الآيات الكونية دراسة عقدية

عبد المجيد بن محمد الوعلان

المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين بالرياض قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة الدراسات العليا الآيات الكونية، دراسة عقدية رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة إعداد الطالب/ عبد المجيد بن محمد الوعلان إشراف د/ عبد الكريم بن محمد الحميدي الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة العام الجامعي 1432 - 1433

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

المقدمة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (¬1)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن التفكر في مخلوقات الله وآياته العظيمة، وما يحدثه الله -عز وجل- في هذا الكون، علويه وسفليه، من ليل ونهار، ورياح وأمطار، ورعد وبرق، وخسوف وكسوف، وزلازل وبراكين، وفيضانات وسيول وغير ذلك، كل ذلك بتصريف من الله وحده -عز وجل- عظهٌ واعتبار لمن اعتبر. وهذا التفكر يدل على أن هذا الكون له خالق مالك متصرف، مستحق للعبادة وحده، فهو سبحانه يظهر آياته الكونية للناس ليستدلوا بها على أنه هو المستحق للعبادة وحده، وأن كل ما سواه هو الباطل الذي يضمحل ويفنى، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬2)، قال ابن جرير -رحمه الله-: " هذا الذي أخبرتك يا محمد أن الله فعله من إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وغير ذلك من عظيم قُدرته، إنما فعله بأنه الله حقا، دون ما يدعوه هؤلاء المشركون به، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، ولا تصلح الألوهة إلا لمن فعل ذلك بقُدرته" (¬3). قال القاسمي (¬4) -رحمه الله-: " {ذَلِكَ} إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم وشمول القدرة ¬

_ (¬1) الأنعام: 1. (¬2) لقمان: 30. (¬3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بتفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1: 21/ 96، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير، تقديم يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، ط2: 2/ 570. (¬4) هو جمال الدين (أو محمد جمال الدين) بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق المعروف بجمال الدين القاسمي، علامة الشام، له مصنفات كثيرة، منها: دلائل التوحيد، والفتوى في الإسلام، نقد النصائح الكافية، وموعظة المؤمنين اختصر به إحياء علوم الدين للغزالي، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد، وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ومحاسن التأويل في تفسير القرآن الكريم، توفي عام 1332هـ. انظر: الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط15: 2/ 135.

وعجائب الصنع واختصاص البارئ بها، {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} بسبب أن الحق، وجوده وإلهيته" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2) -رحمه الله- فيما يحصل به اليقين وأنواع الفكر والاعتبار: "وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء: أحدها: تدبر القرآن، والثاني: تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآفاق التي تبين أنه حق، والثالث: العمل بموجب العلم، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (¬3) ... فبين سبحانه أنه يرُي الآيات المشهودة ليبين صدق الآيات المسموعة مع أن شهادته بالآيات المسموعة كافية" (¬4). والقرآن لم يذكر هذه الآيات الكونية على أنها مقصودة لذاتها؛ ولكنها دعوة عملية للإيمان بالله من منطلق أن كل ما نشاهده في هذا الكون فهو خاضع للنظام الدقيق وللعناية الفائقة، ولرحمة الرحمن بعباده. ¬

_ (¬1) محاسن التأويل للقاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت: 5/ 481. (¬2) هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، الإمام العالم العلامة الفقيه، القدوة، وله المصنفات العظيمة، منها: منهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، والتدمرية، والواسطية، وغيرها، توفي عام 728هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، دار المعرفة، بيروت: 2/ 387، والبداية والنهاية لابن كثير، تحقيق: د. عبدالله التركي، دار عالم الكتب، الرياض، ط1: 14/ 141، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، تحقيق: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، ط1: 6/ 80، والأعلام للزركلي: 1/ 144، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، جمع محمد عزير شمس وعلي العمران، دار عالم الفوائد، مكة، ط1. (¬3) فصلت: 53. (¬4) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ: عبد الرحمن بن قاسم، دار عالم الكتب، الرياض، 1412: 3/ 331 - 332.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر بعض الآيات الكونية، ثم يذكر بعدها تقرير التوحيد ونفي الشرك وإثبات البعث وغير ذلك من مسائل العقيدة، فكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وملة أبينا إبراهيم، حنيفا مسلما وما كان من المشركين» (¬1). وقد كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- هديه الواضح تجاه هذه الآيات الكونية، وبيان ما يقع من الناس فيها من مخالفات، تنقص من إيمان العبد أو تزيله، ومن ذلك أنه لما حصل الخسوف في زمنه -عليه الصلاة والسلام- بين أن «الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته» الحديث (¬2). فبين أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، ونفى ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أنهما ينخسفان لموت أحد أو حياته، ثم بين سبب حصول هذا الخسوف- بالإضافة إلى الأسباب الحسية - وهو غيرة الله أن تنتهك محارمه، ثم بين أنه -صلى الله عليه وسلم- يعلم - بما أعلمه الله - من الأمور العظيمة التي لا يعلمونها، وهذا من أدلة نبوته. ومن أجل إيضاح هذه الدلائل والمسائل العقدية المتعلقة بالآيات الكونية، وبيان ما حصل من الناس من المخالفات العقدية التي تقعُ عند حدوثها، وحيث أن أغلب من تكلم عن هذا الموضوع تكلم من جهة تعلق هذه الآيات بتوحيد الربوبية أو إثبات الرسالة أو البعث، وقلّ من تكلم عنها من جهة تعلقها بمسائل العقيدة الأخرى كتوحيد الألوهية والأسماء والصفات، والإيمان بالغيب، والكتب والرسل، والقدر والفطرة، ومسائل الأسماء والأحكام، والنهي عن مشابهة المشركين ونحو ذلك، رغبت أن يكون بحثي لمرحلة الماجستير في العقيدة والمذاهب ¬

_ (¬1) المسند للإمام أحمد، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1: 24/ 77، برقم (15360)، وقال محققه: إسناده على شرط الشيخين، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، تحقيق: د. فاروق حمادة، دار الكلم الطيب، دمشق، ط1: 1/ 138، برقم (1 و 3)، وعزاه النووي لابن السني وصححه، انظر: كتاب الأذكار للنووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الهدى، الرياض، ط7،: 125، وقال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، تحقيق: حمدي السلفي، دار ابن كثير، دمشق، ط1: 2/ 401، حديث حسن، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1: 6/ 1230. (¬2) صحيح البخاري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، دار بيت الأفكار الدولية، الرياض: كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف: 207، برقم (1044).

المعاصرة - بعد الاستشارة والاستخارة- بعنوان: "الآيات الكونية - دراسة عقدية".

أهمية الموضوع وأسباب اختياره

أهمية الموضوع وأسباب اختياره: 1 - بيان كمال قدرة الله وحكمته -عز وجل- في هذا الكون. 2 - بيان منهج القرآن، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- تجاه الآيات الكونية. 3 - كثرة الأدلة في الموضوع وتنوعها، مع أنه لم يُنبه في أغلب الكتابة عنها إلا فيما يتعلق بتوحيد الربوبية وإثبات الرسالة والبعث. 4 - كثرة الحوادث وتنوعها في هذا الزمن، مع غفلة الناس عنها وعن الاعتبار بها؛ بل والوقوع في المخالفات العقدية فيها. 5 - اختلاف الناس في التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة النبوية، مع وجود بعض المخالفات العقدية في ذلك. 6 - أنه لم يسبق أن أفرد الموضوع بدراسة مستقلة وافية - حسب علمي -. أهداف البحث: 1 - جمع الآيات الكونية الواردة في النصوص الشرعية مع بيان المنهج الشرعي تجاهها، وبيان المخالفات العقدية التي تقع في ذلك. 2 - بيان الموقف العقدي الصحيح من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة النبوية. أسئلة البحث: السؤال الأول: ما المراد بالآيات الكونية؟ السؤال الثاني: ما علاقة توحيد الربوبية بتوحيد الألوهية؟ السؤال الثالث: ما الدلائل والمسائل العقدية المتعلقة بالآيات الكونية؟ السؤال الرابع: ما المخالفات العقدية الواقعة عند حدوث بعض الآيات الكونية؟

الدراسات السابقة

السؤال الخامس: هل العلم بالأسباب ينافي كون الشيء آية من آيات الله؟ السؤال السادس: ما الموقف العقدي الصحيح من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة النبوية؟ السؤال السابع: ما الهدي القرآني والنبوي في الاستفادة من الآيات الكونية في تقرير العقيدة؟ الدراسات السابقة: لم يتناول أحد بالبحث - حسب علمي وبعد السؤال - الدلائل والمسائل العقدية المتعلقة بالآيات الكونية على وجه التفصيل، وأغلب من كتب حول هذا الموضوع كان التركيز في ذلك على جانب توحيد الربوبية والبعث، وتقرير النبوة بإثبات معجزة القرآن والسنة من جهة إخبارها ببعض ما يتعلق بالإعجاز العلمي؛ لكن ثم رسائل تناولت الموضوع ولكن من جوانب أخرى حديثية أو دعوية، بالإضافة إلى بعض الرسائل التي تناولت بعض جوانب البحث ولكنها في جزئية معينة منه، أو تكلمت عن مبحث من مباحثه. ومن تلك الدراسات: 1 - "منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية"، المقدمة من الباحثة: ليلى بنت صالح بن علي الزامل، لنيل درجة الدكتوراه في تفسير وعلوم القرآن من قسم الدراسات الإسلامية، بكلية التربية للبنات بجدة عام 1420. وقد تطرقت الباحثة إلى أسلوب القرآن في عرض الظواهر الكونية، وخصائص هذه الظواهر في القرآن وخضوعها وعبوديتها لله، وأهداف منهج القرآن في عرضها ودلالة ذلك على الربوبية والملك لله والحكمة، وعلى البعث، ولم تتطرق الباحثة إلى المسائل العقدية الأخرى. 2 - "الفلك وعلاقته بالعقيدة في الكتاب والسنة"، المقدمة من الباحث: عبد الله بن محمد بن سعيد الأنصاري، متطلب تكميلي لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمركز الدراسات العليا المسائية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1411. وموضوع البحث يتحدث عن علم الفلك وموضوعه ونموه خلال تاريخ الحضارات، وما

يتعلق بذلك من اعتقادات فاسدة. ومقارنة بين ما جاء في القرآن والسنة عن تفسير ومراحل خلق السماوات والأرض وبين أرجح النظريات العلمية المعاصرة. وتفسير حركة الأجرام السماوية في القرآن الكريم وعلم الفلك المعاصر. ثم تحدث الباحث عن التنجيم قديماً وحديثاً، وعلاقته بالعلم وموقف العقل والدين منه. وختم البحث بالحديث عن الفلك والتوحيد من جهة الربوبية وبعض الأسماء والصفات، وبين حكمة الله وعلمه وقدرته، وأن الله وحده هو الخالق المدبر النافع الضار. وبين أن بعض ما انتهى إليه علم الفلك الحديث من أهم دلائل الآفاق المثبتة لوحدانية الله، والموجبة لإفراده بالخلق والتدبير والعبادة. والملاحظات على البحث: أن الباحث لم يذكر الآيات الكونية إلا ما يتعلق بالفلك والنجوم، ولم يذكر المسائل المتعلقة بالآيات الكونية الأخرى. كما أنه ذكر المخالفات العقدية من جهة اعتقاد الفلاسفة والوثنين، ولم يذكر المخالفات من غيرهم. 3 - "الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان، والأرض، والفلك، جمع وتخريج ودراسة"، المقدمة من الباحث: أحمد بن حسن بن أحمد الحارثي، لنيل درجة الماجستير من قسم فقه السنة ومصادرها بكلية الحديث والدراسات الإسلامية، بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، عام 1413. والرسالة كما يظهر من عنوانها تتعلق بالجوانب الحديثية وليس لها علاقة مباشرة بموضوع البحث. 4 - " آيات التخويف الكونية وأثرها في الدعوة إلى الله"، المقدمة من الباحث: جمعان بن عبد الله بن سرور الغامدي، لنيل درجة الماجستير من قسم الدعوة والاحتساب في المعهد العالي للدعوة الإسلامية، عام 1407، والرسالة كما يظهر من عنوانها تتعلق بالجوانب الدعوية وليس لها علاقة بموضوع البحث. 5 - " دراسات فلسفية وإسلامية في الآيات الكونية"، تأليف عبد الباري بن محمد داود،

وقد ذكر المؤلف أن موضوع كتابه هو: "الحياة الروحية في الآيات الكونية"، ولذا اعتنى بجانب الحياة الروحية في الإسلام، وعند الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين من بعده. وذكر العلاقة بين الخالق والمخلوق، وأثر التدبر في الكون على الحياة الروحية، وما يدعو إليه هذا التدبر من الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن الله تعالى عالم الغيب والشهادة. ولذلك فإنه لم يف بكافة جوانب البحث، ولم يتطرق إلى جوانب العقيدة الأخرى، ولم يربط الآيات الكونية بالمسائل العقدية، ولم يذكر المخالفات العقدية فيها. 6 - الدلالات العقدية للماء في القرآن الكريم للدكتور محمد بن عبد الله السحيم ضمن مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء العدد (98)، وهو في صلب الموضوع؛ لكنه لم ينتاول في بحثه إلا الماء.

خطة البحث: يشتمل البحث على مقدمة وثمانية فصول وخاتمة. المقدمة تشتمل على: - أهمية الموضوع وأسباب اختياره. - أهداف البحث. - أسئلة البحث. - الدراسات السابقة. - خطة البحث. - منهج البحث. الفصل الأول: المنهج الشرعي تجاه الآيات الكونية. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: المراد بالآيات الكونية. المبحث الثاني: أنواع الآيات الكونية. المبحث الثالث: نبذة عن جهود السلف في العناية بالآيات الكونية ودلالتها العقدية. المبحث الرابع: الضوابط الشرعية تجاه الآيات الكونية. الفصل الثاني: التفكر في الآيات الكونية وأهميته والهدي القرآني والنبوي تجاهها. وفيه مبحثان: المبحث الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية، وأهميته. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثالث: الحكمة من الآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة.

المطلب الخامس: عبودية الكائنات لرب العالمين. المبحث الثاني: الهدي القرآني والنبوي تجاه الآيات الكونية. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية. المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية. المطلب الثالث: تأييد الله لأنبيائه بالآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وأركان الإسلام. الفصل الثالث: التفسير العلمي للآيات الكونية، والدراسات المستقبلية عنها وصلتها بالعقيدة. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: المراد بالتفسير العلمي. المطلب الثاني: موقف العلماء من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. المطلب الثالث: موافقة الحقائق العلمية للقرآن والسنة. المطلب الرابع: المخالفات العقدية في التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. المبحث الثاني: مسائل متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. وفيه مطلبان: المطلب الأول: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث. المطلب الثاني: المقصد من إشارة القرآن لبعض الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية.

المبحث الثالث: الآيات الكونية المستقبلية والدراسات حولها وصلتها بالعقيدة. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية. المطلب الثاني: صلة هذه الدراسات بالعقيدة. المطلب الثالث: المخالفات العقدية في الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية. الفصل الرابع: الأسباب، وصلتها بالآيات الكونية. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: أنواع الأسباب. المبحث الثاني: منزلة الأسباب في الشريعة. المبحث الثالث: صلة الأسباب بالآيات الكونية. المبحث الرابع: العلم بوقت حدوث هذه الآيات الكونية وأسبابها الحسية لا ينافي كونها آية من آيات الله. الفصل الخامس: الآيات الكونية السماوية ودلالتها العقدية. وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: السماء. المبحث الثاني: الشمس. المبحث الثالث: القمر. المبحث الرابع: النجم. المبحث الخامس: الرعد والبرق والصواعق. المبحث السادس: المطر والثلج والبرد. المبحث السابع: الريح والرياح. الفصل السادس: الآيات الكونية الأرضية ودلالتها العقدية.

وفيه تسعة مباحث: المبحث الأول: حركة الأرض. المبحث الثاني: الجبال. المبحث الثالث: الزلازل والخسوف والبراكين. المبحث الرابع: البحار والأنهار. المبحث الخامس: الليل والنهار. المبحث السادس: الحياة والموت. المبحث السابع: النوم. المبحث الثامن: النبات. المبحث التاسع: الأمراض. الفصل السابع: الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة. وفيه مبحثان: المبحث الأول: الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الصغرى. وفيه سبعة مطالب: المطلب الأول: الطاعون. المطلب الثاني: ظهور نار الحجاز. المطلب الثالث: كثرة الزلازل. المطلب الرابع: ظهور الخسف. المطلب الخامس: انتفاخ الأهلة. المطلب السادس: عود أرض العرب مروجاً وأنهارا. المطلب السابع: كثرة المطر وقلة النبات. المبحث الثاني: الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الكبرى. وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: ما يكون مع المسيح الدجال - بإذن الله -.

المطلب الثاني: الخسوف الثلاثة. المطلب الثالث: الدخان. المطلب الرابع: طلوع الشمس من مغربها. المطلب الخامس: النار التي تحشر الناس. المطلب السادس: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين. الفصل الثامن: الآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة. وفيه مبحثان: المبحث الأول: الآيات الكونية السماوية. المبحث الثاني: الآيات الكونية الأرضية. الخاتمة: وفيها ذكر أبرز النتائج. الفهارس (¬1). ¬

_ (¬1) وقد حذفتها عند الطباعة اختصارا، واكتفيت بفهرس المراجع والموضوعات.

منهج البحث

منهج البحث: فقد سلكت في هذا البحث المنهج الاستقرائي التحليلي النقدي، وفق الآتي: 1 - أجمع كل ما يتعلق بالآيات الكونية، وذلك من خلال أدلة الكتاب والسنة، مع تمييز الأحاديث الواردة فيها صحةً وضعفاً. 2 - أذكر أهمية هذه الآيات وعبوديتها، وما تضمنته من دلائل عقدية، والمنهج الشرعي تجاهها. 3 - أذكر التفسير العلمي للآيات الكونية، والدراسات المستقبلية فيما يتعلق بأشراط الساعة الصغرى والكبرى ويوم القيامة وصلتها بالعقيدة، مع نقل كلام الأئمة عليها، والدلائل والمسائل العقدية المتعلقة بها. 4 - أبين المخالفات العقدية المتعلقة بالآيات الكونية. 5 - أعزو الآيات إلى مواضعها في القرآن الكريم. 6 - أخرج الأحاديث الواردة في البحث من مصادرها، وأنقل الحكم عليها من كلام أهل العلم؛ إلا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بالعزو إليهما لتلقي الأمة لهما بالقبول. 7 - أوثق النصوص بعزوها إلى مصادرها. 8 - أترجم للأعلام. 9 - أعرف بالملل والنحل والفرق، وكذا الأماكن والبلدان. 10 - أعرف بالمصطلحات والألفاظ الغريبة وأضبطها بالشكل. 11 - أعمل الفهارس اللازمة.

الصعوبات التي واجهت الباحث: 1 - تداخل الموضوعات، فالسماء مثلاً تدخل في الآيات الكونية السماوية، وتدخل في الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة، والآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة. 2 - كثرة الآيات القرآنية عن الآيات الكونية، فقد بلغت حسب عدّ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة 1935 آية (¬1). 3 - كثرة الأحاديث النبوية عن الآيات الكونية، فقد بلغت حسب عدّ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة 1744 حديثا (¬2). 4 - طول الموضوع وخصوصاً في بعض الآيات الكونية، وعلى سبيل المثال فقد صدرت رسالة دكتوراه تتعلق بالسماء في القرآن الكريم فقط من إعداد: د. غالب محمد رجا الزعارير، وكذلك رسالة في الماء له أيضاً. 5 - كثرة المؤلفات المعاصرة في الإعجاز العلمي مع عدم عنايتها بموضوع البحث. 6 - كثرة المؤلفات في الإعجاز العلمي باللغات المختلفة مع عدم إجادة الباحث لها. وفي الختام: فإني أشكر الله وأحمده على ما يسر وأعان على إتمام هذا البحث، الذي أسأل الله -عز وجل- أن يكون صالحاً ولوجهه خالصاً. كما أشكر بعد شكر الله -عز وجل- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في كلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة التي أتاحت لي هذه الفرصة لمواصلة الدراسة. كما أتوجه بالشكر لفضيلة الشيخ: د. عبدالكريم بن محمد الحميدي المشرف على هذه الرسالة على ما بذله من جهد ووقت، ونصح وتوجيه، أسأل الله -عز وجل- أن يكون ذلك في ¬

_ (¬1) انظر: الآيات الكونية في القرآن الكريم من إعداد الهيئة العالمية للإعجاز العلمي بمكة المكرمة، مطبوع بالحاسب الآلي. (¬2) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية، إعداد الشيخ: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف، والشيخ: إسماعيل القرشي، مطبوع بالحاسب الآلي: 1416هـ.

ميزان حسناته. كما أشكر الأساتذة الأفاضل الذين تكرموا بقبول مناقشة الرسالة، وهما الأستاذ الدكتور سيد عبدالستار مهيوب، وفضيلة الشيخ الدكتور فهد بن سعد المقرن. وأشكر كذلك كل من ساهم ومد يد العون لي من أهل بيتي وغيرهم، وأخص منهم فضيلة الأستاذ: محمد المنصور، مدير مكتب الإعجاز العلمي بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة، وفضيلة الشيخ أبو الأشبال صغير أحمد شاغف، وفضيلة الشيخ الدكتور عبدالحفيظ الحداد الباحثان بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي بمكة المكرمة على ما قدموه لي من فهارس للآيات الكونية في القرآن والسنة. وبعد فهذا جهد المقل وأستغفر الله وأتوب إليه من الزلل والتقصير، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عبد المجيد بن محمد الوعلان 28/ 4/1434 [email protected]

الفصل الأول المنهج الشرعي تجاه الآيات الكونية

الفصل الأول المنهج الشرعي تجاه الآيات الكونية وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: المراد بالآيات الكونية. المبحث الثاني: أنواع الآيات الكونية. المبحث الثالث: نبذة عن جهود السلف في العناية بالآيات الكونية ودلالتها العقدية. المبحث الرابع: الضوابط الشرعية تجاه الآيات الكونية.

المبحث الأول المراد بالآيات الكونية

المبحث الأول المراد بالآيات الكونية

تعريف الآيات في اللغة

الآيات الكونية: هذه الكلمة تتكون من لفظتين: "الآيات"، و"الكونية". تعريف الآيات في اللغة: الآيات جمع آية، والآية: العلامة، والإمارة والجماعة، والجمع آيات وآيٌ وآيايٌ. والآية: من التنزيل ومن آيات القرآن العزيز، وسميت بذلك لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام ويفضي منها إلى غيرها، وقيل سميت بذلك لأنها جماعة من الحروف، وآيات الله عجائبه (¬1). والآية كذلك العبرة والعبر، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} (¬2) أي أمور وعبر مختلفة. وتطلق الآية على المعجزة (¬3)، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (¬4). والآية في القرآن تطلق على معنيين: الأول: إطلاق الآية على الشرعية الدينية، كآيات هذا القرآن العظيم، ومنه قوله تعالى: ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 12/ 187، قال الكرماني: ما جاء في القرآن من"الآيات" فلجمع الدلائل، وما جاء من"الآية" فلوحدانية المدلول عليه. البرهان في توجيه متشابه القرآن، تحقيق: أحمد عز الدين خلف الله، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط1: 240، وانظر: درة التنزيل وغرة التأويل للإسكافي، معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، ط1: 2/ 820 - 825. (¬2) يوسف: 7. (¬3) لسان العرب، لابن منظور، تحقيق: عبد الله الكبير وآخرون، دار المعارف: 1/ 185، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، تحقيق: الشيخ يوسف البقاعي، دار الفكر، بيروت، 1415: 1/ 628، والمعجم الوسيط، قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وآخرون، مجمع اللغة العربية،1380: 1/ 35، وتاج العروس من جواهر القاموس لمحمد بن الزبيدي، تحقيق: مجموعة من المحققين، وزارة الأوقاف الكويتية: 37/ 122. (¬4) المؤمنون: 50.

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (¬1). الثاني: إطلاق الآية على الآية الكونية القدرية (¬2)، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬3)، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬4). وأضاف بعضهم إطلاق ثالث وهو: إطلاق الآية على المعجزات التي يؤتيها الله رسله لإثبات صدق بلاغهم عن الله، مثل انشقاق البحر لموسى -عليه السلام-، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى -بإذن الله- لعيسى -عليه السلام- (¬5)، قال تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬6). وهذه المعجزات لا تخرج عن كونها آيات كونية قدرية. ¬

_ (¬1) البقرة: 252. (¬2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعلامة محمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1415: 7/ 339، وانظر: مجموع الفتاوى: 11/ 322 - 323. (¬3) آل عمران: 190. (¬4) فصلت: 37. (¬5) تفسير الشعراوي: 8/ 4755، 9/ 5747. (¬6) آل عمران: 49.

تعريف الكون في اللغة

تعريف الكون في اللغة: الكون: الكاف والواو النون أصل يدل على الإخبار عن حدوث شيء، إما في زمان ماض، أو زمان راهن، يقولون كان الشيء يكون كونا إذا وقع وحضر. والكَون: الحدَث وقد كان كوَنا وكيْنُونِة، والكائنة الحادِثة، والتَّكوُّن التحرك، تقول العرب لمن تشنؤه: لا كان ولا تكوَّن؛ لا كان: لا خُلق، ولا تكوّن: لا تحرك، أي مات، والكائنة: الأمر الحادث. وكوَّنه فتكوَّن: أحدثه فحدث، وكوّن الشيء: أحدثه. والله مكوِّن الأشياء يخرجها من العدم إلى الوجود، والكَوْن: واحد الأكْوان (¬1). وكوّن الشيء: ركبه بالتأليف بين أجزائه. والكون: الوجود المطلق العام، واسم لما يحدث دفعة كحدوث النور عقب الظلام مباشرة، وإن كان الحدث بالتدريج فهو الحركة، والكونان: الدنيا والآخرة (¬2). ويستعمل مصطلح الكون في الفيزياء، وفي الفلك ليشير إلى كل شيء موجود، من أصغر الذرات إلى أكثر الأجرام الفلكية بعدًا (¬3). ويطلق مسمى الكون اليوم على هذا الفضاء الواسع وما به من أجرام، كالسماوات والأرض وما فيهن وما بين ذلك من كل متحرك وساكن مما علمه الإنسان وما جهله (¬4). المراد بالآيات الكونية: ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 148، ولسان العرب: 5/ 3959 - 3963، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، تحقيق: علي حسن هلالي وآخرون: 10/ 375 - 376. (¬2) المعجم الوسيط: 2/ 812، والمعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة: 545. (¬3) الموسوعة العربية العالمية، إعداد مجموعة من الباحثين، مؤسسة أعمال المؤسسة للنشر والتوزيع، ط2: 20/ 285. (¬4) الأجزاء الكونية بين النقل والعقل لعبد العزيز آل عبد الله، مكتبة دار البيان، ط1: 77. وانظر: الموسوعة الفلكية لفايجرت، وتسمرمان، ترجمة: عبد القوي عياد، ومحمد جمال الدين الفندي: 329، 404.

يتبين لنا مما سبق أن المراد بالآيات الكونية: أنها المنسوبة إلى الكون الذي هو الخلق الذي كونه الله تعالى فكان، وذلك السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات (¬1)، فكل المخلوقات ذواتها، وصفاتها، وأحوالها من الآيات الكونية (¬2). وهي العجائب - أي السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما- التي في الكون، ويسميها الله سبحانه آيات (¬3)، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬4)، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬5). وهذه الآيات الكونية هي مناط الاستدلال العقلي على وجود الإله (¬6)، وعلى أن خالقها هو الرب المعبود وحده (¬7)، وعلى ما له من حكمة، ورحمة، وقدرة ... (¬8). والعلم الذي يعنى بدراسة الآيات الكونية الآن يسمى: علم الكونيات، وهو دراسة تركيب الكون وتطوره وحركته في علم الفلك والفيزياء الفلكية. وهذه الدراسة تحاول أن تشرح كيفية نشوء الكون، وماذا حدث له في الماضي وماذا يمكن أن يحدث له في المستقبل (¬9). ¬

_ (¬1) أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، ط1: 1/ 141. (¬2) تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة للشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 2/ 360. (¬3) تفسير الشعراوي: 10/ 5596. (¬4) فصلت: 37. (¬5) الروم: 21. (¬6) المرجع السابق: 1/ 4033، وانظر: النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د. عبد العزيز الطويان، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 2/ 777. (¬7) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 7/ 339. (¬8) تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة لابن عثيمين: 2/ 360. (¬9) الموسوعة العربية العالمية: 20/ 315 - 316.

المبحث الثاني أنواع الآيات الكونية

المبحث الثاني أنواع الآيات الكونية

الآيات الكونية تتنوع وتنقسم باعتبارات مختلفة، فمن ذلك: أولاً: من حيث العينية، فتنقسم إلى نوعين: النوع الأول: أن تكون من الأعيان، كالشمس والقمر والنجوم والأرض والجبال ... فهذه أعيان ظاهرة. النوع الثاني: أن تكون من الأعراض (¬1) التي تقوم بغيرها - وتسمى الظواهر الكونية-، كالخسوف والكسوف والزلازل والشهب والنوم (¬2). ثانياً: من حيث التكرار والوقت، فتنقسم إلى نوعين: النوع الأول: آيات متكررة، وتتنوع في أوقاتها، ومنها: 1 - آيات يومية: مثل طلوع الشمس والقمر والليل والنهار. 2 - آيات موسمية أو فصلية: كتغير الأجواء والفصول الأربعة والأمطار في الغالب. 3 - آيات ليس لها وقت منتظم يعرفه الناس دون استدلال ونظر: كالخسوف والكسوف والزلازل. النوع الثاني: آيات غير متكررة: وهي التي لا تكون إلا في آخر الزمان: كطلوع الشمس من مغربها، وما يحدث للسماء والأرض عند قيام الساعة. ثالثاً: باعتبار من تقع عليه، فتنقسم إلى نوعين: ¬

_ (¬1) العرَض: بالتحريك هو الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع أي محل يقوم به، انظر: التعريفات للجرجاني، تحقيق: محمد المرعشلي، دار النفائس، ط2: 225، والكليات لأبي البقاء أيوب الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2: 625. (¬2) انظر: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات لزكريا بن محمد القزويني، بعناية سوزان مبارك، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006: 13.

النوع الأول: الآيات النفسية: وهي ما يظهره الله من علامات وآثار قدرته في ذوات وأجسام الإنسان من حواس وقوى، وقدرات عقلية وجسمية، وما يصابون به من شر أو خير، ومن نعمة أو نقمة: كالنوم والمرض. النوع الثاني: الآيات الآفقية (¬1): وهي ما يظهره الله من علامات قدرته في الأشياء الخارجية، أي الأشياء المحسوسة في أقطار السماوات والأرض (¬2). رابعاً: باعتبار مكان وقوعها، فتنقسم إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: الأرض وما فيها وما هو متصل بها. النوع الثاني: ما نراه فوقنا من هذه المنطقة الفضائية بما فيها من أجرام مضيئة وغير مضيئة. النوع الثالث: السماوات العلى بما فيها وما فوقها من الكرسي والعرش (¬3). ومنهم من قسمها باعتبار مكان وقوعها، إلى نوعين: النوع الأول: العلويات: ويقصد به ما يتعلق بالسماء وأبراجها والكواكب ومداراتها، والشمس والقمر وما يتصل بذلك من علم الفلك. النوع الثاني: السفليات: وهي ما دون الأفلاك العلوية من النار والهواء والماء والتراب والرياح والسحاب والأرض والجبال والأشجار والبحار والأنهار والحجار والحيوانات والإنسان والنبات والطيور (¬4). ¬

_ (¬1) الآفاق: جمع أفق وهو الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها، أو ما ظهر من نواحي الفلك وآطراف الأرض. انظر: لسان العرب: 1/ 96، والقاموس المحيط: 778. (¬2) تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس: 25/ 18، والتفسير الوسيط، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط2: 3/ 2321. (¬3) الأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 9 - 10. (¬4) انظر: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 20، 89.

خامساً: من حيث الظهور والاختفاء، فتنقسم إلى نوعين: النوع الأول: آيات منتظمة الظهور والاختفاء، مثل الشمس والقمر والليل والنهار. النوع الثاني: آيات لا تختفي أبداً، مثل السماوات والأرض والجبال والبحار. سادساً: من حيث الدلالة فتنقسم إلى نوعين: النوع الأول: نوع يوضح الحكمة الإلهية والسنن الحكيمة في إيجاد الخلق وإنشاء الحوادث. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬1)، وقال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (¬2)، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬3). النوع الثاني: يتحدث عن المخلوقات ويصف نظام إيجادها الحكيم وأحوالها وفقاً لأحكام سنته، وتنفيذاً لإرادته ومشيئته ويصف ما فيها من رحمات ونعم للعباد (¬4). قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬5)، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬6)، وقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ ¬

_ (¬1) الحجر: 85. (¬2) طه: 50. (¬3) يونس: 5. (¬4) التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن، لحنفي أحمد، دار المعارف، مصر، ط 35: 3. (¬5) آل عمران: 190. (¬6) الطلاق: 12.

أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (¬1). سابعاً: من حيث الاستدلال لها فتنقسم إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: حسي، لا يحتاج إلى نظر واستدلال، ولا إلى دليل شرعي، كطلوع الشمس من مشرقها وحرارتها. النوع الثاني: نظري، يحتاج إلى نظر واستدلال (¬2)، كمعرفة وقت الكسوف والخسوف. النوع الثالث: غيبي، لا يمكن معرفته إلا من طريق النصوص الشرعية، كطلوع الشمس من مغربها، وسجودها تحت العرش، وما يحدث للكون في آخر الزمان (¬3). ¬

_ (¬1) عبس: 17 - 22. (¬2) انظر: الأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 15، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 6. (¬3) عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 19.

المبحث الثالث نبذة عن جهود السلف في العناية بالآيات الكونية ودلالتها العقدية

المبحث الثالث نبذة عن جهود السلف في العناية بالآيات الكونية ودلالتها العقدية

"لقد وفىّ علماء الإسلام الأجلاء المتقدمون منهم والمتأخرون، آيات الكتاب العزيز وسنة رسوله الكريم حقهما من التفسير والشرح والإيضاح والاستنباط، وصنفوا في ذلك كثيراً من المؤلفات الواسعة والمراجع القيمة في العقائد والتفسير والحديث والفقه وغيرها، وفسروا الآيات الكونية على مقتضى ما جاءت به الشريعة ووفق أصول اللغة وغريبها، وعلى قدر ما توافر لديهم من طرق العلم وأساليب البحث في الكائنات، وقد وفقوا فوصلوا إلى نتائج مشكورة لها قيمتها في الاستدلال على أصول العقائد" (¬1)، وخصوصاً ما يتعلق بالربوبية والبعث والنبوة. واعتنوا بالآيات الكونية ودلالتها العقدية وبيان المخالفات العقدية المتعلقة بها سواء كانت ممن هم قبل الإسلام، كأهل الجاهلية والوثنيين والفلاسفة، أو ممن جاء بعده من أهله وغيرهم. وتنوعت طرائقهم في التأليف والتصنيف في ذلك (¬2) بين تأليف وتصانيف مستقلة، وبين تضمين لهذه المسائل في الكتب، سواء كتب التفسير أو الحديث وشروحه أو العقائد؛ بل حتى في كتب اللغة والتاريخ والبلدان والأماكن وغير ذلك، عند ذكر تعريف الآية أو مكانها أو تاريخها، تذكر هذه الآية وبعض ما يتعلق بها من دلائل ومسائل عقدية، مع بيان ما وقع فيها من مخالفات. ففي كتب التفسير عند تفسير الآيات القرآنية التي تتحدث عن الآيات الكونية تذكر الآية الكونية وما ورد فيها من نصوص، وما تدل عليه من دلائل ومسائل عقدية، ويحذر مما وقع فيها من مخالفات واعتقادات باطلة ويرد على المخالفين فيها (¬3). أما في كتب الحديث فلهم طرائق منها: جمع الأحاديث الواردة في آية أو عدة آيات ¬

_ (¬1) التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن: 36. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 207، ومعجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي وبيان ما ألف فيها لعبد الله بن محمد الحبشي، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ط1: 1/ 24، 26، 28، 75، 175، 203، 332، 409، 632، 2/ 681، 703، 776، 803، 943، 1038، 1167، 1314. (¬3) انظر: تفسير الطبري: 1/ 221 - 224، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تحقيق: أحمد البردوني: 1/ 255 - 260، تفسير ابن كثير: 1/ 70 - 71.

كونية، والآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين (¬1). ومن خلال الكتب الجوامع تذكر بعض الأبواب المتعلقة بالآيات الكونية ويترجم لبعضها بما تدل عليه هذه الآية، مثل ما صنع البخاري -رحمه الله- في صحيحه: كتاب بدء الخلق، ثم ذكر تحته عدة أبواب منها (¬2): باب ما جاء في سبع أرضين، باب في النجوم، باب صفة الشمس والقمر، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (¬3). وأما شراح الحديث فإنهم يذكرون ما يتعلق بالآية الكونية من دلائل ومسائل عقدية والمخالفات الواقعة فيها والرد على ذلك عند شرحهم للحديث. وفي كتب العقيدة تذكر الآيات الكونية، ويستدل بها والتصرف فيها والتدبير لها على وجود الخالق وربوبيته والرد على الملاحدة، كما يستدل بها على البعث بعد الموت، وعلى نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته، ويبين من خلال الآيات الكونية ما يجب على المسلم اعتقاده نحوها، ثم تذكر المخالفات العقدية الواقعة فيها كعبادة النجوم والتنجيم (¬4). وفي كتب التاريخ المطولة يفتتحون كتبهم بالكلام على ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما، وما فيها من الآيات (¬5). بل منهم من صنف في بيان عقيدة المسلمين في آية من آيات الله الكونية، ثم بين العقائد الباطلة المتعلقة بها من الفلاسفة والمشركين وغيرهم ممن ينتسب إلى الإسلام، والرد عليهم في ¬

_ (¬1) انظر: كتاب المطر والرعد والبرق والريح لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد العمودي، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. (¬2) انظر: صحيح البخاري: 613 - 616. (¬3) الأعراف: 57. (¬4) انظر: كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق: رضاء المباركفوري، دار العاصمة، الرياض، ط1. (¬5) انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 1/ 11 - 88.

ذلك (¬1). بالإضافة إلى التصانيف المنوعة للحث على التفكر في هذه الآيات الكونية وتفاصيل وعجائب صنع الله فيها ثم بيان دلالتها على صفات الله (¬2)، وما وقع فيها من مخالفات وبدع (¬3). أما التوسع والتعمق في الآيات الكونية وهذه العلوم وفق ما كان يفعله الفلاسفة ونحوهم فإنه لم يكن من هدي السلف (¬4)، وإنما لما عربت كتب اليونان في بداية الدولة العباسية كان لذلك الأثر الكبير في إفساد عقائد بعض المسلمين، ومن ذلك ما يتعلق بالآيات الكونية والفلك (¬5). قال الذهبي (¬6) -رحمه الله-: " لما عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب نشأ للناس علم جديد مرْدٍ مهلكٍ لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية" (¬7)، وكان الذين يشتغلون بعلم الفلك والتأليف فيه وإنشاء المراصد الفلكية"صنفان من الناس وهم الفلاسفة والمنجمون، وكثير من المنتسبين منهم إلى الإسلام كانوا متهمين في دينهم، بل منهم من هو شر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى وسائر المشركين" (¬8). وعن هذا العلم المردي المهلك نجم الكلام في القمر وغيره من الأجرام العلوية ¬

_ (¬1) انظر: القول في علم النجوم لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق: يوسف السعيد، دار أطلس، ط1. (¬2) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن القيم، تحقيق: عصام الدين الصبابطي: 1/ 279. (¬3) انظر: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 26، 169. (¬4) انظر: نقض النظريات الكونية، لمحمد بن عبدالله الإمام، دار الآثار، صنعاء، ط1: 19 - 25. (¬5) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: 326. (¬6) هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي، المحدث، له مصنفات عديدة، منها: سير أعلام النبلاء، والعلو للعلي الغفار، والكبائر وغيرها، توفي عام 748. انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار أم القرى، القاهرة: 3/ 426، وشذرات الذهب: 6/ 153. (¬7) تذكرة الحفاظ للذهبي، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية: 1/ 328. (¬8) الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة، للشيخ حمود التويجري: 118، 183 - 184، ط1، وانظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 240.

والإخبار عما فيها بمجرد التخرصات والظنون الكاذبة (¬1). أما ما يتعلق بما يحتويه القرآن والسنة من علوم كونية، فإن الغزالي (¬2) -رحمه الله- هو أكثر من استوفى بيان احتواء القرآن على جميع العلوم، فقال: " القرآن يحوى سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم (¬3)، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع"، ثم روى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: «مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين فليتدبر القرآن» (¬4)، ثم يقول بعد ذلك كله: "وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله -عز وجل- وصفاته، وفى القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفى القرآن إشارة إلى مجامعها"، ثم يزيد على ذلك فيقول: "بل كل ما أشكل فهمه على النُظَّار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رمز ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها" (¬5). ثم لم يزل الأمر في زيادة حتى "نظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحِكَم ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 186. (¬2) هو محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، من رؤوس علماء الكلام، وكانت له عناية بالتصوف وقد غلا فيه، وأقبل في أخر عمره على الحديث، من مصنفاته: إحياء علوم الدين، والمستصفى من علم الأصول، وقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، توفي عام 505. انظر: وفيات الأعيان في أنباء أبناء الزمان لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت: 4/ 216، سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11: 19/ 322. (¬3) انظر: قانون التأويل لابن العربي، تحقيق: محمد السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2: 196. (¬4) أخرجه الطبراني في الكبير، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، 1406، بلفظ" فليثور القرآن": 9/ 135 - 136 برقم (8664 و 8665). قال الهيثمي في مجمع الزوائد، تحقيق: عبد الله الدويش، دار الفكر، بيروت، 1414: 7/ 342: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. (¬5) إحياء علوم الدين للغزالي، تحقيق: محمد خير طعمه حلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1: 1/ 368. وانظر: كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1418 - النوع الخامس والستين في العلوم المستنبطة من القرآن-: 4/ 24، وفيه يقرر أن القرآن مشتمل على كل العلوم.

الباهرة، في الليل والنهار، والشمس والقمر، ومنازله، والبروج، وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت" (¬1). ثم وُجِدت بعد ذلك كتب مستقلة في استخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم، وراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر رواجاً كبيراً بين جماعة من أهل العلم، ونتج عن ذلك مؤلفات كثيرة تعالج هذا الموضوع، كما أُلِّفت بعض التفاسير التي تسير على ضوء هذه الفكرة (¬2). حتى وصل الأمر في هذا العصر إلى إنشاء جمعيات ومؤسسات في الدول الإسلامية والغربية تعنى بذلك، وعلى سبيل المثال (¬3): 1 - الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة. 2 - لجنة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في مصر. 3 - جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في مصر. 4 - الهيئة الأردنية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة. 5 - الهيئة المغربية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة. 6 - جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بولاية كاليفورنيا. 7 - الجمعية الكندية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وغيرها. ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 4/ 26 - 28 باختصار. (¬2) انظر: التفسير والمفسرون لمحمد بن حسين الذهبي: 2/ 484 - 496. (¬3) انظر: قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين المؤيد والمعارض للدكتور زغلول راغب النجار، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، الأردن، ط1: 82 - 90.

المبحث الرابع الضوابط الشرعية تجاه الآيات الكونية

المبحث الرابع الضوابط الشرعية تجاه الآيات الكونية

للتعامل مع الآيات الكونية ضوابط شرعية يجب الالتزام بها، منها: 1 - الإيمان بجميع ما جاء في القرآن والسنة عن الآيات الكونية مما شهدناه أو غاب عنا، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مما صح به النقل (¬1)، وإن خالف نظريات العلم الظنية (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " إن علم الدين طلباً وخبراً لا ينال إلا من جهة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأما العلم بالكونيات فأسبابه متعددة، وما اختص به الرسل وورثتهم أفضل مما شركهم فيه بقية الناس" (¬3). وقال الشيخ الألباني (¬4) -رحمه الله- - في تعليقه على حديث الذباب الذي رواه البخاري في صحيحه (¬5) بعد أن بين ثبوته، ورد على من طعن في راوي الحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- -: " فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه؛ لأنهم رموا صحابيا بالبهت، وردوا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة! ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ ¬

_ (¬1) انظر: لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة المقدسي، تحقيق: بشير عيون، دار البيان، دمشق، ط2: 21. (¬2) الدين والعلم، وهل ينافي الدين العلم؟ لمصطفى الغلاييني، المكتبة العصرية، بيروت: 32. (¬3) مجموع الفتاوى: 11/ 327. (¬4) هو محمد ناصر الدين الألباني، من الأعلام البارزين وله عناية بالحديث، وله مصنفات كثيرة، منها: السلسلة الصحيحة والسلسة الضعيفة، وصحيح وضعيف السنن الأربعة، والتوسل وغيرها من الكتب، توفي عام 1420. انظر: كتاب علماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب، دار الشواف، الرياض، ط4: 1/ 287، وكتاب حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه لمحمد بن إبراهيم الشيباني، من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، وكتاب الإمام المجدد والعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني لعمر أبو بكر، دار بيت الأفكار الدولية، عمّان. (¬5) كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء: 633 برقم (3320).

إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬1)، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب؛ لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي ومع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح" (¬2). 2 - أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون. وقد بين الله ذلك أتم البيان، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (¬3)، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬4)، وقال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (¬5). 3 - أن هذه الآيات الكونية لا تخرج عن قضاء الله وقدره ولا عن مشيئته وإرادته، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (¬6)، وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (¬7). ¬

_ (¬1) النجم: 3 - 4. (¬2) السلسة الصحيحة: 1/ 95 - 101 باختصار. (¬3) الأنعام: 73. (¬4) الأحقاف: 4. (¬5) الحج: 73. (¬6) القمر: 49. (¬7) الأعلى: 1 - 3.

4 - أن كل ما ورد في النصوص الشرعية من الآيات الكونية فهو لبيان كمال قدرة الله وحكمته (¬1)، وتذكير للناس بنعم الله تعالى عليهم ليشكروه حق شكره، وليعبدوه حق عبادته (¬2). فذكر الآيات الكونية في القرآن في سياق العظة للاعتبار، وفي مورد الإرشاد للاستدلال على قدرة الخالق وحكمته في مخلوقاته، ليوجه الإنسان ببصيرته إلى خالقه، فيسبحه ويمجده ويعبده حق عبادته (¬3). ولذلك لا يجوز التكلف فيها ما لا علم للإنسان به والتأويل فيها بغير ما أنزل الله تعالى، كما قال قتادة -رحمه الله-: " خلق هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به" (¬4). 5 - أنه ليس في النصوص الصحيحة ما ينافي العلم الكوني الصحيح، ولا ما يناهض ما أثبته البرهان الساطع، وقام عليه الدليل القاطع (¬5)، بل إن فيه إشارات تدعمه وتثبت رجحان ما يذهب إليه (¬6). 6 - أن من الآيات الكونية ما لا يمكن العلم به إلا عن طريق النصوص الشرعية الثابتة، ولا مجال للاجتهاد فيه لأن الله قد استأثر بعلم ذلك، كطلوع الشمس من مغربها آخر الزمان، وأهوال يوم القيامة. ومنها ما يدرك بالحس والمشاهدة، وهذه لا تحتاج إلى دليل شرعي، مثل أن الشمس ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 517. (¬2) الأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 12. (¬3) الدين والعلم، وهل ينافي الدين العلم؟: 30. (¬4) رواه البخاري معلقاً: كتاب بدء الخلق، باب في النجوم: 614. (¬5) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، تحقيق: علي الألمعي وعبدالعزيز العسكر وحمدان الحمدان، دار الفضيلة، الرياض، ط1: 2/ 538، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم، تحقيق: علي الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، ط3: 3/ 829. (¬6) الدين والعلم، وهل ينافي الدين العلم؟: 13، الأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 12

مضيئة وذات حرارة (¬1). ومنها ما يدرك بالنظر والاستدلال، كمعرفة وقت الكسوف والخسوف (¬2). وعلى هذا فالعلوم الكونية تبنى على أصلين، إما نص شرعي تؤخذ منه الدلالة بصريح لفظ أو مفهوم، وإما محسوس تدركه الحواس البشرية وتصدقه النصوص الشرعية لأنها لا تخالفه في منطوق ولا مفهوم. فمرجع القبول لكل العلوم القديمة والحديثة التي تتعلق بالآيات الكونية قام على إحدى قاعدتين، إما النقل الصحيح أو العقل الصريح، إذ لا تخالف بينهما. 7 - عدم الخوض في الأمور الغيبية والوقوف مع النصوص الشرعية (¬3)، كما قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (¬5). 8 - أن ما سكتت عنه النصوص الشرعية من ظنيات العلم - أي الكوني -، فلا شيء يمنعنا أن نسلم به، حتى يجيء من العلم - أي الكوني - ما يناقضه (¬6). 9 - أن هذه الآيات الكونية لحدوثها أسباب حسية، فنزول المطر سبب لحياة الأرض، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت: 12/ 183، ط2، والأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 10. (¬2) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض ط2: 1/ 178. (¬3) الإتقان في علوم القرآن: 4/ 190. (¬4) النمل: 65. (¬5) الكهف: 51. (¬6) انظر: الصواعق المرسلة: 3/ 798،830، الدين والعلم، وهل ينافي الدين العلم؟: 33.

فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1)، وأسباب معنوية، قال تعالى -مبيناً أن الاستغفار من أسباب نزول الأمطار-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (¬2). 10 - ما أوتيه الإنسان من علم الآيات الكونية فإنه محدود بما أراده الله تعالى لتقوم الحجة على خلقه بما يظهره لهم من الآيات البينات التي تدل على عظمة هذا الكون وعظمة خالقه (¬3)، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (¬4)، وقال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} (¬5). 11 - التثبت من حقائق العلم وعدم إقحامها في غير موضعها في القرآن والسنة، والواجب عند تفسير الآيات الكونية في القرآن أو السنة بالعلم الحديث، أن لا تخالف هذه التفاسير العلمية النصوص الشرعية، ولا تفاسير السلف، مع مراعاة الشروط والضوابط العامة للتفسير (¬6). ¬

_ (¬1) البقرة: 164. (¬2) نوح: 10 - 12. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 29، الأجزاء الكونية بين النقل والعقل: 20. (¬4) الإسراء: 85. (¬5) الروم: 7 - 8. (¬6) انظر: الإتقان في علوم القرآن: 4/ 185 - 188، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث، لمنصور محمد حسب النبي، دار المعارف، القاهرة: 53، والإعجاز العلمي في القرآن لسامي بن أحمد الموصلي، دار النفائس، بيروت، ط1: 40.

وأنقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تعالى- وهو كالقاعدة الكلية للتعامل مع جميع العلوم الدنيوية، قال -رحمه الله-: " فصل في جماع الفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق السعادة والنجاة، وطريق الشقاوة والهلاك: أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان فيُصدّق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم هل وافقه أو خالفه لكون ذلك الكلام مجملا، لا يعرف مراد صاحبه، أو قد عرف مراده، ولكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه، أو تكذيبه؛ فإنه يمسك فلا يتكلم إلا بعلم. والعلم ما قام عليه الدليل والنافع منه ما جاء به الرسول ... فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة، وهذه الثلاثة بها يتم المقصود، ومن سوى الرسول إما أن يكون في علمه بها نقص أو فساد، وإما أن لا يكون له إرادة فيما علمه من ذلك فلم يبينه، إما لرغبة وإما لرهبة وإما لغرض أخر، وإما أن يكون بيانه ناقصا ليس بيانه البيان عما عرفه الجنان" (¬1). ¬

_ (¬1) رسالة الفرقان بين الحق والباطل، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل الكبرى، دار الفكر، بيروت: 1/ 102.

الفصل الثاني التفكر في الآيات الكونية وأهميته

الفصل الثاني التفكر في الآيات الكونية وأهميته وفيه مبحثان: المبحث الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية، وأهميته. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثالث: الحكمة من الآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة. المطلب الخامس: عبودية الكائنات لرب العالمين. المبحث الثاني: الهدي القرآني والنبوي تجاه الآيات الكونية. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية. المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية. المطلب الثالث: تأييد الله لأنبيائه بالآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وأركان الإسلام.

المبحث الأول الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية، وأهميته

المبحث الأول الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية، وأهميته وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية. المطلب الثالث: الحكمة من الآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة. المطلب الخامس: عبودية الكائنات لرب العالمين.

المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية

المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية لقد أنعم الله -عز وجل- على بني آدم بنعم عظيمة سخرها لهم ليعرفوه بها -سبحانه-، فيعبدوه ويوحدوه، ويقوموا بمهمة الخلافة في هذه الأرض، ويحققوا الغاية التي من أجلها خلقهم الله -عز وجل-. وإن من أعظم هذه النعم نعمة العقل والتفكير التي هي خاصية من خصائص الإنسان التي يتميز بها عن سائر الجمادات والعجماوات. وقد ورد الأمر بالتفكر في كتاب الله في آيات عديدة (¬1)، سواءً التفكر في الآيات المتلوة، أو الآيات المشاهدة، أو آلاء الله، أو سير الأنبياء مع أقوامهم وعاقبة الفريقين، أو التفكر في الدنيا والآخرة أو غير ذلك. ونبَّه سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن الكريم إلى أن آياته المتلوة والمشاهدة، وآياته في آلائه ونعمه لا ينتفع بها إلا أولو العقول والألباب والتفكير الصحيح؛ فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2)، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬3)، في آيات كثيرة. والتفكر في آلاء الله والسير المأمور به في القرآن الكريم هو: "سير القلوب والأبدان الذي يتولد عنه الاعتبار، وأما مجرد نظر العين وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار فغير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب" (¬4). قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ ¬

_ (¬1) انظر: إحياء علوم الدين- كتاب التفكر: 4/ 501، ومفتاح دار السعادة: 1/ 279. (¬2) الرعد: 4، النحل: 12، الروم: 24. (¬3) الرعد: 3، الروم: 21، الزمر: 42، الجاثية: 13. (¬4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المعروف بتفسير ابن سعدي، اعتنى به سعد بن فواز الصميل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 3/ 1106.

بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1). "فالقرآن يحث بهذه الآيات الإنسان على التأمل والنظر في بديع صنع الله في السماء والشمس والقمر والليل والنهار والضحى والظهيرة والأصيل والغروب، وفي الأرض والجبال والبحار والأنهار والسهول والنبات والرياح والأمطار، وخلق الإنسان والحيوان وسائر الكائنات، وأن أحداً لا يمكنه حفظ نظام الكون إلا الله تعالى العلي القدير" (¬2)، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬3). فالله -عز وجل- يدعو عباده إلى التعرف عليه وعلى أسمائه وصفاته وآثارها عن طريقين: أحدهما: بالنظر في آيات الله المشاهدة في الآفاق والأنفس، وما فيها من العظمة والحكمة والرحمة والإتقان، والتي تدل على خالقها سبحانه وعلى أسمائه وصفاته. وقد جاء في القرآن الكريم ما لا يقل عن ثمانمائة آية كونية (¬4)، بل أوصلها بعضهم إلى ما يربو على ألف آية (¬5)، وبلغت حسب عد الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة 1935 آية و1744 حديثا (¬6)، بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة تقرب دلالاتها من الصراحة (¬7). والطريق الثاني: بالنظر في آياته المتلوة في كتابه العزيز. ¬

_ (¬1) النحل: 12. (¬2) آيات الله في الكون - تفسير الآيات الكونية بالقرآن الكريم لعبد الله شحاته، دار نهضة مصر، القاهرة، ط5: 81 - 82. (¬3) النحل: 17. (¬4) الآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 81، وانظر: نماذج للآيات الكونية في القرآن: آيات الله في الكون: 24 - 37. (¬5) التفسير والمفسرون: 2/ 506. (¬6) انظر: فهرس الآيات الكونية في القرآن الكريم، وفهرس الأحاديث الكونية والطبية. (¬7) قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين المؤيد والمعارض: 10 - 11، 13، 99.

قال ابن القيم (¬1) -رحمه الله- في بيان هذا الأمر: "فالطريق الأول: النظر في مفعولاته، والثاني التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة، فالنوع الأول: كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬3)، وهو كثير في القرآن. والثاني: كقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (¬4)، وقوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (¬5)، وقوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (¬6)، وهو كثير أيضاً" (¬7). ولما سُألت عائشة -رضي الله عنها- عن أعجب شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت: لما كان ليلةٌ من الليالي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي». قُلت: والله إني لأحب قُرْبَكَ، وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى ¬

_ (¬1) هو شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ابن قيم الجوزية، من أئمة السنة وأعلام السلف، من مؤلفاته: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد في هدي خير العباد وغيرها، توفي سنة 751. انظر: ذيل طبقات الحنابلة: 4/ 447، وشذرات الذهب: 6/ 168. (¬2) البقرة: 164. (¬3) آل عمران: 190. (¬4) النساء: 82. (¬5) المؤمنون: 68. (¬6) ص: 29. (¬7) الفوائد لابن القيم، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، بيروت، ط6: 31.

بل حجْرَهُ (¬1)، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيتهُ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما راهُ يبكي، قال: يا رسول الله، لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬2)» (¬3). فالله -عز وجل- يقول في هذه الآية"تدبروا أيها الناس واعتبروا، ففيما أنشأته فخلقته من السماوات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم، وفيما عقَّبت بينه من الليل والنهار فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم، تتصرفون في هذا لمعاشكم، وتسكنون في هذا راحة لأجسادكم، معتبر ومدَّكر، وآيات وعظات" (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " النظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التفكر والاعتبار مأمور به مندوب إليه" (¬5). وبتدبر القرآن الكريم تحصل معرفة الله تعالى، ومعرفة عظيم سلطانه وقدرته، وتتحقق العبودية له وكيفية عبادته سبحانه، فيحصل الخشوع والخضوع والتذلل والرجاء والخوف الخ. قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬6). ¬

_ (¬1) مَحْجِرُ العين: ما يبدو من النِقاب، انظر: الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، ط4: 2/ 624. (¬2) آل عمران: 190. (¬3) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3: 2/ 386 برقم (620)، وقال المحقق: إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر: السلسلة الصحيحة: 1/ 147 برقم (68). (¬4) تفسير الطبري: 4/ 260. (¬5) مجموع الفتاوى: 15/ 343. (¬6) يونس: 101.

قال ابن كثير (¬1) -رحمه الله-: " يرشدُ تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب، مما في السماوات من كواكب نيرات، ثوابت وسيارات، والشمس والقمر، والليل والنهار، واختلافهما، وإيلاج أحدهما في الآخر، حتى يطول هذا ويقصر هذا، ثم يقصر هذا ويطول هذا، وارتفاع السماء واتساعها، وحسنها وزينتها، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دوابّ مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار وعمران وخراب، وما في البحر من العجائب والأمواج، وهو مع هذا مسخر مذلل للسالكين، يحمل سفنهم، ويجري بها برفق بتسخير القدير له، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. وقوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ أي وأي شيء تُجدي الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (¬2) " (¬3). فهذه الآية وغيرها كثير تدعو إلى الأخذ بأسباب العلم والإيمان، ومنها: المشاهدة والتأمل والتفكر في هذه المخلوقات العظيمة. ¬

_ (¬1) هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الشافعي، الإمام الحافظ المحدث المؤرخ، من مؤلفاته: تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية، واختصار علوم الحديث، توفي عام 774. انظر: الدرر الكامنة: 1/ 400، وشذرات الذهب: 6/ 232. (¬2) يونس: 96 - 97. (¬3) تفسير ابن كثير: 2/ 449.

المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية

المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية إن المتأمل في أحوالنا اليوم وأحوال الناس بعامة - لا أقول الكفار منهم بل الكثير من المسلمين - يرى البعد الشديد عن التفكير الصحيح النافع الذي يقود صاحبه إلى الخير في الدنيا والآخرة، وإنما نجد أن جل التفكير وقوته وكثافته قد وجه في ما لا ينفع في الآخرة؛ بل فيما يضر صاحبه هنالك من التفكير في شهوات محرمة أو في خواطر وشبهات وأماني باطلة ورديئة. والموفق من وفقه الله -عز وجل- فصرف فكره وهمه في معرفة ربه سبحانه، وذكره وشكره وعبادته، والاستعداد للقائه في الدار الآخرة. فالتفكر في خلق الله تعالى يزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكراً وتأملاً في خلق الله، وأكثر علماً بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬1). ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته، ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، ولا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه (¬2)؛ بل قد قال بعضهم: أن السفر في طلب العلم يشمل العلم بآيات الله في أرضه، ففي مشاهدتها فوائد للمستبصر (¬3). قال ابن سعدي (¬4) -رحمه الله-: " التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين" (¬5)؛ ولكن ¬

_ (¬1) فاطر: 28. (¬2) إحياء علوم الدين: 4/ 503. (¬3) المصدر السابق: 2/ 295. (¬4) هو العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، الفقيه الأصولي المفسر، من مؤلفاته: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المعروف بتفسير ابن سعدي، والتوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية، والدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية وغيرها من الكتب. توفي عام 1376. انظر: روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيح محمد بن عثمان القاضي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2: 1/ 229، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبد الله البسام، دار العاصمة، الرياض، ط2: 3/ 218. (¬5) تفسير ابن سعدي: 1/ 270.

ليس كل أحد يعتبر ويتفكر، وليس كل من تفكر أدرك المعنى المقصود (¬1). ولأهمية التفكر في آيات الله الكونية نجد أن الله -تعالى- قد أقسم ببعضها تنبيها لأهميتها ونظامها وبديع صنعتها (¬2)، وهذا في آيات كثيرة. والتفكر من العبادات القلبية الجليلة، وهو من أفضل أعمال القلب وأنفعها له (¬3)، كما أنه أصل الطاعات ومبدؤها (¬4). وهو سبيل المرء إلى العمل، وإدراك حقائق الأشياء، بل إن حياة المرء وسعادته تبع لأفكاره. قال ابن سعدي -رحمه الله-: " وأعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا، فحياتك طيبة سعيدة وإلا فالأمر بالعكس" (¬5). فإعمال الفكر فيما ينفع ويقرب إلى الله من أهم المطالب الدينية. وقد مدح الله عباده الذين يذكرونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، قائلين: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬6). ¬

_ (¬1) المصدر السابق: 1/ 496. (¬2) آيات الله في الكون: 20، وانظر: التفكير فريضة إسلامية لعباس محمود العقاد، ضمن موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1: 5/ 829. (¬3) مفتاح دار السعادة: 1/ 284. (¬4) المصدر السابق: 1/ 183. (¬5) الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ: عبد الرحمن بن سعدي، طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، ط4: 27. (¬6) آل عمران: 191.

ولذلك نجد أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أعظم عباد الله تفكرا في آيات الله ومخلوقاته، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أكملهم في ذلك حيث كان يتفكر في آيات الله ومخلوقاته. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه بات عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر الليل فخرج فنظر إلى السماء، ثم تلا هذه الآية في سورة آل عمران قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬1)، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ ثم قام فصلى» (¬2). قال النووي (¬3) -رحمه الله-: " فيه أنه يستحب قراءتها عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر، وإذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكريره قراءة هذه الآيات، كما ذكر في الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم" (¬4). وكان -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالتفكر فيقول: «تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله» (¬5). ¬

_ (¬1) آل عمران: 190 - 191. (¬2) صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، ط1: كتاب الطهارة، باب السواك: 1/ 221 برقم (256). (¬3) هو أبو زكريا يحيى بن شرف مُري بن حسن بن حسين الحزامي النووي، أحد أعلام الشافعية، من مؤلفاته: المجموع شرح المهذب، شرح صحيح مسلم، رياض الصالحين، توفي عام 676. انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1470، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار هجر، القاهرة، ط2: 8/ 395. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407: 2/ 145. (¬5) رواه الطبراني في الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415: 6/ 250 برقم (6319)، والبيهقي في شعب الإيمان، تحقيق: عبد العلي حامد، الدار السلفية، بومباي، ط1: 1/ 358 برقم (119)، من حديث ابن عمر وقال: " هذا إسناد فيه نظر". قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في إحياء علوم الدين من أخبار- المطبوع مع إحياء علوم الدين-: 4/ 502: قلت: فيه الوازع بن نافع متروك، وأخرجه أبو نعيم في الحلية بالمرفوع منه بإسناد ضعيف ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أخر أصح منه. أ. هـ. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4 - لما ذكر أسانيد الحديث-: 191 برقم (342): وأسانيدها ضعيفة؛ لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 4/ 395 برقم (1788): وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي والله أعلم.

وكان الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم من التابعين يمتثلون هذا، وينظرون في ملكوت الله نظر تفكر واعتبار، ويتفكرون في آيات الله المشاهدة وآياته المتلوة، والتي تتضمن آيات الشرعية وآياته الكونية. وقد وردت الآثار الكثيرة عنهم في ذلك، فقد سئلت أم الدرداء -رضي الله عنها- عن أفضل عبادة أبي الدرداء -رضي الله عنه- قالت: " التفكر والاعتبار" (¬1). وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: «تفكر ساعة خير من قيام ليلة» (¬2)، وعن الحسن البصري (¬3) -رحمه الله-: " أفضل العمل الورع والتفكر" (¬4)، وقال عامر بن قيس -رضي الله عنه-: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر (¬5). وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قوله: "ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب ساه" (¬6). ¬

_ (¬1) كتاب الزهد للإمام أحمد، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1: 198. (¬2) المصدر السابق: 202. (¬3) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري، إمام حافظ مفسر، من أئمة التابعين، توفي عام 110. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط2: 5/ 156، وسير أعلام النبلاء: 4/ 563. (¬4) إحياء علوم الدين: 1/ 220، وروضة العقلاء ونزهة الفضلاء لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار المغني، الرياض، ط1: 301. (¬5) تفسير ابن كثير: 1/ 448. (¬6) مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي، أختصره أحمد بن علي المقريزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2: 149.

وقال ابن رجب (¬1) -رحمه الله-: " ونقل عن الإمام أحمد -رحمه الله- في رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، ورجل أقل الأكل فقلت نوافله، وكان أكثر فكرة أيهما أفضل؟ فذكر ما جاء في الفكر: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قال: فرأيت هذا عنده أكثر -يعني الفكر- وهذا يدل على تفضيل قراءة التفكر على السرعة، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، وهو المنصوص صريحا عن الصحابة والتابعين" (¬2). ومع هذا كله فقد أخبر الله -عز وجل- عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آياته، ودلائل توحيده كما قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (¬3). قال ابن جرير (¬4) -رحمه الله-: " يقول -جل وعز-: وكم من آية في السماوات والأرض لله، وعبرةٍ وحجةٍ، وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السماوات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض، {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربها، وأن الأولوهة لا تنبغي إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء فدبَّرها"} (¬5). وقال تعالى في ذم الغافلين عن آيات الله: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ¬

_ (¬1) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي الحنبلي، من مؤلفاته: فتح الباري شرح صحيح البخاري، وجامع العلوم والحكم، والتخويف من النار وغيرها، توفي سنة 795. انظر: الدرر الكامنة: 2: 321، وشذرات الذهب: 6/ 230. (¬2) تقرير القواعد وتحرير الفوائد لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن القيم، الدمام، ط1: 1/ 134. (¬3) يوسف: 105. (¬4) هو أبو جعفر محمد بن يزيد بن كثير الطبري، الإمام المفسر، أحد أعلام السلف، من مؤلفاته: جامع البيان في تأويل آي القرآن، وتاريخ الأمم والملوك، وصريح السنة، وغيرها، توفي سنة 310. انظر: سير أعلام النبلاء: 14/ 267، شذرات الذهب: 2/ 260. (¬5) تفسير الطبري: 13/ 92.

وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬1). قال ابن كثير -رحمه الله-: " يقول الله تعالى مخبرًا عن حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة ولا يرجون في لقائه شيئا، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم. قال الحسن -رحمه الله-: والله ما زينوها ولا رفعوها حتى رضوا بها (¬2)، وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، فإن مأواهم يوم معادهم النار جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام، مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر" (¬3). وعلى هذا فالتفكر دعوة قرآنية، وسنة نبوية، وآيات القرآن وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالدعوة إلى التفكر والتدبر في الآيات المسطورة، والآيات المنظورة، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) يونس: 7 - 8. (¬2) تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد الرازي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة، ط3.: 6/ 1928 (¬3) تفسير ابن كثير: 2/ 422. (¬4) النحل: 44.

المطلب الثالث: الحكمة من الآيات الكونية

المطلب الثالث: الحكمة من الآيات الكونية في القرآن الكريم ما يزيد على ألف آية تتحدث عن معالم هذا الكون، وتذكر مفرداته من السماوات والأرض، والشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والجبال والبحار والأنهار، والمطر والرعد والبرق (¬1). وهذه الآيات الكونية وما تدل عليه من حقائق علمية، لم تذكر في القرآن الكريم لمجرد الذكر، أو من أجل بيانها للناس ودلالتهم عليها ابتداءً، وإنما هي سيقت مساقا تابعا للغرض والهدف الذي ذكرت في ثناياه، من الاستدلال بها على قضايا كبرى: كالألوهية والنبوات والبعث (¬2). فهذا الكون وعجائبه وتنوعه علامات بينة تثبت قدرة الله وحكمته ووحدانيته لمن يتفكر ويتدبر. قال ابن القيم -رحمه الله- في بيان الحكمة من هذه الآيات الكونية: " ولهذا يستدل سبحانه في كتابه بالحوادث تارة، وباختلافها تارة، إذ هذا وهذا يستلزم ربوبيته وقدرته واختياره، ووقوع كل الكائنات على وفق مشيئته، فتنوع أفعاله ومفعولاته من أعظم الأدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه" ... ثم قال: "والمقصود أن تنويع المخلوقات واختلافها من لوازم الحكمة والربوبية والملك، وهو أيضا من موجبات الحمد، فله الحمد على ذلك كله أكمل حمد وأتمه أيضا" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم لمحمد السيد راضي جبريل، ضمن بحوث ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1421: 81. (¬2) انظر: سمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم للشيخ ناصر الماجد، موقع ملتقى أهل التفسير على الشبكة العنكبوتية، 1425: 5، Http://www.tafsirmail.com/index.php?subaction =showfull&id=1079908381&archive=&start_from=&ucat=1&do=maqalat (¬3) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، ط1: 214 - 215.

وقد بين الله -عز وجل- لبعض الآيات الكونية حكماً خاصة بها بالإضافة إلى الحكم السابقة من كمال القدرة والدلالة على الربوبية والألوهية والبعث، ومن ذلك الحكمة في خلق النجوم، قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} (¬2). قال قتادة -رحمه الله-: " خلق هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به" (¬3). قال ابن سعدي -رحمه الله-: " والحاصل أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع الكائنات، علم أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين ودلالات على جميع ما أخبر به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر، وأنها مدبرات مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه" (¬4). ¬

_ (¬1) النحل: 16. (¬2) الملك: 5. (¬3) سبق تخريجه: 39. (¬4) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القران لعبد الرحمن بن سعدي، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ط1: 32.

المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة

المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة إن العقيدة الصحيحة هي أعظم ما جاءت به الرسل، وكل خير في الدنيا والآخرة متوقف على تحقيقها كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1)، لذا عني الكتاب الكريم والسنة المطهرة بتثبيتها في النفوس بالدلائل والبراهين العقلية والنقلية (¬2). وانتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى بعد أن مكث يبلغ رسالة ربه ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمكة، كانت مهمته الأولى الدعوة إلى العقيدة الصحيحة وتثبيتها، وما يتصل منها بالله سبحانه وتعالى أو التدليل على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ما يتصل منها باليوم الآخر. ولذلك نجد أن غالب السور المكية تناولت البراهين والأدلة ليقتنع بها ذوو العقول في تثبيت العقيدة. قال تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (¬3). فأقسم الله سبحانه بهاتين الآتين - الضحى والليل- وهذا دليل على قدرة خالقها، وربط بين آيات الكون وبين التأكيد على أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لم يدْعه ربه، ولم يجفوه، بل بين أنه ربه (¬4)، ¬

_ (¬1) النحل: 97. (¬2) انظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم: في بيان أن القرآن جمع بين الأدلة العقلية والنقلية، والاستدلال بالآيات الكونية على التوحيد وإفراد الله بالعبادة مما فيه تثبيت للمؤمنين: 2/ 460 - 494، 684، وحماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري د. عبد الله الزايدي، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، العدد (77): 239. (¬3) الضحى: 1 - 5. (¬4) تفسير ابن كثير: 4/ 558.

وفي هذا تثبيت له. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (¬1). قال ابن سعدي -رحمه الله-: " يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ أي شك واشتباه، وعدم علم بوقوعه، مع أن الواجب عليكم أن تصدقوا ربكم، وتصدقوا رسله في ذلك، ولكن إذا أبيتم إلا الريب، فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما، كل واحد منهما، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه، ويزيل عن قلوبكم الريب. أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان، وأن الذي ابتدأه سيعيده} (¬2). والدليل الثاني: إحياء الأرض بعد موتها" (¬3)،"وأن الذي أحياها سيحي الموتى، كما أنه قد قرر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك، وهو خلق السماوات والأرض، والمخلوقات العظيمة، فمتى أثبت المنكرون ذلك - ولن يقدروا على إنكاره - فلأي شيء يستبعدون إحياء الموتى؟ " (¬4). ¬

_ (¬1) الحج: 5. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 12/ 6. (¬3) تفسير ابن سعدي: 3/ 1090 - 1091 باختصار. (¬4) القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن لعبد الرحمن بن سعدي، اعتنى به خالد بن عثمان السبت، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 30.

ولقد تنوعت أساليب القرآن في تثبيت العقيدة من خلال الآيات الكونية، من ذلك: أولاً: استخدم القرآن السؤال كطريقة للإقناع والوصول إلى الحق الذي هو التوحيد ونبذ الباطل الذي هو الشرك، مستدلاً على ذلك بذكر بعض الآيات الكونية، فقال تعالى منكرا على الكفار شركهم بالله في عبادته في الوقت الذي يقرون فيه بربوبيته (¬1): قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬4). ثانياً: تصديق خبر الأنبياء بحصول بعض الآيات الكونية. فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشقتين. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اشهدوا». وفي حديث أنس -رضي الله عنه- أن أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر (¬5). ولذلك ترى المشركين يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- تصديق خبره ببعض الآيات الكونية، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (¬6). ¬

_ (¬1) السؤال في القرآن الكريم وأثره في التربية والتعليم لأحمد بن عبد الفتاح ضليمي، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، العدد (111): 38. (¬2) العنكبوت: 61. (¬3) العنكبوت: 63. (¬4) الزخرف: 87. (¬5) صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر: 4/ 2158 - 2159 برقم (2800، 2802). (¬6) العنكبوت: 50.

قال ابن جرير -رحمه الله- في تفسير الآية: " وقالت المشركون من قريش: هلا أنزل على محمد آية من ربه، تكون حجة لله علينا، كما جعلت الناقة لصالح، والمائدة آية لعيسى؟ قل يا محمد: إنما الآيات عند الله، لا يقدر على الإتيان بها غيره {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ وإنما أنا نذير لكم، أنذركم بأس الله وعقابه على كفركم برسوله، وما جاءكم به من عند ربكم {مُبِينٌ يقول: قد أبان لكم إنذاره"} (¬1)، ثم إن الله -عز وجل- " لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم؛ لأن ذلك سهل عليه، يسير لديه، ولكنه يعلم منكم أنما قصدكم التعنت والامتحان، فلا يجيبكم إلى ذلك" (¬2)، كما قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (¬3). ومن ذلك المجلس الذي جلس فيه المشركون يطلبون الآيات على وجه العناد والكفر، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (¬4). وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له،"لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادًا ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 21/ 11. (¬2) تفسير ابن كثير: 3/ 428. (¬3) الإسراء: 59. (¬4) الإسراء: 90 - 93.

لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرًا وعنادًا" (¬1). ثالثاً: بيان عبودية جميع الكائنات لله تعالى بما في ذلك الآيات الكونية، فلا يستوحش السائر إلى الله من قلة السالكين على الطريق فإن جميع المخلوقات العلوية والسفلية تسجد وتسبح لله -عز وجل- إلا من حق عليه العذاب، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬2). رابعاً: بيان تفرد الله -عز وجل- بخلقها وحكمته وتصرفه فيها، فلله ملك السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، يتصرف فيهما بما شاء من التصاريف القدرية والشرعية، والمغفرة والعقوبة، بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته (¬3). قال ابن سعدي -رحمه الله- في الطرق الكلية إلى العلم بأنه لا إله إلا الله، وهي من أهم الأمور في تثبيت العقيدة، وأنها ثمان طرق وذكر منها: " الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية". ثم قال: "الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه" (¬4). خامساً: إجابة الله -عز وجل- لسؤال أولياءه عن طلبهم بعض الآيات الكونية. فإن مما يثبت عقيدة المؤمن أن يريه الله -عز وجل- بعض آياته الكونية، وقد سأل إبراهيم ¬

_ (¬1) معالم التنزيل لأبي محمد الحسين البغوي، تحقيق: محمد النمر وآخرون، دار طيبة، الرياض، ط1: 2/ 714 - 717، وانظر: تفسير ابن كثير: 3/ 67. (¬2) الحج: 18. (¬3) انظر: تفسير البغوي: 3/ 254 - 255، تفسير ابن كثير: 3/ 263 - 264، تفسير ابن سعدي: 1/ 418. (¬4) تفسير ابن سعدي: 4/ 1658.

-عليه السلام- ربه أن يريه آية من آياته الكونية، يريد أن يطمئن قلبه بها، كما أخبر الله عنه: قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1). فالمسألة من قبل إبراهيم -عليه السلام- لم تعرض من جهة شك، لكن من قبل زيادة العلم؛ فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال، وتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان (¬2). وقال عن الحواريين: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬3). قال ابن كثير -رحمه الله-: " {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} إذا شاهدنا نزولها رزقًا لنا من السماء {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} أي ونزداد إيمانًا بك وعلمًا برسالتك، {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي ونشهد أنها آية من عند الله، ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به. ¬

_ (¬1) البقرة: 260. (¬2) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي تحقيق: محمد بن سعد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة، ط1: 3/ 1546،، شرح السنة للبغوي: 1/ 114 - 115، تفسير ابن سعدي: 4/ 2017. (¬3) المائدة: 112 - 114.

وقوله: {وَآيَةً مِنْكَ} أي دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء، وعلى إجابتك دعوتي، فيصدقوني فيما أبلغه عنك" (¬1). سادساً: سرد الآيات الكونية والإشارة إلى الاعتبار بها. فقراءة الآيات التي تتحدث عن إثبات ربوبية الله وألوهيته، وتؤيد ذلك بالأدلة العقلية، وتؤكده بسرد الآيات الكونية مما يزيد الثبات والإيمان، ويدفع الوسوسة والشكوك والأوهام. ولذلك يرشد الله تعالى إلى الاعتبار بما في الآفاق والأنفس من الآيات المشاهدة كخلق السماوات والأرض وما فيهما، وأن كل ذلك دال على حدوثها، وعلى وجود خالقها وحكمته (¬2)، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (¬3)، وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (¬4). ولما سمع هذه الآية جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قبل إسلامه وما تضمنته من بليغ الحجة، قال: كاد قلبي أن يطير (¬5)، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه -رضي الله عنه- (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 2/ 120، وانظر: تفسير القرطبي: 6/ 365، وتفسير ابن سعدي: 1/ 457. (¬2) انظر: مجموع الفتاوى: 3/ 331 - 332، وتفسير ابن كثير: 3/ 419، ونظم الدرر في تناسب الآيات والسور لأبي الحسن إبراهيم البقاعي، تحقيق: محمد بن عمران الأعظمي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية: 18/ 64، 20/ 223،231. (¬3) العنكبوت: 19. (¬4) الطور: 35. (¬5) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الطور: 954 برقم (4854). (¬6) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً: 762 برقم (4023).

المطلب الخامس: عبودية الكائنات لرب العالمين

المطلب الخامس: عبودية الكائنات لرب العالمين الله -عز وجل- هو خالق كل شيء وربه ومليكه، وهذه الربوبية للمخلوقاته على نوعين: ربوبية عامة، وربوبية خاصة. قال ابن سعدي -رحمه الله- في بيان أنواع ربوبية الله لمخلوقاته: " كثر في القرآن ذكر ربوبية الرب لعباده ومتعلقاتها ولوازمها. وهي على نوعين: ربوبية عامة: يدخل فيها جميع المخلوقات: برها وفاجرها؛ بل مكلفوها وغير المكلفين، حتى الجمادات. وهي أنه تعالى المنفرد بخلقها ورزقها وتدبيرها، وإعطائها ما تحتاجه أو تضطر إليه في بقائها، وحصول منافعها ومقاصدها فهذه التربية لا يخرج عنها أحد. والنوع الثاني: في تربيته لأصفيائه وأوليائه، فيربيهم بالإيمان الكامل، ويوفقهم لتكميله ويُكملهم بالأخلاق الجميلة، ويدفع عنهم الأخلاقَ الرذيلة، وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى. وحقيقتها: التوفيق لكل خير، والحفظ من كل شر، وإنالة المحبوبات العاجلة والآجلة، وصرف المكروهات العاجلة والآجلة. فحيث أُطلقت ربوبيته تعالى فإن المراد بها المعنى الأول، مثل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} (¬2)، ونحو ذلك. وحيث قُيدت بما يحبه ويرضاه، أو وقع السؤال بها من الأنبياء وأتباعهم، فإن المراد بها النوع الثاني. وهو متضمن للمعنى الأول وزيادة. ولهذا تجد أسئلة الأنبياء وأتباعهم في القرآن بلفظ الربوبية غالباً، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة" (¬3). هذا من جهة ربوبية الله لمخلوقاته، أما من جهة عبودية المخلوقات لله -عز وجل- فهي أيضاً ¬

_ (¬1) الفاتحة: 2. (¬2) الأنعام: 164. (¬3) القواعد الحسان: 83، وانظر: العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2: 7 - 52.

على نوعين: عبودية عامة، وعبودية خاصة. قال ابن القيم -رحمه الله- في بيان انقسام العبودية إلى عامة وخاصة: " العبودية نوعان: عامة وخاصة، فالعبودية العامة عبودية أهل السماوات والأرض كلهم لله برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم فهذه عبودية القهر والملك، قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (¬1)، فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم (¬2) ... وأما النوع الثاني فعبودية الطاعة والمحبة وإتباع الأوامر، قال تعالى: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬4) ... فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد إلهيته" (¬5). فدل ما سبق على أن للعبودية معنى عاما وهو: القهر والتسخير، وهو يشمل جميع الكائنات كلها، ومعنى خاصا وهو: الطاعة والمحبة والإتباع، وهو يشمل أهل طاعة الله وولايته. وهذا الكون الواسع بما فيه من الكائنات كلها يخضع لخالقه وباريه ويؤدي عبوديته له ¬

_ (¬1) مريم: 88 - 93. (¬2) انظر: العبودية: 104. (¬3) الزخرف: 68. (¬4) الزمر: 17 - 18. (¬5) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء: 1/ 105.

سبحانه. وقد جاء في النصوص الشرعية ما يدل على دخول الكائنات - غير الإنسان- في المعنى الخاص للعبودية، كالطاعة والسجود والتسبيح والاستغفار والإسلام والإشفاق والخشوع وسماع الأذان وشهادتها للمؤذن يوم القيامة وغيرها (¬1)، وذلك بما أودعه الله فيها من الإدراك والتمييز. قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬2). قال ابن جرير -رحمه الله-: " قال الله للسماء والأرض: جيئا بما خلقت فيكما، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات، وتشقَّقِي عن الأنهار {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} جئنا بما أحدثت فينا من خلقك، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك" (¬3). وقال تعالى مخبراً عن سجود الكائنات: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬4). فأثبت الله السجود لهذه الكائنات، ولكن لا نعلم كيفيته، ولا يلزم أن سجودها على سبعة أعضاء كسجود المسلمين، إذ سجود كل شيء بحسبه. قال ابن كثير -رحمه الله-: " يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد ¬

_ (¬1) انظر: رسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن جامع الرسائل لابن تيمية، المجموعة الأولى، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار العطاء، الرياض، ط1: 3 وما بعدها، وعبودية الكائنات لرب العالمين لفريد إسماعيل التوني، مكتبة الضياء، جدة، ط1: 244 وما بعدها. (¬2) فصلت: 11. (¬3) تفسير الطبري: 24/ 114، وانظر: تفسير ابن كثير: 4/ 101. (¬4) الحج: 18.

لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به" (¬1). وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬2). قال ابن كثير -رحمه الله-: " يقول تعالى: تقدسه السماوات السبع والأرض ومن فيهن، أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتجِّلّه وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته. وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لغتكم. وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد (¬3)، ... كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل (¬4) " (¬5). وأما الإسلام، فقد قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (¬6). قال ابن تيمية -رحمه الله-: " فذكر إسلام الكائنات طوعا وكرها لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد العام، سواء أقر المقر بذلك أو أنكره، وهم مدينون له مدبرون، فهم مسلمون له طوعا وكرها ليس لأحد من المخلوقات خروج عما شاءه وقدره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكهم يصرّفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلهم وبارئهم ومصورهم، ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 3/ 220. (¬2) الإسراء: 44. (¬3) انظر: رسالة في قنوت الأشياء كلها لله: 1/ 4، وعبودية الكائنات لرب العالمين: 234. (¬4) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة: 685 برقم (3579). (¬5) تفسير ابن كثير: 3/ 45 باختصار. (¬6) آل عمران: 83.

وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع مفطور فقير محتاج معبّد مقهور، وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور" (¬1). وأما القنوت، فقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} (¬2). والمقصود أن هذه الآيات تؤكد أن جميع المخلوقات، الحيوانات منها والنباتات، ناطقها وجامدها، تسبح الله وتمجده وتقدسه وتصلي له وتوحده (¬3). وهذه العبادة من هذه المخلوقات آية من آيات الله العظيمة حين يتصور القلب أن كل حصاة وكل حجر، وكل حبة وكل ورقة، وكل زهرة وكل ثمرة، وكل نبتة وكل شجرة، وكل حيوان وكل إنسان، وكل دابة على الأرض وكل سابحة في الماء والهواء، وكل سكان الأرض والسماء، كلها تسبح الله وتتوجه إليه في علاه. ولقد أنكر هذه العبودية طائفة من الناس بحجة أن هذه الكائنات لا تعقل ولا تدرك وليس لها أي عبودية لله -عز وجل-، وما ورد في النصوص من سجود هذه الكائنات أو تسبيحها أو نحو ذلك اضطر إلى القول فيها بالتأويل (¬4) أو المجاز (¬5). فقالوا عن سجود الشمس في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا ¬

_ (¬1) العبودية: 104. (¬2) الروم: 26. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 302، 330، 344، 357، 363، 374، ورسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى لابن تيمية: 3. (¬4) المراد به هنا: صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح. انظر: التعريفات: 112، ومجموع الفتاوى: 5/ 35، 13/ 288، ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم اختصره محمد بن الموصلي، تحقيق: الحسن العلوي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 1/ 22. (¬5) المجاز: اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما. انظر: التعريفات: 283، أسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا وأسامة صلاح الدين منيمة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1: 437 - 438، ومختصر الصواعق المرسلة: 2/ 690.

لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬1): أن الذي يسجد هو الملك الموكل بها، وتأويل السجود بدلالة تلك الموجودات على أنها مسخرة بخلق الله، فأستعير السجود لحالة التسخير والانقياد. وعن تسبيح الجبال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (¬2)، أن الجبال لم تسبح ولم تردد مع داود -عليه السلام-، إنما الأمر أن الجبال كانت تمشي مع داود -عليه السلام- فكان كل من رآها كذلك سبح، إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة (¬3). والقول بالمجاز وتأويل النصوص الشرعية على غير مرادها مخالف لهدي السلف الصالح بل فيه محادة لله تعالى ورسوله في نفي آيات الله تعالى المنزلة وتعطيل معناها. ومخالف لما يجب أن يكون عليه المؤمنون تجاه النصوص الشرعية، حيث إنهم مأمورون بالتسليم لها والإيمان بها وعدم الخوض في الكيفية ما دام قد ثبت صحة النص، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (¬5). والآيات في هذا المعنى كثيرة. ¬

_ (¬1) الحج: 18. (¬2) سبأ: 10. (¬3) انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط4،: 4/ 319، 453 - 454، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، تحقيق: محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1: 4/ 69، 243، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داودي، دار القلم، دمشق، ط2: 393، 396. (¬4) النور: 51. (¬5) الأحزاب: 36.

قال البغوي (¬1) -رحمه الله-: " ومذهب أهل السنة أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وخشية كما قال -عز وجل-: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬2)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬4)، فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى" (¬5). وقال ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على من فسر السجود والتسبيح بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيها ودلالتها على الصانع فقط: " وأما تفسير سجودها وتسبيحها بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيهما ودلالتها على الصانع فقط فالاقتصار على هذا باطل؛ فإن هذا وصف لازم دائم لها لا يكون في وقت دون وقت، وهو مثل كونها مخلوقة محتاجة فقيرة إلى الله تعالى وعلى هذا فالمخلوقات كلها لا تزال ساجدة مسبحة، وليس المراد هذا فإنه قال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} (¬6). وقال: {كُلٌّ قَدْ ¬

_ (¬1) هو أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، من مؤلفاته: معالم التنزيل، وشرح السنة، والأنوار في شمائل النبي المختار، توفي سنة 516. انظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 439، وشذرات الذهب: 4/ 48. (¬2) الإسراء: 44. (¬3) النور: 41. (¬4) الحج: 18. (¬5) تفسير البغوي: 1/ 66. (¬6) ص: 18 - 19.

عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} (¬1)، فقد أخبر سبحانه وتعالى عنه أنه يعلم ذلك، ودلالتها على الرب يعلمه عموم الناس" (¬2). فبيّن -رحمه الله-: " أن دلالتها على الصانع فقط والاقتصار عليه باطل، وذلك لأن الدلالة لا تكون في وقت دون وقت، فإن الله أخبر عن الجبال أنها تسبح مع داود -عليه السلام- بالعشي والإشراق، ولو كان المراد الدلالة على الصانع لكان ذلك في كل وقت" ... ثم ذكر -رحمه الله- أن الله ذكر أن سجودها يكون طوعاً وكرهاً، ولو كان متعلقاً بانفعالها لمشيئة الرب وقدرته فإن ذلك لا ينقسم إلى طوع وكره، فقال: "وأيضا فإنه قسم السجود إلى طوع وكره، وانفعالها لمشيئة الرب وقدرته لا ينقسم إلى طوع وكره، ولا يوصف ذلك بطوع منها ولا كره؛ فإن دليل فعل الرب فيها ليس هو فعل منها ألبتة. والقرآن يدل على أن السجود والتسبيح أفعال لهذه المخلوقات، وكون الرب خالقا لها إنما هو كونها مخلوقة للرب ليس فيه نسبة أمر إليها، يبين ذلك أنه خص الظل بالسجود بالغدو والآصال، والظل متى كان وحيث كان مخلوق مربوب" (¬3). ثم بيّن -رحمه الله- أن كونها ساجدة مسبحة" آية دالة وشاهدة للخالق تعالى بصفاته لكونها مفعولة له، وهذا معنى ثابت في المخلوقات كلها لازم لها، وهي آيات للرب بهذا الاعتبار، وهي شواهد ودلائل وآيات بهذا الاعتبار؛ لكن ذاك معنى آخر، كما يفرق بين كون الإنسان مخلوقا وبين كونه عابدا لله، فهذا غير هذا، هذا يتعلق بربوبية الرب له، وهذا يتعلق بتألهه وعبادته للرب" (¬4). وقال أيضاً في الرد على من قال يلزم لسجودها أن يكون لها سبعة أعضاء، ووضع الجبهة على الأرض: " ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء ¬

_ (¬1) النور: 41. (¬2) رسالة في قنوت الأشياء كلها لرب العالمين: 1/ 43. (¬3) المصدر السابق: 1/ 44. (¬4) المصدر السابق: 1/ 44.

ووضع جبهة في رأس مدور على التراب؛ فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد، وذلك سجودها كما قال تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} (¬1)، وإنما قيل ادخلوه ركعا. ومنهم من يسجد على جنب كاليهود، فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من الناس يظن أن هذا هو سجود كل أحد" (¬2). وقال ابن القيم -رحمه الله- في الرد على من قال أن تسبيح الشجر وورقه هو دلالته على صانعه فقط، بعد أن بين الحكمة في خلقها وأنها ساجدة لله مسبحة بحمده: " وكلها ساجدة لله مسبحة بحمده، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬3)، ولعلك أن تكون ممن غلظ حجابه فذهب إلى أن التسبيح دلالتها على صانعها فقط، فاعلم أن هذا القول يظهر بطلانه من أكثر من ثلاثين وجها قد ذكرنا أكثرها في موضع آخر، وفي أي لغة تسمى الدلالة على الصانع تسبيحا وسجودا وصلاة وتأويبا وهبوطا من خشيته، كما ذكر تعالى ذلك في كتابه فتارة يخبر عنها بالتسبيح وتارة بالسجود وتارة بالصلاة، كقوله تعالى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} (¬4)، افترى يقبل عقلك أن يكون معنى الآية قد علم الله دلالته عليه، وسمى تلك الدلالة صلاة وتسبيحا، وفرق بينهما وعطف أحدهما على الأخر، وتارة يخبر عنها بالتأويب، كقوله: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (¬5)، وتارة يخبر عنها بالتسبيح الخاص بوقت دون وقت كالعشى والإشراق، أفترى دلالتها على صانعها إنما يكون في هذين الوقتين، وبالجملة فبطلان هذا القول اظهر لذوي البصائر من أن يطلبوا دليلا على بطلانه والحمد لله" (¬6). ¬

_ (¬1) البقرة: 58. (¬2) المصدر السابق: 1/ 27 - 28. (¬3) الإسراء: 44. (¬4) النور: 41. (¬5) سبأ: 10. (¬6) مفتاح دار السعادة: 1/ 347 - 348.

المبحث الثاني الهدي القرآني والنبوي تجاه الآيات الكونية

المبحث الثاني الهدي القرآني والنبوي تجاه الآيات الكونية وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية. المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية. المطلب الثالث: تأييد الله لأنبيائه بالآيات الكونية. المطلب الرابع: الآيات الكونية وأركان الإسلام.

المطلب الأول: الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية

المطلب الأول: الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية إن تناول القرآن لحقائق الكون ومشاهده، ودعوته إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض والأنفس، لا يُراد منه إلا مخاطبة العقول والفطر البشرية، وتوجيه عامة الناس وخاصتهم إلى مكان العظة والعبرة، ولفتهم إلى آيات قدرة الله وحكمته ودلائل وحدانيته، من جهة ما لهذه الآيات والمشاهد من روعة في النفس وجلال في القلب، لا من جهة ما لها من دقائق النظريات وضوابط القوانين (¬1). فالآيات الكونية التي يتحدث عنها القرآن الكريم تتميز بأنها حقائق ضخمة، وخلق عظيم، لا يقدر قدرها إلا الذي أبدعها وخلقها سبحانه وبحمده، وقد أراد الله تعالى أن تكون تلك الآيات الكونية شواهد حق على صدق القرآن الكريم، وبراهين صدق على المبلغ له. ولهذا نجد أن للقرآن الكريم الهدي الواضح تجاه هذه الآيات الكونية، ويمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام رئيسة (¬2): ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن القيم، الدمام، ط1: 2/ 101 وما بعدها، والتفسير والمفسرون: 2/ 493. (¬2) انظر: سمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم: 1.

القسم الأول: الهدي المتعلق بذات الآيات الكونية

القسم الأول: الهدي المتعلق بذات الآيات الكونية أولاً: بيان عجزها عن التصرف. إن من الهدي القرآني تجاه الآيات الكونية أن يبين عجزها، وأنها لا تملك لنفسها ولا لغيرها شيئاً (¬1)، للاستدلال بذلك على إثبات وجود الله، وتقرير وحدانيته وعظمته وقدرته، قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (¬2). قال إبراهيم -عليه السلام- في مناظرته لقومه مبيناً عجز هذه الآلهة التي تدعى من دون الله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3). قال ابن كثير -رحمه الله-: " وبين - يعني إبراهيم -عليه السلام- - في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيرة ... فبين أولاً أن هذه الزهرة لا تصلح ¬

_ (¬1) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد بن عبد العظيم الزرقاني، تحقيق: فواز زمرلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3: 2/ 276. (¬2) فاطر: 13. (¬3) الأنعام: 75 - 79.

ثانيا: الاستدلال بانتظامها وحركتها على وجوب إفراده بالعبادة،

للإلهية؛ لأنها مسخرة مقدرة بسير معين، لا تزيغ عنه يمينًا ولا شمالا ولا تملك لنفسها تصرفا، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق، ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال. ومثل هذه لا تصلح للإلهية. ثم انتقل إلى القمر فبين فيه مثل ما بين في النجم. ثم انتقل إلى الشمس كذلك. فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} " (¬1). فالمعبود لا بد أن يكون قائماً بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شؤونه، فأما الذي لا يستطيع أن يفعل ذلك، فمن أين يستحق العبادة؟ (¬2). ثانياً: الاستدلال بانتظامها وحركتها على وجوب إفراده بالعبادة، كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬3)، فالله الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة، بأكمل تدبير، وأحسن نظام، وهذا دليل ظاهر على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه، وأنه ليس معه آلهة أخرى؛ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (¬4). ثالثاً: بيان خلق الله وتقديره وهدايته لها، قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (¬5)، وقال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 2/ 156 - 157. (¬2) انظر: تفسير ابن سعدي: 1/ 486. (¬3) يس: 37 - 40. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 23/ 9 - 10، تفسير البغوي: 3/ 640، تفسير ابن سعدي: 3/ 1453. (¬5) الأعلى: 1 - 3.

رابعا: بيان خضوعها لله -عز وجل-.

هَدَى (¬1). فالله هو الذي خلق كل شيء فسواه، فأكمل صنعته، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه. وقدر لكل مخلوق وظيفته وغايته فهداه إلى ما خلقه لأجله. قال ابن سعدي -رحمه الله-: " يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي أتقنها وأحسن خلقها، {وَالَّذِي قَدَّرَ} تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات {فَهَدَى} إلى ذلك جميع المخلوقات. وهذه الهداية العامة التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته" (¬2). رابعاً: بيان خضوعها لله -عز وجل-. أخبر الله -عز وجل- في آيات كثيرة عن خضوع هذه الآيات الكونية له، طوعاً وكرهاً، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬3). وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬4). فجميع ما خلقه في السماوات وما دب على الأرض ومشى على ظهرها من مخلوقات ¬

_ (¬1) طه: 50. (¬2) تفسير ابن سعدي: 4/ 1959، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم: 7/ 2424 - 2425، وتفسير القرطبي: 20/ 15. (¬3) النحل: 48 - 49. (¬4) فصلت: 11.

خامسا: بيان موافقتها للفطرة.

كلها خاضعة لربها، تسجد له {طَوْعًا وَكَرْهًا} (¬1). خامساً: بيان موافقتها للفطرة. إذا تدبر الإنسان كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وجد أن الله -عز وجل- قد أنزل الوحي موافقا للفطرة، والواقع المحسوس، لا يستطيع أن ينكر ذلك إلا مكابر قال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (¬2). قال ابن القيم -رحمه الله-: " وتأمل حال العالم كله علوية وسفلية بجميع أجزائه تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه، فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده لا فرق بينهما، بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس. فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه، ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما" (¬3). ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بهذا المخلوق أن وضع الدلائل المساندة للفطرة والموضحة له الطريق الصحيح في السلوك لما يريده خالقه منه، وأعقب ذلك بإرسال الرسل -عليهم السلام- بالوحي لزيادة التوضيح والبيان لكيفية سلوك هذا الطريق فجاءت معاني النصوص ودلالاتها موافقة لما في الكون من الآيات والحقائق. قال تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬4). قال ابن كثير -رحمه الله-: " يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة، وذلك ¬

_ (¬1) انظر: العبودية: 104، وتفسير ابن كثير: 3/ 45، وتفسير ابن سعدي: 2/ 826. (¬2) الأنعام: 33. (¬3) مدارج السالكين: 1/ 59 - 60. (¬4) إبراهيم: 10.

