به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة تعمدًا فقد كفر جهارًا". وقد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة عمدًا، حتى خرج جميع وقتها، فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن

جبل، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء، ومن غيرهم: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، وابن الحكم، وابن عيينة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، حتى نقل بعض الأئمة أنه لا يعلم من الصحابة مخالف لتكفير تارك الصلاة متعمدًا. انتهى. ولولا أن المقام مقام زجر وتحذير، لبسطت مقالات الأئمة في ذلك، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

20 - حديث: هل ورد في الاستغفار عقب الذكر شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من السلف أم لا؟

20 - حديث: هل ورد في الاستغفار عقب الذكر شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من السلف أم لا؟ وإذا لم يرد فهل يمنع من فعل ذلك أم لا؟ وإذا لم يمنع منه فما يلزم المتعرض لإنكار ذلك؟ فأجبت: لم أقف على نهي في ذلك والمنع منه لا وجه له وكان شيخنا ـ رحمه الله ـ كثيرًا ما يتعجب من منع ذلك وحاشا المؤمن أن يستغفر الله تعالى من ذكره، بل قد يكون استغفاره عقب الذكر، يقصد به فعلاً حسنًا، وهو التأسف على ما فاته من ذكر الله تعالى قبل ذلك، أو الاعتراض بالعجز عن ذكره بما يليق به سبحانه وتعالى، ونحوه استغفار ما يحتاج إلى استغفار، فيثاب حينئذ على هذا المقصد الحسن، ويؤدب المتعرض لإنكار ذلك حيث فهم ما يتحقق عدم قصده من كل مؤمن بما يليق به مع ترتيب مقتضى ذلك عليه، ثم رأيت في عمل اليوم والليلة لابن السني أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قال ـ وهو ثان رجليه ـ: "سبحان الله وبحمد استغفر الله إن الله كان توابًا، سبعين مرة، ثم يقول سبعين بسبعمائة". وقد بينت حكمه في غير هذا المحل.

21 - حديث التائب من الذنب كمن لا ذنب له

21 - حديث "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". رواه ابن ماجه في "سننه" والطبراني في "معجمه" والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ورجال سنده ثقات، وقد حسنه شيخنا، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، قال الترمذي وابن حبان وغيرهما من الأئمة: فحديثه عندهم مرسل، وإن كان صنيع الحاكم ومن تبعه يقتضي اتصاله، وهو عند البيهقي بسند ضعيف، من حديث أبي عبيدة الخولاني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". ورواه هو وابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه، كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلمًا كان عليه من الإثم مثل كذا وكذا" وسنده ضعيف، فيه من لا يعرف. قال

المنذري: وقد روي موقوفًا بهذه الزيادة ولعله أشبه. انتهى. والراجح أن قوله: "والمستغفر" إلى آخره موقوف. ورواه أبو نعيم في "الحلية" والطبراني في "الكبير" من حديث ابن أبي سعيد الأنصاري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". وسنده ضعيف قال ابن أبي حاتم لما ذكره من هذا الوجه: هو حديث ضعيف رواه مجهول عن مجهول. قلت: وهو في مسند الفردوس عن أنس بلفظ: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب" لكنه لم يعزه إلى أحد، ولا وقفت على سنده بعد. وروى ابن أبي الدنيا من طريق الشعبي قوله: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ثم تلا: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" وبالجملة فأحسنها حديث ابن مسعود، ولولا الإرسال الذي فيه لكان صحيحًا. والله أعلم.

22 - وسئلت: عن ثغر دمياط هل فتح صلحا أو عنوة؟

22 - وسئلت: عن ثغر دمياط هل فتح صلحًا أو عنوة؟ فأجبت: بأني قد راجعت «فتوح مصر» لابن عبد الحكم، و «معجم البلدان» لياقوت، و «ترصيع الأخبار في البلدان» للعدوي، و «المسالك» لابن فضل الله، «وتاريخ الإسلام» للذهبي، وغيرها من الخطط والتواريخ، فلم أظفر بذلك صريحًا. نعم، قد وقفت على ما يفهم أنها فتحت عنوة. فقرأت بخط الحافظ أبي عبد الله الذهبي في «تاريخه» ما صورته: وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد عليّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست، إلا أهل انطابلس فإن لهم عهدًا نفي به. وعن ابن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد. وكذا قال جماعة. انتهى. ثم يسر الله تعالى بالوقوف على التصريح بذلك فقرأت في كتاب «الشواهد والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» للشيخ تقي الدين المقريزي ما صورته: ولما قدم المسلمون إلى أرض مصر كان على دمياط رجل من أخوال المقوقس يقال له الهاموك، لما افتتح عمرو بن العاص مصر امتنع الهاموك بدمياط واستعد للحرب، فأنفذ إليه عمرو بن العاص المقداد بن الأسود في طائفة من المسلمين فحاربهم الهاموك وقتل ابنه في الحرب فعاد إلى دمياط، وجمع إليه أصحابه، فاستشارهم في أمره وكان عنده حكيم قد حضر الشورى فقال: أيها الملك! إن جوهر العقل لا قيمة له وما استغنى به أحد إلا هداه إلى سبيل النجاة والفوز من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء

أمرهم لم ترد لهم راية وقد فتحوا البلاد وأذلوا العباد وما لأحد عليهم قدرة ولسنا بأشد من جيوش الشام ولا أعز، وأمنع وأن القوم قد أيدوا بالنصر والظفر، والرأي أن يعقد مع القوم صلحًا ننال به الأمن وحقن الدماء، وصيانة الحرم فما أنت بأكثر رجالاً من المقوقس فلم يعبأ الهاموك بقوله وغضب منه فقتله، وكان له ابن عارف عاقل وله دار ملاصقة للسور فخرج إلى المسلمين في المسلمين في الليل ودلهم على عورات البلد فاستولى المسلمون عليهم وتمكنوا منها وبرز الهاموك للحرب، فلم يشعر بالمسلمين إلى وهم يكبرون على سور البلد وقد ملكوه فعندما رأى شطا ابن الهاموك المسلمين فوق السور، لحق بالمسلمين ومعه عدة من أصحابه ففت. ذلك في عضد أبيه واستأمن المقداد فتسلم المسلمون دمياط، واستخلف المقداد عليها وسير بخبر الفتح إلى عمرو بن العاص، وخرج شطا، وقد أسلم البرلس والدميرة، وأشموم طناح، فحشد أهل تلك النواحي وقدم بهم مددًا للمسلمين وعونًا لهم على عدوهم وسار بهم مع المسلمين لفتح تنيس، فبرز إلى أهلها وقاتلهم قتالاً شديدًا، حتى قتل رحمه الله في المعركة شهيدًا بعدما أنكى فيهم وقتل منهم فحمل من المعركة ودفن في مكانه المعروف به الآن خارج دمياط، وكان قتله في ليلة الجمعة النصف من شعبان فلذلك صارت هذه الليلة من كل سنة موسمًا يجتمع الناس فيها من النواحي عند شطا ويحبونها وهم على ذلك إلى اليوم، وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم في سنة تسعين من الهجرة. انتهى.

23 - حديث: أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ (إن لدينا أنكالا وجحيما) فصعق

23 - حديث: أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ (إن لدينا أنكالاً وجحيما) فصعق. رواه البيهقي في شعب الإيمان له من طريق ابن عدي في الكامل قال: حدثنا أحمد بن الحسن الكرخي حدثنا الحسن بن شبيب حدثنا أبو يوسف عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين عن أبي حرب بن أبي الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره، وقال ابن عدي عقبه: رواه غير أبي يوسف عن حمزة عن حمران أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع، ولم يذكر أبا حرب في الإسناد. قال الإمام أحمد: وهو مع ذكره فيه مرسل. انتهى. أما كونه مرسلاً، فلأن أبا حرب ـ وهو ثقة، أخرج له مسلم في الصحيح وغيره ـ تابعي. ثم إن حمران هذا قد وثقه ابن حبان لكن ضعفه ابن معين، وقال مرة: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو

حاتم: شيخ، وقال الآجري عن أبي داود: كان رافضيًا، وقال أحمد: كان يتشيع ونقل شيخنا عن ابن عدي أنه ليس بالساقط. انتهى. والذي قرأته في كتاب: "ذخيرة الحفاظ" لأبي الفضل بن طاهر الحافظ بخطه، وهو يشتمل على أحاديث "الكامل" لابن عدي مرتبة على حروف المعجم بعد أن أورد الحديث في الهمزة ما نصه: وحمران هذا ليس بشيء في الحديث وبين العبارتين فرق، فالله أعلم. وحمزة هو إمام القراءة المشهور، وثقه ابن معين وابن حبان والعجلي وقال الساجي: إنه صدوق: سيء الحفظ ليس بمتقن في الحديث والله أعلم.

24 - حديث: كيفية قص الأظفار؟

24 - حديث: "كيفية قص الأظفار؟ " لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه "الإحياء": أنه يبدأ بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم بخنصر اليسرى إلى إبهماها ثم إبهام اليمنى قال: ولم أر في الكتب خبرًا مرويًا في ترتيب قلم الأظفار، ولكني سمعت أنه روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بمسبحة اليمنى وختم بإبهام اليمنى وبدأ اليسرى بالخنصر إلى الإبهام. انتهى. واعترض أبو عبد الله محمد بن علي المازري المالكي الإمام في علم الأصول والكلام على صاحب "الإحياء" في ذكره ذلك، وذكر كما قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووي في إنكاره عليه كلامًا لا أوثر ذكره، وأن هذا الحديث لا أصل له. قلت: ولا اعتراض عليه ـ رحمه الله ـ فإنه أعلم بأنه لم يجده في الكتب وإنما سمعه بلاغًا، وأتى به مع ذلك بصيغة التمريض وقد قال النووي رضي الله عنه في "شرح المهذب" له عقب الإشارة إلى كلام الغزالي واعتراض المازري ما نصه: والمقصود أن الذي ذكره الغزالي لا بأس به إلا في تأخير إبهام اليمنى، فلا يقبل قوله فيه. بل يقدم اليمنى بكمالها، ثم اليسرى، وأما الحديث الذي ذكره فلا أصل له، وأما الرجلان فيبدأ بخنصر اليمنى كما في تخليل الأصابع في الوضوء. انتهى. وكذا قال الحافظ أبو الفضل العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء

أنه لم يجد لهذا الحديث أصلاً انتهى. وقد وقفت في "مسند الفردوس" على حديث أخرجه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: "من أراد أن يأمن الفقر وشكاية العمى والبرص والجنون فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر وليبدأ بخنصر اليسرى" وهو واهٍ جدًا مع أن في سنده من لم أعرفه، وقد وقع لنا قص الأظفار يوم الخميس في خبر مسلسل بذلك إلا أنه لا يصح سندًا ومتنًا، وهو عند الطبراني وغيره بدون تسلسل. وفي الزيادات لأبي عاصم العبادي ما نصه: كان سفيان الثوري يقلمها يوم الخميس فقيل له: غدًا يوم الجمعة؟ فقال: السنة لا تؤخر، ثم قال: أعني العبادي: وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أراد أن يأتيه الغنى على كره فليقلم أظافره يوم الخميس". قلت: وقد سبق بيانه ثم قال العبادي: فإذا قلمت فرقت، قال صلى الله عليه وسلم: "فرقوها فرق الله همومكم" وقد ثبت الأول، وأما هذا، فلا أصل له.

وروينا في "المجالسة" للدينوري من طريق الأصمعي قال: دخلت على هارون الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظافره، فقلت له في ذلك فقال: أخذ الأظفار يوم الخميس من السنة وبلغني أنه يوم الجمعة ينفي الفقر؟ فقلت له: يا أمير المؤمنين وتخشى أنت أيضًا الفقر؟ فقال: يا أصمعي وهل أحد أخشى للفقر مني؟ وفيها: من حديث ابن حميد الحميري عن أبيه قال: كان يقال: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء، وأدخل فيه شفاء. ويروى في مسند الفردوس عن .... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم أظافره يوم الجمعة. وقد سمعت غير واحد فيما حكوا بالتجارب وغيره، أن من قص أظفاره يوم الأحد، لابد أن يهدي إليه في تلك الجمعة شيء ولو قل، ولكني لا أعتمد على شيء من ذلك والعلم عند الله تعالى.

25 - حديث: لا يدخل الجنة ولد زنا

25 - حديث: "لا يدخل الجنة ولد زنا". رواه أبو نعيم في "الحلية"، من طريق محمد بن فضيل عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن مجاهد عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة ولد زنية". ورواته من رجال الصحيح، وتابع محمدًا على روايته عن الحسن كذلك عبد الرحمن بن مغراء، لكن قد أعله الدارقطني بأن مجاهدًا لم يسمعه من أبي هريرة. انتهى. ورواه أبو نعيم أيضًا من طريق موسى الجهني عن منصور عن مجاهد سمعت أبا هريرة يقول: أربع لا يلجون الجنة: عاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان، وولد زنية. وسنده صحيح أيضًا، لكنه موقوف وعلته ما تقدم، وقد وقع لنا من وجهين آخرين بإثبات الواسطة بين مجاهد وأبي هريرة، أخرجه أبو نعيم أيضًا من طريق الحسن بن محمد الزعفراني عن مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن مجاهد قال: كنت نازلاً بالمدينة على عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي ذئاب فحدثنا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة ولد زنية". وسندُه أيضًا صحيح، وتابع مروان على هذه الرواية أيضًا أبو شهاب الحناط. ورواه الطبراني من طريق عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن

المهاجر عن مجاهد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ذئاب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل ولد زنا الجنة ولا شيء من نسله إلى سبعة أبناء". وقال بعد تخريجه: لم يروه عن إبراهيم إلا عمرو. انتهى. وإبراهيم بن مهاجر أخرج له مسلم، لكن لهذا الحديث علة أخرى رواه إبراهيم بن مهاجر أيضًا عن مجاهد عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذئاب عن أبي هريرة، أفاده الدارقطني، ورواه فضيل بن عمرو عن مجاهد، فقال عن ابن عمر، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة ولد زنا ولا ولده ولا ولد ولده". أخرجه أبو نعيم أيضا والدارقطني في "الأفراد" من هذا الوجه، وقال: غريب من حديث مجاهد عن ابن عمر عن أبي هريرة، وهو غريب من حديث الفضيل بن عمرو الفقيمي عن مجاهد. قلت: وهو ثقة أخرج له مسلم في صحيحه، وجاء من حديث مجاهد بسند آخر، رواه يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر ولا ولد زنا". أخرجه أبو نعيم أيضًا من طرق عن يزيد، وهو من رجال مسلم، إلا أن مجاهدًا قيل: إنه لم يسمع من أبي سعيد، ورواه عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا ولد زنا".

أخرجه أبو نعيم أيضًا ورجاله ثقات، إلا أن مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمرو، والحديث مضطرب. وجاء هذا الحديث أيضًا من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعًا: "لا يدخل الجنة ولد زنا، ولا عاق لوالديه، ولا مدمن خمر، قيل: يا رسول الله! وما مدن الخمر؟ قال ثلاث سنين في كل سنة مرة". أخرجه أبو يعلي في "مسنده" بسند ضعيف، وروي أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" له عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لما ذرأ جهنم كان ولد الزنا مما ذرأ لجهنم". وفي سنده من لم أعرفه. ومن طريق عبد الله بن عمرو أيضًا رفعه: "يحشر أولاد الزنا يوم القيامة في صورة القردة والخنازير" وسنده ضعيف جدًا. تنبيه: قد قيل في معنى الحديث، إن المراد به من يواظب الزنا كما

يُقال للشهود بنو صحف، ولشجعان بنو الحرب، ولأولاد المسلمين بنو الإسلام. قلت: وهذا حسن لو لم يقع التنصيص في الخبر على من سواه من ولده وولد ولده، ويحتمل أيضًا أن يكون قدر الله في سابق علمه أن ولد الزنا ونسله يفعلون أفعالاً منافية لدخول الجنة، فيكون السبب لعدم دخولها تلك الأفعال لا نفس زنا أبويه، ويحتمل أن يكون المراد إذا فَعَل فِعْل أبويه. وقد روي الطبراني من حديث داود بن علي عن أبيه عن جده رفعه: "ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه". قال بعض الأئمة: قوله ولد الزنا شر الثلاثة: ليس هذا من باب أفعل التفضيل، لأنه لا يقال: يوسف أحسن إخوته، وإنما هذا من باب الإضافة بمعنى من على معنى أنه شر حصل من الثلاثة وهم: إبليس وأبواه، ويحتمل أيضًا حمله على ظاهره وإن ذلك للتنفير عنه. وقد روي الطبراني من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولد الزنا ليس عليه من إثم أبويه شيء، ثم قال: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) " وسنده جيد. والله أعلم.

26 - حديث: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه

26 - حديث: "نعم العبد صُهَيْب لو لم يخف الله لم يعصه". قد اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكر الشيخ بهاء الدين السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع جم من أهل اللغة، ثم رأيت بخط شيخنا رحمه الله أنه ظفر به في "مشكل الحديث" لأبي محمد بن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسنادًا، وقال: أراد أن صهيبًا إنما يطيع الله حبًا لا لمخافة عقابه. انتهى. وقد وقفت على معنى ذلك من قول عمر رضي الله عنه إلا أنه في حق سالم مولى أبي حذيفة فروى أبو نعيم في "الحلية" من طريق عبد الله بن الأرقم: حضرت عمر عند وفاته مع ابن عباس والمسور بن مخرمة، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن سالمًا شديد الحب لله عز وجل، لو كان لا يخاف الله ما عصاه" وسنده ضعيف، وعنده من طريق عمر أيضًا: "لو استخلفت سالمًا مولى أبي حذيفة فسالني ربي ما حملك على ذلك لقلت: رب سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يحب الله حقا من قلبه". انتهى. وهذا يؤيد تأويل ابن قتيبة الماضي. ولله الفضل.

27 - حديث طلب الحق غربة

27 - حديث "طلب الحق غربة". رواه الهروي في "ذم الكلام" أو "منازل السائرين" له بسند صوفي إلى جعفر بن محمد عن آبائه إلى علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وكذا أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" له قال: قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن سهل السراج الصوفي إذنًا عن أبي طالب حمزة بن محمد الجعفري عن عبد الواحد بن أحمد الهاشمي عن أحمد بن منصور بن يوسف الواعظ عن علان بن زيد الدينوري عن جعفر بن محمد الصوفي عن الجنيد عن السري، عن معروف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي به.

28 - حديث: النهي عن تخصيص المرء نفسه بالدعاء

28 - حديث: النهي عن تخصيص المرء نفسه بالدعاء. رواه أبو داود في "المراسيل" عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على علي، وقد خرج لصلاة الفجر وعلي يقول: اللهم اغفر لي، الله تب عليّ، فقال: "عمم ففضل ما بين العموم والخصوص كما بين السماء والأرض". قلت: ورجال رجال الصحيح غير عمرو، وعمرو لم يدرك عليًا، لكن قد أخرجه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" له من طريق الدارقطني بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي. وفي السنن عن ثوبان في حديث: "لا يؤم رجل قومًا فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم" وسنده حسن. والله أعلم.

29 - حديث: سيد القوم خادمهم

29 - حديث: "سيد القوم خادمهم". رواه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب "أدب الصحبة" له من رواية يحيى بن أكثم عن المأمون، وفي سنده ضعف وانقطاع. وأخرجه ابن عساكر في ترجمة المأمون من تاريخه، ورواه الخطيب من وجه آخر عن يحيى بن أكثم، فقال عن أبيه عن جده عن عكرمة عن ابن عباس عن جرير بن عبد الله، وهو عند أبي نعيم بسند ضعيف جدًا مع انقطاعه أيضًا في ترجمة إبراهيم بن أدهم من الحلية من حديث أنس بلفظ: "يا ويح الخادم في الدنيا هو سيد القوم في الآخرة". وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس له من طريق الحاكم، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسين، ثنا علي بن عبد الرحيم الصفار، ثنا علي بن حجر، ثنا عبد العزيز أبو حازم عن أبيه عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد القوم في السفر خادمهم فمن سبقهم بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة ورواه الطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة، قال: قال

30 - حديث: اختلاف أمتي رحمة

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم ثم الذي يأتيهم بالأخبار وأخصهم منزلة عند الله الصائم، ومن استقى لأصحابه قرية في سبيل الله سبقهم إلى الجنة سبعين درجة أو سبعين عامًا". 30 - حديث: "اختلاف أمتي رحمة". قرأت بخط شيخنا: وهو حديث مشهور على الألسنة، وأورده ابن الحاجب في المختصر في مباحث القياس بلفظ: "اختلاف أمتي رحمة للناس" وقد كثر السؤال عنه وزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي في غريب الحديث مستطردًا، وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ماجن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي، وعمرو بن بحر الجاحظ، وقالا جميعا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابًا، ثم تشاغل الخطابي برد هذا الكلام ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث المذكور ولكنه مشعر بأن له أصلاً عنده.

وذكره أيضًا البيهقي في رسالته إلى الشيخ العميد نسيب الأشعرية، وقال فيها: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وروى البيهقي في المدخل من طريق القاسم بن محمد قال: اختلاف أمة محمد رحمة لعباد الله. انتهى. وروى الطبراني والديلمي كلاهما من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمل بما في كتاب الله لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة ماضية مني فإن لم تكن سنة، فما قال أصحابي، إن أصحابي كلهم بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة" وجوبير ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس انتهى كلام شيخنا وزيادة.

31 - هل صح في ما فضل عن الأصابع من الثوب؟

31 - هل صح في ما فضل عن الأصابع من الثوب؟ قد وجد بخط الحافظ الزكي المنذري أنه وجد بخط الحافظ تقي الدين بن سرور المقدسي: وسئلت: عما فضل عن الأصابع من الثوب هل صح فيه شيء أم لا؟ لم يصح فيه شيء وإنما صح فيما جاوز الكعبين انتهى. وهذا الكلام صحيح، إن أراد أنه لم يرد من الوعيد فيه شيء كالكعبين. وأما مطلق المسألة، فقد جاء فيها حديث أسماء بنت يزيد: كان كُم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسخ. وروى ابن ابي شيبة في "المصنف" من طريق جعفر قال: ابتاع علي قميصًا سنبلانيًا ـ بضم المهملة والموحدة، أي: سابغ الطويل ـ بأربعة دراهم ودعا الخياط فمد كم القميص وأمره أن يقطع ما خلف اصابعه. ومن طريق أبي عثمان النهدي، أن عمر بن الخطاب دعا بشفرة ليقطع كم قميص عتبة بن فرقد من أطراف اصابعه وكان عليه قميص سنبلاني فقال: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين، إني أستحيي أن تقطعه عند الناس فتركه. ومن طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليًا عليه قميص إذا

أرسله لم يجاوز نصف ساقيه، وإذا أمده لم يجاوز ظفريه. ومن طريق أبي البختري قال: رأيت أنس بن مالك وكم قميصه إلى الرسغ. ومن طريق بديل العقيلي قال: كان كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ارضع. ولأبي نعيم في "الحلية" من طريق أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر قال: لبس عمر قيمصًا جديدًا، ثم دعاني بشفرة فقال: مد يا بني كم قميصي وألزق يديك بأطراف اصابعي ثم اقطع ما فضل عنها، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعًا فصار فم الكم بعضه فوق بعض فقلت: يا ابت! لو سويت بالمقص، فقال: دعه يا بني هكذا رأيت رسول الله يفعل، فما زال عليه كذلك حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تتساقط على قدمه والله أعلم.

32 - حديث: تختموا بالعقيق

32 - حديث: "تختموا بالعقيق". قد جاء من طرق عدة كلها واهية: الأول: أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث عائشة مرفوعًا: "تختموا بالعقيق فإنه مبارك". ومداره على يعقوب بن الوليد وهو الذي نزل بغداد، كذبه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي وغيرهما، ورماه بالوضع أيضًا جماعة، وضعفه آخرون، رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال ابن عدي: سرقه يعقوب هذا من يعقوب بن إبراهيم الزهري ثم ساقه من طريق الصلب بن مسعود أحد الثقات عن يعقوب بن إبراهيم الزهري به. انتهى. وأخرجه البيهقي في "الشعب" من طريق ابن عدي به، ويعقوب بن إبراهيم مجهول، قال ابن عدي: لا أعرف له إلا هذا الحديث. قلت: وقد تحرَّف اسم أبيه على بعض رواته لأن ابن عدي أخرجه من طريق الصلت بن مسعود عن يعقوب بن الوليد، وهو المعروف بهذا الحديث، وهو واه جدًا وقد ساقه ابن الجوزي في "الموضوعات" من

طريق الخطيب ثم من طريق محمود بن خداش، عن يعقوب بن الوليد به. الطريق الثاني: أخرجه ابن عدي ومن طريقه الديلمي وابن الجوزي في "الموضوعات" عن عيسى بن محمد عن الحسين بن إبراهيم عن حميد عن أنس رفعه: "تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر واليمنى أحق بالزينة" والحسين هو البابي تالف. وجزم الذهبي في الميزان بأن الحديث موضوع، وقال ابن عدي: هو باطل والحسين مجهول. الطريق الثالث: أخرجه أبو منصور الديلمي في "مسند الردوس" له من حديث حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رفعه: "من تختم بالعقيق كتب الله له كل يوم عشر حسنات ومحا عنه عر سيئات" وسنده ضعيف. الطريق الرابع: أخرجه صاحب مسند الفردوس أيضًا من حديث عمر بن الخطاب رفعه: "تختموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة وقال لي: يا محمد! تختم بالعقيقي ومُر أمتك أن تتختم به". وهو من رواية

ميمون بن سليمان عن منصور بن بشر الساعدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر به، وهذا موضوع على عمر، فمن دونه إلى مالك. الطريق الخامس: عنده أيضًا من طريق علي بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان عن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه بلفظ: "تختموا بالخواتيم العقيق، فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه) وعلي بن مهرويه صدوق، وداود بن سليمان يقال له: الغازي، وهو جرجاني، كذبه ابن معين، وله نسخة موضوعة بالسند المذكور من جملتها: أن الأرض تنجس من بول الأقلف أربعين يومًا وقد قال ابن الجوزي في "الموضوعات" فيه عن علي وفاطمة وعائشة وأنس. فأما حديث علي، فساقه من طريق الحسين بن هارون الضبي في أماليه، قال: وجدت في كتاب أبي حدثني أبو سعيد الحسن بن علي حدثنا عباد بن صهيب حدثنا أبو بكر الأزرق حدثنا جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسن بن علي عن أبيه علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تختم بالعقيق ونقش فيه

وما توفيقي إلا بالله وفقه الله لكل خير وأحبه الملكان الموكلان به" قال: وأبو سعيد كذاب وهذا عمله. وأما حديث فاطمة: فساقه من ضعفاء ابن حبان: حدثنا محمد بن جعفر البغدادي حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد حدثنا زهير بن عباد حدثنا ابو بكر بن شعيب عن مالك عن الزهري عن عمرو بن الشريد عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرًا" وقال: أبو بكر بن شعيب، لا يعرف اسمه، قال ابن حبان: يروي عن مالك ما ليس من حديثه لا يحل الاحتجاج به. انتهى. وأخرجه الطبراني في "الأوسط": حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان به وقال: لم يروه عن مالك إلا أبو بكر تفر به زهير، وقال

الدارقطني في "غرائب مالك" حديث غير محفوظ عن الزهري، ولا عن مالك، تفرد به زهير عن أبي بكر بن شعيب وهو مجهول. وأما حديث عائشة، فله ثلاثة طرق: الأولى: هشام بن عروة عن أبيه عنها، وقد سلف الكلام عليها. الثانية: أخرجها ابن الجوزي من "فوائد أبي بكر ابن المقرئ" قال: حدثنا أبو قتيبة حدثنا محمد بن أيوب بن سويد حدثني أبي حدثني نوفل بن أبي الفرات عن القاسم بن محمد عن عائشة قال: أتى بعض بني جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أرسل معي من يشتري لي نعلاً وخاتمًا، فدعا له بلال بن رباح، فقال: "انطلق إلى السوق، فاشتر له نعلاً واستجدها ولا تك سوداء، واشتر له خاتمًا وليكن فصه عقيقًا، فإنه من يختم بالعقيق لم يقض له إلا الذي هو أسعد". قال ابن الجوزي: ومحمد بن أيوب، قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وأبوه قال ابن المبار: ارم به، وقال النسائي: ليس بثقة، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن الحسن عن محمد بن أيوب بن سويد، وقال: لم يروه عن القاسم إلا نوفل

ولا عنه إلا أيوب تفرد به ابنه. وأخرجه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من طريق محمد بن إسحاق البلخي عن محمد بن الحسن به .. الثالثة: ساقها ابن الجوزي من "الحلية": حدثنا محمد بن علي حدثنا أبو قتيبة، حدثنا عبيد بن الغازي حدثنا سلم الزاهد أبو محمد، حدثنا القاسم بن معن عن أخته أمينة بنت معن عن عائشة بنت سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر خرز أهل الجنة العقيق" قال: وسلم هو ابن

سالم كان ابن المبارك يكذبه، وقال السعدي: غير ثقة، وقال ابن حبان: لا يحل ذكره إلا اعتبارًا. وأما حديث أنس، فقد تقدم. وقد قال العقيلي: لا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قال ابن الجوزي: وقد ذكره حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب "التنبيه على حروف من التصحيف" ما نصه: قال كثير من رواة الحديث يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تختموا بالعقيق" وإنما قال: "تخيموا بالعقيق"، وهو اسم واد بظاهر المدينة. قال ابن الجوزي: وهذا بعيد، وقائله أحق أن ينسب إليه التصحيف،

لما ذكرنا من طرق الحديث. انتهى. وحمزة معذور، فإن اقرب طرق هذا الحديث كما يقتضيه كلام ابن عدي من رواية يعقوب ولفظه: "تختموا بالعقيق فإنه مبارك" وهذا الوصف بعينه قد ثبت لواد العقيق في حديث عمر رضي الله عنه، الذي أخرجه البخاري في "أوائل كتاب الحج" من رواية عكرمة عن ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: "أتأتي الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك" أفاده شيخنا والله المستعان.

33 - سئلت: عمن قال: لا يجب على المرء إنكار ما لم يجمع على تركه، هل هو صحيح أم لا؟

33 - سئلت: عمن قال: لا يجب على المرء إنكار ما لم يجمع على تركه، هل هو صحيح أم لا؟ فأجت بما صورته: أفاد بعض المحققين إن شرط إنكار المنكر أن يكون الإجماع قد وقع على تركه، قال: واستثنوا أربع صور: الأولى: من يعتقد التحريك كواطئ الرجعية، وشارب النبيذ ولو لم يسكر. الثانية: الحاكم، فإنه يحكم بما يؤدي إليه اجتهاده، ومن ثم قال الشافعي: أحد شارب النبيذ ولو كان يعتقد حله وأقبل شهادته. الثالثة: إذا كان الخلاف واهيًا بحيث ينتقض بمثله الحكم. الرابعة: الزوج يمنع زوجته مما يعتقد تحريمه وإن اعتقدت حله، كما لو شربت المسلمة النبيذ، وكذا الذمية لو شربت الخمر على الصحيح. والله أعلم.

34 - وسئلت: عن الأحاديث الودعانية ما حكمها؟

34 - وسئلت: عن الأحاديث الودعانية ما حكمها؟ فأجبت: قد سُئِلَ الحافظ جمال الدين أبو الحجاج المزي عنها، فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة ويقال: زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي وهو الذي وضع رسائل "إخوان الفا" فيما يقال، وكان جاهلاً بالحديث، وسرقها منه ابن ودعان، فركب لها أسانيد، فتارة يروي عن رجل عن شيخ ابن رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك في وجوده، والحاصل أنها فضيحة مفتعلة، وكذبة مؤتفكة، وإن كان الكلام الذي فيها حسنًا ومواعظ بليغة فليس لأحد أن ينسب كل مستحسن إلى الرسول عليه السلام، لأن كلما قاله الرسول حسنا، وليس كل حسن قاله الرسول. والله الموفق.

35 - وسئلت: عن الأحاديث الواردة في الرباط

35 - وسئلت: عن الأحاديث الواردة في الرباط. فأجبت: بأن ذلك كثير جدًا. فمنه ما أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن سلمان رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفُتان" وهو عند الطبراني فزاد فيه: "وبعث يوم القيامة شهيدًا". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح

والحاكم، وقال: صحيح من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر". وهو عند ابن حبان في "صحيحه" بزيادة في آخره، وهي: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المجاهد من جاهد نفسه لله" وهذه الزيادة في بعض نسخ الترمذي وعند أحمد والحارث في مسنديهما والطبراني في معجمه بسند فيه ابن لهيعة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يجري عليه أجر عمله حتى يبعثه الله" وفي رواية: "ويأمن من فتان القبر". وأخرج ابن ماجه بسند لا بأس به، لكن فيه اختلاف، وصححه المنذري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات مرابطًا في سبيل الله جرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله آمنًا يوم القيامة من الفزع الأكبر".

ورواه الطبراني مطولاً فقال فيه: والمرابط: إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة وغدي عليه وريح برزقه ويزو سبعين حوارًا وقيل له: قف، اشفع إلى أن يفرغ من الحساب. وإسناده قال المنذري: إنه مقارب ولابن حبان في "صحيحه" والبيهقي وغيرهما عن مجاهد عن أبي هريرة أنه كان في الرباط ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا باس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقف، فمر به إنسان فقال: ما يوفقك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود". ولابن الجوزي في "الموضوعات" من حديث أبي هريرة رفعه: "من خاف على نفسه النار، فليرابط على الساحل أربعين يومًا" وقال: لاي صح. وعند الطبراني بسند لا باس به عن واثلة بن الأرقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل به في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعلية إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطًا في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة".

وأخرج أيضًا بسندين، رواة أحدهما ثقات عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة». وعنده أيضًا بسند رجاله ثقات عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط شهر خير من صيام دهر، ومن مات مرابطًا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدى عليه رزقه وريح من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل". وعند ابن ماجه بسند فيه من اتهم، وآثار الوضع ظاهرة على متنه، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لرباط يوم في سبيل الله محتسبًا من غير شهر رمضان، أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة مائة سنة، صيامها، وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المؤمنين محتسبًا في شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا» ـ أراه قال ـ: «أفضل من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالمًا لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات ويجرى عليه أجر الرباط إلى يوم القيامة".

وعند الطبراني أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يومًا في سبيل الله باعده الله من النار سبعين خريفًا، ومن توفي مرابطًا وفي فتنة القبر وجرى عليه رزقه" وسنده ضعيف، وبعضه في سنن النسائي وابن ماجه. وفي لفظ للديلمي في "مسند الفردوس": "من رابط يومًا في سبيل الله كان له كعتاقة ألف رجل كل رجل يعبد الله ألف عام". وأخرج الترمذي وقال: حسن غريب، والنسائي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر: إني كنت كتمتكم حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم، عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل" وهو عند ابن ماجه بسند ضعيف بلفظ: "من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها". وروى الشيخان والترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله عز وجل أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها". والغدوة بالفتح: المرة الواحدة من الذهاب، والروحة بالفتح: المرة الواحدة من المجيء. وعند أحمد بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه" ولابن عدي وقال: إنه موضوع من حديث ابن عمر رفعه: "من كبر تكبيرة على ساحل البحر كان في ميزانه صخرة" قيل يا رسول الله: وما قدرها؟ قال: "تملأ ما بين السماء والأرض" وعنده أيضًا

والطبراني بسند فيه إسماعيل بن عياش مما رواه عن المدنيين من حديث أم الدرداء مرفوعًا: "من ربط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة". وأخرج الدارقطني في "الأفراد" والطبراني بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الرباط فقال: "من رابط ليلة حارسًا من وراء المسلمين، كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى" وللديلمي في "مسند الفردوس" بسند ضعيف جدًا والمتن منكر، عن أنس مرفوعًا: "من رابط يومًا في شهر رمضان كان خيرًا

من عبادة ستمائة سنة وستمائة ألف حج، وستمائة ألف عمرة". وعند الطبراني بسند، قال المنذري: لا بأس به إن شاء الله. لكن المتن غريب عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رابط يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين الناس سبع خنادق كل خندق كسبع سماوات وسبع أرضين". وعنده أيضًا وتمام في "فوائده" عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رابط في سبيل الله آمنه الله من فتنة القبر" وهو عند تمام أيضًا بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرابط في سبيل الله عز وجل أعظم أجرًا من رجل جمع كعبيه في فالج شهرًا صادمه وقامه" وفي لفظ له: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أحرس ثلاث ليال مرابطًا ورآء بيضة المسلمين أحب إليّ من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين المدينة وبيت المقدس" وهو ................................

منكر. وعند الطبراني بسند فيه أيوب بن مدرك وهو متروك، عن أبي أمامة رفعه: "تمام الرباط أربعين يومًا، ومن رابط أربعين يومًا لم يبع ولم يشتر ولم يحدث حدثًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وأخرج البيهقي وتمام الرازي عن أبي أمامة رفعه: "إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة، ونفقة الدينار والدرهم فيه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره" وهو عند أبي الشيخ وغيره من حديث أنس بلفظ: "إن الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة" قال المنذري: وفيه نكارة. وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن أبي هريرة وابن عباس رضي

الله عنهما قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر خبرًا موضوعًا بلا ريب وفيه: "من رابط أو جاهد في سبيل الله كان له بكل خطوة حتى يرجع سبعمائة ألف حسنة ومحو سبعمائة ألف ألف سيئة ورفع سبعمائة ألف ألف درجة، وكان في ضمان الله، فإن توفاه بأي حتف كان أدخله الجنة وإن رجعه مغفورًا له مستجابًا". وللطبراني وأبي نعيم في "الحلية" بسند تالف جدًا عن قرة بن أياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كبر تكبيرة عند غروب الشمس على ساحل البحر رافعًا صوته أعطاه الله من الأجر بعدد كل قطرة في البحر عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ما بين الدرجتين مسيرة مائة عام بالفرس المسرع". وللطبراني وابن حبان في "صحيحه" عن عتبة بن النُدر رضي الله

36 - وسئلت: عن حديث النواس بن السمعان: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك هل ورد فيه حك أم لا؟

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتاط غزوكم واستحلت الغنائم وكثرت العزائم فخير جهادكم الرباط". 36 - وسُئلت: عن حديث النواس بن السمعان: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك" هل ورد فيه حك أم لا؟ فأجبت: بأنه رواه زيد بن الحباب وابن وهب وأسد بن موسى وعبدالله بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي ومعن بن عيسى كلهم عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عنه به فقالوا: "حاك" لكن قد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" من طريق علي بن المديني والخرائطي في "المكارم" من طريق أحمد بن منصور الرمادي كلاهما عن زيد فقالا: "حك". وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي الكوفي عن زيد بن الحباب فقال: "حاك" هكذا وجدته في نسختي وهي معتمدة إلا أن بهامشها بخط آخر: صوابه "حك". انتهى.

وقد خالف علي بن المديني والرمادي وموسى ـ إن صح في رواية هذه اللفظة ـ الحسن الزعفراني، وعباس الدوري، والحسن بن علي بن عفان، وعمار بن رجاء، وأحمد بن حنبل فرووه عن زيد بن الحباب كالجماعة، والظاهر ترجيح روايتهم، وحينئذ فرواية من خالفهم يكون بالمعنى. وله طريق أخرى رواه أبو المغيرة وإسماعيل بن عياش كلاهما عن صفوان بن عمرو عن يحيى بن جابر عن النواس بلفظ "حاك". وفي "النهاية": يقال: حك الشيء في نفسي إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شيء من الشك والريب، وأوهمك أنه ذنب وخطيئة. أورده بعد سياق لفظ النواس على خلاف المشهور ثم قال: ومنه الحديث الآخر: "الإثم" ما حك في صدرك وإن أفتاك المفتون. انتهى. وجاء في حديث أبي أمامة: أن رجلاً سال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما "الإيمان" قال: "إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن" قال: يا رسول الله! ما الإثم؟ قال: "ما حاك ... " الحديث.

وفي حديث صفوان بن عسال الطويل في المسح على الخف وغيره أن زر بن حبيش قال له: حك في صدري أو في نفسي. وذكر الحديث. ومما ينبه عليك أن الحاكم استدرك حديث النواس مع أنه في صحيح مسلم، وأن المزي عزاه كما هو في نسختي من الأطراف له إلى الأدب من مسلم، وليس هو فيه، إنما أخرجه في البر والصلة. والله المستعان.

37 - حديث: درهم ربا أشد من اثنين وسبعين زنية

37 - حديث: "درهم ربا أشد من اثنين وسبعين زنية". لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن قد أخرجه الإمام أحمد والدارقطني والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن حنظلة الراهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" وساقه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أحمد والدارقطني وأعله برواية حسين بن محمد المروزي حيث نقل عن أبي حاتم أنه قال في حديث رواه: إنه خطأ وأن الوهم منه، وهذا تعليل غير مرضي فإن الثقة قد يهم وإذا ثبتت عدالة الرجل وإتقانه لم يستلزم عصمته من السهو، بل حديثه على الاستقامة حتى يتبين ما وهم فيه، ولا يلزم من كونه وهم، أو أخطأ في حديث أن يكون حديثه كله وهمًا، أو خطأً، لا سيما والرجل قد أخرج له الشيخان وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي، وهو من أقرانه بل مات قبله، ووثقه أحمد بن حنبل والعجلي ومحمد بن سعد وابن نمير والنسائي وابن وضاح وابن قانع وابن حبان ولم أر فيه جرحًا، على أنه لم ينفرد بالحديث مع ذلك، فقد رواه

الدارقطني والطبراني أيضًا من غير طريقة ولفظه: "درهم من ربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية". لكن في سندهما ليث بن أبي سليم وهو وإن كان ضعيفًا فإنما ضعف من قبل حفظه فهو متابع قوي لكنه قد زاد في رواية الدارقطني فقط بعد قوله: زنية في الخطيئة، وهي زيادة منكرة. ورواه الإمام أحمد والدارقطني أيضًا من حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة عن كعب أنه قال: لأن أزني ثلاثًا وثلاثين زنية أحب إليَّ من آكل درهمًا ربا يعلم الله أني آكله حين آكله ربا. وسقط في بعض نسخ "المسند" عبد اله، وقال: عن حنظلة، وذلك وهم. وقال الدارقطني عقب تخريجه: هذا أصح من المرفوع يعني أن عبد الله إنما سمعه من كعب لا من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا "نظر" فالظاهر أنهما حديثان لاختلاف السياق، ولأن أيوب راوي الحديث الأول عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثقة جبل. نعم، قد رواه العقيلي من طريق ابن جريج

حدثني ابن أبي ملكة أنه سمع عبد الله بن حنظلة بحديث عن كعب الأحبار أنه قال: درهم ربا يأكله الإنسان وهو يعلم، أعز في الغثم من ست وثلاثين زنية. فهذا لفظه كلفظ المرفوع، ومع هذا فالعلة غير قادحة لاحتمال أن يكون ابن حنظلة سمعه منهما، فلا مانع من أن يكون الحديث عنه عبد الله بن حنظلة مرفوعًا، وموقوفًا، وأيضًا فإنه لا يلزم من قوله الدارقطني أنه أصح من المرفوع أن يكون مقابله موضوعًا، فإن ابن جريج أحفظ من جرير بن حازم وأعلم بحديث ابن أبي مليكة منه، لكن قد تابع جريرًا ليث بن أبي سليم كما قدمناه، وقد رواه عمران بن أنس أبو أنس عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "لدرهم ربا أعظم عند الله من سبعة وثلاثين زنية". أخرجه العقيلي وقال: لا يتابع عليه وهو كما قال. وإذا علم هذا فالحديث حينئذ لا يكون من شرط الصحيح، بل يكون حسنًا، لأن له شواهد أخرى لا بأس بها. منها: ما أخرجه البيهقي في "الشعب" والطبراني في "الأوسط" و"الصغير" وغيرهما من طريق محمد بن حمير عن إسماعيل بن عياش.

عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي اله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عان ظالمًا بباطل ليدحض به حقًا قد برئ من ذمة اله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أكل درهمًا من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به". ورواية إسماعيل عن غير الشاميين ضعيفة، وحنش أيضًا ضعيف. وقد أخرجه ابن عدي من طرق علي بن الحسن بن شقيق اخبرني ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه. ومنها وهو شاهد قوي: ما أخرجه الطبراني أيضًا من طرق عطاء الخرساني عن عبد الله بن سلام كما سيأتي قريبًا. ومنها: ما رواه ابن عدي من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن أبيه اخبرني أبو مجاهد عن ثابت عن أنس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظم شأنه، وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل، من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستة وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربا الربا

عرض الرجل المسلم". وأخرجه بن أبي الدنيا في كتاب "ذم الغيبة" له والبيهقي لكن لم أقف على إسنادهما، وأبو مجاهد اسمه: عبد الله بن كيسان مروزي ضعفه أبو حاتم، وقال ابن حبان في "الثقات": يتقي حديثه من رواية ابنه إسحاق عنه وقال العقيلي: في حديثه وهم. انتهى. والجملة الأخيرة حديث رواه أحمد من حديث بريدة ولفظه: "إن أربا الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"، ورواته ثقات واصل الحديث من حديث عائشة أيضًا. أخرجه أبو نعيم أيضًا، في "الحلية" ولفظة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الربا بضع وسبعون بابًا أصغرها كالواقع على أخته، والدرهم الواحد من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية". وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق أبي نعيم وأعله بسوار ابن مصعب ونقل عن أحمد ويجي والنسائي أنه متروك الحديث.

وقال أبو داود: ليس بثقة. انتهى. وحديث عبد الله بن سلام المشار إليه أخرجه الطبراني في "الكبير" من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام". وعطا لم يسمع من عبد الله وقد رواه ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفًا على عبد الله. قال المنذري: وهو الصحيح، ولفظ الموقوف، في أحد طرقه قال عبد الله: "الربا اثنان وسبعون حوبًا أصغرها حوبًا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية قال: يأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس". قلت: وقد ذكر ابن الجوزي لما أخرج في موضوعات هذا الحديث

من أكثر الطرق التي أوردناها ما لفظه: واعلم أن مما يرد صحة هذه الأحاديث أن المعاصي يعلم مقاديرها بتأثيراتها والزنا يفسد الأنساب ويصرف الميراث إلى غير مستحقه ويؤثر من القبائح ما لا تؤثر أكل لقمة لا يتعدى ارتكاب نهي فلا وجه لصحة هذا. انتهى. وجاء في حديث الباب عن أبي هريرة حديث أخرجه ابن ماجه في سننه ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا سبعون حوبًا أيسرها أن ينكح الرجل أمه" ورجاله ثقات لكن فيهم أبو معشر روايه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وقد ضعفه الأكثرون، لكن قال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه، ووثقه غيره. انتهى، ولم ينفرد أبو معشر بهذا الحديث، فقد رواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن سعيد ـ وهو واهٍ ـ عن أبيه عن أبي هريرة. وأخرجه العقيلي، والبيهقي، كلاهما من طريق عبد الله بن زياد

عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة باللفظ المذكور لكن قال: "بابا" بدل حوبا "وأصغرها" بدل أيسرها وقال البيهقي عقبه: غريب بهذا الإسناد وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة، وعبد اله هذا منكر الحديث انتهى. وبه أعله ابن الجوزي حيث ذكر الحديث في "الموضوعات" وقال: إنهم كذبوه، ونقل عن البخاري أنه قال: إنما روي هذا الحديث أبو سلمة عن عبد الله بن سلام نسه. قلت: وقد رواه يحيى بن أبي كثير فقال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء، أخرجه الطبراني في "الأوسط" ولفظه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا اثنان وسبعون بابًا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربا الربا استطالة الرجل في عرض أخيه". وفي سنده عمر بن راشد وقد ضعفه الجمهور لكن وثقه العجلي. ورواه يحيى أيضًا فقال: عن أنس بن مالك أخرجه

الدارقطني ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا سبعون بابًا أهون باب منه الذي يأتي أمه في الإسلام وهو يعرفها وإن من اربا الربا خرق المرء عرض أخيه المسلم" وخرق عرضه: أن تقول فيه ما يكره من مساوئه. والبهتان: أن تقول فيه ما ليس فيه. وفي سنده طلحة بن زيد قال البخاري منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث ولذلك ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وجاء من طريق مسروق عن ابن مسعود مرفوعًا بلفظ: "الربا ثلاث وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه". ورواه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ثم قال: هذا إسناد صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلا همًا وكأنه دخل لبعض رواته رواة الصحيح لكنه مختصرًا: "الربا بضع وسبعون بابًا والشرك مثل ذلك" ورواه ابن ماجه دون ما في آخره وسنده صحيح.

وقوله: "سبعون حوبًا" يعني سبعون ضربًا من الإثم والحوب: الإثم كما فسره ابن عباس والحسن في قوله: "إنه كان حوبًا كبيرًا" ومنه الحديث: "رب تقبل توبتي واغسل حوبتي"، وكذا قوله: "واغفر لنا حوبنا" وتتح الحاء وتضم، وقيل: إن الفتح لغة الحجاز والضم لغة تميم.

38 - حديث كفارة من استغتبته أن تستغفر له

38 - حديث "كفارة من استغتبته أن تستغفر له". رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" وابن أبي الدنيا وابن حيان في كتاب "التوبيخ" له والبيهقي في "الشعب" والدينوري في الأخير من مجالسه كلهم من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن خالد بن يزيد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته". وعنبسة، قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك، وقال أبو حاتم ارازي: كان يضع الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به، لكن قد أخرجه الخرائطي من غير طريق عنبسة بسند تالف فرواه أيضًا من طريق أبي سليمان الكوفي عن ثابت عن أنس

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: اللهم اغفر لنا وله" وله شاهد رواه أبو نعيم في "الحلية" وابن عدي في "الكامل" كلاهما من طرق أبي داود سليمان بن عمرو النخعي، عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتاب أخاه فاستغفر له فهو كفارته" وقال ابن عدي عقبه: هو مما وضعه سليمان بن عمرو على أبي حازم، وقد قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: أنه كان يضع الحديث. وجاء أيضًا من حديث جابر، أخرجه الدارقطني من طريق حفص بن عمر الأيلي عن مفضل بن لاحق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتاب رجلاً ثم استغفر له من بعد ذلك غفرت له غيبته" وقال: تفرد به حفص [وهو] ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: إن كان يقلب الأسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

قلت: وقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" هذا الحديث عن الصحابة المذكورين، وقال: ليس فيها شيء صحيح، وعند البيهقي في "الشعب" من طريق عباس الترقفي ثم من وجهة همام بن منبه عن أبي هريرة قال: "الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه فمن استطاع منكم أن يجيء غدًا بصومه مرقعًا فليفعل"، وقال بعده: هذا موقوف وإسناده ضعيف. انتهى. وجاء عن ابن المبارك قال: إذا اغتاب رجل رجلاً فلا يخبره به ولكن يستغفر له. وفي "المجالسة" في الجزء الأخير منها من طريق محبوب بن موسى قال: سالت علي بن بكار عن رجل اغتبته ثم ندمت قال: لا تخبره فيعرى قلبه ولكن ادع له واثن عليه حتى تمحو السيئة بالحسنة، وأخرج الحاكم وقال: صحيح, البيهقي وقال: إنه أصح مما قبله وهو في معناه من حديث حذيفة قال: كان في لساني ذرب على

أهلي لم يعدهم إلى غيرهم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟ إني أستغفر الله في كل يوم مائة مرة"، وهو عند البيهقي بنحوه من حديث أبي موسى، واصح من ذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأخيه فيستحله منها" لكن قد روي عن ابن سيرين من أنه قيل له: إن رجلاً اغتابك فتحله؟ فقال: ما كنت لأحل شيئًا حرمه الله. والله الموفق.

39 - حديث: جابر: من كان له إمام فقراءته له قراءة

39 - حديث: جابر: "من كان له إمام فقراءته له قراءة". رواه أحمد بن عبد الله بن يونس وإسحاق بن منصور السلولي، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم الفضل بن دكين ويحيى ابن أبي بكير، وشاذان وابو غسان وغيرهم، كلهم عن حسن بن صالح بن حي عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عنه به. س فأما رواية أحمد فأخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار له. وأما رواية عبيد الله، فأخرجها ابن ماجه في سننه، وأما رواية أبي نعيم، فأخرجها عبد بن حميد في مسنده والدارقطني أيضًا وأبو نعيم في الحلية، وأما رواية يحيى، فأخرجها الدارقطني أيضًا والبيهقي في سننه، وأما رواية شاذان وابي غسان، فأخرجهما الدارقطني إلا أن جابر ضعيف، وقد قال الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أكذب منه لكن تابعه ليث بن أبي سليم وليس بحجة أيضًا، وأخرجه الطحاوي

والبيهقي وابن عدي من طريقه قال البيهقي: ولم يتابعهما إلا من هو أضعف منهما. انتهى. وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن أبي الزبير به لكن في سنده سهل بن العباس الترمذي، قال الدارقطني عقبه: هذا منكر، سهل متروك. قلت: وجاء أيضًا من غير رواية ابن الزبير قال محمد بن الحسن في الآثار أخبرنا أبو حنيفة حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر به مرفوعًا وهكذا أخرجه بنحوه الطحاوي والدارقطني كلاهما من طريق أبي يوسف يعقوب القاضي، والدارقطني أيضًا من طريق إسحاق الأزرق وأسد بن عمرو ويونس بن بكير، والبيهقي من طريق مكي بن إبراهيم كلهم عن أبي حنيفة وتابعهم جماعة عن أبي حنيفة موصولاً لكن قال الدارقطني عقبه: لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة، وهكذا قال ابن عدي، وتابعه الحسن بن عمارة وهو ضعيف، متروك

الحديث، والصواب ما رواه إسرائيل بن يونس وجرير بن عبد الحميد والسفيانان، وشريك، وشعبة، ومنصور بن المعتمر وأبو الأحوص وابو خالد الدالاني وأبو عوانة وغيرهم من الثقات الأثبات عن موسى عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وصوبه الدارقطني وكذا أخرجه سعيد بن منصور من طريق موسى قال: سألت عبد الله بن شداد وذكره مطولاً مرسلاً وكذا قال ابن المبارك عن أبي حنيفة ما تقدم إلا أنه زاد في الإسناد بين عبد الله وجابر أبا الوليد، وقال: إنه مجهول، ورواه الطحاوي من طريق إسرائيل عن موسى، فقال: عن عبد الله بن شداد عن رجل من أهل البصرة وهو مجهول أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مالك في الموطأ عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام" وهكذا هو بنحوه عند الطحاوي من طرق عن مالك مرفوعًا وموقوفًا ـ وقال في بعضها فقيل لمالك: أرفعه، فقال: خذوا برجله.

وأخرجه الدارقطني من وجهين مرفوعًا وموقوفًا أيضًا وصوب وقفه، وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق مالك موقوفًا: هذا هو الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع. وقد رفعه يحيى بن سلام وغيره من الضعفاء وذلك مما لا تحل روايته على طريق الاحتجاج به. والله أعلم.

40 - حديث: لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين

40 - حديث: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين". ورد من حديث ابن عمر وابن عمرو وحفصة وأبي هريرة وعائشة وغيرهم. أما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو داود في "سننه" ومن طريقه الدارقطني عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب عن قدامة بن موسى عن أيوب بن حصين عن أبي علقمة عن يسار قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد صلاة الفجر، فقال: يا يسار! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال: "ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين". وهو في مسند الإمام أحمد عن عثمان عن وهيب بهذا السند ولفظه: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر فقال: يا يسار كم صليت؟ قلت: لا أدري، قال: لا دريت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: "إلا ليبلغ شاهدكم غائبكم ألا لا صلاة بعد الصبح إلا سجدتان". وأخرجه الترمذي في "جامعه" باختصار عن أحمد بن عبدة الضبي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن قدامة بهذا السند: "لا صلاة بعد الفجر إلا سدتين"، لكنه قال عن محمد بن حصين بدل أيوب، وكذا وقع في رواية أخرى عنه الدارقطني من هذا الوجه، وقال الترمذي عقبه:

غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى وروى عنه غير واحد. انتهى. وقال الذهبي في مختصره لسنن الدارقطني: إسناده لين، وقال ابن القطان: كل من في هذا الإسناد معروف إلا محمد بن الحصين إنه مختلف فيه، مجهول الحال. وكان عمر بن علي المقدمي والدراوردي يقولان: عن قدامة بن موسى حدثني رجل من بني حنظلة، وذكر هذا الاختلاف البخاري، ولم يعرف هو ولا ابن أبي حاتم من حاله بشيء، فهو عندهما مجهول. قلت: وقول ابن القطان: إن الدراوردي كان يقول: أيوب ـ إن صحت النسخة ـ فيه نظر، لأن طريق الدراودي قد أخرجها الترمذي والدارقطني ويها تسميته محمدًا كما تقدم، وكذا أخرجها ابن ماجه في سننه عن أحمد بن عبدة، لكن باختصار جدًا: "ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم" ولم يزد على ذلك، وقال ابن أبي حاتم: محمد بن حصين التميمي. وقال بعضهم: أيوب، ومحمد اصح. انتهى. وروي يحيى بن أيو المصري، عن عبيد الله بن زحر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي،

عن أبي علقمة حديثًا فإن كان هو، فيترجح ما قاله ابن أبي حاتم، لكن قد رجح البيهقي رواية من قال أيوب وكذا الداقطني في "العلل الكبير" له لأنه قال: الاشبه قول من قال: إنه أيوب بن حصين لأن قائله ثبت، وهو سليمان بن بلال ووهيب وحميد بن الأسود. انتهى. وقد وقع لنا هذا الحديث من حديث ابن عمر أيضًا من طرق، منها: ما رواه عبد الرازق في مصنفه والطبراني في معجمه عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه عن أبي بكر بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر". وسنده قوي إلا أن أبا بكر المذكور إن كان هو ابن أبي سبرة فهو واه. ومنها: ما رواه أبو الشيخ ابن حيان من طريق يحيى بن أيوب عن

محمد بن النيل الفهري عن يزيد بن سرجس عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج عليهم والناس يصلون بعد طلوع الفجر فقال: "إنه لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين" وفي سنده من لم أعرفه. ومنها: ما رواه ابن عدي في كامله عن محمد بن الحارث عن الركعتين قبل المكتوبة". وسنده ضعيف لضعف محمد الحارث، وكذا شيخه. وأما حديث ابن عمرو، فرواه ابن أبي شيبة والبزار والطبراني

في "الكبير" والدارقطني والبيهقي في سنتيهما من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين". لفظ الطبراني وفي لفظ آخر له في الأوسط: "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلى ركعتي الفجر" وقال البزار: "لا صلاة قبل الفجر إلى ركعتي الفجر" وقال البيهقي: "لا صلاة بعد طلوع الفجر" وقال: عبد الرحمن الإفريقي غير محتج به. انتهى. وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان وكان البخاري يقوي أمره ولحديثه هذا شاهد رواه أبو موسى المديني من رواية مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة إذا طلع الفجر إلا ركعتين".

وأما حديث حفصة، فأخرجه مسلم والنسائي وأحمد من رواية زيد بن محمد عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين". وهو عند ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه بلفظ: "لا يصلي إذا طلع الفجر إلا ركعتي الفجر". واصل هذا المتن متفق عليه من طريق مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع من غير ذكر الحصر، ولفظه: "كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة. وأما حديث أبي هريرة، فرواه الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل من رواية إسماعيل بن قيس عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا

ركعتي الفجر". وقال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا إسماعيل تفرد به أحمد بن عبد الصمد. انتهى. ولم ينفرد به أحمد ـ كما قال ـ بل رواه أبو أيوب المهراني عن إسماعيل، أخرجه أبو الشيخ ابن حيان من طريقه. وإسماعيل قال البخاري والدارقطني: إنه منكر الحديث. لكن لحديثه طريق أخرى عن سعيد، أجود مما تقدم رواه أبو الشيخ ابن حيان أيضًا من طريق أبي عمر الصنعاني عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فأخذ كفًا من حصى فضربه به ثم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد طلوع الفجر أو بعد الأذان إلا ركعتي الفجر. ورواه أبو موسى المديني من طريق الطبراني من رواية سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين". وقد اختلف فيه على سفيان في وصله وإرساله والمرسل أصح، رواه البيهقي من رواية أسيد بن عاصم والحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد النداء إلا سجدتين حتى الفجر" قال البيهقي: ولا يصح وصله،

وقال الذهبي إنه مرسل قوي. وأخرج البيهقي أيضًا، وأبو موسى المديني من طريق أبي نعيم عن سفيان، عن أبي رباح عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يصلي بعد الفجر أكثر من ركعتين يكثر الركوع فيها فنهاه، فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة. قال الذهبي: إسناده قوي. وأما حديث عائشة فرواه أبو نعيم في "مستخرجه" على مسلم من طريق محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن عمته عمرة عن عائشة أنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر صلى ركعتين، أو لم يكن يصلي إلا ركعتين. أقول: أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب. وأصله عند مسلم دون قوله: "أو لم يكن إلى آخر" وهو أيضًا متفق عليه من طرق دون هذه الزيادة الدالة على الحصر، إلا أنها في رواية أبي نعيم على الشك، والله المستعان.

41 - حديث: الاكتحال يوم عاشوراء

41 - حديث: الاكتحال يوم عاشوراء. رواه البيهقي في "فضائل الأوقات" له، عن الحاكم بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد ابدًا". لكنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن في إسناده جويبر بن سعيد. وقد قال الحاكم: أنا أبرأ إلى الله من عهدة جويبر، قال: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين عليه السلام. انتهى. وقد ذكر ابن الجوزي هذا في "موضوعاته" والله الموفق.

42 - حديث: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف قبل الهجرة إلى المدينة

42 - حديث: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف قبل الهجرة إلى المدينة. ذكره ابن إسحاق في السيرة ومن طريقه الطبراني في الكبير عن [عبد الله بن جعفر] ولفظه: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل عليّ سخطك لك العقبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك"، وسنده ............ .

43 - حديث: من لغا فلا جمعة له

43 - حديث: "من لغا فلا جمعة له". لم أقف عليه بهذا اللفظ، ورأيت في شرح أبي شجاع لابن دقيق العيد عند سياق حديث أبي هريرة رفعه: "إذا قلت لصاحبك أنصت" ما نصه: قال الترمذي: "ومن لغا فلا جمعة له". وهذا لم أره في نسختي من كتاب الترمذي فيحرر، نعم قد ثبت بمعناه. وخرج أبو داود في "سننه"وابن خزيمة في "صحيحه" والطحاوي في "شرح معاني الآثار له، معناه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: "من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا"وإسناده حسن. وقد صُحِّح كما تقدم. وذكر ابن وه روايه، أن معناه: أجزأت عنه الصلاة وحُرم فضيلة الجمعة. وأخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وأبو داود أيضًا، واللفظ له، من حديث علي بن أبي طالب رفعه في حديث: "ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه، قد لغا، ومن لغا فليس له من جمعته تلك

شيء". وفي لفظ لأحمد: "ومن قال: صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له". وسنده صحيح إلا أن فيه من لم يسم، وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح للاحتجاج. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" وأحمد والبزار في مسنديهما والطبراني في "الكبير" من حديث ابن عباس رفعه: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول: أنصت ليست له جمعة" وسنده ضعيف لكن له شاهد قوي في "جامع حماد بن سلمة" عن ابن عمر موقوفًا. ويدخل هنا ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في سننه واللفظ له من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، جلست قريبًا من أبي بن كعب فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة "براءة" فقلت لأبي: متى نزلت

هذه السورة؟ قال: فتجهمني، فلما قضى رسول اله صلى الله عليه وسلم صلاته قلت لأبي: سألتك فتهجمتني ولم تكلمني فقال أبي: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ "براءة" فسألته: متى أنزلت هذه السورة؟ فتجهمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق أبي". وأشار البيهقي في "المعرفة" إلى أن إسناده صحيح، وفي "السنن" إلى أنه ليس في الباب أصح منه. قلت: لكن أخرجه الطبراني من رواية شريك عن عطاء أيضًا فقال عن أبي الدرداء بدل "أبي ذر". وتابعه على هذه الرواية حرب بن قيس عن أبي الدرداء فيما أخرجه الإمام أحمد والطبراني أيضًا، إلا أن رواية حرب عن أبي الدرداء مرسلة، كما ذكره ابن أبي حاتم، وقد أخرجه الطبراني من رواية شريك عن عطاء أيضًا فقال: عن أبي الدرداء وأبي ذر، جمع بينهما، ويمكن الجمع بأن القصة وقعت لكل منهما مع أُبي وأن عطاء سمعه منهما فكان يحدث به مرة عن أبي ذر ومرة عن أبي الدرداء ومرة عنهما جميعًا. وقد شهد أبو هريرة القصة بين أبي ذر وأبي أخرجها

البزار والطيالسي في مسنديهما، ومن طريقة البيهقي في سننه بسند حسن، وهي عند ابن عدي في كامله من وجه آخر بسند ضعيف. وجاءت القصة أيضًا عن جابر بن عبد الله لكن جعلها بين ابن مسعود وأبي. أخرج ذلك أبو يعلي في "مسنده" والطبراني في "معجمه الكبير" و"الأوسط"، ورواته ثقات، إلا أن ابن خزيمة أخرج في صحيحه من حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ تلا آية، فقال رجل وهو إلى جنب عبد الله بن مسعود: متى أنزلت هذه الآية فإني لم اسمعها إلا الساعة؟ فقال عبد الله: سبحان الله، ثم تلا آية أخرى فقال الرجل لعبد الله مثل ذلك، فقال عبد الله: سبحان الله. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال ابن مسعود للرجل: إنك لم تجمع معنا قال: سبحان الله. قال: فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن أم عبد صدق ابن أم عبد". وأشار إلى هذه الرواية البيهقي أيضًا، وهي بنحوها عند الطبراني

في "الكبير" باختصار موقوفة، ولا مانع من الجمع بينهما بأن عبد الله لما وقع له ذلك مع أبي، وصوب النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي، وقع لرجل آخر بحضرة أبي، فأخبره عبد الله بما أخبره به أبي وصدق النبي صلى الله عليه وسلم قول عبد الله، كما صدق قول أبي. والعلم عند الله تعالى. وقد وقعت القصة أيضًا لسعد بن أبي وقاص مع رجل آخر، فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" والبزار وأبو يعلي في "مسنديهما" بسند ضعيف، عن جابر قال: قال سعد لرجل يوم الجمعة: لا صلاة لك، قال: فذكر ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن سعدًا قال: لا صلاة لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِمَ يا سعد؟ " قال: إنه كان يتكلم وأنت تخطب، فقال: "صدق سعد". وجاء عن العبادلة الأربعة ـ ابن أبي أوفى وابن مسعود وابن عمرو وابن عمر رضي الله عنهم ـ ما يدخل هنا. فأما حديث ابن أبي أوفى، فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه من رواية إبراهيم السكسكي سمعت ابن أبي أوفى قال: ثلاث من سلم منهن، غفر له من بينه وبين الجمعة الأخرى من أن يحدث حدثًا ـ يعني أذى ـ أو أن يتكلم أو يقول: صه. ورجاله ثقات، وهو إن كان موقوفًا فحكمه الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي.

وأما حديث ابن مسعود، فرواه ابن أبي شيبة أيضًا، والطبراني في "الكبير" من رواية الركين بن الربيع عن أبيه عن عبد الله قال: "كفى لغوًا إذا صعد الإمام المنبر أن تقول لصاحبك: أنصت" ورجاله ثقات، محتج بهم في الصحيح، وهو أيضًا وإن كان موقوفًا فحكمه الرفع كما تقدم. وأما حديث ابن عمرو: فأخرجه أبو داود في "سننه" وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها يلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولمي يؤذ أحدًا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله تعالى يقول: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ". وأما حديث ابن عمر: فرواه الطبراني بلفظ: "إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام" انتهى. وقد اختلف قول الإمام الشافعي رحمه الله في ذلك فنص في القديم، والإملاء، على تحريم الكلام وفرضية الإنصات، لهذه الأحاديث. ونص في الجديد على استحباب الإنصات وجواز الكلام لأدلة قوية، ليس هذا محل ..................................................

بسطها والله الموفق. وقد سُئِلَ شيخنا رحمه الله عن من أنكر على القائل بين يدي الخطيب، للفظ المسئول عنه مضافًا، للحديث المشهور، الذي جرت العادة بذكره فاجاب، بما نصه: صرح جماعة من علمائنا بأن إيراد المرقى لهذا الحديث قبل أن يخطب الخطيب، من البدع المحدثة، وليت الذي أحدثه ذكر حديثًا صريحًا في المنع من الكلام والخطيب يخطب، لأن أكثر الناس لا يفهم المراد منه، ولقد أجاد الذي زاد الزيادة المذكورة فإنها تمنع من يسمعها من الكلام في تلك الحالة، والزيادة صحيحة، أخرجها ابن خزيمة وغيره، ولها شاهد صحيح أيضًا، وما أسرع من لا يعلم إلى إنكار ما لا يعلم .. وبالله المستعان.

44 - وسئلت: هل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وكنت نبيا ولا آدم ولا طين. وهل يعتمد كلام ابن تيمية في الكراسة التي له أنه موضوع أم لا؟

44 - وسئلت: هل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين" وكنت نبيًا ولا آدم ولا طين". وهل يعتمد كلام ابن تيمية في الكراسة التي له أنه موضوع أم لا؟ فأجبت: بأنني لا أعلم وروده بهذا اللفظ فضلاً عن صحته، وقد أخرج الحاكم في "مستدركه" والترمذي في "جامعه" وقال: حسن غريب من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله! متى وجبت لك النبوة؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد". وهو عند تمام في فوائده بلفظ آخر: أنهم قالوا: يا رسول الله! متى كنت نبيًا؟ قال: "وآدم منجدل في طينته". وأخرجه الحاكم أيضًا وأحمد في مسنده والبخاري في تاريخه والبغوي وابن السكن وغيرهم في الصحابة وأبو نعيم في الحلية من حديث ميسرة الفجر، ويقال: إنه لقبه وأن اسمه عبد الله بن أبي الجدعاء رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! متى كنت نبيًا؟

قال: "وآدم بين الروح والجسد" وفي لفظ أبي نعيم: قلت: يا رسول الله: متى كنت نبًا؟ فقال الناس: مه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه كنت نبيًا وآدم بين الروح والجسد". وسنده قوي إلا أنه اختلف فيه على أحد رواته. وأخرجه الحاكم وأحمد وأبو نعيم أيضًا وابن حبان في صحيحه والدارمي في مسنده وغيرهم من حديث العرباض بن

سارية رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته". وأخرج الطبراني في أحد معاجمه والبزار في مسنده كلاهما بسند ضعيف من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قيل: يا رسول الله! متى كنت نبيًا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد". وحينئذ فيعتمد مقالة الشيخ تقي الدين بن تيمية حيث حكم على اللفظ المسؤول عنه بالوضع وناهيك به اطلاعًا وحفظًا أقر له بذلك المخالف والموافق، وكيف لا يعتمد كلامه في سبيل هذا وقد قال عنه الحافظ شمس الدين الذهبي: ما رأيت أشد استحضارًا للمتون وعزوها منه، وكان السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشقة ... وعين مفتوحة. انتهى. ووصفه الإمام فتح الدين ابن سيد الناس مصنف "السيرة النبوية" المشهورة وغيرها فقال: وكاد يستوعب السنن والآثار حفظًا ـ إلى أن قال ـ

45 - سئلت: عن ما ذكره الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي في جزء فيه وصول القراءة إلى الميت وهو: روى القاضي أبو يعلي بإسناده عن علي بن ابي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مر على المقابر فقرأ: (قل هو الله أح

أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته. انتهى. نعم قد نسبت إليه مسائل أنكرت عليه مقررة عند أهل العلم، والسعيد من عدت غلطاته رحمه الله وإيانا. 45 - سئلت: عن ما ذكره الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي في جزء فيه وصول القراءة إلى الميت وهو: روى القاضي أبو يعلي بإسناده عن علي بن ابي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مر على المقابر فقرأ: (قل هو الله أحد) إحدى عشرة مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطى بعدد الأموات". ورواه الدارقطني أيضًا. وروى أبو بكر عبد العزيز، صاحب الخلال بإسناده، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل المقابر فقرأ سورة "يس" خفف عنهم له مثله وكان له لعدد من فيه حسنات". وروى الخلال أيضًا بإسناده عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما "يس" غفر له". انتهى. فأجبت: قد وقفت على الجزء المشار إليه ورأيت فيه من الزيادة على ما هنا عزو الحديث الأول والثاني أيضًا إلى النجاد وقد ذكر القرطبي

في تذكرته الحديث الأول وعزاه لتخريج السلفي، وأسنده صاحب مسند الفردوس أيضًا كلاهما من طريق عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن أخيه عن جعفر عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي فذكره، لكن عبد الله وأبوه كذابان. ولو أن لهذا الحديث أصلاً لكان حجة في موضع النزاع ولارتفع الخلاف ويمكن أن تخريج الدارقطني له في "الأفراد" لأنه لا وجود له في سننه. والله أعلم. وأما الحديث الثاني، فقد ذكره القرطبي أيضًا لكن بلا عزو. وعزاه للطبراني عن أنس، إلا أنني لم أظفر به الآن وهو في الشافعي لأبي بكر عبد العزيز صاحب الخلال الحنبلي كما عزاه إليه المقدسي .. أحسبه لا يصح.

وأما الحديث الثالث: فقد ذكره صاحب الخلال في "الشافي" أيضًا، وأخرجه أبو الشيخ بن حيان في: "ثواب الأعمال" وابن عدي في كامله كلاهما من طريق عمرو بن زياد الداري عن يحيى بن سليم الطائي عن هشام عن أبيه عن عائشة عن أبي بكر الصديق فذكره بلفظ: "من زار قبر والديه كل جمعة أو أحدهما فقرأ عندهما "يس والقرآن الحكيم" غفر له بعدد كل آية وحرف" وهو عند الديلمي في "مسند الفردوس" له، من طريق أبي الشيخ، وقال ابن عدي: إنه بهذا الإسناد باطل ليس له أصل، وكان عمرو يتهم بوضع الحديث، وقد ذكر لذلك في الموضوعات ابن الجوزي. وله شاهد عند الطبراني في الأوسط والصغير من حديث أبي هريرة بلفظك "من زار قبر أبويه أو أحدهما كل جمعه غفر له وكتب بارًا".

في سنده عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الدارقطني بسنده إلى ابن عمر عن نافع، عن ابن عمر رفعه: "من زار قبر أبيه أو قبر أمه، أو قبر أحد من قرابته كتب له كحجة مبرورة ومن كان زواراً لهم حتى يموت زارت الملائكة قبره"، وهو كذلك بنحوه عند أبي الشيخ ابن حيان في الثواب له وابن عدي في كامله ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات أيضًا، وأخرجه أبو منصور الديلمي في مسنده بهذا السند أيضًا، لكن بلفظ: "من زار قبر والديه أو أحدهما يوما لجمعة كان كحجة". والله أعلم.

46 - سئلت: عن ما نصه قال تمام: أنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر ثنا عاصم بن علي ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير وعن الثقة عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت

46 - سئلت: عن ما نصه قال تمام: أنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر ثنا عاصم بن علي ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير وعن الثقة عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بهدم المزمار والطبل". وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" له: أنا عبد الله بن علي المقرئ أنا جدي أبو منصور محمد بن أحمد الخياط أنا عبد الملك بن محمد بن بشران أنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ثنا محمد بن سويد الطحان ثنا عاصم بن علي ثنا عبد الرحمن بن ثابت عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر الثقة عن عكرمة به. فعرفوا حال هذا الحديث ورجاله؟ فأجبت: هذا الحديث غريب لا بأس برجاله، فمحمد بن سويد وهو أبو جعفر الطحان قد وثقه لخطيب، وقال: إنه سمع عاصمًا وإسماعيل بن أبي إياس وإبراهيم بن محمد الشافعي وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي. روى عنه الهيثم بن خلف الدوري وأحمد بن يحيى بن عثمان بن يحيى مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين. على أنه قد ـ تابعه كما ترى ـ حفص، وعندي أنه انقلب، وأنه عمر بن حفص بن عمر بن يزيد بن غالب بن عبد الرحمن أبو بكر السدوسي فإنه سمع عاصمًا، وسمع أيضًا: أبا الوليد

الطيالسي وكامل بن طلحة وأبا بلال الأشعري، وسالم بن المغيرة، وروى عنه ابن صاعد وابن السماك وجعفر الخلدي وأبو بكر الشافعي وحبيب القزاز وآخرون، قال الخطيب: كان ثقة، وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات وقال: كتب عنه أصحابنا، وقال إسماعيل: يخطئ، مات في صفر سنة ثلاث وتسعين ومائتين. انتهى. وإنما جزمت بانقلابه، لأني لم أرد في الرواة عن عاصم من يسمى حفص بن عمر، ثم وجدت لها متابعًا أيضًا في تخريج الديلمي في مسند الفردوس له من طريق محمد بن عبد الله بن برزة بن تمام، بن عاصم بن علي، عن ابن ثوبان عن ابيه، عن مكحول عن جبير بن مالك، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بهدم المزمار والطبل" وعاصم أخرج له البخاري في صحيحه، فجاز القنطرة. وعبد الرحمن بن ثابت فيه كلام، وهو صدوق، إلا أنه كثير الخطأ فيما حققه شيخنا، ومن فوقه من رجال السند حالهم مستوفى في "تهذيب الكمال" للمزي ومختصره لشيخنا والذهبي وغيرهما فليراجع من أحدهما. وشيخ تمام: هو: إسحاق بن إبراهيم بن هاشم بن يعقوب بن إبراهيم بن عمرو بن هاشم أبو يعقوب الأذرعي، روى

عن أبي زرعة الرازي، والنسائي ويحيى بن أيوب، والبزار، وأحمد بن زغبة وخلق، وعنه أبو علي بن هارون، وأبو محمد بن أبي نصر، وابو الحسن بن جميع، وعبد الوهاب الكلابي وتمام وآخرون. قال ابن عسكار: كان أحد الثقات من عباد الله الصالحين. ذكره السلمي في طبقات الصوفية، وقال: إنه كان من أصحاب أبي عبيد البسرى وقال الكناني: أنا عبد القاهر بن عبد العزيز الصائغ سمعت ابا يعقوب الأذرعي يقول: سألت الله أن يقبص بصري فعميت فاستضررت في الطهارة فسألته إعادته عليّ فأعاده تفضلاً منه. قال الكتاني: وجدت في كتاب عبيد بن أحمد بن فطيس: توفي أبو يعقوب يوم الأضحى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو ابن نيف وتسعين سنة. وإذا عرف هذا، فالواو التي بعد جبير بن نفير في الإسناد الأول، أظن أنها زائدة، لأن الثقة الذي لم يسم هو شيخ جبير ولذلك هو في ترتيب فوائد تمام لشيخ شيوخنا الإمام أبي الحسن الهيثمي، لكن وقع بإثباتها في نسخة معتمدة من الفوائد بخط أبي الطاهر الأنماطي المحدث المشهور، إلا أنه يتأيد من ظننته بالرواية الثانية حيث وقع فيها تسمية المبهم، وإن كان قد وقع في اسم أبيه هنا تغيير والصواب فيه يخامر بضم الياء التحتانية، ويقال: بألف بدلها وبعدها خاء معجمة مفتوحة، وبعد الميم راء، وعلى هذا فقوله في الطريق التالية: عن جبير بن ملك خطأ

والصواب "عن" بدل "بن"، ثم رأيت الحديث المذكور في الجزء الثالث من حديث أبي علي بن خزيمة الذي أخرجه ابن الجوزي من طريقه وصورته فيما أخبرني شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل رحمه الله شفاها وقرأة على غيره عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الدمشقي سماعًا أنا أبو العباس الصالحي عن أبي المنجا البغدادي أنا أبو الحسن بن جعفر أنا أبو غالب الباقلاني أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران أنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ثنا محمد بن سويد الطحان ثنا عاصم بن علي، نا عبد الرحمن بن ثابت عن أبيه، عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر وعن الثقة عن عكرمة بن مثله. انتهى. وعلى هذا فالظاهر أن جبيرًا سمعه من مالك، ومن ثقة غيرهما، عن عكرمة. والعلم عند الله تعالى، وقد راجعت "الأدب المفرد" للبخاري، وللبيهقي "وذم الملاهي" لابن أبي الدنيا ... ومكارم الأخلاق للخرائطي وللطبراني، ومساوئ الأخلاق للخرائطي وغيرها من مظان هذا الحديث، فلم أظفر به في شيء منها وبالله التوفيق.

47 - سئلت عن حديث: لو كان لابن آدم جبلين من ذهب ... الحديث

47 - سئلت عن حديث: "لو كان لابن آدم جبلين من ذهب ... الحديث". لم أقف عليه بلفظ "جبلين" في شيء من طرق الحديث مع أن الحديث المشار إليه قد وقع لي من رواية جمع من الصحابة، منهم: أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وجابر بن عبد الله، وزيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص وسمرة بن جندب، وعائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس وكعب بن عياض الأشعري، وأبو أمامة، وأبو سعيد الخدري، وأبو موسى الاشعري، وأبو هريرة وأبو واقد الليثي. أما حديث أبي فأخرجه الطيالسي في مسنده ومن طريقه الترمذي في جامعه من طريق زر بن حبيش عن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ...) قال وقرأ فيها: (إن الدين عند الله الحنيفية السمحة) .. الحديث. وفيه: وقرأ عليه "لو كان لابن آدم وادٍ لابتغى إليه ثانيًا، لابتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" وسنده جيد وقد صححه الحاكم. ورواه الضياء في المختارة والإمام

أحمد والحاكم وأخرجه البخاري في صحيحه، وقال: قال لنا الوليد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا في القرآن حتى نزلت: (ألهاكم التكاثر) .. يعني: لو كان لابن آدم واد من ذهب، وهو من هذا الوجه في صحيح أبي عوانة ولظفه عن أبي قال: نرى أن هذا الحديث من القرآن: "لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" وأخرجه أيضًا من طريق الذيال عن حرملة عن أبيه أن ابن عباس كان عند عمر فغمز قدمه فقال: "لو أن لابن آدم واديين من مالٍ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب" فقال: ما هذا؟ قال: اقرأنيها أبي ابن كعب قال: أبو المنذر؟ قال: نعم نبئت أنه شاك، فأتيناه معناه، وذكر الحديث، قال أبي: لقد كنا نقرأها، قال: فما تأمر؟ قال: ما آمرك ولا أنهاك، وفي لفظ عنده عن ابن عباس قال: كنت عند ابن عمر فقرأت: "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما واديًا ثالثًا ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب". فقال: ما هذا؟ فقلت: أقرأنيها أبي، قال: والله لقد نبئت أنه وجع فذكر لي لعلي أن آتيه، فأتاه فلما دخل عليه قال له: كيف أنت أصلحك الله؟ فقال: كما سبرك وسبر أصحابك يوشك أن أموت فأفارقكم، فتعانقا قال عمر: ما معنى ذلك ابن أخيك إنك أقرأته؟ فقال: ما هؤلاء يكذبون علي؟ قال: فقرأها قال: قد كنا نقرأها، قال: فما تأمر؟

قال: ما آمرك ولا أنهاك. ومن طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس مثله. ومن هذا الوجه أخرجه بمعناه الإمام أحمد ورواه أيضًا هو وأبو يعلي في مسنديهما، والطبراني من طريق أبي حبيب بن يعلي بن منية عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: أكلتنا الضبع ـ يعني السنة ـ فسأله عمر: ممن أنت فمازال ينسبه حتى عرفه، فإذا هو موسر فقال عمر: لو أن لابن آدم واديًا، أو واديين لابتغى إليهما ثالثًا، قال ابن عباس ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله من بعد ذلك على من تاب. فقال عمر: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي بن كعب، قال: إذا كان بالغداة فاغد علي فغدا إلى أمه أم الفضل فذلك لها ذلك فقالت: مالك والكلام عند عمر؟ وخشي ابن عباس أن يكون أبي نسي فقالت له أمه: إن أبيا عسى أن لا يكون نسي فغدا إلى عمر ومعه الدرة، فانطلقا إلى أبي فخرج عليهما وقد توضأ فقال: إنه أصابني مذي فغسلت ذكري أو فجري ـ شك الراوي ـ قال عمر: أو يجزئ ذلك؟ قال: نعم، فسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وسأله عما قال ابن عباس فصدقه. وهو عند الروياني لكن باختصار، وأخرج ابن ماجه منه قصة المذي فقط وساقه

الضياء في المختارة بتمامه من حديث أبي حبيب ويزيد. قلت: وهذه الطرق عن ابن عباس قد يشعر لعدم سماعه كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في البخاري كما سيأتي تصريحه بالسماع منه، فيحتاج إلى الجمع بينهما وهو ممكن. والله الموفق. وفي "معجم الطبراني الكبير" من طريق عطاء بن السائب عن الشعبي، عن ابن عباس عن أبي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كان للإنسان واديان من المال لالتمس الثالث ولا يملأ بطن الإنسان إلا التراب ويتوب الله على من تاب". وأما حديث أنس، فأخرجه الشيخان والترمذي، وأبو عوانة وغيرهم بألفاظ متقاربة من حديث ابن شهاب عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن لابن آدم واديين من ذهب أحب أن يكون له وادي آخر، ولا يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب". وهو عند مسلم أيضًا وأبي عوانة من حديث قتادة عمن رفعه:

"لو كان لابن آدم واديان". وفي لفظ: "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى، أو لتمنى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" فلا أدري أشيء نزل عليه أو كان يقوله. أما حديث بريدة، فرواه البزار في مسنده من طريق صبيح أبي العلاء عن ابن بريدة ـ يعني عبد الله ـ عن أبيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب لابتغى إليه ثانيًا، ولو أعطى ثانيًا لابتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله عن من تاب". وسنده حسن، وقد أخرجه الروياني في مسنده والبخاري في تاريخه تعليقًا، وساقه الضياء في المختارة من طريق أبي بكر الشافعي وغيره. وعند أبي عوانة في صحيحه بلفظ: "لو أعطى ابن آدم واديًا من ذهب لابتغى واديًا ثانيًا ولو أعطى ثانيًا والباقي سواء".

وأما حديث جابر، فرواه البزار وأبو يعلي في مسنديهما وأبو عوانة في مستخرجه على مسلم وابن حبان في صحيحه من طريق الأعمش عن أبي سفيان عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كان لابن آدم وادٍ من نخلٍ لابتغى له مثله ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب". وهو عند أبي عوانة في مستخرجه بلفظ: "لو كان لابن آدم واديًا بخلاً" ومن طريقه وطريق أبي شمعون رواه الضياء في المختارة، وأخرجه أبو عوانة وابن حبان أيضًا وأبو عبيد في "فضائل القرآن" من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عنه بلفظ: "لو كان لابن آدم مل واد مالاً لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ نس أو قال: جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب اله على من تاب". ورواه الخلعي في "فوائده" من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير به ولفظه: "لو كان لابن آدم نخل تمنى آخر مثله، ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب". وكذا أخرجه أحمد بلفظ: "لو أن لابن آدم وادياً من مال لتمنى

ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" ورجاله رجال الصحيح إلا ابن لهيعة، لكن حديثه يعتضد بما تقدم. وأما حديث زيد، فرواه أبو عوانة في صحيحه وأحمد وأبو يعلي والبزار ي مسانيدهم والطبرني في "الكبير" وأبو عبيد في "فضائل القرآن" بسند روائه ثقات، كلهم من طريق جندب بن يسار الكندي عنه قال: كنا نقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لابن آدم واديين" وفي لفظ: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة"، وفي لفظ: "أو في فضة لابتغى إليه آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا الترا ويتوب الله على من تاب" وهو عند الضياء في المختارة. وأما حديث سعد، فرواه الطبراني في "الأوسط، والصغير" والضياء في "المختارة" من طريقه، وطريق ابن المقرئ كلاهما من حديث قيس بن أبي حازم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لابن آدم واديين من مال أو قال: مالاً لتمنى إليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم

إلا التراب ويتوب الله على من تاب". وأما حديث سمرة، فرواه البزار والطبراني كلاهما بسند ضعيف من حديث سلميان ـ ابنه ـ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الرجل لا تمتلئ نفسه من المال حتى تمتلئ من التراب، ولو كان لأحدٍ واد من أعلاه إلى أسله أحب أن يملأ له وادٍ آخر، فإن ملئ الوادي الآخر فانطلق وجد واديًا آخر، فقال: أما والله لو استطعت لملأتك". وأما حديث عائشة، فرواه أحمد والبزار، في مسنديهما، وأبو عوانة في مستخرجه كلهم من حديث مسروق أنه سألها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيئًا عند منامه؟ قالت: كان يقول: "لو أن لابن آدم واديين لابتغى واديًا ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب". وهو عند أبي يعلي بمعناه، وزاد في آخر: "إنما جعلنا المال لتقضي به الصلاة، وتؤتى به الزكاة قالت: فكنا نرى أنه مما نسخ من

القرآن". وأما حديث ابن الزبير، فرواه البخاري في صحيحه، وابو عوانة في مستخرجه وهذا لفظه، كلاهما من حديث عباس بن سهل بن سعد سمعت ابن الزبير على منبر مكة يقول في خطبته: "أيها لناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لو أن لابن آدم ملأى ذهبًا أحب إليه ثانيًا ولو أعطى ثانيًا أحب ثالثًا ألا وأنه لا يسد جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" وأشار إليه البخاري أيضًا من حديث عطاء بن أبي رباح عنه، وأغفل ذلك المزي في الأطراف ولم يتنبه عليه شيخنا في نكته". وأما حديث ابن عباس، فرواه الشيخان في صحيحيهما وأبو عونة وغيرهم بألفاظ متقاربة من حديث عطاء ابن أبي رباح عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن لابن آدم وادين منذهب لابتغى إليهما ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" وفي بعض ألفاظه: "لو أن لابن آدم واديًا من مال لأحب أن له إليه مثله، ولا يملأ نس ابن آدم إلا

التراب ويتوب الله على من تاب". قال ابن عباس: فلا أدري أمن القرآن هو أم لا؟ وأما حديث كعب، فرواه الطبراني في "الكبير"من حديث جبير بن نفير عنه عن نبي اله صلى الله عليه وسلم قال: "لو سُيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليهما ثالثًا، ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" وفي سنده المسيب بن واضح مختلف فيه، وقد أخرجه سعيد بن منصور من حديث جبير مرسلاً. وأما حديث أبي أمامة، فأخرجه الطبرني أيضًا بسند فيه ضعف ولفظه: "لو أن لابن آدم واديين لتمنى ثالثًا، وما جعل المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يشبع ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". وأما حديث أبي سعيد، فرواه البزار في مسنده من حديث عطية عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى إليه

ثانيًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" وعطيه ضعيف، وقد أخرجه أبو عوانة من طريقه في مستخرجه بلفظ: "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى ثالثًا ولا يملأ عين ابن آدم أو بطن ابن آدم إلا التراب". وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وأبو عوانة وأبو نعيم بألفاظ متقاربة كلهم من حديث أبي الأسود الدؤلي ـ واسمه ظالم ـ قال: جمع أبو موسى القرء فقال: لا تدخلوا عليّ إلا من جمع القرآن، قال: دخلنا عليه زهاء ثلثمائة رجل فوعظنا قال: أنتم إن شاء الله قراء أهل البلد فلا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب، ثم قال: لقد أنزلت سورة كنا نشبهها براءة طويلاً وشديدًا وأنسيتها غير أني قد حفظت آية فيها "لو كان لابن آدم واديان أو قال: واديان من مالٍ لالتمس إليهما وادياً ثالثًا ولا يملأ جو أو قال: نفس ابن آدم إلا التراب" الحديث وهو عند أبي عوانة أيضًا بلفظ: نزلت سورة نحو براءة فرفعت وحفظت منها: "لوأن لابن آدم واديين من مالٍ لالتمس إليهما واديًا ثالثًا ولا يملأ جو ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله على من تاب". وهو في فضائل القرآن لأبي عبيد بلفظ: لو أن لابن آدم واديين ... الحديث. وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه أبو عوانة في مستخرجه من طريق أبي سعيد المقبري عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان

من ذهب لطلب ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». وأما حديث أبي واقد، فرواه أبو عوانة أيضًا وأحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما، والطبراني في بعض معاجمه وأبو عبيد في «فضائل القرآن» له، والبحتري في «الثامن من فوائده» وألفاظهم متقاربة كلهم من طريق عطاء بن يسار عنه قال: كنا نجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نزل عليه القرآن قرأه علينا، فقرأ علينا ذات ليلة: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو أن لابن آدم واديًا من ذهب لأحب أن يكون له واديان، ولفظ أبي عبيد: لو أن لابن آدم واديًا لأحب أن يكون إليه الثاني ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.

48 - حديث: كل أمر ذي بال .. الحديث

48 - حديث: "كل أمرٍ ذي بال .. الحديث". أنبأني به أبو زرعه المقدسي عن أبي عبد الله الأنصاري أنا أبو الفداء ابن أبي اليسر حضورًا أنا أبو طاهر الخشوعي، أبنا أبو محمد الأكفاني، أنا أبو بكر الخطيب الحافظ، أنا محمد بن علي بن مخلد الوراق ومحمد بن عبد العزيز بن جعفر البردعي قالا: ثنا أحمد بن محمد بن عمران ثنا محمد بن صالح البصري بها ثنا عبدي بن عبد الواحد بن شريك ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم أقطع". هذا حديث غريب أخرجه الخطيب البغدادي في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" ومن طريقه أخرجه الرهاوي في خطبة الأربعين له، قال: أنا محمد بن حمزة أنا عبد الله يعني الأكفاني به فوقع لنا بدلاله عاليًا ورواته ثقات، فعبيد وثقه ابن حبان ومسلمة وأبو مزاحم وقال الدارقطني: صدوق، وقال ابن المنادي: أكثر الناس عنه ثم أصابه أدنى تغيير في آخر أيامه وكان على ذلك صدوقًا.

وقاله العجلي وأبو حاتم وابن حبان ومبشر أخرج له الجماعة، ووثقه أحمد وابن معين وابن سعد وابن حبان كبار الأئمة ثقاتهم، لكن قال يعقوب بن شيبه عن ابن معين: الأوزاعي في الزهري ليس بذلك. قال يعقوب: والأوزاعي ثقة ثبت وفي روايته عن الزهري خاصة شيء. انتهى. ولعل سبب ذلك ما قاله عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي دفع إليَّ الزهري صحيفة فقال: اروها عني. والله أعلم. وقد تابع مبشرًا على روايته عن الأزاعي لكن بلفظ آخر، خارجة بن مصعب ومحمد بن كثير وهما ضعيفان.

أما رواية خارجة: فرواها الخليلي في الإرشاد ومن طريقه الرهاوي من طريق إسحاق بن حمزة ثنا عيسى ابن موسى غنجار ثنا خارجة به بلفظ: "كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع". وأما رواية محمد، فأشار إليها الداقطني في العلل فقال: رواه محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري وأخرجها الرهاوي بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع، إلا أنه وقع في روايته عن يحيى بدل الزهري وقال بعد تخريجها: هكذا كان في أصل كتاب أبي يوسف ـ يعني أحد رواته. قلت: وزعم بعضهم أن يحيى هذا هو ابن أبي كثير، لكن رده التاج السبكي وادَّعى أن يحيى هو قرة الآتي، لأن إسماعيل بن عياش ذكر أن لقبه قرة واسمه يحيى. وفيه نظر من وجهين: أحدهما ضعف الطريق إلى إسماعيل كما أشار إليه ابن حبان. الثاني: أنه يلزم منه أن يكون من رواية قرة عن أبي سلمة ولا متابع

له على ذلك، وعندي أن ذكر يحيى في السند وهم، ويتأيد بالرواية التي أشار إليها الدارقطني. وبالله التوفيق. وقد اختلف في هذا الحديث على الأوزاعي، فرواه عنه من قدمنا ذكره هكذا، وخالفهم الوليد بن مسلم فيما أخبرني الشيخان أبو محمد الحنفي، وأم محمد ابنة ابن جماعة سماعًا عليهما، الأول عن أبي عمر بن جماعة، والثانية عن أبي الفرج ابن القارئ كلاهما عن أبي المعالي الأبرقوهي سماعًا للأول وحضورًأ للثاني قال: أنا أبو القاسم ابن أبي الجود، أنا أبو العباس ابن الطلابة أنا أبو القاسم الأنماطي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ابن بنت أحمد بن منيع ـ هو البغوي ـ ثنا أبو الفضل داود بن رشيد الخوارزمي، ثنا الوليد بن مسلم عن الأزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع". هذا حديث غريب قال البزار بعد تخريجه من حديث قرة: لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وحسنه ابن الصلاح ثم النووي في الأذكار وشيخ شيوخنا العراقي وادعى بعضهم صحته أخرجه الداقطني في أول الصلاة من سننه عن أبي القاسم البغوي

فوافقناه بعلو، وأخرجه أبو داود في باب الهدى في الكلام من كتاب الآداب من سننه قال: ثنا أبو توبة قال: زعم الوليد بهذا ولفظه: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليل" من سننه الكبرى رواية ابن الأحمر قال: أنا محمود بن خالد ثنا الوليد به باللفظ الذي أسندناه. وأخرجه الرهاوي في خطبة الأربعين له عن أبي الغنائم التنوخي عن ابن الطلابه فوقع لنا بدلالهم عاليًا، وأخرجه أيضًا من طريق أبي العباس الثقفي عن داود بن رشيد فوقع لنا عاليًا، ورجال هذا السند من رجال الصحيحين سوى قرة هو: ابن عبد الرحمن بن حيويل أبو محمد المعافري فلم يخرج له البخاري أصلاً، وأما مسلم، فقال الحاكم في أواخر الصلاة من مستدركه: إنه استشهد به في صحيحه في موضعين.

انتهى، وقد لينه غير واحد، فنقل الجرجاني عن أحمد أنه منكر الحديث جدًا، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير. وقال الآجري عن أبي داود: في حديثه نكارة، وقال ابن أبي خثيمة عن ابن معين: ضعيف الحديث وفي وراية عن يحي: كان يتساهل في السماع والحديث وليس بكذاب، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي لكن قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا جدًا وأرجو أنه لا بأس به، ووثقه ابن حبان ونقل عن الأوزاعي أنه كان يقول: ما أحد أعلم بالزهري منه، ثم تعقبه بأنه ليس بشيء يحكم به على الإطلاق. قلت: لكن أورد ابن عدي بسنده إلى قرة قال: لم يكن للزهري كتاب، إلا كتاب فيه نسب قومه، وكان الأوزاعي يقول: ما أحد أعلم بالزهري من ابن حيويل. وقال شيخنا: فيظهر من هذه القضية أن مراد الأوزاعي أنه أعلم بحال الزهري من غيره، لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث، قال: وهذا هو اللائق. والله الموفق. وقد تابع الوليد على روايته عن الأوزاعي، شعيب بن إسحاق، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وعبيد الله بن موسى العبسي، وموسى بن أعين وأبو المغيرة. أما حديث شعيب، فأخرجه ابن حبان في النوع الثاني والتسعين من القسم الأول من صحيحه قال: أنا الحسين بن عبد الله القطان: ثنا هشام بن عمار ثنا شعيب به ولفظه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله

أقطع" وبوب عليه: الأمر للمرء أن يكون فواتح أسبابه بحمد الله لئلا يكون أسبابه بترا. وأما حديث عبد الحميد، فأخرجه ابن حبان أيضًا في النوع السادس والستين من القسم الثالث بهذا اللفظ والسند إلى هشام: ثنا عبد الحمي به. فكأن هشامًا حدث به مرة عن شعيب ومرة عن عبد الحميد. وبوب عليه ابن حبان: الإخبار عما يجب على المرء من ابتداء الحمد لله عز وجل في أوائل كلامه عند بغية مقاصده. قلت: وفي مغايرته بين الترجمتين مع اتحاد لفظ الخبر نظر، أشار إليه التاج السبكي. وقد أخرجه أبو عوانة في خطبة مستخرجه على مسلم فيما زاده عليه قال: حدثني يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي وسعيد بن محمد قالا: ثنا هشام بسنده مثله، يعني مثل حديث عبيد الله الآتي، وأخرجه الخليلي في "الإرشاد" ومن طريقه الرهاوي من حديث محمد بن خريم الدمشقي ثنا هشام به بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع". وأما حديث ابن المبارك، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده: ثنا يحيى بن آدم، ثنا ابن المبارك به بلفظ: "كل أمر وكلام ذي بالٍ لا يفتح بذكر الله فهو أبتر أو قال: أقطع".

وأما حديث عبيد الله، فرواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى ومحمد بن خلف العسقلاني ويوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي وأبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي وأبو العباس العزي والعباس بن محمد ومحمد بن المغيرة السكري والحسن بن سلام السواق ومحمد بن أسلم الطوسي ويعقوب بن سفيان الفسوي وغيرهم. فحديث أبي بكر واللذين بعده أخرجها ابن ماجه في خطبة النكاح من سننه عنهم بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع"، وهو في مصنف أبي بكر بن أبي شيبه ومسنده معًا. وحديث يوسف والثلاثة بعده أخرجها أبو عوانة في خطبة صحيحه أيضًا عنهم بهذا اللفظ وزاد: "فهو أقطع". وحديث السكري، أخرجه البيهقي في الباب الثالث والثلاثين من شعب الإيمان له قال: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ، ثنا محمد بن المغيرة ولفظه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع". وحديث السواق، أخرجه الخطيب في جامعه عن أبي عمر بن مهدي. ورواه الرهاوي في خطبة الأربعين من طريق ابن شاذان كلاهما عن أبي عمرو ابن عنه بلفظ ابن ماجه وزاد: "بالحمد لله". وحديث الطوسي: أخرجه الرهاوي من طريق زاهر السرخسي عن

محمد بن وكيع الطوسي عنه بلفظ الذي قبله سواء. وحديث الفسوي، أخرجه الخطيب في جامعه بهذا اللفظ أيضًا عن أبي الحسن البصري عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي عنه به. وأما حديث موسى بن أعين، فأخرجه الدارقطني في أول الصلاة من سننه أيضًا قال: حدثني أبو طالب الحافظ أحمد بن نصر بن هلال بن العلاء ثنا عمرو بن عثمان هو الرقي، ثنا موسى به ولفظه: "كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله تعالى أقطع". وأما حديث أبي المغيرة ـ وهو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني ـ فقال البيهقي في "كتاب الجمعة من سننه الكبرى": أنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد ابن الأعرابي، ثنا عباس بن عبد الله الترقفي، ثنا أبو المغيرة به بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع" وهكذا رويناه من حديث الخرائطي ثنا الترقفي به، ومن حديث أبي الأسعد هبة الرحمن المقبري عن جدته فاطمة ابنة الأستاذ أبي علي الدقاق عن شيخ البيهقي، وساقه الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل في عشرة الحداد قال: أنا أبو مسعود ابن أبي منصور، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ ثنا الطبراني إملاء وقراءة، ثنا أحمد بن عبد الوهاب الحوطي، ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي حدثني قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع". قلت: فهؤلاء سبعة أنفس رواه عن الأوزاعي بإثبات قرة، وكلهم

ثقات، من رجال الشيخين في صحيحيهما إلا عبد الحميد فلم يخرجا له، وقد وثقه أحمد وأبو زرعة وابن حبان والدارقطني وأبو حاتم في أحد قوليه، وقال ابن معين والعجلي: ليس به بأس، لكن ضعَّفه دحيم، وقال البخاري: ربما يخالف في حديثه، ويروى عنه أنه ليس بالقوي، وكذا قال النسائي. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم. انتهى. فروايهم أرجح من رواية من أسقطه، ويمكن الجمع بينهما بأن الأوزاعي رواه عن الزهري من صحيفته مناولة، وسمعه من قرة عنه سماعًا. والله أعلم. وقد اختلف في هذا الحديث أيضًا على الوليد ثم على الزهري، فأما الاختلاف على الوليد، فرواه عنه من قدمنا، فقالوا: عن الأزاعي عن قرة عن الزهري. ورواه النسائي "في اليوم والليلة" قال: أخبرني محمود بن خالد يعني أيضًا، ثنا الوليد فقال: عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري ويحتمل أن يكون الوليد سمعه من الأوزاعي بنزول ومن سعيد بعلو، على أن سعيدًا قد رواه عن الزهري مرسلاً كما سيأتي. وأما الاختلاف على الزهري، فإنا أوردناه عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وأشار الدارقطني إلى أنه رواه محمد بن سعيد الوصيف ـ يعني الضعيف ـ عن الزهري، فقال: عن ابن كعب بن مالك عن أبيه.

قلت: وكذا رواه الزبيدي عن الزهري فيما أخبرتني به المسندة سارة ابنة أبي حفص الحموي ـ رحمها الله ـ عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الفراء أنبأنا علي بن محمد [بن] أحمد بن عبد الواحد المقدسي عن أسعد بن سعيد بن روح وغير واحد قالوا: أنا فاطمة ابنة عبد الله الجوزذانية أنا أبو بكر بن ريذه، أنا أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير له ثنا أحمد بن المعلم الدمشقي ثنا عبد الله بن يزيد المقريء ثنا صدقة بن عبد الله السمين عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري عن عبد الله بن كعب عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع". أخرجه الرهاوي هكذا من طريق أبي بكر بن ريذة فوقع لنا عاليًا، وصدقة ضعيف عند الجمهور. فقد رواه يونس بن يزيد وعقيل بن خالد الأيليان وشعيب بن أبي حمزة وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً كما أشار إلهي أبو داود في سننه وتبعه البيهقي وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال: ثنا بقية بن الوليد، ثنا شعيب كذلك

ولفظه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أكتع" قال بقية: والاكتع هو الذي ذهبت أصابعه وبقي كفه. أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن عقيل به. وكذا أخرجه من حديث غير عقيل فقال: أنا علي بن حجر ثنا الحسن ـ يعني ابن عمرو، وهو أبو المليح ـ عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ في أوله بذكر الله فهو أبتر". ورواه وكيع عن الأوزاعي عن الزهري كذلك. وصحح جهبذ العلل والحافظ الجبل أبو الحسن الدارقطني من طريق هذا الحديث هذه الرواية المرسلة وهو موافق لما نقله الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث فيما إذا اختلف الثقات في حديث فرواه بعضهم متصلاً وبعضهم مرسلاً أن الحكم لمن أرسل وقيل: إن الحكم للأكثر، وقيل: للأحفظ، وكلاهما اتصف به من أرسل هذا الحديث، لكن صحح الخطيب أن الحكم لمن وصل، ونقل ابن الصلاح تصحيحه عن أهل الفقه وأصوله، وعزاه النووي أيضًا للمحققين من أصحاب الحديث، وتعقب ذلك ابن دقيق العيد بأنه ليس قانونًا مطردًا قال: ومراجعة

أحكامهم الحديثية تعرف صواب ما نقول. وكذا قال ابن سيد الناس وبه جزم العلائي فقال: كلام المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم، يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عن أحدهم في كل حديث حديث. انتهى. ويستشكل المذهب الأخير هذا الحديث حيث اتحد مخرجه، ورواه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه، ورواه من هو دونهم في الضبط والإتقان والعدد، على وجه يشتمل على زيادة في السند، فكيف تقبل زيادتهم وقد خالفهم من لا يغفل مثلهم عنها، لحفظهم وكثرتهم، والغرض أن شيخهم الزهري ممن يجمع حديثه ويعتني بمرورياته بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه، ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، قال شيخنا: والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة. انتهى. وفي سؤالات السلمى أن الدارقطني سئل عن الحديث، إذا اختلف فيه الثقات؟ قال: ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته ومن جاء بزيادة فتقبل من متقن ويحكم لأكثرهم حفاظًا ويبني على ما دونه. انتهى. وفي المسألة كلام كثير ليس هذا محله، وإنما نبهت على ذلك، دفعًا

لمن تعقب تصحيح الدارقطني ممن لا يدانيه. وبالله التوفيق. وقد وقع لنا من حديث يونس بن يزيد الأيلي متصلاً لكنه ضعيف جدًا: أخبرني أبو المعالي ابن الذهبي مشافهة عن أبي هريرة ابن الحافظ سماعًا أنا أبو محمد بن عساكر عن أبي الوفاء ابن منده أنا سعد البزار أنا أبو عمرو بن الحافظ أنا أبو الحسين العمري ثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون أخبرني أبي قال: وجدت في كتاب جدي ميمون بن عون ثنا إسماعيل بن أبي زياد، ثنا يونس بن يزيد الأيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله ثم بالصلاة عليَّ فهو أقطع أكتع ممحوق من كل بركة". وأخرج الرهاوي من طريق الخليلي في الإرشاد: ثنا محمد بن عمر الزاهد ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن الطياب الأصبهاني ثنا الحسن بن القاسم الأصبهاني، ثنا إسماعيل به ولفظه: "كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة". وهكذا أخرجه الديلمي في مسند الفردوس له من طريق أبي بكر

49 - سئلت: هل يدخل في تعريف الصحابي حيث قيل فيه: من رأى .. إلى آخه، من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أو رآه بعد وفاته كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر فإنه لما أخبر بمرض النبي صلى الله عليه وسلم سافر نحوه فقبض صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى

الزاهد المذكور ولفظه: "كل كلام لا يذكر الله تعالى فيه فيبدأ به والصلاة عليّ فهو أقطع ممحوق من كل بركة" وإسماعيل قال الرهاوي: هو الشامي صاحب التفسير سكن بغداد في خدمة المهدي وهو ضعيف جدًا، لا يعتد بروايته ولا بزيادته انتهى. وقال الخليلي: إنه شيخ ضعيف ليس بالمشهور والله أعلم. ومن أحب إفراد هذا الحديث فليسمه "تحرير المقال في تخريج حديث كل أمر ذي بال". 49 - سئلت: هل يدخل في تعريف الصحابي حيث قيل فيه: من رأى .. إلى آخه، من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أو رآه بعد وفاته كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر فإنه لما أخبر بمرض النبي صلى الله عليه وسلم سافر نحوه فقبض صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى المدينة بيسير، وقدم قبل غسله صلى الله عليه وسلم فحضر ثقيفة بن ساعدة وبيعة أبي بكر ثم صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه مسجى وشهد دفنه، أم لا؟ فأجبت: أما الصورة الأولى فأشار البلقيني إلى دخولها في الحد وأنه ينبغي أن يزاد في التعريف ما يخرجها، وصرح شيخنا بأنه لا يعد صحابيًا لأنه وإن كان قد رآه حقًا، فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية،

لا الأحكام الدنيوية ولهذا لا يجب عليه أن يعمل بما أمره في تلك الحالة، وأما الصورة الثانية فقال العلائي: لا يبعد أن يعطي هذا حكم الصحبة لشرف ما حصل له من رؤيته صلى الله عليه وسلم قبل دفنه وصلاته عليه، قال: وهو أقرب من عدَّ المعاصر الذي لم يره أصلاً فيهم أو الصغير الذي ولد في حياته. انتهى. وقال شيخنا: والراجح أنه ليس صحابيًا وإلا لعد فيهم من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار ولذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه وكذلك على طريق الكرامة إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر في الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية إنما هي أخروية لا تتعلق بها أحكام الدنيا فإن الشهداء أحياء ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم من الموتى. وذكر شيخه العز ابن جماعة في شرحه لعلوم الحديث نقلاً عن بعضهم أن الظاهر اشتراط وقوع الرؤية وهو صلى الله عليه وسلم حي لأن النبوة انقطعت بوفاته صلى الله عليه وسلم قال: وهو محل بحث وتأمل. والله أعلم.

50 - حديث: ما ذئبان ضاريان .. الحديث ..

50 - حديث: "ما ذئبان ضاريان .. " الحديث .. رواه الترمذي في الزهد والدارمي في الرقاق من جامعهما، والإمام أحمد في موضعين من الجزء الثاني من مسند المكيين والمديين من مسنده كلهم من طريق ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ: "ما ئبان جائعان في غنم بأفسد لها من حرص الرجل على المال والشرف لدينه". وترجم عليه: "الإخبار عما يجب على المرء من مجانبة الحرص على المال والشرف، إذ هما مفسدان لدينه" وقال الترمذي عقب تخريجه: حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عمر ولا يصح. قلت: أخرجه الطبراني وعنه أبو نعيم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان

أرسلا في غنم أغفلها أهلها بأسرع فيها فسادًا من طلب الشرف والمال في دين المسلم" وهكذا أخرجه البزار في مسنده لكن بلفظ: "ما ئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدا بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم" وقال: لا نعلمه عن ابن عمر من هذا الوجه. انتهى. وفي الباب أيضًا عن أسامة بن زيد وعاصم بن عدي وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وغيرهم. وأما حديث أسامة فرواه الطبراني وعنه أبو نعيم من طريق أبي عثمان النهدي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان باتا في حظيرة غنم تفترسان ويأكلان بأسرع فسادًا فيها من طلب المال والشرف في دين المسلم". وأما حديث عاصم، فرواه الطبراني وحده بلفظ: اشتريت أنا وأخي مائة سهم من سهام خيبر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما ذئبان

ضاريان ظلا في غنم أضاعها ربها لعله أفسد لها من طلب المسلم المال والشرف لدينه". وأما حديث ابن عباس، فرواه الطبراني وعنه أبو نعيم من طريق محمد بن كعب عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان باتا في غنم بأفسد لها من حب ابن آدم الشرف والمال لدينه". وأما حديث علي فرواه ... وأما حديث أبي سعيد، فرواه الطبراني من جهة أبي الحويرث عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضارئان في زريبة غنم بأسرع منها فسادًا من طلب المال والشرف في دين المرء المسلم". وأما حديث أبي هريرة، فرواه أبو نعيم في الحلية من طريق أبي

حازم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان في غنم بأسرع فيها فسادًا من الشرف والمال في دين المرء والمسلم". وهكذا أخرجه الطبراني بلفظ: "ما ذئبان ضاريان جائعان باتا في زريبة غنم بأسرع فيها فسادًا من الشرف والمال في دين المرء المسلم". وأخرجه أبو يعلي بلفظ: "ما ذئبان ضاريان جائعان في غنم افترقت، أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأسرع فسادًا من المرء في دينه بحب شرف الدنيا ومالها". انتهى. وكان القصد تحرير اللفظ، لا مرتبة الحديث، فلذلك لم أتعرض لها. والله المستعان.

51 - حديث: العينة

51 - حديث: العينة. رواه الإمام أحمد في مسنده قال: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد لعائشة: إني بعت من زيد غلامً بثمانمائة درهم واشتريته بستمائة نقدًا، فقالت: أبلغي زيدًا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، بئس ما شريت وبئس ما اشتريت. وهكذا أخرجه البيهقي في سننه الكبرى من وجهين عن علي بن الجعد عن شعبة لكنه أرسله، فقال: عن أبي إسحاق، قال: دخلت امرأتي على عائشة وأم ولد زيد بن أرقم فقالت لها أم ولد زيد: إني بعت من زيد عبدًا بثمانمائة نسيئة واشتريت منه بستمائة نقدًا فقالت عائشة رضي الله عنها: أبلغي زيدًا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، بئس ما شريت وبئس ما اشتريت وأخرجه عبد الرازق عن معمر والثوري كلاهما عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقال: يا أم المؤمنين كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتبت عليه ثمانمائة، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى أخبري زيد بن أرقم أن قد بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. ورواه الدارقطني من طريق داود بن الزبرقان عن معمر أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة أم المؤمنين فدخلت عليها أم ولد زيد بن أرقم الأنصاري وامرأة أخرى فقالت أم ولد زيد: يا أم

المؤمنين إني بعت غلامًا من زيد بثمانمائة درهم نسيئةً وإني ابتعته منه بستمائة نقدًا، فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما شربت، إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب. وقد ذكره الشافعي وأعله بالجهالة بحال امرأة أبي إسحاق، وقال: لو ثبت فإنما عابت عليها بيعًا إلى العطاء، لأنه أجل غير معلوم، ثم قال: ولا يثبت مثل هذا عن عائشة، وزيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالاً. انتهى. وقد وقعت لنا تسمية المرأة المبهمة، أخرجه البيهقي من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن العالية قالت: كنت قاعدة عند عائشة ـ رضي الله عنها فأتتها أم محبة فقالت لها: يا أم المؤمنين أكنت تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته جارية لي إلى عطائه بثمانمائة نسيئة، وإنه أراد أن يبيعها فاشتريتها منه بستمائة نقدًا، فقالت لها: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إن لم يتب. ثم ساقه من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن امرأته العالية أن امرأة أبي السفر باعت جارية لها إلى العطاء من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم فذكره بلفظ: بئس ما اشتريت وبئس ما شريت وزاد: قال: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي قالت: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف). ورواه الدارقطني من طريق شيبان بن عبد الرحمن وقُرادٍ أبي نوح

كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية ـ قال شيبان: بنت أيفع ـ قالت: حججت أنا وأم محبة، وقال قراد: خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة فسلمنا عليها فقالت لنا: من أنت؟ قلنا: من أهل الكوفة قالت: فكأنها أعرضت عنا، فقالت لها أم محبة: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وأنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة نقدًا قال: فأقبلت عليها فقالت: بئسما شريت وما اشتريت فأبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، فقالت لها: أرأيت إن لم آخذ منه إلا راس مالي؟ قالت: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) وعلقه البيهقي من هذا الوجه فقال: ورواه حرب من طريق إسرائيل، حدثني أبو إسحاق، عن العالية جدته ـ يعني إسرائيل ـ قالت: دخلت على عائشة في نسوة فقالت: ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أم المؤمنين: هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: إني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وأنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقدًا فأقبلت عليها وهي غضبى، فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. وأفخمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلاً، ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنينن أرايت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فقالت عنها: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف). انتهى. وقد حسن بعض الأئمة هذا الحديث، وقال: إنه يحتج بمثله لأنه رواه عن العالية ثقتان ثبتان: أبو إسحاق زوجها ويونس ابنها، ولم يعلم

فيها (جرح)، والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك. انتهى. وقد رواه عمار بن رزيق عن أبي إسحاق فقال: عن العالية امرأة أبي السفر وهو وهم ورواية الثوري السابقة موضحة لذلك. وجاء عن ابن عباس ما يشهد لهذه القصة وهو أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة بمائة ثم اشتراها بخمسين فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة؟ ونحوه عنه في "كتاب مطين" أنه قال: اتقوا هذه العينة، لا تبيعوا الدراهم بالدرهم بينهما حريرة، وفي "كتاب النجشي" عنه أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله. ونحوه عند مطين عن أنس، وحكمه الرفع، لكن قد جاء عن ابن عمر ما يخالفه، أخرجه البيهقي من طريق مجاهد عن ابن عمر أن رجلاً باع من رجل سرجا ولم ينقد ثمنه، فأراد صاحب السرج الذي اشتراه أن يبيعه، فأراد الذي باعه أن يأخذه بدون ما باعه به، فسئل عن ذلك ابن عمر فلم ير به بأسًا، وقال ابن عمر: فلعله لو باعه من غيره باعه بذلك الثمن أو انقص. قلت: ووي عن ابن عمر مرفوعًا ما يوافق الأول، فأخرج أبو داود من طريق ابن وهب وعبد الله بن يحيى البرلسي واللفظ له، كلاهما

عن حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعًا حدثه عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "غذا تبايعتم بالعينة وأخذتثم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم". وسنده ضعيف. وإن كان أبو داود سكت عليه، لأن إسحاق وهو ابن اسيد نزيل مصر لا يحتج بحديثه وشيخه فيه مقال. لكن رواه أحمد والطبراني من طريق أبي عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر قال: أتى علينها زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى

أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم ذلاً فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم". وصححه ابن القطان لكن قال ابن القيم: أخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر، وقد أشار شيخنا إلى أنه معلول قال: لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات، أن يكون صحيحًا، لأن الأعماش مدلس، ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء، يحتمل أن يكون هو عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر فرجع الحديث إلى الإسناد الأول وهو المشهور. انتهى. ورواه السري بن سهل عن عبد الله بن رشيد عن عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى فذكر نحوه. وروى ابن بطة عن الأوزاعي مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع" يعني العينة، وهو صالح ويتأكد به المسند. وقد جاء عن أبي هريرة رفعه: "ولا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود

فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل". أخرجه ابن بطة وغيره بسند حسن. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها" يعني أذابها وباعوها. وثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها". والله الموفق.

52 - حديث الهندباء

52 - حديث الهندباء. يروى عن أنس بن مالك والحسين بن علي بن أبي طالب وأبيه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. أما حديث أنس، فأخرجه أبو أحمد بن عدي في «الكامل» من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن ابن أنس عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الهندباء من الجنة». قلت: ومن هذا الوجه أورده أبو الفرج ابن الجوزي في «الموضوعات» وأعله بعنبسة فقد قال فيه ابن معين: لا شيء، ومرة أخرى: ضعيف، ومرة: لا أعرفه، وقال البخاري، وأبو زرعة وابن عدي: منكر الحديث، زاد أبو زرعة: واهي الحديث، وفي رواية عن البخاري: تركوه وقال النسائي وأبو حاتم: متروك، زاد أبو حاتم: كان يضع. وترك أحمد بن يونس الرواية عنه، وضعفه أبو داود والنسائي والدارقطني وقال الترمذي: يضعف، وقال الأزدي: كذاب. وقال ابن حبان: وهو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به. انتهى.

ووجدت له طريقًا أخرى؛ أخرجها الحارث بن أبي أسامة، ومن طريقه أبو نعيم والديلمي من طريق أبان بن المحبر عن أبان بن أبي عياش، عن أنس مرفوعًا بلفظ: "كلوا من الهندباء، ولا تنفضوه، فإنه ليس من يوم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه" لكنها أيضًا واهية. وابن المحبر ـ وهو بحاء مهملة وزن محمد ـ قال فيه الأزدي: متروك، وقال أبو حاتم: ضعيف مجهول وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه. وابن أبي عياش ـ وهو بتشديد التحتانية وآخره معجمة ـ متروك الحديث وضعفه غير واحد. وأما حديث الحسين، فرواه أبو نعيم في "الب النبوي" له من طريق محمد بن يونس ـ هو الكديمي ـ حدثنا إبراهيم بن الحسن العلاف حدثنا عمر بن حفص المازني عن بشر بن عبد الله عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده الحسين بن علي رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول: "ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من ماء الجنة". والكديمي ـ هو بضم الكاف مصغر ـ قد رماه ابن حبان بالوضع وبشر، صرح غير واحد بجهالته. واللذان بينهما لم أقف على حالهما، نعم قد زعم ابن الجوزي أن الإمام أحمد قال في عمر: حرقنا حديثه. لكن يحتاج ذلك إلى نظر. نعم، رأيت الطبراني في أورد هذا الحديث في "معجمه الكبير" ومن طريقه أبو نعيم أيضًا قال: حدثنا

أحمد بن داود المكي حدثنا حفص بن عمر المازني حدثنا أرطاة بن الأشعت العدوي حدثنا بشر بن عبد الله بن عمرو بن سعيد الخثعمي قال: دخلت على محمد بن علي بن الحسين وعنده ابنه فقال: هلم إلى الغداء فقتل: قد تغديت يا بن رسول الله، فقال لي: إنه هندباء فقلت: يا ابن رسول الله وما في الهندباء؟ قال: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ورقة من ورق الهندباء إلى وعليها قطرة من ماء الجنة". ثم ذكر حديثًا في فضل البنفج. فجوزت أن يكون حفص هو عمر السابق انقلب اسمه في أحدهما وسقط أرطأة من الأول أو زيد هنا فإن يك الصواب ما هنا، فقد جزم شيخنا تبعًا للياسوفي بأنه لا يعرف. على أن أرطاة قال فيه ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به وإن كان كما سبق فالنظر باق والله أعلم. وأما حديث علي، فرويناه في خبر طويل من طريق أبي محمد عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ: "كلوا الهندباء من غير أن تنفض أو تغسل فإنه ليس فيها ورقة إلا وفيها من [ماء] الجنة". وابن حبيب اتهمه ابن حبان بالوضع، وقال أبو نعيم: إنه روى الموضوعات، وقال ابن معين: ليس بشيء. وشيخه، قال الدارقطني:

إنه متروك، وضعفه الخطيب، وقال: يروي المناكير عن الثقات وقال العقيلي: يحدث بالمناكير عن من لا يحتمل، والغالب على حديثه الوهم. انتهى. وذكر الطوسي في رجال الشيعة أسد بن سعيد النخعي الكوفي وقال: إنه أخذ عن جعفر الصادق فلعله المذكور هنا، لكن قد أخرج المستغفري في أواخر الطب له هذا الحديث من هذا الوجه إلا أنه قال: عن أسد بن سعيد عن صالح عن جعفر فقلب إسناده، وعنده فيه: "إن الهندباء طعام الخضر وإلياس واليسع وبوشع بن نون، يجتمعان في كل عام بالموسم، يشربان شربة من ماء زمزم يقوم بهما إلى قابل". وقال عقبه: إنه منكر، وإسناده ليس بصحيح، فإن أسد بن سعيد يوري العجائب وينفرد بالمناكير وصالح بن بيان مثله. انتهى.

ولست أدري أيهما الصواب. فالله أعلم. وقد رواه أبو الحجاج النصر بن طاهر فحذف الصحابي قال: حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رمانة إلا وفيها حبة من رمان الجنة فإذا أكل أحدكم رمانة فلا يسقط منها شيئًا، وما من ورقة من الهندباء إلا وفيها قطرة من ماء الجنة". وهكذا رواه ابن الجوزي عن مسعدة بلفظ: "في كل ورقة من الهندباء وزن حبة من ماء الجنة"، لكن مسعدة كذبه أبو داود، وقال أحمد: حرقنا حديثه منذ دهر. وأسقه هو وابن معين وأبو خيثمة فيما قاله محمود بن غيلان. وأما حديث ابن عباس، فأخرجه أبو نعيم من طريق صالح بن سهل عن موسى بن معاذ المكي، عن عمر بن يحيى بن أبي سلمة حدثتني أم كلثوم بنت أبي سلمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالهندباء، فإنه ما من يوم إلا وهو تقطر عليه قطرة من قطر الجنة"، وموسى، وعمر ضعيفان فيما قاله الدارقطني وصالح ما عرفته.

وبالجملة فالحديث منكر من هذه الطرق كلها وكأنه موضوع. وقد أورده ابن الجوزي في "موضوعاته" وقال صاحب الهدى: "الهندباء ورد فيه ثلاثة أحاديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يثبت مثلها بل هي موضوعة. أحدها: "كلوا الهندباء ولا تنفضوه، فإنه ليس يوم من الأيام إلا وقطرات من الجنة يقطر عليه". الثاني: "من أكل الهندباء ونام عليه لم يحل فيه سم ولا سحر". الثالث: "ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة". انتهى، ولم يعزها إلى مخرج لعدم اعتماده عليها ووقع في باب بيع الأصول والثمار من نسختي بشرح المنهاج للدميري فيما عزاه إلى أبي نعيم في الطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الهندباء. لم أقف على ذلك في الكتاب المذكور وبالله التوفيق.

53 - حديث: الشرب قائما

53 - حديث: الشرب قائمًا قد ثبت النهي عنه عن حديث سعيد بن أبي عروبة وهشام، وهمام كلهم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا. وفي لفظ: نهى أن يشرب الرجل قائمًا، قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال ذاك أشر أو أخبث. أخرجه مسلم وعند الترمذي من حيدث الجارود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا وقال: حسن غريب. وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس. قلت: أما حديث أبي سعيد، فأخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي عيسى الأسواري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر وفي لفظ: نهى عن الشرب قائمًا. وأخرجه الطبراني في "الكبير" وأبو بكر الشافعي من حديث علي

بن الحكم عن أبي نضرة عن أبي سعيد: نهى أن يشرب الرجل وهو قائم وأن يلتقم فم السقاء، فيشرب منه ورجاله رجال الصحيح. وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه مسلم من طريق أبي غطفان المري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشربن أحدكم قائمًا، فمن نسي فليستقيء". ورواه أحمد من طريق أبي زياد الطحان، وأبي زياد مولى الحسن بن علي كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يشرب قائمًا فقال له: "قه" قال له: "أيسرُّك أن يشرب معك الهر"؟ قال: لا، قال: "فإنه قد شرب معك من هو شر منه، الشيطان" ورجاله ثقات. ومن طريق الزهري عن رجل وعن الأعمش عن أبي صالح، كلاهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاءه" ورجال سند الأعمش رجال الصحيح. وقد صححه ابن حبان وابن السكن. وأما حديث أنس، فقد سبق. وفي الباب أيضًا عن ابن عباس وجابر، وغيرهما.

أما حديث ابن عباس، فأورده أبو علي ابن السكن، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء، ونهى أن يشرب الرجل قائمًا وفي السنن لسعيد بن منصور عن ابن عباس قال: إنما كره الشرب قائمًا لأنه داء. وأما حديث جابر، فهو عند ابن السكن أيضًا عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن الرجل يشرب قائمًا؟ فقال: كُنا نكره ذلك. وعند سعيد بن منصور من حديث يونس عن الحسن أنه كان يكره أن يشرب الرجل قائمًا. ومن حديث معاوية بن صالح مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائمًا فقال: "إن قدرت أن تقئه فقئه" انتهى. قال البيهقي: ويشبه أن يكون ذلك على طريق التنزيه عن الشرب قائمًا، واختيار الشرب قاعدًا للأدب، ولما يخشى في الشرب قائمًا من الداء فيما زعم أهل الطب، وخصوصًا لمن كانت به في أسافله علة يشكوها من برد أو رطوبة، قال: وحمله القتيبي على الشرب سائرًا. قلت: وما قاله البيهقي أحسن من هذا الحمل وادعاء النسخ وغير ذلك من الأحوال. كما أشار إليه شيخي في "الفتح" وهي طريقة الخطابي وابن بطال،

وغيرهما، وأشار إليه الأثرم فقال: إن ثبتت الكراهية حملت على الإرشاد والتأديب، لا على التحريم، وكذا حمل النووي وغيره النهي على التنزيه. وقد جاءت الرخصة في عدة أحاديث. منها: ما أخرجه الشيخان من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم. ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث النزال بن سبرة عن علي أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتي بكوز من ماء فأخذ منه حفنة واحدة، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، وقال: "هذا وضوء من لم يحدث". وعند أبي نعيم في "الحلية" من طريق عطاء بن السائب عن ميسرة وزاذان قالا: شرب علي قائمًا وقال: إن أشرب قائمًا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا، وإن أشرب قاعدًا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعدًا. وهو عند أحمد في المسند.

وأخرج سعيد بن منصور من حديث مجاهد قال: رئي علي بالكوفة يشرب وهو قائم. وفي بلاغات مالك في الموطأ: إن عليًا كان يشرب قائمًا. ومنها: ما أخرجه الترمذي وابن ماجه معًا من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام. وقال الترمذي: صحيح غريب، وأشار إلى أن عمران بن جرير رواه عن أبي اليزري يزيد بن عطارد عن ابن عمر. وفي الموطأ عن أبي جعفر القارئ أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائمًا. وعند سعيد بن منصور في "سننه" من حديث علي الأزدي أنه رأى ابن عمر يشرب وهو قائم من فم قربة أو إداوة. ومنها: ما أخرجه الترمذي وحسنه من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا وقاعدًا. قال: وفي الباب عن علي وسعد، وعبد الله بن عمرو، وعائشة. قلت: أما حديث علي: فقد سبق.

أما حديث سعد، فأخرجه الطبراني والبزار من حديث ابنته عائشة عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا وقاعدًا. وقال البزار: لا نعلمه يروي عن سعد إلا من هذا الوجه. قلت: ورجاله ثقات، وقد عزاه شيخي للترمذي ولم أجد فيه، وفي الموطأ عن ابن شهاب أن سعدًا كان لا يرى بشرب الإنسان وهو قائم باسًا. وأما حديث ابن عمرو: فقد سبق أيضًا. وأما حديث عائشة: فقد أخرجه أبو بكر الشافعي من طريق عيسى بن محمد بن سعد عن عطاء عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا وقاعدًا. وهو عند الطبراني من حديث يحيى بن سعيد عن عطاء، ورجاله ثقات. وأخرج أحمد من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها: أن

النبي صلى الله عليه وسلم دخل على امرأة من الأنصار وفي البيت قربة معلقة فاختنثها فشرب وهو قائم. ورجاله ثقات. وفي الموطأ عن مالك أنه بلغه أن عائشة كانت لا ترى بشرب الإنسان وهو قائم بأسًا. وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، وحسين بن علي، وعبد الله بن أنيس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وكبشة، وكلثم، وأم أنس وهي أم سليم، وأم الفضل، وجد خباب. أما حديث أنس، فهو عند أبي يعلي وأبي نعيم في "الحلية" وأبي بكر الشافعي وتمام في "فوائدهما" والأثرم من طريق الأوزاعي عن الزهري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا. وكذا أخرجه البزار وزاد: "لبنا". ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه الطبراني من حديث شريك عن حميد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل

مسجدهم فشرب وهو قائم. وأما حديث حسين، فأخرجه الطبراني في "الكبير" وأبو بكر الشافعي من حديث بشير بن غالب عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا، وفي سنده زياد بن المنذر وهو متروك. وأما حديث ابن أنيس، فأخرجه أبو داود والترمذي وضعفه من حديث ابنه عيسى عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى قربة معلقة فخنثها ثم شرب من فيها". وعزاه شيخي للطبراني فقط وهو عجيب. وأما حديث ابن الزبير فرواه مالك في الموطأ عن عامر بن عبد الله

بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائمًا. وأما حديث ابن عمر: فقد سبق. وأما حديث عثمان: ففي "الموطأ" عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان يشرب قائمًا. وأما حديث عمر فهو عند سعيد بن منصور في سننه من طريق فليح بن سلميان عن أم حفص ابنة أبي المغيرة أن أباها قال: رأيت بعض ولد عمر بن الخطاب يشربون عنده اللبن قيامًا وعمر يرى ذلك فلا ينكره. انتهى. وثبت عن عمر نفسه الشراب قائمًا. أخرجه الطبري. وفي الموطأ عن مالك أنه بلغه أن عمر كان يشرب قائمًا. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني من حديث داود بن أبي هند أنه سمع سعيد بن جبير يقول عن عطاء حدثني أبو هريرة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من ماء زمزم قائمًا. وفيه من لم يعرف. وعند أحمد من

حديث مسلم ولا أعرفه. قال: سألت أبا هريرة عن الشرب قائمًا، قال: يا بن أخي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل راحلته وهي مناخة، وأنا آخذ بخطامها أو بزمامها واضعًا رجلي على يدها فجاء نفر من قريس فقاموا حوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من لبن فشرب وهو على راحلته، ثم ناول الذي يليه عن يمينه فشرب وهو قائم حتى شرب القوم كلهم قيامًا. وباقي رجاله ثقات. وأسند أبو بكر الأثرم عن أبي هريرة أنه قال: لا بأس بالشرب قائمًا. وأما حديث كبشة، فأخرجه الترمذي وبان ماجه وسعيد بن منصور وأبويعلي من حديث عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن جدة له ـ يقال لها كبشة الأنصارية ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها قربة معلقة فشرب منها وهو قائم، فقطعت فم القربة تبتغي بركة موضع في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وهو عند ابن

مندة بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا. لكنه سماها البرصاء، لعله لقبها، ورواه ابن وهب من وه آخر، فسمى الجدة كلثم، ومن حديثها أخرجه أبو موسى المديني بسند حسن. وأما حديث كلثم، فقد ذكر قريبًا. وأما حديث أم أنس، فأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه، وابن شاهين من حديث البراء ابن بنت أنس عن جده أنس عن أمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي بيتها قربة معلقة قالت: فشرب من القربة قائمًا. قالت: فعدمت إلى القربة فقطعتها. ورجاله رجال الصحيح إلا البراء ولم يضعف.

وأما حديث أم الفضل، فهو في الصحيحين من حديث عمير عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب وهو على بعيره واقفًا بعرفه. وأما حديث جد خباب، فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن السائب عن خباب عن أبيه عن جده بلفظ" ... " انتهى. وثبتت الرخصة أيضًا عن جماعة من التابعين فروى " ... ".

54 - وسئلت: عن الحديث الوارد في وصف أهل الجنة بأنهم جرد مرد. هل ورد فيه استثناء أحد من الأنبياء أم لا؟

54 - وسئلت: عن الحديث الوارد في وصف أهل الجنة بأنهم جرد مرد. هل ورد فيه استثناء أحد من الأنبياء أم لا؟ والجواب: إن هذا الحديث قد جاء من حديث أبي هريرة ومعاذ بن جبل والمقداد بن معد يكرب وأنس بن مالك وغيرهم بدون استثناء. لكن قد أخرج الطبراني من حديث ابن مسعود، بسندٍ ضعيفٍ رفعه: "أهل الجنة جرد مرد إلا موسى عليه السلام فإن له لحية تضرب إلى سرته"، وأورده الديلمي عن جابر. وذكر القرطبي في تفسيره: إن ذلك ورد في حق هارون أيضًا. ورأيت بخط بعض أهل العلم أنه ورد في حق آدم أيضًا. وإن في بعض كتب الفارسية: إن لإبراهيم الخليل ولأبي بكر الصديق لحية في الجنة، ولا أعلم شيئًا من ذلك ثابتًا، ويمكن أن يكون

على تقدير ثبوته أن يكون أكرم موسى بذلك، مكافأة لما ألهمه في صغره من قبض لحية فرعون. وأما هارون، فلأخيه، وأما آدم، فلأنه أبو البشر. وأما إبراهيم، فلكونه منزلاً منزلة الوالد للمسلمين، لأنه الذي سماهم بهذا الاسم وأمروا باتباع ملته. وأما الصديق فلكونه أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الفاتح بعده باب الدخول إلى الإسلام، فكان كالوالد للمسلمين. والعلم عند الله تعالى.

55 - وسئلت عن حديث القرون

55 - وسئلت عن حديث القرون. فأحبت: بأنه موضع، لكن روى ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمتي على خمس طبقات: فأربعون سنة أهل بر وتقوى، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة أهل تراحم وتواصل، ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثم الهرج الهرج، النجاء النجاء". قلت: والراوي له عن أنس وهو يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف لكنه قد جاء من طريق غيره، فأخرجه كامل بن طلحة الجحدري في نسخته التي جمعها أبو القاسم البغوي ورواها عنه عن عباد بن عبد الصمد أبي معمر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طبقات أمتي خمس طبقات، كل طبقة أربعون سنة فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان والذي يلونهم إلى الثمانين أهل البر والتقوى، والذين يلونهم إلى العشرين والمائة أهل التراحم والتواصل، والذين يلونهم إلى الستين ومائة أهل

التقاطع والتدابر، والذين يلونهم إلى المائتين أهل الهرج والحروب" إلا أن عبادًا أيضًا ضعيف. ومن طريق البغوي رويناه في أمالي ابن الجراح، وما قرب سنده لابن شاهين و"سداسيات" زاهر و"سباعيات" ابن عساكر و"ثمانيات" النجيب، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وسبقه إلى الحكم بوضعه ابن حبان حيث قال: حدثنا ابن قتيبة حدثنا غالب بن وزير الغزي حدثنا مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، حدثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بنسخة أكثرها موضوعة من ذلك "أمتي" وذكره. وجاء أيضًا من حديث غير هذين عن أنس أخرجه ابن ماجه أيضًا من طريق أبي مَعْن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمتي على خمس طبقات، كل طبقة أربعون عامًا، فأما طبقتي وطبقة أصحابي، فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين، فأهل بر وتقوى"، قال ثم ذكر نحوه. وأبو معن مجهول.