أن أممهم لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له، قالت الرسل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}؛ فإن الفطر تشهد بوجوده والاعتراف به؛ ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده. ومن ذلك النظر في هذا الكون، ومن خلقه وأوجده على غير مثال سابق، ولهذا قالت الرسل لأقوامهم ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سابق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه" (¬1). وقال ابن القيم -رحمه الله-: " فطرق العلم بالصانع فطرية ضرورية ليس في العلوم أجلى منها، وكل ما استدل به على الصانع فالعلم بوجوده أظهر من دلالته، ولهذا قالت الرسل لأممهم: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} فخاطبوهم مخاطبة من لا ينبغي أن يخطر له شك ما في وجود الله سبحانه، ونصب من الأدلة على وجوده ووحدانيته وصفات كماله الأدلة على اختلاف أنواعها، ولا يطيق حصرها إلا الله، ثم ركز ذلك في الفطرة ووضعه في العقل جملة ثم بعث الرسل مذكرين به ... ومفصلين لما في الفطرة والعقل العلم به جملة. فانظر كيف وجد الإقرار به وبتوحيده وصفات كماله ونعوت جلاله وحكمته في خلقه وأمره المقتضية إثبات رسالة رسله ومجازات المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته مودعا في الفطرة مركوزا فيها، فلو خُلّيت على ما خلقت عليه لم يعرض لها ما يفسدها ويحولها ويغيرها عما فطرت عليه، لأقرت بوحدانيته ووجوب شكره وطاعته، وبصفاته وحكمته في أفعاله، وبالثواب والعقاب، ولكنها لما فسدت وانحرفت عن المنهج الذي خلقت عليه أنكرت ما أنكرت وجحدت ما جحدت" (¬2). فالقرآن يخاطب الفطرة بجملتها، يخاطبها من أقصر طريق، ومن أوسع طريق وأعمق طريق. ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 2/ 544، وانظر: مدارج السالكين: 1/ 61. (¬2) مفتاح دار السعادة: 1/ 421 - 422.

القسم الثاني: الهدي المتعلق بطريقة القرآن الكريم في عرضها وأسلوب ذكرها وإيرادها.

القسم الثاني: الهدي المتعلق بطريقة القرآن الكريم في عرضها وأسلوب ذكرها وإيرادها. أولاً: التنوع في صيغ الحث على التفكر في آيات الله الكونية، فتارة بالأمر، وتارة بالاستنكار، وتارة بختم الآيات بالتعقل والتفكر، ووصف أصحابها بالعقل، وأولي الألباب، لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون. قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬1). وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (¬2). فأكثر الآيات القرآنية التي سيقت فيها الآيات الكونية، تختم غالباً بالدعوة والحث على النظر والتفكر والتأمل (¬3). قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬4)، وفي موضع {يَتَفَكَّرُونَ} (¬5)، و {يَعْلَمُونَ} (¬6)، و {يَعْقِلُونَ} (¬7)، و { ... يَذَّكَّرُونَ} (¬8). ¬

_ (¬1) يونس: 101. (¬2) ق: 6 - 8. (¬3) سمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم: 7. (¬4) النمل: 86. (¬5) الرعد: 3. (¬6) يونس: 5. (¬7) البقرة: 164. (¬8) النحل: 13.

ثانيا: عرضها بأبسط السبل ولعامة الناس دون الحاجة إلى التعمق والتكلف.

ثانياً: عرضها بأبسط السبل ولعامة الناس دون الحاجة إلى التعمق والتكلف. فالآيات الكونية تعرض في القرآن لجميع الناس على اختلاف مستوياتهم وعقولهم، ولذلك جاءت هذه الآيات بأبسط وأوضح صورة ليعقلها جميع الناس. فلا يشق على آحاد الناس وعامتهم إدراكها. وبذلك فهي سهلة الإدراك، لا تحتاج إلى أدوات علمية ولا إلى تقنية عصرية. ولا يعني هذا أن العالم والأمي يستويان في درجة الإدراك، بل المقصود أنهما يستويان في حصول أصل الإدراك، وإن تفاوتا في درجته ومبلغه (¬1). قال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬2). فالمشاهد التي تعرض في هذه الآيات في حاجة إلى العلم لإدراك التدبير والتفكر، وهي معروضة للإنسان حيثما كان، السماء والأرض والجبال والحيوان، وأياً كان حظ الإنسان من العلم فهي داخلة في عالمه وإدراكه، داعية له حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها بإفراد الله -عز وجل- بالربوبية والألوهية. وقال تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} (¬3). فاختلاف الليل والنهار تعاقبهما، ويشمل كذلك اختلافهما طولاً وقصراً، وكلتاهما ظاهرتان مشهودتان يعقلهما كل أحد. وما خلق الله في السماوات والأرض على اختلاف إشكاله وأنواعه يعقله كل أحد إن في ذلك كله: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}. ¬

_ (¬1) المصدر السابق: 3. (¬2) الغاشية: 17 - 20. (¬3) يونس: 6.

ثالثا: التدرج في عرضها والبدء بالأهم،

ولذلك لم يكن من الهدي القرآني استخدام الأسلوب الجدلي الذي جد فيما بعد عند المتكلمين والفلاسفة؛ لأن بعض هذا الأسلوب لا يصل إلى القلوب ولا يوافق العقل والفطرة، ولكن الهدي القرآني في عرضه للآيات الكونية بهذا الأسلوب الواضح البسيط هو أقوى الأدلة المقنعة للقلب والعقل جميعاً. ثالثا: التدرج في عرضها والبدء بالأهم، فنجد من الهدي القرآني عند عرضه للآيات الكونية البدء بالأهم، ويمهد لذلك بالقضايا المسلمة ثم ينتقل إلى الأصعب حتى يصل إلى المراد، قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (¬1). فنلاحظ من خلال الآيات التدرج معهم بالقضايا المسلمة مما أقروا به، ثم الترقي من الأمر السهل إلى الأمر الصعب. قال ابن سعدي -رحمه الله-: " أي قل لهؤلاء المكذبين بالبعث، العادلين بالله غيره، محتجا عليهم بما أثبتوه وأقروا به من توحيد الربوبية وانفراد الله بها، على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة على ما أنكروه من إعادة الموتى الذي هو أسهل من ذلك: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا}، ... ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك، فقال: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، ... ثم انتقل إلى إقرارهم بما هو أعم من ذلك كله، فقال: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} " (¬2). ¬

_ (¬1) المؤمنون: 84 - 90. (¬2) تفسير ابن سعدي: 3/ 1142 - 1143.

رابعا: ذكرها على سبيل العموم والإجمال في الغالب،

رابعاً: ذكرها على سبيل العموم والإجمال في الغالب، فالألفاظ القرآنية التي في سياق ذكر آيات الكون تتسم بعموم وإجمال، دون الخوض في تفاصيل وأجزاء الآيات الكونية؛ لأن الغرض والغاية من تلك الحقائق الكونية المذكورة في القرآن الكريم الاستدلال بها على المسائل الكبرى في هذا الدين، وتفاصيل وأجزاء تلك الحقائق الكونية غير مرادة (¬1)؛ لأنها لا تحقق الهدف، فإن أكثر الناس لا يدرك تفاصيل الحقائق الكونية، مما يجعله لا يستوعب الحديث عنها بهذا القدر التفصيلي. ولا يعنى هذا أن القرآن الكريم لم يرد فيه مواضع جاءت مفصلة، إذ وردت ألفاظ في غاية الدقة والانتقاء لتعبر عن أوصاف دقيقة، كقوله تعالى في وصف مراحل تخلّق الجنين في رحم أمه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (¬2). قال الشيخ محمد بن عثيمين (¬3) -رحمه الله- في تفسير سورة البقرة في فوائد قوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} (¬4): "ومنها: أنه ينبغي النظر إلى الآيات على وجه الإجمال والتفصيل؛ لقوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ}: مطلق؛ ثم قال تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى ¬

_ (¬1) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن: 2/ 277، وسمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم: 6. (¬2) المؤمنون: 12 - 14. (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن عثيمين، الفقيه المفسر، له من المؤلفات: الشرح الممتع على زاد المستقنع، وتقريب التدمرية، وشرح العقيدة الواسطية، وشرح كتاب التوحيد وغيرها من الكتب، توفي عام 1421. انظر: الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين لوليد بن أحمد الحسين، سلسلة إصدارات مجلة الحكمة، لندن، ط1، ومقدمة مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين لفهد السليمان، دار الثريا، الرياض، ط2: 1/ 9. (¬4) البقرة: 259.

خامسا: الاستفهام: وقد تعددت طرقه،

الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} ... الخ؛ فيقتضي أن نتأمل أولاً في الكون من حيث العموم، ثم من حيث التفصيل؛ فإن ذلك أيضاً يزيدنا في الإيمان" (¬1). خامساً: الاستفهام: وقد تعددت طرقه، فتارة يكون بالاستفهام التقريري عن الخلق والخالق، وتارة يكون بالاستفهام عن انتظام الكون واتزانه (¬2)، إلى غير ذلك (¬3). فالاستفهام التقريري هو: " الذي يرد في صورة عرض مقدمات أو قضايا مسلمة عند الخصم على صيغة الاستفهام ثم التدرج معه حتى يصل به للإقرار بالقضية المنكرة وينقاد للحق ويسلم له" (¬4). ويتوصل به إلى إثبات مقاصد القرآن العظمى كالتوحيد والبعث والوحي، قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5). قال ابن كثير -رحمه الله-: " ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ... فهم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق؛ ولهذا قال: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي أإله مع الله يعبد؟ وقد تبين لكم، ولكل ذي لب مما يعرفون به ¬

_ (¬1) تفسير القران الكريم، سورة البقرة لابن عثيمين: 3/ 296. (¬2) منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية: 113 - 114. (¬3) انظر: المصدر السابق: 112 وما بعدها. (¬4) المصدر السابق: 113. (¬5) النمل: 60 - 61.

أيضًا أنه الخالق الرازق" (¬1). "وهذه الآيات مألوفة ولكن طبيعة قوة الاستفهام أضفت على هذه الآيات الجدة والحداثة بحيث بدت كما لو أنها أول مرة يرى فيها البصر هذا الكون ويرى فيه القدرة الإلهية المتفردة تدبره وتحكمه، ووجه الاستدلال ما يتبدى من هذا الاستفهام من تقدم قضية الخلق على بقية القضايا المعروضة، لشرفها وعظمتها ولأنها كالأم لبقية القضايا" (¬2). ومن منهجه في الاستفهام أن يتخذ أسلوب السبر والتقسيم وذلك بأن يحصر جميع الافتراضات الواردة في القضية ثم يبدأ في تفنيد كل افتراض على حده ويبين أنه غير صالح ولا وجه لقبوله حتى يصل للافتراض الصحيح في المسألة، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} (¬3). قال ابن سعدي -رحمه الله-: " وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم. وقد تقرر في العقل مع الشرع أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور: إما أنهم خلقوا من غير شيء، أي لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال. أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور أن يوجد أحد نفسه. فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث وهو: أن الله هو الذي خلقهم، وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 3/ 381 - 382، وانظر: تفسير البغوي: 3/ 410. (¬2) منهج القرآن في عرض الظواهر الكونية: 118. (¬3) الطور: 35 - 36.

إلا له تعالى" (¬1). سادساً: الاستدلال بالآيات الكونية في الحوار والمجادلة، وذلك من أجل إظهار الحق وتفنيد الباطل. ومن ذلك ما جاء في حوار بعض الأنبياء -عليهم السلام- مع أقوامهم، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2). والملاحظ عند الاستدلال بهذه الآيات مناسبة هذه الآية الكونية لموضوع الحوار وطبيعته وتوقيته (¬3)، قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬4). قال ابن سعدي -رحمه الله-: " قد اشتملت الآية الأولى على معجزة، وتسلية، وتطمين قلوب المؤمنين، واعتراض وجوابه من ثلاثة أوجه، وصفة المعترض وصفة المسلّم لحكم الله دينه" ... ثم قال جوابا عن الشبهة: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}: " ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض، فقال تعالى: {قُلْ} لهم مجيبا: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله، ليس جهة من الجهات خارجة من ملكه، ومع هذا يهدي ¬

_ (¬1) تفسير ابن سعدي: 4/ 1726، وانظر: الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد بن عودة السعوي، دار العبيكان، ط8: 20. (¬2) لقمان: 25. (¬3) منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية: 69. (¬4) البقرة: 142.

سابعا: التنويع البديع في عرض الآيات الكونية لإقامة الحجة بها على الجاحدين، والإيضاح والتبيين؛

من يشاء إلى صراط مستقيم، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة أبيكم إبراهيم، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله؟ لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له، فهذا يوجب التسليم لأمره بمجرد ذلك، فكيف وهو من فضل الله عليكم وهدايته وإحسانه أن هداكم لذلك، فالمعترض عليكم معترض على فضل الله حسدا لكم وبغيا" (¬1). وكذلك وقوعها موقع الدليل القوى لرد ودحض حجة المجادلين المعاندين بأقوى البراهين الرادعة الزاجرة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬2). قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في فوائد الآية: "ثم إن إبراهيم -عليه السلام- انتقل إلى أمر لا يمكن الجدال فيه، فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} ". ثم قال: "ومنها-أي الفوائد-: حكمة إبراهيم -عليه السلام- وجودته في المناظرة" (¬3)، حيث آتى بالأدلة الواضحة التي لا تحتمل المعارضة فعجز المعارض عن الرد. سابعاً: التنويع البديع في عرض الآيات الكونية لإقامة الحجة بها على الجاحدين، والإيضاح والتبيين؛ لأن تعدد أنواع الأدلة يزيد المقصود وضوحاً (¬4)، ويكون سبباً لهداية من أراد الله له الهداية (¬5). فالتنوع والتعدد في عرض الآيات الكونية ينتج عنه انتفاء الملل والسأم لتعدد وتنوع ما ¬

_ (¬1) تفسير ابن سعدي: 1/ 102. (¬2) البقرة: 258. (¬3) تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة لابن عثيمين: 3/ 280. (¬4) تفسير التحرير والتنوير: 26/ 54. (¬5) انظر: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1: 13/ 20.

يذكر من الآيات الكونية، فمرة تتحدث الآيات عن الأفلاك والعوالم العلوية، ثم ما تلبث تتحدث عن الجبال والأرض والعوالم السفلية. وتستحوذ على اهتمام الناس بمختلف مستوياتهم ومشاربهم، إذ الناس مختلفون فيما يستوقفهم ويسترعي انتباههم. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬2). ويستخدم في عرض الآيات الكونية أساليب مختلفة: فتارة تعرص مجملة، وتارة مفصلة، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} (¬3). فقد جاء القرآن بالتوحيد، وسلك إلى تقرير هذه العقيدة وإيضاحها طرقاً شتى، وأساليب متنوعة، ووسائل متعددة {لِيَذَّكَّرُوا} فالتوحيد لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والرجوع إلى الفطرة ومنطقها (¬4)، وإلى الآيات الكونية ودلالتها؛ ولكن الكفار يزيدون نفوراً كلما سمعوا هذا القرآن. ويستخدم كذلك مفهوم المقابلة بين هذه الآيات الكونية"بذكر الشيء مع ما يوازيه في بعض صفاته ويخالفه في بعضها وتكون بالأضداد وغيرها" (¬5). فوصف السماء يقابله الأرض، ووصف الليل يقابله النهار وهكذا. قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} (¬6)، فوصْف الأرض ¬

_ (¬1) الأنعام: 105. (¬2) الأحقاف: 27. (¬3) الإسراء: 41. (¬4) انظر: رسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى: 1/ 11 - 12. (¬5) البرهان في علوم القرآن لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1419: 3/ 458. (¬6) البقرة: 22.

ثامنا: الإقسام من الله بها لبيان أهمية هذا المقسم به والمقسم عليه، ولبيان آيات العبرة والقدرة التي تظهر في هذا الكون الذي خلقه الله ونظمه.

فراشاً يقابل وصف السماء بناءً، وقد جاء هذا الوصف عن السماء مع الأرض قراراً، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} (¬1). ومنه قوله تعالى في المقابلة بين الليل والنهار: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (¬2)، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬3). ثامناً: الإقسام من الله بها لبيان أهمية هذا المقسم به والمقسم عليه، ولبيان آيات العبرة والقدرة التي تظهر في هذا الكون الذي خلقه الله ونظمه (¬4). والقسم في الخطاب من أساليب تأكيد القضية وتقريرها، ودفع الخصم إلى الاعتراف بما يجحد وينكر، أو يتردد ويتخوف منه. قال السيوطي (¬5) -رحمه الله- مبينا غاية القسم: "القصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده" (¬6). وقال ابن القيم -رحمه الله-: " والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه فلابد أن يكون بما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور الظاهرة المشهورة ¬

_ (¬1) غافر: 64. (¬2) يونس: 67. (¬3) النمل: 86. (¬4) انظر: التعليق العلمي على المنتخب في تفسير القرآن الكريم للجنة القرآن والسنة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، دار الثقافة، الدوحة، ط8: 801. (¬5) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، له مؤلفات كثيرة، منها: الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع، والخصائص الكبرى، وشرح الصدور بأحوال الموتى والقبور، والدر المنثور في التفسير بالمأثور وغيرها، توفي سنة 911. انظر: الضوء اللامع للسخاوي: 4/ 65 - 70، وشذرات الذهب: 8/ 51. (¬6) الإتقان في علوم القرآن: 4/ 46.

كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها" (¬1). ويتنوع القسم بالآيات الكونية حسب تنوعها من آيات فلكية وآيات زمنية وآيات جوية (¬2). قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (¬3). وهذا القسم بهذه الآيات من باب التعظيم والتكريم لهذه المخلوقات وأنها شواهد ودلائل على عظمة الخالق وقدرته وتوحيده. قال ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (¬4): "والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله -عز وجل-، يقسم بما شاء من خلقه، وهو دليل على عظمته" (¬5). ولذلك يقسم الله بهذه الآيات الكونية على أمور عظيمة (¬6)، ومن ذلك القسم بالزاجرات - وهي الملائكة- تزجر السحاب، وعلى القول الأخر فأنه قسم بالصافات - وهي الطير تصف أجنحتها في الهواء - (¬7)، والسحاب والطير من آيات الله الكونية أقسم بها على التوحيد، قال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: مجموع الفتاوى: 13/ 314، والتبيان في أقسام القرآن لابن القيم، تحقيق: محمد زهري النجار، المؤسسة السعيدية، الرياض: 1/ 46. (¬2) انظر: منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية: 164. (¬3) الواقعة: 75 - 76. (¬4) الواقعة: 75. (¬5) تفسير ابن كثير: 4/ 319، وانظر: الإتقان في علوم القرآن: 4/ 46. (¬6) انظر: منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية: 157 - 158. (¬7) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 61، وتفسير ابن كثير: 7/ 5. (¬8) الصافات: 1 - 4.

تاسعا: ضرب الأمثال بها للتوضيح والتقريب

وعلى أن القرآن الكريم حق وصدق ومنزل من عند الله قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). وعلى أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- صادق القول وأن كلامه وحي من الله، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬2). والقسم بهذه الآيات الكونية على نمط جلي واضح، وهو القسم بالظاهرة وأحوالها المنتظمة الدالة على عظمة خالقها، ومشيئته وحكمته ليفرد بالتأله والعبادة كما أفرد بالربوبية، ومن ذلك قسمه سبحانه بالليل في جميع أحواله قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (¬4)، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} (¬5)، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (¬6)، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬7)، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} (¬8). تاسعاً: ضرب الأمثال بها للتوضيح والتقريب"بتنزيل المعقول منزلة المشهود فيكون ¬

_ (¬1) الواقعة: 75 - 80. (¬2) النجم: 1 - 4. (¬3) المدثر: 33. (¬4) التكوير: 17. (¬5) الانشقاق: 17. (¬6) الفجر: 4. (¬7) الليل: 1. (¬8) الضحى: 2.

التصديق أتم، ومعرفته أكمل، وضبطه أسهل" (¬1). فإن في ضرب الأمثال تقريبا"للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، وهذا من رحمة الله وحسن تعليمه، فله أتم الحمد وأكمله وأعمه" (¬2). ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه من ضرب الأمثلة بالآيات الكونية وتنوعها، ففيه التمثيل بالظلمات والنور، والتمثيل بالنبات، والتمثيل بالريح وهكذا (¬3). قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (¬4). ويلاحظ من خلال ضرب الأمثال البعد عن الغرابة الموهمة أو الغموض، فالغرابة غير مقصودة في أمثال القرآن وغير مرادة؛ فإن ضرب الأمثال إنما يكون" لتقريب المراد، وتفهيم المعنى، وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثل به، فإنه قد يكون أقرب إلى تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره؛ فإن النفس تأنس بالنظائر ¬

_ (¬1) مدارج السالكين: 1/ 271. (¬2) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1/ 109، وانظر: تفسير ابن سعدي: 2/ 848، والقواعد الحسان: 61 - 62. (¬3) انظر: منهج القرآن في عرض الظواهر الكونية: 91 وما بعدها، للتعرف على طريقة القرآن في التمثيل بالآيات الكونية. (¬4) إبراهيم: 24 - 27.

والأشباه الأنس التام، وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير؛ ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد، ولا ينكره، وكلما ظهرت له الأمثال ازداد المعنى ظهورا، ووضوحا، فالأمثال شواهد المعنى المراد، ومزكية له فهي {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} (¬1) ... وهي خاصة العقل ولبه وثمرته" (¬2). ¬

_ (¬1) الفتح: 29. (¬2) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 1/ 425.

القسم الثالث: الهدي المتعلق بالغرض والغاية الذي سيقت لأجله تلك الآيات الكونية.

القسم الثالث: الهدي المتعلق بالغرض والغاية الذي سيقت لأجله تلك الآيات الكونية. أولاً: الاستدلال بها على أصول العقائد. فهذه الآيات الكونية وما تدل عليه من حقائق علمية، لم تذكر في القرآن الكريم لمجرد الذكر، أو من أجل بيانها للناس ودلالتهم عليها ابتداءً، وإنما هي سيقت تابعا للغرض والهدف الذي ذكرت في ثناياه، فهي سيقت في سبيل الاستدلال بها على قضايا كبرى كالألوهية والنبوات والبعث والإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر، وهذا النوع كثير في القرآن (¬1). قال ابن القيم -رحمه الله-: " وهذه طريقة القرآن في إرشاده الخلق إلى الاستدلال بأصناف المخلوقات وأحوالها على إثبات الصانع وعلى التوحيد والمعاد والنبوات، فمرة يخبر أنه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا، ومرة يخبر أنه خلقهم بالحق، ومرة يخبرهم وينبههم على وجوه الاعتبار والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسله حتى يبين لهم أن الرسل إنما جاؤوهم بما يشاهدون أدلة صدقه، وبما لو تأملوه لرأوه مركوزا في فطرهم مستقرا في عقولهم، وأن ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما أخبرت به رسله عنه من أسمائه وصفاته وتوحيده ولقائه ووجود ملائكته، وهذا باب عظيم من أبواب الإيمان إنما يفتحه الله على من سبقت له منه سابقة السعادة وهذا أشرف علم يناله العبد في هذه الدار" (¬2). ومن ذلك الاستدلال بخلقها وملكها على وجوب إفراد الله بالعبادة كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ ¬

_ (¬1) انظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان، مكتبة المعارف، الرياض، ط3: 313، وسمات الآيات الكونية في القرآن الكريم: 1. (¬2) بدائع الفوائد لابن القيم، دار الكتاب العربي، بيروت: 4/ 162 - 163.

ثانيا: الاعتبار والانتفاع بها.

لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (¬1). قال ابن كثير -رحمه الله- في بيان مضمون هذه الآية - بعد أن ذكر ما في هذه الآية من أن الله هو المنعم على عبيده بخلقهم وإسباغه عليهم النعم-: " ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يُشْرَك به غَيره؛ ولهذا قال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} " (¬2). وقد وصف الله سبحانه القرآن بأنه هدى ورحمة وبيان ورشاد للخلق جميعاً وفي الحق؛ ولذا يجب أن يُقتصر بتلك الآيات فهماً واستنباطاً على ما يحقق الغاية التي سيقت لها، فهذا الغرض والمقصد هو الهدف الأصيل لسياقها، وكل ما تحقق مع هذا الهدف فهو تبع له دائر في فلكه، لا يجوز أن يجنح بنا النظر والاستنباط عن هذه الدائرة (¬3). ثانياً: الاعتبار والانتفاع بها. يبين الله تعالى أن سياق هذه الآيات الكونية وذكرها إنما هو للعظة والاعتبار، قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (¬4)، أي يفهموا ما خلقوا من أجله، ويفقهوا الحقائق الشرعية، والمطالب الإلهية، ويتدبروا عن الله آياته وحججه وبراهينه (¬5). "وظاهر الآية يدل على أنه تعالى ما صرف هذه الآيات إلا لمن فقه وفهم، فأما من ¬

_ (¬1) البقرة: 21 - 22. (¬2) تفسير ابن كثير: 1/ 60، وانظر: تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القران: 28. (¬3) سمات الآيات الكونية في القرآن الكريم: 6. (¬4) الأنعام: 65. (¬5) انظر: تفسير الطبري: 7/ 229،255، وتفسير ابن كثير: 2/ 148، وتفسير ابن سعدي: 2/ 481.

ثالثا: بيان امتنان الله -عز وجل- بها على عباده والذي يستلزم إفراده بالعباده.

أعرض وتمرد فهو تعالى ما صرف هذه الآيات لهم والله أعلم" (¬1). فالنظر إلى الآيات الكونية والاعتبار بحكمة الله في خلقها، دليل عظيم ينتفع به أهل العقول، ولذلك لما عقل أهل الإيمان هذه الآيات حصل لهم الاعتبار والانتفاع فزاد إيمانهم وتعلقهم بربهم فحصلت لهم الهداية. قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬2). أما من أعرض عن آيات الله ولم يتفكر فيها ويأخذ العبرة منها، فإن الآيات على كثرتها والنذر على قوتها لا تغني عن القوم الظالمين، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬3). ثالثاً: بيان امتنان الله -عز وجل- بها على عباده والذي يستلزم إفراده بالعباده. فالله -عز وجل- يمن على عباده بخلقه لهذه الآيات العظيمة، وتسخيرها للناس وتيسيرها لهم، وهو بذلك يدعوهم إلى عبادته وحده. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} (¬4). قال ابن سعدي -رحمه الله-: " وهذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به إلى توحيده وعبادته والإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار، فتخرج من ¬

_ (¬1) تفسير الرازي: 13/ 20. (¬2) آل عمران: 190 - 191. (¬3) يونس: 101. (¬4) الواقعة: 63 - 67.

رابعا: بيان آثار صفات الله وأفعاله من خلالها.

ذلك من الأقوات والأرزاق والفواكه، ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم، التي لا يقدرون أن يحصوها، فضلا عن شكرها، وأداء حقها" (¬1). فتعرض هذه الآيات كلها في معرض نعم الله وفضله على الناس، وفي معرض الوحدانية وإخلاص الدين لله، وهي وإن كانت منناً يحق أن يشكرها الناس فإنها أيضاً دلائل إذا تفكر فيها المنعَمُ عليهم اهتدوا بها إلى أن الذي يخلق هذا ويبدعه بهذا التناسق هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد وحده ويخلص له الدين وحده" (¬2). رابعاً: بيان آثار صفات الله وأفعاله من خلالها. فإن من هدي القرآن تجاه الآيات الكونية لفت الأنظار والتفتيش والاعتبار بآثار ربوبية الله وصفاته من الإحياء والإماتة، والرزق وخلق السماوات والأرض والنبات، وإنزال المطر من السحب، وتعاقب الليل والنهار وغيرها كثير (¬3)، للقيام بحق ربوبية الله وألوهيته، فلا يقصد في الحوائج غيره، ولا يتوكل على سواه، ولا يستعن إلا به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " فإذا عرف العبد أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه محتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله وهذا العبد يسأل ربه ويتضرع إليه ويتوكل عليه" (¬4). وقال تعالى مبيناً أثراً من آثار صفاته - وهي صفة الرحمة -: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ¬

_ (¬1) تفسير ابن سعدي: 4/ 1768، وانظر تفسير البحر المحيط لمحمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الأندلسي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1: 2/ 330، 3/ 411. (¬2) تفسير التحرير والتنوير: 25/ 337، وانظر: تفسير ابن سعدي: 2/ 851. (¬3) انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية، تصحيح: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، دار القاسم، الرياض، ط2: 1/ 180 - 181. (¬4) العبودية: 52.

مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬1). قال ابن جرير -رحمه الله-: " فانظر يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، إلى آثار الغيث الذي ينزل الله من السحاب، كيف يحيي بها الأرض الميتة، فينبتها ويعشبها، من بعد موتها ودثورها، {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى. يقول جلّ ذكره: إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كل شيء مع قدرته على إحياء الموتى قدير، لا يعزّ عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه سبحانه"} (¬2)،" وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في آلاء الله والنظر إليها بعين الاعتبار والاستدلال، لا بعين الغفلة والإهمال" (¬3). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} (¬4). قال ابن القيم -رحمه الله-: " فأما المفعولات فأنها دالة على الأفعال، والأفعال دالة على الصفات؛ فإن المفعول يدل على فاعل فعله، وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه؛ لاستحالة صدور الفعل الاختياري من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا إرادة، ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على إرادة الفاعل، وأن فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحدا غير متكرر، وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على ¬

_ (¬1) الروم: 48 - 50. (¬2) تفسير الطبري: 21/ 64. (¬3) تفسير ابن سعدي: 2/ 552 - 553. (¬4) يونس: 5 - 6.

خامسا: بيان الحكمة في خلق هذه الآيات الكونية، وأن ذلك بالحق، وأنها لم تخلق عبثا.

حكمته تعالى، وما فيها من النفع والإحسان والخير دال على رحمته، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دال على غضبه، وما فيها من الإكرام والتقريب والعناية دال على محبته، وما فيها من الإهانة والإبعاد والخذلان دال على بغضه ومقته، وما فيها من ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه إلى تمامه ونهايته دال على وقوع المعاد، وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على إمكان المعاد، وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات، وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالات أحق بها، فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به رسله عنه، فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات، منبهه على الاستدلال بالآيات المصنوعات" (¬1). خامساً: بيان الحكمة في خلق هذه الآيات الكونية، وأن ذلك بالحق، وأنها لم تخلق عبثاً. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2). فأخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق، أي بالعدل والقسط، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ولا لعبًا (¬3)، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (¬4). فالله -عز وجل- ما خلق السماوات والأرض عبثا، ولا لعبا من غير فائدة، بل خلقها بالحق وللحق الذي لا يصلح التدبير إلا به، ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم، المدبر الحكيم، الرحمن الرحيم، الذي له الكمال كله، والحمد كله، والعزة كلها، الصادق في قيله، الصادقة ¬

_ (¬1) الفوائد: 32، وانظر: تفسير ابن سعدي: 2/ 699. (¬2) الدخان: 38 - 39. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 156. (¬4) ص: 27.

سادسا: التحدي بها إقامة للتوحيد وردا للشرك،

رسله، فيما تخبر عنه، وأن القادر على خلقهما مع سعتهما وعظمهما، قادر على إعادة الأجساد بعد موتها، ليجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته (¬1). سادساً: التحدي بها إقامة للتوحيد ورداً للشرك، فهي حجة دامغة وبرهان ساطع كما أخبر الله تعالى في قصة مناظرة إبراهيم -عليه السلام- مع المشرك الجاحد بألوهية الله وربوبيته، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬2). قال ابن القيم -رحمه الله-: " فإن من تأمل موقع الحجاج وقطع المجادل فيما تضمنته هذه الآية وقف على أعظم برهان بأوجز عبارة، فإن إبراهيم -عليه السلام- لما أجاب المحاج له في الله بأنه الذي يحيي ويميت أخذ عدو الله معارضته بضرب من المغالطة، وهو أنه يقتل من يريد ويستبقي من يريد فقد أحيا هذا وأمات هذا، فألزمه إبراهيم على طرد هذه المعارضة أن يتصرف في حركة الشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها إذا كان بزعمه قد ساوى الله في الإحياء والإماتة، فإن كان صادقا فليتصرف في الشمس تصرفا تصح به دعواه، وليس هذا انتقالا من حجة إلى حجة أوضح منها كما زعم بعض النظار، وإنما هو إلزام للمدعي بطرد حجته إن كانت صحيحة" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 23/ 179،، وتفسير البغوي: 3/ 701، 25/ 152، وتفسير ابن سعدي: 3/ 1059. (¬2) البقرة: 258. (¬3) الصواعق المرسلة: 2/ 490 - 491، وانظر: تفسير ابن سعدي: 4/ 2016.

المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية

المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية قد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن ما فضل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على غيره من البشر إنما هو بالوحي. قال جل ذكره: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (¬1). فهو -صلى الله عليه وسلم- بشر من بني آدم، ليس له من الأمر شيء، وإنما فضله الله وخصه بالوحي الذي أوحاه إليه، وأمره بإتباعه والدعوة إليه (¬2). والوحي يشمل القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ الذين جاء بهما محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬3)، وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬4). وقد أمر الله -عز وجل- بطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في آيات كثيرة، وبين أن طاعته من طاعة الله تعالى، وليس ذلك إلا لأنه يتكلم بالوحي وينطق به ويأمر بشريعة الله تعالى ويبين سنن الهدى التي أمره الله تعالى أن يبلغها، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (¬5)، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (¬6). ¬

_ (¬1) الكهف: 110، فصلت: 6. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 24/ 107، وتفسير ابن كثير: 3/ 114، وتفسير ابن سعدي: 4/ 1564. (¬3) النجم: 3 - 4. (¬4) يونس: 15. (¬5) النساء: 80. (¬6) المائدة: 92.

وقد ختمت الرسالات برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (¬1). فكان محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً للعالمين، وليس خاصاً بقومه من العرب كما كان الأنبياء والمرسلون قبله يرسلون إلى أقوامهم؛ وذلك لأن رسالته هي خاتم الرسالات، ودينه هو الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬3). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون». وفي رواية: «كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود» (¬4). وقد بين الله تعالى أنه علم هذا الرسول من العلوم ما لم يكن يعلم، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (¬5). وقد أمره الله تعالى أن يدعوه بطلب زيادة العلم، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (¬6). فهذا العلم - ومنه العلم بالآيات الكونية - الذي جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو من الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 40. (¬2) الفرقان: 1. (¬3) الأنبياء: 107. (¬4) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة: 1/ 370 - 371 برقم (521، 523). (¬5) النساء: 113. (¬6) طه: 114.

وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنه عندما سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كتابة كل ما يسمعه منه فأوما -صلى الله عليه وسلم- بأصبعه إلى فيه، وقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق» (¬1). فهذا يدل على أن كل ما جاء في السنة المطهرة حق لا شك فيه سواء كان إشارة إلى حقيقة علمية، أو قضية تاريخية عن نبي من الأنبياء، أو عن أحد من أهل زمانه أو غير ذلك، وهو موافق لما جاء في القرآن. ولما كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون وجوه الإعجاز فيها هي نفس وجوه الإعجاز في القرآن الكريم اللهم إلا فيما كان راجعاً إلى الصفة الإلهية في القرآن الكريم كإعجازه اللغوي والنحوي والصرفي والأسلوبي (¬2). ويمكن تقسيم الهدي النبوي تجاه هذه الآيات الكونية، كالتقسيم السابق للهدي القرآني تجاهها إلى ثلاثة أقسام رئيسة (¬3): ¬

_ (¬1) سنن أبي داود - اعتنى به فريق بيت الأفكار الدولية، دار بيت الأفكار الدولية، الرياض-: كتاب العلم، باب في كتابة العلم: 403 برقم (3646)، ومسند الإمام أحمد: 11/ 58 برقم (6510)، وقال المحقق: إسناده صحيح. ورواه الحاكم في مستدركه، دار الفكر، بيروت، 1398: 1/ 105 - 106، وقال: رواة هذا الحديث قد احتج بهم عن آخرهم غير الوليد، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي فإنه الوليد بن عبد الله، وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج مسلم به. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: إن كان الوليد هو ابن أبي الوليد الشامي فهو على شرط مسلم. قال الألباني على كلام الحاكم: كذا قال، وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان. انظر: السلسلة الصحيحة: 4/ 45 - 46 برقم (1532). (¬2) انظر: مقارنة بين أسلوب الحديث النبوي وأسلوب القرآن الكريم لمصطفى أحمد الزرقا، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد (1)، عام 1395: 91 - 95. (¬3) انظر: ص 76 من هذا البحث، وسمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم: 1.

القسم الأول: الهدي المتعلق بذات الآيات الكونية

القسم الأول: الهدي المتعلق بذات الآيات الكونية أولاً: بيان عبودية هذه الآيات الكونية لله وأنها تسبح له. أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عبودية هذه الآيات الكونية لربها، وأنها تسبحه وتلبي مع الملبي، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل (¬1)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه، أو عن شماله من شجر أو حجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا» (¬2)، فهذا إخبار بأن الحجر يلبي تلبية حقيقية. ثانياً: الإخبار عن بعض صفاتها وأعمالها. أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض صفات وأعمال هذه الآيات الكونية، فقال عن جبل أحد: «أحد جبل يحبنا ونحبه» (¬3). وأخبر عن حجر كان يسلم عليه قبل مبعثه -عليه الصلاة والسلام-، فقال: «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» (¬4). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 68. (¬2) سنن الترمذي،، دار بيت الأفكار الدولية، الرياض: كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر: 154 برقم (828)، وسنن ابن ماجه،، دار بيت الأفكار الدولية، الرياض: بلفظ" ما من ملب"، كتاب المناسك، باب التلبية: 318 برقم (2921)، ورواه الحاكم في المستدرك بلفظ"ما من مؤمن": 1/ 451 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬3) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب (81): 838 برقم (4422). (¬4) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة: 4/ 1782 برقم (2277).

القسم الثاني: الهدي المتعلق بطريقة السنة في عرضها للآيات الكونية وأسلوب ذكرها وإيرادها.

القسم الثاني: الهدي المتعلق بطريقة السنة في عرضها للآيات الكونية وأسلوب ذكرها وإيرادها. أولاً: استعمال الاستفهام لتقرير الأمور الغيبية المتعلقة بالآية الكونية. كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في التعليم استخدام الاستفهام في بيان المسألة. فعن أبى ذر -رضي الله عنه- قال دخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس فلما غابت الشمس، قال: «يا أبا ذر هل تدرى أين تذهب هذه؟» قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتستأذن فى السجود فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعى من حيث جئت فتطلع من مغربها» (¬1). ثانياً: ضرب الأمثال بها. فمن أساليب تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب الأمثال في الأمور المهمة بالأمور المحسوسة المعقولة (¬2) فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون (¬3) في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فهل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك» ... ثم ذكر حشر الناس يوم القيامة، ومن يجوز الصراط ثم قال: «وبه كلاليب مثل شوك ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الزمان الذي لا يقبل فيه الإيمان: 1/ 139 برقم (159). (¬2) انظر: مدارج السالكين: 1/ 271. (¬3) بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضرر. أي لا تضرون أحداً ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة. وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضاً فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، تعليق: الشيخ عبد العزيز ابن باز وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر: 11/ 446.

السعدان. أما رأيتم شوك السعدان؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله». ثم ذكر صفة الذين يخرجون من النار من أهل السجود فقال: «فيُخرجونهم قد امتحشوا (¬1)، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة (¬2) في حميل السيل (¬3)» الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة. أي احترقوا وزنه ومعناه. انظر: فتح الباري: 1/ 457. (¬2) بكسر أوله. قال: الفراء هي بزر البقل البري، وقال أبو عمرو: نبت ينبت في الحشيش، وقيل: ما كان في النبات له اسم فواحده حبة بالفتح، وما لا اسم له حبة بالكسر. انظر: فتح الباري: 1/ 101. (¬3) هو ما يجيء به السيل من طين وغيره فعيل بمعنى مفعول وقيل هو خاص بما لم يصك قطره ولبعضهم بالهمزة بدل اللام وهو كالحمأة. انظر: فتح الباري: 1/ 108. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: الصراط جسر جهنم: 1275 برقم (6573).

القسم الثالث: الهدي المتعلق بالغرض والغاية الذي سيقت لأجله تلك الآيات الكونية.

القسم الثالث: الهدي المتعلق بالغرض والغاية الذي سيقت لأجله تلك الآيات الكونية. أولاً: التوسل إلى الله -عز وجل- بربوبيته لها (¬1): كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما كان يتوجه إلى ربه بالدعاء أن يذكر في دعائه خصائص الربوبية والأسماء والصفات الدالة على توحيد الإثبات والمعرفة، والتي لها علاقة بدلائل الآيات الكونية؛ لأنها من أعظم الدلائل على وحدانية الله سبحانه، فكان -صلى الله عليه وسلم- يدعو عند الكرب فيقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم» (¬2)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يفتتح صلاته إذا قام من الليل: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم» (¬3). ثانياً: بيان المسائل العقدية عند حدوث التغيرات الكونية. فمن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبين بعض المسائل العقدية عند حصول تغيرات كونية، ويبين السبب في حدوث ذلك. فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عند شدة الحر وشدة البرد أن هذه الشدة من فيح جهنم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم»، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «واشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون ¬

_ (¬1) انظر في أحكام التوسل كتاب قاعدة جليلية في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب: 1220 برقم (6345). (¬3) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: 1/ 34 برقم (770).

ثالثا: التنبيه على المخالفات العقدية عند حدوث التغيرات الكونية

من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير» (¬1)، إلى غير ذلك. ثالثاً: التنبيه على المخالفات العقدية عند حدوث التغيرات الكونية: كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الواضح التنبيه على المخالفات العقدية خصوصاً عند وجود مناسبة لذلك، فلما كسفت الشمس في اليوم الذي توفي فيه ابنه إبراهيم، وكان من الاعتقادات في الجاهلية أن كسوف الشمس أو القمر يحصل عند موت عظيم أو حياته وربط بعض الصحابة هذه الآية بحالة الوفاة، قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاعتقاد من أصله، فقال: «الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا» (¬2). رابعاً: الأمر بالتوجه والتعلق بالله -عز وجل- عند حدوث تغيرات كونية. فعند حصول أي تغير في هذه الآيات الكونية نجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحث أمته على التوجه إلى الخالق والتعلق به، مع بيانه أن هذه الآيات مربوبة مخلوقة يتصرف الله فيها كيف يشاء. ففي أحاديث الكسوف يأمر -صلى الله عليه وسلم- بالإسراع إلى الصلاة والتوجه إلى الله سبحانه، وأن الجرمين السماويين الذي ينتج عنهم أثر الخسوف والكسوف ما هي إلا مأمورة بأمر خالقها تؤدي ما وجب عليها من فعل وليس لها تأثير في حياة أو موت وإنما المحي والمميت هو خالقها سبحانه، ولذلك جاء في الحديث السابق: «فإذا رأيتم - يعني الكسوف- فصلوا وادعوا الله». خامساً: الخوف والوجل من الله -عز وجل- عند حدوث التغييرات الكونية. فقد كانت حاله -صلى الله عليه وسلم- بخلاف حال الناس، من الخوف من الله حتى يعرف ذلك من فعله وحاله، فلما كسفت الشمس قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة (¬3). وعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكا حتى أرى ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر: 122 برقم (534، 537). (¬2) صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا حياته: 211 برقم (1057). (¬3) صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب الذكر في الكسوف: 211 برقم (1059).

منه لهواته، إنما كان يبتسم، قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال: «يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (¬1)» (¬2). ¬

_ (¬1) الأحقاف: 24. (¬2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ: 948 برقم (4828).

المطلب الثالث: تأييد الله لأنبيائه بالآيات الكونية

المطلب الثالث: تأييد الله لأنبيائه بالآيات الكونية أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، وحجة على العالمين، قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (¬1)، وحتى لا يحتج أحد على الله فيقول: {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} (¬2). وما بعث الله رسولاً إلا أيده بالآيات الدالة على صدق رسالته وصحة دعواه، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} (¬3)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة» (¬4). فمعجزات الأنبياء هي الآيات التي يعجز الله بها البشر أن ياتوا بمثلها ويكون ذلك تأييداً لأنبيائه. قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: " معجزات الأنبياء هي الآيات التي أعجزوا بها البشر أن يأتوا بمثلها والله تعالى يسميها آيات، وهي علامات دالة على صدق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فيما جاؤوا به من الرسالة" (¬5). وقال ابن القيم -رحمه الله- في بيان أن طريقة الاستدلال بالآيات الكونية المأخوذة عن طريق الحس لمن شاهدها، واستفاضة الخبر لمن غاب عنها، وأنها من أقوى ¬

_ (¬1) النساء: 165. (¬2) طه: 134. (¬3) الحديد: 25. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " بعثت بجوامع الكلم": 1387 برقم (7274). (¬5) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 5/ 303، وانظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: 3/ 242.

الطرق وأصحها، وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله، ودلالة ذلك على تأييد الله لأنبيائه: " وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها، وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله، وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها، فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل، ودلالتها ضرورية بنفسها، ولهذا يسميها الله سبحانه آيات بينات، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها، فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت من أدل الدليل على وجود الصانع وحياته وقدرته وإرادته وعلمه بالكليات والجزئيات، وعلى رسالة الرسول وعلى المبدأ والمعاد، فكل قواعد الدين في هذه العصا" ... ثم ذكر بعض الأمثلة، ثم قال: " وأمثال ذلك مما هو من أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر" (¬1). وقال ابن سعدي -رحمه الله- في بيان كيف يقرر القرآن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يكون أحيانا عن طريق الآيات الكونية: " وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدالِّ كل واحد منها بمفرده - فكيف إذا اجتمعت - على أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـ الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" (¬2). وقال أيضا في بيان آيات الرسل والفرق بينها وبين طلبات واقتراحات المكذبين، وكيف يكون تأييد الله لرسله: " القاعدة الخمسون: آيات الرسول: هي التي يبديها الباري ويبتديها، وأما ما أبداه المكذبون له واقترحوه، فليست آيات، وإنما هي تعنتات وتعجيزات. وبهذا يعرف الفرق بينها وبين الآيات: وهي البراهين والأدلة على صدق الرسول وغيره من الرسل، وعلى صدق كل خبر أخبر الله به، وأنها الأدلة والبراهين التي يلزم من فهمها على وجهها صدق ما دلت عليه ويقينه" (¬3). وقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم: "أنها دليل على قدرة الله، وأنها دليل على صحة ما جاءت به الرسل، وأنه لا يمكن للمرء إلا أن يصدق ¬

_ (¬1) مختصر الصواعق المرسلة: 2/ 487 - 490 باختصار. (¬2) القواعد الحسان: 29، 42. (¬3) المصدر السابق: 106.

برسالة الرسول الذي جاء بها حيث جاء بما لا يقدر عليه أحد سوى الله -عز وجل- " (¬1). ثم بين من فوائد هذه الآيات أيضاً: " بيان رحمة الله بعباده، فإن هذه الآيات التي يرونها مؤيدة للرسل تزيد إيمانهم وطمأنينتهم لصحة الرسالة، ومن ثم يزداد يقينهم وثوابهم ولا يحصل لهم حيرة ولا شك ولا ارتباك" (¬2). فرحمة الله بالرسول الذي أرسله حيث ييسر قبول رسالته بما يجريه على يديه من الآيات ليتسنى إقناع الخلق بأمور لا يستطيعون معارضتها ولا يمكنهم ردها إلا جحودا وعنادا، قال الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، أي لما يرون من الآيات الدالة على صدقك. {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (¬3) أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم (¬4). ومن الآيات التي حصلت للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تأييد له من الله -عز وجل-: " ما أظهره الله شاهداً على صدقه من الآيات الأفقية كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (¬5)؟. ولذلك أمثلة: المثال الأول: انشقاق القمر، فقد انشق القمر وصار فرقتين، وشاهد الناس ذلك، وقد أشار الله إلى ذلك في القرآن، فقال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 5/ 304. (¬2) المصدر السابق: 5/ 305. (¬3) الأنعام: 33. (¬4) انظر:: تفسير ابن كثير: 2/ 134. (¬5) فصلت: 53.

مُسْتَقِرٌّ (¬1) وقد أجمع العلماء على وقوع ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة، وقد رآه الناس بمكة. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رآه: «اشهدوا اشهدوا» (¬2)، وقدم المسافرون من كل وجه فأخبروا أنهم رأوه" (¬3). والمثال الثاني: " نزول المطر باستسقائه مباشرة، وإقلاع المطر باستصحائه مباشرة" (¬4)، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " أصابت سنة - أي جدب - على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة (¬5)، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع يديه وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة (¬6)، وسال الوادي وادي قناة (¬7) شهراً، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود" (¬8). ومن الآيات الكونية التي أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأنها ستقع، ووقعت كما أخبر: "إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن ظهور نار في أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى (¬1)، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ¬

_ (¬1) القمر: 1 - 3. (¬2) سبق تخريجه: 60. (¬3) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 5/ 311 - 312. (¬4) المرجع السابق: 5/ 313. (¬5) القزعة: بفتح القاف والزاي بعدها مهملة، أي سحاب متفرق. فتح الباري: 2/ 503. (¬6) الجوبة: بفتح الجيم ثم الموحدة، وهي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفرجة في السحاب. فتح الباري: 2/ 506. (¬7) قناة: بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات مزارع بناحية أحد، وواديها أحد أودية المدينة المشهورة. فتح الباري: 2/ 506. (¬8) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة: 186 برقم (933).

-صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» (¬2). فقد خرجت هذه النار (¬3) في جمادى الآخرة سنة 654هـ شرقي المدينة فأقامت نحواً من شهر وملأت تلك الأودية وشاهد الناس أعناق الإبل ببصرى" (¬4). قال ابن تيمية -رحمه الله-: " وهذه النار كانت تحرق الحجر" (¬5). ¬

_ (¬1) بصرى: بضم الباء مدينة معروفة بالشام، وهي مدينة حوران، بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، 140 كم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 18/ 30، وبلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج، ترجمة بشير فرنيس وكوركس عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2: 72. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز: 4/ 2227 برقم (2902). (¬3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 18/ 28، والبداية والنهاية لابن كثير: 17/ 328. (¬4) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 5/ 314. (¬5) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: 2/ 96.

المطلب الرابع: الآيات الكونية وأركان الإسلام

المطلب الرابع: الآيات الكونية وأركان الإسلام أولاً: الآيات الكونية والشهادتان: يزخر القرآن الكريم بالعديد من الآيات الكونية، وصور من نشأتها ومراحل تكونها، والسنن الإلهية التي تحكمها، وما يستتبعه كل ذلك من استخلاص للعبرة وتفهم للحكمة، وما يستوجبه من إيمان بالله، وشهادة بكمال صفاته وأفعاله، وهو -سبحانه وتعالى- الخالق البارئ المصور الذي أبدع الخلق بعلم وقدرة وحكمة. وهي مع ذلك دليل على صدق نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن سعدي -رحمه الله- بعد أن ذكر تقرير الله -عز وجل- لربوبيته وإلهيته، وذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك وعلى كماله، في أسمائه وصفاته، من الشمس والقمر، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، وأخبر أنها آيات: "وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وحياته وقيوميته. وما فيها من الإحكام والإتقان والإبداع والحسن دال على كمال حكمة الله وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من أنواع المنافع والمصالح يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه. وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة. وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام" (¬1). أما المكتشفات العلمية فهي دالة على الربوبية من جهة التفاصيل الدقيقة المؤكدة على افتقار الكون إلى خالق مدبر، دون أن تكون معرفة هذه التفاصيل شرطاً في كمال اليقين، كما تعتبر هذه المكتشفات دالة على النبوة من جهة عدم تكذيبها لشيء مما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬2). ¬

_ (¬1) تفسير ابن سعدي: 2/ 551، 699، وانظر: الفوائد: 32 - 33. (¬2) منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية، لسعود بن عبد العزيز العريفي، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج (19)، العدد (43)، ذو الحجة 1428: 287.

ثانيا: الآيات الكونية والصلاة.

ثانياً: الآيات الكونية والصلاة (¬1). إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ونجد أن لها ارتباطاً وثيقاً بالآيات الكونية، وأول ما يذكر الفقهاء من شروط الصلاة الوقت وتحديده، وهو مرتبط ببعض الآيات الكونية، فصلاة الظهر مثلاً إذا زالت الشمس، وصلاة المغرب إذا غربت وهكذا بقية الصلوات الخمس تعرف أوقاتها بهذه الآيات الكونية (¬2). وأفضل الصلاة صلاة جوف الليل (¬3). وصلاة العيد من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال (¬4). وقد جاء النهي عن الصلاة في بعض الأوقات: عند طلوع الشمس حتى ارتفاعها قيد رمح، وعند غروبها لأن المشركين يسجدون لها، وعند انتصاف النهار لأن النار تسجر (¬5). ومن شروط الصلاة القبلة، وقد اتفق الفقهاء على أن الشمس والقمر والنجوم - وهي من الآيات الكونية - من دلائل القبلة التي تعرف بها (¬6)،كما قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (¬7). وتشرع بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة عند حصول بعض التغيرات الكونية، فيجوز ¬

_ (¬1) انظر: أثر القمرين في الأحكام الشرعية لعبد المجيد بن عبد الله اليحيى، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود، المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن: 56 وما بعدها. (¬2) المغني لابن قدامة، تحقيق: عبد الله التركي، دار عالم الكتب، الرياض، ط4: 2/ 8 - 32. (¬3) المصدر السابق: 2/ 555. (¬4) المصدر السابق: 3/ 266. (¬5) المصدر السابق: 2/ 523 - 527. (¬6) انظر: المصدر السابق: 2/ 102 - 105. (¬7) النحل: 16.

ثالثا: الآيات الكونية والزكاة

الجمع بين الصلاتين عند نزول المطر (¬1)، وفي شدة الحر يشرع تأخير صلاة الظهر (¬2). وتشرع صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر (¬3). والصلاة مشروعة إذا كسفت الشمس أو خسف القمر (¬4)، مع تغير في صفتها عن الصلاة المعتادة حيث زيد في عدد الركوعات، فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف أربع ركوعات في ركعتين (¬5). ولو تأملنا في نفس الصلاة لوجدنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الاستفتاح يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» (¬6). وفي صلاة الليل يقول في استفتاحه متوسلاً إلى الله -عز وجل- بخلقه لهذه الآيات الكونية العظيمة: «فاطر السماوات والأرض» (¬7). وإذا رفع من الركوع قال: «الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما» (¬8)، إلى غير ذلك. ثالثاً: الآيات الكونية والزكاة: الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وتجب بشروط منها تمام الحول. وإذا أطلق الحول والسنة عند الفقهاء فالمراد به السنة القمرية، والسنة القمرية هي التي تعتمد على ظهور ¬

_ (¬1) المصدر السابق: 2/ 132. (¬2) المصدر السابق: 2/ 35. (¬3) المصدر السابق: 2/ 334. (¬4) المصدر السابق: 2/ 320 - 323. (¬5) صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف في المسجد: 210 برقم (1055). (¬6) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبير الإحرام والقراءة: 1/ 419 برقم (598). (¬7) سبق تخريجه: 110. (¬8) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام: 1/ 343 برقم (471).

رابعا: الآيات الكونية والصيام

الهلال واختفائه في بداية الشهر ونهايته (¬1). وترتبط بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالزكاة بالآيات الكونية، فيختلف مقدار الزكاة في الزروع والثمار بحسب السقي، ففيما سقت السماء والعيون العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر (¬2). وتجب زكاة الفطر بغروب شمس أخر يوم من رمضان، فمن ولد قبل غروب الشمس من أخر شهر رمضان وجب على وليه إخراج زكاة الفطر عنه، ومن ولد بعدها فلا تجب عليه (¬3). رابعاً: الآيات الكونية والصيام: الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام، ويثبت دخول شهره وخروجه برؤية الهلال أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً. وقد ورد عند رؤية هلاله أدعية مأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن الصحابة (¬4). والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس (¬5). والنية لصيام الفرض تبيت من الليل (¬6). خامساً: الآيات الكونية والحج: الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وأول أشهر الحج شوال (¬7)، ويثبت دخوله ¬

_ (¬1) المغني: 4/ 140. (¬2) المصدر السابق: 4/ 164. (¬3) المصدر السابق: 4/ 298. (¬4) انظر: أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها وتطبيقاتها القضائية لأحمد بن عبد الله الفريح، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن: 29. (¬5) المغني: 4/ 325. (¬6) المصدر السابق: 4/ 333. (¬7) المصدر السابق: 5/ 110.

برؤية هلاله أو إكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً، ويثبت دخول شهر ذي الحجة برؤية هلاله أو إكمال عدة ذي القعدة ثلاثين يوما .. ويستحب للمحرم الإكثار من التلبية إذا علا مرتفعاً، أو هبط وادياً، ومن أخر الليل (¬1). وإذا طلعت الشمس اليوم التاسع دفع الحاج إلى عرفة، والسنة لمن جاء عرفة أن ينزل بنمرة كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تزيغ الشمس، فإذا زاغت صلى الظهر والعصر جمع تقديم، ثم أتى الموقف (¬2). ومن وقف في عرفة من ليل أو نهار صح حجه، ومن لم يقف بعرفه حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، والوقوف إلى غروب الشمس واجب، ويدفع الناس من عرفة بعد غروب الشمس (¬3). ويبدأ الانصراف من مزدلفة للضعفة بعد مغيب القمر، وقيل بعد منتصف الليل، ولغيرهم قبل طلوع الشمس (¬4). وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم النحر في حجة الوادع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان» (¬5). ويبدأ رمى الجمرات بعد زوال الشمس من اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ¬

_ (¬1) المصدر السابق: 5/ 105 - 106. (¬2) المصدر السابق: 5/ 262. (¬3) المصدر السابق: 5/ 268. (¬4) المصدر السابق: 5/ 284 - 286. (¬5) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حجة الوادع: 832 برقم (4406).

لمن تأخر (¬1). وإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر، وإن غربت الشمس وهو بها لم يخرج حتى يرمي من غد بعد الزوال (¬2). فأنت ترى أن أعمال الحج لها ارتباط واضح بهذه الآيات الكونية، إما في بداية العمل أو نهايته أو خلاله. ¬

_ (¬1) المغني: 5/ 326. (¬2) المصدر السابق: 5/ 331.

الفصل الثالث التفسير العلمي للآيات الكونية، والدراسات المستقبلية عنها وصلتها بالعقيدة.

الفصل الثالث التفسير العلمي للآيات الكونية، والدراسات المستقبلية عنها وصلتها بالعقيدة. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. المبحث الثاني: مسائل متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. المبحث الثالث: الآيات الكونية المستقبلية والدراسات حولها وصلتها بالعقيدة.

المبحث الأول التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة.

المبحث الأول التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: المراد بالتفسير العلمي. المطلب الثاني: موقف العلماء من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. المطلب الثالث: موافقة الحقائق العلمية للقرآن والسنة. المطلب الرابع: المخالفات العقدية في التفسير العلمي للآيات الكونية.

المطلب الأول: المراد بالتفسير العلمي

المطلب الأول: المراد بالتفسير العلمي ظهر في أوائل القرن الرابع عشر الهجري مصطلح" التفسير العلمي للقرآن" وما في معناه من المصطلحات الحادثة، والتي تشير إلى تأويل أو تفسير القرآن بما يتفق مع النظريات العلمية أو الاكتشافات الحديثة. وأصل هذا التفسير كان قديماً في وقت الدولة العباسية؛ ولكنه في أول الأمر كان عبارة عن محاولات يُقصد منها التوفيق بين القرآن وما جَدَّ من العلوم، ثم وجِدت الفكرة مركَّزة وصريحة عند الغزالي (¬1)، ثم إن هذه الفكرة طُبِّقت علمياً وظهرت في مثل محاولات الفخر الرازي (¬2) ضمن تفسيره للقرآن، ثم وجِدت بعد ذلك كتب مستقلة في استخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم؛ ولكنها لم تكن مثل العصر الحديث كثرةً ولا مقارباً له (¬3)، فراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر رواجاً كبيراً، ونتج عن ذلك مؤلفات كثيرة تعالج هذا الموضوع، كما أُلِّفت بعض التفاسير التي تسير على ضوء هذه الفكرة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: إحياء علوم الدين: 1/ 369، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر لفهد بن عبد الرحمن الرومي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3: 2/ 555. (¬2) هو محمد بن عمر بن حسين القرشي التيمي الرازي، المعروف بالفخر الرازي ويقال له ابن خطيب الري، من كبار المتكلمين الأشاعرة، له مصنفات كثيرة، منها: مفاتيح الغيب، والمطالب العالية، والمباحث المشرقية، توفي سنة 606. انظر: سير أعلام النبلاء: 21/ 500، والبداية والنهاية: 17/ 11. (¬3) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 547، ومنهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد بن عبد الرحمن الرومي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1: 262 - 263، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان لأحمد بن عمر أبو حجر، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط2: 93 وما بعدها، والأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك لأحمد بن حسن الحارثي، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مطبوعة بالحاسب الآلي: 14. (¬4) انظر: التفسير: نشأته - تدرجه - تطوره لأمين الخولي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1: 20، والتفسير والمفسرون: 2/ 484، ولمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير لمحمد بن لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3: 203، واتجاهات التفسير في العصر الراهن لعبد المجيد بن عبد السلام المحتسب، مكتبة النهضة الإسلامية، عمان، ط3: 247.

تعريف التفسير العلمي

تعريف التفسير العلمي: التفسير في اللغة: الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيان شيء وإيضاحه (¬1)، وهو مصدر فسّر بتشديد السين، والفسر: الإبانة وكشف المغطى، والتفسير مثله، وهو كشف المراد عن اللفظ المشكل (¬2). ويراد منه الإيضاح والتبيين، وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (¬3)، أي أحسن بياناً وتفصيلاً (¬4). وفي الاصطلاح: علم يُعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ (¬5). وقد وصف التفسير هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها، أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً (¬6). وأما عند الماديين المحدَثين فهو خاص باليقينيات التي تستند على الحس وحده (¬7). والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي، وما يتعلق به من علوم الطبيعة الموجودة في الكون، مثل: الفيزياء، والكيمياء، وطبقات الأرض، وعلم الإحياء، وعلم البحار، وعلم الفلك، وغيرها (¬8)؛ ولذلك فإنه لا بد من تمييز هذا التفسير عن سواه، فلو قيل: " التفسير ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1420: 4/ 504. (¬2) القاموس المحيط: 411، ولسان العرب: 5/ 3421، مادة فسر، وانظر: مباحث في علوم القرآن: 316. (¬3) الفرقان: 33. (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 13/ 29. (¬5) البرهان في علوم القرآن: 1/ 13، والإتقان في علوم القرآن: 4/ 167. (¬6) انظر: التعريفات: 233، والكليات: 610. (¬7) مناهل العرفان في علوم القرآن: 1/ 14. (¬8) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 547، والمعجزة العلمية في القرآن والسنة لعبد المجيد الزنداني، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: 17، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 70.

العلمي التجريبي للقرآن الكريم"، أو" التفسير العلمي بالعلوم التطبيقية أو الطبيعية للقرآن الكريم"؛ وذلك حتى لا يفهم أن التفاسير الأخرى ليست علمية (¬1). وقد عرف التفسير العلمي بعدة تعريفات (¬2) تدور حول كون التفسير العلمي هو التفسير: 1 - الذي يُحكِّم الاصطلاحات العلمية في ألفاظ القرآن. 2 - ويُخضعها له. 3 - ويجتهد أو يحاول في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها. 4 - ويربط بين الآيات الكريمة ومكتشفات العلوم التجريبية والفلكية والفلسفية، ويكشف الصلة بينهما على ضوء ما تنتجه المختبرات ومراكز البحث في العلوم الدقيقة من معارف وحقائق علمية بغض النظر عن صحة النظرية أو خطئها، وبعضهم يقيد ذلك بما ترجحت صحته، وبعضهم يقيد ذلك بما ثبتت صحته من النظريات. 5 - ويُظهر إعجاز القرآن وبيان صلاحيته لكل زمان ومكان. وهذه التعريفات نجد أنها تصف التفسير العلمي: بأنه"تحكيم" أو"إخضاع" للمصطلحات العلمية في فهم القرآن، وهذه عبارة غير صحيحة؛ لأنها جعلت فهم القرآن مرتبطاً بهذه المصطلحات الحادثة وجعلته خاضعاً لها، كذلك أدخلت الآراء الفلسفية ضمن هذا التفسير الذي الأصل فيه أن يكون علمياً (¬3)، وبعض هذه التعريفات فسر الآيات القرآنية بالنظريات بغض النظر عن صحتها أو خطئها. ولعل الأقرب أن يقال في تعريف التفسير العلمي: هو الكشف عن تفاصيل معاني الآية ¬

_ (¬1) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 547. (¬2) انظر هذه التعريفات في: التفسير نشأته - تدرجه- تطوره: 19 - 20، والتفسير والمفسرون: 3/ 140، ولمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير: 292، واتجاهات التفسير في العصر الراهن: 247، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 72، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 548 - 549، والمعجزة العلمية في القرآن والسنة: 33، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 13. (¬3) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 548 - 549.

الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي

في ضوء ما ثبتت صحته من نظريات العلوم الكونية التجريبية (¬1). الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي (¬2): سبق تعريف التفسير العلمي، أما الإعجاز العلمي فهو: يعني تأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين (¬3)، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- (¬4). ومن خلال التعريف يتضح أن الفرق بينهما: أن التفسير العلمي كشف عن معاني الآية أو تفاصيلها، أما الإعجاز العلمي فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة علمية أثبتها العلم أخيراً، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الإعجاز العلمي في القرآن: 38. (¬2) انظر: الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي: 17 - 18. (¬3) التوصيات الصادر عن المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: 110. (¬4) انظر: المعجزة العلمية في القرآن والسنة: 17 - 18، 33، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 13. (¬5) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن: 1/ 26 - 27، والمعجزة العلمية في القرآن والسنة: 33.

المطلب الثاني: موقف العلماء من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة.

المطلب الثاني: موقف العلماء من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. بعد ثورة المكتشفات العلمية في الغرب في جو معاد للدين منفلت منه، وما أوحت به هذه الحال إلى بعض أبناء المسلمين من أن دينهم هو سبب تخلفهم انتدب طائفة من العلماء لإبطال هذا الأمر المزيف، والتأكيد على أن الإسلام دين العلم ومن ذلك العلم التجريبي، وفي سبيل إثبات ذلك تكلموا في التفسير العلمي للقرآن، وأن كثيراً من المكتشفات العلمية الحديثة مضمنة في الكتاب والسنة. واعتبروا ذلك فتحاً جديداً يساهم في خدمة تفسير القرآن، ودليلاً من أدلة إعجاز القرآن الكريم يخدم نشر الدعوة الإسلامية. وقابلتهم طائفة أخرى ترى أن التفسير العلمي للقرآن الكريم غير صحيح في منهجه، وضار بالدعوة الإسلامية، وينحرف بالقرآن عن غايته ويندفع به إلى مجالات لا تحمد عقباها (¬1). وبناءاً على ذلك اختلفوا في التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة على قولين: ¬

_ (¬1) انظر: التفسير والمفسرون: 2/ 567، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 37، وخلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المجيزين والمانعين لمحمد الأمين ولد الشيخ، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: 101.

القول الأول: المنع (¬1). ومن أدلتهم: الدليل الأول: أن القرآن الكريم كتاب هداية، وأن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف، وإنما القرآن في تناوله لتلك الحقائق العلمية يهدف إلى ما هو أعظم من ذلك بكثير، وهو هداية ودلالة الخلق للإيمان بالله -عز وجل- وعبادته وحده لا شريك له (¬2)، قال تعالى: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬3). الدليل الثاني: أن القرآن في أعلى درجات البلاغة، فإذا قلنا بأن القرآن متضمن لكل العلوم، وألفاظه محتملة لهذه المعاني المستحدّثة، للزم أن من أنزل عليهم القرآن يجهلون هذه المعاني. وإن قيل: إنهم كانوا يعرفونها. قيل: فلِمَ لم يتكلموا بها وتظهر نهضتهم من لدن نزول القرآن الذي حوى علوم الأولين والآخرين؟ ولِمَ لم تقم نهضتهم على هذه الآيات الشارحة لمختلف العلوم وسائر الفنون؟. الدليل الثالث: أن التفسير العلمي للقرآن والسنة يعرضهما للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الآخر، وقد اعترف علماء المادة ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات: 2/ 101، ومقال لمفتي مصر السابق محمود شلتوت ضمن مجلة الرسالة - القاهرة، العدد (407)، (408) من السنة التاسعة، إبريل سنة 1941، بواسطة كتاب التفسير العلمي للقرآن في الميزان، والتفسير: نشأته- تدرجه-تطوره: 54، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد الدويش، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3: 4/ 180، وكتاب العلم للشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين، إعداد: فهد السليمان، دار الثريا، الرياض، ط1: 157، واتجاهات التفسير في العصر الراهن: 302 - 313، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 578 - 598، وحكم تفسير القرآن بنظريات علمية حديثة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، مقال ضمن مجلة الدعوة، العدد (1447)، محرم 1421: 23، وخلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المجيزين والمانعين: 103 - 104، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 113، 269. (¬2) انظر: الموافقات: 2/ 112، 127، مناهل العرفان في علوم القرآن: 2/ 275. (¬3) النمل: 1 - 2.

في هذا القرن: "بأن العلوم المادية لا تعطى إلا علما جزئيا عن الحقائق" (¬1)، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية، القارة، الثابتة، المنزلة من عند الله الذي وسع علمه كل شيء. الدليل الرابع: قالوا: أن المعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين: من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف، ومن اللغة التي نزل القرآن بها وهي لغة العرب (¬2). الدليل الخامس: قالوا في جوابهم عن الاستدلال بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬3)، وأنه يشمل جميع العلوم: أن المراد بالكتاب في الآية: اللَّوح المحفوظ، ولم يذكر المفسرون في معناها ما يقتضى تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية (¬4). الدليل السادس: أن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف، واللهث وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، ثم يؤدي ذلك في الوقت القريب أو البعيد إلى صراع بين العلم والدين. الدليل السابع: قالوا: أنه ينبغي الاستفادة من النظريات العلمية دون إقحامها على القرآن الكريم أو اعتبار أن القرآن مطالب بموافقتها كلما تغيرت من زمن إلى زمن ومن تفكير إلى تفكير (¬5). ¬

_ (¬1) الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان، تعريب: ظفر الإسلام خان، مراجعة وتحقيق: عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11: 23. (¬2) الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة: 38. (¬3) الأنعام: 38. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 7/ 219، تفسير القرطبي: 6/ 420، تفسير ابن كثير: 2/ 135. (¬5) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن: 2/ 275، والفلسفة القرآنية لعباس محمود العقاد، دار نهضة مصر، القاهرة: 10، وتفسير القرآن لمحمود شلتوت، دار الشروق، القاهرة، ط12: 13 - 14.

القول الثاني: الجواز (¬1). ومن أدلتهم: الدليل الأول: قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬2)، وهذه العلوم داخلة في عموم الآية. الدليل الثاني: جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحمر الأهلية - عن صدقتها- فقال: «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬3)» (¬4)، وقالوا: هذا نص يشهد أن كل ما دخل تحت نص قرآني عام يعتبر قد نص عليه القرآن (¬5). الدليل الثالث: واستدلوا أيضاً ببعض الآثار الواردة عن السلف مثل قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «من أراد علم الأولين والآخرين فليثور (¬6) القرآن» (¬7). الدليل الرابع: واستدلوا كذلك بأن القرآن هو حجة الله البالغة على عباده أجمعين، وهذه الحجة قائمة إلى يوم الدين، والإعجاز العلمي والتفسير العلمي في هذه الحجة يعجز الملحدون عن أن يجدوا فيه موضعا للتشكيك لأنه دليل عقلي محسوس. الدليل الخامس: قالوا: إن القرآن الكريم يحتوي على كثير من الآيات الكونية، ويتوقف ¬

_ (¬1) انظر: جواهر القرآن للغزالي، مكتبة الجندي: 12، وإحياء علوم الدين: 1/ 369، ومفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: 4/ 238، والجواهر في تفسير القرآن الكريم لطنطاوي جوهري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4: 1/ 2 - 3، واتجاهات التفسير في العصر الراهن: 264، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: 2/ 551 - 559، 565 - 577، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 103، 163. (¬2) الأنعام: 38. (¬3) الزلزلة: 7 - 8. (¬4) صحيح البخاري، كتاب المساقاة، باب شرب الناس والدواب من الأنهار: 445 برقم (2317). (¬5) الإسلام في عصر العلم لمحمد فريد وجدي، الكتاب اللبناني، بيروت، ط3: 369. (¬6) تثوير القرآن: قراءته ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه. انظر: تهذيب اللغة: 15/ 80. (¬7) سبق تخريجه: 34.

على فهمها في ضوء الحقائق العلمية تيسير الدعوة إلى دين الله في هذا العصر، عصر العلم (¬1). وقد وضع المجيزون لهذا النوع من التفسير بعض الضوابط والحدود، - وإن كان بعضهم لم يلتزم بها-، منها (¬2): 1 - ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية. 2 - البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن. 3 - أن لا تُجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل، وما عارضها رفض. 4 - أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم، لا بالفروض والنظريات. ¬

_ (¬1) انظر: الإسلام في عصر العلم: 222. (¬2) انظر: خلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المجيزين والمانعين: 102 - 103.

الترجيح (¬1): بالتأمل في القولين السابقين يتضح أن القائلين به من أهل الإسلام لا يريدون شيئاً إلا أن يثبتوا للعالم أجمع أن القرآن من عند الله، وأن منزله هو خالق الكون الذي وسع علمه كل شيء، وقد ضمنه هذه الحقائق العلمية، وأنهم بقدر ما يفعلون من ذلك يضيفون إلى أمجاد القرآن أمجاداً، وإلى براهين صدقه شيئاً جديداً. والمعارضين له يقولون: إن المقررات العلمية تكون عرضة للتبديل والتغيير، وهم لا يريدون أن يربطوا القرآن وتفسيره بعجلة المتغير، وكفى القرآن شرفاً ومجداً أنه حث على العلم والبحث والنظر ولم يقف حجرة عثرة في سبيل التقدم العلمي والفكري (¬2). وليعلم المسلمون أن كتاب الله غني في إثبات صدقه عن العلوم الطبيعية التجريبية، لما فيه من النور والهدى، والشرائع الكاملة، والفصاحة البالغة، وغيرها من أوجه الإعجاز التي عدها العلماء (¬3). وليس باللازم أن كل حقيقة علمية أو كل معلومة علمية تجد لها في القرآن أصلاً؛ لأن القرآن لم يوضع لهذا. وعلى هذا يمكن أن يقال: أن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية. ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية. ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تبعاً. ومرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر أو دلت عليه السنة ¬

_ (¬1) انظر: اتجاهات التفسير في القرآن الرابع عشر: 2/ 601 - 602، والمعجزة القرآنية - الإعجاز العلمي والغيبي لمحمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3: 153، ولمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير: 299، ونقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن لمساعد بن سليمان الطيار، ملتقى أهل التفسير على الشبكة العنكبوتية (الانترنت): 7، وخلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المجيزين والمانعين: 106، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 213. (¬2) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن: 1/ 25، والفلسفة القرآنية: 18. (¬3) انظر: التفسير والمفسرون: 2/ 493، ومناهل العرفان في علوم القرآن: 2/ 275 - 276.

الصحيحة (¬1). وهو مقبول بشرط (¬2) أن يدل نص الكتاب أو السنة على الحقيقة العلمية بطريق من طرق الدلالة الشرعية، وأن لا يخالف أصلاً في الشرع، وأن لا يتذرع به لنصرة بدعة. وأن يكون هذا التفسير وفقا لقواعد اللغة العربية ومقاصد الشارع وأصول التفسير، وأن لا يخرج عن أقوال السلف، ولا يضادها، مع عدم الجزم بهذا التفسير. وأن يكون ممن رزقه الله علماً بالقرآن الكريم وعلماً بالسنن الكونية من أهل العلم الشرعي الأصيل وعلوم القرآن واللغة والعقيدة (¬3) .. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرآن لمحمود شلتوت: 11 - 14. (¬2) انظر: التبيان في أقسام القرآن: 1/ 168. (¬3) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان: 471، وتقديم عبد المعطي البيومي لكتاب الموسوعة الكونية الكبرى لماهر ابن أحمد الصوفي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1: 33.

المطلب الثالث: موافقة الحقائق العلمية للقرآن والسنة

المطلب الثالث: موافقة الحقائق العلمية للقرآن والسنة القرآن كلام الله والكون خلق الله، ولا يمكن أن يتعارض كلامه وخلقه، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬1). هذا ما يجب على كل مسلم أن يعتقده ويدين به، حتى يسلم له دينه، ولا يرتاب فيه، وأن لا يحمل القرآن كل نظرية علمية (¬2). ولذا فلابد من هذه القاعدة الأصلية الراسخة وهي أنه لا" يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية ثابتة إلا إذا أخطا الناس في فهم الآية القرآنية أو جهلوا الحقيقة العلمية؛ لأنه لا تعارض بين القرآن والعلم مطلقاً" (¬3). وكل ما يقال فيه أنه مخالف للحقائق العلمية فإنه لا يعدو أحد الاحتمالات التالية: 1 - إما أن يكون الذي نسب إلى العلم لم يصل إلى مرحلة العلم المقطوع به، كالنظريات التي لم تتأكد بعد، أو التي لا سبيل إلى إثباتها بأدلة علمية يقينية. 2 - وإما أن يكون النص غير صحيح. 3 - وإما أن يكون الفهم الذي فهم منه النص فهم خاطئ، أو حمل عباراته على اصطلاحات لفظية حادثة (¬4). أما أن يكون النص قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، ثم يخالف الحقيقة والواقع فهذا غير موجود حتما، وليس من الممكن أن يوجد قطعاً (¬5). ¬

_ (¬1) الأعراف: 54. (¬2) انظر: التفسير والمفسرون: 2/ 492. (¬3) الآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 37. (¬4) انظر: البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية لعبد المجيد العرجاوي، دار وحي القلم، دمشق، ط1: 20. (¬5) انظر: صراع مع الملاحدة حتى العظم لعبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق، ط4: 24 - 25، 29 - 30، والبراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله لعبد الرحمن بن سعدي، تحقيق: باسل بن سعود الرشود، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 57، 63، وهذا هو الإسلام لمحمد متولي الشعراوي، الدار المصرية للنشر، 1987: 204، والإعجاز العلمي في القرآن: 36، وكتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم - دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة لموريس بوكاي، دار المعارف، لبنان، ط4: 144، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 47، وأثر التدريس بالآيات القرآنية الكونية على التحصيل الدراسي لتدريس وحدة بمادة العلوم للصف الثاني متوسط لمحمد بن أحمد الغامدي، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من كلية التربية، قسم المناهج وطرق التدريس، بجامعة أم القرى بمكة: 56.

ثم يقال لمن يحاول أن يوفق بين القرآن والسنة وبين الحقائق العلمية ويتكلف في ذلك حسبكم أن لا يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية ثابتة، وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جَدَّ ويَجِدّ من نظريات وقوانين علمية تقوم على أساس من الحق، وتستند إلى أصل من الصحة (¬1). "ولا بد من الانتباه لما يدعيه الماديون أن فرضية من الفرضيات، أو نظرية من النظريات قد أصبحت حقيقة علمية غير قابلة للنقض أو التعديل، مع أن هذه النظرية لا تملك أدلة إثبات تجعلها حقيقة نهائية أو حقيقة موثقا بها. فهذه الحقائق حقائق غير نهائية، ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجارب الإنسان، وظروف هذه التجارب وأدواتها، هذا بالقياس إلى الحقائق العلمية، والأمر واضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى علمية، فهذه ليست حقائق علمية حتى بالقياس الإنساني، وإنما هي نظريات وفروض، كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية إلى أن يظهر فرض أخر يفسر قدراً أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيراً أدق، ومن ثم فهي قابلة دائماً للتغيير والتعديل والنقص والإضافة؛ بل قابلة لأن تنقلب رأساً على عقب، بظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة! " (¬2). ¬

_ (¬1) التفسير والمفسرون: 2/ 485 - 494. (¬2) هذا هو الإسلام: 25، وانظر: الإعجاز العلمي في القرآن: 36، ونقض النظريات الكونية: 71.

المطلب الرابع: المخالفات العقدية في التفسير العلمي للآيات الكونية

المطلب الرابع: المخالفات العقدية في التفسير العلمي للآيات الكونية من خلال الدراسة والتتبع لبعض تفسير الآيات الكونية في القرآن والسنة بالتفسير العلمي ظهر بعض المخالفات العقدية منها: أولاً: اتهام الجيل الأول من المسلمين- وفيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - بالخطأ في فهم شيء من القرآن، أو خفائه عليهم (¬1)، مع أنهم أعلم الناس بما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك التنقص لتفاسير السلف. ثانياً: فتح باب الاستدلال بالاحتمالات والظنيات والمتغيرات على المطالب اليقينية من توحيد الربوبية والنبوة والبعث، وهذا يجعل المسلم يشك في دينه وفي كتاب ربه جل وعلا (¬2)،" مع أن المطالب العقدية الكبرى لم يجعلها الله -عز وجل- خاضعة للعلم التجريبي ولا يجوز الاستدلال عليها بوجوه هزيلة أو محتملة أو غامضة أو معقدة أو مشكوك فيها، خاضعة لاجتهاد الناس واختلاف قدراتهم وإمكاناتهم؛ وذلك أنها مطالب يقينة لا تحتمل الظنون والريب، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (¬3) " (¬4). ثالثاً: ظن بعض الناس أن العلم - الذي يزعمونه- هو المهيمن والقرآن تابع، ولذا فهم يحاولون تثبيت القرآن بهذا العلم، أو الاستدلال له من هذا العلم، مع أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ ¬

_ (¬1) انظر: الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة: 187، والتفسير والمفسرون: 2/ 523، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 27. (¬2) انظر: الفلسفة القرآنية: 18، 20. (¬3) الحجرات: 15. (¬4) منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 291، وانظر: الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة: 173.

حَمِيدٍ (¬1)، وهذا العلم المزعوم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس (¬2). رابعاً: زعم بعضهم بأن ما ذكر في القرآن من حجج أنه غير كاف، وأنه إنما يصلح للأميين والأعراب، أما مع تقدم العلم العصري فإنه لا بد من حجج أخرى تدل الناس في عصر العلم إلى الإيمان (¬3)، مع التركيز على أن الإعجاز العلمي والتفسير العلمي هما الوسيلة المقنعة للدعوة إلى الإسلام، وأن الوسائل الأخرى لم تعد تحرك في الناس ساكناً؛ لأننا في عصر العلم! (¬4). وفي المقابل جعل بعضهم الآيات الكونية في القرآن والسنة مثار شبهات وتأويلات كثيرة في روايتها، وفي صحتها، وفي دلالتها، وأن هذه الآيات الكونية لم تكن لإقامة الحجة على نبوة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- (¬5)، وإنكارهم لتلك الآيات وأن الأنبياء لا يأتون بغير المعقول! ولا بما يبدل سنة الله ونظامه في الكون (¬6). خامساً: حصر دلالة المراد بالآيات الكونية على وجود الله، وتوحيد الربوبية، وإثبات النبوة والبعث، مع عدم ذكرهم أو نسيانهم لتوحيد الألوهية ومسائل التوحيد والإيمان الأخرى، مع أن هذه الآيات الكونية والاكتشافات التفصيلية المتعلقة بها دالة على توحيد الربوبية ولو لم ¬

_ (¬1) فصلت: 42. (¬2) الإعجاز العلمي في القرآن: 7، ونقض النظريات الكونية: 71. (¬3) انظر: المعجزة العلمية في القرآن والسنة: 11، 18، وأصول التفسير وقواعده لخالد بن عبد الرحمن العك، دار النفائس، بيروت ط2: 255، ومنهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 290، والإعجاز العلمي في القرآن: 13، 41. (¬4) انظر: قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: 50، 77. (¬5) انظر: الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا، المكتب الإسلامي، بيروت، ط10: 72، وتفسير المنار لمحمد رشيد رضا، مطبعة المنار، مصر، ط1: 11/ 155، ورسالة التوحيد لمحمد عبده: 5 - 6، ومنهج المدرسة العقلية في التفسير: 549 - 550. (¬6) انظر: التفسير والمفسرون: 3/ 201، تفسير القرآن الكريم - سورة البقرة لابن عثيمين: 3/ 294، وكبرى اليقينيات الكونية لمحمد بن سعيد البوطي، دار الفكر، بيروت، دمشق، 27: 221.

تكن جاءت في النص القرآني والسنة النبوية (¬1). ولهذا فإن المنهج الصحيح في الاستدلال بالمكتشفات العلمية على الربوبية أن يسن بها سنة ما ذكر في القرآن من دلالة المخلوقات على الخالق، فهي تدل على وجود الخالق وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وجميع صفاته وكماله، دلالة الأثر على المؤثر، والصنعة على الصانع بما فيها من أمارات الحدوث وشواهد الإرادة المخصصة (¬2). سادساً: الظن بأن توحيد الربوبية هو المطلوب للفلاح عند الله، ولذا تجد التركيز عليه عند غالب من تكلم في هذا الموضوع مع عدم ربطه بما يستلزمه من توحيد الألوهية (¬3). سابعاً: صرف الناس عن الغرض الأساس والمطلب الرئيس من القرآن وأنه كتاب هداية وإرشاد إلى أغراض أخرى (¬4). ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات، ومن حقائق عن الكون والحياة والإنسان في فهم القرآن (¬5)، قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (¬6). ثامناً: التأويل المستمر- مع التمحل والتكلف- لنصوص القرآن وحملها على الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يجد فيها جديد (¬7). تاسعاً: رد بعض الأحاديث الصحيحة أو تصحيح بعض الأحاديث الضعيفة بحجة أن ¬

_ (¬1) انظر: مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر لعبد الرحمن بن زيد الزنيدي، دار اشبيليا، الرياض، ط1: 171. (¬2) منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 301، وانظر: مفتاح دار السعادة: 1/ 326، ومدارج السالكين: 3/ 399. (¬3) انظر: قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: 6. (¬4) انظر: الإعجاز العلمي في القرآن: 19 - 20، 34. (¬5) عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم: 115. (¬6) فصلت: 53. (¬7) التفسير العلمي للقرآن في الميزان: 420.

التفسير العلمي لهذه الآيات الكونية يخالف أو يوافق ما ذكر في هذه الأحاديث (¬1). عاشراً: إحداث طريقة مبتدعة لإثبات وجود الخالق وربوبيته وإثبات النبوة لم يكن عليها السلف، وذلك بالنظر في المخلوقات والمعجزات على مقتضى قواعد وأصول محدثة (¬2). مثل قول بعضهم: إن الرسالة لا تثبت إلا بعد النظر والتفحص لآيات الأنبياء، ثم نشهد لهم بذلك. ¬

_ (¬1) انظر: تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية لأحمد أبو الوفاء عبد الآخر، ضمن بحوث ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية، عام 1425، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، مطبوع بالحاسب الآلي: 13، والتفسير العلمي للقرآن في الميزان: 108، والآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 77. (¬2) انظر: توحيد الخالق لعبد المجيد الزنداني: 122 - 123، والفرقان في بيان إعجاز القرآن لعبد الكريم بن صالح الحميد، ط1: 43.

المبحث الثاني مسائل متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة.

المبحث الثاني مسائل متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. وفيه مطلبان: المطلب الأول: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث. المطلب الثاني: المقصد من إشارة القرآن لبعض الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية.

المطلب الأول: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث

المطلب الأول: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث (¬1) المنهج التجريبي هو: المنهج القائم على الملاحظة والتجربة معاً، أو يبدأ فيه من جزئيات أو مبادئ يقينية تماماً حتى تصل إلى "قضايا عامة مستخدمين في كل خطوة التجربة حتى نضمن صحة الاستنتاج، وهو منهج العلوم الطبيعية على وجه الخصوص" (¬2). وهو يمر بثلاث مراحل: 1 - الملاحظة أو المشاهدة. 2 - الفرض. 3 - التجريب (¬3). 4 - القانون العلمي ويقوم المنهج التجريبي على ثلاث قواعد (¬4) وهي: القاعدة الأولى: إنكار كل المغيبات التي لا يمكن إخضاعها للملاحظة والتجربة. القاعدة الثانية: الزعم بأن حتمية القوانين الطبيعية وقوانين التطور العلمي يمكن الاستغناء بهما عن افتراض وجود الله. القاعدة الثالثة: ادعاء كفاية المنهج العلمي في المعرفة من ناحية، والقيم من ناحية أخرى عن المناهج المعرفية التي تعتمد على الدين. ويختلف العلم التجريبي في القرآن عن العلم الحديث بما يلي: أولاً: أن القرآن الكريم كتاب هداية، أنزله الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ¬

_ (¬1) انظر: مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر: 158، ونقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 14. (¬2) مناهج البحث العلمي لعبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط3: 18 - 19، المعجم الوسيط: 2/ 624. (¬3) المرجع السابق: 131. (¬4) مناهج البحث في العقيدة ليوسف بن محمد السعيد، ضمن مجلة الدراسات العربية، كلية دار العلوم جامعة المنيا، العدد (7)، 2002: 300.

قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (¬1)، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (¬2)، تلك هي مهمة القرآن الأصلية، وقد وضحت سبل الهداية فيه: في عقائده وتشريعاته، وكانت مظاهر القدرة في الآيات الكونية فيه وسيلة من وسائل الاحتجاج للحق الذي جاء به (¬3). قال ابن القيم -رحمه الله-: " ولهذا كان أكمل الأمم علما أتباع الرسل وإن كان غيرهم أحذق منهم في علم الرمل والنجوم والهندسة ... ونحوها من العلوم التي لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بها وآثروها على علوم الرسل وما جاءوا به، وهي كما قال الواقف على نهاياتها الواصل إلى غاياتها: وهي بين ظنون كاذبة - وإنّ بعض الظن إثم - وبين علوم غير نافعة، نعوذ بالله من علم لا ينفع، وإن نفعت فنفعها بالنسبة إلى علوم الأنبياء كنفع العيش العاجل بالنسبة إلى الآخرة ودوامها" (¬4). فإشارة القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينَزَّل القرآن من أجلها، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعًا وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلا: على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر، أما أهل العلم الحديث فهي مقصدهم الأول (¬5). ¬

_ (¬1) الإسراء: 9. (¬2) إبراهيم: 1. (¬3) عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم: 103، ومناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر: 147. (¬4) الصواعق المرسلة: 3/ 875 - 876، باختصار. (¬5) انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 15.

ثانياً: لا توجد آية كونية ورد الإشارة إليها في كتاب الله، إلا وهي مدركة لجميع المخاطبين بها، يستوي في ذلك المتقدمون والمتأخرون، فالمتقدمون قد فهموا المراد بها على نحو ما انتهى إليه علمهم، وأدركوا دلالتها على ما سيقت له، وإنما حصل للمتأخرين زيادة في معرفة التفاصيل، ولعل مما يشبه ذلك معرفتنا اليوم بمعاني الآيات التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة، ثم مشاهدتها على الواقع حين حصولها، فمعرفتنا اليوم بالمعاني كمعرفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتلك المعاني، ومعرفتنا يوم نرى الواقع كمعرفة العلماء اليوم (¬1). أما العلم الحديث فإن القضايا العلمية التي يفسرها لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمراس. ثالثاً: أنه ليس هناك تعارض أو تناقض بأي حال، ولا من أي نوع بين أي نص قرآني صريح في دلالته، وبين أي حقيقة علميه بلغت يقين المعاينة، والمشاهدة، ضرورة أن خالق الكون سبحانه هو منزل القرآن الكريم، ولن يكون تناقض أبدا بين قول الله تعالى وبين خلقه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬2)، أما العلم الحديث فإن ما أثبته بالأمس نقضه اليوم، وما يثبته اليوم سينقضه بالغد. رابعاً: أن بعض الحقائق التي وردت في القرآن والسنة لا يمكن أن تدخل تحت العلم التجريبي (¬3)، مثل خلق الكون، والإنسان، والأمور المستقبلية الغيبية مما يحدث للكون عند قيام الساعة (¬4). خامساً: القرآن يقرر القضية حقيقة حيث كانت وانتهت، وهي حقائق قطعية، فهو تقرير من العليم بأسرارها، الخبير بدقائقها، المحيط بعلومها ومعارفها: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ¬

_ (¬1) انظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 302. (¬2) الأعراف: 54. (¬3) انظر: قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: 38، ومناهج البحث العلمي: 131 - 132، وصراع مع الملاحدة حتى العظم: 32. (¬4) انظر: مناهج البحث في العقيدة: 300، وكبرى اليقينيات الكونية: 225.

اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬1). أما العلم التجريبي فهو يبدأ في البحث عنها من البداية حتى يصل إلى الحقيقة العلمية، فهو علم احتمالي في حقائقه وقوانينه (¬2). سادساً: ما ذكر في القرآن من حقائق وفق سنن كونية معينة فإن الله قادر على تغييرها إذ شاء، أما أهل العلم التجريبي المعاصر فإنهم ينكرون ذلك (¬3). سابعاً: ظن بعضهم أن مواءمة القرآن للعلم التجريبي لا تتحقق إلا بتتبع جزئيات الحقائق العلمية وأفرادها وربطها بالإشارات القرآنية، مع أن مواءمة القرآن للعلم التجريبي متحققة بالمنهج العلمي الاستدلالي وطريقة التفكير النقدي التي يقررها القرآن، ويشهد على ذلك انسجام القضايا الكلية الكبرى في القرآن مع معطيات المنهج العلمي المعاصر (¬4)، وقبل ذلك استدلال القرآن على المشركين وإلزامهم بما تدل عليه هذه الآيات الكونية من توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد الألوهية (¬5). ثامناً: وسائل المعرفة في القرآن متعددة، أما أصحاب المنهج التجريبي فإنهم يحصرون المعرفة بالتجارب، فكل معرفة حقة عندهم مرتبطة بالتجارب، بحيث يمكن فحصها أو إثباتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة (¬6)، مع أن الحقائق التي يمكن مشاهدتها والتي يمكن عمل التجارب عليها قليلة (¬7). تاسعاً: القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة في الغالب، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل القضية العلمية (¬8). ¬

_ (¬1) الملك: 14. (¬2) انظر: مناهج البحث العلمي: 144، الإسلام يتحدى: 140، مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر: 150. (¬3) انظر: البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية: 203. (¬4) انظر: كبرى اليقينيات الكونية: 34. (¬5) انظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 293. (¬6) الإسلام يتحدى: 26. (¬7) المرجع السابق: 47. (¬8) انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 15.

المطلب الثاني المقصد من إشارة القرآن لبعض الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية

المطلب الثاني المقصد من إشارة القرآن لبعض الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية قد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أعلم بالقرآن وبعلومه وما أُودع فيه من غيرهم، وكان كلامهم في القرآن عن ما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يتبع ذلك، ولم يكن لهم خوض في تفاصيل الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية، ولا يعني هذا أنهم كانوا لا يعرفونها ولا يتأملون فيها، لا؛ بل إنهم لا يتوسعون في ذلك (¬1)؛ لأن تناول القرآن لحقائق الكون ومشاهده، ودعوته إلى النظر في ملكوت السموات والأرض وفى الأنفس، لا يُراد منه إلا التدبر والتفكر في هذه الآيات، وتوجيه عامة الناس وخاصتهم إلى مكان العظة والعبرة، ولفتهم إلى آيات قدرة الله ودلائل وحدانيته فيها (¬2)، ويثبت له بالحجج الواضحة قدرة الله ووجوده ووحدانيته (¬3). وهذا هو المقصد من إشارة القرآن لبعض الآيات الكونية المرتبطة بالعلوم التجريبية ليعمل الإنسان فكره وعقله في الآيات الكونية فيقوده ذلك إلى إفراد الله بالعبادة (¬4). قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬5)، وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬6). فهو لم يجعل تلك العلوم الكونية من موضوعه فهو كتاب هداية وإعجاز، وإذا ذكر فيه ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات: 2/ 127، قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: 33، والمعجزة القرآنية - الإعجاز العلمي والغيبي: 10، 147، الإعجاز العلمي في القرآن: 46 - 47. (¬2) انظر: التفسير والمفسرون: 2/ 493، والمعجزة العلمية في القرآن والسنة: 45. (¬3) انظر: البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية: 206، والإعجاز العلمي في القرآن: 19. (¬4) انظر: الآيات الكونية في ضوء العلم الحديث: 27. (¬5) يونس: 101. (¬6) الجاثية: 13.

شيء من الكونيات فإنما ذلك للهداية ودلالة الخلق على الخالق، وللاستدلال بها على توحيد الله وأحقيته بالعباده، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات إمكانية البعث، أو غير ذلك (¬1)، ولا يقصد القرآن مطلقا من ذكر هذه الكونيات أن يشرح حقيقة علمية في الهيئة والفلك أو الطبيعة أو غيرها (¬2)، قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (¬3)، وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 15. (¬2) انظر: مناهل العرفان: 2/ 276. (¬3) البقرة: 2. (¬4) المائدة: 15 - 16.

المبحث الثالث الآيات الكونية المستقبلية والدراسات حولها وصلتها بالعقيدة

المبحث الثالث الآيات الكونية المستقبلية والدراسات حولها وصلتها بالعقيدة وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية. المطلب الثاني: صلة هذه الدراسات بالعقيدة. المطلب الثالث: المخالفات العقدية في الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية.

المطلب الأول: الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية

المطلب الأول: الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية إن من عقيدة أهل الإسلام التي يجب على كل مسلم أن يعتقدها أنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬2) , فالغيب لله تعالى وحده؛ ولكن من فضل الله تبارك وتعالى أنه يطلع بعض رسله على شيء منه، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (¬3). إلا أن هناك أمورا اختص الله تبارك وتعالى بعلمها فهي من الغيب المطلق (¬4) الذي لا يطلع الله تبارك وتعالى عليها أحد، ومن ذلك: علم الساعة، متى تقوم؟ فهذه علمها عند الله لا يجليها لوقتها إلا هو، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5). ومعرفة الغيب المستقبل لا بد أن يكون الانشغال به ومعرفته عن طريق المصدر الحق؛ فإن مصادر معرفة المستقبل تنقسم إلى ثلاثة أنواع (¬6): ¬

_ (¬1) النمل: 65. (¬2) الأنعام: 59. (¬3) الجن: 26 - 27. (¬4) انظر: مجموع الفتاوى: 16/ 110، 24/ 257، 258. (¬5) الأعراف: 187. (¬6) انظر: من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية لهاني بن عبد الله الجبير، مجلة البيان، الرياض، 1429: 113.

النوع الأول: مصادر باطلة قطعاً، وما توصل إليه فهو باطل، ومن ذلك ما تحصل معرفته عن طريق التنجيم والكهانة والشعوذة ونحوها (¬1). النوع الثاني: مصادر ظنية، كالرؤى والمنامات، وما عند أهل الكتاب من أخبار مما لم يأت في ديننا ما يدل على بطلانه، وكالدراسات القائمة على الاجتهاد والنظر في سنن الله الكونية. النوع الثالث: المصدر الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. وقد ورد في القرآن والسنة الإخبار عن بعض الأمور الغيبية المستقبلية (¬2) التي تحدث لبعض الآيات الكونية في آخر الزمان مما يكون من علامات الساعة، وعند قيامها، مما يستحيل تفسيره مهما تقدمت العلوم وتطورت، ومهما أكتُشف من حقائق الكون (¬3). كما لا يمكن إخضاعه للتجربة، وهو أمر لا يتكرر، ولا يستطيع أحد أن يدخله في مفردات العلوم الطبيعية والكونية، وهو مما حجب الله تعالى علمه؛ لحكمة يعلمها (¬4). ولهذا لا يجوز لنا أن ندخل في هذه الأمور وتفاصيلها إلا بما جاء في الكتاب والسنة (¬5). وبعض ما يذكر من الدراسات ينبغي أن لا يجزم به وبتفاصيله لئلا يخالف المقطوع به من عدم إدراك الغيب، ويمكن الاستفادة منه وفق ضوابط شرعية (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: مجموع الفتاوى: 4/ 83. (¬2) انظر: البداية والنهاية: 19/ 28، 255، 269، 380 - 400، وقيام الساعة كما يرأها العلم الحديث لعمر بن محمود الراوي، دار وحي القلم، دمشق، ط1: 5 - 10. (¬3) انظر: كبرى اليقينيات الكونية: 301، والفلك وعلاقته بالعقيدة في الكتاب والسنة لعبد الله بن محمد الأنصاري، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة: 435. (¬4) انظر: مفتاح دار السعادة: 1/ 425. (¬5) انظر: لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد: 21، وعالم الغيب والشهادة لعثمان جمعة ضميرية، دار السوادي، جدة، ط1: 58، 112. (¬6) انظر: من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية: 65.