وقد صرح أبو حاتم: بأن الحديث باطل. وقال الذهبي: إنه منكر، وأخرج الديلمي في مسند الفردوس له من طرق واهية جدًا، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في الأربعين بعد المائتين خير أولادكم البنات وفي الخمسين خير نسائكم العقيمات وفي الستين يغبط الرجل الذي ليس له أهل ولا ولد، وفي السبعين بعد المائتين البلاء المبين، وفي الثمانين السيف، وفي التسعين حلت لأمتي الرهبانية، وفي الثلاثمائة بيت المرء القبر". ويروى من حديث أبي موسى الاشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وأصحابي أهل إيمان وعمل إلى أربعين، وأهل بر وتقوى إلى الثمانين، وأهل تواصل وتراحم إلى العشرين ومائة، وأهل تقاطع وتدابر إلى الستين ومائة، ثم الهرج الهرج، الهرب الهرب". ومن حديث محمد بن المنكدر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمتي على خمس طبقات ... " أوردهما ابن الجوزي أيضًا في "الموضوعات" وله شاهد عند الحسن بن سفيان في مسنده عن علي بن حجر عن

إبراهيم بن مطهر الفهري عن ابن أبي المليح عن الأشيب بن دارم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ضعيف جدًا. ويدخل هنا ما رواه [بركة الحلبي] من حديث الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومائة". والله المستعان.

56 - وسئلت عن بنة الجهني، هل هو بموحدتين ونون أو موحدتين؟

56 - وسئلت عن بنة الجهني، هل هو بموحدتين ونون أو موحدتين؟ والجواب: أن الجمهور على أن بعد الموحدة نون مفتوحة ثقيلة، وبه جزم شيخنا في "الإصابة" "والمشتبه" وغيرهما من تآليفه، لكن شذ ابن السكن فجعل أوله ياء تحتانية بدل الموحدة وضبطه غيره بنون أوله مضمومة ثم موحدة مصغرًا، ورجحه أبو عمر ابن عبد البر إلا أن شيخنا لم ينبه عليه في "نبيه" من حرف النون من "الإصابة"، مع حكايته له في باب الموحدة، ثم إنه صحابي لا رواية له، سوى الحديث الذي أخرجه الترمذي والبغوي وغيرهما في النهي عن تعاطي السيف المسلول. وقد أغفل المزي ذكره في التهذيب، والأطراف معًا، مع أنه على شرطه، وذلك عجيب. وبالله التوفيق.

57 - وسئلت: عن الأربعة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في نسق وهل يعرف غيرهم؟

57 - وسئلت: عن الأربعة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في نسق وهل يعرف غيرهم؟ فقلت: أما الأربعة، فهم أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة، أبو قحافة أسلم يوم فتح مكة وأبو عتيق، قال ابن حبان: له رؤية وكذا قال موسى بن عقبة، وزاد: ما نعلم أربعة في الإسلام أدركوا النبي إلا هؤلاء. انتهى. وتلقى ذلك عنه جماعة، واستدرك بعضهم عليه عبد الله بن الزبير فإنه هو وأمه أسماء ابنة أبي بكر ودها وأباه أربعة في نسق. قلت: وهذا مما لا خلاف فيه، وأما ما ذكره الذهبي تبعًا لغيره في ترجمة حذيم الحنفي، والد حنيفة، أن له ولابنه، ولابن ابنه ونافلته صحبة، فإن في صحبة حذيم خلاف. وإن ثبت ما ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" في ترجمة خُفاف بن إيماء بن رحضة أن له ولأبيه وجده صحبة، مع ما في صحيح البخاري من حديث أسلم عن عمر في مجيء ابنة خفاف له، وقوله: إني لأرى أبا هذه وأخاها إلى آخره، مما تقتضي أن الأخ كان صحابيًا فيكون قد اجتمع أربع صحابة أيضًا في نسق: رحضة، وابنه إيماء،

وابنة خفاف، وابنه الذي أشار إليه عمر، ولم يسم، وأيضًا فإن الإبنة المشار إليها لا يبعد أن تكون لها رؤية، لأنها ابنة صحابي مع وصفها بأنها ذات أولاد في زمان عمر. ونظير ذلك إياس بن سلمة بن عمرو بن الأكوع، فالأكوع، وعمرو، وسلمة صحابة، بلا خلاف، وإياس ذكر ابن عبد البر: أنه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بشعرٍ، وفيه نظر. قال الذهبي: ولعله ولد قديم لسلمة. وكذا وقع له في ابن أسامة بن زيد بن حارثة حيث قال الواقدي في ترجمة أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه، وولده له في عهده، لكن لم يسم الولد المذكور أيضًا. وأفاد شيخنا أنه جمع من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف، فبلغوا عشرة، إلا أني لم أقف عليه الآن. ومما يستفاد هنا أنه لا يعلم أربعة أخوة شهدوا بدرًا، غير إياس، وغافل، وخالد، وعامر أولاد ابن البكير، ولا يعلم أربعة من الأنبياء في نسق غير: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. والله المستعان.

58 - [مسألة]

58 - [مسألة]: أخرج الترمذي في جامعه من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه، وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا". ومن حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اتخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا والزكاة مغرمًا وتعلم لغير الله، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء، وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا، وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع". وقال عقب كل منهما: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

59 - وسئلت: عن حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي

قلت: وحديث علي: قال فيه الدارقطني إنه باطل، والله الموفق. 59 - وسئلت: عن حديث "أدبني ربي فأحسن تأديبي". فأجبت: بأن التقي ابن تيمية قال: معناه صحيح، ولكن لا يعرف له إسناد ثابت. انتهى. وإيراد ابن الأثير له في خطبة "النهاية" جازمًا به، يوهم ثبوته حيث قال: حتى لقد قال له ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب وسمعه يخاطب وفد بني نهد ـ يعني بفتح النون ـ: يا رسول الله: نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره، فقال: "أدبني ربي فأحسن تأديبي وربيت في بني سعد" لكن قال ابن الأثير أيضًا في كتابه "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" عقب إيراد قصة الوفد معزوة لأبي محمد بن قتيبة وأبي سليمان الخطابي وأبي القاسم الزمخشري وأبي موسى المديني ما لفظه: وسمعت في آخر هذا الحديث زيادة، لم أجدها في واحد من هذه الكتب وهي: فقال له علي بن أبي طالب: نراك تكلم ... وذكره. انتهى. وقد وقع لي الحديث في أوائل "الأمثال" للعسكري، رواه من طريق البلوي عن عمارة بن زيد عن زياد بن خيثمة عن السدي عن أبي عمارة عن علي قال: قدم بنو نهد بن زيد على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من

غوري تهامة وذكر خطبتهم، وما أجابهم به النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقلنا: يا نبي الله نحن بنو أب واحد ونشأنا في بلد واحد، وإنك لتكلم العرب بلسان ما نفهم أكثره، فقال: "إن الله عز وجل أدبني فأحسن أدبي ونشأت في بني سعد بن بكر". وهذا السند ضعيف جدًا، والحديث بطوله قد ذكره ابن الجوزي في "الأحاديث الواهية" له وقال: إنه لا يصح، في إسناده ضعفاء ومجاهيل. وكذا أورده سبطه في "مرآة الزمان" وفي آخره: فقال له عمر: يا رسول الله! كُلنا من العرب فما بالك أفصحنا فقال: "أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها" قال: والسُّدي اسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن كان إمامًا في كل فن، وعنه نقل التفسير والقصص وغيرهما، ووثقه الترمذي في "السنن"، وتكلم على هذا الحديث يعني من جهة الغريب الأصمعي، وأبو عمرو بن العلاء، والزهري، وصححه أبو الفضل ابن ناصر وجعله من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وختم به جدي كتابه المسمى "بالمتحف" ثم تكلم عليه وشرح ألفاظه. انتهى. وقد ذكره أبو نعيم في الأحمدين من "تاريخ أصبهان" من مناكير حديث أحمد بن يحيى بن الحجاج روايته عن عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: يا نبي الله! مالك أفصحنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "جاءني جبريل فلقنني لغة

أبي إسماعيل". وأخرجه الإمام أبو سعد ابن السمعاني في "أدب الإملاء" بسند منقطع، فيه من لم أعرفه عن عبد الله وأظنه ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أدبني فأحسن تأديبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال: (خذ العفو وأمر بالعرف) الآية. وأخرجه ثابت السرقسطي في كتاب "الدلائل" قال: حدثنا علي بن عبدك حدثنا العباس بن عيسى حدثنا محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب الزبيري حدثني محمد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده قال: قال رجل من بني سُليم للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أيدالك الرجل امرأته؟ قال: نعم إذا كان ملفجا" قال: فقال له أبو بكر: يا رسول الله! ما قال لك؟ قال: "قال لي: أيماطل الرجل امرأته؟ قلت: نعم، إذا كان مفلسًا"، قال: فقال له أبو بكر: ما رأيت أفصح منك، فمن أدبك يا رسول الله: قال: "أدبني ربي ونشأت في بني سعد". وينظر في "جزء من روي عن أبيه عن جده" وبالجملة فهو كما قال ابن تيمية: لا يعرف له إسناد ثابت. والعلم عند الله تعالى.

60 - وسئلت: عن حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل

60 - وسئلت: عن حديث "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل". فقلت: قال البدر الزركشي: لا يعرف له أصل، وكذا قال الكمال الدميري في خطبة شرح المنهاج: لم يعرف له مخرج ولم يوجد في كتاب معتبر. وقد رأيت شيخنا العسقلاني رحمه الله صرح بذلك في بعض فتاويه والله الموفق. ولكن ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء".

61 - وسئلت عن حديث لا غيبة لفاسق ومن قال: لم يقله أحد من المسلمين؟

61 - وسئلت عن حديث "لا غيبة لفاسق" ومن قال: لم يقله أحد من المسلمين؟ فأجبت: نعم ورد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ـ هو معاوية بن حيدة ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "ليس لفاسق غيبة". أخرجه الهروي في كتاب "ذم الكلام" وقال: إنه حسن. وهو متعقب فالحديث ضعيف جدًا ولذلك أخرجه ابن عدي في كاملة وقال: إن هذا اللفظ غير معروف، والحاكم وقال: إنه غير صحيح وكذا قال جماعة والبلاء من الجارود رواية عن بهز وقد رواه مرة أخرى بلفظ: "أترعوون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يعرفه الناس، ويحذره الناس"، وهو بهذا اللفظ عند الطبراني

والبيهقي وغيرهما، لكن جزم جمع من الحفاظ بعدم صحته وبأنه الآفة فيه. وأورد أبو الشيخ والبيهقي في سننه وغيرهما من حديث أبي

سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له". وقال البيهقي: إنه ليس بالقوي، ومرة: في إسناده ضعف، قال: ولو صح فهو في الفاسق المعلن بفسقه. وأخرج في "شعب الإيمان" له بسند جيد ما يشهد لهذا عن الحسن أنه قال: ليس في أصحاب البدع غيبة. ومن طريق ابن عيينة قال: "ثلاثة ليست لهم غيبة: الإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه"، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته، ومن طريق زيد بن أسلم قال: "إنما الغيبة لمن لا يعلن بالمعاصي"، ومن طريق شعبة قال: الشكاية والتحذير ليسا من الغيبة. وقال عقبه: وهذا صحيح فقد يصيبه من جهة غيره أذى فيشكوه ويحكي ما جرى عليه من الأذى، فلا يكون ذلك حرامًا ولو صبر عليه كان أفضل، وقد يكون مزكيًا في رواة الأخبار والشهادات فيخبر بما يعلمه من الراوي أو الشاهد ليتقي خبره وشهادته فيكون ذلك مباحًا. انتهى. وفي مسند أبي بكر بن أبي شيبة بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: هبطت مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية هرشاء فانقطع شسع نعله، فناولته شسعي فأبى أن يقبلها وجلس في ظل شجرة ليصلح نعله فقال لي: "انظر من ترى"

قلت: هذا فلان قال: "بئس عبد الله فلان" ثم قال لي: "انظر من ترى" قلت: هذا فلان قال: "بئس عبد الله" قال لي: "انظر من ترى"، قلت: هذا فلان قال: "نعم عبد الله فلان" والذي قال له: "نعم عبد الله فلان" خالد بن الوليد. وأما الآخران، فلا أخبر بهما أحدًا وقريب من هذا حديث: "بئس أخو العشيرة" وهو صحيح. وحينئذٍ فالقائل: إنه لم يقله أحد من المسلمين، قد أقدم على ما لا علم له به، فليستغفر الله تعالى ولينته عن العود لمثله. وبالله التوفيق.

62 - ثم سئلت عما ورد في المعز والشياه

62 - ثم سئلت عما ورد في المعز والشياه. والجواب: روى الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح من حديث عروة بن الزبير عن أم هانئ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "اتخذي غنمًا فإن فيها بركة". وعند أحمد أيضًا من حديث موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "اتخذي غنمًا يا أم هانئ فإنها تروح بخير وتغدو بخير". وللطبراني في "معجمه الكبير" من حديث الأصبغ بن نباتة عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي لا أرى عندك من البكرات شيئًا؟ " فقلت: وأي بركاتي تريد؟ قال: "إن الله أنزل من بركاتنا ثلاثًا: الشاة والنخلة والنار". لكن في سنده النضر بن حميد وهو متروك الحديث

فيما قاله أبو حاتم، وأما البخاري فقال: منكر الحديث ولبعضه شاهد سيأتي انتهى. وعند الطبراني في "الأوسط" بعض من حديث صالح بن أبي عمرة عنها قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيتي؟ قال: "مالي لا أرى في بيتك بركة؟ ". قلت: وما البركة التي أنكرت من بيتي قال: "لا أرى فيه شاة". أخرجه مسدد في مسنده بسند فيه من لم أعرفه، إلا أنه جعله من قول علي ولفظه: إن عليا دخل عليها نصف النهار فقال: قدمي إلى أبي الحسن طعامًا قالت: فقدمت ما كان في البيت، فقال علي: "ما أرى عندكم بركة"، فقالت أم هانئ: أليس هذا بركة؟ قال: ليس أعني هذا، ما لكم شاة؟ قلت: لا والله ما لنا شاة. انتهى. ولا مانع من الجمع بينهما. وعند الطيالسي في "مسنده" بسند لا باس به، من حديث عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "كم في بيتك من بركة؟ " يعني شاة. ولابن ماجه والطحاوي وغيرهما من حديث عامر الشعبي

عن عروة البارقي رفعه: "الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة". ورجاله ثقات، والطرف الأخير منه متفق عليه. وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده ومن طريقه الديلمي بسند [...] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنم بركة، والإبل عز لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير، والعبد أخوك فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوبًا عليه فأعنه". وهو بهذا اللفظ عند الديلمي من حديث حذيفة بن اليمان بدون ذكر العبد. وعند أبي يعلي في "مسنده" بسند رواته ثقات عن البراء عن عازب

رضي الله عنهما قال: "الإبل بركة" وفي مسند البزار من حديث ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب موقوفًا ومرفوعًا: "ما من قوم في بيتهم أو عندهم شاة إلا قدِّسوا كل يوم مرتين أو بورك عليهم مرتين" يعني شاة لبن. إلا أن في سنده إسماعيل بن سلمان، وقد أشار العقيلي إلى أنه تفرد بهذا الحديث، ونقل عن ابن نمير أنه متروك، وكذا أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" من طريق إسماعيل المذكور لكن بلفظ: "الشاة بركة والشاتان بركتان والثلاث شياة ثلاث بركات". الحديث. وكذا قال النسائي، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وضعفه جماعة، وفي "الفردوس" عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من قوم يغدوا عليهم مائة من الضأن ويروح فيخشوا على أنفسهم العيلة" ولم أقف على سنده. ولابن ماجه وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" من حديث ابن سيرين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاة من دواب الجنة" وروايه عن ابن سيرين هو زربي إمام مسجد هشام بن حسان،

ضعفه العقيلي، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الترمذي: له أحاديث مناكير، وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته فلا يحتج به، وقال ابن عدي: أحاديثه بعض متونها منكر. وعند البزار بسند فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ممن ضعفه الجمهور من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكرموا المعزي وصلوا في مراحلها وامسحوا رغماها فإنها من دواب الجنة". وكذا أخرجه الديلمي في "مسنده" من طريق أبي بكر بن أبي شيبة. قال: وفي الباب عن المغيرة. وأخرج البزار بسند آخر ضعيف أيضًا عن أبي هريرة ـ إن شاء

الله ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا إلى الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب الجنة". وأخرج الطبراني في "الكبير" ومن طريقه الديلمي بسند فيه حمزة النصيبي، وهو ضعيف جدًا، بل اتهم بالوضع، وهو من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالمعزى خيرًا فإنها مال رقيق، وهو في الجنة، وأحب المال إلى الله الضأن وعليكم بالبياض فإن الله خلق الجنة بيضاء، فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم، وإن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين". وفي مسند أحمد بسند رجاله رجال الصحيح، عن وهب بن كيسان قال: مر أبي على أبي هريرة فقال: أين تريد؟ قال: غنيمة لي، قال: نعم امسح رغامها، وأطب مراحها، وصل في جانب مراحها، فإنها من دواب الجنة، وائتنس بها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها أرض قليلة المطر" يعني المدينة. انتهى.

والمرفوع منه أخرجه الطبراني في "الكبير" ومن طريقه الديلمي بسند فيه محمد بن سليمان بن مسمول وهو ضعيف، قال البخاري: سمعت الحميدي يتكلم فيه، من حديث عبد الله بن ساعدة أخي عويم رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له غنم فليسر بها عن المدينة، فإن المدينة أقل أرض الله مطرًا". وأما الموقوف، فأخرجه الطبراني في "الأوسط" ومن طريقه الديلمي، لكنه مرفوعًا بسند لا بأس به، من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها، وصلوا في مرابضها". ورواه مالك في الجامع من موطأ عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق فأتاه قوم من أهل المدينة

على دواب فنزلوا، قال حميد: فقال أبو هريرة: إذهب إلى أمي وقل لها: إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئًا، وقال: فوضعت ثلاثة أقراص من شعير وشيئًا من زيت وملح في صفحة فوضعتها على رأسي فحملتُها إليهم، فلما وضعته بين ايديهم كبر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودان التمر والماء، فلم يصب القوم من الطعام شيئًا، فلما انصرفوا قال: يا ابن أخي! أحسن إلى غنمك وامسح الرغام عنها وأطب مراحلها، وصل في ناحيتها، فإنها من دواب الجنة، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان. ومن طريق مالك أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وكذا أخرجه في "الكبير" والديلمي من طريقه من حديث صُبيح ـ شيخ قديم ـ قال: قدم علينا ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة فصلوا في مراحلها، وامسحوا رغامها"، قلت: ما الرغام؟ قال: "المخاط". وأخرج ابن أبي الدنيا في إصلاح المال أيضًا، وفي مسند أبو بكر بن أبي شيبة عن عمار بن أبي عمار التابعي موقوفًا: "أكرموا المعزى وامسحوا الرغام عنها وصلوا في مراحلها فإنها من دواب الجنة".

وللديلمي بسند ضعيف من طريق موسى بن مطير عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنم أموال الأنبياء عليهم السلام". وعند البزار بسند فيه لين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السكينة في أهل الشياه والبقر"، ولأحمد والبزار أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخر والخيلاء في أهل الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث موسى عليه السلام وهو يرعى غنمًا على أهله، وبعثت أنا وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد، وله شاهد صحيح. وعند ابن ماجه من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وقال: "عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى". لكن رواية عن سعيد وهو علي بن عروة الدمشقي اتهم بالكذب، بل رماه ابن حبان بالوضع وقال البخاري: مجهول، وقال ابن معين: ليس

بشيء وكذا قال ابن عدي وزاد: وهو ضعيف عن كل من روي عنه. وفي لفظ عنه وعن ابن أبي عاصم، أنه منكر الحديث. وقد أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» من طريقين عن عطاء مرسلة، ومتصلة بابن عباس وقال: إنه لا يصح. قلت: ورواه ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» من طريق عمر بن حوشب الصنعاني قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء أن يتخذوا الضأن وأمر الفقراء أن يتخذوا الدجاج. وفيما أوردناه كفاية. والعلم عند الله تعالى. (وفي ورقة بخط المجيب وهي ملصقة مع الجواب لكن لم يخرج لها وهي): وله شاهد عند أبي منصور الديلمي في «مسند الفردوس» له من طريق الحاكم بسند ضعيف عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشاة في الدار بركة، والدجاج في الدار بركة». ولابن أبي الدنيا من حديث صغدي بن عبد الله عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشاة بركة»، وفيه داود بن المحبر. وللديلمي بسند

آخر عن أنس رفعه: "الخرافة بركة، والتنور والشاة أعدوهن في بيوتكم". وتردد في الحرافة، هل هو بالمهملة أو المعجمة؟ وذلك عجيب، فإنه بالمعجمة جزمًا، وذكر أيضًا بلا إسناد عن أنس مرفوعًا: "الشاة ترد سبعين بابًا من الفقر" أحسبه لا يصح.

63 - ثم سئلت عن حديث: من باع دارا لم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيه. من أخرجه، وهل هو صحيح أم لا؟

63 - ثم سئلت عن حديث: "من باع دارًا لم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيه". من أخرجه، وهل هو صحيح أم لا؟ والجواب: إنه حديث حسن، ورد عن جماعة من الصحابة، منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن حريث، وأخوه سعيد بن حريث، وسعيد بن زيد، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأبو ذر رضي الله عنهم. فأخرجه ابن ماجه في "سننه" من حديث أبي مالك النخعي عن يوسف بن ميمون عن أبي عبيدة بن حذيفة بن اليمان عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع داراً لم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها". ويوسف والراوي عنه ضعيفان. لكن قد رواه عن أبي عبيدة جماعة ومن أجل ذلك أورده الضياء في "المختارة" مما ليس في الصحيحين أو أحدهما، فرواه الروياني في

"مسنده" والبيهقي في "سننه الكبرى" من حديث شعبة عن يزيد بن أبي خالد عن أبي عبيدة بلفظ: "من باع دارًا ولم يشتر بثمنها دارًا لم يبارك له فيها أو في شيء من ثمنها"، ويزيد هو أبو خالد الدالاني ليس به بأس، وكذا أشار إليه الطيالسي عن شعبة بعد أن أورده في "مسنده" عن شعبة موقوفًا، ثم ساقه عن قيس عن أبي عبيدة مرفوعًا، ورواه الطبراني في "معجمه الكبير" باللفظ الأول من حديث جنادة بن أبي أمامة، عن أبي عبيدة إلا أنه قرن مع حذيفة عمرو بن حريث، وهو أيضًا صحابي، لكن في السند ضعف، وقد رواه ابن ماجه والبيهقي أيضًا، وأبو بكر بن أبي شيبة والدرامي وأحمد في مسانيدهم من جهة عمرو المذكور، فقال

عن أخيه سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع دارًا أو عقارًا فليعلم أنه قمن أي جدير أن لا يبارك له فيه في مثله". ورواه أحمد أيضًا من حديث عمرو قال: قدمت المدينة فقاسمت أخي فقال سعيد بن زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبارك في ثمن أرض أو دار لا يجعل في أرض أو دار" لكن هذه الرواية كما قال الدارقطني: وهم، وأخرجه غيرهم من حديث عمرو فقال: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أبويعلي في "مسنده" من حديث عبد الملك بن يحيى بن سهيل أن أباه باع داره بمائة الف فمر به عمران بن حصين فقال: بعت دارك؟ قال: نعم، قال: فلا تبعها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من باع عقدة مال سلط الله عليه تالفًا يتلفه قال: فاستقاله فأقاله". وهو عند أحمد في "مسنده" من حديث رجل من الحي لم يسم أن يعلي مر بعمران فقال له عمران ألم أنبأ أنك بعت دارًا بمائة الف؟ قال: بلى، قد بعتها بمائة ألف قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من باع

عقدة مال سلط الله عليها تالفًا يتلفها". وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث عمران بلفظ: "ما من عبد يبيع تالدًا إلا سلط الله عليه تالفًا" والتالد هو المال القديم. وعنده في "المعجم الأوسط" من طريق عبد الله بن يعلي الليثي قاضي البصرة أن معقل بن يسار باع دارًا له بمائة الف فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ايما رجل باع عقدة من غير حاجة بعث الله له تالفًا يتلفها". ومن حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع دارًا لم يخلف بدلها لم يبارك له فيها". ويمكن أن يدخل هنا ما رواه أبويعلي في "مسنده" عن سعد بن هشام الأنصاري قال: قال سعد: طلقت امرأتي ثم قدمت المدينة ولي به

عقار، فأردت أن أبيعه فأجلعه في الكراع والسلاح ثم أجاهد الروم حتى أموت، فلقيني رهط من قومي فحدثوني أن رهطًا من قومه أرادوا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك، وقال: "أليس لكم في أسوة حسنة؟ " قالوا: بلى يا رسول الله!. وقد أسند البيهقي عن ابن عيينة، أنه قال في تفسير الحديث المسئول عنه إن الله يقول: (وبارك فيها وقدر فيها أقواتها) يقول: فلما خرج من البركة ثم لم يعدها في مثلها لم يبارك له. والله الموفق.

64 - سئلت: عن ما ورد في جلوس الإمام بعد [سلامه في] مصلاه

64 - سئلت: عن ما ورد في جلوس الإمام بعد [سلامه في] مصلاه. فأجبت: لم أقف عل حديث في ذلك صحيح ولا ضعيف، وأما ما وقع في كلام بعض الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم إمامكم ولم يقم فانخسوه" وأنه قال: "جلوس الإمام بعد سلامه في محرابه، جفاء منه وخديعة به، وكأنه قعد على جمرة من النار"، وأن عليًا رضي الله عنه قال: ما من إمام يقعد في مجلسه بعد سلامه إلا مقته الله والعباد، وأعرضت عنه الملائكة، وكأنه عصى الله ورسوله في أمره ونهيه، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة وأحسبه باطلاً، نعم روي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان أبو بكر وعمر إذا قضيا الصلاة وثبا من المحراب وثوب البعير إذا حل من عقاله، وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: خير للإمام أن يقعد سبعين خريفًا على رضف، أو حفرة من حفر النار من أن يقعد بعد سلامه في محرابه. وأسند البيهقي عن أنس أنه صلى خلف أبي بكر، وكان إذا سلم وثب عن مكانه كأنه يقوم عن رضف، وفي لفظ مسروق: كان أبو بكر إذا سلم قام كأنه جالس على الرضف. وعن خارجة بن زيد أنه كان

يعيب على الأئمة جلوسهم في مصلاهم بعد أن يسلموا ويقول: السنة في ذلك أن يقوم الإمام ساعة يسلم. قال البيهقي: وروينا عن الشعبي وإبراهيم النخعي أنهما كرهاه، ويذكر عن عمر بن الخطاب، وروينا عن علي رضي الله عنه أنه سلم ثم قام. قلت: ومن أدلة ذلك: الحديث الصحيح عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسلميه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرًا". قال ابن شهاب: فنرى مكثه ذلك ـ والله أعلم ـ لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصراف من القوم، ووجه الدلالة يقتضي أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط أن لا يستحب هذا المكث، وقد قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ عقب حديث أم سلمة: هذا ثابت عندنا وبه نأخذ. وقال في "مختصر المزني": ويثب أي الإمام

ساعة يسلم. واختلف في حمل النص على وجهين: أحدهما: أن مراده بالوثوب، وحمله بعضهم على بعد الفراغ من السلام، والذكر المستحب لورود ذلك مفسرًا في حديث عائشة: "كان إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". ثانيهما: أنه يثب بعد السلام، ولا يمنع أن ينتقل للذكر من المحراب إلى موضع آخر، بل قال الإمام وغيره: أنه لا يدعو قائمًا. قال النووي في شرح المهذب: قال الشافعي والأصحاب: يستحب للإمام وغيره إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء، قال: وعللوه بعلتين: أحدهما: لئلا يشك هو أو من خلفه هل سلم أم لا؟ الثانية: لئلا يدخل غريب فظنه بعد في الصلاة فيقتدي به، أما إذا كان وراءه نساء فيمكث حتى ينصرفن، ويسن لهن الانصراف عقب سلام الإمام. انتهى. والعلتان تنتفيان بانحرافه عن مصلاه وهو في موضعه، لا سيما وذلك يحصل سنة أخرى إذ قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا انصرف من صلاته انحرف بالذكر، أو رفع الصوت بالتكبير". إذ قد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا

سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".

65 - سئلت: عن أسماء أهل الصفة

65 - سئلت: عن أسماء أهل الصفة. فأجبت: بأن أبا نعيم في "الحلية" قد أورد أسمائهم فيما نقله عن غيره واستدرك الفائت ونبه على من وقع الغلط في ذكره، وهذا تجريد أسمائهم على حروف المعجم راقمًا على المغلوط في "غ" غير ملتزم الاستيعاب فيمن ذكر، إذ لو راجعت كتب الصحابة ونحوها لظفرت بزيادة فيما أحسب، ولكن السائل التمس الاقتصار، والله الموفق: أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند، الأغر المزني، أوس بن أوس الثقفي، البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس، بشير بن الخصاصية، بلال بن رباح الحبشي المؤذن، ثابت بن الضحاك أبو زيد الأنصاري الأشهلي، ثابت بن وديعة الأنصاري، ثقف بن عمرو بن شميط الأسدي، ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جارية بن حميل بن نشبة بن قرط، جرهد بن خويلد وقيل ابن رزاح الأسلمي، جعيل بن سراقة الضمري، جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري، حارثة بن النعمان الأنصاري، حجاج بن عمرو الأسلمي، حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري، حذيفة بن اليمان، حازم بن حرملة الأسلمي، حبيب بن زيد بن عاصم الأنصاري، حرملة بن إياس، الحكم بن عمير الثمالي، حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري، خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، خباب بن الأرت، خبيب بن يساف بن عنبة أبو عبد الرحمن، خريم بن أوس الطائي، خريم بن فاتك الأسدي، خنيس

ابن حذافة السهمي، دكين بن سعيد المزني، وقيل الخثعمي، ذو البجادين عبد الله المزني، ربيعة بن كعب الأسلمي، رفاعة وقيل: بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الأنصاري، زيد بن الخطاب أبو عبد الرحمن، سالم بن عبيد الاشجعي، سالم بن عمير، سالم مولى أبي حذيفة. السائب بن خلاد، سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي، سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلمان الفارسي، شداد بن أسيد، شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، شمعون أبو ريحانة الأزدي وقيل الأنصاري، صفوان بين بيضاء، صهيب بن سنان، طخفة بن قيس الغفاري، طلحة بن عمرو النصري، عامر بن عبد الله أبو عبيدة بن الجراح، عباد بن خالد الغفاري، عبادة بن قرص وقيل قرط، عبد الله بن أنيس، عبد الله بن أم مكتوم، عبد الله بن بدر الجهني، عبد الله بن حبشي الخثعمي، عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، عبد الله بن حوالة الأزدي، عبد الله بن عبد الأسد أبو سلمة المخزومي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر الأنصاري السلمي، عبد الله بن مسعود، عبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبس الأنصاري الحارثي، عبد الرحمن بن قرط، عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عتبة بن عبد السلمي، عتبة بن غزوان، عتبة بن الندر السلمي، عثمان بن مظعون، العرباض بن

سارية، عقبة بن عامر الجهني، عكاشة بن محصن الأسدي، عمار بن ياسر، عمرو بن تغلب، عمرو بن عبسة السلمي، عمرو بن عوف المزني، عويمر أبو الدرداء، عويم بن ساعدة الأنصاري، عياض بن حمار المجاشعي، فرات بن حيان العجلي، فضالة بن عبيد الأنصاري، قرة بن غياس أبو معاوية المزني، كعب بن عمرو أبو اليسر الأنصاري، كناز بن الحصين أبو مرثد الغنوي، مسطح بن أثاثة أبو عباد، مسعود بن الربيع القارئ، مصعب بن عمير، معاذ أبو حليمة القارئ، معاوية بن الحكم السلمي، المقداد بن الأسود، نضلة بن عبيد أبو برزة الأسلمي، هلال مولى المغيرة بن شعبة، وابضة بن معبد الجهني، واثلة بن الاسقع، يسار أو فكيهة مولى صفوان بن أمية، أبو ثعلبة الخشني، أبو رزين [لقيط ابن صبرة]، أبو عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو فراس الأسلمي، أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو هريرة الدوسي، الطفاوي الدوسي.

66 - سئلت عن الوارد في السنا والسنوت

66 - سئلت عن الوارد في السنا والسنوت. فأجبت بما نصه: روى الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد، والترمذي في "جامعة" وقال: غريب، كلاهما من طريق عتبة بن عبد الله عن أسماء ابنة عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها "بما تستشمين"؟ قالت: بالشبرم قال: "حار جار" قالت: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن شيئًا كان فيه شفاء من الموت، كان في السنا"، ورواه الحاكم أيضًا هو وأبو نعيم من حديث عمر بن الخطاب، عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم وعندها شبرم تدقه، فقال: "ما تصنعين بهذا؟ " قالت: نسقيه فلانا، قال: "إنه داء" قال: ودخل عليها وعندها سنا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ " فقالت: يشربه فلان، قال: "لو أن

شيئًا يدفع الموت، أو ينفع من الموت نفع السنا" ورواه أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه" من حديث مولى المعمر النميمي عنها قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بماذا كنت تستشمين؟ " قالت: بالشبرم، قال: "حارجار" ثم استمشيت بالسنا لفقال: "لو كان شيئًا يشفي من الموت لكان السنا شفاء من الموت". وأخرج ابن ماجه وأبو نعيم أيضًا من طريق أبي أُبي بن أم حرام وكان قد صلى القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالسنا والسنوات، فإن فيه شفاء من كل داء إلا السام" قيل: يا رسول الله وما السام؟ قال: "الموت". وعند أبي نعيم وحده من حديث عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو كان في شيء شفاء من الموت، كان في السنا"، ومن حديث أنس ـ رفعه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث فيهن الشفاء من كل داء إلا السام: السنا والسنوات" قالوا: يا رسول الله! هذا السنا قد عرفناه فما السنوات؟ قال: "لو شاء الله لعرفكموه" ولم يذكر الثالث. قلت: ولم يذكر روايه الخصلة الثالثة. والسنا: مقصو، ويمد فيما قاله الفراء، واحده سناة، ويثنى فيقال سنوان: نبات معروف من الأدوية له حمل، إذا يبس وحركته الريح سمعت

له زجلاً، وأما السنوات، وهو بضم السين، لكن الفتح أفصح، ففسره بعض رواته بالشبث وقيل: إنه الكمون، وقيل: التمر والرُبُّ، وقال آخرون: هو العسل الذي يكون في زقاق السمن ومنه قول الشاعر وقيل هو زهير: هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون الجار أن يتقردا وقوله: لا ألس يعني لا غش وقوله: أن يتقردا: أي لا يستذل جارهم، والله أعلم.

67 - سئلت عن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء

67 - سئلت عن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء. فأجبت بما نصه: ورد عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه أخرجه الطبراني في "الدعاء" والترمذي في "جامعه" وقال: غريب. وعن ابن عمر قال: ما مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه في دعاء قط فقبضهما حتى يمسح بهما وجهه. أخرجه الطبراني أيضًا وعنده من حديث الوليد بن عبد الله ـ معضلاً ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رفع أحدكم يديه يدعو، فإن الله جاعل فيهما بركة ورحمة، فإذا فرغ من دعائه فليمسح بهما وجهه".

وفي "السنن" لأبي داود بسند ضعيف عن ابن عباس رفعه: "سلوا الله عز وجل ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". وعن السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه، مسح وجهه. أخرجه أبو داود وفي سنده ابن لهيعة واختلف عليه فيه، والله الموفق.

68 - سئلت عن الحديث المروي وصورته

68 - سئلت عن الحديث المروي وصورته: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، حدثنا محمد بن حامد، حدثنا خلف البزار عن وكيع، عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليت شعري ما فعل بأبواي؟ " فأنزل الله: (إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم". فأجبت: هذا الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق وكيع وعبد الرازق أيضًا عن الثوري كلاهما عن موسى بن عبيدة ـ هو الربذي ـ عن محمد بن كعب ـ هو القرظي ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليست شعري ما فعل أبواي، ليست شعري ما فعل أبواي؟ "، فنزلت: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) فما ذكرهما حتى توفاه الله عز وجل. وهو مرسل وموسى ضعيف. لكن أخرجه الطبري أيضًا من طريق الحسين عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "أين أبواي؟ "

فنزلت: (إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) وهو مرسل أيضًا. والحسين هذا وهو الملقب بسنيد فيه مقال وأورده الواحدي في الأسباب له تعليقًا، فقال: وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "ليست شعري ما فعل أبواي؟ " فنزلت هذه الأية. ووصله الثعلبي وغيره من رواية عطاء عنه، لكن من تفسير عبد الغني ابن سعيد الواهي. وذكر الواحدي في "الوسيط" أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن قبر أبيه وأمه فدله عليهما، فذهب إلى القبرين فدعا لهما وتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة. ورد ذلك جماعة من المفسرين باستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه. وممن صرح بذلك ابن عطية حيث قال: هذا خطأ ممن رواه، أو ظنه، لأن أباه مات وهو في بطن أمه. وقيل: وهو ابن شهر، وقيل: ابن شهرين، وماتت أمه بعد ذلك بخمس سنين، منصرفها به من المدينة من زيارة أخواله، فهذا لا يتوهم أنه خفي على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا استبعد الإمام فخر الدين الرازي هذا السبب قال: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم حال من مات

كافر، ودفع ذلك الحافظ ابن كثير باحتمال أن هذا كان قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم تبرأ منهما وأخبر عنهما أنهما في النار كما ثبت في الصحيح. ثم إن الطبري قد أفاد أن هذا التفسير على قراءة من قرأ من أهل المدينة (ولا تسأل) بصيغة النهي، قال: والصواب عندي: القراءة المشهورة بالرفع على الخبر، لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد: من مضى من اليهود والنصارى وغيرهما قال: ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي (وما تسأل) وفي قراءة ابن مسعود (ولن تسأل) والله أعلم.

69 - وسئلت: عن كعب الأحبار: هل هو كعب بن الأشرف، أو كعب بن لؤي؟

69 - وسئلت: عن كعب الأحبار: هل هو كعب بن الأشرف، أو كعب بن لؤي؟ فأجبت: ليس كعب الأحبار بواحد من الإثنين، وابن الأشرف هو اليهودي الذي قتله محمد بن مسلمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وابن لؤي هو ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان، الذي في عمود النسب النبوي لأنه صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب. والأحبار هو: أبو إسحاق كعب بن ماتع ـ بمثناة فوقانية مكسورة قبل العين المهملة ـ بن عمرو بن قيس من آل ذي رُعَين وقيل: ذي الكلاع الحميري، وقيل: غير ذلك في اسم جده ونسبه، كان في يحاة النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، وكان يهوديًا عالمًا بكتبهم حتى كان يقال له: كعب الحبر، وكعب الأحبار، وكان إسلامه في عهد عمر، وقيل: في خلافة أبي بكر، وقيل: إنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت هجرته، لكن الأول أشهر، ويدل له قول سعيد بن المسيب أن العباس قال لكعب: ما منعك أن تسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى أسلمت الآن على عهد عمر؟ فقال كعب: إن أبي كتب لي كتابًا من التوراة، ودفعه لي، وقال: اعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ عليّ بحق الوالد على ولده أن لا أفض الخاتم، فلما كان الآن

ورأيت الإسلام يظهر، ولم أر بأسًا قالت لي نفسي: لعل أباك غيَّب عنك علمًا كتمه، فلو قرأته، ففضضت الخاتم، فقرأته فوجدت فيه صفة محمد وأمته، فجئت الآن مسلمًا. ويستأنس للثاني بما حكاه أبو مسهر عن غير واحد، قالوا: إن كعبًا كان مسكنه في اليمن فقدم على أبي بكر، ثم أتى الشام فمات بها. ويروى أنهم ذكروه لأبي الدرداء فقال: إن عند ابن الحميري لعلمًا كثيرًا. وقال معاوية: ألا إن كعب الأحبار أحد العلماء، إن كان عنده لعلم كالثمار، وإن كنا فيه لمفرطين. وفي رواية في صحيح البخاري عن معاوية قال: "إن كان ـ يعني كعبًا ـ من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب" وهذا معناه أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون في نفسه كذبًا، لا أنه يتعمد الكذب، حاشاه من ذلك. وقال عبد الله بن الزبير: ما كان في سلطاني شيء إلا قد حدثني به كعب قبل أن يقع، ولقد حدثني أنه يظهر على البيت قوم. انتهى. سكن كعب المدينة الشريفة وغزا الروم في خلافة عمر، ثم تحول في خلافة عثمان إلى الشام فسكنها إلى أن مات بحمص في خلافته سنة

اثنين أو ثلاث أو أربع وثلاثين، والأول أكثر وكان يقول: لأن أبكي من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بوزني ذهبًا، وما من عينين بكتا من خشية الله في دار الدنيا إلا كان حقًا على الله أن يضحكهما في الآخرة. وعاده بعضهم في مرضه فقال: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ قال: أجدني جسدًا مرتهنًا بعملي، فإن بعثني الله من مرقدي بعثني ولا ذنب لي، وغن قبضني قبضني ولا ذنب لي. ولقيه عبد الله بن سلام عند عمر، فقال: يا كعب! من أرباب العلم؟ قال: الذين يعلمون به، قال: فما يُذهب العلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه؟ قال: يذهبه الطمع، وشره النفس، وتطلب الحاجات إلى الناس، قال: صدقت. وكلامه كثير لا يسعه هذا المحل وبالله التوفيق.

70 - مسألة: حديث عائشة: عذب أهل قرية كانوا يعملون عمل الأنبياء فقيل لها: ولم ذلك يا أم المؤمنين؟ قالت: لأنهم كانوا لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر

70 - مسألة: حديث عائشة: "عُذب أهل قرية كانوا يعملون عمل الأنبياء" فقيل لها: ولم ذلك يا أم المؤمنين؟ قالت: "لأنهم كانوا لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر". لم أقف عليه، وقد ورد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء كثير، أقربه للفظ المسئول عنه ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره، من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقًا ولا يقرب أجلاً، وإن الأحبار من اليهود والنصارى لما تكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم، ثم عُموا بالبلاء". نسأل الله السلامة.

71 - وسئلت: عن قراءة سورة: (والعصر) عند التقاء المؤمنين

71 - وسئلت: عن قراءة سورة: (والعصر) عند التقاء المؤمنين. فأجبت: روى الطبراني في ترجمة محمد بن هشام المستملي من "الأوسط" من حديث أبي مدينة الدارمي وله صحبة، واسمه: عبد الله بن حصن قال: كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر (والعصر* إن الإنسان لفي خسر) ثم يسلم أحدهما على الآخر. وورد من القول عند التقاء الأخوين، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). 72 - مسألة: قال ربيعة: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل، وبما كان يستفتح؟ قالت: كان يكبر عشرًا ويحمد عشرًا، ويسبح عشرًا ويهلل عشرًا، ويستغفر عشرًا، ويقول: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني" عشرًا، "اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب" عشرًا. أخرجه أحمد والنسائي في "اليوم والليلة" ولأبي داود

والنسائي أيضًا وعنه ابن السُني من حديث شريق الهوزني قال: دخلت على عائشة فسألتها: بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة إذا هب من الليل؟ قالت: كان إذا هب من الليل كبر عشرًا وحمد الله عشرًا وقال: "بسم الله، ولفظ أبي داود: سبحان الله، ثم اتفقا: وبحمده عشرًا. وقال سبحان القدوس عشرًا، واستغفر عشرًا، وهلل الله عشرًا وقال: اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرًا" ثم يستفتح الصلاة.

73 - مسألة

73 - مسألة: روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" ومن طريقة الديلمي في مسنده من طريق يحيى بن المغيرة عن علي بن سعيد عن سلميان بن عمران المذحجي عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال بعدما يقضي الجمعة: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة غفر الله له مائة الف ذنب، ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنبط. وأخرجه الديلمي في "مسنده" من طريق المفضل بن محمد بن علي بن معبد عن سليمان بن عمرو عن إسحاق به بلفظ: "من قال بعد صلاة الجمعة وهو قاعد قبل أن يقوم من مجلسه: سبحان الله وبحمده سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وبحمده وأستغفر الله مائة مرة غفر الله له مائة ألف ذنب ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنب". ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن ومالك بن عبد الله بن سيف كلاهما عن علي بن معبد به نحوه، ولا يصح لأن .... .

74 - مسالة

74 - مسالة: روى الطبراني في "الأوسط" في ترجمة أحمد بن [داود المكي] من طريق [هريم بن عثمان أبي المهلب قال: نا علي بن زيد عن سعدان بن ميمون] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال الحمد لله قبل كل أحد والحمد لله بعد كل أحد، والحمد لله على كل حال أعطي من الأجر كعبادة من عبد الله عز وجل". 75 - مسألة: المتكلمون في المهد: عيسى بن مريم عليه السلام، وصاحب الأخدود، وشاهد يوسف، والصبي الرضيع الذي قال لأمه ـ وهي ماشطة بنت فرعون ـ لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار: اصيري يا أمه! فإنا على الحق. ونبينا صلى الله عليه وسلم كما في سير الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم تكلم في أوائل ما ولد. ويحيى فيما زعم الضحاك في تفسيره أنه تكلم في المهد. أخرجه الثعلبي. وإبراهيم الخليل، كما ذكره البغوي في تفسيره، إنه تكلم في المهد. ومبارك اليمامة، وقصته في دلائل النبوة للبيهقي من

حديث معرِّض ـ بالضاد المعجمة ـ وكانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال القرطبي: في الحصر في الثلاثة حيث قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة، نظر، إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة عليه، وفيه بُعد، ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين بقيد المهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد. لكن يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة وفيه تعقب على النووي في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد. والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد والبزار وابن حبان والحاكم: "لم يتكلم في المهد إلا أربعة" فلم

يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة ابنة فرعون ما تقدم. وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة فيجتمع من هذا خمسة، ووقع ذكر شاهد يوسف أيضًا من حديث عمران بن حصين لكنه موقوف. وقد اختلف في شاهد يوسف، فقيل: كان صغيرًا، وهذا أخرجه ابن ابي حاتم عن ابن عباس وسنده ضعيف، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وأخرج عن ابن عباس أيضًا ومجاهد: أنه كان ذا لحية، وعن قتادة والحسن أيضًا: كان حكيمًا من أهلها. وروى ابن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن

76 - ثم سئلت عن قولهم: أمرت أن أخطاب الناس على قدر عقولهم. وقولهم: أدبني ربي فأحسن تأديبي، وقولهم: كل عام ترذلون. وقولهم: إن القمر حين انشق نزل إليه صلى الله عليه وسلم ودخل من كمه وخرج من الكم الآخر، فطاف بالكعبة. هل لهذه أصل أم لا؟

عباس، إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة. وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقي في النار أو لتكفر ومعها صبي فتقاعست، فقال: يا أمه! اصبري فإنك على الحق، والله أعلم. 76 - ثم سئلت عن قولهم: أمرت أن أخطاب الناس على قدر عقولهم. وقولهم: "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، وقولهم: كل عام ترذلون. وقولهم: إن القمر حين انشق نزل إليه صلى الله عليه وسلم ودخل من كمه وخرج من الكم الآخر، فطاف بالكعبة. هل لهذه أصل أم لا؟ فأجبت: أما الأول، فيروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم". أخرجه الديلمي بسند ضعيف. وله شاهد في صحيح البخاري عن علي موقوفًا. "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله". ونحوه ما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. أما الثاني: فمعناه صحيح، لكن لا يعرف له إسناد ثابت، كما قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وهو كذلك. فقد روي عن علي وابن مسعود بسند لا يصح.

وأما الثالث: فلا يعرف بهذا اللفظ إلا من كلام الحسن البصري في رسالته، لكن عند البخاري في الصحيح معناه، عن أنس مرفوعًا، "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم". وفي مسند الدارمي عن ابن مسعود قال: "لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله، أما إني لست أعني عامًا أخصب من عام، ولا أميرًا خيرًا من أمير، ولكن علماؤكم وخياركم وفقهاءكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفًا ويجيء قوم يقيسون الأمور برايهم". وعند الطبراني عن عكرمة عن ابن عباس: ما من عام إلا ويحدث الناس بدعة ويميتون سنة حتى تمات السنن وتحيى البدع. ونحوه حديث: "لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا

شُحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس". وقد قال إبراهيم الحربي: منكر زماننا معروف زمان ما أتى، ومعروف زماننا منكر زمان قد مضى. وأما الرابع: فما وقفت له على أصل، والله أعلم.

77 - وسئلت: عن الأنين

77 - وسئلت: عن الأنين. فكتبت ما نصه: قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: كان السلف الصالح يكرهون الأنين، لأنه نوع الشكوى، فمتى أمكنه الصبر عنه فينبغي أن يصبر فإذا غلب المرض عذر. واسند عن صالح بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل قال: قال لي أبي رحمه الله: جئني بالكتاب الذي فيه ابن إدريس عن ليث عن طاؤس أنه كان يكره الأنين، فقرأته عليه، فلم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها رضي الله عنه. قلت: وفي الجزء الثاني من المجالسة للدينوري حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما مرض أبي واشتد مرضه ما أن، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني عن طاؤس أنه قال: أنين المريض شكوى الله عز وجل. قال عبد الله: فما أن حتى مات، انتهى. وكان جماعة من السلف يجعلون مكان الأنين ذكر الله تعالى، والاستغفار والتعبد، وعند الدينوري في الأول من المجالسة أيضًا منطريق وهب بن منبه أن زكريا عليه السلام هرب فدخل جوف شجرة، فوضع المنشار على الشجرة وقطع بنصفين، فلما وقع المنشار على ظهره أن، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا زكريا! إما أن تكف عن أنينك، أو أقلب الأرض ومن عليها؟ قال: فسكت حتى قطع عليه السلام بنصفين. وفي الباب: منها من طريق الثوري قال: ما أصاب إبليس من أيوب

عليه السلام إلا الأنين في مرضه. وروى جعفر السراج من حديث سعيد بن عثمان قال: دخل ذو النون على مريض يعوده فرأى المريض يئن فقال ذو النون: "ليس بصادق في حبه، من لم يصبر على ضربه" فقال المريض: لا، ولا صدق في حبه من لم يتلذذ بضربه.

78 - وسئلت: من تزين للناس بما يعلم الله منه خلافه

78 - وسئلت: "من تزين للناس بما يعلم الله منه خلافه". فأجبت: إنه جاء بسندٍ ضعيف من طريق سعيد بن ابي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شأنه الله عز وجل". أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" من طريق ابن أبي الدنيا هكذا، ولم أجده في كتاب "الإخلاص" لابن أبي الدنيا إلا من طريق سعيد عن أبيه عن عمر موقوفًا. ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" من طريق فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن قال: "من تزين للناس بغير ما يعلم الله منه شأنه". وللطبراني في "الأوسط" بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تزين لعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السماوات والأرض". ولابن خزيمة في "صحيحه" عن محمود بن لبيد ـ وله رؤية ـ

قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله! وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه فذاك شرك السرائر". ولابن أبي الدنيا عن يوسف بن أسباط قال: ما أخاف خوفي من التزين، إن الرجل ليتزين حتى في الشربة من الماء. ويدخل هنا ما رواه ابن أبي الدنيا أيضًا من طريق زبيد قال: من كانت سريرته دون علانيته فذلك الجور، ومن كانت سريرته مثل علانيته فذلك النصف، ومن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل. وعنده وكذا البيهقي عن بلال بن سعد قال: لا تكن وليًا لله في العلانية وعدوه في السر. وعنده فقط من طريق عمر بن عبد العزيز قال: يا معشر المستترين! اعلموا أن عند الله مسألة فاضحة، قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). قلت: وقد ورد افتضاحه في الدنيا، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله منها رداء يعرف به". رواه أبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "الشعب" وسنده ضعيف، والصحيح وقفه.

كذلك أخرجه البيهقي أيضًا من طريق عثمان قال: من عمل عملاً كساء الله، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. وهو عند ابن أبي الدنيا بلفظ: "ما من عبد يسر سريرة إلا رداه الله عز وجل رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شراً فشر". وله شاهد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة لا باب لها ولا كوة، خرج عمله إلى الناس كائنًا ما كان". أخرجه البيهقي، وابن أبي الدنيا. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "من المؤمن"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "المؤمن الذي لا يمت حتى يملأ الله عز وجل مسامعه مما يحب، ولو أن عبدًا اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين بيتًا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون" قالوا: كيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: "لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الكافر"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "الكافر الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يكره، ولو أن فاجرًا فجر في بيت إلى سبعين بيتًا، على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله، حتى يتحدث به الناس ويزيدون" قالوا: كيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: "لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد".

أخرجه البيهقي والحاكم في بعض تصانيفه ومن طريقه الديلمي في "مسنده" وبعض هذه الأحاديث يتأكد ببعض. وعند البيهقي عند ثابت البناني قال: كان يقال: لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتًا كساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف. وعن المسيب بن رافع قال: ما من رجل يعمل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله عز وجل، قال: وتصديق ذلك في كتاب الله: (إن الله مخرج ما كنتم تكتمن) وللدينوري في "المجالسة" عن يوسف بن أسباط قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: قل لهم يخفون لي أعمالهم وعلي أن أظهرها لهم. ولابن أبي الدنيا من طريق الأعمش، سمعت إبراهيم يقول: إن الرجل ليعمل الأمر الحسن في أعين الناس، أو العمل لا يريد به وجه الله فيقع له المقت والعيب عند الناس حتى يكون عيبًا، وإنه ليعمل العمل أو الأمر يكرهه الناس يريد به وجه الله فيقع له المقت والحسن عند الناس.

وفي الصحيحين عند جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمع الله به". وهو عند مسلم وحده عن ابن عباس. والإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع والطبراني وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه

سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره صغره". وفي الباب: عن زيد بن خالد الجهني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يبتغي التسمع يسمع الله به" وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرائي يرائي الله به، ومن يسمع يسمع الله به". وعن أبي هند الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع الناس بعمله سمع الله به، ومن راءى راءى الله به".

وعن بشر بن عقربة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يقول: "لا يقف رجل موقف رياء وسمعة إلا أوقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة". وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرائي يرائي الله به، ومن يسمع يسمع الله به". وعن عوف بن مالك الأشجعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قام مقام رياء راءى الله به، ومن قام مقام سمعة سمع الله به".

به". وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة". وعن عمر بن الخطاب قال: من يسمع يسمع الله به. ومعنى قوله "من سمع" أي من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد. والآثار في هذا المعنى موجودة وقد صنف ابن أبي الدنيا "الإخلاص" والعسكري "السرائر" وعقد له البيهقي في "الشعب" بابًا وفيما ذكر مقنع.

79 - مسألة: إذا تجاوز الرجلان في الإمامة بعد الإقامة فهما في النار

79 - مسألة: إذا تجاوز الرجلان في الإمامة بعد الإقامة فهما في النار. لم أقف عليه، لكن قال عبد الرازق في جامعه: أخبرنا أبي قال: سمعت بعض أهل العلم يذكر أن قومًا أقاموا الصلاة، فجعل هذا يقول لهذا: تقدم ويقول هذا لهذا: تقدم، فلم يزالوا كذلك حتى خسف بهم. وذكره أبو حامد الغزالي في "الإحياء" بلفظ: وقد قيل: إن قومًا ... إلى آخره. وروى أبو داود في "سننه" ومن طريقه البيهقي من حديث سلامة ابنة الحر أخت خرشة ابن الحر الفزاري: قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد، لا يجدون إمامًا يصلي بهم"، وبوبا عليه: "كراهية التدافع على الإمامة". وهو عند الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه بلفظ: "يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إمامًا يصلي بهم". ذكره ابن ماجه في باب "ما يجب على الإمام" وسكت عليه أبو داود

والمنذري في مختصره والنووي في الخلاصة، مع أن في روايته من يجهل حاله، بل ومن جهل عينه وحاله معًا. وذكر الأئمة أن معنى الحديث أن يدفع القوم بعضهم بعضًا للتقدم لها. ووجه الدلالة منه: أنه ذكر فيه: إنه من أشراط الساعة وذلك مشعر بذمة، واعترض بأن من أشراط الساعة نزول عيسى بن مريم عليه السلام، فكيف تكون مذمومة؟ وأجيب بأن الأشراط التي من فعل العباد غالبًا مذمومة، بخلاف ما هو من فعل الله تعالى. على أنه يحتمل أن يكون سبب ذم هذا التدافع عدم وجود من ليست فيهم أهلية الإمامة، أو وجودهم، لكن يؤخرون الصلاة بعد حضورها، أو وجودهم وعدم التأخير، لكن مهملون للمساجد بلا سبب، أو بسبب اشتغالهم بالحروب الدنيوية ونحوها، لأجل التنافس على الدنيا فيبقى حاضروا المسجد في حيرة لعدم الإمام، ولا شك أن في تأخير إيقاع الصلاة بعد الإقامة بلا سبب، سوء أدب مع الله تعالى. وقد روي عبد الرازق أيضًا وكذا ابن أبي شيبة في مصنفه وتقاربًا: أن حذيفة كان يتخلف عن الإمامة فأقيمت الصلاة ذات يوم فتدافع القوم وهو، وابن مسعود ثم، فتخلف ابن مسعود وتقدم حذيفة، فلما قضى صلاته قال لهم: لتبتغن إمامًا أو لتصلن فرادى. والله الموفق.

80 - وسئلت: عما اشتهر على الألسنة أنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا ذوي العاهات هل له أصل؟ وما معناه؟

80 - وسئلت: عما اشتهر على الألسنة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا ذوي العاهات" هل له أصل؟ وما معناه؟ والجواب: لم أقف عليه بهذا اللفظ، نعم، روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق وبعد الرحمن بن سلام الجمحي، وعلي بن المديني، ويحيى بن محمد الحارثي كلهم عن إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر واتقوا المجذوم كما يتقي الأسد". وكذا قال البخاري: روى إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي عن محمد ابن أبي الزناد ـ يعني محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد ـ عن جده أبي الزناد به:"اتقوا المجذوم".

وأشار الخطيب إلى تخطئة هذا الإسناد في موضعين: أحدهما: رواية الدراوردي عن ابن أبي الزناد. والثاني: رواية محمد بن عبد الرحمن عن جده أبي الزناد، فإنه لم يدرك جده، والصواب ما تقدم. والمعنى: فر من المجذوم كفرارك من الأسد، كما ورد في بعض ألفاظ الحديث فيمكن أن يكن المعنى: باتقاء ذوي العاهات، الفرار

منها خوفًا من العدوى، لا كما يتوهمه العامة، ثم إن هذا حمل على ضعيف اليقين، وإلا فقد ورد: "لا يعدي شيء شيئًا، ولا عدوى"، ونحو ذلك. والله الموفق.

81 - سئلت: عن سند يتصل به مسند أبي ذر، للبزار، وأحضر إلي ورقة بخط الشيخ قاسم الحنفي كتبها في ذلك، نصها: أنبأني أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر مشافهة أنبأنا أبو الفتح محمد بن محمد مشافهة عن أبي الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن عبد ا

81 - سئلت: عن سند يتصل به مسند أبي ذر، للبزار، وأحضر إليَّ ورقة بخط الشيخ قاسم الحنفي كتبها في ذلك، نصها: "أنبأني أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر مشافهة أنبأنا أبو الفتح محمد بن محمد مشافهة عن أبي الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن يوسف الفهري في كتابه، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا والدي سماعًا عليه حدثنا سليمان بن خلف بن عمرون، أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرح، حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب بن الصموت، حدثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو"؟ فكتبت ما نصه: هذا نص المكتوب حرفًا بحرف، وكأنه تحقق أن هذا المسند منقول من مسند البزار المشهور، فوصله بأحد الطرق التي وصل بها شيخنا المسند المذكور، ووقع له في الذي وصل به أماكن، فإن شيخه هو الواسطي، والذي فوقه هو الميدومي، الذي فوقه هو الفخر ابن البخاري، وإجازة الميدومي منه ممكنة، وإن لم أقف الآن عليها، والذي فوقه هو أبو الحجاج يوسف ابن عبد الله الفهري، وكانت وفاته في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ومولد الفخر ابن البخاري بعد ذلك في سنة خمس وتسعين، فأظن بينهما بعض الرواة، والذي فقوه هو أبو محمد بن عتاب، والفهري إنما له منه إجازة بخلاف ما أوهمه كلامه، وأبوه أيضًا، إنما روى عن شيخه سليمان بن خلف إجازة. فلو رواه الشيخ حفظه الله عن الواسطي، عند الميدومي، عن ابن علاق، عن البوصيري، عن أبي الحسن ابن الفراء بالسند المكتوب في النسخة لكان أحسن لسلامته من السقط ولكون كل واحد من الأربعة الذين في صدر السند سمع على شيخه فهو إجازة مشافهة إن لم يكن سماعًا. هذا كله مع كونه أعلى مما كتب بدرجة، وفيه خمس أجائز، بخلاف

الأول، ففيه ست، والله المستعان ووراء هذا جميعه أنني لم أتحقق، هل هذا المسند تصنيف مستقل، أو من جملة المسند الكبير لكون المسند الآن ليس عندي، والله الموفق للصواب. [فائدة]: قرأ الفاضل شرف الدين عبد الحق السنباطي "الشمائل" للترمذي، فكتب سند السويداوي بخطه، وقال: إنه يرويها عن الصلاح أبي عمر، وست العرب، وهذا غلط، اشتبه عليه سند المسمع وهو السويداوي بالقارئ، فإن السماع على السويداوي كان بقراءة القدسي، وكتب القدسي إنه يرويها عن الشيخين المذكورين، وأحال بسند المسمع على الطبق، وهو يرويها عن الشيخين العز أبي بكر عبد المؤمن بن أبي طالب عبد الرحمن بن العجمي، والبدر أبي عبد الله محمد بن أحمد بن خالد الفارقي سماعًا عليهما بسندهما.

82 - سئلت: عن الوارد في البواسير، أعاذنا الله منه

82 - سئلت: عن الوارد في البواسير، أعاذنا الله منه. فأقول: ذكر الأمور التي ينشأ منها البواسير. روى المستغفري من طريق الحسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجامعن أحدكم وبه حقن من خلاء أو بول فإنه يكون منهما البواسير». وعن عكرمة قال: كان لقمان من أهون مملوك على سيده، فدخل مولاه الحسن، فناداه لقمان: طول القعود على الحاجة ينجع منه الكبد، ومنه الباسور فاقعد هوينًا واخرج. ما يعالج به في قطعه. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استنجوا بالماء البارد فإنه مصحة للبواسير» أخرجه الطبراني في «الأوسط».

وعن المسور بن رفاعة القرظي أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استنجوا بالماء فإن مصحة من البواسير". أخرجه المستغفري في "الطب". وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بغسل الدُبُر". وفي لفظ "بنقاء الدبر فإنه يذهب الباسور". أخرجه أبو يعلي في "مسنده" وأبو نعيم في الطب وكذا المستغفري. وعن عقب بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بهذه الشجرة المباركة، زيت الزيتون، فتداووا به فإنه مصحة من الباسور". أخرجه الطبراني في "معجمه"، وعنه أبو نعيم في

الطب وكذا أخرجه المستغفري. وعن حفص بن السائب بن الأقرع الحنظلي قال: علم النبي صلى الله عليه وسلم أبي رقية الباسور: "اللهم بحق آدم وذريته من الأنبياء أن تشفي فلان بن فلان، وفلاننة بنت فلان، وتأخذ قطرة زيت فتصبه على راحتك ثم تتفل فيه فتدلكه حتى يتزبد ثم تطليه على نفحتك فإنه يذهب إن شاء الله، فإن كان عتيقًا تجعله على قطنة ثم تضعه على نفحتك". أخرجه المستغفري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مصفر اللون فقال: "ما هذا يا ابن عباس"، فقلت: رويحة ـ يعني الباسور ـ فقال: "لحداثة سنك فأين أنت من الأصف" ـ يعني الكبر ـ "تأخذه فتدقه فتستف منه"، قال: ففعلت فبرأت.

أخرجه أبو نعيم في "الطب". وقال علي بن الحسين بن واقد: دخلت على طاهر بن الحسين فقال لي: مالي أراك متغير اللون؟ فذكرت له إن بي باسورًا، فقال لي: عليك بالطحال: فاشوه وكل منه مع ملح جريشًا قال: فجربته: فلقيته نفعني. وقال الأصمعي: عن أبي عمرو ابن العلاء، قلت لأبي رجاء ـ يعني العطاردي ـ ما تذكر؟ قال: أذكر قتل بسطام بن قيس على الجسر، قال الأصمعي: والجسر جبل رمل، ثم أنشد أبو رجاء: وَخرَّ على الألاءة لم يوسد ... كأن جبينه سيف صقيل الألاءة: من شجر الرمل قال: وقد أخذت من تلك وهي تصلح للبواسير. أخرجها المستغفري. وعن أبي عقيل بشير بن عقربة قال: سألت محمد بن سيرين عن قطع البواسير فكرهه وقال: اطل عليه دهني خل ومرداسنج، وقال: قد جربته فجدته هكذا. أخرجه .... أبو نعيم في الطب. ما جاء في العفو عنه: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم

سئل عن رجل توضأ وبه ناصور سال منه؟ قال: وإن سال من قرنك إلى قدمك [لا يضرك] أخرجه .... وأبو نعيم في الطب. وهو عند الطبراني في "ألكبير" من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرى الناسور يسيل مني؟ فقال: "إذا توضأت فسال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك". وعن الشعبي في الرجل به الناصور فلا يرقى يعني لا يستمسك؟ قال: "يصلي وإ، سال من قرنه إلى قدمه". أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وفي لفظ عنده أيضًا، سئل الشعبي عن الرجل، به الناصور فإذا الدم يسيل منه، أيصلي وهو كذلك؟ قال: يصلي وإن سال من قرنه إلى قدمه. وعن أبي قلابة أنه كان لا يرى بأسا بالشقاق، خرج منه الدم. أخرجه سعيد في سننه.

83 - سألني: بعض الصوفية عن حديث: رأيت ربي في المنام في أحسن صورة

83 - سألني: بعض الصوفية عن حديث: "رأيت ربي في المنام في أحسن صورة". فقلت: قد جاء عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شابا موقرا، رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب. أخرجه الدارقطني وابن الجوزي في "العلل المتناهية" وقال فيما أسند عن مهنا: إنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فحول وجهه عنه وقال: هذا حديث منكر، وراويه مروان بن عثمان رجل مجهول، وكذا عمارة بن عامر لا يعرف، وكذا قال يحيى بن معين

والنسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله؟ انتهى. وقال شيخي: إنه متن منكر جدًا. قلت: ويروى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربي في منامي في أحسن صورة كالشاب الموقر على كرسي الكرامة حول فراش من ذهب" .. الحديث. وأخرجه الدارقطني أيضًا من رواية خالد بن نجيح، وقد قال أبو حاتم: إنه منكر الحديث، يفتعل الأحاديث، ويضعها، والراوي عنه لهذا الحديث، وهو ولده عبد الرحمن قال فيه ابن يونس: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك الحديث. ضعيف. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه عز وجل شاب أمرد، جعد، قطط، في حلة خضراء. أخرجه الدارقطني أيضا. وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" وقال: إنه لا يثبت. وعند الترمذي في

84 - سألني: الشيخ شمس الدين الأمشاطي ـ نفع الله به ـ عما وقع في الطبقات للحنفية في وفاة شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد بن نصر الحلواني وكونها في سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربعمائة، كيف يستقيم مع ما فيها من أن شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخس

جامعة وقال: حسن غريب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة فقال لي: يا محمد! قلت: لبيك وسعديك قال: فيما يختصم الملأ الأعلى" وذكر الحديث. قال البيهقي: وري من أوجه كلها ضعيفة. 84 - سألني: الشيخ شمس الدين الأمشاطي ـ نفع الله به ـ عما وقع في "الطبقات للحنفية" في وفاة شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد بن نصر الحلواني وكونها في سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربعمائة، كيف يستقيم مع ما فيها من أن شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي مات في حدود الأربعمائة مع كون الثاني أخذ عن الأول؟ فقلت: أما الأول، فقد اختلف في وفاته، فقال أبو العلاء الفرضي: مات في شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة، وصححه الذهبي ومشى عليه شيخنا في "لسان الميزان" ولم يحك غيره، وقال ابن السمعاني في "الأنساب" سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربعمائة، وهو الذي مشى عليه صاحب "ألطبقات" واعتمده الذهبي في موضع آخ، وقال النخشبي في

"معجمه" في شعبان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وأما الثاني: قرأت في مختصر "الطبقات" للمجد اللغوي وذكر وفاته في حدود الأربعمائة، وهو غلط، فإنه في أصله لعبد القادر قال: مات في حدود سنة تسعين وأربعمائة فسقط على المجد لفظ تسعين، ويؤيده أن بعض الأئمة ذكر أن السرخسي ذكر في أول كتابه الذي ألفه أنه أملاه في يوم السبت سلخ شوال لسنة تسع وأربعين وأربعمائة وهو يؤيد ما ذكره عبد القادر، والله الموفق.

85 - غريبة

85 - غريبة: سألني الشيخ شمس الدين الأسطنبولي المعتقد المشهور، عن الوارد في ضحك المرء من الريح الذي يخرج من جليسه، ما لفظه؟ ووعدته بمراجعته، وحصل فتور عن ذلك بقية اليوم، فلما كان الغد أرسل إلى الشيخ شمس الدين ابن قمر المحدث المعروف بسينجر ما كان يقدم سؤاله لي عنه، وهو حديث، ذكر أنه من مسند عبد الله بن زمعة، فأخذت أنظر في مسند الصحابي المذكور فأجد الحديث الذي سأل عنه الأسطنبولي من مسنده أيضًا وبينه وبين السؤال الثاني نحو سطر، فتعجبت من هذه الاتفاقية، ووجدت البخاري رواه في تفسير (والشمس وضحاها) من التفسير في صحيحه من حديث عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ انبعث أشقاها) انبعث لها رجل عزيز، عارم، منيع في رهطه مثل أبي زمعة يعني جد الراوي، واسمه الأسود بن المطلب وذكر النساء، فقال: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد ولعله يضاجعها من آخر يومه" ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: "لِمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". وأخرجه أيضًا في باب قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى .... إلى الظالمون) بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس.

وأخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح.

86 - حديث: المغفرة ليلة النصف من شعبان

86 - حديث: المغفرة ليلة النصف من شعبان. روي عن أبي هريرة، وأبي موسى، ومعاذ، وأبي بكر، وعلي، وابن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وأبي ثعلبة، وعائشة. أما حديث أبي هريرة، فقال ابن سمعون في أماليه: حدثنا أبو بكر المطيري يعني محمد بن جعفر حدثنا يعقوب ـ هو ابن إسحاق ـ القلوسي حدثنا عبد الله بن غالب حدثنا هشام بن عبد الرحمن الكوفي ـ قدم علينا مرابطًا ـ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لعباده إلا لمشرك أو مشاحن". ليس في رجاله من تكلم فيه. وأما حديث أبي موسى، فقال البيهقي في "فضائل الأوقات":

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو الأسود المصري حدثنا ابن لهيعة عن الزبير بن سُليم عن الضحاك بن عبد الرحمن وهو ابن عرزب عن أبيه سمعت أبا موسى الأشعري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشركًا أو مشاحنًا". وقال الدارقطني في "أحاديث النزول له": حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان، حدثنا الحسن بن علي بن شيب، سمعت الربيع بن سلميان الجيزي يقول: حدثنا أبو الأسود أخبرنا ابن لهيعة به مثله: وقال ابن الأخضر "في فضل شعبان" له: أخبرنا عبد الوهاب بن محمد، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا أبو بكرمحمد بن عبد الملك، أخبرنا علي بن عمر الدارقطني به مثله. وأما حديث معاذ: فقال الطبراني في "الكبير" حدثنا أحمد بن

النضر العسكري، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا عتبة بن حماد، عن الأوزاعي وابن ثوبان، عن أبيه كلاهما عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". وقال البيهقي في الفضائل: أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي وأبو بكر أحمد بن الحسن قالوا: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي، حدثنا هشام بن خالد، خدثنا أبو خليد ـ وهو عتبة بن حماد ـ عن الأوزاعي ـ يعني عن مكحول ـ، وابن ثابت ـ وهو

عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". وقال الدارقطني في النزول والعلل: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعت لفظًا، حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد القاري عن الأوزاعي عن مكحول وابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن مالك بن يخامر السكسكي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". وقال ابن الأخضر في "فضل شعبان" له: أخبرنا المبارك بن مسعود بن عبد الملك الغسال، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عمر بن أحمد، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن العباس، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الاشعت ومحمد بن محمد بن سليمان قالا: حدثنا هشام بن خالد الأزرق الدمشقي، حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد الفارسي به مثله. لكن سقط قوله "عن أبيه" في النسخة التي رأيتها بخط ابن الظاهري، وقال: الفارسي فيحرر. وقال ابن عساكر في "فضل ليلة النصف من شعبان": أخبرنا

الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد الدينوري ببغداد، أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن القزويني إملاء سنة ست وثلاثين وأربعمائة حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن سويد المؤدب، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الاشعت، ومحمد بن محمد بن سليمان الباغندي إملاء به مثله. [وقال القارئ: وأثبت عن أبيه بخط شيخنا السخاوي أيضًا:] "عوالم سليم": أخبرنا علي حمد بن عبد الله، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا الحجاج بن حمزة العجلي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا صدقة الدقيقي، حدثنا ثابت عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل؟ قال: "شعبان، تعظيمًا لرمضان". "فضائل الأوقات للبيهقي": أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأنصاري أخبرنا أبو سعيد ابن الأعرابي، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول الله أي الصوم أفضل؟ قال: "صوم شعبان تعظيمًا لرمضان" قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان". المخلص ي "منتقى من سبعة مجالس من أماليه": حدثنا أبو

حامد محمد بن هارون الحضرمي، حدثنا محمد بن حرب حدثنا يزيد بن هارون حدثنا صدقة بن موسى عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصيام أضل؟ قال: "صيام شعبان تعظيمًا لرمضان" وسئل أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان". ابن الأخضر في "فضل شعبان" له: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين الكوفي كبرزدة، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم أبو الحسين قراءة، أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد الجرجاني بها من كتابه، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، أخبرنا يزيد بن هارون، حدثنا صدقة بن موسى الدقيقي، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصوم أفضل؟ قال: "صوم شعبان تعظيمًا لرمضان" وقيل له: أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان". ابن عبد كويه في "مجالسه الثلاثة": أخبرنا سليمان بن أحمد، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا صدقة بن موسى، عن ثابت عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان".

الترغيب للتيمي: أخبرني أبو العباس أحمد بن محمد المصري وغيره قراءة عن أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن بن النجم الشافعي سماعًا، أخبرنا أبو الفرج بن محمد المقدسي ح وأنبأني عاليًا ابن عبد الرحمن بن عمر المقدسي عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأنصاري كلاهما عن أبي العباس المقدسي، قال الأول ساعًا، أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو القاسم بن محمد التيمي الحافظ، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا أبو الفتح ابن أبي الفوارس، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا الحسين بن علي الحلواني حدثنا عبد الرازق حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد الله، عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله عز وجل ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول: ألا مستغفر أغفر له، ألا مسترزق أرزقه حتى يطلع الفجرط. البيهقي في "فضائل الأوقات": حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس المالكي، حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ حدثنا الحسن بن علي يعني لخلال، حدثنا عبد الرازق أنبأنا ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن

87 - حديث: يطلع الله ليلة النصف من شعبان

عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى يقول: ألا مستغفر فأغفر له، الا مسترزق فأرزقه، ألا سائل فأعطيه ألا كذا حتى يطلع الفجر". 87 - حديث: "يطلع الله ليلة النصف من شعبان". في "ثاني مجالس القزويني"، و"فضل شعبان" لابن الأخضر، "وفضل ليلة النصف" لابن عساكر، "وأمالي ابن سمعون"، "وفضائل الأوقات" للبهقي، والشعب له، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، والدارقطني في "العلل، والنزول"، وابن حبان في صحيحه، والمسند لأحمد من طريق، "ومسند البزار"، وهو في التصانيف التي على الأبواب، محله في الأدب، في التهاجر. "الصوم" لابن أبي عاصم: حدثنا محرز بن سلمة، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان النصف من شعبان فلا تصوموا". السنن للبيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أبو مسلم حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان". وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا النضر الفقيه يقول: سمعت

محمد بن إبراهيم بن قتيبة الطوسي يقول: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: سمعت عبد العزيز بن محمد يقول: قدم علينا عباد بن كثير المدينة، فمال إلى مجلس العلاء يعني فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" فقال العلاء: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. رواه أبو داود عن قتيبة، ثم قال: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، قال: وكان عبد الرحمن لا يحدث به. الغيلانيات: حدثنا محمد بن غالب حدثني عبد الصمد حدثنا مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان النصف من شعبان فلا تصوموا حتى رمضان". تمام في "فوائده": أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن أبي دجانة حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن جعفر الإمام بتنيس حدثنا علي بن مسلم الطوسي حدثنا حبان بن هلال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم القاص ـ وهو ثقة ـ حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صوم من نصف شعبان حتى رمضان، فمن طال عليه صوم رمضان فليسرد ولا يقطعه". الخلعي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن قطيب الفراء حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت إملاء في جامع عمرو، أخبرنا أحمد بن زيد بن هارون، حدثنا إبراهيم المنذر الحزامي، حدثنا ابن أبي

فديك ـ هو محمد بن إسماعيل ـ عن أبي المفضل ـ يعني شبل بن العلاء بن عبد الرحمن ـ عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان". وأشار إلى تفرد العلاء به.

88 - [مسألة

88 - [مسألة روى] الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثنا محمد بن جحادة عن أبي صالح ووكيع حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح يحدث بعد ما كبر عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرُج. حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرح. حدثنا محمد بن جعفر وحجاج، قالا: حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. قال حجاج: قال شعبة: أراه يعني اليهود. سمويه في فوائده: حدثنا محمد بن كثير حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج".

الطبراني في الكبير: حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح ـ وكان قد كبر ـ يحدث عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج. يحيى بن يحيى النيسابوري في جزئه: أخبرنا أبو عبيدة عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين [عليها] المساجد والسرج. هلال الحفار في الثاني من جزءه. أخبرنا الحسين بن عباس حدثنا

89 - الحمد لله: روى الخطيب والدارقطني في الرواة عن مالك لهما، وأبو علي بن دوما في فوائده والرافعي في تاريخ قزوين والصابوني في الأربعين له كلهم من حديث الفضل بن غانم عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رفعه: من قال في اليوم مائة مرة لا إل

إبراهيم بن محشر حدثنا وكيع بن الجراح عن شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح بعد ما كبر يحدث عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذات عليها السرج والمساجد. 89 - الحمد لله: روى الخطيب والدارقطني في "الرواة عن مالك" لهما، وأبو علي بن دوما في فوائده والرافعي في تاريخ قزوين والصابوني في الأربعين له كلهم من حديث الفضل بن غانم عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رفعه: "من قال في اليوم مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر" الحديث.

90 - الحمد لله مسألة: خرج البيهقي في السنن من جهة الشافعي من طريق محمد بن كعب أنه سمع رجلا في بني وائل يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تجب الجمعة على كل مسلم، إلا امرأة أو صبي أو مملوك. وهكذا هو في أصل معتمد جدا، قديم من مسند الشافعي سواء. وه

وفي آخره قال الفضل: لو رحل في هذا الحديث إلى خراسان لكان قليلاً. انتهى. والفضل، قال الخطيب: إنه ضعيف قال: وقد روي هذا الحديث عن مالك من وجوه عدة لا يثبت شيء منها، وكذا قال الدارقطني: كل من رواه عن مالك ضعيف، وهذا الحديث لا يصح، وممن رواه عن مالك سلم بن ميمون الخواص، والفضل بن العباس البغدادي، ومسلم بن المغيرة الأسدي، ويحيى بن يوسف الزهري، والله أعلم. 90 - الحمد لله مسألة: خرج البيهقي في السنن من جهة الشافعي من طريق محمد بن كعب أنه سمع رجلاً في بني وائل يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تجب الجمعة على كل مسلم، إلا امرأة أو صبي أو مملوك". وهكذا هو في أصل معتمد جدًا، قديم من مسند الشافعي سواء. وهكذا أخرجه ابن عساكر في كتاب "تشريف يوم الجمعة وتعظيمه له"، والنسخة التي عند بخط ابن المصنف الحافظ البهاء أبي محمد القاسم من طريق البيهقي سواء. وقال عقبه: هذا إسناد فيه مجهول وضعيف.

91 - الحمد لله مسألة

91 - الحمد لله مسألة: روى الطبراني في الأوسط بسند ضعيف من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنزلوا الكفور ـ يعني القرى ـ فإنها بمنزلة القبور". وللبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علق الصيد غفل، ومن لزم البادية جفا، ومن أتى السلطان افتتن". ونحوه عن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا عند البيهقي كذلك.

92 - مسألة

92 - مسألة: قال في الروضة تبعًا لأصلها في الخصائص: وأولاد بناته ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها، زاد في الروضة: كذا قاله صاحب التلخيص، وأنكره القفال، وقال: لا اختصاص في انتساب أولاد البنات، وأيده في "الخادم" بأنه ظاهر كلام ابن حبان في صحيحه، فإنه قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن

ابن البنت لا يكون بولد، ثم ذكر حديث: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ أقبل الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يقومان ويعثُران فنزل إليهما فأخذهما وقال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) ". قلت: وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابني هذا يعني الحسن بن علي" قال

البيهقي: وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم ابنه حين ولد، وسمى أخويه بذلك حيث ولدا، فقال لعلي: "ما سميت ابني؟ " ثم ساقه من حديث هانيء بن هانيء عن علي، وفيه: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني سميت بني هؤلاء بتسمية بني هارون" الحديث. وكذا في حديث قابوس بن المخارق الشيباني عن أبيه قال: جاءت أم الفضل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني رأيت بعض جسمك في فقال: "نعم ما رأيت تلد فاطمة غلامًا وترضعيه بلبن قثم" قالت: جاءت به تحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجر" فبال فلطمته بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوجعت ابني". الحديث. وقد سلك البيهقي نحوًا مما سلكه ابن حبان، حيث قال في الوقف: باب من يتناوله اسم الولد، ثم ذكر فيه أنه عليه السلام سمى أولاد علي باسم الابن وأنه عليه السلام أخذ الحسن والحسين وتلا: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة" وظاهره عدم الخصوصية كما نقله النووي عن القفال، ثم وقفت على حديث إن صح قطع كل نزاع، أخرجه الحافظ أبو صالح المؤذن في "الأربعين" فضل فاطمة الزهراء، من طريق شريك عن

شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وكل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة أنا أبوهم وعصبتهم". وكذا هو في ترجمة عمر من "معرفة الصحابة" لابي نعيم من طريق بشر بن مهران، حدثنا شريك به: أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فاعتل عليه بصغرها فقال: إني لم أرد الباءة ولكني سمعت رسول الله يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، ما خلا سببي ونسبي، وكل ولد أب فإن عصبتهم" وذكره. وكذا أخرجه الطبراني في ترجمة الحسن من معجمه الكبير من طريق بشر مقتصرًا منه على قوله: "كل بني أنثى فإن عصبتهم" وذكر باقيه مثله، ورجاله موثقون. وشريك هو ابن عبد الله القاضي، استشهد به البخاري في

صحيحه، وروى له مسلم في المتابعات. وللحديث شاهد، أخرجه الطبراني أيضًا في "الكبير" من طريق عثمان بن ابي شيبة، حدثنا جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة ابنة الحسن عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم". وكذا أخرجه أبو يعلي ومن طريقه الديلمي في مسنده عن عثمان بن أبي شيبة بلفظ: "كل بني أم عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهما وعصبتهما". وقال الخطيب في تاريخه: نقلت من أصل أبي الحسن ابن رزقويه أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: عرضت على أبي حديث عثمان بن أبي شيبة يعني هذا وعدة أحاديث من هذا النحو، فأنكرها جدًا، وقال: هذه أحاديث موضوعة، ثم قال: ما كان أخوه يعني عبد الله بن ابي شيبة ينظف نفسه بشيء من هذه الأحاديث، ثم قال: نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، نراه يتوهم هذه الأحاديث، نسال الله السلامة. انتهى. ثم نبه الخطيب على أن عثمان لم ينفرد بهذا وساقه من طريق محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام حدثنا أبي حدثنا جرير بلفظ: "كل

93 - الحمد لله مسألة: عن حديث: نية المؤمن خير من عمله هل ورد أم لا، وما حكمه وما معناه؟

بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم" ومن طريق حسين الأشقر عن جرير بنحوه. 93 - الحمد لله مسألة: عن حديث: "نية المؤمن خير من عمله" هل ورد أم لا، وما حكمه وما معناه؟ فأجبت بما نصه: نعم: هو حديث. أخرجه العسكري في "الأمثال" والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نية المؤمن أبلغ من عمله" وقال البيهقي عقبه: إن إسناده ضعيف، وأما ابن دحية، فقال: هذا الحديث لا يصح، وصنيع ناصر السنة البيهقي أولى، إذ للحديث شواهد. منها: ما أخرجه الطبراني في معجمه "الكبير" من حديث سهل بن

سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير مننيته، وكل يعمل على نيته فإذا عمل المؤمن عملاً ثار في قلبه نور" وهو عند الطبراني أيضًا من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وكذا أخرجه العسكري في الأمثال: "نية المؤمن خير من عمله، ونية الفاجر شر من عمله"، وأخرجه أبو منصور الديملي في مسند الفردوس، له من حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه رفعه: "نية المؤمن خير من عمله، وإن الله عز وجعل يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله، وذلك أن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء". وهذه طرق فيها مقال، لكن يتأكد بعضها ببعض، ولا يبعد أن يرتقي بالنظر بمجموعها إلى الحسن. ومن آخرها ظاهرة أنه مدرج لتبيين معنى الحديث، وبه صرح ثعلب نقلاً عن ابن لأعرابي أنه قال: "نية المؤمن خير من عمله"، لأن النية لا يدخلها الفساد والعمل يدخله الفساد.

وأراد بالفساد هنا الرياء، فقد قال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي وقد سئل عن هذا الحديث: إن النية من مخلص الأعمال، والأعمال بمقابله الرياء والعجب. وهذا مروي نحوه عن ابن جريج أنه قال لعطاء: ما معنى نية المؤمن خير من عمله؟ قال: لأن النية لا يكون معها رياء فيهدرها. وقيل: إن النية خير من جملة الخيرات، ويكون من للتبعيض، لأن النية عمل أشرف الأعضاء وهو القلب، ونحوه، إن النية جزء من العبادة الذي هو خير من بقية الأجزاء سواها. وقيل: إن القصد من الطاعات تنوير القلب، وتنويره بالنية أكثر، لأنها صفية، وقيل: إن الضمير في عمله لكافر في واقعه هي: أن مسلمًا نوى بناء قنطرة فسبقه الكافر فبناها، ولكن لا أعلم هذا السبب ثابتًا، ويبعده ما سيأتي من بعض الآثار. وقيل: إن النية دون العمل، قد تكون طاعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة" قالوا: والعمل دون النية لا تكون

طاعة. وفي الحديث: "لو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله حشره الله على نيته، إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل يا رسول الله ولم ذاك؟ قال: "بنياتهم" وفي لفظ: "يبعث الله عز وجل الناس يوم القيامة على نياتهم". وفي آخر: "إنما يبعث المقتتلون [على نياتهم] " وبذلك كان تخليد الله تعالى العبد في الجنة ليس بعمله وإنما هو بنيته، لأنه لو كان بعمله لكان خلوده فيها بقدر مدة عمله أو أضعافه إلا أنه جازاه بنيته، لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدًا لو بقي أبدًا فلما احترمته منيته دون نيته جزاه عليها، وكذلك الكافر، لأنه لو كان مجازي بعمله لم يستحق التخليد في

النار، إلا بقدر مدة كفره غير أنه نوى أنه يقيم على كفره أبدًا لو بقي فجزاه على نيته، على أن بعضهم ادعى التعارض بين الحديثين ـ أعني المسئول عنه ـ وحديث: "من هم بحسنه" من حيث اقتضاءة أن النية دون العمل لتعدد الحسنة في العمل حيث تكتب عشرًا دون النية. وأجيب بأن العامل الذي أثيب، لم يعمل حتى هم، فالنية موجود أيضًا، إذا تقرر هذا فقد منع حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الإحياء القول بأن سبب ترجيح النية على العمل كون النية سرًا لا يطلع عليه إلا الله والعمل ظاهرًا، ولعمل السر فضل حيث قال: وهذا صحيح، وليس هو المراد، لأنه لو نرى أن يذكر الله تعالى بقلبه، أو يتفكر في مصالح المسلمين، فيقتضي عموم الحديث أن يكون فيه التفكر خيرًا من التفكر، وكذا منع القول بأن النية بمجردها خير من العمل بمجرده دون النية، بما حاصله أنه وإن كان صحيحًا في نفسه فهو بعيد، فإن عمل الغافل لا خير فيه أصلاً والنية بمجردها خير، وليس المراد كما هو الظاهر، إلا الترجيح بين المشتركين في أصل الخير، لكن قال الكرماني موجهًا لهذا الاحتمال: لو كان المراد خير من عمل مع النية، للزم أن يكون الشيء خيرًا من نفسه مع غيره، وكذا منع الغزالي توجيهًا آخر لم يتقدم، وهو أن النية تدوم إلى آخر العمل، والأعمال لا تدوم، فقال: وهو ضعيف، لأن ذلك يرجع معناه إلى أن العمل الكثير من العمل القليل، مع أن الواقع ليس كذلك، فإن نية أعمال الصلاة قد لا تدوم إلا في لحظات معدودة، والأعمال تدوم والعموم يقتضي أن تكون نيته خيرًا من عمله، ثم قرر أن أعمال القلب التي من جملتها النية، أفضل من حركات الجوارح، وارتضى ذلك وزاد في

إيضاحه بما تحسن مراجعته منه. وقد وقعت لي عدة آثار يتبين من بعضها المراد، بل ويتضمن الطعن في السبب المشار إليه كما تقدم. فروينا عن ثابت البناني رواي الحديث الأول أنه قال: "نية المؤمن أبلغ من عمله" أن المؤمن ينوي أن يقوم الليل ويصوم النهار ويخرج من ماله فلا تتابعه نفسه على ذلك فنيته أبلغ من عمله. وعن الحسن قال: "المؤمن تبلغ نيته وتضعف قوته، والمنافق تضعف نيته وتبلغ قوته". وعن مالك بن دينار قال: "إن للمؤمن نية في الخير ابدًا أمامه لا يبلغها عمله، وإن للفاجر نية في الشر هي أبدًا أمامه لا يبلغها عمله، والله مبلغ بكل ما نوى". وهذا عند العسكري في الأمثال، وعن سعيد بن المسيب قال: "من هم بصلاة أو صيام أو حج أو عمرة أو عمرة أو غزو فحيل بينه وبين ذلك بلغه الله ما نوى". وقال العسكري في الأمثال: قال بعض العلماء ما معناه: أن المؤمن كلما عمل خيرًا نوى أن يعمل ما هو خير منه، فليس لنيته في الخير منتهى، والفاجر كلما عمل شرًا فنيته أن يعمل ما هو شر منه فليس لنيته في الشر منتهى. وقال غيره: يريد أن المؤمن ينوي أشياء من أبواب الخير نحو الصدقة والصوم وغيره، فلعله يعجز عن ذلك وهو معقود النية عليه، فنيته خير من عمله، يريد خير من العمل الذي لا يعمله. وقال بعضهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من نوى حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر حسنات. قال: فصار العمل في

هذا الحديث خيرًا من النية قال: وليس هذا يراد للحديث الأول، وإنما تكون النية خيرًا من العمل في حال، ألا ترى أن الله يخلد المؤمن في جنته بنيته، لا بعمله، ولو جوزي بعمله لم يستوجب التخليد، وإنما خلده اله بنيته لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدًا لو أبقاه أبدًا، فلما اخترمه دون نيته جزاه عليه، وكذلك الكافر نيته شر من عمله لأنه كان يقيم على كفره أبدًا، قال: وعلى هذا الحديث الآخر: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا نبي الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بحرمة منه" أي إنما يستحق الخلود بنيته. قلت: وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: أصابت بني إسرائيل مجاعة، فمر رجل على رمل فقال: وددته دقيقًا فأطعمه بني إسرائيل فأعطي على نيته. وعن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن الملائكة تصف بكتبها في السماء الدنيا كل عشية بعد العصر فينادي الملك: اكتب لفلان بن فلان كذا وكذا، فيقول: يا رب إنه لم يعمله، يا رب إنه لم يعمله قال: فيقول: "إنه نواه إنه نواه". وعن هشام بن حسان قال: "سيئة تسوءك خير من حسنة تعجبك"

وقال مطرف: "لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا" وقال أبو حازم: "إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قط أنفع له منها، وإن الرجل ليعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها". وعن يحيى بن أبي كثير إنه قال: "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل". هذا ما تيسر الوقوف عليه الآن وفوق كل ذي علم عليم.

94 - [مسألة]: لم يزال السؤال: يقع عن قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحيي ممن استحيت منه الملائكة

94 - [مسألة]: لم يزال السؤال: يقع عن قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحيي ممن استحيت منه الملائكة". في أي موطن وقع استحياء الملائكة منه؟ وقد أفاد البدر النسابة شيخنا في بعض مجاميعه عن قاضي المدينة الكازورني: أنه صلى الله عليه وسلم لما آخي بين المهاجرين والأنصار بالمدينة ببيت أنس بن مالك وتقدم عثمان للإخاء، وكان صدره مكشوفًا تأخرت الملائكة منه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية صدره فعادوا إلى مكانهم فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب امتناعهم، فقالوا: حياء من عثمان. قلت: ويحتاج إلى الكشف عن هذا. [فائدة]: اتق شر من أحسن إليه، وذكر القاضي الحنفي في درسه بالمؤيدية مما كتبه الجماعة عنه ما نصه عقب إنشاد قول غيره: ترى الناس يحيون الضغائن بينهم ... وعند ذوي التقوى تموت الضغائن

إذا ما هذى يومًا أخوك لا تكن ... مضمرًا لشحناء فيمن يشاحن وقد كان نقل عني هذين البيتين من خطي بعض من خرج جزءًا من حديثي، وقرأه علي بن حسين فصحف يحيون فجعلها يحسنون من الإحسان، فصحف الخط وافسد المعنى وأخطأ الوزن، وإنما ذكرت ذلك لأن هذين البيتين في آخر المجلس السابع من أمالي الجوهري أبي محمد الحسين بن علي رحمه الله، فخشيت أن يقف عليهما أحد على حكم هذا التصحيف فذكرت ذلك تنبيهًا. والله أعلم انتهى بحروفه. وفهمت أنه قصدني بذلك وأردت بيان منازعته فيما نسبه إليَّ فأخرجت لجماعة مسودة الذي خرجته له بخطي هي: يحيون: ليس بين الحاء والياء ما يوهم شيئًا ثم أخرجت اصلي من أمالي الجوهري وهو أيضًا بخطي وفيه أيضًا يحيون أيضًا مجودة لا التباس فيها، وبلغه ذلك فقال: إنما أردت أنه قرأه عليّ، يحسنون هذا، والواقع أن عبارته غير مؤدية لذلك حيث قال، فصحف الخط ولا قوة إلا بالله. وقد أخرني بهذا الشعر الشيخ الخير أبو العباس أحمد بن محمدبن يوسف العقبي وغيره بقراءتي عن الحافظين ابي الفضل بن الحسين العراقي، وأبي الحسن الهيمثي سماعًا عليهما مجتمعين قالا: أخبرنا أبو العباس علي بن أحمد بن محمد بن صالح العرضي، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن القيم، وست الفقهاء ابنة أحمد بن محمد بن علي العباسي قال أولهما: قراءة عليهم مفترقين، وقال ثانيهما: سماعًا قالت المرأة: أخبرتنا شامية ابنة الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري حضورًا، وقال العرضي: أخبرتنا أم أحمد زينب ابنة مكي بن علي بن كامل الحرانية ح وأخبرني بعلو درجة العز أبو محمد الحنفي قراءة

عليه وعلى غيره عن الصلاح أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي عمر إجازة، قال هو وابن القيم: أخبرنا الفخر أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي، قال الصلاح: حضورًا في الرابعة، وال ابن القيم: سماعًا، قال هو وزينب وشامية: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد، أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن البنا، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري بانتقاء طاهر النيسابوري في السابع من أماليه، أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان الكوفي قراءة عليه بغداد وأنا حاضر أسمع، قال: قال العباس بن يوسف: أنشدني أحمد بن موسى بن الحكم: ترى الناس ... فذكرهما.

95 - الحمد لله سئلت عن حديث: تناكحوا تناسلوا أباهي بكم يوم القيامة

95 - الحمد لله سئلت عن حديث: "تناكحوا تناسلوا أباهي بكم يوم القيامة". فقلت: ورد من حديث جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم: أنس، وعبد الله بن عمرو، وسهل بن حنيف، ومعاوية بن حيدة، ومعقل بن يسار، وأبو موسى الاشعري، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن مسعود، ورجل من الشام، وعائشة، ومن مرسل مكحول. أما حديث أنس، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده وسعيد بن منصور في سننه والطبرني في معجمه الأوسط والنوقاني في معاشرة الأهلين له، وسمويه في فوائده والسراج في مسنده، وعنه ابن حبان في صحيحه والضياء في المختارة والحاكم وعند البيهقي في سننه من حديث حفص بن عمر ابن أخي انس عن أنس رضي اله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيًا شديدًا ويقول: "تزوجوا

الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق إبراهيم التيمي عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التبتل وينهانا عنه نهيًا شديدًا ويقول: "تزوجوا الودود الولود من النساء فإنى مكاثر النبيين يوم القيامة". ورواه أبو القاسم الأصبهاني في "ترغيبه" من حديث أبان بن أبي عياش عن أنس بنحوه. وهو عند تمام في "فوائده" من طريق أبان عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تزوجوا الودود الولود من النساء فإني مكاثر النبيين يوم القيامة، وإياكم والعواقر، فإن مثل ذلك كمثل رجل قعد على رأس بئر يسقي أرضًا سبخة فلا أرضه تنبت ولا عناه يذهب". وأما حديث عبد الله، فأخرجه الإمام أحمد أيضًا من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنكحوا أمهات الأولاد أباهي بهم يوم القيامة". وأما حديث سهل، فرواه الطبراني في الأوسط من حديث

محمد بن كعب القرظي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم وإن السقط ليرى محنطيًا بباب الجنة يقال له: ادخل، يقول: حتى يدخل أبواي". وأما حديث معاوية، فرواه ابن حبان في الضعفاء له، وكذا العقيلي، وتمام في فوائده والطبراني في كتاب العشرة له، كلهم من حديث علي بن الربيع عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ـ هو معاوية ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سوداء ولود خير من حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم، حتى السقط يظل محنبطيًا على باب الجنة فيقال له: ادخل الجنة فيقول: أنا وابواي، فيقال له: ادخل الجنة فيقول: أنا وأبواي، فيقال له: ادخل الجنة فيقول: أنا واواي فيقال له: ادخل الجنة وأبواك".

وأما حديث معقل، فرواه أبو داود والنسائي والبيهقي في سننهم والحاكم في مستدركه وهو شيخ البيهقي فيه، وقال: صحيح الإسناد، وأبو نعيم في "الحلية" له كلهم من طريق معاوية بن قرة عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا" ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم". وأما حديث أبي موسى، فأخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده من حديث عاصم بن بهدلة عمن حدثه عن أبي موسى أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأة قد أعجبتني لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا" فأعرض عنها ثم تبعتها نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أعجبتني هذه المرأة أعجبني ذلها ونحرها أفأتزوجها؟ قال: "لا" امرأة سوداء ولود أحب إليّ منها، أما شعرت أني مكاثر بكم يوم القيامة فيجيء ذراري المسلمين آخذين بحقوق آبائهم فيقال له: ادخلو الجنة حتى أرى اسقط محبنطيًا متقاعسًا فيقال له: ادخل الجنة فيقول: يا رب وابواي؟ فيقول الله عز وجل: "ادخل

أنت وأبواك الجنة". وأما حديث أبي هريرة، فرواه ابن ماجة في سننه من طريق طلحة يعني ابن عمرو المكي عن عطاء ـ هو ابن ابي رباح ـ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك "انكحوا فإني مكاثر بكم". وأما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بلفظ: "تناكحوا تكثروا فإني اباهي بكم الأمم يوم القيامة". وذكره البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه بلغه، فذكره وزاد فيه: "حتى بالسقط". وأما حديث ابن مسعود، فهو عند أبي يعلي من حديث زر بن حبيش عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذروا الحسناء العقيم وعليكم بالسوداء الولود فإني مكاثر بكم حتى السقط يظل محبنطيًا بباب الجنة، فيقال له: ادخل الجنة فيقول: حتى يدخل والدي معي".

وأما حديث الرجل، فرواه ابن الأخضر وابن خسروا وغيرهما من حديث الإمام أبي حنيفة عن عبد الملك بن عمير عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله! أتزوج فلانة؟ فنهاه عنها، ثم أتى الثانية فقال: يا رسول الله! أتزوج فلانة؟ فنهاه عنها؟ فلما أتاه الثالثة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سوداء ولود أحب إليّ من عاقر حسناء"، ثم قال: "أما علمت أني مكاثر، حتى إن السقط ليبقى محبنطيًا على الباب الجنة فيقال له ادخل: فيقول: لا حتى يدخل أبواي فيشفع لهما فيدخلان الجنة". وأخرجه أبو عمر النوقاني في كتاب "معاشرة الأهلين" له من طريق عبد الرازق عن معمر عن عبد الملك بن عمير وعاصم بن بهدلة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ابنة عم لي ذات ميسم ومال وهي عاقر أفأتزوجها؟ فنهاه عنها مرتين أو ثلاثًا ثم قال: "لامرأة سوداء ولود أحب إليّ منها، أما علمت أني مكاثر، وإن أطفال المسلمين يقال لهم يوم القيامة: ادخلوا الجنة فيتعلقون بأحقاء آبائهم وأمهاتهم فيقولون: يا ربنا! آباؤنا وأمهاتنا فيقال لهم: ادخلو الجنة أنتم وأباؤكم وأمهاتكم" قال: "ثم يجيء السقط، فيقال له: ادخل اجلنة قال: فيظل محبنطيًا أي متقاعسًا فيقال: يا رب أبي وأمي، قال حتى يلحق به أبواه". وأما حديث عائشة، فرواه ابن ماجه في سننه من طريق عيسى بن ميمون عن القاسم عنها قالت: قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النكاح من سنتي،

فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإنه له وجاء". وأما مرسل مكحول، فأخرجه سعيد بن منصور في سننه ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالحرائر الشباب، فإنهن أطيب أفواهًا وأعز أخلاقًا، وأفتح أرحامًا، ألم تعلموا أني مكاثر بكم". هذا ما تيسر الوقوف عليه الآن، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرا.

96 - [مسألة] الحمد لله: روى الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا اعكتاف إلا بصيام وسنده ضعيف، وأشار البيهقي وغيره إلى أن رفعه وهم

96 - [مسألة] الحمد لله: روى الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعكتاف إلا بصيام" وسنده ضعيف، وأشار البيهقي وغيره إلى أن رفعه وهم. وعند أبي داود في سننه من حديثها أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم". وقال: إن روايه تفرد بقوله السنة. قلت: بل رواه البيهقي من حديث غيره وفيه: "والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" لكن الراجح وقف آخره كذلك رواه البيهقي أيضًا عنها أنها قالت: لا اعتكاف إلا بصوم، وفي لفظ عنده أيضًا وعند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه عنها: "من اعتكف فعليه الصيام".

ووافقها على ذلك جماعة من الصحابة، فعند سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا اعتكاف إلا بصوم، وقول ابن عباس جاء من عدة أوجه بألفاظ متقاربة. منها: ما أخرجه البيهقي في السنن عن أبي فاخته سعيد بن علاقة سمعت ابن عباس يقول: "يصوم المجاور، والمجاور المعتكف". ومن طريق عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: "المعتكف يصوم" وخطأ ابن عيينة من رواه بلفظ: لا اعتكاف إلا بصوم. وكذا قال عمرو بن دينار حيث قيل له: كيف قول ابن عباس على المجاور الصوم؟: ليس كذا قاله ابن عباس. إنما قال: "المجاور يصوم" لكن في السنن لسعيد بن منصور، والمصنف لابن أبي شيبة من طريق عمرو، عن أبي فاختة عن ابن عباس قال: "المعتكف عليه الصوم" وفي السنن فقط من وجه آخر عن عمرو عن أبي فاختة قال: قال ابن عباس: لا جوار إلا بصيام، ومن طريق مجاهد قال: أنا صاحب هذه الخيمة يعني ابن عباس قال: "إذا أفطر المعتكف أعاد الاعتكاف" وفي المصنف فقط من جهة مقسم عن ابن عباس قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وفيهما معًا من طريق طاوس عن ابن عباس قال: "الصوم عليه واجب". وأخرج ابن أبي شيبة من طريق جعفر عن أبيه عن علي رضي الله

عنه قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وجاء عمن بعدهم القول بذلك، فروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة عن أبيه كان يقول: "لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والمعتكف عليه الصوم، ولا يكون المعتكف إلا بصوم". وهو عند ابن أبي شيبة باختصار: "لا اعتكاف إلا بصوم" ومن طريق مغيرة الضبي عن إبراهيم النخعي أنه لم يكن يرى الاعتكاف إلا بصوم. ومن طريق يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: "على المعتكف الصوم وإن لم يفرضه على نفسه" ومن طريق جابر الجعفي عن عامر الشعبي قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" وعند سعيد بن منصور من طريق ليث عن طاؤس أن امرأة جعلت عليها أن تعتكف سنة فماتت قبل أن تفعل فسأله بنون لها أربعة فأمرهم طاوس أن يعتكف عنها كل رجل منهم ثلاثة أشهر ويصوم. وفي الباب ما أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي في سننهم

وابن أبي عاصم في الصيام له، وغيرهم بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الجعرانة: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن عليّ يومًا أعتكفه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاعتكفه وصمه". ثم أسند البيهقي عن الدارقطني قال: تفرد به ابن بديل عن عمرو بن دينار وهو ضعيف الحديث. قال الدارقطني: وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر، لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه، منهم: ابن جريج وابن عيينة والحمادان وغيرهم. وابن بديل ضعيف الحديث. انتهى. ثم أسند البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك، وليصومن، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فأمره أن يفي بنذره. وقال: ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف. غريب تفرد به سعيد عن عبيد الله انتهى.

والحديث في الصحيحين وغيرهما بدون الأمر بالصوم. وجاء ما يخالف هذا، فروى العدني والحاكم من طريقه والبيهقي عن الحاكم. والدارقطني في سننه ومن طرقه الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط مسلم. قلت: بل جزم جماعة بأن رفعه وهم، والصواب إنه موقوف. وكذا أخرجه سعيد بن منصور والحميدي عن الدراوردي عن أبي سهيل بن مالك اللذان وقع الحديث من جهتهما قال ابو سهيل: اجتمعت أنا وابن شهاب الزهري عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأة من أهلي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام فسألت عمر بن عبد العزيز فقال: "ليس عليها صوم إلا أن تجعله على نفسها". وقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر بن عبد العزيز براي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا،

قال: فمن أبي بكر؟ قال: لا، قال: فمن عمر؟ قال: لا، قال: فمن عثمان؟ قال: لا، قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاوسًا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاؤس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نسه. وقال عطاء: "ذلك رايي" وهكذا علقه البيهقي عن الحميدي، وقال عقبه: هذا هو الصحيح موقوف، ورفعه وهم، قال: وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز ـ يعني الدراوردي ـ موقوفًا. ثم أسنده بلفظ: "كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صومًا، وقال عطاء: "ذلك رأي". انتهى. ووافق ابن عباس على قوله جماعة من الصحابة وغيرهم، فعند سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث عن الحكم أن عليًا وابن مسعود قالا: "المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه". وفي لفظ لابن ابي شيبة: "ليس عليه صوم، إلا أن يفرضه هو على نسه"، ولسعيد وحده من طريق الحكم عن مقسم أن عليًا وابن مسعود قالا: "إن شاء اعتكف وصام وإن شاء لم يصم". ولابن أبي شيبة وحده من طريق أبي معشر عن إراهيم النخعي قال: ليس عليه صوم إلا أن يكون أوجب ذلك على نفسه. ومن طريق قتادة عن الحسن

البصري مثل قول إبراهيم. فهذا ما وقفت عليه الآن، وبالجملة فكل ما رفع في هذا الباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح إثباتًا ولا نفيًا، وما عداه، فمنه ما هو صحيح، ومنه ما في سنده مقال. وقد قال شيخي شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله ما نصه: وباشتراطالصوم قال ابن عمر وابن عباس أخرجه عبد الرازق عنهما بإسناد صحيح، وعن عائشة نحوه. وبه قال مالك والأوزاعي والحنفية، واختلف عن أحمد وإسحاق. واحتج عياض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا بصوم. وفيه نظر يعني لقوله في حديث الأخبية، ثم اعتكف العشر الأول من شوال، فإن الإسماعيلي قال: فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم، لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام. واحتج بعض المالكية بأن الله تعالى ذكر الاعتكاف أثر الصوم، قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشرهون وأنتم عاكفون). وتعقب بأنه ليس فيه ما يدل على تلازمهما، وإلا لكان لا صوم إلا باعتكا، ولا قائل به. والله الموفق.

97 - الحمد لله: أملي الديمي على البحيري ومن خطه نقلت ما نصه: حضر الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الكوفي مجلس الحسن بن عمارة كوفي، فسئل الأعمش عن الحسن بن عمارة تكلم فيه، فلما أن رجع إلى البيت بعث وراء الأعماش وأحسن إليه، وقال له: أريد أن تبدل

97 - الحمد لله: أملي الديمي على البحيري ومن خطه نقلت ما نصه: حضر الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الكوفي مجلس الحسن بن عمارة كوفي، فسئل الأعمش عن الحسن بن عمارة تكلم فيه، فلما أن رجع إلى البيت بعث وراء الأعماش وأحسن إليه، وقال له: أريد أن تبدل ذلك الكلام بحسن، ففعل، فقيل للأعمش في ذلك فقال: حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها"، هذا سنده صحيح انتهى، زاد البحيري من عنده: والذي لم يقل: إنه حديث ما اطلع على حديث المصطفى، يكفيه أنه مخاف وافتى بغير علم. واتفق دخولي جامع الأزهر فسئلت عن الحديث والقصة. فقلت: الحديث والحكاية باطلان فبادر من أعلمني بما تقدم. فكتبت ما نصه: الحمد لله الهادي للحق، هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا عن ابن مسعود بل ولا عن الأعمش كما صرح به بعض الحفاظ، ولا ينافيه قول ابن عدي في الكامل: إن المحفوظ وقفه، لإيراده إياه كذلك بسند فيه من اتهم بالكذب ورمى بالوضع، ومعاذ الله أن يصدر مثل هذا من الأعمش الزاهد، الناسك، التارك للدنيا الذي وصفه القائل بقوله: ما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته. وقال ابن معين فيما حكاه الحاكم: أجود الأسانيد: الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، فقيل له: الأعمش مثل الزهري؟ فقال:

برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن. انتهى. على أن في الحكاية والسند المكتوبين بالنسبة للمروي لنا على بطلانه عدة أوهام، لم أتشاغل بردها وأسال اله السلامة من الوقوع في مثل هذا، أو ما قاربه خطأ وإملاء. روي أبو نعيم في الحلية والخلعي في غير الفوائد وابو محمدبن حيان ومن طريقهم يوسف بن خليل الحافظ في النوادر له وابن حبان في "روضة العقلاء" والخطيب في "تاريخ بغداد" ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال"كلهم من طريق محمد بن عبدي بن عتبة الكندي عن بكار بن أسود العيذي عن إسماعيل بن أبان الخياط قال: بلغ الحسن بن عمارة أن الأعماش وقع فيه فبعث إليه بكسوة فمدحه الأعماش فقيل لأعمش: ذممته ثم مدحته، فقال: إن خيثمة حدثني عن عبدالله بن مسعود قال: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها". وهكذا رواه ابن عدي في كامله ومن طريقه البيهقي في الحادي والستين

من شعب الإيمان وابن الجوزي في العلل والمتناهية لكن مرفوعًا، وقال ابن عدي عقبه: لم أكتبه مرفوعًا إلا من هذا الوجه وهو معروف عن الأعمش موقوفًا ثم ساقه. وكذا البيهقي في الشعب من طريقه من طريق أحمد بن محمد بن عمر بن يونس حدثنا عبد الرازق حدثنا معمر قال: لما ولي الحسن بن عمارة مظالم الكوفة ـ بلغ الأعمش فقال: ظالم ولي مظالمنا، فبلغ الحسن فبعث إليه بأثواب ونفقة، فقال الأعمش: مثل هذا ولي علينا يرحم صغيرنا ويعود على فقيرنا ويوقر كبيرنا، فقال رجل: يا أبا محمد! ما هذا قولك فيه أمس؟ فقال: حدثني خيثمة عن ابن مسعود قال: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها". وقال البيهقي عقبه: هذا هو المحفوظ موقوف، وقال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش عن خيثمة لم نكبته إلا من هذا الوجه. قلت: ومدارها ـ أعني الرواية المرفوعة ـ على ابن أبان وقد كذبه

ابن معين وعثمان بن أبي شيبة وأبو داود، وقال الجوزجاني: ظهر منه على الكذب. ونحوه قول الخطيب واتهمه ابن معين وابن حبان بالوضع، وقال ابن المديني: كتب عنه وتركته، وضعفه جدًا، وكذا قال أحمد: كتبت عنه، حدث بأحاديث موضوعة فتركناه، وقال البخاري: متروك، تركه أحمد والناس. قلت: وكذا قال مسلم والنسائي والعقيلي والدارقطني والساجي والبزار: متروك الحديث، وقال زراعة وأبو حاتم: ترك حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال العجلي: ضعيف، أدركته ولم أكتب عنه. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث، وقال الأزدي: كوفي زايغ، والحديث باطل والحكاية التي ذكرها عن الأعمش مع الحسن بن عمارة باطل وبكار الراوي عنه، أيضًا وهاه الأزدي وضعفه ابن الجوزي. انتهى.

أما المرفوعة، فراويها عن عبد الرازق، كذبه أبو حاتم، وابن صاعد، وسلمة بن شبيب. وقال الدارقطني: ضعيف، ومرة: متروك، وقال الخطيب: كان غير ثقة، وقال ابن حبان: لا يحتج به انتهى. ووجدت للحديث طريقًا أخرى إلى الأعمش، فروينا في جزء طلحة بن الصقر ومن طريقه يوسف بن خليل في النوادر: حدثنا صدقة بن هبيرة، حدثنا طريف بن عبيد الله، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي سمعت المشيخة يقولون: ولي الحسن بن عمارة مظالم الكوفة فدخلوا إلى الأعمش فقالوا: يا أبا محمد الحسن بن العمارة ولي المظالم قال: الظالم وابن الظالم ولي المظالم، فبلغ الحسن فوجه إليه بكيس فيه ألف، ومنديل ثياب، فدخلوا بعد ذلك إلى الأعمش فقالوا: يا أبا محمد الحسن بن عمارة ولي المظالم قال: الصالح وابن الصالح ولي المصالح، فقالوا: بالأمس تقول: الظالم واليوم الصالح؟ قال: حدثنا خيثمة عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها" وإن الحسن بن عمارة قد أحسن إلينا وبر ووصل. وطريف ضعفه الدارقطني. والراوي عنه، ما عرفته وكذا المشيخة.

وقد جاء عن الأعمش بسند آخر غير الماضي، فروى ابن مردويه، ومن طريقه يوسف بن خليل في النوادر، قال: ذكر داهر بن محمد بن عبدة، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر المؤدب، حدثنا وهب بن داود، حدثنا عبيد الله بن موسى قال؛ كنا عند الأعمش فجاء أبو بكر بن عياش وجماعة من الفقهاء فقالوا له: قد بعث أمير المؤمنين إلى الأمير مالاً يقسم على فقهاء الكوفة، فقم حتى تأخذ قسطك قال: فقام وعليه فرو يلبسه في الشتاء، فإذا جاء الصيف قلَّبه، فقال له بعضهم: لو غيرت ثوبك فزبره، وقال: أنا لا أغير ثوبي، وأنا أدخل على سيدي في كل يوم وليلة خمس مرات، أغير لهذا الأمير؟ فدخلوا على الأمير ودخل معهم فسلموا ووقفوا وسلم وجلس فقال الأمير: من ذا؟ قالوا: سليمان بن مهران الأعمش، فقال: نِعم نِعم، فأمر لهم بألف، وأمر له بألف من ماله، فخرجوا وخرج معهم وهو يجزيه فقالوا: يا أبا محمد أنت الأمس تمزقه وتقول، وتقول، قال: نعم، سمعت يحيى بن وثاب يحدثنا عن علقمة، والأسود عن عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، وقد أحسن». ووهب، قال الخطيب، لم يكن بثقة والراوي عنه ما عرفته وكذا الواسطة بين ابن مردويه وداهر.

وقد روى البيهقي في الشعب من حديث قتادة عن أنس رفعه: "كان يأمر بالهداية صلة بين الناس". ومن حديث موسى بن وردان عن أنس: تهادوا تحابوا" ومن حديث عائذ بن شريح عن أنس رفعه: "يا معشر الملأ! تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة ... الحديث".

98 - سئلت: عما أورده جماعة من متأخري الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: التكبير جزم والسلام جزم هل له أصل أم لا؟

98 - سئلت: عما أورده جماعة من متأخري الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: "التكبير جزم والسلام جزم" هل له أصل أم لا؟ والجواب: أنه لا أصل له مرفوعًا، وعمدة هؤلاء المتأخرين على الرافعي في ذلك فإنه أورده كذلك، وذكر غير واحد ممن خرج كتابه أنه لا أصل له بهذا اللفظ، وإنما هو قول إبراهيم النخعي، حكاه الترمذي في جماعه عنه عقب حديث أبي هريرة الآتي فقال ما نصه: وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: التكبير جزم والتسليم جزم. والجملة الثانية روى بمعناها أبو داود والترمذي وابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من رواية قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: "حذف السلام سنة". رفعه أبو داود وابن خزيمة والحاكم مع حكايتهما الوقف أيضًا، ووقفه الترمذي وقال: إنه حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ونقل أبو داود عن الفريابي قال: نهاني أحمد بن حنبل عن رفعه. وعن عيسى بن يونس الرملي قال: نهاني ابن المبارك عن رفعه، والمعنى: أنهما نهيا أن يُعزى هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فقول الصحابي: "السنة كذا" له حكم المرفوع على الصحيح

عند أهل الحديث والفقه والأصول، على أن البيهقي قال: كأن وقفه تقصير من بعض الرواة، وصحح الدارقطني في "العلل" في حديث الفريابي وقفه. وأما أبو الحسن ابن القطان، فقال: إنه لا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا، قرة، لميخرج له مسمل محتجًا به، بل مقرونًا بغيره ثم حكى قول أحمد: إنه منكر الحديث جدًا، وأن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه، وعلى هذا فلا يحمل قوله: منكر الحديث، على إرادة حديث خاص رواه ذاك الراوي، وإن أطلقه المحدثون كثيرًا لا سيما هنا، فقد قال ابو زرعة الرازي في قرة هذا: الأحاديث التي يرويها مناكير، ولذا ضعفه أحمد وابن معين في رواية، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، ومع هذاكله فقد ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن معين في رواية أخرى: إنه ليس به بأس، وكذا قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، واختلف في لفظه ومعناه فقال الهروي في الغربيين: عوام الناس يضمون الراء من الله أكبر. وقال أبو العباس المبرد: الله أكبر الله أكبر، ويحتج بأن الأذان سمع موقوفًا غير معرب في مقاطعه، وكذا قال ابن الأثير في

النهاية، معناه: أن التكبير والسلام لا يمدان ولا يعرب التكبير، بل يسكن آخره، وتبعه المحب الطبري، وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد، وعليه مشى الزركشي حيث قال: معنى قوله "جزم" أي يجزم الراء من التكبير، وإن كان أصله الرفع بالخبرية، ويمكن الاستشهاد له بما أخرجه الطيالسي في مسنده من طريق ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير" لكن قد خالفهم شيخي رحمه الله فقال: وفيما قالوه نظر، لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية فكيف تحمل عليه الألفاظ النبوية يعني على تقدير الثبوت، وجزم بأن المراد بحذف السلام وجزم التكبير الإسراع به، وقد أسند الحاكم عن أبي عبد الله البوشنجي أنه سئل عن حذف السلام، فقال: لا يمد. وكذا أسنده الترمذي في جامعه عن ابن المبارك أنه قال: لا يمده مدًا. قال الترمذي: وهو الذي استحبه أهل العلم، وقال الغزالي في الإحياء: ويحذف السلام ولا يمده مدًا، فهو السنة. وكذا قال جماعة من العلماء أنه يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا

يمده مدًا، وأنه ليس برفع الصوت، فرفع الصوت غير المد، وقيل: معناه: إسراع الإمام به لئلا يسبقه المأموم. وعن بعض المالكية: هو أن لا يكون فيه قوله: ورحمة الله، فهذا ما علمته الآن في معناه. وأما لفظه، فجزم: بالجيم والزاي المعجمتين، ولكن قيَّده بعضهم بالحاء المهملة والذال المعجمة، ومعناه: سريع فالحذم: السرعة، ومنه قول عمر: "إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم" أي أسرع، حكاه ابن سيد الناس وكذا السروجي المحدث من الحنفية وقال: والحذم في اللسان السرعة، ومنه قيل للأرنب حذمة. والله الموفق.

99 - وسئلت عما اشتهر: ما خلا جسد من حسد، والعداوة في الأهل، والحسد في الجيران

99 - وسئلت عما اشتهر: "ما خلا جسد من حسد، والعداوة في الأهل، والحسد في الجيران". فقلت: لم أقف على أصل بهذا اللفظ، نعم أخرج أبو موسى المديني في "نزهة الحفاظ" له معناه من طريق خلف بن موسى العمي عن أبيه عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم حسود، وبعض أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدًا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد" وسنده ضعيف. وروينا من طريق بشر بن الحارث أنه قال: العداوة في القرابة والحسد في الجيران والمنفعة في الإخوان. 100 - وسئلت: عما اشتهر أنه من أراد أن يكون حمل زوجته ذكرًا فليضع يده على بطنها وليقل: إن كان هذا الحمل ذكرًا سميته محمدًا فإنه يكون. فقلت: لا أصل له، نعم روينا في جزء أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني عن عطاء الخراساني قال: "ما سمي مولود في بطن أمه محمدًا إلا أذكر".

وفي ترجمة محمد بن سلام بن مسكين البغدادي من تاريخ ابن النجار قال: حدثنا وهب بن وهب حدثنا جعفر بن محمد حدثنا محمد بن علي حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسين بن علي حدثنا علي بن ابي طالب قال: "من كان له حمل فنوى أن يسميه محمدًا حوله الله ذكرًا وإن كان أنثى" قال وهب: فنويت سبعة كلهم سميتهم محمدًا، وروى الدينوري في الجزء الرابع عشر من المجالسة من طريق أبي الزناد قال: كنت مئناثًا، فقلت ذلك لبعض إخواني فقال لي: إذا جامعت فاستغفر، فولد لي بضعة عشر ذكرًا. ومثله ما رويناه في "تذكرة الغافل وأنس العاقل" لأبي الغنائم النرسي من حديث محمد بن زياد قال: قدمت المدينة، فرأيت موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب جالسًا في الروضة الشريفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والناس يسالونه فتذكرت شيئًا أسأله عنه، فلم أذكر، وكنت مئناثًا فذكرت ذاك له فقال: إذا أردت أن تجامع فاستغفر الله، ففعلت فولد لي بضعة عشر ذكرًا. قال أبو الأسود ـ راوي ذلك ـ عن محمد بن زياد: فأنا رايت منهم جماعة. والله الموفق.

101 - وسئلت عن ما يكتب لمن يتعسر عليه الولادة

101 - وسئلت عن ما يكتب لمن يتعسر عليه الولادة. فقلت: روى الدينوري في الجزء الرابع عشر من مجالسته من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: مر عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ببقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت: يا كلمة الله أدع الله أن يخلصني، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا خالق النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها"، فألقت ما في بطنها قال: فإذا عسر على المرأة ولدها فليكتب لها هذا. ومن طريق محمد بن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها فليكتب لها: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون). ورواه البيهقي في الدعوات مترجمًا عليه "ما يقول: إذا عسر على المرأة ولدها" من طريق الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في المرأة يعسر عليها ولدها قال: يكتب في قرطاس ثم يسقى: بسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، (الحمد لله رب العالمين) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها). وقال عقبه: هذا موقوف على ابن عباس.

قلت: وقد رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة له من طريق الحكم عن سعيد عن ابن عباس رفعه: "إذا عسر على المرأة ولدها أخذه إناء نظيف فيكتب فيه (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) الآية و (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) و (لقد كان في قصصهم عبرة لألوي الألباب) إلى آخر الآية، وتسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفرجها. وروينا في جزء"تمثال النعل" لابن عساكر أن مثال النعل الشريف إذا أمسكته الحامل بيمينها وقد اشتد عليها الطلق تيسر أمرها بحول الله وقوته. وفي ترجمة التاج محمد بن هبة الله البرمكي الحموي من "بقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي أنه قرأ بخطه من نظمه: اثنان من بعدهما تسعة ... وسبعة من قبلها أربع وخمسة ثم ثلاث ومن ... بعد ثلاث ستة تتبع ثم ثمانٍ قبلها واحد ... فرتب الأعداد إذا تجمع وقال: إنه يكتب على خرقتين لم يصبهما ماء وتضعهما المطلقة تحت قدميها تضع بإذن الله عز وجل، وهذه صورتها. 2 9 4 7 5 3 6 1 8 [فائدة: في انشقاق القمر ووقت دفنه صلى الله عليه وسلم]: ص. وذاك مرتين بالإجماع ... والنص والتواتر لها السماع

ش. اعلم أنه قد استشكل هذا من أجل أن ظاهره يقتضي أن الانشقاق وقع مرتين ولم يوجد التصريح بذلك عن أحد من السلف رحمة الله عليهم حتى قال شيخي رحمه الله في فتح الباري له: لا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم [ولم يتعرض] لذلك أحد من شراح الصحيحين، وقد تكلم ابن القيم على هذه الرواية ـ يعني التي بلفظ مرتين كما قدمتها ـ فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة، والأعيان أخرى، والأول أكثر: ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر مرتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة. انتهى. وقال الداودي: يحتمل أن يكون إحدى الروايتين يعني فرقتين ومرتين وهما للتضاد، وأما العماد ابن كثير، فقال في الرواية التي فيها مرتين: نظر، ولعل قائلها اراد فرقتين. قلت: وعبارة الناظم كما قال تلميذه شيخي رحمهما الله: تحتمل هذا التأويل، فإنه جمع بين قوله فرقتين وبين قول مرتين، فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع، باصل الانشقاق لا بالتعدد مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق ما سيأتي بيانه. انتهى. ونحوه ما قرأته بخط القاضي جلال الدين البلقيني رحمه الله حيث قال: إن عاد الإجماع إلى أصل الانشقاق فهو ظاهر، وأما عوده إلى التعدد

فغير ظاهر، فإن ذلك لم يقع إلا في رواية مسلم يعني دون البخاري وهي محتملة للتأويل فلا إجماع حينئذ. إذا علم هذا فلم يعرج الشارح على الاحتمال الثاني أصلاً، وهو صنيع جيد وعبارته: وهذا بالإجماع لا نزاع فيه لأنه ثبت بالقرآن والنص في الأحاديث الصحيحة. انتهى. وكأنه لما لم ير للاحتمال الثاني سلفًا وكانت جلالة الناظم في العلم لا سيما فنون الأثر مقررة نزهه عن قوله هذا والله الموفق. ص. وذلك في ليلة الأربعاء ... أو قبلها بليلة ليلاء وقيل يوم الموت بالتعجيل ... صححه الحاكم في الإكليل ش: اشار فيهما إلى الخلاف في وقت دفنه صلى الله عليه وسلم واقتصر على هذه الأقوال الثلاثة وقد أوردها الحاكم في "الإكليل" وزاد رابعًا ولفظه: اختلفوا في وقت دفنه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أوجه فقالوا: عند الزوال يوم الثلاثاء وقالوا: ليلة الثلاثاء وقالوا: ليلة الأربعاء، وأصحها وأثبتها أنه توفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين ودفن في تلك الساعة. انتهى. فأولها: هو الذي لم يتعرض له الناظم، وقد أسنده البيهقي في الدلائل جهة عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعًا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الإثنين إلى أن زاعت الشمس يوم الثلاثاء يصلي الناس عليه وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يقبروه نحوا السرير من قبل رجليه فأدخل من هناك وزاغت الشمسمالت، وذلك إذا فاء الفيء، وهذا القول هو الذي صدر به ابن عبد البر كلامه

حيث قال: ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس وقيل: بل ليلة الأربعاء فاقتضى ترجيحه، ويقرب منه ما رواه البيهقي عن الأوزاعي قال: توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في ربيع الأول قبل أن ينتصف النهار ودفن يوم الثلاثاء. وعن ابن جريج فيما أخرجه أحمد وكذا البيهقي أيضًا قال: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الإثنين ودفن الغد في الضحى. ثم إن ما بدأ به الناظم هو في خبر عند ابن إسحاق والبيهقي من طريقه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء. وكذا رواه الإمام أحمد من وجه آخر عن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء، وعند البيهقي من مرسل أبيجعفر أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار. وكذا ذكر ابن سعد عن عكرمة قال: توفي رسول الله يوم الإثنين فحبس بقية يومه وليلته ومن الغد حتى دفن من الليل. وهذا القول هو المشهور الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفًا

وخلفًا منهم: سليمان بن طرخان التيمي وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغيرهم، وصححه من المتأخرين ابن كثير، والقول الثاني من النظم رواه سيف عن هشام عن أبيه قال: توفي رسولالله صلى الله عليه وسلم يوم الغثنين وغسل يوم الإثنين ودفن ليلة الثلاثاء. وفي المسألة قول خامس، فأسند ابن سعد أيضًا عن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين فمكث يوم الإثنين والثلاثاء حتى دفن يوم الأربعاء. وهكذا هو عند البيهقي من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه قال: لما فرغوا من غسله صلى الله عليه وسلم وبكفته وضعوه حيث توفي فصلى الناس عليه يوم الإثنين، وتوفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء. وساسد وهو غريب. رواه البيهقي من مرسل مكحول وفيه: ثم توفي فمكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل عليه الناس أرسالاً أرسالاً يصلون عليه، تدخل العصبة تصلي وتسلم لا يصفون ولا يصلي بين يديهم مصلى حتى فرغ من يريد لك ثم دفن. فإن قيل: ما الحكمة في تأخير الدفن؟ قيل: إنما أخر للاشتغال بأمر البيعة ليكون لهم إمام يرجعون إلى قوله لئلا يؤدي إلى النزاع. واختلاف الكلمة وهو أهم الأمور والله المستعان.

102 - [مسألة] الحمد لله أملى القاضي الحنفي المحب ابن الشحنة، أصلح الله أحواله، على جماعته. حديث عبد الله بن سلام في قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أورده عن البرهان الحلبي، عن الصلاح ابن عمر عن الفخر البخاري. عن ابن طبرزد، عن ابن حصين، عن ابن

102 - [مسألة] الحمد لله أملى القاضي الحنفي المحب ابن الشحنة، أصلح الله أحواله، على جماعته. حديث عبد الله بن سلام في قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أورده عن البرهان الحلبي، عن الصلاح ابن عمر عن الفخر البخاري. عن ابن طبرزد، عن ابن حصين، عن ابن غيلان عن معاذ، عن يحيى، عن عوف، عن زرارة، عن عبد الله بن سلام، وقال: إنه من العشاريات لشيخه. قلت: وهذا فيه سقط في موضعين من كل موضع راو، الأول: شيخ ابن غيلان وهو أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، والثاني: شيخ معاذ، وهو مسدد فأما أولهما، فإنه صاحب الفوائد المشهورة التي انتقاها الحافظ أبو الحسن الدارقطني من حديثه وعرفت بالغيلانيات لانفراد ابن غيلان راويها عنه بها، وهذا الحديث هو آخر حديث فيها وشيخه في هذا الحديث هو معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري راوي مسند مسدد عنه وقد سمع منه أبو بكر الشافعي جميع المسند المذكور، وخرج له الدارقطني الحديث المذكور منه، وشيخ مسدد فيه هو يحيى بن سعيد الذي روى الإمام أحمد الحديث في المسند عنه. وأخرجه الحاكم والترمذي وغيرهما من طريقه، ولم ينفرد به

يحيى عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، فقد رواه أبو اسامة حماد بن أسامة عند ابن ماجه وأبي نعيم فيما رواه الضياء من طريقه، وخالد بن الحارث عند البيهقي في الشعب وسعيد بن عامر كما رواه الدارمي وعبد بن حميد في مسنديهما عنه، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر فيما أشار إليه أبو نعيم في المعرفة، وعبد الله بن المبارك كما أخرجه العسكري في الصحابة من طريقه، وعبد الله بن يزيد المقرئ كما هو في الجزء الأول من حديث الهاشمي وعبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط فيما أشار إليه أبو نعيم في المعرفة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي كما هو عند الترمذي وابن ماجه وعبد الوهاب بن عطاء كما هو عند الحاكم في المستدرك وعثمان [بن الهيثم المؤذن] كما أخرجه البيهقي في الدلائل ومحمد بن جعفر غندر كما هو عند

أحمد والترمذي ابن ماجه ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي كما هو في سابع المحامليات الأصبهانية، ومحمد بن أبي عيد عند الترمذي وابن ماجه ومروان بن معاوية الفزاري كما هو في مسند أبي يعلي الموصلي، ومعاذ بن عوذ الله القرشي كما هو في المعجم الكبير للطبراني ومعرفة الصحابة لأبي نعيم والسنن الكبرى للبيهقي ودلائل النبوة له وهوذة بنخليفة كما هو عند الحاكم والحارث بن أبي أسامة، والطبراني في الكبير والضياء في المختارة وآخرون كلهم عن عوف.

كما أن زرارة لم يتفرد به عن عبد الله بن سلام، بل رواه سعيد بن المسيب وأبو العالية فيما أشار إليه أبو نعيم في "إطعام الطعام" كلاهما عن عبد الله. وبهذا يتبين أن قول شيخنا في تخريج الأذكار في المجلس الخامس والثلاثين بعد الستمائة من تخريجه: مدار الحديث على عوف، فقول الشيخ ـ يعني النووي ـ بالأسانيد الجيدة يوهم أن للحديث طرقًا إلى الصحابي وليس كذلك، فيه توقف. وقد صحح الحديث الترمذي والحاكم، وقال شيخنا: في تصحيح الترمذي له نظر فإن زرارة وإن كان ثقة لا يعرف له سماع من عبد الله بن سلام فلعله أطلق الصحة لما للمتن من الشواهد. وأما تصحيح الحاكم، فلعله تبع الترمذي. ومن شواهد المتن ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من

حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام وأطعموا الطعام تدخلوا الجنان" وسنده جيد، ورواه الترمذي، وصححه، وكذا صححه ابن حبان ووراء هذا كله أنني ما أعلم الحديث في مسموع البرهان على الصلاح. والله الموفق.

103 - مسألة: روى الترمذي في جامعه في باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم من حديث ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد ويقال: عبيد الله بن رفاعة عن أبيه عن جده أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: ي

103 - مسألة: روى الترمذي في جامعه في "باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم" من حديث ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد ويقال: عبيد الله بن رفاعة عن أبيه عن جده أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: "يا معشر التجار! " فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق". وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وكذا أخرجه ابن ماجه في التوقي في التجارة من سننه من حديث إسماعيل، ولفظه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الناس يتبايعون بكرة فناداهم: "يا معشر التجار" فلما رفعوا أبصارهم، ومدوا أعناقهم قال: "إن التجار" وذكره. ورواه الحاكم في صحيحه المستدرك على الصحيحين من حديث إسماعيل أيضًا ولفظه: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى بالمدينة، فوجد الناس يتبايعون فقال: "يا معشر التجار" فاستجابوا له ورفعوا أبصارهم وأعناقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة إلا من اتقى وبر وصدق". وقال الحاكم عقبه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث إسماعيل، وأخرجه الدارمي في مسنده

والطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلي في مسنده والبيهقي في السنن والشعب معًا وآخرون، وأورده الضياء. ورواه ابن حبان في الضعفاء: قال أخبرنا الحسن بن إبراهيم حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا ابن عبيد عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على جماعة من التجار، فقال: "يا معشر التجار" فاستجابوا له ومدوا أعناقهم، فقال: "إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق ووصل وأدى الأمانة". وقال ابن حبان عقبه: ليس لهذا الحديث أصل صحيح يرجع إليه، والحارث يأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، ولذلك ذكره ابن الجوزي في الموضوعات لكن تعقبه شيخنا بقوله: إيراد مثل هذا في الموضوعات مجاز فيه قبيحة، فإن ابن حبان إنما قال هذا، لمخالفة الحارث في إسناده طريق الصواب، والمحفوظ عن ابن خثيم عن إسماعيل عن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده، وكذلك أخرجه الترمذي وصححه وق وحب في صحيحه، وطب، وكم وصححه، والضياء في المختارة من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم. فرواية الحارث بن عبيد شاذة على أنه صدوق، قد أخرج له الشيخان

من حديثه المستقيم، فالحكم على مثل هذا المتن بالوضع يدل على تهور. انتهى. ويدل على أن كلام ابن حبان ليس على إطلاقه إخراجه للحديث في صحيحه، ولكن حصل في كلام شيخنا سهو، تبع فيه ابن الجوزي في قوله: الحارث بن عبيد، وإنما هو الحارث بن عبيدة وليس هو من رجال الشيخين. وقد ورد الحديث من حديث صحابي آخر فيما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عمرو بن دينار عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال: "يا معشر التجار" حتى إذا اشرءبوا قال: "التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى وبر وصدق".