المطلب الثاني: صلة هذه الدراسات بالعقيدة

المطلب الثاني: صلة هذه الدراسات بالعقيدة إن كثيراً من أمور الدين وعقائده إنما هي إيمان بالغيب، فالحياة البرزخية غيب، والحياة الآخرة غيب، من قيام الساعة إلى البعث والنشور إلى الحساب والميزان ... كل هذا غيب يجب الإيمان به. وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم عن بعض الأمور الغيبية، وأخبرنا أنها ستقع، ووقعت هذه الأمور التي أخبر الله عنها على نحو ما أخبر، مما يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر. فالتنكر للإيمان بالغيب إلحاد ونقص في العلم، والإيمان به من صفات عباد الله المؤمنين المهتدين المفلحين، قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). ودراسة الغيب المستقبل والإطلاع عليه من أمور الدين التي جاء بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخبر الله -عز وجل- عن بعضها، وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن بعضها، وعلَّم ذلك كله للصحابة -رضي الله عنه-، واهتموا به وسألوا عنه؛ لأنه من عقيدتهم، ومن ذلك أن عائشة -رضي الله عنها- سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬2)، أين يكون الناس يومئذ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «على الصراط» (¬3). بل إن المشركين قد سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر غيبي مستقبلي وهو: إعادتهم بعد موتهم منكرين بذلك البعث، مستبعدين له، فاحتج الله عليهم بخلق السموات والأرض، قال تعالى: ¬

_ (¬1) البقرة: 2 - 5. (¬2) إبراهيم: 48. (¬3) صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة: 4/ 2150 برقم (2791).

{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} (¬1)، فاحتج تعالى عليهم، ونبههم على قدرته على ذلك، بأنه خلق السماوات والأرض، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك (¬2). وهذه الدراسات لها صلة وثيقة بالعقيدة من جهة أن هذه الدراسات تتكلم عن أمور غيبية. وقد جرّت هذه الدراسات ممن لا يؤمن بالغيب إلى إنكار ما أخبر الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- مما يكون في أخر الزمان، منكرين بذلك قدرة الله، نافين لحكمته. أما أهل الإيمان الذين يؤمنون بالغيب وبقدرة الله وحكمته، وأن الله على كل شيء قدير فكانت عقيدتهم في ذلك الإيمان والتسليم، وعدم الدخول فيما لا علم لهم به وعدم التكلف والتنطع في ذلك، فإن الكلام في مثل هذه الأمور ليس من موضوع علوم الفلك ونحوها (¬3)، وإنما يتكلم فيه حسب النصوص الشرعية، مع الجزم واليقين بوقوعها لأن الله أخبرنا بذلك، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (¬4)، وقال تعالى مخبراً عن حال الراسخين في العلم مع القرآن: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬5). ¬

_ (¬1) الإسراء: 98 - 99. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 69، والكون والإنسان في التصور الإسلامي لحامد صادق قنيجي، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1: 73. (¬3) انظر: ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة بالبرهان لمحمود شكري الألوسي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2: 79. (¬4) البقرة: 285 (¬5) آل عمران: 7.

ثم إن الإيمان بهذه الأخبار - إذا تحققنا صحتها- هو من الإيمان بالله، والإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، إذ كيف نؤمن بالله ورسوله ثم لا نصدق بخبرهما!. ووقوع تلك المغيبات على النحو الذي جاءت به الأخبار يثبت الإيمان ويقويه، وقد يكون ذلك مدخلاً لدعوة الآخرين إلى هذا الحق الذي جاءنا من ربنا. وكذلك تثبيت الإيمان بيوم القيامة، فالقيامة وأهوالها من الغيب الذي أخبرنا به الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان به إحدى دعائم الإيمان، ووقوع الوقائع في الدنيا على النحو الذي جاءت به النصوص دليل واضح بَيِّن على صدق كل الأخبار ومنها أخبار الساعة، فالكل من عند الله تبارك وتعالى.

المطلب الثالث: المخالفات العقدية في الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية

المطلب الثالث: المخالفات العقدية في الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية بالإضافة إلى ما سبق ذكره من المخالفات العقدية في التفسير العلمي عموماً (¬1)، فإن الدراسات العلمية حول الآيات الكونية المستقبلية يتعلق بها بعض المخالفات لتعلقها بالإيمان بالغيب. أولاً: الرجم بالغيب فيما يحصل للكون، والخوض في تفصيلات بعض الآيات الكونية المستقبلية دون مراعاة للضوابط الشرعية، وعدم الرجوع إلى ما ورد في الكتاب والسنة (¬2). ثانياً: تفسير القرآن وإخضاعه لتلك الدراسات (¬3) دون رجوع لفهم الصحابة والسلف لكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن مسعود -رضي الله عنه- لما سمع رجل يقص على أصحابه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (¬4)، قال: " من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (¬5) " (¬6). ثالثاً: التنطع والتكلف في السؤال عن الأمور الغيبية (¬7)، وإشغال النفس بها مع أن العلم بها لا يترتب عليه عمل شرعي. رابعاً: تحكيم العقل في فهم النصوص الواردة في الكتاب والسنة عن الآيات الكونية ¬

_ (¬1) انظر: ص: 139. (¬2) انظر: التفسير والمفسرون: 2/ 568، وتفسير جزء عمّ لمحمد عبده، والموسوعة العربية العالمية: 20/ 315. (¬3) انظر: تفسير القرآن لمحمود شلتوت: 13. (¬4) الدخان: 10. (¬5) ص: 86. (¬6) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الروم: 931 برقم (4774). (¬7) انظر: تفسير القرآن لمحمود شلتوت: 383.

المستقبلية بحجة عدم موافقتها لتلك الدراسات العلمية (¬1). خامسا: إنكار المغيبات المستقبلية بحجة أنه لا يمكن الوصول إلى يقين علمي بشأنها إلا عن طريق التجربة والمشاهدة، وأن إنكارهم يقوم على دعامتين من العلم التجريبي، والعقل المادي (¬2)، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} (¬3). سادساً: الإيمان بما أخبر الله به ورسوله مع الشك والتردد في ذلك، والتصديق بما في بعض تلك الدراسات مما لم يؤيده كتاب ولا سنة، فهو يؤمن ببعضها، ويكذب ببعضها الأخر، فاتبع في إيمانه غير سبيل المؤمنين. سابعاً: التحريف لبعض الآيات الواردة في الكتاب والسنة عن الآيات الكونية المستقبلية؛ لأن الغيبيات والمعجزات لا تقع غالبا تحت الحس، ولا تخضع لمألوف العقل البشري، ولا تجري على السنن المعتادة، ولذا أقدم بعضهم على إنكارها؛ وحاول آخرون تحريفها (¬4). ثامناً: إنكار قدرة الله تعالى، واستبعاد وقوع ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-. قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬5). فمن آمن أن الله على كل شي قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: اتجاهات التفسير في العصر الراهن: 137. (¬2) انظر: تقديم محمد سعيد البوطي لكتاب الموسوعة الكونية الكبرى: 20، والمعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل لعبد الفتاح إبراهيم سلامه، مطبوع بالحاسب: 1. (¬3) النمل: 65 - 66. (¬4) انظر: المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل: 2، 6، والجواهر في تفسير القرآن: 13/ 251 - 252. (¬5) الزمر: 67. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 24/ 31، وتفسير ابن كثير: 4/ 67.

الفصل الرابع الأسباب، وصلتها بالآيات الكونية

الفصل الرابع الأسباب، وصلتها بالآيات الكونية وفيه تمهيد وأربعة مباحث: المبحث الأول: أنواع الأسباب. المبحث الثاني: منزلة الأسباب في الشريعة. المبحث الثالث: صلة الأسباب بالآيات الكونية. المبحث الرابع: العلم بوقت حدوث هذه الآيات الكونية وأسبابها الحسية لا ينافي كونها آية من آيات الله.

تمهيد

تمهيد الأسباب جمع سبب، والسبب في اللغة يطلق على عدة معان (¬1): فقد يقصد به ما يتوصل به إلى غيره، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (¬2). وقد يأتي بمعنى الحبل، كما في قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} (¬3) أي بحبل (¬4). وهو من الحبال القوي الطويل. وقد يأتي بمعنى الباب، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} (¬5) أي أبواب السماوات (¬6). وقد يأتي بمعنى الشفيع، كما في قولهم: "وجعلت فلانًا لي سبباً إلى فلان في حاجتي"، أي وصلة وذريعة. وقد يأتي بمعنى الحياة، كما في قولهم: " قطع الله به السبب"، أي الحياة؛ لأنه يتوصل به إلى المقصود. وقد يأتي بمعنى المودة، يقال: تقطعت بهم الأسباب أي الوصل والمودات، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب اللغة: 12/ 313 - 314، ولسان العرب: 3/ 1910 - 1911، والقاموس المحيط: 89، مادة سبب، ونزهة الأعين النواظر في علم الأشباه والنظائر لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: محمد بن عبد الكريم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3: 135. (¬2) الكهف: 84. (¬3) الحج: 15. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 17/ 149، وتفسير ابن كثير: 3/ 106 - 107، وتفسير السعدي: 3/ 981. (¬5) غافر: 36 - 37. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 24/ 76، وتفسير ابن كثير: 4/ 86. (¬7) البقرة: 166.

وقد يأتي بمعنى الطريق؛ لأنه بسلوكه يوصل إلى الموضع الذي تريد (¬1)، قال تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا} (¬2) الآية. والخلاصة أن السبب في اللغة معناه: كل ما يتوصل به إلى المقصود. والسببية تعني العلاقة بين السبب والمسَبَّب (¬3). وفي الاصطلاح عند الأصوليين: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته. فهو أمر ظاهر منضبط، جعله الشارع علامة على مسبَّبه، ويلزم من وجوده وجود المسبَّب، ومن عدمه عدمه لذاته (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 17/ 149، وتفسير ابن كثير: 3/ 106 - 107. (¬2) الكهف: 84 - 85. (¬3) المعجم الوسيط، طبعة مكتبة الشروق، ط4: 412. (¬4) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن محمد الآمدي، تعليق: الشيخ عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض، ط1: 1/ 170، وشرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد الشاغول، المكتبة الأزهرية، القاهرة، 2005م: 76، وشرح الكوكب المنير لمحمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار، تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، مكة، 1400: 1/ 445، وإتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعبد الكريم بن علي النملة، دار العاصمة، الرياض، ط1: 2/ 218.

المبحث الأول: أنواع الأسباب

المبحث الأول: أنواع الأسباب تنقسم الأسباب إلى نوعين (¬1): النوع الأول: أسباب حسية: وهي الأسباب التي عرفت عن طريق الحس (¬2) والتجربة، مثل الأدوية، وحصول الكسوف بسب وقع القمر بين الشمس وبين أبصار الناس (¬3)، ونزول المطر عند تراكم السحب. النوع الثاني: أسباب شرعية: وهي الأسباب التي يكون الأصل في اعتبارها أسباباً النصوص الشرعية، كحصول الكسوف تخويفاً من الله لعباده، ونزول المطر بسب الاستغفار. وتنقسم الأسباب من حيث الظهور والخفاء إلى نوعين: النوع الأول: أسباب غير ظاهرة (خفية): وهي ما كان من علم الغيب الذي استأثر الله به، ولا يمكن أن تعلم إلا عن طريق الشرع، كولادة عيسى -عليه السلام- من غير أب حيث كانت من غير سبب ظاهر موجب للحمل، قال تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬4). النوع الثاني: أسباب ظاهرة: وهي ما كان معلوماً بالتجربة والحس (¬1)، كولادة عموم ¬

_ (¬1) انظر: مجموع الفتاوى: 25/ 105، وإعلام الموقعين: 3/ 303 - 304، والتشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي لعبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5: 1/ 451، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 1/ 110، 16/ 289، والشرح الممتع على زاد المستقنع لمحمد بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 5/ 176،. (¬2) الحس: هو الدليل المأخوذ من الرؤية البصرية أو السمع أو الذوق أو الشم. الصحاح: 4/ 55. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى: 25/ 185. (¬4) آل عمران: 47.

الناس. وقد يجتمع في الشيء الواحد سبب ظاهر وسبب خفي، فالكسوف والخسوف لهما أسباب ظاهرة يعلمها الناس عن طريق الحساب وعلوم الفلك، ولهما أسباب غير ظاهرة لا تعلم إلا عن طرق الشرع، فهما آيتان يخوف الله بهما عباده (¬2). ولا تنافي بينهما - أي السبب الظاهر والخفي-؛ لأن الأمور العظيمة كالخسف بالأرض، والزلازل، والصواعق، وشبهها التي يحس الناس بضررها، وأنها عقوبة، لها أسباب طبيعية يقدرها الله حتى تكون المسبَّبات، وتكون الحكمة من ذلك هي تخويف العباد، فالزلازل لها أسباب، والصواعق لها أسباب، والبراكين لها أسباب، والعواصف لها أسباب، لكن يقدر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬3)،"ولكن تضيق قلوب كثير من الناس عن الجمع بين السبب الحسي والسبب الشرعي، وأكثر الناس أصحاب ظواهر لا يعتبرون إلا بالشيء الظاهر" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، مؤسسة الريان، بيروت، ط1: 305. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 16/ 289. (¬3) الروم: 41. (¬4) الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/ 177.

المبحث الثاني: منزلة الأسباب في الشريعة - حكمها-

المبحث الثاني: منزلة الأسباب في الشريعة - حكمها- تنقسم الأسباب في الشريعة إلى ثلاثة أقسام: أولاً: أسباب شرعية: وهي التي حثت الشريعة على العمل بها ودعت إليها، كالرقية الشرعية، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (¬1)، قال تعالى عن هود - عليه السلام- أنه قال: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (¬2)، وقال تعالى عن العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (¬3). ثانيا: أسباب مباحة: وهي الأسباب التي عرفت عن طريق القدر (¬4) - التجربة-، ولم يكن بها مخالفة شرعية، وأن يكون أثرها ظاهرًا مباشرًا، مثل الأدوية. وهذان الشرطان حتى لا يقول أحد أني جربت هذا الأمر فوجدته نافعاً، كمن يلبس الحلقة ويعتقد أنها تنفع أو تضر فينتفع (¬5). ثالثا: أسباب غير شرعية: وهي الأسباب التي جاءت الشريعة بتحريمها أو لم يثبت كونها أسباباً عن طريق القدر - التجربة- (¬6). وقد تكون هذه الأسباب شركاً أكبر، أو شركاً أصغر، أو محرمة (¬7). ¬

_ (¬1) فصلت: 44. (¬2) هود: 52. (¬3) النحل: 69. (¬4) انظر: مجموع الفتاوى: 24/ 256، 426، وفتاوى اللجنة الدائمة: 8/ 322. (¬5) انظر: مجموع الفتاوى: 1/ 137، والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط2: 1/ 164. (¬6) انظر: الموافقات: 1/ 307. (¬7) انظر: المصدر السابق: 1/ 321.

فتكون شركاً أكبر إذا كان السبب خفيا لا تأثير له إطلاقا، كأن يعتقد أن هذا النجم يفعل بذاته، فهذا شرك أكبر؛ لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا النجم تصرفا في الكون. وتكون شركاً أصغر إذا اعتقد سبباً لم يثبت كونه سبباً لا شرعا ولا حسا; فهذا نوع من الشرك الأصغر، كأن يعتقد أن دخول النجم الفلاني سبب في نزول المطر; لأنه أثبت سببا لم يجعله الله سببا، فكان مشاركا لله في إثبات الأسباب (¬1)، ولأن الأسباب قد يكون ارتباطها بمسبباتها ارتباطًا غيبيًا لا يدرك فكيف يقال: إن هذا الشيء سبب لهذا الشيء وهو غير محسوس؟ ففيه نوع من ادعاء علم الغيب. قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬2)، فسمى الله من يشرع أقوالا وأفعالا وأحكاما لم يأذن بها الله سماهم شركاء، فمن جعل سببا بسبب وهو ليس بسبب شرعي أو قدري كوني فقد وقع في الشرك الأصغر, لأن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بهذه الأسباب، فكأنه شرع أسباباً لم يأذن الله بها (¬3). أو "أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع الغفلة عن المسبِّب، وهو الله -عز وجل- وعدم صرف قلبه إليه; فهذا نوع من الشرك، ولا نقول شركاً أكبر; لأن هذا السبب جعله الله سببا" (¬4). فعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟». قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا، ¬

_ (¬1) انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، ط7: 454 - 460، والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد: 2/ 203. (¬2) الشورى: 21. (¬3) انظر: الموافقات: 1/ 344. (¬4) القول المفيد: 1/ 183.

فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب» (¬1). فإضافة الآية إلى السبب على أنه فاعل بذاته أو أنه سبب ولم يجعله الله سبباً فهذا إخلال بتوحيد الربوبية (¬2). فإذا اعتقد أن الكوكب يفعل بذاته فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه سبب فهو شرك أصغر. وتكون الأسباب محرمة إذا استعمل ما حرمه الله لجلب منفعة أو دفع مضرة، فعن طارق بن سويد الجعفي -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر؟ فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء» (¬3). والناس في الأسباب طرفان ووسط: الأول: من ينكر الأسباب، وأنه ليس لها تأثير البتة وهذا فيه مكابرة للمعقول. الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعل ما ليس بسبب سببًا، بل جعل بعضهم الأسباب فاعلة بذاتها وهذا شرك بالله تعالى. الثالث: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سببًا شرعيًا أو كونيًا (¬4). فإنكار الأسباب بالكلية قدح في الشرع والالتفات والاعتماد عليها بالكلية شرك أكبر والأخذ بها مع التوكل على الله هو دين الإسلام (¬5)، قال تعالى: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم: 172، برقم (846). (¬2) انظر: مجموع الفتاوى: 35/ 167، والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد: 2/ 202. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر: 3/ 1573 برقم (1984). (¬4) انظر: مجموع الفتاوى: 35/ 168، والرد على المنطقيين: 305، ومفتاح دار السعادة: 2/ 292، والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد: 1/ 164، وكسوف الشمس بين التخويف والتزييف لذياب بن سعد الغامدي، مكتبة المزيني، الطائف، ط1: 49. (¬5) انظر: إحياء علوم الدين: 4/ 290، 295، ومجموع الفتاوى: 8/ 175، 527، ومنهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1: 5/ 366.

بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (¬1). قال ابن القيم -رحمه الله-: " وهذا الكلام يحتاج إلى شرح وتقييد، فالالتفات إلى الأسباب ضربان: أحدهما: شرك، والآخر: عبودية وتوحيد، فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، ويعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبِّب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورا عليها، وأما إن التفت إليها التفات امتثال وقيام بها وأداء لحق العبودية فيها وإنزالها منازلها فهذا الالتفات عبودية وتوحيد، إذا لم يشغله عن الالتفات إلى المسبِّب. وأما محوها أن تكون أسبابا فقدح في العقل والحس والفطرة، فإن أعرض عنها بالكلية كان ذلك قدحا في الشرع وإبطالا له. وحقيقة التوكل القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبِّب، واعتقاد أنها بيده، فإن شاء منعها اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه" (¬2). ثم قال -رحمه الله-: " فإذا جمعت بين هذا التوحيد وبين إثبات الأسباب استقام قلبك على السير إلى الله، ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم" (¬3). إلى أن قال -رحمه الله-: " وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح حيث قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» (¬4)، فأمره بالحرص على ¬

_ (¬1) يوسف: 67. (¬2) مدارج السالكين: 3/ 499. (¬3) المصدر السابق: 3/ 500. (¬4) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب: في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله: 4/ 2052 برقم (2664).

الأسباب والاستعانة بالمسبِّب، ونهاه عن العجز، وهو نوعان: تقصير في الأسباب وعدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها، فالدين كله، ظاهره وباطنه، شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية" (¬1). ثم إن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، وما سبق في علم الله وحكمه لا ينافي إثباتها، ولا يقتضي إسقاطها، قال ابن القيم -رحمه الله-: " وما سبق به علم الله وحكمه حق، وهو لا ينافي إثبات الأسباب ولا يقتضي إسقاطها، فإنه سبحانه قد علم وحكم أن كذا وكذا يحدث بسبب كذا وكذا، فسبق العلم والحكم بحصوله عن سببه، فإسقاط الأسباب خلاف موجب علمه وحكمه، فمن نظر إلى الحدوث بغير الأسباب لم يكن نظره وشهوده مطابقا للحق؛ بل كان شهوده غيبة ونظره عمى، فإذا كان علم الله قد سبق بحدوث الأشياء بأسبابها فكيف يشهد العبد الأمور بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه وخلقه وأمره" (¬2). بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الشام وعلم في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة -رضي الله عنهم- هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟. فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجع إلى المدينة، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين،" كيف ترجع إلى المدينة؟ أفرارا من قدر الله"؟. فقال عمر -رضي الله عنه-: «نفر من قدر الله إلى قدر الله»، ثم بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وكان متغيباً في بعض حاجته، فحدثهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الطاعون: «إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه» (¬3). ولما سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أريت رقى نسترقيها، وأدوية نتداوى بها، وتقاة نتقيها، هل ترد من ¬

_ (¬1) مدارج السالكين: 3/ 501. وانظر: مجموع الفتاوى: 8/ 175، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم، تحقيق: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي، جدة، ط2: 2/ 82. (¬2) المصدر السابق: 3/ 500. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون: 1123 برقم (5729)، وانظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 2/ 83 - 84.

قدر الله شيئاً؟ فقال: «هي من قدر الله» (¬1). فبين -صلى الله عليه وسلم-: " أن الأسباب التي تدفع بها المكاره هي من قدر الله ليس القدر مجرد دفع المكروه بلا سبب" (¬2). فالمسلم يأخذ بالأسباب؛ لأنه مأمور بالأخذ بها، ويعمل وفق السنة لأنه مأمور بمراعاتها، لا لأنه يعتقد أن الأسباب والوسائل هي المنشئة للمسببات والنتائج، فهو يرد الأمر كله إلى خالق الأسباب، ويتعلق به وحده من وراء الأسباب، بعد أداء الواجب والسعي والعمل واتخاذ الأسباب امتثالاً وطاعة لأمر الله (¬3). ويعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء لأبطل أثره، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب إلا بمشيئة الله -عز وجل- (¬4). ويعلم أن الأخذ بالأسباب بمسبباتها، فربط المطر بوجود السحاب، وربط إنجاب الولد بالزواج، وربط دخول الجنة بالعمل الصالح، فالمسبَّب لا يقع إلا إذا وقع سببه، لكن قد يقع السبب، ويختلف عنه سببه لحكمة يعلمها الله تعالى، فقد يوجد السحاب ولا يوجد المطر، لكن لا يوجد مطر إلا بسحاب، وقد يوجد الزواج ولا يوجد الولد، لكن لا يوجد ولد إلا بجماع بالأسباب المعتادة. "ذلك أن شأن الأسباب تحصل عند مسبباتها، وقد يختلف ذلك بمعارضة أسباب أخرى مضادة لتلك الأسباب الحاصلة في وقت واحد، أو لكون السبب الواحد قد يكون سبباً لأشياء متضادة باعتبارات فيخطئ تعاطي السبب في مصادفة المسبب المقصود" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى والأدوية: 343 برقم (2065) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء: 372 برقم (3437). (¬2) رسالة في تحقيق التوكل لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن جامع الرسائل، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار العطاء، الرياض، ط 1: 94. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى: 1/ 137، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم، تحقيق: محمد جميل غازي، مطبعة المدني: 18. (¬4) القول المفيد في شرح كتاب التوحيد: 1/ 183 - 184. (¬5) تفسير التحرير والتنوير: 13/ 21 - 22، وانظر: مجموع الفتاوى: 8/ 70، 133، وكلاما كثيرا لعلماء الطبيعة في تخلف الأسباب عن المسببات، وأن هذا أمر معروف، في كتاب الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال بالعقل والنقل لمحمد بن عبد الرزاق حمزة، نشر: عبد الله محمد بابا الشنقيطي: 26 - 35.

ثم إن الله -عز وجل- وإن كان خالقاً للأسباب التي تترتب عليها مسبَّباتها حسب سننه تعالى، فإن ما كان منها شراً فإنه لا ينسب إليه سبحانه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك» (¬1). فالسبب" قبيحا من فاعله فلا يقتضى أن يكون قبيحا من خالقه، كما أن كونه أكلا وشربا لفاعله لا يقتضى أن يكون كذلك لخالقه؛ لأن الخالق خلقه في غيره لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لونا وريحا وحركة وقدرة وعلماً كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاما أو صلاة أو صياما أو طوافا كان ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام وهو المصلي وهو الصائم وهو الطائف، وكذلك إذا خلق في غيره رائحة خبيثة منتنة كان هو الخبيث المنتن ولم يكن الرب تعالى موصوفا بما خلقه في غيره" (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: 1/ 535 برقم (771). (¬2) منهاج السنة النبوية: 2/ 294 - 295، وانظر مجموع الفتاوى: 8/ 123.

المبحث الثالث: صلة الأسباب بالآيات الكونية

المبحث الثالث: صلة الأسباب بالآيات الكونية الكون كله أشياءه وأحياءه من خلق الله وإبداعه، أراده الله سبحانه فكان، وليس لشيء ولا لحي في هذا الكون من أمر الخلق ولا التدبير ولا المشاركة شيء بحال، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬1). كما أن هذا الكون قائم على أساس العدل والحق والنظام والإحكام، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (¬3). فهذا الكون العظيم خاضع لسنن تحكمه فتقوده لحكم عالية، وأغراض سامية، فليس بين هذه الأحداث والحوادث الجارية في هذا الكون ما هو خال عن حكمة متوخّاة، ولا ما هو جار على غير سنن ثابته تربطه بكل أجزاء الحياة، فكل هذا الكون يتم على مقتضى التقدير الأزلي الذي هو القضاء والقدر. قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سبأ: 22 - 23. (¬2) الدخان: 38 - 39. (¬3) ص: 27. (¬4) الأنعام: 1.

وفي آيات الله الكونية حقائق كثيرة تقف العقول حيارى أمامها، وقد تشهد آثارها ولا تستطيع تعرف كنهها، كحقيقة الروح والعقل. "فمن أراد أن ينظر في خلق الله وقدرته عليه أن يذكر هذه الحقيقة، وهي ثبوت الحق والحكمة والنعمة في جميعها، وإمكان عجز عقله في بعض المواضع والأحوال عن إدراكها، فيكون عمله في خلق الله هو النظر والبحث والتحليل والاكتشافات واستجلاء الحقائق الكونية، واستخراج الفوائد العلمية والعملية إلى أقصى حد توصله إليه معلوماته وآلاته، حتى إذا انتهى إلى مشكل استغلق عليه اعترف بعجزه" (¬1). وقد دل القرآن على أن كل شيء يحدث بسب سواء كان هذا الحدث يتعلق بالجماد أو بالنبات أو بالحيوان أو بالإنسان أو بالأجرام السماوية أو الظواهر الكونية المادية المختلفة"فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسب، والله خالق الأسباب والمسبَّبات" (¬2). فمن الأسباب المادية قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬3). ومن الأسباب المعنوية قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬4). والقرآن مملوء من ترتيب الأحكام الكونية والشرعية على الأسباب بطرق متنوعة (¬5). والحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلابد لها من أسباب متقدمة عليها، بها تقع في مستقر العادة، وعنها يتم كونها. ¬

_ (¬1) مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لعبد الحميد بن باديس، نشر وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: 361. (¬2) مجموع الفتاوى: 8/ 70. (¬3) البقرة: 22. (¬4) الأعراف: 96. (¬5) انظر: مدارج السالكين: 3/ 498، والجواب الكافي: 19.

وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا، فلابد له من أسباب أخر، ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (¬1). "وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها، فإذن لا يحصرها إلا العلم المحيط" (¬2) - أي علم الله - قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬3). ولا فرق في ذلك بين الحادث الذي يقع مرة واحدة، والحادث الذي يقع ملايين المرات فكلها تتوقف في بادئ الأمر على إرادة الخلق والإنشاء، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬4)، فالخالق هو الله -عز وجل-، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (¬5)، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (¬6). وقد جعل الله -عز وجل- لهذه الآيات الكونية أسباباً حسية وشرعية، جاء ذكرها في القرآن الكريم: فالأسباب الكونية: هي ما أجراه الله من العادة من تعلق المسببات بأسبابها، فتراكم السحب سبب لنزول المطر، قال تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ ¬

_ (¬1) الزمر: 62. (¬2) مقدمة ابن خلدون لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، دار نهظة مصر، القاهرة، ط4: 3/ 996، وانظر قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لنديم الجسر: 67، لبنان. (¬3) الطلاق: 12. (¬4) يس: 82. (¬5) الفرقان: 2. (¬6) القمر: 49.

مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (¬1). وفي بعض الظواهر الجوية جاء قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬2). وفي أطوار النبات جاء قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬3). وفي اختلاف الليل والنهار جاء قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (¬4)، وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬5). أما الأسباب الشرعية فإن الاستغفار من أسباب نزول المطر، قال تعالى: {فَقُلْتُ ¬

_ (¬1) فاطر: 9. (¬2) النور: 43 - 44. (¬3) الزمر: 21. (¬4) الإسراء: 12. (¬5) يس: 37 - 40.

اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (¬1). والتقوى من أسباب فتح بركات السماء والأرض، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬2). والظلم والمعصية من أسباب فساد البر والبحر، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬3). أما الأسباب الأخرى الباطلة فإنها لا أثر لها في الآيات الكونية، ولا تعلق لها بالسعود ولا النحوس كما يزعم الكهان ونحوهم، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلوا» (¬4). قال الخطابي (¬5) -رحمه الله-: " كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله، ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما" (¬6). وقد اقتضت حكمة الله ترتيب المسبَّبات على الأسباب،"مع الاستغناء عنها إظهاراً ¬

_ (¬1) نوح: 10 - 12. (¬2) الأعراف: 96. (¬3) الروم: 41. (¬4) سبق تخريجه: 5. (¬5) هو أبو سليمان حَمْد - بسكون الميم- بن محمد بن إبراهيم الخطابي، من علماء الشافعية والمحدثين، من مصنفاته: معالم السنن، وغريب الحديث، وأعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، توفي عام 388. انظر: سير أعلام النبلاء: 17/ 23، وشذرات الذهب: 4/ 471. (¬6) أعلام الحديث: 1/ 610.

للقدرة، وإتماماً لعجائب الصنعة، وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة، وحقت به الكلمة وجرى به القلم" (¬1)، وهذا لا يعني رفض مبدأ السببية بل ينبغي الإقرار بأن لكل سبب نتيجة (¬2). فالله يأمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نتبع هذه السنن ونفوض أمرنا إليه وحده لا شريك له. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (¬3). فسنن الله المادية وأسبابها ثابتة لكن الله -عز وجل- إذا شاء أن يخرقها خرقها. فقد يوجد المسبَّب بدون السبب المعتاد، فيحصل الولد بدون جماع، مثل خلق آدم -عليه السلام- من غير أب ولا أم، وولادة عيسى ابن مريم -عليه السلام- من غير أب، فإن الله -عز وجل- يخلق السبب، ويخلق بالسبب، ويخلق بغير السبب، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬4)، وفي هذا بيان لقدرة الله تعالى على إيجاد المسبَّبات العاديات من غير سبب ظاهر. والنار تحرق بإذنه سبحانه وتعالى، فإذا أمرت أن تمتنع من الإحراق امتنعت كنار إبراهيم -عليه السلام-، قال تعالى: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (¬5). ¬

_ (¬1) إحياء علوم الدين: 2/ 32. (¬2) انظر: كبرى اليقينيات الكونية: 286. (¬3) الواقعة: 63 - 74. (¬4) آل عمران: 59. (¬5) الأنبياء: 69.

والماء مغرق، فإذا أمر أن يمتنع من الإغراق امتنع، وإذا أمر أن يغرق أغرق كإغراقه فرعون وقومه، ومنعه من إغراق موسى -عليه السلام- وقومه، قال تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (¬1). ¬

_ (¬1) البقرة: 50.

المبحث الرابع: العلم بوقت حدوث هذه الآيات الكونية وأسبابها الحسية لا ينافي كونها آية من آيات الله

المبحث الرابع: العلم بوقت حدوث هذه الآيات الكونية وأسبابها الحسية لا ينافي كونها آية من آيات الله لا بد من التفريق بين ما يكون علماً قائماً على أصول مدروسة ثابتة، وبين ما يكون مجرد أوهام وظنون كاذبة. ولهذا التفريق أهمية في معرفة الحق من الباطل، وخصوصاً في هذا العصر إذا علمنا أن فريقاً من المنجمين يموهون على الجهال بأمر العلم بوقت حدوث بعض الآيات الكونية، ويخبرونهم بوقته، فإذا رأوا صدقهم في هذا ظنوا أن قضاياهم وأحكامهم النجومية من السعد والنحس، والظفر والغلبة، وما شابه ذلك من جنس توقع الكسوف، فيصدقهم الناس بكل ما يخبرون به، فيكذبون معه مائة كذبة، والمبطل لا يستطيع غالباً نشر باطله إلا بشوب من الحق لأن الباطل المجرد مكشوف فلا بد من التغطية والتعمية (¬1)، ولم يعلم هؤلاء أن الإخبار عن هذا يختلف عن الإخبار عن الآخر. ولحدوث الآيات الكونية أسباب حسية وأسباب شرعية، ولا تعارض بينهما، ولا بين معرفة وقوع الآية الكونية وبين كونها آية من آيات الله، فمعرفة وقوع الآية له أسباب حسية يمكن معرفتها، كمعرفة نزول المطر، والكسوف والخسوف، فهي ليست من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب، وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم؛ لكونه يستطيع أن يعرفه بسبب عادي، وهو هذا العلم، ولا ينافي ذلك كونها آية من آيات الله تعالى، التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم، ويستقيموا على طاعته (¬2). فالله -عز وجل- قدر هذه الآية الكونية، وقدر سيرها وانتظامها واجتماعها في وقت معين، ويحدث بها من التغيرات ما يشاء، ولا يشركه في ذلك أحد، مما يدل على أنها آية من آيات الله، فإذا رأى الناس هذه الآيات وتغيراتها، عرفوا قدرة من خلقها وسيّرها، فعبدوه وحده، وخافوه دون غيره، واستحضروا عظمته وجلاله وكبرياءه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مجموع الفتاوى: 35/ 190. (¬2) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة: 8/ 322. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 16/ 299، 342 - 347.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى مخيلة (¬1) في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه (¬2)، فعرفته عائشة -رضي الله عنها- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وما أدري لعله كما قال قوم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} (¬3) ... الآية» (¬4). لكن ينبغي عدم الجزم بوقوع الآية (¬5)؛ لان من يخبر بوقوع الآية الكونية لا يكون مصيباً في جميع الأوقات، بل قد يخطئ في حسابه، ولا يلزم تصديقه على كل حال (¬6). والله تعالى هو المتفرد بعلم الغيب والجزم بوقوع شيء غائب على سبيل التحقيق من ادعاء علم الغيب الذي نهى الله عنه، كما في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬7). قال القرطبي (¬8) -رحمه الله-: " قال علماؤنا: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتاب الله، إلا من اصطفى من عباده فمن قال: إنه ينزل الغيث غداً وجزم به فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا" (¬9)؛ لادعائه لعلم استأثر الله به، أما إذا لم يجزم بذلك، ¬

_ (¬1) المخيلة: موضع الخيل، والمراد هنا السحابة الخليقة بالمطر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير المبارك ابن محمد الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت: 2/ 93. (¬2) أي: كشف عنه الخوف. المصدر السابق: 2/ 364. (¬3) الأحقاف: 24. (¬4) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ: 616 برقم (3206). } (¬5) انظر: مجموع الفتاوى: 24/ 258، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع: الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، ط2: 1/ 168 - 170. (¬6) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري لعبد الله بن محمد الغنيمان، دار العاصمة، الرياض، ط2: 1/ 100. (¬7) الأنعام: 59. (¬8) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المالكي المفسر، من مصنفاته: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة بأمور الآخرة، والكتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى، وغيرها من الكتب، توفي عام 671. انظر: الديباج المذهب لمعرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة، ط2: 2/ 243، وشذرات الذهب: 7/ 584. (¬9) تفسير القرطبي: 7/ 2.

وجعل هذا الحكم بحسب العادة والتجربة فلا يكفر ولا يفسق، بل يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى أجرى العوائد، وجعل لبعض المغيبات علامات تدل عليها، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬1). قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). فالله تعالى جعل هذا النوع من الرياح علامة على المطر، وأرشدنا إلى ذلك. وقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- حين استسقى به: يا عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العباس: العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعاً بعد سقوطها، فما مضت سابعة حتى مطروا، فقال عمر: الحمد لله، هذا بفضل الله ورحمته (¬3). قال القرطبي -رحمه الله- تعالى: "وكأنّ عمر -رضي الله عنه- قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه: أخرج أم بقيت منه بقية؟ " (¬4). ¬

_ (¬1) الأعراف: 57. (¬2) الروم: 46. (¬3) السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار المعرفة، بيروت، 1413، مصورة عن دائرة المعارف العثمانية: 3/ 359، وتفسير الطبري: 27/ 243، قال الذهبي: حسن غريب، انظر: المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي، أختصره محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، دار الوطن، الرياض: 3/ 1286. (¬4) تفسير القرطبي: 17/ 230.

الفصل الخامس الآيات الكونية السماوية ودلالتها العقدية

الفصل الخامس الآيات الكونية السماوية ودلالتها العقدية وفيه تمهيد وسبعة مباحث: المبحث الأول: السماء. المبحث الثاني: الشمس. المبحث الثالث: القمر. المبحث الرابع: النجم والنوء. المبحث الخامس: الرعد والبرق والصواعق. المبحث السادس: المطر والثلج والبرد. المبحث السابع: الريح والرياح.

تمهيد

تمهيد الآيات الكونية السماوية هي الآيات العلوية كالسماء والشمس والقمر والنجوم والكواكب وغيرها. وفي هذا الفصل أذكر الآية الكونية ومعناها وورودها في القرآن والسنة، ودلالتها العقدية على التوحيد بأقسامه الثلاثة -الربوبية والألوهية والأسماء والصفات- وبقية أركان الإيمان، ومسائل العقيدة. ثم أذكر المخالفات العقدية والأحاديث الموضوعة والضعيفة المتعلقة بهذه الآيات الكونية.

المبحث الأول: السماء

المبحث الأول: السماء السماء في اللغة: اسم لكل ما ارتفع وعلا، وهو مأخوذ من السمو، وهو العلو، يقال: سما بصره، أي علا، وسما لي شخص: ارتفع حتى استثبته. وهي تذكّر وتؤنّث، وجمعها سماوات، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: السماء (¬1). وفي الاصطلاح: منطقة فضائية مرئية من الأرض، تبدو كالقبة عليها، تحتوي على الغلاف الجوي (¬2). وقد ورد لفظ السماء في القرآن في (120) موضعاً، وبلفظ الجمع في (190) موضعاً (¬3). وورد لفظ السماء في السنة في (163) حديثا (¬4). وذكر بعض المفسرين أن السماء في القرآن على خمسة أوجه (¬5): - أحدها: السماء المعروفة. ومنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6)، وقال ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 3/ 98، تهذيب اللغة: 13/ 79، لسان العرب: 3/ 2107. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 13/ 90، والموسوعة العربية الميسرة إشراف محمد شفيق غربال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة عن طبعة 1965: 2/ 1010. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، ط 4: 459 - 465. (¬4) هذا العدد حسب عدّ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة للآيات الكونية في السنة النبوية. انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 6. (¬5) انظر: نزهة الأعين النواظر: 358، والوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز لأبي عبد الله الحسين بن محمد الدمغاني، تحقيق: محمد حسن الزّفيتي، طبعة وزارة الأوقاف المصرية، القاهرة، عام 1416: 1/ 435، وبصائر ذوي التمييز لمحمد بن يعقوب الفيروزابادي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، تحقيق: عبدالعليم الطحاوي: 3/ 262، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 405. (¬6) البقرة: 29.

تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (¬1). - والثاني: السحاب. ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬2). - والثالث: المطر. ومنه قوله تعالى: { ... يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (¬3). - والرابع: سقف البيت. ومنه قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (¬4). - والخامس: سقف الجنة وسقف النار (¬5). ومنه قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (¬6). ¬

_ (¬1) التغابن: 3. (¬2) الفرقان: 48. (¬3) هود: 52، نوح: 11. (¬4) الحج: 15. (¬5) انظر: تفسير القرطبي: 9/ 99. (¬6) هود: 107.

الدلائل العقدية للآية الكونية - السماء-

الدلائل العقدية للآية الكونية - السماء-: قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآية الكونية: " ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها إما إخبارا عن عظمها وسعتها، وإما إقساما بها، وإما دعاءً إلى النظر فيها، وإما إرشادا للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالاً منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالا منه بربوبيته لها على وحدانيته وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وإما استدلالا منه بحسنها واستوائها والتئام أجزائها وعدم الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته". ثم قال: " فكم من قسم في القرآن بها كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ)} (¬1)، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (¬2)، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (¬3)، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} (¬4)، ... ولم يقسم بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر" (¬5). أولاً: وجود الله: دلت هذه الآية الكونية على وجود الله، فإن خلقها ووجودها بعد العدم، وتسخيرها دليل قاطع على وجود الله -عز وجل-، وذلك لافتقار المخلوق إلى الخالق، واحتياج المحدَث إلى المحدِث (¬6)، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ ¬

_ (¬1) البروج: 1. (¬2) الطارق: 1 (¬3) الشمس: 5. (¬4) الطارق: 11. (¬5) مفتاح دار السعادة: 1/ 303 - 304. (¬6) انظر: مجموع الفتاوى: 16/ 445، والأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد لسعود العريفي، دار عالم الفوائد، مكة، ط 1: 209 - 226.

وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} (¬1). والعناية بهذه الآية الكونية، والإتقان فيها يدل على وجود خالقها وكمال ذاته وصفاته، قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} (¬3). ولما ذكر الله -عز وجل- استنكاره لمن كفر به في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬4)، ذكر من الأدلة على وجوده - مع ما هو مستقر في الفطر - خلقَ السماوات والأرض (¬5)، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6). ولما حصلت المجادلة بين الكفار ورسلهم في الله، قالت لهم رسلهم -ترشدهم إلى الدليل والطريق لمعرفة الله لمن حصل عنده شك أو اضطراب-: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬7) أي: أفي وجوده شك (¬8)، فهو الذي خلقها وابتدعها ¬

_ (¬1) الطور: 35 - 36. (¬2) النمل: 88. (¬3) الملك: 3. (¬4) البقرة: 28. (¬5) انظر: تفسير الطبري: 1/ 218، وتفسير ابن كثير: 1/ 213. (¬6) البقرة: 29. (¬7) إبراهيم: 10. (¬8) وهذا على أحد المعنيين في الآية. والمعنى الثاني: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات. انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 482.

ثانيا: توحيد الربوبية

على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها، فلا بد لهما من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه" (¬1). وفي جواب موسى -عليه السلام- لفرعون عندما سأله عن رب العالمين وكان يجحد الصانع ويعتقد أنه لا رب سواه: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} (¬2) أي خالق جميع ذلك ومالكه هو رب العالمين، وهو الخالق (¬3). ثم إن الله تعالى يدعو عباده إلى التفكر في مخلوقاته - ومنها السماوات- الدالة على وجوده وانفراده بخلقها، وأنه المعبود وحده (¬4)، فيقول: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} (¬5). ثانياً: توحيد الربوبية: بين الله -عز وجل- أن النظر في ملكوت السماوات والأرض والتأمل في خلقهما يدل على وحدانيته -عز وجل- في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه (¬6)، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (¬7). ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 4/ 482. (¬2) الشعراء: 24. (¬3) المرجع السابق: 6/ 138. (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 8، وتفسير ابن كثير: 6/ 305. (¬5) الروم: 8. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 7/ 283، 286، وتفسير ابن كثير: 3/ 290. (¬7) الأنعام: 75.

وأخبر الله -عز وجل- أن له ملك السماوات ومن فيهن، ويتصرف بها كيف شاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، قال تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ} (¬1). وأنه الحاكم فيهما كما أنه المالك لهما (¬2)، قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬3). وأخبر جل وعلا أن السماء والأرض تقوم بأمره لها، وتسخيره إياها، وأنه ممسك لها أن تقع على الأرض إلا بإذنه (¬4)، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} (¬5)، وقال تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (¬6)، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} (¬7)، فلا يقدر على ذلك إلا الله، وهذا من أدلة ربوبيته (¬8). وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للكفار المشركين بالله، المكذبين لرسوله: أن الله هو رب السماوات والأرض، فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (¬9)، فهو وحده الذي قهر كل شيء وغلبه. وهو المالك له المتصرف فيه، ولم ينكر ذلك المشركون (¬10)، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ ¬

_ (¬1) الأنعام: 12. (¬2) انظر تفسير القرطبي: 2/ 69، وتفسير ابن كثير 1/ 379. (¬3) البقرة: 107 (¬4) تفسير ابن كثير: 6/ 310. (¬5) الروم: 25. (¬6) الحج: 65. (¬7) فاطر: 41. (¬8) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 356، وتفسير ابن كثير: 6/ 557. (¬9) ص: 65 - 66. (¬10) انظر: تفسير الطبري: 23/ 214، وتفسير ابن كثير: 7/ 80.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬1). وأنه سبحانه وتعالى ليس معه في ذلك شريك ولا وزير، ولا مشير ولا نظير، كما قال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (¬2). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - الثناء على الله: الله -عز وجل- يثني ويمدح نفسه ويحمدها لخلقه للسماوات والأرض، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬3). ولما ذكر حُكْمه في المؤمنين والكافرين وجزائهم قال: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬4)، فله الحمد والثناء على ربوبيته لسائر الخلائق (¬5). وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع ظهره من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء ¬

_ (¬1) لقمان: 25. (¬2) سبا: 22 - 23. (¬3) فاطر: 1. (¬4) الجاثية: 36 - 37. (¬5) انظر: تفسير ابن سعدي: 778.

2 - التنزيه

بعد» (¬1). 2 - التنزيه: أخبر الله -عز وجل- عن هذه الآية الكونية العظيمة أنها تسبحه وتقدسه، فقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬2). وأن السماوات كادت تتفطر عند دعوة المشركين أنَّ لله ولداً، فقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} (¬3) "أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم، إعظامًا للرب وإجلالا؛ لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا شريك له، ولا نظير له ولا ولد له، ولا صاحبة له، ولا كفء له، بل هو الأحد الصمد" (¬4). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، فكادت أن تزول منه لعظمة الله» (¬5). وقال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6). فمن خلق هذه السماوات وأوجدها على غير مثال سابق ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع: 1/ 364 برقم (476). (¬2) الإسراء: 44. (¬3) مريم: 90 - 91 (¬4) تفسير ابن كثير: 5/ 266. (¬5) تفسير الطبري: 16/ 150، وانظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي، ت: عبد الله التركي، دار هجر، ط1: 10/ 142. (¬6) الأنعام: 101.

3 - العدل والحكمة

كيف يكون له ولد؟! (¬1). وفي رد الله على أهل الكتاب في زعمهم أن لله ولدا (¬2) قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (¬3). وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬4). ففي هذه الآيات رد على النصارى ومن أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب، ممن نسب لله الولد، فأكذب الله جميعهم في دعواهم. قال ابن جرير -رحمه الله-: " فمعنى الكلام: سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السموات والأرض، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها، وموجدها من غير أصل، ولا مثال احتذاها عليه؟ " (¬5). 3 - العدل والحكمة: أخبر الله -عز وجل- أنه خلق السماوات والأرض بالحق وللحق، وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 7/ 347، وتفسير القرطبي: 7/ 53. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 6/ 196، وتفسير ابن كثير: 2/ 36. (¬3) النساء: 171. (¬4) البقرة: 116 - 117. (¬5) تفسير الطبري: 1/ 585، وانظر: تفسير ابن كثير: 1/ 166.

4 - بعض أسماء الله وصفاته

لعباً، وأن ذلك بالعدل والحكمة (¬1)، فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (¬2)، وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬3). 4 - بعض أسماء الله وصفاته: ورد في القرآن أسماءٌ لله وصفاتٌ مقيدة بالإضافة إلى السماء (¬4)، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬5). ومن ذلك اسم الله القيوم، ومن صفاته القيّم والقيّام (¬6)، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الاستفتاح في صلاة الليل أنه يقول: «اللهم لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن»، وفي لفظ: قيوم، وفي لفظ: قيام (¬7). ومن ذلك أيضاً رب السماوات، قال تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن سعدي: 712. (¬2) ص: 27. (¬3) النحل: 3. (¬4) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي، ت: عبد الله الحاشدي، دار السوادي، جدة، ط1: 1/ 201، ومجموع الفتاوى: 6/ 386، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، تحقيق: عواد المعتق، دار الرشد، ط 3: 45. (¬5) النور: 35. (¬6) انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت: 7. (¬7) صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب التهجد بالليل: 222 برقم (1120)، وكتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه من الليل: 1215 برقم (6317)، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: 1420 برقم (7442)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: 1/ 532 برقم (769).