104 - الحمد لله: التمستم ـ نفعنا الله بركتكم ـ من العبد إيضاح ما أشكل معناه مما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث مروان بن معاوية الفزاري عن أبي المليح الهذلي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليغضب عن من لا يفعل

104 - الحمد لله: التمستم ـ نفعنا الله بركتكم ـ من العبد إيضاح ما أشكل معناه مما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث مروان بن معاوية الفزاري عن أبي المليح الهذلي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليغضب عن من لا يفعله ولا يفعل ذلك أحد غيره في الدعاء". والجواب: إن الحديث في نسختي من المستدرك كما أثبته بإلحاق لا ومعناه ظاهر، فقد أخرجه الحاكم أيضًا قبله سواء من حديث أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن أبي المليح بسنده، لكن بلفظ: "من لا يسأل الله يغضب عليه". وأخرجه الترمذي في جامعه من حديث أبي عاصم المذكور وحاتم بن إسماعيل كلاهما عن أبي المليح بلفظ: "من لم يسأل الله يغضب عليه". وأخرجه ابن ماجه من طريق وكيع عن أبي المليح بلفظ: "من لم يدع الله يغضب عليه" وكذا هو عند الإمام أحمد في مسنده عن وكيع بل أخرجه أيضًا عن مروان بن معاوية الذي أورد الحاكم اللفظ المسئول عنه

من طريقه بلفظ: "من لا يسأله يغضب عليه". والحديث كما قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. فعلم حينئذ المراد وهو أن الله عز وجل يغضب عن من لا يسأله، وأما قوله: "ولا يفعل ذلك أحد غيره" فمعناه: أن غضب الله عز وجل على من لا يسأله لا يشاركه فيه أحد من خلقه ومن ذلك قول القائل: الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب والله نسال حسن الخاتمة. وهذا إيراد ما وقفت عليه من ألفاظ الحديث: قال ت في الدعوات: حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أبي المليح عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه". قال: وروى وكيع وغير واحد عن أبي المليح هذا الحيدث ولا نعرفه إلا من هذا الوجه: حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا أبو عاصم عن حميد أبي المليح، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسق لفظه لكن قد قال المزي نحوه. وحكى أعني المزي أنه قال عقب هذه الرواية: حميد هذا يقال له الفارسي سكن المدينة.

قلت: وهذا ما رأيته في نسختي بالترمذي. وقال ق: حدثنا أبو بكر بن ابي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع حدثنا أبو المليح المدني سمعت أبا فضالة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع الله غضب عليه". وقال هق في الدعوات له: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا أبو مسلم ح وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ يعني الحاكم، صاحب المستدرك أخبرنا أبو الحسن القنطري ببغداد أخبرنا أبو قلابة حدثنا أبو عاصم حدثنا أبو المليح الفارسي، حدثنا أبو صالح الخوزي، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يسأل الله يغضب عليه". وقالالحاكم في المستدرك: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد القنطري ببغداد حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني حدثنا أبو المليح الفارسي حدثنا أبو صالح قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يسأل الله يغضب عليه". وحدثنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا محمد بن محمد بن حبان

الأنصاري حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا أبو المليح الهذلي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليغضب عن من يفعله ولا يفعل ذلك أحد غيره" يعني الدعاء. صحيح الإسناد فإن أبا صالح الخوزي وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث. وقد عزا شيخي للحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق حدثنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا خارجة بن مصعب عن أبي المليح حميد المدني به. وهذا ما رأيته في نسختي. وقال أحمد: حدثنا وكيع حدثنا أبو مليح المدني سمعه من أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع الله غضب الله عليه". حدثنا مروان الفزاري أخبرنا صبيح أبو المليح سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأله يغضب عليه".

105 - مسألة: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس، فخرج علي، دعا سراقة بن مالك رضي الله عنه فقال: يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك،

105 - مسألة: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس، فخرج علي، دعا سراقة بن مالك رضي الله عنه فقال: يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك، فإذا أتيت الميطان فصف الخيل ثم ناد: هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل، فإذا لم يجبك أحد، فكبر ثلاثًا ثم خلها عند الثالثة، يسعدالله بسبقه من شاء من خلقه، وكان علي رضي الله عنه يقعد عند منتهى الغاية، ويخط خطًا، ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط، طرفه بين إبهامي أرجلهما، وتمر الخيل بين الرجلين ويقول: إذا خرج أحد الفرسين على صحابه بطرف أذنيه، أو أذن، أو عذار، فاجعلوا السبقة له، فإن شككتما فاجلا سبقهما نصفين، فإذا قرنتم ثنتان فاجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين، ولا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام". فبينوا ما في الحديث من الألفاظ اللغوية وبيان معناها وإعرابها وبيان معنى الحديث بكماله، وهل السبق يالخيل معتبر بالأذن كما في الحديث، أما بالرأسأم بالكتف؟ وما قاله العلماء في ذلك، ومن قال به من العلماء، والكلام على الحديث على طريقة أهل الفن وتخريجه وبيان رتبته، هل هو صحيح أم حسن أم غير ذلك بينوه بيانًا شافيًا؟ فالجواب: هذا الحديث قد أخرجه الدارقطني في سننه وهو آخر حديث فيها قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان حدثنا الحسن بن شيب المعمري سمعت محمد بن صدران السُلمي يقول: حدثنا عبيد الله بن ميمون المراءي حدثنا عوف عن الحسن أو خلاس ـ شك ابن

ميمون ـ عن علي رضي الله عنه فذكر مثله سواء، غير أنه زاد تفسير الميطان فقال بعد قوله: فإذا أتيت الميطان، قال ابو عبد الرحمن: "والميطان مرسلها من الغاية غير أنه قال: فإن شككتم فاجعلوا سبقهما". ورواه البيهقي في كتاب السبق والرمي من سننه قال: حدثنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان هو شيخ الدارقطني فيه وذكره مثل الدارقطني سواء غير أنه قال: "فإذا قرنتم شيئين فاجعلوا الغاية من أصغر الشيئين". وفي سند روايان كل منهما نسب لجده، وهما: الحسن بن شبيب فهو أبو علي الحسن بن علي بن شبيب مصنف "عمل اليوم والليلة"وشيخه ابن صدران فهو محمد بن إبراهيم بن صدران وكذا في سنده ثلاثة غير منسوبين وهم عوف ـ وهو ابن أبي جميلة ـ بفتح الجيم المعروف بابن الأعرابي، والحسن وهو البصري، وخِلاس ـ وهو بكسر المعجمة وآخره مهملة ـ ابن عمرو الهجري فاجتمع فيه نوعان جليلان، تمس

الحادة لمعرفتها، وقد جمعت منها طائفة. ثم إن جميع رجال هذا السند ليس فيهم من ينظر في حاله، سوى ابن ميمون وهو في نسختي من "السنن الكبرى" للبيهقي بالتكبير. وأما في أصلي من سنن الدارقطني، فهو بالتصغير، ولكنه في "إتحاف المهرة" لشيخي نقلاً عنها بالتكبير، فكأنهوقع له كذلك في نسخة أخرى منها، وهو أقرب إلى الصواب، والظاهر أنه عبد الله بن ميمون الرقي أحد من روى عنه الإمام أحمد، فهو من هذه الطبقة لا سيما وهو يكني أبا عبدالرحمن، وحينئذ فهو الذي فسر الميطان، إذ ليس في رجال السند من يكنى ذلك غيره. وقد ذكره شيخي رحمه الله في: "تعجيلالمنفعة" وقال: فيه نظر، وذكره في مختصر "تهذيب الكمال" للتمييز، ولكنه لم ينقل فيه تبعًا لأصله جرحًا ولا تعديلاً، كذا هو بدونهما عند ابن أبي حاتم وما وقع في كتاب الدارقطني والبيهقي من كونه مرءيًا، يعني بفتح الميم والراء ثم همزة مكسورة لا يمنع أن يكون رقيًا، وإن احتمل تصحيف المري من الرقي إن كتب بدون ألف، ووراء هذا أن الحسن وخلاسًا لم يسمعا من على شيئيا، وممن صرح بذلك في الحسن: أبو زرعة وابن المديني وقال

الترمذي: إنه لا نعرف له سماعًا منه، وجزم به شيخي في بعض تصانيفه، وصرح به في خلاس يحيى بن سعيد، وأبو داود ونحوه عن الدارقطني وقال أحمد: إن روايته عنه من كتاب، وكان يحيى بن سعيد يتوقى أن يحدث عنه عن علي خاصة، ويقول: هو كتاب وقال أبو حاتم: يقال: وقعت عنده صُحف عن علي، ولذلك لميخرج في الصحيحين بهاتين الترجمتين شيء، بل صرح الدارقطني بأن خلاسًا ضعيف نعم أورد الضياء في المختارة من ترجمة الحسن عن علي حديثًا وكذا ما صنع الحاكم في صحيحه وصرح بأنه صحيح، فيه إرسال، ونحوه قال ابن المديني: مرسلات الحسن إذا رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما سقط منها، لكن قد قال ابن سعد: إن ما أرسل ليس بحجة، وكذا قال الدارقطني مراسيله فيها ضعف، وعلى كل حال فراوي الحديث مع كونه مجهولاً شك هل الحديث عن الحسن أو عن خلاس؟ فلو كان عن الحسن بدون شك وكان الراوي ثقة، أمكن أن يقال:

هو حجة كما صنع الضياء والحاكم، وبالجملة فلأجل ما قدمته، قال البيهقي عقب تخريج هذا الحديث: هذا إسناد ضعيف. انتهى. وممن ذكره من الأئمة في كتب الفقه الشيخ أبو إسحاق في المهذب لكنه لم يذكر من قوله، وكان علي إلى آخره، والموفق ابن قدامة في المغني بتمامه وتبعه غيره من أئمة مذهبه: وتعجبت من عدم إيراد الرافعي له، رحمهم الله أجمعين. إذا علم هذا، فالسَبْقة: بفتح المهملة أو كسرها ثم سكون الموحدة: المرة أو الهيئة من السبق، المبوب له في كتب أئمتنا بعد الجعالة أو الأطعمة أو الجزية أو الأضاحي، وربما أفرد بالتأليف، وقيل: إن إمامنا الشافعي رحمه الله لم يسبق لتصنيفه إياه، ونقل عن المزني أنه قال: سألنا الشافعي أن يصنف لنا كتاب السبق والرمي فذكر هنا أن فيه مسائل صعابًا ثم أملاه علينا. انتهى. ولأجل ذلك كانت فروعه في كتب أصحابه أكثر من غيرها، نعم توجد أيضًا كثيرة في كتبا لحنابلة لكون إمامهم من أصحاب إمامنا والله أعلم، المراد بجعل ذلك لعلي، يحتمل أن يكون أرشده إليها ليبثها بين الناس ويرشدهم إليها، ويحتمل أن يكون جعله محللاً بين المتسابقين لعلمه بالفروسية وآدابها، وفي كليهما منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه،

وذلك كله يأتي في سراقة رضي الله عنه أيضًا. والميطان وهو بكسر الميم، فسره الراوي كما تقدم ونحوه قول صاحب الصحاح: هو الموضع الذي توطن فيه الخيل لترسل منه في السباق، وهو أول الغاية، قال: والميداء آخر الغاية. قلت: والإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة شرط كما في الصحيحين من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وذلك ميل أو نحوه. وقوله:"فصف الخيل" هو أمر وكذا ما بعده، واللجام بكسر اللام: هو ما يوضع في فم الفرس يمسكه لئلا يغير على وجهه، وهو كما قال الجوهري فارسي معرب. والجُل: بالضم واحد جلال الدواب التي تجعل على ظهرها وجمع الجلال أجلة، والمقصود بذكر ذلك الإعلام بالتهيؤ للتسابق، ليكون الإطلاق دفعة واحدة. ولذلك استدل به لإطلاق الفرسين منمكان واحد في وقت واحد، وممن صرح بذلك صاحب "المهذب" وهو شرط، ووقع في قوله: "هل من مصلح للجام أو حامل لغلام؟ " سجع، وهو إما أن يكون عن قصد أو اتفاقًا، وكذا وقع في قوله: "يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه" وهو بضم أوله وكسر آخره من السعادة خلاف الشقاوة يقال: أسعده الله فهو مسعود، ثم إن معنى قوله: "أو حامل لغلام" أي يردفعه معه إن أطاق فرسه ذلك، ويكون القصد بإرادفه تمرينه على الفروسية ويحتمل أن يكون هو المستقبل بعلاجها. والأول أظهر. واستفيد من قوله: أو طارح لجُل ركوب الفرس

عريًا ـ وهو أبلغ في الفروسية وقد ركب صلى الله عليه وسلم فرسًا عريًا، وقوله: وكان علي إلى آخره، أراده بذلك ضبط السابق لئلا يحصل الاختلاف في ذلك فهو أعدل وأقطع للتنافر، وكما أن ذلك يجعل عند الغاية، فكذا يكون عند أول المسافة، وهو أدب في الموضعين، وإلا فلو علما ذلك بدونهما كفى. وكذا من الأدب أيضًا ما تقدم من القول عند الابتداء أو التكبير، وقوله: ويقول إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن، هو بيان لما يعتبر به السبق. وممن قال به الثوري، كما حكاه صاحب البحر من أئمتنا وابن قدامة، وكذا أشار إلى حكايته ابن الصباغ ورواه عن الثوري ابن المبارك وهو ـ أعني الاعتبار بالأذن ـ يحكى عن المزني، قال الرافعي: وإيراد ابن كج يشعر بجعله وجهًا للاصحاب. قلت: بل جعله في "الروضة" وجهًا محققًا واستدل له بعض الأئمة أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه" قال: فأثبت صلى الله عليه وسلم بالأذن ـ انتهى. والحديث عند ابن جرير من رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعًا ولفظه: "ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان" وأصله في الصحيح.

ولكن المعتمد أن السبق في الخيل بالعنق ويسمى الهادي، قيل: ولا يصح أن يكون بالأذن، لأن أحدهما قد يرفع رأسه ويمد الآخر عنقه فيسبق بأذنه لذلك لا لسبقه، و [أما] الخبر، فمسوق في معرض المثل والأمثال تضرب على وجه المبالغة وقد تكون بما لا يكاد يوجد على أنه يجوز، كما قال ابن الصباغ أن يكون ذلك معتبر ما تساوي العنق ومدها أي فمتى وجد كذلك كان السبق معتبرًا بالأذن وببعضها، قال ابن الرفعة: وعلى ذلك يحمل ما في "التنبيه" فإنه قال: والسبق في الخيل إذا استوت أعناقها أن يسبق أحدهما بجزء من الرأس من الأذن وغيره. انتهى. وفي المسئلة أوجه، ليس القصد الإطالة بها، وفي مختصر المزني عن الشافعي: وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو الكتد أو بعضه انتهى. والعمل عند أصحابه كما قدمت على أن الاعتبار بالعنق، ومنهم من اعتبر الأقدام والله أعلم. والعذار من الفرس كالعارض من وجه الإنسان، ثم سمي به السير الذي يكون عليه من اللجام عذارا باسم موضعه. ومنه: "فأعطانا حقوه"، فإن المعطي هو الإزار والحقو هو السير الذي يشد به، وفي بعض الأحاديث كما يروى عن جماعة من الصحابة مرفوعًا "للفقر أزين للمؤمن من عذار حسن على خد فرس".

أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث شداد بن أوس وسمرة حسبنما قاله الديلمي وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه الطبراني من حديث شداد بن أوس بسند ضعيف قال: والمعروف أنه من كلام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم رواه ابن عدي في كامله. هكذا. وقولهم: "خليع العذار" يعني كالفرس الذي لا لجام له. وهذا يُقال غالبًا لمن يهتك وفعل ما لا يليق بالشرع. وقوله: فإن شككتما إلى آخره، لا أعلم من أخذ بظاهره إلا أن يكون ذلك على وجه التراضي، نعم قد قيل فيما إذا تعارضت البينتان بالتشريك بين المتداعبين، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لاستواء حجتهما، ويدل له ما روى أبو داود وابن حبان

والحاكم بإسناد صحيح عن أبي موسى أن رجلين ادعيا بعيرًا وأقام كل منهما شاهدين، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين، وأيضًا فلأن البينة أقوى من اليد، ولو تساويا في اليد يقسم بينهما فهذا أولى، وفي هذا نوع شبيه بما نحن فيه، لكن المعتمد تساقطهما لتناقض موجبهما، فأشبها الدليلين إذا تعارضا، وبهذا قال مالك وأحمد في رواية. وقوله: وإذا قرنتم ئنتان فقد اختلفت النسخ في هذه اللفظة ففي بعضها كما في السؤال وهو على طريق من يجعل المثنى بالألف في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى: (إن هذان لساحران) وفي غيرها بالنصب، وهو ظاهر لكنه جودها كما تقدم، فقال: ثنتين وربما كتبت شيئين والمعنى قريب، والحاصل أنه إذا سابق بين فرسين إحداهما اسن من الأخرى يجعل الأمد الذي تنتهي المسابقة إليه أمد أصغرهما إذ لا يشترط تساويهما في السن بل يشترط أن تكون الخيل متقاربة الحال في سبق بعضها بعضا. وأن تكون المسافة مما يقطعانها، فإن كانت بحيث لا تصلان إليها إلا بانقطاع وتعب، فالعقد باطل، وكذا يشترط إمكان سبق كل منها، فإن كان فرس أحدهما ضعيفًا يعلم قطعًا أنه يتخلف، أو فرس أحدهما فارها يعلم أنه يسبق بطل العقد. وكذا إن كان السبق ممكنًا ولكن على الندور فإن الصحيح البطلان، وقد صرح أئمتنا فيما إذا كانت المسابقة بين بغل وحمار ومشينا على

المذهب في جواز المسابقة عليهما بالصحة على الأصح لتقاربهما، وكذا إذا اختلف نوع المركوبين كعربي وعجمي، وعربي وتركي، فلا يضر، وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد، والوجه الآخر المنع، أما إذا اختلف الجنس كفرس وبعير أو فرس وحمار فالأصح أنه يضر وهو مذهب أحمد. وقوله: «لا جلب ولا جنب» وهما بالتحريك مروي في عدة أحاديث غير هذا أيضًا، وكل منهما يكون في السباق والزكاة. فأما الجلبة في السباق، فهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثًا له على الجري، والسبق يقال: جلب على فرسه يجلُبُ جلبًا إذا صاح من خلفه، واستحثه للسبق وأجلب عليه مثله. هذا تفسير الأكثرين وقال بعضهم: هو أن يجتمع قوم فيعطفوا أحدهما ويزجروا الآخر وليس ذلك بعدل، إنما العدل أن يركضها بتحريك اللجام والاستحثاث بالصوط من غير اجتلاب بالسوط، ويروى من الوعيد في ذلك: «من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا». وأما الجنب فيه، فهو: أن يجنب فرسًا إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب فيستبق وقيل: أن يجنب مع فرسه فرسًا يحرضه على الجري وأما الجلب في الزكاة فهو: أن يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعًا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقاتهم فنهى عن ذلك وأمر أن تؤخذ صدقاتهم في أماكنهم على مياههم.

وأما الجنب فيها، ففيه تأويلان، أحدهما: أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر، فنهوا عن ذلك. ثانيهما: أن يجنب ربُّ المال بماله، فيبعُد عن موضعه، فيحتاج العامل الإبعاد في اتباعه وطلبه ويشهد لأولهما ما رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم". وعن ابن إسحاق أن معنى لا جلب: أن تصدق الماشية في مواضعها، ولا تجلب إلى المصدق، ومعنى لا جنب أن يكون المصدق بأقصى مواضع الصدقة، فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه. وقوله: لا شغار: هو بمعجمتين الأولى مسكورة من شغرات المرأة: رفعت رجليها عند الجماع، وأصله الكلب إذا رفع رجليه ليبول، أو ليُنزل عند الجماع، وقيل: أصله من شغر البلد: إذا خلا من الناس كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه، وجاء تفسيره في حديث اتفق على صحته بأن

يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، لكن اختلف في هذا هل هو مرفوع أم مدرج؟ وجزم الخطيب بالثاني، ثم اختلف في قائله بما نبسطه في غير هذا المحل لانتشاره. قال القرطبي: تفسير الشغار صحيح، موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان مرفوعًا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضًا، لأنه أعلم بالمقام وأقعد بالحال. وقال الغزالي في "الوسيط" صورته الكاملة أن يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقًا للأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك، وألحق العراقي في شرح الترمذي بهذا، ولا يكون شيء آخر قال: ليكون متفقًا على تحريمه في المذهب. وذهب أكثر أئمتنا إلى أن علة النهي الاشتراك في البضع، لأن بضع كل منهما يصير مورد العقد، وجعل البضع صداقًا مخالف لإيراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذكر الصداق، لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق، لكن نقل الخرقي أن الإمام أحد نص على أن

علة البطلان ترك ذكر المهر، ورجح ابن تيمية في المحرر: أن العلة التشريك في البضع، وقال ابن دقيق العيد: ما نص عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث لقوله فيه: ولا صداقبينهما، فإنه يشعر بأن جهة الفساد ذلك. وإن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته لجهة الفساد، ثم قال: وعلى الجملة ففيه شعور بأن عدم الصداق له مدخل في النهي، قال شيخي رحمه الله: ويؤيده ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح. من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة: أن يقول: زوج هذا من هذه، وهذه من هذا بلا مهر. انتهى. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان، وفي رواية عن مالك: بفسخ قبل الدخول لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل وهو قول الزهري ومحول والثوري والليث. ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور، قال شيخي رحمه الله: وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة، لكن قال الشافعي: إن النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا أورد النهي عن نكاح تأكد التحريم. قلت: فإن قيل: ما الحكمة في إضافة هذه الجملة لما تقدم؟ أمكن

ـ كما ظهر لي ـ أن يقال: إشارة إلى أن المتسابقين إذا أخرج كل منهما سبقًا بطل العقد. هذا ما فتح الله به في الكلام على هذا الحديث بحيث صار كله ـ ولله الحمد ـ واضحًا جليًا مع قول شيخ الحنابلة بل شيخ مشايخ الإسلام شيخ بالإجازة المحب ابن نصر الله البغدادي، ثم القاهري قاضي مصر أنه سأل عنه علماء الحديث بالديار المصرية فلم يعرفوا لفظه ولا معناه، وكان يمكن بسطه أكثر من هذا، بل كان يحسن الكلام عليه من وجوه، الأول: في تخريجه، الثاني: في تراجم رجاله، الثال في حكمه وبيان علته، الرابع: في غريبه، الخامس: في إعرابه، السادس: في فهمه وبيان ما بين الأئمة من الاختلاف في فروعه، السابع: فيما يدخل منه في علم الشعر، الثامن: في كذا إلى آخر فوائده. ولكن قد حصل فوق الغرض إن شاء الله بما ذكر مع أني لم أقف على من سبقني والله المستعان.

106 - الإسعاف بالجواب عن مسألة الأشراف

106 - الإسعاف بالجواب عن مسألة الأشراف: الحمد لله سئلت: عن الأشراف الحسنية والحسينية أولاد علي من فاطمة الزهراء رضوان الله عليهم، هل يلحق بهم ذرية جعفر بن أبي طالب أخي على في الشرف والشظفة الخضراء وقولهم: جدنا المصطفى، وكذا هل يلحق به العلوية أولاد علي من الحنفية؟ فقتل: لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من الأولاد الحسن والحسين، ومحسن وأم كلثوم وزينب رضي الله عنهم، فأما الحسن والحسين فانتشر نسلهما في سائر الآفاق، وأما محسن، فمات صغيرًا، وأما أم كلثوم، فإن عمر بن الخطاب خطبها من أبيها رضي الله عنه قائلاً له فيما روي: يا أبا الحسن زوجني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري" فزوجه إياها فولدت له زيدًا ورقية، فأما زيد فقتله خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب خطأ، ولم يترك ولدًا وكان موته قيل هو وأمه في ساعة واحدة، فلم يُدر أيهما قبض قبل صاحبه ليرثه الآخر، وأما رقية فتزوج بها إبراهيم بن نعيم النحام فماتت عنده ولم تترك أيضًا ولدًا، فليس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولد من أم كلثوم ابنة فاطمة. ولما مات عمر تزوج بها عون بن جعفر بن أبي طالب، ثم تزوج بعد موته أخوه محمد بن جعفر، ثم تزوها بعد موته أخوه عبد الله بن جعفر

فماتت عنده ولم تلد لواحد من الإخوة الثلاثة. وأما زينب ابنة فاطمة وهي سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، فولدت له عدة أولاد أعقب منهم علي وأم كلثوم. ثم إن علي بن أبي طالب لما ماتت فاطمة الزهراء رضي الله عنهما تزوج ابنة أختها أمامة بنت أبي العاص ابن الربيع بن عبد شمس وهي سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا أمها زينب رضي الله عنها، امتثالاً لوصية السيدة فاطمة له بذلك، واستمرت معه حتى قتل، فتزوجت بعده بالمغيرة بن نوفل امتثالاً لوصية علي رضي الله عنه لها، أن خطبها معاوية رضي الله عنه، فامتنعت واستمرت عند المغيرة حتى ماتت ولم تلد له ولا لعلي أيضًا. فليس لزينب رضي الله عنها عقب فإن عليًا ولدها من أبي العاص أيضًا مات وقد ناهز الاحتلام، وقيل: إنما تزوج أمامة بعد قتل علي أبو التياح بن أبي سفيان بن الحرب بن عبد المطلب، لكن الأول أكثر. وكذا لم تعقب رقية ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أم كلثوم أختها رضي الله عنهما بل اختصت فاطمة رضي الله عنها بما لم يشتركها فيه غيرها من أخواتها، وكيف لا تكون لها هذه الخصوصية وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنها سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم؟ " وفي لفظ خاطبها به: "أما ترضين

أن تكوني سيدة نساء العالمين". وفي آخر: "خير نساء العالمين مريم وآسية وخديجة وفاطمة". وقال صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها". الحديث.

وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت أحدًا قط أفضل من فاطمة غير أبيها. الحديث. إلى غير ذلك ما روي من دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة في نسلها. وإنه لما نزل قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية أرسل إليها وإلى زوجها وابنيهما وقال: "هؤلاء أهل بيتي" الحديث: فإذا علم هذا وثبت بالطريق المعتبر انتساب أحد لعبد الله بن جعفر من جهة من أعقب من أولاده من زينب سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت له بذلك شرف عظيم، لكنه دون الشرف الحاصل للمنسوبين إلى الحسن والحسين لفضل الحسن والحسين على زينب. وأما المنسوبون إلى علي رضي الله عنه من غير زوجه الزهراء وهم الذين يُقال لهم: غالبًا: العلويون، وكذا الهاشميون فلهم شرف أيضًا لكونهم من الذرية الطاهرة الهاشمية لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى هاشمًا من قريش،

واصطفاني من بني هاشم". ولقوله أيضًا: "قال لي جبريل عليه السلام: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر بني أب خيرًا من بني هاشم" الحديث. بل رايت شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى وصف بعض المنسوبين لجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب بقوله: شريف من أهل البيت النبوي من كون محمد هذا أمه خولة ابنة جعفر بن سلام بن قيس بن ثعلبة بن يربوع المعروفة بالحنفية، وكذا وصفت ذرية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه بالشرف، لكنهم يطلقونه تارة ويقيدونه أخرى، فوجدت الإطلاق في كلام غير واحد من الائمة الحفاظ وفي شيوخ فقيه المذهب النجم ابن الرفعة شخص يقال له الشريف العباسي مذكور في الشافعية، قال شيخنا في الألقاب: وقد لقب به ـ يعني بالشريف ـ كل عباسي ببغداد، وكذلك كل علوي بمصر. قلت: ولهم الطالبيون وهي نسبة لأولاد علي بن أبي طالب وأخويه

جعفر الطيار وعقيل رضي الله عنهم، وميزوا ذرية علي من بينهم بالعلويين، ويقال لنقيبهم ببغداد: نقيب الطالبيين كما أنه يُقال لنقيب العباسيين: نقيب الهاشميين. وربما خصت ذرية علي من فاطمة عليهما السلام بالفاطميين، بل وجد من ذرية علي من غيرها من نسب كذلك، وميزوا ذرية عقيل بالعقيليين، وذرية جعفر بالجعفريين، ووصف الحافظ عبد العزيز بن محمد النخشبي وغيره بعض المنسوبين إلى جعفر بالسيد. ولهم الإسحاقيون، نسبة لإسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. والزيدون نسبة لزيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب. والزينبيون لمن يكون من ذرية زينب ابنة سليمان بن علي أم محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وفي شرح ذلك طول، وممن اشتهر بالشريف جماعة منهم سليمان بن يزيد الأزدي ومحمد بن أسعد الجواني وناصر بن الحسن بن إسماعيل بن زيد الحسيني يقال له: الشريف الخطيب. وكذا اشتهر بالسيد جماعة منهم: إسماعيل بن محمد الحميدي الرافضي والركن واسمه الحسن بن محمد، والعبري وهو عبيد الله بن محمد بن غانم، والرضي شارح الحاجبية واسمه محمد بن حسن. والجرجاني واسمه: علي بن علي. والقصد: أن شرف من عدا ذرية الحسن والحسين لا يوازي شرفهم وليس لهم التمييز بالشظفة الخضراء على رؤسهم الحادية حيث كان العرف تخصيصها بأولاد الحسن والحسين لحصول الاشتباه.

وبالجملة: فقد قال تعالى: (إن أكرمك عند الله أتقاكم) ويروى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آل محمد كل تقي" وسنده ضعيف. وفي نوادر أبي العيناء أنه غض من بعض الهاشميين فقال له: أتغض مني وأنت تصلي عليّ في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؟ فقال: إني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم. وقال ابن العديم: أخبرني محمد بن أحمد بن يوسف الأنصاري السلاوي قال: أخبرني الشريف القاضي الرازي الحنفي أنه رأى والدي يعني أخبرنا عبد الله السلاوي في المنام في سنة 623 هـ فقال له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي فقلت له: بماذا؟ فقال: نسبي منه النسبة بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقلت له: أنت شريف؟ فقال: لا. فقلت: فمن أين النسبة؟ فقال: كنسبة الكلب إلى الراعي، قال ابن العديم: فأولته بانتسابه إلى الأنصار، فقال ابنه: أو إلى العلم. وحكى الحافظ أبو بكر الخطيب قال: دخل يحيى بن معاذ على علوي ببلخ أو بالري زائرًا له ومسلمًا عليه فقال العلوي ليحيى: ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال: ما اقول في طين عجن

بماء الوحي، وغرست فيه شجرة النبوة وسقى بماء الرسالة فهل تفوح منه إلا مسك الهدى وعنبر التقى؟ فقال العلوي لليحيى: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرنا فلفضلك علينا فلك الفضل زائدًا وموزورًا. انتهى. واعلم أنه قد اختلف في انتساب بني البنات إلى أبي أمهم هل هو عام أو خاص به صلى الله عليه وسلم؟ قال: في الروضة تبعًا لأصلها في الخصائص: وأولاد بناته ينسبون إليه واولاد بنات غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها. زاد في الروضة كذا قاله صاحب التلخيص وأنكره القفال وقال: لا اختصاص في انتساب أولاد البنات ـ يعني بل يشتركه غيره في ذلك ـ وأيده في الخادم بأنه ظاهر كلام ابن حبان في صحيحه فإنه قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن ابن البنت لا يكون بولد ثم ذكر حديث: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ أقبل الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يقومان [و] يعثران فنزل إليهما فأخذهما وقال: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة". قلت: وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابني هذا ـ يعني الحسن بن علي ـ سيد" قال البيهقي: وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم ابنه حين ولد وسمى أخويه بذلك حين ولدا فقال لعلي: "ما سميت ابني" ثم ساق من حديث هانئ بن هانئ عن علي، وفيه: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني سميت بني هؤلاء بتسمية بني هارون" الحديث.

وكذا في حديث قابوس بن المخارق الشيباني عن أبيه قال: جاءت أم الفضل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني رأيت بعض جسمك في فقال: نعم ما رأيت، تلد فاطمة غلامًا وترضعيه بلبن قثم قالت: فجاءت به تحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فبال، فلطمته بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوجعت ابني ... " الحديث. وقد سلك البيهقي نحوًا مما سلكه ابن حبان حيث قال في الوقف باب من يتناوله اسم الولد. ثم ذكر فيه أنه عليه السلام سمى أولاد علي باسم الابن، وأنه عليه السلام أخذ الحسن والحسين وتلا: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" وظاهره عدم الخصوصية كما نقله النووي عن القفال، لكن قد وقفت على حديث إن صح قطع كل نزاع، وهو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفعه: "كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا فاطمة، فإني أنا أبوهم وعصبتهم". وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب رضي الله عنه". وقد كنت سئلت عن هذا الحديث وبسطت

الكلام عليه ونبهت أنه صالح للحجة. وبالله التوفيق. تتمة: كان ابتداء التمييز بالعلامة الخضراء في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة كما قرأته في حوادثها من الإنباء لشيخنا وعبارته: وفيها أمر السلطان الأشراف أن يمتازوزا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك في مصر والشام وغيرهما، وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب: جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لهم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم ... يعني الشريف عن الطراز الأخضر وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره، ومن أحسنه قول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزين وأنشدني إياه إجازة: أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف والأشراف السلطان خصهم بها ... شرفًا ليفرقهم من الأطراف انتهى. والأشرف هو شعبان بن حسين بن الناصر محمد قلاوون، ويقال في سبب كونها خضراء: أن المأمون أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة فاتجه لهم شعارًا أخضرًا وألبسهم ثيابًا خضرًا ثم انثنى عزمه عن ذلك ورد

الخلافة إلى بني العباس فبقي ذلك شعارًا للأشراف العلويين، فاحتضروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر بوضع على عمائهم شعارًا للعلويين، والآن استمر ذلك في بلاد مصر والشام، وقد كانت ذرية العباس يتميزون بالشظفة السوداء على ما أخبرني به من شاهده ثم بطل. وقد سأل الرشيد الأوزاعي رحمه الله عن لبس السوداء فقال: إني لا أحرمه ولكن أكرهه، قال: ولم؟ قال: لأنه لا تجلي فيه عروس ولا يبلى فيه محروم ولا يكفن فيه ميت، ثم التفت الرشيد إلى أبي نواس وقال: ما تقول في السواد، فقال: النور في السواد يا أمير المؤمنين ـ يعني ـ أن الإنسان يبصر بسواد عينيه، ثم قال: يا أمير المؤمنين وفضيلة أخرى لا يكتب كتاب الله إلا به، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء لا يكتب إلا به، وهو مصالحه إلى الخلافة، قال: فلما سمع الرشيد هذا الوصف في السواد اهتز طربًا وأمر له بجائزة سنية. ويُقال: إن الأصل في لبسهم السواد أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة دسماء فتفاءل الخلفاء بذلك لكونه كان في ذلك اليوم منصورًا على الكفار فاتخذوا شعارًا لتكونوا دائمًا منصورين على أعدائهم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا آمين. وكتب من الشافعية على هذا السؤال الشيخ السراج العبادي ما نصه: الشرف المعروف المصطلح عليه الذي ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

خاص بأولاد الحسن والحسين سبطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لضرورة نفاسة النسب الشريف، فإن الأولاد إنما ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فلما لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولد ذكر توسعوا في نسبة أولاد ابنته إليه محافظةٌ على بقاء هذا النسب ولشرفه على غيره من الأنساب. زاده الله شرفًا وتعظيمًا. س وأما أولاد جعفر، فليسوا من أولاد أحد من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عبد الله بن جعفر، فإنه زوج ابنة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبة زوجته إلى أبيها، ففات المعنى المقصود، والعلوية وغيرهم، وإن كان لهم شرف النسبة إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد فاتهم النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد لبس العلامة، ولا هذه النسبة، بل يقتصر بها على محلها المتعارف المقرر، ولا يعدل عن ذلك ولا يقاس عليه غيره فليس للقياس في مثل هذا مجال والحالة هذه. والفخر عثمان الحسيني ونصه: أما الشرف الذي لأولاد السيد علي بن اي طالب من فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فلا يوازيه شرف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد" فاثبت له السيادة وأضافه إليه بالبنوة، وليس هذا لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم أعني أولاد البنات ينسبون إليه دون غيره وهو من هذا الحديث الصحيح، وهم المختصون بالأوقاف على الأشراف، وهم الذين جرى العرف بتميزهم بالشظفة الخضراء على رؤوسهم، وأما غيرهم من أولاد بقية بناته، فجدهم المصطى صلى الله عليه وسلم بلا شك، غير أنهم لا يوازون أولاد علي بن أبي طالب من

فاطمة رضي الله عنهم أجمعين فيما تقدم، ومما تقدم تميزهم بالشظفة الخضراءن فليس لهم ذلك، إذ العرف يخالفه فحملهم لها يُوهم أنهم من أولاد الحسن أو الحسين رضي الله عنهم، ويخشى من ذلك اشتهارهم بها، فرما نسي الأصل ونسبوا بسب ذلك إلى الحسن أو الحسين وذلك خطر عظيم. والله تعالى أعلم. وكتب من المالكية البرهان اللقائي ما نصه: الشرف لأولاد علي رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج أولاد علي من غيرها وأولاد أخواتها من غير علي، فليس لأحد منهم أن يدعي شرفًا، لكن يجوز لأولاد أخوات فاطمة وذريتهم أن يقولوا: جدنا، ولا يدخلون في وقف الأشراف إلا بتنصيص من الواقف، ولا يجوز لأحد ممن ذكر حمل العلامة الدالة على الشرف. وكتب بجانب خطه من المالكية أيضًا: أحمد بن حسين الحسيني القاضي بالقرب من جامع الفكاهين: جوابي كما أجاب به الشيخ برهان الدين المذكور أعلاه، أبقاه الله للمسلمين وحفظ به الدين آمين.

107 - مسألة: وقع في الشفاء حديث: لا تفضلوني على يونس بن متى

107 - مسألة: وقع في الشفاء حديث: "لا تفضلوني على يونس بن متى". وعزاء التيمي للبخاري، وقد راجعت صحيح البخاري فوجدته أخرج الحديث في تفسير الأنعام وفضائل الأنبياء والتوحيد جميعًا من حديث شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رفعه بلفظ: "ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" لكنه في الفضائل، قال: "إني" بالإفراد، وفي التوحيد قال: "لا ينبغي" وكذا هو عند مسلم وأبي داود من حديث شعبة، وقد روى حديث ابن عباس غير مجاهد بلفظ: "لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى" ويوسف بن مهران بلفظ: "وما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". وأخرجه البخاري أيضًا في تفسير الصافات من طريق جرير عن

الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رفعه بلفظ: "ما ينبغي لأحد أن يكون خيرًا من يونس بن متى". وفي تفسير النساء من حديث سفيان عن الأعمش، ولفظه: "ما ينبغي لأحد أن قول: أنا خير من يونس بن متى" وكذا أخرجه في أحاديث الأنبياء من حديث سفيان لكن بلفظ: "لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس بن متى". وأخرجه أحمد عن وكيع عن سفيان، والبخاري أيضًا في الأنعام وأحاديث الأنبياء من حديث شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه: "ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". وأخرجه مسلم أيضًا من حيدث شعبة ورواه البخاري أيضًا في فضائل الأنبياء من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رفعه: "لا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى" وكذا هو في مسلم.

وأخرجه البخاري أيضًا في تفسير "النساء" والصافات معًا من حديث ابن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعًا: "من: قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب".

108 - سئلت: عن حديث أبي معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، الحديث بطوله في سؤال الملكين أهو صحيح أم لا؟

108 - سئلت: عن حديث أبي معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، الحديث بطوله في سؤال الملكين أهو صحيح أم لا؟ فكتبت: هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع في مسنديهما وأبو داود في سننه وابن خزيمة والحاكم وأبو عوانة في صحاحهم كلهم من حديث أبي معاوية المذكور، منهم من طوله ومنهم من اقتصر على بعضه، ولم ينفرد به أبو معاوية بل تابعه على روايته له عن الأعمش جماعة من الأئمة، وكذا رواه عدة غير الأعمش عن المنهال، واشار أبو عوانة إلى أنه اختلف في صحته وتوهينه قال: وفيه نظر، ولم يخرجه مسلم وخرجه غيره، انتهى. وقد جزم الحاكم بأنه صحيح على شرط الشيخين وأشار إلى رد ما زعمه ابن حبان من انقطاع سنده عن زاذان والبراء، وكذا قال

أبو عبد الله بن مندة: إسناده متصل مشهور رواه جماعة عن البراء وكذلك رواه عدة عن الأعمش وعن المنهال قال: والمنهال أخرج له البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم وهو ثابت على رسم الجماعة. وروي هذا الحديث عن جابر وأبي هريرة وأبي سعيد وأنس

وعائشة رضي الله عنهم. قلت: فعلم بما تقرر تصحيح الأئمة له، وهو كما قال الحاكم: حديث فيه فوائد كثيرة لأهل السنة وقمع للمبتدعة. والله الموفق.

109 - الحمد لله سئلت عن حديث: من ظلم ذميا كان خصمه أو كنت خصمه. ما حكمه ومن المخاصم؟

109 - الحمد لله سئلت عن حديث: "من ظلم ذميًا كان خصمه أو كنت خصمه". ما حكمه ومن المخاصم؟ فكتبت ما نصه: هذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة ومن طريقه الديلمي في مسنده بسند فيه من اتهم بالكذب والوضع، عن عبد الله بن جراد رضي الله عنه مرفوعًا قال: "من قتل ذميًا مؤديًا لجزيته موفيًا لعهده فأنا خصمه يوم القيامة" ورواه الخطيب بسند فيه من اتهم بالاختلاف أيضًا عن جابر رضي الله عنه رفعه قال: "من آذى ذميًا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته" ولا يصح من هذين الوجهين، وكذلك أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث جابر، واستند لما يروى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أربعة أحاديث تدور في الأسواق ليس لها أصل، وذكر هذا منها، وتساهل ابن الجوزي رحمه الله في إيراده في الموضوعات، فالحديث عند أبي داود في سننه من طرق صفوان بن سليم عن عدة من أبناء الصحابة عن آبائهم رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة" وكذا أخرجه البيهقي في سننه

الكبرى لكن بلفظ: "فأنا حجيجه يوم القيامة"، وزاد بعد هذا: وأشار رشول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى صدره: "ألا من قتل معاهدًا له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا" وسنده جيد. وقد سكت عليه أبو داود، فهو على قاعدته صالح ولا يضر جهالة من لم يسم من أبناء الصحابة فهم عدد كبير، بحيث أن في رواية البيهقي حصر عدتهم في ثلاثين، وبدونه يحصل التواتر الذي لا تشترط فيه العدالة، والجملة الأخيرة التي زادها البيهقي فيه وردت أيضًا مرفوعة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو بكرة، وأبو هريرة، ومن لم يسم. وأولها أعني حديث عبد الله في صحيح البخاري فعلم بما ذكرنا أن الحكم على هذا الحديث بالوضع ليس بجيد، وكلام الإمام أحمد الذي تمسك به ابن الجوزي في ذلك قد جزم الحافظ الزين العراقي رحمه الله

عند إيراد ابن الصلاح له أيضًا في نوع المشهور من علوم الحديث بأنه لا يصح قال: فإنه أخرج من الأربعة حديثًا في مسنده. قلت: وقد أوضحت كلام العراقي مع الكلام على هذا الحديث في موضع آخر وظهر بسياق الحديث من المخاصم! والله الموفق.

110 - الحمد لله سئلت: عن حديث: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض

110 - الحمد لله سئلت: عن حديث: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض". فقتل: قد روي عن جماعة من الصحابة، فأخرجه البيهقي في السنن الكبرى من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض فغذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه". ورواه الحسن بن سفيان وغيره من حديث حكيم بن أبي يزيد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس فليرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل الرجل فلينصح له"، وهكذا رواه أحمد في مسنده لكنه قال عن حكيم عن أبيه عن جده ورواه الطيالسي في مسنده من حديث حكيم بن يزيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض، وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه"

رواه الحكيم الترمذي في المناهي من حديث مجاهد عن ابن عباس أن رجلاً بايع بزازًا بردة فقال: إنها لا تساوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَه يا متكلف دع الناس يعيش بعضهم من بعض فإذا استنصحك فانصح" ورواه عبدان الأهوازي من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض فإذا استنصحك أخوك فانصح" وهذه الطرق يقوي بعضها ببعض والله أعلم.

111 - مسألة

111 - مسألة: روى البخاري في تاريخه والبغوي وابن شاهين كلاهما في معجم الصحابة والطبراني فيالكبير والعشرة والبزار في مسنده والخرائطي في المساوئ من حديث مالك بن أخيمر، واختلف في أبيه فقيل بالمهملة، وقيل: بالمعجمة وقيل: أخامر، وصحح ابن حبان أنه أخيمر، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبل من الصقور يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً" فقلنا يا رسول الله! وما الصقور؟ قال: "الذي يدخل على أهله الرجال"، وقال الطبراني في العشرة عقبه: سألت أبا خليفة الفضل بن الحباب عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الصقور" فقال: شبهه بالذي يسلي الصقر على اللحم. وروى الخرائطي في المساوئ عن عبد الله بن الحارث بن نوفل مرسلاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى خلق ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم صلى الله عليه وسلم بيده وكتب التوارة بيده، وغرس الفردوس بيده، وقال: وعزتي لا يسكنها مدمن خمر، ولا ديُّوث" قالوا: يا رسول الله قد عرفنا

مدمن الخمر، فما الديوث؟ قال: "من يُقِر السوء إلى أهله". وروي أحمد ,وأبو يعلي والخرائطي في المساوئ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء". وروى الطبراني والبيهقي في الشعب عن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر" قالوا: يا رسول الله! أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما لاديوث؟ قال: "الذي لا يبالي من دخل على أهله" قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: "التي تتشبه بالرجال". وروى عبد الرازق في جامعه ومن طريقه البيهقي في الشعب

والبزار والديلمي في مسنديهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغيرة من الإيمان والمِذاء من النفاق" قال: قلت: ما المذاء؟ قال: "الذي لا يغار" قال الحليمي في شعب الإيمان: المذاء أن تجمع بين الرجال والنساء، ثم تخليهم يماذي بعضهم بعضًا، وأخذ من المذي، وقيل هو إرسال الرجال مع النساء من قولهم: مذأت فرسي إذا أرسلتها ترعى قال: وقال الله عز وجل: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) الآية. وقال: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنيه، نخالطة الرجال ومحادثتهم والخلوة بهم. وكذا قال ابن الأثير في النهاية قيل: هو أن يُدْخِلُ الرجلُ الرجلَ على أهله ثم يخلهم يماذي بعضهم بعضا، يقال: أمذي الرجل وماذي إذا قاد على أهله مأخوذ من المذي، وقيل: هو من أمذيت فرسي ومذيته إذا أرسلته يرعى، وقيل: هو المذاء بالفتح، كأنه من اللين والرخاوة، من أمذيت الشراب إذا أكثرت مزاجه فذهبت شدَّتُه وحدَّتُه. قال: ويروى المِذَال بالالم والمِذَالُ: هو أن يقلق الرجل عن فراشه الذي يضاجع عليه حليلته ويتحول عنه ليفترشه غيره، ويقال: أمذَلَ بسرِّه يمذُلُ ومَذِل يمذَلُ: إذا قلق به.

والمَذِل والماذل: الذي تطيب نفسه عن الشيء، يتركه ويسترخي عنه. انتهى. وصح من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال المخنث لعبد الله بن أمية أخي أم سلمة: إن فتح الله لكم الطائف فإني أدلك على بنت غيلان، فإنها تقبل باربع وتدبر بثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل هؤلاء عليكن". ومن أعظم ما سمعته في الغيرة وشدة الحرص على امتناع الرجل من رؤية زوجته ولو في الشهادة ما رويناه في الشعب أن امرأة قدمت زوجها إلى القاضي موسى بن إسحاق، فادعت عليه بمهرها وهو خمسمائة دينار فأنكر الزوج، فلقال وكيلها: قد أحضرت شهودي، فقال واحد منهم: انظروا إلى المرأة، فقال وقامت فقال الزوج: يفعل ماذا، ينظر إلى امرأتي؟ قالوا: نعم، قال: فإني أشهد القاضي أن لها عليَّ مهرها خمسمائة دنيار كلها ذهبًا عينًا مثاقيل ولا تسفر عن وجهها، فقالت المرأة: فإني أشهد القاضي أني قد وهبتها له، فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.

وقد عقد الغزالي رحمه الله فضلاً للاعتدال في الغيرة من النكاح من الإحياء وقال: هو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن إلى أن قال: وكان الصحابة رضي الله عنهم يسدّون الثقب والكوى في الحيطان لئلا تطلع النساء إلى الرجال.

112 - وقع سؤال: عن ليلة الإسراء وتعيين محال الأنبياء من السماوات واختصاص السيد موسى عليه وعليهم الصلاة والسلام من بينهم بالمراجعة، وعن صفة أولاد المسلمين في البعث، ثم في الجبر وعن أطفال المشركين

112 - وقع سؤال: عن ليلة الإسراء وتعيين محال الأنبياء من السماوات واختصاص السيد موسى عليه وعليهم الصلاة والسلام من بينهم بالمراجعة، وعن صفة أولاد المسلمين في البعث، ثم في الجبر وعن أطفال المشركين. فأجبت: قد اختلف في ليلة الإسراء، فقيل: لسبع عشرة خلت من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر. وقيل: ليلة السابع والعشرين من رجب، وقيل: أول ليلة جمعة منه، وقيل: ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بسنة ونصف. وقيل: غير ذلك، والأول هو المشهور، فقد روي عن عائشة وأم سلمة وأم هانئ وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وأما تعيين محال الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام من السموات، فقد اختلفت الروايات فيه أيضًا، وأثبتها أن آدم في الأولى، ويحيى وعيسى في الثانية، ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، في السابعة، كما صح ذلك عن كل من قتادة وثابت كلاهما عن أنس رضي الله عنه وذكر في الحكمة في الاقتصار على لقاء المذكورين دون غيرهم من

الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم مناسبة لطيفة أوردها أبو القاسم السهيلي يطول إيرادها هنا. وأما اختصاص موسى عليه السلام من بينهم صلوات الله وسلامه على جميعهم بالمراجعة، فقيل في الحكمة في ذلك: كونه ليس فيهم أكثر منه اتباعًا ولا أكثر كتابًا جامعًا للأحكام، ولا كلفت أمة من الصلوات بما كلفت به أمته فسال ليبذل لهم النصيحة والشفقة، وقيل: غير ذلك. وأما الأولاد، فإنهم حتى السقط يبعثون على الهيئة التي ماتوا عليها كما أشعر به أحاديث. وأما بعد الاستقرار، فقد رويت عدة أحاديث في وصف أهل

الجنة بكونهم جردًا مردًا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم عليه السلام طول ستين ذراعًا وعرض سبعة أذرع، بل في بعضها: "يحشر ما بين السقط إلى اشيخ يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين سنة، المؤمنون منهم في خلق آدم، وحسن يوسف وقلب أيوب، مردًا مكحلين أولي أفانين". قال: فقلنا: فكيف بالكافر يا بني الله؟ قال: "يعظم للنار حتى يصير جلده أربعين باعًا وحتى يصير ناب من أنبيابه مثل أحد".

وفي بعضها: "من مات من أهل الدنيا صغيرًا أو كبيرًا يردون إلى ستين سنة في الجنة، لا يزيدون عليها أبدًا وكذلك أهل النار". وأما أطفال المشركين، ففيهم عشرة أقوال، أصحها: أنهم في الجنة، قال النووي: وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار عليه المحققون لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وإذا كان لا يعذب العاقل لكونهم لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب أولى، ولأحاديث صحيحة تدل لذلك. ولو بسطت الكلام على هذه المسائل لطال، لكن فيما ذكر إن شاء الله كفاية وبالله التوفيق.

113 - اشتهر على الألسنة: إن الله لا يعذب بقطع الرزق وقد ورد معناه عند الطبراني في الصغير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة وترك الدعاء معصية

113 - اشتهر على الألسنة: "إن الله لا يعذب بقطع الرزق" وقد ورد معناه عند الطبراني في الصغير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة وترك الدعاء معصية". وعند العسكري من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد بأكسب من أحد، قد كتب الله النصيب والأجل، وقسم المعيشة والعمل، والرزق مقسوم، وهو آت على ابن آدم على أي سيرة سارها، تقوى تقي ليس بزائده ولا فجور فاجر بناقصه، بينه وبينه ستر، وهو في طلبه". وسنده ضعيف. وأصله مروي عن أبي الدرداء رفعه: "إن الرزق ليطلب العبد كما

يطلبه أجله". وعن ابن عمر مرفوعًا أيضًا: "والذي بعثني بالحق إن الرزق ليطلب أحدكم كما يطلبه أجله". وعن جابر رفعه: "لو أن ابن آدم يهرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت". ومما يدل على اشتهار هذا ما يحكي أنكسرى غضب على بعض مرازبته فاستؤمر في قطع عطائه، فقال: يحط عن مرتبه ولا ينقص من صلته، فإن المملوك ما يؤدب بالهجران ولا يعاقب بالحرمان. لكن قد روي عن ثوبان مرفوعًا: "إن الدعاء يرد القضاء وإن البر يزيد في العمر

وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لبلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون) ولأبي الشيخ في طبقات الأصبهانيين من حديث أبي هريرة رفعه: "الكذب ينقص الرزق" ورويناه كذلك في مشيخة القاضي أبي بكر الأنصاري وسنده ضعي. ونحوه حديث: "إن الصيحة تمنع الرزق" وهو في الحلية من طريق سعيد بن المسيب عن عثمان.

114 - الحمد لله سئلت عن مصر والشام أيهما أفضل؟

114 - الحمد لله سئلت عن مصر والشام أيهما أفضل؟ فقلت: قد أفرد الأئمة فضائل كل منهما بالتصنيف. فأما مصر، فمن فضائلها أن الله عز وجل ذكرها في بضع وعشرين موضعًا من كتابه صريحًا وإيماءً وذلك فضل عظيم. وكذا من فضائلها أمر أنبيائه عليهم السلام بسكناها كما في قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوَّءا لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين). وكون ملكها أعظم ملك في الأرض وجميع أهل الأرض يحتاجون إليه، قال تعالى مخبرًا عن فرعون اللعين: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) وهي خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال تعالى مخبرًا عن قول يوسف عليه السلام لملك مصر: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقال عز وجل: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء) إلى غير ذلك من الفضائل كقوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صببروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) فإن المراد بالأرض المذكورة هنا أرض مصر جزمًا، وبالقوم بنو إسرائيل بدليل قوله تعالى: (إن فرعون

علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نسائهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) فإنه قيد تنجز هذا الوعد بإهلاك آل فرعون بالغرق، وورث بنو إسرائيل ما كان لهم كما قال تعالى: (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قومًا آخرين) فإن المراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل بدليل قوله في الآية الأخرى: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) وهذه الأية تدفع قول من قال: المراد بالأرض غير أرض مصر، لأن قوم فرعون ما تركوا إلا أرض مصر، ولا يمنع ذلك ما دلت عليه الآية من تدمير ما ترك آل فرعون، لأن المراد تدمير الأبنية والمنارة والمناظر، وأما نفس الأرض الموصوفة بالبركة، فإنها باقية على حالها وهو المراد، ولأجل وصفها بما ذكر قال كعب رحمه الله: من أراد أن ينظر إلى جنة عدن فلينظر إلى مصر إذا أزهرت. وخطب عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال في خطبته: واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم ولإشراف قلوبهم

إليكم، وإلى داركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبكرة النامية. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا فتح الله عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا فذلك الجند خير أجناد الأرض" فقال أبو بكر رضي الله عنه: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: "لأنهم في رباط إلى يوم القيامة". وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إنه لا تزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرض بركة. ويروى عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "إنه ما كاد أهل مصر أحد إلا كفاهم الله مؤنته. وذكر ابن زولاق في كتابه "فضائل مصر": إن في التوراة كتابًا: مصر خزائن الأرض كلها فمن أرادها بسوء قصمه الله. ونقل عن أحمد بن المدبر أنه قال: كشفت أرض مصر فوجدت عامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل سيفتح عليكم مصر بعدي فاستوصوا

قبطها خيرًا، فإن لهم منكم صهرًا وذمة" يعني أن أم إسماعيل عليه السلام كانت منهم. وفي حديث ضعيف جدًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن مصر ستفلتح بعدي فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارًا، فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا" إلى غير ذلك مما يطول إيراده حتى قال أبو سعيد بن يونس: لو تتبعنا الآثار المروية في فضلها لطال بها الشرح جدًا، ولو لم يكن لها من الفضائل إلا كون النيل الذي ثت أنه من أنهار الجنة فيها، وكون قبر إمامنا الإمام الأعظم ناصر السنة الشافعي بها واختار الإقامة بها. وأما الشام، فورد في فضلها: "أن الله قد تكفل لي بالشام وأهله"

و"عقر دار المؤمنين بالشام" و"إن الإيمان حين يقع الفتن بالشام" و"إذا

فسد أهل الشام فلا خير فيكم". و"إنه على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله عصابة يقاتلون لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة" و"الشام صفوة الله من بلاده ويجتبي إليها صفوته من عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته" إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التي ليس هذا محل بسط الكلام عليها. وبالجملة، فالأحاديث في فضل الشام أشهر، وفخرها أظهر وأكثر، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

115 - الحمد لله سئلت عن الوارد في قراءة (الم تنزيل السجددة) عند النوم

115 - الحمد لله سئلت عن الوارد في قراءة (الم تنزيل السجددة) عند النوم. فقلت: وقد وقع لي من طرق أسباط بن محمد، وجرير بن عبد الحميد، وحبان، والحسن بن صالح بن حي، وحفص بن غياث، وداود بن عيسى النخعي. وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري وشيبان بن عبد الرحمن، وعبد السلام بن حرب، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الوارث بن سعيد، وفضيل بن عياض، ومعمر، ومندل بن علي، وموسى بن أعين، وورقاء، وأبي الأحوص سلام بن سليم، وأبي بكر بن عياش، وأبي جعفر الرازي، وأبي سنان سعيد بن سنان الرازي، وأبي عوانة الوضاح، وأبي معاوية الضرير محمد بن خازم، والأوزاعي، والمحاربي، وابن فضل محمد، وآخرين، كلهم عن ليث بن ابي سليم عن أبي الزبير محمد بن مسلم عن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (الم تنزيل)، و (تبارك الذي بيده الملك) وهو مشهور

من حديث ليث بن أبي سليم وتابعه أبو سلمة مغيرة بن مسلم وحماد بن سلمة كلاهما عن أبي الزبير نحوه. وكذا رواه حسن بن قتيبة عن الثوري عن أبي الزبير بدون واسطة بنيهما. لكن للحديث علة وهي: أن أبا الزبير مدلس وقد روي عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أحد المذكورين قال: قلت لأبي الزبير: أسمعت جابرًا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ: (الم تنزيل وتبارك

الذي بيده الملك؟ قال: ليس جابر حدثنيه، حدثني صفوان ـ أو ابن صفوان ـ شك أبو خيثمة ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي وكأن زهيرًا أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر. انتهى. وقد قال الدارقطني: إن قول زهير هذا أشبه بالصواب من قول ليث ومن تابعه، وكذا صوب إثباته الواسطة بين الثوري وأبي الزبير بالنسبة لحديث الثوري. وحينئذٍ فالحديث مرسل، لأن صفوان هو ابن عبد الله بن صفوان بن أمية تابعي. وللحديث شاهد أخرجه أبويعلي من طريق حماد بن زيد عن أبي لبابة ـ هو مروان الوراق ـ عن عائشة رضي الله عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة: تنزيل السجدة، لكن الحديث عند النسائي والترمذي كلاهما من هذا الوجه بلفظ: كان لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل. ووقع عند أبي الشيخ في حديث جابر من الزيادة: "فضلهما على

كل سورة بستين درجة"، ولم يأت بها غيره لكن قد روى الدارمي في مسنده من طريق مسدد في مسنده عن معتمر. ورواه الترمذي في جامعه من طريق فضيل عن ليث عن طاوس قال: تفضلان على كل سورة في القرآن بسبعين حسنة. وهكذا هو مجرد في أصلي ومرجع التثنية لما في الحديث قبله وهو الم وتبارك، فالله أعلم. ومما ورد في فضائل هاتين السورتين، ما أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن من طريق عبد الله بن ضمرة عن كعب ـ هو الأحبار ـ أنه قال: من قرأ في ليلة الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك، كتبت له سبعون حسنة، ومحيت عنه سبعون خطيئة ورفعت له سبعون درجة وهو عند الدارمي في مسنده من هذا الوجه لكن بدون تقييد. ولفظه: من قرأ تنزيل السجدة، وتبارك، كتبت له سبعون حسنة، وحط عنه سبعون سيئة ورفع له بها سبعون درجة، ورواه إسماعيل بن عياش فيما أخرجه ابن الضريس في الفضائل من حديثه عن إسماعيل بن رافع عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه بلفظ: "من قرأ: (الم تنزيل) و (تبارك الذي بيده الملك) في يوم وليلة فكأنما وافق ليلة القدر". وهذا معضل مع ضعف سنده أيضًا. وأخرجه الواحدي من طريق هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة (تنزيل السجدة) و (تبارك الذي بيده الملك) فكأنما أحيا ليلة القدر". وكذا رواه الثعلبي وابن مردويه وغيرهما، وهو في الحديث الطويل الموضوع، مما أخرجه العقيلي وغيره من طريق زيد بن جدعان وعطاء بن ابي ميمونة كلاهما عن زر بن حبيش عن أبي. ورواه الثعلبي من رواية أبي عصمة عن زيد العمي عن أبي نضرة عن ابن عباس عن أبي. وأبو عصمة منكر الحديث وقد وضع حديثًا على عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة. وعند ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه داود بن معاذ، وهو ساقط. وعند أبي الشيخ من طريق طاوس أنه قال: من قرأ سورة (الم تنزيل السجدة) و (تبارك الذي بيده الملك) فكأنما قرأهما في ليلة القدر. قال هشام: فمر عطاء فسالناه فقال: نعم قد بلغني ذلك وما تركتها منذ سمعت هذا الحديث، وكذا جاء عن طاوس أنه لم يكن يدعهما.

فروى ابن الضريس في الفضائل من طريق يحيى بن أبي كثير قال: كان طاوس لا ينام حتى يقرأ هاتين السورتين (تنزيل) و (تبارك). وكان يقول: إن كل آية منهما تشفع ستين آية يعني تعدل ستين آية. ومن فضائلهما ما رواه ابن الضريس أيضًا عن طريق عاصم بن بهدلة عن المسيب بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " (الم تنزيل) تجيء لها جناحان يوم القيامة، تظل صاحبها وتقول: لا سبيل عليه لا سبيل عليه". وهذا مرسل، وللدارمي في مسنده من طريق عبدة عن خالد بن معدان أنه قال: اقرؤا المنجية وهي: (الم تنزيل) فإنه بلغني أن رجلاً كان يقرؤها، ما يقرأ شيئًا غيرها وكان كثير الخطايا فنشرت بجناحها عليه، وقالت: رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتي فشفعها الرب فيه وقال: اكتبوا له بكل خطيئة حسنة وارفعوا له درجة". ومن طريق ابي خالد عامر بن جشيت وبحير بن سعد أن خالد بن معدان قال: إن (الم تنزيل) تجادل عن صاحبها في القبر تقول: اللهم إن كنت من كتابك فشفعني فيه. وإن لم أكن من كتابك فانحني عنه وإنها تكون كالطير تجعل جناحها عليه فتشفع له فتمنعه من عذاب القبر، وفي تبارك مثله. فكان خالد لا يبيت حتى يقرأ بهما. وروى الديلمي في مسنده من طريق الطبراني من جهة سوار بن

مصعب عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما رفعه: "من قرأ (الم تنزيل السجدة) و (تبارك الذي بيده الملك) قبل النوم، نجا من عذاب القبر ووقي الفتانين". وسنده ضعيف. وعند أبي الشيخ من طريق ثابت البناني ورجل آخر أنهما دخلا على مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو مغشي عليه فسطعت منه أنوار ثلاثة: نور من رأسه ونور من وسطه ونور من رجليه فأهالنا ذلك فأفاق فقلنا: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ قال: صالحًا فقلنا: لقد رأينا شيئًا هالنا قال: وما هو؟ قلنا: أنوار ثلاث سطعت منك قال: وقد رأيتم ذلك؟ قلنا: نعم، قال: ذلك (الم تنزيل السجدة) وهي تسع وعشرون آية سطع أولها من رأسي وأوسطها من وسطي وآخرها من قدمي وقد صعدت تشفع لي وهذه تبارك تحرسني قال: فقبض رحمه الله. وعند الديلمي في منسده من طريق الليث عن إسماعيل بن رافع عن أبي فروة الأشجعي رفعه: "من قرأ (الم تنزيل) لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام وقد أورده صاحب الكشا وقال شيخنا في تخريجه تبعًا لأصله لم أجده. وعند أبي الشيخ في الثواب من حديث عائشة مروعًا: "من قرأ في ليلة (الم تنزيل السجدة) و (يس) و (اقتربت الساعة) و (تبارك) كن له حرزًا من الشيطان وبركه، ورفعه الله في الدرجات يوم القيامة". وجاء في تبارك بخصوصها غير ما ذكر، والله الموفق.

116 - الحمد لله وسألني: الفقيه فخر الدين عثمان المقسي نفع الله به عن القرافة وما فيها من كلام

116 - الحمد لله وسألني: الفقيه فخر الدين عثمان المقسي نفع الله به عن القرافة وما فيها من كلام. فكتبت ما نصه: الكلام على ذلك، من أوجه، الأول: في السبب في تسميتها بذلك وهو لأن قبيلة من المعافر تسمى كذلك، نزلت بموضعها وكانت محلة فسمى الموضع باسمها. وقد انتسب إليها من العلماء والمحدثين جماعة، منهم: أبو دجانة أحمد بن إبراهيم بن الحكم بن صالح يروي عن حرملة وغيره، مات في سنة تسع وتسعين ومائة، والشهاب أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي صاحب "التنقيح" وغيره، وأبو شعيرة علقمة بن عاصم المعافري، وابو الحسين علي بن صالح الوزير شيخ لابن ماكولا، وأحد أئمة المالكية في عصرنا الشمس محمد بن أحمد بن عمر بن شرف، ومحمود بن محمد، وأبو الفضل الجوهري، ومن لا ينحصر. وتشتبه هذه النسبة بالقوافي مثلها لكن بواو بدل الراء، وهو عريف القوفي شاعر مشهور، ومثل الأول ولكن بقاف مضمومة بدل الفاء وقبلها موحدة شخص بلخي ذكره الماليني. وذكر الأمير في ترجمة القرافي العراقي والعرافي، والله أعلم. الثاني: في اشتهار كونها مقبرة للمصريين حتى قال ابن الأثير وغيره: القرافة مقبرة مصر. فروي ابن عبد الحكم في فتوح

مصر من طريق ابن لهيعة أن المقوقس قال لعمرو رضي الله عنه: إنا نجد في كتابنا أنه ما بين هذا الجبل يعني المقطم وحيث نزلتم نبتت فيه شجرة الجنة، فكتب بقوله إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صدق، فاجعلها مقبرة للمسلمين. ومن طريق الليث رحمه الله قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه المقطم بسبعين ألف دينار فعجب عمرو من ذلك وقال: اكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر: سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزدرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها فسأله فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب، إن فيها غراس الجنة، فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر: إنا لا نعمل غراس الجنة إلا المؤمنين فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين، ولا تبعه بشيء وكان أول من دفن فيها رجل من المعافر يقال له: عامر فقيل: عمرت، فقال المقوقس لعمرو كما رواه ابن عبد الحكم أيضًا من طريق ابن وهب عن عمارة بن عيسى-: ما عاهدتنا على ذلك فقطع لهم الحد الذي بين المقبرة وبينهم، وقال غير عمارة: فقبر فيها من عرف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي من طريق ابن لهيعة عن من حدثه تسمية خمسة نفر دفنوا بها وهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن حذافة السهمي، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني، زاد غيره: ومسلمة بن مخلد الأنصاري. انتهى.

وفي لفظ عند الكندي في فضائل مصر: أن عمرًا كان يسيح في سفح الجبل المقطم ومعه المقوقس فقال له عمرو: ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام فلو شققنا فس سفحه نهرًا وغرسناه نهرًا؟ فقال المقوقس: وجدنا في الكتب أنه كان أكثر الجبال أشجارًا ونباتًا وفاكهة وكان ينزله المقطم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح علهي السلام فلما كانت الليلة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام أوحى الله عز وجل إلى الجبال أني مكلم نبيًا من أنبيائي على جبل بيت منكم فشمت الجبال كلها وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر، فأوحى الله إليه ـ وهو أعلم به ـ لم تفعل هذا؟ فقال: إعظامًا وإجلالاً لك يا رب فأمر الله الجبال أن يجئه كل جبل بما فيه من النبات فجاد له المقطم بكل ما عليه من النبات حتى بقي كما ترى، فأوحى الله إليه: إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غراس الجنة، فكتب عمرو بذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر: إني لا أعلم غراس الجنة إلا المؤمنين، فاجعله لهم مقبرة، فغضب المقوقس من ذلك وقال لعمرو: ما على هذا صالحتني، فلقطع له قطيعًا نحو الحبش يدفن فيه النصارى. قال: وروي أن موسى عليه السلام سجد فسجدت معه كل شجرة من المقطم إلى طرا. وروي أنه مكتوب في التوراة وادي سفحة مقدس يريد وادي موسى عليه السلام بالمقطم، عند مقطع الحجارة وأن موسى عليه السلام كان يناجي ربه بذلك الوادي. وروى أسد بن موسى قال: شهدت جنازة مع ابن لهيعة فجلسنا حوله فرفع راسه إلى الجبل فقال: إن عيسى بن مريم عليه السلام مر بسفح

هذا الجبل وعليه جبة صوف وقد شط وسطه بشريط وأمه إلى جانب فالتفت إليها وقال: يا أمه! هذه مقبرة أم محمد صلى الله عليه وسلم. وروى ابن لهيعة عن عباس بن عباس أن كعب الأحبار سال رجلاً يريد مصر فلقال له: أهد لي تربة من سفح مقطمها فأتاه منه بجراب فلما حضرت كعبًا الوفاة أمر به فجعل في لحده تحت جنبه. قلت: والمقطم كما قال ابن لهيعة: هو ما بين القصير إلى مقطع الحجارة وما بعد ذلك فمن اليحموم جبلاً آخر. وروي كما أورده ابن عبد الحكم عن أبي قبيل المعافري: أن رجلاً سال كعب الأحبار عن جبل مصر فقال: إنه لمقدس ما بني القصير إلى اليحموم. قال ابن لهيعة: وليس هذا بقصير موسى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه موسى الساحر. وروى ابن عبد الحكم من طريق المفضل بن فضالة عن أبيه قال: دخلنا على كعب الأحبار فقال لنا: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل مصر، فقال: ما تقولون في القصير؟ قال: قلنا: قصير موسى، فقال: ليس هو بقصير موسى ولكنه قصير عزيز مصر كان إذا جرى النيل ترفع فيه وعلى ذلك إنه لمقدس من الجبل إلى البحر قال: ويقال: إنهكان موقدًا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من "منف" إلى عين شمس، وكان على المقطم موقد آخر،

فلما رأوا النار علموا ركوبه له ما يريد، وكذلك إذا ركب منصرفًا من عين شمس، انتهى. و"منف" قيل: إنها كانت دار الملك بمصر في قديم الدهر في غربي النيل على مسافة اثنى عشر ميلاً من الفسطاط. الثالث: اختلف نظر الأئمة في ذلك هل هو وقف أو إرصاد، ومال إلى الثاني الشيخ شهاب الدين الأنصاري وهو أبو شامة فيما أظن قال: لأن التحبيس كما هو ظاهر الحال لا يستبد به أمير الجيوش بل لابد من إعلام الإمام وإذنه كما فعل في الإسكندرية فإنها فتحت عنوة فطلب الغانمون قسمتها بينهم فشاور عمرو عمر رضي الله عنهما ووقفها وما هي مشتملة، فاستنزل الغانمين عنها وجعلها وقفًا على المسلمين. وهكذا أرض السواد وما جرى مجراها مما يراد تحبيسه قال: ولم ينقل في هذه الواقعة إنه استشار عمر ولا أن عمر حبسها، فيكون من باب الإرصاد لدفن الموتى لمصالح رآها عمرو، وإذا كان كذلك فكل إرصاد بالاجتهاد يجوز لمن بعده من الأئمة تعبيره في المستقبل دون ما مضى لمصلحة مماثلة أو مقارنة بخلاف ما إذا كانت المصلحة المنتقل إليها دونها، هذا بالنسبة إلى الجواز، وأما لو فعل الإمام فعلاً فالوجه تنفيذه ولو خلا عن المصلحة، وكان الأول مشتملاً عليها. وما ادعاه من عدم استشارة عمر في هذه الكائنة ممنوع بما تقدم، ولكن قد تمسك الشهاب أيضًا لما مال إليه بأن الوقف لا يثبت عند الشافعي وغيره بأخبار الآحاد قال: ويشهد لذلك استشكال مذهب الشافعي في الحكم في خراج السواد بأنع مر وقفها بأنه لابد من مشاهدة العاقد وسماع

كلامه، وإذا لم يكن كذلك لا تسوغ الشهادة بأن فلانًا حبس أو وقف، نعم، يشهد فيه بالاستفاضة قال: ولو لم يعتمد الإرصاد لكان خرقًا لإجماع السلف، لأنهم شاهدوا هذه القرافة الكبرى والصغرى من الزمان المتقدم، وما بني فيها من الترب والدور والمدافن ولم ينكر ذلك أحد من علماء الأعصار لا بقول ولا بفعل بل بنوا قبة الإمام الأعظم الشافعي رضي الله عنه ورحمه، وسائر المزارات، وفي كل هذا دلالة على أنهم رأوا ذلك إرصادًا ولم يروه وقفًا وحبسًا على هذه الجهة المعينة وإلا كان يجب هدم كل بناء ولا يعذر ويمنع المرور للتفرج والاستراحة لأنها مستحقة لمنفعة معينة فلا يجوز في غيرها، قال: والمسألة محتملة جدًا. وجزم بالثاني أعني كونها وقفًا لا إرصادًا ابن بنت الجميزي والظهير الترمنتي فأفتى كل منهما بهدم ما بني فيها فحكم ابو عبد الله اب نالحاج من المالكية في مدخله عن من يثق به أن الملك الظاهر بيبرس صاحب الظاهرية كان قد عزم على هدم كل ما القرافة من بناء ووافقة الوزير على ذلك في الظاهر وصار يفند واحتال عليه بأن قال له: إن فيها مواضع للأمراء وأخاف من وقوع فتنة بسبب ذلك، واراي أنتستفتي العلماء ليكون ذلك مانعًا لتشويشهم وغيرهم، فاستحسن ذلك وأمر فاستفتي الظهير التزمنتي وابن بنت الجميز ونظراؤهما فاتفقوا على أنه يجب على ولي الأمر هدم ذلككله وإلزام أصحاب البناء بنقل ترابه إلى الكيمان، ولميختلف في ذلك أحد منهم، ولم يلبث أن سافر الظاهر إلى الشام فمات هناك، قال ابن الحاج: فهذا إجماع هؤلاء المتأخرين فكيف يجوز البناء فيها، بل كل من فعل فقد خالفهم.

قلت: وحكى ابن الرفعة عن شيخه الظهير عن ابن بنت الجميزي قال: جاهدت مع الملك الصالح في هدم ما أحدث بقرافة مصر من البناء فقال: أمر فعله والدي ـ يعني الملك الكامل ـ فإنه الذي عمر قبة الإمام الأعظم الشافعي رحمه الله لا أزيله، قال: ودخل الظهير إلى صورة مسجد بناه بعض الناس بقرافة مصر الصغرى فجلس فيه قبل أني صلي له تحية، فقال له بانيه: هلا صليت التحية، فقال: إنه غير مسجد لأن المسجد هو الأرض، والأرض مسبلة لدفن المسلمين أو كما قال. حكاه البدر الزركشي قال: وهذا أمر قد عمت به البلوى، وطمت، ولقد تضاعف البناء حتى انتقل للمباهاة والتنزه بعد أن كان للاعتبار وسلطت المراحيض على أموات المسلمين من الأشراف والأولياء وغيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله. قلت: وظاهر كلام شيخنا رحمه الله التوقف في ثبوت الدليل، ونص قوله جوابًا لسائل سال: قد اشتهر في السفح ما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه جعلها مرصدة لدفن المسلمين ولا يلزم من ذلك امتداد السبيل لما لا يطلق عليه اسم السفح بل إذا ثبت ذلك كان ما عدا السفح حكمه حكم الموات، انتهى بحروفه وهو كلام جيد. وسبقه الولي العراقي رحمه الله فقال جوابًا لمن سأله عن التراب المتخذة بباب النصر كتربة الصوفية وما يحاذيها: هل يجوز لغير من أنشأها أو من أذن له في إنشائها أن يقبر بها ميتًا بغير إذنه أو بغير إذن من هو قائم مقامه كالناظر مثلاً أو لا؟ وإذا لم يجز ذلك فتعرض شخص لموضع منها واساء على القائم بمصالحه بحيث ربما يؤدي لتعطيله فماذا يجب عليه؟ وهل أراضي هذه الترب من الأموات الذي يملك بالإحياء أم لا؟ ما نصه: هذا موت يملك بالإحياء كغيره من الموات ولم يزل الناس على ذلك، يبنون في تلك الموات فيصير الموضع ملكًا للباني فيه، وترفع الأوقاف فيه

إلى القضاة فيحكمون بصحفتها أو موجبها، وما يتخيل من وقف عمر رضي الله عنه لذلك، لم يثبت، ولو ثبت فلا يتحق أن تلك المواضع من جملة الوقف، فلا يجوز لأحد الدفن فيما أحيي من ذلك إلا إن كان مملوكًا أو موقوفًا على الدفن فيه مطلقًا، أو على دفن من طائفة مخصوصة وذلك المدفون منهم. أما الموقوف على جهة غير الدفن أو على دفن طائفة مخصوصة فلا يجوز لغير الموقوف على دفنهم أن يدفنوا فيه فإن فعل فيه ذلك فقد دفن في أرض مغصوبة، فينبش ويخرج منها كالدفن في سائر الأراضي المغصوبة ويزجر المخالف لذلك ويمنع منه، والله أعلم. الرابع سئل: شيخنا رحمه الله أيضًا: هل يجوز لليهود المرور بها ـ يعني القرافة ـ أو لا؟ ويكون مانعهم مصيبًا؟ فقال ما نصه: أما المرور في الطريق الجواد المشتركة، فلا يمنع منه، وأما المرور بين قبور المسلمين، فيمنع منه اليهود والنصارى لما فيه من الامتهان وقد ورد النهي عن المشي بين القبور بالنعال وذلك في حق المسلم فما الظن بالكفار على الصورة المذكورة؟ فالذي يمنعهم من ذلك مصيب والحالة هذه. قلت: ولذلك أغلظ فقيه المذهب الشرف المناوي رحمه الله على من رآه من نوابه يماشي يهوديًا هناك، وسارع بعض من لا يعلم إلى إنكاره جريًا على العادة في تحريفهم الحسنات، والأعمال بالنيات، والله الموفق.

117 - الحمد لله سئلت عن عامي يروي الحديث النبوي في الجنينة ونحوها من الأماكن المعروفة بما لا يليق؟

117 - الحمد لله سئلت عن عامي يروي الحديث النبوي في الجنينة ونحوها من الأماكن المعروفة بما لا يليق؟ فأجبت: الأدب أن لا يروي حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة متمكنًا في الجلوس مع الوقار والهيبة إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إذا كان أهلا، فأما من لم يكن أهلاً لإيراد الحديث كأكثر العوام خصوصًا من يجعل إيراده وسيلة لمقاصده الفاسدة وأموره التي لا يليق ويكون مع هذا كله في غير الأمكنة الشريفة بالألفاظ المحرفة، فهؤلاء يرفع أمرهم إلى الحكام من أهل العلم ويفعل معهم ما يستحقونه من الزجر وشبهه. وربما يتضح له بقرائن الأحوال والمشاهدة ما يكون صاحبه يستوجب أكثر من ذلك، وقد صرح بعض العلماء بأنه يحرم على المرء أن يجزم بنسبة شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذه عن إمام معتمد من أئمة الحديث صونًا للحديث النبوي عن أن يدخل فيه ما ليس منه، والله الموفق. 118 - الحمد لله وسئلت: عن بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا: فأجبت بما نصه: نعم قد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم

من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائمًا" واختلف في السبب في ذلك فروى عن إمامنا الشافعي رحمه الله أن العرب كان تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما قال: فيرى أنه كان به صلى الله عليه وسلم وجع الصلب إذ ذاك، وروي نحوه عن الإمام أحمد وقيل: إن الوجع كانبركبته لما روي في حديث. ضعفه البيهقي والدارقطني من حديث أبي هريرة قال: إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا لجرح كان بمأبضه، والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة هو باطن الركبة، فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح لكان قاطعًا للنزاع. وقيل: إنه لم يجد مكانًا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من اسباطة كان عاليًا مرتفعًا فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله، قاله ابن حبان وذكر المازري والقاضي عياض وجهًا رابعًا وهو أنه بال

قائمًا لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر بخلاف القعود، ومنه قول عمر رضي الله عنه: "البول قائمًا أحصن للدبر" قال النووي رحمه الله: "ويجوز وجه خامس وهو: أنه صلى الله عليه وسلم فعله بيانًا للجواز في هذه المرة. وقال المنذري: أو لعله كان فيها نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن يتطاير عليه كذا قال، ولعل القائم أجدر بهذه الخشية. وقيل: لأن السباطة رخوة يتحللها البول فلا يرتد إلى البائل شيء من بوله.

119 - [مسألة في التعمير] الحمد لله: وقع الكلام فيما يتداوله التجار ونحوهم من الإخبار بوجود معمر جاز سنة أربعمائة سنة أو نحوها

119 - [مسألة في التعمير] الحمد لله: وقع الكلام فيما يتداوله التجار ونحوهم من الإخبار بوجود معمر جاز سنة أربعمائة سنة أو نحوها. فأنكرت ذلك محتجًا بأن أئمة الحديث وحفاظه المرجوع إليهم أورددوا جمعًا من أهل هذا القبيل على سبيل الإنكار وصرح بعضهم بأنه لا يفرح بما يكون من ذلك من له عقل، ونحوه قول شيخنا رحمه الله: كل ذلك يعني المروي من طريقهم مما لا أعتقد عليه ولا أفرح بعلوه ولا أذكره إلا استطرادًا إذا احتجت إليه للتعريف بحال بعض الرواة، وذكر في اللسان منهم جماعة وكشف حالهم وكذا بين في القسم الرابع من الإصابة الموضوع لمن ذكر فيهم غلطًا أو على سبيل الوهم من ذكر فيهم منهم. وقال في المشتبه ما نصه: واشتهر بين العوام وغيرهم ممن ليس الحديث صناعته أن في الصحابة رجلاً يقال له المعمر، عاش دهرًا طويلا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مفترى له وجود له في الخارج. وذكر الذهبي في الميزان منهم عدة. ويشهد لذلك قول أبي عبد لله الشقاق من الشافعية بعد حكاية التقدير في مدة المفقود بمائة وعشرين سنة، الذي حدد به بعض الحكماء العمر الطبيعي عن رواية اللؤلؤي والجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ما نصه: وهو فاسد. قلت: وكثيرًا ما كنت أسمع شيخنا يطعن فيمن يدعى التعمير أو يدعى له ولا يلزم من كل ذلك استحالة وقوع هذه المدة أو دونها أو أكثر منها عقلاً فإن العقل لا يستحيله، ولكن إنما النزاع في ثبوته بالسند

الصحيح كما اقتضاه صنيع شيخي رحمه الله فإنه عقب حكاية أكثر الأقوال في تعمير سلمان الفارس رضي الله عنه أزيد من مائتين وخمسين سنة. وقول الذهبي الحافظ: ظهر لي أنه مازاد على الثمانين قال ما نصه: لم يذكر الذهبي مستنده في ذلك. قال: وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجه امرأة من كندة وغير ذلك مما يدل على بقاء بعض النشاط قال: لكن إن ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقه وما المانع من ذلك! انتهى. وقد سمع الحافظ الجمال المراكشي ورفيقه شيخنا النور الأبي اليماني رحمهما الله بالإجازة العامة من شخص اسكندري زاد سنه على مائة وعشرين سنة كانت مخايل الصدق عليه ظاهرة باعتبار اشتهار صدقه، ونقل أهل الإسكندرية عن من تقدمهم الاعتراف له بقدم السن وطلوع الشعر الاسود بلحيته ونبات أسنان جدد وغير ذلك. وامتنع الحافظ التقى الفاسي من اعتماد قول شخص كان في بلد الخليل عليه السلام يقال له: إبراهيم بن حجي يزعم بعد العشرين وثمانمائة أن مولده سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقال: إنه امتحنه في ذلك فعرف أنه تجاوز الحد في مولده وإنه يمكن أن يكون في حدود

الأربعين أو قبلها، انتهى. وكانت وفاته في مستهل ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. وكذا أنكر أهل النقد على الشهاب بن الناصح المقدسي ما نسب إليه من الرواية عن شخص يقال له: الحمال عبد الله العجمي، قيل: إنه ولد في سنة ست وأربعين وخمسمائة، وأنه مات في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة عن الشيخ عبد القادر الكيلاني، واغتر بذلك جماعة من المتصوفة في أجائزهم، ولم يوافق عليه من يعتمد، وبلغني عن شيخ من أئمة الفرائض والقراءات كان يقال له الشهاب الشارمساحي ادعي التعمير، وأنه زاد سنه على مائة وسبعين وهرع إليه خلق حتى بعض من ينسب إلى الحديث فسمعوا منه وشاع أمره حتى سمعته بالبلاد الشامية في رحلتي إليها فتطلبت أوراق إجازاته فتحرر لي منها أنه نحو الثمانين فإنه عرض محافيظه على ابن المقلن ومن في طبقته كما بينته في غير هذا المحل. ثم وجدت الصلاح الصفدي في تذكرته تكلم في تقوية وجود رتن الهندي وأنكر على من ينكر وجوده كشيخه الذهبي، وعول في ذلك على مجرد التجويز العقلي لكن قد تعقبه شيخي بنحو ما قدمته فقال: وليس النزاع فيا لمكان العقلي إنما النزاع في تجويز ذلك من قبل الشرع. وسبق شيخنا إلى ذلك البرهان ابن جماعة فكتب بخطه في حاشية ما

نصه، تجويز الصفدي الوقوع لا يستلزم الوقوع إذ ليس كل جائز بواقع. انتهى. ويساعد إنكار هذا من حيث النقل دعوى القاضي شمس الدين ابن خلكان في ترجمته الحافظ أبي طاهر السلفي من تاريخه أنه ما علم أن أحدًا منذ ثلاثمائة سنة إلى الآن بلغ المائة فضلاً عن أنه زاد عليها سوى القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري فإنه عاش مائة سنة وسنتين، لكن دعوى العمر متعقبة فالذين جازوا المائة جمع أفردهم الذهبي بتأليف رتبه على السنين وزاد عليه شيخنا لكن رتبه على الحروف، واشار الذهبي إلى أن بعض الناس أنكر أن يكون أحد من هذه الأمة يتعدى المائة محتجًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما رفعه "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه ليس من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة" وهو متفق عليه قال

الذهبي: وهو حق فما أتى على أحد ممن كان حيًا وقت مقالته بعد ذلك مائة سنة، وكان آخرهم موتًا أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم موتًا فقال المخالف: فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعد المائة لا تبقى عين تطرف، فكذلك يكون القرى الذي يليه، قال الذهبي: وهذا لا ينهض فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله ولا هو داخل في عموم نصه وقد جزمنا بوجود من جاوز المائة بعد ذلك من أمته. انتهى. وممن أنكر أنه يعيش مائة سنة أبو أمامة ابن النقاش متمسكًا بما ورد في بعض طرق الحديث المشار إليه بلفظ: "لا يأتي مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف" وتعقبه الزين العراقي وقال: إنه استدلال عجيب لأنه تمسك بالإطلاق وأعرض عن المعنى الذي ورد فيه والمطلق محمول

على المقيد. انتهى. وكل هذا لا ينافي الحديث الذي حسنه الترمذي وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك". إذ كل من ثبتت زيادته على ذلك يكون من القليل، بل روى أبو حفص بن شاهين من طريق حماد بن عمرو النصيبي ـ وهو متروك ـ عن السري بن خالد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة أمنه الله من البلايا الثلاث: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا أتت عليه خمسون سنة وهو الدهر خفف الله عليه الحساب، فإذا أتت عليه ستون سنة وهو في إقبال، وبعد الستين في إدبار رزقه الله عز وجل الإنابة إليه فيما يحب، وإذا أتت عليه سبعون سنة أحبه أهل السموات، وصالحوا أهل الأرض، وإذا أتت عليه ثمانون سنة كتبت له حسناته ومحيت عنه سيئاته، فإذا أتت عليه تسعون سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإذا أتت عليه مائة سنة كتب الله عز وجل اسمه أسير الله في أرضه وكان حبيس الله، وحق على الله أن لا يعذب حبيسه". ولهذا الحديث طرق لكن ليس في شيء منها: "فإذا بلغ مائة" إلا في هذه الطريق، وكذا في طريق أخرى عند ابن شاهين أيضًا من حديث عبد الحميد بن عدي الجهني عن ثابت بن عدي الحمصي عن أبيه عن أنس

بن مالك رضي الله عنه فذكر نحوه، لكن قال في آخره: "فإذا بلغ مائة سنة استحيي الله منه أن يعذبه". إذا عرف هذا فمن جاز المائة في الجاهلية كثير جدًا، ثم تقاصرت الأعمار فكان من جازها من الصحابة وغيرهم من المخضرمين قليلاً بالنسبة لمن جازها من قبلهم، واقتصر على الاعتناء بأخبار المعمرين من أهل الجاهلية، وصدر الإسلام غير واحد. قال الذهبي: ومن بديع حكمته سبحانه وتعالى أنه طول في أعمار الأولين فطول آمالهم حتى عمروا المدائن وخددوا الأنهار، وقصر أعمار المتأخرين فقصر آمالهم لكنهم عوضهم عن ذلك بقلة بقائهم تحت التراب بالنسبة إلى الأوائل. ومن لطائف صنعته أنه لما طول أعمار الصدر الأول قواهم وأحكم بنيتهم ومتعهم بحواسهم يعني بخلاف كثير من المتأخرين (إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب). قائدة بل نادرة: كان العلامة المحب محمد بن العلامة الثقة الشهير صاحب التصانيف السائرة شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد المقدسي عرف بابن الهائم آية من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة حتى تجرمه شيخنا رحمه الله في تاريخه بأنه أذكى من رآه من البشر قال: ومولده في سنة ثمانين أو إحدى وثمانين. قلت: وجزم بالأول في القسم الأخير من معجمه وهو الصواب،

وقال في كل من تاريخه ومعجمه: أنه حفظ القرآن وهو صغير جدًا ثم نقل في معجمه عن خط البرهانالمحدث بحلب أنه رآه في سنة خمس وثمانين أو في التي بعدها مع أبيه بمدرسة البلقيني وهو يريد أن يعرض العمدة وقد حفظ القرآن قال ـ يعني البرهان ـ: وأخبرني بعض الفضلاء أنه عرض العمدة إذ ذاك على البلقيني وكان منذ عمره سبع سنين يسأل عن الآية، فيجيب بما قبلها وما قبل قبلها وهلم جرا لشدة حفظه. انتهى. وما تردد فيه البرهان من وقت العرض قد جزم بالأول منهما شيخه حافظًا الوقت الزين العراقي بل حقق أنه كان ابن خمس سنين، وعبارته كما نقلته من خطه بعد أن ذكر خطبة لكتابه "العرض": وكان من مواهب الله الجسمية، وعجائب مخلوقاته العظيمة، الولد النجيب وسماه ثم قال: فرزقه الله ذكاءً ونباهة وحفظًا وفهمًا، وجعله مقدامًا على عساكر العلوم، وشهمًا فحفظ كتاب الله العزيز حاظًا متينًا وقد استكمل من العمر خمسًا سنينًا، وحفظ أيضًا في هذا السن كتاب العمدة في الأحكام، وجملة صالحة من الكافية الشافية لابن مالك وهو في هذا السن، تذكر له آية من الكتاب العزيز ويسال عما قبلها فيجيب بجواب صحيح وجيز، وقد جربته في ذلك أنا وغيري في مرات عديدة، والمرجو من الله أن يرزقه فوق ذلك ويزيده، وقد عرض علي مواضع متفرقة من العمدة للحفاظ عبد الغني المقدسي عرضًا حسنًا متقنًا أجاد حفظها، وسرد لفظها، اقرأ الله به عين أبيه، وبارك له وللمسلمين فيه. وكان عرضه لذلك في يوم الثلاثاء، الثالث والعشرين من شهر رجب الفرد سنة خمس وثمانين وسبعمائة بجامع القلعة، وأجزت له ثم ذكر سنده بالعمدة. وقنلت كل ذلك من خطه بلا

واسطة، ومما ترجم به شيخنا المحب المذكور سوى وصفه له بما تقدم قوله إنه حفظ الكثير من لامختصرات واشتغل بالفقه والعربية والقراءات والحيدث ومهر في الجميع في أسرع مدة. وحبب إليه طلب الحديث فسمع الكثير وتخرج في أسرع مدة ورحل إلى دمشق فسمع من ابن الذهبي وغيره ثم صنف وخرج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيرًا وسمعت بقراءته المنهاج على شيخنا برهان الدين وكتب لي تقريظًا على بعض تخاريجي مع الدين والتواضع والبشاشة ولطف الذات وحسن الخلق والصيانة وكانت وفاته في رمضان سنة ثمان وتسعين وأصيب به أبوه واسف عليه كثيرًا عوضه الله الجنة. قلت: وذكر النووي رحمه الله في "تهذيب الأسماء واللغات" ما نصه: روينا عن سعدان بن نصر قال: قال سفيان بن عيينة: قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت الحديث وأنا ابن سبع سنين. انتهى. وروى الخطيب أنه سمع القاضي أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن اللبان الأصبهاني يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، وذكر حكاية أوردها العراقي في سماع الصغير من شرح الألفية. وحكى لي الشيخ عز الدين السنباطي أن الشيخ شمس الدين ابن المصري توفي له ولد في سنة سبع وعشرين كان حفظ القرآن وهو ابن ست، ورام الصلاة به على العادة في تلك السنة، فحصل له صرع في ليلة ومات ففجع به أبوه ولم ينفك عن ملازمة قبره حتى سافر لبيت المقدس على مشيخة الباسطية، وكان قد عمل له خطبة افتتحها بقوله: الحمد لله الذي أهلني لحفظ كتابه في السادسة من عمري، وأشار الصغير المشار إليه

على أبيه أن يجعل بدل السادسة السابعة خوفًا من العين، فكان ذلك أيضًا من ذكائه. وقد روينا أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله أستأذن على جعفر بن محمد فبينا هو جالس في دهليزه ينتظر الإذن إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار، قال أبو حنيفة: فأردت أن أسبر عقله، فقلت: أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غلام؟ قال: فالتفت إليَّ مسرعًا فقال: توق شطوط الأنهار ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقوارع الطرق، وتوار خلف جدار وأشل ثيابك، وسم بسم الله وضعه أين شئت، قال أبو حنيفة رحمه الله فقلت: له: من أنت؟ فقال: أنا موسى بن جعفر. والله الموفق.

120 - سئلت: عن حديث في [صحيح] ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئا قال: واشار بالسبابة والتي تليها. ولا شك في عصمة الأنبياء، فما معنى ذلك؟

120 - سئلت: عن حديث في [صحيح] ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئًا" قال: واشار بالسبابة والتي تليها. ولا شك في عصمة الأنبياء، فما معنى ذلك؟ فأجبت بما نصه: أما الحديث، فهو في موضعين من صحيح ابن حبان ولظفه في أحدهما: "لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان ـ يعني الإبهام والتي تليها ـ لعذبنا ثم لم يظلمنا شيئًا". ولفظه في الآخر: "لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئًا" قال: واشار بالسبابة والتي تليها. وأخرجه بنحو اللفظ الأول أبونعيم في الحلية ورجاله ثقات، مخرج لهم في الصحيحين وهو وإن كان مداره على حسين بن علي

الجعفي كما جزم به أبو نعيم وقال: إنه غريب، فهو من الأفراد الصحيحة، ولذا صححه ابن حبان وهو من رواية حسين المذكور عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. قلت: ودعوى ابي نعيم أنه غريب ليست بجيدة، فقد رواه البيهقي في أوائل فصل ما في الأوجاع والأمراض والمصيبات من الكفارات من الشعب. من طريق محمد بن سهل بن عكسر عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولظفه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يؤاخذني الله بما جئت هؤلاء ـ يعني يديه ـ لأوبقني" وقال: إنه غريب بهذا الإنساد تفرد به ابن عسكر. انتهى. وأما عصمته صلى الله عليه وسلم، فهو وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها، وما ورد عنهم من شدة الخوف من الله عز وجل فهو محمول على أنه خوف إعظام، وتعبد لله عز وجل، لأنهم قد آمنوا قطعًا، وكذا ما جاء عنهم من الاستغفار وشبهه فهو أيضًا على وجه ملازمة الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير، شكرًا لله على نعمه وأيضًا فلتقتدي بهم الأمم وتستن بهم فلا يتكل أحد من الأمة ـ وإن عظم ـ على فعل الطاعات، وإن كان مجتهدًا في إتيانها، وفي الإشارة إلى الإصبعين إيماء إلى مزيد الاهتمام بالخوف، فإنه إذا كان هذا القدر اليسير يقتضي ذلك فكيف بما هو أعلى، ويساعد هذا إيراد الحافظ الزكي المنذري له في الترهيب من ارتكاب الصغائر وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء: قل لعبادي الصديقين: لا تغترو بي فإني إن أقم عليهم قسطي وعدلي أعذبهم غير ظالم لهم، وقل

لعبادي المذنبين: لا تيئسوا من رحمتي فإنه لا يكبر على ذنب أغفره لهم" وفي دق حديث آخر: "لو أن الله عذب أهل سماواته وأرضيه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم".ولا شك أن جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمته مقتضية لشكرها وهو لم يقم بشركها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم، وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرًا من عمله إلى غير ذلك مما لا نطيل بإيراده، وفي التنزيل: (يرجعون رحمته ويخافون عذابه ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) إذا عُلم هذا فقد بوب ابن حبان لهذا الحديث في أحد الموضعين: ذكر الخبر الدال على أن على المرء الرجوع باللوم على نفسه فيما قصر في الطاعات وإن كان سعيه فيها كثيرًا، وقال في الموضع الآخر: الإخبار عن ترك الاتكال على الطاعات وإن كان المرء متجتهدًا في إتيانها.

121 - الحمد لله سئلت: عن الحديث الوارد في إكرام الخبز

121 - الحمد لله سئلت: عن الحديث الوارد في إكرام الخبز. فقلت: إنه روي من طرق، منها: ما أورده البغوي في «معجم الصحابة» وعنه المخلص فقال: حدثنا محمد بن زياد بن فروة أبو روح البلدي حدثنا أبو شهاب الحناط عن طلحة بن زيد عن ثور بن يزيد عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا الخبز فإن الله أنزل معه بركات من السماء، وأخرج له بركات من الأرض» ومن طريق البغوي أورده أبو نعيم في «معرفة الصحابة» قال: ورواه أحمد بن يونس عن ابن شهاب به، كذا قال. ورواية ابن يونس وهو ممن نسب إلى جده فإنه أحمد بن عبد الله بن يونس، قد أخرجها تمام في «فوائده» من حديث أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو عن أحمد بن يونس عن طلحة بن زيد بلا واسطة ومع ذلك فإنما قال عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: «أكرموا الخبز فإن الله عز وجل أنزل له بركات السماء وأخرج له بركات الأرض». وأشار إلى هذه الرواية أبو نعيم في «المعرفة» أيضًا فقال: ورواه إبراهيم

ابن أبي عبلة عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو ثم نبه على الاختلاف فيه على إبراهيم أيضًا فقال: ورواه غياث بن إبراهيم عن إبراهيم فقال: عن عبد الله بن أم حرام. قلت: وهذه الرواية عند الطبراني في بعض تصانيفه وعنه أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن الجعد عن غياث عن إبراهيم بن أبي عبد الله سمعت عبد الله بن أم حرام الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخبز فإنه سخر له بركات السماوات والأرض" وتوبع غياث على هذه الرواية، وذلك فيما أخرجه البزار والطبراني وتمام والعقيلي جميعًا من حديث عبد الملك بن عبد الرحمن أبي العباس الذماري الشامي عن إبراهيم به. لكنه وقع في الطبراني تسميته عبد الله بن عبد الرحمن الكناني ولفظ هذه المتابعة: "أكرموا الخبز فإن الله تبارك وتعالى أنزل له

من بركات السماء، وسخر له بركات الأرض ومن يتبع ما يسقط من السُفرة غفر له". وهذه الجملة الأخيرة مروية في "الأطعمة" لعثمان الدارمي من حديث مروان بن سالم بن إسماعيل عن ابن الحجاج بن علاط عن أبيه وكانت له صحبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل ما يسقط من المائدة لم يزل في سعة من الرزق ووقي الحمق في ولده وولد ولده". وهي بنحوها عن أنس وجابر وابن عباس وابي هريرة لكن لا نطيل ببيانها، وهذه الروايات مع اختلافها لا تخلو من طعن فطلحة قال فيه أحمد في إحدى الروايتين عنه، وأبو داود، وابن المديني: أنه يضع الحديث. وقال أحمد في الرواية الأخرى: ليس بذاك، فقد حدث بأحاديث مناكير. انتهى. وليس بطلحة بن عمرو الحضرمي، وإن وقع في خط شيخي رحمه

الله مقلدًا لابن الجوزي فيه وقال بناء على ذلك: أنه متروك. ويزيد والد عبد الله، قال فيه أبو نعيم: إنه مجهول. وغياث كذاب بل رمى بالوضع وقال غير واحد: إنه متروك. وعبد الملك كذبه الفلاس، ومن طرقه أيضًا ما رواه ابن قتيبة في كتاب "تفصيل العرب" قال: حدثنا يزيد بن عمرو حدثنا أيوب بن سليمان عن محمد بن زياد يعني الميموني عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض" وابن زياد رمي بالكذب والوضع.

ويروى عن ابن عباس أيضًا مما رواه عبد الرحمن بن حبيب عن إسحاق بن نجيح الملطي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استخف قوم بحق الخبز إلا ابتلاهم الله بالجوع". وإسحاق مرمي بالوضع أيضًا. ومنها ما رواه المخلص وتمام معًا من حديث أبي أسامة ـ هو عبد الله بن محمد بن أبي أسامة ـ الحلبي عن إسحاق ـ هو ابن الأخيل ـ عن نمير الوليد بن نمير بن أوس الدمشقي عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخبز فإن الله عز وجل سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر وابن آدم". وإلى هذه الرواية أشار ابن الصلاح في ترجمة ابن عبدان من "طبقات

الشافعية" له فقال: روينا بالإسناد عن ابن عبدان بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر له بركات السموات والأرض والحديد والبقر"، وعند المخلص وتمام أيضًا بهذا السند مرفوعًا: "اللهم متعنا بالإسلام وبالخبز فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا حججنا ولا غزونا". ومن طريق المخلص أورد هذه الجملة الديلمي في مسنده وفي آخره: فقيل: يا رسول الله! أكل هذا؟ قال: "نعم حدثني جبريل عن ربي تبارك وتعالى قال: إن الله تكفل لكم أرزاقكم وإن أرزاقنا الخبز والحنطة". وعبد الله متهم بالوضع، ولابن حبان وعند الدارقطني من حديث عاصم بن عصام البيهقي ـ وهو ثقة ـ حدثنا أبو أشرس الكوفي حدثنا

شريك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قالوا: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على كسرة ملقاة فقال: "يا حميراء أحسني جوار نعم الله عليك فبالخبز أنزل الله المطر، وبالخبز أنبت النبات، وبالخبز صمنا وصلينا وحججنا وجاهدنا، ولولا الخبز ما عُبد الله في الأرض". وابو الاشرس قال فيه ابن حبان: يروي عن شريك الأشياء الموضوعة التي حدث بها شريك قط، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الإنباء عنه. ولابن ماجه في باب النهي عن إلقاء الطعام من كتاب الأطعمة من سننه منطريق الوليد بن محمد الموقري حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت فرأى كسرة ملقاة أخذها فمسحها ثم أكلها وقال: "يا عائشة أكرمي كريمًا فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم" والوليد رمي بالكذب والوضع، ومن طريقه أيضًا أخرجه العسكري في الأمثال.

وهو عند ابن ابي الدنيا في "إصلاح المال" أيضًا بلفظ: "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فمسحها وقال: "يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها قل ما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع إليهم" وأخرج العسكري وأبويعلى معًا من حديث معاذ بن شعبة عن عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحسنوا جوار نعم الله لا تنفروها فقل مازالت ثم عادت إليهم" وابن مطر قال فيه ابن حبان: يروي الموضعات عن الأثبات، لا يحل الاحتجاج به، وقال ابن عدي: متروك الحديث، وأحاديثه عن ثابت خاصة منكير والضعف على حديثه بين. قلت: وضعفه الأئمة. ويشهد لذلك ما رواه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" من حديث جعفر بن حيان عن الحسن قال: كان أهل قرية قد وسع الله عليهم في الرزق حتى جعلوا يستنجون بالخبز فبعث الله عليهم الجوع حتى جعلوا يأكلون ما يقعدون. ومن طريق أبي سلمة الحمصي عن يحيى بن جابر قال: أنجت امرأة من بني إسرائيل صبيًا لها بكسرة ثم جعلتها في حجر فسلط الله عليها

الجوع حتى أكلتها. ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان بنو إسرائيل يتسنجون بالخبز فسلط الله عليهم الجوع فجعلوا يتبعون حشوشهم فيأكلونها. ومنها ما رواه أبو نعيم في "الحلية" وأبو سعد الماليني في "المؤتلف" له وابن عساكر في تاريخه من حديث ذي النون بن إبراهيم المصري حدثني أبو جرية أحمد بن الحكم من أهل البلقا عن عبد الله بن إدريس قال: وفد على مولاي نجا مالك البجة رجل من أهل الشام يستميحه يقال له: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فقدم إليه طعامًا على مائدته فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف فقال له عبد الرحمن بن هرمز: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا خرجتم في حج أو عمرة فنعموا أنفسكم لكيلا تتكلوا وأكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماء والأرض فلا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع". وعبد الله قال فيه ابن

عساكر: إنه مجهول، وكذا قال غيره في الراوي عنه: إنه لا يعرف. ومنها ما رواه الدارقطني من طريق عبدة بن سليمان عن نوح بن أبي مريم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع الخبز بالسكين وقال: "أكرموه فإن الله عز وجل قد أكرمهط. وقال الدارقطني: تفرد به نوح وهو متروك. ولكن قد روى الطبراني قطع اللحم بالسكين عن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطعوا الخبز بالسكين كما يقطعه الأعاجم". وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف أيضًا.

ومنها ما رواه الطبراني في الكبير من حديث خلف بن يحيى قاضي الري عن إسماعيل بن جعفر عن حميد بن عبد الله عن أبي سكينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكرموا الخبز فإن الله أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه الله، وقال: إن أبا سكينة ـ وهو غير منسوب ـ مختلف في صحبته ثم أسند عن ابن المديني أنه قال: لا نعلم له صحبة. انتهى. فعلى هذا فهو مرسل مع أن قاضي الري قال فيه أبو حاتم: متروك لا يشتغل به وكان يكذب. ووقع في الأطعمة لعثمان الدارمي. ما نصه: وفي حديث إسماعيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخبز فإن الله أنزل له بركات السماء وأخرج له بركات الأرض" يعني إكرامه أن لا يطرح ولا يرمي وقال عقبه: قلت ليوسف ـ يعني ابن عمر العبقري شيخه ـ من إسماعيل؟ قال: لا أدري. انتهى. ولعله كما قال شيخي: أراد إسماعيل المذكور في حديث أبي سكينة قال: فلعل ابن أبي رواد ـ يعني عبد المجيد بن عبد العزيز ـ شيخ يوسف نقله عن إسماعيل ولم يسق سنده. فهذا ما علمته من طرق هذا الحديث الواهية، وقد أورد جلها ابن

الجوزي في موضوعاته وذلك حديث زيد والد عبد الله، وحديث عبد الله بن أم حرام من طريقي غياث والذماري، وحديث عطاء عن ابن عباس، وحديث جعفر بن محمد، وحديث سعيد بن المسيب عن ابي هريرة، وحديث أبي موسى بجملتيه، وتعقب شيخنا شيخه الهيثمي رحمهما الله بحاشية مجمع الزوائد، إذ قال عن حديث أبي موسى، إنه ضعيف فقال ما نصه: لا يقال: إنه ضعيف إنما يقال في مثل هذا كذب أو باطل أو إفك أو ما أشبه هذا من العبارة، وتعقب في موضع آخر إدخال ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات فقال: وفي الجملة خير طرقه الإسناد الأول يعني حديث عبد الله بن يزيد عن أبيه على ضعفه قال: ولا يتهيأ الحكم عليه بالوضع مع وجوده. قتل: وهذا منه رحمه الله بناء على أن طلحة في الإسناد هو ابن عمرو وقد أسلفت خلافه، نعم روى الحاكم في المستدرك من حديث بشر بن المبارك الراسبي قال: ذهبت مع جدي في وليمة فيها غالب القطان قال: فجيء بالخوان فوضع فأمسك القوم أيديهم فسمعت غالبًا القطان يقول: ما لهم لا يأكلون قالوا: ينتظرون الأدم، فقال غالب: حدثتنا كريمة ابنة همام الطائية عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكرموا الخبز وإن كرامة الخبز لا ينتظر به" فأكل وأكلنا وقال الحاكم عقبه: هذا حديث صحيح الإسناد. قال شيخنا: فهذا شاهد صالح. انتهى.

وقد عزاه الرافعي في تاريخ قزوين لكتاب "الأطعمة" للسلمي: أخبرنا علي بن ابي عمر البلخي حدثنا محمد بن عبد الله المقريء حدثنا الفضل بن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن قبيصة بن عبد الله حدثنا بشر بن المبارك الكندي قال: ذهبت إلى وليمة فيها غالب القطان، فوضع الخوان فقال غالب: كلوا فقالوا حتى يجيء الأدم فقال: حدثتني كريمة ابنة هشام الطائية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكرموا الخبز فإن من كرامته أن لا ينتظر به الأدم" فأكل وأكلنا. قلت: وكأنه سقط منه عائشة. تنبية: قد عزى شيخنا في تلخيصه لمسند الفردوس حديث: "أكرزا الخبز فإن الله سخر لكم به بركات السموات والأرض والحديد والبقر وابن آدم، ولا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع". للطبراني عن عبد الله بن أم حرام. وحديث: "يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليه" وفي لفظ: "أحسني جوار نعم الله" الحديث لابن ماجه والطبراني والحاكم عن عائشة، وحديث "لا تقطعوا الخبز بالسكين أكرموه فإن الله أكرمه"، للطبراني عن أم سلمة. وقال المروذي: قلت لأحمد: بلغني عن يحيى بن سعيد قال: كان

سفيان يكره أن يكون تحت القصعة الرغيف، لم كرهه سفيان؟ قال: كره أن يستعمل الطعام، قلت: تكرهه أنت؟ قال: نعم. وروي عن عقيل قال: حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز فقال: لا تتخذوا الخبز بساطًا. وروي المؤمل بن إهاب عن أبي داود عن مبارك بن فضالة عن الحسن البصري أنه كره أن يوزن بالشعير. انتهى. فيحتمل أن يكون تكريمًا له ويحتمل خلافه.

122 - مسألة

122 - مسألة: روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عيينة، سمعت الزهري عن عبيد الله عن أم قيس ابنة محصن رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة اشفية يستعط من العذرة ويلد به من ذات الجنب" ودخلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرش عليه. ومن حديث ابن عيينة أيضًا به بلفظ: "دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: "على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق، عليكن بهذا العو الهندي فإن فيه سبعة أشفية، منها: ذات الجنب يستعط من العُذرة ويُلد من ذات الجنب" ولم يبين الزهري الخمسة الباقية. ومن حديث شعيب عن الزهري به مثله. وزاد البخاري بعد قوله: "الهندي" يريد الكُست وهو العود الهندي. ومن حديث إسحاق ـ هو ابن راشد ـ عن الزهري به مثله، وقال البخاري: يريد الكست يعني القسط. قال: وهي لغة. ووافقه مسلم

على تخريجه من حديث ابن عيينة، وانفرد به من طريق يونس بن يزيد عن الزهري وفيه قال يونس: أعلقت غمزت فهي تخاف أن تكون به عذرة. وفيه أيضًا أن ذلك الولد هو البائل وقال: وفي العود الهندي يعني به الكست، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عيينة ويونس وعبد الله بن زياد بن سمعان جميعًا عن الزهري مثله. وفي آخره قول يونس: أعلقت يعني غمزت، وأخرجه أبو نعيم في الطب من حديث معمر عن الزهري به وفيه: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره. وفي الباب عن جماعة من الصحابة: فروى البخاري من حديث عبد الله هو ابن المبارك عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري" وقال: "لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط". وهو عند أبي نعيم في الطب من حديث غسان بن الربيع عن حماد بن سلمة عن حميد به بلفظ: "خير ما تداويتم به الحجامة ولا تعذبوا أولادكم بالغمز من العذرة". ومن حيث هدبة عن حماد به بلفظ: "من خير ما تداوى به الناس

الحجامة والقسط البحري". ومن حديث زياد بن سعد عن حميد به: "خير ما تداوى به الناس الحجامة والكست" وذكر العذرة، ومن حديث المرجا بن رجاء عن حميد به: "إن خير ما تداوى به الناس الحجامة، والقسط البحري، ولا تعذبوا أولادكم بالغمز، عليك بالقسط البحري" وروى أبو نعيم في الطب أيضًا من حديث يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها صبي تسيل منخراه دمًا فقال: ما هذا؟ فقالوا: به العذرة فقال: "ويلكن لا تقتلن أولادكن، ايما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه، فلتأخذ قسطًا هنديًا فلتحكه ثم لتسعطه به". قال: فأمرت عائشة فصنعت فبرأ. ومن حديث جرير وعيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش به مثله، لكنه قال: "فلتأخذ قسطًا هنديًا فلتحكمه بماء ثم لتسعطه إياه". ومن حديث حماد بن شعيب عن أبي الزبير عن جابر: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ابني هذا به العذرة، فقال: "لا تخرقن حلوق أولادكن، عليكن بقسط هندي وورس فاسعطنه إياه". وكذا رواه نصير بن أبي الاشعت وعبد الله بن لهيعة كلاهما عن أبي الزبير به أن امرأة جاءت بصبي لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في العذرة وأنفه يسيل

منها دمًا، ففي حديث نصير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذي قسطًا هنديًا وورسًا فاسعطيهما إياه". وفي حديث ابن لهيعة: "فلتأخذ قسطًا هنديًا فلتحكمه بماء ثم لتسعطه إياه" فهؤلاء جماعة رووه عن أبي الزبير عن جابر جعلوه من مسنده وخالفهم موسى بن عقبة فرواه عن أبي الزبير عن جابر فقال عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيًا قد أعلق عليه فقال: "على ما تقتلن أولادكن بهذا العلاق، عليكن بالقسط الهندي بماء ثم يسعط". أخرجه أبو نعيم وأشار إليها ابن أبي حاتم في العلل وقال: قال أبي: إنه الصحيح، يعني كونه عن جابر عن عاشة. قلت: ويشهد للأول رواية صفوان بن عمرو قال: حدثني ماعز التميمي سمعت جابرًا يقول: دخلت امرأة بابن لها على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تعالجه من العذرة فأدمين فم الصبي فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى الصبي سال فوه دمًا قال: "ويلكن لا تقتلن ألوادكن ـ ثلاثًا ـ" ثم قال: "إذا عالجتن مثل هذا وشبهه فلتأخذ كستًا بحتًا ثم تعمد إلى حجر فلتسحقه عليه ثم لتقطر عليه قطرات من زيت وماء ثم لتعالجه امرأة نجيح العمل ثم لتوجره إياه فإن فيه شفاء من كل داء" أخرجه أبو نعيم أيضًا". وروي من طريق النفيلي عن حاتم بن إسماعيل عن حبيب مولى الخفاف عن الصلت بن زبيد عن أمه قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن بابنتي العذرة فقال: "اذهبي فخذي كستًا ومرأ وزيتًا وحبة سوداء فاسطعيها وتوكلي فلم تقرها نفسي حتى أعلقت عليها فقدرت منيتها

فيه فزملتها ثم أتت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! معصية الله ورسوله أشد علي من مصيبتي بها فقال: «إنك والدة لا جناح عليك»، ووافق عنده نساء فقال: «يا معشر النساء لا تعقلن على أولادكن فإنه قتل السر». وخالف أبو ثابت محمد بن عبد الله المديني وإبراهيم بن أبي حمزة إذ روياه عن حاتم فقالا: عن جدته بدل أمه أشار إليهما ابن أبي حاتم في العلل وقال: قال أبي: والأول أصح، والنفيلي أحفظ: قال ابن أبي حاتم: وترجم ـ يعني والده ـ في كتاب الوحدان: ما روت جدة الصلت بن زبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بالصحة لمن روى عن جدة الصلت. تتمة: العذرة، قال أبو زرعة وغيره: هو داء يأخذ الإنسان في حلقه ونحوه قول آخرين: هو وجع الحلق، وقيل: اللهاة. ومعنى أعلقت: عالجت رفع اللهاة بأصبعها، والدغر: غمز الحلق، وقد تقدم في رواية حكه بالماء، وفي أخرى بالماء والزيت، وفي رواية أخرى

123 - الحمد لله سئلت: عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أله عقب أم لا؟ فإن بعض من بلده جراح ـ القرية التي بالشرقية من قرى مصر ـ يدعى انتسابه إليه، وإن قولهم الجراحي نسبة إليه فهل ذلك صحيح أم لا؟

قسطًا وورسًا، وفي أخرى: قسطًا مُرًا وزيتًا وحبة سوداء. إذا عرف هذا فقد سئل شيخي رحمه الله عن الكيفية في فعله فقال: يذاب بقليل من الزيت ويقطر في أنف الذي يداوي به أو يسعط به بشيء فيه. والله أعلم. 123 - الحمد لله سئلت: عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أله عقب أم لا؟ فإن بعض من بلده جراح ـ القرية التي بالشرقية من قرى مصر ـ يدعى انتسابه إليه، وإن قولهم الجراحي نسبة إليه فهل ذلك صحيح أم لا؟ فأجبت بما كتبته: قد جزم العلامة النسابة أبو عبد الله الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب الزبيري في كتابه "نسب قريش" وهو فيمجلدين قبيل آخره بثلاثة أوراق بانقراض ولد سيدنا أبي عبيدة وذلك أنه قال: فولد أبو عبيدة يزيدًا وعميرًا، وأمهما هند ابنة جابر بن وهب بن ضباب وقد انقرض ولد أبي عبيدة وولد إخوته جميعًا. انتهى. وتبعه ابن عساكر في تاريخ دمشق ثم الذهبي في مختصره له، وعبارته قال الزبير: وقد انقرض ولد ابي عبيدة وولد إخوته جميعًا، ولما عقد أبو سعد بن السمعاني في أنسابه ترجمه الجراحي لم يذكر فيها أحدًا ممن ينتسب إلى ابي عبيدة، بل قال فيها: هذه النسبة إلى الجراح وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، ثم ذكر من هذه النسبة عبد الجبار بن

محمد بن عبد الله بن محمد بن ابي الجراح الجراحي المروزي الذي وقع لنا جامع الترمذي أحد الكتب الستة من طريقه، وولده أبا بكر محمدًا، وتبعه أبو الحسن بن الأثير في مختصره ولم يزد شيئًا، وكذا عقد ابن نقطة الحافظ في تكملة الإكمال لابن ماكولا للجراحي، والخراجي بالمعجمة ثم المهملة الخفيفة آخره جيم ترجمة، ولم يذكر من ينتسب جراحيًا سوى عبد الجبار المذكور، وتبعه الحافظ الذهبي في المشتبه لكنه قال في الجراحي عبد الجبار وغيره، وأقر شيخنا رحمه الله في مختصره. والحاصل أن أحدًا لم يذكر في هذه النسبة أحدًا ينتسب إلى أبي عبيدة فهو مشعر باعتماد الزبير وعدم النقض عليه وكفى به في ذلك عمدة، وإذا كان الأمر كذلك حصل التوقف في دعوى من ينتسب إليه إلا أن أظهر مستندًا يعتمده أئمة النقل في ذلك، وبالله التوفيق.

124 - مسألة: وقع الكلام الآن بين يدي السطلان، حفه الله بمزيد نصره، ورد كيد عدوه في نحره، فيمن ترك شعر رأسه بدون حلق حتى يطول ويسترخي من جانبي راسه هل يتعرض لإزالته، أو يترك على هيئته وحالته؟

124 - مسألة: وقع الكلام الآن بين يدي السطلان، حفه الله بمزيد نصره، ورد كيد عدوه في نحره، فيمن ترك شعر رأسه بدون حلق حتى يطول ويسترخي من جانبي راسه هل يتعرض لإزالته، أو يترك على هيئته وحالته؟ فقلت: أكثر من يفعل ذلك في وقتنا لا يقصد بذلك إلا إقبال الناس عليه وجر أموالهم وكراماتهم إليه، والنظر إليه بعين الإجلال، واحتقار من هو أعلى رتبة منه في الكمال، فضلاً عن الأمثال، والإيذان بأنه من الشيوخ المعتقدين والصلحاء البالغين الغاية في الورع والدين إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة، التي لظهورها لا يفتقر لإقامة البراهين والأدلة، مع اتصافهم بعدم التفقه في الديانات، وبعدهم عن أحوال أولي الزهد والكرامات، وإذا كان الأمر كما وصف وقُرر وعُرف، كان فعل ذلك حرامًا، كما صرح به منكان في السنة النبوية مقدمًا، إمامًا. لكن في مسألة إرخاء العذبة لما انضاف إلى صنيعه من الخلل وصحبه قياسًا على جر القميس ونحوه، حيث خص النهي عن الإسبال بكبره وزهوه، أما من كان بعيدًا من ذلك، واتق استرخاءه وهو مارٌّ سالك فلا يتناوله النهي على التحقيق كما وقع لسيدنا أبي بكر الصديق، إذ قال رضي الله نعنه: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي قليلاً إلا أن أتعاهده فقال: "يا أبا بكر لست منهم" يعني ممن يفعله خيلاء.

فهذا وجه مقتض للأمر بإزالته، وكذا ظهر لي وجه آخر وهو أن اكثر المرخين شعورهم كما قدمت ممن لافقه عنده، فربما لا يحسن الاغتسال المجزيء في رفع الجنابة مع وجوده لكون تحت كل شعرة جنابة، وقد كان سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ وناهيك به علمًا وعملاً وزهدًا واتباعًا ـ يجز شعره ويقول بعد أن يروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك موضع شعره من جنابة لم يغسلها فُعل به كذا وكذا من النار" ما نصه: فمن ثم عاديت شعر رأسي ثلاثًا. وكل واحد من هذين الوجهين يكفي في الأمر بإزالته فضلاً عن اجتماعهما، وذلك لا ينافي أصلية سنيته. وإذا تقرر هذا فبيان كونه سنة أنه قد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً يسدل شعره ثم فرقه مخالفة لأهل الكتاب".

والفرق: هو أن يقسم شعر رأسه فرقتين يمينًا وشمالاً، كل فرقة ذؤابة فتظهر جمته من الناحيتين، وذلك لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله، قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيته". وحينئذٍ فالفرق سنة كما صرح به الأئمة وهو أولى من السدل الذي هو جَعلُ ميع الشعر من ورائه، لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صفته صلى الله عليه وسلم ما اتفق عليه الشيخان: أنه كان له شعر يبلغ شحمة أذنيه. لكن قد جاء عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فلما رآني قال: "ذباب ذباب" قال: فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال: "إني لم أعنك وهذا أحسن". انتهى.

ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لخريم بن فاتك رضي الله عنه: "لولا أن فيك اثنتين كنت أنت" قال: إن واحدة تكفيني قال: "تسبل إزارك وتوفر شعرك" قال: لا جرم والله لا أفعل. قلت: والوفرة شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن، ولعل ذلك كان زائدًا في الطول، وأما الجُمّة: فهي من شعر الرأس ما سقط على المنكبين. قال ابن القيم: لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه حلق راسه إلا في نسك، ثم إنه يستحب لمن اتخذ ذلك تعاهده بالتسريح والتطييب ونحو ذلك فقد جاء في حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له شعر فليكرمه" وهو بالخيار فيه بين أن يرسل ما لم يضفره منه أو يستره قالت أم هانئ رضي الله عنها: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر تعني عقائص، والعقيصة: الشعر

المعقوص وهو نحو من المضفور. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "الذي يصلي ورأسه معقوص كالذي يصلي وهو مكتوف". قال ابن الأثير: أراد أنه إذا كان شعره منشورًا سقط على الأرض عند السجود فيعطي صاحبه ثواب السجود به وإذا كان معقوصًا صار في معنى ما لم يسجد، وشبهه بالمكتوف وهو المشدود اليدين لأنهما لا يقعان على الأرض في السجود. ونحوه حديث عمر رضي الله عنه: "من لبد أو عمقص فعليه الحلق" يعني في الحج. قال: وإنما يجعل عليه الحلق، لأن هذه الأشياء تقي الشعر من الشعث، فلما أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه بالكلية مبالغة في عقوبته. فإن قيل: قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع وهو: أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة ووردت

أحاديث ثابتة في الذؤابة فما الجمع بينهما؟ فالجواب: أنه كما قال شيخي رحمه الله: يمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها الضفر وغيره، والممتنعة أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع. والله المستعان.

125 - ثم وقع السؤال بعد مدة: عن رجل يريد فعل السنة بعدم حلق رأسه إلا في حج أو عمرة، أهل الأفضل في حقه إرسال الشعر أم الضفر، وإذا قلتم بالضفر فهل ينقضه حال الصلاة أم لا؟

125 - ثم وقع السؤال بعد مدة: عن رجل يريد فعل السنة بعدم حلق رأسه إلا في حج أو عمرة، أهل الأفضل في حقه إرسال الشعر أم الضفر، وإذا قلتم بالضفر فهل ينقضه حال الصلاة أم لا؟ فكتبت: في الشعر طريقتان، سدل، وفرق، فأما السدل، فالمراد به فيما حكاه القاضي عياض عن العلماء إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة وهي شعر الصدغين، وخصه بعضهم بالسدل من ورائه، وبه جزم ابن القيم في "الهدى". وأما الفرق: فهو أن يقسم شعر رأسه فرقتين يمينًا وشمالاً كل فرقة ذؤابة وأصله من الفرق بين الشيئين، وقد كان صلى الله عليه وسلم يسلك الطريقة الأولى، ثم فرق بعد، فصار الفرق سنة، لأنه الذي رجع صلى الله عليه وسلم إليه، ولذا ذهب بعضهم إلى نسخ السدل به وإن السدل غير جائز، ولكن الصحيح المختار جوازه. ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم كانت له لمة فإذا انفرقت فرقها وإلا تركها، واتخاذ جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم اللمة ـ وهي: الشعر الذي يلم بالمنكبين ـ ولكن الفرق أفضلهما. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنت إذا أردت أن أفرق راس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يا فرخه وأرسل ناصيته. وكان شعره صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله إلى قرب منكبيه، وربما طال حين اشتغاله بالسفر ونحوه، وبعد عهده عن تعاهده حتى تصير ذؤابة، وهي: ما يتدلى من شعر الرأس ويتخذ منه صلى الله عليه وسلم أربع غدائر عبر عنها في بعض الروايات

بالضفائر التي هي العقائص. ولكن أكثر من يرخي شعره في وقتنا هذا. ثم كتبت: ما أسلفته في الجواب قديمًا إلى انتهاء قول علي رضي الله عنه فمن ثم عاديت شعر رأسي ثلاثًا. ثم قلت: فإن انتشر شعره ولم يسبله فلينشره عند الصلاة، فقد ورد النهي عن كف الشعر فيها، واتفق العلماء على النهي عن الصلاة ورأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته. ثم اختلفوا هل هو حرام أو مكروه؟ والصحيح كراهته كراهة تنزيه، وإنه لو صلى كذلك فقد اساء وصحت صلاته، وسواء يعمد فعل ذلك للصلاة، أم كان كذلك قبلها لمعنى آخر على الصحيح المختار، والحكمة في ذلك أنه إذا رفع شعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر، وقد رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: مالك ورأسي قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف". ومر أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن بن علي وهو يصلي قائمًا قد غرز ضفيرتيه في قفاه فحلهما أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبًا، فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كفل الشيطان" يقول: مقعد الشيطان يعني مغرز ضفيرتيه. ودخل ابن

مسعود المسجد فرأى فيه رجلاً يصلي عاقصًا شعره فلما انصرف قال له: إذا صليت فلا تعقص شعرك فإن شعرك يسجد معك، ولك بكل شعرة أجر. فقال الرجل: إني أخاف أن يتترب، فقال: تتربه خير لك. وقال ابن عمر لرجل رآه يصلي معقوصًا شعره: أرسله ليسجد معك. وقد أبدى شيخ شيوخنا الحافظ الزين العراقي رحمه الله لكون الشيطان يقعد على الشعر المضفور أو المكفوف وقت الصلاة حكمة وهي: أنه لما كان عصيانه بامتناعه من السجود أراد امتناع كل شيء من السجود ليكون مثله عاصيًا، فإذا عجز عن ترك المؤمن للسجود أو عن إكاله يسبب في تخلف شيء من بدنه عن السجود ولو شعرة حتى تكون المساجد كأنه كف بعض أجزائه عن السجود معه وهو حسن، ثم إن النهي عن عقص الشعر وكفه في الصلاة لا يشتمل النساء لأن شعورهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها، وأيضًا فقيه مشقة عليها في نقضه للصلاة وقد رخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعور، ولذا إن لم يصل الماء إليه إلا بالنقض لزم، فكان في ذلك دليل على اختصاص الرجال بهذا الحكم، والله الموفق.

126 - الحمد لله ثم سئلت: هل كان شعره الشريف مسبلا دائما أو في وقت دون وقت، وهل كان ضفائر ظاهرة أو مستترة تحت عمامته الشريفة، وهل كان يلصقها بعمامته يمينا وشمالا أم لا؟ وكم حلق رأسه الشريفة مرة وهل كان يحلق في حجه أم يقصر؟

126 - الحمد لله ثم سئلت: هل كان شعره الشريف مسبلاً دائمًا أو في وقت دون وقت، وهل كان ضفائر ظاهرة أو مستترة تحت عمامته الشريفة، وهل كان يلصقها بعمامته يمينًا وشمالاً أم لا؟ وكم حلق رأسه الشريفة مرة وهل كان يحلق في حجه أم يقصر؟ فقلت: كان صلى الله عليه وسلم أولاً يسدل شعر رأسه أي يرخيه ويرسله على هيئته يعني إن لم يطل، أو من ورائه يعني إن طال ليستقيم الجمع بين التفسيرين، ثم صار صلى الله عليه وسلم يقسمه يمينًا وشمالاً كاشفًا له عن جبينه، وينتهي استرساله إما إلى مكنبيه أو إلى شحمه أذنيه على اختلاف الروايتين التي جمع بينهما بأن ما خلفه أو الطويل منه هو الذي يضرب المنكبين وما يلي أذنيه أو القصير منه هو الذي يبلغ الشحمة وهو الذي ينزل بين الأذن والعاتق، وذلك هو المسمى بالفرق ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله. وكان صلى الله عليه وسلم ربما طال شعره عن المنكبين حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما في حديث أم هانئ رضي الله عنها، ولكن هذا كما أفاده شيخنا رحمه الله محمول على الحالة التي يتعهد عهده بتعهد شعره فيها كالسفر ونحوه، لا أنه كان يلازم الضفائر، ويشير إلى هذا كون أم هانيء في حديثها المشار إليه قالت: إنها رأته كذلك حين قدم عليهم مكة ـ تعني في فتحها ـ وكذا يستأنس له بقوله صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر رضي الله عنه لما جز شعره حين فهم أمرالنبي صلى الله عليه وسلم له بذلك لما رآه طويلاً "لم أعنك". وهذا أحسن.

ولم يثبت لي في ملازمته صلى الله عليه وسلم لإبراز شعره ولا في عدمها شيء، ولكن الظاهر الأول لكثرة من نقل قدر طول شعره بالمشاهدة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يحفظ كما قال ابن القيم: أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه إلا في نسك، انتهى، وإذا كان كذلك فحلقه صلى الله عليه وسلم لها أربع مرار، والمباشرون لذلك خراش بن أمية بن ربيعة الخزاعي ومعمر بن عبد الله بن نضلة، وأبو هند الحجام مولى بني بياضة، فمعمر في حجة الوداع، وخراش في الحديبية، وعمرة القضية، وأبو هند في الجعرانة. وأمر بقسم شعره في بعض المرات بين الناس فكان يخص الواحد الشعرة فأكثر، وذلك مقتض لاستثناء شعره صلى الله عليه وسلم من استحباب دفن ما يزايل ابن آدم من الشعور ونحوها. قال بعض العلماء: وفي مداومته صلى الله عليه وسلم على إبقاء شعره دليل لأنه أفضل من الحلق لأن ما صنعه في خاصة نفسه أفضل مما اقر الناس عليه ولم ينههم عنه فإنه في خاصة نفسه مواظب على أفضل الأمور وأكملها وأرفعها. ومن ثم نقل عن غير واحد من الصحابة والتابعين أنه كانت لهم شعور، وقال الإمام أحمد: أحصيت ذلك عن ثلاثة عشر صحابيًا وذكر منهم أبا عبيدة بن الجراح، وعمار بن ياسر والحسن والحسين رضي الله عنهم وكذا كان لابن عمر رضي الله عنهما جمة مفروقة تضرب منكبيه ولابن الزبير رضي الله عنهما جمة مفروقة إلى العنق، ولكل من جابر وابن عباس رضي الله عنهما وللقاسم وابن الحنفية وغيرهما من التابعين كعبيد

بن عمير جمة، بل قال عطاء: كان لعبيد خصلتان. وقال هبيرة: كان لعبد الله شعر يضعه على أذنيه إلى غير ذلك مما يتعذر استقصاؤه. وقال أبو عمر ابن عبد البر: ولكنه قد أضرب عنه في عصرنا أهل الصلاح والستر والعلم: وكاد أن يكون علامة للسفهاء يعني لما اقترن به من المقاصد المفاسدة كما بسطته في بعض الأجوبة حين أزال سلطان وقتنا أيده الله بالكتاب والسنة شعر بعض رعيته، وبالله التوفيق.

127 - [مسألة] الحمد لله: أمرتم من هو قائم لكم بوظيفة الدعاء، مستمر على العبودية والولاء ـ زادكم الله إفضالا، وأسبغ عليكم نعمه ووالى ـ بالنظر فيما نسب لأبي هريرة أنه قال: سال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فأطرق

127 - [مسألة] الحمد لله: أمرتم من هو قائم لكم بوظيفة الدعاء، مستمر على العبودية والولاء ـ زادكم الله إفضالاً، وأسبغ عليكم نعمه ووالى ـ بالنظر فيما نسب لأبي هريرة أنه قال: سال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فأطرق رأسه وبكى حتى بل لحيته وقال له: "يا حذيفة أخبرتني عن أمر عظيم، اقتراب الساعة حين يصير الملك كالأسد، والقاضي كالذئب، والوالي كالثعبان، والفقير كالشاة الضعيف، يا ويلها من شاة ضعيفة ما بين سبع وذئب". فكتب العبد ما نصه: هذا الحديث لا أعرفه بهذا اللفظ، وقد راجعت كتب أشراط الساعة والفتن فما وجدته وأحسبه مكذوبًا، نعم روى الديلمي في مسنده بسند واهٍ جدًا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يكون السلطان كالسبع، ومن قبله كالذئب، ومن قبله كالثعلب، ويكون المسلم كالشاة فمتى تسلم الشاة من سبع وذئب وثعلب، قولوا في ذلك الزمان: يا سلام سلم يا سلام سلم" انتهى. ويستأنس له بحديث رواه الطبراني في الأوسط عن أنس أيضًا

رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأتي على الناس زمان هم ذئاب فمن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب". وكذا يستأنس له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في أشراط الساعة: "ويكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد" وهو بفتح النون والقاف صغار الغنم واحدتها نقدة. والحديث المشار إليه أخرجه البيهقي في البعث، والطبراني في معجميه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعلام الساعة فقال: "أن يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض الأسرار فيضًا، ويُصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها، وتزخرف المساجد، وتخرب القلوب، ويكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويكون الملك في الصبيان، وتؤامر النساء، ويخرب عمران الدنيا ويعمر خرابها،

وتظهر الفتنة وأكل الربا، وتظهر المعازف والكنوز وشرب الخمر ويكثر الشرط والغمازون والهمازون". وسنده ضعيف، إلا أن أكثر ألفاظه قد روي أيضًا بأسانيد متفرقة. فمنها ما رواه الطبراني عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اقترب الزمان كثر لبس الطيالسة وكثرت التجارة، وكثر المال، وعُظَّم رب المال لماله، وكثرت الفاحشة وكانت إمرة الصبيان، وكثر النساء، وجار السلطان، وطفف في الميكال والميزان ولا يوقر كبير، ولا يرحم صغير ويكثر أولاد الزنا، حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق فيقول أمثلهم في ذلك الزمان: "لو اعتزلتم عن الطريق" يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك الزمان المداهن، ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربى ولدًا". وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: متى نترك الأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل" قلت يا رسول الله! وما أصاب بني إسرائيل؟ قال: "إذا داهن خياركم فجاركم، وصار الفقه في أشراركم، وصار الملك في صغاركم، فعند ذلك تلبسكم فتنة تكرون ويكر عليكم". وللبيهقي في البعث عن عابس الغفاري رضي الله عنه قال: إني أتخوف خصالاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته فقال: ما هن؟ قال: "إمرة السفهاء، وبيع الحكم وكثرة الشرط وقطعية الرحم، واستخفاف بالدم ونشء يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفضلهم ولا بأفقههم في الدين إلا ليغنيهم" وهو عند الطبراني في الكبير وابن شاهين واللفظ له من طريق زاذان قال: كنت مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: عابس أو ابن عابس على سطح فرأى الناس يتحملون فقال: ما للناس؟ فقيل: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقال له رجل له صحبة: أتدعو بالموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عنه؟ فقال: "لست خصال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته قلنا: وما هن؟ قال: إمرة الصبيان وكثرة الشُرط، والأثرة في الحكم. وقطيعة الرحم، واستخفاف بالدم، ونشء يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أضلهم، إلا ليغنيهم غناء". وهو عند ابن شاهين أيضًا من حديث أبي أمامة الباهلي عن عابس قال: "ست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهن: الجور في الحكم، والتهاون

في الدماء، وإمارة السفهاء وقطيعة الرحم، وكثرة الشرط، والرجل يتخذ القرآن مزامير يغني بالقرآن والقوم يقدمون الرجل ليس بخيرهم ولا بأنفسهم فيغنيهم بالقرآن"، وللترمذي في جامعه والبيهقي في ابعث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء"، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المغنم دولاً والأمانة مغنمًا والزكاة مغرمًا وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا اباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القيان، والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخفًا". وقال فيه الترمذي: إنه غريب، وضعف البيهقي إسناده بل قال فيه الدارقطني: إنه باطل، وله شاهد عند الترمذي أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اتخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا وتعلم لغير الله، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى

أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة، وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع، كنظام بالٍ قطع سكله فتتابع" وقال فيه أيضًا: إنه غريب، والله الموفق.

128 - الحمد لله سأل البدر حسن الكلوتاني الحنفي أحد الفضلاء وأخ لشيخ السبع بالأزهر فيما كتبه إلى بخطه عن عبد الله بن جعفر: كم كان سنة حين مات ابوه بمؤتة، وهل ولد بعد قدومه م الحبشة فإنه قدم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وكانت في أول المحرم سنة سبع م

128 - الحمد لله سأل البدر حسن الكلوتاني الحنفي أحد الفضلاء وأخ لشيخ السبع بالأزهر فيما كتبه إلى بخطه عن عبد الله بن جعفر: كم كان سنة حين مات ابوه بمؤتة، وهل ولد بعد قدومه م الحبشة فإنه قدم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وكانت في أول المحرم سنة سبع من الهجرة ومؤتة في جمادي الأولى سنة ثمان. قال: وخرج الترمذي وأبو داود عن ابن مسعود قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم" قال: وذكر الزبيري أن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم عمدت إلى شعير فطحنته ثم أدمته بزيت وجعلت عليه فلفلاً، قال عبدالله بن جعفر: فأكلت منه وحبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده مع إخوتي ثلاثة أيام. انتهى. فكتبت لهم بما نصه: اتفقوا على أن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه وعن أبويه ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وكان أول من ولد بها من المسلمين. وأما تعيين وقت مولده، فقد ذكر موسى بن عقبة أنه كان في سنة

اثنتين من الهجرة. وقول ابن حبان أنه كان ابن عشر سنين يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بأنه ولد عام الهجرة إلا أن يكون جبر ما كان هناك من كسر، ويؤيده قول إمامنا الشافعي رحمه اله: إن ابن الزبير كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وكذا قول الواقدي، ومن تبعه أن ابن الزبير ولد في شوال سنة اثنتين، فإن الغبوي روى منطريق هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر بايع هو وابن الزبير النبي صلى الله عليه وسلم في وقت وهما ابنا سبع سنين، وكذا رواه الطبراني، والظاهر أن هذه المبايعة كانت في السنة التي قدم فيها عبد الله بن جعفر فإنه لما رجع مع أبويه وأخويه محمد وعون من الحبشة مهاجرين إلى المدينة كان قدومهم يوم فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وكان ذلك في المحرم سنة سبع، لكن الصحيح في مولد ابن الزبير أنه في أول سني الهجرة وأنه أول مولود ولد من المهاجرين بعد قدومهم المدينة بل قال الواقدي نفسه: إن عبد الله بن جعفر مات سنة تسعين عن تسعين، على أنه يمكن التوفيق بين قولي الواقدي بجبر الكسر في الثاني كما يجوز أن يقال به في كونه عند المبايعة ابن سبع، نعم مقتضى قول ابن البرقي ومصعب أن عبد الله بن جعر مات سنة سبع وثمانين إن مشينا على أنه مات ابن تسعين أن يكون ولد قبل الهجرة وكذا حكي في وفاته من الأقوال المعارضة لما تقدم بالنظر لقول الواقدي أيضًا غير ذلك، لكن ما

قدمته أقرب إلى الصواب إن شاء الله، وبالله التوفيق. وأما أبوه جعفر، فإنه رضي الله عنه استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً غير مدبر من أرض الشام مجاهدًا للروم، وذلك في جمادي الأولى سنة ثمان، وحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليه كثيرًا وقال: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد جاءهم ما يشغلهم" والله المستعان.

129 - سئلت: عن شخص دلاصي يوري عن الشاطبي، وكان السائل الشيخ شمس الدين ابن قمر والتمس مني تحقيق ذلك

129 - سئلت: عن شخص دلاصي يوري عن الشاطبي، وكان السائل الشيخ شمس الدين ابن قمر والتمس مني تحقيق ذلك. فكتبت له ما نصه: الدلاصيون في القرن الثامن جماعة منهم مقريء الحرم العفيف أبو محمد عبد الله بن عبد الحق بن عبد الأحد بن علي المحرومي الدلاصي مات في المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بمكة يروي الشاطبية سماعًا عن أبي الفضل عبد الله بن محمد الأنصاري عرف بقاريء مصحف الذهب بسماعه من ناظمها وحدث بها سمعها عليه الشهاب أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شيخ لكل من شيخينا الزين أبي هريرة القباني والعز ابن الفرات وكان العز خاتمة أصحابه. وأبو الفتوح يوسف بن محمد بن علي الدلاصي مات سنة تسع واربعين وسبعمائة راوي الشفا عن ابن تامنيت سماعًا سمعه عليه جماعة منهم المؤرخ العدل ناصر الدين ابن الفرات والشرف ابن الكويك. والجلال أبو بكر عبد الله بن الصفي يوسف بن إسحاق بن يوسف الدلاصي الشافعي إمام جامع الأزهر مات سنة اثنتين وعشرين

وسبعمائة، يروي عن جماعة مذكورين في مشيخته بالإجازة التي خرجها له الفخر عثمان بن بلبان المقاطي منهم الكمال شيخ الفراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم الضرير الراوي عن الشاطبي سمع عليه جماعة من شيوخ شيوخنا منهم العز بن جماعة القاضي والجمال إبراهيم الأميوطي، وأبو البقاء محمد بن عبد الله السبكي والمحيوي أبو محمد عبد القادر القرشي الحنفي ووقعت لي بلدانيات السلفي من طريقه والله الموفق.

130 - سئلت: عن أبي الفضل الحارث بن زياد بن المطلب متى توفي وباي مكان توفي؟

130 - سئلت: عن أبي الفضل الحارث بن زياد بن المطلب متى توفي وباي مكان توفي؟ فقلت: راجعت تاريخ البخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وثقات ابن حبان وكثيرًا من كتب الصحابة والأنساب والتواريخ والرجال، قويها وضعيفها، مطلقها ومقيدها، مما أودعته في كتابي الحافل في ذلك فلم أره في شيء منها. والمطلب المذكور بأقصى نسبة يحتمل أن يكون ابن عبد مناف أخا هاشم جد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يسمى الفيض وهلك بردمان من اليمن ويقال إنه أصغر بني أبيه، فإنه يكنه فلست أعلم في أحفاده من يسمى الحارث، نعم من ذويه الحارث بن عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي ذكره شيخي رحمه اله في القسم الأول من الإصابة، وقال: ذكره البلاذري وغيره من النسابين في أولاد عبيدة أحد من استشهد بدر وقال: ليس للحرث عقب، ومقتضى كون عبيدة استشهد ببدر أن يكون للحارث ولده صحبة، وكأن مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وبالجملة فالمسئول عنه لا أعرفه، والغالب على الظن أنه لا وجود له وإنه من مولودات هذه الأعصار التي كثرت فيها المختلفات حتى أن بعض من ينسب نفسه للعلم خصوصًا علم الإرث بل يزعم أنه قيم العصريين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يشهد لمن لم يعلم له تمييز في شيء بما في الملأ بأنه فعل ما اشتمل على التدريس والإملاء وذكر كلامًا لا

أتفوه به وكأنه لم يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعان في خصومة بباطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع". نعوذ بالله من شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا ونساله كلمة الحق في الغضب والرضى، فهو القريب المجيب.

131 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: إن امرأتي لا ترد يد لامس: طلقها فقال: إني أحبها قال: أمسكها ما معنى ذلك؟ وهل الحديث صحيح أم غير ذلك؟

131 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: إن امرأتي لا ترد يد لامس: "طلقها" فقال: إني أحبها قال: "أمسكها" ما معنى ذلك؟ وهل الحديث صحيح أم غير ذلك؟ فقلت: هذا الحديث حسن صحيح، ولم يصب من حكم عليه بالوضع، واختلف في توجيهه على وجهين، أحدهما: أنه كناية عن الفجور، وإنها مطاوعة لمن أرادها لا ترد يده. ثانيهما: إنه كناية عن السخاء. وإنها لا تمنع من طلب منها الطعام أو نحوه مطلوبه، ومنع الإمام أحمد رحمه الله التوجيه الأول. وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير: حمل اللمس على الزنا جيد والأقرب حمله على أن الزوج فهم منها أنها لا ترد من أراد منها السوء لا

أنه تحقق وقوع ذلك منها، بل ظهر له ذلك بقرائن فأرشده الشارع إلى مفارقتها احتياطًا، فلما أعلمه أنه لا يقدر على فراقها لمحبته لها وأنه لا يصبر على ذلك رخص له في إبقائها لأن محبته لها محققة، ووقوع الفاحشة منها متوهم. انتهى. وهو حسن ولعل ببركة الشارع صلى الله عليه وسلم زال عنها ما كان زوجها يتضرر به منها، واطلع صلى الله عليه وسلم على ذلك بوحي أو بغيره فأذن له في إبقاءها. ولقد بلغنا عن شخص من المنسوبين للصلاح أنه سافر مرة في بعض ضروراته وترك زوجته وهي شابة فوقع في نفسه الخشية من حادث، واتفق مجيئه للشيخ بدر الدين الزركشي مؤلف "الخادم" وغيره فسلم عليه ثم جلس ولم يذكر له ما وقع في نفسه من ذلك فقال له الشيخ: لا تخف فزرعك لا يسقيه غير مائك أو كما قال: وبالله التوفيق.

132 - وسئلت: عن السعتر هل ورد في أكله شيء وكذا في إدخاره وشمه؟ وهل ورد في طول عمامته صلى الله عليه وسلم شيء أم لا؟ وهل يكره التعمم جالسا أم لا؟ وهل ورد في إكرام المداح الذين يمدحونه صلى الله عليه وسلم شيء أم لا؟

132 - وسئلت: عن السعتر هل ورد في أكله شيء وكذا في إدخاره وشمه؟ وهل ورد في طول عمامته صلى الله عليه وسلم شيء أم لا؟ وهل يكره التعمم جالسًا أم لا؟ وهل ورد في إكرام المداح الذين يمدحونه صلى الله عليه وسلم شيء أم لا؟ فكتبت: أما السعتر ـ وهو بسين مهملة ـ نبت معروف، وربما كتبت السين في كتب الأطباء صادًا ـ لئلا يلتبس بالشعير بالمعجمة والتحتانية، فيروى عن أنس رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطاننا وفيه شجرة نابتة فقالت: خذني يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق ما أنزل الله عز وجل من داء إلا وفي منه دواء يعني الصعتر". وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخروا بيوتكم باللبان والمر والصعتر" وهما ضعيفان، وأولهما أشد ضعفًا بل هو واهٍ

جدًا، وفي لفظ ضعيف أيضًا، "بخروا بيوتكم باللبان والشيح" والشيح أيضًا نبت، راحئته طيبة لكن طعمه مر، ومنابتها القيعان والرياض، وقد قال سفيان رحمه الله: دخلت أنا وصاحب لي على سلمان الفارسي رضي الله عنه فقرب إلينا خبزًا وملحًا فقال: لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفنا لكم، فقال صاحبي: لو كان ملحًا فيه سعتر، فبعث سلمان رضي اله عنه بمطهرته إلى البقال فرهنها وجاء بسعتر فألقاه فيه فلما أكلنا

قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة. وأما عمامته صلى الله عليه وسلم، فلم يصح لي في مقدارها شيء وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كانت له عمامة تسمى "السحاب" كساها عليًا رضي الله عنه وكان يلبسها تحت القلنسوة وبدون قلنسوة، ويلبس القلنسوة أيضًا بدون عمامة، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه، وتارة يلبسها بدون إرخاء. وأما التعمم قائمًا، فلم يرد فيه شيء، فلا يكره فعله جالسًا، وكذا لم يرد في إكرام المداح شيء، نعم في مداره ذي اللسان المتقى ونحوه من الشعراء ما يحسن استحضاره ولم يزل السلف على فعله.

133 - سئلت عن معنى الحديث الذي في مقدمة صحيح مسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع

133 - سئلت عن معنى الحديث الذي في مقدمة صحيح مسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع". فقلت: فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن. قاله النووي رحمه الله بعد أن قرر أن مذهب أهل الحق، أن الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يشترط فيه التعمد، نعم التعمد شرط في حصول الإثم. انتهى. وقد اتفق الشيخان على حديث المغيرة بن شعبة وفيه: "وكره لكم قيل وقال" معناه: التحديث بكل ما يسمعه فيقول: قيل كذا، وقال فلان كذا، مما لا يعتقد صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع، والله الموفق.

134 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: أشكنبدرد

134 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "أشكنبدرد". فالجواب: أخرجه ابن ماجه وأبو نعيم والمستغفري كلهم في الطب وأحمد في المسند من طريق مجاهد عن أبي هريرة قال: ما أتيت

النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلا وجدته قائمًا يصلي فأتيته يومًا فجلست خلفه فقال لي: "يا أباه هريرة أشكم بدرد؟ "قلت نعم، قال: "قم فصل فإن في الصلاة شغلاً". لفظ أحدهم وفي لفظ: قال دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أتلوى من بطني في المسجد فقال: "اشكنبدرد؟ " قلت: نعم قال: "قم فصل فإن في الصلاة شفاء".

135 - وسئلت: عن حديث طلق عن أبيه في الدعاء المأثور لمن كان به أسر [البول] وفيه: أنت رب الطيبين هل هذه اللفظة بالتثنية مع فتح المهملة وكسر الموحدة بعدها أو الطيبن بكسر المهملة ثم الموحدة المشددة كما ضبط في بعض النسخ أو الطيبين جمع طيب كما قاله بعض ا

135 - وسئلت: عن حديث طلق عن أبيه في الدعاء المأثور لمن كان به أسر [البول] وفيه: "أنت رب الطيبين" هل هذه اللفظة بالتثنية مع فتح المهملة وكسر الموحدة بعدها أو الطيبن بكسر المهملة ثم الموحدة المشددة كما ضبط في بعض النسخ أو الطيبين جمع طيب كما قاله بعض المحدثين الموجودين وما معنى ذلك؟ فالجواب: هذه اللفظة رويناها بالضبط الأول في "عمل اليوم والليلة" للنسائي وأورده من حديث أبي الدرداء أيضًا وضبط كذلك في أصل معتمد، وأراد صلى الله عليه وسلم ـ فيما يظهر ـ طبيبين كانا بالمدينة، فقد روى أبو نعيم في الطب النبوي من وجهين عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة

رضي الله عنه قال: أصيب رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بسهم في جنبه فاستقاء دمًا وقيحًا حتى خيف عليه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبين كانا بالمدينة فقال: "عالجاه" فقالا: يا رسول الله إنما كنا نعالج ونحتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام فما هو إلا التوكل، فقال "عالجاه. الحديث" .. وفي لفظ عند البزار في مسنده: "قدم رجلان أخوان المدينة وقد أصيب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسهم في جسده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقرابته: "اطلبوا من يعالجه" فجيء بالرجلين الأخوين فقال لهما: "بحديدة تعالجنا؟ " فقالا: إنما كنا نعالج في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عالجاه" فبطه، حتى برأ. وقال: لا نعلم رواه عن سهيل إلا عاصم بن عمر، وضعفه الجمهور. وفي لفظ مرسل: أن رجلاً أصابه جرح فاحتقن الدم فدعا له رسول

الله برجلين من بني أنمار فقال: "أيكما أطب؟ " الحديث. ثم رأيت حديث أي الدرداء في السنن لأبي داود وضبط في بعض نسخها الطيبين جمع طيب والله الموفق. [فائدة] قال ابن ماجه: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب عن ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر قال: اقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين! خمس، إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا في المكيال والميزان إلا أخذوا باسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعنوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلى سلط عليهم عدوًا من غيرهم فأ×ذوا بعض ما في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". البيهقي في شعب الإيمان: أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو عمرو بن

مطر أنا جعفر الحسن بن المستفاض: ثنا محمد بن عايذ ثنا الهيثم بن محمد ثنا أبو معبد وغيره عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عمر يتحدث بمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقضوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور اسلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء ولولا البهائم لم يطروا ولا ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوًا من غيرهم فيأخذون ما في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بينهم إلا جعل بأسهم بينهم". وأخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بالكوفة أنا ابو جعفر بن دحيم ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أخبرنا إسماعيل بن ابان حدثنا يعقوب بن عبد الله العمي عن أبي محمد الواسطي عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أنتم إذا وقت فيكم خمس وأعوذ بالله أن يكون فيكم أو تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولا حكم أمرؤاهم بغير ما أنزل الله عز وجل إلا سلط الله عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة رسوله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

وإسناده ضعيف. وروي في ذلك أيضًا عن هذيل عن هشام بن خالد المازني عن ابن عمر. وعنده في السنن أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن الخراساني حدثنا الحسن بن سلام ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قالا: حدثنا عبيد اله بن موسى أخبرنا بشير بن مهار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر". وقال عقبه: خاله الحسين بن واقد فرواه عن عبدالله بن بريدة عن ابن عباس من قوله أتم منه، يشير لما أخرجه في الشعب قال أخبرنا ابو علي الروذباري أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا معاذ بن أسيد المروزي أخبرنا الفضل بن موسى السنياني حدثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابن عباس قال: "ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالسنين، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء وما جار قوم في حكم إلا كان الباس بينهم" ـ أظنه قال ـ: "أو القتل" كذا قال عن ابن عباس موقوفًا. وقال في الشعب أخبرنا أبو علي الروذباري عقيبه ـ يعني عقيب

الذي بعده ـ: أخبرنا الحسين أخبرنا أبو حاتم حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا بشير به مثله سواء. في السنن أيضًا في الاستسقاء: أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أخبرنا أبو حاتم الرازي حدثنا عبدي الله بن موسى حدثنا بشير بن مهاجر عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القط"كذا رواه بشير بن المهاجر. وقد أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب أخبرنا أبو حاتم الرازي حدثنا معاذ بن أسد المروزي أخبرنا الفضل بن موسى السيناني حدثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابن عباس قال: "ما نقض قوم العهد إلا سلط اله عليهم عدوهم ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء وماجار قوم في حكم إلا كان الباس بينهم" أظنه قال: "والقتل".

136 - وسئلت عن الحكمة في قراءة سورة الإخلاص أحد عشر مرة لمن دخل المقابر

136 - وسئلت عن الحكمة في قراءة سورة الإخلاص أحد عشر مرة لمن دخل المقابر. فقلت: أما الحديث الوارد بذلك، فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مر على المقابر فقرأ (قل هو الله أحد) أحد عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات". أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريق عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي. وهذا الحديث من نسخة قال الذهبي: إنها موضوعة باطلة، ما تنفك عن وضع عبد الله أو وضع أبيه أحمد. وقال ابن الجوزي في الموضوعات في أحمد: هو محل التهمة. وكذا تكلم فيه البيهقي في الشعب. وقال الحسن بن علي الزهري في عبد الله: إنه كان أميًا ليس بالمرضي. انتهى. وقد رواه أبو بكر النجاد في سننه والقاضي أبويعلي والدارقطني فيما

137 - سئلت: عن خذام والد خنساء هل هو بالمعجمة أو المهملة

عزاه إليهم الشمس محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في "وصول القراءة إلى الميت له" وأظنهم أخرجوه من هذا الوجه. فالله أعلم. وأما الحكمة. 137 - سئلت: عن خذام والد خنساء هل هو بالمعجمة أو المهملة، وأن شيخنا ضبطه في تقريبه بالمهمة، وكذا في شرح البخاري ولم يتعرض له في المشتبه، وكذا ضبطه النووي في تهذيبه بالمهملة في ترجمتها وترجمة أبيها وجميع العلماء حتى الموصلي في نظم مطالع الأنوار قالوا فيه: بالمعجمة. فأجبت: لا خلاف أن خذاما بمعجمتين أولاهما مكسورة والثانية مخففة كذلك ضبطه النووي رحمه الله في ترمة ابنته خنساء من تهذيبه حيث قال: بكسر المعجمة ثم ذال معجمة مخففة، وكذا قال في ترجمته نفسه من التهذيب أيضًا: أنه بخاء مكسورة وذال معجمتين، وكذا ضبطه الدمياطي بخطه في غير موضع، وهو الذي مشى عليه شيخي شيخ الغسلام خاتمة الحفاظ الأعلام في الإصابة حيث قال: في حرف الذال المعجمة من الخاء المعجمة خذام والد خنساء وترجمه وهو أول مذكور في الباب وصنيعه في المشتبه تقتضيه حيث قال: في الحاء المهملة حذام يعني بذال معجمة في النساء وفي الشواهد:

إذا قالت حذام فصدوقها وجثذام بالجيم المضمومة يعني مع الذال المعجمة أيضًا أبو القبيلة. وخذام بالمعجمة المكسورة يعني مع الذال المعجمة أيضًا جماعة فاقتضى أن يكون غير ابي القبيلة، والنساء بمعجمتين وما وقع في فتح الباري حيث قال: خِذام بكسر المعجمة وتخفيف المهملة فهو سبق قلم، فسبحان من لا يسهو.

138 - وسئلت عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئا وأشار بالسبابة والتي تليها وفي لفظ: لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان ـ يعني الإبهام والتي تليها ـ لعذبنا الله ثم لم يظلمنا؟

138 - وسئلت عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئًا" وأشار بالسبابة والتي تليها وفي لفظ: "لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان ـ يعني الإبهام والتي تليها ـ لعذبنا الله ثم لم يظلمنا"؟. فقلت: أخرجه ابن حبان في صحيحه باللفظين معًا وكذا أخرجه البيهقي في ذكر ما في الأوجاع والأمراض والمصيبان من الكفارات في شعب الإيمان له وقال: غريب بهذا الإسناد، تفرد ابن عسكر فيما أعلم. انتهى. وهذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا، وإرشادًا لأمته حتى لا يتكل أحد على عمله وقد بوب له ابن حبان في صحيحه: ذكر الأخبار عن ترك الاتكال على الطاعاتوإن كان المرء مجتهدًا في إتيانها: وقال في موضع آخر من الصحيح أيضًا: ذكر الخبر الدال على أن على المرء الرجوع باللوم على نفسه فيما قصر في الطاعات وإنكان سعيه فيها كثيرًا. انتهى. ثم إن اختصاص السيد عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بالذكر يظهر فيه لكونه ليس بينهما نب، وكذا في اختصاص السبابة والوسطى إشارة إلى أنهما مع سهولة ما يعمل بهما هو خائف وجل فكيف بغيره. والعلم عند الله تعالى.

139 - سئلت: عن حديث: أكرموا عماتكم النخل

139 - سئلت: عن حديث: "أكرموا عماتكم النخل". فالجواب: ورد عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أطعموا نسائكم الحاملات الرطب فإن لم يكم الرطب فتمر، فليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم ابنة عمران" الحديث. وفيه: "أكرموا عمتكم النخل فإنها خلقت من الطينة التي خلق منه آدم" أخرجه أبو نعيم وأبويعلى وكذا المستغفري في الطب النبوي له بلفظ: "أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام وليس من الشجر يلقح غيرها، وأطعموا نسائكم الولد الرطب، فإن لم يكن الرطب فالتمر، وليس من شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران". وأيضًا بلفظ: "أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة

140 - وسئلت: عن قول: لولا الوئام لهلك الأنام أهو حديث؟

آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نسائكم الولد الرطب فإن لم يكن رطبًا فتمر". 140 - وسئلت: عن قول: "لولا الوئام لهلك الأنام" أهو حديث؟ فالجواب: قال في الصحاح: هو مثل، ومعناه لولا موافقة الناس بعضهم بعضًا في الصحبة والعشرة لكانت الهلكة قال: ويقال: "لولا الوئام هلك اللئام". والوئام: المباهاة أي إن الرجال ليسوا يأتون الجميل من الأمور على أنها أخلاقهم وإنما يفعلونها مباهاة وتشبهًا بأهل الكرم ولولا ذلك لهلكوا.

141 - مسالة

141 - مسالة: روى البيهقي في الثالث من شعب الإيمان من طريق زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولأ: "إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، فقال الله للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطها إلى الأرض فننظر كيف يعملون قالوا: ربنا! هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلث لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتها فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة في الإشراك قالا: لا والله لا نشرك بالله أبدًا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلاه قالا: لا والله لا نقلته فذهبت عنهما ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعها عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت لهما المرأة: والله ما تركتما مما أبيتما عليَّ شيئًا إلا وقد فعلتماه حين سكرتما فخُيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا". وهكذا أخرجه أحمد في المسند وابن حبان في الصحيح وابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق زهير عن موسى، وتابعه معاوية

بن صالح عن نافع نحوه. أخرجه ابن جرير في التفسير. وخالف سعيد بن سلمة فقال عن موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر، أخرجه البيهقي أيضًا في ثالث الشعب وقال عقبه: ورويناه من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عمر موقوفًا عليه وهو أصح، فإن ابن عمر إنما أخذه عن عكب ثم ساقه من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب نحوه. قال: وهذا أشبه أن يكون محفوظًا، وكذا ساقه في الرابع والأربعين من الشعب أيضًا وقال: هذا هو الصحيح من قول كعب. قلت: وتبعه المنذري حيث أورد الحديث في الترهيب من الخمر من ترغيبه قال: وقيل إن الصحيح وقفه على كعب. انتهى. وقد روي في ذلك عن علي بن أبي طالب، اشار إليه البيهقي في الثالث من الشعب وهو عند أبي نعيم في عمل اليوم والليلة له من طريق عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر عن أبي الطفيل عن علي

قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهرة، وقال إنها: فتنت الملكين. وكذا أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة أيضًا وعنده أيضًا: من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا نظر إلى الزهرة قذفها. ومن طرق أبي عثمان الهندي عن ابن عباس قال: هذه الكوكبة ـ يعني الزهرة ـ كانت تدعى في قومها "بيدخت". وللبيهقي أيضًا في الرابع والأربعين من الشعب من طرق قيس بن عباد عن ابن عباس في قوله عز وجل (وما أنزل على الملكين بباهل هاروت وماروت) الآية. قال: إن الناس بعدآدم وقعوا في الشرك اتخذوا هذه الأصنام وعبدوا غير الله عز وجل قال: فجعلت الملائكة يدعون عليهم ويقولون: ربنا خلقت عبادك وأحسنت خلقهم، ورزقتهم فاحسنت رزقهم، فعصوم وبعدوا غيرك، اللهم الله يدعون عليهم فقال لهم الله تبارك وتعالى: إنهم في عتب فجعلوا لا يعذرونهم، قال: اختاروا منكم اثنين أهبطهما إلى الأرض فآمرهما وأنهاهما اختاروا هاروت وماروت قال: وذكر الحديث بطول فيهما وقال فيه: شربا الخمر، فانتشيا ووقعها بالمرأة وقتلا النفس وكثر اللغط فيما بينهما وبين الملائكة فنظروا إليهما وما يعملان ففي ذلك أنزل الله عز وجل (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في

الأرض) الآية. قال: فجعل الملائكة بعد ذلك يعذرون أهل الأرض ويدعون لهم. وعند ابن أبي الدنيا من حديث عثمان رضي الله عنه قال: الخمر مجمع الخبائث ثم أنشأ يحدث عن بني إسرائيل قال: إن رجلاً خير بين أن يقتل صبيًا أو يمحو كتابًا أو يشرب خمرًا، فاختار أن يشرب الخمر ورأى أنها أهونهن فشربها فما هو إلا أن شربها حتى صنعهن جميعًا". ومن وجه آخر بلفظ: "إياكم والخمر فإنها مفتاح كل شر، أتي رجل فقيل له: إما أن تحرق هذا الكتاب وإما أن تفجر بهذه المرأة وإما أن تقتل الصبي، وإما أن تسجد لهذا الصليب وإما أن تشرب هذه الكأس، فلم ير شيئًا أهون عليه من شرب الكأس، ففجر بالمرأة وقتل الصبي، وحرق الكتاب وسجد للصليب فهي مفتاح كل شر".

142 - وسئلت: عن حديث ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن: كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصبح بحمد الله بارئا. هل يسمى حديثا أم أثرا؟

142 - وسئلت: عن حديث ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن: كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أصبح بحمد الله بارئًا". هل يسمى حديثًا أم أثرًا؟ والجواب: أنه على الخلاف بين الفقهاء والمحدثين في الموقوف هل يسمى حديثًا أو أثرًا؟ فعند المحدثين كما صرح به النووي في تقريبه أن الاثر يطلق على المرفوع والموقوف، وقال أبو القاسم الفوراني من الخراسانيين: الفقهاء يقولون: الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة. انتهى. ومن هذا يسمى كثير من العلماء الكتاب الجامع لهما بالسنن والآثار ككتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي ومن الأول شرح معاني الآثار للطحاوي. والله الموفق.

143 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها حين أرسل يخطبها إن لي بنتا: أما ابنتها فندعو الله بأن يغنيها عنها بماذا حصل الاغتناء؟

143 - وسئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها حين أرسل يخطبها إن لي بنتًا: "أما ابنتها فندعو الله بأن يغنيها عنها" بماذا حصل الاغتناء؟. فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوجها وكان ذلك عقب وضعها ابنتها المشار إليها وهي زينب ـ جعل يأتيها ـ فيقول: "أين زناب؟ " فجاء عمار بن ياسر رضي الله عنه فاختلجها من أمها وهي ترضها وقال: هذه تمنع رسول اله صلى الله عليه وسلم حاجته وجاء صلى الله عليه وسلم بعد ذلك قال: "أين زناب" قال بعض النسوة اللتي كن عند أم سلمة: أخذها عمار فقال صلى الله عليه وسلم: "إني آتيكم الليلة" فكان عمارًا رضي الله عنه لما اختلجها ذهب بها إلى اسماء ابنة أبي بكر الصديق أخت عائشة أم المؤمنين رضي اله عنها لترضعها كما في ترجمة زينب أن أسماء أرضعتها فكانت يعني زينب أخت أولاد الزبير ويكون حينئذٍ الاغتناء حصل بذلك والعلم عند الله.

144 - وقع السؤال عما وقع في موضعين متقاربين من الشفا للقاضي عياض رحمه الله عن الحسن رفعه في أحدهما: عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة

144 - وقع السؤال عما وقع في موضعين متقاربين من الشفا للقاضي عياض رحمه الله عن الحسن رفعه في أحدهما: "عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة"، وهو في كتاب السنة لأبي الشيخ عبدالله بن محمد بن جعر بن حيان الأصبهاني الحافظ قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شريك حدثنا لوين يعني محمد بن سليمان حدثنا حزم ـ هو ابن أبي حزم ـ القطعي عن احسن قال: بلغنا أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: "قليل في سنة خير من اجتهاد في بدعة". ورجاله ثقت، وجعفر بن محمد هو ابن أحمد بن شريك، نسب أبوه لجده ويكني ابا الفضل ذكره ابو نعيم في تاريخ أصبهان وذكر من شيوخه الحسين بن الفرج وعبد الله بن عمران وعبد القدوس بن محمد عبد لكبير بن شعيب بن الحبحاب قال: ونزل عليه محمد بن سليمان لوين وخصه بغير حديث حدثنا عنه القاضي أبو أحمد محمد بن إبرهيم العسال، وأبو الشيخ وأحمد بن بندار بن إسحاق وأحمد بن جعفر بن معبد وكان صاحب سنة، توفي سنة ثمان وثمنين ومائتين، وتولى غسله أبو جعفر بن الأخرم. قلت: وقد روى الديلمي في مسند الفردوس له هذا الحديث من

طريق قتادة عن ابن مسعود رفعه: «عمل قليل في السنة خير من عمل كثير في البدعة» وسنده ضعيف. وأخرج الدارمي في «مسنده» والحاكم في «مستدركه» وأبو الشيخ كلهم موقوفًا نحوه من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير ومالك بن الحارث كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد ـ هو النخعي ـ عن عبد الله بن مسعود فلفظ الدارمي: «القصد في السنة خير من الاجتهاد في بدعة». ولفظ الحاكم: «الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة» ولفظ أبي الشيخ «اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة». ورواه الحاكم أيضًا من طريق مالك بن الحارث وحده عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال مثله. وقال عقبة: إنه مسند صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، ورواه كذلك أبو الشيخ أيضًا بلفظ: «قليل في سنة خير من اجتهاد في بدعة»، وعلقه ابن عبد البر في «جامع العلم» له، وكذا رواه مسدد في مسنده من طريق مالك بن الحارث، لكنه رفع بلفظ: «القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة». وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن مالك بن الحارث فقال: عن عبد الله بن يزيد بدل عبد الرحمن ـ وأظنه تحرف ـ عن عبد الله بن مسعود قال: «اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة وكل بدعة ضلالة».

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه وخيثمة عن ابن مسعود قال: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة". وفي سنده محمد بن بشير الكندي قال فيه يحيى: ليس بثقة، لكن رواه أبو الشيخ من غير طريقه من حديث سعيد بن عمرو الأشعثي حدثنا عبثر ـ يعني ابن القاسم الزبيدي ـ وهما ثقتان ـ عن العلاء عن أبيه عن عبد الله قال: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، وكل بدعة ضلالة". وفي الباب عن أبي هريرة رواه أبو الشيخ من طريق الزبير بن بكار عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه ـ يعني عبد الله ـ عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتصاد في السنة خير من اجتهاد في بدعة". ومن طريق خالد الواسطي عن يحيى بن عبيد الله ـ يعني ابن عبد الله بن موهب ـ عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمل في سنة خير من كثير في بدعة".

وعبد الله بن سعيد ضعيف وكذا يحيى بل اتهمه الحاكم بالوضع، وقال في موضع آخر: روى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة أكثرها مناكي. وعند أبي الشيخ من طريق فضيل بن عياض قال: "عمل قليل في سنة خير من عمل صاحب بدعة وإذا رأيتم الرجل يجلس مع صاحب بدعة فاحذروه، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة". ومن طريق ابن شوذب عن مطر قال: "عمل قليل في سنة خير م عمل كثير في بدعة، ومن عمل عملاً في سنة قبل الله منه ومن عمل عملاً في بدعة رد الله عليها بدعته". هذا ما تيسر الوقوف عليه الآن، والله المستعان.

145 - الحمد لله وقع السؤال عما اشتهر على الألسنة: لا أعلم ما وراء جداري

145 - الحمد لله وقع السؤال عما اشتهر على الألسنة: "لا أعلم ما وراء جداري". فقلت: لا أعلم له إسنادًا مع أنه وقع في الخصائص من تخريج الرافعي لابن الملقن جازمًا به ولم يتعبه شيخنا في تلخيصه وعلى تقدير ثبوته يمكن أن يكون معناه: نفي علم المغيبات مما لم يعلم به فإنه قد أخبر بمغيبات كثيرة كانت وتكون، وحينئذ فهو نظير: "لا أعلم إلا ما علمني الله عز وجل" ولا ينافي ذلك على هذا التوجيه: "إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي" على قول مجاهد: إن ذلك كان واقعًا في

جميع أحواله صلى الله عليه وسلم لا في الصلاة فقط. وأما إذ حملنا هذا اللفظ على نفي حقيقة الرؤية فيشكل عليه قول مجاهد بكونه يكون مقابله، وهو اختصاصه بحالة الصلاة مقيدًا لهذا، ونحوه حكاية بقى بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء. والله أعلم.

146 - الحمد لله سئلت عن الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا لأصحابه رضي الله عنهم: ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري

146 - الحمد لله سئلت عن الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبًا لأصحابه رضي الله عنهم: "ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري". وفي لفظ: "إني لأراكم من ورائي كما أراكم" وفي لفظ لمسلم: "إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي"

وعن ما اشتهر على الألسنة لا أعلم ما وراء جداري. فقلت: في ثانيهما لم أقف له على إسناد وقد قلد شيخنا شيخه ابن الملقن رحمهما الله فيتلخيص تخريج الرافعي في إيراده، وعلى تقدير ثبوته فلا تنافي بينهما لعدم تواردهما على محل واحد. إذ الظاهر من الثاني أن معناه نفي علم المغيبات مما لم يعلم به فإنه صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بمغيبات كثيرة كانت وتكون. وحينئذٍ فهو نظير: "لا أعلم إلا ما علمني الله عز وجل"، ولكن قد مشى ابن الملقن وقلده شيخنا على أن معناه نفي الرؤية من خلفه. وحينئذٍ فلا تنافي بينهما أيضًا إن مشينا على ظاهر الأول في تقييده بالصلاة لكونه فيها لا حائل بينه وبين المأمومين، وإن كان ابن الملقن لم ينظر لهذا، بل جعل الأول مقيدًا للثاني والظاهر ما قلته. أما على قول مجاهد إن ذلك كان واقعًا في جميع أحواله صلى الله عليه وسلم، فلا، وبالجملة فكل هذا متفرع على ثبوت الثاني ولم أقف له على أصل أعتمده على أن بعضهم زعم أن المراد بالأول خلو علم ضروري له بذلك، والمختار حمله على الحقيقية، ولذلك قال الزين ابن المنير أنه لا حاجة إلى التأويل فإنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة. وقال القرطبي: إن حمله على ظاهره أولى، لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: قد روي أنه صلى الله عليه وسلم ورد عليه وفد عبد القيس وفيهم غلام

147 - الحمد لله حديث: تفترق أمتي

وضيء فأقعده وراء ظهره. فالجواب: أنه مع كونه روي مسندًا ومرسلاً والحكم عليه بالنكارة مع ذلك قد فعله صلى الله عليه وسلم إن صح كما قال ابن الجوزي: ليسن. والله الموفق. 147 - الحمد لله حديث: "تفترق أمتي". جاء عن عدة من الصحابة منهم أنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعوف بن مالك، وعمرو بن عوف المزني، ومعاوية بن أبي سفيان، وواثلة بن الأسقع، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي هريرة رضي الله عنهم. فأما حديث أنس، فرواه ابن ماجه في سننه من حديث قتادة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة" ورجاله رجال الصحيح، وهو عند ابي يعلي في أثناء حديث من وجه آخر فيه ضعف، ولفظه: "تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة إحدى وسبعين منها في النار وواحدة في الجنة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتعلو أمتي على الفرقتين جميعًا بملة، اثنتين وسبعين في النار وواحدة في الجنة"، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "الجماعات".

وأما حديث سعد، فأخرجه البزار في مسنده من حديث ابنته عائشة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة، ولن يذهب الليالي والأيام حتى تفترق أمتي على مثلها"، وقال عقبه: لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه. قلت: وسنده ضعيف. وأما حديث ابن عمرو، فرواه الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن الحُبُلى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى أمه بني إسرئايل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" وقال: حسن غريب.

قلت: ورواه الحاكم في صحيحه وقال: تفرد به الإفريقي ولا تقوم به حجة. وأما حديث ابن عمر، فرواه أبويعلي في مسنده بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في أمتي نيفًا وسبعين داعيًا كلهم داع إلى النار لو شاء لأنبأتكم بأسمائهم وقبائلهم". وأما حديث علي، فرواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي الطفيل عنه قال: "تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة ينتحلون وتفارق أمرنا"، وفي سنده لين. وأما حديث عوف، فرواه ابن ماجه من حديث راشد بن سعد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترق

أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتين وسبعين في النار" قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: "الجماعة" ورجاله موثقون. وقد رواه الحاكم في المستدرك من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن عوف بلفظ: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة" وقال: صحيح على شرطهما. قلت: وهو متعقب. وأما حديث عمرو، فرواه الحاكم في مستدرك والطبراني من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن بمثل أخذهم إن شبرا فشبر، وإن ذراعًا فذراع وإن باعًا فباع، حتى لو دخلو جحر ضب دخلتم فيه، ألا وإن بني إسرائيل افترقت على موسى عليه السلام سبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنها افترقت على عيسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنكم تكونون على ثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم" وهي الحاكم إسناده. وأما حديث معاوية، فرواه أبو داود في سننه من حديث أبي عامر

الهوزني عنه أنه قال فقال: ألا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وأنه ستخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله". وأخرجه الحاكم في صحيحه من حديث أبي عامر أيضًا قال: حججنا مع معاوية فلما قدمنا مكة أخبر بقاص فأرسل إليه فقال: أمرت بهذا القصص قال: لا، قال: فما حملك على أن تقص بغير إذن قال: نفشي علمًا علمناه الله فقال: لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك طائفة ثم قام حين صلى الظهر بمكة، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة. وتخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والهل يا معشر العرب: لئن لم تقوموا بما جاء به محمد لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به". وقال: إن سنده لا تقوم به الحجة. وأما حديث واثلة واللذان بعده، فرواه الطبراني من حديث عبد الله

بن يزيد بن آدم الدمشقي عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة وأنس قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا في المراء، وفيه: "فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم" قالوا: يا رسول الله! من السواد الأعظم؟ قال: "من كان على ما أنا عليه وأصحابي".وسنده ضعيف. وعند الطبراني أيضًا من حديث أبي غالب عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وأمتي تزيد عليهم فرقة، كلها في النار إلا السواد الأعظم". ورواته موثقون. وأما حديث أبي هريرة، فرواه ابن حبان في صحيحه وأبو داود واللفظ له والترمذي وقال: حسن صحيح. والحاكم وقال: على شرط مسلم، من حديث أبي سلمة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو

ثنتين وسبعين فرقة، وتترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" ورواه ابن ماجه مختصرًا بدون شك. وجاء أيضًا من حديث جابر، وعبد الله بن عباس وغيرهم ولولا شغل البال لخرجتها لكن فيما ذكر كفاية. وقد رواه الديلمي وغيره من حديث أنس رفعه: "تفترق أمتي على بعض وسبعين فرقة كلها [في النار] إلا فرقة واحدة وهي الزنادقة"، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات والاعتماد على ما سلف. وأما حديث ابن مسعود، فرواه الطبراني من طريق سويد بن غفلة عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن مسعود؟ قلت: لبيك يا رسول

الله قالها ثلاثًا، فذكر حديثًا وفيه: "واختلفت من كان قبلي على ثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاثة، وهلك سائرهن: فرقة أزت الملوك وقاتلوهم على دينهم ودين عيسى بن مريم وأخذوهم وقتلوهم وقطعوهم بالمناشير، وفرقة لم يكن لها طاقة، بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم فتدعوهم إلى الله ودين عيسى بن مرين فساحوا في البلاد وترهبوا قال: وهم الذين قال الله عز وجل: (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان) الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يتبعني فأولئك هم الهالكون". وسنده ضعيف وهو بنحوه عند من وجه أحسن من هذا.

148 - [مسألة]: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا فأقرض الله يطلق قدميك

148 - [مسألة]: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفًا فأقرض الله يطلق قدميك" فقال عبد الرحمن: ما الذي أقرض أو أخرج؟ وخرج عبد الرحمن فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مر عبد الرحمن فليضف الضيف وليطعم المسكين، وليعط السائل فإن ذلك يجزيء عن كثير مما هو فيه". رواه البزار في منسده وأبو نعيم في الحلية من جهة الطبراني، وفي لفظ عنده من جهة غيره قال ابن عوف: وما الذي أقرض الله قال: "تتبرأ مما أمسيت فيه" قال: فقال: من كله أجمع يا رسول الله؟ قال: "نعم"

فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك فأتاه جبريل عليه السلام فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، فإذا فعل ذلك كانت كفارة لما هو فيه". وفيهما خالد بن يزيد بن أبي خالد وقد ضعفه الجمهور. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف والذي نفسي بيده إن يدخلها إلا حبوا". رواه البزار وفيه أغلب بن تميم وهو مجمع على ضعفه. وعن أنس أيضًا أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان فقال له: إن لي حائطين فاختر أي حائطي شئت قال: بارك الله في حائطيك ما لهذا أسلمت، دلني على السوق، فدله فكان يشتري السمينة والأقيطة، والإهاب فجمع فتزوج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ردع من صفرة فقال: "مهيم"؟ قال: تزوجت، فقال: "بارك الله لك

أولم ولو بشاة" قال: فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البز والدقيق والطعام قال: فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رجة فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها: عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف سبعمائة راحلة تحمل البز والدقيق والطعام. فقالت عائشة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وعبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا حبوا" فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمه! إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل الله عز وجل". رواه عبد بن حميد في مسنده، وفي لفظ عند الإمام أحمد في المسند عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذا سمعت صوتًا في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء فكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رايت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال: إن استطعت لأدخلنها قائمًا، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله. وأخرجه البزار في مسنده والطبراني في معجمه الكبير وعنه أبو نعيم في الحلية ومداره على عمارة بن زاذان، وقد ضعفه النسائي

والدارقطني وأحمد في رواية الاثرم بل ذكر ابن الجوزي الحديث في موضعاته من مسند أحمد، ونقل عنه أنه كذب منكر، قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير. وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أرأيت الجنة فإذا هي لا يدخلها إلا المساكين فدخلت معهم حبوًا فلما استيقظت قلت: إبلي التي انتظرها بالشام وأحمالها في سبيل الله حتى أدخلها معهم ماشيًا. رواه البزار في مسنده وشيخه فيه عبد الله بن شهيب مجمع على ضعفه. وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بطأ بك؟ قال: مازلت بعدك أحاسب، وإنما ذلك كثرة مالي فقال: هذه مائة راحلة جاءتني من مصر فهي صدقة على أرامل أهل المدينة رواه أبو نعيم في الحلية، وفيه عمار بن سيف وهو منكر الحديث. ضعيف. وبالجملة فقد قال الهيمثي وأقره العراقي رحمهما الله: أنه لا

يثبت في دخوله زحفًا حديث. انتهى. وقد شهد رضي الله عنه بدرًا والحديبية، ومعلوم أن الله عز وجل قال في أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فلو ارتكب امرؤ منهم ما لا يجوز ـ وقد عصمهم الله إن شاء الله من ذلك ـ فهو مغفور له، هذا مع أن كسبه حلال من تجارته ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم حيث قال: "بارك الله لك" وفعل ما فعله الفقراء من الخير. ورواية من تقدم ممن طعن فيه لا يقدح في أهل بدر والله الموفق. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة ... " فذكر حديثًا فيه: "وعرضت عليّ أمتي رجلاً رجلاً فجعلوا يمرون واستبطأت عبد الرحمن ثم جاء بعد الإياس فقتل: عبد الرحمن! فقال: بأبي وأمي يا رسول الله! والذي بعثك بالحق ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدًا إلا بعد المشيبات قال: وما ذاك؟ قال: من كثر مالي أحاسب فأمحص". أخرجه أحمد ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنه لا يصح.

149 - الحمد لله لا يثبت في دخوله رضي الله عنه الجنة زحفا أو حبوا حديث، كما جزم به الحافظ أبو الحسن الهيثمي، وأقره شيخه العراقي

149 - الحمد لله لا يثبت في دخوله رضي الله عنه الجنة زحفًا أو حبوًا حديث، كما جزم به الحافظ أبو الحسن الهيثمي، وأقره شيخه العراقي، وانتقد قول الحاكم في بعضها: صحيح الإسناد. بل سبقهما لذكره من بعض طرقه في الموضوعات ابن الجوزي، ونقل عن إمامه المبجل أحمد بن حنبل: إنه حديث منكر مع تخريجه له في مسنده، وقال شيخنا في القول المسدد: الذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه، فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب، وأولى محامله أنه يقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أن يضرب عليها فإما أن يكون الضرب ترك سهوًا وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب. قال شيخنا: ثم رأيت بعد للحديث شاهدًا قوي الإسناد وساقه واقتصر على الحكم للإسناد، وأعرض عن المتن لنكارته، ولكن الإجمال في هذا المقام خير من تفصيل المقال وإن كان التفصيل يشهد بلا ارتياب للتزلزل والاضرطراب، لحصول الغرض بدونه. وكيف لا يكون غير صحيح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثبت أنه غشي عليه ثم أفاق فأخبر أنه جاءه ملكان فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال لهما ملك آخر: ارجعا فإنه ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم. وقال

علي رضي الله عنه كما في صحيح الحاكم وغيره: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه أمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض". ويروى أن رجلاً لين الصوت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم، فما بقي من الوقم إلا من فاضت عينه غير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه". إلى غير ذلك من مناقبه المستفيضة التي يقصر الوقت عن استيفائها، وقد شهد رضي الله عنه بدرًا والحديبية وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة وصلى خلفه. وقال لخالد بن الوليد وقد بلغه عند في حقه شيء: "يا خلد! لِمَ تؤذي رجلاً من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد أو مثل الجبال ذهبًا لم تدرك عمله"، ومعلوم أن الله عز وجل

قال في أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فلو ارتكب امرؤ منهم شيئًا وحاشاهم من ذلك فهو مغفور". هذا مع أن كثرة ماله رضي الله عنه إنما كانت ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم حيث قال له: "بارك الله لك" بحيث كان يقول: إنه لو رفع حجرًا لرجا أن يصيب تحته ذهبًا. ولكن عامة ماله من التجارة، بل ثبت عن عائضة رضي الله عنها وهي ممن أضيف إليها الحديث المسئول عنه أنها قالت ـ وقد بعث إليها عبد الرحمن بمال ـ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف سلسبيل الجنة". ونحوه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار، اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة". أخرجهما الحاكم في مستدركه، وعنده

أيضًا عن أبي هريرة رفعه: "خيركم خيركم لأهلي من بعدي". وكذا مع ما كان يصل به أمهات المؤمنين "أوصى لهن بحيدقة يبعت بأربعمائة ألف" إلى غير ذلك من صدقاته الفاشية وعوارف العظيمة حتى إنه أعتق في يوم ثلاثين عبدًا وفي عمره ثلاثين ألف نسمة، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير وردت عليه تحمل من كل شيء فتصدق بها وبما عليها وبأقتابها، وأحلاسها. وعن معمر عن الزهري قال: تصدق ابن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل

على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسائة راحلة، وأوصى بعد موته بخمسين ألف دينار، وبألف فرس في سبيل الله، ولمن بقى من البدريين كل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وكان عثمان رضي الله عنه فيمن أخذ. ومن تكون الدنيا في يديه ويؤدي الحقوق منها ويتطوع بالأمور المستحبة فيها ولم تكن عاتقة له عن الوصول إلى الله تعالى، ولا لها في قلبه مزية، ولا يفخر بها خصوصًا على من دونه ولا يكون بما في يديه منها أوثق منه بما عند الله بحيث يحسبها عما شرع له صرفها فيه، مع التقتير على نفسه وعياله، وعدم إظهار نعمة الله عز وجل، ولا ينفقها في وجوه الباطل التي لم تشرع، ولا يبذر يكون ذلك زيادة له في الخير، قال صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للمرء الصالح".

وقيل فيما للطبراني في الأوسط عن ابن عباس: يا رسول الله! من السيد؟ قال: "يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام" قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: "بلى: رجل أعطى مالاً حلالً ورزق سماحة وأدنى الفقير وقلت شكاته في الناس". وفي حديث مرفوع لأحمد وغيره: "لا بأس بالغني لمن اتقى". وفي آخر: "من رزق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة مات والله عنه راض". وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "لو كان عندي أحد ذهبًا أعلم عدده وأخرج زكاته، ما كرهت ذلك وما خشيت أن يضرني". وقال صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" وقال: "ذلك

فضل الله يؤتيه من يشاء". إلى غيرها مما بينته في "السر المكتوم" وكم في الصحابة ممن اتصف بجميع صفات الخير التي ترغب في الإكثار لها كعثمان بن عفان، وطلحة الفياض، والزبير بن العوام، وثلاثتهم من العشرة المشهود لهم بالجنة أيضًا. وسعد بن الربيع وغيرهم من سادات المسلمين، وترك ابن مسعود سبعين ألف درهم، فيتعين استثناء هؤلاء من عموم "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام" أو

يخص بفقراء طبقتهم، وهو أظهر. والشاهد الذي طويته أولاً مما صرح شيخنا بقوة إسناده إليه، والله الموفق.

150 - الحمد لله: روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى ا

150 - الحمد لله: روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل" وكذا أخرجه الدارقطني في: "فضل الأسخياء والأجواد" له. ومن طريقه الخطيب في "ذم البخلاء" له بتمامه بزيادة: "وأدوأ الداء البخل". رواه الخرائطي مفرقًا في كتابيه مكارم الأخلاق ومساوتها. وأورده أبو الشيخ في الثواب والعقيلي في الضعفاء كلهم من الجهة التي أخرجه الترمذي منها، وقال الترمذي: إنه غريب. قلت: وأروده ابن الجوزي في الموضوعات. وبين الدارقطني ما في إسناده من الخلف وأن بعضهم جعله من مسند عائشة رضي الله عنها وقال: إنه لا يثبت منه شيء على وجه. وأخرجه في "الأسخياء" بسند واه أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه

151 - الحمد لله في الغيلانيات

عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وذكره بدون الجملة الأخيرة. والله أعلم. 151 - الحمد لله في الغيلانيات: والحلية لأبي نعيم من طريق يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعث الله عز وجل ثمانية آلاف نبي، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل". وأخرجه أبو يعلى في مسنده بلفظ: "بعث الله إلى بني إسرائيل أربعة آلاف نبي، وأربعة آلاف إلى سائر الناس" وبلفظ: "كان ممن خلا من إخواني الأنبياء ثمانية آلاف نبي ثم كان عيسى بن مريم ثم كنت نبيًا". وهو عند الطبراني بلفظ: بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف نبي. وأخرجه أبو نعيم في الحلية أيضًا من طريق صفوان بن سليم عن أنس بلفظ: "بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي". وفي فوائد تمام من طريق معاوية بن قرة عن أنس قال: سئل النبي

صلى الله عليه وسلم كم المرسلين؟ قال: "ثلاثمائة وستة عشر عدة أصحاب بدر". ولأبي ذر حديث طويل فيه سؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عن العمل، والإيمان، والإسلام، والهجرة، والصيام والجهاد والصدقة، وأعظم القرآن وفضل آية الكسي، وعدد الأنبياء والرسل، وعدد ما أنزل عليهم وما كان في صحف إبراهيم وصحف موسى وغير ذلك. فأما ما يتعلق بعدد الأنبياء، فلفظه: قلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا قلت: كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير، قلت: فمن كان أولهم؟ قال: "آدم"،قلت: آدم نبي مرسل؟ قال: "نعم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا: يا أباذر اربعة سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، صالح، وشعيب ونبيكم ـ يعني نفسه ـ، وإبراهيم من كوثى ربا، وسائرهم من بني إسرائيل، فأول الأنبياء آدم وآخرهم أنا، وأول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى". أخرجه ابن حبان في صحيحه، والخلعي في فوائد، والآجري في أربعينه، وأبو نعيم في الحلية، والطبراني في الكبير، كلهم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر، ونحوه عند أحمد، وابن أبي شيبة

في مسنديهما من حديث عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر ولم يعد الأنبياء، وقال في الرسل: ثلاثمائة وبضعة عشر جمًا غفيرًا، وقال مرة: خمسة عشر. وأخرجه أحمد أيضًا وإسحاق بن راهويه في مسنديهما عن أبي أمامة أن أباذر سال فذكر عدد الأنبياء والرسل وجزم بثلاثمائة وخمسة عشر. وكذا هو عند إسحاق عن عوف بن مالك عن أبي ذر قال: ثلاثمائة وخمسة عشر. والله أعلم.

152 - سئلت: عن حديث اوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا

152 - سئلت: عن حديث "اوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارًا". والجواب: روى أبو أحمد العسكري في كتاب الأمثال له من طريق سليمان بن عبد الله النوفلي عن جعفر بن محمد بن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الأمور اختصارًا". وهذا مرسل وفي سنده من لم أعرفه، وفي مسند الفردوس تبعًا لأبيه بلا إسناد عن ابن عباس: "أغطيت جوامع الكلم، واختصر لي الحديث اختصارًا". وعند البيهقي في الشعب من طريق عبد الرازق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة: أن عمر مر برجل يقرأ كتابًا من التوراة فذكر الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت فاتحًا وخاتمًا، وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه، واختصر لي الحديث اختصارًا ... ". وللطبراني من طريق أبي الدرداء قال: جاء عمر وذكر نحوه، ولأبي يعلي من طريق خالد بن عرفطة قال: كنت عند عمر فجاءه رجل فذكره، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس: إني قد أوتيت جوامع الكلم

وخواتمه، واختصر لي اختصارًا". واصل الحديث من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: "أعطيت فواتح الكلم" وفي لفظ: "مفاتيح الكلم"، وفي أخرى: "جوامع الكلم، ونصرت بالرعب". ومن حديث سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة بلفظ: "أعطيت جوامع الكلم". وفي لفظ: "بعثت بجوامع الكلم" ومن طريق أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة: "أوتيت جوامع الكلم". ومن طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: "أعطيت جوامع

الكلم". ومن حديث عطاء بن السائب عن أبي جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب في حديث: "أعطيت خمسًا" وفيه: "وأعطيت جوامع الكلم". وفي حديث أبي موسى الأشعري: "أعطيت فواتح الكلم وخواتمه"، قلنا: يا رسول الله! علمنا مما علمك الله فعلمنا التشهد. وفي حديث هند بن أبي هالة الطويل كان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم، قال ابن شهاب، فيما نقله البخاري في الصحيح: بلغني في جوامع الكلم أن الله

يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك. انتهى. وحاصله: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز، القليل اللفظ الكثير المعاني، وقال سليان بن عبد الله النوفلي: كان صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام القليل يجمع به المعاني الكثيرة. وقال غيره: "يعني القرآن بقرينة قوله: بعثت، والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني. وقال آخر: القرآن وغيره مما أوتيه في منطقه فبان به من غيره بالإيجاز والإبلاغ والسداد، ودليل هذا كان يعلمنا جوامع الكلم وفواتحه. والحديث في البخاري في أوائل الاعتصام وقبل ذلك في موضعين من التعبير. وقد راجعت ذلك من فتح الباري ولم أره تعرض للحديث الأول. وهذه جملة الخصال التي وقف عليها شيخنا: نصره بالرعب مسيرة شهر، جعل الأرض له مسجدًا وطهورًا، حل الغنائم له، الشفاعة، عموم البعثة، جوامع الكلم، كونه خاتم النبيي، جعل صفوف أمته كصفوف الملائكة، 'عطاءه خواتم البقرة من كنز تحت العرش، يشير إلى ما حطه الله تعالى عن أمته من الإصر، وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، وإعطاء مفاتيح الأرض، تسميته أحمد، جعل أمته خير الأمم، غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إعطاءه الكوثر، كونه صاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه كون شيطانه كان كافرًا فأعانه الله عليه

153 - سألت: أيدك الله تعالى: هل يكره تسمية الرجل عبده بخير الله وسعدا وسعيدا ومسعودا أم لا؟

فأسلم. [الحمد لله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت]. 153 - سألت: أيدك الله تعالى: هل يكره تسمية الرجل عبده بخير الله وسعدًا وسعيدًا ومسعودًا أم لا؟ والجواب: إنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث الربيع بن عُميلة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمى رقيقنا أربعة أسماء: أفلح، ورباحًا، ويسارًا، ونافعًا، وفي لفظ له: "لا تسم غلامك رباحًا وذكرها" وفي لفظ له آخر: "لا تسمين غلامك يسارًا ولا رباحًا ولا نجيحًا ولا أفلح، فإنك تقلو: أثم هو؟ فلا يكون فيقول: لا، إنما هن أربع فلا تزيدن علي" وهو باللفظ الأول والأخير عند أبي داود. وروي مسلم أيضًا من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرًا رضي الله عنه يقول: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي أن يسمى بيعلى وببركة، وبأفلح وبيسار وبنافع، وبنحو ذلك. ثم رأيته سكت بعد، فلم يقل شيئًا. ثم قبض صلى الله عليه وسلم

ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك، ثم تركه. وهو كذلك، لكن إلى قوله: «شيئًا» فقط عند البخاري في «الأدب المفرد»، وعلقه أبو داود لكنه قال: إنه لم يذكر بركة، وعندهما معًا ـ أعني البخاري في «الأدب المفرد» وأباداود ـ من حديث أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عشت إن شاء الله أن أنهى أمتي أن يسموا نافعًا وأفلح وبركه» قال الأعمش: لا أدري ذكر نافعًا أم لا، فإن الرجل يقول: إذا جاء: أثمَّ بركة فيقولون: لا. قال النووي رحمه الله: قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث، وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه لا تحريم، والعلة في الكراهة ما بينه صلى الله عليه وسلم في قول: «فإنك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا» فكره لبشاعة الجواب، وربما أوقع بعض الناس في شيء من

الطيرة، وأما قوله: أراد صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن هذه الأسماء فمعناه: أن ينهي عنها نهي تحريم فلم ينه. وأما النهي الذي هو لكراهة التنزيه، فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية. وقوله: "فلا تزيدن علي" ومعناه الذي سمعته أربع كلمات، وكذا رويتهن لكم فلا تزيدن علي في الرواية ولا تنقلوا عني غير الأربع، وليس فيه منع القياس على الأربع، وأن يلحق بها ما في معناها. انتهى كلام النووي وقال الخطابي في معالم السنن: قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك، وذكر العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها، وذلك أن القوم إنما كانوا يقصدون بهذه الاسماء وما في معناها، إما التبرك بهذا أو التفاؤل بحسن ألفاظها ومعانيها فحذرهم أن يفعلوه لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذه التسميات إلى الضد وذلك إذا سالوا فقالوا، أثم يسار. أثم رباح؟ فإذا قيل: لا تطيروا بذلك وتشآءموا به وأضمروا على الإياس من اليسر والرباح فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله تعالى، ويورثهم الإياس من خيره. انتهى. وقال المنذري في الحاشية: قيل: النهي مخصوص فيها، وقيل: إنه عام في كل ما كان من معناها، وقيل: إن منسوخ، وقيل: النهي كان بقصدهم التفاؤل، ومن لم يقصد فذلك جائز. وكتبت في الجواب ما نصه: في الموالي جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم اسم كل منهم سعد، وكذا فيهم من اسمه سعيد أيضًا، ولم يرد

في ذلك بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي، والذي صح نهيه عنه تسمية الرقيق بأفلح ورباح ويسار ونافع ونجيح، وعلل في الخبر النهي بكونه يقال: أثم هو؟ ولا يكون، فيقول: لا، فيكون في الجواب بشاعة لما يتضمن من نفي ما يتفاءل بحسن لفظه ومعناه. وحمل العلماء النهي في ذلك على كراهة التنزيه لا التحريم، لوقوع أكثر هذه الأسماء في موالي النبي صلى الله عليه وسلم كأفلح، ورباح، ويسار، ونافع، فدل على الجواز ولم يخصوا الأسماء الواردة بالكراهة، بل ألحقوا بها ما في معناها، هذا هو المعتمد، وقصر بعضهم النهي على الوارد فقط دون ما في معناه، وبعضهم بمن لم يتطير بذلك، وادعى بعضهم أن النهي منسوخ بحديث آخر صحيح أيضًا قال فيه صلى الله عليه وسلم: "إن عشت إن شاء الله أنهى أمتي أن يسموا نافعًا وأفلح وبركة" ثم لم يفعل، وذلك لما رأى من تعود القوم بهذه الأسماء فنسخه لهم لكن المعتمد أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي عنها نهي تحريم لكون نهيه السابق كما قدمناه للتنزيه. فلم ينه وحينئذٍ فلا نسخ، والله الموفق.

154 - حديث: ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال: إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال

154 - حديث: ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال: "إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال". وفي صحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري: أن يهوديًا قدم زمن النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثين حمل شعير وتمر، فسعر مدًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم بدرهم وليس في الناس يومئذٍ طعام غيره، وكان قد اصاب الناس قبل ذلك جوع لا يجدون فيه طعامًا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الناس يشكون إليه غلاء السعر، فصد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه فقال: "لألفين الأمين قبل أن أعطي أحدًا من مال أحد من غير طيب نفس، إنما البيع عن تراض، ولكن في بيوعكم خصالاً أذكرها لكم، لا تضاغنوا، ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا يسوم الرجل على سوم أخيه، ولا يبيعن حاضر لباد، والبيع عن تراض، وكونوا عباد الله إخوانًا". وللدارقطني في الأفراد بسند بين هو ضعفه عن علي قال: غلا

السعر بالمدينة قال: فذهب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: غلا السعر فسعر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المعطي وأن لله ملكًا اسمه عمارة على فرش من حجارة الياقوت، طوله مد بصره، يدور في الأمصار، ويقف في الأسواق، فينادي، ألا ليغلوا كذا وكذا الا ليرخص كذا وكذا". وروى البيهقي في الكبرى وأصله في مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه"، وللحكيم الترمذي في المناهي له بسند ضعيف عن ابن عباس: أن رجلاً بايع [بزازًا بردة] فقال رجل: أيها الناس! إنها لا تساوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مه يا متكلف! دع الناس يعيش بعضهم من بعض فإذا استنصحك فانصح".

155 - الحمد لله سئلت: عما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن جابر رضي الله عنه رفعه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، فذكرها، وفيها: ونصرت بالرعب مسيرة شهر، هل ورد مسيرة شهرين؟

155 - الحمد لله سئلت: عما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن جابر رضي الله عنه رفعه: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي"، فذكرها، وفيها: "ونصرت بالرعب مسيرة شهر"، هل ورد مسيرة شهرين؟ والجواب: إن هذه الرواية الصحيحة جاءت كذلك من حديث أبي ذر وأبي أمامة وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد

الخدري وأبي موسى الاشعري وغيرهم رضي الله عنهم، ولفظ بعضهم: "شهرًا يكون بين يدي"، وأما اللفظ المسئول عنه، فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير بسند ضعيف، عن ابن عباس رضي اله عنهما قال: نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين. انتهى. وعلى تقدير ثبوت هذا فحكمه الرفع إذ لا مجال للرأي فيه، على أنه قد روي مرفوعًا صريحًا فروى الطبراني في الكبير بسند ضعيف أيضًا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الأنبياء بخمس: بعثت إلى الناس كافة، وذخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي". ووقع في رواية عزاها شيخي رحمه الله للطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ: "شهرًا أو شهرين" لكني لم أظفر بها الساعة بل وجدت حديث أبي أمامة من وجهين كالصحة: وقال شيخي رحمه الله: ظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك كالشام

156 - وسئلت: عن حديث: كاد الفقر أن يكون كفرا

والعراق واليمن ومصر ليس من المدينة النبوية للواحدة منها إلا شهرًا فما دونه. والله أعلم. 156 - وسئلت: عن حديث: "كاد الفقر أن يكون كفرًا". فقلت: روى أحمد بن منيع في مسنده من طريق يزيد الرقاشي عن الحسن أو أنس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كاد الحسد أن يسبق القدر، وكاد الفقر أن يكون كفرًا". وأخرجه أبونعيم في الحلية من طريق يزيد عن أنس بلا شك بلفظه، وفي لفظ عنده أيضًا: "أن يغلب القدر" وهو بهذا اللفظ عند البيهقي في الشعب عن يزيد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفرًا وكاد الحسد أن يغلب القدر" وأخرج الطبراني من طريق عمرو بن عثمان الكلابي عن عيسى بن يونس عن سليمان التيمي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كاد الحسد أن يسبق القدر وكادت الحاجة أن تكون كفرًا" والله الموفق. [و] في مسند الفردوس عن

157 - ثم سئلت: عن أبيات شاع أنها من نظم شيخنا ونصها: في قص ظفرك يوم السبت أكلة ... تبدو وفيما قلته تذهب البركة وعالم فاضل يبدو بتلوهما ... وإن يكن في الثلاثاء فاحذر الهلكة ويورث السوء في الأخلاق رابعها ... وفي الخميس الغني يأتي لمن سلكه والعلم وا

أنس رفعه: "كاد الحليم أن يكون نبيًا". 157 - ثم سئلت: عن أبيات شاع أنها من نظم شيخنا ونصها: في قص ظفرك يوم السبت أكلة ... تبدو وفيما قلته تذهب البركة وعالم فاضل يبدو بتلوهما ... وإن يكن في الثلاثاء فاحذر الهلكة ويورث السوء في الأخلاق رابعها ... وفي الخميس الغني يأتي لمن سلكه والعلم والرزق زيدا في غروبتها ... عن النبي روينا فاقتفى نسكه هل ثبتت عنه، ومن نظمها وما ورد في ذلك؟ فكتبت: هذه الإشاعة عن شيخنا شيخ الإسلام رحمه الله باطلة، ولا يجوز نسبة ذلك ولا بعضه إليه، والعجيب أنني سمعت في حياته من يعزوها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنكر هو ذلك أشد الإنكار، وصرح بعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، بل ولا ضعيف. نعم أخرج الديلمي في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "من أراد أنيأمن الفقر وشكاية العمى والبرص والنون فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر وليبدأ بخنصره اليسرى" لكنه واهٍ جدًا، وأوهى منه الخبر الذي رويناه مسلسلاً بقص الأظفار يوم الخميس، لأنه لا يصح سندًا ولا متنًا. وحينئذٍ فناظم هذه الأبيات مع أني إلى الآن ما عرفته، آثم مفتر، حيث يقول على

158 - رأيت كثيرا ممن يبلغه الكلام في ولاية من لا يصلح، يحتج بولاية الصالحي

رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة الجزم ما لم يقله، وكذا روايها قبل الاستخبار أو بعده غير مقترن ببيانه وبالله التوفيق. ثم أفردت في قص الأظفار جزءًا، إجابة لسائل فيه. 158 - رأيت كثيرًا ممن يبلغه الكلام في ولاية من لا يصلح، يحتج بولاية الصالحي. فأحببت تلخيص ترجمته من كلام شيخي شيخ الإسلام حافظ العصر ان حجر رحمه الله تعالى ليعلم الفرق: محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن فريج القاضي ناصر الدين المقرئ ابن الصالحي من الصالحية التي بظاهر القاهرة، ولد سنة بضع وخمسين، وسمع فيما ذكر من الجمال ابن نباتة وغيره، وتعانى الأدب، فنظم الشعر الوسط وكتب الخط الحسن، ووقع عن القضاة ثم ناب في الحكم عن الحنفية ثم عن الشافعية ثم وثبت على منصب قضاء الشافعية لما غاب الصدر المناوي في السفر مع السلطان لقتال الطاغية تمرلنك واستقر بعد اليأس من المناوي وشغور المنصب عنه أزيد من شهرين في تاسع عشري من شعبان سنة ثلاث وثمانمائة، فأقام عشرة أشهر ثم عزل في رابع جمادي الآخرة سنة أربع، واستقر الجلال البلقيني عوضًا عنه بمال كثير بذله بعناية سودون طاز، ثم أعيد الصالحي بعناية السالمي في ثالث عشري شوال سنة خمس بعد عزله ابن البلقيني، فاستمر فيه أربعة أشهر ومات بعلة القولنج الصفراوي في ثاني عشر المحرم سنة ست وثمانمائة، وأسف أكثر الناس عليه لحسن تؤدته وكرم نسه، وطيب عشرته ومشاركته في العلم مع لين جانبه وتواضعه وقبوله

159 - الحمد لله: ورد المرسوم العالي بعد المشافهة بالكشف عن حال عبدالله بن شبرمة الشريكي

للرسائل حتى كثرت النواب في زمنه وكثرة بره للفقراء والأغنياء حتى ربما أدى إلى حرمان بعض المستحقين من الأيتام ونحوهم ولأنهم ألفوا من المناوي البأو المفرط الذي جرت العادة بعدم احتماله ولو عظم المتلبس به، فرحمة الله عليهم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا. 159 - الحمد لله: ورد المرسوم العالي بعد المشافهة بالكشف عن حال عبدالله بن شبرمة الشريكي أحد من سرق من ثابت بن موسى حديث: "من كثرت صلاته بالليل" فحدث به عن شريك فامتثل ذلك، وراجع أولاً لسان الميزان لشيخه رحمه الله فلم يره في نسخته بل ذكر "عُبيد الله" ـ بالتصغير ـ ابن شبرمة ونبه على أنه عبد الله كما في الضعفاء للعقيلي واشار إلى أنه تقدم، كذا قال. وعندما لم يره العبد، توهم أن يكون في الميزان مع استبعاده لذلك حيث قرأ غير واحد من الجماعة اللسان على مصنفه مع اعتبار أصله لكنه أراد دفع الشك باليقين وراجعه فيما رآه هناك إنما ذكر عبد الله بن شبرمة القاضي الكوفي أحد الأئمة الأعلام الذي احتج به مسلم وغيره، وهو في التهذيب، وهو قديم على طبقة هذا وإن كان في

كلام الزركشي ما يوميء إلى أنه هو، مستدلاً بأن أبا نعيم الأصبهاني أخرج الحديث المذكور في تاريخ أصبهان فقال: حدثنا أبو عمر عثمان بن محمد حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا عبد الله بن شبرمة الكوفي حدثنا شريك به. قال: وأما الشريكي الذي ذكره ابن عدي، فلم أر له ذكرًا في كتاب الجرح والتعديل، وهذا الكلام مردود بأن أبا نعيم لا يمكن أن يكون بينه وبين القاضي أقل من ثلاثة رجال، وقد وقع بينهما رجلان مع التصريح بالتحديث، ثم إن قوله: إنه لم يره هو في كتاب العقيلي في الضعفاء كما أفهمه كلام اللسان لعدم الوقوف على الكتاب المذكور، وقد خطر ببال العبد أن يكون في الكامل لابن عدي فتصفح العبادلة منه فلم ير منه لابن شبرمة ذكرًا، وكذا راجع ترجمة الكاهلي وعبد الحميد والبلقاوي ممن أتهم بسرقة الحديث متوهمًا أن يكون ذكره استطرادًا فلم يجد ذلك بل، ذكر الحديث في تراجم الثلاثة إلا الأول، ونبه على أن كلا منهما سرقه من ثابت، وكان قد ذكر ثابتًا وأورد في ترجمته الكلام المنقول عنه في شرح الألفية وغيرها بنصه، من غير زيادة على ذلك. هذا كله بعد مراجعة الضعفاء للنسائي ولابن الجوزي، وكذا الموضوعات له، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمتفق والمفترق للخطيب، ومختصر الذهبي أيضًا في

الضعفاء، وحرف الشين المعجمة من كل من الأنساب لابن السمعاني ولابن الاثير والرشاطي فما وجد لهذا الرجل فيه ذكرًا. نعم، بحاشية كتاب ابن الأثير بخط شيخ الإسلام الشيخ رحمه الله ما نصه: والشريكي نسبة إلى شريك القاضي منهم عبد الله بن شبرمة الشريكي، أحد الضعفاء انتهى. وهذا يدل على أنه معروف فالله أعلم، ثم إن ذخيرة الحفاظ لابن طاهر وهو عبارة عن ترتيب أحاديث الكامل على حروف المعجم زيادة في نسبه، وإنه عبد الله بن شبرمة بن عمر بن شريك لم يزد على ذلك، وما تيسر للعبد مراجعة كتاب مغلطائي في الضعفاء.

160 - سئلت: عن حديث: لا يعذب الله عبدا بمسألة اختلف فيه العلماء. وما الحكمة في سؤال الأطفال والأنبياء؟ وإذا كان لكافر على مسلم أو كافر حق كي القصاص له يوم القيامة؟ وهل ورد في فعل العذبة شيء، وما حاله وما كيفيتها؟ والحديث الذي في المعجم أوغيره: أ

160 - سئلت: عن حديث: "لا يعذِّب الله عبدًا بمسألة" اختلف فيه العلماء. وما الحكمة في سؤال الأطفال والأنبياء؟ وإذا كان لكافر على مسلم أو كافر حق كي القصاص له يوم القيامة؟ وهل ورد في فعل العذبة شيء، وما حاله وما كيفيتها؟ والحديث الذي في المعجم أوغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل غلامًا في حاجة فقال: "امض ولا تلتفت"؟ وهل ورد: "ما يأبى الكرامة إلا لائم" أو ما في معناه؟ الجواب: أما الأخير، فهو في مسند الفردوس من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأبى الكرامة إلا حمار" ثم قال: ويقال إن هذا من كلام علي. انتهى. وهذا أخرجه سعيد بن منصور في سننه من طريق محمد بن علي قال: ألقي لعلي وسادة فقعد عليها وقال ذلك. وأما الحديث الذي قبله.

يراجع ترجمة أحمد بن عيسى بن رضوان مما كتبته من حواشي طبقات الشافعية في العذبة. وأما مسألة الاقتصاص للكافر، فلم أقف الآن فيها على نقله ويمكن ... قد صح أن الكافر إذا عمل حسنة يعني مما لا يفتقر فيها لنية كصلة رحم، يطعم فيها من الدنيا، فعموم حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رفعه: «لتؤدُّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء». وحديثه أيضًا بهذا السند: «أتدرون من المفلس» الحديث. وحديث جابر الذي رحل فيه لعبد الله بن أنيس مرفوعًا: «لا ينبغي

لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده مظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل الجنة, ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة [قال: قلنا: كيف وإنما نأتي الله [عز وجل] عُراة غرلا بهمًا؟ قال: "بالحسان والسيئات" وحديث ابي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي، وسعد بن مالك، وحذيفة، وابن مسعود وتمام ستة أو سبعة من الصحابة قالوا: "إن الرجل ليرفع له يوم القيامة صيحفته حتى يرى أنه [ناج] فما يزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما تبقى له حسنة وتحمل عليه من سيئاتهم" أخرجه البيهقي. وحديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة في قوله عز وجل: "أمم أمثالكم" قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء من عدل الله عز وجل أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول: كوني ترابًا" أخرجه البيهقي.

وحديث عبد الله بن الزبير عن أبيه: لما نزلت (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب قال: "نعم ليكررن عليكم حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه" فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد.

161 - [حديث: ثلاث من كن فيه]

161 - [حديث: "ثلاث من كن فيه"]: أخبرني العز أبو محمد الحنفي سماعًا في سنة خمسين عن ست العرب ابنة محمد بن الفخر ابي الحسن ابن البخاري والعز أبي عمر عبد العزيز بن البدر ابن جماعة وهو آخر من حديث عنهما قالت الأولى: أخبرنا جدي الفخر حضورًا وإجازة عن أبي جعفر الصيدلاني أخبرتنا أم إبراهيم الجوزذانية، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله سماعًا أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن ايوب الطبراني اللخمي حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا محمد بن عرعرة بن البرند حدثنا فضال بن الزبير أبو مهند الغداني سمعت ابا أمامة رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن في قلبه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن لا يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النارط. وقال العز: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر إذنًا عن أبي روح عبد المعز بن محمد الهروي أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أيوب الزاهد أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور أخبرنا أبو القاسم عبدي الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة قال قرئ علي أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي حدثنا طالوت بن عباد حدثنا فضال بن جبير حدثنا أبو أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث من كن فيه" وذكره وقال: "وأن يكره أن يرجع في الكفر" أخرجه الطبراني في معجمه الكبير هكذا كما أخرجناه. وكذا رواه في الأوسط وقال فيه: لا يروى عن أباه أمامة إلا بهذا

الإسناد، ولفظه في الأوسط: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه" إلى أن قال: "وأن يحب العبد لا يحبه إلا لله" ولفظ الثالثة: "وأن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه". ووقع لنا أيضًا في نسخة طالوت بن عباد بالسماع المتصل، لكن أنزل مما قبله، رواه الذهبي في الميزان عن أحمد بن هبة الله، لكنه كما رأيته في النسخة قال: يوسف بن يعقوب والصواب ما قدمته، فكان شيخي ـ رحمه الله ـ سمعه منه، وقال عقبه: غريب من هذا الوجه، وأورد له في تاريخه بهذا السند حديثًا غير هذا، وقال عقبه: هذا حديث ضعيف الإسناد، إلا أن مسلم بن الحجاج رواه في صحيحه من حديث ابن عمر. انتهى. قلت: قد حسن شيخنا في عشارياته بهذه الترجمة حديثًا آخر لشواهده، وقال: طالوت بن عباد قال فيه أبو حاتم: صدوق، وضعفه غيره، كذا قال ابن الجوزي. قال الذهبي: وقد تعبت في التفتيش لأجد أحدًا ضعفه فلم أقدر على ذلك. انتهى. ووثقه ابن حبان، وقال صالح جزرة: شيخ صدوق، ولم يتفرد به

كما رأيت، بل تابعه عليه أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي الحافظ الثقة عن محمد بن عرعرة بن البرند الشامي المتفق على إخراج حديثه في الصحيحين عن فضال بن جبير. قال شيخنا: فأما فضال، فذكره الحافظ أبو أحمد العسال في تاريخه فقال: فضال بن جبير بصري سمع من أبي أمامة وساق له حديثًا ولم يخرجه، وذكره ابو حاتم فضعه فيما ذكره الكناني عنه، ولم اره في كتاب ابن أبي حاتم، وأورد له ابن عدي وابن حبان أحاديث استنكراها، وقد أخرج له الحاكم في المستدرك. قلت: في الشواهد لا في الأصول، من طريق كامل بن طلحة الجحدري عنه في الدعاء وليس له عنده غيره، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال. انتهى، وممن روى عنه غير طالوت كامل ومحمد بن عرعرة وحفص بن عمر المازني وعبد الوهاب بن عتاب وهشام بن هشام الكوفي وكلهم سموا والده جبيرًا إلا ابن عرعرة فسماه الزبير، قال الطبراني: والصحيح فضال بن جبير. ولحديثه شواهد منها ما اتفق الشيخان على إخراجه من حديث

أنس وخ م س ق من حديث شعبة بن الحجاج عن قتادة عن أنس، وخ م س من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس، ورواه م من حديث حماد عن ثابت عن أنس، والنسائي من حديث إسماعيل عن حميد عن أنس، ومن حديث طلق بن حبيب عن أنس، وهو بمعناه عند أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عن نوفل بن مسعود عن أنس، وكذا أخرجه أبويعلى من حديث يحيى بن سعيد القطان به.

ورواه بنحوه ايضًا الطبراني في الكبير من طريق نعيم بن عبد الله المجمر عن أنس. ولحديثه شواهد منها: ما اتفق الشيخان على إخراجه من حديث شعبة بن الحجاج عن قتادة، ومن حديث أيوب عن أبي قلابة، وانفرد به مسلم من حديث حماد عن ثابت، والنسائي من حديث طلق بن حبيب كلهم عن أنس، والنسائي أيضًا من حديث إسماعيل، وابن منده في كتاب الإيمان من حديث معتمر كلاهما عن حميد وهو بمعناه من ثلاثيات الإمام أحمد قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن نوفل بن مسعود كلاهما عن أنس، وكذا أخرجه أبويعلى منحديث القطان به، ورواه بنحوه أيضًا الطبراني في الكبير من طريق نعيم بن عبد الله المجمر عن أنس. فهؤلاء سبعة رووه عن أنس، وقد أغفل المزي حديث ابن ماجه ولم يستدركه شيخنا فاستدركته وهو في ق في الصبر على البلاء من كتاب الفتن.

162 - حديث: إن يكنه فلن تسلط عليه

162 - حديث: "إن يكنه فلن تسلط عليه". فأخرجه الشيخان في صحيحيهما من طريق يونس عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر أخبره أنعمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان وساقا الحديث بطوله وفيه فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك فيقتله". 163 - أما حديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية". فقد أخرجه النسائي في سننه والإمام أحمد والروياني في مسنديهما، والطبراني في معجمه الكبير وغيرهم، وصححه ابن حبان وأورده الضياء

المقدسي في المختارة كلهم من حديث أبي ابن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا" لفظ النسائي وفي لفظ: "من سمعتموه يدعو بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" وفي آخر: "إذا اعتزى أحدكم بعزاء الجاهلية" وفيه قصة وهي: أن رجلاً تعزى عند أبي بعزاء الجاهلية فأعضه أبي بأير أبيه ولم يكنه فكأن القوم استنكروا ذلك منه فقال: لا تلوموني فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا: "من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا". قلت: وهذا الرجل مسمى في رواية عند الطبراني في مسند الشاميين فإنه روى من طريق الحسن عن عجرد بن مدراع أنه نازع رجلاً عند أبي بن كعب فقال: يا تميم فقال أبي: أعضك الله بأير أبيك فقالوا: يا أبا المنذر ما عهدناك فحشا فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمرنا من اعتزى بعزاء الجاهلية أن نعضه ولانكني. وهذا للتنكيل بفاعله وتأديبه والله أعلم. وأما قول جهنم ـ أعاذنا الله منها-: "قطني قطني" فإن روايات البخاري كلها في حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى في

النار وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فيها فتقول: قط قط" وقط بالتخفيف والتسكين، ويجوز الكسر بغير إشباع، وفي بعض رواياته قد قد، بالدال بدل الطاء، ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر قطي قطي، بالإشباع وقطني، بزيادة نون مشبعة، ووقع في رواية أبي سعيد عن الإمام أحمد "قدني قدني"، وكلها بمعنى أي حسبي حسبي. وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة ـ والله أعلم ـ من شرح البخاري في تفسير ق. حديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا" أخرجه النسائي من طريق عوف عن الحسن عن عُتي عن أبي بن كعب قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا". ومن طريق آخر عن عوف عن الحسن عن عُتي قال: شهدته يومًا ـ يعني أبي بن ابن كعب ـ وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضه بأير ابيه ولم يكنه، فكأن القوم استنكرواذلك منه فقال: لا تلومونني فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا". ومن طريق السري بن يحيى عن الحسن به بلفظ: "من سمعتموه يدعو بدعوى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه ولا تكنوا". ومن طريق أشعث عن الحسن أن أبيا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اعتزى أحدهم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا". وهذا سقط منه عُتي. وقد رواه أحمد من طريقين عن عوف، ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق عيسى بن يونس ويونس ثلاثتهم عن الحسن أنه نحوه بإثبات عُتي، وكذا أخرجه الروياني من طريق يونس والطبراني في

الكبير من طريق عوف بلفظ:"إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا". ورجاله ثقات، وقد صححه ابن حبان وأورده الضياء المقدسي ي المختارة. ورويناه في القطيعيات والمحامليات، وكذا هو عند أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، ولم يقع في رواية واحد منهم تسمية الرجل المبهم، وقد ظفرت به في مسند الشاميين للطبراني رواه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عجرد بن مدراع التيميم أنه نازع رجلاً عند أبي بن كعب فقال: يا تميم! فقال أبي: أعضك الله بأير أبيك، فقالوا: يا أبا المنذر ما عهدناك فحاشًا فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمرنا من اعتزى بعزاء الجاهلية أن نعضه ولا نكني. قلت: وهذا للتأديب به وتنكيله.

164 - [مسألة]

164 - [مسألة] الحمد لله: روينا في شعب الإيمان للبيهقي من طريق علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك وسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن! قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به فقال: اذهب فانظر موضعًا يحتاج فيه الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرًا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنه الدم، ففعل الرجل فبرأ. قال البيهقي بعد إيراد هذا: وفي هذا المعنى حكاية قرحة شيخنا الحاكم أبي عبد الله ـ يعني صاحب المستدرك ـ رحمه الله فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريبًا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الأصبهاني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولي لأبي عبد الله: يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء بنيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها أمر بصب الماء فيها، وطرح الحمد في الماء، وأخذ الناس من الماء فما مرت عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى ما كان وعاش بعد ذلك سنين. وإن كان عنده ماء زمزم فليشرب منه بنية الشفاء، وليقل عند شربه إياه: بسم الله اللهم إنه بلغنا عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما

له وإني أشربه بنية الشفاء من كذا. واستحب لبس الثوب اللين بل صح أنه صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في قميص حرير من حكة كانت بجلدهما. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان

الشنجة منه أو كانت به قرحة أو جرح أوخراج، قال بأصبعه هكذا، ووضع سبابته بالأرض ثم رفعها: "بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا". وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "تراب أرضنا شفاء لقرحنا بإذن ربنا" وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: "أعندك ذريرة" قالت: نعم، فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصبعين من أصابع رجليه ثم قال: "اللهم مطفئ الكبير ومصغر الكبير أطفئهاعني" قال: فطفئت. وكان عتبة بن فرقد رضي الله عنه أطيب الناس ريحًا بحيث أننسائه كن يجتهدن في الطيب فلا يدركنه، فسئل عن ذلك فقال: أخذني الشري، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه فأمرني فقعدت بين يديه فجعل ثوبي على فخذي، ومسح ظهري وبطني، ثم نفث في كفه اليمنى فمسح ظهري وبطني. وقالت سلمى أم رافع فيما رواه الترمذي رضي الله عنها: ما

سمعت أحدًا يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في رأسه إلا قال: "احتجم" ولا وجعًا في رجليه إلا قال: "اخضبهما بالحناء". وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابه الكلم أو النكبة جعلت عليه الحناء وفي لفظ عنها: شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربانًا في قدميه فقال: "اخضبهما بالحناء وألق في الحناء شيئًا من الملح".

165 - سئلت عن ضبط حجر بن قيس المدري

165 - سئلت عن ضبط حجر بن قيس المدري، وهو بفتح الميم والدال المهملة بعدها راء مهملة نسبة إلى مدر قرية باليمن على نصف مرحلة من الجند ـ ويقال له أيضًا: الحجوري ـ بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وبعد الواو الساكنة راء مهملة ـ وهو أيضًا نسبة لموضع باليمن سمي باسم قبيلة من همدان، ولذلك نسب ابن أبي حاتم وابن حبان حجرًا همدانيًا وكان فيما قاله العجلي: من خيار التابعين دعاه محمد بن يوسف وهو أمير اليمن فقال: إن أخي الحجاج كتب إليَّ أن أقيمك للناس فتلعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: اجمع لي الناس فجمعهم فقال: إن الأمير محمد بن يوسف أمرني بلعن علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه الله، انتهى. والله تعالى يكفينا وإياكم شر خلقه ويقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا حتى لا نتكلم في كلام الله بالآراء ونعم الناس بالازدراء والملام، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسلمًا. 166 - حديث: "عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر ويذهب القذاء"، وبالكحل المروج وهو المسك، يتجنبه الصائم،

والاكتحال وترًا ثلاثًا في هذه وثلاثًا في هذه أو ثلاثًا في هذه وثنتين في كل منهما، ويقسم بينهما آخر. كان ابن سيرين يفعله. "لا تكرهوا الرمد فإنهيقطع عروق العمى" "ولا تمس العين الرمدة" فيروى عن أبي سعيد الخدري قال: "مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل العين، ودواء العين ترك مسها" وإذا كان امرأة فلا تجامع حتى تبرأ. روي في حديث: ودخل صهيب وهو يشتكي إحدى عينيه على النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يأكل تمرًا وخبزًا فقال: "ادن فكل" أخذ يأكل فقال: "يا صهيب! تأكل تمرًا وبك رمد" فقلت: يا رسول الله! إنما آكل من الناحية الأخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فائدة: ترتيب من وقفت عليه الآن من الجيزيين: أحمد بن بلال القاضي في المشتبه أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم أبو الطاهر في

الإكمال، أحمد بن علي الزجاج في المشتبه، أحمد بن محمد عمرو الأزدي في ابن نقطة، والمشتبه أزهر بن عبد الله بن سالم أبو شعيب في ابن السمعاني، ثعلب أبو الوحش في ابن السمعاني، جعفر بن أحمد بن أيوب بن بلال مولى الأصبحيين في المشتبه، خلف بن راشد المهري في الإكمال، خلف بن مسافر قاضي الجيزة في الإكمال، الربيع بن سليمان بن داود أبو محمد في الإكمال، الربيع بن سلميان أبو سليمان الجيزي كان صاحب صلاة الجند بمصر بعد الثلاثين وثلاثمائة، ذكره شيخي في اللسان وقال: قال مسلمة بن قاسم: كتبت عنه وهو ضعيف، ولم يكن يحسن الأداء لما روى. قلت: وليس هذا في المتفق والمفترق للخطيب مع كونه ذكر ممن اسمه الربيع ابن سليمان أحد عشر رجلاً وكذا لم يذكره ابن يونس، ولا ابن الطحان، ولا القطب الحلبي في تاريخ المصريين، الربيع بن محمد بن

الربيع بن سليمان بن داود الماضي جده في الإكمال، رحمة بن خضر بن مختار في المشتبه، سعيد بن الجهم المالكي في الإكمال، سعيد بن عطاء بن سعيد أبو عثمان البلوي في الإكمال، عبد المتعال بن عمران بن يزيد بن أنيس بن عمران أبو يزيد اليافعي في الإكمال عبد المحسن بن مرتفع بن حسن الخثعمي في المشتبه، عبد الوارث بن الفضل الهمداني في الإكمال، عثمان بن محمد بن عثمان أبو محمد الهمداني الهوزني القاضي في الإكمال، محمد بن الربيع بن سليمان بن داود الماضي أبو في الإكمال، محمد بن سعيد بن ميمون أبو قبيل الجيزي مولى نافع في ابن يونس، محمد بن محمد بن علي أبو علي الزفتاوي شيخ شيخي في المشتبه، محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن شريح أبو بكر المعافري كان يسكن الجيزي في ابن يونس، محمدبن موسى بن رزقون أبو العليم الجيزي مولى عذرة في ابن يونس، محمد بن ميمون الجيزي العلا في ابن يونس، مقسم بن عبد الله بن يونس بن مقسم الحضرمي مولى لهم من أهل الجيزة جيزة الفسطاط في ابن يونس،

منصور بن علي الصيرفي في ابن نقطة، والمشتبه، موسى بن رزقون العذري الجيزي في ابن يونس، النعمان بن موسى في ابن نقطة والمشتبه، يعقوب بن إسحاق أبو يوسف في ابن السمعاني.

167 -

167 - تقدم بخط النوري على ابن الجريش رحمه الله: العد ينهى أن وقع للأمير الحافظ أبي نصر ابن ماكولا رحمه الله في كتابه الإكمال في حرف الحاء المهملة ما نصه: وأما الجيزي أوله جيم مكسورة بعدها معجمة باثنتين من تحتها وزاي، فجماعة ينسبون إلى جيزة مصر وعدد جماعة، ثم قال: والربيع بن سليمان بن داود الجيزي حدث عن هانئ بن المتوكل وغيره من المصريي، وعن إسماعيل بن ابي أويس المدني من المدنيين، وابنه محمد بن الربيع أبو عبد الله كان مقدمًا في شهود مصر، إلى أن قال: والربيع بن سليمان بن داود الأعرج الجيزي فقال: مولى الأزد أبو محمد يروي عن أسد بن موسى إلى أن ذكر ابنه محمدًا وهذا يقتضي أن يكون في أسماء الرجال المصريين أنساب كل منها يسمى بالربيع بن سليمان بن داود الجيزي ولم يذكر ابن يونس في تاريخ علماء مصر بهذا الاسم والنسب إلا الربيع الجيزي الأعرج، صاحب الشافعي، ولم ار في أسماء الرجال فيما وقفت عليه من المصنفات كالجرح والتعديل لابن ابي حاتم وغيره من هو بهذا الاسم وانسب إلا المذكور، فلا أدري تكرر ذلك من الأمير أو من الناسخ أو هما اثنان فإن يكن فسيدي يطالع العبد بذلك، والمسئول تحرير ذلك وكشفه الكشف الشافي.

168 -

168 - الحمد لله بعد السلام الكثير، والدعاء ببلوغ الأمل من خيري الدارين: ينهي أن المقتضي للإبطاء إنما هو التماس نسخة من الإكمال للأمير وحين تيسرت وجدها العبد كما أشرتم ولم يجد له سلفًا في التفرقة، وعنده أنه سهو من الأمير، إذ لا مانع أن يكون من يروي عند أسد بن موسى وعبد الله بن عبد الحكم. يروي عن هانئ بن المتوكل وإسماعيل بن أبي أويس لتعاصر الجميع، مات أسد في سنة اثنتي عشرة ومائتين، وابن عبد الحكم ي سنة أربع عشرة أو التي قبلها، وابن أبي أويس في سنة سبع وعشرين، وآخرهم وفاة هانئ لكونه عمر حتى جاز المائة مات في سنة اثنتين وأربعين. وأما الربيع الجيزي، فكانت وفاته في سنة ست، ويقال: سبع وخمسين، يعد آخرهم وفاة بأزيد من اثنتي عشرة سنة، ومولده بعد الثمانين ومائة، وقد راجعت ترجمته من تهذيب الكمال للحافظ الناقد أبي الحجاج المزي وهو ممن له قصد تام في ذكر شيوخ الراوي وطلبته وهو قصد مهم وإن لم يعرج شيخي

عليه، فما رأيت فيمن أورده من شيوخه إسماعيل وهانئًا وكذا راجعت كتاب مغلطائي الحافظ الذي استدرك فيه على المزي فما وجدته ذكرهما، نعم ذكرهما الحافظ القطب الحلبي في تاريخ مصر مع أسد وابن عبد الحكم وغيرهما وهو صنيع معتمد، ونحوه ما في الأنساب لأبي سعد ابن السمعاني، فإنه ذكره بروايته عن هانئ وإسماعيل، ثم نقل عن ابن حبان له ترجمة ذكر فيها من شيوخه يحيى بن بكير وهو ممن ذكره المزي في شيوخ الأعرج فاستأنست بهذا لما جزمت به من عدم التعدد، لا سيما والخطيب البغدادي لم يذكر في كتابه المتفق والمفترق ممن اسمه الربيع بن سليمان بن داود غيره، مع كونه ذكر فيه أحد عشر نفسًا ممن يسمى الربيع بن سليمان، ستة منهم لم يسم لهم جدًا، وآخر سمى جده إسحاق، وآخر وهو المنبه عليه داود، وآخر عبد الجبار، وآخر عبد الملك، وآخر يحيى. إذا عرف هذا ففي الرواة أيضًا الربيع بن سليمان أبو سليمان الجيزي متأخر عن هذا، كان صاحب صلاة الجند بمصر بعد الثلاثين وثلثمائة، وذكره شيخي في لسان الميزان وقال: قال مسلمة بن قاسم: كتبت عنه وهو ضعيف، ولم يكن يحسن الأداء لما روى. انتهى. وليس هذا في المتفق للخطيب، فليستدرك عليه، ومما ينبه عليه أن كلام ابن حبان الذي نقله السمعاني إنما هو في صحيحه عقب حديث خرج عنه، وليس في الثقات.

169 - حديث: من كتاب نبأ المهدي

169 - حديث: من كتاب "نبأ المهدي" عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المهدي رجل من عترتي، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي" أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن. وعن أم سلمة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي فقال: "نعم، هو حق وهو من ولد فاطمة"،أخرجه ابن المنادي في كتاب الملاحم، وعن قتادة لسعيد بن المسيب: "أحق المهدي؟ قال: نعم هو حق، قلت: ممن هو؟ قال: من قريش قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب، قلت: من أي ولد عبد المطلب؟ قال: من أولاد فاطمة، قلت: من أي ولد فاطمة، قال: حسبك الآن" أخرجه ابن المنادى، وعن ابن عباس قال: المهدي منا يدفعها إلى عيسى بن مريم. وعن إبراهيم بن ميسرة قال: قلت لطاؤس: عمر بن عبد العزيز المهدي هو؟ قال: لا، إنه لم يستكمل العدل كله. وعن جعفر بن سيار الشامي قال: يبلغ رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده. أخرجه نعيم بن حماد. وعن السفر بن رستم عن أبيه قال: المهدي رجل أزج أبلج أعين يجيء من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق. أخرجه نعيم بن حماد،

وعن علي بن أبي طالب قال: "المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه [اسمي واسم أبيه] اسم أبي ومهاجره بيت المقدس، كث اللحية أكحل العينين، براق الثنايا، في وجهه خال، أقنى أجلى، في كتفه علامة النبي يخرج براية النبي صلى الله عليه وسلم من مربط مخملة سوداء مربعة فيها حجر لم ينشر منذ توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينشر حتى يخرج المهدي، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة، يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين" أخرجه نعيم بن حماد. وعن كعب الأحبار قال: المهدي خاشع لله كخشوع النسر جناحه أخرجه نعيم بن حماد، وعن أبي جعفر الباقر قال: إذا قام مهندينا أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وإنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي. وعن كعب الأحبار قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية" أخرجه نعيم بن حماد. وفي لفظ له: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفارٍ من أسفار التوراة فيستخرجها من جبال الشام يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، وثم ذكر نحوًا من ثلاثين ألفًا. وعنه قال: إني لأجد المهدي مكتوبًا في أسفار الأنبياء، ما في حكمه ظلم ولا عيب وعن سعيد بن المسيب: تكون بالشام فتنة أولها

170 - حديث: البيهقي في الدعوات: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو محمد بن عبد الله ابن إسحاق الخراساني حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثني عبد الله بن نافع بن يزيد بن أبي نافع عن عيسى بن يونس السبيعي عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: قا

كلعب الصبيان كلما سكتت من جانب ظهرت من جانب آخر، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن أميركم فلان [يعني المهدي]. أخرجه نعيم بن حماد وابن المنادي. 170 - حديث: البيهقي في الدعوات: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو محمد بن عبد الله ابن إسحاق الخراساني حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثني عبد الله بن نافع بن يزيد بن أبي نافع عن عيسى بن يونس السبيعي عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى عليه السلام حين انفلق البحر؟ "قلت: بلى، قال: "قل اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وبك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله" تفرد به عبد الله بن نافع هذا وليس بالقوي. قلت: وليس هذا من رجال الستة ولا رأيته في ثقات ابن حبان، ولا في الميزان للذهبي، ولا المغني له، ولا اللسان لشيخنا، ولا في كثير من كتب الرجال، وإنما ذكره الخطيب في المتفق بالحديث المذكور فقط، ولم يتكلم فيه بجرح ولا غيره. نعم قال ابن الجوزي في الضعفاء عقب ترجمة عبد الله بن نافع مولى ابن عمر: وجملة من يجيء في الحديث (عبد الله بن نافع) سبعة لم نر طعنًا في أحد منهم سوى هذا. الخطيب في المتفق والمفترق: أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثني عبدالله بن نافع بن يزيد بن أبي نافع عن عيسى بن يونس السبيعي، عن

الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل: ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى حين انفلق البحر؟ قلت: بلى، قال: قل: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، وأنت المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" قال ابن مسعود: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو وائل: ما تركتهن منذ سمعتهن من عبد الله. قال الأعمش: ما تركتهن منذ سمعتهن من أبي وائل. كذا رواه عبد الله بن إسحاق البغوي هذا الحديث عن إبراهيم بن الهيثم. ورواه علي بن إسحاق الماذراي عن إبراهيم بن الهيثم البلدي عن أحمد بن خالد الشيباني عن عيسى بن يونس فالله أعلم. الطبراني في الأوسط والصغير: حدثنا جبير بن محمد الواسطي حدثنا جعفر بن النضر الواسطي حدثنا زكريا بن فروخ التمار الواسطي عن وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك الكلمات التي تكلم بها موسى حين جاوز البحر ببني إسرائيل؟ "، فقلنا: بلى يا رسول الله: قال: "قولوا: اللهم

لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" قال عبد الله: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شقيق: قال تركتهن منذ سمعتهن من عبد الله. قال الأعمش: فما تركتهن منذ سمعت من شقيق. قال الأعمش: فأتى آتٍ في منامي فقال: يا سليمان! زد في هؤلاء الكلمات: "ونستعينك على فساد فينا، ونسألك صلاح أمرنا كله". تفرد به جعفر بن النضر الواسطي ابن بنت إسحاق بن يوسف الأزرق.

171 - حديث: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك

171 - حديث: "اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك" هل ورد

172 - الحمد لله وسئلت: عن الوارد في فقد البصر

قوله "ثلاثًا" في شيء من طريقه؟ وهل ورد في لبس النبي صلى الله عليه وسلم الأزرق والأصفر؟ 172 - الحمد لله وسئلت: عن الوارد في فقد البصر. فقلت: روى البخاري في صحيحه من طريق عمر ومولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ يريد عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة". ثم قال البخاري بعده: تابعه أشعت بن جابر وأبو ظلال كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. فحديث أشعت عن أنس، رواه الطبراني في الأوسط ولفظه: عن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال ربكم عز وجل: من أذهبت كريمتيه فصبر واحتسب كان ثوابه الجنة". وكذا رواه أحمد مثله، إلا أنه قال: "ثم صبر واحتسب" وأخرجه البيهقي في الشعب بلفظ: "لم أرض له إلا الجنة". وحديث أبي ظلال عن أنس، رواه عبد بن حميد في مسنده ولفظه: أن أبا ظلال قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه فقال لي: ادنه، متى ذهب بصرك؟ قلت: وأنا زعيم فيما زعم أهلي فقال: ألا أبشرك بما تقر به عينك؟ قلت: بلى، قال: مر ابن أم مكتوم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول: ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة". وهو عند البيهقي في الشعب من وجه آخر عن أبي ظلال عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حدثني جبريل عليه السلام عن رب العالمين أنه قال: ما جزاء من أذهبت كريمتيه ـ يعني عينيه ـ إلا الحلول في داري والنظر إلى وجهي". وهو بهذا اللفظ عند الدولابي في الكنى: "ثواب عبدي، إذا

أخذت كريمتيه النظر إلى وجهي وحلول داري". واخرجه الطبراني في الأسوط بلفظ: يا أبا ظلال! متى أصيب بصرك؟ قلت: لا أعقله، قال: ألا أحدثك حديثًا حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله عز وجل قال: يا جبريل! ما ثواب عبدي إذا أخذت كريمتيه إلا النظر إلى وجهي والجوار في داري" قال أنس: فلقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيبكون حوله يريدون أن يذهب أبصارهم. ورواه الترمذي باختصار: "إن الله تعالى يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزء عندي إلا الجنة". ورواه أبو الشيخ من طريق أبي جناب حدثنا ثابت البناني أو أبو ظلال ـ شك أبو جناب ـ قال: أتينا أنس بن مالك ومعنا أبو ظلال فقال: يا أبا عبد الله! متى ذهب بصرك؟ قال: ذهب وأنا غلام فقال: ألا أحدثك وذكره. وهو عند البيهقي في الشعب من طريق هلال بن سويد والنضر بن أنس كلاهما عن أنس رضي الله عنه، لفظ هلال: مر بنا ابن أم مكتوم فسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بما حدثني جبريل عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: حق عليَّ من أخذت كريمتيه أن ليس له جزاء إلا الجنة"

ولفظ الآخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إذا أخذت بصر عبدي فصبر فعوضه عندي الجنة". وعند أبي نعيم في الحلية من طريق أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم قال: لا أعلمه إلا عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: إذا أذهبت صفيتي عبدي [فلا] أرضى له ثوابًا دون الجنة" وعند أبي الشيخ في الثواب من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن أبي بكر بن عبد الله بن أنس عن جده رفعه: "قال الله تبارك وتعالى: لا أقبض كريمتي عبد وحبيبتيه فيصبر لحكمي، ويرضى بقضائي فأرضى له ثوابًا دون الجنة". ولأبي يعلي من وجه آخر عن أنس رفعه: "قال الله عز وجل: إذا أخذت كريمتي عبدي لم أرض له ثوابًا دون الجنة"، قال: قلت: يا رسول الله وإن كانت واحدة؟ قال: "وإن كانت واحدة". وكذا أخرجه ابن عدي في كامله. وهذه الزيادة كما قال شيخنا: منكرة وراويها عن أنس وهو سعيد بن سليم الضبي فيه ضعف.

وجاء عن أنس قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم نعود زيد بن أرقم وهو يشتكي عينيه فقال له: "يازيد لو كان بصرك لما به وصبرت واحتسبت لتلقين الله عز وجل وليس لك ذنب" أخرجه أحمد. وجاء في الباب عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم: بريدة، وجرير بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، والعرباض بن سارية، وأبو أمامة، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعائشة ابنة قدامة. فأما حديث بريدة، فهو عند البزار من حديث جابر الجعفي عن عبدالله بن بريدة عنه بلفظ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبتلى عبد بشيء أشد عليه من الشرك بالله ولن يبتلى عبد بشيء بعد الشرك بالله أشد عليه من ذهاب بصره، ولن يبتلى عبد بذهاب بصره فيصبر إلا غفر له". وأما حديث جرير، فهو عند الطبراني في الأوسط والكبير بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل ذكره: من سلبته كريمتيه عوضته عنهما الجنة". وأما حديث زيد، فهو عند البزار من حديث خيثمة عنه ولفظه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من بصره، ومن ابتلى ببصره فصبر حتى يلقى الله عز وجل، لقي الله تبارك وتعالى ولا حساب عليه". ورواه الطبراني في الكبير من طريق أنيسة ابنة زيد بن أرقم عن أبيها أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعود من مرض كان به فقال: "ليس عليك من مرضك هذا من بأس، ولكن كيف بك إذا عمرت من بعدي فعميت؟ " قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عز وجل إليه بصره ثم مات. ورواه أبو الشيخ في الثواب من طريق يونسبن أبي إسحاق عنه قال: رمدت فعادني النبي صلى الله عليه وسلم فلما برأت قال: "بازيد لو أن عينيك كانتا لما بهما كيف كنت صانعًا؟ " قال: كنت أصبر وأحتسب قال: "إذًا لقيت الله عز وجل ولا ذنب لك" وبعضه وهو عيادته صلى الله عليه وسلم إياه عند أبي داود. وأما حديث ابن عباس، فرواه الطبراني في الكبير والأوسط،

وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة". قلت: وكذا رواه مسلم في مسنده عن هشيم لكنه وقفه. ورواه أبو الشيخ من حديث عكرمة عن ابن عباس ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: من أذهب كريمتيه وجبت له الجنة إلا أن يكون عمل عملاً لا يغفر له". وأما حديث ابن عمر، فهو عند الطبراني أيضًا في الأوسط والصغير من طريق مسعر بن كدام عن عطية عنه بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أذهب الله بصره فصبر واحتسب كان حقًا عل الله واجبًا أن لا ترى عيناه النار". وكذا أخرجه الدارقطني، ومن طريقة ابن الجوزي في الموضوعات لكون وهب بن حفص في سنده، قال أبو عروبة: إنه كذاب يضع.

وأما حديث ابن مسعود، فرواه الطبراني أيضًا في الأوسط من طريق عطاء عن عبد الله بن الحارث عنه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذهب بصره في الدنيا جعل الله عز وجل له نورًا يوم القيامة إن كان صالحًا". ورواه أبو نعيم ومن طريق الديلمي في مسنده، وابن الجوزي في الموضوعات من طريق زاذان عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذهاب البصر مغفرة للذنوب وذهاب السمع مغفرة للذنوب، وما نقص من الجسد فعلى مقدار ذلك". ونقل ابن الجوزي عن ابن عدي: أنه منكر متنًا وإسنادًا، والله أعلم. وأما حديث العرباض، فأخرجه الطبراني أيضًا في الكبير من وجهين إلى لقمان بن عامر عن سويد بن جبلة عنه، لفظ أحدهما: أن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن ربكم عز وجل قال]: «إذا سلبت من عبد كريمتيه وهو بهما صابر لم أرض له بهما ثوابًا دون الجنة، إذا حمدني عليهما». ولفظ الآخر رفعه: «قال الرب عز وجل: إذا قبضت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابًا دون الجنة». وكذا أخرجه أبو يعلى في «مسنده» من طريق سويد عنه رفعه: «إن ربكم عزَّ وجل قال: إذا أخذت من عبدي كريمتييه» وذكره باللفظ الأول. ورواه الطبراني في الكبير أيضًا من طريق حبيب بن عبيد الرحبي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله جل ذكره: إذا أخذت كريمتي عبد وهو بهما ضنين، لم أرض له ثوابًا دون الجنة إذا حمدني عليهما». وكذا أخرجه الحسن بن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» من طريق حبيب ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: إذا قبضت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابًا دون الجنة إذا حمدني عليهما». ورواه البزار في «مسنده» من جهة حبيب أيضًا بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه [عن ربه]: «إذا أخذت من عبدي وذكره كالذي قبله بدون «إذا حمدني عليهما» وقال عقبه: لا نعلم عن العرباض بأحسن من هذا

الإسناد. وأما حديث أبي أمامة، فهو عند أحمد والطبراني في الكبير ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: يا بن آدم إذا أخذت كريمتيك فصبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابًا دون الجنة". ورواه ابن ماجه بدون الكريمتين، ولفظه: "يقول الله عز وجل: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى الحديث". وأخرجه الطبراني في الكبير أيضًا بلفظ: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال ربكم عز وجل: إذا قبضت كريمة عبدي وهو بهما ضنين فحمدني على ذلك لم أرض له ثوابًا دون الجنة". وأما حديث أبي سعيد، فرواه الطبراني في الأوسط من طريق زيد بن أسلم عن أبي الصديق الناجي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذت كريمتيه فصبر، واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة".

وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه الترمذي في الزهد من جامعة من طريق سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عند رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: من أذهبت حبيبته فصبر، واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة". وقال عقبه: إنه حسن صحيح. ورواه أبو الشيخ في الثواب من طريق أبي الأحوص عن الأعمش مثله، لكنه قال: "كريمتيه" بدل "حبيبتيه". ورواه تمام من طريق سهيل عن الأعمش به بلفظ: "إذا أذهب الله عز وجل عين عبده فصبر واحتسب إلا أدخله الله عز وجل الجنة". وكذا هو عند البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذهب حبيبة عبد فيصبر ويحتسب إلا دخل الجنة". ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عبيد الله بن زحر عن الأعمش به ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول: إذا أذهبت حبيبتي عبدي فصبر واحتسب اثبته بهما الجنة". ورواه أيضًا عن عبد الرحمن بن سلم وموسى بن هارون كلاهما عن سهل بن عثمان عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر نحوه، قال: تفرد به سهل.

وأما حديث عائشة ابنة قدامة فهو عند أحمد والطبراني في الكبير، وأبي نعيم في المعرفة كلهم من طريق عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد الحاطبي، حدثني أبي عن أمه عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عزيز على الله عز وجل أن يأخذ كريمتي مؤمن ـ يعني عينيه ـ ثم يدخله النارط. وقد جاء عن المسيب بن رافع فيما رواه مسدد من طريقه أنه قال: كان يقال: مصاب الرجل ببصره كمصابه في نفسه. وورد فيمن قاد أعمى حديث له طرق، في كل منها مقال، فرواه أبو الشيخ في الثواب من حديث معلي بن مهدي عن سنان أبي البختري عن محمد بن أبي حميد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاد أعمى أربعين خطوة غفر الله ما تقدم من ذنبه". وكذا رواه الخطيب من طريق معلي به مثله، لكنه قال عن عبد الله بن أبي حميد، بدل محمد. وأخرجه ابن عدي من طريق المسيب بن صالح عن أبي البختري كالأول لكن بدون الصحابي ولفظه: "من قاد مكفوفًا أربعين خطوة غفر له

ما مضى من ذنوبه". ولحديث ابن عمر طرق منها: ما أخرجه الطبراني في الكبير، وأبويعلي الموصلي في مسنده، وأبو نعيم في الحلية، وابن شاهين وغيرهم كلهم من جهة علي بن عروة عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر رفعه: "من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة". وكذا رواه الخطيب من جهة علي لكن بلفظ ذراعًا بدل خطوة، وجعل الصحابي ابن عمرو بزيادة واو. ورواه بن عدي من جهة ثور بن يزيد عن محمد بن المنكدر مثل الأول سندًا ومتنًا. ومن طريق محمد بن عبد الملك الأنصاري عن محمد بن المنكدر أيضًا كذلك لكنه بلفظ: "غفر له ما تقدم من ذنبه" بدل: "وجبت له الجنة". وهو في المعجم الكبير من حديث أبي عمرو بن السماك من

حديث عبد السلام بن سليمان عن أبي عبد الله الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر رفعه بلفظ الذي قبله. وأخرجه ابن منده في أماليه من طريق حفصبن عبد الرحمن البلخي عن محمد بن عبد الملك الأنصاري به كذلك، لكن لفظه: "من قاد مكفوفًا أربعين خطوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وقال ابن منده: إنه غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه. انتهى. وروي عن الأنصاري بتسمية الصحابي جابر كما سيأتي. ومنها ما رواه ابن شاهين من حديث أبي وائل عن ابن عمر رفعه: "من قاد أعمى أربعين خطوة غفر له ما تقدم من ذنبه". وفي الباب عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وأبي هريرة. فأما حديث ابن عباس، فرواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ ولفظه: "من قاد أعمى حتى يبلغه مأمنه غفر الله له أربعين كبيرة". ورواه ابن عدي من حديث الثوري عن عمرو بن دينار عنه رفعه: "من قاد مكفوفًا أربعين ذراعًا أدخله الله الجنة". وأما حديث أنس، فهو عند عيسى بن علي الوزير وأبو عمر بن مهدي كلاهما من حديث خالد بن مرداس عن معلي بن هلال عن سليمان التيمي عنه مرفوعًا: "من قاد مكفوفًا أربعين ذراعًا كانت له عدل رقبة".

وكذا رواه يوسف بن عطية التيمي أخرجه الطبراني في الأوسط ولفظه: "من قاد أعمى أربعين ذراعًا كان له كعتق رقبة" وأخرجه الخطيب من طريق سليمان بن عمرو عن التيمي عن أنس. ورواه المخلص في فوائده من طريق نعيم بن سالم عن أنس رفعه: "من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمس النار وجهه". وأما حديث جابر، فهو عند العقيلي من حديث محمد بن عبد الملك الأنصاري عن محمد بن المنكدر عنه رفعه: "من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة". وأما حديث أبي هريرة، فهو عند الديلمي في مسنده من حديث علي بن ثابت عن ابن سيرين عنه رفعه: "يا أبا هريرة من مشى مع أعمى ميلاً يرشده كان له بكل ذراع من الحبل عتق رقبة، يا أبا هريرة إذا أرشدت أعمى فخذ يده اليسرى بيدك اليمنى فإنها صدقة". وكل هذه الأحاديث ضعيفة، وبعضها أشد ضعفًا من بعض، ومجموعها يدل على أن للحديث أصلاً، وفي بسط الكلام في ذلك طول والله أعلم. (وكان السؤال بعد صلاة الجمعة حادي عشر من المحرم سنة أربع وسبعين وثمانمائة وبنص الجواب وقت العصر من اليوم المذكور فلله

173 - الحمد لله وسئلت: عن حديث: يساق إلى مصر كل قصير العمر

الحمد). 173 - الحمد لله وسئلت: عن حديث: "يساق إلى مصر كل قصير العمر". فقلت: قد رواه أبو نعيم في الطب النبوي من طريق محمد بن المثنى، والطبراني في الكبير من طريق سعيد بن محمد بن بواب الحضرمي، وابن شاهين في الحصابة له من طريق عبد الرحمن بن منصور الحارثي، وأبو سعيد بن يونس من طريق أبي همام الوليد بن شجاع أربعتهم عن مطر بن الهيثم عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده ـ هو رباح بن قصير اللخمي ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مصرًأ ستفتح بعدي فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارًا فإنه يساق إليها أقل الناس أعماراً" لفظ أبي نعيم والطبراني وكذا ابن شاهين، لكنه قال: "إن مصر" وقال: "خيرًا" وقال: "سيساق". وأما ابن يونس فلفظه: "إن مصر ستتح بعدي فانزعوا خيرها ولا تتخذوها قرارًا" والباقي مثله وقال عقبه: إنه حديث منكر جدًا، وقد أعاذ الله أبا عبد الرحمن موسى بن علي أن يحدث بمثل هذا وهو كان أتقى الله من ذلك، ولم يحدث به إلا مطهر وهو متروك الحديث، قال: ورباح أدرك

174 - الحمد لله سئلت: عن قوله: بخلاء أمتي الخياطون وقوله: أنا حبيب الله والمصلى على حبيبي

النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم في زمن أبي بكر، انتهى. وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث من طريق ابن يونس في الموضوعات معتمدًا مقالة ابن يونس، وقال ابن يونس: إنه لا يصح، والله الموفق. 174 - الحمد لله سئلت: عن قوله: "بخلاء أمتي الخياطون" وقوله: "أنا حبيب الله والمصلى على حبيبي"،وقوله: "حاسبوا السوقة، فإنهم لا ذمة لهم". فقتل: هذه الأحاديث لا أعرف لها أصلاً إلا الشطر الأول من ثانيها، وقد راجعت مصنفًا للحافظ الخطيب البغدادي في أخبار البخلاء فلم أر فيه اللفظ المذكور، ولا معناه مع إيراده فيه لكثير من الواهيات، وقد عقد بابًا في المذكورين بأنهم أبخل الناس وأورده فيه حديثًا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البخل عشرة أجزاء، فتسعة في فارس وواحد في الناس". وكذا أورد فيهم عن الجاحظ أنه قال: ليس في الدنيا أبخل من

ثلاثة: خادم، ومخنث، وذمي. وعن إبراهيم الحربي أن رجلاً سأل يحيى بن أكثم القاضي فقال له يحيى: أي شيء توسمت في أنا قاض، والقاضي يأخذ ولا يعطي، وأنا من مرو، وأنت تعرف ضيق مرو، وأنا من تميم، والمثل في بخل تميم". وعن الأصمعي أنه قال: "أبخل أهل خراسان أهل طوس" إلى غير ذلك من هذا النمط. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البخل كل البخل من ذكرت عنده فلم يصل علي"

كما بينته في تصنيفي "القول البديع" مع إيراده ما يعزى له صلى الله عليه وسلم من وصف من ذكر عنده فلم يصل عليه بأنه أبخل البخلاء وكذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ابخل الناس أو قال: بخيل الناس من بخل بالسلام" يعني على الناس، في أحاديث ذكرها، بل وما أثبت في هذا الجواب أيضًا زيادة على المقصود بالسؤال، ويرى في حديث واهٍ جدًا بحيث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "عمل الأبرار من الرجال الخياطة، ومن النساء المغزل" أخرجه أبو اشيخ وابن لال. وفي حديث آخر ضعيف أيضًا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان منه". ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا حبيب الله" قد ذكره القاضي عياض في الشفا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا في حديث طويل دون قوله: "والمصلي عليّ حبيبي" وكذا أسنده أبو منصور الديلمي في مسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا حبيب الله ولا فخر" وعند الديلمي أيضًا في مسنده من حديث أبيهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى نجيًا، واتخذني حبيبًا، ثم قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي" وفي سنده مسلمة بن علي

الخشني. وأما قوله: "حاسبوا" فقد سمعت شيخنا رحمه الله يقول: وقد سئل عنه أنه لم يقف عليه مرفوعًا، وإنما جاء عن سفيان أنه قال: كان يقال: "حاكوا الباعة فإنه لا ذمة لهم". وإذا علم هذا فمن أقدم وعزا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلم، هل ورد عنه أم لا فهو آثم مستحق الزجر عن الوقوع في ذلك، والله الموفق.

175 - الحمد لله سئلت: عن الوارد في فضل آية الكرسي

175 - الحمد لله سئلت: عن الوارد في فضل آية الكرسي فقلت: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم: أنها أعظم آية في القرآن. وجاء فيما صح عنه أنها تحرس قائلها من الشيطان ولذلك روي أن إبليس لعنه الله تعالى رنَّ حين نزلت لشدها عليه وعلى جنوده وقال في الكشاف فيما قاله للحديث: "ما قرئت في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يومًا، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا علي! علمها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها". وللبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال:

"سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي". وكذا أخرجه الحاكم المستدرك، وعند الإمام أحمد من حديث سلمة بن وردان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: "يا فلان هل تزوجت؟ " قال: لا، وليس عندي ما أتزوج به قال: "أو ليس معك (قل هو الله أحد)؟ " قال: بلى: قال:"ربع القرآن، أليس معك (قل يا أيها الكافرون)؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن، ألي سمعك (إذ زلزلت)؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن، أليس معك (إذا جاء نصر الله)؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن، أليس معك آية الكرسي، (الله لا إله إلا هو)؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن". وللدارمي من طريق الشعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله: "من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح: أربعًا من أولها وآية الكرسي، وآيتين بعدها وثلاث آيات خواتيمها، أولها: (لله ما في السماوات) ". ومن وجه آخر بلفظ: "من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة، وآية الكرسي، وآيتين بعد آية الكرسي، وثلاثًا من آخر سورة البقرة، لم

يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه، ولا يُقرأن على مجنون إلا أفاق". وذكر الديملي في الفردوس، وتبعه ولده بلا إسناد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "من قرأ من أول البقرة أربع آيات، وآية الكرسي، والآيتين بعدها، والثلاث من آخرها كلأه الله في أهله وولده وماله ودنياه وآخرته". وللبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب من قوله: "سيد آي القرآن (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). وللترمذي والحاكم في المستدرك من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: "لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن، هي آية الكرسي"، وقال الترمذي عقبه: إنه حسن غريب وصحح الحاكم إسناده. ولأبي الشيخ من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه رفعه: "البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا، واستخرجت

الله لا إله إلا هو الحي القيوم من تحت العرش فوصلت بها أو وصلت بسورة البقرة". وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما خلق الله عز وجل من سماء ولا أرض، ولا جنة ولا نار، أعظم من: آية في سورة البقرة: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، ثم قرأ حتى أتمها". وقال سلمة بن قيصر على منبر إيلياء: "ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور أعظم من: الله لا إله إلا هو الحي القيوم". وقال كعب الأحبار: أعطى محمد صلى الله عليه وسلم أربع آيات لم يعطهن موسى عليه السلام فذكر منها آية الكرسي. أخرج هذه الثلاث أبو عبيد. وصح أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لا يزال مع من يقرؤها عند منامه من الله حافظ. وقال الحسن البصري: من قرأها حين ينام بعث الله عز وجل له حارسًا يحرسه حتى يستيقظ.

ولأبي عبيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قوله: ما أرى رجلاً ولد في الإسلام، أو أدرك عقله، يبيت ليلة أبدًا حتى يقرا هذه الآية: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) الآية، لو تعلمون ما هي إنما أعطيها نبيتكم صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، ولم يعطها أحد قبل نبيكم، وما بت ليلة قط حتى أقرأها ثلاث مرات، أقرأها في الركعتين بعد العشاء الآخرة، وفي وتري، وحين آخذ مضجعي من فراشي. ويروى حديث في ثواب من قرأها في الصباح والمساء لأبي الشيخ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "من قرأ آية الكرسي حين يصبح، وآية من أول حم المؤمن حفظ في يومه ذلك حتى يمسي، ومن قرأها حين يمسي حفظ ليلته حتى يصبح". وأخرجه الدارمي في مسنده بلفظ: "من قرآ آية الكرسي وفاتحة حم المؤمن إلى قوله: (إليه المصير) لم ير شيئًا يكرهه حتى يمسي، ومن قرأها حين يمسي لم ير شيئًا يكرهه حتى يصبح. ورواه الترمذي في جامعه ولفظه: "من قرأ حم المؤمن إلى (إليه المصير) وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأها حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح".

وقال عقبه: إنه غريب. وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما كما أخرجه أبويعلى إذا دخل بيته يقرؤها في زواياه. ولابن مردويه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه رفعه قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب في ثلاث: في سورة البقرة، وآل عمران، وطه" وكذا هو عند البيهقي في الأسماء والصفات بلفظ: "إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث: البقرة وآل عمران وطه". وفي رواية ابن مردويه: قال هشام ـ وهو ابن عمار ـ خطيب دمشق: أما في البقرة: فـ (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي آل عمران: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، وفي طه: (عنت الوجوه للحي القيوم). ونحوه في رواية البيهقي فقال: قال أبو حفص عمربن سلمة: فنظرت أنا في هذه السورة فرأيت فيها شيئًا ليس في شيء من القرآن مثله: آية

الكرسي: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي آل عمران: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، وفي طه: (وعنت الوجوه للحي القيوم). وقد استحسن النووي رحمه الله في فتاويه لهذا الاستنباط. على أنه قد جاء في تعيينها حديث مرفوع. فلأحمد في مسنده من حديث اسماء ابنة يزيد بن السكن رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في هاتين الآيتين: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، والم الله لا إله إلا هو: إن يهما اسم الله الأعظم". وكذا أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح. وجاء فيمن قرأها دبر صلاته أحاديث. منها: ما رواه الديلمي في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله عز وجل إلى الصلاة الأخرى". وهو عند البيهقي لكن بلفظ: "لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه أمنه الله عز وجل على داره، ودار جاره، ودويرات حوله".

وضعف البيهقي إسناده، وكذا هو بهذا اللفظ عند أبي إسحاق الثعلبي وزاد: "ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد" وذكره صاحب الكشاف بهذا اللفظ. وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه رفعه: "من قرأ في دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي حفظ إلى الصلاة الأخرى، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد". وقال: إن إسناده ضعيف أيضًا، وهو عند الديلمي لكن بلفظ: "كان له مثل أجر نبي"، وهو عنده أيضًا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: "كان الرب عز وجل يتولى قبض روحه بيده وكان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله حتى يستشهد". وكذا أخرجه ابن السني بلفظ: "كان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد"، وهو عند النسائي في اليوم والليلة والطبراني

وابن مردويه وابن حبان في صحيحه وغيرهم بلفظ: "لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت"، وفي لفظ: "لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت". ولأبي نعيم في الحلية وابن مردويه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه رفعه "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة ما بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت، فإذا مات دخل الجنة". ولابن عبدكويه من حديث (ض) علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي، وآيتين من آل عمران (شهد الله أنه لا إله إلا هو الحي القيوم ـ إلى قوله ـ إن الدين عند الله الإسلام) و (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ـ إلى قوله ـ بغير حساب) معلقات، ما بينهن وبين الله عز وجل حجاب يقلن: يا رب! تهبطنا إلى أرض

وإلى من يعصيك؟ قال الله عز وجل: فبي حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان فيه وإلا أسكنته حظيرة القدس، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة، وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كل شيطان أن يضر به". وكذا هو عند ابن زنبور ومن طريقه ابن السني ولفظه: "وإلا أسكنته حظيرة القدس وإلا أعذته من كل عدو ونصرته منه". وللديلمي في مسنده وابن مردويه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، فإنه من يقرأها في دبر كل صلاة مكتوبة جعل الله عز وجل له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب النبيين وأعمال الصديقين، ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق، أو عبد امتحنت قلبه للإيمان، أو أريد قتله في سبيل الله". وللثعلبي من حديث أنس وجابر رضي الله عنهما مرفوعًا قال: "أوحى الله عز وجل إلى موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم: إن من دوام على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته قلوب الشاكرين، وأجر النبيي، وأعمال الصديقين، وبسطت عليه يميني بالرحمة، ولم أمنعه من أن أدخله الجنة إلا أن يأتيه الموت قال موسى: ومن يداوم عليها؟ قال: لا يداوم عليها إلا نبي

أو صديق أو رجل قد رضيت عنه، أو رل أريد قتله في سبيلي". وهو (ض) عند ابن قانع من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة أعطي قلوب الشاكرين، وثواب النبيين، وأعمال الصديقين، وبسط الله عز وجل عليه يمنه، ورحمته، ولم يمنعه من دخول الجنة إلا قبض ملك الموت روحه". وللواحدي وابن عدي من حديث جابر أيضًا رضي الله عنه رفعه: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة خرقت سبع سموات فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله عز وجل إلى قائلها فيغفر له، ثم يبعث الله عز وجل إليه ملكًا فيكتب حسناته ويمحو سيئاته إلى الغد من تلك الساعة". وللثعلبي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما رفعه: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان الذي يتولى قبض نفسه ذو الجلال والإكرام، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله عليهم السلام حتى يستشهد". وكذا ورد الفضل في قراءتها عقب الوضوء، فللديلمي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "من قرأ آية الكرسي على أثر وضوءه أعطاه الله ثواب أربعين عامًا".

وكذا ورد الاستشفاء بها، فللبيهقي في الدعوات من حديث أبي ابن كعب رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخًا وبه وه قال: "ما وجعه"؟ قال: به لمم، قال: "فأتني به" فأتى به فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعوذه بفاتحة الكتاب, أربع آيات من آخر سورة البقرة، وهاتين الآيتين، وإلهكم إله واحد، وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران: (شهد الله أنه لا إله إلا هو)، وآية من الأعراف (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض) وآخر سورة المؤمنين: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو) وآية من سورة الجن: (وأنه تعالى جد ربنا) وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، و (قل هو الله أحد) والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشتك قط. وقد مضى عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله: "ولا يقرآن على مجنون إلا أفاق"، وللديلمي وابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعه: "من قرأ آية الكرسي عند الحجامة كانت

منفعتها منفعة حجامتين". وللديلمي أيضًا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه رفعه: "من قرأ آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله". وكذا ورد أن: "من قرأها لم ينس ما حفظ". فعند الدارمي في مسنده من جهة المغيرة بن سبيع أو قال سميع وكان من أصحاب بن مسعود قال: "من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن: أربع آيات من أولها وآية الكرسي، واثنان من بعدها، وثلاث من آخرها" قال إسحاق بن عيسى شيخ الدارمي فيه: يعني لم ينس ما قد حفظ. ولابن مردوديه من حديث أبي هريرة في كتابتها في اليد اليسرى بالزعفران سبع مرات وتلحس للحفظ وعدم النسيان. وفي أكثر هذه الأحاديث ضعف، وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى إن ابن الجوزي ذكر كثيرًا منها في الموضوعات كما ميزت ذلك بصورة "ض" وفي بعض ذلك نظر، مع أنه أغفل من هذه الأحاديث ما هو أشد من بعض ما أورده في الوهاء يضيق المحل عن إيضاحه، وبالجملة، فقد قال الديماطي رحمه الله، وقد ذكر أشياء مما أوردته: إذا انضمت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض أخذت قوة. انتهى.

176 - وسئلت: عن حديث: من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر

وفضائل الأعمال قد تسامحوا فيما لم يتناه في الضعف منها. والله الموفق. 176 - وسئلت: عن حديث: "من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابر". فقلت: قد أخرجه أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي في كتاب الأمثال ومن طريقه القضاعي في "مسنده" قال:

حدثنا موسى بن زكريا قال: حدثنا عمرو ب الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا أبو سلمة الحمصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأبو سلمة هذا اسمه سليمان بن سليم ولا صحبة له، بل ولا رواية له عن الصحابة وهو ثقة، وقد عزاه الديملي بلا إسناد ليحيى بن جابر قاضي حمص الذي كان أبو سلمة المشار إليها كاتبًا له، ولم يخرجه ولده، فكأنه لم يظفر به من حديث، ويحيى وإن قال فيه العجلي: إنه تابعي فقد جزم غيره بأن روايته عن الصحابة مرسلة. وبالجملة فهو مع كونه مترددًا بين أن يكون مرسلاً أو معضلاً ضعف جدًا، آفته عمرو، فقد ترك أبو حاتم الرازي الرواية عنه وقال: هو ذاهب الحديث وليس بشيء، أخرج أول شيء أحاديث مستقيمة حسانًا. ثم أخرج بعدُ لابن عُلاثة أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه، فتركنا حديثه. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال ابن عدي: حدث بغير ما حديث منكر، وهو مظلم الحديث. وقال الأزدي: ضعيف جدًا، يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: متروك، وقال الخطيب: كان كذابًا،

وأورده الذهبي في ترجمته في الميزان، فيما أرود من مناكير. قلت: وقد سئل شيخ الإسلام التقي أبو الحسن السبكي فيما ذكره الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة عن هذا الحديث فقال: لم يصح ولا هو وارد في الكتب ومن أروده من العوام حديثًا فإن علم عدم وروده أثم وإن اعتقد وروده لم يأثم وعذر بجهله انتهى. وقد ظهر بما قلناه وروده على أنه قد وقع في كتب غريب الحديث أيضًا كأبي عبيدة وابن الأثير في نهايته وحكي في نهاوش بالتاء المثناة، والميم، والنون، وذكره الجوهري في صحاحه وجزم بكونه حديثًا، وقال عمرو راويه مفسرًا له كما في الأمثال: يعني من أصاب من غير حله أذهبه الله في غير حقه، والمعنى: أن من أصاب مالاً في غير حله أذهبه الله في مهالك وأمور متبددة، وهو وإن لم يثبت فمعناه صحيح، ويتناول ذلك الغضب والسرقة وما يستاد به الناظر من ريع الأوقاف كالمساجد والربط والخانات وغير ذلك مما لا يصرفه في مصارفه التي عينها الواقف نسال الله السلامة والعافية من كل بلية.

177 - الحمد لله: حديث أبي هريرة: كل مولود يولد على الفطرة

177 - الحمد لله: حديث أبي هريرة: "كل مولود يولد على الفطرة" رواه عند حميد بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، وطاؤس، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الرحمن بن يعقوب والد العلاء ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهر، وهمام بن منبه وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح. أما حميد، فقال الذهلي في الزهريات حدثنا ... الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. وأما سعيد بن المسيب، فقال مسلم في القدر من صحيحه: حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، أبواه يهودانه، وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) الآية. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى، وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرازق كلاهما عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد وقال: "كما تنتج البهيمة ولم يذكر جمعاء".

وقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا الدبري قال: قرأنا علي عبد الرازق به ولفظه: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة البهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء" وقال: فكان أبو هريرة يقول: فاقرؤا إن شئتم: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال معمر: فقلت للزهري: كيف تحدث بهذا وأنت على غيره؟ قال: نحدث بما سمعناه. وأما حديث طاؤس، فقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن باذرا قال: قرآن على أبي عن رياح عن عمر بن حبيب عن عمرو بن دينار عن طاؤس عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، وينصرانه أو ـ قال عمر ـ ويمجسانه مثل الأنعام تولد صحاحًا فيبتكون آذانها". ورواه أحمد ومن طريقه أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح به مثله. وأما حديث الأعرج، فقال أبو داود في السنة من سننه: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد [عن الأعرج] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء"، قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". وأما حديث عبد الرحمن بن يعقوب، فقال مسلم في القدر من

صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز ـ يعني الدراوردي ـ عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها عليهما السلام". وقال أبو عوانة في صحيحه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا قتيبة به مثله، غير أنه قال: "يهودانه وينصرانه، ويمجسانه". وأما حديث ابن ثوبان، فقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معمر بن يحيى حدثنا معمر بن معمر حدثنا معاوية بن سلام حدثني الزهري عن محمد بن عبد الرحمن ـ يعني ابن ثوبان ـ، حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" قال أبو عوانه: وحدثنيه أبو عبدالرحمن النسائي بمصر: حدثنا محمد بن يحيى بهذا. وأما حديث الزهري، فقال البخاري في الجنائز من صحيحه: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب قال: قال ابن شهاب: يصلي على كل مولود متوفى وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام يدعى أبواه الإسلام أو ابوه خاصة وإن كانت أمه على غير الإسلام، إذا استهل صارخًا صلي عليه ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط، فإن أبا هريرة كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"، ثم يقول أبو هريرة: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)

الآية. والزهري لم يسمع من أبي هريرة كما جزم به الترمذي وقد أغفل هذا الحديث المزي في تجرمته من الأطراف. وأما حديث همام، فقال البخاري في القدر من صحيحه: حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرازق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، وينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ " قالوا: يا رسول الله! أفرايت من يموت وهو صغي؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". وقال مسلم في القدر من صحيحه: حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرازق أخبرنا معمر بن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يولد يولد على هذه الفطرة" والباقي مثله، غير أنه قال: "الإبل" بدل "البهيمة"، وقال: "فهل تجدون فيها جدعاء" وقال: "يموت صغيرً". وقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا السلمي حدثنا عبد الرازق به مثل لفظ البخاري سواء. وأما حديث أبي سلمة، فقال البخاري في الجنائز، وفي الروم من

التفسير معًا من صحيحه: حدثنا عبدان أخرنا عبد الله ـ هو ابن المبارك ـ أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم). وقال مسلم في القدر من صحيحه: حدثني أبو الطاهر وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة ثم يقول: اقرأوا وذكره". وقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا يونس بن عبد القوي أخبرنا ابن وهب به مثله. وقال الخلعي في فوائده: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد البزار حدثنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني به مثله. وهكذا رواه ابن أبي ذئب عن الزهري، قال البخاري أيضًا في الجنائز: حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا ابنابي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل موملود يولد على الفطرة فابواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟ ".