5 - الصفات الفعلية الاختيارية لله

وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} (¬1). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (¬2). وقال تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3). 5 - الصفات الفعلية الاختيارية لله (¬4): قد دلت هذه الآية الكونية على الصفات الفعلية الاختيارية المتعلقة بمشية الله، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬5)، وكان ذلك بعد خلق الأرض (¬6). وأخبر الله -عز وجل- أنه يمسك السماء أن تقع على الأرض، وعلق ذلك بإذنه ومشيئته، فقال تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (¬7) "أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء ¬

_ (¬1) الصافات: 4 - 5. (¬2) ص: 65 - 66. (¬3) الجاثية: 36. (¬4) الصفات الفعلية الاختيارية: هي الصفات التي"يتصف بها الرب -عز وجل- فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته: مثل كلامه، وسمعه، وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ومثل خلقه وإحسانه، وعدله ومثل استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز، والسنة". مجموع الفتاوى: 6/ 217، 16/ 134، وانظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل: 2/ 3، والقول المفيد على كتاب التوحيد: 1/ 132، وشرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس: 53، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبدالعزيز السلمان، ط13: 174. (¬5) البقرة: 29. (¬6) تفسير ابن كثير: 1/ 213، وتفسير ابن سعدي: 48. (¬7) الحج: 65.

6 - صفة القدرة

أن تقع على الأرض إلا بإذنه" (¬1). 6 - صفة القدرة: أمر الله -عز وجل- بالنظر في خلق السماء، وكيف رفعت، ففيه دلالة على قدرته وعظمته، فقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} (¬2). وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} (¬3). وبين أن من آيات قدرته العظيمة خلق السماوات والأرض، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬4). كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن كمال قدرته في خلق السماوات بغير عمد (¬5) فقال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ} (¬6). 7 - صفة الغنى والقوة: دلت هذه الآية الكونية على غنى الله وفقر العباد إليه وعجزهم وضعفهم قال تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (¬7) فهذه السماء على عظمها وسعتها وكثرة من فيها فإن الله -عز وجل- لا يعجزه أهلها"بل هو القاهر فوق عباده، وكل شيء خائف ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 5/ 451. (¬2) الغاشية: 17 - 18. (¬3) ق: 6. (¬4) الروم: 22. (¬5) انظر: مفتاح دار السعادة: 1/ 319. (¬6) لقمان: 10. (¬7) العنكبوت: 22.

8 - صفة الرحمة

منه، فقير إليه، وهو الغني عما سواه" (¬1). وأخبر الله -عز وجل- عن كمال غناه، وأنه غني عن إيمان الطائعين، ولا يضره كفر الكافرين، وأن له ملك السماوات والأرض (¬2)، فقال تعالى: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (¬3). وقال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (¬4) "فهو الغني عما سواه، فكل شيء خلقه وملكه، وكل شيء فقير إليه" (¬5). 8 - صفة الرحمة: لما أخبر الله تعالى أنه المالك للسماوات والأرض ومن فيهن، وهو الغني عن خلقه بين أنه كتب على نفسه الرحمة، فقال تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬6). عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» (¬7). ففي الحديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويستجيب ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 20/ 162 - 163، وانظر: تفسير ابن كثير: 6/ 271. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 5/ 409، وتفسير ابن كثير: 2/ 431. (¬3) النساء: 131. (¬4) لقمان: 26. (¬5) تفسير ابن كثير: 6/ 348، وانظر: تفسير ابن سعدي: 651. (¬6) الأنعام: 12. (¬7) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه: 1/ 521 برقم (758).

9 - صفة العلم

لمن يدعوه ويعطي من سائله، وهذا من رحمته -عز وجل- بعباده. وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا (¬1) وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع (¬2) فيبرأ» (¬3). 9 - صفة العلم: أخبر الله -عز وجل- عن كمال علمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة ولو كانت في هذه السماء العظيمة، والأرض الوسيعة (¬4)، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬5). وقال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا ¬

_ (¬1) بضم الحاء، والمراد ها هنا: الذنب الكبير كما يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا، وهو الحوبة أيضا مفتوحة الحاء مع إدخال الهاء. انظر: عون المعبود: 10/ 274. } (¬2) بفتح الجيم أي المرض، أو بكسر الجيم أي المريض. انظر: عون المعبود: 10/ 275. (¬3) سنن أبي داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى؟: 427 برقم (3892)، والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول من كان به أسرُ-تحقيق: فاروق حمادة، دار الكلم الطيب، دمشق، ط 1: 579 برقم (1035)، والحاكم في مستدركه: 1/ 344، وقال: قد احتج الشيخان بجميع رواه هذا الحديث غير زيادة بن محمد وهو شيخ من أهل مصر قليل الحديث، وقال الذهبي - عن زيادة-: قال البخاري وغيره منكر الحديث. والحديث حسنه ابن تيمية، انظر: العقيدة الواسطية لابن تيمية بشرح محمد خليل الهراس، وتصحيح وتعليق: إسماعيل الأنصاري، دار ابن القيم، الدمام: 117. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 352. (¬5) آل عمران: 5 - 6.

أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (¬1). فهذا يدل على كمال صفاته سبحانه وتعالى، وسعة علمه، وأنه يعلم غيب السماوات والأرض، وما تكنه السرائر وتنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بعمله؛ فهو يعلم الأشياء كلها ظاهرها وباطنها، ولا يخفى عليه منها شيء في الأرض ولا في السماء (¬2). كما أخبر جل وعلا أنه يعلم الأخبار الماضية عن القوم السابقين ولا يعلمها أحد غيره؛ لأنه سبحانه له غيب السماوات والأرض (¬3): {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬4). وبين الله -عز وجل- سعة علمه بعلمه غيب السماوات والأرض، وأن الخلق لا يعلمون ذلك، وأنه وحده لا شريك له هو المتفرد بعلم غيب السماوات والأرض، وأن غيره عاجز عن ذلك فقال: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} (¬5). كما أخبر تعالى بأنه عالم غيب السماوات والأرض، وأنه عالم الغيب والشهادة - وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه - (¬6) فقال: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬7)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (¬8). ¬

_ (¬1) يونس: 61. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 11/ 151، وتفسير ابن كثير: 6/ 557، وتفسير ابن سعدي: 121. (¬3) انظر تفسير الطبري: 15/ 268، وتفسير ابن كثير: 5/ 150. (¬4) الكهف: 26. (¬5) النمل: 65 - 66 (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 338. (¬7) النمل: 75. (¬8) الحج: 70.

10 - صفة الكلام لله -عز وجل-

10 - صفة الكلام لله -عز وجل-: من الأدلة التي استدل بها أهل السنة في إثبات صفة الكلام لله والرد على من زعم أن المتكلم لا بد أن يكون له لسان وجوف وشفتين، أن الله -عز وجل- أخبر أن السماء تكلمت، في قوله {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فأثبت الله -عز وجل- للسماء كلاماً. فهل يثبتون لها لسان وجوف وشفتان؟!} (¬1). 11 - نزول القرآن والشرائع من الله: بين الله -عز وجل- أن هذا القرآن منزل ممن خلق الأرض والسماوات العلى، القادر على كل شيء (¬2)، فقال تعالى: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} (¬3). فالذي أنزل هذا القرآن هو رب السماوات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما، قال تعالى: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} (¬4). وقد كان أهل الكتاب يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} (¬5). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق ¬

_ (¬1) انظر: درء تعارض العقل والنقل: 2/ 393، 4/ 159. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 16/ 160، تفسير ابن كثير: 5/ 272 - 273. (¬3) طه: 4. (¬4) الدخان: 5 - 7. (¬5) النساء: 153.

عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بنخلة، عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (¬1) فأنزل الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} (¬2) وإنما أوحي إليه قول الجن" (¬3). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً» (¬4). ولما سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت للسائل: «ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله -عز وجل- افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة»} (¬5). وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أن الأمانة نزلت من السماء في ¬

_ (¬1) الأحقاف: 31. (¬2) الجن: 1 - 2. (¬3) صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر: 159 برقم (733)، وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن: 1/ 331 برقم (449). (¬4) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- إلى اليمن قبل حجة الوداع: 821، برقم (4351). (¬5) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض: 1/ 512 برقم (746).

12 - صفة العلو

جذر قلوب الرجال ونزل القرآن، فقرؤوا القرآن وعلموا من السنة» (¬1). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «بينما جبريل قاعد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» (¬2). ولما أنكر اليهود النسخ في الشرائع وأن ذلك مستحيل عقلاً، بين الله -عز وجل- أن له ملك السماوات والأرض، وأنه يتصرف فيهما بما يشاء، وأنه الفعال لما يريد، ولا راد لحكمه، وأنه يأمر بما يشاء، وينهى عما يشاء، وأنه ينسخ ويبدل في أحكامه التي يحكم بها بين عباده، وأن الخلق عليهم السمع والطاعة في ذلك كله (¬3)، قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬4). 12 - صفة العلو: قد دلت هذه الآية الكونية على صفة العلو من عدة جهات: أ- إخبار الله -عز وجل- عن نزول الأمر من السماء إلى الأرض، وهو يدل على علو الله، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (¬5)، وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: 1388 برقم (7276). (¬2) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة: 1/ 554 برقم (806). (¬3) تفسير الطبري: 1/ 555. (¬4) البقرة: 106 - 107. (¬5) السجدة: 5.

قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬1). وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله» (¬2). وعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم» (¬3). وكانت زينب زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تفخر على أزواجه تقول: «زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات» (¬4). ب- رفع الأعمال إلى السماء (¬5)، وهذا أيضاً يدل على علو الله، قال الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (¬6). ج- محاجة الكافرين بعض الأنبياء وطلبهم على سبيل العتو والتمرد تهيئة أسباب الصعود إلى الله -عز وجل- عن طريق أبواب السماء، قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي ¬

_ (¬1) الطلاق: 12. (¬2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ: 902 برقم (4701). } (¬3) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة: 618 برقم (3210). (¬4) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء: 1414 برقم (7420). (¬5) انظر: تفسير الطبري: 21/ 143، والأسماء والصفات للبيهقي: 2/ 104 برقم (667). (¬6) فاطر: 10.

تَبَابٍ} (¬1). وقد كان المشركون يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل التحدي والتعجيز أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، وأنهم لن يؤمنوا حتى يرقى للسماء ويفعل ذلك (¬2)، قال الله تعالى مخبراً عن حالهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (¬3). د- رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه إلى السماء ينظر إليها ويدعو الله (¬4) إشارة منه إلى علو الله تعالى. عن أبي بردة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: «صلينا المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال، أحسنتم أو أصبتم، قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» (¬5). ¬

_ (¬1) غافر: 36 - 37. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 120. (¬3) الإسراء: 90 - 93. (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 2/ 157، وتفسير ابن كثير: 1/ 391، 453. (¬5) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب بيان أن بقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة: 4/ 1961 برقم (2531).

هـ- إخباره -صلى الله عليه وسلم- أنه أمين من في السماء، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً» (¬1). وقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- قول الجارية حينما سألها أين الله؟ قالت: في السماء، بل شهد لها بالإيمان، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل الجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء. قال: اعتقها فإنها مؤمنة» (¬2). و- العروج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء: فقد عرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، وكلمه ربه، وسمع صريف الأقلام، وفرضت عليه الصلاة (¬3). ز- الإشارة بالأصبع إلى السماء: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يشير بأصبعه إلى السماء يرفعها وينكتها إلى الناس عند ذكر الله في الدعاء حال الخطبة (¬4) إشارة منه إلى علو الله تعالى. ح- رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء: عن أنس -رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه (¬5)، وفي خطبة عرفة رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم اشهد عليهم، اللهم اشهد عليهم» (¬6). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 198. (¬2) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته: 1/ 381، برقم (537). (¬3) صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء: 90، برقم (349). (¬4) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-: 2/ 886 برقم (1218). (¬5) صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين في الاستسقاء: 2/ 612 برقم (895). (¬6) مسند الإمام أحمد: 33/ 445 برقم (20336)، وقال محققه: حديث صحيح.

13 - صفة الاستواء

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (¬1)، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬2)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمة حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» (¬3). 13 - صفة الاستواء: حيث أخبر الله جل وعلا أن الاستواء على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض (¬4) فقال: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (¬5). 14 - صفة النزول: ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له» (¬6)، وفيه دليل على نزول الله سبحانه إلى السماء ¬

_ (¬1) المؤمنون: 51. (¬2) البقرة: 172. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها: 2/ 703 برقم (1015). (¬4) انظر: تفسير الطبري: 19/ 35، وتفسير ابن كثير: 4/ 274. (¬5) الفرقان: 59. (¬6) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه: 1/ 521 برقم (758).

15 - العرش

الدنيا كل ليلة (¬1). 15 - العرش: بين الله -عز وجل- أن العرش كان موجوداً عند خلق السماوات فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (¬2). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» (¬3). وأخبر -صلى الله عليه وسلم- عن صفة العرش بالنسبة للسماء فقال: «إن عرشه على سمواته لهكذا» وقال بأصابعه مثل القبة عليه، فالعرش فوق السماوات وهو مثل القبة. قال ابن بشار في حديثه: "إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التهميد لابن عبد البر: 7/ 128، واجتماع الجيوش الإسلامية: 143. (¬2) هود: 7. (¬3) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام: 4/ 2044 برقم (2653). (¬4) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب في الجهمية: 515 برقم (4726)، وقال أبو داود: والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم: يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضا، وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني. وقال الذهبي في كتاب العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها، تحقيق: عبد الله البراك، دار الوطن، الرياض، 1/ 413: "هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا أم لا". وقد قواه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في بيان تلبيس الجهمية: 1/ 569، ومجموع الفتاوى: 16/ 435، وأورد ابن القيم في تهذيب السنن: 7/ 95 - 117: المطاعن التي طعن بها هذا الحديث، وأجاب عنها ومال إلى تصحيح الحديث.

16 - عظم الكرسي

16 - عظم الكرسي: وفي بيان عظمة الكرسي أخبر الله -عز وجل- عنه أنه وسع السماوات والأرض، فقال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (¬1)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في تُرْس» (¬2). 17 - صفة اليمين لله تعالى: قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬3)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض» (¬4). رابعاً: توحيد الألوهية: يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات وأنه المالك المتصرف في هذه الآية الكونية العظمية، وهو المتفرد بذلك: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ ¬

_ (¬1) البقرة: 255. (¬2) أخرجه أبو الشيخ في العظمة: 2/ 587، وابن جرير في تفسيره: 3/ 15. وقال ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 24: " أول الحديث مرسل، وعن أبي ذر منقطع، وقد رُوى عنه من طريق أخرى موصولاً". وقال الذهبي في العلو 1/ 849: هذا مرسل، عبد الرحمن ضُعّف. (¬3) الزمر: 67. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة: 1249برقم (6519).

حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (¬1)، وهذا مما يعترف به المشركون، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (¬2)، فكما أنهم يعترفون بذلك فيلزمهم أن يقروا ويعترفوا بأنه لا إله غيره. وإذا كان هؤلاء المشركون لا يتصرفون في هذه السماوات، وليس لهم فيها شرك فلماذا يعبدون معه غيره؟ (¬3) قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬4). وفي رد الله تعالى على المشركين عبادتهم لغير الله بظنهم أن هؤلاء المعبودين شفعاء ووسائط عند الله، بين -عز وجل- أنه يعلم ما في السماوات والأرض، وأن عبادة هؤلاء من دون الله شرك وضلال، فقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬5). فقرر تعالى أنه هو الذي خلق السماوات والأرض ويعلم ما فيها، وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، ويزعمون أنها تقربهم إلى الله كما قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (¬6)، فأنكر تعالى ذلك عليهم، حيث اعتقدوا ذلك (¬7)، ¬

_ (¬1) الأنبياء: 30. (¬2) الزخرف: 9. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 274، وتفسير ابن سعدي: 779. (¬4) الأحقاف: 4. (¬5) يونس: 18. (¬6) الزمر: 3. (¬7) انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 526.

قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (¬1). وقد ذكر الله -عز وجل- من الأدلة على تفرده بالإلهية تفرده بخلق السماوات (¬2)، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬3). وفي الاستفهام التقريري الذي يعترف به المشركون وغيرهم يبين تعالى أنه المنفرد بالخلق فيقول: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (¬4) أي أإله مع الله يعبد. فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير؟ كما قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬5). والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحتجون على أقوامهم بخلق السماوات والأرض على وجوب إفراد الله -عز وجل- بالعبادة دون من سواه، قال تعالى مخبرا عن نوح -عليه السلام- في دعوته قوهم: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} (¬6) منبهاً لهم على قدرة الله وعظمته في ¬

_ (¬1) الرعد: 16. (¬2) تفسير القرطبي: 2/ 191 - 192. (¬3) البقرة: 21 - 22. (¬4) النمل: 60 (¬5) النحل: 17. (¬6) نوح: 15.

1 - بعض أنواع العبادة القلبية

خلق السماوات والأرض، فهو الذي يجب أن يعبد وحده ولا يشرك به أحد (¬1). وفي محاجة إبراهيم -عليه السلام- لقومه استدل عليهم بربوبية الله الخالق للسماوات وغيرها على وجوب إفراده بالعبادة (¬2)، فقال: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (¬3). ويأمر الله -عز وجل- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول لقومه: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬4)، فيكون الجواب الفطري منهم: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (¬5)، وفي هذا يقرر تعالى وحدانيته، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك، ليرشد إلى أنه الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له (¬6). وفي خبر فتية الكهف أنهم قاموا واستدلوا على ربهم الذي يجب أن يعبد ويدعى بقولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} (¬7)، فالعبادة لا تنبغي إلا لله الذي خلق السماوات والأرض. فكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية (¬8). 1 - بعض أنواع العبادة القلبية: قد دلت هذه الآية الكونية - السماء - على بعض أنواع العبادة القلبية، ومنها: ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن سعدي: 889. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 17/ 47، وتفسير القرطبي: 11/ 296. (¬3) الأنبياء: 56. (¬4) المؤمنون: 86. (¬5) المؤمنون: 86 - 87. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 489، وتفسير ابن سعدي: 557. (¬7) الكهف: 14. (¬8) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 294.

أ- الإخلاص

أ- الإخلاص: قال تعالى مخبرا عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1) "أي إنما أعبد الله مخلصا له فهو خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها، الذي بيده ملكوت كل شيء، وخالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه" (¬2). ب- الخوف والخشية والمراقبة: أخبر الله -عز وجل- أنه يعلم السرائر والظواهر، وأن علمه محيط بالخلق في سائر الأحوال، وبجميع ما في السماوات والأرض، قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬3). "وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم" (¬4)، وأن يراقبوه في كل أحوالهم فإن علمه محيط بكل شيء في السماوات والأرض. ج- التوكل: إنَّ من له ملك السماوات والأرض هو الذي يجب أن يتوكل عليه ولا يتوكل على غيره (¬5)، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (¬6). وقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (¬7). فالذي خلق السماوات والأرض هو الذي يجب أن يتوكل عليه فإنه عالم غيب ¬

_ (¬1) الأنعام: 79. (¬2) تفسير ابن كثير: 3/ 292. (¬3) آل عمران: 29. (¬4) تفسير ابن كثير: 2/ 31، وانظر: تفسير ابن سعدي: 127. (¬5) انظر: تفسير البغوي: 1/ 609. (¬6) النساء: 132. (¬7) هود: 123.

د- اليقين بالله والوثوق بوعده

السماوات والأرض، وإليه المرجع والمآب، وله الخلق والأمر، وهو كاف من توكل عليه وأناب إليه (¬1). د- اليقين بالله والوثوق بوعده: حث الله عباده المؤمنين على اليقين به وبنصره والوثوق بوعده فإن له سلطان السماوات والأرض وملكهما (¬2)، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬4). وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 364. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 11/ 65 - 66. (¬3) يونس: 55. (¬4) التوبة: 116. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وإنه يأرز بين المسجدين: 1/ 128 برقم (148).

هـ- الإنابة

فأصبح قلب المؤمن مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، وهي باقية إلى أن يبدل الله الأرض والسماوات يوم القيامة، وهذا يقين المؤمن ووثوقوه بوعد الله. هـ- الإنابة: الإنابة تكون للخالق المالك المتصرف، قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬1) "أي فاطر السماوات والأرض هو ربي الذي أتوكل عليه، وأنيب إليه، وأفوض أمري إليه" (¬2). والمقصود أن هذه الآية العظيمة من دلائل توحيده،"فسبحان الواحد الأحد، خالق أنواع المخلوقات، المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي الأسماء والصفات" (¬3). 2 - القسم: قد أكثر الله -عز وجل- من الإقسام بالسماء في كتابه الكريم، قال ابن القيم -رحمه الله-: " ولم يقسم في كتابه بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر، وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه، وكلما كان أعظم آية وأبلغ في الدلالة كان إقسامه به أكثر من غيره" ... ثم قال: "والمقصود أنه سبحانه إنما يقسم من مخلوقاته بما هو من آياته الدالة على ربوبيته ¬

_ (¬1) الشورى: 10 - 11. (¬2) تفسير الطبري: 25/ 16، وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 193. (¬3) تفسير ابن كثير: 4/ 418.

3 - التوسل

ووحدانيته" (¬1). ويقسم بها على أن القيامة حق، وعلى البعث والجزاء كما قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (¬2) فاقسم الله -عز وجل- بنفسه وبربوبيته للسماء على أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء أنه حقٌ لا مرية فيه (¬3). وكان عمر -رضي الله عنه- إذا أقسم قال: «أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض» (¬4). 3 - التوسل: قال الله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (¬5)، فيوسف الصديق -عليه السلام- دعا ربه -عز وجل- لما تمت النعمة عليه باجتماعه بأبويه وإخوته، وما مَنَّ الله به عليه من النبوة والملك، وسأل ربه -عز وجل- متوسلا إليه بربويته وخلقه لهذه المخلوقات العظيمة - والتي منها السماوات- أن يتوفه مسلماً، وأن يلحقه بالصالحين (¬6). وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل في افتتاح صلاته: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (¬7). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 303 - 304، وانظر: إمعان في أقسام القرآن لعبد الحميد الفراهي، المطبعة السلفية، القاهرة، 1349: 9، 41. (¬2) الذاريات: 23. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 17/ 41، وتفسير ابن كثير: 7/ 420. (¬4) صحيح البخاري: كتاب الفرائض، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا نورث ما تركنا صدقة: 1285برقم (6728). (¬5) يوسف: 101. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 13/ 88، وتفسير القرطبي: 9/ 270. (¬7) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب دعاء النبي - -صلى الله عليه وسلم- - ودعائه بالليل: 1/ 534 برقم (770).

خامسا: الإيمان بالغيب

خامساً: الإيمان بالغيب: قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬2)،"فالله -عز وجل- يبين سعة علمه وكمال قدرته في ملكه وعلمه غيب السماوات والأرض، واختصاصه بذلك، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه الله تعالى على ما يشاء" (¬3). وأن العبيد لم يشهدوا خلق السماوات والأرض، ولا يعلمون الغيب، فقال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (¬4). فهو سبحانه الذي يعلم السر وأخفى، ولا يخفى عليه شيء في السماوات، وكذلك لا يخفى عليه ما في القلوب من الإيمان والنفاق وغير ذلك (¬5)، قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6). سادساً: الإيمان بالملائكة: قال الله تعالى مبيناً أن الملائكة في السماء: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} (¬7)، وقال ¬

_ (¬1) النمل: 65. (¬2) الزخرف: 85. (¬3) تفسير ابن كثير: 4/ 589. (¬4) الكهف: 51. (¬5) انظر: تفسير البغوي: 4/ 214، وتفسير ابن سعدي: 802. (¬6) الحجرات: 16. (¬7) النجم: 26.

تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» (¬2). وأن لكل سماء مقربوها من الملائكة كما في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-: «فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة» (¬3). وأن لكل سماء خازن كما جاء في حديث الإسراء: «قال جبريل -عليه السلام- لخازن السماء الدنيا: افتح» ... ثم قال: «حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح» (¬4). وأنهم من جنود الله في السماوات: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} (¬5)، وقال تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} (¬6). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ -في غزوة بدر- يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه؛ إذ سمع ضربه بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، ¬

_ (¬1) الإسراء: 95. (¬2) صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة: 617 برقم (3209). (¬3) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر: 517 برقم (4753)، ومسند الإمام أحمد: 30/ 499 برقم (18534)، قال البيهقي في شعب الإيمان 2/ 319: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن مندة في كتاب الإيمان، تحقيق: علي الفقيهي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 2/ 965: هذا إسناد متصل مشهور، رواه جماعة عن البراء. (¬4) صحيح البخاري، كتاب بد الخلق، باب ذكر الملائكة: 616 برقم (3207)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: 1/ 148 برقم (163). (¬5) يس: 28. (¬6) آل عمران: 124.

فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «صدقت ذلك مدد السماء الثالثة» (¬1). وأن عددهم في السماء كثير، ولا يعلمه إلا الله -عز وجل- كما جاء في حديث الإسراء -بعد مجاوزته إلى السماء السابعة-: «ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم» (¬2). وأن السماء تئط (¬3) منهم فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله» (¬4). وأن من أعمالهم النزول بالوحي من السماء (¬5)، قال تعالى: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} (¬6). وأنهم يصعدون بأعمال العباد وأرواحهم إلى السماء (¬7)، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬8). وفي حديث البراء -رضي الله عنه- قال: «فيصعدون بها -أي روح الميت-، فلا يمرون - يعني ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم: 3/ 1383 برقم (1763). (¬2) سبق تخريجه: 213. (¬3) الأطيط: صوت الأقتاب، والقتب: صوت الرحل. وأطيطُ الإبل: أصواتها وحنينها. أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطَّت. انظر: النهاية في غريب الحديث: 1/ 54. (¬4) سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا: 382 برقم (2312)، وقال: هذا حديث حسن غريب ويروى من غير هذا الوجه، والإمام أحمد في مسنده: 35/ 405 برقم (21516)، وقال المحقق: حسن لغيره. وانظر: السلسة الصحيحة الأحاديث رقم: 852، 1060، 1722، 3194. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 527. (¬6) الحجر: 8. (¬7) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 86 - 87، وتفسير ابن كثير: 6/ 359. (¬8) السجدة: 5.

سابعا: الإيمان بالكتب

بها- على ملاء من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة» (¬1). وأن الملائكة شهداء الله في السماء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «مروا بجنازة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنوا عليها خيراً، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم- وجبت، ثم مروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجبت، قالوا: يا رسول الله، قولك الأولى والأخرى: وجبت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض» (¬2). سابعاً: الإيمان بالكتب: أخبر الله -عز وجل- عن نزول الكتب من السماء فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (¬3)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} (¬4)، بل إن أهل الكتاب كانوا يعلمون ذلك، وقد طلبوا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ينزل عليهم كتاباً من السماء كما نزلت التوراة على موسى -عليه السلام- مكتوبة، قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} (¬5)، فدل هذا على معرفة أهل الكتاب بأن الكتب تنزل من عند الله من السماء (¬6). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 213. (¬2) سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب الثناء: 219 برقم (1933)، وأصله في الصحيحين، وصححه الألباني في أحكام الجنائز وبدعها، دار المكتب الإسلامي، بيروت، ط 4: 44. (¬3) البقرة: 176. (¬4) النساء: 105، الزمر: 2. (¬5) النساء: 153. (¬6) انظر تفسير القرطبي: 6/ 6، وتفسير ابن كثير: 2/ 446.

ثامنا: الإيمان بالرسل

وكذلك قال كفار قريش (¬1): {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (¬2). ثامناً: الإيمان بالرسل: كان مما يستدل به النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه رسول الله، وعلى وجوب إفراد الله بالعبادة قوله أن الذي أرسلني هو خالق كل شيء - ومن ذلك السماوات- وربه ومليكه، الذي بيده الملك والإحياء والإماتة، وله الحكم (¬3)، قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬4). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجىء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: «صدق». قال: فمن خلق السماء؟ قال: «الله». قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله». قال: فمن نصب هذه ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 15/ 188. (¬2) الإسراء: 90 - 93. (¬3) انظر: تفسير الطبري: 9/ 105، وتفسير ابن كثير: 3/ 491. (¬4) الأعراف: 158.

الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «الله». قال: فبالذى خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: «نعم» (¬1). ومن دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- استدلاله عليهم بعلم الله للقول في السماء والأرض، وأنه لا يمكن أن يكذب عليه، فهو سبحانه لسعة علمه يعلم ما في السماء والأرض (¬2): {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (¬3)، وقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (¬4)، حتى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» (¬5). وقد نبه الله على صدق رسله فيما جاءوا به بما أيدهم به من الآيات، ومنها خلقه للسماوات والأرض (¬6)، فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (¬7). وقال موسى -عليه السلام- لفرعون مبيناً الحجة على رسالته، وأن هذه الحجج لا تكون إلا من رب السماوات والأرض (¬8): {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} (¬9). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام: 1/ 41 برقم (12). (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 332. (¬3) الأنبياء: 4. (¬4) العنكبوت: 52. (¬5) سبق: تخريجه: 197. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 9/ 162. (¬7) الأعراف: 185. (¬8) انظر: تفسير القرطبي: 10/ 337، وتفسير ابن كثير: 5/ 124. (¬9) الإسراء: 102.

تاسعا: الإيمان باليوم الآخر

وفي حديث الإسراء بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أنه عرج به إلى السماء، ووجد فيها الأنبياء: آدم، ويحيى، ويوسف، وإدريس، وهارون، وعيسى، وموسى، وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (¬1). ومن الإيمان بالرسل الإيمان بما جاءوا به، وأنه من عند الله، وقد نزل من السماء إلى الأرض، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يحدث: «أن رجلا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني فلأعبرنها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اعبرها، قال أبو بكر: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أصبت بعضا، وأخطأت بعضا، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ قال: لا تقسم» (¬2). تاسعاً: الإيمان باليوم الآخر: أقسم الله -عز وجل- بربوبيته للسماء والأرض على أن ما وعد"به من أمر القيامة والبعث والجزاء، كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات وفرض الصلوات: 1/ 148 - 149 برقم (163، 164). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤيا: 4/ 1777 برقم (2269).

تنطقون" (¬1)، قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (¬2). واستدل الله -عز وجل- على البعث وإعادة الأجساد بقدرته في خلق السماوات والأرض، فقال: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (¬3)، قال ابن كثير -رحمه الله-: " أي إن في النظر إلى خلق السماء والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجّاع إلى الله، على قدرة الله على بعث الأجساد ووقوع المعاد؛ لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها، إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام" (¬4). وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬5)، فمن قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى (¬6). وأخبر الله -عز وجل- أن السماء تطوى يوم القيامة فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬7)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض» (¬8). ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 7/ 420. (¬2) الذاريات: 23. (¬3) سبأ: 9. (¬4) تفسير ابن كثير: 6/ 496، وانظر: تفسير ابن سعدي: 750. (¬5) الأحقاف: 33. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 26/ 43، وتفسير ابن كثير: 7/ 305. (¬7) الزمر: 67. (¬8) سبق تخريجه: 204.

وأخبر سبحانه أنه سيجازي كلا بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فهو مالك السماوات والأرض الغني عما سواه (¬1)، قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (¬2). ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجنة والنار، وقد بين الله -عز وجل- صفة الجنة وأن عرضها عرض السماوات والأرض، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (¬3)، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (¬4). وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- هرقل إلى الجنة، ووصف له عرضها بأنه كعرض السماوات والأرض (¬5). وفي غزوة بدر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري -رضي الله عنه-: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم» (¬6). وأن الجنة درجات، وما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، عن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا سعيد، من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة». فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها على يا رسول الله، ففعل، ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 17/ 105، وتفسير ابن كثير: 7/ 460. (¬2) النجم: 31. (¬3) آل عمران: 133. (¬4) الحديد: 21. (¬5) مسند الإمام أحمد: 3/ 442 برقم (15693)، ومسند أبي يعلى: 3/ 70 برقم (1597). قال ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 177: "هذا حديث غريب تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به". (¬6) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب باب ثبوت الجنة للشهيد: 3/ 1509 برقم (1901).

عاشرا: الإيمان بالقدر

ثم قال: «وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض». قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله» (¬1). عاشراً: الإيمان بالقدر: القدر أربعة مراتب: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق (¬2). وأخبر الله -عز وجل- أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (¬3). وأنه قدر المقادير وكتبها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» (¬4). كما بين سبحانه أن الأمور لا تقع إلا بإذنه ومشيته ومن ذلك وقوع السماء على الأرض فقال تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (¬5) "أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه" (¬6). ولما يذكر الله -عز وجل- خلق السماوات والأرض وأنه هو المتصرف فيها يبين"أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات: 6/ 37 برقم (4987). (¬2) انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: أشرف عبد المقصود، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 105. (¬3) هود: 7. (¬4) سبق تخريجه: 203. (¬5) الحج: 65. (¬6) تفسير ابن كثير: 5/ 451، وانظر: تفسير القرطبي: 12/ 93.

الحادي عشر: منهج الاستدلال

معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء" (¬1)، قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (¬2). وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات؛ لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات؛ لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسى» (¬3)، فمن فعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها؛ فلن يضره شيء في الأرض ولا في السماء إلا بإذن الله. الحادي عشر: منهج الاستدلال: 1 - الاستدلال بالعقل: من منهج القرآن الاستدلال بالعقل في إثبات توحيد الربوبية والألوهية مستدلاً في ذلك بخلق السماوات، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} (¬4). 2 - التصديق والتسليم: ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 7/ 216، وانظر: تفسير ابن سعدي: 762. (¬2) الشورى: 49 - 50. (¬3) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح: 549 برقم (5088)، وسنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى: 536 برقم (3388)، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود للألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، ط 1: 3/ 958. (¬4) الطور: 35 - 36.

3 - ضرب الأمثلة

لما كان خلق السماوات من الأمور الغيبية كان الواجب على المسلم الإيمان بذلك والتصديق به، وعدم الخوض فيما لا علم له به، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (¬1): "لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها" (¬2)، ومعناه أن هذه الأمور قد لا تدركه عقول بعض الناس فيكذب بها، فالواجب التسليم للنصوص والتصديق بها. 3 - ضرب الأمثلة: من منهج القرآن ضرب الأمثلة مستخدماً في ذلك السماء لبيان حال المشركين وظلالهم وبعدهم عن الهدى، قال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (¬3). وضرب الله مثلاً لقلب الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصول الإيمان إليه كمن يصّعد في السماء، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬4)،"فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه، حتى يدخله الله في قلبه" (¬5). الثاني عشر: الوعد والوعيد: ¬

_ (¬1) الطلاق: 12. (¬2) رواه ابن جرير في تفسيره: 28/ 172. وانظر: تفسير ابن كثير: 8/ 156. (¬3) الحج: 31. (¬4) الأنعام: 125. (¬5) انظر: تفسير الطبري: 8/ 38.

لما ذكر الله -عز وجل- وجوب إتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ووبخ وهدد أهل الكتاب على عدم إتباعه بقوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1)، بين سبب ذلك فقال: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2) "أي هو مالك كُل شيء، والقادر على كل شيء فلا يعجزه شيء، فهابوه ولا تخالفوه، واحذروا نقمته وغضبه، فإنه العظيم الذي لا أعظم منه، القدير الذي لا أقدر منه" (¬3). وأخبر الله -عز وجل- أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض فيغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء (¬4)، فقال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬5). وكان المشركون يسألون رسولهم العذاب من السماء، قال تعالى عنهم: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (¬6)، أي: جانبا من السماء، أو عذابًا من السماء (¬7). وقال تعالى عن المشركين أنهم قالوا: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬8). ¬

_ (¬1) آل عمران: 188. (¬2) آل عمران: 189. (¬3) تفسير ابن كثير: 2/ 183، وانظر: تفسير: الطبري: 26/ 93. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 337، وتفسير ابن سعدي: 792. (¬5) الفتح: 14. (¬6) الشعراء: 186 - 187. (¬7) انظر: تفسير القرطبي: 13/ 136. (¬8) الأنفال: 32.

الثاني عشر: الولاء والبراء

وبين -صلى الله عليه وسلم- أن الذنوب ولو عظمت وبلغت السماء فإن الله -عز وجل- يغفرها ولا يبالي، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب عليكم» (¬1). وبين كذلك عقوبة من تكلم بكلمة من سخط الله، وأنه ليقع منها أبعد من السماء، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- يرفعه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يريد بها بأسا إلا ليضحك بها القوم، وإنه ليقع منها أبعد من السماء» (¬2). الثاني عشر (*): الولاء والبراء: قد جاء في النصوص أن السماء تبكي عند فقد المؤمن، وأن أبوابها تفتح له، أما الكافر فلا تبكي عليه، ولا تفتح له أبوابها (¬3)، قال تعالى عن حال الكافرين: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} (¬4). وفي حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- في بيان حال روح المؤمن عند الموت، قال -صلى الله عليه وسلم-: «فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ¬

_ (¬1) سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة: 458 برقم (4248)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: 2/ 346 برقم (1526): "إسناده حسن"، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه: 2/ 417 برقم (3426) "حسن صحيح". (¬2) مسند الإمام أحمد: 17/ 413 برقم (11331)، قال الهيثمي في"مجمع الزوائد" 8/ 179: رواه أحمد، وفيه أبو إسرائيل بن خليفة، وهو ضعيف. وأصله عند البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان: 1242 برقم (6477)، ولفظه: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق". (¬3) انظر: كتاب العظمة: 5/ 1714، وتفسير البغوي: 4/ 116، وتفسير القرطبي: 16/ 139، وتفسير ابن كثير: 7/ 253. (¬4) الدخان: 29. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، وما قبله كان الثاني عشر أيضا

الثالث عشر: الإيمان بالجن

ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله، -عز وجل-: اكتبوا كتاب عبدي في عِليِّين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى». وفي بيان حال روح الكافر قال: «وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وتنزع نفسه مع العروق، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله: أن لا تعرج روحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه، قالوا: رب فلان بن فلان عبدك، قال: أرجعوه، فإني عهدت إليهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى» (¬1). الثالث عشر: الإيمان بالجن: كانت الجن تتخذ المقاعد في السماء الدنيا تسترق السمع من السماء (¬2)، ولما بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- منعت من ذلك، ولهذا قال الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 213. (¬2) تفسير ابن كثير: 8/ 240. (¬3) الجن: 8 - 9.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -السماء-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -السماء-: أولاً: إنكار وجود السماوات: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار وجودها، وأن المراد بها الأفلاك أو الأجرام العلوية (¬1)، وأن سعة الجو غير متناهية، وأن الكون" لا زال يتوسع حتى الآن" (¬2)، استدلالاً بقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (¬3)، ومعنى هذا عندهم نفي وجود السماوات السبع (¬4). وهذا القول هو قول متأخري الفلاسفة" فلا سماء عندهم بل الأجرام العلوية قائمة بالجاذبية؛ فإن الشمس وسائر الكواكب السيارات عليها بل وجميع الثوابت ليست مركوزة في جسم من الأجسام" (¬5). والحق الذي تدل عليه الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة"أن هذا الفضاء الذي نحن فيه يبتدي من الأرض، وينتهي إلى السماء الدنيا" (¬6). "والرسل -صلى الله عليه وسلم- كلهم أخبروا بوجود السماوات، وهذا خاتمهم -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر ما ذكر مما رأى في معراجه في السماوات واستفتاحه لها بواسطة جبريل، كل ذلك يبطل تأويل من أول" (¬7). وقد أخبر الله -عز وجل- عن هذه السماء وأنها مبنية فقال: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ¬

_ (¬1) انظر: ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان: 19،ونقض النظريات الكونية: 127 - 129. (¬2) أسرار الكون بين العلم والقرآن عبد الدائم الكحيل: 30، وانظر: توحيد الخالق لعبدالمجيد الزنداني: 280. (¬3) الذاريات: 47. (¬4) وينبغي أن يلاحظ أنهم حين يذكرون السماء في الكون الأعلى فهم يريدون بها الفضاء، والنجوم، والمجرات. انظر: الموسوعة الفلكية: 221، 409، ونقض النظريات الكونية: 41. (¬5) ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان: 25. (¬6) الصواعق الشديدة: 124، 152، وانظر: ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة: 40. (¬7) ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان: 26.

ثانيا: إنكار عدد السماوات السبع

(27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} (¬1). ومما يدل على وجود السماء" أن الله ذكر للسماء أحوالاً وأوصافاً لا يصح انطباقها على الفضاء، مثل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (¬2)، وهذا يكون يوم القيامة والفضاء لا يوصف بالانشقاق، ومثله قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} (¬3)، يعني يوم القيامة، فلولا أنها بناء لما وصفها بالتشقيق .... وفي مواضع يذكر الرب -عز وجل- السماء والأرض وما بينهما، فلولا أن للفضاء نهاية، وللسماء جرما لما قال الرب: وما بينهما" (¬4). ثانياً: إنكار عدد السماوات السبع: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار عدد السماوات السبع، وأن المراد"بالسماوات السبع التي يرد ذكرها في كثير من الآيات هي على أرجح الأقوال الكواكب السبع السيارة المعروفة" (¬5). يقول الدكتور محمد جمال الفندي: " الغالب (والله أعلم) أنها - أي السماوات السبع- تحديد للنوع وليس للكم. وما السماوات السبع التي ترتفع فوق رؤوسنا سوى: 1 - الغلاف الجوي. 2 - الشهب. 3 - النيازك. 4 - القمر. ¬

_ (¬1) النازعات: 27 - 28. (¬2) الانشقاق: 1. (¬3) الفرقان: 25. (¬4) هداية الحيران في مسألة الدوران لعبد الكريم الحميد، ط 2: 34. (¬5) القرآن وإعجازه العلمي، لمحمد إسماعيل إبراهيم: 59، وانظر: تفسير ابن كثير: 8/ 233.

5 - الكواكب السيارة. 6 - المذنبات. 7 - الشمس" (¬1). وقال بعضهم أن: " الأفلاك تسعة وليست سبعة، والعدد سبعة في القرآن يراد به التعدد" (¬2). "فلم يثبتوا من السماوات سبعا ولا أكثر من ذلك ولا أنقص، والمتشرعون منهم قالوا: المراد من السماوات السبع أصناف أجرام الكواكب، فإنهم جعلوها على سبعة أصناف في المقدار" (¬3). وهذا الرأي لا يتفق مع قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} (¬4)، فالآية تدل على أن السماوات السبع واحدة فوق واحدة (¬5). وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6)،"أي أتم خلقهن من تلك المادة الدخانية، فجعلهن سبع سماوات تامات منتظمات الخلق" (¬7). ¬

_ (¬1) السماوات السبع، للدكتور محمد جمال الدين الفندي: 113 - 114، وانظر: التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن: 135. (¬2) انظر: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، لموريس بوكاى، دار المعارف، لبنان، ط4: 163 وما بعدها، والكون والرؤية العلمية في القرآن والأديان السماوية الأخرى - دراسة مقارنة، رسالة ماجستير إعداد الطالب: أشرف أحمد محمد محمد عماشة، كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدمياط الجديدة: 42. (¬3) ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان: 25 - 26. (¬4) نوح: 15. (¬5) انظر: تفسير الطبري: 29/ 115، وتفسير ابن كثير: 8/ 233، والبحر المحيط لأبي حيان، تحقيق: عادل عبد الموجود، وآخرون، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1: 6/ 286، 287. (¬6) البقرة: 29. (¬7) تفسير القرآن الحكيم، لمحمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972: 206 - 207.

ثالثا: إنكار خلق الله للسماوات والأرض في ستة أيام وأنها ست مراحل

وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} (¬1)، قال ابن حزم -رحمه الله- (¬2): " وهكذا قام البرهان من قبل كسوف الشمس والقمر وبعض الدرارى لبعض على أنه سبع سماوات، وعلى أنها سبع طرائق" (¬3). وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬4)، فالشمس والقمر والنجوم معطوفة على السماوات والأرض، أي أنهن لسن بجزء من السماوات. ثالثاً: إنكار خلق الله للسماوات والأرض في ستة أيام وأنها ست مراحل: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار خلق الله للسماوات في ستة أيام، وأن هذه الأيام الواردة في الآيات عبارة عن ست مراحل، أقام الله عليها الكون، وأسماها ستة أيام، وربط ذلك بالنظام السداسي (¬5)، يقول الكتور جميل القدسي الدويك: "وأن الأيام هنا ليست كأيامنا هذه، إنما هي مراحل طويلة , فإنشاء الكون كله وبنائه وتعميره من قبل الله وإصلاحه على أكمل وجه كان قائما على النظام السداسي فتأملوا ذلك في القرآن ¬

_ (¬1) المؤمنون: 17. (¬2) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، فقيه محدث متكلم، له مؤلفات كثيرة، منها: الفصل في الملل والأهواء والنحل، والدرة فيما يجب اعتقاده، والمحلى، والإجماع، وغيرها. انظر: سير أعلام النبلاء: 18/ 184، وشذرات الذهب: 3/ 299. (¬3) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، المطبعة الأدبية، ط 1: 2/ 98. (¬4) الأعراف: 54. (¬5) أي شيء قائم على البناء والنمو والربو خلقه الله سبحانه وتعالى مبنيا على نظام سداسي، انظر: اكتشاف الآلية التي يؤثر بها قرين الإنسان من الشيطان عليه في الوسواس والسحر والتلبس والمس والأمراض النفسية والعلاج الناجح لكل ذلك من خلال أطعمة القرآن والرقية الشرعية والاستعاذة بالله، بحث خاص مقدم من مركز الأبحاث العلمية في مؤسسة الدكتور جميل القدسي الدويك لمؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب: 37.

رابعا: اعتقاد أن السماوات خلقت من غير مادة

العظيم" (¬1). أما علماء الإسلام فيقولون أن الله خلق هذه السماوات والأرض في ستة أيام ولكنهم اختلفوا هل هذه الأيام من أيام الدنيا أو أيام الآخرة، كل يوم ألف سنة (¬2). قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: " وخلقها الله -عز وجل- في ستة أيام، والأيام أطلقها الله -عز وجل- ولم يبين أن اليوم خمسين ألف سنة، أو أقل، أو أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيامنا هذه، وقد جاء في الحديث أنها الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة (¬3)، فالجمعة منتهى خلق السماوات والأرض ومبتدئه الأحد، والسبت ليس فيه خلق لا ابتداء ولا انتهاء." (¬4). رابعاً: اعتقاد أن السماوات خلقت من غير مادة: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية القول بأن السماوات خلقت من غير مادة، وبأن مادة السماوات ليست مبتدعة، مما يلزم عليه القول بقدم العالم (¬5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " فأما قول الدهرية: بأن السماوات لم تزل على ما هي عليه ولا تزال فهذا تكذيب صريح وكفر بين بما في القرآن وما اتفق عليه أهل الإيمان وعلموه بالاضطرار أن الرسل أخبروا به وكذلك قول الجهمية (¬6)، أو من يقول: منهم إن ¬

_ (¬1) اكتشاف الآلية التي يؤثر بها قرين الإنسان من الشيطان عليه: 37 - 38، باختصار. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 104 - 105، وتفسير القرطبي: 7/ 219. (¬3) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب ابتداء الخلق وخلق آدم -عليه السلام-: 4/ 2149 برقم (2789). (¬4) تفسير القرآن الكريم- الحجرات إلى الحديد - للشيخ محمد بن عثيمين، دار الثريا، الرياض، ط 1: 364. (¬5) انظر: جامع المسائل لابن تيمية، فصل في مؤاخذة ابن حزم في الإجماع، تحقيق: عزير شمس، دار عالم الفوائد، مكة، ط 1: 3/ 346 - 347، ومنهاج السنة: 1/ 360، ودرء التعارض: 8/ 287 - 290. (¬6) الجهمية: أصحاب الجهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة، ظهرت بدعته بترمذ، وقتله مسلم بن أحوز بمرو في آخر ملك بني أمية، ينفون الأسماء والصفات ويزعمون أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة فقط. انظر: الملل والنحل للشهرستاني، تحقيق: محمد فتح الله بدران، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 36، والفرق بين الفرق لعبد القاهر بن قاهر البغدادي، تحقيق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، ط2: 194.

السماوات والأرض خلقتا من غير مادة، ولا في مدة، وأنهما يفنيان أو يعدمان، أو أن الجنة تفنى أيضا: كل ذلك مخالف لنصوص القرآن" (¬1). وهذا القول لم يقل به أحد من سلف الأمة، بل المتواتر عنهم أنهما خلقتا من مادة، وفي مدة، كما دل عليه القرآن (¬2) قال الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬3)، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬4). وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» (¬5). وقد أخبر سبحانه أنه استوى إلى السماء الدنيا وهي دخان، فقال لها وللأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬6). ¬

_ (¬1) بيان تلبيس الجهمية: 1/ 159. (¬2) انظر: المرجع السابق: 1/ 152 - 154. (¬3) فصلت: 9 - 12. (¬4) البقرة: 29. (¬5) سبق تخريجه: 203. (¬6) فصلت: 11.

خامسا: اعتقاد التعب والإعياء لله بعد خلق السماوات والأرض

"وثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين أنه خلق السماء من بخار الماء، ونحو ذلك من النقول التي يصدقها ما يخبر به أهل الكتاب عن التوراة وما عندهم من العلم الموروث عن الأنبياء. وشهادة أهل الكتاب الموافقة لما في القرآن أو السنة مقبولة" (¬1)، كما في قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (¬2)، ونظائر ذلك في القرآن. وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض» (¬3). وفي رواية صحيحة: «ثم خلق السماوات والأرض» (¬4). خامساً: اعتقاد التعب والإعياء لله بعد خلق السماوات والأرض: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية زعم اليهود أن الله تعالى استراح يوم السبت، بعد خلقه السماوات والأرض -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا- فعن قتادة قال: قالت اليهود -عليهم لعائن الله-: خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استراح في اليوم السابع، وهو يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة، فأنزل الله تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ أي من إعياء ولا نصب ولا تعب، كما قال في الآية الأخرى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ¬

_ (¬1) درء تعارض العقل والنقل: 2: 4/ 234، وانظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد الله بن صالح الغصن، دار ابن الجوزي، الدمام، ط 1: 272. (¬2) الرعد: 43. (¬3) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ: 613 برقم (3191)، بلفظ"ولم يكن شيء غيره". } (¬4) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ: 1413 برقم (7418).