وأما حديث أبي صالح، فقد رواه عنه الأعمش، وابنه سهيل بن ابي صالح، فأما حديث الأعمش فرواه عنه جماعة. قال مسلم في القدر من صحيحه: حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه، ويشركانه" فقال رجل: يار سول الله! أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". قال: وحدثنا أبو بكر بن ابي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد في حديث ابن نمير: "ما من مولود يولد إلا وهو على الملة". وفي رواية أبي بكر عن معاوية: "إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه" وفي رواية أبي كريب عن أبي معاوية: "ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه". وقال أبو عوانة في صحيحه: حدثنا الحسن بن عفان حدثنا ابن نمير عن الأعمش به بلفظ: "ما من مولود يولد إلا على هذه الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه" قيل يا رسول الله: فكيف بمن مات قبل ذلك؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". وقال: حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو معاوية به ولفظه: "ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه" قالوا: كيف بما كان قبل ذلك؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". وقال أيضًا: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي الخيبري حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما

من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه» قيل: يا رسول الله! أرأيت من مات منهم قبل ذلك؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». وقال أيضًا: حدثنا أبو علي الزعفراني حدثنا محمد بن عبيد حدثنا الأعمش به ولفظه: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه» قال رجل: يا رسول الله! فمن مات ولم يعقل في شيء من ذلك؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». وقال أيضًا: حدثنا عباس الدروي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه». وقال أيضًا: حدثنا ابن الجنيد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأعمش به كالذي قبله سواء. وقال أبو نعيم في «الحلية»: حدثنا محمد بن المظفر حدثنا محمد بن عبد الحميد الفرغاني بدمشق حدثنا عمر بن رسته حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن الأعمش به بلفظ: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه». فهؤلاء جماعة رووه عن الأعمش وهم: جرير، وحفص بن غياث، وسفيان الثوري، وشعبة، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن عبيد، ووكيع، وأبو معاوية. وأما حديث سهيل عن أبي صالح، فقال أبو عوانة أيضًا: حدثنا أبو إبراهيم الزهري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل

مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه". وقد روى هذا الحدي ثجماعة من الصحابة غير أبي هريرة رضي الله عنهم منهم: الاسود بن سريع، وجابر، وسمرة، وابن عباس. فأما حديث الأسود، فهو عند الطبراني في الكبير قال: حدثنا بشر بن موسى حدثنا يعلي بن عباد بن يعلي حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فبلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام بلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين" فقالوا: يا رسول الله! وذكر كلمة بعدها فقال: "أو ليس خياركم أولاد المشركين والذي نفسي بيده ما من مولود يولد إلا على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه". ورواه عن الحسن جماعة منهم: اشعت بن عبد الملك والسري بن يحيى أبو الهيثم، وعبد الوهاب بن عنبسة الغنوي وعمارة بن أبي حفصة، وقتادة والمعلي بن زياد وهشام

ويونس وأبو حمزة إسحاق بن الربيع العطار. أخرجه الطبراني أيضًا في الكبير من حديثهم، وفي الأوسط من حديث المعلي وشاركه الإمام أحمد فيمن رقمت عليه منهم وهم ثلاثة وأبويعلى الموصلي في أبي حمزة. فلفظ أشعت، وعبد الوهاب، وعمارة: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه" ولفظ السري: "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه" ولفظ قتادة، وهشام، ويونس: "إن كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" وفي لفظ لقتادة أيضًا: "ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها". وفي لفظ ليونس أيضًا: "كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانا فأبواه يهودانها وينصرانها" ولفظ المعلي: "كل مولود يولد على الفطرة" ولفظ أبي حمزة كذلك، وزاد: "حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه وينصرانه".

وأما حديث جابر، فقال أحمد: حدثنا أبو هاشم حدثنا جعفر عن الربيع عن أنس عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرًا وإما كفورًا". وأما حديث سمرة فقال البزار: [حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا ريحان بن سعيد، حدثنا عباد بن منصور عن أبي رجاء عن سمرة بن جندب] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه". وأما حديث ابن عباس، فقال البزار أيضًا: حدثنا عمرو بن يحيى الأيلي، حدثنا الحارث بن غسان، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه". وقال عقبه: لا نعلم رواه إلا الحارث وهو بصري لا بأس به. ذكر شيء من فوائد هذا الحديث: قال مسدد: حدثنا حماد عن سعيد بن أبي صدقه قال: قلت لمحمد بن سيرين: هذا الحديث "كل مولود يولد على الفطرة" من قاله؟ قال: قاله من كان يعلمه. وقال أبو داود عقب تخريجه له: حدثنا الحسن بن علي أخبرنا حجاج بن المنهال سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث: "كل مولود يولد

178 - سئلت عن كيفية الطواف التي ذكرها العلماء في كتبهم

على الفطرة" قال: هذا حديث عندنا حيث أخذ الله عليهم العهد في أصلاب آبائهم حيث قال: (ألست بربكم قالوا بلى) وقال أيضًا: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع أخبرك يوسف بن عمرو أخبرنا ابن وهب سمعت مالكًا وقيل له: إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث، قال مالك: أحتج عليهم بآخره، قالوا: أرايت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". 178 - سئلت عن كيفية الطواف التي ذكرها العلماء في كتبهم وهو أنه يحاذي جميعه جميع الحجر الاسود وأنه لا يصح طوافه حتى يمر بجميع يديه على جميع الحجر، وذلك بأن يستقبل البيت ويقف على جانب الحجر الذي إلى جهة جميع الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عند يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ثم ينوي الطواف لله تعالى ثم يمشي مستقبل الحجر مارًا إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فإذا جاوزه انفتل فهل هذه الكيفية صحيحة أم لا؟ وهل ورد فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وهل تبعه أحد من الصحابة أم لا؟ فأجبت بما نصه: هذه الكيفية ذكرها كذلك قطب زمانه أبو زكريا النووي ـ أعاد الله علينا من بركتاه ـ وبقيتها عنده: فإذا جاوزه انفتل وجعل البيت عن يساره ويمينه خارجًا، ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز. انتهى كلامه. فأفادت هذه الزيادة أن استقبال الحجر ليس بشرط في صحة الطواف بل يجوز تركه ولكن استقباله أفضل، فإذا انتهى إلى آخره انفتل وجعل

البيت عن يساره، وممن صرح باستحباب ذلك في الطوفة الأولى دون ما بعدها الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح نقلاً عن الشيخ أبي حامد، والقاضي أبي الطيب في طائفة من العراقيين يعني كالروياني وحينئذٍ فيكون هذا القدر في الطوافة خاصة مستثنى من اشتراط جعل البيت على اليسار في صحة الطواف. وقد صرح النووي بذلك فإنه قال: وليس شيء من الطواف يجوز مع استقبال البيت إلا ما ذكرناه قال: وذلك مستحب في الطوفة الأولى خاصة دون ما بعدها ولو تركه في الأولى فمر بالحجر وهو على يساره وسوى بين الأولى وما بعدها جاز ولكن فوت هذا الاستقبال المستحب عند لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف فإن ذلك مستحب لا خلاف فيه، وسنة مستقلة. انتهى. ولكن كلام ابن كج يقتضي اشتراطه فإنه قال: إذا ابتدأ الطواف فعليه أن يستقبل بوجهه الحجر وكذلك في الانتهاء فإن لم يفعله فيهما لا يجزئه، وصرح غيره بأن استقبال البيت شرط في ابتداء الطواف على أصح القولين لا في استدامته قولاً واحد. وبما صححه جزم غيره، ومقتضى تعبير الإمام والغزالي عن

المراد بمحاذاة الحجر في ابتداء الطواف بجميع بدن الطائف بقولهم: المراد شق الطائف الأيسر لا نعني غيره وجوب محاذاة جميع الحجر يساره كبقية البيت. قال الأذرعي: وظاهر كلام الروضة والمنهاج يوافقه، ونحوه قول غيره كما سيأتي، على أن بعض المتأخرين ممن أخذت عن بعض أصحابه قد صرح بمخالفة هذه الكيفية للسنة لأنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه ـ أي الحجر ـ الحديث" قال: ولم تنقل عنرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله تعالى، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم مع توفر الدواعي على النقل، ولم يذكرها الشافعي رحمه الله، ولا الخراسانيون من الشافعية ولا الرافعي، واقتصروا على الكيفية الأخرى وهي: أن يجعل الحجر على يساره ابتداء قال: والصحيح عدم استحباب هذه الكيفية ـ أعني المسئول عنها ـ وكراتهتها لما قدمناه قال: ولأن ارتكابها قد يوقع في الأذى وأنا ممن تأذى بها، فإن بعض فقهاء الشافعية عمل بها، وأنا معه ف الطواف وكنت وراءه حين مشى مستقبل الحجر قبل أن يجاوزه ولم أدر به فانفتل عند مجاوزة الحجر فلم يرني فداس رجلي برجله، وآذاني بدوسته. انتهى. وإلى ذلك أشار البدر الزركشي في "الخادم" بل زاد: أنه يلزم منه

بآخره بعد استلام الحجر إلى صوب الركن اليماني وشميه مستقبلاً حتى يقطع الحجر وانفتاله بعد مجاوزة الحجر، قال: وإذا كان أبو الطيب لم يسمح بتكبيرة لم يثبت كيف يسمح بهذا؟ قال: وظاهر كلام الأئمة أن ذلك لا يجوز لأن من بدأ بالطواف مستقبلاً الحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل فقد مضى جزء من طوافه والبيت ليس على يساره، فالوجه امتناعه بل في صحيح مسلم وساق الحديث. انتهى. والحاصل أنهم اختلفوا في هذه الكيفية مع إجماعهم على اشتراط جعل البيت عن يساره وقد أبدى بعض الأئمة في الحكمة في ذلك كون القلب في الجانب الأيسر فاعتمد ذلك ليكون القلب قريبًا من البيت. زاد بعضهم: أو لأن الطائف بالبيت مصل مؤتم بالكعبة، ومن شأن الإمام إذا ائتم به المنفرد أن يقف عن يمين الإمام وهويسار المأموم أو لأن يكون ابتداء حركة الطائف على يمين الإمام وهو يسار المأموم أو لأن يكون ابتداء حركة الطائف على يمين نفسه بخلاف ما لو جعله على يمينه فإنه يكون ابتداء حركته على يساره. وأحسن من هذين قصد الابتداء بباب البيت للأمر بإتيان البيوت من ابوابها، فلو جعل البيت عن يمينه لم يكن بالباب ولا يرد على هذا أنه كان يكره أن يبدأ بالبا، لأن الحجر الأسود ركن الباب فابتديء باستلامه لأنه تحية القادم. وبالله التوفيق.

179 - الحمد لله وسئلت عن خالد بن سنان الذي أدركت ابنته النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به أكان نبيا أم لا؟ وهل كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي أم لا؟

179 - الحمد لله وسئلت عن خالد بن سنان الذي أدركت ابنته النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به أكان نبيًا أم لا؟ وهل كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي أم لا؟ فقلت: اختلف في ذلك، وحجة المثبتين حديث ليسه بحجة، لأنه يدور على راوٍ كان رديء الحفظ، وكان له ابن يدخل في أحاديثه ما ليس منها، ورواه شخص من الحفاظ الأثبات فأرسله بحذف ابن عباس، ولفظ الحديث المشار إليه: جاءت ابنة خالد بن سنان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها ثوبه وقال: "إنه نبي ضيعه قومه". على أنه جاء عن ابن عباس من قوله بسند ضعيف أيضًا: كان خالد

بن سنان بعث مبشرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلما حضرته الوفاة قال: "إذا أنا مت فادفنوني في حقف من هذه الأحقاف" وهذا مع ضعفه ليس صريحًا في المراد. وكذا ما روي عن ابن عباس أيضًا رفعه: "إن الله عز وجل خلق طائرًا في الزمن الأول يقال له العنقاء فكثر نسله ببلاد الحجاز فكانت تخطف الصبيان فشكوا ذلك لخالد بن سنان وهو نبي ظهر بعد عيسى بني عبس فدعا علهيا أن يقطع نسلها". ولو صح هذا طرقه احتمال الإدراج في قوله: "وهونبي". وقال أبو يونس سماك بن حرب: سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ذاك نبي ضيعه قومه". أخرجه الحاكم في صحيحه، وهو موقوف ومع ذلك فسنده ضعيف ايضًا ومثله في الضعف بل أشد ما روي عن سباع بن زيد أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قصة خالد فقال: "ذاك نبي ضيعه قومه" ولأجل ذلك كله قال شيخي رحمه الله: إن أصح ما وقفت عليه

في ذلك الرواية المرسلة ـ يعني التي صدرت بها ـ وكذا سبقه للإشارة إلى إنكار ذلك ابو حمزة السكري فروى الحاكم في تاريخ نيسابور من طريق الفضل بين موسى أنه دخل عليه فحدثه عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "دخلت ابنة خالد بن سنان على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مرحبًا" فذكره. فقال أبو حمزة: أستغفر الله أستعفر الله. وممن جزم بإثباتها متمسكًا بما أسلفته أبو عبيدة معمر بن المثنى فقال: إنه لم يكن في بني إسماعيل نبي غيره قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وأما القاضي عياض، فإنه أورده في الشفا بصيغة التمريض، وذلك أنه قال في سياق من اختلف في نبوته، وخالد بن سنان المذكور يقال: "إنه نبي أهل الرس". وقال العماد بن كثير عقب إيراد بعض الموقوفات في ذلك: فهذا السياق موقوف، وليس فيه أنه كان نبيًا، والمرسلات التي فيها أنه كان نبيًا لا يحتج بها ههنا والأشبه أنه كان رجلاً صالحًا له أحوال وكرامات فإنه إن كان في زمن الفترة فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، إنه ليس بيني وبينه نبي" وإن كان قبلها فلا يمكن أن يكون نبيًا لأن الله تعالى قال: (لتنذر قومًا ما أتاهم من

نذير من قبلك) وقال غير واحد من العلماء: إن الله تعالى لم يبعث بعد إسماعيل نبيًا في العرب إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذي دعا به إبراهيم الخليل، باني الكعبة المكية جعلها الله عز وجل قبلة لأهل الأرض شرعًا، وبشرت به الأنبياء قومهم حتى كان آخر من بشر به عيسى ابن مريم عليه السلام وبهذا المسلك بعينه يرد ما ذكره السهيلي وغيره من إرسال نبي من العرب يقال له: شعيب بن ذي مهذم غير شعيب صاحب مدين، وبعث إلى العرب أيضًا حنظلة بن صفوان فكذبوهما فسلط الله على العرب بخت نصر فنال منهم من التقل والسبي نحو ما نال من بني إسرائيل وذلك في زمن معد بن عدنان، والظاهر أن هؤلاء كانوا قومًا صالحين يدعون إلى الخير وبالله التوفيق. وكان يمكن بسط ذلك في كراسة لكن قد حصل فوق الغرض إن شاء الله.

180 - وقع السؤال من القاضي الشافعي بمجلس السلطان في مرضان سنة ست وسبعين كما بلغني: هل كان تجميع اسعد بن زرارة للجمعة بأمر منه صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فلم يجبه أحد؟

180 - وقع السؤال من القاضي الشافعي بمجلس السلطان في مرضان سنة ست وسبعين كما بلغني: هل كان تجميع اسعد بن زرارة للجمعة بأمر منه صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فلم يجبه أحد؟ والجواب: إنه قد اختلف في وقت فرض الجمعة فالأكثر على أنها فرضت والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو مقتضى ما أشار إليه البخاري من أن فرضيتها بقوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) هذه الآية مدنية كما رواه ابن مردوديه في تفسيره بسند صحيح، عن ابن عباس وغيره ونازع بعضهم في ذلك وقال: لا يلزم من كون سورة الجمعة مدنية أن لا تكون الجمعة فرضت قبل ذلك، وقد نزل بالمدينة قوله تعالى في سورة النور (واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وذلك بعد فرض الصلاة بمكة ولذلك قال الشيخ أبو حامد الأسفرايني: أنها فرضت بمكة وهو وإن كان غريبًا لكنه قد يستشهد له بتجميع أسعد بن زرارة وغيره من الصحابة بالمدينة قبل هجرته صلى الله عليه وسلم إليها لما عرف من عادة الصحابة رضي الله عنهم كما جزم به شيخنا من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، وسبقه لذلك السهيلي كما سيأتي. والتجميع المشار إليه

هو ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن أسعد بن زرارة جمع بهم وهم أربعون في نقيع الخضمات قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأيد هذا بما رواه الدارقطني والخطيب معًا في كتابيهما "الرواة عن مالك" من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أذن النبي صلى الله عليه وسلمب الجمعة قبل أن يهاجر ولم يستيطع أن يجمع بمكة فكتب إلى مصعب بن عمير ـ يعني الذي كان أرسل به النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار الذين بايعوه صلى الله عليه وسلم ليفقههم في الدين، ويعلمهم الإسلام، ويقرئهم القرآن ونزل على أسعد بن زرارة ـ: "أما بعد فانظر اليوم الذي يجهر فيه اليهود بالزبور فاجمعوا نساءكم وابناءكم فإذا مال الظهر عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بركعتين" قال: فهو أول من جمع

حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك". فهذا صريح في أنهم إنما أقاموها بعد فرضها وأن ذلك بإذن منه صلى الله عليه وسلم. وسنده لا بأس به، وصرح الخطيب بأنه لم يكتبه إلا من هذا الوجه، ولهذا قال ابن كثير: إنه غريب. قلت: وأعله بعض الفقهاء بما رواه أبو عروبة الحراني في "الأوائل" من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير بن عبد مناف. ولا يعل حديث مالك بهذا خصوصًا وهو واصل وقد روى أبو عروبة أيضًا من حديث ابن وهب أيضًا فقال عن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب يأمره بذلك. وابن موسى تابعي، فيه مقال. ولحديث ابن عباس شاهد عند الطبراني في الأوسط من حديث العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الغفار بن عبيد الله الكزبري عن صالح بن أبي الأخضر أنه حدثهم عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري قال: "أول ما قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم". وقال عقبه: لم يروه عن الزهري إلا صالح، ولا عنه إلا عبد الغفار، تفرد به عباس. انتهى.

ومن هذا الوجه بهذا اللفظ سواء، أخرجه في معجمه الكبير، لكنه أخرجه في الأوائل من حديث يحيى بن كثير العنبري عن صالح به باختصار، وهي ترد عليه دعوى الفقهاء التفرد. وأما ما وقع في تخريج الرافعي لشيخنا حيث عزا هذا الحديث لمعجمي الطبراني فزاد فيه: "وهم أي المعجمون اثنا عشر رجلاً" فالظاهر أن شيخنا قلد فيه أصله والذي في المعجمين إنما هو الذي أثته. وبالجملة فصالح بن أبي الأخضر ضعيف، وعلى تقدير ثوبت روايته فلا تنافى بينها وبين حديث ابن عباس بل يجمع بينهما بأن أسعد كان آمرًا وكان مصعب إمامًا، وقد سبق لهذا الجمع الماوري في الحاوي فقال ردًا على من زعم اضطراب الحديث: من نسبها إلى مصعب فلأجل أمره، ومن نسبها إلى أسعد فلأجل فعله. وأما ما خدش به بعضهم من كونه لم ينقل إلينا قط أنها صليت بمكة إلا في حديث الصواب خلافه، فليس بجيد لأنه يقال: إنه كما أشار إليه حديث ابن عباس لم يكن يتمكن هو وأصحابه بمكة من الاجتماع حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان بموعظة، وما ذاك إلا لشدة مخالفة المشركين لهم وأذيتهم إياهم.

ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأدركه وقت الزوال وهو في دار بني عمرو ابن عوف صلاها هنالك في واد يقال له: وادي رانوناء فكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بل مطلقًا لما قدمناه. وقد أشار إلى هذا الماوردي أيضًا لكن مع احتمال، بل احتمالين آخرين فإنه قال: يحتمل في كونه لم يصلها هو وأصحابه بمكة، أمرين: أحدهما: قلة أصحابه عن العدد الذي تنعقد به الجمعة لأنهم كانوا دون الأربعين حتى تموا بعمر، والثاني: وكأنه أشبه أن من شأن الجمعة إظهارها وانتشار أمرها، وقد كان صلى الله عليه وسلم خائفًا من قريش لا يقدر على مجاهرتهم بها فلذلك لم يصلها على أنه يجوز أن تكون الجمعة قبل الهجرة لم تفرض على الأعيان، ثم فرضت على الأعيان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن جابرًا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره بالمدينة: "إن الله فرض عليكم الجمعة في عامي هذا في شهري هذا، في ساعتي هذه" فدل هذا على أن الجمعة لم تكن فرضًا قبل ذلك اليوم. انتهى. وحديث ابر المشار إليه قد .... . على أن السهيلي قد جزم بخلاف هذا فإنه قال: وتجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة وتسميتهم إياها بهذا الاسم كان عن هداية من الله تعالى

لهم قبل أن يؤمروا بها ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر فرضها، واستدل لذلك بما رواه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرازق كما هو في جامعه بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تنزل الجمعة فقالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة ايام، وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يومًا نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي، ونشكره، فجعلوه يوم الجمعة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذٍ ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا، وتعشوا من شاته ليلتهم فأنزل الله عز وجل في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا) الآية. قال السهيلي: ومع توفيق الله تعالى لهم فيبعد أن يكون فعلهم ذلك عن غير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهم فيه، ثم ذكر حديث ابن عباس السابق. ونحوه قول شيخنا رحمه الله في الكلام على ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثي مدينة البحرين".

انتهى ما نصه. الظاهر أن عبدالقيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي. قلت: لكن قد قال شيخنا رحمه الله في موضع آخر عقب مرسل ابن سيرين السابق أنه يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يومالجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره. وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق. إذا علم هذا ففي الجمعة أوليات ثلاثة، فيقال: أول ما صليت مطلقًا بنقيع الخضومات وبخصوصه صلى الله عليه وسلم بمسجد بني عمرو بن عوف، وبالنسبة لسائر المواضع سوى المدينة بمسجد عبد القيس. هذا ما تيسر الآن من الكلام على هذه المسئلة والله الموفق.

181 -

181 - الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، حادثة وهي: أن الشيخ برهان الدين إبراهيم النعمائي المصري الشافعي نفع الله به، قرأ بين يدي المحبوبي الكافياجي شيخ الشيخونية بها في آخر كتاب الشفاء للقاضي عياض. قوله: ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته بسكون الياء، بصيغة التثنية المحذوفة النون، فرد عليه جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر الأسيوطي مدرس المحدثين بالمدرسة المذكورة ذلك. وقال: إن اللفظة خصيصي بألف التأنيث المقصورة فلم يلتفت لقوله وانفصل المجلس. فكتب الجلال المذكور إلى الشيخ برهان الدين ورقة نصها كما قرأت بخطة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي منح العلماء والأشراف، بمعاندة الجهال والأطراف، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أولي الفضل والإنصاف، وبعد، فقد قرأ بعض العوام في آخر كتاب الشفا للقضاي عياض قوله: ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته، بسكون الياء بصيغة التثنية المحذوفة النون، فقلنا له: إنما هي خصيصي بألف التأنيث المقصورة وأقمنا له العذر في ذلك كونه رآها مرسومة بالياء، فظن أنها ياء فادعى أنها رواية، وكذب في ذلك ثم ارتقى وادعى أن ذلك هو الصواب وأن المراد بالخصيصين أبو بكر وعمر. وأقول: ما ادعاه باطل رواية ولغة ومعنى. أما رواية، فالذي تلقينا من المعتبرين في الضبط، وضبطه من يرجع إليهم في النقل أنه بالألف لا غير، وممن نبه على ذلك الحافظ برهان الدين الحلبي في شرح الشفاء،

وشيخنا الإمام تقي الدين الشمني في حاشيته وكذلك قرأناه عليه وسمعناه على غيره. وأما لغة، فقال الجوهري في الصحاح: خصه بالشيء خصوصًا، وخصوصية وخصيصي وقال في القاموس: خصه بالشيء خصًا وخصوصًا وخصوصية ويفتح وخصيصي وتمد، وقال في المجمل: خصصه بالشيء خصومة بالفتح والخصيصي مثل الخصوصية، فهؤلاء أئمة اللغة ذكروا خصيصي بالألف المقصورة مصدرًا لخصه ولم يذكروا في المسألة الخصيص لا مصدرًا ولا وصفًا وأصرح من ذلك ما ذكره الفارابي في ديوان الأدب فإنه قال: باب فعيل فيه خمسة ألفاظ: رجل شرير أي صاحب شر جدًا، والقسيس ورجل ضليل ضال جدًا، والتنين ضرب من الحيات، ورجل عنين ثم قال: باب فعيلي فيه ثمانية ألفاظ: الحثيثي الحث على الشيء، الرديدي الرد، المسيسي المس الخصيصي الخصوصية

الحضيضي الحض، الدليلي الدلالة والزليلي الزلل، والمنيني المن. فهذا صريح في أنه ليس خصيص على وزن فعيل حتى يثنى على خصيصي، وباب فعيل مسموع لا يجوز القياس عليه كما هو مقرر في كتب العربية. وأما بطلانه من جهة المعنى، فإن المقصود من الكلام المصدر لا الوصف، والمقصود أن يخصنا بهذه الخصوصية وهو أن يكون من جملة الجماعة المنسوبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم والزمرة الداخلين تحت لوائه، وليس المراد الاختصاص بالذوات. هذا أمر لا يخفى إلا على جاهل بليد، وأيضًا ولو كان خصيصي بلفظ التثنية وهو مضاف لوجب أن يضاف إلى اثنين متغايرين، وليس بعده إلا زمرة وجماعة وهما بمعنى واحد، وما قاله من تفسير كلامه غلط صراح، يضحك منه السامع، ويفرح به العدو، ويغتم له الصديق واي معنى لقوله: ويخصنا بأبي بكر وعمر، والاختصاص إنما يكون بالمعاني لا بالذوات، فليتأمل المنصف هذا الكلام، ويعلم أنه رب طويل، عريض، سمين، لا يسوي مقال نملة. والله أعلم. انتهى ما كتبه ابن الأسيوطي وارسل للبرهان المذكور بهذه الورقة المشتملة على الأوهام المتعددة، فأخذ في الاستفتاء عن المصيب منهما. فكتب الأميني الأقصرائي الحنفي بتصويب البرهان وعبارته: نعم يسلم له ذلك، ولا عبرة بمن ينكره بغير موجب له، ومعناه صحيح على ما ذكر دون غيره. وكذا صوبه الشمس البامي الشافعي وعبارتهت: الذي سمع من

المشايخ قديمًا وحديثًا، وقرئ عليهم: إن هذه اللفظة مثناة، والمعنى عليها فلا يحل لأحد إنكارها، ومن أنكرها وصوب غيرها فهو في الحقيقية مسيء على القاضي عياض رحمه الله، فيؤدب على ِإساءته على العلماء. وكتب الفخري عثمان الديمي الأزهري الشافعي: الذي سمعناه من ألفاظ مشايخنا المعتمدين: وأن يخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته، بباء موحدة وخاء معجمة مكسورتين، ثم صاد مهملة مشددة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم صاد مهملة أيضًا ثم ياء تحتانية، آخر الحروف ساكنة. والله تعالى أعلم. وكتب الزيني قاسم الحنفيك وكذلك يقول فقير رحمة ربه الغني قاسم الحنفي، وكذلك ضبطه اليماني في نسخته المعتمدة والمضبوطة على الحفاظ واله سبحانه وتعالى أعلم. وكتب كاتبه التثنية في ذلك لا يمتنع دراية. وأما الرواية، فهي التي نعرفها بل هي الثابتة في الأصل المعتمد

المقابل مع حافظ وقته العلامة في التصريف واللغة أبي الحاج المزي، وأثنى على الاصل المشار إليه العلامة التاج أبو محمد عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني مختصر الصحاح بل وصاحب الحاشية على الشفاء التي سماها "الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفاء"، وعول عليها جمهور الأئمة ممن بعده، وكذا أثنى عليه العلامة تاج الدين السبكي، وعليه خط الحافظ الشمس السروجي، بل قرئ المجلس الأخير الذي فيه هذه اللفظة منه بخصوصه على شيخنا وأستاذنا شيخ مشايخ الإسلام ابن حجر وناهيك بذلك كله حجة في إثبات الرواية في الأحاديث النبوية فضلاً عن لفظ القاضي عياض رحمه الله، ومن نسب قائل ذلك إلى الكذب، فهو الكذاب لإقادمه على ما لا عهد له به، ويؤدب التأديب اللائق به، وبأمثاله خصوصًا إن كان ذلك يتضمن الطعن على هؤلاء الأئمة الأعلام. وبالله التوفيق. ثم ورد على السؤال ثانيًا من الفريق الآخر فكتبت بنحو ذلك، ثم ثالثًا فكتبت بما نصه: قد ثبت بالتثنية بدون حكاية غيرها في الأصل المعتمد الذي كتب عليه التاج عبد الباقي اليماني مختصر الصحاح، ومؤلف الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفاء بالثناء البالغ الذي من جملته أعرب أي ناسخه تلك الألفاظ وأخذها عن السادة الحفاظ، أبدع فيما رقم وأتقن فيما حكم، وشهد له التاج السبكي بأنه الذي يورى، فيروي كل ظمآن، ويبدي

فرائد تسحر دأب الإنسان. انتهى. وكيف لا يكون كذلك ومحرره قد اجتهد في جمع أصول صحاح، منها أصل مغربي، قديم، مقابل مع حفيد المؤلف المذكور بالمشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها وبالشعر والفصحاة، ونحو ذلك على أصل جده القاضي عياض فما حصل الاتفاق عليه في الأصول المشار إليها أثبته بالأصل وما لا، اقتصر على الأكثر أو الأضبط، وبين بالهامش المخالف، وهو في هذا اللفظ بخصوصه لم يبين خلافًا فاقتضى الاتفاق، ومع ذلك كله لم يكتف محرره بهذا بل قرأه مقابلة، وتصحيحًا على حافظ وقته المرجوع إليه في الحديث، ومتعلقاته مع تقدمه في التصريف واللغة أبي الحجاج المزي، وكذا قرأ فيه الحافظ شمس الدين بن أيبك السروجي. وكتب عليه خطه بذلك، بل وأفاد بهامشه إلى غيرهم من أئمة العلم والحديث، وتداوله الأكابر خلفًا عن سلف إلى هذا الوقت، وكان ممن قرئ عليه منه المجلس الأخير بخصوصه شيخنا وأستاذنا من لم تر عين من رآه في فنون الحديث النبوي مع ما اشتمل عليه من العلوم الجمة مثله. وكتب بجمد الله ممن قرأ فيه بحضرة الأئمة الأكابر من الشيوخ وغيرهم بل وقرئ علي فيه أيضًا غير مرة، وحرر معي عليه أصل صار عمدة، ولا أعلم إن شاء الله أصح منه، وحينئذٍ فقال: الرواية في هذا اللفظ بالتثنية اعتمادًا على ما بينته كما يقال: رواية الأصيلي والقابسي

والجياني وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري كذا مع كون لا مستند لذلك في هذه الأعصار المتأخرة إلا الأصول المعتمدة، ولا يخدش فيما تقدم أن ألف التأنيث المقصورة ربما تكتب ياء، لأنا نقول: وإن وجد ذلك كله في خط الآحاد فالمتقن لا يسكن الياء إلا في المثنى خوفًا من حصول الالتباس. وإذا ثبت كذلك وعلم أن القاضي عياض قائل هذا اللفظ أعرف الناس في وقته بعلوم الحديث، وبالنحو، واللغة، وكلام العرب وأيامهم، وأنسابهم وممن كان في الإتقان بمكان كان كافيًا في الرجوع إليه في هذا اللفظ، إن لم يوجد صريحًا ما يخالفه، هذا الحافظ شرف الدين أبو الحسين اليونيني مع كونه لم يجتمع فيه ما اجتمع في القاضي عياض قد عول الناس عليه في ضبط الروايات في صحيح البخاري لكثرة ممارسته له، واعتنائه بمقابلته حتى إن الحافظ الذهبي [حكى أنه سمعه يقول: إنه قابله وأسمعه في سنة واحدة إحدى عشرة مرة، ولكنه ممن وصف بالمعرفة لكثير من اللغة، والحفظ لكثير من المتون والمعرفة بالأسانيد بحيث أن سيبويه وقته الجمال ابن مالك حضر عنده سماع الصحيح

المذكور فكان إذا مرَّ من الألفاظ ما يتراءى مخالفته لقوانين اللسان العربي سأل الشرف عن الرواية فيه، فإن أجاب بأنه كذلك شرع ابن مالك في توجيهه حسب إمكانه، ومن ثم جمع كتابه المسمى: "شواهد التوضيح" مع كونه لم يستوعب ذلك، ومن ذا ينهض بما نهض به ابن مالك أو ما يوازيه علمًا وعملاً، وإتقانًا وورعًا، أو من أحاط علمًا بحفظ اللغة وجمع دواوينها حتى يسوغ له أن يقول: إنه لم يسمع خصيص فدلك كعلم الحديث والفقه بحر لا ساحل له، غاية الماهر مراجعة القاموس ولسان العرب والاقتصار عليهما لا يسوغ إطلاق النفي، بل كل حصر في باب متسع الانتشار منتقد في الغالب، ومن العجيب من استدل باقتصار الفارابي في ديوان الأدب على خمسة ألفاف في باب فعيل، وثمانية في باب فعيلي وزعم صراحته في أنه ليس لنا خصيص على وزن فعيل حتى يثنى على خصيصي مع كون الفارابي لم يدع الحصر، ولو ادعاه لرد عليه في الوزن الأول بخريت وخريج وحديث وحريف وفسيق ومسيك وعريض لمن يتعرض للناس بالشر وسجيل وسجين وغيرها. وفي الثاني بخصيصي وربيبي وهجيري وحجيري وحديثي وخليفي وغيرها، بل من الوزن الأول صديق وهو كل من صدق بكل ما أمر الله به على لسان أنبيائه بغير شك، ولا امتراء وهو دائم الصدق وقد ثبت قطعًا جمعه بقوله تعالى: (والصديقين) وما ثبت جمعه جمع تصحيح ثبتت تثنيته. وإذا تقرر هذا، فالتثنية في كلام القاضي بالنظر لشيئين، وهما:

الزمرة الشاملة لجميع من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من الصاحبة وغيرهم إلى يوم القيامة، والجماعة الذين هم أصحابه رضي الله عنهم، وخصهم بعد دخولهم في العموم لشرفهم، فكأنه سأل الله أن يخصه باقتفاء طريق الخواص من أصحاب نبيه، ومن سائر أمته، وهو نحو قول القائل: هب لنا ما وهبته لأوليائك وأحبائك. ويجوز أن يكون سأل أني خص بخصيصي هذه الأمة وهما: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حسبنما ورد في حيدث سنده ضعيف عند الطبراني فيا لكبير من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي خاصة من أصحابه وإن خاصتي أبو بكر وعمر" رضي الله عنهما وكذا أخرجه البيهقي في الفضائل. ولا يكون من خواصهما إلا بسلوك طريقهما واقتفاء سنتهما، وعلى تقدير التنزل في كون الزمرة والجماعة واحد فليس يمتنع الإتيان بلفظ التثنية مع إضافته لفظًا بواحدٍ].

182 - سئلت عن استئصال الشارب، والعنفقة بالحلق، أو النتف هل هو سنة أم لا؟

182 - سئلت عن استئصال الشارب، والعنفقة بالحلق، أو النتف هل هو سنة أم لا؟ فأجبت: ما كان من الشارب والعنفقة على طرف الشفة فيستحب إخفاقه من أصله، وما عداه فيقص على وجه التقصير بحيث لا يتدلى شيء منه على طرف الشفعة، ويتأيد عدم الاستئصال فيهما بقص النبي صلى الله عليه وسلم شارب بعض الصحابة على سواك لأنه لو كان المراد حلقه واستئصاله لما وضع السواك تحت الشارب حتى يقص ما خرج عنه، ولذا يدل كون الأحاديث الواردة في الأخذ من الشارب كقوله: "كان صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه" و"من لم يأخذ من شاربه فليس منا" يدل على أخذ البعض

وترك البعض لدلالة "من" على التبعيض. وقد قال أحد أئمة الهدى عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "السنة في قص الشارب حتى تبدو الإطار يعني جوف الشفة الأعلى الذي يحول بين منابت الشعر والشفة"، وقول التابعي: السنة كذا وإن كان الصحيح أنه عليه موقوف، فقوله يعتضد بفعل جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقصون شواربهم من طرف الشفة وهو قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كإمامنا الشافعي بل قال ـ وذكر له إحفاء بعض الناس شواربهم ـ: ينبغي أن يضرب من صنع ذلك، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفا ولكن يبدي حرف الشفتين والفم. وقال: إن حلقه بدعة ظهرت في الناس. وفي رواية عنه: إحفاء الشارب عندي منكر، بل يأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بكفه وعلله غيره بأن مع المثلة فيه إذهاب لماء الوجه وفيه بقاء أصول الشعر زينة وجمال، على أن ابن عمر وبعض التابعين ذهب إلى استحباب حلقه واستئصاله وهو قول أهل الراي وأهل الظاهر. وكذا جاء عن غير ابن عمر من الصحابة لكن بسند مضطرب.

وفي المسألة قول ثالث: وهو التخيير بين القصص والحلق كاه عياض. وعن أحمد رحمه الله: إن حفه فلا بأس به. وإن قصه فلا باس به وكأنه ليجمع بين الأحاديث واختلاف أفعال الصحابة، لكن عمل الجمهور على القص خصوصًا ومما ذكرناه أولاً تجتمع ذلك فهو أولاً تجتمع ذلك أيضًا فهو أولى بالاتباع، هذا ملخص الكلام وبه حصل الغرض وبسطه يستدعي كراسة. والله الموفق.

183 - سئلت عن حديث: من قال عند مريض لم يحضر أجله سبع مرات: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك

183 - سئلت عن حديث: " من قال عند مريض لم يحضر أجله سبع مرات: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك" أورد بلفظ: "ويعافيك للشفاء"؟ فأجبت: اتفق من أخرجه وهم: أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني كلاهما في "عمل اليوم والليلة" وأحمد في "مسنده" وسمويه في "فوائده" وآخرون كلهم من حديث يزيد أبي خالد الدلاني عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا عليه بلفظ: "يشفيك" فقط وكذا رويناه من حديث جماعة عن الدالاني عن المنهال منهم: زيد بن أنيسة وعبد ربه بن سعيد وميسرة بن حبيب مع

اختلاف فيهم على بعض، ومن جملة من اختلف عليه فيه سندًا ومتنًا الدلاني المذكور، فأخرجه الطبراني في الدعاء وأبو نعيم في عمل اليوم واليلية معًا من حديثه فقال: عن المنهال عن عبد الله بن الحارث بدل سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا، ولفظه: "من دخل على مريض فقال: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يعافيك إلا عوفي ما لم يحضر أجله" ويزيد ممن اختلف فيه فوثقه أحمد وابن معين وجمعة وضعفه ابن سعد والحربي وابن حبان وأفرط فيه، وتوسط ابن عدي فقال: إنه ليس الحديث، ومع لينه يكتب حديثه، وعلى كل حال فلفظه مضطرب، شاذ بخلاف الاول فقد حسنه شيخنا ومن قبله الترمذي حين قال: إنه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال، بل صححه ابن حبان

والحاكم وفيه نظر. وأما ما وقع في "عدة الحصن الحصين" لابن الجوزي رحمه الله من جمعه بين يشفيك ويعافيك، فذاك غلظ مع أنه رقم عليك لابي داود والترمذي وابن حبان فليست لفظة: "يعافيك" فيها مفردة، فضلاً عن مجتمعه، والله الموفق.

184 - سئلت: عما اعتيد من كثير من الناس فعله من قراءة الفاتحة عقب الصلوات وإهداء ثوابها للمسلمين الأحياء والأموات

184 - سئلت: عما اعتيد من كثير من الناس فعله من قراءة الفاتحة عقب الصلوات وإهداء ثوابها للمسلمين الأحياء والأموات. أجبت: لم يرد فيه على هذه الكيفية شيء بل هو مما أحدث والله المستعان. 185 - مسألة: الحمد لله وقع كما بلغني في ليلة العشرين من رمضان المعظم قدره بين يدي المقر الزيني ابن مزهر دفع الله عنه كل مكروه وحفظ عليه دينه ودنياه استشكال الجمع بين حديث مسلم الصحيح: "أفضل الصيام بعد رمضان المحرم" وحديث الترمذي ـ يعني على تقدير صحته ـ قيل: يا رسول الله أي الصوم أفضل؟ قال: "صوم شعبان تعظيمًا لرمضان" وأنه أجاب بديهة بتقييد الأفضلية في المحرم

بالأشهر الحرم وإبقائها على عمومها في شعبان وهو جواب حسن، خصوصًا وفي كلام الحافظ الزين ابن رجب رحمه الله ما يشير غليه فإنه قال: التطوع بالصيام نوعان، أحدهما: التطوع المطلق بالصوم فهذا أفضله المحرم كما أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام الليل. ثانيهما: ما صيامه يتبع لصيام رمضان، قبله أو بعده، فهذا ليس من التطوع المطلق بل صيامه تبع لصيام رمضان وهو يلتحق بصيام رمضان، ولهذا قيل: إن صيام الست من شوال يلتحق بصيام رمضان ويكتب لمن صامها مع رمضان صيام الدهر فرضًا وقد أخرج ابن ماجه بسند فيه إرسال أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم شوال" فترك أشهر الحرم، ثم لم يزل يصوم شوال حتى مات. قلت: وكذا أخرجه العذبي ومن طريقه أورده الضياء في المختارة فهو محتج به عنده، قال: فهذا النوع من الصيام يلتحق برمضان، وصيامه أفضل التطوع مطلقًا. فأما التطوع المطلق فأفضله صيام الأشهر الحرم، وأفضل صيام الأشهر الحرم صيان شهر الله المحرم قال: ويشهد لهذا قوله في حديث المحرم نفسه: "وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" ومراده بعد المكتوبة لواحقها من سننها الرواتب، فإن الرواتب قبل

الفرائض وبعدها أفضل من قيام الليل عند جمهور العلماء لالتحاقها بالفرائض في الفصل، وإن خالف في ذلك بعض الشافعية، فكذلك الصيام قبل رمضان وبعده ملتحق برمضان، وصيامه وأفضل من صيام الأشهر الحرم، فأفضل التطوع المطلق بالصيام صيام المحرم، انتهى. على أن سعيد بن جبير وغيره ذهبوا إلى كون ذي الحجة أفضل الاشهر الحرم، بل قيل: إنه أضل الشهور مطلقًا منأجل يوم عرفة، وأيام العشر، فإذا كان كذلك احتمل أن يقال: يجوز أن يراد به أفضل شهر تطوع بصيام جميعه بعد رمضان فلا ينافي حينئذ أن يكون التطوع ببعض أيام كصيام يوم عرفة أو عشر ذي الحجة أو ست شوال أفضل من التطوع ببعض أيامه، اشار إليه ابن رجب أيضًا قال: وقد أجيب عن استشكال كونه صلى الله عليه وسلم كان يخص شهر شعبان بصيام التطوع فيه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" بأجوبة غير قوية، لاعتقادهم أن صيام المحرم والأشهر الحرم أفضل من صيام شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم، قال: والأظهر خلاف ذلك يعني كا تقدم. وأجاب بنحو هذا الحافظ الزين العراقي فإنه قال: حديث شعبان قيد بقوله "لتعظيم رمضان" والمعنى: أن يقصد بصوم شعبان تعظيم رمضان تقدمه بين يديه كما تقدم رواتب الفرائض بين يديها، ليحصل له بالتلبس بالنوافل التضرفع عما يشغله عن الصلاة، ولما يحصل بالنوافل من محبة الله عز وجل للعبد كما ثبت في الصحيح حكاية عن الله عز وجل: "ولا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه"، فيدخل في الفريضة وقد دخل بالنوافل في جملة من أحبه الله

فيكون أقرب إلى القبول، ولما ورد في جبر الفرائض بالنوافل فكذلك الصوم، قال: وقد صرح أصحابنا بأن أصل النوافل التي لم تشرع فيها الراتب فيكون صوم شعبان كأنه مقدمة لرمضان، للتمرين على الصوم والتخلق به وإنما نهى عن تقديم رمضان بيوم أو يومين لمن يفعله على نية الاحتياط لرمضان ولذلك ورد في بقية الحديث: "إلا رجلاً كان يصوم صومًا فليصمه" فإذا اعتاد صيام شعبان ووقع ذلك بنية التعظيم لرمضان احتمل تفضيله على المحرم وانضم إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن في شهر من الشهور أكثر صيامًا منه في شعبان حتى يصله برمضان. وفي رواية: "كان يصوم شعبان كله" وتبعه تلميذه شيخنا رحمهما الله حيث

قال: أفضلية المحرم على إطلاقها وفضيلة شعبان مقيدة بقصد تعظيم رمضان كما في الخبر قال: وكان المراد بالتعظيم المذكور أن يدمن على الصايم فيصوم رمضان وهو نشيط، وليس المراد الاحتياط لرمضان لثبوت النهي عن تقدمه بصيام. انتهى. وأجاب العراقي رحمة الله بجواب آخر فقال معقبًا لجوابه السابق: ويحتمل أن يكون قوله: "لتعظيم رمضان" ليس له تعلق بقصده وإنما هو تعليل لأفضيلة شعبان لمجاورته لرمضان كما ندب إلى صوم الست من شوال وإتباعها برمضان المجاورته وربما حصل الشرف بالمجاورة في المشاهد ومنه مجاورة بيت الله. قلت: والحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" حمله ناصر السنة البيهقي وغيره على تقدير صحته على ما يضعفه الصوم، وإن لم يضعفه فلا. والله المستعان.

186 - الحمد لله: وقع كما بلغني بمجلس الاستماع عند الشاوي بحضرة صاحبنا القاضي قطب الدين الخيضري الخوض في مسألة رائي النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته قبل الدفن، أو بعده هل يكون صحابيا أم لا؟

186 - الحمد لله: وقع كما بلغني بمجلس الاستماع عند الشاوي بحضرة صاحبنا القاضي قطب الدين الخيضري الخوض في مسألة رائي النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته قبل الدفن، أو بعده هل يكون صحابيًا أم لا؟ وأنجز الكلام من طالب يقال له محمد الشارنقاشي إلى تعليل ذلك بانقطاع النبوة فزبره بعض الفضلاء الأخيار وهو الشيخ عبد الرحمن السنتاوي عن ذلك وقال: إن هذا الكلام كفر، ووافقه على الإنكار القطب الخيضري، وأصل المسألة لأئمتنا فيها كلام، وصنيع من أدخل أبا ذؤيب في تصنيفه في الصحابة يقتضى إثباتها. وقال العلائي: إنه لا يبعد أن يعطي هذا حكم الصحبة لشرف ما حصل له من رؤيته صلى الله عليه وسلم قبل دفنه وصلاته عليه قال: وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره أصلاً فيهم أو الصغير الذي ولد في حياته، وكذا قال البدر الزركشي رمه الله: ظاهر كلام ابن عبد البر نعم لأنه أثبت الصحبة لمن أسلم في حياته وإن لم يره، يعني فيكون من رآه قبل الدفن أولى، قال: والظاهر أنه غير صحابي وكذا قال العز ابن جماعة: إنه ليس بصحابي على المشهور وتبعه تلميذه شيخنا رحمهما الله وعبارته في مقدمة الإصابة: وهل يدخل من رآه ميتًا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح، محل نظر، والراجح

عدم الدخول، وكذا قال في فتح الباري: الراجح أنه ليس صحابيًا وإلا لعُدَّ من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة، إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية وإنما هي أخروية لا تتعلق بها أحكام الدنيا، فإن الشهداء أحياء ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم من الموتى. انتهى. ولم يعلل شيخنا نفيها بما وقع من الطالب مع كونه في كلام الشيخ زين الدين العراقي حيث قال في "التقييد": الظاهر اشتراط وقوع الرؤية وهو حي فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم نفسه لكونه شيخنا كما هو الظاهر لم يرضه خصوصًا وقد أعرض عنه الزين نفسه في شرح ألفينه واقتصر على الحكم فقط من غير تعليل فكأنه رجوع منه عنه، وممن لا يرتضيه أيضًا العز ابن جماعة فإنه أشار إلى حكايته مع إبهام قائله وتوقفه فيه أيضًا فقال: إنه محل بحث وتأمل فهؤلاء جماعة من الأئمة تواردوا على الحكم وهو الحق ولا نزاع في حصول الشرف لمن وقع له ذلك، وحينئذٍ فيزاد في التعريف الذي استقر الأمر عليه قبل انتقاله من الدنيا ولا يعدل عن قوله وهو حي لكونه صلى الله عليه وسلم حيًا إجماعًا، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

187 - سئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقه هل هو عام أم لا؟ وعن قوله صلى الله عليه وسلم مما هو الاعتكاف: من اعتكف فواق ناقة كان كمن أعتق رقبة مؤمنة ما المراد بفواق ناقة؟

187 - سئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقه" هل هو عام أم لا؟ وعن قوله صلى الله عليه وسلم مما هو الاعتكاف: "من اعتكف فواق ناقة كان كمن أعتق رقبة مؤمنة" ما المراد بفواق ناقة؟ فأجبت: أما الحديث الأول فلفظه "إنا معاشر الأنبياء" كذلك هو في السنن للنسائي منفردًا به عن سائر أصحاب الكتب الستة، وكذا أخرجه الحميدي والهيثم بن كليب في مسنديهما وآخرون. وفي لفظ الدارقطني في علله: "الأنبياء لا يورثون". وأما ما وقع في السؤال من لفظ: "نحن"، فقد أنكر وروده في كتب الحديث غير واحد من الأئمة ولم نره كذلك إلا في كتب الأصول ونحوها وكأنهم أوردوه بالمعنى فلفظة: "إنا" و"نحن" مفادهما واحد وهو بكل منهما ظاهر في العموم في سائر الأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم ولا يعارض ذلك قوله تعالى: (وورث سليمان داود) وقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: (فهب لي من لدنك وليًا يرثني) فقد حمل ذلك أكثر العلماء بالتأويل على العلم والحكمة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة

الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم .. الحديث" نعم أجراه بعضهم على ظاهره، وكذا حكى ابن عبد البر في المسألة قولاً آخر لكنه قال: إن الأكثر على "لا يورثون" وعلى القول المرجوح يكون المراد معظمهم ونحو ذلك على [أن] في قول عمر رضي الله عنه في رواية الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" يريد

صلى الله عليه وسلم نفسه ما يشهد لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك فإنه أشار إلى أن النون للمتكلم خاصة، لا للجميع ويجمع بينه وبين ما تقدم بإرادة الاختصاص عن الأمة خاصة وقوله صلى الله عليه وسلم: "نورث" الرواية فيه بفتح الراء ويجوز كسرها لصحة المعنى أيضًا. وأما "صدقة" فهو بالرفع خبر "ما" أي المتروك عنا صدقة، وزعمت الشيعة أنه بالنصب على أن "ما" نافية، ورد عليهم ابن مالك النصب بما يوافق مذهب أهل السنة بتقدير محذوف تقديره: ما تركنا متروكًا صدقة ولكن لا حاجة إلى ذلك مع ثبوت كون الرواية بالرفع، إذا علم هذا فقد قيل في الحكمة في عدم توريثهم حسم المادة في تمني الوارث موت الموروث من أجل المال، وهل يكون النبي كالاب لأمته فيكون ميراثه للجميع، وهذا معنى الصدقة العامة. وقيل: لئلا يظن أنهم جمعوا لوارثهم. أما الحديث الثاني، فلم أره إلا في الشرح الكبير للإمام أبي القاسم الرافعي ولكن لفظ "الفواق" جاء في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه الأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن

معاذ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة" وعند العقيلي في الضعفاء بسند ضعيف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رابط فواق ناقة حرم اله عليه النار". وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العيادة فواق ناقة" انتهى. وهي بضم الفاء وفتحها وتخفيف الواو: قدر ما بين الحلبتين من اراحة إذا فتحت يدك. وقيل: إذا قبض الحالب على الضرع ثم أرسله عن الحلب. تنبيه: عجيب لابن الملقن رحمه الله فإنه في تخريج الرافعي ذكر هذا الحديث وقال: أخرجه العقيلي وأشار إلى حديث عائشة الذي ذكرته، وهذا الصنيع يوهم أن أصل الحديث قد خرج، وليس كذلك بل الحديث ليس بموافق للتخريج أصلاًن لأن الرباط غير الاعتكاف وقد تبعه شيخنا رحمه الله في تلخيصه من غير تعقيب، ولو كان ابن الملقن اقتصر على الحديث الذي أشار إليه كما فعل ابن الزركشي وهو حديث "من اعتكف

يومًا ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد ما بني الخافقين" لكنه متنه منكر. والله أعلم.

188 - سئلت: عن قول ابن حبان في حديث: من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجران الأجر يكون للمسلمين

188 - سئلت: عن قول ابن حبان في حديث: "من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجران" الأجر يكون للمسلمين. والجواب: إن ذلك وقع في موضعين من صحيحه فلفظه في أحدهما: إذا أحيى الذمي أرضًا ميتة لا يكون له، لأن الصدقة إنما يكون لهم" وأقره على ذلك البدر الزركشي وابن الملقن في تخريجهما وأخرون، ويؤيده ظاهر قوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا) بل قال القاضي عياض: انعقد الإجماع على أن الكفار لا ينفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابًا من بعض، وقد قال ابن المنير: اعتبار طاعة الكافر مع كفره محال، لأن شرط الطاعة أن يقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر لكن قد تعقب المحب الطبري ابن حبان بأن الكافر إذا تصدق يثاب عليه في الدنيا كما ورد به الحديث فيحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا، وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك انتهى. ويستأنس له بما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله ثقات من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أبي كان يصل الرحم ويقري الضيف ويفي بالذمة

قال: "ولم يدرك الإسلام" قال: لا فلما وليت قال: "علي بالشيخ" قال: "يكون ذلك في عقبك فلن يذلوا أبدًا، ولن يفتروا"، وانتصر شيخنا لابن حبان رحمها الله في فتح الباري فإنه قال: وما قاله ـ يعني الطبري ـ محتمل، إلا أن الذي قاله ابن حبان اسعد بظاهر الحديث، ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي ونحوه قوله في تلخيص تخريج الرافعي من زياداته: وقول ابن حبان أقرب للصواب، وظاهر الحديث معه، والمتبادر إلى الفهم منه أن إطلاق الأجر إنما يراد به الأخروي. قلت: وهو حسن، على أن في كلام البيهقي ما يقتضى تجويز عدم المنع من الأخروي أيضًا فإنه قال: وما ورد من بطلان الخير للكفار، معناه أنه لا يكون لهم التخلص من النار، ولا دخول الجنة ولا جيوز أن يخفف عنهم العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات انتهى. ويتايد ذلك بما ورد في عدة أحاديث. منها ما رواه الديلمي والبزار في مسنديهما، وآخرون من حديق طارق بن شهاب عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله عز وجل" قيل:

يا رسول الله! ما إثاة الكافر؟ قال: "إن كان وصل رحمًا أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله المال والصحة وأشباه ذلك، وفي الآخرة عذابًا دون العذاب" وقرأ: (أخلوا آل فرعون أشد العذاب 9. وفي لفظ عند الخرائطي: "إلا أثابه الله عز وجل في عاجل الدنيا أو ادخر له في الآخرة) قلنا: يا رسول الله! ما إثابة الكافر في الدنيا وذكره نحوه. ومنها ما رواه الخرائطي من حديث أبي نوفل قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أين عبد الله بن جدعان؟ قال: "في النار" قال: فجزعت عائشة واشتد عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: "يا عائشة ما يشتد عليك من هذا؟ "قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كان يطعم الطعام، ويصل الرحم قال: "فإنه يهون عليه بما قلت". ومنها: ما روي في حاتم الطائي، وقد سئل صلى الله عليه وسلم أينفعه جوده؟ فقال: "إنه يكون يوم القيامة في بيت من زجاج يقيه وهج النار" ونحو ذلك، حسبما أحرر لفظه بعد، لكن كلها ضعيفة والذي في صحيح مسلم من حديث عائشة ايضًا في الجواب عن ابن جدعان إذ قيل: فهل ينفعه ذلك يوم القيامة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم

الدين" وفي عدة أحاديث في الجواب عن حاتم الطائي أنه قال: "ذاك أراد أمرًا فأدركه" وفي لفظ: "كان يحب أن يذكر فذكر" ونحوه قوله في غيره ذلك: "ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة". وعلى تقدير ثبوتها واعتضاد بعضها ببعض فلا يدفع بأنه ليس أهلاً للنية، بل يقال كما قال ابن المنير: إقامة الكافر على بعض الأعمال تفضل من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، يعني فلا يكون عمله قربة معتبرة ولكن يجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء، والمتبع في ذلك التوقيف، نفيًا وإثباتًا على أن بعضهم حملها على الحسنات التي لا تفتقر فيها لنية كصلة

الرحم، وفيه توقف. وقصة أبي لهب قول العباس رضي الله عنه: أنه رآه في منامه بعد موته يجول في شرحال فقال له: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين. وفي لفظ: غير أني سقيت في هذه أشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، وفي آخر: وأشار إلى النرة التي بين الإبهام، والتي تليها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الأثنين، وكانت ثويبة بشرت ابا لهب بمولده صلى الله عليه وسلم فأعتقها" من أدلة المسئلة، لكن قد أجيب عنه بأن الخبر مرسل، أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، وأيضًا فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك بدليل قصة أبي طالب عمه صلى الله عليه وسلم وكونه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح، إذ في بعض الأحاديث: "فأخرجه الله بمكانه مني، وإحسانه إلي، فجعله في ضحضاح" ولأجل ذلك قال

189 - وسئلت: عن قول القائل ـ مسالة ـ: إذا وجد شخص ركازا والحال أنه من دفن المسلمين أو أهل الذمة فإنه يكون لقطة اي فيعرفه؟ فقال شارح هذا الكلام: لأن أحاديث اللقطة خاصة بالنسبة إلى أحاديث الركاز، والمقصود تبيين الأحاديث الخاصة، والأحاديث العامة، وبيان

القرطبي: هذا التخفيف خاص بمن ورد النص فيه. هذا ما يسر الله به من الجواب، والمسألة يحتمل أبسط من هذا، لكن فيما أثبته دون الغرض والله الموفق. 189 - وسئلت: عن قول القائل ـ مسالة ـ: إذا وجد شخص ركازًا والحال أنه من دفن المسلمين أو أهل الذمة فإنه يكون لقطة اي فيعرفه؟ فقال شارح هذا الكلام: لأن أحاديث اللقطة خاصة بالنسبة إلى أحاديث الركاز، والمقصود تبيين الأحاديث الخاصة، والأحاديث العامة، وبيان عمومها وخصوصها، وتطبيقها على هذا الكلام. فقلت: تسمية هذه الصورة الخاصة ركازًا لغوية إذ هو في اللغة: المال المركوز في الأرض أي مال كان، فلا فرق في اللغة بين أن يدفنه مسلم أوكافر، أوما كونها لقطة، فيتمشى إلى ما ذهب إليه الجمهور في كون اللقطة غير محصورة فيما يوجد ظاهرًا، وينازع فيه من حصر تعريفها بأنها التي تنسل من مالكها فيظفر بها غيره من غير قصد وطلب، إذ هو هنا محرز بالدفن، وحينئذٍ فهو مال ضائع يحفظه الآخذ أبدًا، أو يسلمه للإمام، ولا يسلك فيه مسلك اللقطة، ثم إن قول الشارح في تعليل هذا الكلام "لأن ... إلى آخره" لم يظهر لي المراد منه فيراجع نسخة معتمدة

190 - الحمد لله وسئلت عما نقل في رسالة عن الحسن البصري فيما يجب على المؤمن من الفرائض في اليوم والليلة في الفريضة السابع وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم من أحبني فارزقه الكفاف ومن ابغضني فأكثر ماله وولده هل هو صحيح أم لا، وما معناه؟

أو نسخ لاحتمال سقوط شيء بين الكلامين، نعم، الظاهر أنه عنى بقله خاصة مختصة، فهي تختص بأمور لا يشركها فيها الركاز، كما علم من أحاديثهما مما هومقرر في الفروع، ولم يُرد الخصوص المقابل للعموم وفوق كل ذي علم عليم. 190 - الحمد لله وسئلت عما نقل في رسالة عن الحسن البصري فيما يجب على المؤمن من الفرائض في اليوم والليلة في الفريضة السابع وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم من أحبني فارزقه الكفاف ومن ابغضني فأكثر ماله وولده" هل هو صحيح أم لا، وما معناه؟. فقلت: روي الترمذي في جامعه وقال: غريب عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني أحبك فقال: "انظر ماذا تقول؟ " قال: والله إني لأحبك ثلاث مرات، قال: "إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافًا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي أو من أعلى الجبل إلى أسفله"ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا. وروى ابن ماجه في سننه

والبغوي والطبراني في معجميهما، والعسكري وابن أبي عاصم وأبو الشيخ وغيرهم من رواية مسلم بن مشكم ـ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الكاف ـ عن عمر بن غيلان الثقفي ـ هو ممن اختلف في صحبته ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من آمن بي وصدقني، وعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأقل ماله وولده وحبب إليه لقاءك، وعجل له القضاء، ومن لم يؤمن بي، ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به الحق من عندك أكثر ماله وولده وأطل عمره". وإسناده كما قال ابن عبد البر: ليس بالقوي. قلت: لكن للمتن شواهد، منها: عند الطبراني من حديث معاذ بن جبل وفضالة بن عبيد رضي الله عنهما أما لفظ حديث معاذ، فهو بنحوه.

وأما لفظ حديث فضالة وهو أقواهما فهو: "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحب إليك لقاءك وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك، وشهد أني رسولك فلا تحب إليه لقاءك، ولاتسهل عليه فضاءك، وكثر له من الدنيا". وي ابن ماجه ومسند أحمد وغيرهما عن نقادة الأسدي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يستمنحه ناقة فرده، ثم بعثني إلى رجل آخر فارسل إليه بناقة فلما أبصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك فيها ويمن بعثها" قال نقادة: فقلت: يا رسول الله! وفيمن جاء بها قال: "وفيمن جاء بها" ثم أمر بها فحلبت فدرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أكثر مال فلان" للمانع الأول "واجعل رزق لان يومًا بيوم" للذي بعث بالناقة. وفي المعنى أحاديث كثيرة. ومن دعواته صلى الله عليه وسلم المتفق عليها: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "يا عائشة! إن أردت اللحوق بي

فليكفك من الدنيا كزاد الراك، وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلفي ثوبًا حتى ترقعيه" أخرجه الترمذي وغيره. وللترمذي أيضًا عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر وكان غامضًا في الناس، لا يشارإليه بالأصابع، وكان رزقه كفافًا فصبر على ذلك ثم نفض يده فقال: عُجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه". ولأبي يعلى والخطابي وغيره مما في "العزلة" من حديث جابر نحوه: "خيركم بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد". وثبت من طريق قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب".

وكل هذا حث على التقلل من الدنيا، وترهيب عن الإكثار منها، واستيفاء ما ورد في معنى ذلك يطول، ودعاءه صلى الله عليه وسلم على من لم يؤمن به بكثرة المال والولد ليكون ذلك زيادة في العقوبة عليه في الدار الباقية لكونه آثر ما يفنى على ما يبقى، ولا يعارض ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لخادمه سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فلقد رايت اثنتين وأنا أرجو الثالثة لما ورد من أنه: «نعم المال الصالح للعبد الصالح» فمن يكون الدنيا في يديه، ويؤدي الحقوق منها، ويتطوع بالأمور المستحبة فيها يكون ذلك زيادة له في الخير وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا حلوة خضرة، من أخذها بحقها بورك له فيها» وكذا لا معارضة أيضًا بين دعائه صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه بكثرة

المال وبين دعائه لمن يحب بقلة المال لإمكان أن يقال: ليس المالان في الموضعين على حد سواء فالذي دعا لأنس بالكثرة منه هو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لا خير فيمن لا يحب المال ليصل به رحمه، أو يؤدي به عن أمانته، ويستغني به عن خلق ربه" والمعنى في هذا كما قال العسكري: إنه لا خير فيمن يحب المال لغير هذه الخصال، وإنما يحب المؤمن المال لهذه الأشياء. ونحوه قول سعيد بن المسيب: "لا خير فيمن لا يجمع المال

فيقضي دينه، ويصل رحمه ويكف به وجهه". وكان رحمه الله يقول: "اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لاصون بها حسبي، وديني". وعن ابن أبي الزناد وقيل له: أتحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: "هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها" وإذا تأملت قوله صلى الله عليه وسلم: "وبارك له فيه ظهر لك به تقوية ما قررته خصوصًا. ومن جملة استمرار البركة عدم إنفاذها من بين يديه واحتياجه إلى اللئام ممن يفخر ويزهو بها عليه. وبالله التوفيق.

191 - الحمد لله وسئلت عن قول القائل: إذا أحبتموهم فأعلموهم وإذا ابغضتموهم فتجنبوهم أهو حديث أم لا؟ وما يجب على من رواه حديثا؟

191 - الحمد لله وسئلت عن قول القائل: "إذا أحبتموهم فأعلموهم وإذا ابغضتموهم فتجنبوهم" أهو حديث أم لا؟ وما يجب على من رواه حديثًا؟ فقلت: أما الشق الأول، فقد ورد في أحديث. وأما الثاني، فليس بصحيح، والتجنب إن كان المراد به الهجران فهو حرام، إلا أن كان السبب للبغض كونه يفعل ما لا يجوز فهجره لينزجر هو أو من يفعل فعله فهو جائز، ولا شك أن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان.

192 - سئلت عن قول القائل: من قصدنا وجب حقه علينا

والجازم بنسبة هذا اللفظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم آثم فيؤدب بما يليق به ويؤمر بعدم الإقدام على نسبة شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أخذه عن أهل العلم بالحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام، أو عن الكتب المعتمدة المعروفة بالاقتصار على الصحيح على أشبهه إن كانت فيه أهليه لذلك. وبالله التوفيق. 192 - سئلت عن قول القائل: "من قصدنا وجب حقه علينا". فقلت: لا أصل له بهذا اللفظ لكن يمكن أن يكون معناه: "للسائل حق، وإن جاء على فرس" وهو حديث ثابت، وإن نسب إلى الإمام

193 - فالحمد لله وسئلت عن حديث: اتخذوا عند الفقراء دولة أهو ثابت أم لا؟

أحمد أنه من الأحاديث المشهورة على الألسنة ولا أصل لها، واله أعلم. 193 - فالحمد لله وسئلت عن حديث: "اتخذوا عند الفقراء دولة" أهو ثابت أم لا؟ فقلت: رويناه في كتاب "ثواب قضاء الحوائج" للنرسي بسند فيه غير واحد من المجهولين عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة" قيل: يا رسول الله، وما دولتهم؟ قال: "ينادي مناد يوم القيامة: يا معشر الفقراء قوموا فلا يبقى فقير إلا قام، حتى إذا اجتمعوا قيل: ادخلوا إلى صفوف أهل القيامة، فمن صنع إليكم معروفًا فأوردوه الجنة" قال: "فجعل يجتمع على الرجل كذا وكذا من الناس فيقول له الرجل منهم: ألم أكسك؟ فيصدقه، فيقول له

الآخر: يا فلان! ألم أكلم لك، قال: ولا يزالون يخبرونه بما صنعوا إليه وهو يصدقهم بما صنعوا إليه حتى يذهب بهم جميعًا فيدخلهم الجنة، فيقول قوم لم يكونوا يصنعون المعروف: يا ليتنا كنا نصنع المعروف حتى ندخل الجنة". وله طريق أخرى واهية من حديث ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن للمساكن دولة" قيل: يا رسول الله: وما دولتهم؟ قال: "إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله تعالى لقمة، أو كساكم ثوبًا، أو سقاكم شربة فأدخلوه الجنة". أخرجه ابن عدي في كامله والعقيلي وآخرون ممن صنف في الضعفاء، وآته أبو طاهر موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي المقدسي وهو متهم بالكذب ولذلك قال العقيلي: إنه منكر، وأورده ابن الجوزي من جهته في العلل المتناهية وقال الذهبي: إنه موضوع، وقال ابن تيمية: إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين، وقال شيخنا

رحمه الله فيما أفتى به: إنه لا أصل له. قلت: بل رواه أبو نعيم في الحلية من حديث الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما بسند ضعيف كما قاله الزين العراقي في تخريج الإحياء مرفوعًا ولفظه: "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: سيروا إلى الفقراء فيعتذر إليهم كما يعتذر أحكم إلى أخيه في الدنيا".

194 - ورد سؤال من المحلة عن قوله في حديث الترهيب في منع الزكاة: له زبيبتان أهو بالنون أو الموحدة أو بهما؟

194 - ورد سؤال من المحلة عن قوله في حديث الترهيب في منع الزكاة: "له زبيبتان" أهو بالنون أو الموحدة أو بهما؟ فقلت: هو زبيبتان، تثنية زبيبة بفتح الزاي وموحدتين، واحد الزبيب الذي يؤكل، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين، يقال: "تكلم فلان حتى زبب شدقاه، أي خرج الزبد منهما"، ومنه الحية ذو الزبيبتين، وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل: نقطتان تكتنفان فاه من جانبيه وقيل: هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز، وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين: وقيل: نابان يخرجان من فيه، وليس في هذا اللفظ سوى الموحدة.

195 - الحمد لله اختلف في سن عيسى صلوات الله عليه وسلامه حين رفع

195 - الحمد لله اختلف في سن عيسى صلوات الله عليه وسلامه حين رفع. قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تاريخه: إن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أنزل عليه وهو ابن ثلاثين سنة، ومكث حتى رفع إلى السماء، وهو ثلاث وثلاثين سنة. انتهى. وقيل: كان يوم رفع ابن أربع وثلاثين سنة جاء عن الحسن البصري لكن يؤيد الأول قول حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، بل في حديث مرفوع: "إن أهل الجنة يدخلونها جردًا مردًا مكحلة أبناء ثلاث

وثلاثين على ميلاد عيسى، وحسن يوسف، زاد في رواية: وقلب أيوب وعلى خلق آدم طولهم ستون ذراعًا عرض سبعة أذرع" ويمكن الجمع بينهما بأن أحدهما ألغى الكسر والآخر جبره. نعم روي من حديث يحيى بن جعدة قال: قالت فاطمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عيسى مكث في بني إسرائيل أربعين سنة" وكذا جاء عن النخعي: أنه مكث في قومه أربعين عامًا. وأغرب من هذا كله ما رواه الحاكم في مستدركه وآخرون من حيدث عائشة أن فاطمة رضي الله عنهما أخبرتها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه لم يكن نبي بعده إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله، وإن عيسى عاش عشرين ومائة سنة فلا أراني إلى ذاهب على راس ستين" وهو غريب جدًا، ولذا قال ابن عساكر: الصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر، وإنما أراد مدة مقامه في أمته، وساق حيدث يحيى بن جعدة عن فاطمة: "إن الله لم يبعث نبيًا إلا وقد عمر نصف عمر الذي قبله، وإن عيسى لبث

196 - سئلت عن الحديث الوارد في حبس التهمة

في بني إسرائيل أربعين سنة، وهذه توفي لي عشرين". وهو منقطع. والله أعلم. 196 - سئلت عن الحديث الوارد في حبس التهمة فقلت: هذا الحديث له طرق: أشهرها ما أخرجه أبو داود في القضاء من سننه واترمذي في الديات من جامعه، والنسائي في القطع من سننه كلهم من حديث معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ـ هو معاوية بن حيدة رضي الله عنه ـ "أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة". زاد عند ابن الجارود وغيره "ساعة"، وزاد عند الترمذي "ثم خلى عنه"، وكذا زادها النسائي لكن بلفظ: "ثم خلى سبيله". وفي لفظ آخر عنده: "حبس ناسًا" بدل "رجلاً" وكذا أخرجها أحمد في المسند وغيره بزيادة ولظفه: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا من قومي في تهمة، فحبسهم فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد على ما تحبس جيراني؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ناسًا يقولون: إنك تنهى عن الشر وذكر شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تقول؟ " فجعلت أعترض بينهما بالكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدما أبدًا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها فقال: "قد قالوها أو

قائلها منهم، والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم خلوا عن جيرانه". وقال الترمذي: إنه حديث حسن. وأخرجه الحاكم في صحيحه المستدرك وقال: إن صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قلت: وإنماصححه الحاكم لما له من الشواهد وإلا فقد قال: إن بهزًا كان من الثقات ممن يجمع حديثه وإنما أسقط من اصحيح روايته عن أبيه عن جده لأنها شاذة لا متابع له علهيا، وقد ذكر الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح في علومه في نوع التعليق: إن التعاليق التي بصيغة الجزم يحكم لها بالصحة بالسنبة لمن علقت عنه، ثم ينظر فيمن أبرز من رجال السند فإن كان فيهم من لا يحتج به كان ضعيفًا وإلا فلا، ومثل للشق الأول بقول البخاري: وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحيى منه". وقال: فهذا ليس من شرطه قطعًا يعني لكون البخاري قال: صحيفة بهز ضعيفة، لكنه صح عنده أن بهزًا قال هذا، وممن ضعف هذه الترجمة شعبة، فإنه لم يحدث عن بهز وقال له: من أنت؟ ومن أبوك؟ لكن قال أبو جعفر البستي: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح، وبالجلمة فلهذا الحديث شواهد. منها: ما رواه الحاكم في صحيحه المستدرك من حيث عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة يومًا

وليلة استظهارًا واحتياطًا، وكذا أخرجه البزار في مسنده وابن عدي فيكامله وفي لفظ لأحدهم: أخذ منهم كفيلاً تثبيتًا واحتياطًا، وفي سند الجميع إبراهيم بن خثيم وهو ضعيف. ورواه بعضهم من حديث عراك بن مالك مرسلاً ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً من بني غفار في بعرين اتهم بهما بعض بني غطفان بعض بني غفار فلم يك إلا يسيرًا حتى أحضر الغفاري الآخر البعيرين فقال للمحبوس: استغفر لي قال: غفر الله لك يا رسول الله قال: "ولك" قال: فقتل باليمامة". ومنها ما أخرجه أبو داود في الحدود من حديث أزهر بن عبد الله أن قومًأ من الكلاعيين سرق لهم متاع فاتهما ناسًا من الحاكة فأتوا النعمان بن بشير رضي الله عنهما صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فحبسهم أيامًا ثم خلى سبيلهم. فأتوا النعمان فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان فقال

النعمان: ما شئتم؟ إن شئتم أن أضربهم فإن خرج متاعكم وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم، فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو داود عقبه: إنما أرهبهم ـ يعني النعمان ـ بهذا القول إذ لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف. ومنها عن أنس ونبشة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم استغنينا عن إيرادها بما أسلفنا. قال الخطابي: الحبس على ضربين: حبس عقوبة، وحبس استظهار، فالعقوبة لا تكون إلا في واجب فأما ما كان في تهمة، فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به عمل وراءه. انتهى. وهل يتقيد ذلك بمقدار لا يجوز مجاوزته، أم هو إلى رأي الحاكم،

يفصل، فإن كان للتعزيز فقط أطلق الرافعي جعله لرأي الحاكم، فقال: إن جنس التعزيز من الحبس أو الضرب جلدًا أو ضعفًا إلى رأي الإمام، ثم قال: وأما قدره، فيتعلق باجتهاده أيضًا إن خالف جنس الحد كالحبس. انتهى. وتابعه عليه في الروضة ومقتضاه: أنه يجوز زيادة في الحبس على السنة، لكن قد حكى إمام الحرمين أن بعض الفقهاء منع تبليغ مدة الحبس سنة، نظرًا إلى مدة التغريب في الزنا قال: وهذا عندي فاسد وليس التغريب حدًا كاملاً وإنما هو جزء من حد وقال: ولست أرى للسلطان اتساع التعزيز إلا في إطاعة الحبس، قال: وليس الحد ثابتًا في حد حتى يحط التعزيز عنه ـ انتبه. وكل هذا منهم رحمهم الله مخالف للنص، فإن الشافعي رحمه الله قال في الأم: فإذا قتل المؤمن الكافر عزر ولا يبلغ بتعزيزه في قتل ولا غيره حدًا ولا يبلغ بحبسه سنة، ولكن حبس يرتدع به وهو ضرب من التعزيز. انتهى. قال بعض شيوخ شيوخنا: والظاهر أن الإمام، والرافعي لم يقفا على هذا النص، وحكى ابن الرفعة في الكفاية عن الزبيري أنه قدر ذلك بستة

197 - الحمد لله سئلت: عن المشارق للقاضي عياض والمطالع لابن قرقول أيهما المأخوذ من الآخر؟

أشهر، وكأن ذلك بناء على أنه لا يبلغ بالتعزيز أقل الحدود مطلقًا، وهذا أحد الوجهين، فعلى هذا لا يبلغ به ستة أشهر بل دونها، نعم إن كان الحبس لحق عليه امتنع منه مع قدرته عليه فإنه يجوز للزيادة فيه على السنة، وإن كان الحبس للاستظهار والاستكشاف، فيتقيد بمدة يظهر فيها الكشف عن المتهم، فقد يظهر الكشف في يوم أو أيام أو أشهر فإن لم يظهر عليه فيها حق خُلي سبيله والله الموفق. 197 - الحمد لله سُئلت: عن "المشارق" للقاضي عياض "والمطالع" لابن قرقول أيهما المأخوذ من الآخر؟ فقلت: أما "مشارق الأنواعر" في اقتفاء صحيح الآثار، وهو مشتمل على تفسير غريب الموطأ والبخاري ومسلم، فإن مؤلفه مات عنه قبل تبييضه فاستعاره من ولده الإمام أبو إسحاق ابن قرقول وهو رفيق أبي

القاسم السهيلي صاحب الروض، وكلاهما ممن أخذ عن القاضي عياض، وجرد منه ما أمكنه نقله لصعوبة النسخة، ثم نقل الناس من كتابه ذلك وسمى "مطالع الأنوار" وتكلم فيه بسببه، لكن قال الإمام أبو جعفر ابن الزبير: إنهلم يصل إلينا أنه نسبه لنفسه من وجه يعتمد، فالله أعلم كيف طرأ عليه، وتعقب ابن الزبير في ادعاء كونه لم ينسب الكتاب لنفسه بما لبسطه غير هذا المحل، والظاهر صحة ما قاله ابن الزبير في طرء النسبة لكون أبي إسحاق كان مع حفظه وتقدمه في الفنون محمود السيرة بكل مكان يحله، متين الديانة معروفًا بإجابة الدعوة حتى إنه دعا على شخص آذاه فتحذم، ومن يكون بهذه الأوصاف يبعد أن يرتكب اختلاس مصنف

198 - الحمد لله سئلت عن حديث: أحب الناس إلي أسامة ما حاشا فاطمة

لغيره أو جله من غير عزو إليه. وبالجملة فقد كانت وفاة أبي إسحاق في شعبان سنة تسع وستين وخمسمائة بعد شيخه القاضي عياض بأكثر من خمس وعشرين عامًا فإن القاضي مات في جمادي الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة رحمهما الله. 198 - الحمد لله سئلت عن حديث: "أحب الناس إليّ أسامة ما حاشا فاطمة". قلت: لا أعرف ذلك مرفوعًا، ولكن ثبت في الصحيح من حديث مالك وسليمان كلاهما عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا وأمر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، ,ايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده". وهو في مسند أبي يعلي من جهة فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ: "وإنه ـ يعني أسامة ـ لأحب الناس إليّ" ـ بدون تبعيض ـ وفيه قال: فما استثنى فاطمة ولا غيرها. وبعضه في مسند الطيالسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسامة أحب الناس إليّ" ولم يستثن فاطمة ولا غيرها.

ونحوه عند أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد به بلفظ: "ما حاشا فاطمة ولا غيرها" كذا هو في مسند ابن عمر لأبي أمية الطرسوسي قال: حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا حماد به. لكنه وقع في النسخة عن نافع بدل سالم وهو غلط، والحديث أيضًا في أحبية زيد واسامة عند أبي يعلي في مسنده من حدث وهيب عن موسى بن عقبة بسنده ولم يقل فيه: فما استثنى إلى آخره، لكنه قال بدله: قال اسلم: ما سمعت عبد الله ـ يعني اباه ـ يحدث هذا الحديث قط إلا قال: "حاشا فاطمة" وكذا هو عند ابن سعد في الطبقات من حديث وهيب أيضًا وعبد العزيز بن المختار به. ونحوه عند أحمد في مسنده: حدثنا عفان، حدثنا وهيب ولفظه: إلا قال: "ما حاشا فاطمة" وبمجموع الطرق التي مادرها على موسى بن عقبة تبين أن استثناء فاطمة من قول ابن عمر، خصوصًا وقد صرح بقوله: فما استثنى ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ فاطمة ولا غيرها. وقد روي البغوي في معجم الصحابة من طريق عمر بن أبي

سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ـ والأكثرون على تضعيفه عن أبيه ـ أخبرني أسامة بن زيد أن عليًا قال: يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ قال: "فاطمة" قال: إنما أسألك عن الرال: قال: "من أنعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد" قال: ثم من؟ قال: "ثم أنت". وروى أبو أحمد العسكري في الصحابة من حديث عبد الله بن عطاء الطائفي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي. انتهى. وهو موقوف، لكنه موافق للمرفوع في فاطمة، ولقول ابن عمر أيضًا، ومخالف لما صح عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر" فعد رجالاً. قال عمرو: سألت رجاء أن يجعلني في آخرهم، وهذا مع قول بريدة أيضًا مخالف لما تقدم في زيد الذي روى ابن سعد أيضًا

بإسناد حسن عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "يا زيد أنت مولاي ومني وإلي، وأحب الناس إلي" وهو عند أحمد مطول. ونحوه ما يثبت من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطبًا لابنه عبد الله رضي الله عنهما، وقد فرض منك، وأن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك. لكن يشهد لقول النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة رضي الله عنهما عاليًا وهي تقول: والله لقد علمت أن عليًا رضي الله عنه أحب إليك من أبي. ويؤيد الأول ما رواه الترمذي وصححه أن عبد الله بن شقيق قال لعائشة رضي الله عنها: أي اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب الناس إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة قلت: ثم من؟ فسكتت.

وثبت قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: "إنهم أحب الناس إليّ". فهذه أحاديث مفتقرة للجمع بينها على تقدير ثبوتها. فأقول: أما أسامة، فيمكن أن يقال: إن الأحبية في حقه وحق أبيه بالنسبة لجهة مخصوصة كالموالي مثلاً، لكونها منهم، أو تكون الأحبية بالنسبة لمن طعن في إمارته ردًا لهم وزجرًا، أو أحب إليه في التوجه فيما ندب إليه خاصة، ولا ينافيه أحبية غيره المطلقة كما قد قيل: إنه لا يلزم من كون أن يكون أفضل من أبي بكر ونحو ذلك، وحينئذٍ فيكون حب أبي بكر على عمومه، وحب غيره مخصوصًا كما يمكن أن يقال في حق علي بالنسبة إلى بقية الأقارب. وأما قوله في زيد، فلعله قاله تواضعًا، وقول من قال: أحبية أبي بكر ثبتت من قوله صلى الله عليه وسلم، وأحبية على من قول عائشة الذي أقره صلى الله عليه وسلم، والقول مقدم، ليس بمرضي، إذ ليس في القصة التصريح بالتقرير والنعمان حاكي كلامهما، يحتمل أن يكون مع أبي بكر ظاهر الباب، فلم يطلعه أهل

199 - سئلت: عن أطفال المسلمين أيثابون على أعمالهم ويؤاخذون أم لا؟

أقرها صلى الله عليه وسلم أم لا ويحتمل أن يكون داخل الباب، وإذا كان كذلك فلا يعارض الصحيح بل حديث عبد الله بن شقيق دلعلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرها، فإنه كما تقدم لما سألها عن أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار معناه: أنتم بمجموعكم أحب إليَّ من مجموع غيركم، فلما قوله في أبي بكر وغيره على بابه، روي في الأنصار بلفظ: "منأحب الناس إلي" بالتبعيض، كما في حديث أسامة حيث روي بالتبعيض وبدونه. ويجمع بين حديثي فاطمة وعائشة باختلاف جهتي المحبة. والله الموفق. 199 - سئلت: عن أطفال المسلمين أيثابون على أعمالهم ويؤاخذون أم لا؟ وهل صح تفاخر بين الموتى بما يتصدقون به عنهم بحيث يحزن من لم يتصدق عنه أم لا؟ وهل ما يراه الرائي لهم بعد موتهم من نقص ونحوه يكون متعلقًا بهم أو بالرائي وهل ما يقاسوه في سكرات الموت نافع لهم أو مكفر لذنوب آبائهم أم لا؟ فأجبت نعم، يثابون على أعمالهم الصالحة، وتكتب لهم حسناتهم كما هو قول كثير من العلماء، وحكاه النووي رحمه الله في شرح مسلم عن مالك والشافعي وأحمد والجمهور، بل حكى المحب الطبري رواية ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهويشهد له: "رفعت امرأة صبيًا لها

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" فإن معنى قوله: "نعم" يثاب على هذا الحج، ولكن لا ينعقد إلا نفلاً بحيث لا يسقط عنه إلا به فرض الإسلام إذا بلغ. وأما المؤاخذة بما يصدر منهم، فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث" وذكر فيها الصبي، ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم: "علموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر" فإن تعليمه للسبع الذي هو مظنة التمييز

غالبًا، ليتمرن على العبادة، ويضربه للعشر، لكنه زمان احتمال البلوغ بل قال المارودي: إن الصحيح أن إمكان البلوغ في الصبي يكون باستكمال التاسعة، على أن بعض المتأخرين جوز أن الأمر بذلك كان أولاً حين كان التكليف منوطًا بالتمييز، فقد حكى البيهقي أن الأمر كان على ذلك ثم نسخ ونيط التكليف بالبلوغ، وظاهر حديث: "رفع" يشهد له، فإن الرفع يستدعي سبق وضع. وينتفعون بالصدقة عنهم برفع منازلهم مثلاً وبغير ذلك من أنواع الكرامات، والمباشر لذلك من ماله مثاب عليه بلا شك، بل وكذا الرسول في المناولة للفقير والمسكين ونحوهما. وأما التفاخر بما يتصدق به عنهم، فجاءت في ذلك آثار لكن في مطلق الموتى، لا في خصوص الصبيان. وأما المنامات المشعرة بنقص الطفل فلا تعارض ما تقدم من الحكم الشرعي في عدم التكليف المترتب عليه العقاب، وربما يكون ما يراه الرائي من ذلك للاتعاظ، أو للزجر أو لغير ذلك. وأما ما يشاهد من شدة موت بعضهم فينتفعون به كما تقدم، وكذا

200 - سئلت عما اشتهر على الألسنة إذا حدثت بجبل زال عن مكانه فصدق بخلاف ابن آدم

الآباء بصبرهم واحتسابهم، والمسائل محتملة للبسط، لكن فيما ذكر كفاية، لا سيما وعجلة السائل اقتضت ذلك وبالله التوفيق. 200 - سئلت عما اشتهر على الألسنة "إذا حدثت بجبل زال عن مكانه فصدق بخلاف ابن آدم". فقلت: هو في مسند أحمد من حديث الزهري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله: "إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا، وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوا، فإنه يصير إلى ما جبل عليه". وعلته الانقطاع، فالزهري لم يدرك أبا الدرداء، وقد رويناه في القدر لابن وهب من حديث عقيل بن خالد عن ابن شهاب الزهري مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن حدثت أن جبلاً زال عن مكانه فصدق وإن حدثت أن رجلاً زال عن خليقته فلا تصدق". وفي المعنى ما رويناه في الأمثال للعسكري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا قال: "إن مغير الخلق كمغير الخلق، إنك لا تسطيع أن تغير خلقه حتى تغير خلقه"، وفي المعجم الكبير للطبراني من حديث

عبد الله بن ربيعة قال: "كنا عند ابن مسعود رضي الله عنه فذكر القوم رجلاً فذكروا من خلقه فقال ابن مسعود: أرايتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه؟ قالوا: لا، قال: فيده؟ قالوا: لا، قال فرجله؟ قالوا: لا، قال: فإنكم لن تستطيعوا أن تغيروا خلقه حتى تغيروا خلقه". وفي الأفراد للدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال: "إن الله عز وجل من على قوم فألهمهم فأدخلهم في رحمته، وابتلى قومًا، وذكر كلمة فلم يستطيعوا أن يرحلوا عما ابتلاهم به فعذبهم وذلك عدله فيهم". وروينا في "أنس العاقل وتذكرة الغافل" لأبي الغنائم النرسي من حديث إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أنه سمع جده أبا إسحاق يقول لأبيه يونس المذكور: "يا أبا إسرائيل إن بلغك أن رجلاً مات فصدق، وإن بلغك أن غنيًا افتقر فصدق، وإن بلغك أن فقيرًا أفاد مالاً فصدق، وإن بلغك أن أحمق أفاد عقلاً فلا تصدق"ويدخل هنا ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذه الأخلاق منائح من الله عز وجل، فإذا أحب عبدًا منحه خلقًا حسنًا، وإذا أبغض عبدًا منحه خلقًا سيئًا". وقوله

صلى الله عليه وسلم: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم" الحديث. في أحاديث غير ذلك يطول الأمر بإيرادها وقد قال الشاعر: وما هذه الأخلاق إلا طبائع ... فمنهن محمود ومنه مذمم فلن يستطيع الدهر تغيير خلقه ... لئيم ولن يستطيعه متكرم تنبيه: قد أغفل شيئًا رحمه الله ذكر الحديث الأول في "أطراف المسند" وسببه كون مسند أبي الدرداء وقع في موضعين من المسند ـ أحدهما: في مسند الأنصار، وثانيهما: في مسند النساء، والحديث في ثاني الموضعين دون الآخر، وقد ألحقته بهامش نسختي من أطراف المسند، فسبحان من لا يسهو.

201 - وسئلت عن جماعة يجتمعون ويتلون كتاب الله، ويعمل كل منهم شيئا من الطعام عقب القراءة بمكان مدفون فيه سيدي سعدون فأنكر عليهم شخص، وزعم أن هذا المكان، إنما هو للرفاعية فهل الإنكار صحيح أم لا؟ وهل الشيخ سعدون قبل سيدي أحمد بن الرفاعي أم لا؟

201 - وسئلت عن جماعة يجتمعون ويتلون كتاب الله، ويعمل كل منهم شيئًا من الطعام عقب القراءة بمكان مدفون فيه سيدي سعدون فأنكر عليهم شخص، وزعم أن هذا المكان، إنما هو للرفاعية فهل الإنكار صحيح أم لا؟ وهل الشيخ سعدون قبل سيدي أحمد بن الرفاعي أم لا؟ فكتبت: الاجتماع لتلاوة كتاب الله عز وجل في الزوايا وما أشبهها من الأماكن المعدة لذلك وشبهه، وكذا في الأماكن المباحة، بل والمملوكة بإذن المالك في كل وقت من ليل أو نهار حتى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أمر مستحب. وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم ارحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" والمنع من ذلك لا وجه له، بل الإحسان إلى هذه الطائفة، والاهتمام بشأنها بالإطعام

وغيره من أنواع الإكرام مطلوب، نعم إن كان هناك أحد من المصلين أو قارئ آخر غيرهم فيستحب عدم المبالغة في رفع الصوت خشية التغليط. وإذا علم ذلك فيقال للمانع: أنت مطالب بالدليل على ما قلته، فإن ذكر مقتضيًا لذلك نُظر فيه، وإن عجز عنه دل عجزه على أنه لم يحقق ما قال، ويعزر حينئذ على القول بالهوى. وسعدون إن كان هو السياح الذي لقي ذا النون المصري، وسأله متى يكون الطبيب أميرًا بعد أن كان أسيرًا فقال: إذا أطلع الخبير على الضمير فلم ير في الضمير إلا الخبير، قال: فصرخ سعدون وخر مغشيًا عليه ثم أفاق فقال: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولابد من شكوى إذا لم يكن صبر ثم قال: استغفر الله لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: يا أبا الفيض إن من القلوب قلوبًا تستغفر قبل أن تذنب؟ قال: نعم، تلك قلوب تثاب قبل أن تطيع، أولئك قوم أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين. وله مع ذي النون غير ذلك من الحكايات، واستقدمه المتو كل على

202 - الحمد لله وسئلت: عن من قرأ حديث: أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت بالتنكير في صحيح البخاري هو سوغ ذلك أم لا؟ وهل ثبت فيه أو في مسلم بالتنكير أم لا؟

الله إلى مدينة السلام ببغداد، وسمع كلامه وكان من المحبين لله، صام ستين سنة فخف دماغه فسماه الناس مجنونًا، وكان من عقلاء المجانين، وحكمائهم، له أخبار ملاح، وكلام سديد، ونظم ونثر مستحسن، قد طوف البلاد، ودونت أخباره. وحينئذ فهو أقدم من سيدي أحمد بن الرفاعي لأن مقتضى اجتماعه بذي النون، والمتوكل على الله أن يكون قريب الأربعين ومائتين، وسيدي أحمد مات في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، نفعنا الله ببركاتهما. والله الموفق. 202 - الحمد لله وسئلت: عن من قرأ حديث: "أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت" بالتنكير في صحيح البخاري هو سوغ ذلك أم لا؟ وهل ثبت فيه أو في مسلم بالتنكير أم لا؟ وهل يجوز أن تتعارض الصيغ الواقعة فيهما أو أحدهما بحيث يقرأ

حدثنا مكان أخبرنا ونحو ذلك أم لا؟ فقلت: التعريف هو المعروف الذي ثبتت به الرواية في الصحيحين بخصوصهما، فأخرجه البخاري من حديث عبد الله بن بكر، وبشر بن المفضل فرقهما، فأولهما في تفسير سورة البقرة، وثانيهما قبيل المغازي، كلاهما عن حميد عن أنس رضي الله عنه في مجيء عبد الله بن سلام رضي الله عنه وذكر الحديث بطوله: "وإن أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت". وأخرجه مسلم وأبو نعيم في مسترجه كلاهما قبيل الغسل من الجنابة من حديث أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه قال: جاء حبر من أحبار اليههود فذكر الحديث في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، ومنها: فما تحفتهم ـ يعني فقراء المهاجرين ـ حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد النون". وكذا أخرج البيهقي حديث ثوبان في البعث والنون هو الحوت، لكن قد أخرج النسائي في عشرة النساء من سننه الكبرى من حديث

بشر بن المفضل أحد من أخرجه البخاري من حديثهما والإمام أحمد في مسنده عن محمد بن أبي عدي وابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن هارون ثلاثتهم عن حميد كلهم بلفظ: "كبد حوت" بالتنكير وكذا هو عند النسائي في العشرة أيضًا من حديث ثوبان لكن بلفظ: "كبدنون" ورواه أحمد أيضًا في سنده عن إسماعيل بن إبراهيم ـ هو ابن علية ـ عن حميد بلفظ "زيادة كبد" ولم يذكر ما بعده، ولا أدري أسقط من نسختي على الكاتب أو هو كذلك. بل ثبت التنكير في حديث لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه مما اتفق الشيخان على تخريجه رفعه: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة نزلاً لأهل الجنة" وفيه مجيء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد إعلامه الصحابة رضي الله عنهم بذلك فأخبر بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه يعني أنه أعجبه إخبار اليهودي عن كتابهم بنظير ما أعلم هو به من جهة الوحي قال اليهودي: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: بلى قال:

إدامهم بالام ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: "ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفًا". ونحوه ما رواه ابن المبارك في الزهد بسند حسن عن كعب الأحبار قال: إن الله تعالى يقول لأهل الجنة إذا دخلوها: إن لكل ضيف جزورا وإني أجزركم اليوم حوتًا وثورًا فتجزر لأهل الجنة. ثم إن ذبح الثور قد وقع عند مسلم أيضًا في حديث ثوبان حيث قال: "إنه ينحر لهم عقب ذلك ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا" ومن الغريب ما ذكره الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ينطح الثور الحوت بقرنه فيأكل منه أهل الجنة ثم يحيى فينحر الثور بذنبه ثم يحيى فيستمران كذلك" لكن هذا منقطع ضعيف. إذا علم هذا فقد قال شيخنا رحمه الله: إن الحوت المشار إليه يقال: إنه الحوت الذي عليه الأرض وإن في إشارة إلى نفاد الدنيا. انتهى.

وحينئذ فهو مؤكد للتعريف الذي هو الثابت في الصحيحين بالنسبة للحديث المسئول عنه كما قدمت، وقراءته فيهما بالتنكير مما ينكر وإن ثبت في غيرهما، كما أنه لا يجوز تغيير الصيغ الواقعة فيهما معًا بل يقتصر على ما ثبتت به الرواية. والله الموفق.

203 - الحمد لله وسئلت عن سؤال الملكين للميت، أهو عام لجميع الأمم الماضية أم خاص بالأمة المحمدية؟

203 - الحمد لله وسئلت عن سؤال الملكين للميت، أهو عام لجميع الأمم الماضية أم خاص بالأمة المحمدية؟ فقلت: قد راجع أهوال القبور لابن أبي الدنيا، ثم لابن رجب وكتاب البعث للبيهقي وغيره، وغير ذلك من مظان هذا السؤال كالتذكرة ونحوها فلم أقف على شيء صريح في ذلك. نعم في صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه رفعه: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها" وكذا في مسند الإمام أحمد من حديث أي سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه أيضًا: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها" ومن حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا أيضًا: "وأما فتنة القبر، فبي يفتنون وعني يسالون" إلى غير ذلك من الأحاديث التي قد تشهد لاختصاص هذه الأمة المحدمية بذلك دون غيرها من الأمم الماضية فقد اختصت عن غيرها بأشياء لا نطيل بإيرادها. وبذلك جزم الحكيم الترمذي فقال: "كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطعوهم فذاك وإن أبو اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب فلما أرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب، وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا، فإذا ماتوا قيض الله فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤالوليميز الله الخبيث من الطيب ويثبت الذين آمنوا ويضل الظالمين"، لكن قد

204 - الحمد لله سئلت عن قوله صلى الله عليه وسلم: لا أحصي ثناء عليك هل هو في البخاري أم لا؟

خالفه الإمام شمس الدين ابن القيم الحنبلي فجنح إلى العموم وعدم الاختصاص وقال: ليس في الأحاديث ما ينفي المساءلة عن من تقدم من الأمم، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور، لا أنه نفى ذلك عن غيرهم قال: والذي يظهر أن كل نبي مع أمته ذلك فيعذب ذلك عن غيرهم قال: والذي يظهر أن كل نبي مع أمته ذلك فيعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم، وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة. ولعل أن ابن القيم رحمه الله رأى أن عدم التعميم، مناف لمزيد التكريم، والله الموفق، ونسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. 204 - الحمد لله سئلت عن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك" هل هو في البخاري أم لا؟ فقلت: قد أخرجه مسلم في صحيحه وغيره من حديث أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فالتمسته بيدي فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". وفي لفظ عند ابن خزيمة من هذا الوجه: "وأعوذ بك منك لا أحصي مدحك ولا ثناء عليك" وفي آخر عنده أيضًا من وجه آخر عنها

205 - وسئلت عن حديث: مسكين مسكين مسكين، رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال، ومسكينة مسكينة مسكينة، امرأة ليست لها زوج وإن كانت كثيرة المال، إن حاضت حاض معها وإن تنفست تنفس معها

أيضًا: "وبعفوك من عقوبتك، وبك منك أثني عليك لا أبلغ كل ما فيك" وفي آخر عند الخلعي من وجه ثالث عنها أيضًا: "لا أحصي أسماءك ولا ثناء عليك". وفي الباب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والله المستعان. 205 - وسئلت عن حديث: "مسكين مسكين مسكين، رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال، ومسكينة مسكينة مسكينة، امرأة ليست لها زوج وإن كانت كثيرة المال، إن حاضت حاض معها وإن تنفست تنفس معها". فقلت: قد أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن أبي

نجيح ولا صحبة له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكره بدون: "إن حاضت إلى آخره ... "ولكن قد أخرج أبو عمر النوقاني في معاشرة الأهلين له معناه من جهة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: وجدت صاحب الواحدة إن زارت زار، وإن حاضت حاض، وإن نفست نفس، وكلما اعتلت اعتل معها بانتظاره لها، ثم ذكر صاحب الثنتين، وصاحب الثلاث وصاحب الأربع. وهذا قال بعض الائمة، كما روينا في الجامع للخطيب. "مثل المحدث الذي له شيخ واحد كالرجل له زوجة واحدة إذا حاضت بقي" والمعنى: أن المحدث الذي له شيخ واحد ربما احتاج من الحديث لما لا يجده عند شيخه فيصير حائرًا وكذلك من له زوجة واحدة قد يتفق توقانه إلى النكاح في حال حيضها فيصير حائرًا، وإذا كانت له زوجة أخرى أو أمة حصل الغرض وإن كان وراء ذلك من الأهوالما لا يخفى، ولذا كان بعض من أدركناه من أئمة العلم والدين يقول على قصد المماجنة: أنه لوكانت الشركة تصح لشاركت في جزء من أربعة وعشرين جزءًا من امرأة، إشارة إلى شدة لتعب في أعبائهن وكلفتهن إلا من وفقة الله ووفق له أهله، وسبقه الأذرعي فقال لصديق له: "إن استطعت أن تكتفي في هذا الزمان بنصف امرأة فافعل" أخرجه النوقاني. والله المستعان.

206 - الحمد لله وسئلت عن حديث: ينادي مناد من قبل الله عز وجل يوم القيامة: أين خونة هذه الأمة فيؤتى بثلاثة نر وهم: الصواغ، والحاكة، والنخاسين، أهو صحيح أم لا؟

206 - الحمد لله وسئلت عن حديث: "ينادي مناد من قبل الله عز وجل يوم القيامة: أين خونة هذه الأمة فيؤتى بثلاثة نر وهم: الصواغ، والحاكة، والنخاسين، أهو صحيح أم لا؟ فقلت: هذا لا أصل له فضلاً عن أن يكون صحيحًا، نعم ورد في الصواغ حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أكذب الناس الصباغون والصواغون". أخرجه ابن ماجه وأحمد وغيرهما وهو حديث مضطرب الإسناد، ولذا أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال: إنه لا يصح انتهى. مع كون الصياغة حرفة قديمة، كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وأقرها حيث قال له عمه العباس رضيالله عنه لما قال صلى الله عليه وسلم عن مكة ـ شرفها الله ـ: "أنها لا يعضد شجرها": يا رسول الله! إلا الإذخر فإنه لصاغتنا ولقبورنا وفي لفظ:

ولسقف بيوتنا فقال صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر" وكذا قال علي رضي الله عنه: "لما أردت أن أبتني بفاطمة رضي الله عنها وأعدت رجلاً صواغً الحديث". لكن قد أورد الديلمي فلي مسنده مما هو ضعيف أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أكذب الناس الصناع" يعني بضم الصاد المهملة ثم نون مشددة ثم مهملة، وكذا روى إبراهيم الحربي في غريبة من طريق أبي رافع الصايغ قال: كان عمر رضي الله عنه يمازحني فيقول: "أكذب الناس الصواغ، يقول: اليوم وغدًا" فأشار رضي الله عنه إلى السبب في كونهم أكذب الناس وهو المطل والمواعيد الكاذبة، ولا شك أن تعمد الخلف في الوعد من خصال المنافقين، ونحوها ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رأى قومًا يتعادون فقال: "ما لهم؟ فقالوا: خرج

الدجال فقال: كذبه كذبها الصواغون». ويروى الصياغون ـ أعني بالياء على لغة الحجاز ـ كالديار والقيام على أنه قيل: إنه ليس المراد بالصواغين صاغة الحلي، ولا بالصباغين صباغوا الثياب، بل أراد الذين يصبغون الكلام ويصوغونه أي يغيرونه، ويزينونه يقال صاغ شعرًا، وصاغ كلامًا أي وضعه وزينه، وإلى نحو هذا جنح أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: الصياغ الذي يزيد في الحديث من عنده يزينه به. وورد في النخاسين ما أخرجه أبو بكر الشافعي في الرابع من «فوائده» من طريق عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر ببقعة بالمدينة فقال: «كم من دعاء لا يصعد إلى الله عز وجل من هذه البقعة» قال أبو هريرة: فرأيت فيها النخاسين. ورواه أحمد في «المسند»، والثقفي في الثالث من «فوائده» بلفظ: " «رب يمين لا يصعد إلى الله عز وجل في هذه البقعة» ويتضح معناه بحديث قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: كنا في عهد رسول الله نشتري في الأسواق ونسمي أنفسنا السماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه، فقال: «يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره الكذب، واللغو». وفي رواية: «والإيمان فشوبوه بالصدقة».

أما الحائك وهو النساج، فلم أقف على شيء ورد فيه، نعم قد قيل في

207 - الحمد لله سئلت هل صح في النهي عن تعليم النساء الكتابة شيء؟

قوله تعالى: (واتبعك الأرذلون) إنهم هم. وفي مسند الفردوس عن أبي أمامة رفعه: "لا تستشيروا الحاكة ولا المعلمين فإن الله عز وجل سلبهم عقولهم، ونزع من أكسابهم البركة". وصح في الحديث أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة فقالت: "يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها .. " الحديث. والله الموفق. 207 - الحمد لله سئلت هل صح في النهي عن تعليم النساء الكتابة شيء؟ فالجواب: إنه قد أخرجه ابن عدي ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق حفص القاري عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه: "لا تعلموا نساءكم الكتابة، ولا تسكنوهن العلالي، وخير لهو المؤمن السابحة، وخير لهو المرأة المغزل". وروى الحاكم في مستدركه وعنه البيهقي في الشعب من حديث عبد الوهاب بن الضحاك عن شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ "لا تعلموهن الكتابة ـ يعني النساء ـ وعلموهن المغزل وسورة النور" وقال الحكام عقبه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: بل عبد الوهاب متهم متروك، لكن قد تابعه محمد بن إبراهيم الشامي عن شعيب بنحوه. أخرجه البيهقي في الشعب، والثعلبي في التفسير، والخطيب، ومن طريقه ابن الجوزي ولفظه: "لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل، وسورة النور". والشامي قال فيه ابن حبان: إنه كان يضع على الشاميين، ولذلك قال البيهقي عقبه: إنه بهذا الإسناد منكر، وقد عزاه الديلمي للطبراني في الأوسط عن عائشة بلفظ: "لا تعلموا النساء الكتابة، ولا تسكنوهم

الغرف، واستعينوا عليهم بالعري" وكذا أخرجه ابن مردوديه في تفسير. ولبعضه شواهد، فللطبراني في الأوسط من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا: "استعينوا على النساء بالعري". وله في الأوسط الكبير معًا من حديث مجمع بن كعب عن مسلمة بن مخلد رفعه: "أعروا النساء يلزمن الحجال" وكذا روينا في

تعليمهن سورة النور عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروينا تعليمهن المغزل من حديث عبيد بن إسحاق بن مبارك العطار عن قيس عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا أبنائكم السباحة، والرمي، والمرأة المغزل". أخرجه البيهقي وقال عقبه: عبيد العطار منكر الحديث. ولابنمنده والديلمي في مسنده من حديث بكربن عبد الله بن ربيع الأنصاري مرفوعًا: "نعم لهو المؤمنة مغزلها". وأصح مما تقدم ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه كلاهما من حديث علي بن مسهر، والطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق ابي معاوية والنسائي من طريق محمد بن بشر ثلاثتهم عن

عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن الشفا ابنة عبد الله بن عبد شمس العدوية ـ وهي جدته فإنها أم أبيه سليمان ـ قالت: كنت عند حفصة رضي الله عنها فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تعلمينها رقية النملة كما علمتها الكتابة" واختلف فيه على أبي بكر، فرواه عنه صالح كماتقدم. ومن طريقه أخرجه أبو نعيم عن الطبراني. ورواه محمد بن المنكدر عن أبي بكر فقال: عن حفصة نفسها. أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي أيضًا، وكذا الحاكم وقال: إنه صحيح الإسناد. انتهى. وممن رواه عن ابن المنكدر الثوري واختلف عليه في وصله وإرساله.

208 - وسئلت عن حديث: شركم من نزل وحده

208 - وسئلت عن حديث: "شركم من نزل وحده". فالجواب: قد رواه ابن منيع وعنه العسكري عن ابن عائشة عن هشام بن زياد أبي المقدام عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أنبئكم بشراركم: من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، فأنبئكم بشرمن هذا: من يبغضه الناس ويبغضونه، أفأنبئكم بشر من هذا من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة، أفأنبئكم بشر من هذا: من لا يرجى خير ولا يؤمن شره". ورواه عبد بن حميد عن محمد بن كثير، والحارث بن أبي أسامة من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد كلاهما عن هشام وفيه قصة وعلته هشام لكن له شاهد أخرجه العسكري من حديث جعفر بن الزبير،

209 - الحمد لله سئلت عن من زعم انتسابه إلى الزبير بن العوام وميز نفسه بشظفة خضراء كآل النبي صلى الله عليه وسلم، أيمنع أم لا؟

عن القاسم، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: الكفور قال: "الكفور الذي ينزل وحده ويمنع رفده ويجلد عبده". 209 - الحمد لله سئلت عن من زعم انتسابه إلى الزبير بن العوام وميز نفسه بشظفة خضراء كآل النبي صلى الله عليه وسلم، أيمنع أم لا؟ فالجواب: أما الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أخي عبد مناف ابني قصي الذي يجتمع هو ورسوله الله صلى الله عليه وسلم فيه، مع كونه ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أمه هي صفية أخت حمزة والعباس بني عبد المطلب رضي الله عنهم، فمن صحت نسبته إليه رضي الله عنه بالطريق المعتبر فله بذلك فخر، لأنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم، وينتفع المنتسب بذلك إن صحبه القيام بأمر الدين ولم يكن فيه من المتهاونين، قال الله تعالى: (إن أكرمكم عن الله أتقاكم) ويقال للمنتسب كذلك: زبيري وقرشي، ولكن التميز بالشظفة الخضراء إنما اختص عرفًا بذرية السبطين ريحانتي النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعني الحسن والحسين ابني فاطمة الزهراء رضي الله عنهم ـ حتى إن من كان منسوبًا لأختها زينب ابنة فاطمة أيضًا، مع كونها سبطة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يميز بذلك فضلاً عن غيره، لكونهما ـ أعني الحسن والحسين ـ أفضل من زينب بلا شك لامتيازهما بكثير من الخصوصيات، وإذا ثبت العرف بذل انضاف إليه اختصاصهم بالأوقاف المرصدة للأشراف فلا يحسن التعدي بالشظفة

لغيرهم ممن انتسب إلى الزبير، ولا إلى غيره، ممن هو أقرب منه نسبًا كالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه، الذي ولده البحر عبد الله ترجمان القرآن هو جد الخلفاء مع وصف ذريته رضي الله عنه بالشرف لكونهم من بني هاشم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى هاشمًا من قريش واصطفاني من بني هاشم". وقال صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل عليه السلام: "قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب خيرًا من بني هاشم" وما أحسن قول الإمام العلامة أبي عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب: جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة ي كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر وحينئذ فيمنع من أشرف نفسه معهم في هذه الخصوصية لتضمنه إيهام الاشتراك، وربما يتمادى الزمان تحصل المزاحمة لهم في الأوقاف وغير ذلك مما هم المقصودون به، ويثاب القائم بالسعي في ذلك. هذا كله إن صحت النسبة المشار إليها، ولم تكن نسبة للزبيرية قرية من قرى المحلة، فقد انتسب إليها جماعة وحصل الاشتباه بذلك فظن أن بعض من نسب إليها من ذرية الزبير بن العوام.

أما حيث لم تصح، فهو أطم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنمن أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه" وقال أيضًا: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار". وقال أيضًا: "من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". وقال أيضًا: "من ادعى نسبًا لا يعرف كفر بالله وانتفاء من نسب وإن دق كفر بالله". إلى غير ذلك من الأحاديث التي حملها على ظاهرها

يحتاج إلى تأويل ذلك بالمستحيل له، أو بأن المراد كفر النعمة، وإن لم تحمل على ظاهرها، فيكون ورود ذلك على سبيل التغليظ لزجر فاعله أوالمراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلاً شبيهًا بفعل أهل الكفر. وقد روى أبو مصعب عن مالك بن أنس رحمه الله قال: من انتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني بالباطل ـ يضرب ضربًا وجيعًا، ويشهر، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته، لأنه استخفاف بحق الرسول صلى الله عليه وسلم. قلت: ورحم الله مالكًا كيف لو أدرك من يتسارع إلى ثبوت ما يغلب على الظن التوقف في صحته من ذلك بدون تثبت، غير ملاحظ ما يترتب عليه من الأحكام، غافلاً عن هذا الوعيد الذي كان معينًا على الوقوع فيه إما بثبوته أو بالإعذار فيه طمعًا في الشيء التافه الحقير قائلاً: "الناس مؤتمنون على أنسابهم" وهذا لعمري توسع غير مرضي، ومن هنا توقف كثير مما أدركناه من قضاء العدل عن التعرض لذلك ثبوتًا ونفيًا للرهبة مما قدمته. ويقال: إن السب في كون الشظفة خضراء أن المأمون رحمه الله أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة فاتخذ لهم شعارًا أخضر ألبسهم ثيابًا خضرًا لكون السواد شعار العباسيين، والبياض شعار سائر الناس في جمعهم ونحوهم، والأحمر مختلف في كراهته، والأصفر ورد أن الملائكة

عليهم السلام خرجوا يوم بدر بعمائم صفر، ثم انثنى عزم المأمون عن جعل الخلافة في بني فاطمة ورد الخلافة إلى بني العباس فبقي ذلك شعارًا للاشراف العلويين من الزهراء وخصت ذرية الحسن والحسين بذلك لكنهم اختضروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على عمائمهم شعارًا لهم، ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن فأمر الأشراف شعبان بن حسين ابن الناصر محمد بن قلاون بفعل ذلك في مصر والشام وغيرهما، وأنشد بعض الأدباء إذ ذاك قوله: أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف والأشرف السلطان خصهم بها ... شرفًا ليفرقهم من الأطراف وقد جمعت للأشرا كتابًا سميته: "استجلاب الغرف بجب أقرباء الرسول وذوي الشرف" كتب عني ولله الحمد، وانتشرت نسخة، وكذا كتبت من سنين حيث سئلت من ذرية جعفر بن أبي طالب أخي علي رضي الله عنهما ألتحق بالأشراف الحسنية أو الحسينية في الشرف والشظفة الخضراء جوابًا انتشر سميته "الإسعاف بالجواب عن مسألة الأشراف" وكتبه عني بعض المفتين والله الموفق.

210 - الحمد لله وسئلت عن حديث: أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه، وعن آل بيته، ثم عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله البلاغ هل هو صح أم لا؟ وعن توجيه معناه؟

210 - الحمد لله وسئلت عن حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه، وعن آل بيته، ثم عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله البلاغ" هل هو صح أم لا؟ وعن توجيه معناه؟ فالجواب: إنه قد ورد في صحيح مسلم والسنن لأبي داود من حديث يزيد بن قسيط عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به ليضحى به فقال لها: "يا عائشة هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها بحجر" ففعلت ثم أخذها، وأخذ الكبش فاضجعه ثم ذبحه، ثم قال: "بسم الله تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد" ثم ضحى به. وروى ابن ماجه في سننه من حديث عب الرازق عن الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد آل محمد صلى الله عليه وسلم. وهكذا هو في مسند أحمد عن عبد الرازق، ورواه عبد الرازق أيضًا في جامعه عن الثوري باختصار: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين". ورواه

البيهقي في سننه بتمامه من حديث الحسين بن دينار أبي حازم، والفريابي، وفي المعرفة من حديث مؤمل بن إسماعيل، والطحاوي في شرح معاني الآثار من حديث ابن وهب، أربعتهم عن الثوري به. واختلف على مؤمل من بينهم، فرواه عنه محمد بن أبي بكر كما قدمناه، ورواه عنه محمد بن يونس فاقتصر على ابي هريرة ولم يقل أو عن عائشة، أخرجه البيهقي في المعرفة ورواه أحمد أيضًا عن وكيع عن الثوري لكنه لم يشك بل جعله عن عائشة وأبي هريرة معًا، ومن طريق أحمد كذلك أخرجه الحاكم في مستدركه، وقد خولف الثوري فيه فرواه حماد بن سلمة عن ابن عقيل فقال عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه إسحاق وأبو يعلي في مسنديهما والبيهقي والطحاوي. ورواه مبارك بن فضالة عن ابن عقيل فقال عن جابر بلا واسطة بينهما، أشار إليها الدارقنطي وابن أبي حاتم في علليهما ورواه زهير بن محمد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه

أحمد والحاكم في تفسير الحج من مستدركه، والبيهقي في السنن "والشعب" معًا، وفي آخره: قال أبو رافع: فمكثنا سنين قد كفى الله المؤنة والغريم برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أحد من بني هاشم يضحي. وهو عند الطبراني في الكبير باختصار، وكذا رواه شريك عن ابن عقيل بمعناه. وأخرجه الطحاوي من حديث عبيد الله مع قول أبي رافع أيضًا، وممن رواه عن ابن عقيل هكذا أيضًا سعيد بن سلمة وقيس بن الربيع وهما عند الطبراني في الكبير فلفظ أولهما: "كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين، أقرنين، أملحين، حتى إذا خطب الناس وصلى أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "هذا عن أمتي جميعًا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه هو بنفسه ثم يقول: "الله هذا عن محمد وعن آل محمد" فيعطيهم جميعًا المساكين ويأكل هو وأهله منهما. ولفظ ثنيهما نحوه، وفي آخره: فمكثنا سنين ليس من بني هاشم رجل يضحى، قد كفاه الله عزوجل المؤنة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عيينة: سمعت ابن عقيل يحدث به وأسنده فلم أحفظه عن من هو. حكاه الدارقطني. فهذا ما علمته الآن من الاضطراب في رواية ابن عقيل،

وجزم الدارقطني في العلل بأن ذلك منه. وكذا قال أبو زرعة: هذا كله من ابن عقيل، فإنه لا يضبط حديثه يختلف عنه في الأسانيد، والذين رووا عنه هذا الحديث كلهم ثقات، لكن قال البخاري فيما حكاه البيهقي في السنن والمعرفة وغيره عنه: ولعله سمعه من هؤلاء. انتهى. ولأجل هذا الاضطراب أشار الشاعي رحمه الله إلى هذا الحديث بقوله: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت منه: أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر الله: "اللهم عن محمد وآل محمد" وفي الآخر: "اللهم عن محمد وأمة محمد" وبين البيهقي أن الشافعي إنما أراد هذا الحديث. وبالجملة فابن عقيل صدوق في نفسه لكنه سيء الحفظ، وإلى ذلك أشار الترمذي بقوله: وهو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وكذا قال الساجي: كان من أهل الصدق، ولم يكن بمقتن في الحديث، وكان ابن عيينة لا يحمد حفظه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج

به لسوء حفظه، وقال الخطيب: كان سيء الحفظ. وقال العقيلي: كان في حفظه شيء. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره، وقال الحاكم: عُمر فساء حفظه فحدث على التخمين، وسبقه ابن عيينة فقال: رايته يحدث نفسه فحملته على أنه تغير. قلت: وقد وقع ليس هذا الحديث من غير طريقه عن أبي هريرة، وجابر وأبي رافع أيضًا. فأما حديث أبي هريرة، فرواه الطبراني في الأوسط من طريق عيسى بن عبد الرحمن عن ابن شهاب الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله بكبشين، أقرنين، أملحين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن من لم يضح من أمته. وقال: لم يروه عن الزهري إلا عيسى، ولا عنه إلا عبد الله بن عياش القتباني تفرد به ابن وهب انتهى. وعيسى ضعيف عندهم، بل قال أبو حاتم: إنه منكر الحديث، ضعيف الحديث شبيه المتروك، لا أعلمه روى ع الزهري حديثًا صحيحًا، وقال ابن عدي: يروي عن الزهري

مناكير. وله طريق أخرى رواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن المبارك عن يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله بكبشين، أملحين، موجوءين، فقرب أحدهما فقال: "بسم الله اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن محمد وأهل بيته، ثم قرب الآخر ثم قال: "بسم الله، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن من وحدك من أمتي". ويحيى هذا ضعيف، بل اتهمه الحاكم بالوضع، وقال: إن له عن أبيه عن أبي هريرة نسخة أكثرها مناكير، وقال مسلم: ساقط متروك الحديث، وأبوه فهو وإن وثقه ابن حبان فقد قال الشافعي: لا نعرفه، وكذا قال أحمد: لا يعرف، وتبعهما ابن القطان الفاسي فقال: إنه مجهول الحال. وقال الجوزجاني أيضًا: إنه لا يعرف. وأما حديث جابر، فرواه أبو داود

والترمذي والدارمي والبيهقي في سننه وشعبه معًا من رواية ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش المعافري المصري عن جابر رضي الله عنه قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فلما وجههما قال: "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر" ثم ذبح. وكذا أخرجه الحاكم في صحيحه ورواه أيضًا، وعنه البيهقي في الشعب من طريق أحمد في مسنده عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن خالد بن أبي عمران عن أبي عياش عن جابر. وكذا رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث يعقوب، وأورده الضياء في "المختارة" من مسند أحمد، وأشار

إلى هذه الرواية البيهقي في السنن، وبها طرق الرواية الأولى احتمال أنها منقطعة، على أن شيخي رحمه الله قد جزم باقتضاء ذلك وعبارته في مختصر التهذيب: وقد أدخل إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق بين يزيد بن أبي حبيب وأبي عياش، خالدبن أبي عمران في هذا الحديث بعينه. أخرجه أحمد بن خزيمة وغيرهما من طريق إبراهيم فاقتضى ذلك أو رواية يزيد عن أبي عياش منقطعة، وقد ذكه ابن يونس فقال: أبو عياش بن النعمان المعافري يروي عن علي وجابر وكعب، روى عنه خالد بن أبي عمران وبكر بن سوادة فصح ما قلته. انتهى. وفيه نظر، وقد أثبت روايته عنهما معًا عبد الحق فقال: وأبو عياش رجل من أهل مصر، روى عنه خالد بن أبي عمران ويزيد بن أبي حبيب، ولم أسمع فيه بجرح ولا تعديل. وبالجملة فقد قال الحاكم في حديث جابر هذا: إنه على شرط مسلم. وله طريق أخرى رواه أحمد والترمذي والدارقطني من

حديث عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلي فلما قضى خطبته نزل عن منبره، فأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: "بسم الله والله أكبر، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي". ومن طريق أحمد أورده الضياء في المختارة، وقال الترمذي: إنه غريب من هذا الوجه، والطلب يقال: إنه لم يسمع من جابر انتهى. ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه الجزم بأنه لم يسمع منه وأنه لم يدرك أحدًا من الصحابة إلا سهل بن سعد، وقال أبو حاتم أيضًا: يشبه أن يكون قد أدرك جابرًا، وقد رواه الحاكم في مستدركه وكذا ابن المنذر في الأوسط والطحاوي من حديث عمرو فقالوا من المطلب بن عبد الله وعن رجل من بني سلمة أن جابرًا رضي الله عنه أخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يوم النحر فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي". وأما حديث أبي رافع، فرواه الطبراني في الأوسط من حديث سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية، حدثني المعتمر بن أبي رافع عن أبيه قال: ذبح رسول الله كبشًا ثم قال: "هذا عني وعن أمتي". وقال عقبه: لم يروه عن عمارة إلا يحيى، وكذا رواه في

معجمه الكبير بإسناده ومتنه سواء، لكنه زاد بعد أبيه عن جده وهي زيادة غير متجهة. نعم يؤيدها أن الحاكم في المستدرك أخرجه من هذا الوجه فقال: عن عمارة بن غزية عن ابن أبي رافع عن أبيه عن جده قال: ذبح رسول الله أضحيته ثم قال: "هذا عني وعن أمتي". والمعتمر ماعرفتهت، وكذا أبوه إن ثبت في أصل السند قوله عن جده، وكان لأبي رافع ابنه اسمه المغيرة، قد ذكره ابن حبان في ثقاته والله أعلم. وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، وحذيفة بن أسيد، وابن عمر وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، وأبي طلحة رضي الله عنهم. فأما حديث أنس، فأخرجه أبو يعلي في مسنده والطبراني في الأوسط من حديث ابن لهيعة عن أبي معاوية بن الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين، أقرنين، أملحين، قرب أحدهما فقال: "بسم الله منك ولك هذا عن محمد وأهل

بيته" ثم قرب الآخر فقال: "بسم الله منك ولك هذا عن من وحدك من أمتي". وقال الطبراني: لم يروه عن الحجاج إلا أبو معاوية. انتهى. والحجاج ثقة لكنه موصوف بالتدليس وقد عنعنه، وكذا رواه ابن أبي شيبة من حديث حجاج، وله طريق أخرى رواه الدارقطني في سننه من حديث أبي سحيم المبارك بن سحيم عن مولاه عبد العزيز بن صهيب عن أنس بنحوه، والمبارك، أجمعوا ـ كما قال ابن عبد البر ـعلى ضعفه، بل قال البزار: إنه لم يسمع من مولاه عبد العزيز شيئًا. وأما حديث حذيفة بن أسيد، فأخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في الفضائل مستدركه من حديث عبد الله بن شبرمة عن الشعبي عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما فيقول: "اللهم هذا عن محمد وآل محمد" وقرب الآخر فقال: "اللهم هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ" وهو

منقطع، فالشعبي لم يسمع من حذيفة، وقد أخرجه أبو الشيخ في الأضاحي بزيادة في أوله وهي: كنا ونحن مع رسول الله لا يتكلف سنة الضحايا كان يقرب وذكره. وأما حديث ابن عمر، فأخرجه البيهقي في الشعب من جهة يحيى بن صالح عن أبي بكر العنسي عن أبي قبيل حي بن يومن عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حججت مع رسول الله حجة الوداع فلما كان يوم النحر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين، أملحين فذبح أحدهما فقال: "عني وعن أهل بيتي" وذبح الآخر وقال: "عني وعن أمتي" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذبح كبشًا أقرن فكأنما ذبح مائة بدنة ومن ذبح خصيًا فكأنما ذبح خمسين بدنة، ومن ذبح نعجة فكأنما ذبح بقرة ومن ذبح بقرة فكأنما ذبح عشر بدنات". وقال عقبه: أبو بكر هذا مجهول يروي المناكير. وسبقه لذلك ابن عدي. وقوله في السند: عن أبي قبيل حي بن يومن ليس بمستقيم، فأبو قبيل اسمه على الصحيح حيي، وقيل: حي وأبوه هانئ جزمًا.

وأما حي بن يومن، فليست كنيته أبا قبيل إنما هو أبو عشانة ولكن هما من طبقة واحدة، وقد ذكر المزي أبا قبيل في شيوخ العنسي من تهذيبه ولم يذكر ابا عشانة والله الموفق. قال البيهقي: فإن صح ما في آخر الحديث فإنما أراد في تضعيف الله تعالى الأجر. وأما حديث علي، فرواه أبو الشيخ في الأضاحي من حديث عمرو بن قيس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته. وأما حديث أبي سعيد، فرواه أحمد والبزار في مسنديهما والطحاوي في معانيه، والحاكم في مستدركه وقال: إنه صحيح من حديث الدراوردي عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فقال: "هذا عني، وعن من لم يضح من أمتي". ومن طريق أحمد أورده الضياء في المختارة، وأصله في

السنن بدون المقصود منه هنا. وأما حديث أبي طلحة، فرواه أبو بكر بن أبي شيبة وعنه أبو يعلي في مسنديهما عن عبد الله بن بكر السهمي عن حميد عن ثابت عن إسحاق بن عبد اله بن أبي طلحة عن جده أبي طلحة رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين فقال عند ذبح الأول: "عن محمد وآل محمد" وقال عند الثاني: "عمن آمن بي وصدق بي من أمتي". وكذا أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي بكر بن ابي شيبة، وأخرجه أبو يعلي أيضًا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن السهمي، وهو منقطع، فإسحاق لم يدرك جده. وبهذه الأسانيد تمسك من ذهب إلى أن الأضحية سنة على الكفاية،

كالابتداء بالسلام، فإذا ضحى واحد من أهل البيت بالشاة الواحدة فأدى الشعار في السنة لجميعهم، قال الرافعي: وعلى ذلك حُمل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم تقبل من محمد وآل محمد". قلت: وقد فعله جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم عبد الله بن هشام، ففي آخر حديثه الذي أخرجه البخاري مما زاده الإسماعيلي، والبيهقي والطبراني في الكبير جميعًا: أنه كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. وهو عند الحاكم في المستدرك لكن بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. وكذا جاء عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة، فذبحهما الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة. وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه كان يضحي عن أهل بيته بشاة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يضحي بالشاة فيقول أهله: وعنا، فيقول: وعنكم. وفي لفظ عنه: لا باس بأن يضحي الرجل بالشاة عن أهل بيته. وعن الشعبي قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يضحي عن جميع

أهله بالشاة. وعن الشعبي أيضًا عن سريحة أو ابي سريحة وهو حذيفة بن اسيد رضي الله عنه قال: حملني أهلي على الجفاء، بعد ما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون بالشاة أو الشاتين فالآن يبخلنا جيراننا يعني أن اقتصرنا على ذلك. وفي لفظ: كنا نضحي الأضحية الواحدة فزعموا أن ما يمنعنا إلا الشح فحملونا على ترك السنة بعدأن عرفناها. وفي لفظ: فحملني أهلي على الجفاء بعد أن علمت من السنة حتى إني لأضحي عن كل وقال ابن المسيب: كان أهل البيت يضحون بالشاة فلما خالطوا أهل العراق ضحوا عن كل واحد شاة. وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على ذلك فقال كما نقله الساحي في كتابه اختلاف الفقهاء: عنه، وعن أهل بيته.

وكذا نص في البويطي على الإجزاء فقال: وإن نوى من يذبح أجزاء، ويقول الذابح: اللهم عن فلان وأهله، هذا لفظه. قال صالح بن الإمام أحمد: قلت لأبي نضجي الشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم. ونقله ابن المنذر في الأوسط أيضًا عن مالك والليث، والأوزاعي، وإسحاق، وأبيثور، وجنح إليه، وكذا نقله الترمذي في جامعه عن أحمد وإسحاق وأنهما احتجا بحيدث: أنه ضحى بكبش، فقال: "عن من لم يضح من أمتي" بعدأن ترجم: ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت. وقال الحاكم في المستدرك: هذه الأحاديث دليل على الرخصة في الأضحية بالشاة الواحدة عن الجماعة الذين لا يحصى عددهم، خلاف من يتوهم أنها لا تجزئ إلا عن الواحد، وصرح الشيخ إبراهيم المروذي أن المراد بالحديث الاشتراك في الثواب لا في التضحية. ومن صرح بذلك الغزالي، وكذا قال النووي في الكلام على أول هذه الأحاديث من شرح مسلم: واستدل بهذا الحديث من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته وِإشراكه معهم في الثواب، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه. قلت: وكذا ابن المبارك وغيره من أهل العلم كما حكاه الترمذي في

جامعه. قال النووي: وزعم الطحاوي أن هذا الحديث مخصوص، أو منسوخ، وغلطه العلماء في ذلك، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. انتهى. ولم ينفرد الطحاوي بدعوى التخصيص، فقد قال ابن أبي الدم حيث ازع في حمل الغزالي الحديث على الاشتراك في الثواب كما أسلفته، لاقتضائه جواز أن يضحي الرجل عن نفسه، ويشرك غيره في ثوابها مع كونه لم يملكها، ولا باشر ذبحها، والتضحية إنما وقعت عن المضحي فقط، وثوابها يكون لمباشرها ما نصه: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا عن محمد وأمه محمد" خصوصية له، لأنه الشارع فيجوز أن يخصه الله تعالى بإشراك أمته في ثواب ما يفعله هو، إذ أشركهم صلى الله عليه وسلم فيه قال: وهذا يجري في الصدقة أيضًا، إذا تصدق من مالهوأشرك غيره في ثوابه، لا يشاركه ذلك الغير على قاعدة المذهب كما قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) انتهى. ولم يذكر للخصوصية دليلاً، فيأتي ما قاله النووي، وأما ما أشار إليه من الاستدلال بالآية، فذاك هو الأصل أعني أن الإنسان لا ينتفع في آخرته إلا بأفعال الصالحة، دون فعل غيره، لكن استثني من ذلك أشياء وردت بها السنة مبينة في غير هذا المحل، على أن بعض الأئمة تكلم في أول الأحاديث، لما رأى الرافعي احتج به على تأدي الشعار عن أهل المذهب بتضحية أحدهم، وأنه ليس صريحًا في المراد، بل يمكن أن يكون معناه

تقبل السخاء منهم، أو تقبل الطاعات والقربات من هؤلاء، وأشار إلى أن غيره من الأحاديث ـ يعني التي ذكرناها ـ أوضح منه في الدلالة. قلت: وإذا كان الأمر كذلك، ففي الاقتصار على أهل البيت الواحد نظر، ولهذا حكى الطحاوي رحمه الله أن فرقة من القائلين أن الشاة تجزيء عن الجماعة وإن كثروا قالت: إنها تجزيء سواء كان المضحي بها عنهم من أهل بيت واحد، أو من أبيات شتى، لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بالكبش الذي ضحى به عن جميع أمته وهم أهل أبيا شتى. وكذا تمكس بعضهم بهذه الأحاديث لجواز تضحية المرء عن غيره بغير إذنه، والمعتمد كما جزم به في المحور وتبعه في المنهاج: عدم الجواز، ويمكن أن يقول المستدل به لأهل البيت خاصة أن التضحية إنما هي عننفسه ودخل أهله ومن في معناها بطريق التبعية له، نعم قال الماوردي: يجوز للإمام أن يضحي عن المسلمين ببدنة يذبحها في المصلى بعد فراغه من صلاته، وأقل ما ينحر شاة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا كما قال السبكي الكبير، فالإمام مستثنى من منع الأضحية عن الغير. وكذا تمسك به الأصحاب في جواز التضحية بالخصي، قال الزركشي: وفيه نظر. فإن أهل اللغة نصوا على أن الوجاء هو رض عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهًا بالخصاء. وهذه عبارة الجوهري، وذكر نحوه المطرزي في المغرب، ولقد

211 - الحمد لله وسئلت: عن قولهم: تارك الصلاة بغير عذر شرعي لا يقبل الله توحيده، وقولهم: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل من تارك الصلاة، أهما حديثان أم لا؟

حقق الإمام الرافعي رحمه الله بقوله: ويجزئ الخصي والموجوء، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين. انتهى. وحينئذ فلا يلزم من جواز التضحية بالمرضوض جوازها بالخصي، لأن في الخصي نقصان عضو مستطاب، بخلاف المرضوض، نعم، في رواية شريك الماضية التصريح بالخصي لكن فيها إشكال من جهة أنه وصف الموجوء بالخصي وهما مما لا يجتمعان. انتهى. وممن قال بإجزاء الخصي، الحسن، وعطاء، والشعبي، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن قدامة: ولا نعلم فيه مخالفًا. والله الموفق. 211 - الحمد لله وسئلت: عن قولهم: تارك الصلاة بغير عذر شرعي لا يقبل الله توحيده، وقولهم: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل من تارك الصلاة، أهما حديثان أم لا؟ فقلت: أما الأول، فقد ورد في عدة أحاديث إطلاق الكفر على تارك الصلاة بغير عذر كحديث جابر الثابت في صحيح مسلم مرفوعًا: "بين

الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". وفي لفظ لغيره: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" وكحديث بريدة، الذي صححه غير واحد من الأئمة مرفوعًا أيضًا: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" وكحديث أنس رفعه: "من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر جهارًا" إلى غيرها من الأحاديث التي أورد الحافظ الزكي المنذري كثيرًا منها في كتابه الترغيب والترهيب

وحكى القول بذلك عن جماعة من الصحابة بل سبقه عبد الله بن شقيق العقيلي أحد التابعين حيث جاء عنه بالسند الصحيح أنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدًا لوجوبها، مع كونه ممن نشأ بين المسلمين، لأنه حينئذ يكون كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين، فإن رجع إلى الإسلام قبل منه، وإلا قتل. وأما من تركها بلا عذر بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها، فإنه لكون الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه على الصحيح أيضًا بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري كأ، هـ يترك الظهر مثلاً حتى تغرب الشمس، أو المغرب حتى يطلع الفجر، يستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل، ويصلي عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء سائر أحكاما لمسلمين عليه، يؤول بأن إطلاق الكفر عليه، لكونه شارك الكفار في بعض أحكامه، وهو وجوب القتل جمعًا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضًا من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" وقال أيضًا: "من مات وهو

يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" إلى غير ذلك ولذلك لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة، ويورثونه، ولو كان كافرًا لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث، وأما الثاني، فليس له أصل أصلاً. والله الموفق.

212 - وسئلت عن تعيين قبر عمرو بن العاص، وهل لخديجة ابنة اسمها فاطمة قدمت مع زوج لها إلى مصر، ودفنا بمكان واحد خارج القرافة، وهل ثبت أن أحدا من الصحابة المعينين قتلوا ودفنوا أيضا خارج القرافة بالوقعة التي وقعت لعمرو رضي الله عنه خارج القرافة

212 - وسئلت عن تعيين قبر عمرو بن العاص، وهل لخديجة ابنة اسمها فاطمة قدمت مع زوج لها إلى مصر، ودفنا بمكان واحد خارج القرافة، وهل ثبت أن أحدًا من الصحابة المعينين قتلوا ودفنوا أيضًا خارج القرافة بالوقعة التي وقعت لعمرو رضي الله عنه خارج القرافة. فكتبت: الحمد لله لم يثبت لي تعيين قبر سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه في خبر يركن إليه مع ثبوت أنه مات بمصر، ولكن قد روينا في فتوح مصر لابن عبد الحكم من حديث ابن لهيعة: أن المقوقس ـ يعن ملك الروم بإسكندرية والقبط بمصر نيابة عن ملك الروم هرقل ـ قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: إنا لنجد في كتابنا أن ما بين هذا الجبل ـ يعني المقطم وحيث نزلتم ـ ينبت فيه شجر الجنة، فكتب عمرو بقول المقوقس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: صدق فاجعلها مقبرة للمسلمين، فقبر فيها ممن عرف من أصحاب رسول الله سمى ابن لهيعة عمن حدثه منهم خمسة نفر: عمرو بن العاص السهمي، وعدب الله بن حذافة السهمي، وعبد الله بن الحارث بنجزء الزبيدي، وأبا بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني، زاد غيره: ومسلمة بن مخلد الأنصاري. قلت: وممن جزم بأن عمرًا دفن بالمقطم في ناحية الفج، وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز، محمد بن الربيع الجيزي زاد ابن عبد الحكم: أحب عمرو أن يدعو له كل من مر به كما أخبرنا به ابن

عفير. وفي تاريخ البخاري: عمير بن أبي مدرك الخولاني سمع سفيان بن وهب صحابي مشهور شهد فتح مصر، واختط بها، وسكن الصعيد، وقطن طحا حتى مات، وعائذ بن ثعلبة بن وبرة البلوي، صحابي ممن بايع تحت الشجرة، شهد فتح مصر أيضًا وله بها خطة عند المناخ قتلته الروم بالبرلس، وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر المشهور، واسمه خويلد بن خالد قيل: إنه توفي بمصر، وقال بعضهم بإفريقية في طريق مصر، وكان غرًا ورافق ابن الزبير لما توجه مبشرًا بالفتح فدفن ابن الزبير والله المستعان.

213 - الحمد لله: سأل الشمس ابن القاسم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: (حور عين) قال: حور: بيض عين، ضخام العيون شقر، الحوراء بمنزلة جناح انسر

213 - الحمد لله: سأل الشمس ابن القاسم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: (حور عين) قال: "حور: بيض عين، ضخام العيون شقر، الحوراء بمنزلة جناح انسر". فقلت: قد أخرجه الطبراني في معجمه الكبير وكذا في الأوسط من حديث عمرو بن هاشم البيروتي حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن ـ هو البصري ـ عن أمه ـ هي خيرة مولاة أم سلمة ـ عن مولاتها أم سلمة رضي الله عنها بهذا وعنده فيه بعده قالت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: (كأنهن الياقوت والمرجان) قال: "صفاءهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي" قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: (خيرات حسان) قال: "خيرات الأخلاق، حسان الوجوه" قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله: (كأنهن بيض مكنون) قال: "رقتهن كرقة

الجلد الذي رأيت في داخل البيضة، مما يلي القشر وهي الغرقئ" قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: (عربًا أترابا) قال: "هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز ورمضا شُمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربًا متعشقات، محببات، أترابًا على ميلاد واحد" قلت: يا رسول الله: أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: "بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظهارة على البطانة"، قلت: يا رسول الله وبما ذاك؟ قال: "بصلاتهن وصيامهن، وعبادتهن ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ألا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدًا، ألا ونحن المقيمات لا نظعن أبدًا، ألا ونحن اراضيات فلا نسخط أبدًا طوبى لمن كنا له وكان لنا" قلت: يا رسول الله المرأة منا تزوج الزوجين، والثلاثة، والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها؟ قال: "يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقًا فتقول: أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقًا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة". وأخرجه أيضًا أبو جعفر العقيلي في الضعفاء وأبو إسحاق الثعلبي في التفسير من هذا الوجه لكن اقتصرا منه على بعض وذلك إلى قوله: ضخام العيون. ومداره على سليمان بن أبي كريمة، فقد قال العقيلي: إنه لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه. ونحوه قوله الذهبي: إنه لا يعرف إلا

بهذا السند. انتهى. وهو شامي ضعفه أبو حاتم. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، ونحوه قول العقيلي إنه يحدث بمناكير. قلت: ولولا وجود أحاديث شاهدة له، يطول الأمر بإيراداها لحكمت بضعفه من أجل تفرده به، على أن عند الثعلبي بعضه من غير جهته، فروي من حديث إسماعيل بن أبي زياد عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أم سلمة أنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاء .. الآية) قال: "يا أم سلمة هن اللاتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمط، عمش، رمص، جعلهن الله بعد الكبر أترابًا على ميلاد واحد في الاستواء". وقوله فيه: الحور: جمع حوارء وهي الشديدة بيضاض العين الشديد سوادها. وقد فسره ابن عباس رضي الله عنهما كما في البخاري بالسود الحدق، وكذا قال عطاء وفسره في هذا الحديث بالبيض، وكذا فسره قتادة. وأما العين، فجمع عيناء وهي الواسعة العين، ولذا فسرت في هذا الحديث بالضخام وكنى به عن الاتساع، ونحوه قول عطاء، هي العظمة العين. وقال أبو عبدية: العين هي الواسعة العين، الشديدة السواد

والبياض، وقد ترجم البخاري في أوائل الجهاد باب الحور العين وصفتهن، يحار فيها الطرف شديد سواد العين شديدة بياض العين. انتهى. وأما الشفر فهو كما قال في الصحاح وبالضم واحد أشفار العين وهي حروف الأجفان التي تبنت عليها الشعر وهو الهدب. وكأن المعنى: أن في أشفارهن طولاً فهو من جملة الضخامة، وقد وصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، فيحتمل أنيكون شقر بالقاف ليخرج عن الوصف بالأبيض الشديد البياض، فذاك مذموم ولكن الأول أظهر، وما قوله: الحوراء بمنزلة جناح النسر، فكأنه كناية عن رشاقة القد وسرعة الحركة حيث شبهها مع كثرة ما عليها من الحلي، والآليء، وضخامتها الزائدة فوق الوصف بجناح الطائر خصوصًا النسر في قوته وشدته. وأما قوله: الأصداف، فهو بالمهملتين، وأخره فاء، جمع الصدف، وهو غلاف اللؤلؤ، واحدته صدفة وكنى به عن شدة صفاء اللون، فقد صح في وصفهن أنه يرى مخ سوقهن من وراء اللحم، وفي رواية من وراء الحلل، وفي رواية من وراء سبعين حلة، وورد في وصف الواحدة منهن أنها التي يحار فيها الطر بادٍ مخ ساقها من وراء كبدها ينظر الناظر وجهه في كبد إحداهن، كالمرأة من رقة الجلد، وصفاء اللون. وفي رواية:

214 - الحمد لله سأل السيد علاء الدين ابن السيد عفيف الدين نفع الله بهما عن نصيبين وضبطها وقال: إنه لم يذكرها صاحب النهاية

ينظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرأة. والغرقئ بكسر الغين المعجمة، وسكون الراء بعدها قاف مكسورة، ثم همزة: قشر البيض الذي تحت القيض وهو كناية عن شدة الرقة والصفاء أيضًا، ولم تقع هذه اللفظة فيما وقفت عليه من نسخ الترغيب للمنذري مع كونها في الأوسط الذي صرح بأنلفظ الحديث به. والله الموفق. 214 - الحمد لله سأل السيد علاء الدين ابن السيد عفيف الدين نفع الله بهما عن "نصيبين" وضبطها وقال: إنه لم يذكرها صاحب النهاية. فقلت: هو كذلك، وقد ذكرها غيره وهي لدة مشهورة بالجزيرة تنسب إليها جماعة من العلماء، منهم ميمون بن الأصبغ بن الفرات، ووقع ذكرها في حديث أبي هريرة في المبعث من صحيح البخاري في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجيئه بأحجار يستفض فيها ولا يجيئه فيها بعظم ولا روثة ثم قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين ـ ونعم الجن ـ فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا".

قال شيخنا رحمه الله: ووقع في كلام ابن التين أنها بالشام، ويه تجوز، فإن الجزيرة بين الشام والعراق انتهى كلام شيخنا. ووقع للسهيلي أنه قال: يقال: هم من جن نصيبين، ويروى: جن الجزيرة، فكأنه ما استحضر أن نصيبين من الجزيرة، وقد روى ابن أبي الدنيا أنه عليه الصلاة والسلام قال: "رفعت لي نصيبين حتى رأيتها فدعوت الله أن يكثر مطرها، وينضر شجرها ويعذب نهرها" وروى ابن عدي في كامله. والديلمي في مسنده من حديث عبد السلام بن محمد الحضرمي عن الأعرج عن أبي هريرة رفعه: "رفعت لي الأرض، فرأيت مدينة أعجبتني فقلت: "أي مدينة هذه؟ "قالوا: نصيبين، قلت: "اللهم عجل فتحها، واجعل فيها للمسلمين بركة" وقال ابن عدي: إنه حديث منكر، وتبعه ابن الجوزي فذكره في موضوعاته، ويجوز صرف نصيبين وتركه. والله أعلم.

215 - الحمد لله وسأل السيد أيضا: هل ورد في لبس النبي صلى الله عليه وسلم السراويل شيء؟

215 - الحمد لله وسأل السيد أيضًا: هل ورد في لبس النبي صلى الله عليه وسلم السراويل شيء؟ فقلت: قد ورد في حديث عند أبي يعلي الموصلي في مسنده بسند ضعيف جدًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت يومًا السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزان يزين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتزن وأرجح" فقال الوزان: إن هذه لكلمة ما سمعتها من أحد، فقال أبو هريرة: فقلت له: كفى بك من الرهق والجفاء، في دينك أن لا تعرف نبيك، فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله يريد أن يقبلها، فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منه، فقال: "يا هذا! إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها ولست بملك، إنما أنا رجل منكم فوزن أرجح" وأخذ رسول الله السراويل، قال أبو هريرة: فذهبت لأحمله عنه، فقال: "صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفًا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم" قال: قلت يا رسول الله: إنك لتلبس السراويل؟ قال: "اجل، في السفر والحضر، وبالليل، والنهار، فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه".

وكذا أخرجه ابن حبان في الضعفاء عن أبي يعلي، ورواه الطبراني في الأوسط والدارقطني في الأفراد والعقيلي في الضعفاء ومداره على يوسف بن زياد الواسطي، ولذا قال الدارقطني: الحمل فيه عليه، ولم يروه عن الأفريقي غيره، وأعله ابن حبان بالأفريقي وأورده القاضي عياض في الشفا من غير عزو باختصار، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، واقتصر شيخنا في فتح الباري على ضعف راويه، ولشدة وهائه جزم بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلبس السراويل. ويستأنس له بما جزم به النووي في ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه من تهذيبه أنه لم يلبس السراويل في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله. قلت: وهذا في أواخر مسند عثمان من مسند أحمد: أنه أعتق

عشرين مملوكًا، ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام، وأبا بكر، وعمر، وذكر الحديث. انتهى. فإنهم رضي الله عنهم كانوا أحرص شيء على اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فأكثر لباس أهل مكة الأزر. ولهذا الحديث شاهد من حديث سويد بن غفلة رضي الله عنه قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا سراويل فبعناه، وعنده وزان يزن بالوزن فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: "زن وأرجح". أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي: إنه حسن صحيح، وصححه ابن حبان من حديث. انتهى.

وقد اختلف فيه على راويه سماك بن حرب فقيل عنه عن سويد هكذا وقيل عنه عن أبي صفوان بن عميرة وقيل: عنه عن مالك بن عميرة الأسدي وقيل عنه، عن مخرمة العبدي وقيل غير ذلك مما لا

نطيل بإيراده، وعزوه، والأول أرجح، ولأجل هذا الاختلاف يتوهم ورود الحديث عن جماعة من الصحابة. وبالجملة، فقد صح شراء النبي صلى الله عليه وسلم له. وقال ابن القيم ي الهدي: والظاهر أ، هـ صلى الله عليه وسلم إنما اشتراه ليلبسه ثم قال: وروي في حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه، وقال شيخنا: قال بعض أهل العلم: الظاهر من هذا الحديث أنه لبسه قال: ويحتمل أنه اشتراه لغيره، وفيه بعد. انتهى. وما قاله ابن القيم ثم شيخنا، هو الظاهر، خصوصًا وقد أورده البيهقي في باب ما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم من الثياب وما كان يختار لبسه، ويرغب فيه من شعب الإيمان له: فهو ظاهر في أنه كان يلبسه، وإن كان أبو سعد النيسابوري ذكر الحديث في تجارته صلى الله عليه وسلم من كتاب "شرف المصطفى" فالله أعلم. وقد ترجم البخاري في اللباس ي صحيحه: باب السراويل، وأورد فيه حديث المحرم لكونه لم يرد فيه حديث على شرطه. واختلف في ثمنه فقيل كما تقدم، أربعة دراهم، وقيل كما في الإحياء: ثلاثة، قال شيخنا في فتح الباري: وما تقدم أنه أربعة أولى، وكذا اختلف في لفظه، فقيل: سراويل، وفي بعضها رجل سراويل، وهما

بمعنى. فقوله: رجل سراويل كما يقال: اشترى زوج خف وزوج نعل وإنما هو زوجان، يريد سراويل، لأن السراويل من لباس الرجلين، وبعضهم يسمى السراويل رجلاً. إذا عُلم هذا فيروى أن أول من لبس السراويل إبراهيم عليه السلام. أخرجه أبو نعيم من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، به مرفوعًا. ومن أجل هذا فيما قيل: كانت الحكمة في أنه أول من يكسى يوم القيامة كما ثبت في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: غير ذلك. وورد من حديث أبي هريرة وعلي رضي الله عنهما مرفوعًا:

"رحم الله المتسرولات من أمتي". وفي أول ثانيهما قصة، وهو أن امرأة سقطت عن حمارها في يوم مطير فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه فقيل: يا رسول الله إنها متسرولة، بل ورد كما عند الديلمي في مسنده من حديث الأصبغ بن نباتة عن علي قال: كنت قاعدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير، فمرت امرأة على حمار ومعها مكاري فهوت يد الحمار في هوة من الأرض فسقطت المرأة فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه فقيل: إنها متسرولة فقال: "يا أيها الناس اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم، وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن". وجاء ذكر السراويل في حديث: "من لم يجد إزازًا فليلبس السراويل" وبه تمسك الشافعية رحمهم الله، والجمهور في لبسه

للمحرم، بدون فتق. وكذا جاء ذكره في قول عمر في ستر العورة من البخاري: إذا وسع الله فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تبان وقباء، في تبان وقميص، قال الراوي:

216 - سئلت: عن حديث: اجعلها عليهم سنين كسني يوسف

وأحسبه قال: في تبان ورداء. وهو فارسي معرب، يذكر ويؤنث، ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير، والأشهر عدم صرفه. والله الموفق. 216 - سئلت: عن حديث: "اجعلها عليهم سنين كسني يوسف". فقلت: وقع في أماكن من البخاري الاستسقاء والجهاد ومناقب يوس وتفسير آل عمران عند قوله: "ليس لك من الأمر شيء" وأواخر تفسير النساء وتفسير الدخان والأدب والدعوات رواه إبراهيم بن سعد، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية، وسفيان بن

عيينة ويونس بن يزيد أربعتهم، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، وابي سلمة بن عبد الرحمن، لكن اقتصر ابن علية، وابن عيينة على أولهما. ورواه شيبان والأوزاعي وهشام ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وحده. ورواه سفيان الثوري، وشعيب بن أبي حمزة، ومغيرة بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد عن الأعرج ثلاثتهم عن أبي هريرة، ورواه الأعمش عن مسلم عن مسروق عن ابن مسعود، كلهم بهذا اللفظ، ولم أر شيخنا تعرض لضبط "سني يوسف" في هذه الأماكن من شرحه. وقد قال النووي في شرح

217 - سئلت: عن امرأة قادرة على الحج ولها زوج قادر أيضا فطلبت الحج فمنعها، فهل له ذلك

مسلم: هو بكسر السين وتخفيف، قال الزركشي: بالتشديد، وجاء على اللغة الغالبة فيمن أجرى سنين مجرى الجمع السالم في الإعراب، فيما قبل النون وسقوطها عند الإضافة وبتخفيف الياء، قيده النووي وغيره. وقال الولي العراقي: وجاء قوله كسني يوسف، على إحدى اللغتين في أن سنين جمع سنة يعامل معاملة الجمع السالم، فحذف منه النون للإضافة، وهي لغة شاذة، واللغة الفصيحة بإثبات النون دائمًا، وبالياء فقط. 217 - سئلت: عن امرأة قادرة على الحج ولها زوج قادر أيضًا فطلبت الحج فمنعها، فهل له ذلك. فكتبت: لا يلزم الزوج بالسفر معها، لكن يستحب له هو الحج بها، فإن لم يفعل ومنعها منه فله ذلك على الأظهر، لأن حقه على الفور والحج على التراخي، ومتى سافرت والحالة هذه كانت ناشزة آثمة فلتجتهد في إرضائه رجاء أن يرضى الله عنها. والله الموفق.

218 - سأل الفاضل علم الدين سليمان الزواوي عن قول بعض المستجيزين بعد ذكره المستجاز لهم إجازة خاصة لكل أحد ممن ذكر، وعامة شاملة لكلمن وقف عليه، هل لكل واقف على الاستجازة الرواية عن المجيزين ولو تأخر مولده عن وفاتهم أم لا؟

218 - سأل الفاضل علم الدين سليمان الزواوي عن قول بعض المستجيزين بعد ذكره المستجاز لهم إجازة خاصة لكل أحد ممن ذكر، وعامة شاملة لكلمن وقف عليه، هل لكل واقف على الاستجازة الرواية عن المجيزين ولو تأخر مولده عن وفاتهم أم لا؟ فقلت: قوله: عامة شاملة لكل من وقف عليه يشمل الموقوف عليه ممن كان موجودًا وقت الإجازة، وكذا من حدث بعدها، لكن قبل وفاة المجيز، وذلك صحيح عند القائلين بصحة الرواية بالإجازة العامة والعمل بمضمونها، وهم جماعة من المحدثين، والفقهاء، يطول ذكرهم، منهم: القاضي أبو الطيب طاهر الطبري غير أنه قصرها على الموجودين حين الإجازة فقط. ولكن قد مالالحافظ الفقيه الحجة أبو عمرو بن الصلاح إلى إبطالها مطلقًا وكذا قال حافظ وقته الزين العراقي مع كونه ممن روى بها في عشارياته: إن في النفس منها شيئًا قال: وأنا أتوقف عن الرواية بها، وقال أيضًا: إن الاحتياط ترك الرواية بها.

بل نقل شيخنا خاتمة علماء المشرق والمغرب في هذا الشأن، عدم الاعتداد بها عن متقني شيوخه ولم يكن هو أيضًا يعتد بها، وصرح بأن القول بها توسع غير مرضي، لأن الإجازة الخاصة المعينة مختلف في صحتها اختلافًا قويًا عند القدماء، وإن كان العمل استقر على اعتبارها عند المتأخرين فهي دون السماع بالاتفاق، فكيف إذا حصل الاسترسال المذكور، فإنها تزداد ضعفًا، لكنها في الجملة خير من إيراد الحديث معضلاً. انتهى. وقال الحافظ أبو بكر الحازمي: إن ألجأت ضرورة من يريد تخريج حديث في باب، ولم يجد مسلكًا سوى الرواية بالإجازة العامة استخار الله تعالى، حرر ألفاظه نحو أن يقول: أخبرني فلان إجازة عامة، أو فيما أجاز لمن أدرك حياته، أو يحكي لفظ المجيز في الرواية فيتخلص من غوائل التدليس والتشبع بما لم يعد، ويكون حينئذ مقتديًا ولا يكون مفتريًا. وما فهمه السائل نفع الله به من شمول ذلك من وقف عليه ممن ولد بعد وفاة المجيز، فهو وإن كان اللفظ يفهمه غير مراد، إذ لا يقول أحد باتصال الرواية بين شخصين في السند من غير لقاء، ولا إدراك عصر، إلا ما تضمنه المحكي عن ابن أبي داود، وابن منده، ثم الخطيب، وغيرهم في صحة الإجازة للمعدوم المنعطف على الموجود، كأجزت لفلان وأولاده ونسلهو عقبه حيث أتوا في حياة المجيز وبعده، قياسًا على الوقف والوصة، بل وللمعدوم ابتداء عن جماعة من أئمة المذاهب الأربعة، منهم الخطيب وصنف فيه، ولكن المعتمد كما قال ابن الصلاح البطلان، لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز، فكما لا يصح الإخبار للمعدوم

219 - وسأل القاضي تقي الدين ابن الزيتوني عن ما اشتهر على الأسلنة بل وفي كتب الفقهاء، والأصوليين من قوله صلى الله عليه وسلم: إنا نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر

لا تصح الإجازة له، بل ولو قدرنا أن الإجازة إذن، لا يصح ذلك أيضًا، كالوكالة للمعدوم. وجزم شيخنا بعدم الصحة في المعدوم ابتداء، وبأنه الأقرب في المنعطف أيضًا، وقال بعض المتأخرين: إن الاتصال كذلك ـ أعني بدون لقاء ولا إدراك ـ غير معقول، وساقط عن درجة الاعتبار. وبالله التوفيق. 219 - وسأل القاضي تقي الدين ابن الزيتوني عن ما اشتهر على الأسلنة بل وفي كتب الفقهاء، والأصوليين من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". فقلت: هذا الحديث قد اشتهر على الألسنة كثيرًا، وجزم شيخ شيوخنا حافظ الوقت الزين العراقي رحمه الله أنه لا أصل له، وكذا سئل عنه الحافظ أبو الحجاج المزي من قبل فأنكره أيضًا. نعم في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: "إنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا في أعمالكم". بل وقد ترجم له النسائي في سننه باب الحكم للظاهر، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد رفعه: "إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب

الناس". وفي الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها: "فأقضي له على نحو ما أسمع". وقال إمامنا ناصر السنة أبو عبد الله الشافعي رضي الله عنه عقب إيراده في كتاب الأم: فأخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم يقضي بالظاهر، وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن. والظاهر كما قال شيخنا خاتمة علماء المشرق والمغرب أن بعض من لا يميز، ظن أن هذا حديث آخر منفصل عن الأول ـ أعني حدث أم سلمة ـ مستقل، فنقله كذلك ثم قلده من بعده. ولأجل هذا يوجد في كتب كثير من أصحاب الشافعي دون غيرهم، حتى أورده الرافعي في "القضاء" ثم رأيت في "الأم" بعد ذلك قال الشافعي: وروي أنه صلى الله عليه وسلم

220 - الحمد لله حضر إلي الكمال ابن القاضي معين الدين ابن شرف الدين بن الأشقر، فذكر لي: إن المحب ابن الشحنة ذكر، بل كتب بخطه: إن جد والده كان يهوديا، ثم عمل مكاسا ونسب للبرهان الحلبي في ذلك كلاما يتأيد به، وكذا لشيخنا رحمه ال

قال: "تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات". وكذا قال ابن عبد البر في "التمهيد": أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن أمر السرائر إلى الله. وأغرب إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم الجنزوي في كتابه "إدارة الأحكام" فقال: إن هذا الحديث ورد في قصة الكندي، والحضرمي اللذين اختصما في الأرض فقال المقضي عليه: قضيت علي والحق لي، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أقضي بالظاهر، والله يتولى السرائل". والله الموفق. 220 - الحمد لله حضر إليَّ الكمال ابن القاضي معين الدين ابن شرف الدين بن الأشقر، فذكر لي: إن المحب ابن الشحنة ذكر، بل كتب بخطه: إن جد والده كان يهوديًا، ثم عمل مكاسًا ونسب للبرهان الحلبي في ذلك كلامًا يتأيد به، وكذا لشيخنا رحمه الله. فكتبت له بما نصه: الحمد لله ناصر الحق، يقول كاتبه محمد بن السخاوي غفر الله ذنوبه ويستر عيوبه: قد رأيت صاحبنا الشيخ الإمام الحافظ العمدة الثقة، شيخ المحدثين، والمرجوع إليه بحيث نقل عنه شيخنا في تصانيفه السراج عمر بن فهد الهاشمي المكي نفع اله به، وجمع الشمل برؤيته بذاك الحرم الشريف، ترجم القاضي الأوحد الرئيس عين الأعيان، وبهجة الزمان، شرف الدين أبا بكر ابن الأشقر تغمده الله تعالى برحمته، وأسكنه فسيح جنته فيما قرأته بخطه، فأثبت نسبه الكريم بما صورته: أبو بكر بن

إسماعيل بن سليمان الحلبي الأصل، سبط بن العجمي، وساق ترجمته إلى آخرها، كذا رأيت إسماعيل مثبتًا بخط إبراهيم البقاعي، وذلك صحيح ويتأيد بأن شيخنا، وأستاذنا، وعمدتنا شيخ مشايخ الإسلام، إمام الأئمة الأعلام، الشهاب ابن حجر رحمه الله تعالى، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه، نترجم في سنة أربع عشرة وثمانمائة من تاريخه "إنباء الغمر" الذي لم ينتشر نسخه إلا من أصلي الذي نقلته من خطه، أو فروعه، الشيخ شمس الدين محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان الحلبي المقرئ، والد القاضي شمس الدين محد الحلبي المعروف بابن أخت السخاوي، الذي لقيته وأخذت عنه بعض العلماء، وقال شيخنا في آخر ترجمته ما نصه حسبما قرأته بخطه: وهو عم شرف الدين أبي بكر الموقع المعروف بابن العجمي. قلت: ورأيت ذلك بخط الشيخ شمس الدين الحلبي نفسه، وقد كتب بردة وقال: إنها باسم سيدنا ومولانا القاضي الأجل المحترم شرف الدنيا والدين ولد أخي كاتبه المرحوم علم الدين أسكنه الله الفردوس الأعلى بمنه وكرمه. بل مما يشهد لكون سليمان لم يباشر شيئًا من ذلك، وصف الحافظ العمدة الزاهد الورع البرهان الحلبي سبط بن العجمي رحمه الله له

بعلم الدين أبي الربيع، فقد قرأت بخطه في أواخر ثبته الذي هو الآن في حوزة ولده العلامة شيخ المحدثين بالبلاد الحلبية، والمرجوع إليه في كثير من متعلقاته هناك، موفق الدين أبي ذر أحمد نفع الله به ما نصه: قدم حلب الشيخ الإمام الفاضل شمس الدين أبو البركات محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الفقيه الشافعي الغراقي ـ بالغين المعجمة المتفوحة ثم راء مشددة، وبعد الألف قاف، ثم ياء النسبة، من الغراقة بلد بقرب الحوف من الشرقية من القاهرة، صحبه القاضي الفاضل النبيل معين الدين ابن القاضي الفاضل شرف الدين أبي بكر بن علم الدين أبي الربيع سليمان الحلبي، والدة أبيه من بيتي العجميين الحلبييين إلى آخر كلامه الذي حصل الغرض بدونه. وحينئذ فمن نسب لشيخنا خلاف ما تقدم فقط تقول، وكذا من نسب للبرهان يظهر افتراءة بل ويقال أيضًا: لو كان سليمان نبز بشيء ماارتضاه بيت ابن العجمي لمصاهرتهم، هذا مع ائتمان الناس على أنسابهم كما

221 - الحمد لله سئلت عن حديث: إنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي قبله

صرح به غير واحد من الأئمة. والله المستعان. قلت: ومعين الدين المذكور باطنه، اسمه: عبد اللطيف، ويكني أبا اللطائف، ومولده سنة اثنتى عشرة وثمانمائة بالقاهرة، ونشأ بها فحفظ .. وسمع الكثير على ابن الجزري، واشتغل عنده، وبرع في صناعة الإنشاء، وناشر التوقيع السلطاني، وخدم عند تمراز القرمشي وقتًا: ثم ولي كتابة سر حلب مدة، وقدم القاهرة فباشر التوقيع على عادته، لما مات والده وكان له أخ اسمه محمد أخذ عن ابن الجزري أيضًا. 221 - الحمد لله سئلت عن حديث: "إنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي قبله". فقلت: هذا الحديث اختلف فيه على روايه سعيد بن أبي مريم، أحد الأثبات، فأخرجه البزار في مسنده عن عمر بن الخطاب السجستاني عنه فقال عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الله بن الأسود، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة، فناجى فاطمة بشيء، فلما فرغ بكت، ثم ناجاها الثانية فضحكت، فقلت: ما رأيت ضحكًا أقرب من بكاء من هذا وسالتها، فقالت: ما كنت لأطلعك على سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي رسول الله سألتها، فقالت: قال لي: "ما بعث نبي إلا كان من العمر نصف عمر

الذي قبله، وقد بلغت نصف عمر الذي قبلي" فبكيت، ثم قال لي: "أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ابنة عمران" فضحكت. وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن يحيى بن أيوب العلاف المصري عنه، فقال عن نافع بن يزيد، عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أن أمه فاطمة ابنة حسين حدثته أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه قال لفاظمة: "يا بنية أحني علي" فأحنت عليه فناجاها ساعة، ثم انكشفت وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بساعة: "أحني علي يا بنية" فأحنت عليه فناجاها ساعة ثم انكشفت عنه فضحكت، قالت عائشة: فقلت: أي بنية أخبريني ماذا ناجاك به أبوك؟ فقالت فاطمة: ناجاني على حال سر، ظننت أني أخبر بسره وهي حي، فشق ذلك على عائشة أن يكون سرًا دونها، فلما قبضه الله قالت عائشة لفاطمة: يا بنية ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن، فنعم، ناجاني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة وأنه عارضه بالقرآن العام مرتين، وأخبرني أنه أخبره أنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله، وأنه أخبرني أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين فأبكاني ذلك، وقال: "يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى من امرأة صبرًا" وناجاني في المرة الأخيرة فأخبرني أنني أول أهله لحوقًا به، وقال: "إنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم ابنة عمران" فضحكت بذلك.

وهكذا رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه وابن وارة وغيرهما عن ابن أبي مريم، ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم في الإكليل، ورواية الجماعة أرجح مع جواز أن يكون عند سعيد بكل من الوجهين، ولكن في الوجه الأول ابن لهيعة، وليس هو بانفراد بحجة، وفي الثاني محمد بن عبدالله وهو الملقب بالديباج وفيه مقال، قال فيه البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه، وقال النسائي: إنه ليس بالقوي، وروي عن النسائي أيضًا أنه وثقه، وكذا وثقه ابن حبان والعجلي، وروايته مع ذلك معلولة بأن الصحيح كما قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أن عيسى عليه السلام لم يبلغ هذا العمر، قال: وإنما أراد مقامه في أمته، ويؤيده أن سيان بن عيينة روى عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة، قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها في مرضه فسارها فقال: "إن الله لم يبعث نبيًا إلا وقد عمر نصف عمر الذي قبله، وإن عيسى لبث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذه توفي لي عشرين". وهي مع إرسالها مقوية لرواية ابن لهيعة، لا سيما وقد روى الأعمش

عن إبراهيم قال: مكث عيسى في قومه أربعين عامًا. نعم يخدش في هذا قول الحسن البصري، كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعًا وثلاثين سنة. ونحوه ما رواه عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: رفع عيسى عليه السلام ابن ثلاث وثلاثين سنة. بل يروى في بعض طرق الحديث المرفوع في وصف أهل الجنة بأنهم أبناء ثلاث وثلاثين على ميلاد عيسى وحسن يوسف عليهما السلام. وأما ما ورد من أن بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام أنبياء، ففيه مقال، وما في الصحيح من التصريح بقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي" أصح. وبالجلمة فقد ضعف الحديث من الوجهين شيخ شيوخنا الحافظ الزاهد أبو الحسن الهيثمي وقال العماد ابن كثير: إنه غريب جدًا. 222 - الحمد لله سئلت عن النهي الوارد عن الجلوس بين

222 - الحمد لله سئلت عن النهي الوارد عن الجلوس بين الظل والشمس

الظل والشمس. فقلت: روى أبو داود من حديث محمد بن المنكدر حدثني من سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم في الشمس ـ وقال مخلد: يعني أحد شيخي أبي داود فيه ـ في الفيء فقلص عنه الظل وكان بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم". وسنده ضعيف للجهالة بمن لم يسم لكن له شواهد، منها: ما أخرجه أبو داود ايضًا والبخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده جميعًا من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم البجلي الأحمسي عن أبيه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقام في الشمس فأمر فتحول إلى الظل. وهو عند الحاكم بلفظ: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عند الشمس قال: "تحول إلى الظل فإنه مبارك". وقال: إنه صحيح الإسناد. ولابن ماجه من حديث أبي المنيب عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس.

وهو عند الحاكم من هذا الوجه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجلسين، وملبسين، فأما المجلسين، فجلوس بين الشمس والظل الحديث. ولأبي نعيم في الطب النبوي من حديث حسين بن قيس عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس الرجل بين الظل والشمس. وللديلمي في مسنده عن جابر مرفوعًا: "لا ينام أحدكم بعضه في الظل وبعضه في الشمس ولا على سطح ليس بمجوز". وفي لفظ: ليس بمحجوز عليه. وهو عند البزار من حديث إسماعيل بن مسلم عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد أو يجلس الرجل بين الظل والشمس. ولأحمد في مسنده عن بهز وعفان كلاهما عن همام عن قتادة عن كثير بن أبي كثير عن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الضح والظل، وقال: هو مجلس الشيطان". وهو عند الحاكم في صحيه من هذا الوجه لكن بدون قوله: وقال: هو إلى آخره، وسمى الصحابي أبا هريرة، وقال: إنه صحيح

الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه مسلم عن يحيى عن شعبة عن قتادة بتمامه، لكن أرسله بحذف الصحابي. والضح بفتح الضاد المعجمة، والحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. وقال ابن الأعرابي: يقولون: الشمس وهو بلفظ الشمس في الرواية المرسلة. وعند مسدد عن ابن عمر موقوفًا: مجلس الشيطان بين الظل والشمس. قال البيهقي: والنهي في ذلك محمول على من إرادة الخيرية حتى لا يتأذى بحرارة الشمس، وروي عن ابن المنكدر أنه حمله على قلص عنه الفيء دون من جلس كذلك ابتداء. وروى أبو نعيم من حديث نافع قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا تطيلوا الجلوس في الشمس، فإنه يغير اللون، ويقبض الجلد، ويبلي الثوب، ويبحث الداء الدفين. ومن حديث مدرك بن حجرة قال: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائمًا في الشمس فقال: "قم إنها تغير اللون وتبلي الثوب". وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبو إسرائيل الذي روي البخاري حديثه في صحيحه من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال:

بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل ـ زاد الخطيب: ويقوم في الشمس اتفقا، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه". وأخرجه مسلم وغيره، وفيه: أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيًا، والجلوس في الشمس، ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد النذر به. فإن قيل: ورد حديث أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونحن بآذربيجان مع تبة بن فرقد رضي الله عنه: أما بعد فذكره وفيه: "وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب". وكذا اسند الديلمي من حديث النضر بن حميد عن من له صحبة

223 - وسئلت عمن قال: إن جبريل أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعمامة صفراء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله إنها علامة النصر

رفعه: "عليكم بالشمس فإنها بكم برة" الحديث. قلت: هذا لا ينافي ما تقدم، خصوصًا والذي سلف عن عمر نسه تقييد النهي بالإطالة والله الموفق. 223 - وسئلت عمن قال: إن جبريل أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعمامة صفراء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله إنها علامة النصر. فقلت: قد روى الطبراني من حديث أبي أسيد الساعدي وكان بدريًا رضي الله عنه قال: خرجت الملائكة عليهم السلام يوم بدر في عمائم صفر، قد طرحوها بين أكنافهم. وسنده حسن، وأحد الأقوال في التسويم في قوله تعالى: (مسومين) إنها عمائم صفر. وأما قوله: فسأل إلى آخره، فليس له أصل. نعم روى الديلمي في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما من

224 - الحمد لله سئلت عن ذي القرنين، وجرجيس، ولقمان، ودانيال، وحزقيل، أهم أنبياء أم لا؟ فقد وجدوا في بعض الأدعية متوسلا بهم

قوله: "من لبس نعلاً صفراء لم يزل ينظر في سرور ما دام لابسها". ومع كونه موقوفًا فهو ضعيف أيضًا والله الموفق. 224 - الحمد لله سئلت عن ذي القرنين، وجرجيس، ولقمان، ودانيال، وحزقيل، أهم أنبياء أم لا؟ فقد وجدوا في بعض الأدعية متوسلاً بهم. فقلت: أما ذو القرنين، فالصحيح أنه كان ملكًا من الملوك العادلين، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: كان نبيًا، وقيل: رسولاً، وقيل: إنه من الملائكة، وهو غريب، وتمسك قائله بما

يحكى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول لآخر: يا ذا القرنين فقال: مه، ما كفاكم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تتسموا بأسماء الملائكة. وفي حديث غريب من الوجه الذي أورده ابن عساكر منه أ، هـ صلى الله عليه وسلم قال: لا أدري ذو القرنين نبيًا كان أم لا؟ وأما لقمان، فالمشهور عن الجمهور أنه كان رجلاً صالحًا ذا عبادة، وعبارة، وحكمة عظيمة، ويقال: إنه كان قاضيًا في زمن داود عليه السلام. ويقال: إنه كان نبيًا. وأغرب من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن لا يقوم بأعبائها،

فاختار الحكمة لأنها أسهل عليه. وقد قال النووي رحمه الله في الأذكار وغيره من تصانيفه: إن القول بنبوته شاذ، لا التفات عليه، ولا تعريج عليه. وأما دانيال، فقد كان من أنبياء بني إسرائيل فيما مشى عليه غير واحد، روينا في المجالسة للدينوري من حديث معاذ بن رفاعة قال: مر يحيى بن زكريا بقبر دانيلا عليهما السلام فسمع صوتًا من القبر يقول: سبحان من تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت، من قالهن تستغر له السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن، ثم قال: إن دانيال قد آتاه الله النبوة والحكمة، وكان في أيام بخت نصر، وأسره بخت نصر مع بني إسرائيل، وحبسهم، ثم رأى بخت نصر رؤيا أفزعته وعجز الناس عن تفسيرها ففسرها دانيال فأعجبه وأكره وقبره، ووجده أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فأكرمه، وكفنه، وصلى عليه ثم قبره. وهذا مما يلقي عن الإسرائيليات، ورواية ما يكون من هذا القبيل جائزة إلا أن يحقق أنه كذب كان يخالف شيئًا من قواعد الشريعة المحمدية، وما عدا ذلك ثبت الإذن فيه بحديث: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". قال الشافعي رضي الله

عنه: من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر برواية الكذب، فعرفنا أن الإذن إنما هو فيما لا يعلم أنه كذب كما تقدم، وأول هذه القصة من نمط المأذون فيه مع أنه وجد في بعض الإسرائيليات أيضًا ما قد يخالفه، وآخرها صحيح م طريق في بعضها أن الذي فعله أبو موسى كان بإذن من عمر رضي الله عنهما. وأما حزقيل، فهو أيضًا من بني إسرائيل فيما جزم به غير واحد وقيل: إنه هو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) الآية. وذلك أنه مر بهم بعد دهور طويلة فوقف عليهم متفكرًا فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم فأمر أن يدعو لتلك العظام أن تكتسي لحمًا، وأن يتصل العصب بعضه ببعض فناداهم عن أمر الله عز وجل له بذلك فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.

225 - سئلت: عن ما اشتهر على الألسنة أنه صلى الله عليه وسلم قال: آية من كتاب الله خير من محمد وآله

وهذا أيضًا من المتلقى عن الإسرائيليات، وبالجملة، فالأولى الاقتصار على الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ليس كل أحد يحسن الدعاء والله الموفق. 225 - سئلت: عن ما اشتهر على الألسنة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "آية من كتاب الله خير من محمد وآله". فقلت: لم أقف عليه الآن في شيء من الكتب المعتمدة وكذا ـ فيما قيل ـ شيخي رحمه الله من قبلي ولكن قد رأيته بخط بعض أصحابنا المحدثين ممن أخذ عن شيخنا رحمهما الله في هامش نسخته من كتاب تلخيص شيخنا لمسند الفردوس من غير عزو لمخرج ولا ذكر صحابي وهو شيء لا أعتمده، وزاد فيه: لأن القرآن كلام الله غير مخلوق. نعم، وقفت على أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله: أنه كان يقرئ الرجل الآية ثم يقول: لهي خير مما طلعت عليه الشمس وما على الأرض من شيء حتى يقول ذلك في القرآن كله. وفي لفظ عنه أيضًا أنه إذا علم الآية قال: خذها فلهي خير من الدنيا وما فيها. أخرجهما أبو عبد الله ابن الضريس وأولهما عند الطبراني

226 - سئلت عن قول القائل: إن اليهود والنصارى خونة فلا أعان الله من ألبسهم ثوب عز هل ورد أم لا؟

في معجمه الكبير وكذا عند أبي عبيد بلفظ: كان يقرى القرآن، فيمر بالآية فيقول للرجل: خذها فوالله لهي خير مما على الأرض من شيء وأورده بعضهم موهمًا أنه مرفوع بلفظ: آية من كتاب الله خير من الدنيا وما فيها. ولأبي عبيد أيضًا من حديث فروة بن نوفل الأشجعي عن خباب بن الأرت أنه قال: .... واعلم أنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه. والله الموفق. 226 - سئلت عن قول القائل: "إن اليهود والنصارى خونة فلا أعان الله من ألبسهم ثوب عز" هل ورد أم لا؟ فأجبت: الآيات والأحاديث تبين ناطقة بالأمر بإذلال أعداء الدين لقوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ علهم) وقوله: (وليجدوا فيكم غلظة). وقوله: (ومن يهن الله فما له من مكرم). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطبًا للمسلمين وفيهم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لا تأمنوهم، إذ خونهم الله تعالى ولا تعزوهم بعد إذ أذلهم الله تعالى ولا تكرموهم بعد إذ أهانهم الله.

أخرجه البيهقي في السنن والشعب وغيره. وفي المهذب للشيخ أبي إسحاق عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جعل الصغار والذل على من خالف أمري". وأخبر تعالى عن اليهود بأنهم بالذل والمسكنة والغضب موسومون فقال تعالى: (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحب لمن الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة) ولا شك أنهم أنجس الأمم قلوبًا، وأخبثهم طوية، وأردأهم سجية، وأولادهم بالعذاب الأليم: (أولئك عذاب عظيم) وهم أمة الخيانة لله ورسوله ودينه وكتابه وعباده المؤمنين، ولا يزال يطلع على خائنة منهم ومن ضروب الطاعات أهانهم في الدنيا قبل الآخرة التي هم صائرون إليها، فنسأل الله أن يزيد خذلاتهم وهوانهم ويرقي الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.

227 - حديث: الأرواح جنود مجندة

227 - حديث: "الأرواح جنود مجندة". أخرجه البخاري تعليقًا في أول أحاديث الأنبياء عن الليث ويحيى بن ايوب كلاهما عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ووصله من حديثهما في الأدب المفرد ورواه أبو يعلي الموصلي وغيره من هذا الوجه وفي أوله قصة، وهو: أن امرأة مكية كانت بطالة مزاحة تضحك على النساء وبالمدينة مثلها فنزلت عليها ودخلتا على عائشة فتعجبت من اتفاقهما فقالت عائشة للمكية: عرفت هذه؟ قالت: لا ولكن التقينا فتعارفنا فضحكت عائشة وقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وذكرت الحديث. رواه مسلم في الأدب من صحيحه من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة بالمرفوع فقط. وأخرجهما العسكري في الأمثال من حديث روح بن القاسم عن سهيل به. وله عند مسلم طريق أخرى رواه م حديث يزيد بن الأصم عن أبيه عن أبي هريرة به في حديث. وأخرجه أبو داود في الأدب من سننه من حديث يزيد أيضًا وأخرجه البيهقي في الشعب والعسكري في

الأمثال وغيرهما من حديث إبراهيم الهجري عن أبي الأخوص عن ابن مسعود مرفوعًا: "الأرواح جنود مجندة تلتقي فتتشاءم كما تشاءم الخيل، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ولو أن رجلاً مؤمنًا جاء إلى مجلس فيه مائة مناق وليس فيهم إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه ولو أن منافقًا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى جلس معه أو إليه" وللعسكري من حديث أيب هاشم الروماني عن زاذان مرفوعًأ بلفظ: "الأرواح جنود مجندة، فما كان في الله ائتلف وما كان في غير الله اختلف" ومن حديث عكرمة عن الحارث بن عميرة عن سلمان رضي الله عنه نحوه. وهو حديث صحيح كالمتفق عليه، وقد قال العسكري عقب حديث ابن مسعود: وهذا هو تفسير الحديث، والكلام محمول على التوسع والمجاز، ومعناه: أن روح المؤمن تألف روح المؤمن وتنكر المنافق وكذلك روح المنافق. وفيه كلام غير ذلك فليراجع فتح الباري.

228 - سؤال في حديث أنس رضي الله عنه المرفوع: إن المؤمن يقال له عقب سؤال الملكين عليهما السلام وجوابه: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا

228 - سؤال في حديث أنس رضي الله عنه المرفوع: "إن المؤمن يقال له عقب سؤال الملكين عليهما السلام وجوابه: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا" بل ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا أيضًا: "لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرًا ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن لتكون عليه حسرة". فاستفيد منهما أن لكل من المؤمن والكافر منزلاً في الجنة وآخر في النار. وأخص منهما ما رواه ابن ماجه وابن أبي حاتم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وله منزلان، منزل في الجنة ومنزل في النار، فإذا مات الكافر فدخل النار ورث أهل الجنة منزله" فذلك قوله: (أولئك هم الوارثون) ونحوه قول مجاهد: "ما من عبد إلا وله منزلان، منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما المؤمن [فيبني بيته الذي في الجنة ويهدم بيته الذي في النار وأما الكافر] فيهدم بيته الذي في الجنة ويبنى بيته الذي في النار. وروي

عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار، لأنهم كلهم خلقوا لعبادة الله عز وجل وحده، فلما قام هؤلاء المؤمنين بما وجب عليهم من العبادة وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل وضم ذلك إلى ما اختصوا به، وعكسه، وأبلغ من هذا أيضًا ما ثبت عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري رفعه: "يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله تعالى لهم ويضعها على اليهود والنصارى". وفي لفظ ثابت أيضًا: "إذا كان يوم القيامة دفع الله تعالى لكل مسلم يهوديًا أو نصرانيًا فيقول: هذا فكاكك من النار" فاستحلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا، فحلف له، وفي لفظ ثابت أيضًا: "إن أمتي أمة مرحومة، جعل الله تعالى عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة دفع الله تعالى إلى كل رجل من المسلمين رجلاً من أهل الأديان كان فداءه من النار". قال

البيهقي: ووجه هذا عندي ـ والله أعلم ـ أن الله تعالى قد أعد للمؤمن مقعدًا في الجنة ومقعدًا في النار كما في حديث أنس، وكذلك الكافر كما في حديث أبي هريرة ـ يعني الماضيين ـ فكأن الكافر يورث المؤمن مقعده من الجنة والمؤمن يورث الكافر مقعده من النار فيصير في التقدير كأنه فدي المؤمن بالكافر. انتهى. وكذا من الآيات في هذا المعنى قوله تعالى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) وإذا علم هذا فما قاله البرماوي في شرحه للبخاري عند قوله: من باب من قال: إن الإيمان هو العمل: (أورثتموها بما كنتم تعملون) من الأمور الثلاثة التي أولها: أن الكافر الذي بكفره ماتت روحه ورث المؤمن منزله الذي لولا كفره لم يصل إليه المؤمن. ثانيها: أن الله تعالى هو المورث ذلك له مجانًا فأشبه أخذ الوارث من مورثه. وثالثها: أنه مجاز عن الإعطاء على طريقة إطلاق الكل وإرادة الجزء محتمل. ولكن الذي اقتصر عليه شيخنا رحمه الله في فتح الباري آخرها فإنه قال: (أورثتموها) أي صيرت لكم إرثا، وأطلق الإرث مجانًا عن الإعطاء لتحقيق الاستحقاق انتهى.

229 - [مسألة]

وعلى أولها يقال: إن كفر الكافر مقتضٍ لوصول ما كان له في الجنة لو أطاع إلى المؤمن .. والله الموفق. 229 - [مسألة]: في الكبير، وعنده أيضًا عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم اليوم خيرًا أم إذا غدت على أحدكم صفحة وراحت أخرى وغدا في حلة وراح في أخرى، وتكسون بيوتكم كما تكسى الكعبة؟ " فقال رجل: نحن يومئذٍ خير؟ قال: "بل أنتم اليوم خير". وكذا أخرجه الحاكم والبيهقي والبزار عن ابن مسعود قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوع في وجوه أصحابه فقال: "أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يُغذى على أحدكم بالقصعة من الثريد ويراح عليه بمثلها" قالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير؟ قال: "بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ" وللطبراني عن ابن مسعود أنه قال: أنتم أكثر صلاة، وأكثر جهادًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرًا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة. وللبيهقي في الدلائل والشعب معًا من حديث طلحة النصري

قال: قدمت المدينة مهاجرًا، وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن له عريف نزل الصفة فذكر الحيدث، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي عليكم زمان، أو من أدركه منكم يلبسون أمثال أستار الكعبة، ويغدى ويراج عليكم بالجفان" قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أو اليوم؟ قال: "بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض". وأخرجه الطبراني وغيره بدون سؤالهم إلى آخره، وكذا هو عند الطبراني عن فضالة الليثي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشكون أن من عاش منكم يغدى عليه بالجفان، ويراح، وتكسون البيوت كما تستر الكعبة". وله في الشعب من حديث جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أنتم إذا غدى عليكم بجفنة وريح بأخرى أنتم اليوم خير أم يومئذ؟ " قالوا: بل نحن يومئذ بخير قال: "أنتم اليوم خير". ومن حديث الحسن مرسلاً أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أهل الصفة يومًا

230 - وسئلت عن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية حين توفيت ابنته: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك

فذكر الحديث فقال لهم يومًا: "أنتم اليوم خير أم أنتم يوم تغدون في حلة، وترحون في حلة، وتغدو عليكم قصعة وتروح أخرى؟ " فقالوا: يا رسول الله نحن اليوم بخير، وإنا لنرى أنا يومئذ خير منا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفس محمد بيده لأنتم اليوم خير منكم يومئذ". وفي الباب عن جماعة وأصله في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ " قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا، قال رسول الله: "أو غير ذلك تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتعجلون بعضهم على رقاب بعض؟ 230 - وسئلت عن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية حين توفيت ابنته: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك"

هل الكاف في الرواية مفتوحة فيهما أو في أحدهما أو مكسورة فيهما أو في أحدهما. فقلت: هو بكسرها فيهما لأنه خطاب للمؤنث كما صرح به غير واحد من الشراح، منهم شيخنا في الأولى، والنووي في الثانية لكنه قال: خطابًا لأم عطية، يعني من باب الالتفات، والزركشي في تخريج الرافعي فيهما وهو واضح، وأقول: وبه يستشهد للغة المحكية في كون الكاف من ذلك، كذلك في الإفراد والتثنية والجمع، فإن الخطاب هنا ظاهرة في الموضعين للجمع والله الموفق.

231 - الحمد لله سئلت عن الشويك أفتحت صلحا أم عنوة؟

231 - الحمد لله سئلت عن الشويك أفتحت صلحًا أم عنوة؟ فقلت: كان صاحب الكرك في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله ونفعنا ببركاته، من شياطين الفرنج ومردتهم، ومن أشدهم عداوة للإسلام وأهله حتى أن نفسه الخبيثة حدثته بالمسير إلى المدينة الشريفة والاستيلاء عليها، وعلى تلك النواحي الطيبة، فحال بينه وبين مراده فرخشاه ابن أخي السلطان، بل وحاصره السلطان بنفسه الشريفة ومعه عساكر الإسلام وفرسانه مرة بعد أخرى صباحًا ومساء، وتناوب عليه الأمراء واحدًا بعد واحد، وأكثروا النكاية في أهله بأخذ أموالهم، وتخريب ديارهم، وتجمع المخذولون وتحزبوا وأوقاع الله في قلوبهم الرعب، وأراهم من تأييده لأهل الإسلام ما لا طاقة لهم به، فذل حينئذ كبيرهم، وخضع، وسأل في الصلح، والمهادنة وأعطى العهود في عدم الغدر فأجيب، وسارت القوافل بين الشام ومصر آمنة إلى أن لاحت لهذا اللعين فرصة فغدر وأخذ قافلة للمسلمين عظيمة، وأسر جمعًا كثيرًا من الجند وغيرهم فش ذلك على السلطان فمن دونه، خصوصًا حين قال: قولوا لمحمد: يخلصكم، وراسله السلطان بتقبيح فعله وقوله، ويتوعده إن لم يطلق الاسرى بكل مكروه فامتنع، وأصر على غيه فنذ السلطان حينئذ استباحة دمه إن ظفر به، فما كان بأسرع من تلك النصرة الهائلة التي عز بها أهل الإسلام، وذل فيها الكفرة الئام واسر ملوك الفرنج ومنهم صاحب الكرك، وآل الأمر إلى أن وفى السلطان نذره، وقتله بعد أن ذكره بذنوبه، وغدره، ونقضه العهود، وقال له: أنا الآن أنتصر منك لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكونه عرض عليه الإسلام فأباه، وبعد ذلك ذل سائر الفرنج لا سيما من هو مقيم منهم بقلعة الكرك حين رأوا من توالي الفتوحات ما لم يطرق مسمعهم مثله، وانتزعت منه الأماكن التي قهروا المسلمين بأخذها خصوصًا بيت

المقدس، وفنيت أزوادهم وذخائرهم في مدة المحاصرة بل وأكلوا دوابهم وما بقي لهم جلد على الصبر، وراسلوا الملك العادل سيف الدين أبا بكر إخلاء السلطان، وكان أخوه قد أقامه عند توجهه إلى البلاد الشمالية بتلك النواحي في جملة العساكر في بذل تسليم القلعة إليه، وطلب الأمان على أنفسهم منه، وترددت الرسل بين الفريقين بذلك إلى أن أجابهم، وأرسل إلى صهره سعد الدين كمشبغا الأسدي الذي رتبه السلطان على منازلة الكرك، ومحاصرته، يأمره بتسليمها ففعل، بل وتسلم منها ما يقاربها من الحصون كالشويك. وأضيف كلها للملك العادل وألقى الإسلام هناك جرانه، وأمنت قلوب من في ذلك الصقيع من البلاد كالقدس الشريف، فإنهم كانوا من بتلك الحصون وجلين، ومن شرهم مشفقين، وكان ذلك في اثناء سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وقبيل موت السلطان رحمه الله تعالى بيسير وذلك في رمضان سنة ثلاث وثمانين أستاذنه أخوه المذكور في المضي إلى الكرك لينقذه، فأذن له، فمضى إليه وأصلح فيه ما قصد إصلاحه، وبالجملة فلم يسلم الفرننج إلا عن عجز وغلبة ووهن، وإلا فبعد قتل السلطان صاحبه كما قدمت حضرت إليه روحه المقتول سائلة في إطلاق ولدها، مأسور عنده، فعلق ذلك على تسليم الكرك له، فامتنع الفرنج مع كونهم رعية، روحها من إجابتها حين سألتهم فيه، واستمر ولدها في الأسر، ولكن أطلق لها السلطان ما لها وأتباعها، وكان السلطان رحمة الله عليه كما قاله صاحب الكامل: كلما فتح مدينة من عكا وبيروت وغيرهما مما ذكره، أعطى أهله الأمان، يعني على أنفسهم وأموالهم كما صرح به في عكا، قال: وخيرهم بين الإقامة والظعن

232 - وسئلت عن قول ابن السمعاني في ترجمة البسطامي من أنسابه: أن ابا يزيد له حديث واحد لم يصح عنه غيره هل علم الحديث المشار إليه أم لا؟

فاختاروا الرحيل خوفًا من المسلمين وساروا عنها متفرقين، وحملوا ما أمكنهم حمله من أموالهم وتركوا الباقي، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. 232 - وسئلت عن قول ابن السمعاني في ترجمة البسطامي من أنسابه: أن ابا يزيد له حديث واحد لم يصح عنه غيره هل عُلِمَ الحديث المشار إليه أم لا؟ فقلت: الذي وقع لي من حديثه الآن حديث أورده الرشيد العطار في ترجمة شيخه عمر بن أمير ملك الموصلي من معجمه مما رواه عن السلفي عن أبي علي البرداني عن أبي المظفر هناد بن إبراهيم النسفي عن أبي سهل محمد بن أحمد بن عدب الله الأسداباذي عن يوس بن محمد بن بندار الزاهد عنه حدثنا محمد بن فارس البلخي حدثنا حاتم الأصم حدثنا شقيق بن إبراهيم عن إبراهيم بن أدهم عن مالك بن دينار عن أبي مسلم الخولاني عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، وكان الاثنان أحب إليكم من واحد لم تبلغوا الاستقامة". قلت: لم ينفرد به أبو يزيد، فقد رواه أبو القاسم ابن الحافظ أبي عبد الله بن منده، ومن طريقه الديلمي في مسنده قال: أخبرنا أبي

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الرازي في كتابه، حدثنا محمد بن فارس أبو عدب الله البلخي فذكره، والرازي هذا، يظهر لي أنه ابن أبي حاتم الحافظ، لكن وقع في معجم الرشيد العطار بدله عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي وفيه نظر، بل قال الرشيد العطار: إنه كتبه من طريق البلخي من غير وجه. والبلخي هذا ذكره الذهبي في ميزانه وقال: إنه لا يعرف وقد أتى بخبر باطل مسلسل بالزهاد وعني هذا الحديث والله الموفق. وكذا وقع لي حديث آخر، رواه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الخبري الفيروزآبادي في كتاب له سماه: "دلائل المنتهج إلى معالم المعارف ورسالة المبتهج إلى عوامل العوارف" عن السلفي بالسند الذي قبله إلى أبي يزيد البسطامي حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي حدثنا عاصم بن عبيد الله حدثنا عبد العزيز أبو خالد عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رفعه: "إن السخاء شجرة في الجنة" الحديث. وهذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم في الحلية ومن طريقه ابن الجوزي في الموضعات والديلمي في مسنده من طريق أحمد بن الخطاب التستري عن الخوارزمي المذكور، وأعله الجوزي بعبد العزيز

وقال: إنه تفرد به عن الثوري وقد كذبه ابن معين. وفي الباب عن جماعة من الصحابة، وإيراده للحديث في الموضوعات فيه نظر، وبالجملة فقول ابن السمعاني "لم يصح عنه غيره" محتمل، بل هو الظاهر إرادة صحة روايته لولا أنه حديث صحيح. والله المستعان.

233 - حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها

233 - حديث: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". أخرجه الحاكم في المناقب من مستدركه والطبراني في معجمه الكبير وأبو الشيخ ابن حيان في كتابه السنة له وغيرهم، كلهم من حديث أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهدعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وبزيادة: "فمن أراد العلم فليأت الباب" ورواه الترمذي في المناقب من جامعه وأبو نعيم في الحلية وغيرهما من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا دار الحكمة وعلى بابها". قال الدارقطني في العلل عقب ثانيهما: إنه حديث مضطرب غير ثابت، وقال الترمذي: إنه منكر، وكذا قال شيخه

البخاري وقال: إنه ليس له وجه صحيح. وقال بن معين فيما حكاه الخطيب في تاريخ بغداد: إنه كذب لا أصل له، وقال الحاكم عقب أولهما: إنه صحيح الإسناد. وأورده ابن الجوزي من هذين الوجهين في كتابه الذي أفرده للأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافقه الحافظ الذهبي وغيره على ذلك، وإلى هذا أشار ابن دقيق العيد بقوله: هذا الحديث لم يثبتوه، وقيل: إنه صرح الحافظ صلاح الدين العلائي بالتوقف في الحكم عليه بذلك فقال: وعندي فيه نظر، بل بين ما يشهد لكون أبي معاوية راوي حديث ابن عباس حديث به فزال المحذور ممن هو دونه قال: وأبو معاوية ثقة، حافظ، محتج بأفراده كابن عيينة وغيره، فمن حكم على الحديث مع ذلك بالكذب فقد أخطأ. قال: وليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو كحديث أخرجه الترمذي وقال: إنه حسن صحيح، وصححه ابن

حبان، وغيره من حديث أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل" وهو صنيع معتمد فليس هذا الحديث بكذب، خصوصًا وقد أخرج الديلمي في مسنده بسند ضعيف جدًا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي بن أبي طالب باب حطة، من دخل فيه كان مؤمنًا، ومن خرج منه كان كافرًا"، ومن حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان،

وبغضه نفاق والنظر إليه رأفه" وأورد صاحب الفردوس وتبعه ابنه المذكور بلا إسناد، عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها" وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا مدينة العلم، وعلي بابها، ومعاوية حلقتها" وبالجملة فكلها ضعيفة. وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حسن. وقد روى الترمذي أيضًا والنسائي وابن ماجه وغيرهم من حديث حبشي بن جنادة رضي الله عنه مرفوعًا: "على مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا أو علي" انتهى. وليس في هذا كله ما يقدح في إجماع أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق،

أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما. وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نقول ورسوله الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان، فيسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره". بل ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم رجل آخر. فقال ابنه محمد بن الحنفية: ثم أنت يا أبه، فكان يقول: "ما أبوك إلا رجل من المسلمين. رضي الله عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين.

234 - وسئلت عن حديث: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله

234 - وسئلت عن حديث: "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله". فقلت: لم أقف عليه مرفوعًا، ولكن قد وقع كذلك في موضعين من الإحياء أولهما: في شفقة التاجر على دينه من البيوع. وثانيهما: في ما يحل من مخالطة السلاطين، وكذا ذاكره الزمخشري في هود من كشافه وقال مخرج كل منهما: لم نجده مرفوعًا، وقد ذكره الغزالي في آفات اللسان من الإحياء أيضًا عن الحسن البصري من قوله وهو الصواب، فهو كذلك عند ابن أبي الدنيا في الصمت له والبيهقي في السادس والستين من الشعب كلاهما من حديث يونس بن عبيد عنه وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق يوسف بن أسباط قال: قال سفيان الثوري: من دعا لظالم وذكر مثله، بل عنده عن الثوري أيضًا أنه قال: النظر إلى وجه الظالم خطيئة. وإني لأعرف الرجل من تسليمه

على أهل الدنيا. وقال أيضًا: قال عيسى بن مريم عليه السلام: تقربوا إلى الله تعالى ببغض أهل المعاصي، والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم، قالوا: فمن نجالس؟ قال: من يذكركم بالله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله، ويزيد في فهمكم منقطه. وعن الثوري أيضًا أنه قال: إنه لا خير في القارئ يعظم أهل الدنيا. وروى ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلي والبيهقي في الشعب وغيرهم بسند ضعيف، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق". وروى ابن عدي من حديث عائشة، والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلبة من حديث عبد الله بن بسر بأسانيد ضعيفة، بل قال ابن الجوزي: كلها موضوعة مرفوعًا: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان

235 - وسئلت عن بشارة بحيرا بالنبي صلى الله عليه وسلم أكانت صادرة عن إيمانه به أم لا؟ وهل مات قبل البعثة؟

على هدم الإسلام". وأورده الغزالي بلفظ: "من أكرم فاسقًا فقد أعان على هدم الإسلام"، وروى ابن ماجه بسند ضعيف عن أبي هريرة رفعه: "شرار العلماء الذين يأتون الأمراء" زاد الغزالي: "وخيار الأمراء الذين يأتون الععلماء" والله الموفق. 235 - وسئلت عن بشارة بحيرا بالنبي صلى الله عليه وسلم أكانت صادرة عن إيمانه به أم لا؟ وهل مات قبل البعثة؟ فقلت: القصة المشار إليها كانت حين ظهور النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب حين خرج في ركب تاجرًا إلى الشام وكان له إذ ذاك اثنتا عشرة سنة، وليس فيها التصريح بإيمان به، وإنما الذي فيها: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم. نعم، يروى بسند ضعيف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، وهم

236 - سئلت عن حديث ما عزل من ولي ابنه

يريدون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلاً فيه سدرة قعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى بحيرا يسأله عن شيء فقال له: من هذا الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال: هذا والله نبي، ما استظل تحتها بعد عيسى إلا محمد، ووقع في قلب أبي بكر، فلما بُعث نبي الله صلى الله عليه وسلم اتبعه. وأصرح من هذا ما في "شرف المصطفى" لأبي سعد النيسابوري أنه صلى الله عليه وسلم مر ببحيرا أيضًا لما خرج في تجارة خديجة رضي الله عنها ومعه ميسرة وأن بحيرا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت العلامات فيك كلها، إلا خاتم النبوة فاكشف لي عن ظهرك وأنه كشف له عن ظهره فرآه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، النبي الأمي الذي بشر به عيسى بن مريم. وبالجملة فقد قال شيخنا رحمه الله: ما أدري أدرك البعثة أم لا، بل جزم في موضع آخر بأنه لم يدركها وهو ممكن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولكن هل ينطبق عليه تعريف الصحابي؟ فيه احتمال إن قلنا يكفي كونه مؤمنًا به أنه سيبعث فنعم وإن قلنا: إنه لابد من رؤيته له بعد البعثة والإيمان به، فلا. والله الموفق. 236 - سئلت عن حديث "ما عُزِلَ مَن ولي ابنه".

فقلت: إنه لا أصل له، ولكن حديث ابن عمر رضي الله عنهما في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مختبرًا لهم عن تعيين الشجرة التي لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، وأن ابن عمر وقع في نفسه أنها النخلة، ولكنه ترك الجواب استحياء ممن هو أكبر منه، ثم تبين مطابقة ذلك الواقع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة". وقول أبيه عمر بن الخطاب لما أعلمه ابنه رضي الله عنه بذلك: لأن يكون قلتها أحب إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا أحسبه قال: حمر النعم. في دلالة لمحبة ظهور فضيلة الولد في الفهم من صغره، وحذقه لا سيما وهو بذلك يزداد حظوة من العلم بحيث يجرى شموله بدعائه له بالبركة، والزيادة في الفهم، والانتفاء بذلك لجريان كل ما يصدر عنه من خير، في حسناته إذ الولد كما صح من كسب

أبيه. وربما يكون باعثًا لذكره بالخير حيًا وميتًا. وقد روينا عن مالك رحمه الله في قوله عز وجل: (وإن لذكر لك ولقومك) قال: هو قول الرجل: حدثني أبي عن جدي. ومن ثم أثنى شيخ الإسلام التقي السبكي على دروس ولده الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد بقوله: دروس أحمد خير من دروس علي ... وذاك عند علي غاية الأملي بل ودون عنه من مباحثه وإنشائه.

وكذا كان شيخ الإسلام السراج البلقيني ينوه بذكر ولده القاضي جلال الدين في المجالس، ويستحسن جميع ما يرد منه، ويحرض الطلبة على الاشتغال عليه، ويكتب تحت خطه في الأجائز والفتاوى وغيرها، وروى عنه فقال: سمعت ولدي أبا الفضل جلالالدين ينشد لما جئنا نعزي الملك الظاهر بولده محمد مخاطبًا بقوله: أنت المظفر حقًا ... وللمعالي ترقى وأجر من مات تلقى ... تعيش أنت وتبقى قال الوالي العراقي وهو حاكيها: فقلت للسراج: أروي هذا عنك عن ولدك؟ فقال: نعم. والولي هذا ممن أثنى والده شيخ الإسلام الزين العراقي على دروسه أيضًا فقال مقتفيًا من تقدم: فدروس أحمد خير من دروس أبه ... وذاك عند أبيه منتهى إربه وروى عنه أيضًا، فقال لنا شيخنا رحمه الله مما سمعته منه غير مرة: سمعت من شيخنا الزين العراقي يقول: سمعت ابني أبازرعة يقول: لا أعلم حديثًا أشمل للثواب أصح من حديث: "من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، ودنا وأنصت، كان له بكل خطوة يمشيها كفارة سنة ..

الحديث". وكان قاضي القضاة شمس الدين ابن الدبري يقول: كما سمعته من الثقة عنه: ابني سعد أفقه مني وذلك من كلهم للوثوق بأبنائهم في عدم الزهو بذلك، والرغبة في الازدياد من الخير، وأعلى من هذا محبة غير واحد من الأكابر تلبس أبنائهم بالوظائف الدينية في حياتهم، والولايات في المعنى إنما هي للآباء لما أمر به المرء من المشاورة التي الأولى فيما الأب إذا كان تام العقل والخبرة بالأحوال والرجال بالتجارب وغيره وحينئذٍ فقد اجتمع رأي الولد والوالد ونشأ عن ذلك المصالح، فقال التقي السبكي في سنة اثنتين وخمسين: خلع علي ابني أحمد تشريف صالحي لكونه مفتي دار العدل، ولما ولي القاضي جلال الدين البلقيني القضاء الأكبر، وكان ذلك في حياة والده سر الأب بذلك كثيرًا وقال: إنه ساع له البذل فيه لكونه تعين عليه، واتفق ولايته قبل ذلك تدريس الشافعي وولاية ابنه بدر الدين قضاء العسكر وولاية ابنه الآخر جلال الدين توقيع الدست في

237 - مسألة: هل يعد رائي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على غير صفته راء له أم لا؟ وهل في الرائي شرط أم لا؟

يوم واحد، وسر كل من منهم بالآخر، وعندي في هذا المعنى ما يطول شرحه. وبالله التوفيق. 237 - مسألة: هل يعد رائي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على غير صفته راء له أم لا؟ وهل في الرائي شرط أم لا؟ ورد في ذلك حديث سنده ضعيف عن أبي هريرة رفعه: "من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل صورة". وهذه الرواية ليست في شيء من الصحاح، ولذلك كان الإمام ابن سيرين فيما صح عنه يقول لمن يخبره برؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره. بل في مستدرك الحاكم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: صفه لي، فذكر شبهه لحسن بن علي فقال: قد رأيته. ولكن الذي صححه النووي أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها زاد غيره: إنها فيما إذا كانت على صفته لا يحتاج الرؤيا إلى تعبير بخلاف التي على غير صفته فهي مما يحتاج إلى التعبير. وكذا قال شيخنا: الذي يظهر أن المراد من رآني في المنام

على أي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه قد رأى الحق التي هي من الله، لا الباطل الذي هو الحلم، فإن الشيطان لا يتمثل بي، والإسلام شرط في الرؤيا المنسوبة إلى أجزاء النبوة، بل قال بعض العلماء: إن رؤية الفاسق وكذا المخلط لا تعد ي أجزاء النبوة، ولو صدقت رؤياهم أحيانًا، فذاك كما يقال: قد يصدق الكذوب، وعلى كل حال فأصدق المسلمين رؤيا اصدقهم حديثًا، ورؤيا الأضغاث لهم نادر، لقلة تمكن الشيطان منهم بخلاف عسكهم، فإن الصدق في رؤياهم نادر، لغلبة تسلط الشيطان عليهم.

238 - مسألة أخرى

238 - مسألة أخرى: وأما ما يفعله كثيرون من إهداء الزيت والشمع ونحو ذلك إلى المساجد والزوايا ونحوها، فالظاهر أنهم إنما يقصدون بذلك ما يرجع لمصالحها من استصباح وفرش، وكنس وشبهه، وقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المهدي إلى المساجد من زيت أو شمع إن صرح المهدي بأنه نذر، وجب صرفه إلى جهة النذر، ولا يجوز بيعه، وإن أفرط في الكثرة، وإن صرح بأنه تبرع لم يجز التصرف فيه إلا على وفق إذنه، وهو باقٍ على ملكه، فإن طالت المدة وعُرف أن باذله مات فقد بطل إذنه، ووجب رده إلى وراثه، فإن لم يعرف له وارث صرف في مصالح المسلمين وبالله التوفيق.

239 - الحمد لله وسئلت بماذا يستفتح به الدعاء عقب الصلاة، أبالتسمية أم بالحمد؟

239 - الحمد لله وسئلت بماذا يستفتح به الدعاء عقب الصلاة، أبالتسمية أم بالحمد؟ فقلت: السنة أن يفتتح دعاءه عقب الصلاة وغيرها بحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رواه أبو داود في «سننه» من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء». وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم، وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط مسلم، وفي موضع آخر على شرطهما، ولا أعرف له علة. وفي لفظ عند بعضهم: «بتحميد الله والثناء عليه». وفي آخر: «فمجد الله وحمده». وفي لفظ للترمذي وغيره: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا إذ دخل

رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله، ثم صل عليه ثم ادعه" قال: ثم صلي رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها المصلي ادع تجب" وفي رواية: "سل تعطه". وقد أورده النووي في آخر الترجمة التي عقدها للأذكار بعد الصلاة من أذكاره. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، وفي رواية: ببسم الله فهو أقطع" وكأنه أريد بالحمدلة والبسملة ما هو أعم منهما وهو ذكر الله تعالى، والثناء عليه على الجملة بصيغة الحمد أو غيرها، وتؤيده رواية ثالثة لفظها: "بذكر الله". وحينئذٍ فالحمد، والذكر، والتسمية سواء، فمن ابتدأ بواحد منها حصل المقصود من الثناء على الله. وفي بعض طرق هذا الحديث: بحمد الله عليَّ. كما بينت كل ذلك في جزء مفرد في الكلام على هذا

الحديث. وبما قررناه في حصول المقصود بواحد مما ذكر، يجاب عن الأحاديث التي وردت في دعائه صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة، وليس فيها التصريح بالبداءة بالحمد، ولا بالتسمية، وكذا عن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "أوصيك يا معاذ بكلمات لا تدعهن في دبر كل صلاة" أن تقول: "رب أعني على شكرك، وذكرك وحسن عبادتك" لأن أكثرها مسبوقة بأذكا، أو يجاب عنها بالاكتفاء بما ابتدأ به الصلاة من التكبير، ودعاء الاستفتاح، والحمد، أو بأنه لجواز البيان. نعم، يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم يقول: "بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الله أذهب عني الهم والحزن" وفي لفظ: كان إذا صلى، وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال: "بسم الله الذي لا إله غيره، الرحمن الرحيم اللهم وذكره".

240 - الحمد لله وسئلت: عن ورقة ومن نفى إيمانه أو صحبته متمسكا بقول من لم يشتهر بعلم، وصمم على ذلك، أهو صحيح، وماذا يلزمه؟

وفي حديث لجابر رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقول خلف كل صلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، أنت إليه لا إله إلا أنت". ولابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال: "لا إله إلا الله وحده لا شيرك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وعن عائشة رضي الله عنها بنحوه. وفي تخريج هذه الأحاديث، واستيفاء ما يشبهها طول حصل الغرض بدونه، وبالجلمة فالأكمل الابتداء بالحمد، أو ما قوم مقامه مما فيه تمجيد وثناء عملاً بحديث فضالة، وإن كان أصل السنة حاصلاً بمجرد الذكر. وبالله التوفيق. 240 - الحمد لله وسئلت: عن ورقة ومن نفى إيمانه أو صحبته متمسكًا بقول من لم يشتهر بعلم، وصمم على ذلك، أهو صحيح، وماذا يلزمه؟

فقلت: قد أقر ورقة رضي الله عنه بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم بقول: هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني يها جذعًا، وليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، وي آخر القصة: " ... ثم لم ينشب ورقة أن توي". قال شيخنا رحمه الله: وهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام، فيكون مثل بحيرا، وفي إثبات الصحبة له نظر. هذا مع أنه قد ذكره في الصحابة الطبري والبغوي، وابن قانع وابن السكن، وآخرون، وشاهدهم ما تقدم، فإنه آمن به بعد النبوة، وأصرح منه ما جاء عن عمرو بن شرحبيل وهو من كبار التابعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها: "إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت على نفسي" فقالت: "معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة ... الحديث". فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك نبي

مرسل، وإنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، وإن يدركني ذلك لأجاهدن معك، فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت القس في الجنة، عليه ثياب الحرير، لأنه آمن بي وصدقني". وهو منقطع ولكن يعتضد بمرسل جيد عن عروة ابن الزبير لفظه: كان بلال رضي الله عنه لجارية من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك، فيقول: أحد أحد، فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد أحد، يا بلال! والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا. وهو كما قال شيخنا: يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال. وحينئذ فقوله فيما تقدم: "ثم لم ينشب" أي قبل أن يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد انتهى. على أن ظاهر صنيع شيخنا في شرح النخبة، اختصاص التوقف بمن لم يدرك البعثة فإنه قال: وقد عرف الصحابي بأنه من لقى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به إلى آخره، أن قوله به يخرج من لقيه مؤمنًا لكن بغيره من الأنبياء، ولكن هل يخرج من لقيه مؤمنًا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة، فيه نظر، وبتأييد صنيعه هنا بمغايرته بين بحيرا

241 - الحمد لله وسئلت عن إمام لغير محصورين يقول في الرفع من ركوع ثانية الصبح: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فيقول المبلغون: ربنا لك الحمد ويمطوا بها لتبلغ مدى أصواتهم من بعد عنهم، لسعة المساجد، فإذا فرغوا أتى بقنوت الصبح المعروف وذيله بقوله الملح

وورقة، فذكر بحيرا في القسم الرابع من كتابه في الصحابة، لكونه كان قبل البعثة، وذكر ورقة في القسم الأول منه لكونه إن لم يكن بعد الدعوة، كان بعد النبوة، وإذا كان كذلك فلا يليق الجزم بنفي صحبته، وأما نفي كونه مؤمنًا فجهل صريح، ويمنع قائله فإن أصر أدب وإن قال ابن عنده: إنهم اختلفوا في إسلامه. ويروى مما هو ضعيف: أنه مات على نصرانيته فقد قال النووي رحمه الله: أن ما صدرت به جوانبي هذا ظاهر في إسلامه واتباعه، وتصديقه. قلت: وهو المعتمد ولا يجوز الاعتماد على غير أهل العلم، بل يخص كل عالم بالسؤال عما عرف به، ومن ادعى ما لم يعلم كذب فيما علم. وللحديث رجال يغرفون به، وللدواوين كتاب وحساب، والمسألة محتملة للبسط أكثر ولكن أرجو حصول الغرض بهاذ. والله الموفق. 241 - الحمد لله وسئلت عن إمام لغير محصورين يقول في الرفع من ركوع ثانية الصبح: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فيقول المبلغون: ربنا لك الحمد ويمطوا بها لتبلغ مدى أصواتهم من بعد عنهم، لسعة المساجد، فإذا فرغوا أتى بقنوت الصبح المعروف وذيله بقوله الملحن: اللهم لا تهلكنا بغضبك، ولا تقتلنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه، فقيل له: إن تلك الزيادة لم ترد في القنوت، فصمم عنادًا، مع أن في المأمومين من يتضرر بذلك، فهل هو آثم، خارج بذلك عن العدالة أم لا؟

فقلت: انتظار الإمام للمبلغين والحالة هذه، إما أن يكون فيه ساكتًا، أو قالاً: أهل الثناء أو ملء السماوات، وعلى كل حال فهو غير لائق خصوصًا وهو ركن قصير، وسواء الصبح في ذلك أو غير لائق خصوصًا وهو ركن قصير، وسواء الصبح في ذلك أو غيره، لكنه في الصبح أكد، لأنه بانضمام ألفاظ القنوت إليه يطول، وهو فيما قاله الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الفركاح في "الإقليد": إن لم يكن مبطلاً فلا شك في كراهته قال: وإن كان عمل الأئمة غالبًا منهم لا يستكملون ذكر الاعتدال إلا مع القنوت، فذلك جهل منهم بفقه الصلاة، بل قال ابنه الشيخ برهان الدين إبراهيم: إنه لا ينبغي أن يؤخر الإمام الشروع في القنوت عن: ربنا لك الحمد، وإن آثر المأمومون التطويل، قال: لأني قد تصفحت الأحاديث، فلم أجد ما يقتضي التأخير عنه، ولم أر نقلاً صريحًا أن الإمام يزيد هنا على "ربنا لك الحمد" ولا يعارضه الحديث الصحيح الذي فيه الزيادة.

فإنه ليس فيه ذكر القنوت وهي حكاية لا عموم لها، فتحمل على غير حالة القنوت، جمعًا بين الأحاديث، ثم حكى عن تهذيب البغوي أن الشافعي ذهب إلى أنه يقنت في الصبح إذا فرغ من قوله: "ربنا لك الحمد" إلى آخره يعني وهو قوله: "من شيء بعد" أو: "لا ينفع ذا الجد منك الد" وإذا علمت كلام ابني الفركاح فيما هومأثور في الجملة، فما زاده هذا الإمام بذلك أحرى، لأنه لم يرد في هذا المحل كما قاله المرشد، ولكن عند سماع الرعد والصواعق، ولفظه عند البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه والنسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم في مستدركه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك". وكذا أخرجه ابن السني عن أبي يعلي وفي لفظ للنسائي أيضًا: إذا سمع الرعد والروق قال: "اللهم لا تقتلنا غضبًا ولا تقتلنا نقمة، وعافنا قبل ذلك" ولفظ الطبراني في الدعاء: "اللهم لا تهلكنا

بشيء من عذابك وعافنا قبل ذلك" وأما: اللهم اكشف عنا من البلاء إلى آخره، فهو في الاستسقاء، وإيراد ذلك بدعة ابتدعها هذا الإمام، ينشأ عنها مع ما تقدم من انتظاره فراغ التمطيط إطالة هذا الركن القصير، وتضمنه إطالة القنوت مع التصريح بكراهته، بل في البطلان بذلك احتمال للقاضي حسين: منشاؤه أنها قومة قصيرة كبين السجدتين. ومن ثم توقف بعض محققي المتأخرين، ممن أخذنا عن من لقيه في ضم قنوت عمر إلى هذا، وإن صرحوا بندبه لمنفرد أو لإمام لمحصورين يؤثرون التطويل، ووراء هذا مفسدة أخرى، وهي أن كثيرًا من العوام ممن يدرك الإمام منتصبًا للقنوت، يحرم ثم يركع، ثم يقف مع الإمام ويعتد بذلك الركعة، فإذا طال القنوت كان أشد في انتشار المفسدة، ولذلك كان شيخنا رحمه الله، يخففه جدًا مع الإتيان به سرًا، وإذا علم الإمام تضرر بعض المأمومين بذلك، أو ذهاب خضوع بعضهم بالمبالغة في الألحان الموضوعة المخلة، وتمادى في ذلك فهو آثم لا سيما إن كان بعد علمه، وكون إصراره على وجه العناد، بل هو فاسق بذلك، مردود الرواية والشهادة، وبالله التوفيق.

242 - وسئلت عن كيفية ضرب الصراط، أهو ممدود كما يدل له تسميته بالجسر، أو منصوب كارتفاع العمود كما زعمه بعض الطلبة، وأنه وقف على القول به. وما المراد بالدحض والحسك وهل قول أبي سعيد: بلغني أن الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، موقوف أو مرفوع. وإذا كان م

242 - وسئلت عن كيفية ضرب الصراط، أهو ممدود كما يدل له تسميته بالجسر، أو منصوب كارتفاع العمود كما زعمه بعض الطلبة، وأنه وقف على القول به. وما المراد بالدحض والحسك وهل قول أبي سعيد: بلغني أن الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، موقوف أو مرفوع. وإذا كان مرفوعًا فهل هو على ظاهرة أو مؤول؟ وأطال السائل في بسط السؤال. فقلت: أما كيفية ضرب الصراط ـ أعاننا الله على اجتيازه ـ فقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله كما رويناه في ترجمته من تاريخ دمشق لابن عساكر: بلغنا أن الصراط مسيرة خمس عشرة ألف سنة، خمسة آلاف صعود، وخمسة آلاف هبوط، وخمسة آلاف مستوى، أدق من الشعرة وأحد من السيف، على متن جهنم، لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله. وبكى الفضيل. وعند ابن أبي الدنيا من طريق محمد بن صبيح ابن السماك الواعظ، عصري الفضيل عن بعض الزهاد أنه قال: بلغني أن الصراط ثلاثة آلاف سنة: ألف سنة يصعد الناس إليه، وألف سنة يستوي الناس، وألف سنة يهبط الناس، وهما معضلان، يعتضد أحدهما بالآخر، واختلافهما في المسافة، يمكن الجمع بينه من جهة البطء والإسراع، فأمر الناس في ذلك مختلف، فمنهم كما ثبت من يمر كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكالفرس المجرى، وسعيًا، ومشيًا، وحبوًا، وزحفًا. لكن قد يخدش في أن له مهبطًا، رواية من جهة يزيد الرقاشي وليس بقوي عن أنس رفعه: "إن أعلى الصراط نحو الجنة" وتتأيد بأنه يكون

منصوبًا على وسط جهنم لعبور المسلمين إلى الجنة كما أشار إليه البخاري، حيث ترجم في صحيحه: "باب الصراط جسر جهنم" إلا أن يكون المراد بكون أعلاه الجنة، تعيين مطلق جهتها، لا المساواة، وإليه يرشد التعبير بنحو، ولكن كون الجنة أعلى من النار أقرب، وما ثبت في الصحيح من رؤية أهل الجنة لمقاعدهم من النار، لو أساءوا ليزدادوا شكرًا، وعكسه، لا يمنع ذلك، مع أنه ثبت بسند صحيح أن ذلك يقع عند المساءلة في القبر وعلى كل حال فالحق أن الصراط يمد على جهنم مدًا، وما قاله هذا المخالف لم أقف على ما اعتمده فيه، وهو تكلف، ولعل قائله اشتبه عليه بالذي أسلفته في الصعود إليه به. وأما الدحض، فهو الزلق يقال: مكان دحض أي مزلق مزلق، لا يثبت فيه خف ولا حافر، ومنه: دحضت الشمس أي مالت، وحجة داحضة لا ثبات لها، (ليدحضوا به الحق) أي ليزيلوا. والخطاطيف: جمع خطاف، ويقال لها الكلاليب جمع كلوب، بفتح الكاف وضم اللام المشددة: هي الحديدة المعوجة الرأس، يختلف بها الشيء. والحسكة: شوكة صلبة معروفة، وقد جاء في الصحيح:

"وحسكة لها شوكة تكون بنجد، يقال لها: السعدان: نب ذو شوك عظيم، وتكون هذه بجانبي الصراط يمينًا وشمالاً" قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في حديث: "حفت النار بالشهوات" فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار، لأنها خطاطيفها. انتهى. ويستأنس له بقوله في بعض الأحاديث: "وترسل الأمانة والرحم، فيقومان ـ يعني لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما ـ جنبتي الصراط، يعني فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل" ولا مانع من تجسيد كل ذلك بالآيات المذكورة التي ورد في بعض الأخبار أنها من نار، ويكون بأيدي الملائكة يختطفون بها من شاء الله، نسأل الله السلامة. وأما قول أبي سعيد: "بلغني" فالصحابي رضي الله عنه إذا قال شيئًا مما لا مجال للرأي فيه كوصف الصراط بما تقدم حكمه الرفع على الصحيح، بل ألحق بعضهم التابعي بالصحابي في ذلك، لكن مع الحكم فيه بالإرسال، كما إذا أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحًا وهذا الحكم في الصحابي فيما يظهر، جار فيما يقول فيه أيضًا: بلغني، واستثناء من كان من الصحابة يأخذ عن أهل الكتاب من ذلك كله، ليس بجيد، فإنه يبعد أن الصحابي المتصف بذلك يسوغ فكأنه شيء من الأحكام الشرعية ونحوها

مما لا يقال رأيًا مستندًا لذلك من غير عزو مع علمه بما وقع فيه من التبديل والتحريف، وكون توجهه إنما هو لنقل الشريعة المحمدية كما بينته واضحًا بدلائله في كتابي: "الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل". وعلى كل حال، فنقل أبي سعيد المشار إليه قد ورد تصريح الرفع عن غيره، من طرق متعددة، يقوي بعضها بعضًا، بل أورد الحاكم في مستدركه على الصحيحين بعضها، فأخرج البيهقي وابن المبارك وابن أبي الدنيا وغيرهم جميعًا من حديث عبيد بن عمير رفعه مرسلاً: "الصراط على جهنم مثل حرف السيف" وكذا أخرج البيهقي وشيخه الحام عن ابن مسعود مرفوعًا: "والصراط كحد السيف" والبيهقي وحده من حديث زياد النميري عن أنس مرفوعًا: "الصراط كحد الشعرة أو حد السيفط. ومن حديث يزيد الرقاشي عن أنس رفعه أيضًا: "إنه أدق من

الشعرة، أحد من السيف" ولأبي يعلي وابن منيع في مسنديهما عن أبي هريرة مرفوعًا: "الصراط كحد السيف". ولأحمد بن حنبل في مسنده من حديث القاسم عن عائشة في حديث مرفوع أصله عن أبي داود من حديث الحسن البصري عنها: "ولجهنم جسر، أدق من الشعر، وأحد من السيف" ولابن أبي الدنيا من حديث رجل من كندة عنها مرفوعًا في حديث: "أن الصراط يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف، ويسجر حتى يكون مثل الجمرة". ومن حديث أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه قال: يوضع الصراط يوم القيامة وله كحد الموس. وحكمه الرفع، وحينئذٍ فقول البيهقي: لم أجده في الروايات الصحيحة وإنما يروى عن بعض الصحابة مشيرًا بذلك إلى حديث أبي سعيد الخدري يعتمد ظاهره في نفي الصحة وخاصة مع إمكان النزاع ي ذلك، بموقوف أبي سعيد، الذي الظاهر أن له حكم الرفع كما تقدم.

243 - وسئلت عن ألفاظ الروايات في جوامع التسبيح

243 - وسئلت عن ألفاظ الروايات في جوامع التسبيح. فقلت: جوامع التسبيح والتحميد قد جاءت بألفاظ مختلفة عن جماعة من الصحابة منهم: أم المؤمنين جويرية ابنة الحارث رضي الله عنها وحديثا جاء بألفاظ، فمنها: "سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضي نسه وزنه عرشه ومداد كلماته" ومنها: "سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضي نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سحبان الله مداد كلماته". ومنها كذلك، لكن بلفظ: "فسبحان الله عدد ما خلق" وكالذي قبله أيضًا لكن مع تكرير كل تسبيحة ثلاثًا إما بإعادة لفظها، أو بقوله: في كل واحدة ثلاثًا، أو في آخرهن: "يقولهن ثلاثًا"، واتفقوا كلهم على تقديم "رضي نفسه" على "زنة عرشه" إلا أحمد وأبا يعلى وابن حبان فبالضد. وكذا لم يقع ثلاثًا في مداد كلماته عند الطبراني في النسخة التي وقفت عليها، ويجوز أن يكون سقط منها. ومنهم: ابن عباس رضي الله عنهما وهو إما أن يكون من مراسليه

فإن حديث جويرية من روايته عنها، وإما أن يكون مما سمعه والأول أظه، وهو أيضًا بألفاظ: منها: كالأول، لكنه عند "سي" بزيادة: "ولا إله إلا الله" قبل "عدد ما خلق"، ومنها: كالثاني مع قوله: في كل تسبيحة ثلاث مرات، إلا أنه سقط من: "زنة عرشه". ومنها: "سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحانه الله مداد كلماته، والحمد لله كذلك". ومنهم: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأبهم في حديثه التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال بلفظ: "سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل والحمد لله مثل ذلك: ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك". ومنهم أم المؤمنين صفية ابنة حيي رضي الله عنها. وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها كجويرية لكن بلفظ: "سبحان الله عدد خلقه" فقط وفي لفظ:

"سبحان الله عدد ما خلق من شيء" وفي لفظ للخلعي: "سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء". ومنهم أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه وأنه صلى الله عليه وسلم مر به أيضًا، ولفظه: "سبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في الأرض والسماء وسبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء". وتقول: "الحمد لله مثل ذلك" وفي لفظ: "الحمد لله عدد ما خلق والحمدلله عدد ما في السموات والأرض، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء وسبحان الله مثلهن". وفي آخر: "الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في السماء والأرض، والحمد لله ملء ما في السماء والأرض، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء". قال: وتسبيح الله مثلهن: وكذا هو عند أحمد بجمع السماوات

في الموضعين، وفي: «الحمد لله عدد ما خلق والحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء وسبحان الله عدد كل شيء» وفي آخر: «الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد ما في كتابه، والحمد لله عدد ما أحصى خلقه، والحمد لله ملء ما في خلقه، والحمد لله ملء سمواته وأرضه». والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء»، وتسبح مثل ذلك. وتكبر مثل ذلك. وفي آخر: «الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد: ما في السموات وما في الأرض والحمد لله ملء ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل شيء». ويسبح الله مثلهن. ومنهم: أبو الدرداء رضي الله عنه وأنه صلى الله عليه وسلم رآه وهو يحرك شفتيه ولفظه: «سبحان الله عدد ماخلق، سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء ما أحصى كتابه والحمد لله عدد ما خلق والحمد لله ملء ما خلق والحمد لله ملء ما أحصى كتابه». فهذا ما علمته الآن، وبالجملة فأصحها أولها، فإما أن يقتصر المسبح عليه أو يستعمل كل رواية على حده إن اختار العمل بهذه الروايات ولا يضره ما في بعضها من ضعف، فهو مما يعمل به في الفضائل والترغيبات لوجود شروط العمل فيه. وفي بسط ذلك واستيفاء بقية الروايات التي يغلب على الظن عدم حصرها فيما ذكر طول يضيق الوقت عن إفراغ الوسع له لا سيما إن كان القصد بالسؤال مجرد التعنت وبالله التوفيق.

244 - الحمد لله وسئلت عما عزاه بعضهم للصحيحين بلفظ: أيما رجل أغلق بابه على امرأة وأرخى أستاره فقد تم صداقها. مما نقل صاحب الغريبين في ضبطه عن شمر: أن الإستارة بالكسر من الستر قال: ولم نسمعه إلا في هذا الحديث وقال بعض أهل التأويل: لو روى أستارة بال

244 - الحمد لله وسئلت عما عزاه بعضهم للصحيحين بلفظ: "أيما رجل أغلق بابه على امرأة وأرخى أستاره فقد تم صداقها". مما نقل صاحب الغريبين في ضبطه عن شمر: أن الإستارة بالكسر من الستر قال: ولم نسمعه إلا في هذا الحديث وقال بعض أهل التأويل: لو روى أستارة بالفتح جمع ستر لكان حسنًا ولكن الرواية بالكسر. فقلت: ليس هذا في الصحيحين اجتماعًا ولا انفرادًا بل ولا علمته بهذا اللفظ مرفوعًا في غيرهما من كتب الحديث، ولكن ورد في الباب عن عمر وعلي، والخلفاء الراشدين، وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم، وعن غيرهم ممن بعدهم. فأما الأولان، فهما عند الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما من قوله بلفظ: "إذا أغلق بابًا وأخرى سترًا فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة". وفي لفظ عن عمر: إذا أجيف الباب وأرخيت الستور فقد وجب المهر. وفي آخر: "إذا أغلق بابًا، وأرخى سترًا فقد وجب عليه الصداق وعليها العدة، ولها الميراث. وفي آخر: إذا أغلقوا بابًا وأرخو سترًا أو كشف خمارًا فقد وجب الصداق". وفي آخر عن علي: "إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا ورأى عورة فقد وجب عليه الصداق". وفي آخر: "إذا أرخى سترًا على امرأته وأغلق بابًا

وجب الصداق". إلى غيرها من الألفاظ التي لا نطيل بإيرادها. وأما الخلفاء، فهو عند ابن أبي شيبة في مصنفه وابن المنذر في الأوسط وغيرهما من حديث زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء المهديون الراشدون أنه من أغلق بابًا وأرخى سترًا فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وأما زيد، فهو عندهما أيضًا من جهة سليمان بن يسار أن رجلاً تزوج امرأة فقال عندها فأرسل مروان بن الحكم إلى زيد فقال: لها الصداق كاملاً. فقال مروان: إنه ـ يعني المتزوج ـ ممن لا يتهم، فقال له زيد: "لو أنها اءت تحمل أو ولد أكنت تقيم عليها الحد؟ " وأما معاذ، فهو عند ابن أبي شيبة من طريق مكحول قال: اجتمع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم معاذ على أ، هـ: "إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب الصداق". وفي لفظ عند ابن المنذر: "إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا فقد وجب المهر". وأما ابن عمر، فهو عند ابن أبي شيبة من حديث نافع عنه قال: "إذا أجيفت الأبواب وأرخيت الستور وجب الصداق". وأما جابر، فهو عنده أيضًا بلفظ: "إذا نظر إلى فرجها ثم طلقها

فلها الصداق وعليها العدة". وعنده أيضًا عن إبراهيم النخعي أنه قال: "إذا اطلع منها على ما لا يحل لغيره وجب الصداق وعليها العدة". وعند ابن المنذر عن الزهري قال: "إذا أرخى عليها الأستار وجب الصداق والعدة" قال ـ أعني ابن المنذر ـ: وهذا مذهب عروة بن الزبير وعلي بن الحسين، وبه قال الثوري والأوزعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال البيهقي: إن ظاهر ما رويناه عن عمر وعلي أنهما جعلا الخلوة كالقبض في البيع قال الشافعي رحمه الله: وروي عن عمر أنه قال: "ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم" ودل على أنه يقبض بالمهر وإن لم يدَّعي المسيس، قال: وظاهر الرواية عن زيد يدل على أنه لا يوجبه بنفس الخلوة للرجل القول قولها في الإجابة. وقال الواحدي في الوسيط: فإما ما ذكره زرارة عن الحلف، فإنهم أرادوا أن لها المطالبة بجملة المهر والنكاح إذا مكنت من نفسها ولم يريدوا إذا طلقها، ولعلهم قالوا ذلك على استعمال مكارم الأخلاق وإن من الكرم أن توفى مهرها إذا خلا بها وإن لم يطأها. انتهى. ويشهد ظاهر هذه الآثار حديث مرفوع، أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل" ولكنه ضعيف ففي سنده ابن لهيعة مع إرساله. وقد أخرجه أبو داود في

245 - سئلت عن حديث من تذكر مصيبته

المراسيل من طريق ابن ثوبان بسند رجاله ثقات. ولعله ما رواه ابن أبي شيبة من طريق ابن ثوبان أن رجلاً اختلى بامرأته في طريق فجعل لها عمر الصداق كاملاً. وبالجملة فلا يصح في هذا الباب حديث مرفوع، ولكن قد تبع ابن الأثير المعزو للغريبين فإنه قال في النهاية: وفيه أي في الحديث: "أيما رجل أغلق بابه على امرأة وأخرى عليها أستاره فقد تم صداقها" ثم قال: الإستارة من الستر كالستارة وهي كالإعظامة من العظامة. قيل: لم تستعمل إلا في هذا الحديث ولو رويت أستارة جمع ستر لكان حسنًا. 245 - سئلت عن حديث "من تذكر مصيبته". وأجبت بما في مصنفي ارتياح الأكباد. 246 - وسئلت عن حديث الفرس فلخصت من الأحاديث المشتهرة الجواب وعن حديث: "للسائل حق". فأجبت بما لخصته من النكت على ابن الصلاح بقولي وحينئذ

247 - وعن حديث: من صلى سنة الفجر في بيته يوسع له في رزقه وتقل المنازعة بينه وبين أهله ويختم له بالإيمان

فما نقل عن الإمام أحمد أما ما علل عنه أو مؤول كما أوضحته في موضع آخر. 247 - وعن حديث: "من صلى سنة الفجر في بيته يوسع له في رزقه وتقل المنازعة بينه وبين أهله ويختم له بالإيمان". فقلت: إنه لا أصل له. 248 - وعن حديث: "لعن الله سهيلاً". فقلت: رواه البزار والطبراني من حيدث إبراهيم بن يزيد الخوري عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر رضي الله عنهما في السفر فكان إذا طلع سهيل قال: لعن الله سهيلاً، فإنيسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه كان عشارًا يظلمهم ويغصبهم أموالهم فمسخه الله شهابًا فجعله حيث ترون" ومن حديث مبشر بن عبدي عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر سهيلاً فقال: "كان عشارًا ظلومًا فمسخه الله شهابًا" وفي لفظ لابن السني في عمل اليوم والليلة عن علي ـ لا أراه إلا رفعه إلى

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله سهيلاً" فقيل له، فقال: "كان رجلاً يبخس الناس في الأرض بالظلم فمسخه الله شهابًا" ولأبي نعيم في عمل اليوم والليلة من هذا الوجه عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهرة وقال: "إنها تنت ملكين" وكذلك أخرجه ابن السني لكنه موقوفًا، وعنده أيضًا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا نظر إلى الزهرة قذفها. ومن طريق أبي عثمان النهدي عن ابن عباس قال: هذه الكوكبة ـ يعني الزهرة ـ كانت تدعي في قومها "بيدخت". ولأحمد وغيره مما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث موسى بن جبير عن

نافع عن ابن عمر مرفوعًا: "إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله لملائكته: هلموا ملكين من الملائكة فننظر كيف يعملان؟ قالوا: ربنا هاروت وماروت، قال: فأهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر .. " الحديث في شرب الخمر وقتل النفس والزنا. ولا يصح في المرفوع من هذا كله شيء. وقال البيهقي في الشعب وتبعه المنذري في الترغيب والترهيب في هذا وقد قيل: وإن الصحيح وقفه على كعب.

249 - سئلت عن حديث: لا ينبغي للمؤمن أني ذل نفسه

249 - سئلت عن حديث: "لا ينبغي للمؤمن أني ذل نفسه". فقلت: رواه ق، ت وقال: حسن غريب من حديث جندب عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما موقوفًا: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق" وأورده الضياء في المختارة.

250 - وسئلت عن حديث: لا خير في صحبة من لا يرى لك من الود مثل ما ترى له

250 - وسئلت عن حديث: "لا خير في صحبة من لا يرى لك من الود مثل ما ترى له". فقلت: أخرجه العسكري في الأمثال والديلمي في مسنده عن أنس، وأبو نعيم في الحلية من حديث سهل بن سعد ولفظه: "لا تصحبن أحدًا لا يرى لك من الفضل كما ترى له". وشاهده: ما ثبت في الأمر بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقد

قال الشاعر: إن الكريم الذي تبقى مؤدته ... ويكتم إن صافا وإن صرما ليس الكريم الذي إن زل صاحبه ... أفشى وقال عليه كل ما كتما وبالله التوفيق.

251 - مسألة: قد وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم قرائن حالية، وأصولكلية تقتضي أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أحق بالإمامة، وأولى بالخلافة من غيره

251 - مسألة: قد وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم قرائن حالية، وأصولكلية تقتضي أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أحق بالإمامة، وأولى بالخلافة من غيره. منها: تقديمه له في الصلاة بالناس حين مرض موته، وفي الحج تسع. ومنها: قوله للمرأة التي سألته صلى الله عليه وسلم شيئًا وأمرها أن ترجع إليه وقولها: "أرايت إن جئت فلم أجدك كأنها تعني الموت: "إن لم تجديني فأتى أبا بكر". ومنها: قوله في مرض موته لعائشة رضي الله عنها: "ادعى لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى وبأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر".

ومنها: منامه صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف فغفر الله له ثم أخذها عمر من يد أبي بكر الحديث". ولذا كله ولغيره من الأدلة ثبت كما في صحيح مسلم من حديث ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها سئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفًا أو استخلف؟ قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم من بعده؟ قالت: عمر ... الحديث". وفيه إشارة إلى أنه لم يقع تنصيص صريح على ذلك. وكذا قصة سقيفة بني ساعدة دالة على أنه لم يكن عند أحمد من المهاجرين والأنصار في ذلك نص صريح، وما يروي في التنصيص عليه

وعلى غيره فباطل، إذ لو ثبت شيء من ذلك لم يقل أبو بكر الصديق رضي الله عنه للأنصار رضي الله عنهم: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر أو أبا عبيدة. وقد قال النووي رحمه الله عقب حديث عائلة: هذا فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحًا بل أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولاً ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعو إليه، لكن تنازعوا أولاً ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر رضي الله عنه واستقر الأمر، وأما ما يدعيه الشيعة من النص على علي رضي الله عنه والوصية إليه، فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين. والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي رضي الله عنه وأول من كذبهم على رضي الله عنه بقوله: "ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة الحديث" ولو كان عنده بعض نص لذكره، ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره انتهى كلام النووي. ثم إن قول أبي بكر رضي الله عنه: "قد رضيت لكم" استشكل مع معرفته بأنه الأحق بالقرىئن المشار إليها بحيث قال كما رواه الترمذي وغيره بسند رجاله ثقات: "ألست أول من أسلم ألست أحق بهذا الأمر ألست كذا ألست كذا؟ ".

ولكن قد أجيب بأنه استحيي أن يزكي نفسه فيقول مثلاً: رضيت لكم نفسي. وانضم إليه ذلك أنه علم أن كلاً منهما لا يقبل ذلك ولا يرضى التقدم عليه، خصوصًا وقد أفصح عمر بذلك في القصة، وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه باتفاق أهل السنة دون عمر في الفضل، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد، ففيه إيماء إلى أنه الأحق فظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخليه من الأمر. وقد قال له عمر رضي الله عنه: "بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

252 - [مسألة] الحمد لله يجب امتثال ما قاله صلى الله عليه وسلم شرعا اتفاقا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي لحديث: أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح قال: فخرج شيصا ثم مر بهم فقال: ما

252 - [مسألة] الحمد لله يجب امتثال ما قاله صلى الله عليه وسلم شرعًا اتفاقًا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي لحديث: أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" قال: فخرج شيصًا ثم مر بهم فقال: "مالنخلكم؟ " قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" وفي لفظ: "إذ أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر". قال النووي رحمه الله: قال العلماء: رأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعاش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في مثله، وشبهه انتهى. ونحو هذا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة وقولها بعد استخبارها

كما صح: أهو أمر واجب الامتثال فيجب عليها امتثاله أو مشورة فيتخير فيه؟ فقال: "إنما أشفع" أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له لا على سبيل الحتم عليك مراعية للأدب حيث لم تفصح برد الشفاعة: لا حاجة لي فيه، وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار دليلاً لجواز مخالفة المشير الشافع ولو عظم فيها يشير به في غير الواجب وأنه لا يجب على المشفوع عنده القبول، والظاهر أن بريرة رضي الله عنها لا حظت الخوف من عدم قيامها بواجب حق مغيث لعدم رغبتها فيه أو رأت عدم إعفافها به، أو أحبت التفرغ لخدمته صلى الله عليه وسلم، وأن لا يقطعنها عنها تشاغل بزوج ولا غيره في ليل أو نهار، ويكون بالنظر للأخير بالغت في سلوك الأدب، ورأت أجرحيته على امتثال الأمر. وبتأيد ما قبله باعتذار من أمره صلى الله عليه وسلم حين قال له: إن امرأتي لا ترد يد لامس بطلاقها بأنه يحبها وحينئذ أذن له في الاستمتاعبها. أما للعلم بأن ما شكاها به مجرد ظن دون ما أبداه عن نفسه. أو لتوجهه بإصلاحها له ولذا أقول بأرجحية الامتثال. وما أحسن قول فاطمة ابنة قيس رضي الله عنها لما أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم بتزوج أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وكرر ذلك، ومتثالها بعد تضرعها بكراهته "فجعل الله فيه خيرًا، واغتبطت به" والله الموفق.

253 - [مسألة] ما قولكم في قول صاحب العلم المنشور في فضل الأيام والشهور: أولعت فسقة القصاص بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع من يصلي عليه، ثم أبطل ما احتجوا به وفي حديث: ما من أحد يسلم علي ... إلى آخره وهل تعم الصلاة أم لا؟ وهل هو في الحاضر عند

253 - [مسألة] ما قولكم في قول صاحب العلم المنشور في فضل الأيام والشهور: أولعت فسقة القصاص بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع من يصلي عليه، ثم أبطل ما احتجوا به وفي حديث: "ما من أحد يسلم علي ... " إلى آخره وهل تعم الصلاة أم لا؟ وهل هو في الحاضر عند الحرجة الشريفة أو يعم وإن بعدت المسافة أم لا؟ وقول بعض الخطباء في الثانية: فإنه في هذا اليوم يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، ومعنى "لتعرض"في حديث أنس "وتبلغني" في غيره، وهل هذا الكتاب مشهور، أو عليه العمل أم لا؟ وفي مسألة في فتاوى النووي، وهي: رجل حلف بالطلاق الثلاث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة عليه وفي الجواب لا يحكم بالحنث للشك في ذلك والورع أن يلتزم الحنث بينوا لنا ذلك مبسوطًا؟ نعم، قد جاء أنه صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة والسلام ممن يصلي ويسلم عليه عند قبره الشريف خاصة. ومن كان بعيدًا عنه يبلغه، ومما ورد في ذلك ما رواه أبو الشيخ الحافظ في كتاب "الثواب" له بسند جيد كما قال شيخنا

رحمه الله عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعيد أعلمته" ولا ينافيه ما روي عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: "أكثروا الصلاة علي فإن الله عز وجل وكل بي ملكًا عند قبري فإذا صلى على رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة" فإنه على تقدير مقاومته للأول يحمل على المصلي

عليه من بعد، ونحوه ما روي عنه أيضًا أنه قال: "سلموا علي حيث ما كنتم فسيبلغني صلاتكم وسلامكم" ثم إنه لا فرق في عدم سماعه لمن يكون بعيدًا عنه بين يوم الجمعة وغيرها وإن اختصت الجمعة بمزيد فضل في ذلك وغيره. وقد روينا عن يزيد الرقاشي قال: إن ملكًا موكل يوم الجمعة بمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم يبلغه ذلك فيقول: إن فلانًا من أمتك يصلي عليك. نعم، يروى عن الزهري مما أرسله مروفعًا: "أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنهما أي اليوم الأزهر الذي هو يومالجمعة والليلة الغراء التي هي ليلته يؤديان عنكم"وعلى كل حال فقول الخطباء أو بعضهم فإنه في هذا اليوم أي يوم الجمعة يسمع بأذنيه من يصلي عليه لا

أعلم له إن حمل على ظاهره، مستندًا. ويمكن الاستئناس لهم بظاهر رواية عند الطبراني في معجمة الكبير لفظها: "أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان" قلنا: وبعد وفاتك؟ قال: "وبعد وفاتي، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" ولكن المعتمد الأول. وقوله بلغني صوته لا تقتضي كونه بلاد واسطة إذا كان بعيدًا، ومما قاله بعضهم: تراني أراني عند قبرك واقفًا ... يناديك عبد ماله غيركم مولى وتسمع عن قرب صلاتي كمثلما ... تبلغ عن بعد صلاة الذي صلى وإذا تقرر هذا، فما نقله السائل عن صاحب "العلم المنشور في فضل الأيام والشهور" أنه قال: أولعت فسقه القصاص بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع من يصلي عليه، فيشبه أن يكون إنكارًا منه لمن يقول بسماعه له بلاد واسطة عن بعد، وإذا كان كذلك فهو إنكار صحيح، وأما مطلقًا بحيث يتناول القريب فلا، والعلم المنشور وإن كان مشهورًا ففي مصنفع وهو الإمام أبو الخطاب ابن دحية مع كونه موصوًا بالمعرفة، وسعة العلم مقال وفي

تواليفه أشياء تنقم عليه من تصحيح وتضعيف عفا الله عنا وعنه. وحديث: "ما من أحد يسلم عليَّ" خاص بالسلام لأن لفظه: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله تعالى إلى روحي ـ أي نطقي على أحد التوجيهات ـ حتى أرد عليه السلام". ومع ذلك فالظاهر حمله على القريب، بل قد زاد الشيخ موفق الدين ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في الحديث حين إيراده له بعد قوله: "يسلم علي عند قبري" غير أني ما وقفت على هذه الزيادة فيما رأيته من طرق الحديث. ولكن قد روينا عن أبي عبد الرحمن المقريء أن رده صلى الله عليه وسلم السلام

مختص بمن سلم عليه حال زيارته، وتوقف أبو اليمن ابن عساكر وقال: إنه إذا جوز رده صلى الله عليه وسلم على من يسلم عليه من الزائرين لقبره جوز رده على من يسلم عليه من جميع الآفاق، يعني عندما يبلغه كما تبلغ الصلاة، ويشهد لما قاله أبو اليمن حديث: "ما من مسلم يسلم علي في شرق ولا غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه السلام". لكن قد وهي الحافظ الذهبي هذا الحديث جدًا.

254 - [مسألة]

والفرع المنقول عن فتاوي النووي رحمه الله في عدم الحكم باحلنث فيمن حلف بالطلاق الثلاث أنه صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة عليك للشك في ذلك صحيح، ولكن الورع كما قال: أن يلتزم الحنث. وقد صرح النووي في مقدمه شرح مسلم أنه لو حلف في غير أحاديث الصحيحين بالطلاق أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا لا نحنثه، لكن تستحب له الرجعة احتياطًا لاحتمال الحنث وهو احتمال ظاهر، فهذا يوافق ما في الفتاوي بخلاف ما لو حلف في أحاديث الصحيحين، لأن احتمال الحنث فيهما هو في غاية من الضعف، ولذلك لا يستحب له المراجعة، لضعف احتمال موجبها، والهل الموفق. 254 - [مسألة] الحمد لله ذكر الأمير ابن ماكولا ثم الذهبي، وغيرهما أبا شحمة بفتح الشين المعجمة ثم حاء مهملة ابن عمر بن الخطاب. فأما ابن ماكولا فقال: المجلود في الخمر. وأما الذهبين، فقال: الذي جلده ـ يعني أباه ـ زاد ابن ماكولا يقال: اسمه عبد الرحمن وكأن سلفه في ذلك الزبير بن بكار فإنه ذكر في نسب

قريش من ولد عمر بن الخطاب أربعة يسمون عبد الرحمن أحدهم وهو ثالثهم أبو شحمة عبد الرحمن، قال: وأمه نهية بنون مضمومة، ومثناة، تحتانية، ثقيلة. وقال ابن سعد لهية: باللام بدل النون ثم اتفقا: أم ولد قال الزبير: وهو الذي أقام عليه أبو الحد في الشراب، فمات في مرضه ولا عقب له. وكذا قال أبوعمر: لعمر ثلاث أولاد اسم كل منهم عبد الرحمن، والأوسط منهم يكني أبا شحمة، وهو الذي ضربه أبوه الحد في الخمر لما شرب بمصر، وقال في موضع آخر، هو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد، ثم مرض فمات بعد شهر. كذا أخرجه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ابن عمر. وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت السياط. وهو غلط انتهى. وحديث معمر المشار إليه أخرجه عبد الرازق في جامعة عن معمر بسنده إلى ابن عمر قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحرث وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه قال عبد الله:- يعني أخاه ـ فذكر لي أخي أنه سكر فقتل: ادخل الدار

255 - الأول: حديث: يؤتي يوم القايمة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة في أي كتاب هذا، ومن روايه، وهو صحيح أم لا؟

أطهرك قال: ولم أشعر أنهما قد أتيا عمرًا فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك فقال عبد الله: لا تحلق اليوم رؤسهم بين الناس أدخل الدار أحلقك وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدود انتهى. وسنده صحيح، وقد جاء في خبر واهي أن عمر رضي الله عنه جلد ابنه أبا شحمة في الزنا فمات. ذكره الجوزقاني في الأباطيل ولكن ما قبله أصح وهذا باطل. وجاء أيضًا من حديث السائب بن يزيد قال: شهدت عمر بن الخطاب صلى على جنازة ثم أقبل علينا فقال إني وجدت من عبيد الله بن عمر ـ يعني ابنه ـ ريح شراب فإن كان مسكرًا جلدته. قال السائب: فشهدته بعد ذلك يجلده. أخرجه سعيد بن منصور وعبد الرازق وكذا هو عند مالك في الموطأ ومنجهته أخرجه النسائي لكن بدون تسمية عبيد الله. إنما فيه وجدت من فلان ريح كذا والتسمية صحيحة، وقد علقه البخاري جازمًا به فقال: وقال عمر: وجدت من عبدي الله ريح شراب. والله الموفق. سبعة عشر سؤالاً سئل عنها وأجاب عن بعضها وهي: 255 - الأول: حديث: "يؤتي يوم القايمة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة" في أي كتاب هذا، ومن روايه، وهو صحيح أم لا؟

256 - الثاني: ابن زمل الصحابي رضي الله عنه ما اسمه وترجمته؟

قال: اتفق الشيخان عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال: اقرأوا إن شئتم (فلا نقيم لهم يوم القايمة وزنا)». وفي لفظ للبيهقي: «ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الأكول الشروب فلا يزن عند الله جناح بعوضة». 256 - الثاني: ابن زمل الصحابي رضي الله عنه ما اسمه وترجمته؟ هو عبد الله بن زمل الجهني ذكره ابن السكن في الصحابة وقال يروى عنه حديث: «الدنيا سبعة آلاف سنة» بإسناد مجهول، وليس بمعروف في الصحابة ثم ساق الحديث. وفي إسناده ضعف، تفرد به سليمان بن عطاء القرشي الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني، وسليمان منكر الحديث. قال ابن حبان: إنه يروي الموضوعات قال: وروي عنه بهذا

257 - الثالث: حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه وآله وصحبه وسلم وبارك [كان] يختم دعائه بسبحان ربك رب العزة إلى آخره، من روايه؟ وفي أي كتاب من الكتب المعتمدة؟

الإسناد أحاديث مناكير. انتهى. وهي عند الطبراني في الكبير ضمن حديث واحد، وكذا هو عند ابن قتيبة في غريب الحديث وأخرج بعضه ابن السني في اليوم والليلة. وكذا ذكر عبد الله في الصحابة ابن حبان، وقال: له صحبة، لكن لا أعتمد على إسناد خبره. قال شيخنا ولم أره مسمى في أكثر الكتب، ويقال: اسمه الضحاك، ويقال عبد الرحمن، والصواب عبد الله، والضحاك غلط، فذاك آخر من أتباع التابعين، وقد ذكر الذهبي ابن زمل هذا في الميزان. وقال: إنه لا يكاد يعرف، ليس بمعتمد. انتهى. 257 - الثالث: حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه وآله وصحبه وسلم وبارك [كان] يختم دعائه بسبحان ربك رب العزة إلى آخره، من روايه؟ وفي أي كتاب من الكتب المعتمدة؟ رويناه فينسخة يحيى بن يحيى النيسابوري أخبرنا هشيم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة

ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وكذا رويناه في مسند عبد بن حميد بلفظ كان يقول في دبر كل صلاة: لا أدري قبل التسليم أو بعده ورواه ابن السني وابن أبي شيبة في مصنفه وآخرون منهم أبو يعلي في مسنده كلهم من حديث أبي هارون ولفظه عند أبي يعلي: قال: قلت لأبي سعيد: هل حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا كان يقوله بعدما يسلم؟ قال: نعم، كان يقول: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين". وأخرجه الطبراني في الدعاء بلفظ: كان إذا انصرف من الصلاة قال: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" وله شاهد عند الطبراني في الدعاء أيضًا من طريق محمد

بن يزيد عن محمد بن عبد الله بن عبدي بن عمير المكي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" وأشار إلى تفرد محمد عن ابن عمير كما أنه تفرد به عن عمرو. قلت: وابن عمير أشد ضعفًا من أبي هارون. وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل رويناها في عاشر المخلصيات بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في آخر صلاته يقول: "التحيات لله" فذكر التشهد وفي آخره ثم قال: "سبحان ربك .. إلى آخره" ثم يسلم عن يمينه وعن شماله. وللديلمي في مسنده من طريق أبي نعيم عن الطبراني من حديث عبد الله بن زيد بن أرقم عن أبيه زيد: "من قال في دبر كل صلاة سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين قيل أربع

258 - الرابع: حديث كعب الأحبار في حديث طويل: يا موسى أكثر من قول سبحان الله والحمد لله إلى الآخر، وأكثر قول سحبان من تعزز القدرة وقهر العباد بالموت من خرجه ومن رواه؟

مرات فقد اكتال بالجراب الأوفى من الأجر. وفي الحلية لأبي نعيم عن علي رضي الله عنه قال: من أحب أن يكتال بالميكال الأ, فى فليقل آخر مجلسه أو حين يقوم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وهو عند عبد الرازق والثعلبي وغيرهما كلهم من رواية الأصبغ بن نباتة عن علي موقوفًا أيضًا. ورواية ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح من رواية الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً: "من سره أن يكتال بالميكال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم سبحان ربك إلى آخره". 258 - الرابع: حديث كعب الأحبار في حديث طويل: "يا موسى أكثر من قول سبحان الله والحمد لله إلى الآخر، وأكثر قول سحبان من تعزز القدرة وقهر العباد بالموت" من خرجه ومن رواه؟. 259 - 260 - الخامس والسادس: روى الشيخ ابن وهب الدمشقي حديثين عن الحسن أن موسى عليه السلام قال: يا رب يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعت عليه خلقته بيدك إلى آخر الحديث. وعن أبي عمرو الشيباني قال موسى يوم الطور: يا رب إن أنا صليت

261 - السابع: حديث رواه صاحب النهاية: من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص، واللوص، والعلوص، في أي كتاب من الكتب المعتمدة ومن رواه من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعنكم؟

فمن قبلك إلى آخر الحديث هذان الحديثان من أي كتاب من الكتب المفيدة وهما مرفوعان أم لا؟ وأي حسن الراوي؟ الأثر الأول: أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له من طريق يوسف الصباغ عن الحسن قال: قال موسى عليه السلام: يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه خلقته بيدك، ونفخت فيه من روحك واسكنته جنتك، وأمرت الملائكة فسجدوا له فقال: يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه فكان ذلك شكر ما صنعت إليه. 261 - السابع: حديث رواه صاحب النهاية: "من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص، واللوص، والعلوص، في أي كتاب من الكتب المعتمدة ومن رواه من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعنكم؟ قد أورده الديلمي في الفردوس ولم يسنده ولده، عن أنس بن مالك رضي الله عنه رفعه بلفظ: "من شمت العاطس وقي الشوس والوص والعلوص". وقال شيخنا رحمه الله إنه ضعيف. وفي الدعاء للطبراني عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع

الخاصرة". وكذا أخرجه في معجمه الأوسط وزاد: ولم يشتك ضرسه أبدًا. وله في الدعاء من وجه آخر عن علي رضي الله عنه قال: من قال عند كل عطسه يسمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال لم يصبه وجع ضرء، [ولا صداع]. وهو عند البخاري في الأدب المفرد بلفظ: على كل حال ما كان لم يجد وضع ضرس، ولا أذن أبدًا. ورواه الحاكم في مستدركه بلفظ: "من قال عند عطسه يسمعها الحمد لله على كل حال لم يجد وجع الضرس ولا وجع الأذن". وللديلمي في مسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سبق العاطس بالحمد قي وجع الرأس والأضراس". وللخطيب ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي أيوب أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبقه رجل إلى الحمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدر العاطس إلى محامد الله عوفي من وجع الداء والدبيلة".

262 - الثامن: الحديث الذي في العوارف في الباب الثلاثين: من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال دفع الله عنه سبعين داء أهوانها الجذام. من روايه من الصحابة، ومن أي كتاب من الكتب الحديثية؟

262 - الثامن: الحديث الذي في العوارف في الباب الثلاثين: "من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال دفع الله عنه سبعين داء أهوانها الجذام". من روايه من الصحابة، ومن أي كتاب من الكتب الحديثية؟ رويناه في حديث ابن أخي ميمي ومن طريقه الديلمي في مسنده من حديث ابن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما رفعه: "من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال من الحال دفع الله عنه بها سبعين داء أهونها الجذام". 263 - التاسع: ما يمنع أحدكم إذا عرف الإجابة من نفسه فشفي من مرض أو قدم من سفر يقدم: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. رواه الحاكم من روايه من الصحابة؟ أخرجه الحاكم في الدعوات من مستدركه من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما يمنع أحدكم إذا عرف الإجابة من نفسه فشفي من مرض أو قدم من سفر يقول: الحمد لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات". وقال عقبه:

264 - العاشر: روى الشيخ الإمام عبد القادر الجيلي رحمة الله عليه في كتابه الغنية حديثا: أن من رأى بيعة أو كنيسة أو سمع صوت نسر أو ناقوش أو رأى جمعا من المشركين، واليهود، والنصارى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لا نعبد

تفرد به عيسى، وهو غير متهم بالوضع. قلت: لكنه شديد الضعف. وشاهده حديث علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال، وإذا رأى ما يحب: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 264 - العاشر: روى الشيخ الإمام عبد القادر الجيلي رحمة الله عليه في كتابه "الغنية" حديثًا: "أن من رأى بيعة أو كنيسة أو سمع صوت نسر أو ناقوش أو رأى جمعًا من المشركين، واليهود، والنصارى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا لا نعبد إلا إياه غفر له بعدد أهل الشرك" هذا الحديث في أي كتاب من كتب أئمة الحديث، ومن يرويه من الصحابة رضي الله عنهم؟. 265 - الحادي عشر: نقل عن مختصر أسد الصحابة أنه روى أبو شبل المخزومي عن جده وكان جده صحابيًا أن قال: لا إله إلا الله

266 - الثاني عشر: روى الشيخ أبو بكر بن داود الشامي عن علي رضي الله عنه أنه مر بأهل المقابل فقال: السلام على أهل لا إله إلا الله إلى آخر الحديث. هذا الحديث من الذي رواه من أئمة الحديث في كتبهم المشهورة؟

عدد ما أحصى الله إلى آخر الحديث، ورواه ابن أبي الدنيا بهذا الحديث أيضًا، فالمسئول بيان راوي الحديث، ومخرجه، واسم جد أبي شبل؟ أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر من جهة مسلم بن إبراهيم عن واصل بن مرزوق الباهلي، حدثني رجل من بني مخزوم يكني أبا شبل عن جده وله صحبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: "يا معاذ! كم تذكر ربك كل يوم، تذكره كل يوم عشرة آلاف مرة؟ " الحديث بطوله. ولم أقف على أبي شبل ولا من فوقه ولا من دونه. 266 - الثاني عشر: روى الشيخ أبو بكر بن داود الشامي عن علي رضي الله عنه أنه مر بأهل المقابل فقال: السلام على أهل لا إله إلا الله إلى آخر الحديث. هذا الحديث من الذي رواه من أئمة الحديث في كتبهم المشهورة؟ 267 - الثالث عشر: الحديث الذي في جلاء الأفهام أن يقال بعد صلاة الصبح والمغرب: قال الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) الأثر. ثم يقول مائة مرة: اللهم صل عليه. هذا الحديث من يرويه من الصحابة؟ ومن أي كتاب من الكتب المعتمدة؟ رواه أحمد بن موسى الحافظ بسند ضعيف عن جابر رفعه ولفظه: "من صلى على مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة

268 - الرابع عشر: روى الإمام الرافعي في كتاب التدوين في تاريخ قزوين عن البراء رضي الله عنه مرفوعا: قول لا إله إلا الله وحده ... إلى آخره عقب كل صلاة مفروضة من الذي خرجه من أصحاب الكتب المعتمدة، وكيف عبارة الحديث؟

حاجة يعجل الله له منها ثلاثين، ويدخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك" قالوا: يا رسول الله، وكيف الصلاة عليك؟ قال: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا الله صل على محمد حتى يعد مائة". وعند ابن منده من وجه آخر عن جابر يرفعه: "من صلى عليَّ في كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة: سبعين منها لآخرته وثلاثين منها لدنياه". وقال الحافظ أبو موسى المديني: إنه غريب. وله شاهد عن أنس لكن بقيد يوم الجمعة وليلتها، وقد أوردته بجميع ألفاظه في كتابي "القول البديع". 268 - الرابع عشر: روى الإمام الرافعي في كتاب "التدوين في تاريخ قزوين" عن البراء رضي الله عنه مرفوعًا: قول لا إله إلا الله وحده ... إلى آخره عقب كل صلاة مفروضة" من الذي خرجه من أصحاب الكتب المعتمدة، وكيف عبارة الحديث؟

269 - الخامس عشر: روي من دخل السوق فاستغفر الله عز وجل غفر له بعدد من في السوق من أي كتاب هذا الحديث، ومن يرويه من الصحابة؟

269 - الخامس عشر: روي "من دخل السوق فاستغفر الله عز وجل غفر له بعدد من في السوق" من أي كتاب هذا الحديث، ومن يرويه من الصحابة؟ هو من الثواب لأبي الشيخ عن الحسن البصري أنه قال: من ذكر الله عز وجل في السوق، فكان له يوم القيامة برهان مثل الشمس ومن استغفر الله عز وجل غفر له بعدد أهل السوق. 270 - السادس عشر: الحديث القدسي الذي روي: "من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس له ربًا غيري" من أي رواية ومن أي كتاب من الكتب المعتمدة؟ أخرجه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما من رواية زياد بن فايد بن زياد عن أبيه عن جده زياد بن أبي هند الداري عن أبي هند رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ـ يعني عن ربه عز وجل ـ قال: "من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليلتمس ربًا سواي". وزياد هو وجده معًا بزاي منقوطة ثم تحتانية مشددة، وفايد: بالفاء

271 - السابع عشر: في دعاء صلاة الصبح في تشهده مناصحة أهل التوبة وأيضا أناصحك بالتوبة ليس في النهاية، ولا كتب اللغة التي عندي ذكر المناصحة، إنما ذكروا النصح الخلوص، فإن ظفرتم بالمناصحة في شروح الحديث

وهو وولده ضعيفان. وله شاهد من حديث أنس، أخرجه الطبراني في الأوسط من وجهين مرفوعًا بلفظ: "من لم يرض بقضاء الله ويؤمن بقدر الله فليلتمس إلهًا غير الله". ولابي الليث السمرقندي عن ابن عباس أنه قال: أولشيء كتبه الله في اللوح المحفوظ: إني أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي كتبته صديقًا، وبعثته يوم القيامة مع الصديقين إلى الجنة، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليتخذ ربًا سواي". 271 - السابع عشر: في دعاء صلاة الصبح في تشهده مناصحة أهل التوبة وأيضًا أناصحك بالتوبة ليس في النهاية، ولا كتب اللغة التي عندي ذكر المناصحة، إنما ذكروا النصح الخلوص، فإن ظفرتم بالمناصحة في شروح الحديث.

272 - مسألة في النساء: هل يرين الله سبحانه في الآخرة، وهل هن فيها كالرجال؟

272 - مسألة في النساء: هل يرين الله سبحانه في الآخرة، وهل هن فيها كالرجال؟ الجواب: الأدلة متظافرة بالعموم الشامل للاشتراك في أصل الرؤية، بل فيهن بخصوصهن دليل صريح معتضد به وأنهن لسن في التكرار كالرجال، بل يرينه في مقدار. يوم الفطر ويوم النحر من أيام الدنيا، كما أن الرجال متفاوتون أيضًا في ذلك، فمنهم من يراه مرتين في مقدار اليوم من الدنيا، ومنهم من يراه في مقدار جمعة منها، ومنهم من هو أعلى من ذلك، ومنهم من يراه مع العموم، ومنهم من يراه بانفراد، ومنهم مع كونه في العموم أقرب من غيره كتفاوتهم جزمًا في المراتب، إذ غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يساوونهم في ذلك، وغير الصديقين، والشهداء من سائر الأمة لا يساوون الصديقين والشهداء، كما أن الظاهر أنالنساء أيضًا يتفاوتن، ولا ينافي ثبوت الرؤية لهن كما ورد من رجوع أهل الجنة إلى منازلهم بعد رؤية الله عز وجل في مقدار يوم الجمعة، وتلقي أزواجهم لهم قائلة كل واحدة منهن لصاحبها: مرحبًا، وأهلاً، بحبنا، لقد جئت وإن بك من الجمال، والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، وقوله لها: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل، وبحقنا أن ننقلب على ما انقلبنا به، وإن كان ظاهرًا في عدم كونهن معهم في ذلك، فهذا الوقت، غير وقتهن، وبسط ذلك ببيان أدلته صريحًا، وحكمًا، ومعنى يستدعي مجلدًا فأكثر، يضيق الوقت الآن عنه خصوصًا، وقد أفرد الرؤية بالتصنيف الدارقطني، والبيهقي، ويوجد الكثير من ذلك أيضًا في صفة الجنة لأبي نعيم وغيره،

وفي كتب السنة لأبي الشيخ، وابن أبي عاصم، واللالكائي، وآخرين، وقام أهل السنة من المتكلمين بالرد على منكرها من المعتزلة، والخوارج، والمرجئة، ودفع سائر شبههم بما هو مستقصى في كتب الكلام مما ليست بنا الآن ضرورة إلى ذكره. وبالله التوفيق. فأما أدلة العموم فمنها قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فقد جاء تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وابي موسى الأشعري وابن

مسعود وصهيب وأنس وأبي بن كعب وكعب بن عجرة وابن

عباس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وعامر بن سعد البجلي وأبي إسحاق السبيعي ومجاهد وعبد الرحمن بن سابط

وقتادة والضحاك وآخرين من التابعين فمن بعدهم، ولفظ رواية أبي موسى مما رفعه: "يبعث الله عز وجل يوم القيامة مناديًا ينادي: يا أهل الجنة بصوت ـ يسمع أولهم وآخرهم ـ إن الله وعدكم الحسنى، الحسنى الجنة، والزيادة، النظر إلى وجه الله تعالى" ومنها قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون) وأي حجب الكفار عن رؤيته دليل لرؤية المؤمنين، كما استدل به إمامنا الشافعي، ومالك وغيرهما من الأئمة ممن قبلهما وبعدهما، ولفظ الحسن البصري في تفسيرها: "إذا كان يوم القيامة بزر ربنا تبارك وتعالى، فيراه الخلق ويحجب الكفار فلا يرونه. انتهى.

273 - مسألة: كيف ساغ بريرة مولاة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما رد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها مغيث؟

273 - مسألة: "كيف ساغ بريرة مولاة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما رد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها مغيث؟ " فالجواب: أنها لم تفصح برد الشفاعة وإنما قالت بعد استخبارها كما هو أمر، واجب الامتثال فيجب عليها امتثاله أو مشورة، فيتخير فيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أشفع" أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له، لا على سبيل الحتم عليه، مراعية للأدب: لا حاجة لي فيه، وهي في قولها شبيهة بقول من قال: إن امرأتي لا ترد يد لامس بعد أمره صلى الله عليه وسلم بطلاقها: إني أحبها. بل هذه صرح فيه بالأمر، ومع ذلك فلما اعتذر بمحبتها عذره النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له: "أمسكها" ولعله صلى الله عليه وسلم علم أن ما شكاها به مجرد ظن دون ما أبداه عن نسه فلا يترك ما هو محقق مما قد يتوقع بالفراق معه الضرر، لأمر مظنون سيما مع توجهه صلى الله عليه وسلم إليه في إصلاحها إذ أمره بإمساكها، كما أن بريرة لما اعتذرت بعدم حاجتها ولاحظت فيما يظهر الخوف من عدم قيامها بواجب حق مغيث لعدم رغبتها فيه أو رأت عدم إعفافها به، أقره صلى الله عليه وسلم وعذرها، وصار دليلاً لجواز مخالفة الشوير، ولو عظم فيما يشير به في غير الواجب، وأنه لا يجب على المشفوع عنده القبول سيما فيما يخشى معه من ارتكاب محظور، ويجوز أن تكون بريرة أحبت التفرغ لخدمته صلى الله عليه وسلم، وأن لا يقطعها عنها شاغل بزوج، ولا غيره، في ليل ولا نهار، وحينئذٍ فقد بالغت في سلوك الأدب ورأت أرجحيته على امتثال الأمر، وعلى كل حال، فما أحسن قول فاطمة ابنة قيس رضي الله عنها لما أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكرر ذلك، وامتثالها بعد تصريحها بكراهته: فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به. ووراء هذا حديث يقتضى الإذن في هذا، وشبهه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلحقون النخل فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" قال: فخرج شيصًا ثم مر

بهم فقال: "ما لنخلكم؟ " قالوا: قلت: كذا وكذا قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". وفي لفظ: "إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر" قال النووي رحمه الله قال العلماء: رأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش، وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في مثله، وشبهه. والله أعلم.

274 - مسألة: في قول القاضي عياض بآخر الشفاء: (ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته بسكون الياء بصيغة التثنية المحذوفة النون أو بألف التأنيث المقصورة؟

274 - مسألة: في قول القاضي عياض بآخر "الشفاء": (ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته" بسكون الياء بصيغة التثنية المحذوفة النون أو بألف التأنيث المقصورة؟. فالجواب: قد ثبت بالتثنية بدون حكاية غيرها في الأصل المعتمد الذي كتب عليه التاج عبد الباقي اليماني مختصر الصحاح، ومؤلف "الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفا" بالثناء البالغ الذي من جملته أعرب أي ناسخه تلك الألفاظ، وأخذها عن السادة الحفاظ، أبدع فيما رقم، وأتقن فيما حكم، وشهد له التاج السبكي بأنه الذي يروي فيروى كل ظمآن ويبدي فوائد تسحر لب الإنسان. انتهى. وكيف لا يكون كذلك ومحرره قد اجتهد في جميع أصول صحاح، منها أصل مغربي قديم مقابل مع حفيد المؤلف المذكور بالمشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها وبالشعر والفصاحة ونحو ذلك على أصل جده القاضي عياض فما حصل الاتفاق عليه في الأصول المشار إليها أثبته بالأصل وما لا اقتصر على الأكثر أو الأضبط، وبين بالهامش المخالف، وهو في هذا اللفظ بخصوصه. لم يبين خلافًا فاقتضى الاتفاق، ومع ذلك كله لم يكتف محرره بهذا بل قرأه مقابلة، وتصحيحًا، على حافظ وقته المرجوع إليه في الحديث، ومتعلقاته مع تقدمه في التصريف واللغة أبي الحجاج المزي، وكذا قرأ فيه الحافظ الشمس ابن ايبك السروجي وكتب عليه خطه بذلك، بل وأفاد بهامشه إلى غيرهم من أئمة العلم والحديث، وتداوله الأكابر خلفًا عن سلف إلى هذا الوقت وكان ممن قرئ عليه فيه المجلس الأخير بخصوصه شيخنا وأستاذنا من لم تر عين من رآه في فنون الحديث النبوي مع ما اشتمل عليه من العلوم الجمة مثله وكنت بحمد الله ممن قرأ منه بحضرة الأئمة الأكابر من الشيوخ وغيرهم بل وقريء علي فيه أيضًا غير مرة، وحرر معي أصل

صار عمدة ولا أعلم إن شاء الله أصح منه. وحينئذ فيقال: الرواية في هذا اللفظ بالتثنية اعتمادًا على ما بينته كما يقال رواية الأصيلي، والقابسي والجياني، وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري. كذا مع كون لا مستند لذلك في هذه الأعصار المتأخرة إلا الأصول المعتمدة، ولا يخدش فيما تقدم أن ألف التأنيث المقصورة تكتب ياء، لأنا نقول، وإن وجد ذلك كذلك في الخط فالمتقن لا يسكن الياء إلا في المثنى خوفًا من حصول الالتباس، وإذا ثبت كذلك وعلم أن القاضي عياضًا قائل هذا اللفظ أعرف الناس في وقته بعلوم الحديث وبالنحو واللغة، وكلام العرب وأيامهم، وأنسابهم، وممن كان في الإتقان بمكان كان كافيًا في الرجوع إليه في هذا اللفظ إن لم يوجد صريحًا ما يخالفه هذا الحافظ الشرف أبو الحسين اليونيني مع كونه لم يجتمع فيه ما اجتمع في القاضي عياض قد عول الناس عليه في ضبط الروايات في صحيح البخاري لكثرة ممارسته له، واعتنائه بمقابلته حتى إن الحافظ الذهبي حكى أنه سمعه يقول: أنه قابله وأسمعه في سنة واحدة إحدى عشر مرة، ولكونه ممن وصف بالمعرفة لكثير من اللغة، والحفظ لكثير من المتون والمعرفة بالأسانيد بحيث أن سيبويه وقته الجمال ابن مالك حضر عنده سماع الصحيح المذكور فكان إذا مر من الألفاظ ما يتراءى مخالفته لقانين اللسان العربي سأل الشرف عن الرواية فيه، فإن أجاب بأنه كذلك شرع ابن مالك في توجيهه حسب إمكانه ومن ثم جمع كتابه المسمى "شواهد التوضيح" مع كونه لم يستوعب ذلك، ومن ذا ينهض بما نهض به ابن مالك أو يوازيه علمًا وعملاً، وإتقان وروعًا أو من أحاط علمًا بحفظ اللغة وجمع دواوينها حتى يسوغ له أن يقول: إنه لم يسمع خصيص فذلك كعلم

الحديث والفقه بحر لا ساحل له غاية الماهر منه مراجعة القاموس، ولسان العرب والاقتصار عليهما لا يسوغ إطلاق النفي بل كل حصر في باب متسع الانتشار منتقد في الغالب، ومن العجيب من استدل باقتصار الفارابي في ديوان الأدب على خمسة ألفاظ في باب فعيل، وثمانية في باب فعيلي وزعم صراحته في أ، هـ ليس لنا خصيص على وزن فعيل حتى يثنى علي خصيصي مع كون الفارابي لم يدع الحصر ولو ادعاه عليه في الوزن الأول بخريت، وخريج، وحديث وحريف، وفيسيق، ومسيك، وعريض لمن يتعرض للناس بالشر، وسجيل، وسجين وغيرها. وفي الثاني بخصيصي، وربيبي وهجيري، وحجيزي، وحديثي، وخليفي وغيرها، بل من الوزن الأول صديق، وهو كل من صدق بكل ما أمر الله به على لسان أنبيائه بغير شك، ولا امتراء وهو دائم الصدق، وقد ثبت قطعًا جمعه بقوله تعالى: (والصديقين) وما ثبت جمعه جمع تصحيح ثبتت تثنيته. وإذا تقرر هذا فالتثنية في كلام القاضي بالنظر لشيئين، وهما الزمرة الشاملة لجميع من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة وغيرهم إلى يوم القيامة، والجماعة الذين هم أصحابه رضي الله عنهم، وخصهم بعددخولهم في العموم لشرفهم فكأنه سأل الله أن يخصه باقتفاء طريق الخواص من أصحاب نبيه، ومن سائر أمته، وهو نحو قول القائل: هب لنا ما وهبته لأوليائك وأحبائك. ويجوز أن يكون سأل أن يخص بخصيصي هذه الأمة وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حسبما ورد في حديث سنده ضعيف عند الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن

لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما". وكذا أخرجه البيهقي في الفضائل. ولا يكون من خواصهما إلا بسلوك طريقهما واقتفاء سنتهما وعلى تقدير التنزيل في كون الزمرة، والجماعة واحدًا فليس يمتنع الإتيان بلفظ التثنية مع إضافته لفظًا بواحد. وبالجملة فهذا ثالث سؤال ورد عليَّ في هذا اللفظ مع كونه لا يحتمل هذا الأمر كله وكأنه السائل وفقني الله وإياه ظن أنه ربما أميل إلى خلاف ما أثبته كما صنع غيري، ومعاذ الله أن أتحول إلا بما أعتمده، وثبت عندي ثبتنا الله على الحق بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة بمنه وكرمه.