سادسا: اعتقاد أن الله في جوف السماء

بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (¬1)، وقال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2). سادساً: اعتقاد أن الله في جوف السماء: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية اعتقاد أن الله في جوف السماء، وأن قوله {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (¬3) يقتضي أن يكون الله في جوف الأفلاك، ونحو ذلك، وظن أن هذه المعاني الفاسدة هي ظاهر القرآن، وأن مسماها ظاهره وحقيقته. والجواب عن هذا أن السلف رحمهم الله لم يعتقدوا أن هذا المعنى الفاسد ظاهر هذه النصوص، ولا أنها تدل على ذلك. "وقد أخبر الله -عز وجل- في القرآن أنه استوى على العرش، وأن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، وأخبر بعلوه في غير موضع من كتابه، وهذه كلها نصوص تنفي أن تكون صفاته تشبه صفات خلقه، أو يكون حالا في المخلوقات، وأخبر بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬4)، وبقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (¬5) ونحو ذلك أن يماثله العباد في صفاتهم، فتكون صفاته كصفات خلقه" (¬6). فهو سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا ¬

_ (¬1) الأحقاف: 33. (¬2) غافر: 57. (¬3) الملك: 16. (¬4) الشورى: 11. (¬5) الإخلاص: 4. (¬6) مسألة في تأويل الآيات وإمرار الصفات كما جاءت لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن جامع المسائل، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد، مكة، ط 1: 3/ 172 - 174.

هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (¬1). وثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للجارية: «أين الله؟، قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة» (¬2). قال مالك بن أنس -رحمه الله-: إن الله في السماء، وعلمه في كل مكان (¬3). وقيل لعبد الله بن المبارك -رحمه الله-: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه (¬4). وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله- كما قال هذا وهذا (¬5). وعلى هذا فالمراد بفي"إما أن تكون بمعنى «على»، كما في قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬6) أي على جذوع النخل، وكقوله: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} (¬7) أي عليها، فالمعنى أأمنتم من على السماء. وإن كانت على بابها وهي الظرفية، فيكون المراد بالسماء العلو، فالله في العلو المطلق" (¬8). ¬

_ (¬1) الملك: 16 - 17. (¬2) سبق تخريجه: 201. (¬3) كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني، دار عالم الكتب، الرياض، ط 4: 107، ومسائل الإمام أحمد برواية أبي داود، تحقيق: طارق عوض الله، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 1: 353 برقم (1699). (¬4) الرد على الجهمية لأبي سعيد عثمان الدارمي، تحقيق: بدر البدر، دار ابن الأثير، الكويت، ط 2: 47 برقم (67)، والسنة لعبد الله بن الإمام أحمد: 111. (¬5) انظر: درء التعارض: 2/ 34. (¬6) طه: 71. (¬7) آل عمران: 137. (¬8) شرح العقيدة الواسطية من تقريرات الشيخ محمد بن إبراهيم، كتبها ورتبها: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم: 85، 111، وانظر: بيان تلبيس الجهمية: 1/ 558، وتقريب التدمرية للشيخ محمد بن عثيمين، دار الوطن، الرياض، ط عام 1424: 71.

سابعا: تحريف مخاطبة الله للسماء وتحريف اتيانها وقولها

سابعاً: تحريف مخاطبة الله للسماء وتحريف اتيانها وقولها: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحريف مخاطبة الله للسماء، وتحريف اتيانها وقولها في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬1). فقالوا في مخاطبة الله للسماء في قوله: {فَقَالَ لَهَا} قولان: أحدهما: أنه قول تكلم به. الثاني: أنها قدرة منه ظهرت لهما فقام مقام الكلام في بلوغ المراد (¬2). أما قول السماء فقيل فيه: أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما. وقيل أن هذا مجاز، وإنما المعنى أنها ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة لقول {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬3). وقيل: بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى (¬4). ومنهم من جعل قول السماء هو الموجات الصوتية التي حدثت عند انفجار الكون، أو أنه ذبذبات كونية هادئة (¬5). "بل إنهم يصورن ذلك في رسوم بيانية، ويزعمون من خلال تحليل العلماء لهذه الذبذبات ¬

_ (¬1) فصلت: 11. (¬2) انظر: النكت والعيون لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية، بيروت: 5/ 172، وتفسير القرطبي: 15/ 344 (¬3) انظر: المرجع السابق: 5/ 172 - 173، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لعبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالة الفاروق وآخرون، وزارة الأوقاف القطرية، الدوحة، ط 2: 7/ 468. (¬4) تفسير القرطبي: 15/ 344. (¬5) أسرار الكون بين العلم والقرآن: 3، 29.

أن الكون كان هادئاً ومطيعاً، وانه يوافق قول الله تعالى عن السماء في بداية الخلق" (¬1): {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬2). والجواب أن هذه التأويلات والتحريفات باطلة؛ فإن الله -عز وجل- قادر على مخاطبة الجمادات (¬3)، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (¬4). وما في نطق السماء من العجب؟ " والله تبارك وتعالى ينطق الجلود، والأيدي، والأرجل، ويسخّر الجبال والطير، بالتّسبيح. قال تعالى: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} (¬5)، وقال: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (¬6)، أي سبّحن معه، وقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬7)." (¬8). وهذا القول لا شيء يدفعه، والعبرة به أتم والقدرة فيه أظهر (¬9). كما أن الله -عز وجل- خاطبهما خطاب من يعقل، وذكر جوابهما، وكان الجواب لجمع العقلاء فقال: {طَائِعِينَ}، ولم يقل طائعتين على اللفظ، ولا طائعات على المعنى، لأنهما سماوات وأرضون، لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما، ولما وصفهن بالقول والإجابة وذلك من ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 31. (¬2) فصلت: 11. (¬3) انظر: مبحث عبودية الكائنات: 65. (¬4) الأحزاب: 72. (¬5) ص: 19. (¬6) سبأ: 10. (¬7) الإسراء: 44. (¬8) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط 2: 113. (¬9) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 7/ 468.

ثامنا: تحريف معنى تسبيح السماوات

صفات من يعقل أجراهما في الكناية مجرى من يعقل (¬1). أما الإتيان فإن معناه عندهم غير مراد" لأن السماء والأرض لا يتصور أن يأتيا، ولا يتصور منهما طواعية أو كراهية إذ ليستا من أهل العقول والإدراكات، ولا يتصور أن الله يكرههما على ذلك لأنه يقتضي خروجهما عن قدرته" (¬2). وفيه قولان: "أحدهما: أنه قال ذلك قبل خلقها، ويكون معنى ائتيا أي كونا فكانتا، كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬3). الثاني: قول الجمهور أنه قال ذلك لهما بعد خلقهما. فعلى هذا يكون في معناها أربع تأويلات: أحدها: معناه أعطيا الطاعة في السير المقدر لكما طوعاً أو كرهاً أي اختياراً أو إجباراً. الثاني: ائتيا عبادتي ومعرفتي طوعاً أو كرهاً باختيار أو غير اختيار. الثالث: ائتيا بما فيكما طوعاً أو كرهاً. الرابع: كونا كما أمرت من شدة ولين، وحزن وسهل ومنيع وممكن" (¬4). ونقول -كما سبق- أن الله على كل شيء قدير، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى ذلك: "قال الله -عز وجل-: أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك، وقال لهما: افعلا ما آمركما طوعا وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع" (¬5). ثامناً: تحريف معنى تسبيح السماوات: ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي: 15/ 344، وانظر: شرح الأربعين النووية لابن عثيمين، دار الثريا، الرياض، ط1: 51. (¬2) التحرير والتنوير: 24/ 246 - 247. (¬3) النحل: 40. (¬4) النكت والعيون: 5/ 172 - 173، ومفاتيح الغيب: 27/ 557 - 558، وتفسير القرطبي: 15/ 343 - 344. (¬5) انظر: تفسير القرطبي: 15/ 343 - 344، وتفسير البغوي: 4/ 59.

تاسعا: تحريف معنى بكاء السماء

ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحريف معنى تسبيح السماوات، وحمله" على معنى الانقياد والتسخير الذى يصدر عن طواعية على سبيل الاستعارة بالكناية" (¬1)، أو أن تسبيحها هو"ما يظهر فيه من لطيف صنعة الله وبديع قدرته الذي يعجز الخلق عن مثله فيوجب ذلك على من رآه تسبيح الله وتقديسه" (¬2). وقد سبق الكلام على هذه المسألة في مبحث عبودية الكائنات (¬3)، وأن السماء تسبح تسبيحاً حقيقياً، الله أعلم بكيفيته، وأن هذا التسبيح زائد على ما فيها من الدلالة (¬4)، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬5). تاسعاً: تحريف معنى بكاء السماء: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحريف معنى بكاء السماء، وأن المراد بذلك أنه" عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض والريح والبرق، وبكته الليالي الشاتيات ... وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه" ... أو أن"في الكلام إضمار، أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة". وفي كيفية بكاء السماء ثلاثة أوجه: أحدها أنه كالمعروف من بكاء الحيوان. وقيل: بكاؤهما حمرة أطرافها. وقيل: بكاؤها أمارة تظهر منها تدل على أسف وحزن (¬6). ¬

_ (¬1) من بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والآصال والعشي والإبكار، إعداد: الدكتور محمد محمد عبد العليم دسوقي: 47، 71. (¬2) النكت والعيون: 3/ 245. (¬3) انظر: 65. (¬4) مجموع الفتاوى: 12/ 406. (¬5) الإسراء: 44. (¬6) انظر هذه الأقوال في: تفسير القرطبي: 16/ 139 - 141، وتفسير ابن كثير: 7/ 253 - 254.

عاشرا: إنكار معرفة ارتفاع السماء عن الأرض

ومن المخالفات أيضاً اعتقادهم أن بكاء السماء ناتج عن ولادة الكون، كما يقوله البروفيسور ويتل في خبر علمي: "يمكننا سماع البكاء الناتج عن ولادة الكون" (¬1). ثم يقول صاحب الكتاب: "وهذا الخبر العلمي يعطي إمكانية حدوث الصوت والبكاء وغير ذلك مما لم نكن نفهمه من قبل. وهذا يؤكد أن كل كلمة في القرآن هي الحق، بل لماذا لا يكون هذا الصوت الكوني هو امتثال لأمر الله تعالى؟ " (¬2). والصواب أنها تبكي بكاء حقيقيا إذ لا استحالة في ذلك، وإذا كانت السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم فكذلك تبكي، مع ما جاء من الخبر في ذلك (¬3). وقال مجاهد -رحمه الله-: إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله فقال: أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل!. وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما-: إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء (¬4). عاشراً: إنكار معرفة ارتفاع السماء عن الأرض: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار معرفة ارتفاع السماء عن الأرض، "فلم يعرف الإنسان مقدار ارتفاع السماء إلا بعد كشف العلم عن مواقع بعض النجوم، فعرفنا أن السماء مرتفعة، وليست قريبة كما يظن النظر المجرد" (¬5). وهذا مخالف لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر فيه أن ارتفاع السماء مسيرة خمسمائة سنة، فعن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «هل تدرون كم بين السماء ¬

_ (¬1) نقلا عن: أسرار الكون بين العلم والقرآن: 31. (¬2) المرجع السابق: 31. (¬3) تفسير القرطبي: 16/ 139 - 141. (¬4) تفسير ابن كثير: 7/ 253 - 254. (¬5) توحيد الخالق: 280.

الحادي عشر: بعض الأدعية والأقوال المخالفة

والأرض؟» قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: «بينهما مسيرة خمسمائة سنة» (¬1). الحادي عشر: بعض الأدعية والأقوال المخالفة: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -السماء- ذكر بعض الأدعية والأقوال المخالفة، منها: 1 - من ذلك الدعاء بقول: «اللهم بقدرتك التي قدرت بها أن تقول بها للسماوات والأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا، قالتا أتينا طائعين، افعل كذا وكذا». قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " هذه المسألة مبنية على مسألة كلام الله، ونحو ذلك من صفاته، هل هي قديمة لازمة لذاته لا يتعلق شيء منها بفعله وبمشيئته ولا قدرته؟ أو يقال: إنه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء، وإنها مع ذلك صفات فعليه؟ وهذا فيه قولان لأصحابنا وغيرهم من أهل السنة." (¬2) ثم بين -رحمه الله- أن هذا القول هو مذهب الكلابية (¬3)، أما أهل السنة فلا يقال عندهم ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: 3/ 292 برقم (1770)، وسنن أبي داود في كتاب السنة، باب في الجهمية: 514 - 515 برقم (4723)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحاقة: 526 برقم (3320) وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك: 2/ 288، 412، 500، 501، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال في موضع آخر: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه غيرهم. انظر: مجموع الفتاوى: 3/ 191 - 192، وتهذيب السنن لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت: 7/ 94، وتفسير ابن كثير: 4/ 429، وتخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لفريح بن صالح البهلال، دار الأثر، ط 1: 140 - 145. (¬2) مجموع الفتاوى: 8/ 384. (¬3) الكلابية: من الفرق الكلامية، ظهرت نهاية القرن الثاني، وهم أتباع عبدالله بن سعيد بن كلاَّب وهم ينفون الصفات ويقولون أن الإيمان المعرفة بالقلب والإقرار باللسان. انظر: كتاب أصول الدين لأبي منصور عبدالقاهر البغدادي، دار صادر، بيروت، ط1: 249، ومجموع الفتاوى: 12/ 178، ومختصر الصواعق المرسلة: 2/ 426، 450، وسير أعلام النبلاء: 5/ 77، والفصل في الملل والنحل: 5/ 77، والملل والنحل 11/ 93.

2 - ذكر أحوال خاصة للسماء عند دعاء المكروب

قدر أن يتكلم، أو يقول (¬1)، وقالوا لم يزل الله متكلماً إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وكما شاء (¬2). 2 - ذكر أحوال خاصة للسماء عند دعاء المكروب: عن أنس -رضي الله عنه- قال: «كان رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار يكني أبا معلق، وكان يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا. فخرج مرة فلقيه لص مقنع بالسلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك. قال: ما تريد إلا دمي؟ شأنك بالمال. قال: أما المال فلي فلست أريد إلا دمك. قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات. قال: صل ما بدا لك. فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال: يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، والملك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني ثلاث مرات، قال: دعا بها ثلاث مرات. فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة. واضعها بين أذني فرسه، فلما أبصر به اللص: أقبل نحوه فطعنه فقتله. ثم أقبل إليه، فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي؟ فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم. قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة. دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة. ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا. ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 17/ 55. (¬2) المرجع السابق: 17/ 166.

3 - عدالة السماء

ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكروب. فسألت الله عز وجل أن يوليني قتله. قال أنس: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أم غير مكروب» (¬1). 3 - عدالة السماء: قال الشيخ بكر أبو زيد (¬2) -رحمه الله-: " هذا تعبير حادث في عصرنا، يريدون به: عدل الله - سبحانه - على معنى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (¬3). فالمراد إن كان كما ذكر فهو حق، والتعبير غير سديد، بل هو قريب من إطلاقات الكلاميين التي لم يأت بها كتاب ولا سنة، كما في قولهم: "قوة خفية" فليجتنب (¬4). وسئل الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- عن حكم مقولة: "عدالة السماء، ونور السماء" وما أشبه ذلك؟: فأجاب: "هم يريدون بنور السماء وهداية السماء نور الله -عز وجل-؛ لأنه في السماء، ولكن الأفضل أن يعدلوا عن هذه الكلمات، وأن يقولوا: نور الله وهداية الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها» (¬5)، قال: «كان الذي في ¬

_ (¬1) كرامات أولياء الله لأبي القاسم هبة الله اللالكائي: 9/ 166، وقال محقق الكتاب: سنده ضعيف، فيه ثلاثة أشخاص لم أجد تراجمهم. وذكر القصة ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة: ط 1: 12/ 615. (¬2) هو بكر بن عبد الله أبو زيد، كان رئيساً للمجمع الفقه الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وله مشاركة في التأليف في: الحديث والفقه واللغة والمعارف العامة، منها: المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، والحدود والتعزيرات، والجناية على النفس وما دونها، وغيرها. توفي عام 1429. انظر: مقدمة فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 1/ 15. (¬3) الكهف: 49. (¬4) معجم المناهي للشيخ بكر أبو زيد، دار العاصمة، الرياض، ط3: 383. (¬5) صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها: 2/ 1059 برقم (1436).

4 - كراهة النظر إلى السماء

السماء» فإطلاق مثل هذه العبارات يجب على الإنسان التوقف فيها، وأن يقال: الأفضل أن تضيفوا الشيء إلى من هو له حقيقة؛ لأن مجرد السماء ليس فيها هداية وليس فيها نور وإنما هو نور الله -عز وجل- وهداية الله" (¬1). 4 - كراهة النظر إلى السماء: زعماً منهم أن ذلك يدل على تحيز الله -عز وجل-، وأن" هذا الأدب مطلوب من كل الناس، وإن كان الحق تعالى لا يتحيز ولا تأخذه الجهات" (¬2)، وزعم بعض الزهاد أنه لا ينبغي النظر إلى السماء تخشعاً وتذلاً (¬3). وقد استدلوا بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رفع البصر في الصلاة (¬4)، فقالوا: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه في الصلاة، ونهي الرسول عليه الصلاة والسلام رفع البصر إلى السماء يدل على أن القرب من الله ليس بالتوجه إلى السماء, وهذا يدل على عدم التحيز والمكان, فلو كان الله في السماء لكان أولى التوجه في البصر إلى حيث الله، ولما نهى الرسول عن ذلك ... دل على عدم تحيز الله ووجوده في مكان» (¬5). وقد وردت السنة الصحيحة برد ذلك، وقد بوب البخاري -رحمه الله- في صحيحه بقوله: باب رفع البصر إلى السماء (¬6)، وذكر بعض الأحاديث والتي فيها رفع النبي بصره إلى السماء، وفي هذا رد على من كره ذلك (¬7). ¬

_ (¬1) لقاء الباب المفتوح للشيخ محمد بن عثيمين، دار الوطن، الرياض: 81/ 29. (¬2) العهود المحمدية لعبد الوهاب الشعراني: 688. (¬3) شرح صحيح البخاري لابن بطال، تحقيق: ياسر إبراهيم، مكتبة الرشد: 9/ 360، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، ضبطه: عبد الله محمود عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1: 22/ 343. (¬4) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب النهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة: 2/ 29 برقم (994، 995). (¬5) سليم الحشيم، منتدى الأصلين - على شبكة الانترنت (وهو منتدى أشعري). http: //www.aslein.net/showthread.php? - رحمه الله- =8172. (¬6) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رفع البصر إلى السماء: 1196، برقم (6214، 6215). (¬7) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: 9/ 361، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري: 22/ 343.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - اعتقاد أن السماوات تدور على منكب ملَك: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: "من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: من لَقيتَ؟ قال: لقيتُ كعبًا. فقال: ما حدثك كعب؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال: فصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته. قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، كذب كعب، إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬1) ". وذهب جُندَب البجلي إلى كعب الأحبار فقدم عليه، ثم رجع، فقال له عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: " حدثنا ما حدثك. فقال: حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك. قال عبد الله -رضي الله عنه-: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك، ثم قال: ما تنتكت (¬2) اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا كفى بها زوالا أن تدور"} (¬3). 2 - إمساك السماء والأرض: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي عن موسى -عليه السلام- على المنبر ¬

_ (¬1) فاطر: 41. (¬2) النكت: أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها. انظر: لسان العرب: 10/ 83. (¬3) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره: 22/ 171، قال ابن كثير في تفسيره 6/ 558: وهذا إسناد صحيح إلى كعب، وإلى ابن مسعود.

3 - ماذا يحدث لو عصت السماوات والأرض

قال: «وقع في نفس موسى -عليه السلام-: هل ينام الله -عز وجل-؟ فأرسل الله إليه ملكا، فأرقه ثلاثا، وأعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، حتى نام نومه، فاصطفقت يداه فتكسرت القارورتان. قال: ضرب الله له مثلاً إن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض» (¬1). 3 - ماذا يحدث لو عصت السماوات والأرض: روي عن موسى -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما، قال: يا رب وأين تلك الدابة؟ قال: في مرج من مروجي، قال: يا رب وأين ذلك المرج؟ قال علم من علمي» (¬2). وقد دلت الآية على خلافه لأن الله سبحانه أمرهما أن يأتيا طوعا أو كرها فكيف تعصيانه؟ وإن عصته كيف لا تأتيان كرها؟ فإنما أمره إن أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. 4 - ذكر ملائكة السماء ووصفهم بأوصاف لم ترد في الكتاب والسنة: قد ورد في بعض الكتب وصف لملائكة كل سماء (¬3)، من الأوصاف التي لم تذكر في القرآن، ولم تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيجب تركها واطراحها وعدم الخوض في علم الغيب إلا بما ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي حاتم: 10/ 3186، والطبري في تفسيره: 5/ 394، وأبو يعلى في مسنده، تحقيق حسين أسد، دار الثقافة العربية، دمشق، ط 1: 12/ 21، قال ابن كثير: وهذا حديث غريب جدا، والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع. وقال في موضع أخر: "حديثاً غريباً بل منكرا"ً. انظر تفسير ابن كثير: 1/ 679، 3/ 558. (¬2) انظر: الكشف والبيان، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1: 8/ 287، وتفسير القرطبي: 15/ 344، ولم يذكرا له سنداً، وإنما قال الثعلبي بلغنا، ولم أعثر عليه في كتب السنة. (¬3) عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 398.

جاء عن الله ورسوله (¬1). فعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال: كان العباس بن أنس بن عامر السلمي شريكا لعبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فخرج حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عباس، إن الذي أنزل علي الوحي أرسلني إلى الناس كافة، بلسان عربي مبين، من فوق سبع شداد إلى سبع غلاظ، يتنزل الأمر بينهن إلى كل مخلوق بما قضي عليهم من زيادة أو نقصان، فقال العباس: وكيف خلق الله سبعا شداد وسبعا غلاظا؟ ولم خلقهن؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الله سبحانه وتعالى السماء الدنيا فجعلها سقفاً مخفوظاً، وجعل فيها حرسا شديدا وشهبا، ساكنها من الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، في صورة البقر مثل عدد النجوم، شرابهم النور والتسبيح، لا يفترون من التهليل والتكبير. وأما السماء الثانية فساكنها عداد القطر في صور العقبان، لا يسأمون ولا يفترون ولا ينامون، منها ينشق السحاب حتى يخرج من تحت الخافقين فينتشر في جو السماء، معه ملائكة يصرفونه حيث أمروا به، أصواتهم التسبيح، وتسبيحهم تخويف. وأما السماء الثالثة فساكنها عدد الرمل في صور الناس، ملائكة ينفخون في البروج كنفخ الريح، يجأرون إلى الله تبارك وتعالى الليل والنهار، وكأنما يرون ما يوعدون. وأما السماء الرابعة فإنه يدخلها كل ليلة حتى يخرج إلى عدن، ساكنها عدد ألوان الشجر صافون مناكبهم معا، في صور الحور العين، من بين راكع وساجد، تبرق وجوههم بسبحات ما بين السموات السبع والأرض السابعة. وأما السماء الخامسة فإن عددها يضعف على سائر الخلق في صورة النسور، منهم الكرام البررة، والعلماء السفرة، إذا كبروا اهتز العرش من مخافتهم وصعق الملائكة، يملأ جناح أحدهم ما بين السماء والأرض. وأما السماء السادسة فحزب الله الغالب، وجنده الأعظم، لو أمر أحدهم أن يحذف السموات والأرض بأحد جناحيه اقتلعهن، في صورة الخيل المسومة. ¬

_ (¬1) انظر: عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر، دار النفائس، ط 12: 9.

5 - إبليس كان يدبر أمر السماء الدنيا

وأما السماء السابعة ففيها الملائكة المقربون، الذين يرفعون الأعمال في بطون الصحف، ويخفضون الميزان، فوقها حملة العرش الكروبيون، كل مفصل من أحدهم أربعون ألف سنة، أو قال أربعون سنة، فتبارك الله رب العالمين ديان الدين خالق الخلق رب العالمين" (¬1). 5 - إبليس كان يدبر أمر السماء الدنيا: روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان إبليس من خزان الجنة، وكان يدبر أمر السماء الدنيا» (¬2). ¬

_ (¬1) كتاب العظمة: 3/ 1055 برقم (572)، وذكره الكتاني في الأحاديث الموضوعة، انظر: تنزيه الشريعة المرفوعة لعلى بن محمد بن العراق الكتاني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله بن محمد بن الصديق الغماري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2: 1/ 213. (¬2) شعب الإيمان للبيهقي: 1/ 419 برقم (145)، قال ابن كثير في تفسيره 5/ 168 بعد أن ساق بعض الآثار عن الأخبار المتعلقة إبليس - ومنها هذا الخبر: "وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها. ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا".

المبحث الثاني: الشمس

المبحث الثاني: الشمس الشمس في اللغة: الشين والميم والسين أصل يدل على تلوُّن وقلة استقرار، والشمس معروفة، وسميت بذلك لأنها غير مستقرة، وهي أبداً متحركة (¬1). وهي تجمع على شُمُوس، كأنهم جعلوا كل ناحية منها شَمْساً، كما قالوا للَمفْرِق مَفارق، وتصغيرها شُمَيْسِة (¬2). وفي الاصطلاح: كرة هائلة من الغاز المتوهج في وسط المجموعة الشمسية، وهي واحدة من بلايين النجوم في الكون، لا تتميز عنها بشيء (¬3). وفي الموسوعة الفلكية: هي الجسم المركزي في المجموعة الشمسية، وهي عبارة عن كرة مشعة، فتبدو لنا كقرص مضئ مستدير وواضح التحديد (¬4). وقد ورد لفظ الشمس في القرآن في (32) موضعاً (¬5). وفي السنة في (87) حديثاً (¬6). ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة: 3/ 212. (¬2) الصحاح: 3/ 940. (¬3) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 14/ 246. (¬4) الموسوعة الفلكية: 236. (¬5) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 491 - 492. (¬6) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 7.

الدلائل العقدية للآية الكونية - الشمس-

الدلائل العقدية للآية الكونية - الشمس-: الشمس آية كبرى ودلالة عظمى من آيات الله تعالى، وشروقها وغروبها بنظام لا تحيد عنه منذ خلقها الله -عز وجل- دليل على قدرة الله وعلمه وحكمته. ولما ذكر ابن القيم -رحمه الله- فصولاً متعلقة بالكواكب والشمس وما فيها من الحكم والمنافع، وأن الله -عز وجل- " لم يقسم بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر" (¬1). قال: "وهل هذا إلا صنع من بهرت العقول حكمته، وشهدت مصنوعاته ومبتدعاته بأنه الخالق البارئ المصور الذي ليس كمثله شيء، أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل ما صنعه، وأنه العليم الحكيم، الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأن هذه إحدى آياته الدالة عليه، وعجائب مصنوعاته الموصلة للأفكار إذا سافرت فيها إليه، وأنه خلق مسخر مربوب مدبر". ثم قال: " فهذا الترتيب والنظام الذي هي عليه من أدل الدلائل على وجود الخالق وقدرته وإرادته وعلمه وحكمته ووحدانيته" (¬2). أولاً: وجود الله: أخبر الله -عز وجل- عن محاجة إبراهيم -عليه السلام- للنمرود في وجود الله، وكان النمرود ينكر وجود الله -عز وجل-، وأن يكون ثم إله غيره، وأنه يحي ويميت، فاستدل إبراهيم -عليه السلام- على وجود الله، وأنه المالك المتصرف المستحق للعبادة وحده - بعد الاستدلال بأن الله يحي ويميت- بقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 303 - 304. (¬2) المرجع السابق: 1/ 326.

لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (¬1). فحدوث هذه الأشياء المشاهدة وإيجادها بعد العدم، وعدمها بعد الوجود دليل على وجود الله؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب, فإذا" كنت كما تدعي من أنك أنت الذي تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلهًا كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب. فلما علم عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت أي أخرس فلا يتكلم، وقامت عليه الحجة" (¬2). وفي" ضمن هذه المناظرة من حسن الاستدلال بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده وكمال قدرته ومشيئته وعلمه ووحدانيته من الإحياء والإماتة المشهودين الذين لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه تعالى بالشمس من المشرق لا يقدر أحد سواه على ذلك" (¬3). وقد ذكر الله -عز وجل- من الأدلة على وجوده وقدرته التامة خلق الشمس وجريانها (¬4)، فقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬5). وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله» (¬6)،" أي دليلان على وجود ¬

_ (¬1) البقرة: 258. (¬2) تفسير ابن كثير: 1/ 686، وانظر: تفسير السعدي: 111. (¬3) مفتاح دار السعادة: 2/ 285. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 23/ 9، وتفسير القرطبي: 15/ 26، تفسير ابن كثير: 6/ 575. (¬5) يس: 37 - 38. (¬6) سبق تخريجه: 5.

ثانيا: توحيد الربوبية

الحق سبحانه، وقهره، وكمال الإلهية" (¬1). ثانياً: توحيد الربوبية: الرب هو الخالق المدبر المتصرف، والله -عز وجل- يخبر أنه رب السماوات والأرض وما بينهما، ومن ذلك الشمس (¬2)، قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} (¬3)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬4)، وقال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (¬5). وهي مدبرة مسخرة"لا تصرف لها في نفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة لا إله يعبد من دون الله" (¬6)، قال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬7). ¬

_ (¬1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن علي القرطبي، تحقيق: محي الدين مستو وآخرون، دار ابن كثير، بيروت، ط 1: 2/ 552. (¬2) انظر: تفسير البغوي: 3/ 654، وتفسير ابن كثير: 3/ 426، 7/ 86. (¬3) الصافات: 5. (¬4) الأنبياء: 33. (¬5) نوح: 15 - 16. (¬6) مفتاح دار السعادة: 2/ 285. (¬7) الأعراف: 54.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - صفة العلم والقدرة: أخبر الله -عز وجل- عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته، وعظيم سلطانه، - ومنها الشمس- فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬1). وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬3). ففي هذه الآيات"ينبه تعالى عباده على آياته العظام، ومننه الجسام، في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان، والشمس والقمر يدوران، والنجوم الثوابت والسيارات، في أرجاء السماوات نورا وضياء" (¬4)، وأن ذلك استقام للناس" بجعل الله حركات الشمس والقمر على نظام واحد لا يختلف، وذلك من أعظم دلائل علم الله وقدرته، وهذا بحسب ما يظهر للناس منه ولو اطلعوا على أسرار ذلك النظام البديع لكانت العبرة به أعظم" (¬5). ¬

_ (¬1) يونس: 5. (¬2) النحل: 12. (¬3) يس: 38 - 40. (¬4) تفسير ابن كثير: 4/ 561. (¬5) التحرير والتنوير: 6/ 378.

2 - صفة الرؤية والعلو

وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث عن الشمس والقمر أنهما: «آيتان من آيات الله» (¬1)، أي علامتان دالتان على وحدانية الله وعظيم قدرته (¬2). 2 - صفة الرؤية والعلو: من عقيدة أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرون الله تبارك وتعالى بأبصارهم يوم القيامة (¬3)، وأنهم يرونه -عز وجل- كما يرون الشمس والقمر صحواً ليس دونها سحاب، - من جهة العلو - فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هل تضارون (¬4) في القمر ليلة البدر؟. قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟. قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك» (¬5). وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «أن ناساً في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم، قال: هل تضارون في رؤية الشمس ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 5. (¬2) فتح الباري: 2/ 528. (¬3) انظر: كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب -عز وجل- لأبي بكر بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: د. عبد العزيز الشهوان، دار الرشد، الرياض، ط 1: 1/ 254، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للألكائي، تحقيق: أحمد الحمدان، دار طيبة، الرياض: 3/ 387، 470، والحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني، تحقيق: محمد المدخلي ومحمد أبو رحيم، دار الراية، الرياض، ط 2: 2/ 117، 251. (¬4) "وفي الرواية الأخرى هل تضامون؟، وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر، وروى أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها، فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء، ومعنى المشدد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقة والتعب". شرح النووي على مسلم: 3/ 18. (¬5) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: 1416 برقم (7437).

بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما» (¬1). وليس المراد من الأحاديث تشبيه الله بالقمر والشمس - تعالى الله- بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، وليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، فالله ليس له مثيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬2)، سبحانه وتعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (¬3). ومع إخباره -صلى الله عليه وسلم- أنهم يرونه، فيه إخبارهم أنهم يرونه في جهة منهم - وهي العلو - وذلك من وجوه: "أحدها: أن الرؤية في لغتهم لا تعرف إلا لرؤية ما يكون في جهة منهم، فأما رؤية ما ليس في جهة فلم يكونوا يتصورونه، فضلا عن أن يكون اللفظ دالاً عليه، بل لا يتصور أحد من الناس وجود موجود في غير جهة. الثاني: أنه قال: «فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً، وكما ترون القمر صحواً»، فشبه لهم رؤيته برؤية الشمس والقمر، وهما يريان من جهة العلو. الثالث: أنه قال: «هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليس دونه سحاب؟». فشبه رؤيته برؤية أظهر المرئيات، إذا لم يكن ثم حجاب منفصل عن الرائي يحول بينه وبين المرئي" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية: 1/ 167 برقم (183). (¬2) الشورى: 11. (¬3) مريم: 65. (¬4) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان، دار العاصمة، الرياض، ط 2: 2/ 154، وانظر: بيان تلبيس الجهمية: 2/ 409 - 415.

رابعا: توحيد الألوهية

رابعاً: توحيد الألوهية: الله -عز وجل- يستدل على المشركين بإقرارهم بتوحيد الربوبية، وأنه المستقل بخلق السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر على وجوب إفراده بالعبادة (¬1)، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬2). فالمشركون - الذين يعبدون مع الله غيره - معترفون أنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر"فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية" (¬3). والإيمان بأن الله هو الخالق المالك المتصرف، والتفكر في ملكوته - ومنه الشمس- يستلزم وجوب إفراد الله بالعبادة، كما أخبر الله -عز وجل- عن إبراهيم -عليه السلام- في مناظرته لقومه: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (¬4)؛ لأن التأمل والتفكر في ملكوت السماوات والأرض وتصريفهما وغير ذلك مما أخبر الله عنه"يدل على وحدانية الله في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه" (¬5). وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬6)، فالله -عز وجل- يظهر هذه ¬

_ (¬1) انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط عام 1415: 6/ 673. (¬2) العنكبوت: 61. (¬3) تفسير ابن كثير: 6/ 294، وانظر: تفسير القرطبي: 13/ 361. (¬4) الأنعام: 75. (¬5) تفسير ابن كثير: 3/ 290، وانظر: تفسير السعدي: 262. (¬6) لقمان: 29 - 30.

الآيات ليستدل بها على أنه الحق، وأن كل ما سواه باطل، وأنه القادر على هذه الأشياء وحده، فكل ما في السماوات والأرض خلقه وعبيده، فوجب أن تكون العبادة له وحده لا إله إلا هو (¬1). وفي آية أخرى قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (¬2). فلما ذكر الله -عز وجل- الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، والتي تقطع الفلك وتسير إلى غاية لا يعلم قدرها إلا الذي قدرها وسخرها وسيرها، قال بعد ذلك: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فالذي"يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس، الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله ربكم"} (¬3). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬4). فهذا استدلال واعتبار" بخلق الله تعالى وعجائب مصنوعاته المشاهدة، على انفراده تعالى بالإلهية المستلزم لانتفاء الإلهية عما لا تقدر على مثل هذا الصنع العجيب، فلا يحق لها أن تعبد ولا أن تشرك مع الله تعالى في العبادة إذ لا حق لها في الإلهية" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 79، وتفسير ابن كثير: 6/ 350. (¬2) فاطر: 13 - 14. (¬3) تفسير الطبري: 22/ 148. (¬4) الأنعام: 95 - 96. (¬5) التحرير والتنوير: 6/ 378، وانظر: تفسير ابن كثير: 3/ 304.

1 - بعض أنواع العبادة القلبية، ومنها

كما أخبر تعالى" أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها" (¬1) - ومن ذلك الشمس-، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ الآية} (¬2). وعن أبي ذر، -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتدري أين تذهب هذه الشمس؟». قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت» (¬3). 1 - بعض أنواع العبادة القلبية، ومنها: أ- اليقين والإخلاص: إن رؤية الآيات - ومنها الشمس- والتفكر فيها يزيد القلب يقيناً وإيماناً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (¬4) أي"نريه ملكوت السماوات والأرض، ليستدل به وليكون من الموقنين" (¬5). ثم ذكر الله -عز وجل- قول إبراهيم -عليه السلام- بعد غياب الشمس، وأنه تبرأ من الشرك، وأنه وجه وجهه لله -عز وجل-، مخلصاً له، فقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (¬6). وفي حديث الكسوف حث النبي -صلى الله عليه وسلم- عند رؤية هذه الآية إلى الإخلاص لله تعالى، ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 5/ 403. (¬2) الحج: 18. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان: 1/ 138 برقم (159). (¬4) الأنعام: 75. (¬5) تفسير البغوي: 2/ 36. (¬6) الأنعام: 78.

ب- التوكل

حيث أمر بالمبادرة بالعبادة لله تعالى (¬1). ب- التوكل: لما ذكر الله -عز وجل- أنه رب المشرق والمغرب بين سبحانه أنه الإله الحق، وأنه هو الذي يجب أن يتخذ وكيلا، قال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} (¬2)، فهو"المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل" (¬3). 2 - القسم: أقسم الله -عز وجل- بالشمس ومشرقها في مواضع من كتابه على أنه تعالى لا إله إلا هو، وعلى كمال قدرته، فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} (¬4). وقال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (¬5) الآيات، فأقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة (¬6)، وعلى سبق القدر، وكتابة الأعمال، وأن الله -عز وجل- أرشد النفس إلى فجورها وتقواها، وبين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها (¬7). وهذا القسم"فيه التنبيه على كمال ربوبيته وعزته، وحكمته وقدرته، وتدبيره وتنوع مخلوقاته الدالة عليه، المرشدة إليه، بما تضمنته من عجائب الصنعة، وبديع الخلقة، وتشهد لفاطرها ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، القاهرة، ط3: 3/ 336. (¬2) المزمل: 9. (¬3) تفسير ابن كثير: 8/ 255. (¬4) المعارج: 40. (¬5) الشمس: 1. (¬6) انظر: تفسير السعدي: 926. (¬7) انظر: تفسير البغوي: 4/ 623 - 624، وتفسير ابن كثير: 8/ 410.

3 - التوسل

وبارئها بأنه الواحد الأحد الذي لا شريك له، وأنه الكامل في علمه وقدرته ومشيئته وحكمته وربوبيته وملكه، وأنها مسخرة مذللة، منقادة لأمره، مطيعة لمراده منها، ففي الأقسام بها تعظيم لخالقها تبارك وتعالى، وتنزيه له عما نسبه إليه أعداؤه الجاحدون المعطلون لربوبيته وقدرته ومشيئته ووحدانيته. وأنها أدلة على بارئها وفاطرها، وعلى وحدانيته، وأنه لا تنبغي الربوبية والإلهية لها بوجه ما، بل لا تنبغي إلا لمن فطرها وبرأها" (¬1). 3 - التوسل: قد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك» (¬2). "فهذا دعا لله تعالى وتوسل إليه بما وصف به نفسه في قوله -عز وجل- " (¬3): {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬4). خامساً: الإيمان بالرسل: ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 2/ 264. (¬2) رواه مالك في الموطأ، كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء، تحقيق: كلال حسن علي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1: 189 برقم (506)، قال ابن عبد البر: " لم تختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه، ورواه أبو شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار". انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر القرطبي، تحقيق: سعيد أعراب: 24/ 50، والمصنف لابن أبي شيبة، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة، جدة، ط1: 15/ 11 برقم (29803). (¬3) انظر: المنتقى شرح موطأ مالك للقاضي سليمان الباجي، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1: 2/ 429. (¬4) الأنعام: 96.

سادسا: الإيمان باليوم الآخر

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان أو قرن الشمس، فعن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال: «الفتنة ها هنا، الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان (¬1) أو قال قرن الشمس» (¬2). "وكان -صلى الله عليه وسلم- يحذر من ذلك، ويعلم به قبل وقوعه، وذلك من دلالات نبوته -صلى الله عليه وسلم- " (¬3). وقد حبست الشمس لنبي من الأنبياء، وهو يوشع بن نون عليه السلام فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلِفات، وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه» (¬4)،"وحبس الشمس على هذا النبي من أعظم معجزاته، وأخص كراماته" (¬5). سادساً: الإيمان باليوم الآخر: ذكر الله -عز وجل- في سورة الرعد تفصيل بعض آياته - ومنها الشمس احتجاجاً بها على المعاد ولقاء الله- فقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ ¬

_ (¬1) اختلف الناس في المراد بقرن الشيطان، فقيل: حزبه وأتباعه، وقيل: قوته وطاقته، وقيل: إن ذلك استعارةً وكناية عن إضراره، لما كانت ذوات القرون تسلط بقرونها على الأذى استعير للشيطان ذلك، وقيل: قرن الشيطان أمة تعبد الشمس، وقيل: القرنان: جانبا الرأس، فهو على ظاهره، قال النووي: "وهذا هو الأقوى". انظر: إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم: 3/ 208. والتمهيد: 4/ 10، والاستذكار لابن عبد البر، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار قتيبة، بيروت، ط 1: 1/ 364، وشرح النووي على صحيح مسلم: 6/ 112. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " الفتنة من قبل المشرق": 1355 برقم (7092). (¬3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 24/ 199. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الغنائم، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أحلت لكم الغنائم": 597 برقم (3124). (¬5) فتح الباري: 6/ 223، وانظر: تفسير القرطبي: 6/ 131.

الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، ثم قال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (¬1) أي" يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم احتجاجًا بها عليكم أيها الناس، لتوقنوا بلقاء الله والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك" (¬2). وقال الله تعالى مستدلاً على البعث - بعد أن ذكر جملة من الآيات والمخلوقات العظيمة، ومنها الشمس - {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} (¬3)، أي اطلب منهم الفتوى، فيما تسألهم عنه أهم أشد خلقا؟ أم من خلقنا من المخلوقات التي هي أعظم وأكبر منهم؟. "وجواب الاستفتاء المذكور الذي لا جواب له غيره، هو أن يقال: من خلقت يا ربنا من الملائكة، ومردة الجن، والسماوات والأرض، والمشارق، والمغارب، والكواكب، أشد خلقا منا ; لأنها مخلوقات عظام أكبر وأعظم منا، فيتضح بذلك البرهان القاطع على قدرته جل وعلا على البعث بعد الموت ; لأن من المعلوم بالضرورة أن من خلق الأعظم الأكبر كالسماوات والأرض، وما ذكر معهما -ومن ذلك الشمس- قادر على أن يخلق الأصغر الأقل" (¬4). وقد قرر الله تعالى وقوع المعاد مستدلا بخلقه السماوات والأرض وجعله المشارق والمغارب للشمس والكواكب، فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} (¬5)، فالذي خلق السماوات والأرض، وجعل مشرقاً ومغرباً، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها، قادر على أن يعيدهم يوم القيامة (¬6). ¬

_ (¬1) الرعد: 2. (¬2) تفسير الطبري: 13/ 115، وانظر: تفسير ابن كثير: 4/ 430. (¬3) الصافات: 11. (¬4) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 6/ 678. (¬5) المعارج: 40 - 41. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 229، وتفسير السعدي: 888.

سابعا: الإيمان بالقدر

وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جهنم تسجر إذا قامت الشمس حتى تزول، ففي حديث إسلام عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه قال: «يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار» (¬1). وهذا دليل على أن النار مخلوقة وموجودة الآن. كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن الجنة والنار عندما كسفت الشمس (¬2)، فدل هذا الحديث أيضاً على وجود الجنة والنار وأنهما مخلوقتان الآن. كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج فزعاً لما كسفت الشمس يخشى أن تكون الساعة،"لما جاء أن القيامة تكون وهما مكسوفان" (¬3). سابعاً: الإيمان بالقدر: بين تعالى قدرته على خلق الأشياء وتسخيره إياها على مقتضى حكمته، فذكر أنه خلق الشمس، وأنها تحت قهره وتسخيره ومشيئته، وأنها تجري لأجل مسمى، وأن جريانها مع القمر بحساب مقدر، لا يتغير ولا يضطرب، بل كل منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء، قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة: 1/ 569 برقم (832). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار: 2/ 622 برقم (904). (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم: 3/ 333.

ثامنا: النهي عن مشابهة المشركين والمنافقين في عبادتهم

تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (¬1)، وقال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬2)،"فدلهم الله -عز وجل- بذلك على قدرته ووحدانيته" (¬3). ولما كان هذا الأمر يدل على قدرة الله تعالى وتقديره وعلمه وعزته ختمت كثير من هذه الآيات بالعزة والعلم (¬4) - والعلم من مراتب الإيمان بالقدر-، كما في قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬5). ثامناً: النهي عن مشابهة المشركين والمنافقين في عبادتهم: ورد النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، لما في ذلك من مشابهة المشركين والمنافقين في عبادتهم؛ فإن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان وعندئذ يسجد لها الكفار،"وقد نهينا عن التشبه بهم، بل وعما يؤدي إليه أو يوهمه" (¬6). وفي حديث إسلام عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه قال: «يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر ¬

_ (¬1) يس: 39 - 40. (¬2) الأنعام: 96. (¬3) تفسير القرطبي: 7/ 46. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 305، 6/ 577. (¬5) يس: 37، 38. (¬6) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد بن علان الصديقي، اعتنى به: سمير خالد الرجب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1: 2/ 335.

تاسعا: النهي عن التشبه بالشيطان

جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار» (¬1). "وكان -صلى الله عليه وسلم- يكره التشبه بالكفار ويحب مخالفتهم وبذلك وردت سنته -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه أراد - والله أعلم - أن يفصل دينه من دينهم، إذ هم أولياء الشيطان وحزبه فنهى عن الصلاة في تلك الأوقات" (¬2). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» (¬3)، وفي هذا الحديث التحذير من"التشبه بأفعال المنافقين الذين كانوا لا يأتون الصلاة إلا كسالى" (¬4). وكان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة، ولا يفيضون حتى تطلع الشمس، فخالفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض قبل أن تطلع الشمس (¬5). تاسعاً: النهي عن التشبه بالشيطان: قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقعد الرجل بين الظل والشمس، وقد جاء أن الجلوس بين الشمس والظل هي جلسة الشيطان، فعن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نهى أن يجلس بين الضِحِ (¬6) والظِلِ، وقال: مجلس الشيطان» (¬7). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 263. (¬2) التمهيد: 4/ 11، وانظر: الاستذكار: 1/ 364. (¬3) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر: 1/ 434 برقم (622). (¬4) الاستذكار: 1/ 376. (¬5) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب: متى يدفع من جمع: 323 برقم (1684). (¬6) والضِّحُّ بالكسر: ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/ 75. (¬7) مسند الإمام أحمد: 24/ 174 برقم (15421)، وقال محققه: إسناده حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 117 برقم (12927): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير كثير بن أبي كثير وهو ثقة.

عاشرا: الإيمان بالجن

عاشراً: الإيمان بالجن: بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشياطين تنتشر وتنبعث إذا غابت الشمس، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء (¬1)؛ فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء» (¬2). الحادي عشر: أصول المناظرة: من أصول المناظرة عند أهل السنة المخاطبة بالدليل والمقدمات التي لا يمكن أن يجحدها الخصم (¬3)، وإلزام المدعي بطرد حجته إن كانت صحيحة (¬4)، فإبراهيم -عليه السلام- لما ذكر الدليل الأول على وجود الله وإلهيته، وأن الله هو الذي يحي ويميت، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} (¬5)، وهذا الدليل" الذي استدل به إبراهيم قد تمَّ وثبت موجبه، فلما ادعى الكافر أنه يفعل كما يفعل الله فيكون إلها مع الله، طالبه إبراهيم بموجب دعواه مطالبة تتضمن بطلانها" (¬6): {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ¬

_ (¬1) الفواشى: كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها، وهى جمع فاشية؛ لأنها تفشو أي تنتشر في الأرض. وفحمة العشاء: ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه. شرح النووي على مسلم: 13/ 186. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وإطفاء السراج والنار عند النوم وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب: 3/ 1596 برقم (2013). (¬3) معارج الوصول لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى: 19/ 164. (¬4) الصواعق المرسلة: 2/ 491. (¬5) البقرة: 258. (¬6) مفتاح دار السعادة: 2/ 284، وانظر: الصواعق المرسلة: 2/ 490.

الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (¬1). "فقال: إن كنت أنت ربا كما تزعم، فتحيي وتميت كما يحيي ربي ويميت، فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فتنصاع لقدرته وتسخيره ومشيئته، فإن كنت أنت ربا فات بها من المغرب" (¬2)، فعند ذلك بهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين. ¬

_ (¬1) البقرة: 258. (¬2) المرجع السابق: 2/ 284.

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -الشمس-

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -الشمس-: أولاً: عبادة الشمس: من القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية أنها عبدت من دون الله -عز وجل-، فجعلوا من الشمس إله الآلهة ورب الأرباب (¬1)، وجعلوا لها مصحفاً، ويسبحون لها ويدعونها، قال تعالى مخبرا عن الهدد أنه قال عن قوم سبأ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (¬2). وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس» (¬3). قال ابن القيم -رحمه الله-: " وهؤلاء المشركون يعظمون الشمس والقمر والكواكب تعظيما يسجدون لها، ويتذللون لها، ويسبحونها تسابيح لها معروفة في كتبهم، ودعوات لا ينبغي أن يدعى بها إلا خالقها وفاطرها وحده. ويقول بعضهم: في كتاب مصحف الشمس، مصحف القمر، مصحف زحل، مصحف عطارد، وبعضهم يقول: تسبيحة الشمس، تسبيحة القمر، تسبيحة عطارد، تسبيحة زحل، ولا يتحاشى من ذلك، وبعضهم يقول: دعوة الشمس، دعوة القمر، دعوة عطارد، دعوة زحل، وبعضهم يقول: هيكل الشمس والقمر وعطار. وفي هذا الكتاب من مخاطبة الشمس بالخطاب الذي لا يليق إلا بالله عز وجل ولا ينبغي لأحد سواه ومن الخضوع والذل والعبادة" (¬4). ¬

_ (¬1) ومنهم الصابئة، وعبدة الكواكب في الهند: الدينيكيتية. انظر: الملل والنحل للشهرستاني: 2/ 1291، 1310، قصة الحضارة لول ديورانت، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، الإدارة الثقافية في الجامعة العربية: 1/ 103، والموسوعة الفلكية: 236. (¬2) النمل: 24. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية: 1/ 163 برقم (182). (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 266 - 267.