275 - مسألة: في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم

275 - مسألة: في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم. فالجواب: قد ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار" فلما قفا أي ذهب موليًا بقفاه، دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار" وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران رضي الله عنهما. وفي ابن خزيمة ما يشهد له وقيل أبو رزين لقيط بن عامر، فلعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الكبير وغيرهما في حديث طويل للقيط بن عامر في البعث قال: فيه: فقلت: يا رسول الله هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار قال: فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي مما قال

لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ فإذا الأخرى أجم، فقلت: يا رسول الله وأهلك؟ قال: "وأهلي لعمر الله، ما أتيت على قبر عامري، أو قرشي، فقل: أرسلني إليك يا محمد صلى الله عليه وسلم فأخبرك بما يسؤك، تجر على وجهك وبطنك في النار فقلت: يا رسول الله بما فعل بهم ذلك وقد كانوا [على عمل] لا يحسنون إلا إياه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال: "ذاك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم ـ يعني نبيًا ـ فمن عصى الله كان من الضالين، ومن أطاع الله كان من المهتدين". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة ابننة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها فقال: "ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم، وعزيتهم قال: "لعلت بلغت معهم الكدى" أي القبور قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر قال: "لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك" قال النووي رحمه الله عقب أولها: فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، مع ما فيه من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك، وقال البيهقي عقبها من كتاب دلائل النبوة: وكيف لا يكون أبواه، وجده

عليه السلام بهذه المثابة في الآخرة، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام قال: وكفرهم لا يقدح في نسبه صلى الله عليه وسلم، لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا مفارقتهن إذا كان مثله يجوز في الإسلام. قال ابن كثير: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد عنه صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة مبينة عند قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) إن أهل الفترة والأطفال والمجانين، والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة انتهى. ولكن قد قال النووي: ليس كونهم من أهل النار مؤاخذة قبل بلغ الدعوى، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. ومن الأدلة للمسألة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: "استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذننه في الاستغفار فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت" وعن بريدة رضي الله عنه قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر،

فجلس وجلس الناس حوله كثيرًا، فجعل يحرك راسه كالمخاطب، ثم بكى فاستقبله عمر رضي الله عنه فقال: فذاك أبي وأمي يا رسول الله! ما يبكي:؟ قال: "هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذننه في الاستغفار لها فأبى علي، فأدركتني رقتها فبكيت" قال: فما رايت ساعة أكثر باكيًا من تلك الساعة. ولغيره في حديث لابن مسعود رضي الله عنه: "ونزول علي (ما كان للنبي والذي آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم". وأخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود نحوه وكذا للبزار من حديث بريدة رضي الله عنه أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تستغفر لمن مات

مشركًا. وفي الباب عن أبي رزين العقيل وابني ملكية الجعفيين لا نطيل بهما. وحينئذ فالقصد بزيارته صلى الله عليه وسلم قبرها كما قال عياض، قوة الموعظة، والذكرى بمشاهدة قبرها، واستنبط منه غيره جواز زيارة المشركين في الحياة لأنه إذا جازت بعد الوفاة ففي الحياة الأولى، سيما وقد قال الله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا). وأما النهي عن الاستغفار للكفار، فلا يعارضه ما أخرجه البيهقي في البعث من حديث المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: "يحشر الناس حفاة عراة" وذكر الحديث في قول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم حين يقوم عن يمين العرض: سل تعط واشفع تشفع قال: فقام رجل فقال: أترجو لوالديك شيئًا؟ فقال: "إني لشافع لهما أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئًا" لا صحبه ذاك على أن البيهقي قال: إنه يحتمل أن هذا كان قبل نزول الآية في النهي عن الاستغفار للمشركين،

والصلاة على المنافقين. وقد يشير إليه قول الواحدي في الوسيط: وقرأ نافع: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم). أي النار بفتح التاء وجزم اللام على النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه نقل جبريل عن قبر أبيه وأمه، فدله عليهما فذهب إلى القبرين، ودعا لهما، وتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة فنزلت. رواه ابن جرير في تفسيره من حديث محمد بن كعب القرظي رفعه مرسلاً: "ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي" فنزلت قال: فما ذكرهما حتى توفاه الله عز وجل. ومن حديث داود بن أبي عاصم رفعه مرسلاً أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "أين أبواي؟ " فنزلت. وأورد الواحدي في الأسباب له تعليقًا فقال: وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "ليت شعري ما فعل أبواي" فنزلت. ووصله الثعلبي وغيره من رواية عطاء عنه وكلها ضعيفة، ورده جماعة من المفسرين باستحالة الشك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه، منهم ابن عطية حيث قال: هذا خطأ ممن رواه، أو ظنه، لأن أبه مات وهو في بطن أمه وقيل: هو ابن شهر، وقيل: ابن شهرين، ومات أمه بعد ذلك

بخمس سنين، منصرفها به من المدينة من زيارة أخواله، فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم، وكذا استبعده الفخر الرازي قال: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم حال من مات كافرًا، ولكن دفع العماد ابن كثير هذا باحتمال أن هذا كان قبل علمه صلى الله عليه وسلم بأمرهما فلما علم تبرأ منهما، وأخبر أنهما في النار كما ثت يعني فيما تقدم. هذا كله على قرأه من أهل المدينة بصيغة النهي، أما على القراءة المشهورة بالرفع على الخبر، وقال الطبري: إنها الصواب عندي، لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد: من مضى من اليهود والنصارى وغيرهما. قال: ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي "وما تسال" وفي قراءة ابن مسعود "ولن تسأل". والله أعلم. وأما حديث إحياء الله عز وجل لأبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به، فليس هو في شيء من الكتب المشهورة، ولا هو صحيح يحتج به. وإنما قال السهيلي: إنه وجده بخط أبي عمر أحمد بن أبي الحسن القاضي بسند فيه مجهولون، ذكر أنه نقله من كتاب انتسخ من كتاب معوذ بن داود بن معوذ الزاهد، يرفعه إلى ابن أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيى أبويه، فأحياهما له وآمنا به، ثم أماتهما. وهو عند المحب الطبري في سيرته من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي

صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبًا حزينًا، فأقام به ما شاء الله ثم رجع مسرورًا، وقال: "سألت ربي عز وجل فأحيا لي أمي، فآمنت بي ثم ردها" وساقه من حديث المحب بسنده الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الحميد القرشي المصري في "المولد من جمعه" وقال: إنه غريب جدًا، ما كتبناه إلا من هذا الوجه، وهو من الأحاديث الغرائب الحسان. انتهى. ولكن فيه عدة من المجهولين، فكأنه أراد الحسن اللفظي، وللخطيب في السابق واللاحق عنها أيضًا قالت: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر على عقبة الحجون وهو باك حزين، مغتم، فبكيت لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه طفر فنزل فقال: "يا حميراء استمسكي" فاستندت إلى جنب البعير، فمكث عني طويلاً، ثم عاد إليَّ وهو فرح متبسم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نزلت من عندي، وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك يا رسول الله! ثم عدم إلي وأنت فرح متبسم، فعمَّ ذاك يا رسول الله؟ فقال: "ذهبت لقبر أمي آمنة، فسألت الله ربي أن يحييها لي، فأحياها، وآمنت بي، أو قال: فآمنت، وردها الله عز وجل". ونحوه عند ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عنها قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل من البعير وهو حزين وذكره. وهما واهيان جدًا. ولما ترجم الذهبي في ميزانه لعبد الوهاب بن موسى روى عن عبد الرحمن بن أبي الزناد حديث: "إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي" الحديث. وقال: لا يدري من ذا الحيوان الكذاب فإن هذا الحديث كذب،

مخالف لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن ربه في الاستغفار لها، فلم يأذن له. قال شيخنا عقب حكايته: تكلم الذهبي في هذا الموضوع بالظن، فإنه سكت عن المتهم بهذا الحديث، وجزم بجرح القوي وقد قال الدارقطني في غرائب مالك في روايته عن أبي الزناد بعد فراغ أحاديث مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب في قصة. ويروى عن مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديثان منكران باطلان، أحدهما: رواه علي بن أحمد الكعبي عن أبي غزية عن عبد الوهاب المذكور، عن مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج مرَّ بقبر أمه آمنة، فسأل الله عز وجل فأحياها فآمنت به، فردها إلى حفرتها. وذكر الحديث الآخر، ثم قال: والإسناد، والمتنان باطلان، ولا يصح لأبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة شيء. وهذا كذب على مالك، والحمل فيه على ابي غزية، والمتهم بوضعه هو، أومَنْ حدث به عنه، وعبد الوهاب بن موسى، لا بأس به. انتهى كلام الدارقطني. وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق عمر بن الربيع الزاهد حدثنا علي بن أيوب الكعبي حدثني محمد بن يحيى أبو غزية الزهري عن عبد الوهاب فذكر الحدث بطوله. ثم ساقه من طريق آخر فيه محمد بن الحسن النقاش المفسر حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الوهاب ثم قال ابن

الجوزي النقاش ليس بثقة، وأحمد بن يحيى ومحمد بن يحيى مجهولان، فأما قوله في علي بن ايوب الكعبي، فوافقه ابن عساكر عليه لما أخرج هذا الحديث بطوله، فإنه أورده في غرائب مالك من طريق الحسين بن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي حدثنا أبو طالب عمر بن الربيع الخشاب عن علي بن أيوب الكعبي من ولد كعب بن مالك حدثني محمد بن يحيى الزهري أبو غزية حدثني عبد الوهاب بن موسى حدثني مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة بلفظ: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه، ثم أنه طفر، فنزل وقال: "يا حميراء استمسكي إلى جنب البعير" فمكث عني طويلاً ثم عاد إليَّ وهو فرح متبسم فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت وأنت فرح، فبم ذا يا رسول الله؟ قال: "مررت بقبر أمي آمنة، فسال الله أن يحييها، فأحياها فآمنت بي، وردها الله". قال ابن عساكر: وهذا

حديث منكر. من حديث عبد الوهاب بن موسى الزهري المدني عن مالك، والكعبي مجهول والحلبي صاحب غرائب، ولا يعرف لابي الزناد رواية عن هشام، وهشام لم يدرك عائشة فلعله سقط من كتابي عن أبيه. انتهى. قال شيخنا: ولم ينبه على عمر بن الربيع، ولا على محمد بن يحيى، وهما أولى أن يلصق بهما هذا الحديث من الكعبي وغيره، وما ظنه في سقوط "عن أبيه" هو مروي كما قدمناه بإثباته وفي عبد الوهاب بن موسى من اللسان ما يراجع أيضًا، وبالجملة فقد اتفق شيخنا والذهبي على وهاء هذا المتن جدًا، وسبقهما الدارقطني لبطلانه، والحكم بوضعه، وكذا حكم بوضعه ابن الجوزي ونقل ذلك أيضًا عن شيخه محمد بن ناصر، لأن قبر آمنة بالأبوء كما ثبت في الصحيح، وأبو غزية هذا زعم أنه بالحجون. وسبق ابن الجوزي إلى الحكم بوضعه ومعارضته بحديث بريدة، الجوزقاني في كتابه الأباطيل وبنكارته ابن عسكار إلى غيرهم ممن أشير إليهم، وقول السهيلي عقب الأول من هذه الروايات، ما نصه: وهو غريب تحسين للعبارة قال: ولعله أن يصح. فالله عز وجل قادر على كل شيء، ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يخصه الله بما شاء من كرامته صلى الله عليه وسلم،

ونحوه قول ابن كثير: إنه حديث منكر جدًا، وإن كان ممكنًا بالنظر إلى قدرةالله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح كما تقدم يعارضه انتهى. قال القرطبي في أوائل التذكرة: ولا تعارض والحمد لله، يعني بينه وبين ما في الصحيح، لأن إحيائهما متأخر عن الاستغفار لهم، بدليل حديث عائشة: إن ذلك كان في حجة الوداع، ولهذه جعله ابن شاهين ناسخًا لما ذكر من الأخبار، وكذا أجاب عن الآية بأنها كانت قبل إيمانهما ثم قال: وقد سمعت أن الله أحيا له عمه أبا طالب، وآمن به. فالله أعلم بما قال. ثم قال وقيل: إن ـ هذا يعني حديث الإحياء ـ موضوع، يرده القرآن والإجماع قال الله تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار) وقال: (فيمت وهو كافر) فمن كان كافرًا لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع فكف بعد الإعادة؟ ونحوه تعقب غيره أيضًا المقالة، بأن القرآن دل على أن من مات كافرًا يخلد في النار، ورده القرطبي بقوله: وفيه نظر، وذلك أن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، وخصائصه، لم تزل تتوالى وتتابع إلى حين مماته، فيكون هذا مما فضله الله تعالى وأكرمه به، وليس إحياءها وإيمانهما به يمتنع شرعًا

وعقلاً، زيادة في كرامته صلى الله عليه وسلم وفضيلته مع ما ورد من الخير في ذلك فقد ورد في الكتاب إحياء قتيل بني إسرائيل، وإخباره بقاتله. وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى، وأحيى الله على يدي نبينا صلى الله عليه وسلم جماعة من الموتى، معجزة له، وإذا ثبت هذا، فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما، زيادة في كرامته صلى الله عليه وسلم وفضيلته، مع ما ورد من الخبر في ذلك ويخص من عموم من مات كافرًا زاد غيره: أنه يروي في الخبر: أن الله رد الشمس على نبيه يعد مغيبها ذكره الطحاوي وقال: إنه حديث ثابت قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعًا، وأنه لا يتحدد الوقت، لما ردها عليه، فكذلك يكون إحياء أوبي النبي صلى الله عليه وسلم نافعًا لإيمانهما، وتصديقهما بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قبل الله إيمان قوم يونس وتوبتهم مع تلبسهم بالعذاب، فيما ذكر في بعض الأقوال، وهو ظاهر القرآن، وما أحسن قول حافظ الشام في وقته الشمس ابن ناصر الدين عقب الثاني:

حبا الله النبي مزيد فضل ... على فضل وكان به رؤوفا فأحيا أمه وكذا أباه ... لإيمان به فضلاً لطيفًا فسلم فالقدير بذا قدير ... وإن كان الحديث به ضعيفا وقد قال الفخر الرازي في "أسرار التنزيل" له: إن آباء النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء ما كانوا كفارًا لقوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين) فمعناه أنه تنقل روحه من ساجد إلى ساجد واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: (لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أحارم الطاهرات) وقوله تعالى: (إنما المشركون نجس) قال: فوجب أن لا يكون أحد من أجداده صلى الله عليه وسلم مشركًا. انتهى. ولكن قد روي البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه، الآية يعني بنقله من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيًا. وفي لفظ: مازال ينقل في أصلاب الأنبياء عليهم السلام حتى ولدته أمه صلى الله عليه وسلم.

وحكى الفخر في تأويل (وتقلبك) غير ذلك، مما أودعته في مؤلف آخر قال: وكلها محتملة، والروايات وردت بالكل، ولا منافاة بينها، فوجب حملها على الكل ثم رجح أولها، وهو الذي اقتصرنا على حكايته بالحديث، والآية. قلت: لكن تخصيص ابن عباس بما تقدم يخدش في عمومه مع شواهده الصحيحة ومحبتنا لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه. ولقد بلغنا عن بعض أئمة المغاربة المعاصرين لنا، أنه كان إذا ذكر أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، واستحضر قيامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومزيد شفقته عليه، وحنوه يقول: إنه سيد، ويكثر البكاء والنحيب، ويقول: يا رب أسألك من فضلك، وجزيل عطائك أن تمن علي بأن أكون فداء له، أو نحو هذا مما الحامل له عليه حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله عز وجل أعلم وأرأف، وأرحم، والوقوف مع النصوص الصريحة أحكم، وترك الخوض فيما لا يضطر إليه أسلم. ولذا كان الأولى عندي عدم إشاعة الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه، إلا إن دعت الضرورة إليه، كما اتفق في سبب الاستفتاء لاستلزامه أحد أمرين، تصحيح البطال أو رد الصحيح الصريح، ولسنا مكلفين لزائد على هذا، ولذا لم يتكلم المنذري في حاشية السنن، ولا الخطابي في معالمه فيه. وأما أبو داود صاحب السنن، فعنده بدل "ما دخلت الجنة حتى يراها جد أبيك" فذكر تشديدًا عظيمًا وقال السهيلي عقب الحديث الأول: وليس لا أننقول نحن هذا في أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا

الأحياء بسبب الأموات" قال: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل هذه المقالة لأنه وجد في نفسه قال: وقد قيل: إنه قال له: أين أبوك أنت؟ فحينئذٍ قال ذلك. انتهى. والحديث الذي اشار إليه يروى بلفظ: "لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" قاله حين قيل للعباس رضي الله عنه: أبا الفضل! أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما الله معًا في النار، وأن العباس صفح عنه إلى أن كرر مقاله، ثم إنه لم يملك نفسه أن رفع يده فوجًا أنفه، فكفاه مع قوله: والله لقد علمت أن عبد المطلب كذلك، لكونه ما إياه أراد، وإنما أرادني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر وإن كان حقًا".

276 - مسألة

276 - مسألة: قوال قال في مجتمع لنكاح مما عزاه للصحيحين من حديث ابن أعبد قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أحدثك عني وعن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى، قال: إنهاجرت بالرحي حتى أثر في يدها واستقت بالقرية حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خدم فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادمًا، فأتته فوجدت عنده حداثًا فرجعت فأتاها من الغد فقال: "ما كان حاجتك؟ " فسكتت، فقلت: أنا أحدثك يا رسول الله، جرت بالرحي حتى أثر في يدها، وحملت بالقرية حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادمًا يقيها حر ما هي فيه قال: "اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثًا وثلاثين، واحمدي ثلاثًا وثلاثين، وكبري أربعًا وثلاثين، تلك مائة، هي خير لك من خادم" قالت: رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل عزوه للصحيحين صحيح أم لا؟ وإذا لم يكن فيهما أو في أحدهما فهل هو صحيح أم لا؟ فالجواب: قصة مجيء فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستخدم رواها غير واحد من الصحابة، منهم: علي، وأبو هريرة، وأم سلمة، وأم الحكم، أو ضباعة ابنتا الزبير على الشك من الراوي وأولها أصحها، ولها عنه طرق، فرواها عنه حبيب بن عبد الرحمن، والحسين بن علي، والسائب بن مالك الثقفي، وشبث بن ربعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن يعلي، وهمام النهدي، وعبيدة بن عمرو، وعلي بن أعبد، والقاسم مولى معاوية، ومحمد بن الحنفية، وهبيرة بن يريم، وأبو أمامة، وأبو مريم، وأصحها طريق ابن أبي ليلى، فقد اتفق الشيخان على تخريجها من جهته وهي في البخاري في أربعة أماكن: في

الخمس وفي فضل علي وفي النفقات وفي الدعوات ولم يزد على أنها اشتكت ما تلقى من الرحي، وكون التكبير أربعًا وثلاثين، إلا الدعوات، فإنه وقع التكبير فيها كالتسبيح والتحميد، وأخرجها مسلم في الدعوات مقتصرًا على شكوى الرحي وكون التكبير أربعًا وثلاثين، وممن راوها عن ابن أبي ليلى الحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة، ومجاهد، ومن أضعف الطرق عن علي طريق ابن أعبد، وهي المقصودة الآن بالبيان، وهي عند أبي داود في الخراج من سننه والنسائي في مسند علي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الدعاء، وآخرون ومدارها على سعيد الجريرري وهو وإن كان قد اختلط فهو مما حدث به قبل اختلاط ولكن تابعيها ولم يقع تسميته في شيء من الطرق المشار إليها، قال فيه ابن المديني: إنه ليس بمعروف ولا أعرف له غير هذا

الحديث. والراوي عنه وهو أبو الورد لم أر فيه توثيقًا لأحد من الأئمة، سوى أن ابن سعد قال: إنه كان معروفًا قليل الحديث. وإذا لم يكن الراوي معروفًا بالعدالة، والضبط لا يقبل منه ما ينفرد به عن الثقات، لا سيما وقد صح من حديث السائب أن عليًا رضي الله عنه قال: لقد سنوت أي استقيت من البئر بحيث كنت مكان السانية وهي الناقة حتى قد اشتكيت صدري فقالت له فاطمة رضي الله عنها: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وهذا هو اللائق بالمقام، فالاستقاء، وحمل القربة إنها هو للرجال غالبًا خصوصًا سيدة نساء أهل الجنة فإن زوجها رضي الله عنه لا يصل بها إلى هذه الحالة، وإن كن رضي الله عنهن يبالغن في مرضات أزواجهن حتى قالت ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: تزوجني الزبير، وما له في الأرض مال، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأسقيه الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز،

قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على راسي وهي على ثلثي فرسخ فقد قال الزبير حين قالت له: أنها لقيت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وعلى رأسها النوى ومعه نفر من أصحابه، فدعاها ليحملها خلفه فاستحيت أن تسير مع الرجال، لما تعلمه من شدة غيرة زوجها، وعرف صلى الله عليه وسلم ذلك منها فمضى: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلى أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني. وإذا كان هذا حال الزبير مع أسماء رضي الله عنهما في تأمله بامتهانها بحمل النوى، فحال علي مع السيدة الزهراء رضي الله عنهما في حمل القربة الذي هو أبلغ في ذلك، وما ثبت من أن عائشة، وأم سليم كانتا تنقلان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم. فذاك فيما يظهر، لاشتغال الرجال بما هو أهم، بل ذلك معدود في مناقبهما رضي الله عنهما وهذا كاف في نكارة هذه الزيادة، فكيف يحكم بصحتها، فضلاً عن عزوها للصحيحين، أو أحدهما، ولا يجوز حمله على إرادة أصل

277 - مسألة: فيما يفعل، أو يقال لمن به صداع أو حمى، أو نحوهما من الأوجاع

الحديث، إلا إن كان محل الاستشهاد منه فيه، وإلا فهو عبث في الدين وتلبيس، لا يجوز اعتماده، ولا الإقرار عليه، فضلاً عن التعصب مع مفتريه وقد بسطته في موضع آخر. والله المستعان. 277 - مسألة: فيما يفعل، أو يقال لمن به صداع أو حمى، أو نحوهما من الأوجاع. فالجواب: تقرأ الفاتحة، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وذلك بعد جمع القارئ كفيه، ونفئه فيهما، ثم بعد القراءة يمسح بهما ما استطاع من جسد المريض ويبدأ براسه، ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثًا، ويقال: بسم الله الكبير، نعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار، ومن شر حر النار، الحمد لله رب العالمين، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم، يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث، لا إله إلا أنت، اللهم

رحمتك أرجو فلا تلكني إلى نفسي طرفه عين، وأصلح لي شأني كله، ويضع يده على المكان الذي يألمه من جلده ورأسه ويقول: بسم الله ثلاثًا، وأعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، سبع مرات، اللهم ارحم عظمي الدقيق، وجلدي الرقيق، وأعوذ بك من فورة الحريق، يا أم ملدم، إن كنت آمنت بالله واليوم الآخر، فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم، ولاتقوري على الفم، وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله إلهًا آخر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.

وينفع من الحمى والجنون والجذام والبرص والعين كتابة: أعوذ بكلمات الله تامة، وأسمائه كلها عامة، من شر السامة والهامة، ومن شر العين اللامة، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر إلى فترة، وما ولد. ومن المجرب في الصداع بخصوصه، مما قرأته بخط بعض السادات (وله ما سكن في الليل والنهار، وهو السميع العليم) (ألم ترك إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) اسكن أيها الضارب، بسم الله الطالب الغالب اسكن أيها الضارب، بالذي تجلى على الجبل فجعله دكًا (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًا منثورًا) بسم الله المعافي، بسم الله الشافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ارتفع أيها الضارب، بألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ارتفع برب مكة والحرم، وبمجرى القلم هذا، بقدرة الفرد الصمد، الذي لم يلد ولا يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وكذا قال الكمال الدميري. أفادني بعض أهل الخير أنه إذا كتبت أسماء الفقهاء السبعة وعلقت على الرأس أزالت الصداع العارض. عبيد الله، عروة، قاسم، سعيد، أبو بكر، سليمان، خارجة، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم

قال: (يا علي إذا صدع راسك فضع يدك عليه واقرأ آخر سورة الحشر" ذكره الديلمي في الفردوس وأسنده ابنه عن علي وابن مسعود مسلسلاً. وللديلمي عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "الحناء خضاب الإسلام يزين المؤمن، ويذهب بالصداع، وتحد البصر، وتزيد في الجماع" وعن النضر بن حميد رفعه: "عليكم بالشمس فإنها بكم برة تنزع الوجع، والصداع من الراس". ويطفأ عنه حر الحمى بماء زمزم كما في حديث مرفوع. وإن وجد شيئًا من أثره صلى الله عليه وسلم شعرًا أو غيره فليغمسه فيه ولو كان في جوف شيء من زجاج ونحوه ثم يغسل به وجهه. فقد روينا في دلائل النبوة للبيهقي من طريق عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة زوج النبي

صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها خلخال من فضة ضخم فيه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أصاب إنسانًا الحمى بعث إليها فخضخضت فيه ثم ينضحه الرجل على وجهه. قال عثمان: وبعثني أخي إليها فأخرجته وذكر هيئته، بل حكى أبو حفص السمرقندي في كتابه رونق المجالس: أن تاجرًا توفي وكان كثير المال، فورثه ابناه وكان مما خلفه ثلاث شعران من شعره صلى الله عليه وسلم، فأخذ كل منهما شعرة، وامتنع أصغرهما من قسم الثالثة إجلالاً لشعر النبي صلى الله عليه وسلم، بل ارتضى أن تكون الشعرات كلها عوضًا عن حصته من الميراث وهي شيء كثير، وأخذها فجعلها في جيبه، وصار يخرجها في كل قليل فيشاهدها ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعيدها إلى جيبه، فلم تمض إلا أيام وفني مال أكبرهما ونما الصغير كثيرًا. بل لما مات رأى بعض الصالحين النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: "قل للناس من كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره، ويسأل في قضائها". فكان الناس يقصدون قبره لذلك، بل لم يكن يمر بقبره أحد راكبًا إلا ترجل عن دابته. وكفى بهذا فخرًا لمن يكون خادمًا لشيء من آثاره الشريفة، وإن ضم إلى ذلك إمرارًا لما على الحجر الأسود، والركن اليماني كان أعلى، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم لهما محقق، وهذه الآثار ظنية. والله أعلم.

278 - مسألة: ما يكتب أو يقال لمن يتعسر عليها الولادة

278 - مسألة: ما يكتب أو يقال لمن يتعسر عليها الولادة. فالجواب: روى الدينوري في الجزء الرابع عشر من مجالسته من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ببقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت: يا كلمة الله ادع الله أن يخلصني فقال صلى الله عليه وسلم: يا خالق النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها، فألقت ما في بطنها. قال: فإذا عسر على المرأة ولدها فليكتب لها هذا. وروينا في الجزء الأخير من مكارم الأخلاق للخرائطي من جهة شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: بينما يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم عليهم السلام في البرية إذ رأيا وحشية ماخضًا فقال عيسى ليحيى: ما تلك الكلمات؟ فقال يحيى: حنة ولدت مريم مريم ولدت عيسى الأرض تدعوك يا ولد اخرج، يا ولد اخرج قال: فوضعت، قال حماد بن زيد ـ يعني راويه ـ: فما بحضرتنا امرأة تطلق، فقيل هذا عندها إلا ولدت، قال حماد: حتى الشاة تكون ماخضًا فأقوله وأنا قائم، فما أبرح حتى تضع. وللدينوري في الرابع عشر من المجالسة من طريق محمد بن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها فليكتب لها، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلثبوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم

الفاسقون). ورواه البيهقي في الدعوات مترجمًا عليه: ما يقول إذا عسر على المرأة ولدها من طريق الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في المرأة يعسر عليها ولدها قال: يكتب في قرطاس، ثم تسقى بسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقال عقبه: هذا موقوف على ابن عباس. قلت: قد رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة له، من طريق الحكم به مرفوعًأ، ولفظه: "إذا عسر على المرأة ولدها، أخذ إناء نظيف فيكتب فيه: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) الآية و (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) و (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب) إلى آخر الآية وتسقى المرأة منه، وينضح على بطنها، وفرجها. وروينا في جزء تمثال النعل لابن عسكار: أن مثال النعل الشريف إذا أمسكته الحامل بيمينها، وقد اشتدعليها الطلق تيسر أمرها، وكذا قيل في الموطأ للإماممالك: أنه إذا وضع على رأسها فسهل أمرها. وفي ترجمة التاج محمد بن هبة الله البرمكي الحموي من طبقات

الشافعية الكبرى لابن السبكي، أنه قرأ بخطه من نظمه: اثنان من بعدهما تسعة ... وسبعة من قبلها أربع وخمسة ثم ثلاث ومن ... بعد ثلاث ستة تتبع ثم ثمان قبلها واحد ... فرتب الأعداد إذ تجمع وقال: إنه يكتب على خرقتين لم يصبهما ماء وتضعهما المطلقة تحت قدميها فإنها تضع بإذن الله عز وجل وهذه صورتها: 2 ... بطل 7 ... زهج 6 ... واح انتهى ما وجد بخط المذكور والله المستعان.

279 - مسألة: هل ورد أنه من أراد أن يكون حمل زوجته ذكرا فليضع يده على بطنها وليقل: إن كان هذا الحمل ذكرا سميته محمدا، فإنه يكون؟

279 - مسألة: هل ورد أنه من أراد أن يكون حمل زوجته ذكرًا فليضع يده على بطنها وليقل: إن كان هذا الحمل ذكرًا سميته محمدًا، فإنه يكون؟ فالجواب: لا أصل له في المرفوع. نعم، روينا في جزء أبي شعيب عبد الله بن حسن الحراني عن عطاء الخراساني أنه قال: ما سمي مولود في بطن أمه محمدًا إلا أذكر. وفي ترجمة محمد بن سلام بن مسكين البغدادي من تاريخ ابن النجار قال: حدثنا وهب بن وهب حدثنا جعفر بن محمد حدثنا محمد بن علي حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسين بن علي حدثنا علي بن أبي طالب قال: من كان له حمل فنوى أن يسميه محمدًا حوله الله عز وجل ذكرًا وإن كان أثنى. قال وهب: فنويت سبعة كلهم سميتهم محمدًا. وعند الدينوري في الجزء الرابع عشر من «المجالسة» من طريق أبي الزناد قال: كنت ميناثًا فقلت ذلك لبعض إخواني فقال: إذا جامعت فاستغفر فولد لي بضعة عشر ذكرًا. ومثله ما في «تذكرة الغافل وأنس العاقل» لأبي الغنائم النرسي من حديث محمد بن زياد قال: قدمت المدينة فرأيت موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب جالسًا في الروضة الشريفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والناس يسألونه فتذكرت شيئًا أسأله عنه فلم أذكر وكنت ميناثًا فذكرت ذاك له فقال: إذا أردت أن تجامع فاستغفر ففعلت فولد لي بضعة عشر ذكرًا.

قال أبو الأسود راوي ذلك عن محمد بن زياد: فأنا رأيت منهم جماعة. تتمة: في باب السخاء من مكارم الأخلاق للخرائطي من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد حدثتني أمي قالت: كانت بمرو امرأة تلد البنات فولدت تسع بنات فلما حملت العاشرة قال لها النساء: يا فلانة إن ولدت المرة ابنة فاحمدي الله فقالت: إن ولدت المرة ابنة لم أحمد الله قال: فولدت خنزيرة فقالت لها أمي: فأتيتها فنظرت إلى الحنزيرة تحت قميصها فعاشت ثلاثة ايام ثم ماتت. وفي تاريخ بخاري لغنجار قال: حدثنا أحمد بن أبي حامد الباهلي سمعت بكر بن منير بن خليد ـ يعني الثقة المشهور ـ يقول: سمعت محمد بن الهيثم بن خالد البجلي الحافظ ببخاري ـ الذي سمعت البخاري يقول: اكتبوا عنه فإنه رجل مستور صدوق ـ يقول: كان ببغداد قائد من بعض قواد المتوكل وكانت امرأته تلد البنات، فحملت المرأة مرة، فحلف زوجها: إن ولدت هذه المرة بنتًا فإني أقتلك بالسيف، فلما قربت ولادتها، وجلست القابلة ألقت المرأة مثل الجريب وهو يضطرب، فشقوه، فخرجه منه أربعون ابنًا وعاشوا كلهم. قال محمد بن الهيثم: وأنا رأيتهم ببغداد ركبانًا خلف أبيهم، وكان اشتري لكل واحد منهم ظئرًا. وأشار إليه الكمال الدميري في الفرائص من شرح المناهج له فقال:

وحكى في "المطلب" عن محمد بن الهيثم عن زوجة كانت لسلطان بغداد وضعت كيسًا فيه أربعون ولدًا، وأنهم عاشوا، وركبوا الخيل، وقاتلوا مع أبيهم قال: وعن ابن المرزبان أنه قال في امرأة بالأنبار: ألقت كيسًا فيه اثنا عشر ولدًا. وعن الشافعي قال: أخبرني شيخ باليمن أنه ولد له خمسة أولاد في بطن واحد. انتهى. وعن أبي العباس بن سعيد فيما سمعه منه الدارقطني قال: بنو أبي إسماعيل راشد السلمي أربعة، ولدوا في بطن، وعاشوا حتى رووا العلم. وسبقه لذلك البخاري وقال: عامتهم محدثون، ولم يسمنا الرابع، ولأجلهم كان شريك بن عبد الله القاضي، إذا مات الرجل وله حمل وأرادوا قسم ميراثه عزلوا نصيب أربعة ذكور. ومما قيل فيمن يريد [أن] يعلم، هل المرأة حامل بذكر، أم أنثى، يأخذ قملة، ويحلب علهيا من لبنها في كف إنسان، فإن خرجت القملة من اللبن فهي جارية، وإن لم تخرج فذك. ويروى كما لابي نعيم في الطب عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده مرفوعًا: "أطعموا حبلاءكم اللبان فإن يكن في بطنها ذكر يكن ذكي القلب، ,إن تكن أنثى يحسن خلقها وتعظم عجيزتها".

280 - مسألة: ذم إمرة الصغار

280 - مسألة: ذم إمرة الصغار، مروي في أحاديث. منها: عند أحمد وابن ماجه وغيرهما بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم السابقة" وفي رواية: "في بني إسرائيل" قالوا: يا رسول الله! وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم".وفي لفظ: "إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في كباركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في رذالكم". ولكن ما المراد بالصغر، يظهر والله أعلم أنه ليس المراد به صغر السن، إذ رب صغيرٍ أفضل وأولى من كثير من الكبار، ويشير إليه قوله تعالى: (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك) وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم للولايات، مع صغر أسنانهم، بل يورى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل سرية فاستقرأهم فقرًا شيخ، ثم قرأ شاب، فاستعمله، فقال الشيخ: استعملته علي وأنا أكبر منه

سنًا فقال: "إنه أكثر منك قرآنًا". وكان عمرو بن سلمة الجزمي، يؤم قومه وهو صغير، وفيهم من هو أكبر منه لكونه أفضلهم وأقرأهم. وكان عمر رضي الله عنه يدخل ابن عباس رضي الله عنهما من أشياخ بدرً فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه ممن علمتم فدعاهم ذام يوم فأدخله معهم، قال ابن عباس: فما رأيت أنه دعاني يومئذِ إلا ليريهم قال: ما تقولون في قول الله (إذا جاء نصر الله والفتح)؟ فقال بعضهم شيئًا، وسكت بعضهم، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: (غذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.

وأشباه هذا كثيرة في أمراء العدل وغيرهم وإنما المراد بالصغر، النقص في الفهم والعقل والنظر في أمور الدين ومصالح المسلمين كما قال بمثله ابن المبارك رحمه الله في عده صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة: التماس العلم عند الأصاغر، حيث قال: هم أهل البدع، لا صغار الأسنان: ويستأنس له بقول بعض أهل العلم: الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا. وما أحسن قول القائل: تعلم فليس المرء يولد عالمًا ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل ولا يخدش في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم" وما أشبهه من

قوله: "كبر كبر". وقوله: "وقر الكبير" فذاك محمول على كبير فيه أهلية لا العري عن الصفات الجميلة أو جلها، وقد جاء عن مالك بن دينار أنه قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الحكمة تزيد الشريف شرفًا وترفع المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك. بل هذا يروى في حديث مرفوع بلفظ: "إن الحكمة ترفع العبد حتى تجلسه مجالس الملوك" ويجوز أن يكون الصغر بالنسبة لكونهم ليسوا من ذوي الأنساب، فهم عند كثير من الأغنياء صغار وإن كانوا علماء، وحينئذٍ فالمحذور فيهم كون السلطان يجد السبيل إلى احتقارهم، وعدم الانقياد لأوامرهم، سيما من ذوي الوجاهة في النسب على أنه يحتمل أن

يكون الصغر على ظاهره، ويكون المحذور في تقدمه عدم انقياد الكبير له، كما جاء مثله عن عمر رضي الله عنه فإنه قال: "قد علمت ما صلاح الناس ومتى فسادهم، إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا". ونحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير بل يروى عنه مرفوعًا، والآثار في هذا المعنى منتشرة. وأما ما رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وآخرون عن عابس الغفاري رضي الله عنه "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته ست خصال: إمرة الصبيان وكثرة الشرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم واستخفاف بالدم، ونشء يتخذون القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أفضلهم، يغنيهم غناء" فلعله أشار به إلى أيام يزيد بن معاوية بدليل ما رواه أحمد بن منيع من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله

عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان" وفي رواية: قالوا: يا رسول الله وما إمارة الصبيان؟ قال: "إن أطعتموهم هلكتم وإن عصيتموهم أهلكوكم". ولكن قوله فيها: "راس السبعين" غلط والصحيح رأس الستين كما صرحت به غيرها فقد كانت إمارة يزيد فيها وكان غالبًا ينزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه ـ كما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل وغيرها ـ يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان واستجاب الله عز وجل دعاؤه فمات قبلها. وللبيهقي في الدلائل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية: (فخلف من بعدهم خلف) فقال: (يكون خلف من بعد ستين سنة (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) " وذكر حديثًا. وبالجملة فمن تأمر على قوم وهو يعلم فهيم من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله. والله المستعان.

281 - مسألة: لا يثبت في دخول سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الجنة زحفا، أو حبوا حديث

281 - مسألة: لا يثبت في دخول سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الجنة زحفًا، أو حبوًا حديث، كما جزم به الحافظ أبو الحسن الهيثمي وأقره شيخه العراقي، وانتقد قول الحاكم في بعضها: صحيح الإسناد، بل سبقهما لذكره من بعض طرقه في الموضوعات ابن الجوزي ونقل عن إمامه المبجل أحمد بن حنبل أنه حديث منكر مع تخريجه له في مسنده وقال شيخنا رحمه الله في القول المسدد له: الذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب. قال: وأولى محامله أن نقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أن يضرب عليها، فإما أن يكون الضرب ترك سهوًا وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب قال: ثم رأيت بعد للحديث شاهدًا، قوي الإسناد. وساقه بغير الفظ المشار إليه مع اقتصاره على الحكم للإسناد، كأنه لنكارة المتن، ولكن الإجمال في هذا المقام خير من

تفصيل المقال، وإن كان التفضيل يشهد بلا ارتياب للتزلزل، والاضطراب حصول الغرض بدونه، وكيف لا يكون غير صحيح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثبت أنه غشي عليه ثم أفاق فأخبر أنه جاءه ملكان فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال لهما ملك آخر: ارجعا فإنه ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم. وقال علي رضي الله عنه كما في صحيح الحاكم وغيره: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه أمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض" ويروى أن رجلاً لين الصوت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فما بقي من القوم إلا من فاضت عينه غير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه" إلى غير ذلك من مناقبه المستفيضة التي بقصر الوقت عن استيفائها، وقد شهد رضي الله عنه بدرًا، والحديبية، وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة وصلى خلفه، وقال لخالد بن الوليد وقد بلغه عنه شيء في حقه: "يا خالد لم تؤذي رجلاً من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد، أو مثل الجبال ذهبًا لم تدرك عمله" ومعلوم أن الله

عز وجل قال في أهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فلو ارتكب امرء منهم شيئًا، وحاشاهم من ذلك، فهو مغفور. هذا مع أن كثرة ماله رضي الله عنه إنما كانت ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم له حيث قال له: "بارك الله لك" بحيث كان يقول: إنه لو رفع حجرًا لرجا أن يصيب تحته ذهبًا، وكون عامة ماله من التجارة بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها وهي ممن أضيف إليها الحديث المسئول عنه أنها قالت: وقد بعث إليها عبد الرحمن بمال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة". ونحوه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة". أخرجهما الحاكم في مستدركه وعنده أيضًا عن أبي هريرة رفعه: "خيركم خيركم لأهلي من بعدي". وكذا مع ما كان يصل به أمهات المؤمنين، أوصى لهن بحديقة بيعت

بأربعمائة ألف. إلى غير ذلك من صدقاته الفاشية، وعوارفه العظيمة حتى أنه أعتق في يوم ثلاثين عبدًا، وفي عمره ثلاثين ألف نسمة، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير وردت عليه تحمل من كل شيء فتصدق بها، وبمالها عليها وبأقتابها، وأحلاسها. وعن معمر الزهري قال: تصدق ابن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف. ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة. وأوصى بعد موته بخمسين ألف دينار، وبألف فرس في سبيل الله، ولمن بقى من البدريين كل رجل بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها وكان عثمان رضي الله عنه فيمن أخذ. ومن تكون الدنيا في يديه ويؤدي الحقوق منها ويتطوع بالأمور المستحبة فيها ولم تكن عائقة له عن الوصول إلى الله تعالى، ولا لها في قلبه مزية، ولا يفخر بها خصوصًا على من دونه ولا يكون بما في يديه منها أوثق منه بما عند الله بحيث يحبسها عما شرع له صرفها فيه مع التقتير على نفسه، وعياله وعدم إظهار نعمة الله عز وجل، ولا ينفقها في وجوه الباطل التي لم تشرع ولا يبذر يكون ذلك زيادة له في الخير قال صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للمرء الصالح". وقيل فيما للطبراني في الأوسط عن ابن عباس: يا رسول الله! من

السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: "بلى رجل أعطي مالاً حلالاً ورزق سماحة وأدنى الفقير وقلت شكاته في الناس" وفي حديث مرفوع لأحمد وغيره: "لا بأس بالغني لمن اتقى". وفي آخر: "من رزق الدنياعلى الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راض" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لو كان عندي أحد ذهبًا أعلم عدده وأخرجه زكاته، ما كرهت ذلك وما خشيت أن يضرني. وقال صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" وقال: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" إلى غيرهما مما بينته في "السر المكتوم" وكم في الصحابة ممن اتصف بجميع صفات الخير التي ترغب في الإكثار لها كعثمان بن عفان، وطلحة الفياض، والزبير بن العوام، وثلاثتهم من العشرة المشهود لهم بالجنة أيضًا، وسعد بن الربيع وغيرهم من سادات المسلمين، وترك ابن سمعود سبعين ألف درهم، فيتعين استثناء هؤلاء من عموم: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام" أو يخص بفقراء طبقتهم وهو أظهر، سيما والشاهد الذي صرح شيخنا بقوة وإسناده يمكن الاستشهاد به له. والله الموفق.

282 - مسألة: قد وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم قرائن حالية وأصول كلية تقتضي أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أحق بالإمامة وأولى بالخلافة من غيره

282 - مسألة: قد وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم قرائن حالية وأصول كلية تقتضي أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أحق بالإمامة وأولى بالخلافة من غيره. منها تقديمه له في الصلاة بالناس حين مرض موته وفي الحج سنة تسع ومنها قوله للمرأة التي سألته صلى الله عليه وسلم شيئًا وأمرها أن ترجع إليه وقولها: أرايت إن جئت فلم أجدك كأنها تعني الموت: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر" ومنها: قوله في مرض موته لعائشة رضي الله عنها: "ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" ومنها: منامه صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاءني أبو بكر وعمر، أخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبًا، أو ذوبين، وفي نزعه ضعف فغفر الله له ثم أخذها عمر من يد أبي بكر الحديث". ولذا كله وغيره من الأدلة ثبت كما في صحيح مسلم من حديث ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها سئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسخلفًا لو استخلف قالت: أبو بكر فقيل لها: ثم من بعده؟ قالت: عمر الحديث. وفيه إشارة إلى أنه لم يقع تنصيص صري على ذلك. وكذا قصة سقيفة بني ساعدة دالةعلى أنه لم يكن عند أحد من المهاجرين والأنصار في ذلك نص صريح، وما يروي من التنصيص عليه وعلى غيره، فباطل، كما بسطته في بعض الأجوبة، إذ لو ثبت شيء من ذلك لم يقل أبو بكر رضي الله عنه للأنصار رضي الله عنهم: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة. كما أنه لو كان عند علي رضي الله عنه أو غيره نص فيه، أو إيماء لنقل، ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره، بل اتفق المسلمون على أن دعوى الشيعة النص على علي، والوصية إليه

باطلة، وأول من كذبهم علي بقوله: "ما عندنا إلا ما في الصحيفة" أشار إليه النووي قال عقب حديث عائشة: هذا فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحًا، بل أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على عقد الخلافة له، وتقديمه لفضيلته ولو كان هناك نص عليه، أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا، ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا إليه، لكن تنازعوا أولا ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر رضي الله عنه واستقر الأمر، ثم إنه قد استشكل قول أبي بكر رضي الله عه "قد رضيت لكم" مع معرفته بأنه الأحق بالقرائن المشار إليها بحيث قال كما للترمذي وغيره بسند رجاله ثقات: "ألست أول من أسلم ألست أحق بهذا الأمر ألست كذا ألست كذا" وأجيب بأنه استحيى أن يزكي نفسه فيقول مثلاً: رضيت لكم نفسي، وانضم إلى ذلك أنه علم أن كلاً منهما لا يقبل ذلك ولا يرضى التقدم عليه، خصوصًا وقد أفصح عمر ذلك في القصة، وأبو عبيدة بطريق الأولى، لأنه باتفاق أهل السنة دون عمر في الفضل، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه، فلم ينكر ذلك عليه أحد، ففيه إيماء إلى أنه الأحق، وظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخليله من الأمر، وقد قال له عمر رضي الله عنه: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

283 - مسألة: تعاهد زيارة القبور، لا سيما من هو بالصلاح مذكور، أمر شهي محبوب، وقدر بهي مطلوب

283 - مسألة: تعاهد زيارة القبور، لا سيما من هو بالصلاح مذكور، أمر شهي محبوب، وقدر بهي مطلوب، والترعض لذكر مناقبهم ومآثرهم مما يبعث الهمم الزكية على اقتفاء طرقهم ظآثارهم، خصوصًا وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، وبالتوسل بهم تندفع كل بلية ونقمة، ولم يزل الجمهور من السلف والخلف على الاعتناء بها والاقتاء لسببها، ويكفي في تعيين قبر من يقصد بالزيارة اعتماد غلبة الظن الناشئة عن النظر في التواريخ المعتمدة في الصريح، والإشارة، أو التقليد لمن تلقى ذلك بيقين عن الأئمة المعتمدين. وعلى كل حال، فالخطأ في التعيين مغتفر فالقصد إنما هو ذاك الرجل المعتبر، وكان ممن ذكر في تاريخ المصريين السيد الشهير غازي، أحد الأئمة المعتبرين، وهو لعمري إمام، عابد فقيه، وهمام، قارئ وجيه ممن عرف باستجابة الدعاء، وامتلاء قلبه بالمعارف فكان نعم الوعاء عرض عليه القضاء فتركه تورعًا، واقتصر على اليسير زهدًا، وتقنعًا، ولزم القيام والتهجد، والصيام والتعبد، والتلاوة للقرآن، وأنواع الخير والإحسان، حتى صار كبير الشأن، متقدمًا في العلوم بإتقان، ثابت الأركان، إن ذكر القراء فقد ضرب من بينهم بأوفر نصيب، أو الفقهاء، فهو المحرر المصيب، أو الثقات، فقد ارتقى إلى الذروة، أو الأولياء، فناهيك أنه عرف باستجابة الدعوة، أو المحدثون، فالنبيل، أو أهل الأدب، فالجليل، مناقبه كثيرة، ومآثره شهيرة، شيخه في الفقه والحديث، إمام دار الهجرة مالك بن أنس، وحفظه لموطأه عن ظهر قلبه مما اتضح وما التبس، وفي القرآن نافع بن أبي نعيم أحد الأئمة السبعة البررة، بل

عرض مصحفه بمصحف شيخه فوق عشر متكررة، وهو أول من أدخل موطأ مالك، وقأه نافع معًا إلى الأندلس، فكان بهما انتعاش القلوب وحياة الأنفس، وأجرى ثواب ذلك في صحيفته، وكفاه بذلك فخرًا حيث ضم لما تقرر من منقبته، ولذا قال القائل من العلماء الأوائل في حقه، مما الحال يؤذن بصدقه: إنه انصرف إلى الأنلدس بعلم عظيم، نفع الله به أهلها بنية صالحة، وقلب سليم، وكان إمام الناس في القراءة بقرطبة، وأدب بها قبل رحلته المنتخبة، وشاوره مصعب بن عمران القاضي الإمام، بعد موت صعصعة بن سلام، لأنه كان تفقه في المسائل، وتقدم بجودة الفقه، ومعرفة الدلائل، وسمعه أصبغ بن خليل، وهو يقول فيما أخبر به عن نفسه، ونقل حالفًا بالله: أنه ما كذب كذبة قط منذ اغتسل، قال غازي: ولولا أن عمر بن عبد العزيز قاله ما قلته بين الأصحاب، هذا مع أنه لا حرج عليه في مثل ذلك، إذا كان خاليًا عن الزهو والإعجاب، بل التحدث

بالنعمة ورد به الأمر لما يتضمن من التأسي به فيه واقتفاء طريقته التي ينشرح لها الصدر، وقد وصفه الإمام الثابت الأركان في العلم والمباني أبو عمرو الداني، بأنه كان عابدًا صالحًا، وإلى الخير جانحًا، فاضلاً فقهيًا عالمًا أديبًا، ثقة مأمونا، متهجدًا بالقرآن قائمًا، ووصفه أبو عمر بن عبد البر: العظيم الشأن بالعقل والنبل في الحيدث، والتفقه في المسائل، والعلم بالقرآن، ويروى عنه أنه كان يقول مما يرغب فيه المستفيد: ما من يوم يأتي إلا يقول: أنا خلق جديد وعلى ما تفعله في شهيد، خذوا مني قبل أن أبيد، فإذا أمسى، وأقبل الليل قاصدًا خر لله ساجدًا إلى آخر الكلام.

284 - مسألة: إمام لغير محصورين، يقول في الرفع من ركعو ثانية الصبح: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فيقول المبلغون: ربنا لك الحمد ويمطونها، ليبلغ مدى أصواتهم، من بعد عنهم، لسعة المسجد، فإذا فرغوا أتى بقنوت الصبح المعروف. وذيله بقوله الملحن: اللهم لا

284 - مسألة: إمام لغير محصورين، يقول في الرفع من ركعو ثانية الصبح: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فيقول المبلغون: ربنا لك الحمد ويمطونها، ليبلغ مدى أصواتهم، من بعد عنهم، لسعة المسجد، فإذا فرغوا أتى بقنوت الصبح المعروف. وذيله بقوله الملحن: اللهم لا تهلكنا بغضبك ولا تقتلنا بعذابك وعافنا قبل ذلك، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، فقيل له: إن الزيادة بدعة، لم ترد في القنوت، فصمم عنادًا مع أن في المأمومين من يتضرر بذلك فهل هو آثم، خارج بذلك عن العدالة أم لا؟ فالجواب: انظار الإمام للمبلغين والحالة هذه، إما أن يكون فيه ساكتًا، أو قائلاً: أهل الثناء، أو ملء السموات. وعلى كل، فهو غير لائق، خصوصًا وهو ركن قصير، وسواء الصبح في ذلك، أو غيره، لكنه في الصبح أكد، لأنه بانضمام ألفاظ القنوت إليه يطول، وهو فيما قاله التاج عبد الرحمن بن إبراهيم بن الفركاح في "الإقليد" إن لم يكن مبطلاً فلا شك في كراهته قال: وإن كان عمل الأئمة غالبًا أنهم لا يستكملون ذكر الاعتدال إلا مع القنوت، فذلك جهل منهم بفقه الصلاة، بل قال ابنه البرهان: إنه لا ينبغي أن يؤخر الإمام الشروع في القنوت عن: ربنا لك الحمد، وإن آثر المأمومون التطويل، قال: لأني قد تصفحت الأحاديث، فلم أجد ما يقتضي التأخير عنه، ولم أر نقلاً صريحًا أن الإمام يزيد هنا على ربنا لك الحمد، ولا يعارضه الحديث الصحيح الذي فيه الزيادة، فإنه ليس فيه ذكر القنوت، وهي حكاية لا عموم لها، فتحمل على غير حالة القنوت، جمعًا بين الأحاديث، ثم حكى عن تهذيب البغوي. أن الشافعي

ذهب إلى أنه يقنت في الصبح إذا فرغ من قوله: ربنا لك الحمد إلى آخره، يعني وهو قوله: من شيء من بعد، أولا ينفع ذا الجد منك الجد. وإذا علمت كلام ابني الفركاح فيما هو مأثور في الجملة، فما زاده هذا الإمام بذلك أحرى، لأنه لم يرد في هذا المحل، كما قاله المرشد، ولكن عند سماع الرعد والصواعق، ولفظه عند البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" والحاكم في مستدركه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك". وكذا أخرجه ابن السني، عن أبي يعلي، وفي لفظ للنسائي أيضًا: إذا سمع الرعد والبروق قال: "اللهم لا تهلكنا بشيء من عذابك وعافنا قبل ذلك" وأما: "اللهم اكشف عنا من البلاء إلى آخره" فهو في الاستسقاء وإيراد ذلك بدعة ابتدعها هذا الإمام ينشأ عنه مع ما تقدم من انتصاره فراغ التمطيط، إطالة هذا الركن القصير، وتضمنه إطالة القنوت، مع التصريح بكراهته، بل في البطلان بذلك احتمال للقاضي حسين، منشأوه أنها قومه صغيرة كبين السجدتين، ومن ثم توقف بعض محققي المتأخرين ممن أخذنا عمن لقيه في ضم قنوت عمر إلى هذا، وإن صرحوا بندبه لمنفرد، أو لإمام لمحصورين، يؤثرون التطويل، ووراء هذا مفسدة أخرى، وهي أن كثيرًا من العوام ممن يدرك الإمام منتصفًا للقنوت يحرم، ثم يركع، ثم يقف مع الإمام، ويعتد بتلك الركعة، فإذا طال القنوت كان أشد في انتشار المفسدة، وكذلك كان شيخنا رحمه الله يخففه جدًا مع الإتيان به سرًا، وإذا علم الإمام تضرر بعض المأمومين بذلك، أو ذهاب خشوع بعضهم بالمبالة في الألحان فالموضوعة المخلة وتمادي في ذلك فهو آثم، لا سيما إن كان بعد علمه وكون إصراره على وجه العناد، بل هو فاسق

285 - مسألة: فيمن نفى إيمان ورقة فضلا عن صحبته متمسكا بقول من لم يشتهر بعلم وصمم على ذلك ماذا يلزمه؟

بذلك، مردود الرواية والشهادة وبالله التوفيق. 285 - مسألة: فيمن نفى إيمان ورقة فضلاً عن صحبته متمسكًا بقول من لم يشتهر بعلم وصمم على ذلك ماذا يلزمه؟ فالجواب: قد أقر ورقة رضي الله عنه بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، وفي آخر القصة: "ثم لم ينشب ورقة أن توفي". قال شيخنا رحمه الله: وهذا ظاهر أنه أقر بنبوته، ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام، فيكون مثل بحيرا وفي إثبات الصحبة له نظر، هذا مع أنه قد ذكره في الصحابة الطبري، والبغوي، وابن قانع، وابن اسكن وآخرون، وشاهده ما تقدم، فإنه آمن به بعد النبوة، وأصرح منه ما جاء عن عمرو بن شرحبيل وهو من كبار التابعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها: "إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، فقد والله خشيت على نفسي" فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة .. الحديث. فقال له ورقة: "أبشر، ثم أبشر، فأنا اشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، وإن يدركني ذلك لأجاهدن معك، فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير، لأنه آمن بي وصدقني" وهو منقطع، ولكن يعتضد بمرسل جيد عن عروة بن الزبير لفظه: كان بلال رضي الله عنه لجارية من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول: أحد أحد فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد

أحد يا بلال، والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا" وهو كما قال شيخنا: يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال وحينئذٍ فقوله فيما تقدم: "ثم لم ينشب" أي قبل أن يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد. انتهى. على أن ظاهر صنيع شيخنا في شرح النخبة اختصاص التوقف بمن لم يدرك البعثة، فإنه قال: ـ وقد عرف الصحابي ـ بأنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به إلى آخره" أن قوله: "به" يخرج من لقيه مؤمنًا، لكن بغيره من الأنبياء، ولكن هل يخرج من لقيه مؤمنًا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة، فيه نظر، ويتأيد صنيعه هنا بمغايرته بين بحيرا، وورقة، فذكر بحيرا في القسم الرابع من كتابه في الصحابة لكونه كان قبل البعثة، وذكر ورقة في القسم الأولمنه، لكونه إن لم يكن بعد الدعوة، كان بعد النبوة، وإذا كان كذلك فلا يليق الجزم بنفي صحبته، وأما نفي كونه مؤمنًا، فجهل صريح، ويمنع قائله، فإن أصر أدب، وإن قال ابن منده أنهم اختلفوا في إسلامه، ويروى مما هو ضعيف: أنه مات على نصرانيته، لقول النووي رحمه الله: إن ما صدرت به جوابي، ظاهر في إسلامه، واتباعه، وتصديقه، وهو المعتمد، والمرجوع في هذا وأشباهه لأئمة الحديث ونقاده وللحديث رجال يعرفون به وللدواوين كتاب وحساب والمسألة محتملة للبسط أكثر، ولكن المرجو حصول الغرض بما أثبت، والله المعين.

286 - مسألة: بم يستفتح به الدعاء عقب الصلاة، أبالتسمية أم بالحمد؟

286 - مسألة: بم يستفتح به الدعاء عقب الصلاة، أبالتسمية أم بالحمد؟ فالجواب: السنة أن يفتتح دعاءه عقب الصلاة وغيرها بحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رواه أبو داود في سنته عن فضالة بن عبدي رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، لم يمجد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا" ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء". وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي، وكذا ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في صحاحهم قوال الحاكم: إنه على شرط مسلم، وفي موضع آخر: على شرطهما، ولا أعرف له علة، وفي لفظ عند بعضهم: "بتمجيد الله تعالى والثناء عليه" وفي آخر: "فمجد الله وحمده" وفي لفظ للترمذي وغيره: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا، إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، ثم صل علي، ثم ادعه" قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها المصلي ادع تجب" وفي رواية: "سل تعطه" وقد أورده النووي في آخر الترجمة التي عقدها للأذكار بعد الصلاة من أذكاره ولقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمرٍِ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله" وفي رواية "بسم الله فهو أقطع" وكأنه أريد بالحمدلة والبسملة ما هو أعم منهما، وهو ذكر الله تعالى، والثناء عليه، على الجملة بصيغة الحمد، أو غيرها، ويؤيده رواية ثالثة والثناء عليه، على الجملة بصيغة الحمد، أو غيرها، ويؤيده رواية ثالثة لفظها: "بذكر الله" وحينئذٍ فالحمد لله والذكر والتسمية سواء، فمن ابتدأ

«بحمد الله والصلاة عليَّ» كما بينت كل ذلك في جزء مفرد في الكلام على هذا الحديث، وبما قررناه في حصول المقصود بواحد مما ذكر، يجاب عن الأحاديث التي وردت في دعائه صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة، وليس فيها التصريح بالبداءة بالحمد ولا بالتسوية، وكذا عن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «أوصيك يا معاذ بكلمات لا تدعهن في دبر كل صلاة أن تقول: رب أعني على شكرك، وذكرك، وحسن عبادتك»، لأن أكثرها مسبوقة بأذكار، أو يجاب عنها بالاكتفاء بما ابتدأ به الصلاة من التكبير، ودعاء الاستفتاح، والحمد، أو أنه لبيان الجواز، نعم. يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى، ثم يقول: «بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن» وفي لفظ: كان إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال: «بسم الله الذي لا إله غيره، الرحمن الرحيم، اللهم» وذكره. وفي حديث لجابر رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول خلف كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت». ولابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال: «لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وعن عائشة رضي الله عنها نحوه، وفي تخريجها واستيفاء ما يشبهها طول، حصل الغرض بدونه، وبالجملة فالأكمل الابتداء بالحمد، أو ما يقوم مقامه، مما فيه تمجيد وثناء، عملاً بحديث فضالة، وإن كان أصل السنة يحصل بمجرد الذكر،

وثناء، عملاً بحديث فضالة، وإن كان أصل السنة يحصل بمجرد الذكر، وبالله التوفيق.

287 - مسألة: في هدم المكان الذي أحدثه اليهود ـ لنعهم الله ـ كنيسة ببيت المقدس، استفتي عنه قبل جريان ما جرى؟

287 - مسألة: في هدم المكان الذي أحدثه اليهود ـ لنعهم الله ـ كنيسة ببيت المقدس، استفتي عنه قبل جريان ما جرى؟ فالجواب: أما اليهود، فهم لكونهم مع كفرهم بدينهم، زادوا، كما هو المعهود بمزيد الجمود والنقض للعهود، والاهتمام التام بالغدر ببنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، بحيث أنهم اتفقوا مرة فيما بينهم، حيثن كان جالسًا مع أصحابه بجانب جدار لهم، على أن شقيًا منهم يصعد إلى أعلى الجدار فيلقي عليه صخرة، ليقتل ويستريح كل منهم ـ زعم منه ـ دهره، فاه عن الله الخير بما به هموا، فانصرف راجعًا، وخابوا وذموا. ودسوا مرة عليه منهم شقية فسمته في شاةٍ أتته بها مصلية. واجتهدوا أيضًا في

سحره، فقوهروا بعلى قدره، فاجتمعوا بلبيد بن الأعصم، وكان منافقًا وجعلوا له جعلاً على أن يسحره سحرًا واثقًا، فانقبوا بعد أن تبعوا بخزي وامتهان، وذلك من سائر الأركان، وأنهم من أتباع الأعور الدجال، المستعدين للمسلمين بالسيوف والنبال، وسائر أنواع القتال مع النص المتيقن بأنهم أشد لنا في الحسد والعداوة، وأبد للتمكن من البلادة والغباوة حتى اشتهر أنه ما خلا بعضهم بمسلم، إلا وهم بقتل له معدم، ويروى في ذلك حديث مرفوع بينته في غير هذا المجموع، ومصداقه ما

حكاه له قاضي الحنابلة العز المرحوم، وحاله في الجلالة معلوم أنه كانمرة وحده مارًا بجانب بركة ومقابله من الجانب الآخر يهودي ممن له سعي وحركة، فشرع اللعين في حذفه بالحجارة وأسرع في تواليها بيقين، قاصدًا إقباره، فسلم الله من غدره، ورد كيد اللعين في نحره. بل حكى الفخر الرازي في تفسيره المتقن: أن مذهبهم وجوب الأذى لمسلمين مهما أمكن بقتل، أو قطع، أو أخذ مال، أو نحوها، مما ليس لهم عنه انتقال، كقولهم في التحية المقصود بها الإكرام: عليكم السام، بخلاف النصارى، زيدوا شقاء دهرهم، فإن الأذية حرام عندهم، وكونهم أكذب الخلق على الله، وأنبيائه ورسله، وأصفيائه. وفي كلام أبي حيان لهذا مزيد بيان، فإنه قال عند رأس الحزب الثاني في سورة المائدة من "بحره"

أنهم تربوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم، وعلى العتو والمعاضي، واستشعار اللعنة، وضرب الذلة والمسكنة، فتجردت عداوتهم وكيدهم وحسدهم وخبثهم قال: وفي وصف الله إياهم بأنهم أشد عداوة إشعار بصعوبة إجابتهم إلى الحق، ولذلك قل إسلام اليهود، وقال: وإنما جعل النصارى أقرب ودًا وألين عريكة منهم، لأنهم أمة لهم الوفاء والخلال الأربع التي ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم: ويعظمون من أهل الإسلام من استشعروا منه دينًا وأمانة، ويبغضون أهل الفسق، وإذا سالموا فسلمهم صافٍ، وإذا حاربوا فحربهم مدافعة، لأن شرعهم لا يأمرهم بذلك، قال: واليهود ليسوا على شيء من أخلاق النصارى، بل شأنهم الخبث واللي بالألسنة، وفي خلال إحسانك إلى اليهود يترقب ما يعبأ لك به، ألا ترى إلى ما حكى تعالى عنهم في قوله: (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) انتهى. كانوا في كل قطر وزمان من الذل والامتهان بأوضع مكان، فرءوسهم منكسة، ونفوسهم بالمباهتة مؤسسة، لا كنيسة لهم تذكر، ولا نفيسة عنهم تعتبر، بل هم أقل، وأحقر وأذل وأفقر، وأنتن وأقذر، وأعفن وأدبر، إلى غير ذلك مما هو أشهر من أن ينقل ويؤثر، وانظر إلى قول ابن الناطور رئيس نصارى بيت المقدس فيهم لهرقل ملك الروم بعد أن عرفهم بالخزي واللوم، وتقرر لديه نبيتهم: لا يهمنك شأنهم، واكتب إلى أهل المدائن التي في مملكتك

وتحت سلطنتك وقبضتك فليقتلوا من بها منهم، ويزيلوا بذلك المكروه عنهم، تعرف أنهم لم يكن لهم قبل الإسلام شوكة ولا علو في دار ولا مملكة. وكذا ذكر أبو حيان في البحر عند قوله من تفسير آل عمران (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) نقلاً عن ابن إسحاق: إن اليهود غزوا الحواريين بعد رفع عيسى، فأخذوهم وعذبوهم فسمع بذلك ملك الروم وكان ملك الروم من رعيته فأنقذهم، ثم غزا بني إسرائيل، وصار نصرانيًا ولم يظهر ذلك ثم ولي آخر بعد وغزا بيت المقدس بعد رفع عيسى بنحو أربعين سنة، فلم يترك فيه حجرًا على آخر، وخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز، فكان من أمرهم ما ذكر في السؤال مما طويته، وقال شيخنا ـ أعلم أهل الأرض بالخبر ـ شيخ مشايخ الإسلام ابن حجر، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه أعالي جنته ـ: إنهم كانوا مع كثرتهم بإيلياء من تحت الذلة مع الروم الأشقياء لم يكونوا ملوكًا برؤوسهم، لما علم الله من مزيد خبث نفوسهم. ونقل أبو حيان عند قوله في آل عمران أيضًا (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) عن غيره: إن الآية تخبر عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة فلا تكون لهم مملكة كما للنصارى، ثم حكى عن الجمهور في تفسير الآية سببًا آخر. ومن ذلهم المستمر أنه لما انتشر الإسلام واستتر كفر أهل الملة اللئام،

وعوهد النصارى الحياري امتنعوا من مساكنتهم واجتمعوا على اشتراط إبعادهم عن ساحتهم، ولم ينقل فيما استقريته الاستقراء التام أن لهم كنيسة بدار الإسلام حسبنما أشير إليه في مطوي السؤال وصير إلى تحريره فيه بأحسن مقال، ونحوه قول أبي حيان: إنه لم يكن فيهم قط أهل ديار ولا صوامع وانقطاع عن الدنيا، بل هم متطامعون متطاولون لتحصيلها حتى كأنهم لا يؤمنون بآخرة، ولذلك لا يرى فيهم زاهد. ويتأيد بما نقل لي عن شيخنا وأستاذنا أنه قال: كل ما بالقاهرة منها محدث، مستحق الاستهدام، حقيقة بالإزالة والإعدام وكذا قال التقي المقريزي أوحد بالمؤرخين بالاعتراف جميع كنائس القاهرة محدث في الإلام بلا خوف، وقد هدم جلها المسلمون في زمن الناصر محمد بن قلاوون بغير اختياره ومرسومه، بل بتأييد من الله تعالى، العالم بظاهر الأمر ومكتومة ولذلك سبب عجيب، وخبر غريب، وهو أنه بعد فراغ الناس من صلاة الجمعة بقلعة الجبل قام موله في وسط الجامع فصاح صياحًا مزعجًا خرج به عن الحد: اهدموا الكنيسة التي بالقلة وكرر ذلك ثم اضطرب، فتعجب السلطان والأمراء من قوله: ورسم بالفحص عنه فوجد بخرائب التتر من القلعة قد بنيت كنيسة فهدمت، ولم يفرغوا منها حتى جاء الجيران العوام والغوغاء اجتمعوا وقت صلاة الجمعة أيضًا وهدموا عدة كنائس بقناطر السباع ونواحيها ما بها وهو شيء يفوق الوصف حتى صارت كومًا، واتفق مثل ذلك في هذا اليوم أيضًا بالقاهرة حيث صاح شخص آخر من الفقراء بجامع الأزهر بين خروج الخطيب والأذان بقوله: اهدموا كنائس الكفر والطغيان. نعم، الله أكبر، فتح الله ونصر، وصار يزعج نفسه ويصرخ

بقوله: إلى الأساس، إلى الأساس، فأحدق الناس إليه النظر ولم يدروا ما هذا الخبر، بل ولم يجدوا شخصه مع إحكام كل منهم في ذلك فحصه فهدمت عدة كنائس منها، بل ومن مصر أيضًا، وجاء الخبر من كل من نائب إسكندرية، ووالي البحيرة ومدينة قوص أنه وقع بالأمكنة المذكورة في يوم الجمعة المشار إليه هدم كنائسها أيضًا وتوارد الخبر من الوجهين القبلي والبحري بكثرة ما هدم في اليوم المذكور، وعلل بعض الفقراء ذلك بكثرة ما زادوا في الطغيان والفساد والمهالك، وكذا أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله بهدم بيع النصارى المستجدة، ورد على من كتب إليه من ملوك الروم يساله في إجراء أمرهم على ما وجدوه من الكنائس وغيرها، فإنهم زعموا أن من تقدمك فعل في كنائسهم ما منعتهم منه فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سنتهم، وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أدرت بقوله: أما بعد فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله تعالى في قصة داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكمًا وعلمًا). وحينئذٍ فلقد أجاد هذا السيد الإمام، السند الحبر الهمام، المؤيد لدين الإسلام، والمستعد بتنفيذ الأحكام، لا سيما وقد تأيد بما ذكر من مرسوم السلطان للذي تأيده به خذلان أولى الزيغ والطغيان، شد الله به عضد الدين وساعده، وأعلى به منار الإسلام، وثبت قواعده، ونصره لذلك نصرًا لا ينفك في ازدياد، ولا ينفك عن جلب المراد، ودفع العناد، وكيف لا يكون بهدم ما تأسيس على الفساد آمرًا وبذم من عليه لبس ودلس قاهرًا، وقد أبطل كثير من المكوس، وعطل ما يميل إلى إبقائه كل متخذل معكوس، وأحيا جملة من

مشاعر البلد الحرام وأعيا بتدبيره من يروم اللحاق به من الملوك العظام كما شرحته مع غيره مما يطول في سيرته، وأوضحته من سريرته، ثم كيف لا يكون ذلك على يد إمام تضلع من السنة النبوية بما لا يخفى، واطلع على سير كثير من ملوك العدل والخلفاء، وعرف بمزيد التعبد والزهادة، ووصف بأنه من أولي الكشف والإرادة وكنت ممن مثل خدمته وحصل على الغنيمة الكبرى، ففاز برؤيته، وأثبت من أحواله وأحوال سلفه ما لا يستكثر على صحيح نسبه وشرفه، وحقه أن يكون عن أمر الدين مسئولاً، إلا أن مثلي أو أعظم مني يرشده لما يكون مقبولاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما ثل أهل بيتي فيكم كمثل سينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق و"إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله

غفر له" وقال أيضًا: "النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض" وقال أيضًا: "لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون

عترتي أحب إليه من عترته ويكون أهلي أحب إليه من أهله ويكون ذاتي احب إليه من ذاته" إلى غير ذلك مما أودعته في مصنفي المسمى "ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف" لا سيما وقد صنف شيوخ المذهب كالنجم ابن الرفعة "النفائس في ترميم الكنائس" وجزءًا آخر بديعًا أودعه القاضي تاج الدين السبكي في فتاويه، ثم تلميذه السراج

البلقيني عدة تآليف. وأودع ولده شيخنا قاضي القضاة العلمي البلقيني رحمه الله منها في الفتاوي التي جمعها له واحد، استدل فيه على هدم كنائس اليهود بأحد عشر وجهًا، وجمع قبله الشيخ شمس الدين ابن القيم الحنبلي مجلدًا حافلاً في شروط أهل الذمة وأحكامهم ينتفع به وكذا لشيخه التقي ابن تيمية عدة تآليف وفتاوى في آخرين، اجتمع عندي منها جملة "كشروط أهل الذمة" للحافظ أبي الشيخ ابن حيان و"الإيضاح والبيان" للشيخ أبي عبد الله ابن النعمان المالكي و"استعمال أهل الذمة" لأبي أمامة ابن النقاش الشافعي، و"إلزام أهل الذمة بالشروط

العمرية" أظنه للعماد ابن كثير الحافظ، ومصنف للحافظ ابن زبر، ولو أردت السط في هذه المسألة لكان مجلدًا حافلاً، لكن الوقت أضيق عن الاشتغال بما هو معلوم، مقرر، مفهوم، على أن لي جزءًا لطيفًا جمعته حين رام الظاهر حشقدم رحمه الله إلزام أهل الذمة بالشروط العمرية، سميته "القول المعهود فيما على أهل الذمة من العهود" ثم إن اليهود الكذبة الخونة زعموا في أيام الظاهر جقمق رحمه الله في مكان بحارة رويلة كان معدًا لتعليم أطفالهم، والسكنى به، يعرف بدار ابن شميخ أنه كنيسة، فقام المسلمون في صرفهم عن ذلك، واثبتوا على نائب القاضي الحنفي وغيره، أن الدار المشار إليه، مستحقة لبيت المال المعمور بحكم أن ابن سميح المذكور هلك، ولم يعقب، ولم يترك من يحجب بيت المال عن استحقاقها، سفلاً وعلوا وأن رؤساء اليهود القرابين، ومشايخهم يتداولون وضع أيديهم عليها خلفًا عن سلف بغير طريق شرعي، وسر المسلمون بذلك سرورًا كبيرًا، ويكفي القائمين بهدم هذه الكنيسة ومقدماته ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" ومن

حديث عمير بن هانئ وحميد كلاهما عن معاوية رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" زاد البخاري: قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ رضي الله عنه وهم بالشام. فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذًا يقول وهم بالشام. وهو عند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وللطبراني في حديث البهزي نحوه.

وكذا أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي صالح الخولاني عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم". الحديث. وعند مسلم من حديث أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" وذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني: إن المراد بالغرب الدلو، أي العرب بفتحتين، لأنهم أصحابها، لا يستقي بها أحد غيرهم، وقال غيره: المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الاجتهاد، يقال: في لسان غَرْب بفتح ثم سكون، أي حدة. قال شيخنا رحمه الله: ويمكن الجمع بين الأخبار، بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويستقون بالدلو، ويكون لهم قوة في جهاد العدو، وحدة وجد. انتهى. وفسر البخاري الطائفة تبعًا لشيخه علي بن المديني بأهل العلم،

وعنه أيضًا: أنها هي المشار إليها بقوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) وليس بمناف للأول. وعن أحمد: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟. قال النووي رحمه الله: ويجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض دون بعض منه، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولاً إلى أن لا تبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله. انتهى ملخصًا مع زيادة فيه. ويجب على ولي الأمر ـ جمع الله به كلمة الدين وقمع به المفسدين وأدام بهجته وحفظ على العالم مهجته ـ إكرامهم واحترامهم وإرفادهم، وإمدادهم، وتقوية يدهم، والتسوية في شد عضدهم، لا سيما وهم بأمره بذلك أيضًا قائمون، وبذكره بالجميل جاهرون، وأن لا يصغى لمن يموه ويزخرف وينوه بالتخذيل، ويحرف حيث يقول مما ليس بمقبول، وإن راح على ضعفاء العقول، أن لنا عندهم ببلادهم أسرى ومساجد يخاف عليها من المفاسد، فذاك بالنصارى مخصوص دون اليهود، البهت اللصوص، فليست لهم سلطنة ولا مملكة مزلزلة، فضلاً عن متمكنة، بل هم في

الجاهلية والإسلام كما قدمنا نقله عن الأعلام في غاية من الذل والهوان بكل مكان، فالأخذ على يدهم في هذا محض ضرر، لكونه يؤدي إلى القوة لهم والظفر، فيظهروا من العدواة لأهل الإسلام ما عجزهم يمنع عن إبدائه ويشهروا سيف الانتقام الذي ربما يكون توطئة لقوة الدجال في أعوانه، إذ هم أعظم جنده، وأعلم بأسباب وده، ولله در المأمون، إذ خرج توقعه الميمون: بأن أخبث الأمم اليهود، وأخبث اليهود السامرة من ذوي الحجود، وأخبث السامرة بنو فلان، الزائد ما يصدر عنهم من الطغيان، فليقطع ما بأسمائهم من ديوان الجيش والخراج، ليحصل لأهل هذا الدين القيم تمام التأييد، والابنتهاج، على أن هذا التعلل الذي اشتهر، فهو مع كونه في خصوص النصارى أيضًا غير معتبر وقد ورد في زمن الظاهر جقمق قاصد ملك الحبشة الذي في نصر الدين القيم قد صدق، فقيل له: إنا نكرم من عندنا من النصارى رعاية له، خوفًا على مملكته لقلة عدد المسلمين هناك، وكثرة القائمين بالاشراك فقال: لا تتكلفوا لذلك، وافعلوا ما أمرتم به من عز الدين وذل من للكفر سالك، فحزب الله هو المنصور وحزب أعدائه كل منا به مأمور، وكم من ملك وأمير وخليل ووزير، قد تصدى لهدم كثير مما للنصارى الأبالس من الديورات والكنائس فلم ينطق أهل الزيغ والسفه ببنت شفة، وكانت عاقبته محمودة، وعائدته بالنفع موجودة، منهم نورور العلي الهمة والمقدار، مع كونه في مملكة التتار ثم منكلي بغا نائب الشام المحروس، بالغ في ذل النصارى والتبارك والقسوس، بالحبس والغل والإشهار، والرفس والذل، والإقبار، بل لما فتح باب كيسان في الشام وجد هناك مسجدًا كان قبل

الخمسمائة كنيسة لليهود اللئام، قد تمادى عليه الزمان وهجر من الصلاة والإعلان بالأذان، فوسعه وصيره جامعًا ثابت الأركان، وأحدث فيه خطبة مع كونه داخل سور دمشق ولم يتفق منذ فتحت إحداثها إلى الآن فارتغم اليهود أيضًا لا سيما وقد صارت حارتهم هناك للدواب وغيرها موطئًا وأرضًا. وكذا اتفق حين كان البلقيني بالشام قاضيًا أخذ كنيسة لليهود وجعلت مسجدًا شاميًا، وفي رمضان سنة ثمانين وسبعمائة مضبوطة عدا، توجه الجمال أبو الثناء محمود القيصري المحتسب إلى الجيزة فهدم كنيسة أبي النمرس وعملها مسجدًا، ووقع في زمن الظاهر أبي سعيد نحو هذا التأييد، فمولانا السلطان حماه الله عن الإصغاء للزور والبهتان يستخير الله في عمل هذه البقعة مسجدًا ويستشير من يتقي الله في جعلها للمسلمين معبدًا، لتذكر بذلك مملكته إلى الأبد، ويشتهر بين سائر ملوك الآفاق بقوة العدد والمدد، فذاك الغاية في إرضاء الله ورسوله، وإمضاء ما بلغه من صحيح المقال ومقبوله، يسر الله له ذلك بمنه وكرمه، وقهر بوجوده كل سالك للمخالفة بلسانه وقلمه، فقد قال تعالى في كتابه: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) وقال: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) وأما ما ذكر ـ أعني مما طوى من السؤال ـ من تمرد اليهود، فقد استفيض

على الألسنة عنهم ي هذه الحادثة، ما هو أبلغ مما ذكر في السؤال، مما لا يشك في انتقاض عهدهم الملتزمين به ببعضه فضلاً عن مجموعه، ومعلوم أن مولانا السلطان نصره الله قد تكلف في التجاريد التي تكررت في أيامه وبذل الأموال التي تفوق الوصف، ففي عمله بمقتضى نقض العهد ما تحصل له به إن شاء الله الخلف عن ذلك كله، لا سيما وليست لهم شوكة ورواية في هذا بخصوصه أعلى وأولى، والله المستعان وعليه التكلان، ونسأله إلهام رشدنا، وإعاذتنا من شرور أنفسنا وكفايتنا أمر الأعداء المعتدين، وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين.

288 - مسألة: ما حكم الحديث الوارد في النهي عن كسر سكة المسلمين ومعناه وعلة النهي؟

288 - مسألة: ما حكم الحديث الوارد في النهي عن كسر سكة المسلمين ومعناه وعلة النهي؟ فالجواب: أما الحديث، فهو عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي في سننهم وأحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وآخرين كلهم من حديث محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله ـ وهو ابن عمرو بن هلال وقيل ابن شرحبيل المزني ـ عن أبيه رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس. زاد الحاكم وغيره: أن يكسر الدرهم فيجعل فضة أو يكسر الدينار فيجعل ذهبًا. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح. قلت: بل مداره على محمد بن فضاء، قال المنذري ولا يحتج به وكذا قال البخاري: سمعت سليمان بن حرب يضعفه ويقول: كان يبيع الشراب. قال سليمان: ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سكة إنما ضربها

الحجاج بن يوسف أو نحوه انتهى. وضرب الحجاج لها كان بأمر عبد الملك بن مروان فقد روينا في جزء من حديث أبي رفاعة عمارة بن وثيمة أنه قال: قال محمد: أول من ضرب الدنانير في الإسلام عبد الملك بن مروان وإنما كانت الدنانير تأتي من بلد الروم وتطلق لهم القراطيس وكانت تكتب في رؤوس الطوامير (لن يستنكف المسيح أن يكون عدًا لله ولا الملائكة المقربون) الآية فلما نظر ملك الروم إلى الكتاب قال: ما هذا؟ فقريء عليه وقيل له: قد شتموا إلهك الذي تعبد ـ يعنون عيسى ـ فغضب وكتب إلى عبد الملك يقول: والله لئن كتبت بعدهذا في الطوامير لأنقشن في الدنانير شتم نبيك، فاغتم عبد الملك فدخل عليه خالد بن يزيد بن معاوية وكان داهيًا فأخبره عبد الملك بذلك فقال له خالد: لا تغتم اجعل عندك دارًا للضرب واضرب فيها وامنعه القراطيس فإنه سيحتاج إليها فيأخذها على ما فيها، شاء أوابى، ففعل فكان أول من ضربها في الإسلام. وأما السكة، فهي الحديدة التي تطبع عليها الدراهم والنهي إنما وقع عن كسر الدراهم المضروبة على السكة لا عنها، قاله الإمام أبو سليمان الخطابي في معالمه ونحوه قول ابن الأثير: أراد الدنانير والدراهم المضروبة يسمى كل واحد منها سكة، لأنه طبع بالحديدة واسمها السكة

والسك. قال الخطابي: واختلف الناس في علة النهي، فذهب بعضهم إلى أنه كره لما فيها من ذكر الله سبحانه وأسمائه، وبعضهم لما فيه من تضييع المال من أجل الوضيعة قال: وبلغني عن أبي عباس ابن سريج أنه قال: كانوا يقرضون الدراهم ويأخذون أطرافها نهوا عنه. زاد غيره: لكون المعاملة بها في صدر الإسلام كانت بالعدد لا بالوزن. قلت: وقد كثر هذا في زمننا وعم الضرر به قال: وزعم بعض أهل العلم أنه إنما كره قطعها وكسرها من أجل التدنيق قال الحسن: لعن الله الدانق وأول من أحدثه. ثم أن بعضهم خص الكراهة بما إذا أعيدت تبرًا فأما من يكسرها للنفقة، فلا، ولكن لم يسمح الإمام أحمد بكسرها ولو للفقراء فروى إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت أبا داود يقول: سألت أحمد أو سئل: حضرني سائل ومعي درهم صحيح أكسره له؟ قال: لا. وقوله: إلا من بأس أي لا تكسر إلا من أمرٍ يقتضى كسرها إما لرداءتها، أو شك في صحة نقدها، والله أعلم.

289 - مسألة: هل ورد تبسمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟

289 - مسألة: هل ورد تبسمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟ فالجواب: أخرج أحمد بن منيع والطبراني في الكبير والأوسط من حديث علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله ـ هو ابن رئاب لا ابن حرام ـ رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر في غزوة بدر إذ تبسم فلما قضى الصلاة قيل له: يا رسول الله تبسمت في الصلاة؟ قال: "مر بي ميكائيل وعلى جناحه الغبار ضحك إلي فتبسمت" وقال الطبراني بعده: لم يروه عن جابر إلا أبو سلمة ولا عنه إلا الوازع تفرد به على انتهى. والوازع ليس بثقة فيما قاله أحمد وابن معين وغيرهما بل قال الحاكم: روى أحاديث موضوعة وحينئذٍ فالحديث بسببه ضعيف، لا تقوم به الحجة، ومن حسنه فقد وهم، وقد أورده الكمال الدميري عند قول المنهاج: والأصح أن التنحنح. والله الموفق.

290 - مسألة: في عمل المسلم للذمي

290 - مسألة: في عمل المسلم للذمي. فالجواب: فيه أحاديث. فروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: اصاب النبي صلى الله عليه وسلم خصاصة فبلغ ذلك عليًا عليه السلام فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئًا ليغيث به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بستانًا لرجل من اليهود استقى له سبعة عشرة دلوًا، كل دلو بتمرة فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم. وسنده ضعيف، ولكن له شاهد عن إسحاق بن راهويه وابي يعلى في مسنديهما عن علي نفسه والفظ لأولهما قال: خرجت في ليلة شاتية من بيتي جائعًا حرضًا قد أدلقني البرد فأخذت إهابًا قد كان عندنا فجبته ثم أخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لبلغني، فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطلعت إلى يهودي في حائط من ثغرة جداره فقال: مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح الحائط، ففتح لي فدخلت فجعلت أنزع دلوًا ويعطيني تمرة حتى إذا ملأت كفي قلت: حسبي منك الآن فأكلتهن ثم كرعت في الماء ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابة من أصحابه، فاطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما فيه من النعيم، ورأى حالته التي هو فيها فذرفت عيناه فبكى ثم قال: "كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في أخرى وسترتم بيوتكم

كما تستر الكعبة؟ " قلنا: نحن يومئذٍ خير نكفي المؤنة ونتفرغ للعبادة قال: "أنتم اليوم خير منكم يومئذٍ". والحرض بفتح: المهملة ثم راء مكسورة بعدها معجمة هو الذي فسد بدنه واشفى على الهلاك. وأدلقني: بالمهملة أي أخرجني وجبته: بجيم مضمومة ثم موحدة يعني قطعته وقورته. ورواه الترمذي في جامعه باختصار ولفظه: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت إهابًا معطوفًا فجوبت وسطه فأدخلته عنقي وشددت وسطي فحزمته النخل وإني لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئًا فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال: ما لك يا أعرابي هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت: حسبي، فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عقبه: إنه حسن غريب. قلت: هو كذلك لو سمى راوية عن علي. وقد رواه العدني في مسنده فأرسله بلفظه أصلاً ولفظه: إن أهل العراق أصابهم أزمة فقام بينهم علي بن أبي طالب فقال: أيها الناس أبشروا فوالله إني لأرجو أن لا يمر عليكم إلا يسير

حتى تروا ما يسركم من الرخاء واليسر، قد رأيتني مكثت ثلاثة ايام من الدهر ما أجد شيئًا آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستطعمه لي، فقال: "يا بنية والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلا ما ترين ـ لشيء قليل بين يديه ـ ولكن ارجعي فسيرزقكم الله" فلما جاءتني فأخبرتني انقلبت وذهبت حتى آتي بني قريظة فإذا يهودي على شفة بئر فقال: يا عربي هل لك أن تسقي لي نخلي وأطعمك؟ قلت: نعم، فبايعته على أن أنزع كل دلو بتمرة فجعلت أنزع فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت يدي من التمر فعدت فأكلت وشربت من الماء ثم قلت: يا لك بطنًا لقد لقيت اليوم خيرًا، ثم نزعت مثل ذلك لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعت ثم انقلبت راجعًا حتى إذا كنت ببعض الطريق إذا أنا بدينار ملقي فملا رأيته وقفت أنظر إليه أؤامر نفسي أأخذه أم أذرة؟ فأبت نفسي إلا أخذه، وقلت: أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته فلما جئتها أخبرتها الخبر قالت: هذا من رزق الله فانطلق فاشتر لنا دقيقًا، فانطلقت حتى جئت السوق فإذا بيهودي من يهود فدك يبيع دقيقًا من دقيق الشعير فاشتريت منه فلما اكتلت قال: ما أنت من أبي القاسم؟ قلت: ابن عمه وابنته امرأتي فأعطاني الدينار فجئتها فأخبرتها الخبر، فقالت: هذا رقز من الله عز وجل فاذهب به فارهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم، ففعلت ثم جئتها به فقطعته لها ونصبت ثم عجنت وخبزت ثم صنعنا طعامًا وأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنا فلما رأى الطعام قال: "ما هذا، الم تأتي آنفًا فتسألني؟ " فقلنا: بلى، اجلس يا رسول الله نخبرك الخبر فإن رأيته طيبًا أكلت، وأكلنا، فأخبرناه الخبر فقال: "هو طيب فكلوا بسم الله" ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فإذا هو بأعرابية تشتد كأنها نزع فؤادها فقالت: يا رسول الله إني أبضع معي بدينار فسقط مني، والله ما أدري أين سقط؟ فانظر بأبي وأمي

أن يذكر لك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعي لي علي بن أبي طالب فجئته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قراريطك عليَّ فأرسل بالدينار" فأعطاه الأعرابية فذهبت. لكن لهذا الحديث طريق أخرى رواه ابن ماجه باختصار جدًا من حديث أبي إسحاق عن أبي حية ـ بمهملة ومثناه تحتانية ولا يعرف اسمه ـ عن علي قال: كنت أدلو الدلو بتمرة وأشرط أنها جلدة. يعني يابسة اللحاء جيدة. وبعضها يؤكد بعضًا. وفي المعنى أيضًا ما رويناه في الغيلانيات من حديث مجاهد ومحمد بن علي بن حسين الباقر كلاهما عن علي قال: أصابنا وأنا بالمدينة جوع شديد حتى مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فعرف جهد الجوع ي وجهي، فخرجت ألتمس العمل فإذا أنا بامرأة من اليهود قد جمعت ترابًا لها تريد أن تبله وقاطعتها على كل ذنوب بتمرة فمددت لها ثلاثة عشر ذنوبًا حتى تزلعت يداي فأتيتها فعدت ثلاثة عشر تمرة فاتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم وصببتها بين يديه فأكلناها وأصبنا من الماء" وهو عند أحمد من حديث مجاهد بلفظ: "جعت مرة بالمدينة جوعًا شديدًا فخرجت أطلب العمل في عواملي المدينة فإذا بامرأة قد جمعت مدرًا فظننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة ... الحديث. وأخرجه أبو نعيم في الحلية ولفظه: "خرج علينا علي يومًا متعجزًا فقال: جعت بالمدينة جوعًا شديدًا فخرجت أطلب العمل

في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا فظننت تريد بله فأتيتها فقاطعتها على كل ذنوب بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبًا حتى مجلت يداي ثم أتيت الماء فأصبت منها، ثم أتيتها فقلت: يكفي هكذا بين يديها ـ وبسط إسماعل يعني روايه يديه وجمعها ـ فعدت لي ستة عشر تمرة أو سبعة عشر ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي خيرًا ودعا لي. وفي آخر: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها، وفي لفظ: استقيت ستة عشر أو سبعة عشر جئت إلى حائط أو بستان فقال لي صاحب: دلوًا وتمرة فدلوت دلوًا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه ... وكذا وقع نحو هذا لغير علي، فعند ابن ماجه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ما لي أرى لونك منكفئًا؟ قال: "الخمص" فانطلق الأنصاري إلى رحله فلم يجد فيه شيئًا، فخرج يطلب فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً له، فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة واشترط الأنصاري أن لا يأخذ خدرة ـ يعني المعفنة ـ ولا تارزة ـ يعني اليابسة ـ ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جلدة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وله شاهد عند الطبراني في الكبير بسند فيه مجاهيل عن محمد بن إبراهيم بن عنمة الجهني عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلقيه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله يأبى أنت وأمي إنه ليسوءني الذي ارى بوجهك وعما هو قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لوجه الرجل

ساعة ثم قال: "الجوع" فخرج الرجل يعدو أو شبيهًا بالعدو، حتى أتى بيته، فالتمس عندهم الطعام فلم يجد شيئًا فخرج إلى بني قريظة فآجر نفسه على كل دلو ينزعها بتمرة حتى جمع حفنة، أو كفًا من تمر ثم رجع بالتمر حتى وجد النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه لم يرم فوضعه بين يديه، قال، كل ـ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين لك هذا التمر؟ " فأخبره الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأظنك تحب الله ورسوله؟ " قال: أجل، والذي بعثك بالحق لأنت أحب إليَّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي، فقال: "أما لا فاصطبر للفاقة وأعد للبلاء تجفافًا فوالذي بعثني بالحق لهما إلى من يحبني أسرع من هبوط الماء من رأس الجبل إلى أسفله" ... وعنده أيضًا في الكبير بسند جيد عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرًا قال: فقلت: بأبي أنت [وأمي] مالي أراك متغيرًا؟ قال: "ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث" قال: فذهبت فإذا بيهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمرًا، وأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أين لك يا كعب؟ " فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبني يا كعب" قلت: بأبي أنت نعم وذكر الحديث ويحتمل تفسير المبهم بهذه الرواية إن لم تتعدد الواقعة، وظهر بهذه الأدلة جواز العمل فيه وفيما يشبهه ما لم يقترن بامتهان، ومع ذلك فتركه أولى، والله الهادي.

291 - مسألة: هل ورد تعيين أمد للمغفرة للحاج؟

291 - مسألة: هل ورد تعيين أمدٍ للمغفرة للحاج؟ فالجواب: الثابت، الإطلاق، كحديث: "يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" وفي لفظ: "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" وفي حديث آخر: "إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه" ومرة: "إن يستغفر لك قبل أنيدخل بيته فإنه مغفور له" وفي إيرادها وما يشبهها طول، ولكن عند مسدد في مسنده وأبي الشيخ وغيرهما بسند فيه ضعف عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وعشرًا من ربيع" وعند

الدينوري في الثاني عشر من مجالسته من جهة ياسين الزيات أنه قال: يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج من ذي الحجة والمحرم وصفر، وعشرين من ربيع. ولا يثبت في المرفوع من ذلك شيء، مع أن أحد هذين الأثرين يتقوى بالآخر لو تواردا على لفظ واحدٍ، ويقال حينئذ: إن هذا في حكم المرفوع، لكون الرأي لا مجال له فيه، ثم يتكلف لحكمه. والله المستعان.

292 - مسألة: هل ورد الإعلام بمجيء زمن يتحاب أهله فيه بالألسنة دون القلوب؟

292 - مسألة: هل ورد الإعلام بمجيء زمن يتحاب أهله فيه بالألسنة دون القلوب؟ فالجواب: نعم، وذلك فيما أخرجه أحمد والطبرانيوغيرهما عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "يكون في آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السريرة" قيل: يا رسول الله وكيف يكون ذلك؟ قال: "ذاك برغبة بعضهم إلى بعض وربهة بعضهم من بعض". وسنده ضعيف، ولكن له شاهد عند الديلمي في مسنده بسند ضعيف أيضًا عن ابن عمر رفعه: "يوشك أن يظهر العلم ويخزن العمل ويتواصل الناس بألسنتهم ويتباعدون بقلوبهم، فإذا فعلوا ذلك طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم" وكل منهما يتقوى بالآخر سيما مع صحة المعنى كما هو الظاهر بالقرائن غالبًا، وحينئذٍ فيضم هذا لما وقع من الإخبار بالمغيبات والأحوال، وما أحسن ما أوصى به صعصعة بن صوحان بعض أقربائه حيث قال: "خالص المؤمن وخالق الفاجر فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن وأنه يحق علينا أن نخالص المؤمن" أخرجه إسحاق بن راهويه، والكلام

293 - مسألة: في المنع من الاستغفار عقب الذكر والتسبيح ونحوه

في معناه كثير نظمًا ونثرًا والله الموفق. 293 - مسألة: في المنع من الاستغفار عقب الذكر والتسبيح ونحوه. فالجواب: ليس فيه منع، بل يروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قال وهو ثانٍ رجليه: "سبحان الله وبحمده استغفر الله، إن الله كان توابًا سبعين مرة" ثم يقول: "سبعين بسبعمائة" إلى غيره، مما ورد. وما يقال في تعليل المنع ليس بشيء، بل قد يوجه بقصد الاعتراف بالعجز كقول رابعة: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، أو بإضمار التاسف على ما فاته من الذكر والتسبيح قبل ذلك، والأعمال بالنيات. 294 - مسألة: هل كان فتح دمياط عنوة، أم صلحًا؟ فالجواب: ظاهر قول عمرو بن العاص وهو على المنبر: لقد قعدتم مقعدي هذا، وما لأحد عليَّ عهد، ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست، إلا أهل انطابلس، فلهم عهد نفي به الأول، وكذا قال ابن عمر، وجماعة: افتتحت مصر بغير عهد. ويروى أنه كان عليها رجل من أخوال المقوقس يُقال له: الهاموك،

فلما افتتح عمرو بن العاص مصر امتنع الهاموك من تسليمها، وتحصن بها واستعد للحرب، فأنقذ إليه عمرو المقداد بن الأسود في طائفة من المسلمين فحاربهم الهاموك، وقتل ابنه في الحرب، فحينئذ جمع الهاموك إليه أصحاب واستشارهم في أمره، وكان عنده حكيم قد حضر الشورى، فقال: أيها الملك إن جوهر العقل لا قيمة له وما استغنى به أحد إلا هداه الله عز وجل إلى سبيل النجاة والفوز من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء أمرهم لم ترد لهم راية وقد فتحوا البلاد وأذلوا العباد، وما لأحد عليهم قدرة، ولسنا بأشد من جيوش الشام ولا أعز وأمنع، وأن القوم قد أيدوا بالنصر والظفر والرأي، وأن تعقد معهم صلحًا تنال به الأمن وحقن الدماء وصيانة الحرم، فما أتته بأكثر رجالاً من المقوقس، فلم يعبأ الهاموك بقوله، وغضب منه، فقلته ثم ألهم الله بنصره وتأييده ولدًا للهاموك كان عارفًا عاقلاً، له دار ملاصة للسور، فخرج إلى المسلمين ليلاً، ودلهم على عورات البلد حيث استولوا عليها، وتمكنوا منها وبرز الهاموك للحرب، لم يشعر بالمسلمين إلا وهم بكبرون على السور وقد ملكوه، وبادر ابنه وهو "شطا" فلحق ومعه عدة من أصحابه بالمسلمين، فقت ذلك في عضد أبيه واستأمن المقداد، فتسلم المؤمنون دمياط، واستخلف المقداد عليها، وسير بخبر الفتح إلى عمرو، وخرج شطا بعدما أسلم إلى البرلس والدمي، واشموم طناح فحشد أهل تلك النواحي وقدم بهم مددًا للمسلمين، وعونًا لهم على عدوهم وسار بهم لفتح تنيس، فبرز لأهلها وقاتلهم قتالاً شديدًا حتى قُتِلَ رحمه الله في المعركة شهيدًا بعدما أنكا فيهم، وقتل منهم، فحمل من المعركة، ودفن في مكانه المعروف به خارج دمياط، وكان قتله في ليلة الجمعة منتصف شعبان، ولذلك صارت هذه الليلة من كل سنة موسمًا يجتمع فيه أهل البلد، ومن جاورهم من النواحي

295 - مسألة: في النهي عن تخصيص المرء نفسه بالدعاء

عند قبره، ويحيونها حتى الآن، واستمرت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها لاروم في سنة تسعين من الهجرة، فكان من لبسطه غير هذا المحل، ولله الحمد. 295 - مسألة: في النهي عن تخصيص المرء نفسه بالدعاء. فالجواب: رواه أبو داود في المراسيل عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وقد خرج لصلاة الفجر وعلي يقول: اللهم اغفر لي [اللهم ارحمني اللهم تب علي، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبيهي] وقال له: "يا علي! عمم، ففضل ما بين العموم والخصوص كما بين السماء والأرض". وهو عند المستغفري في الدعوات من حديث عمرو، وهو مرسل وقد رواه الديلمي في مسنده من جهة الدارقطني بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي. وقد يشهد له حديث ثوبان مرفوعًا "لا يؤم رجل قومًا فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم" وهو محمول على ما لم يشرع لكل من الإمام والمأموم، مما ورد بالإفراد. نعم إن علم الإمام عجز المأموم عن الإتيان

296 - مسألة: هل صح فيما فضل عن الأصابع من الثوب شيء، أم لا؟

به كان محتملاً. والله المستعان. 296 - مسألة: هل صح فيما فضل عن الأصابع من الثوب شيء، أم لا؟ فالجواب: قال الحافظ التقي ابن سرور المقدسي الحنبلي صاحب عمدة الأحكام فيما وجد بخط الحافظ الزكي المنذري نقلاً عنه: لم يصح فيه شيء، وإنما صح فيما جاوز الكعبين، وهو كلام صحيح إن أراد أنه لم يرد من الوعيد فيه شيء كالكعبين، وأما ملطق الورود، فقد جاء فيه حديث أسماء ابنة يزيد: "كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ" ولابن أبي شيبة في مصنفه من طريق جعفر قال: ابتاع علي قميصًا سنبلانيًا ـ بضم المهملة والموحدة ـ أي سابغ الطول بأربعة دراهم ودعا الخياط فمد كم القميص وأمره أن يقطع ما خلف أصابعه. ومن طريق ابي عثمان الهندي أن عمر بن الخطاب دعا بشفرة ليقطع كم قميص عتبة بن فرقد من أطراف أصابعه، وكان عليه قميص سنبلاني فقال: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين، إني أستحيى أن تقطعه عند الناس فتركه. ومن طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال:

رأيت عليًا عليه قميص إذا أرسله لم يجاوز نصف ساقيه، وإذا أمره لم يجاوز ظفريه. ومن طيق أبي البختري قال: رأيت أنس بن مالك وكم قميصه إلى الرسغ. ومن طريق بديل العقيلي قال: كان كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. ولأبي نعيم في الحلية من جهة أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله قال: لبس عمر قيمصًا جديدًا ثم دعاني بشفرة فقال: مد يا بني كم قميصي والزق يديك بأطراف أصابعي ثم اقطع ما فضل عنها، قال: فقطعت من الكمين من جانبيه فصار فم الكم بعضه فوق بعض قال: فقلت: يا أبت لو سويته بالمقص، فقال: دعه يا بني، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فمازال عليه كذلك حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه والله أعلم.

297 - مسألة: ما وجه أمره صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر البيع عمة أنس سن جارية من الأنصار، مع كونه المقرر أن القصاص إنما هو في القلع؟

297 - مسألة: ما وجه أمره صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر البيع عمة أنس سن جارية من الأنصار، مع كونه المقرر أن القصاص إنما هو في القلع؟ فالجواب: أنه محمول على ما إذا أمكن التماثل بأن يكون المكسور مضبوطًا، فيبرد من سن الجاني ما يقابله المبرد مثلاً، وإلى ذلك أشار أبو داود في السنن فقال: قلت لأحمد كيف؟ فقال: يبرد، بل نص الشافعي في الأم على القصاص إذ قال أهل الخبرة بإمكانه، وبه جزم الماروي وهو الذي أورده في المهذب وصوبه الزركشي والذي

298 - مسألة: في الحديث الوارد في تشديد أكل درهم ربا على زيادة على ثلاثين زنية

في المنهاج كأصله خلافه، بناء فيما يظهر على عدم إمكان، والحديث شاهد للنص، على أن بعضهم كالشيخ أبي حامد حمل الكسر في الحديث على القلع من أصله، ولكن استبعده شيخنا وقال غيره: إنه خلاف الظاهر. والله أعلم. 298 - مسألة: في الحديث الوارد في تشديد أكل درهم ربا على زيادة على ثلاثين زنية. فالجواب: هو في حديث عن عبد الله بن حنظلة الراهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" أخرجه أحمد والدارقطني في سننه والطبراني في الكبير من حديث حسين محمد المروذي نا جرير بن حازم، عن أيوب عن ابن أبي مليكة عنه به. وحسين ـ مع كونه ثقة وخرج له الشيخان ـ لم ينفرد به، فقد رواه الدارقطني والطبراني أيضًا من حديث ليث بن أبي سليم عن ابن أبي مليكة ولفظه: "درهم من ربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية" زاد في رواية الدارقطني: في [الخطيئة] وهي زيادة منكرة، ورواه عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة، فقال عن عبد الله بن حنظلة عن كعب الأحبار قوله

ولفظه: "لأن أزني ثلاثًا وثلاثين زنية أحب إليَّ من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني آكله حين آكله ربا" أخرجه أحمد والدارقطني أيضًا وقال: إنه أصح من المرفوع، يعني لأن ابن جريج أحفظ من جرير، وأعلم بحديث ابن أبي مليكة منه، ولكن قد تابع جريرًا ليث بن أبي سليم كما قدمت، ولذا توقف شيخنا في تعليل المرفوع بالوقف وقال: بل الظاهر أنهما حديثان، لاختلاف لفظهما نعم، رواه العقيلي في الضعفاء بلفظ المرفوع من طريق ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أنه سمع عبد الله بن حنظلة يحدث عن كعب الأحبار أنه قال: "درهم ربا يأكله الإنسان وهو يعلم أعز في الإثم من ستة وثلاثين زنية" ومع ذلك فالعلة غير قادحة، فإنه لا مانع أن يكون عند ابن حنظلة مرفوعًا، وموقوفًا، وقد رواه مرفوعًا عمران بن أنس أبو أنس عن ابن ابي مليكة، ولكنه عن عائشة، بدل عبد الله بن حنظلة ولفظه: "لدرهم ربا أعظم عند الله من سبعة وثلاثين زنية" أخرجه العقيلي في الضعفاء وقال: لا يتابع عليه وهو كما قال، وقد توسع ابن الجوزي في إدخال هذا الحديث في موضوعاته وبينا وجه انتقاده مبسوطًا في محل آخر، والحديث حسن، سيما وله شواهد، منها: عن ابن عباس مرفوعًا: "من أكل درهمًا من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به" أخرجه البيهقي في الشعب والطبراني

في الأوسط والصغير وغيرهما من جهة محمد بن حمير عن إسماعل بن عياش عن حنش عن عكرمة عنه، وسنده ضعيف، وهو عند ابن عدي من وجه آخر عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه. ومنها ـ وهو شاهد قوي ـ عن عبد الله بن سلام رفعه: "الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام" أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عطاء الخراساني عنه، وعطاء لم يسمع منه. وقد رواه ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفًا على عبد الله. قال المنذري: وهو الصحيح ولفظه عند بعضهم: قال عبد الله: "الربا اثنان وسبعون حوبًا أصغرها حوبًا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية قال: ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة، إلا آكل الربا، فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس". ومنها عن أنس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظم شأنه،

وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستة وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن اربى الربا عرض الرجل المسلم". أخرجه ابن عدي من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن أبيه أخبرني أبو مجاهد عن ثابت عن أنس به. وهو عند ابن أبي الدنيا في ذمة الغيبة له والبيهقي وآخرين. ومنها: عن عائشة، أخرجه أبو نعيم في الحلية وبعضها يؤكد بعضا، واستظهر ابن الجوزي لما جنح إليه بأن المعاصي يعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنا يفسد الأنساب ويصرف الميراث إلى غير مستحقه، ويؤثر من القبائح ما لا يؤثر أكل لقمة لا تتعدى ارتكاب نهي. انتهى. بل يتعدى ضرر الزنا إلى غيره أيضًا، وكفى بقوله صلى الله عليه وسلم: "من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به" وقوله فيمن يمد يديه إلى السماء ممن غذي بالحرام: "أنى يُستجاب له" وما أشبهها مما يطول. والله الموفق.

299 - مسألة: في الوارد في القرون

299 - مسألة: في الوارد في القرون. فالجواب: لم يصح فيه شيء سوى حديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث وهو متفق عليه ابن مسعود، وعمران بن حصين، ومروي عن غيرهما من الصحابة، وقد أخرج ابن ماجه عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس مرفوعًا: "أمتي على خمس طبقات: فأربعون سنة أهل بر وتقوى، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة أهل تراحم وتواصل، ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع ثم الهرج الهرج النجاء النجاء". ورويناه في نسخة كامل الجحدري عن أبي معمر عن أنس بلفظ: "طبقات أمتى خمس طبقات، كل طبقة أربعون سنة فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان، والذين يلونهم إلى الثمانين أهل البر والتقوى، والذين يلونهم إلى العشرين والمائة أهل التراحم والتواصل، والذين يلونهم إلى الستين ومائة أهل التقاطع والتدابر، والذينيلونهم إلى المائتين أهل الهرج والحروب" ولابن ماجه أيضًا عن أبي معن عن أنس بلفظ: "أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عامًا وذكر نحوه" وكلها ضعيفة، بل صرح أبو حاتم بأن الحديث باطل، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأما الذهبي فقال: إنه منكر،

وقال شيخنا: إنه ضعيف وأروده في عشارياته. ومن طرقه الواهية ماللديلمي عن أنس رفعه: "في الأربعين بعد المأتين خير أولادكم البنات، وفي الخمسين خير نسائكم العقيمات، وفي الستين يغبط الرجل الذي ليس له أهل ولا ولد، وفي السبعين بعد المأتين البلاء المبين، وفي الثمانين السيف، وفي التسعين حلت الرهبانية، وفي الثلاثمائة نعم البيت القبر" وما لغيره عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "أنا وأصحابي أهل إيمان وعمل وأهل بر وتقوى إلى الثمانين، وأهل تواصل وتراحم إلى العشرين ومائة، وأهل تقاطع وتدابر إلى الستين ومائة، ثم الهرج الهرج، الهرب الهرب" وعن ابن عباس رفعه: "أمتي على خمس طبقات". وعن أسمة الهذلي وكلها ضعيفة، وبعضها أشد من بعض. والله أعلم.

300 - مسألة: في الوارد في المعز والشاة

300 - مسألة: في الوارد في المعز والشاة. فالجواب: روى أحمد وابن ماجه بسند صحيح عن عروة بن الزبير عن أم هانئ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "اتخذي غنمًا فإن فيها بركة" ولأحمد من حديث موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "اتخذي غنمًا يا أم هانئ فإنها تروح بخير وتغدو بخير" وللطبراني في الكبير من حديث الاصبغ بن نباتة عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي لا أرى عندك من البركات شيئًا؟ " فقالت: وأي بركاتي تريد؟ قال: "إن الله عز وجل أنزل من بركاتنا ثلاثًا: الشاة والنخلة والنار" وله في الأوسط من حديث صالح بن أبي عمرة عنها نحوه، ولفظه: "ما لي [لا] أرى في بيتك بركة؟ " قلت: وما البركة التي أنكرت من بيتي؟ قال: "لا أرى فيه شاة" ولمسدد في مسنده أن عليًا دخل عليها نصف النهار فقال: قدمي إلى أبي الحسن طعامًا، قالت: قدمت ما كان في البيت، فقال علي: ما أرى عندكم بركة؟ فقالت أم هانئ: أليس هذا بركة؟ قال: ليس أعني هذا، ما لكم شاة؟ قلت: لا

والله، ما لنا شاة. وللطيالسي في مسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "كم في بيتك من بركة؟ " ـ يعني شاة ـ ولابن ماجه والطحاوي وغيرهما عن عروة البارقي رفعه: "الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة" وللحارث ابن أبي أسامة في مسنده ومن وجهته الديلمي عن ابن عمر رفعه نحوه بزيادة: "والعبد أخوك فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوبًا عليه فأعنه" وهو بهذا اللفظ عند الديلمي عن حذيفة بن اليمان، لكن بدون الزيادة. ولأبي يعلي في مسنده عن البراء ابن عازب قال: "الإبل بركة" وللبزار من جهة ابن الحنفية عن علي مرفوعًا وموقوفًا: "ما من قوم في بيتهم، أو عندهم شاة، إلا قدسوا كل يوم مرتين، أو بورك فيهم مرتين" يعني شاة لبن.

وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" بلفظ: "الشاة بركة والشاتان بركتان، والثلاث شياه ثلاث بركات" ولابن ماجه وابن أبي الدنيا في إصلاح المال عن ابن سيرين عن ابن عمر مرفوعًا: "الشاة من دواب الجنة" وللديلمي من جهة الحاكم عن أنس مرفوعًا: "الشاة في الدار بركة، والدجاج في الدار بركة" والجملة الأولى عند ابن أبي الدنيا في إصلاح المال من وجه آخر عن أنس، وهي عند الديلمي من وجه آخر عنه بلفظ: "الخرافة بركة والتنوير والشاة فأعدوهن في بيوتكم". وللبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكرموا المعزى وصلوا في مراحلها وامسحوا رغامها فإنها من دواب الجنة" وكذا أخرجه الديلمي

في مسنده من جهة أبي بكر بن ابي شيبة، وللبزار من وجه آخر عن أبي هريرة إن شاء الله مرفوعًا: "أحسنوا إلى الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب الجنة" وللطبراني في الكبير ومن جهته الديلمي عن ابن عباس رفعه: "استوصوا بالمعزى خيرًا فإنها مال رقيق وهو في الجنة، وأحب المال إلى الله الضأن، وعليكم بالبياض، فإنالله خلق الجنة بيضاء فيلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم، وإن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين" وفي الفردوس عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من قوم يغدو عليهم مائة من الضأن، ويروح فيخشوا على أنفسهم العيلة" ولأحمد عن وهببن كيسان قال: مر بي على أبي هريرة فقال: أين تريد؟ قال: غنيمة لي، قال: نعم، امسح رغامها، وأطب مراحها، وصل في جانب مراحها، فإنها من دواب الجنة وانتش بها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها أرض قليلة المطر" يعني المدينة. والمرفوع منه عند الطبراني في الكبير، ومن طريقه الديلمي عن عبد الله بن ساعدة أخي عويم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له غنم فليسر بها عن المدينة أقل أرض الله مطرًا"

المدينة أقل أرض الله مطرًا" والموقوف منه عنده في الأوسط، ومن طريقه أيضًا الديلمي مرفوعًا عن أبي زرعة عن عمرو بن حرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها". ولمالك في الجامع من موطأه عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خيثم أنه قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق، فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب فنزلوا، قال حميد: فقال أبو هريرة: اذهب إلى أمي وقل لها: إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئًا، قال: فوضعت ثلاثة أقراص من شعير، وشيئًا من زيت وملح في صحفة، فوضعتها على رأسيفحملتها إليهم فلما وضعته بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودان: التمر والماء، فلم يصب القوم منا لطعام شيئًا، فلما انصرفوا قال: يا ابن أخي أحسن إلى غنمك وامسح الرغام عنها وأطبمراحلها وصل في ناحيتها، فإنها من دواب الجنة، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم حب إلى صاحبها من دار مروان. ومن طريق مالك أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وللطبراني في الكبير ومن طريقه الديلمي من طريق صبيح ـ شيخ

قديم ـ قال: قدم علينا ابن عمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة، فصلوا في مراحلها وامسحوا رغامها" قلت: ما الرغام؟ قال: المخاط. وهو عند ابن أبي الدنيا في إصلاح المال أيضًا، وفي مسند أبي بكر بن ابي شيبة عن عمار بن أبي عمارة التابعي مرفوعًا: "أكرموا المعزى وامسحوا الرغام عنها وصلوا في مراحلها فإنها من دواب الجنة" قال الديلمي: وفي الباب عن المغيرة ـ يعني سوى ما تقدم ـ وفي الفردوس عن أنس رفعه: "الشاة ترد سبعين بابًا من الفقر" وبالجملة فمفردات كثيرٍ مما تقدم وإن كانت ضعيفة وبعضها في الضعف أشد من بعض حسبما بسطته في جزء، فمجموعها يشهد لمضمونها، بل في الباب أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا "السكينة في أهل الشاة والبقر" أخرجه البزار. وعن أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخر والخيلاء في أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث موسى عليه السلام وهو يرعى غنمًا على أهله، وبعثت أنا وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد" عن جابر في مسلم ووهم عن عزاه للصحيحين، وله شاهد

في مسلم ووهم من عزاه للصحيحين، وله شاهد صحيح. ومن الواهي ما لابن ماجه عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج وقال: "عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى" وللديلمي من جهة موسى بن مطير، عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "الغنم أموال الأنبياء عليهم السلام" ولابن أبي الدنيا في إصلاح المال من طريق عطاء بن أبي رباح مرسلاً: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء أن يتخذوا الضأن، وأمر الفقراء أن يتخذوا الداج. ووصله ابن منيع في مسنده بابن عباس بلفظ: "الغنم" بدل "الضأن" ولا يصح. والله أعلم.

301 - مسألة: فيما وقع في كلام بعض الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا سلم إمامكم ولم يقم فانخسوه وأنه قال: جلوس الإمام بعد سلامه في محرابه جفاء منه وخديعة به، وكأنه قعد على جمرة من النار وأن عليا رضي الله عنه قال: ما من إمام يقعد في مجلسه ب

301 - مسألة: فيما وقع في كلام بعض الفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم إمامكم ولم يقم فانخسوه" وأنه قال: "جلوس الإمام بعد سلامه في محرابه جفاء منه وخديعة به، وكأنه قعد على جمرة من النار" وأن عليًا رضي الله عنه قال: "ما من إمام يقعد في مجلسه بعد سلامه إلا مقته الله والعباد، وأعرضت عنه الملائكة، وكأنه عصى الله ورسوله في أمره ونهيه، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" هل له أصل أم لا؟ فالجواب: لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وأحسبه باطل. نعم، روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان أبو بكر وعمر إذا قضيا الصلاة وثبا من المحراب وثوب البعير إذا حل من عقاله. وعن أبي بكر أنه قال: خير للإمام أن يقعد سبعين خريفًا على رضف أو حفرة من حفر النار من أن يقعد بعد سلامه في محرابه. وأسند البيهقي عن أنس أنه صلى خلف أبي بكر فكان إذا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم عن رضف. وفي لفظ عن مسروق: كان أبو بكر إذا سلم قام كأنه جالس على الرضف. وعن خارجة بن زيد أنه كان يعيب على الأئمة جلوسهم في صلاتهم بعد أن يسلموا، ويقول: السنة في ذلك أن يقوم الإمام ساعة يسلم. قال البيهقي: وروينا عن الشعبي

وإبراهيم النخعي أنهما كرهاه، ويذكر عن عمر بن الخطاب، وروينا عن علي أنه سلم ثم قام. انتهى. ويشهد لهم ما صح عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم يسيرًا، قال ابن شهاب: فترى مكثه ذلك ـ والله أعلم ـ لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم. ووجه الاستشهاد منه أنه يقتضي أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط لا يستحب المكث، وقد قال الشافعي رحمه الله عقب حديث أم سلمة: هذا ثابت عندنا وبه نأخذ. وقال في مختصر المزني: ويثب أي الإمام ساعة يسلم. ولكن اختلف في المراد بالنص على وجهين: أحدهما: بعد الفراغ من الذكر المستحب عقب السلام لورود ذلك مفسرًا في حديث عائشة: كان إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثانيهما: أنه على ظاهره في الوثوب ساعة يسلم، ثم اختلفوا فمنهم من

قال: يدعو قائمًا، وعللوه كما قال النووي في «شرح المهذب» بعلتين: أحداهما: كي لا يشك هو أو من خلفه هل سلم أم لا. الثانية: كي لا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدي به، انتهى. والعلتان تنفيان بانحرافه عن مصلاه وهو في موضعه، وقد جاء: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته انحرف. وكذا باستقباله المأمومين وفيه أحاديث أوردها البخاري في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، أو برفع الصوت بالذكر، فقد ثبت: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل جاء: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" وأما تطوع الإمام مكانه مما حكى البخاري عن

القاسم. وسالم فعله، فلا يمنع الإلباس إلا أن تقدم أو تأخر أو تكلم، كما جاء عن معاوية من قوله. بل يروى في غير حديث مرفوع. ونحوه قول علي: من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه والله أعلم.

302 - مسألة: في السنا

302 - مسألة: في السنا. فالجواب: روى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد، والترمذي في جامعه وقال: غريب، من جهة عتبة بن عبد الله بن أسماء ابنة عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها: "بما تستمشين؟ " قالت: بالشبرم، قال: "حار جار" قالت: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن شيئًا كان فيه شفاء من الموت كان في السنا" وهو عند الحاكم أيضًا وأبي نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم وعندها شبرم تدقه فقال: "ما تصنعين بهذا؟ " قالت: نسقيه فلانًا، قال: إنه داء، قال: ودخل عليها وعندها سنا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ " فقالت: يشربه فلان قال: "لو أن شيئًا يدفع الموت أو ينفع من الموت نفع السنا". ورواه أحمد في مسنده وابن ماجه من حديث مولى لمعمر التيمي عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بماذا كنت تستمشين؟ " قالت: بالشبرم، قال: "حار جار" ثم استمشيت بالسنا فقال: "لو كان شيء يشفي من الموت لكان السنا أو السنا شفاء من الموت" ولابن ماجه أيضًا،

وأبي نعيم من طريق أبي أُبي ابن أم حرام ـ كان قد صلى القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالسنا والسنوات فإن فيه شفاء من كل داء إلا السام" قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وما السام؟ قال: "الموت" ولأبي نعيم فقد عن عروة عن عائشة مرفوعًا: "لو كان في شيء شفاء من الموت كان في السنا" وعن أنس رفعه: "ثلاث فيهن الشفاء من كل داء إلا السام: السنا والسنوات" قالوا: يا رسول الله! هذا لسنا قد عرفناه فما السنوات؟ قال: "لو شاء الله لعرفكموه ولم يذكر الثالث". والسنا: مقصور ويمد فيما قاله الفراء واحده سناة، ويثنى فيقال سنوان: نبات معروف من الأدوية، له حمل إذا يبس وحركته الريح سمع له زجلاً، وأما السنوت: وهو بضم السين ولكن الفتح أفصح، فقسره بعض رواته بالشبث، وقيل: إنه الكمون وقيل: التمر وقيل: الرُّب وقال آخرون: هو العسل الذي يكون في زقاق السمن ومنه قول الشاعر، ويقال: هو زهير: هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون الجار أن يتقردا

303 - مسألة: في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء

وقوله: لا ألس أي لا غش. وقوله: أن يتقردا، أي لا يستذل جارهم، والله المعين. 303 - مسألة: في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. فالجواب: قد أنكر العز بن عبد السلام وقال: إنه بدعة. وليس كذلك فعن عمر بن الخطاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. أخرجه الطبراني في الدعاء. والترمذي في جامعه. وقال: غريب. وعنابن عمر قال: ما مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه في دعاء قط فقبضهما حتى يمسح بهما وجهه. أخرجه الطبراني أيضًا. وعنده عن الوليد بن عبد الله معضلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رفع أحدكم يديه يدعو فإن الله جاعل فيهما بركة ورحمة فإذا فرغ من دعائه فليمسح بهما وجهه" ولأبي داود في سننه عن ابن عباس رفعه:

304 - مسالة

"سلوا الله عز وجل ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" وعن السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيده. ومفرداتها وإن كانت ضعيفة فبمجموعها ثبتت السنية والله الموفق. 304 - مسالة: روى الديلمي في مسنده من جهة ابن أبي الدنيا من طريق سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده رفعه: "من تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شأنه الله عز وجل" وهو عند ابن أبي الدنيا في الإخلاص من طريق سعيد عن أبيه عن عمر موقوفًا. ورواه البيهقي في الشعب من طريق فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن قال: من تزين للناس بغير ما يعلم الله منه شانه. وللطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعًا: "من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السموات والأرض" ولابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد وله رؤية قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال: "أيها الناس! إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذاك شرك السرائر". ولابن أبي الدنيا عن يوسف بن اسباط قال: ما أخاف خوفي من التزين، إن الرجل ليتزين حتى في الشربة من الماء. وفي المعنى ما عنده أيضًا من طريق زبيد قال: من كانت سريرته دون علانيته فذلك الجور، ومن كانت سريرته مثل علانيته فذلك النصف، ومن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل. وعنده وكذا البيهقي عن بلال بن سعد قال: لا تكن وليًا لله في العلانية وعدوه في السر. وعنده فقط من طريق عمر بن عبد العزيز قال: يا معشر المستترين! اعملوا إن عند الله مسألة فاضحة، قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون) على أنه قد ورد افتضاحه في الدنيا فعن عثمان بن عفان مرفوعًا: "من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله منها رداء يعرف به" أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب وسنده ضعيف، والصحيح وقفه على عثمان. كذلك أخرجه البيهقي أيضًا بلفظ: "من عمل عملاً كساه الله

رداءه، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر" ورواه ابن أبي الدنيا بلفظ: "ما من عبد يسر سريرة إلا ردأه الله عز وجل رداءها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر" وله شاهد عن أبي سعيد الخدري رفعه: "لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة لا باب لها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنًا ما كان". أخرجه البيهقي وابن أبي الدنيا. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه: "من المؤمن؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "المؤمن الذي لا يموت حتى يملأ الله عز وجل مسامعه مما يحب، ولو أن عبدًا اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين بيتًا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله، حتى يتحدث به الناس ويزيدون" قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: "لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الكافر؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "الكافر الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يكره ولو أن فاجرًا فجر في بيت إلى سبعين بيتًا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون" قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: "لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد". أخرجه البيهقي والحاكم في بعض تصانيفه ومن طريقه الديلمي وبعضها يتأكد ببعض. وللبيهقي عن ثابت البناني قال: كان يُقال: لو أن

ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتًا كساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف به. وعن المسبب بن رافع قال: "ما من رجل يعمل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله عز وجل. قال: وتصديق ذلك في كتاب الله: (والله مخرج ما كنتم تكتمون) وللدينوري في المجالسة عن يوسف بن أسباط قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: قل لهم: يخفون لي أعمالهم، وعليَّ أن أظهرها لهم. ولابن أبي الدنيا من طريق الأعمش سمعت إبراهيم ـ هو النخعي ـ يقول: "إن الرجل ليعمل الأمر أو العمل الحسن في أعين النسا لا يريد به وجه الله فيقع له المقت، والعيب عند الناس حتى يكون عيبًا، وإنه ليعمل العمل أو الأمر يكرهه الناس يريد به وجه الله فيقع له المقت والحسن عند الناس" وهو بنحوه عند أبي نعيم في الحلية وفي الصحيحين عن جندب رفعه: "من راءي راءي الله به ومن سمع سمَّع الله

به" وانفرد به مسلم عن ابن عباس وعند أحمد وابن منيع والطبراني وغيرهم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من سمع الناس بعلمه سمع الله به سامع خلقه، وحقره وصغره" ومعنى قوله: من سمع أي من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد، والأحاديث فيهذاالمعنى كثيرة، ومن طالع الإخلاص لابن أبي الدنيا "والسرائر" للعسكري و"شعب الإيمان" للبيهقي استفاد الكثير من ذلك. والله الموفق.

305 - مسألة: في الوعيد على التدافع على الإمامة بلفظ: إذا تجاوز الرجلان في الإمامة بعد الإقامة فهما في النار

305 - مسألة: في الوعيد على التدافع على الإمامة بلفظ: "إذا تجاوز الرجلان في الإمامة بعد الإقامة فهما في النار". فالجواب: لم أقف عليه، لكن قال عبد الرازق في جامعه: أخبرنا أبي [قال]: سمعت بعض أهل العلم يذكر أن قومًا اقاموا الصلاة فجعل هذا يقول لهذا: تقدم، ويقول هذا لهذا: تقدم، فلم يزالوا كذلك حتى خسف بهم. وأروده الغزالي في الإحياء فقال: وقد قيل: إن قومًا إلى آخره. ولأبي داود في سننه ومن طريقه البيهقي من طريق سلامة ابنة الحر ـ أخت خرشة بن الحر ـ الفزاري قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلي بهم" وبوبا عليه: "كراهة التدافع على الإمامة" والحدث مشعر بذلك حيث جعله من أشراط الساعة التي الغالب كونها مذمومة. وهو عند أحمد في مسنده وابن ماجه بلفظ: "يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إمامًا يصلي بهم" ذكره ابن ماجه في باب ما يجب على الإمام،

وسكت عليه أبو داود، والمنذري في مختصره والنووي في الخلاصة مع أن في رواته من جهل حالا، بل ومن جهل عينًا، وذكر الأئمة أن معناه: أن يدفع القوم بعضهم بعضًا للتقدم لها، والتدافع يحتمل أن يكون لعدم وجود متأهل للإمامة، أو وجوده لكن للرياء في إظهار أن غيره أحق، أو لإهمال شهود الجماعات بلا سبب، أو بسبب اشتغاله بالحروب الدنيوية ونحوها، لأجل التنافس على الدنيا، فيبقى حاضروا المسجد في حيرة، لعدم الإمام، ولا شك أن في تأخير إيقاع الصلاة بعد الإقامة بلا سبب سوء أدب مع الله، وقد روى عبد الرازق. وكذا ابن أبي شيبة في مصنفه وتقاربا أن حذيفة كان يتخلف عن الإمامة فأقيمت الصلاة ذات يوم فتدافع القوم، وهو وابن مسعود، ثم تخلف ابن مسعود، وتقدم حذيفة، فلما قضى صلاته قال لهم: لتتبعن إمامًا أو لتصلن فرادى. أما المتخلف للخوف من كونه ضامنًا، فليس من هذا في شيء، ولم يزل الأكابر يتورعون عنها. والله المستعان.

306 - مسألة: فيما يقع في كلام بعض الصوفية مما ينسب للحديث: رأيت ربي في المنام في أحسن صورة

306 - مسألة: فيما يقع في كلام بعض الصوفية مما ينسب للحديث: "رأيت ربي في المنام في أحسن صورة". فالجواب: يروى عن أم الطفيل امرأة ابن أبي بن كعب أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شابًا موقرًا رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب على وجه فراش من ذهب. أخرجه الدارقطني ثم ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال فيما اسند عن مهنا أنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عنه فحول وجه عنه وقال: إنه حديث منكر وروايه مروان بن عثمان رجل مجهول. وكذا عمارة بن عامر لا يعرف، وأصح منه قول يحيى بن معين والنسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله؟ وقال شيخي رحمه الله:

إنه متن منكر جدًا انتهى. ويروى عن أنس مرفوعًا: "رايت ربي في منامي في أحسن صورة كالشاب الموقر على كرسي الكرامة حوله فراش من ذهب" الحديث. أخرجه الدارقطني أيضًا من رواية خالد بن نجيح، وقد قال أبو حاتم: إنه منكر الحديث، يفتل الأحاديث ويضعها، والراوي عنه لهذا ـ هو ولده عبد الرحمن ـ قال فيه ابن يونس: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك الحديث، ضعيف. وعن ابن عباس رفعه: "أنه رأى ربه عز وجل شاب أمرد جعد قطط في حلة خضراء". أخرجه الدارقطني ثم ابن الوزي في العلل المتناهية وقال: إنه لا يثبت. انتهى. ولا يجوز إيراد شيء منها بحال إلا مقرونًا ببيانه، ولولا ذكر غير واحد من الأئمة له في كتبهم ما كتبته هنا، ولكن عند الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رايت ربي عز وجل في أحسن صورة فقال لي: يا محمد! قلت: لبيك وسعديك

307 - مسألة: في الوارد عن النهي عن ضحك المرء من الريح الذي يخرج من جليسه

قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ " وذكر الحديث. قال البيهقي: وروي من أوجه، كلها ضعيفة. قلت: يتعين تأويله وصرفه عن ظاهره. والله المعين. 307 - مسألة: في الوارد عن النهي عن ضحك المرء من الريح الذي يخرج من جليسه. فالجواب: هو في تفسير: (والشمس وضحاها) من صحيح البخاري في حديث عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذ انبعث أشقاها، انبعث لها رجل عزيز، عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة ـ يعني جد الراوي واسمه الأسود بن المطلب ـ وذكر النساء فقال: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، ولعله يضاجعها من آخر يومه، ثم وعظهم في ضحكم من الضرطة وقال: "لم يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". وأخرجه أيضًا في باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) من الأدب من صحيحه أيضًا بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس. وكذا أخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح.

308 - مسألة: في النهي عن سكنى القرى

قال النووي رحمه الله: فيه النهي عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره، بل ينبغي أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه، من غير التفات ولا غيره، بل يظهر أنه لم يسمع. والله أعلم. 308 - مسألة: في النهي عن سكنى القرى. فالجواب: أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا تنزلوا الكفور ـ يعني القرى ـ فإنها بمنزلة القبور". وللبيهقي في الشعب عن ابن عباس رفعه: "من علق الصيد غفل ومن لزم البادية جفا ومن أتى السلطان افتتن" وهو عند أبي داود في الصيد من سننه من حديث وهب بن منبه عند بلفظ: "من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن". وأخرجه أيضًا النسائي والترمذي وقال: حسن غريب من حديث ابن عباس. ورواه أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا وزاد: "وما ازداد عبد من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بعدًا".

وفي الباب عن البراء بن عازب وآخرين، منهم: ثوبان كما للبخاري في الأدب المفرد من حديث راشد بن سعد سمعت ثوبان يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسكن الكفور، فإن ساكن الكفور كساكن القبور" ومحل النهي حيث لم يكن فقيهًا، لغلبة الجهل على أهلها بحيث تصير كالمقابر التي لا يصلي فيها ولا يتعبد وإن وجدت صورة للصلاة ونحوها، أما النازل بها لقصد الإرشاد والتفقيه ونحو ذلك مما هو من فروض الكفايات، فلا. وكذا قوله: "من بدا جفا" أي صار فيه جفاء الأعراب، هو فيمن نزل البادية واتخذها وطنًا. ونحوه: "إن الجفا والقسوة في الفدادين" يعني الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، وإلا فيروى: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتم بشيء بدا اي خرج إلى البدو وفي لفظ:

"كان يبدو إلى هذه التلاع. وهو باللفظ الثاني عند البخاري في الأدب المفرد من حديث المقدام بن شريح عن أبيه، سالت عائشة عن البدو، قلت: وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدو؟ قالت: نعم، كان يبدو إلى هؤلاء التلاع. ويشبه كما قال ابن الأثير: أن يكون ليبعد عن الناس، ويخلو نفسه ومنه: "ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره". والله المستعان.

309 - مسألة: في الموطن الذي استحيت الملائكة فيه من عثمان رضي الله عنه؟

309 - مسألة: في الموطن الذي استحيت الملائكة فيه من عثمان رضي الله عنه؟ فالجواب: لم أقف عليه في حديث معتمد ولكن أفاد شيخنا البدر النسابة في بعض مجامعيه عن الجمال الكازروني أنه صلى الله عليه وسلم لما آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة في بيت أنس بن مالك وتقدم عثمان لذلك كان صدره مكشوفًا فتأخرت الملائكة منه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية صدره فعادوا إلى مكانهم فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب تأخرهم، فقالوا: حياء من عثمان. فالله أعلم. 310 - مسألة: روى الدارقطني والبيهقي في سننهما عن عائشة مرفوعًا: "لا اعتكاف إلا بصيام" وسنده ضعيف. وله شاهد عند أبي داود في سننه عنها قالت: "من السنة على

المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ولا اعتكاف إلا صومط. وأخرجه البيهقي من أوجه أخر بلفظ: "والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" مع قول أبي داود الذي أورده هو منه تفرد به. وقول الصحابي: "من السنة" حكمه الرفع على الصحيح، ولكن قد أشار البيهقي إلى وهم رفعة، وصرح غيره بذلك في الصريح والكناية، وأن الراجح وقفه، فكذلك رواه البيهقي أيضًا عنها أنها قالت: لا اعتكاف إلا بصوم. وفي لفظ عنده أيضًا وعند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه عنها: "من اعتكف فعليه الصيام" ووافقها على القول به ابن عباس وابن عمر مما رواه سعيد بن منصور في سننه عنهما وآخرون، منهم: علي. فعند ابن أبي شيبة من طريق جعفر عن أبيه عنه قال: لا اعتكاف إلا بصوم. وقول ابن عباس مروي عنه من أوجه، بلفظ الشرط وغيره. منها: ما أخرجه البيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: المعتكف يصوم. وعنأبي فاختة سعيد بن علاقة

سمعت ابن عباس يقول: يصوم المجاور، والمجاور المعتكف. ولكن ثانيهما عند سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عمرو عن أبي فاختة بلفظ: "المعتكف عليه الصوم" وفي لفظ لأولهما: لا جوار إلا بصيام. ومن طريق مجاهد قال: أخبرنا صاحب هذه الخيمة ـ يعني ابن عباس ـ قال: إذا أفطر المعتكف أعاد الصيام وعند ثانيهما من جهة مقسم عن ابن عباس قال: لا اعتكاف إلا بصوم وعندهما معًا من طريق طاوس عن ابن عباس قال: الصوم عليه واجب. وخطأ ابن عيينة من رواه بلفظ: لا اعتكاف إلا بصوم. وكذا قال عمرو بن دينار حيث قيل له: كيف قول ابن عباس على المجاورم الصوم؟ ليس كذا قاله ابن عباس، إنما قال: المجاوريصوم, وجاء القول بالاشتراك أيضًا عن جماعة من التابعين فمن بعدهم، فلسعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والمعتكف عليه الصوم، ولا يكون اعتكاف إلا بصوم. وبالجملة الأخيرة منه، وهي: " لا اعتكاف إلا بصوم" عند ابن أبي شيبة. وعنده

أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: "على المعتكف الصوم وإن لم يفرضه على نفسه. ومن طريق جابر الجعفي عن عامر الشعبي قال: لا اعتكاف إلا بصوم ومن طريق مغيرة الضبي عن إبراهيم النخعي أنه لم يكن يرى الاعتكاف إلا بصوم. وعند سعيد بن منصور من طريق ليث أن امرأة جعلت عليها أن تعكف سنة فماتت قبل أن تفعل فسأل بنون لها أربعة طاوسًا فأمرهم أن يعكف كل رجل منهم ثلاثة أشهر ويصوم".

311 - سئلت: كيف ساغ مع قوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» تقسيمها إلى الأحكام الخمسة التي منها الواجب والمندوب والمباح؟

311 - سُئلت: كيف ساغ مع قوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» تقسيمها إلى الأحكام الخمسة التي منها الواجب والمندوب والمباح؟ قلت: نحملها على المحدثات المخالفة للكتاب أو السنة، أو الأثر أو الإجماع دون ضدها، ومن ثم قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان: نعمت البدعة هي. ولذا جعل إمامنا الشافعي رضي الله عنه المحدثات على ضربين ما كان مخالفًا كما تقدم، وقال: فهذه البدعة الضلالة، وما لم يكن كذلك ونزل عليه قول عمر فإنها لم تكن ولا مخالفة فيها لما مضى والله الموفق. وقول بعضهم بشمول البدعة العادات ليس على إطلاقه أيضًا بل يختص فيما وقع اللائق فيه من المآكل السيئة التي أحدثها العجم وغيرهم من أهل الدنيا مما فيه مزيد الترفه والتنعم المباين لما كان عليه السلف

312 - مسألة: الأحاديث الواردة فيمن قعد يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين التي منها ما للترمذي عن أنس رفعه: من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة وق

تباينًا كليًا ودون ما ليس فيه إلا مجرد قيام البنية وسد الرمق مما هو مندرج فيطريقة السلف. وبالله التوفيق. 312 - مسألة: الأحاديث الواردة فيمن قعد يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين التي منها ما للترمذي عن أنس رفعه: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" وقال عقبة: حسن غريب. وأخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي مثله، لكن قال: "من صلى صلاة الغداة" وقال: "جلس" وقال: "انقلب بأجر حجة وعمرة" وعنده من حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد السلمي بلفظ: "صلاة الصبح ثم لم يثب حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمرتامًا له حجته وعمرته" فأفاد أن الصلاة المذكورة صلاة البح فأخرج النفل الملطق ما كان لسبب آخر. وكذا لأحمد وأبي داود من حديث معاذ بن أنس الجهني بلفظ: "من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يصلي ركعتين الضحى لا يقول إلا خيرًا غُفرت له خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر"

وفي رواية لأبي يعلى: "وجبت له الجنة" وفي أخرى لابن أبي الدنيا من حديث أبي أمامة: "لم تمس جلده النار". ومثله عند البيهقي من حديث الحسن بن علي. وأفاد بقوله: "لا يقول إلا خيرًا" دخول من أمر بمعروف أو نهى عن منكرٍ. ويلتحق به من أجاب سائلاً عن حكم شرعي مثلاً، ومن شفع شفاعة حسنة ونو ذلك، ويمكن أن يدخل ذلك كله في ذكر الله، وشرطه أن تقتصر على الحاجة من ذلك لما لابد منه بلا مزيد. وعند أبي يعلى من حديث عائشة بلفظ: "من صلى الفجر فقعد بمقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حين يصلي الضحى خرج كيوم ولدته أمه" وكذا من الوارد من فعله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما للطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم منمجلسه حتى تمكنه الصلاة. وعن جابر بن سمرة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس". أخرجه

مسلم وأصحاب السنن الثلاثة. وللطبراني في رواية له في المعجم الكبير: "جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس" إلى غيرها من الأحاديث في هذا المعنى قولاً وفعلاً لا نطيل بها لحصول الغرض بما ذكر، فهل يحصل هذا الثواب لمن قعد محدثًا أو تخلل زمان بين مقعده ووضوئه؟ وهل يناله من طاف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وصلى ركعتي الطواف، وهل إذا كان يطرقه النعاس فقام يتردد في أرجاء المسجد أو غيره من مصلاه يحصل له أم القعود في مصلاه شرط في حصوله؟ وهل من شرط الخشوع وتدبر ما يقول وعدم الكلام أم لا؟ الجواب: قد وقفت لشيخنا رحمه الله على جواب فأثبته بنصه

فقال: أكمل الأحوال أن يستمر قاعدًا ذاكرًا إلى أن يرتفع وقت الكراهة فيصلي ركعتين، فإن تخلل بين ذلك قول غير الذكر ويدخل فيه تلاوة القرآن وفعل ما أو سكوت لم يحصل تمام الموعود، هذا ما يقضتيه ظاهر العبارة ويلتحق بذلك حكمًا اشتراط الخشوع، لأنه أجل ما يشترط في ذلك لأن المراد بالقعود على الهيئة المذكورة عدم التشاغل بشيء من أمور الدنيا. ويلتحق بذلك عدم التشاغل بعبادة أخرى كالطواف، والمقصود من الفراغ من الأقوال والأفعال جزمًا، ليس هو القعود لذاته ولا الذكر بلسانه مجردًا، لكن التوجه التام والإقبال على من يذكره في ذلك الوقت إلى أن تحرم بالصلاة حين يزول وقت الكراهة فيوجد من هذا المطلوب اشتراط الخشوع واستمرار في تلك المدة، لكني أقول: إن هذا يحصل كمال المطلوب في هذه العبادة ولا يلزم منه حرمان من أجل شيء من ذلك بالتشاغل بعبادة أخرى مقصودة أو وسيلة لمقصود، بل يحصل في الأقوال كمن أمر بمعروف مثلاً أو نهى عن منكرٍ مثلاً في تلك الحالة الثواب الجزيل. وفي الأفعال كمن طاف، وكذا من اتفق له حدث فتشاغل بالوضوء، وكذا من اشتغل عن الخشوع بفكر عرض له فلم يسترسل معه، وكذا من غلب النعاس فشأنه مع محافظة ما ذكر أن يستمر في مجلس يعوده، ويمكن بقعدته من الأرض على وضوئه، فإنه إن غلب عليه النوم فنام لا يعدم الثواب الموعود به لكونه لم يحصل منه تعمد لذلك، وعلى هذا فيقال: يشترط في هذا الأخير أن بداية النعاس أن يسعى في إذهابه بما يمكنه ولا يسترسل معه كما ورد في حديث النفس بلفظ: "لا يحدث فيها نفسه" لأنه لا يملك أن لا تحدثه نفسه بل يملك أن لا تحدثها فإنه متى حافظ على أنها إن فتحت له من ذلك بابًا سده لا يكون ممن حدثها، بل من إذا حدثته حدثها فإنها تسترسل في تحديثه فيخرج عن الشرط، فكذا هذا إذا بدره النعاس حافظ على دفعه بما يقدر عليه كما تقدم والله أعلم.

313 - سئلت عما يقال: إن الأمة لا تؤلف تحت الأرض؟

313 - سئلت عما يقال: إن الأمة لا تؤلف تحت الأرض؟ فأجبت: لعل هذا القائل تمسك بما أخرجه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في المعرفة وأبو علي بن السكين وابن قتيبة في غريب الحديث والديلمي في مسنده من حديث سليمان بن عطاء القرشي الحراني عم مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن ابن زمل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث طويل: "الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت ـ أو قال ـ أنا في آخرها ألفًا" ولكن ابن عطاء هذا منكر الحديث، بل قال ابن حبان: إنه يروي الموضوعات، وكذلك قال: ابن زمل لا أعتمد على إسناد خبره، هذا مع أنه أثبت صحبته، وقال ابن السكن: إسناده ضعيف، وأما الذهبي، فإنه ذكر ابن زمل في الميزان وقال: إنه لا يكاد يعرف ليس بمعتمد. انتهى.

وأورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات. ونحوه ما أخرجه الديلمي في مسنده من طريق أبي الشيخ ثم من جهة عمرو بن يحيى بن نافع عن العلاء بن زيدل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا كلها سبعة أيام من أيام الآخرة وذلك قوله تعالى: (وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون). وأورد هناد بن إبراهيم النسفي في جزئه عن أنس بمعناه ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قضى لأخيه المسلم حاجة قضى الله له سبعة آلاف سنة أيام الدنيا صيام نهارك وقيام ليلها" ولا يصح أيضًا. وعند أبي جعفر الطبري في مقدمة تاريخه من طريق ابن عباس موقوفًا: "الدنيا جمعة من جمع الآخرة كل يوم ألف سنة". ومن طريق كعب الأحبار قال: "الدنيا ستة آلاف سنة". ومن طريق وهب بن منبه مثله وزاد: "والذي مضى منها خمسة آلاف وستمائة سنة" ثم زيفهما ورجح ما جاء عن ابن عباس ـ يعني عليهما ـ مع كونه لا يصح أيضًا، لأن في سنده يحيى بن يعقوب أبو طالب القاص قال فيه البخاري: إنه منكر الحديث، وجزم العماد ابن

كثير بأنه لا يصح إسناده، قال: وكذا كل حديث ورد فيه تحديد بوقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده. وقال شيخنا: وعلى تقدير صحته ـ يعني حديث ابن عباس ـ فالأخبار الثابتة في الصحيحين تقتضي أن يتكون مدة هذه الأمة نحو الربع أو الخمس من اليوم لما ثبت في حديث ابن عمر: "إنما أجلكم فيما مضى قبلكم كما بين صلاة العصر وغروب الشمس ... الحديث بمعناه"، قال: فإذا ضم هذا إلى قول ابن عباس زاد على الألف زيادة كثيرة. والحق أن ذلك لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى. قلت: ومما روي في التحديد مما لا يصح أيضًا ما أورده الديلمي بلا إسناد عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا قال: "الدهر عشرة آلاف سنة" وروى أبو داود في سننه والطبراني في مسند الشاميين والحاكم في

314 - سئلت عن حديث: رحم الله والدا أعان ولده على بره

مستدركه وآخرون من حدث جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم". وروى أبو واقد أيضًا من حديث شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأرجو أن لا يعجز الله أمتي أن يؤخرهم نصف يوم" قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة. ومن طريق أبي داود أخرج ثانيهما الضياء في المختارة، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن سعد ولفظه: "لن يعجزني عند ربي أن يؤخر أمتي نصف يوم" قيل: وما نصف يوم؟ قال: "خمسمائة سنة" وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. 314 - سئلت عن حديث: "رحم الله والدًا أعان ولده على بره". فأجبت: أخرجه أبو الشيخ في الثواب من حديث علي وابن عمر

مرفوعًا بسند ضعيف، وهو [عند] النوقاني من رواية الشعبي مرسلاً، والمعنى أنه لا يحمله على العقوق بسوء أفعاله. وللبيهقي في الشعب وغيرها بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله قد علمنا حق الوالد فما حق الولد؟ قال: "أن يحسن اسمه ويحسن أدبه". وعن أبي سعيد وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه فإذا بلغ فيلزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فاصاب إثمًا فإنما إثمه على أبيه". وللبخاري في الأدب المفرد من حيث محارب بن دثار عن ابن عمر قال: إنما سماهم الله عز وجل أبرارًا لأنهم بروا الآباء كما أن لوالدك عليك حقًا كذلك لولدك عليك حق. وترجم عليه: بر الأب لولده بل ترجم قبله سواء: أدب الوالد وبره لولده وأرود فيه من جهة الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول: كانوا يقولون: الصلاح من الله والأدب من الآباء. وللبيهقي في الشعب وغيرها بسند ضعيف عند أبي رافع قلت: يا رسو الله أللولد علينا حق كحقنا عليهم؟ قال: "نعم، حق الولد على الوالد

أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي وأن يروثه طيبًا" وله طرق بينتها في "القول التام في فضل الرمي بالسهام" وقال سفيان الثوري: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث فإنه مسئول عنه. وقال: إن هذا الحديث عز، من أراد به الدنيا وجدها ومن أراد به الآخرة وجدها. وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن الولي ينبغي له تأمل حال الصبي وما هو مستعد له.

315 - سئلت عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟

315 - سئلت عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟ فأجبت: لم يصل إلينا ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن من بعدهم من القرون الماضية ولا أئمة المذاهب الأربعة مع كونهم أجدر الناس بكل مكرمة، وإنما نقل عن بعض الصالحين مما حكوه عن أنفسهم حينما حكاه الشرف البارزي رحمه الله في "توثيق عرى الإيمان" وأبو عبد الله بن أبي جمرة في "بهجة النفوس" وعبارة أولهما: أنه سمع عن جماعة من الأولياء في زمانه وقبله أنهم رأوه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حيًا من وفاته، وعقب ذلك بأبيات لأبي البيان نبا بن محمد بن محفوظ شيخ الطائفة البيانية بدمشق قال فيها: وتشفع في مسيئتهم لي كفالا ... وتحضر ذكرهم مرات طوالا وأما الثاني، فإنه قال: وقد ذكر عن السلف والخلف إلى هلم جرا عن جماعة كانوا يصدقون بهذا الحديث، يعني: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" وسألوه عن أشياء كانوا فيها متشوشين (متخوفين)

فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي يكون منها فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ونقص ثم قال: والمنكر لهذا لا يخلوا إما أن يكون ممن يصدق بكرامات الأولياء أو لا؟ فإن كان الثاني، فقد سقط البحث عنه، فإنه مكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة، وإن كان الأول، فهذا منها، لأن الأولياء يكشف لهم لخرق العادة عن أشياء ي العالمين العلوي والسفلي عديدة، مع التصديق بذلك. وفي الكلامين مناقشات يطول الأمر بذكرها منها: أن المنقول عنهم إن كان الحاكي عنهم ممن يعلم ثقة لم يبين لثقته ما اتفق لهم فهو محمول المعنى والنقل معًا، كالمحكي عن أبي البيان فإنه نظير ما رويناه عن أبي القاسم الجنيد أنه رأى صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: يا رسول الله نجتمع مع إخواننا فنقول القول وتظهر منا الحركات فما تقول في ذلك؟ فقال: ما اجتمعتم إلا وأنا معلم، ولكن ابتدؤوا بالقرآن واختموا به. ولكن القصد أن القول بوقوعها في الدنيا يقظة قد استشكله شيخنا رحمه الله جدًا وأنا معه في ذلك مع تصديق كل منا بكرامات الأولياء لاحتمال خطأ الرأي الناشئ عن الظن في كون المرئي هو الذات الشريفة كما اتفق لمن جاء من الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم هو وصاحبه أبو بكر الصديق المدينة في الهجرة ممن لم يكن رآه قبل ذلك حيث ظنوه أبا بكر إلى أن تبين لهم أنه غيره حيث أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظله أبو بكر بردائه ومن ثم

توقف في التمسك لدعوى حياة الخضر عليه السلام يرويه جماعة له كالشيخ عبد القادر، الذي نقل ابن العماد في كتابه: نظم الدرر في هجرة خير البشر مما أستغربه ممن يعتمد أنه أدرك من الجن الذين أسلموا لسماع القرآن منه صلى الله عليه وسلم واحدًا، وقيل: إنه يحتاج إلى ثبوت كون المئي عين الخضر صاحب موسى عليه السلام سيما مع تغاير صفة المرئي بعينهم، والقول بأن لكل زمان خضر بحيث قيل: إن الخضر مرتبة من وصل إليها سمي الخضر، كالقطب والغوث، فقال أبو الخطاب ابن دحية: كيف يجوز لعاقل أن يلقى شخصًا لا يعرفه فيقول له: أنا فلان فيصدقه. ونحوه قول ابن الجوزي وغيره كالذهبي فإنه لما حكى في ترجمة أبي البيان المشار إليه من تاريخه: إن عبد الله البطائحي رأى الخضر قال: إن صح فهو ظن في أن ذلك الشخص هو الخضر، بل لما قيل للإمام أبي الفتح ابن دقيق العيد حين ذكر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه من أعلمه أي الشيخ بأنه الخضر وهل عرفت أنت ذلك؟ سكت. على أن في الاستدلال بها لمرادهم، وكذا في عدم التعرض للرد على المستدلين به من هذه الحيثية تسليم للأئمة ثم وجدت الإمام القرافي أحد الائمة المالكية قرر في قواعده أن رؤيته صلى الله عليه وسلم هنا إنما تصح لأحد رجلين إما صحابي أو عالم بصفته قال: وأما غيرهما فلا يحصل الجزم بها يعني ولو وجد في نسه أن المرئي

هو بل يجوز أن يكون رأي النبي صلى الله عليه وسلم تمثاله، ويحتمل أن يكون من عمل الشيطان ولا يفيده قول الذي يراه: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحة قول من يحضر معه: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره فلا يحصل الجزم به ويقصد بأن أهل التعبير على خلافه وما شكوا منه إبطال رؤية الإنس فرؤية الملائكة إذا تحقق لا صورة له حتى يتمثل صورة بصورة. قلت: يمكن أن يقال: إنه يرى شيئًا لا يشبه المخلوقين وقد علم أنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته كما جزما قيل به في قوله: فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، ولأن القول بوقوعها في الدنيا يقظة يستلزم أن يكون هو لأصحابه، وإمكان بقاء الصحابة إلى يوم القيامة، وهذا الذي استشكل به شيخنا القول به، ويمكن الجواب عنه بما أجبت به من قال بصحبة من اتفق أنه رآه في قبره الشريف أو قبل أن أدرج في أكفانه تكون هذه الحياة أخروية بدليل أن الشهيد مع كونه أيضًا حيًا قطعًا يقسم ميراثه وتنكح نساؤه، وكان شيخنا يرى أن الأمر هنا أوضح من أن يتكلف له برد ويتأيد ما ذهبنا إليه لصرف غير واحد من الأئمة قوله صلى الله عليه وسلم: "فسيراني في اليقظة" من حديث "من رآني" عن ظاهره وأنه على التمثيل والتشبيه بدليل قوله في الرواية الأخرى: "فكأنما رآني في اليقظة" ومنه قول الشافعي: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: أصحابه، أو يرى في اليقظة تأويلها وتفسيرها بطريق الحقيقة أو التعبير لأنه حق وغيب ألقاه الله الملك أو يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية، لا

مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام أو يخصه بأهل عصره الشريف ممن آمن به قبل أن يراه أو يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه، وممن ذهب إلى الثاني القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي وضعف الثالث حيث أطلق فيه الرؤية في القيامة فقال: وهذا لا معنى له، ولا فائدة في هذا التخصيص يعني فإنه سيراه في القيامة في اليقظة جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره قال: وأما قوله: "فكأنما رآني"، فهو تشبيه ووجهه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقًا حقيقة، والثاني حقًا تمثيلا ومجازًا قال: وهذا كله إذ رآه على صورته المعروفة فإن رآه على خلاف صفته فهي أمثال، فإن رأى حسن الهيئة، حسن الأقوال حسن الأفعال مقبلاً على الرأي كان خيرًا له، وفيه: وإن رأى خلاف ذلك كان شرًا له، وفيه: لا يلحق النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء وتفصيل هذا في كتب التعبير، وكذا اختار ابن بطال الثاني ورد الثالث وحكاهما القاضي عياض مضعفًا الثالث أيضًا، ثم وجهه بمزيد الخصوصية كما تقدم، قال: ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبية صلى الله عليه وسلم مدة وتبعه أبو عبد الله بن الحاج في المدخل، وحمله على الرابع ابن التين ونقله عن القزار، وكذا أورده المازري احتمالاً فقال: يحتمل أن يريد أهل عصره ممن لم يهاجر إليه صلى الله عليه وسلم وأنه إذا رآه في المنام فسيراه في اليقظة ويكون الباري جلت قدرته جعل رؤيته في المنام علمًا على رؤية اليقظة

أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بذلك، وعلى الخامس ابن أبي جمرة مستدلاً له بما حكاه ظنًا منه عن ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فذكر بعد استيقاظه هذا الحديث وبقي متفكرًا فيه ثم دخل على بعض أمهات المؤمنين ـ أظنها ميمونة ـ فأخرجت له جبته صلى الله عليه وسلم ومرآته فنظر في المرآة فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه انتهى. وفي ثبوت هذا نظر، بل قال شيخنا: إن الحمل عليه من أبعد المحامل، قال: ويعكر على حمله على ظاهره أن جمعًا جمًا رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف، وكذا اشتد إنكار القرطبي على من قال: إنه يراه في المنام حقيقة ثم يراه كذلك في اليقظة، وقال الغزالي: ليس معنى "فسيراني في اليقظة" أنه يرى جمسي وبدني، وقال: والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق، وكذا قال في بعض فتاويه: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني منامًا ـ لم ير حقيقة شخصه الموضوع في روضة المدينة وإنما رأى مثالاً لا شخصه، ثم قال: وذلك المثال مثال روحه المقدسة عن الصورة والشكل، بل نقل القاضي أبو بكر بن العربي القول بأن الرؤية في المنام بعين الرأس حقيقية غلوًا وحماقة، ثم حكى ما نسب لبعض المتكلمين وهو القول بكونها مدركة

بعينين في القلب وأنه ضرب من المجاز نحو ما قاله الأستاذ ـ يعني ابن ورك ـ أو غيره. انتهى. وكذا أقول: إنه لا يمتنع عن خواطر أرباب القلوب القائمين بالمراقبة والتوجه على قدم الخوف حيث لا يسكنون لشيء مما يقع لهم من الكرامات، فضلاً عن التحدث بها لغير ضرورة، مع السعي في التخلص من الكدورات والإعراض عن الدنيا وأهلها جملة، وكون الواحد منهم يود أنه خرج من أهله وماله وأنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم كالشيخ عبد القادر الكيلاني أن تتمثل صورته الشريفة صلى الله عليه وسلم في خاطره ويتصور في عالم سره أنه يكلمه بشرط استقرار ذلك وعدم اضطرابه، فإن تزلزل واضطرب كان له من الشيطان، فليس ذلك خادشًا في علو مناصبهم لعدم عصمة غير الأنبياء فقد قال التاج السبكي في جمع الجوامع تبعًا لغيره أن الإلهام ليس بحجة لعدم الثقة لمن ليس معصومًا بخواطره وحينئذ فمن قال ممن روينا عنه أو غيرهم بأن المرئي هو المثال لا يمتنع حمله على هذا، بل حمل كل من أطلق عليه هو اللائق وقريب منه ما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الجنة والنار" مع من يدفع استبعاده هناك أن المراد بالرؤية رؤية العلم، ونحوه ما قيل: هي حكمة العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قول

المصلي: "السلام عليك" على طريق العرفان من أن المصلي لما استفتح باب المذكور بالتحيات أذن له في الدخول في حرم الحي الذي لا يموت فقرت عينه بالمناجاة نبه على أن ذلك بواسطة نبي الرحمن وبركة مبايعته فالتفت فإذا الحبيب حاضر ثم أقبل عليه قائلاً: السلام عليك إلى آخره، بل يحكي عن أبي العباس المرسي أنه قال؛ لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين، ويشير لما ذهبنا إليه قول شارح المصابيح: أو يراه في الدنيا حالة الذوق، والانسلاخ عن العوائق الجسمانية كما نقل ذلك عن بعض الصالحين أنه رآه في حالة الذوق والشوق، وحكي عن قيس المجنون أنه قيل له: ندعو لك ليلى؟ فقال: وهل غابت عني ليلى فتدعى؟ قيل: أفتحبها؟ فقال: المحبة ذريعة الوصل وقد وقعت الوصلة، فأنا ليلى وليلى أنا. وأما ما حكاه التاج بن عطاء الله في كتابه "لطائف المنن" عن بعض أصحابه قال: لما رجع الشيخ أبو الحسن الشاذلي من الحج أتى إلى الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام قبل أن يأتي منزله فقال له: الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم عليك، فاستصغر العز نفسه أن يكون أهلاً لذلك. واتفق حضور محي الدين بن سراقة ـ يعني محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين أحد أتباع ابن عربي، وأبو العلم ياسين أحد أصحاب محيى الدين ابن عربي، فقال أولهما للعز: ليهنكم ما سمعنا، والله إنا لنفرح أن يكون في هذا الزمن من يسلم عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العز:

الله يسترنا، فقال أبو الحسن: الله يفضحنا حتى يبين الحق من الباطل، ثم أشار إلى القول، وكان بعيدًا بحيث لم يسمع ما دار بينهم أن يقول، فكان أول ما قال: صدق المحدث والحديث كما جرى فقام العز وطاب ويه، وقام الناس لقيامه. انتهى بمعناه. فهي إن علمت نفسه المتهم الذي حكاها يحتمل أن يكون ما سمعه الشيخ أبو الحسن من السلام نشأ عن منام، ويحتمل أن يكون سمع ذلك من القبر الشريف كما وقع لجماعة كثيرين، وكذا ما حكاه ابن عطاء الله عن أبي العباس المرسي أنه كان مع الشيخ أبي الحسن بالقيروان في ليلة الجمعة سابع عشر رمضان فذهب معه إلى الجامع فلما دخل وأحرم بالصلاة رأى الأولياء يتساقطون عليه كما تتساقط الذباب على العسل، فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال: ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة، كانت ليلة القدر ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي ظهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس. قلت: يا رسول الله وما ثيابي؟ قال: اعلم أن الله يا على قد خلع عليك خمس خلع: خلعة المحبة، وخلعة المعرفة، وخلعة الإيمان، وخلعة التوحيد، وخلعة الإسلام، من أحب الله هان عليه كل شيء، ومن عرف الله صغر لديه كل شيء، ومن حد الله لم يشرك به شيئًا ومن آمن بالله أمن من كل شيء، ومن أسلم لله قلما يصيبه شيء، وإن عصاه اعتذر إليه، وإن اعتذر إليه قبل عذره، ففهمت حينئذ معنى قوله عز وجل: (وثيابك فطهر) يحتمل أيضًا لأن يكون منامًا. ومنه ما حكاه الشهاب السهروردي في الباب الحادي والعشرين من

عوارفه قال: سمعنا أن الشيخ عبد القادر الكيلاني قال له بعض الصاحلين: لم تزوجت؟ قال: ما تزوجت، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوج، بل يحتمل أن يكون أشار لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة" وأنه استطاع التزوج امتثالاً لقوله. وقول الشيخ أبي عبد الله بن النعمان في كتابه: "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام" أنه كان

قافلاً مع الحجاج في سنة سبع وستين وستمائة فغلبته عيناه فنام فما انتبه إلا وقد فاته الركب ولم ير أحدًا، فَهَالَه ذلك ولم يدر الطريق ودخل عليه الليل وعاين الهلاك وأيس من الحياة وأنه نادى في الظلام: يا محمداه يا محمداه أنا مستغيث بك، قال: فلم أتم الكلام حتى سمعت قائلاً يقول لي: أبشر، فنظرت فإذا أنا بشخص لم أتبين وجهه وعليه ثوب أبيض في سواد الليل فأخذ بيدي فلما وقعت يدي في يده زال عني ما كنت أجده من التعب والعطش وأنست به أنسًا عظيمًا ثم سار بي ويده في يدي فلم يزل سائرًا ساعة فبينما أنا كذلك إذ سمعت الحجاج والدليل ينادي بالناس وقد أوقدوا لهم نارًا يهتدون بها فنظرت فغذا أنا براحلتي قدامي واقفة فصحت من فرحي بها فلما صحت نزع ذلك الشخص يده من يدي وقال: دونك راحلتك، ثم رفعني فوضعني عليها وتركني وولى وهو يقول: نحن لا نخيب من طلبنا واستغاث بنا فعلمت بذلك أنه النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت أنواره وهو ذاهب تلوح في ظلام الليل وقد لحقني من الشدة شيء عظيم كيف لم أقبل يديه ورجليه، فليس فيه أنه رآه مع احتمال كونه ملك، أو تأويل قوله: نحن لان نخيب إلى آخره، ولأجل ما طرق هذه الحكايات من الاحتمال فمن نسب من أجلها العز ابن عبد السلام وأبى الحسن الشاذلي وابن عطاء الله القول بالرؤية يقظة لموافقتهم عليها، فقد أخطأ. وقد انتقد الشيخ سراج الدين البلقيني من حكاية ابن عطاء الله وضعف أبا العلم ياسين بأنه أحد اصحاب العارف بالله محيى الدين بن عربي فقال كما قرأته بخطه: أخطأ مصنف هذا الكتاب في وصف ابن عربي بأنه عارف بالله، لأن ابن عربي المذكور من أجهل الجاهلين بالله، لقد جهل جهلاً قبيحًا وضل ضلالاً

بعيدًا، لم يأت أحد في أنواع الضلالة والكفر بما أتى به وكتبه محشوة بذلك وأخبر عن العلماء الأثبات بذلك وكتبنا ذلك لئلا يغتر به من يقف عليه والنصيحة مطلوبة ثم على ما قررته به يكون معنى فسيراني في اليقظة أي يتصور مشاهدتي وينزل نفسه حاضرًا معي، بحيث لا يخرج عن آدابه وسننه صلى الله عليه وسلم بل يسلك منهاجه ويمشي على شريعته وطريقته. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه" ويحمل العموم فيمن رآني على وإليه يشير بعض قول المعتمدين أي من رآني رؤية، معظم لحرمتي، ومشتاق لمشاهدتي وصل إلى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه. إذا علم هذا فقد تتراءى بعض الحور العين في اليقظة لبعض المجاهدين. روينا في الجزء الثامن من الغيلانيات من حديث عبد الرحمن بن

يزيد بن معاوية قال: قال لي رجل ونحن نسير في أرض الروم أخبر أبا حازم ـ يعني سلمة ابن دينار ـ التابعي الشهير من شأن صاحبنا الذي رأى في العنب ما رأى ـ فقال الرجل لعبد الرحمن: بل أخبره فقد سمعت منه، فقال عبد الرحمن: نعم مررنا بكرم فقلنا لرجل: خذ هذه السفرة فاملأها من هذا العنب ثم أدركنا في المنزل فلما دخل الرجل الكرم نظر إلى امرأة على سرير من ذهب من الحور العين فغض عنها بصره ثم نظر في ناحية الكرم، فإذا هو بأخرى مثلها، فغض عنها بصره، فقالت له: انظر فقد حل لك النظر فإني والتي رأيت زوجتاك من الحور العين، وأنت تأتينا يومًا في هذا، فرجع إلى اصحابه ولم يأتهم بشيء، فقلنا له: مالك أجننت، فراينا له حالاً غير الحال التي فارقناه عليها من نور وجهه وحسن حاله، فسألناه: ما منعك من ذلك؟ واستعجم علينا حتى أقسمنا عليه فقال: إني لما دخلت الكرم وقص القصة، فما أدري أكان ذلك أسرع أو استنفر الناس العدو فأمرنا به إنسانًا يمسك دابته حتى أسرجنا ثم ركب وركبنا رجاء أن نصيب الشهادة معه فتقدم بين أيدينا، وكان أول الناس استشهد يومئذٍ. ومن طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا ابن أبي زكريا ـ يعني عبد الله الفقيه الدمشقي ومعنا مكحول أن رجلاً مر بكرم من أرض الروم فقال لغلامه: أعطني مخلاتي حتى آتيكم من هذا العنب، فأخذها ثم دفع فرسه فبينما هو في الكرم إذا هو بامرأة على مثل لم ير مثلها قط فلما رآها صد عنها فقالت: لا تصد عنا فإني زوجتك وامض أمامك فسترى ما هو أفضل مني، فمضى فإذا هو بأخرى فقالت له مثل

ذلك، وأظنه أبا مخرمة، قال عبد الرحمن بن يزيد: فأخبرني عطاء بن قرة السلولي قال: كنا مع أبي مخرمة السعدي فما عدا أن جاءنا من ذلك العنب فوضعه ودعا بقرطاس ودواة، فكتب وصيته فلما رآه أبو كريب الغساني كتب وصيته ثم قام مقاتل الليثي فكتب وصيته، ثم قام ابن أبيعمار فكتب وصيته ثم قام عوف اللخمي فكتب وصيته ثم لقينا برجان فما بقي أحد من هؤلاء الخمسة إلا قتل، قال: ولم نكتب نحن وصايانا فلم نقتل. ومن حديث الحسن بن عبد العزيز يعني الجروي يعني أبي علي المصري قال: حدثنا أبو حفص قال: سمعت سعيدًا يقول: لا نعلم أحدًا رأى الحور العين عيانًا إلا في المنام إلا ما كان من أبي مخرمة فإنه دخل كرمًا لبعض حجاته فرأى الحور عيانًا في قبتها على سريرها، فلما رآها صرف وجهه عنها، فقالت: إلى يا ابا مخرمة فإني زوجتك، وهذه زوجة فلان، زوجة فلان، زوجة فلان، فانصرف إلى أصحابه فأخبرهم فكتبوا وصاياهم ولم يكتب أحد وصيته إلا استشهد". وروينا في رابع فوائد تمام بسند ضعيف عن أبي سابط عبد الرحمن عن جابر رفعه: "حدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم الأعاجيب وأنشأ صلى الله عليه وسلم يحدث، قال: خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا: لو صلينا ودعونا الله عز وجل يخرج لنا رجلاً ممن قد مات فنسائله عن الموت ففعلوا، فبينما هم كذلك إذ طلع رل رأسه من قبر من تلك المقابر بين

عينيه أثر السجود فقال: يا هؤلاء ما أردتم إني لقد مت من مائة عام فما سكنت روعتي من حرارة الموت فادعوا الله عز وجل أن يردني كما كنت". ونحوه ما رويناه في "كرامات الأولياء" للخلال عن أبي يوسف الغسولي قال: كنت مع إبراهيم بن أدهم فدخل عليَّ يومًا فقال: يا غسولي! لقد رأيت اليوم عجبًا. قلت: وما ذاك يا أبا إسحاق؟ قال: وقفت على قبر من هذه المقابر فانشق لي عن شخص خضيب فقال لي: يا إبراهيم سل فإن الله أحياني من أجلك، قال: ما فعل الله بك؟ قال: لقيت الله بعمل قبيح، فقال لي: غفرت لك بثلاث: لقيتني وأنت تحب من أحب، ولقيتني وليس في صدرك مثقال ذرة من شراب حرام، ولقيتني وأنت خضيب، وأنا أستحيى من الخضيب أن أعذبه بالنار، قال: والتأم القبر على الرجل قال الغسولي: فقلت: يا أبا إسحاق ألا تدفعني على هذا القبر؟ قال: ويحك يا غسولي عامل الله تعالى يريك العجائب. وأما الملائكة عليهم السلام، فقد ثبت رؤية غير واحد لهم بل كانت تصاح عمران بن حصين رضي الله عنه قبل أن يكتوي. وقال ابو هبيرة: كنت أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وعيناي مطبقتان ـ فرأيت من خلفي كأسًا ملئت بمداد أسود صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم في قرطاس وأنا أنظر مواقع الحروف في ذلك القرطاس ففتحت عيني لأنظره ببصري

فرأيته وقد توارى عني حتى رأيت بياض يديه. وكذا رؤية غير واحد للجان، بل وقرأ الجان على غير واحد من صالحي العلماء. ورؤية إبليس أيضًا، وذلك مما لا نطيل بإيراده، سيما وقد روينا عن الشافعي أنه قال: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن بطلت شهادته، لأن الله تعالى يقول: "إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) إلا أن يكون نبيًا. وليس ذكر المسألة من عرضنا هنا. وأما رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لمن شاء الله من الأنبياء ليلة الإسراء فحمله بعض العلماء على رؤية أرواحهم إلا عيسى عليه السلام لما ثبت أنه رفع بجسده وكذا قيل به في إدريس عليه السلام أيضًا، ومال إليه شيخنا، ولا يعارض ما صح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت موسى ليلة أسري بي قائمًا يصلي في قبره" إذ يجوز أن يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض فذلك يتمكن في الصلاة وروحه مستقرة في السماء، وجزم أبو الوفاء ابن عقيل بأن أرواحهم مشكلة باشكال أجسادهم، وأما الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة، ويحتمل الأرواح بأجسادها، وهل ذلك قبل العروج أو بعده؟ قال شيخنا: الأظهر الأول، ثم صعد منهم إلى السماوات من ذكر أنه صلى الله عليه وسلم رآه، والمسألة محتملة للبسط. وقد صنف البيهقي: "حياة الأنبياء في قبورهم". والله المستعان.

316 - سئلت عن أصل عمل المولد الشريف؟

316 - سئلت عن أصل عمل المولد الشريف؟ فأجبت: لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم ما زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم يعملون الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرات بل يعتنون بقراءة مولده الكريم وتظهر عليهم من بركات كل فضل عميم بحيث كان مما جرب قاله الإمام شمس الدين ابن الجزري: ومن خواصه أنه أمان تام في ذلك العام ويسوي بعجل حينئذ بما ينبغي ويرام وأكثرهم بذلك عناية أهل مصر والشام، ولسطلان مصر في تلك الليلة من العام أعظم عام، قال: ولقد حضرت في سنة خمس وثمانين وسبعمائة ليلة مولد عند الملك الظاهر برقوق ـ رحمه الله ـ بقلعة الجبل فرأيت ما هالني فيه، حرزت ما أنفق في تلك الليلة على القراء والحاضرين من الوعاظ والمنشدين وغيرهم بنحو عشرة آلاف مثقال من الذهب العين ما بين خلع ومطعوم ومشروب ومشموم وشموع وغير ذلك وعددت في ذلك المجلس خمسًا وعشرين جوقة من القراء الصبيان ولم ينزل واحد منهم إلا بنحو عشرين خِلعة من السلطان والأمراء يعني من الخلع الفاخرة البهية ثم لم يزل ملوك مصر خدام الحرمين الشريفين ممن وفقهم الله لهدم كثير من ... ونظروا في أمر رعيتهم كالوالد لولده وأشهروا أنسهم بالعدل وأسعفهم المولى بجنده

ومدده كالملك السعيد الشهيد الظاهر أبي سعيد جمقمق ويعتنون ويتوجهون طريق سنته بحيث أنه ثبت حرف القراء في أيام تتعين للرفادة على ثلاثين فذكروا بكل جميل وكفوا من المهمات كل عريض طويل وأما ملوك الأندلس والمغرب فلهم فيه ليلة يسير بها الركبان يجمع فيها أئمة العلماء من كل مكان ويعلواب بها بين أهل الكفر به الإيمان وأهله بمكه فيتوجهون إلى المكان المتواتر بين الناس أنه محل مولده وهو في سوق الليل رجاء بلوغ كل منهم بذلك لقصده ويزيد اهتمامهم به على يوم العيد حتى لم يتخلف عنه أحمد من صالح ولا طالح ومقل وسعيد، وكان للملك المظفر صاحب إربل كذلك فيها أتم عناية واهتمامًا بشأنه، جاوز الغاية، اثنى عليه به العلامة أبو شامة أحد شيوخ النووي الفائق في الاستقامة في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وقال: مثل هذا الحسن يتقرب إليه ويشكر فاعله ويثنى عليه. زاد ابن الجزري: ولو لم يكن في ذلك إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان، قال: وإذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر. قلت: بل خرج شيخنا شيخ مشايخ الإسلام خاتمة الأئمة الأعلام

فعله على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله سبحانه وتعالى فيه فرعون ونجي موسى عليه السلام، فنحن نصومه شكرًا لله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: "فأنا أحق بموسى عليه السلام منكم، فصامه وأمر بصيامه، وقال: إن عشت إلى قابل ... الحديث". قال شيخنا: فيستفاد منه فعله الشكر لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، وعلى هذا ينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما ذكر، أما ما يتبعه من السماع واللهو وغيرهما فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يعين السرور بذلك اليوم، فلا باس بإلحاق ومهما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى.

قلت: ولما كان الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة بالمدينة النبوية كان يعمل طعامًا في المولد النبوي ويطعم الناس ويقول: لو تمكنت عملت بطول الشهر كل يوم مولدًا انتهى. ولأجل ما انضم إليه من المناكير أطال ابن الحاج في مدخله في تقبيح فعله ومنع الظاهر جقمق رحمه الله من فعله بطِنتدا. قال شيخنا: ثم ينبغي أن يتحرى اليوم بعينه وإن كان ولد ليلاً فليقع الشكر بما يناسب الليل كالإطعام وإن كان ولد نهارًا فبما يناسبه كالصيام، ولابد أن يكون ذلك اليوم من عدد أيام ذلك الشهر بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السالم في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه. قلت: كان مولده الشريف على الأصح ليلة الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لثمان وقيل: لعشر وقيل غير ذلك وحينئذ فلا بأس بفعل الخير في هذه الأيام والليالي على حسب الاستطاعة بل يحسن في أيام الشهر كلها ولياليه.

وأما قراءة المولد ينبغي أن يقتصر منه على ما أورده أئمة الحديث في تصانيفهم المختصة به، كالمورد الهني للعراقي، وقد حدثت به في المحل المشار إليه بمكة، وغير المختصة به بل ذكر ضمنًا: كدلائل النبوة للبيهقي، وقد ختم عليَّ بالروضة النبوية لأن أكثر ما بأيدي الوعاظ منه كذب واختلاف، بل لم يزالوا يولودون فيه ما هو أقبح وأسمج مما لا تحل روايته ولا سماعه، بل يجب على من علم بطلانه إنكاره الأمر بترك قراءته على أنه لا ضررة إلى سياق ذكر المولد، بل يكتفي بالتلاوة والإطعام والصدقة، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة والله يهدي من يشاء.

317 - مسألة: قول القائل: إن تأخير السيد يعقوب عليه الصلاة والسلام الاستغفار لبنيه لوقت السحر التماسا للاستجابة أيعترض بأن دعوات الأنبياء في كل وقت مستجابة، أو يجاب بأن قوله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة يقتضى تخلف الإجابة، ما تحقيق الأم

317 - مسألة: قول القائل: إن تأخير السيد يعقوب عليه الصلاة والسلام الاستغفار لبنيه لوقت السحر التماسًا للاستجابة أيعترض بأن دعوات الأنبياء في كل وقت مستجابة، أو يجاب بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة" يقتضى تخلف الإجابة، ما تحقيق الأمر في ذلك؟ الجواب: ليس إرجاء السيد يعقوب عليه السلام إياهم لوقت السحر حسبما جاء عن جماعة من الصحابة وغيرهم أو لليلة الجمعة على المرجوح بتخمين في ذلك بل يجوز أن يكون بوحي لامتياز هذا الوقت على غيره وشرف هذه الليلة سيما وهو متضمن للتأديب لهم وما وقع من القائل مسبوق به فقد ذكر بعض الأئمة أن المراد بالإجابة في الدعوى المشار إليها القطع بها وما عداها من دعواتهم فهو على الرجاء فحالهم عليهم السلام في ذلك بين الخوف والرجاء، وبعضهم إلى أن المراد بأن لكل منهم دعوة مجابة مستجابة في امته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة، فمنها ما يستجاب ومنها ما

318 - مسألة: لا شك أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما ببراءة عائشة رضي الله عنها بحيث قال: والله ما أعلم على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا لي رجلا والله ما علمت عليه إلا خيرا ولا كان يدخل على أهلي إلا معي

لا يستجاب وقد خير صلى الله عليه وسلم كما قال القاضي عياض في الشفاء أنه سأل لأمته أشياء من أمور الدين والدنيا أعطي بعضها ومنع بعضها وبالجملة فاللائق عدم الخوض في هذا المقام سيما بحضرة من لا يفهم الكلام وبالله التوفيق. 318 - مسألة: لا شك أنه صلى الله عليه وسلم كان عالمًا ببراءة عائشة رضي الله عنها بحيث قال: "والله ما أعلم على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا لي رجلاً والله ما علمت عليه إلا خيرًا ولا كان يدخل على أهلي إلا معي" ولكن تأخيره للإعلام بذلك فيما يظهر ليستعلم في تلك المدة من في قلبه مرض من النفاق ونحوه بخضوهم فيه ولتكون الحجة ي وقفة من الرب سبحانه وتعالى مع العلم بأنه لا ينطق عن الهوى، ولما هم علي رضي الله عنه مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم مشي فيما يكون محركًا للمنافقين ليحذر بنياتهم ويعلم التائب والمزلزل حين قال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير واسأل الجارية تصدقك بل ضيق عليها بحيث فهمت الصديقة من هذا كله تسليمه وشأنها، وحاشاه من ذلك سيما "مسلما" روي ضبطه فتح اللام

وذلك يقضتي سلامته من ذلك. نعم روي بلفظ "مسيئًا" وهو مؤيد بكسر اللام بل عند البيهقي في الدلائل أن عائشة سألت مسروقًا عن أمر ذي الثدية أصابه علي رضي الله عنه وذكر القصة، وفيها قولها: لعن الله فلانًا فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر ثم أرخت عينيها فلما سكنت عبرتها قالت: رحم الله عليًا لقد كان على الحق وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها. وروينا في المنامات لابن أبي الدنيا من حديث جرير قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وعائشة بين يديه يختصمان فيما كان بينهما. ومن حديث المطلب ابن زياد بإسناد لم نحفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وعائشة: "أما إنه سيكون بينكما أمر أما أن الله سيغفر لكما" وأما قول الوليد بن عبد الملك ومروان للزهري: أن عليًا كان ممن قذفها. وفي لفظ: هو الذي تولى كبره منهم، فقد رده عليه الزهري. بل قال شيخنا رحمه الله في فتح الباري: وكان بعض من لا خير فيه من الناصبة تقرب لبني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا صحته حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف وأن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، بل رده أيضًا على أخيه هشام بن عبد الملك فجزاه الله خيراً

319 - سئلت: هل صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أبي قبيس؟

على أنه قد قيل في توجيه ما صدر من علي سوى ما أسلفته ابتكارًا مما يرجع لملاحظة جانب النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا بالجملة فالواجب الكف عن هذا سيما بحضرة كثير من العوام ومن لا يعرف مراتب الصحابة الكرام لما أمرنا من الإمساك عما شجر بينهم، وتأويله يما يندفع به تنقيص لهم والله الهادي. 319 - سئلت: هل صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أبي قبيس؟ فأجبت: قد صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا وهو من جبل أبي قبيس بأسفله وارتقى إلى أعلاه ليس ببعيد بل يرون أن انشقاق القمر كان على أبي قبيس وأن به قبر آدم عليه السلام على أحد الأقوال وهو أحد مواطن إجابة الدعاء وأقرب الجبال إلى الكعبة، وأول جبل وقع في الأرض إلى غيرها من الفضائل المرغبة في صعوده، وبالغ بعضهم بفضله على جبل حراء ولكن هذا مردود لكونه صلى الله عليه وسلم كان يكثر إتيان حراء ولم يتفق لغيره من الجبال أبي قبيس وغيره ما اتفق له صلى الله عليه وسلم في حراء من الإكثار وقد صعده غير واحد من الصحابة، منهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. وروى أبو نعيم في «الحلية» في ترجمة أويس القرني أنه صعده فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن! هل فيكم أويس من مراد؟ وذكر القصة. وروى ابن إسحاق في «المغازي» بإسناد صحيح عن أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما كان يوم [الفتح] ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ذا

طوى قال أبو قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو جدها لابنة له كانت من أصغر ولده: أي بنية! أشرفي على أبي قبيس أي بنية أشرفي على أبي قبيس وكان قد كف بصره فأشرفت به عليه فذكر الحديث بطوله. ولاختصاصه بالقرب من البيت والمسجد وكون المتوجه كرؤية الهلال لا يمنعه من اشتغاله ومزيد شرفه كان أهل مكه يتراءونه عاليًا، ويقال: إن من خواصه أن من أكل عليه الرأس المشوي يأمن أوجاع الرأس بحيث كان كثير من الناس يفعل هذا ولكنه بطل وعوض عنه بأكل الفول والكراث يوم اسبت وكلاهما بدعة. والله الموفق. فائدة: الأماكن التي قيل باليقين أو التخمين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها فيما حول الكعبة خلف المقام مقابل الحجر الأسود على حاشية المطاف من غير سترة بينه وبين الطائفين بحيث يكون مستثنى من النهي عن المرور مقابل باب الكعبة بحيثيكون المقام خلف ظهره الحفرة المنخفضة المرحة بين الركن الشامي والحفرة المشار إليها مقابل الركن الشامي الغربي بحيث يكون باب العمرة خلف ظهره من غير سترة بينه وبين الطائفين أيضًابين الركنين اليمانيين عند الرخامة المكتوبة عليها جانب الركن اليماني عند المستجار الحجر. فائدة: الأماكن المستجاب فيها الدعاء بمكة وأعمالها وهي نيف وأربعون موضعًا: عند الدخول من باب بني شيبة وهو المسمى باب السلام، وفي جوف الكعبة، وعند الحجر الأسود، بل الأركان الأربعة، وبين الشامي واليماني وهو المستجار، وبين الأسود والمقام، وفي الطواف، والملتزم، وتحت الميزاب، وخلف المقام، وعند زمزم، وعلى

الصفا وعلى المروة، وفي المسعى بينهما، بل وبباب الصفا وباب النبي صلى الله عليه وسلم وهو باب الجنائز، وباب إبراهيم وهو باب الرمادة التي بجانب المسجد الغربي، وعلو جبل أبي قبيس، وفي دار أم المؤمنين خديجة ليلة الجمعة، وفي محل المولد النبوي يوم الإثنين عند الزوال، وفي دار الخيززان عند الحزبين العشائين، وفي المتكي ولعله بأجياد غداة الأحد، وفي حراء، وفي جبل الثور عند الظهر، وبعرفات وتحت السدرة بها وقت الزوال، وفي جمع وهي المزدلفة، وفي منى، ومسجد الخيف، ومسجد النحر ببطن منى، ومسجد الكبش ومسجد البيعة وهو من وراء العقبة التي هي حد منى، ومسجد الشجر التي كانت تحتها بيعة الرضوان بالحديبية، وبغار المرسلات وعند الجمرات الثلاث مما لا ينافيه في الكبرى عدم الوقوف عندها وفي مغارة الفتح وهو الموضع الذي يقال له: صخرة عائشة بمنى ويقال: وهو الجبل الذي يلحقه بحارة الفتح.

320 - مسألة: في الترغيب في الوقوف بعرفة إذا كان يوم جمعة

320 - مسألة: في الترغيب في الوقوف بعرفة إذا كان يوم جمعة. ذكر رزين في جامعة في المرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها" وهذا شيء انفرد رزين بإيراده، ولم يذكر صحابيه ولا من خرجه والله أعلم. فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة وعلى كل حال فتثبت المزيد بذلك، سيما وقد استدل باتفاق كون يوم عرفه في حجة الوداع يوم الجمعة على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع لما ثبت في صحيح مسلم مرفوعًا: "خير يوم طلعت فيه

الشمس يوم الجمعة" وفي الباب عند زيد بن أرقم رفعه: "خير أيامكم يوم الجمعة" وعن أنس: "أفضل أيامكم يوم الجمعة" وفي لفظ: "من أفضل" وعن أبي لبابة ابن عبد المنذر: "يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله من يوم الأضحى والفطر" إلى غيرها من الأحاديث، ولأن في الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء ولا سيما على قول من قال: إنها بعد العصر، وأما ما يقال: أنه يروى في المرفوع: "إذا كان يوم عرفة يوم الجمعة غفر الله لجميع أهل الموقف" فما وقفت عليه، ولكن عموم المغفرة للواقفين مطلقًا ثبت في أحاديث حتى أن شيخنا ضعف لأجل شمولة المظالم قوة الحجاج في عموم المغفرة للحاج، وبالجملة فقد حكى العز ابن جماعة عن والده البدر: أنه لا مرية للجمعة على غيرها من إسقاط الفرض قال: وسأله بعض الطلبة، فقال: قد جاء أن الله يغفر لجميع أهل الموقف مطلقًا فما وجه تخصيص يوم لجمعة؟ أي بما ذكر، فأجابه بأنه يحتمل أن الله تعالى يغفر لجميع أهل الموقف في يوم الجمعة بغير واسطة وفي غير يوم الجمعة يهب قومًا لقوم انتهى. وتسمية يوم عرفة الحج الأكر كأنه بالنظر ليوم الجمعة فإنه يروى أنه حج المساكين بل يروى أن يوم الحج الأكبر هو يوم حج أبو بكر بالناس،

ولكن روي أيضًا: "يوم النحر يوم الحج الأكبر" استفيض بين الغوغاء كراهة المكيين كوقفه الجمعة ونظيرهم بها، وهذا ليس بصحيح عنهم، ولكن لما كان الغوغاء من الحجيج يتسارعون إلى زعم رؤية الهلال على الوجه المقتضي كون الموقف الجمعة لكي يثبت القضاة عدول مكة في ذلك تحريمهم في شأنه فنسبوهم بهذا.

321 - سئلت: هل ورد: تكفل الله لطالب العلم برزقه؟

321 - سئلت: هل ورد: "تكفل الله لطالب العلم برزقه؟ ". فأجبت: هو في العلم للمرهبي ومسند الفردوس للديلمي من حديث زياد بن الحارث الصدائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منطلب العلم تكفل الله برزقه" وسنده ضعيف. لكن له شواهد، ففي مسند أبي حنيفة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب" وأورده البخاري في تاريخه ثم ابن عبد البر كلاهما من جهته. وفي جامع العلم لابن عبد البر عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا في طلب العلم صلت عليه الملائكة وبورك له في معيشته ولم ينقص رزقه وكان مباركًا عليه" وكذا قال كعب الأحبار مما عنده أيضًا: ما خرج رجل في طلب علم إلا ضمن الله السماوات والأرض رزقه. ولله الفضل.

322 - سؤال: في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف من رواها وهل صلى خلف غيرهما؟

322 - سؤال: في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف من رواها وهل صلى خلف غيرهما؟ والجواب: أن صلاته صلى الله عليه وسلم خلف كل منهما ثابتة، فابن عوف بلا خوف، والصديق على الأصح ويلتئم اختلاف الروايات في صلاة أبي بكر بالتعدد بحيث كان في المرة الأولى منها التي يكمل منها ركعة امتنع أن أبا بكر إمامًا وحيثكان في الأخرى التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم واستمر حتى صلى خلفه الركعة الثانية من صلاة الصبح كما صرح به موسى ن عقبة فكأنه مضى معظم الصلاة، حتى الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير وكذا وقع لابن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إمامًا لهذا أفاده شيخنا. وهذه نبذة من اختلاف الروايات فروى سيف عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته صلاة تامة إلا خلف أبي بكر وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة. وعن هلال بن عامر عن رافع بن محمد عن أبيه نحوه انتهى. وصلاته صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ثابتة من حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عائشة، وإليها أشار البيهقي بقوله: وفي هذه الرواية الصحيحة

أنه صلى الله عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلق أبو بكر صلاته بصلاته، قال: وكذلك رواه الأسود بن زيد وابن أختها عروة بن الزبير عنها، وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس، ثم ذكر من طريق أسامة بن سوار حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدًا. ومن طريق مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفه. ومن طريق هشيم أخبرنا يونس عن الحسن قال. وأخبرنا حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج وهو في بردة قد خالف بين طرفيها وأبو بكر يصلي بالناس فجلس إلى جنبه فصلى بصلاته. ومن طريق ابن أب مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني حميد أنه سمع أنسًا يقول: آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب واحد متحفًا به خلف أبي بكر ثم قال. كذا قاله محمد بن جعفر ورواه سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت عن أنس. وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد عن ثابت أنه حدثه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفًا بين طرفيه ولما أراد أن يقوم قال: ادعو لي أسامة فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها. ورواية حميد عن ثابت عن أنس عند الترمذي وغيره وكذا النسائي

لكن بدون ثابت وإلى هذا الاختلاف أشار البيهقي ثم قال: وفي هذا دلالة على أن هذه الصلاة التي صلاها خلف أبي بكر كانت الصبح فإنها آخر صلاة صلاها وهي التي دعى أسامة حين فرغ منها فأوصاه في مسيرة، كما ذكره أهل المغازي يعني قال في مغازي موسى بن عقبة وغيره أن الصلاة التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر هي الصبح يوم الإثنين وإليه أشار ثم قال: فالذي يدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم صلى خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي فيها بالناس مرة وصلى أبو بكر خلفه مرة وعلى هذا حمله البيهقي بقوله: وقد ذهب موسى بن عقبة في مغازيه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في صلاة الصبح من يوم الإثنين حتى وقف إلى جنب أبي بكر فصلى خلفه ركعة، فلما سلم أبو بكر أتم صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة قال: وكذلك هو في مغازي أبي الأسود وعروة، وذلك يوافق ما رويناه عن حميد عن ثابت عن أنس في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر، ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة ولا ينافي ما رويناه عن الزهري وغيره عن أنس، ويكون الأمر فيه محمولاً على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر في الركعة الأولى من الصبح فقال: ما حكى هو وابن عباس ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة، أو خرج فصلى ثم قال: ما حكيا فنقلا بعض الخبر إلى آخر مقاله لا ينافيه ما رواه عبيد الله عن عائشة وابن عباس من أن الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه بعد ما افتتحها بالناس هي الظهر من يوم السبت والأحد على التعدد.

إذا علم هذا قد اثبت مسلم بن إبراهيم عن شعبة في رواية الاسود عن عائشة صلاته صلى الله عليه وسلم خلفه ـ وعند ابن المنذر أيضًا ووقع في رواية ابي داود الطيالسي عن شعبة التي علقها البخاري ووصلها البزار بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر، وهي موافقة لما أورده البخاري وهما متخالفتان ورواه ابن خزيمة من جهة بندار عن الطيالسي فبين الاختلاف ولفظه عن عائشة: من الناس من يقول: كان أبو بكر المقدم بني يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، المقدم في الصف، ومنهم من يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم وظاهرها أن عائشة لم تشاهد ذلك، وكذا وقع الاختلاف في رواية مسروق عليها أيضًا، فرواه ابن حبان في صحيحه من رواية عاصم عن شقيق عنها بلفظ: كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة كما تقدم من رواية

شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. ومع هذا الاختلاف فقد تضافرت الروايات عنها بالجزم هما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة منها رواية موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله شيخ الزهري عنها ففيها: فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر. وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى وخالفه شعبة أيضًا فرواه عن موسى بلفظ: أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه. وإليهما أشار البيهقي كما قدمته، ولأجل هذا الاختلاف اختلف العلماء فسلك بعضهم الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن ابا بكر كان مأمومًا للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من عكس ذلك ورجح أنه كان إمامًا، وتمسك بقول أبي بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد كما سلف عن البيهقي وهو المعتمد. وأجاب عن قول أبي بكر ويتأيد باختلاف النقل عن الصحابة عائشة وابن عباس. هذا ما أمكن الوقوف الآن عليه في صلاته صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر.

وأما صلاته خلف عبد الرحمن، فثابتة في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة وكذا ذكرها خليفة بن خياط من حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم صلى خلفه في سفرة سافرها ركعة من صلاة الصبح. وأخرها الشافعي في مسنده قال: أخبرنا مسلم وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط فحملت معه إدواة قبل الفجر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت أهريق على يديه من الإدارة وهو يغسل يديه ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته فأدخل يده في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ ومسح على خفيه ثم أقبل قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف قد صلى لهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة الأخيرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أحسنتم" أو قال: "أصبتم" يغبطهم أنصلوا الصلاة لوقتها. قال ابن شهاب: وحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبي وقاص، عن حمزة بن المغيرة نحو حديث عباد. قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه" ولم تقع صلاته صلى الله عليه وسلم خلف غيرهما.

وقد روى البيهقي من حديث سليمان بن بلال عن أبي عبد العزيز الربذي عن مصعب بن محمد بن شرحبيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة في حديث أنه صلى الله عليه وسلم لما نظر لأبي بكر وهو يصلي بالناس قال: "الحمد لله ما من نبي يتوفاه الله حتى يؤمه رجل من أمته" وهو عند الواقدي، حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير رفعه: "ما هلك حتى يؤمه رجل من أمته ... " وذكر الحديث. وبالله التوفيق.

323 - مسألة: في دعاء ابن عباس الذي حفظه عند فراغه صلى الله عليه وسلم من تهجده؟

323 - مسألة: في دعاء ابن عباس الذي حفظه عند فراغه صلى الله عليه وسلم من تهجده؟ أخرجه الترمذي في جامعه من حديث محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن جده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته: "اللهم إني أسالك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثي وتصلح بها ديني وحفظ بها غايتي وترفع بها شاهدي وتزكي بها علي وتلهمني بها رشدي، وترد بها ألفي وتعصمني بها من كل سوء، اللهم أعطني إيمانًا صادقًا، ويقينًا ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء، اللهم إني أنزل بك حاجتي وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما نجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور، اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدًا من خلقك أو أنت معطيه أحدًا من عبادك فإني راغب إليك فيه وأسالك برحمتك رب العالمين، اللهم ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود الركع السجود، الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين سلمًا لأوليائك وعدوًا لأعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك، الله هذا الدعاء وعليك الاستجابة وهذا الجهد

وعليك التكلان، اللهم اجعل لي نورًا في قبري ونورًا في قلبي ونورًا في سمعي ونورًا في بصري ونورًا في شعري ونورًا في بشري ونورًا في لحمي ونورًا في دمي ونورًا في عظامي، اللهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا واجعل لي نورًا سبحان الذي تعطف العز وقال به، سبحان الذي ليس المجد وتكرم به سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سحبان ذي المجد والكرم، سبحان ذي الجلال والإكرام" ومن جهة محمد بن عمران أخرجه أبو نعيم في الحلية وأوله: "بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسيًا وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: "اللهم ... " وذكر بلفظ "شملى" بدل "أمري" زاد: "وبيض بها وجهي" وقال: "ولم تنله مسألتي ولم تبلغه أمنيتي" وقال: "أو خير أنت معطيه" وزاد واوًا قبل "الركع" وقبل "الموفين" وقال: "وإنك" بدل "أنت" وقال "مهدبين" بدل "مهتدين" وقال: "حرباء بدل "عدوا" وقال "نحب بحبك الناس" وقال: "الإجابة بدل "الاستجابة" وزاد قبل: "وهذا الجهد" لفظ: "اللهم" وزاد بعد "التكلان" ولا حول ولا قوة إلا بالله وزاد: "ونورًا من بين يدي ونورًا من خلفي ونورًا عن يميني ونورًا عن شمالي ونورًا من فوقي ونورًا من تحتي" وقال: "زدني" بدل "فأعظم لي" وقال: "لبس" بدل: "تعطف" وزاد: "سبحان ذي العزة والبهاء، سبحان ذي القدرة والكرم، سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه" وقال بعد إيراده: لم يسق هذا الحديث بهذا السياق والدعاء عن علي بن عبد الله إلا ابنه داود تفرد به عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وأما الترمذي فإنه قال عقبه: إنه غريب لا نعرفه

من حديث ابن أبي ليلى إلا من هذا الوجه، ولقد أنصف الترمذي حيث وقف عند ما عرف. وفقد رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية من حديث عاصم بن علي حدثنا قيس بن الربيع عن ابن أبي ليلى به مثل لفظ الحلية ولكن ليس عنده "ولم تنله مسألتي" وقال: "الاستجابة" كالأول وزاد: "العلي العظيم" وقال: "تعطف" كالأول، وجمع بين زدني نورًا وأعظم لي نورًا. ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث آدم بن أبي إياس ومحمد بن نصر المروزي في الوتر له من حديث عفان قالا: حدثنا قيس به. ودعوى أبي نعيم تفرد ابن أبي ليلى به مردودة، فقد رواه البيهقي في الدعوات من جهة أحمد بن خالد الوهبي حدثنا الحسن ـ هو ابن عمارة ـ عن داود به ولفظه عن ابن عباس أنه كان ربما بات عند النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من صلاته جلس فدعا بهذا الدعاء: "اللهم إني أسالك أن تهب لي رحمة .. " وذكره كالأول بزيادة "وتبيض" أيضًا وبدون: "وتصلح بها ديني" وبلفظ: "اللهم إني أسألك إيمانًا" وبلفظ: "ومنازل" بدل: "ونزله" وبزيادة: "ومواقة الأنبياء" وبلفظ: "اللهم إني أسألك وإن قصر عملي وضعف رائي وافتقرت إلى رحمتك فإني أسألك" وبلفظ: "اللهم وما قصر عنه عملي ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدًا من عبادك أو خير أنت معطيه أحدًا من خلقك فإني أسألك إياه وأرغب إليك فيه برحمتك يا

رب العالمين". وبلفظ: "هداة" بدل: "مهديين" وبلفظ: "نحب بحبك الناس" وبلفظ: "اللهم ربي وإلهي هذا الدعاء وعليك الإجابة" وزاد: "بعد التكلان" "ولا حول ولا قوة إلا بالله" وزاد "ونورًا في مخي ونورًا من بين يدي ونورًا من خلفي ونورًا من فوقي ونورًا من تحتي" وبلفظ: "اللهم زدني نورًا" وبلفظ: "لبس" بدل "تعطف"وبلفظ: "ذا المن" بدل "الفضل" وقال: "سبحان ذي الطول والفضل، سبحان ذي القدرة والذكر" وحذف منه ألفاظه. ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه عالم صدوق لكنه سيء الحفظ مضطرب الححديث ليس بحجة. والحسن بن عمارة أشد ضعفًا منه لاتهامه بالكذب بل قال أحمد في رواية: أحاديثه موضوعة، ويروى عن ابن المديني أنه قال: كان يضع وأشار ابن حبان إلى أنه صاحب حديث الدعاء الطويل بعد الوتر وهو جالس يعني هذا. قلت: بل الظاهر أن الحديث لابن أبي ليلى وأخذه منه ابن عمارة ودلسه، فقد قال ابن حبان أيضًا: كانت بليته التدليس عن الثقات ما وضع عليهم الضعفاء بأن يسقط الضعفاء ويرويها عن مشائخه الثقات ـ يعني المسمى تدليس التسوية فالتزقت به تلك الموضوعات، ثم وجدت

للحديث طريقين آخرين فرويناه في فوائد تمام من حديث نصر بن محمد بن سليمان بن أبي ضمرة الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا داود به، ولفظه: "أردت أن أعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فسألت عن ليلته فقيل: لميمونة الهلالية فأتيتها فقلت لها: إني تنحيت عن الشيخ ففرشت [لي] في جانب الحجرة، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه العشاء الآخرة دخل منزله فحس حسي فقال: "يا ميمونة من ضيفك؟ " قالت: ابن عمك يا رسول الله ابن عباس قال: فأوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه، فلما كان في جوف الليل خرج إلى الحرجة فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال: "نامت العيون وغارت النجوم والله حي قيوم" ثم رجع إلى فراشه فلما كان في ثلث الليل الأخير خرج إلى الحجرة فقلب في أفق السماء وجهه وقال: "نامت العيون وغارت النجوم والله حي قيوم" ثم عمد إلى قربة في ناحية الحجرة فحل شناقها ثم توضأ فأسبغ وضوءه ثم قام إلى الصلاة وكبر فقام حتى قلت: لن يركع ثم ركع فقلت: لن يرفع صلبه ثم رفع صلبه ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه، ثم جلس فقلت: لن يعود ثم سجد، فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلى ثماني ركعات كل ركعة دون التي قبلها يفصل في كل ثنتين بالتسليم وصلى ثلاثًا أوتر بهن بعد الاثنتين، وقام في الواحدة الأولى فلما ركع الركعة الأخيرة فاعتدل قائمًا من ركوعه قنت قال: "اللهم إني أسألك" وذكر بلفظ: "عيبتي" بدل "غايتي" وقال: "أسألك إيمانًا لا يرتد" بدل: "اللهم أعطني إيمانًا صادقًا" وزاد: "من عندك" بعد قوله "ورحمة"وقال: "أسألك الفوز" لم يذكر "اللهم إني" "ومنازل" بدل "نزل" وزاد "ومرافقة الأنبياء إنك سميع الدعاء" بدل: "والنصر على الأعداء" وقال:

"اللهم إني أسألك يا قاضي" وقال: "اللهم ما قصر عنه علمي ولم تبلغه" وزاد: "الصاحلين" بعد "عبادك" وليس عنده "رحمتك" وقال: "اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ذا الحبل الشديد الأمن" وليس الركع السجود وقال: "إنك تفعل ما تريد" وقال: "هداة" بدل: "هادين" و"حربًا" بدل "وعدوًا" وقال: "بحبك الناس" وقال: "الإجابة" وزاد: "ولا حول ولا قوة إلا بالله" وقال: "نورًا في سمعي وبصري ومخي وعظمي وشعري وبشري ومن بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي اللهم أعطني نورًا وزدني نورًا" ثم قال: "سبحان من لبس العز ولاقى به، سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به" وزاد:"سبحان من أحصى كل شيء بعلمه" وقال: "سبحان ذي الفضل والطول، سبحان ذي المن والنعم، سبحان ذي القدرة والكرم" ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فراغه من وتره وقت ركعتي الفجر فركع في منزله ثم خرج فصلى بأصحابه صلاة الصح. ونصر قال فيه أبو حاتم: أدركته ولم أكتب عنه وهو ضعيف الحديث لا يصدق وقال في أبيه: حدثنا عنه الوحاظي بأحاديث مستقيمة، وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه محمد بن نصر المروزي في قيام رمضان له من حديث.

سليمان بن بلال عن عيسى بن زيد عن عمر بن أبي حفص عن ابن عباس أنه انصرف ليلة صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه يدعو في الوتر فقال: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة تهدي قلبي، وتجمع بها أمري وتلم بها شعثي وتعصمني بها من كل سوء اللهم إني أسألك رحمة من عندك أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة اللهم ذا الأمر الرشيد والحبل الشديد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع الخيريين الشهود إنك رحيم ودود فعال لما تريد، اللهم هذا الجهد وعليك الثكلان وهذا الدعاء وعليك الاستجابة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء إنك سميع الدعاء اللهم اجعلني حربًا لأعدائك، سلمًا لأوليائك أحب بحبك الناس وأعادي بعداوتك من خالفك اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا واجعل فوقي نورًا وتحتي نورًا وأعظم لي نورًا سبحان الذي لبس العز وقال به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به، سبحان ذي المن والطول.

324 - سئلت: في تحرير الأفضل من فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن وكذا مريم عليها السلام؟

324 - سئلت: في تحرير الأفضل من فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن وكذا مريم عليها السلام؟ فأجبت: الخلاف في أيتهن أفضل منهن ولكن قال التقي السبكي: الذي ندين الله تعالى به أن فاطمة أفضلهن، ثم خديجة ثم عائشة، قال: والحق أحق أن يتبع انتهى. وأقوى الأدلة لفاطمة الإجماع المحكمي على أفضليتها قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنها بضعة مني أي قطعة لحم" وإن اشترك أخواتها معها في هذا الوصف فامتيازها عنهن بتنصيصه ـ عليه السلام ـ به في حقها، وأن من أغضبها فقد أغضبه، وكونها تجرعت ألم فقد النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته، فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو صلى الله عليه وسلم في حياتها فكان في صحيفتها، واشتركت معهن في ثكل فقد أمهن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. ولخديجة قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها خير نسائها" أي هذه الأمة، ويروى في

آخر ـ حسن السند رافع للإشكال ـ كما عند ابن عبد البر بسنده: "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة" ولكن خدش فيه بمحبة ضمير صيغة ترتيب، وكيف لا تكون خديجة بهذه المرتبة وقد انفردت بخصوصيات جمة منها: تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة، فكانت أول من أجاب إلى الإيمان به ودعا إليه فأعان بالنفس والمال والتوجه التام بحيث لم تسبق مطلقًا لذلك، وكل من آمن بعدها يكون لها مثل أجورهم لما ثبت أن "من سن سنة حسنة فله مثل أجر من يعمل بها" ولا يقدر قدر هذا إلا الله تعالى. ولعائشة ما اختصت به من الأمور التي ارتفعت بها ومن ذلك: كونها حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا كثيرًا، وعاشت بعده قريبًا من خمسين سنة بحيث أكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئًا كثيرًا حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها، بل واستدركت على كثير من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الكثير مما أفرد بالتأليف، وكان

اختصاصها مما منحت به لمكان أبيها رضي الله عنهما فإنه لم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله، فسرى سره لابنته مع ما كان من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم. وبالجملة، فقد قال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك الأمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح. قلت: وكذا قال بكر المزني مما ذكره الغزالي في الإحياء ولم نجد مخرجه في المرفوع: "ما فضلكم أبو بكر بمزيد كذا وكذا ولكن بشيء وقر في قلبه". ويروى أيضًا: "ما أنا قدمته ولكن الله قدمه". وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت لها ولخديجة يعني بالنص، ولكن اختار بعضهم القول بالوقف بين خديجة وعائشة وبعضهم فضل خديجة وبعضهم فضل عائشة. ومن الأقوال الساقطة الفاسدة ما ذهب إليه ابن حزم كما في المحلى من تفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على سائر الصحابة لأنهن في درجته في الجنة وهو غني عن الرد عقلاً ونقلاً، ووراء هذا أنه لا يلزم من ثبوت خصوصه بشيء من الفضائل لبعض ثبوت الفضل المطلق، لحديث:

"أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد" ونحو ذلك، ومن هنا يقال: الأحبية لا تتحتم في الأفضلية مطلقًا وإن تضمنت محبة الرسول لمحبة الله عز وجل وبنحوه في الجملة ـ من غاير بين أخير وأفضل، قوله باب الخيرية غير باب الفضيلة كما أنك تقول: الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي أو الحبشي، وقد يكون العبد الحبشي خيرًا من هاشمي في معنى الطاعة والمنفعة للناس، فإن الخيرية متعد، وباب الفضيلة لازمة وقد يستشكل لمن يسوي بين أصح واثبت وأجود الآتي بصيغة أفعل دون الوصف بجيد، فإنه أنزل عند الجهد من صحيح ثم إن تقديم مريم كما في الرواية المتقدمة أعني في السؤال، وكذا في رواية: "خير نساء العالمين" لا يمتنع عند القائل بثبوتها إن الأنبياء لا يوازيهم غيرهم. وأما من لم يقل به فيحمله على عالم زمانها أو غير ذلك من المحامل، والكلام في ذلك كله يحتمل البسط في محله.

325 - سئلت: هل ورد في توسيع الأكمام شيء؟

325 - سئلت: هل ورد في توسيع الأكمام شيء؟ فأجبت: لم أر فيه حديثًا، ولكن للمحاكم في مستدركه مما صحح إسناده، وابن حبان في صحيحه كلاهما عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قدر كمه صلى الله عليه وسلم فلفظ أولهما: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قميصًا وكان فوق الكعبين وكان كمه إلى الأصابع" ولفظ الآخر: "كان يلبس قميصًا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه". ولأولهما مما صحح سنده أيضًا، وكذا لأبي نعيم في الحلية من حديث ابن عمر رضي الله عنه [لبس عمر] قميصًا جديدًا ثم دعاني بشفرة فقال عمر: مد كمي يا بني والزق يدك بأطراف أصابعي واقطع ما فضل عنهما، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعًا، فصار فم الكم بعضه فوق بعضه، فقلت: يا أبه! لو سويته بالمقص فقال: دعه يا بني هكذا رايت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، قال ابن عمر: فما زال القميص على أبي كذلك حتى تقطع وما نزعه حتى رأيت بعض الخيوط تساقط على قدميه. ولابن أبي شيبة في المصنف له من طريق جعفر قال: ابتاع علي رضي الله عنه قميصًا سنبلانيًا بأربعة دراهم ودعا الخياط فمد كم القميص وأمره أن يقطع ما خلف أصابعه.

ومن طريق أبي عثمان النهدي أن عمر رضي الله عنه دعا بشفرة ليقع كم قميص عتبة بن فرقد من أطراف أصابعه وكان عليه قميص سنبلاني فقال: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين إني أتسحيي أن تقطعه عند الناس فتركه. ومن طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليًا عليه قميص رازي أو راقي إذا أرسله لم يجاوز نصف ساقيه وإذا مده لم يجاوز ظفريه. ومن طريق أبي البحتري قال: رأيت أنس بن مالك وكم قميصه إلى الرسغ. ومن طرق بديل العقيلي قال: كان كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ. بل في الترمذي وغيره عن أسماء ابنة يزيد رضي الله عنهما قالت: كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ. وهو بالسين، وكذا بالصاد المهملتين والغين والمعجمة مفصل ما بين الكتف والساعد. ولابن حيان عن أنس: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص قطن قصير الطول قصير الكمين. قلت: وبهذه الأحاديث ينتقد نفي الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي مما ود بخط الحافظ الزكي المنذري مما وجده بخطه حين سئل عما فضل من الأصابع من الثوب هل صح فيه شيء أم لا؟ فإنه قال:

لم يصح فيه شيء وإنما صح فيما جاوز الكعبين ولكن يمكن أن يجاب بأن المنفي وروده الوعيد فيه كالكعبين لا مطلق المسألة فهذا كله تحديد طوله، وأما سعته، فقد ترجم البخاري في اللباس من صحيحه من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وأورد الحديث المتفق عليه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه وضأ النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة شامية ـ بتشديد الياء التحتانية ويجوز تخفيفها: ضيقة الكمين ـ فلم يستطيع أن يخرج ذراعيه وفي لفظ: يديه منها. وفي لفظ من كميه وفي آخر: "من بدنه" يعني بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون أي جبته لضيقها والبدن درع ضيقة الكمين حتى أخرجهما من أسفل الجبة. فكان البخاري رحمه الله يشير إلى أن ذلك إنما كان لحال السفر لاحتياج المسافر إلى ذلك وأن السفر يغتفر فيه لبس [غير] المعتاد في الحضر سيما وقد تواردت الأحاديث في وصف ووئه صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أن كمية ضاقا عن إخراج يديه منها، أشار إلى هذا ابن بطال وهو حسن. وبالجملة فقد استدل به على إباحة التشمير في السفر وليس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك، ولكن لم نقف على تحديد مقدار السعة والظاهر أنه بمقدار ما يتمكن معه من إخراج يديه فقد كان الإمام أبو داود صاحب السنن كما حكاه صاحبه أبو بكر بن داسة عنه: له مكان واسع وضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟ فقال: الواسع للكتب والآخر

لا يحتاج إليه انتهى. وأرشد شيخ السنة الذي ألين له الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد: المتقيد بالحاجة مع كون المبالغة في اتساعها عرف أهل الحجاز المتقدى بهم فيه في الجملة الفقهاء لا سيما القضاء بها التقي السبكي لوالده التاج في استعماله رفيع الثياب وطول الأكمام وسعتها والطيلسان وكبر العمامة ونحوها وأنه لا يجاوزها بل يتوقاها حين يكون في بيته وبين عشيرته، مع العلم بأنه كما بلغنا عن الولي ابن العراقي وشاهدناه من شيخنا والشرف المناوي وغيرهم من قضاة العدل لم يكونوا يتابعون لغيرهم ممن لم يبلغ مرتبتهم في العلم والتحري ولأجلهم صرح بعض الأئمة بالتحرز مما يفعله كثير ممن ينسب إلى العلم في تفصيل ثيابهم من طول الكم واتساعه وكثرة الخارق الخارج عن عادة الناس، أودرج ذلك في البدعة بخروجهم به عن حد السمت والوقار ويقعون بسببه في المحذور المنهي عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال قال: ولا يخفى على ذي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم قد يفصل منه ثوب لغيره على أن الأولين لا انفكاك فيهم فيما ترخصوا فيه عن ارتكاب البدعة ولكن الفرق بين المقامين ظاهر، وإذا ضاق الأمر اتسع والأعمال بالنيات، على أن الرافعي قال في الباب الثاني من القضاء: لا يجب على الأئمة الاكتفاء بما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده قال: لأن الناس قد تغيروا وبعدوا عن العهد بزمان النبوة الذي كانت النصرة بمكة بإلقاء الرعب والهيبة في القلوب قال: ولو اقتصر الإمام على

مثل ذلك اليوم لم يطع وتعطلت الأمور فيأخذ لنسه مما يليق به من الخيل والغلمان والدار الواسعة انتهى. وتبعه النووي في الروضة ثم الأصفوني وابن القرئ في مختصريها مصرحين مما يقولها آخرهم بأن الإمام لا يلزمه الاقتصار كالصحابة فبعد العهد بزمن النبوة التي كانت سببًا للنصر بالرعب ويرزق منه كل من كان عمله مصلحة للمسلمين كالأمير والمفتي والمحتسب والمؤذن والإمام ومعلم القرآن والقاسم والمقوم والمترجم وكاتب الصحكوك ونحو ذلك ونحوه قول الحبيشي في كتابه نشرطي التصريف بفضائل حملة العلم الشريف وكذلك العالم والمفتي والقاضي ينبغي أن يتخذ كل واحد منهم ما يليق بحاله وحال أمثاله فيوسعوا الأكمام والقمص ويعظموا العمائم والطيلسان وتحسين المركوب، ويكثروا الخدم بحسب الحال الذي ينبغي من إشادة العلم وتحليله كما روي عن الإمام أي حنيفة رحمه الله أنه قال: عظموا عمائمكم ووسعوا أكماكم. قال أبو الليث: وإنما قال ذلك لئلا يستخف بالعلم وأهله، وروي عن مالك رحمه الله أنه كان إذا أراد أن يحدث بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتطيب ويلبس ثيابًا جديدًا ويلبس ويتعمم ويضع رداءه على رأسه وتلقى منصة فيخرج ويجلس عليها ولا يزال ينجر بعود حتى يفرغ م حديثه إعزازًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال العز ابن عبد السلام ما نصه. الأولى بالإنسان أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في اللباس قال: وإفراط توسيع الأكمام واثياب بدعة وسوف وتضييع للمال ولا يجاوز بالثياب الأعقاب فما زاد

عن الأعقاب ففي النار قال: ولا بأس بلبس شعار العلماء من الدين ليعرفوا بذلك فيسألوا، فإني كنت محرمًا فأنكرت عن جماعة من المحرمين لا يعرفونني ما أخلوا من آداب الطواف فلم يقبلوا فلما لبست ثياب الفقهاء وأنكرت سمعوا وأطاعوا، فإذا لبس شعار الفقهاء لمثل هذا الغرض كان فيه أجر لأنه سبب إلى امتثال أمر الله تعالى والانتهاء عما نهى الله عنه قال: وأما المبالغة في تحسين الخياطة وغير ذلك ممن فعل أهل الدعوية والالتفات إلى الأغراض الخسيسة التي لا تليق بأولي الألقاب وهو كلام نفيس وبالله التوفيق.

326 - مسألة: لم أعلم في تقبيل جدران الكعبة ومسها عن الشارع صلى الله عليه وسلم سوى ما ثبت من تقبيل الحجر الأسود

326 - مسألة: لم أعلم في تقبيل جدران الكعبة ومسها عن الشارع صلى الله عليه وسلم سوى ما ثبت من تقبيل الحجر الأسود. نعم ثبت أنه حين دخل الكعبة أتي ما استقبل من دبرها فوضع وجهه وخده على الكعبة فحمد الله وأثنى عليه واستغفره وفعل عند كل ركن من أركانها ذلك. وأحسن أوقات الطواف الثلث الأخير من الليل، ثم بين المغرب والعشاء، وعقب صلاة الصبح، ثم حين اشتغال الناس بمعاشهم وبيعهم وشرائهم وعند نزول المطر لفضيلة هذه الأوقات، وأعلاها عند خلو البيت من الطائفين لما فيه من إحياء هذه البقعة الشريفة والسنة المنيفة، وانفراده حينئذ بهذه العبادة التي لم يشترك معه فيها غيره، وقل أن يتفق ذلك مع حرص كثير من الأكابر ورؤوس أهل السنة عليه. والله المستعان.

327 - مسألة: في شق صدره صلى الله عليه وسلم المندرج في معجزاته ووقع وهو صغير عند مرضعته حليمة، ومرة أخرى وهو ابن عشر سنين، كما لعبد الله ابن أحمد في زوائد المسند عن أبي هريرة وهو عند أبي نعيم في الدلائل في قصة له مع عبد المطلب وأنه ابن عشر أو نحوها

327 - مسألة: في شق صدره صلى الله عليه وسلم المندرج في معجزاته ووقع وهو صغير عند مرضعته حليمة، ومرة أخرى وهو ابن عشر سنين، كما لعبد الله ابن أحمد في زوائد المسند عن أبي هريرة وهو عند أبي نعيم في الدلائل في قصة له مع عبد المطلب وأنه ابن عشر أو نحوها. فالأول: كان لانتزاع العلقة التي قيل له عندها: هذا حظ الشيطان منك. والثاني: بقرب من التكليف ولتستر به المعجزة. الثالث: وهو عند المعراج كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة. والرابع: حسبما رواه الطيالسي والحارث في مسنديهما من حديث عائشة عند مجيء جبريل له بالوحي في غار حراء، وكذا أبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، ومناسبته ظاهرة، ومرة خامسة ممن لا يثبت. وذكر أبو بشر الدولابي بسنده أنه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن بطنه أخرج ثم أعيد فذكر ذلك لخديجة رضي الله عنها ... الحديث.

328 - مسألة: في رؤيته صلى الله عليه وسلم الأنبياء ليلة الإسراء مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض

328 - مسألة: في رؤيته صلى الله عليه وسلم الأنبياء ليلة الإسراء مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض، فقيل: إن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، وأنها مستقرة في الأماكن التي لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفًا له وتكريمًا ويؤيد ثانيهما قوله في بعض الروايات: وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم. واحتج بعض المتأخرين بحديث: "رأيت موسى عليه السلام ليلة أسري بي قائمًا يصلي في قبره". لأنه أسرى به لما مر به. قال شيخنا: وليس بلازم، بل يجوز أن يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض فلذلك تمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء. وعن بعضهم قال: رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم إلا عيسى لما ثبت أنه رفع بجسده وقد قيل في إدريس أيضًا ذلك. وأما الذين صلوا معه في بيت المقدس، فيحتمل الأرواح خاصة ويحتمل الأجساد بأرواحها ووراء هذا أن في رواية: أنه صلى بالنبيين كلهم ولم ير معهم في السماء إلا من سمي. قال

عياض: ولا مانع منه وأن يكون صعد منهم من ذكر أنه صلى الله عليه وسلم رآه يعني ويكون هؤلاء تقدموا بين يديه تشريفًا له، وقد قال البيهقي في "حياة الأنبياء في قبورهم" له: لا مانع أنه يرى موسى قائمًا يصلي في قبره ثم أسري بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى بنبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السماوات كما عرج بنبينا فيراهم فيها كما أخبر صلى الله عليه وسلم بحلولهم في أوقات بمواضع مختلفات، وكل هذا جائز ثابت في العقل فما ورد به خبر الصادق انتهى. إذ قلنا: بقدم التعدد أما معه، فلا إشكال على أن بعضهم جمع بينهما مع الاتحاد بأنه لقي موسى في السادسة فأصعد معه إلى السابعة تفصيلاً له على غيره من أجل كلام الله تعالى. وظهرت فائدة ذلك في كلامه مع المصطفى فيما يتعلق بأمر أمته في الصلاة. وأما تعيين أماكنهم، فاتفق الشيخان من حديث قتادة وثابت كلاهما عن أنس على كون في الأولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادة موسى وفي السابعة إبراهيم، ووافقهما ثالث عن أنس لكن جعل هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة، وكذا وافقهم رابع ولكن جعل يوسف

في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة، ووقع في رواية أخرى مع التصريح من راويها بأنه لم يثبت أسماءهم أن إبراهيم في السادسة، وفي أخرى لم يضبط راويها أيضًا منازلهم أن إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة ومن ضبط أولى، وقد قال شيخنا: والأول أثبت، وكذا وصفه بذلك وأكد بأنه كان مسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في كون آدم في الأولى، لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل، فكان أول في الأول، ولأجل تأنيس البنوة بالأبوة، وعيسى في الثانية، لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد، ويليه يوسف، لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته، وإدريس الذي قيل إنه أول من قاتل للدين، فلعل المناسبة فيه للإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمقاتلة ورفعه بالمعراج لقوله: (ورفعناه مكانًا عليا) والرابع من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الآخر فناسب أن يتخذ للنبي صلى الله عليه وسلم بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى. انتهى. واختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها ليظهر تفاضلهم في الدرجات والخوض في هذا تنشأ عنه المفاضلة بين الأنبياء كما فعله ابن المنير، ولكن مجرد الإشارة في هذا المقام كما عند شيخنا أولى من تطويل العبارة والإمعان فيها، سيما وقد ورد النهي عن

التفضيل بين أنبياء الله مع العلم بأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله، وقيل: إنا نهي عنه من يقول برأيه لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد: لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك المفضول فضيلة كالإمام مثلاً إذا قلنا إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان، وقيل: النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها لقوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بضع) الآية، وبالجملة فالكلام في هذا المقام يفتقر لعمل كثير ولا يخلو من خطر وزلل. وقيل: لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء ما أشير به إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ماوقع لكل منهم. فأما آدم، فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان عاقبة كل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي أخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له أول الهجرة من عداوة اليهود وتماليهم على البغي عليه وإرادتهم وصول السوء إليه وبيوسف على ما وقع له مع إخوته بما وقع له من قريش في نصبهم الحرب وإرادتهمم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح: أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم. وبإدريس على رفع منزلته عند الله تعالى، وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن

آذوه، وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى ذلك بقوله: لقد أوذي موسى أكثر من هذا فصبر، وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي فأوردها شيخنا منقحة ملخصة مع زيادة غيره في مناسبة لقاء إبراهيم في السابعة معنى لطيفًا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما علم من محله وأضرب شيخنا عما زاده ابن المنير لما قدمناه. وأما السؤال عما كان مفروضًا قبل ليلة الإسراء من الصلوات، فذهب جماعة إلى أنه لم تكن قبلها صلاة مفروضة إلا ما كان الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسر منه) فصار الفرض بعض قيام الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس. والله أعلم. وأما البيت المعمور الوارد أنه يدخل سبعون ألف ملك كل يوم ولا يعود فيه. وفي رواية: إنه مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خرَّ لخرَّ

عليها. وقال علي رضي الله عنه: السقف المرفوع: هو السماء. والبيت المعمور بيت في السماء حيال البيت حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض. وعن ابن عباس نحوه وزاد: في السماء نهر يُقال له: الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه ثم يخرج فينتفض فيخرج منه سبعون ألف قطرة يخلق الله تعالى من كل قطرة ملكًا فهم الذين يصلون فيه ثم لا يعودون إليه، وأوردها شيخنا مبينة معللة في بدء الخلق من فتح الباري قال: وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر أنه هو الكعبة. والأول أكثر وأشهر، وأكثر الروايات أنه في السماء السابعة، ويروى أنه في الرابعة وبه جزم في القاموس وقيل: في السادسة وقيل: هو

329 - مسائل في الخضاب وإصلاح اللحية والسراويل

تحت العرش، وقيل: إنه بناه آدم لما أهبط إلى الأرض ثم رفع زمن الطوفان قال: وكان هذا شبهة من قال: إنه الكعبة، ويسمى البيت المعمور الضراح والضريح. 329 - مسائل في الخضاب وإصلاح اللحية والسراويل: أما الخطاب: فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في خضابه صلى الله عليه وسلم فنفاه جماعة منهم أنس رضي الله عنه هذا مع قول حميد: رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس مخضوبًا. وأثبته أبو هريرة رضي الله عنه وغيره، وجمعت طائفة بأنه صلى الله عليه وسلم كان قد احمر شعره مما يكثر من الطيب

فكان يظن بذلك مخضوبًا، والأحاديث في الطرفين كثيرة، وكذا في الجمع قال ابن عبد البر: وقد روي أنه كان يخضب وليس بقوي، والصحيح أنه لم يخضب ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له انتهى. والمثبت مقدم على النافي، وبه أجاب الإمام أحمد حين قيل له: إن أنسًا يقول: لم يخضب. والذي ذهب إليه بعض المتأخرين ظاهر معتمد أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ من الشيب ما يقتضيه كما تواردت به الروايات، ومع ذلك فكان أحيانًا بغير ما شاب من شعره بالحناء والكتم وفي لفظ: بالورس والزعفران وتارة يتركه، وعليه تنطبق رواية: وفي عنفقته شعرات بيض. وفي بسط ذلك بأدلته طول. وأما إصلاح اللحية، فقد روى ابن حبان في صحيحه م حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من طول لحيته وعرضها. وبه تمسك ابن عمر رضي الله عنهما حيث كان يقبض لحيته ويزيل ما زاد. لكن قد ثبت في الصحيحين الأمر بتوفير اللحية ـ يعني

عدم الأخذ منها وإعفاءها، ويمكن أن يقال: محله حيث لم يقع تشويه بطولها وخروجه عن العرف وإن كان بعض الأئمة كانت له لحية زائدة الطول بحيث كان إذا نام يجعلها في كيس حتى لا يتألم بتثنيها، وإذا ركب انفرقت فتقول العامة: سبحان الخالق ويسر هو بذلك إذ يقول: إنهم يستدلون بالصنعة على الصانع أو نحو هذا. ولابن حبان من حديث الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه. واختلف في الأفضل في إزالته أهل القص أو الحلق، ومال لكل من الصنيعين جماعة، ويروى عن أحمد التسوية بينهما، وكذا قال صاحب المغني: إنه مخير في ذلك. وقال الطحاوي: لم نجد عن الشافعي فيه نصًا وأصحابه، الذين رأيناهم المزني والربيع كان يحفيان شواربهما فلعلهما أخذاه عنه ثم حكى عن أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد أن مذهبهم في شعر الرأس والشارب أن الإخفاء أفضل من

330 - مسألة: عن عمار بن ياسر أنه قال: جلدة ما بين عيني وأنفي، قاله عقب هم شخص بالإشارة إلى جبهته بالعصي ثم قال: فإذا بلغ ذلك من رجل فلم يستبق فاجتنبوه، ما معناه؟

التقصير، وذكر ابن خويز منداد عن الشافعي أن مذهبه في الشارب عن أبي حنيفة، وقد صنف العراقي شيخ شيوخنا في المسألة جزءًا. وأما السراويل، قد تقدم الجواب عنه والله أعلم. 330 - مسألة: عن عمار بن ياسر أنه قال: جلدة ما بين عيني وأنفي، قاله عقب هم شخص بالإشارة إلى جبهته بالعصي ثم قال: فإذا بلغ ذلك من رجل فلم يستبق فاجتنبوه، ما معناه؟ الجواب: لم أقف عليه في غير هذا الموضع أعني بناء المسجد حين قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من سيرة ابن هشام، والظاهر أن الإشارة للمشير بالعصا في هذا المحل. وقوله: فلم يستبق أي حيث عرض للهلاك ولم يشفق عليه منه،

331 - سئلت عن حديث: لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشا فيهم الطاعون ... الحديث. ما حكمه، ومن أخرجه؟

وقوله اجتنبوه: أي تبرؤا منه وذلك إما مبالغة في الزجر عن تعاطي ذلك، أو في حق من يعتقده، ويحتمل أنه الإشارة لعمار التي لما وصف به والله أعلم. 331 - سئلت عن حديث: لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشا فيهم الطاعون ... الحديث. ما حكمه، ومن أخرجه؟ فأجبت: هو مروي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر بلفظ: "أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن ـ وأعوذ بالله أن تدركوهن ـ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا [بها] إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكى أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله باسهم بينهم". أخرجه ابن ماجه في الفتن من "سننه" من حديث: أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي مالك ـ هو خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ـ عن أبيه عن عطاء به، والجمهور على ضعف خالد، ولكن لحديثه طرق في شعب الإيمان

للبيهقي. منها: عن أبي سعيد وغيره عن عطاء أنه سمع ابن عمر يحدث بمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم ـ وأعوذ بالله أن تدركوهن ـ لم تظهر الفاحشة ... " وذكر نحوه وعن أبي عمر الواسطي عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن ما ظهرت ... " وذكر نحوه بلفظ: "ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم، فاستنفدوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة رسوله إلا جعل الله بأسهم بينهم". قال البيهقي: وروي في ذلك أيضًا عن هذيل عن هشام بن خالد عن ابن عمرو، بل له شاهد عند البيهقي أيضًا في السنن والشعب معًا من حديث عبيد الله بن موسى، أخبرنا بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه رفعه: "ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم، إلا سلط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر" وهو عند أبي بكر بن أبي شيبة وأبي يعلى

والروياني والبزار في مسانيدهم من هذا الوجه، وكذا رواه الحاكم في الجهاد من مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم وأورده في المختارة فأدنى مراتبه أن يكون عنده حسنا، وكذا حسن شيخنا في تصانيفه إسناده، وكأنه إنما لم يطلق الحكم لكون بشير خولف فيه فرواه الفضل بن موسى السيناني عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة فقال: عن ابن عباس وجعله من قوله موقوفًا ولفظه: "ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ولافشت فاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالسنين وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان البأس بينهم، أظنه قال: أو القتل". أخرجه البيهقي أيضًا في الاستسقاء من سننه وفي الشعب وقال: كذا قال عن ابن عباس موقوفًا. انتهى. والحسين أوثق من بشير لكن توبع، فأخرجه الطبراني في

332 - سئلت عن مصر والشام: أيهما أفضل؟

الأوسط وتمام في فوائده ـ كلاهما باختصار من حديث فضيل بن مرزوق عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين" ورواته ثقات. وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من وجه آخر مرفوعًا، ولفظه: "خمس بخمس" قيل يا رسول الله! وما خمس بخمس قال: "ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا ... الله عليهم الموت ولا منعوا الزكاة إلا حبس عليهم القطر ولا طففوا الميكال إلا حبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين". وبعضه عن ابن عباس عن كعب من قوله، كما أوردت مع الكلام على هذا الحديث أيضًا في المطلقة والله المستعان. 332 - سئلت عن مصر والشام: أيهما أفضل؟ فأجبت: قد أفرد الأئمة فضائل كل منهما بتآليف كثيرة. فأما مصر، فمن فضائلها: إن الله عز وجل ذكرها في بضع وعشرين موضوعًا من كتابه إلى أن قال: وجاء عن ابن عيينة قال: من الناس من

333 - سئلت: عما يتداوله التجار ونحوهم من الأخبار بوجود معمر زاد سنة على أربعمائة سنة ونحوها

يقول: هاجر أم إسماعيل كانت قبطية. ومنهم من يقول: مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قبطية. وعن الزهري كما رواه ابن إسحاق حدثني ابن شهاب أن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا" قال الزهري: الرحم باعتبار هاجر والذمة باعتبار إبراهيم. وقد تحصل أنه أراد بالذمة العهد الذي دخلوا به في الإسلام أيام عمر فإن مصر فتحت صلحًا، وفي حديث ضعيف جدًا إلى قوله: لطالب بها الشرح جدًا. وسئل شيخنا عن مصر أطيب الأرضين ترابًا وعجمها أكرم العجم أسبابًا، فقال: لا أعرفه مرفوعًا وإنما يذكر معناه عن عمرو بن العاص ولو لم يكن من فضائلها إلا كون النيل إلى آخر ما تقدم في الأصل وعلى الحواشي والله أعلم. 333 - سئلت: عما يتداوله التجار ونحوهم من الأخبار بوجود معمر زاد سنة على أربعمائة سنة ونحوها. فأجبت: لا يحيل العقل هذا ولا أكثر منه، ولكن الشأن في ثبوته

بطريق معتمد، سيما وقد حدد بعض الحكماء العمر الطبيعي بمائة وعشرين سنة واعتمد بعض الفقهاء تقدير مدة به، ولكنه فاسد، نعم لم يزل أئمة الحديث وحفاظه المرجوع إليهم يصرحون بإنكار مثله، بل صرح بعضهم بأنه لا يفرح. يكفي من يدعي ذلك أو يدعي له من له عقل، ونحوه، قول شيخنا رحمه الله: كل ذلك يعني المروي عن من يكون من هذا القبيل مما لا أعتمد عليه ولا أفرح بعلوه ولا أذكره إلا استطرادًا إذا احتجت إليه للتعريف بحال بعض الرواة، وذكر في لسان الميزان له من المعمرين جماعة وكشف عن حالهم، وكذا سبقه الحافظ الذهبي في ميزانه، وبين شيخنا في القسم الرابع من الإصابة الموضوع كمن ذكر في الصحابة غلطًا أو على سبيل الوهم من أدرج فيهم منهم. وقال في "مشتبه النسبة" ما نصه: "واشتهر بين العوام وغيرهم ممن ليس الحديث صناعته أن في الصحابة رجلاً إلى ... في الخارج. وأنكر أهل النقد على الشهاب ابن الناصح المقدسي إلى من يعتمد، وكثيرًا ما كنت أسمع من شيخنا الطعن فيمن يدعي التعمير ويدعي له مما لا يلزم من كله استحالة وقوع هذه المدة أو دونها أو أكثر منها عقلاً كما أسلفته بل هو مقتضى صنيعه أيضًا، فإنه عقب حكاية أكثر الأقوال في تعمير سلمان الفارسي أزيد من مائتين وخمسين سنة، وقول الذهبي: إنه إلى ... وما المانع من ذلك. انتهى. وكذا قال بعد تعقبه كلام الصفدي في تقوية وجود رتن الهندي وإنكاره على من ينكر كشيخه الذهبي وجوده معولاً على مجرد التجويز

العقلي ما نصه: ليس النزاع في الإمكان العقلي، إنما النزاع فيتجويز ذلك من قِبَل الشرع إلى قوله: والمطلق محمول على المقيد" انتهى. والطريق في اعتماد الزيادة على المائة، أما حكاية الضابط الثقة أو تصديقه عنه أو إخباره هو عن نفسه، مع كونه ضابطًا بعد أو غير ذلك، وكذلك أخذ الحافظ الجمال المراكشي ورفيقه الموفق الأبي بالإجازة العامة من شخص إسكندري إلى قوله: ونبات أسنان جُدُدٍ وغير ذلك، وتوقف شيخنا في بعض من يدعي فيه التعمير ممن أجاز له كزينب ابنة محمد بن عثمان ابنة السكري لكونها كما صرح به كسبب من بيت علم ولا حديث، بحيث يوجد مولدها بخط من يعتمد قال: ولا القاعدة أن العاصي إذا طال عمره يكذب فيه. وكذا امتنع الحافظ التقي الفاسي إلى أن قال في حدود الأربعين أو قبلها وامتنعت أيضًا من قبول ما ادعى الشهاب الشارمساحي المصري التعمير وأنه زاد على مائة وسبعين ... هرع إليه خلق من الغوغاء بل وبعض من ينسب إلى الحديث ممن لا أهتدي له في النظر لهذا ونحوه وسمعت ... وشاع أمره حتى سمعته بالبلاد الشامية إذ كتب بها في الرحلة فتحرر لي من أوراق أجائزه أنه ابن ثمانين سنة ونحوها مع تقدمه في الفرائض والقراءات وغيرهما حسبما ثبت هذا في ترجمته، ثم إن ما تقدم لا ينافي الحديث الذي حسنه الترمذي وصححه الحاكم عن

أبي هريرة رفعه: "أعمار أمتي ... إلى قوله: غير واحد". وكذا لابن الجوزي كتاب أعمار الأعيان غير متقيد بهذه الأمة وأصغر عنده من الصغار الفطناء من لم يزد على إحدى عشرة سنة، وأعلى من ذكر من المعمرين من زاد على الألف وبين فوائد الأعيان، وممن مات وهو ابن ست سنين خاصة وذلك في سنة 827 هـ بعد أن حفظ القرآن وأن يصلي به فيها فحصل له صرع ومات فاشتد حزن أبيه عليه ولم ينفك عن ملازمة قبره حتى سافر لبيت المقدس على مشيخة باسطية وكان قد عمل له خطبة افتتحها إلى ... من ذكائه حكاه لنا صاحبنا العلامة الثقة العز السنباطي بذلك في الطرفين، وما نحن فيه من أفراده: ابن لشيخنا الشمس ابن المصري. قال الذهبي: ومن بديع حكمته سبحانه وتعالى طول في أعمار الاولين فطول آمالهم حتى إلى قوله إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب.

334 - مسألة

334 - مسألة: روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عيينة سمعت الزهري إلى: عليه. وفي لفظ له بهذا السند: دخلت بابن لي على صلى الله عليه وسلم وقد أعلقت من العذرة، فقال: "على ما تدغرون" إلى قوله: "ولم يبين الزهري الخمسة الباقية. ومن حديث شعيب عن الزهري به مثله. وزاد البخاري بعد قوله: "الهندي" يريد الكست وهو العود الهندي. ومن حديث إسحاق ـ هو ابن راشد ـ عن الزهري به مثله. وقال البخاري: يريد الكست إلى قوله فهي تخاف أن تكون به عذرة إلى عن أنس رفعه: "إن أمثل ما تداويتم به" إلى: "وعليكم بالقسط بها" وهو عند أبي نعيم في الطب من حديث غسان إلى لا تعلقن على أولادكن فإنه قتل السر إلى قوله: والدغر: غمز الحلق. واختلف الروايات، ففي بعضها حك القسط بالماء. أو بضم الزيت إلى الماء أو مع القسط الورس، أو المر والزيت والحبة السوداء والقسط وأفاد شيخنا كيفية فعله فقال: يذاب بقليل من الزيت ويقطر في أنف الذي يداوي به أو يسعط به في فمه. والله المستعان. 335 - مسألة: هل أعقب أبو عبيدة بن الجراح إلى قوله راوي جامع الترمذي وولده أبا بكر محمدًا. وتبعه ابن الأثير في مختصره ولم يزد شيئًا، واقتصر الحافظ ابن نقطة في تكملة الإكمال لابن ماكولا على الأب خاصة وتبعه الذهبي في المشتبه بزيادة قوله وغيره، ووافقه شيخنا في مختصره ولم يزد شيئًا والحاصل أن أحدًا منهم لم يذكر في هذه النسبة أحدًا ينسب إلى أبي عبيدة وهو مشعر بما قدمته. وإذا كان كذلك والظاهر فيمن ينتسب كذلك من العصريين أنه

336 - سئلت عن المثل المشهور: كل الصيد في جوف الفرا. هل هو حدث وما معناه؟

الجراح قرية بالشرقية من قرى مصر كما ينسب زبيريا من هو من الزبيرية وقرشيًا من هو من القرشية ونحو ذلك حسبما بسطته في محله. 336 - سئلت عن المثل المشهور: كل الصيد في جوف الفرا. هل هو حدث وما معناه؟ فأجبت: إن الحافظ أبا محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي أخرجه في الجزء السادس من أمثال الحديث له فقال: حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود عن نصر بن عاصم الليثي قال: أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وأخر أبا سفيان ثم أذِن له فقال: ما كدت أن تأذن لي حتى كدت أن تأذن لحجارة الجهلمتين قبلي، فقال: "وما أنت وذاك يا أبا سفيان؟ إنما أنت كما قال الاول: كل الصيد في بطن الفرا". وهو جيد الإسناد لكنه مرسل. وكذا أخرجه الإمام أبو أحمد الحسين بن عبد الله بن سعيد العسكري اللغوي في الأمثال أيضًا قال: حدثنا أبو بكر ابن الأنباري حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان به، ولفظه: أخر أبو سفيان في الإذن فقال: يا رسول الله كدت تأذن لحجارة الجلهمتين قبلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك وذاك يا أبا سفيان كما قال القائل: كل الصيد في جوف أو جنب الفرا". واختلف في أبي سفيان هذا من هو؟ فقيل: ابن الحارث المعدود من

أخوال النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: ابن حرب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم إذ يجتمعان في عبد مناف. وفي ابن الحارث ذكر أبو عمربن عبد البر الحافظ في كتاب الاستيعاب له الحديث ورجع أن المقول له إنما هو ابن حرب حيث نقل عن ابن دريد وغيره من أهل العلم بالخبر أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل الصيد في جوف الفرا" لأبي سفيان بن الحارث، قال: وقيل لابن حرب وهو الأكثر. انتهى مخلصًا. وكذا حكى الخلاف السهيلي في الروض الأنف لكه رجع الأول فإنه قال في أثناء ترجمة ابن الحارث ما لفظه: ولأبي سفيان هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت يا أبا سفيان كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا" وقيل: بل قالها لأبي سفيان ابن حرب، والأول أصح. وتعقبه الحافظ علاء الدين بن مغلطائي بما حاصله: أن الظاهر أنه نقل الترجمة من كتاب ابن عبد البر فكان ينبغي له تقليده فيما أشار إلى ترجيحه أو يوجه ترجيح قوله. انتهى. وممن حكى الخلاف أيضًا العسكري لكنه لم يرجح شيئًا وعبارته: وقيل: إن أبا سفيان هو ابن الحارث. وقال قوم: إنه هو أبو سفيان بن حرب. وأما ابن الأثير، فلم ينسب في النهاية أبا سفيان هذا حيث قال ما نصه فيه أي في الحديث: إنه قال لأبي سفيان: "كل الصيد في جوف الفرا" وكأنه لما علم الخلاف ترك ذلك عمدًا، خصوصًا وهو ليس من مقصوده.

والظاهر عندي أنه ابن حرب ـ ويستأنس له بسبب قوله صلى الله عليه وسلم له: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وكذا بقول أبي العباس المبرد أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا المثل لأبي سفيان يتألفه على الإسلام لما حجبه عن الدخول وأذن لغيره قبله والمعنى إذا حجبت قنع كل محجوب ورضي، فإنه رضي الله عنه تأخر إسلامه. ووجه العسكري أيضًا ضرب المثل له بقول: فاراد عليه السلام: إنك من أهلي، فإن من أذن لهم من الغرباء دونك. قال أبو عبيدة: كأنه أرضى أبا سفاين بهذا الكلام. إذا علم هذا فالفرا عند العرب مقصور مهموز: الحمار الوحشي وجمعه فراء بالمد وكسر الفاء مثل جبل وجبال. وحكى الأصمعي الكسر في الواحد، فإنه قال: يمد ويقصر وربما كسر أوله. ولكن تعقبه الفراء وأنشدوا لمالك بن زغبه الباهلي: بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها أي مختبرها.

وأنشد الفراء أيضًا: إذا اجتمعوا علي وانتقدوني ... فصرت كأني فرا شار وقال الجوهري: وقد أبدلوا من الهمزة ألفًا فقالوا: أنكحنا الفرى فسزى. وأصل هذا المثل فيما ذكر الميداني وغيره أن ثلاثة نفر خرجوا يتصيدون فاصطاد أحدهم أرنبًا والآخر ظبيًا والآخر حمارًا، فاستبشر صاحب الأرنب والظبي بما نالا وتطاولا عليه فقال الثالث: كل الصيد في جوف الفرا، أي إن الذي رزقت وظفرت به يشمل على ما عندكما وذلك أنه ليس فيما يصيده الناس أعظم من حمار الوحش ثم اشتهر هذا المثل واستعمل في كل حاو لغيره وجامع له. والجهلمتين، قال أبو عبيدة فيما نقله عنه صاحب الصحاح: أراد جانب الوادي والمرعوف الجلهمتان قال: ولم أسمع بالجلهة إلا في هذا الحديث وما جاءت إلا ولها أصل، ونحوه ما حكاه ابن الأثير عن أبي عبيد قال: إنما هو لحجارة الجهلتين والجلهة فم الوادي، وقيل: جانبه فزيدت فيها الميم كما زيدت في زرقم وستهم قال: وأبو عبيد يروي بفتح الجيم والهاء، وشمر يرويه بضمها والله

أعلم. فائدة: صنف في الأمثال الرامهرمزي وأبو الشيخ وأبو أحمد العسكري وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو عبيد الزمخشري والميداني وهو أكثرها فيما أظن. وشرح البكري الأمثال لأبي عبيد ورأيت بمكة للجمال الشيبي كتابًا حسنًا في ذلك مرتبًا على حروف المعجم. والله المستعان. فوائد: فيمن ترك شعر رأسه إلى وحالته وهل هو سنة، وما كيفية فعله وما يلتحق بذلك إلى قوله: لا ينافي أصلية سنيته، ولكنه كما قال ابن عبد البر: أضرب عنه في عصرنا أهل الصلاح والسير والعلم، وكاد أن يكون علامة للسفهاء يعني لما اقترن به من المقاصد الفاسدة التي أشرت إليها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدل شعر رأسه أي يرجله ويرسله على هيئته إن لم يطل أو من ورائه يعني إن طال ليستقيم الجمع بين التفسيرين ثم صار صلى الله عليه وسلم يقسمه فرقتين يمينًا وشمالاً كاشفًا له عن جبينه وينتهي استرساله لها إلى منكبيه أو إلى شحمة أذنيه على اختلاف الروايتين اللتين جمع بينهما إلى قوله في الثالث وذلك هو المسمى بالفرق. وقوله صلى الله عليه وسلم لخريم بن فاتك: إني لا أفعل مع كون الوفرة هي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمتي الأذن لعله كان زائدًا لطول. ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر حين رأى شعره طويلاً وقال: "ذباب ذباب" ورجع فجزه فقال: "لم أعنك وهذا حسن" وفرق صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب. قالت عائشة رضي الله عنها: كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسلت يناصيته يعني تفرق ما طال منه فرقتين يمينًا وشمالاً، كل فرقة ذؤابة فنظر من الناحيتين جمته التي هي من شعر الرأس ما سقط عن المنكبين وفي الحديث: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة جعدة،

وهي منهي عنها للنساء لما فيه من تشبههن بالرجال ففي الحديث: لعن الله المجمعات من النساء. وحينئذ فالفرق سنة كما صحر به الأئمة وهو أولى من السدل، لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمرين ذهب بعضهم إلى نسخ السدل به وأن السدل غير جائز، ولكن الصحيح المختار جوازه، ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم كانت له لمة فإن انفرقت فرقها، وإلا تركها واتخاذ جماعة من الصحابة اللمة وهي الشعر الذي يلم بالمنكبين ولكن الفرق أقلهما ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله، وكان شعره صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله إلى قرب منكبيه، وربا لبعد عهده يتعهد حين اشتغاله بالسفر ونحوه يطول عن المنكبين حتى تصير ذؤابة وهي ما يتدلى من شعر الرأس وتتخذ منه عقائص وضفار كما في حديث أم هانيء قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة ـ يعني في فتحها ـ وله أربع غدائر. يعني عقائص. والعقيصة الشعر المعقوص وهو نحو من المضفور وحيث كان شعر المرء كذلك فلينشره عند الصلاة فقد ورد النهي عن لف الشعر، واتفق العلماء على النهي عن الصلاة ورأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته. ثم اختلفوا هل هو حرام أو مكروه والصحيح كراهية تنزيه وأنه لو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته وسواء تعمد فعل ذلك للصلاة أم كان كذلك قبلها لمعنى آخر على الصحيح المختار، والحكمة في ذلك أنه إذا رفع شعره ويباشره الأرض أشبه المتكبر، ورأى عبد الله بن عباس عبد الله بن الحارث صلى ورأسه معقوص من رواءه فقام وراءه فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" قال ابن الأثير: إلى قوله في السجود. ومر أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن بن علي وهو يصلي قائمًا إلى قوله في الثاني: أرسله ليسجد معك. ونحوه حديث عمر: "من لبد أو

عقص فعليه الحلق"يعني في الحج قال: وإنما يجعل عليه الحلق، ولأن هذه اأشياءتقي الشعر من الشعث فلما أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه بالكلية مبالغة في عقوبته، ثم إنه قد أبدى الزين العراقي رحمه الله لكون الشيطان يعقد على الشعر المضفور أو المكفوف وقت الصلاة حكمة إى قوله وهو حسن في الثاني. ووراء هذا أن ما تقدم من النهي عن عقص الشعر وكفه في الصلاة لا يحل للنساء، لأن شعورهن عورة فيجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضًا ففي نقضهن إياه للصلاة مشقة وقد رخص لهن النبي صلى الله عليه سلم إلى قوله بهذا الحكم في الثاني. إذا علم هذا فلم يثبت لي في ملازمته صلى الله عليه سلم الإبراز شعره ولا في عدمها شيء ولكن الظاهر الأول لكثرة من نقل قدر طول شعره بالمشاهدة من الصحابة ولذا لم يحفظ كما قال ابن القيم: أنه صلى الله عليه سلم حلق رأسه إلا في نسك، وعلى هذا فحلقه صلى الله عليه سلم لها أربع مرار والمباشرون لذلك إلى قوله فأكثر في الثالث. وكذا الشقيص عنده شعر من شعراته صلى الله عليه سلم في أماكن شتى فهي مما يستشفى بها ويتبرك بمماسة ما يجورها وذلك لا يصلنا شعره صلى الله عليه سلم إلى قوله مما يتعذر استصاؤه في الثالث ويستحب لمن اقتفى أثرهم في هذه السنة تعاهده بالتسريح والتطييب ونحوهما، فقد جاء في حديث حسن أنه صلى الله عليه سلم قال: "من كان له شعر فليكرمه" فإن قيل: قد ورد النهي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه سلم عن القزع إلى آخر الأول".

337 - سئلت عمن استدان في طاعة بنية الوفاء ومات ولم يوف لعجزه أيؤخذ أم لا؟

337 - سئلت عمن استدان في طاعة بنية الوفاء ومات ولم يوف لعجزه أيؤخذ أم لا؟ فأجبت: قد صح أنه صلى الله عليه سلم قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" أخرجه البخاري من حديث أبي الغيث سالم عن أبي هريرة به. وهو ناطق بأن الله يؤدي عنه وذلك إما بأن يفتح عليه في الدنيا ويسبب له رزقًا وإما بأن يتكفل عنه في الآخرة بحيث لا يستثنى منه ومن لم يعلم حين استدانته ما سيؤدي منه. وأما ما يثبت من حديث عمران بن حذيفة عن ميمونة مرفوعًا: "ما من مسلم يدان دينًا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا" فقال

شيخنا: إنه يمكن حمله على الغالب قال: والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث تؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل يتكفل الله عنه له به كما دل عليه الحديث الأول قال: وخالف ذلك ابن عبد السلام انتهى. على أن حديث ميمونة قد رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن حصين بن عبد الرحمن عن عبدي الله بن عبد الله بن عتبة عنها مرفوعًا بلفظ: "من ادان دينًا ينوي قضاءة أداة الله عنه يوم القيامة" ولكن قال: فيه وهب بن جرير بن حارثة عن أبيه ومحمد بن أبي عبيدة بن معن عن أبيه كلاهما عن الأعمش به: "إلا أعانه الله" بدل "أداه الله عنه يوم القيامة" ونحوه من حديث عائشة وغيرها. وقد لا ينافيه، سيما وعند الديلمي بسنده إلى أبي هريرة رفعه: "من مات وعليه دين علم الله أنه كان يريد قضاءه لم يعذبه ولم يساله عنه" بل في حديث ضعيف: "من تداين بدين وفي نفسه وفائه ثم مات [ولم] يترك وفاءً تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ومن تداين بدين وليس في نفس وفاءة ثم مات اقتص الله منه لغريمه يوم القيامة" أخرج الحاكم في مستدركه شاهدًا والطبراني في الكبير كلاهما من جهة بشر بن نمير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة رفعه به. وقد يستشهد له بحديث حسن: "إن الدين يقضي من صاحبه

يوم القيامة إذا مات إلا من تدين في ثلاث خصال: رجل يضعف قوته في سبيل الله فيستدين يتقوى به لعدو الله وعدوه، ورجل يموت عنده مسلم لا يجد ما يكفنه ويواريه إلا بدين، ورجل خاف الله على نفسه العزبة فينكح خشية على دينه فإن الله يقضي عن هؤلاء يوم القيامة" أخرجه ابن ماجه من حديث عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو. ورواه أبو نعيم في الحلية عن أبي حازم عن سهل كلاهما مرفوعًا. وفي الترمذي والنسائي وأحمد وأبي يعلى وغيرهم عن أبي هريرة رفعه: "ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف" وللديلمي عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما رفعه: "إن الله يقعد صاحب الدين

يوم القيامة بين يديه فيقول له: يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين وضيعت حقوق الناس؟ فإن قال: يا رب أتى على يدي إما حرق أو عوق أو سرق ولم آكل ولم ألبس ولم أضيع، قال: عبدي أنا أحق من قضى عنك" ولا ينافي كل هذا حديث أبي موسى مرفوعًا: "إن أعظم الديون عند الله أن يلقاها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاءه". وحديث سمرة مرفوعًا: "إن صاحبكم ماسور بدينه" وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه" وفي لفظ للطبراني: "دين الرجل إذا مات معلق في قبره حتى يقضي الله عنه" وما أشبهها من الأحاديث، كحديث: "الآن بردت

جلدته إذ لا مانع من حمل أولها على من استدان لابنيه الوفاء أو في معصية ونحوها وما بعده على من ترك وفاء وقصر بالتمادي في عدم أدائه ولو بترك الوصية. ونحوه "مطل الغنى ظلم" وحينئذ فهي أدلة للحث على المبادرة للأداء على أن الماوردي قال: إنما تكون ذمته مرهونة بالدين إذا لم يخلف تركة يتعلق بها الدين وهو كذلك إن لم يستدن بنية الوفاء، فإن كانت تركة فالدين يتعلق بها. ثم إن قوله: معلق أي أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضي عليه من الدين أم لا وهي كقوله تعالى: (فتذروها كالمعلقة) أي لا ممسكة ولامطلقة. ومنه قول

المرأة في حديث أم زرع: وإن أسكت أعلق. ولبعضهم: إذا شئت أن تستقرض المال منفقا ... على شهوات النفس في زمن العسر فسل نفسك الإنفاق من له صدها ... عليك وإرفاق إلى زمن العسر وإن فعلت فهي الغنى وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر

338 - سئلت عن الاستغفار عقب شم الرائحة الطيبة ما حكمته؟

338 - سئلت عن الاستغفار عقب شم الرائحة الطيبة ما حكمته؟ فأجبت: اللهم غفرًا الاستغفار مشروع عند ارتكاب المنهيات، واجتناب المأمورات بل عقب الطاعات للخوف في تأديتها من التقصيرات، وكذا عقب اللذات المباحات أو المستحبات لكون التوجه لغيرها من العبادات الشاقة على الأنفس المخالفات أرفع في الخضوع والانقياد لرب السماوات واستغفاره بالنظر لهذا المعنى من الواضحات والاستحضار فيه عند أولى الحكم من أهل السلوك والتحقيقات ويقع الاستغفار أيضًا لاستجلاب الرزق واكتساب المعيشات وأدلته المجملات والمفصلات مشهورة في الكتب والأحاديث النبويات غنية عن بسطها بالعبادات، ولا سيما فيما قام به من وفق من ذوي العنايات المذكورين بالفضائل المتنوعات ولولا تكليف بعض أئمة أهل الأدب الواثق ما يصدر عنهم من النظم والنثريات لما أثبت بهذه الكلمات ويكفي مما طويته حديث: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب" وحديث: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا

339 - سئلت: ما المناسبة بين ترجمة البخاري وأحاديث الأنبياء بقوله: باب يعفكون على أصنام لهم، ثم إيراده حديث: «ما من نبي إلا كان يرعى الغنم»؟

كثيرًا. وبالله التوفيق. 339 - سئلت: ما المناسبة بين ترجمة البخاري وأحاديث الأنبياء بقوله: باب يعفكون على أصنام لهم، ثم إيراده حديث: «ما من نبي إلا كان يرعى الغنم»؟ فأجبت: يمكن أن يقال في وجهها كون العشب الذي هو من جملة المرعى قد يكون في الجبال وبطون الأودية التي لا تخلو غالبًا من الأحجار التي كانت الأصنام تتخذ منها غالبًا وكأنه أشار ليصبح ذلك بكونه من جملة مرعى الغنم له أو كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قومهم بحسب ما يقتضيه الحال في تحببها لسياسة الغنم والمرعى، أو أنهم في عكوفهم عليها كالغنم السارحة لا اهتداء لها كما في قوله تعالى: (أولئك كالأنعام بل هم أضل) والله الموفق.

340 - مسألة: هل ورد لبسه صلى الله عليه سلم السراويل؟

340 - مسألة: هل ورد لبسه صلى الله عليه سلم السراويل؟ إلى قوله والأول أرجح. وهكذا اختلف في لفظه: فقيل: سراويل، وقيل: رجل سراويل، وهما بمعنى. فقوله إلى قوله رجلاً. وكذا اختلف في ثمنه فقيل: أربعة دراهم كما تقدم وقيل: ثلاثة كما في الإحياء. قال شيخنا في فتح الباري: والأول أولى. ثم إنه لأجل الاختلاف في سنده يتوهم ورود الحديث عن جماعة من الصحابة كما يقع للترمذي في كثير من الأحاديث المختلفة في أسانيدها حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وسمى عددًا من المختلف فيهم وبالجملة فقد صح شراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله شرف المصطفى فالله أعلم. وجاء في الحديث أن السراويل من جملة ما أهداه النجاشي رحمه الله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ترجم البخاري إلى قوله على شرطه لذكره فيه في الجملة حيث قال: من لم يجد إزازًا فليلبس السراويل، وكذا جاء ذكره في قول ابن عمر في ستر العورة من صحيح البخاري أيضًا: إذا وسع الله إلى قوله: وأحسبه قال: في تبان ورداء. بل ورد فيه أيضًا عند الديلمي في مسنده والعقيلي في ترجمة إبراهيم بن زكريا العجلي الضرير من حديث الأصبغ بن نباتة إلى قوله: "إذا خرجن" وقال العقيلي: إنه لا يعرف إلا بالعجلي ولا يتابع عليه. وهو عنده عن محمد بن إسماعيل عن إبراهيم بن زكريا العجلي الضرير من أهل البصرة عن همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن الأصبغ بن نباتة به. وقد روى عبد الرازق عن محمد بن مسلم الطائفي عن الصباح ـ يعني ابن مجاهد ـ عن مجاهد: بلغني أن امرأة سقطت عن دابتها فانكشفت عنها ثيابها والنبي صلى الله عليه وسلم قريب منها فأعرض عنها فقيل: إن عليها سراويل فقال:

341 - مسألة: هل ورد عن أبي هريرة قال: سأل حذيفة بن اليمان النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فأطرق رأسه ... إلخ؟

"يرحم الله المتسرولات" ويروى عن أبي هريرة رفعه: "رحم الله المتسرولات من أمتي" وعن مالك بن العتاهية أن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجد إزازًا فليلبس السراويل" إلى فتق وهو فارسي معرب يذكر ويؤنث ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير والأشهر عدم صرفه وأول من لبسه إبراهيم إلى قوله: ... وغير ذلك. وما يذكر على ألسنة كثيرين في التسرول جالسًا والتعمم قائمًا فلم يثبت فيه شيء من المرفوع، مع وقوعه في كلام حجة الإسلام الغزالي حيث قال: فعليك بالتسرول قاعدًا والتعميم قامئًا إلى آخر كلامه ويمكن أن يتمسك للتسرول بالنهي عن التنعل قائمًا مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم له بحيث يكون النهي للتنزيه وعلل بأن التنعل قاعدًا أسهل وأمكن بل ربما يكون عن قيام ستراً لا نقلاً به وتنكشف عورته. والله الموفق. 341 - مسألة: هل ورد عن أبي هريرة قال: سأل حذيفة بن اليمان النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فأطرق رأسه ... إلخ؟ والجواب: لا أعرفه بهذا اللفظ .. إلى مكذوبًا. نعم روى الديلمي في مسنده عن أنس رفعه: "يأتي على الناس زمان .. إلخ" ويستأنس له بما للطبراني في الأوسط عن أنس أيضًا رفعه: "يأتي على الناس زمان ... إلخ" ويستأنس له أيضًا بما في حديث طويل مرفوع في أشراط

الساعة حيث قال فيه: "ويكون المؤمن ... إلخ" أخرجه البيهقي إلى قوله: "الغمازون ـ يعني الذين يكثرون الإشارة كالرمز بالعين والحاجب أو اليد ـ والهمازون ـ يعني الذين يكثرون الوقيعة في الناس وذكر عيوبهم" وسنده ضعيف لكن لأكثر جمله شواهد مفرقة، فمنها ما للطبراني عن أبي ذر رفعه: "إذا اقترب الزمان .. إلى آخره".

342 - مسألة: قال النووي رحمه الله: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفه وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء

342 - مسألة: قال النووي رحمه الله: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفه وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء. وصح في الإرخاء حديث عمرو بن حريث قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه. رواه مسلم وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء خرقانية قد أخرى طرفها بين كتفيه. قال ابن الأثير: هكذا يروى وجاء تفسيرها في الحديث: إنها السوداء، ولا يدري ما أصله. وفي قصة أنه صلى الله عليه وسلم انتزع برد حبرة وكان معتجزًا بها حين دخل مكة فدفعه إلى عمير بن وهب. وعن الحجاج أنه دخل مكة معتجرًا بعمامة سوداء. والاعتجاز بالعمامة وهو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئًا تحت ذقنه. ثم إن ما تقدم من حديث عمرو بن حريث هو المسمى بالعذبة وهي بالتحريك والإعجام: طرف الشيء وإصطلاحًا: ما هنا، وممن كان يرخيها على ظهره بين كتفيه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وقال كما في المعجم الكبير

للطبراني: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه" قال شيخنا: وهذا يستفاد منه صفة التعميم ولا دلالة فيه على قدر العمامة. قاله حين سئل عن طولعمامة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا يحضرني في ذلك قدر محرر. وقد سئل عنه الحافظ عبد الغني فلم يذكر عنه شيئًا. وعن ابن عمر وابن عباس وعبادة بن الصامت مرفوعًا كما سيأتي "عليكم بالعمائم" ويرون أنه صلى الله عليه وسلم كان يرخيها بين يديه ومن خلفه. وكذا يروى أنه صلى الله عليه وسلم أرسلها لعلي من خلفه زاد في روايته: وبين يديه عن على من فعله نفسه بالكيفيتين وكذا عن ابن عمر، فلا أدري أيهما أطول وكذا جاء عن ابن عباس وأنه شبر بين كتفيه ويديه، والأول أعني كونها بين كتفيه من كل من المرفوع والموقوف أكثر، بل هو المحكي عن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وفضالة بن عبيد وغيرهم من الصحابة وسالم بن عمر والقاسم بن محمد والحسن البصري، وسعيد بن جبير وشريح وغيرهم من التابعين وجاء أن جبريل عليه الصلاة والسلام رئي كذلك

حين مجيئه في محاصرته صلى الله عليه وسلم بني قريظة أنه كان معتمًا مرخيًا من عمامته بين كتفيه وأما حين مجيئه بعد موت سعد بن عبادة وإن كان يطلق سيما وقد يجيء مع بعد بين الكتفين وسؤاله عنه صار متعجزًأ بعمامة من استبرق. ويوم بدر كان متعجرًا بعمامة صفراء كما في دلائل النبوة للبيهقي من حديث حكيم بن حزام. وعنده عن ابن عباس كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمر وإرخاءها بين الكتفين كان سيما الملائكة عليهم السلام يوم بدر. وقولهم بين كتفيه المراد به إرسالها من خلف لا من قدام أيضًا وتوقف بعض الحفاظ في جعلها من قدام لكونه سنة أهل الكتاب وهدينا مخالف لهديهم وكذا قولهم بين يديه ومن خلفه يحتمل أن يكون بالنظر لطرفيها حيث يجعل أحدهما خلفه والآخر بين يديه ويحتمل أنه أرسله أحدهما من بين يديه ثم رده من خلفه بحيث يكون الطرف الواحد بعضه بين يديه وبعضه خلفه كما يفعله ... ويحتمل أن يكون كل واحد منها في مرة والله أعلم. ويكون العذبة إما من طرف العمامة أو من غيرها ومقررها فيها وفي كليهما ... إرخاءها للصلاة ويكره تركه ... وقدرها أربع أصابع أو نحوها أو ذراع أو نحوه، أو شبرا أو أقل منه على اختلاف صنيعهم والأول أكثر ... وهو في حديث عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف

وأفضل من عمامته موضع أربع أصابع أو نحوها وقال: هكذا فاعتم فإنه أحزم وأجمل. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وفيه ضعف، وكذا قال الحنفية: يستحب إرخاءها بين الكتفين فمنهم من قدر ذلك بشبر أو إلى وسط الظهر أو إلى موضع الجلوس انتهى. وعن ابن الحاج: أنهم لم يكونوا يرسلون منها إلا القليل نحو الذراع أو أكثر منهم قليلاً أو أقل منه قليلاً. ونقل عن المجد اللغوي في شرحه على البخاري: أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عذبة طويلة نازلة بين كتفيه وتارة على كتفيه وأنه ما فارقها قط ويرد قوله الأخير عزو ابن القيم في الهدي فإنه كان تارة يعتم بعذبة وتارة بغيرها. أما إرخاءها على الكتف والصوفية يخصون الأيسر بذلك وكأنهم تمسكوا بما روي عن عبد الله بن بشر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا إلى خبير فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه وقال: على كتفه اليسرى. أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن بحيث أورده الضياء في المختارة ولكن فيه تردد راويه وربما جزم بالثاني مع ما روي عن أبي أمامة قال: كان صلى الله عليه وسلم لا يولي والياً حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن. أخرجه الطبراني أيضًا بسند ضعيف ومع ثبوت إرخائها بين الكتفين.

على أنه قد نقل عن شيخنا أنه لا حرج على الصوفية وصنيعهم ولابد في هذا من تأويل لما قدمناه وكذا قيل: إنه لم يرد في إدخال طرفها من العمامة إلا ما جاء عن الشعبي، وبالجملة فالأكثر كما قدمنا كونها بين كتفيه وهو الثابت في صحيح مسلم كما تقدم عن عمرو بن حريث. وفيه عن ابن عمر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم أسدل عمامته بين كتفيه". أخرجه الترمذي. وله أيضًا حديث مرفوع لفظه: "عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم" ونحوه عن عبادة بن الصامت، أخرجهما الطبراني. ودعا النبي صلى الله عليه وسلم عليًا يوم غديرخم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال: "هكذا فاعتموا فإن العمائم سيما الإسلام وهي حاجز بين المسلمين والمشركين" أخرجه أبو نعيم في المعرفة من حديث عبد الأعلى بن عدي البهراني ولا تصح صحبته، وبلغنا في ذلك عن الولي العراقي أنه سمع الحافظ أبا المعالي ابن عساكر يحكي عن جماعة من أكابر أصحاب التقي ابن تيمية أنه قال: أخرى النبي صلى الله عليه وسلم العذبة بين كتفيه يوم فتح مكة كان صبيحة رؤيته لربه عز وجل ووضعه كفه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه فأكرم هذا المحل بالعذبة. قال ابن عساكر: ورأيتهم يتكاتمونه ويعدونه فائدة عظيمة وإن ثبت فهو رحله ولا يسمى تجسيمًا، بل هو مؤول بما قال أهل الحق في اليد وبين بعض أهل السنة

أنه يسدل طرفها إن شاء أمامه وإن شاء بين يديه وإن شاء من خلفه بين كتفيه ولكن قال مالك: إنه لم ير أحدًا ممن أدركه يرخيها بين كتفيه لا بين يديه. وعن بعضهم لابد من التحتك في الهيئتين. وفي شعب الإيمان للبيهقي عن طاوس أنه قال في الذي يلوي العمامة على رأسها ولا يجعلها تحت ذقنه: "هي عمة الشيطان". بل يعزى للمرفوع: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط" وفسر التلحي بجعل العمامة تحت الحنك، والآخر وهو بقاف ثم ثمناة مكسورة بعدها عين مهملة ثم ألف ثم طاء مهملة بالعمامة لا يجعل منها شيء تحت الذقن، ويقال للعمامة المقطعة. وقال الزمخشري: المقطعة فالمقطعة ما تعصب به رأسك. وكذا كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وسدل طرفها بين كتفيه وكره عدم إدخار المعتم تحت ذقنه منهما شيء لمخالفته فعل السلف الصالح وقال: إنه م القبط إلا أن تكون العمامة قصيرة لا تبلغ. وقد نظر مجاهد إلى رجل قد اعتم ولم يحنك فقال: اقتعاط كاقتعاط الشيطان، تلك عمامة الشيطان وعمائم قوم لوط

والمؤتفكات .. وكان الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة يرى الكراهة في العمائم التي لا تحتنك فيها ولا عذبة معًا وأن فعل إحداهما تخرج من الكراهة وفعلهما معًا هو الكمال في امتثال السنة. وقد قال ابن الأثير: وفي حديث: كان يمسح على الخف والخمار، أراد بالخمار العمامة لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك لا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالخفين غير أن يحتاج إلى مسح قليل من الرأس ثم يمسح على العمامة بدل الاستيعاب .. انتهى. وفيه إشعار بعدم المداومة على إدارتها تحت الحنك، والتحنيك صنيع أكثر وكثير من المغاربة وربما ضُم إليه العذبة من الفريقين، نعم أكثر عرب أهل الحجاز سيما الأشراف على جمعهما. وأما العذبة، فهي شعار القضاء غالبًا، وربما يفعلها غيرهم سيما الصوفية، وهي كما ثبت سنة إلا أن يقصد التمشيخ ونحوه فإنها والحالة هذه حرام فإن علم استهزاء الناس بالسنة وهو مخلص ففي تجنبها نظر. وكذا عندي توقف في قول شيخنا ابن الهمام في المسايرة أن من استفتح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه كفر، والحق أنه مع كون كل من التحنك والعذبة سنة لا كراهة في تركها. إذا علم هذا فيقع السؤار كثيرًا عن طول عمامته صلى الله عليه وسلم ومقدارها وقد قال لنا شيخنا: إنه لا يحضرني فيه قدر محدد. نعم الحديث الماضي في

كونه يدير كور عمامته على رأسه يستفاد منه صفة التعميم وإن لم يذكر الحافظ. وفي كلام ابن الحاج في المدخل: أن العمامة سبعة أذرع ونحوها. منها التلحية والعذبة والباقي عمامة على ما نقله الطبري، وعند القطب الحلبي مما أضافه لأبي هريرة: "ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمعة قط إلا وهو معتم، وإن كان في إزار ورداء وإن لم تكن عنده عمامة، وصل الخرقة بعضها ببعض ويرسلها بين كتفيه ويديرها ويغرزها وراءها" انتهى. ولابن عدي بسند ضعيف جدًا عن علي: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة يوم الجمعة". وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. أخرجه الترمذي في الشمائل. وهو عند البخاري بلفظ: "صعد المنبر رأيته بعصابة دسماء". والعصابة العمامة والدسماء السوداء. وعن جابر: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء" أخرجه مسلم والأربعة. وعن ابن عمر مثله. أخرجه ابن ماجه.

وعن أنس رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة قطرية بكسر القاف ثم مهملة نسبة لقرية من قبل البحرين، أخرجه أبو داود وابن ماجه، وكذا كانت عليه عمامة تسمى السحاب. سميت بذلك تشبيهًا بسحاب المطر لا لسحابة في الهواء، كساها عليًا. ورأيت من نسب لعائشة أن عمامته صلى الله عليه وسلم كانت في السفر بيضاء، والحضر سوداء من صوف وكل منهما في سبعة أذرع، في عرض ذراع، وكانت العذبة في السفر من غيرها وفي الحضر منها. وهذا ما علمناه. وفي كتاب «العمامة» للحافظ أبي موسى المديني والباب الأربعين من ... من ذلك جملة وكذا في اللباس من شرح الترمذي للعراقي، وكذا لابن الحاج في «المدخل».

§1/1