ثانيا: نسبة الحوادث إلى حركة الشمس

فبين الله تعالى أن الشمس والقمر"عبدان من عبيده، تحت قهره وتسخيره، لا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يشرك به" (¬1)، وبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} (¬3). ثانياً: نسبة الحوادث إلى حركة الشمس: من القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية نسبة الحوادث إلى حركة الشمس، وما تقتضيه هذه الحركة"من السعد والنحس، وتعطيه من السعادة والشقاوة، وتهبه من الأعمار والأرزاق والآجال، والصنائع والعلوم والمعارف، والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية، وسائر ما في هذا العالم من الخير والشر" (¬4). وليس في القرآن ولا السنة ما يدل على ذلك، بل فيهما ما يبطله ويرده، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الكسوف بطلان ما يعتقده أهل الجاهلية أن كسوف الشمس أو القمر لموت أحد أو حياته، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته» (¬5). ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 6/ 187. (¬2) فصلت: 37. (¬3) الحج: 18. (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 270، وانظر: إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم: 3/ 182، وشرح النووي على مسلم: 3/ 333، وفتح الباري: 2/ 528، والتنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام لعبد المجيد بن سالم المشعبي، مكتبة ابن القيم، المدينة، ط1: 35 وما بعدها، والموسوعة الفلكية: 278. (¬5) سبق تخريجه: 5.

ثالثا: تحريف معنى سجود الشمس

ثالثاً: تحريف معنى سجود الشمس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحريف معنى سجود الشمس الوارد في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬1). وعن أبي ذر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتدري أين تذهب هذه الشمس؟». قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت» (¬2). فقال بعضهم أن المراد بهذا السجود الخشوع والانقياد. وقيل المراد بالسجود الدلالة على الله، يعني أن هذه المخلوقات تدل على الله، وعلى أنه يستحق أن يسجد له كل شيء، وأن يعبده كل شيء (¬3). وقيل المراد بسجود الشمس هو سجود الملَك الموكل بها (¬4). وأما سجودها تحت العرش، فإن العرش لعظم ذاته كالرحى فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها (¬5). وقيل المراد بالسجود تحت العرش هو وقوعها تحته حقيقة في آخر الدنيا عند انقضاء مهمتها، وسكون حركتها. والمعنى أن الشمس تبقى في شأنها إلى أن يأذن الله بفساد العالم، فتقع تحت العرش ساجدة (¬6). ¬

_ (¬1) الحج: 18. (¬2) سبق تخريجه، ص: 260. (¬3) انظر: زاد المسير: 4/ 319، 453 - 454، وتفسير البيضاوي: 4/ 69، 243، ومشكلات الأحاديث النبوية وبيانها لعبد الله القصيمي، المجلس العلمي السلفي، باكستان، ط 1: 162. (¬4) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 15/ 119. (¬5) انظر: المرجع السابق: 22/ 119. (¬6) انظر: فتح الباري: 8/ 542، ومشكلات الأحاديث النبوية: 164.

رابعا: إنكار استئذان الشمس لطلوعها

وقيل أن تقييد السجود بتحت العرش كناية عن رجوعها إلى الله، ومبالغة في الانقياد وعبارة عن تمام ذلك. والمعنى في ذلك المبالغة، ولا تراد الحقيقة. فقوله إنها تسجد تحت العرش يعنى أنها خاضعة له أكمل الخضوع وأتمه (¬1). فالحديث عبارة عن أن الشمس مسخرة لله، خاضعة لأمره الكوني، سائرة على حسب ما أراد وقدر، حتى كأنها عاقلة، تسمع خطابه (¬2). والجواب أنه قد سبق في مبحث عبودية الكائنات (¬3) أن هذه الآيات الكونية تسجد لله سجوداً حقيقياً الله أعلم بكيفيته، وأن كل شيء يسجد لله طوعا وكرها، وأن سجود كل شيء مما يختص به (¬4)، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬5). وهذه الأقوال التي ذكرت ليس عليها دليل ومخالفة" لظاهر الحديث، وعدول عن حقيقته، وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه، إن علمنا لا يحيط به" (¬6). رابعاً: إنكار استئذان الشمس لطلوعها: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحريف معنى استئذان الشمس الوارد في السنة من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «دخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، فلما غابت الشمس، قال يا أبا ذر: هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتستأذن في السجود، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من ¬

_ (¬1) مشكلات الأحاديث النبوية: 163. (¬2) انظر: فتح الباري: 6/ 223، وطرح التثريب في شرح التقريب، للحافظ العراقي، دار أم القرى، القاهرة: 7/ 247، ومشكلات الأحاديث النبوية: 165. (¬3) انظر: 65. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 403. (¬5) الإسراء: 44. (¬6) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 15/ 119.

خامسا: إنكار حبس الشمس

مغربها» (¬1). فقيل بأن استئذان الشمس مجاز يراد به طاعتها لخالقها، وطلوعها وغروبها بمشيئته وإرادته، حتى كأنه يأمرها وينهاها فتعقل عنه، وحتى كأنها تستأذنه في رواحها وغدوها، وهذا كله يعبر عن الخضوع (¬2). ونقول في ذلك مثل ما سبق في السجود، وأنها تستأذن حقيقة، والله أعلم بكيفية ذلك، فقد أخبرنا أنها تستأذن، ولم يخبرنا كيف تستأذن. خامساً: إنكار حبس الشمس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار حبسها لنبي من الأنبياء، وأن هذا يتعارض مع نواميس الكون، ويحدث له اضطرباً. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلْفات، وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه» (¬3). والجواب عن أن الأمر متعلق بآية وكرامة لنبي من أنبيائه،"وحبس الشمس على هذا النبي من أعظم معجزاته، وأخص كراماته" (¬4)، وما نواميس الكون ومسير الشمس والقمر إلا أمر من المعتاد على الناس، فإذا أمرهما خالقهما بالتخلف، أو التأخر، أو حتى تغيير الوجهة تماما، فلا يسعهما إلا الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى والله على كل شيء قدير (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان: 1/ 138 برقم (159). (¬2) مشكلات الأحاديث النبوية: 163. (¬3) سبق تخريجه: 262. (¬4) فتح الباري: 6/ 223، وانظر: تفسير القرطبي: 6/ 131. (¬5) انظر: المفهم لما أشكل في تلخيص كتاب مسلم: 3/ 532، وفتح الباري: 6/ 223.

سادسا: إنكار جريان الشمس

سادساً: إنكار جريان الشمس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار جريانها، وأنها ثابتة، وأن الذي يسير هو الفلك (¬1). وقد أخبر الله -عز وجل- في آيات كثير أن الشمس تجري، فقال تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} (¬2)، وقال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬3)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬4)، إلى غير ذلك من الآيات، فيجب علينا" أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن، وألا نلتفت لقول أحد مخالف لظاهر القرآن؛ لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن؛ ... ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق، قال الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬5)،" (¬6)،"وهذه الآيات الكريمات دلائل قاطعة، وبراهين ساطعة على أن الشمس جارية لا ثابتة" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 15/ 119، والموسوعة الكونية الكبرى: 2/ 213، 215، ونقض النظريات الكونية: 143، وكتاب النور في الرد على من قال أن الشمس ثابتة والأرض حولها تدور لمحمد اليحيا، ط3: 18، 23. (¬2) الرعد: 2. (¬3) يس: 38. (¬4) الأنبياء: 33. (¬5) الملك: 14. (¬6) تفسير سورة البقرة لابن عثيمين: 3/ 283، وانظر: التعليق المختصر على القصيدة النونية لابن القيم، تعليق الشيخ صالح الفوزان، أشرف على الطبع: عبد السلام السليمان: 1/ 330. (¬7) الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب، للشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، مكتبة الرياض الحديثة، ط 3: 22.

سابعا: اعتقاد أن نور الشمس من نور الكرسي

سابعاً: اعتقاد أن نور الشمس من نور الكرسي: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية اعتقاد أن نور الشمس جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من نور العرش، ونور العرش جزء من نور الستر (¬1)، واستدلوا على ذلك بقول عكرمة -رضي الله عنه- أنه قال: «لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد، ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجابا دون الشمس، لما استطاع أن ينظر إليها، ونور الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور العرش، ونور العرش جزء من سبعين جزءًا من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا». وهذا الأثر ضعيف ولا يثبت (¬2). ثامناً: اعتقاد أن اسم الله مكتوب على الشمس، أو أن نورها من نور الله: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية اعتقاد أن اسم الله مكتوب على الشمس، أو نورها من نور الله، ولذلك نهى بعض الفقهاء عن استقبال الشمس وقال في علة ذلك: أن اسم الله مكتوب عليها، ومنهم من قال لأن نورها من نور الله (¬3). وهذا لم يثبت به حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬4). تاسعاً: إنكار كون كسوف الشمس آية من آيات الله يخوف بهما عبادة: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية إنكار كون كسوف الشمس آية من ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 489. (¬2) قال ابن كثير: 7/ 489: "رواه ابن أبي حاتم". ولم أجده -حسب بحثي-، وذكره ابن حجر في فتح الباري: 9/ 21، وعزاه لعبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة، ثم قال: " وإبراهيم فيه ضعف". (¬3) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي، تحقيق: إبراهيم أحمد عبد الحميد، دار عالم الكتب، الرياض، ط عام 1423: 1/ 76. (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 286.

آيات الله يخوف بها عباده، وأن هذا أمر طبيعي. وقد سبق الكلام على منزلة الأسباب في الشريعة (¬1)، وأن الناس في هذا المقام طرفان ووسط: الطرف الأول: غلا في إثبات الأسباب، وأن هذه أمور طبيعية. والطرف الثاني: أنكر الأسباب، ورد جميع ما قاله أهل الهيئة من حق وباطل. والوسط: أن كسوف الشمس له أسباب حسية يقدرها الله -عز وجل-، وأنه آية يخوف الله بها عبادة (¬2). فأسباب الكسوف وحسابه والنظر في ذلك ليس من علم الغيب، والأحاديث الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيها"إلا نفي تأثير الكسوف في الموت والحياة على أحد القولين، أو نفي تأثر النيرين بموت أحد أو حياته على القول الآخر، وليس فيه تعرض لإبطال حساب الكسوف، ولا الإخبار بأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله" (¬3). وفيها كذلك بيان أنها من آيات الله يخوف بها عباده، والأمر بالأسباب التي يدفع به موجب الكسوف من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة والصلاة والدعاء والصدقة (¬4). "وكونه تخويفا لا ينافي ما قدره أهل الهيئة فيه؛ لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عنه، وقدرته حاكمة على كل سبب ومسبب بعضهما على بعض" (¬5). وليس"من شرط التخويف ألا يكون له سبب، فإن الله كون العالم على هذا الشكل الذي يوجد فيه كسوف، ولو شاء لكونه على خلاف ذلك" (¬6). والتخويف الذي يحصل لأهل الإيمان من هذه الآية" من وجوه متعددة، أوضحها: أن ¬

_ (¬1) ص: 164. (¬2) انظر: مفتاح دار السعادة: 2/ 291 وما بعدها. (¬3) انظر: المرجع السابق: 2/ 295. (¬4) انظر: المرجع السابق: 2/ 296. (¬5) فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، دار المعرفة: 2/ 347. (¬6) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: 3/ 128.

العاشر: الجزم بوقوع الكسوف

ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة، ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها، ولذلك قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فزعًا يخشى أن تقوم الساعة؛ وكيف لا وقد قال الله -عز وجل-: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬1)؟. وأيضًا فإن كل ما في هذا العالم علويّه وسفليّه دليل على نفوذ قدرة الله تعالى، وتمام قهره، واستغنائه، وعدم مبالاته، وذلك كله يُوجب عند العلماء بالله خوفه وخشيته؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬2)، وخصّ هنا خسوفهما بالتخويف؛ لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان، والنادر العظيم مخوف موجع، بخلاف ما يكثر وقوعه، فإنه لا يحصل منه ذلك غالبًا. وأيضًا فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدهما، ولما وقع للجهّال من اعتقاد تأثيرتهما" (¬3). العاشر: الجزم بوقوع الكسوف: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية الجزم بوقوع الكسوف، ووقوع الكسوف يدرك بالحساب، وليس من علم الغيب والمستقبل، إلا أنه لا يجزم بوقوعه، ولا يصدق القائل به ولا يكذب، لأنه أمر حسابي قد يصيب وقد يخطئ، كأخبار بني إسرائيل (¬4)،"وفرق بين من يعلن ذلك ويجزم به، وبين من يخبر عن أهل الحساب أنهم يقولون ذلك" (¬5). ¬

_ (¬1) القيامة: 7 - 9. (¬2) فاطر: 28. (¬3) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 2/ 552 - 553، وانظر: فتح الباري: 2/ 537، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، ط: 1/ 406، فقد ذكر سبع فوائد لحدوث الكسوف. (¬4) انظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم: 3/ 128. (¬5) انظر: المرجع السابق: 1/ 168.

الحادي عشر: تحديد عمر الشمس

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن تحديد أهل الحساب لوقت الكسوف: فبين أن حكم ذلك حكم أخبار بني إسرائيل التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» (¬1)، والعلة في ذلك هو احتمال أَن يكون ما ذكروه حقًا فيكون من كذبهم مكذبًا بحق، أو احتمال أَن يكون ما اخبروا به كذبًا فيكون من صدقهم مصدقًا بالكذب. ومثلهم المخبرين عن الكسوف والخسوف قد يكونون مصيبين في حسابهم فيكون مكذبهم مكذبًا بصدق، وقد يكونون مخطئين فيكون مصدقهم مصدقًا بالباطل والكذب (¬2). الحادي عشر: تحديد عمر الشمس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية تحديد عمر الشمس في الماضي بـ 4.49 مليار سنة، وأنها تبقى قريبا من هذا الرقم (¬3)، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬4). والله سبحانه وتعالى أخبر أن الساعة من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا هو، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5)، والشمس إنما تجمع عند قيام الساعة، قال تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا: 848 برقم (4485). } (¬2) مجموع الفتاوى: 24/ 258. (¬3) انظر: الموسوعة الكونية الكبرى: 2/ 216 - 217. (¬4) النمل: 64. (¬5) الأعراف: 187.

الثاني عشر: سب الشمس

الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬1). الثاني عشر: سب الشمس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية سب الشمس، وقد ورد النهي عن ذلك، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا الليل ولا النهار، ولا الشمس ولا القمر، ولا الرياح فإنها ترسل رحمة لقوم، وعذابا لقوم» (¬2). فهي من مخلوقات الله المسيرة بأمره، وسبها يعود على خالقها، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يؤذني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر اقلب الليل والنهار» (¬3). الثالث عشر: مشابهة المشركين في السجود للشمس عند طلوعها أو غروبها: من المخالفات المتعلقة بهذه الآية الكونية مشابهة المشركين في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ فإنه وقت مقارنة الشيطان للشمس وعند ذلك يسجد لها الكفار، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في هذه الأوقات. "فهذه الصلاة في وقت النهي فيها مصلحة تكثير العبادة، وتحصيل الأرباح، ومزيد الثواب، والتقرب إلى رب الأرباب، وفيها مفسدة المشابهة بالكفار في عبادة الشمس، وفي تركها مصلحة سد ذريعة الشرك، وفطم النفوس عن المشابهة للكفار حتى في وقت العبادة، وكانت هذه المفسدة أولى بالصلاة في أوقات النهي من مصلحتها، فلو شرعت لما فيها من المصلحة لفاتت مصلحة الترك وحصلت مفسدة المشابهة التي هي أقوى من مصلحة الصلاة حينئذ" (¬4) ¬

_ (¬1) القيامة: 6 - 9. (¬2) مسند أبي يعلى: 4/ 139 برقم (2194)، والطبراني في الأوسط: 7/ 43 برقم (6795)، وقال الهيثمي في المجمع 8/ 137 برقم (13001): " رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سعيد بن بشير، وثقه جماعة وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، ورواه أبو يعلى بإسناد ضعيف". (¬3) صحيح مسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر: 4/ 1762 برقم (2246). (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 146.

الرابع عشر: الطعن في القرآن وزعم تناقضه حيث ورد فيه لفظ"المشرق" بصيغة الإفراد، والتثنية، والجمع.

الرابع عشر: الطعن في القرآن وزعم تناقضه حيث ورد فيه لفظ"المشرق" بصيغة الإفراد، والتثنية، والجمع. من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية زعمهم التناقض في القرآن، فقالوا: إنه ورد في القرآن آيات متناقضة، فورد لفظ المشرق مرة بصيغة الإفراد في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} (¬1)، ومرة بصيغة التثنية في قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} (¬2)، ومرة بصيغة الجمع في قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} (¬3)، وهذا تناقض. وقد بين أهل العلم المراد بذلك، فقالوا: إن قوله: " {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} (¬4)، المراد به جنس المشرق والمغرب، فهو صادق بكل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستون، وكل مغرب من مغاربها التي هي كذلك، فلله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم. وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} يعني مشرق الشتاء، ومشرق الصيف ومغربهما. وقيل: مشرق الشمس والقمر ومغربهما. وقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} أي: مشارق الشمس ومغاربها الثلاثمائة وستون. وقيل: مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها" (¬5). الخامس عشر: الأقوال والألفاظ المخالفة: ¬

_ (¬1) البقرة: 115. (¬2) الرحمن: 17. (¬3) المعارج: 40. (¬4) البقرة: 115. (¬5) انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب لمحمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 1: 22، وتفسير ابن كثير: 7/ 492، فتح الباري: 4/ 447، وأضواء البيان 6/ 675.

1 - تسمية بعض الزهور بـ"عباد الشمس"

1 - تسمية بعض الزهور بـ"عباد الشمس": وهذا أمر لا يجوز لأن الزهور لا تعبد الشمس وهو تعبيد لغير الله، وهي إنما تعبد الله -عز وجل- كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬1). "وإنما يقال عبارة أخرى ليس فيها ذكر العبودية كمراقبة الشمس، ونحو ذلك من العبارات" (¬2). 2 - التسمية بـ" عبد الشمس": وهذا تعبيد لغير الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " كان المشركون يعبدون أنفسهم وأولادهم لغير الله؛ فيسمون بعضهم عبد الكعبة، كما كان اسم عبد الرحمن بن عوف، وبعضهم عبد شمس، كما كان اسم أبى هريرة، واسم عبد شمس بن عبد مناف، وبعضهم عبد اللات، وبعضهم عبد العزى، وبعضهم عبد مناة وغير ذلك مما يضيفون فيه التعبيد إلى غير الله، من شمس أو وثن أو بشر أو غير ذلك مما قد يشرك بالله. ونظير تسمية النصارى عبد المسيح. فغير النبى -صلى الله عليه وسلم- ذلك وعبدهم لله وحده" (¬3). ¬

_ (¬1) فصلت: 37. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 3/ 118، وانظر: معجم المناهي اللفظية: 374. (¬3) مجموع الفتاوى: 1/ 378، وانظر: معجم المناهي اللفظية: 376، 380.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- على الشمس: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الشمس حين غابت، فقال: «في نار الله الحامية، في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله، لأحرقت ما على الأرض» (¬1). 2 - الشمس والقمر ثوران عقيران في النار: عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» (¬2). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة». فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: أحسبه قال: وما ذنبهما (¬3). وقد ورد الحديث عند البخاري بلفظ: "الشمس والقمر مكوران (¬4) يوم القيامة" (¬5). ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: 11/ 526 برقم (6934)، وقال محققه: "إسناده ضعيف"، وذكره ابن كثير في تفسيره 5/ 192، وقال: "وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك، والله أعلم". (¬2) مسند أبي يعلى: 7/ 148 برقم (4116)، قال ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 206: "لا يصح". وقال ابن كثير 8/ 329: "هذا حديث ضعيف؛ لأن يزيد الرقاشي ضعيف". (¬3) مسند البزار، لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، ط1: 15/ 243 برقم (8696)، وقال: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم روى عبد الله الداناج عن أبي سلمة، إلا هذا الحديث". (¬4) أي يلفان ويجمعان ويلقيان فيها. النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/ 208. (¬5) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر: 615 برقم (3200).

3 - خشوع الشمس عند تجلي الله

3 - خشوع الشمس عند تجلي الله: في بعض ألفاظ حديث الكسوف: «إن الشمس والقمر خَلْقان من خَلْق الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله -عز وجل- إذا تَجَلى لشيء من خلقه خشع له» (¬1). 4 - لا تخرج الشمس حتى ينخسها سبعون ألف ملك: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال له: أرأيت ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمية بن أبي الصلت، آمن شعره، وكفر قلبه، قال: هو حق فما أنكرتم من شعره؟ قالوا أنكرنا قوله: والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... حمراء يصبح لونها يتوردُ تأبى فما تطلع لهم في رُسْلها ... إلا معذبةً وإلا تجلدُ فما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها: اطلعي اطلعي، فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملك عن الله يأمرها بالطلوع، فتشتعل لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع، فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها، وما غربت الشمس قط إلا خرت ساجدة، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين عينيه، فيحرقه الله تحتها" (¬2). ¬

_ (¬1) سنن النسائي، كتاب الكسوف، نوع آخر من صلاة الكسوف: 174 برقم (1485)، مسند الإمام أحمد: 30/ 295 برقم (18351)، قال ابن حجر في فتح الباري - عن هذا الحديث وقد نقل عن أبي حامد الغزالي إنكار هذه الزيادة- 2/ 537: "قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضا". وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 2/ 296: "وليس الأمر في هذه الزيادة كما قاله أبو حامد فإن اسنادها لا مطعن فيه، رواته كلهم ثقات حفاظ؛ لكن لعل هذه اللفظة مدرجة في الحديث من كلام بعض الرواة، ولهذا لا توجد في سائر أحاديث الكسوف، فقد رواها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر صحابيا ... فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة التى ذكرت في حديث النعمان بن بشير، فمن ههنا نخاف أن تكون أدرجت في الحديث إدراجا". وانظر: مجموع الفتاوى 35/ 177. (¬2) الاستذكار: 1/ 362، التمهيد: 4/ 9، وإسناده ضعيف، انظر: فيض القدير: 1/ 57، كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلوني، تصحيح: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، ط 2: 1/ 19.

5 - اعتقاد أن الشمس حبست لعلي -رضي الله عنه-

5 - اعتقاد أن الشمس حبست لعلي -رضي الله عنه-: عن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بالصهباء (¬1)، ثم أرسل علياً في حاجة، فرجع وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العصر، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه في حِجْر علي فنام، فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إن عبدك علياً احتبس بنفسه على نبيه، فرُدَّ عليه الشمس» (¬2). ¬

_ (¬1) موضع قريب من خيبر. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، ط2: 3/ 435. (¬2) المعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، دار الرشد، الرياض، ط2: 24/ 144، 147 - 152. وحكم عليه محقق الكتاب بالوضع، وشرح مشكل الآثار للطحاوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2: 3/ 92 - 94 برقم (1067، 1068)، وحكم عليه محقق الكتاب بالضعف، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات: 2/ 119 برقم (667).

المبحث الثالث القمر

المبحث الثالث القمر

القمر في اللغة

القمر في اللغة: القاف والميم والراء أصل صحيح يدلُ على بياضٍ في شيء، ثم يتفرّع منه. ومن ذلك القَمَر: قَمَر السَّماء، سمِّي قمراً لبياضه، وتصغير القمر: قُمير (¬1). وفي الصحاح (¬2): أن القمر بعد ثلاث إلى آخر الشهر سُمّي قَمَراً لبياضه ... وليلة قَمْراءُ أي مُضِيئة، وأقمرت ليلتنا أي أضَاءتْ، وأَقْمَرْنَا أي طلع علينا القَمَرْ. وفي الاصطلاح: هو جرم صغير غير ملتهب، كروي الشكل سيار تابع للأرض (¬3). وفي الموسوعة الفلكية: جسم سماوي يدور حول الأرض ... يضيء بواسطة ضوء الشمس المنعكس عليه (¬4). وقد ورد لفظ القمر في القرآن في (26) موضعاً (¬5)، معظمها جاءت مقترنة بلفظة الشمس في (18) موضعاً (¬6). ووردت في السنة في (32) حديثاً (¬7). ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة: 5/ 25. (¬2) الصحاح: 2/ 798. (¬3) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 18/ 318. (¬4) الموسوعة الفلكية: 347. (¬5) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 902. (¬6) المرجع السابق: 902. (¬7) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 7.

الدلائل العقدية للآية الكونية - القمر-

الدلائل العقدية للآية الكونية - القمر-: القمر آية من آيات التي تدل على خالقها وعلى قدرته وعلمه وحكمته، فهو آية عظيمة على عظمة الرب وكبريائه، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬1). وقد سبق في المبحث السابق - عن الآية الكونية الشمس (¬2) - كلام ابن القيم -رحمه الله- بأن الله -عز وجل- " لم يقسم بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر" (¬3). وقال -رحمه الله- عن القمر: "وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يُبديه الله كالخيط الدَّقيق، ثم يتزايد نوره، ويتكامل شيئاً فشيئاً كلَّ ليلة حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود على حالته الأولى؛ ليظهر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهر والسنون، وقام به حسابُ العالم مع ما في ذلك من الحكَم والآيات والعبر التي لا يُحصيها إلاَّ الله" (¬4). ولما كان القرآن كثيراً ما يقرن بين الشمس والقمر كان الاستدلال بالقمر على المسائل العقدية- في مواضع كثيرة - هو نفس الاستدلال بالشمس، وسأشير إلى ذلك - إن شاء الله تعالى-. ¬

_ (¬1) يس: 37 - 40. (¬2) ص: 250. (¬3) مفتاح دار السعادة: 1/ 303 - 304. (¬4) المرجع السابق: 1/ 306.

أولا: وجود الله

أولاً: وجود الله: سبق في مبحث الآية الكونية الشمس الاستدلال بها في مناظرة إبراهيم -عليه السلام- لقومه على وجود الله (¬1)، وأنه المستحق للعبادة، وكذلك استدل إبراهيم -عليه السلام- بالقمر من ضمن أدلته على وجود الله وأنه المستحق للعبادة، قال تعال: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). كما ذكر في المبحث السابق -الشمس- (¬3) أن الله -عز وجل- ذكر من الأدلة على وجوده وقدرته التامة العظيمة خلق الشمس، وكذلك في هذا الموضع فإن خلق القمر، وتقديره منازلَ، وجعله يسير سيرًا آخر، يستدل به على مضي الشهور (¬4)،"يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء - وإن كان مقتبسًا من الشمس- حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم - وهو أصل العذق (¬5) -" (¬6)، دليل وأضح بيّن على وجود الله -عز وجل-، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ ¬

_ (¬1) ص: 251. (¬2) الأنعام: 77 - 79. (¬3) ص: 252. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 23/ 9، وتفسير القرطبي: 15/ 26، وتفسير ابن كثير: 6/ 575. (¬5) تفسير القرطبي: 15/ 30. (¬6) تفسير ابن كثير: 6/ 575.

ثانيا: توحيد الربوبية

فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬1). وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله» (¬2)،" أي دليلان على وجود الحق سبحانه، وقهره، وكمال الإلهية" (¬3). ثانياً: توحيد الربوبية: الرب هو الخالق المدبر المتصرف، والله -عز وجل- يخبر أنه رب السماوات والأرض وما بينهما، ومن ذلك القمر (¬4)، قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} (¬5)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬6)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (¬7). فالقمر مخلوق مدبر مسخر، لا تصرف له في نفسه بوجه ما، بل ربه وخالقه سبحانه يتصرف به كيف شاء، قال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬8). وعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال، قال: «اللهم ¬

_ (¬1) يس: 37 - 40. (¬2) سبق تخريجه ص: 5. (¬3) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 2/ 552. (¬4) انظر: تفسير البغوي: 3/ 654، وتفسير ابن كثير: 3/ 426، 7/ 86. (¬5) الصافات: 5. (¬6) الأنبياء: 33. (¬7) نوح: 15 - 16. (¬8) الأعراف: 54.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

أهلله (¬1) علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله» (¬2). وفي قوله: «ربي وربك الله»، "تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء، ... وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب، والالتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع" (¬3). ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال كبر، فعن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله» (¬4). "لأنه آية عظيمة على عظمة الرب وكبريائه، والتكبير تعظيم لله، واعتقاد أنه أكبر من كل شيء، وأنه لا شيء أكبر منه" (¬5). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - صفة العلم والقدرة: قد سبق في مبحث الشمس (¬6) بيان الاستدلال بخلقها على كمال قدرة الله وعلمه، وعظيم سلطانه، وأن في جعله الشمس ضياءً والقمر نوراً، وفي جريانهما على نظام واحد، دليل من أعظم الدلائل على علم الله وقدرته. ¬

_ (¬1) كذا عند الترمذي، وعند أحمد" أهله". (¬2) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال: 545 برقم (3451)، والمسند: 3/ 17 برقم (1397)، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال ابن علان في"الفتوحات الربانية" 4/ 329: "إنما حسنه الترمذي لشواهده، وقول الترمذي: غريب، أي: بهذا السند"، وانظر السلسلة الصحيحة: 4/ 430 برقم (1816). (¬3) فيض القدير: 5/ 135. (¬4) سنن الدارمي، كتاب الصوم، باب ما يقال عند رؤية الهلال: 2/ 7 برقم (1687)، قال الألباني: " حديث صحيح بشواهده". انظر: الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، الرياض، ط 1: 139. (¬5) فقه الأدعية والأذكار، لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، دار ابن القيم، الدمام، ط 1: 3/ 254. (¬6) ص: 254.

2 - صفة الرؤية والعلو

وفي قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬1)، دليل على قدرته وعلمه، حيث جعل "سلطان القمر بالليل، وقدره منازل، فأول ما يبدو صغيرًا، ثم يتزايد نُوره وجرمه، حتى يستوسق ويكمل إبداره، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حاله الأول في تمام شهر" (¬2). وفي آية أخرى بعد أن ذكر التقدير للشمس والقمر، بين أن هذا التقدير من عزيز عليم، قال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬3). 2 - صفة الرؤية والعلو: سبق في مبحث الشمس بيان الاستدلال بها على صفة الرؤية والعلو (¬4)، وحيث قرن القمر بالشمس في نفس الحديث؛ فإنه يستدل به نفس الاستدلال من إثبات رؤية الله تعالى وعلوه، وأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون الشمس والقمر صحواً ليس دونها سحاب، ومن جهة العلو. رابعاً: توحيد الأولوهية: سبق في مبحث الشمس الاستدلال بها على توحيد الألوهية (¬5)، وحيث قرن القمر بالشمس في الآيات القرآنية كان وجه الدلالة منه على توحيد الألوهية هو نفس وجه دلالة الشمس على توحيد الألوهية، فإن الخالق لهذه الآية الكونية - القمر - المسخر له هو ¬

_ (¬1) يس: 39 - 40. (¬2) تفسير ابن كثير: 4/ 248. (¬3) الأنعام: 96. (¬4) ص: 255. (¬5) ص: 257.

1 - بعض أنواع العبادات القلبية

المستحق للعبادة، والذي يجب أن يفرد بالعبادة كما أنه المتفرد بالخلق والتسخير. قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬2). 1 - بعض أنواع العبادات القلبية: أ- الاستعاذة بالله: قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (¬3)، والغاسق: القمر، وإذا وقب: أي دخل في الخسوف، وأخذ الغيبوبة وأظلم، أو دخل في الظلمة (¬4). وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة من القمر إذا وقب، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى القمر فقال: «يا عائشة، تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب» (¬5). ب- اليقين والإخلاص: إن رؤية الآيات الكونية - ومنها القمر- والتفكر فيها يزيد القلب يقيناً وإيماناً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (¬6)، ¬

_ (¬1) العنكبوت: 61. (¬2) لقمان: 29 - 30. (¬3) الفلق: 1 - 3. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 30/ 430، وتفسير البغوي: 4/ 725، وتفسير ابن كثير: 8/ 535. (¬5) سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المعوذتين: 533 برقم (3366)، والمسند: 43/ 8 برقم (25802)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وانظر: السلسلة الصحيحة: 1/ 714 برقم (372). (¬6) الأنعام: 75.

2 - القسم

"أي نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً" (¬1). ثم ذكر الله -عز وجل- قول إبراهيم -عليه السلام- بعد غياب القمر، وأنه تبرأ من الشرك، ووجه وجهه لله -عز وجل-، مخلصاً له، فقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). وفي حديث الكسوف حث النبي -صلى الله عليه وسلم- عند رؤية هذه الآية إلى الإخلاص لله، حيث أمر بالمبادرة بالعبادة لله تعالى (¬3). 2 - القسم: سبق في المبحث السابق الشمس إقسام الله بها (¬4)، وحيث قرن القمر بالشمس، فإنه ذكر معها في الآيات المقسم بها، قال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} (¬5). كما أقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، على أن سقر -جهنم- إحدى الأمور العظام، لاشتمال هذه المذكورات على آيات الله العظيمة، الدالة على كمال قدرة الله وحكمته، وسعة سلطانه، وعموم رحمته، وإحاطة علمه (¬6)، فقال تعالى: {كَلَّا ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 3/ 291. (¬2) الأنعام: 77 - 78. (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم: 3/ 336. (¬4) ص: 260. (¬5) الشمس: 1 - 2. (¬6) انظر: تفسير البغوي: 4/ 506، وتفسير السعدي: 1/ 897.

3 - التوسل

وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (¬1). 3 - التوسل: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬2) بيان أن من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك» (¬3). وأن هذا توسل إلى الله -عز وجل- بما وصف من أفعاله به نفسه - ومنه جعل الشمس والقمر حسباناً - في قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬4). خامساً: الإيمان بالرسل: قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (¬5)، وقد كان هذا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬6)، وهو من الأدلة والآيات البينة على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-. فقد سأل أهل مكة رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- آية، فأراهم انشقاق القمر، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «سأل أهل مكة النبي -صلى الله عليه وسلم- آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فقال: {اقْتَرَبَتِ ¬

_ (¬1) المدثر: 32 - 35. (¬2) ص: 261. (¬3) سبق تخريجه: 261. (¬4) الأنعام: 96. (¬5) القمر: 1. (¬6) انظر: دلائل النبوة لأبي بكر أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1: 2/ 262، وتفسير ابن كثير: 7/ 472، 475، والبراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية: 205 - 206.

سادسا: الإيمان باليوم الآخر

السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» (¬1). وعنه -رضي الله عنه- أن أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم القمر شِقَّين، حتى رأوا حِرَاء بينهما (¬2). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شقين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اشهدوا» (¬3). وفي شمائل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصف وجه كأنه قطعة قمر، ففي قصة توبة كعب بن مالك -رضي الله عنه-، قال: «فلما سلمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه» (¬4). وقد سئل البراء -رضي الله عنه-: «أكان وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر» (¬5). "كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فرد عليه البراء -رضي الله عنه- فقال: بل مثل القمر، أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال؟ فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان" (¬6). سادساً: الإيمان باليوم الآخر: سبق في المبحث السابق: الشمس بيان الاستدلال بها على الإيمان باليوم الآخر (¬7)، وحيث قرن القمر بالشمس؛ فإنه يستدل به على الإيمان باليوم الآخر بنفس الاستدلال ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 60. (¬2) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب انشقاق القمر: 733 برقم (3867). (¬3) سبق تخريجه: 60. (¬4) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-: 681 برقم (3556). (¬5) صحيح البخاري كتاب المناقب، باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-: 681: برقم (3552). (¬6) فتح الباري: 6/ 573، 8/ 122، عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 24/ 110. (¬7) ص: 263.

بالشمس. وقد ذكر الله -عز وجل- أنه يفصّل الآيات - ومنها القمر- لعل الناس يوقنون بلقاء ربهم، فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، ثم قال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (¬1) أي" يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس، لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك" (¬2). وكما ذُكر أيضاً في المبحث السابق: الشمس (¬3)، وجه الدلالة على البعث، من جهة أن الذي خلق هذه الآيات العظيمة - ومنها الشمس والقمر - قادر على البعث بعد الموت، وإعادة الخلق. وفي بيان أول زمرة (¬4) تدخل الجنة بين -صلى الله عليه وسلم- أنهم على صورة القمر، فقال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب» (¬5). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً زمرة واحدة، منهم على صورة القمر» الحديث (¬6). " يعني: أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ليلة تمامه، وكماله، وهي ليلة أربعة عشر، وبذلك سمي القمر بدراً في تلك الليلة، ومقتضى هذا أن أبواب الجنة متفاوتة بحسب ¬

_ (¬1) الرعد: 2. (¬2) تفسير الطبري: 13/ 115، وانظر: تفسير ابن كثير: 4/ 430. (¬3) ص: 264. (¬4) الزمرة: الجماعة في تفرقة بعضها في اثر بعض. انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 90. (¬5) صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة: 4/ 2178 برقم (2834). (¬6) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب: 1/ 198 برقم (217).

سابعا: الإيمان بالقدر

درجاتهم" (¬1). وقد أقسم الله تعالى بآيات الليل - ومنها القمر إذا امتلأ نورًا بإبداره (¬2) - على ركوب الناس أطواراً متعددة، وأحوالاً متابينة، من خلق في مراحل متعددة، ثم موتٍ، ثم بعثٍ ومجازاةٍ، وهذه الأمور دالة على أن الله وحده هو المعبود، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وعلى البعث والجزاء (¬3)، قال تعال: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ الآيات} (¬4). سابعاً: الإيمان بالقدر: سبق في المبحث السابق: الشمس الاستدلال بها على الإيمان بالقدر (¬5)، وحيث قرن القمر بالشمس فإنه يستدل به نفس الاستدلال بالشمس على الإيمان بالقدر من جهة خلق الله للأشياء ومنها القمر، وتسخيره له على مقتضى حكمته، وأن ذلك بتقدير من العزيز العليم، قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬6)، وقال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬7). ¬

_ (¬1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 7/ 179، وانظر: فتح الباري: 11/ 413. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 359. (¬3) تفسير السعدي: 1/ 918. (¬4) الانشقاق: 16 - 19. (¬5) ص: 264. (¬6) يس: 39 - 40. (¬7) الأنعام: 96.

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية: أولاً: عبادة القمر: من القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية أنها عبدت من دون الله -عز وجل-، فجعلوا القمر إلهاً ورباً (¬1)، وجعلوا له مصحفاً، ويسبحون له ويدعونه. وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر» (¬2). وسبق في المبحث السابق: الشمس (¬3) كلام ابن القيم -رحمه الله- عن تعظيم المشركين للشمس والقمر والكواكب، وأنهم يسجدون لها، ويتذللون لها، ويسبحونها تسابيح لها معروفة في كتبهم، ودعوات لا ينبغي أن يدعى بها إلا خالقها وفاطرها وحده. وأنهم جعلوا للقمر مصحفاً، وتسبيحةً خاصة، وأن في مصحف القمر من مخاطبته بالخطاب الذي لا يليق إلا بالله -عز وجل-، ولا ينبغي لأحد سواه، ومن الخضوع والذل والعبادة. وسبق بيان أنهما مخلوقان من مخلوقاته، تحت قهره وتسخيره، وأنهما يسجدان لخالقهما، وأن الله نهى عن عبادتهما والسجود لهما، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} (¬5). ¬

_ (¬1) ومنهم الصابئة، وعبدة الكواكب في الهند - الجندريكنية. انظر: الملل والنحل: 2/ 1292، والموسوعة العربية: 18/ 330. (¬2) سبق تخريجه: 269. (¬3) ص: 269. (¬4) فصلت: 37. (¬5) الحج: 18.

ثانيا: نسبة الحوادث إلى حركة القمر

وفي حديث رؤية الهلال (¬1): قوله: «ربي وربك الله»: "فيه إثبات أن الناس والقمر وجميع المخلوقات كلها مربوبة لله مسخرة بأمره خاضعة لحكمه، وفي هذا رد على من عبدها من دون الله. وفيه إقتداء النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبيه إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (¬2)، بعد قوله {هَذَا رَبِّي} (¬3) " (¬4). ثانياً: نسبة الحوادث إلى حركة القمر: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬5) بيان أن من القوادح العقدية نسبة الحوادث إلى حركة الشمس، وما تقتضيه هذه الحركة من السعود والنحوس، وما تعطيه من السعادة والشقاوة، وتهبه من الأعمار والأرزاق والآجال، والصنائع والعلوم والمعارف، والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية، وسائر ما في هذا العالم من الخير والشر. وبيان أنه ليس في القرآن ولا السنة ما يدل على ذلك، بل فيهما ما يبطله ويرده، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الكسوف بطلان ما يعتقده أهل الجاهلية من أن كسوف الشمس أو القمر لموت أحد أو حياته، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته» (¬6). وكذلك يقال في القمر، وأن حركته ليس لها تأثير في الحوادث، وأن القمر مسخر بأمر الله (¬7)، قال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 290. (¬2) الأنعام: 76. (¬3) الأنعام: 76. (¬4) فيض القدير: 5/ 135. (¬5) ص: 270. (¬6) سبق تخريجه: 5. (¬7) انظر: مفتاح دار السعادة: 2/ 298 - 299.

ثالثا: تحريف معنى سجود القمر

اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬1). ثالثاً: تحريف معنى سجود القمر: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬2)، بيان أن من المخالفات العقدية تحريف معنى سجود الشمس الوارد في الكتاب والسنة، في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬3). فقال بعضهم: أن المراد بهذا السجود الخشوع والانقياد، وقيل: المراد بالسجود الدلالة على الله. وكذلك قيل في سجود القمر. والجواب أنه قد سبق في مبحث عبودية الكائنات (¬4) أن هذه الآيات الكونية تسجد لله سجوداً حقيقياً الله أعلم بكيفيته، وأن هذا السجود من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها ونسلم، وأن كل شيء يسجد لله طوعا وكرها، وأن وسجود كل شيء مما يختص به (¬5)، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬6). ¬

_ (¬1) الأعراف: 54. (¬2) ص: 271. (¬3) الحج: 18. (¬4) انظر: 65. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 403. (¬6) الإسراء: 44.

رابعا: اعتقاد أن اسم الله مكتوب على القمر، أو أن نوره من نور الله

رابعاً: اعتقاد أن اسم الله مكتوب على القمر، أو أن نوره من نور الله: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬1) أن من المخالفات العقدية اعتقاد أن اسم الله مكتوب على الشمس، أو نورها من نور الله، ولذلك نهى بعض الفقهاء عن استقبال الشمس وقال في علة ذلك: أن اسم الله مكتوب عليها، ومنهم من قال لأن نورها من نور الله. وكذلك قيل في القمر، أن اسم الله مكتوب عليه، أو أن نوره من نور الله (¬2)، وهذا لم يثبت به حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬3). خامساً: إنكار كون خسوف القمر آية من آيات الله يخوف الله به عبادة: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬4) بيان أن من المخالفات العقدية إنكار كون كسوف الشمس آية من آيات الله يخوف بها عباده، وأن هذا أمر طبيعي. وبينتُ فيه منزلة الأسباب في الشريعة، وأن الناس في هذا المقام طرفان ووسط: الطرف الأول: غلا في إثبات الأسباب، وأن هذه أمور طبيعية. والطرف الثاني: أنكر الأسباب، ورد جميع ما قاله أهل الهيئة من حق وباطل. والوسط: أن كسوف الشمس له أسباب حسية يقدرها الله -عز وجل-، وأنه آية يخوف الله بها عبادة. وأن أسباب الكسوف وحسابه والنظر في ذلك ليس من علم الغيب، وأن حدوث الكسوف آية يخوف الله بها عبادة، وأن ذلك لا يتعارض مع الأسباب الحسية ومعرفتها. وأنه ليس من شرط التخويف أن لا يكون له سبب. وأن التخويف الذي يحصل لأهل الإيمان من هذه الآية من وجوه متعددة، أوضحها: أن ¬

_ (¬1) ص: 275. (¬2) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع: 1/ 76. (¬3) مفتاح دار السعادة: 2/ 286. (¬4) ص: 275.

سادسا: الجزم بوقوع الخسوف

ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة، ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها، ولذلك قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فزعًا يخشى أن تقوم الساعة، وكيف لا وقد قال الله -عز وجل-: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬1)؟. وكذلك يقال في خسوف القمر، وأنه آية من آيات الله يخوف الله به عباده. سادساً: الجزم بوقوع الخسوف: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬2) أن من المخالفات العقدية الجزم بوقوع الكسوف، وبيان أن معرفة وقوع الكسوف لا يلزم منه وقوعه، وأن أخبار الحسابين كأخبار بني إسرائيل، لا تصدق ولا تكذب. وكذلك يقال في خسوف القمر، وأنه لا يجوز الجزم بوقوعه، وأن أمر الحسابين في ذلك لا يصدق، ولا يكذب. سابعاً: إنكار انشقاق القمر: إن من دلائل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- انشقاق القمر له عليه الصلاة والسلام، وقد أنكر كفار قريش ذلك، وقالوا: إنه سحر (¬3)، قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (¬4). وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة. ¬

_ (¬1) القيامة: 7 - 9. (¬2) ص: 277. (¬3) انظر: دلائل النبوة: 2/ 262، ومنهج المدرسة العقلية: 583. (¬4) القمر: 1 - 2.

ثامنا: سب القمر

قال: فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السّفَّار، فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. قال: فجاء السّفَّار فقالوا: ذلك" (¬1). ثامناً: سب القمر: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬2) بيان أن من المخالفات العقدية سب الشمس، وذكر الحديث الوارد في ذلك، وفيه النهي أيضاً عن سب القمر، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا الليل ولا النهار، ولا الشمس ولا القمر، ولا الرياح فإنها ترسل رحمة لقوم، وعذابا لقوم» (¬3). وبيان أن سبها يعود على خالقها، وأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: «يؤذني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر اقلب الليل والنهار» (¬4). تاسعاً: استقبال القمر عند الدعاء كاستقبال القبلة عند الصلاة: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية استقبال الهلال عند الدعاء كما تستقبل القبلة عند الصلاة،"وكل ذلك لا يجوز؛ لما تقرر في الشرع أنه لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة" (¬5). عن على -رضي الله عنه- قال: «إذا رأى أحدكم الهلال فلا يرفع به رأسا، بل يكفي أحدكم أن ¬

_ (¬1) مسند أبي داود الطيالسي، تحقيق: محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة، ط 1: 1/ 236 برقم (293)، والبيهقي في دلائل النبوة: 2/ 262، والبخاري تعليقاً، كتاب مناقب الأنصار، باب انشقاق القمر: 734 برقم (3869)، وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 474، وتغليق التعليق على صحيح البخاري للحافظ أحمد بن حجر، تحقيق: سعيد القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2: 4/ 88. (¬2) ص: 279. (¬3) سبق تخريجه: 279. (¬4) سبق تخريجه: 279. (¬5) تعليق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني على كتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية: 139.

يقول: ربي وربك الله» (¬1). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- «أنه كره أن ينتصب للهلال، ولكن يعترض فيقول: الله أكبر الحمد لله الذي أذهب هلال كذا وكذا، وجاء بهلال كذا وكذا» (¬2). ¬

_ (¬1) مصنف ابن أبي شيبة، تحقيق: حمد الجمعة ومحمد اللحيدان، دار الرشد، الرياض، ط1: 4/ 158 برقم (9817). (¬2) مصنف ابن أبي شيبة: 4/ 160 برقم (9826).

1 - سحر القمر

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - سحر القمر: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كُسِفَ القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: سُحِر القمر، فنزلت: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (¬1)» (¬2). 2 - الشمس والقمر ثوران عقيران في النار: سبق في المبحث السابق: الشمس (¬3) بيان ضعف الحديث الوارد في ذلك وأنه لا يصح. 3 - خشوع القمر عند تجلي الله: في بعض ألفاظ حديث الكسوف: «إن الشمس والقمر خَلْقان من خَلْق الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله -عز وجل- إذا تَجَلى لشيء من خلقه خشع له». وسبق في المبحث السابق: الشمس بيان ضعف هذالزيادة في الحديث وأنها لا تصح (¬4). ¬

_ (¬1) القمر: 1 - 2. (¬2) المعجم الكبير للطبراني: 11/ 250 برقم (11668). (¬3) ص: 281. (¬4) ص: 282.

المبحث الرابع النجم

المبحث الرابع النجم

النجم في اللغة

النجم في اللغة: النون والجيم والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على طلوع وظهور، ونَجَمَ النَّجمُ: طَلَعَ، ونجم السن والقرنُ: طلعا. والنجم الثريا، اسم لها. وإذا قالوا طلع النجم، فإنهم يريدونها. وليس لهذا الحديث نجم، أي أصل ومَطْلَع (¬1). وفي الصحاح: النجم: الكوكب. والنجم الثريا، وهو اسم لها علم، فإذا قالوا طلع النجم يريدون الثريا، وإن أخرجت منه الألف واللام تَنَكّر (¬2). وفي الاصطلاح: النَّجمة كرة ضخمة من غاز متوهج في السماء (¬3). وفي الموسوعة الفلكية: النجم: كرة غازية مضيئة، وذات درجة حرارة عالية (¬4). النوء في اللغة: نوى: النون والواو والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على معنيين: أحدهما مَقْصَدٌ لشيء، والآخر عَجَمُ شيء. وبالهمز كلمةٌ تدلُّ على النُّهُوض وناءَ ينوءُ نوءاً: نَهَضَ .... والنَّوْءُ من أنواءِ المطَر كأنَّه ينهَض بالمطر (¬5). وفي الصحاح: نوأ: ناء ينوء نوءا: نهض بجهد ومشقة. وناء: سقط وهو من الأضداد، والنوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من الشرق يقابله من ساعته، ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة: 5/ 396 - 397. (¬2) الصحاح: 5/ 2039. (¬3) الموسوعة العربية العالمية: 25/ 227. (¬4) الموسوعة الفلكية: 525. (¬5) معجم مقاييس اللغة: 5/ 366.

الكوكب في اللغة

والجمع أنواء (¬1). الكوكب في اللغة: في معجم مقاييس اللغة: معنى كوكب في مادة"كب"، وهذا الباب أصل صحيح يدل على جمع وتجمع، ولا يشذ منه شيء، يقال لما تجمع من الرمل كُباب، ومن الباب كوكب الماء وهو معظمه ... والكوكب يسمى كوكباً من هذا القياس (¬2). وفي الصحاح: الكوكب النجم، يقال كوكب وكوكبة، كما قالوا: بياض وبياضة، وعجوز وعجوزة. وكوكب الشئ: معظمه (¬3). وقد ورد لفظ النجم في القرآن في (4) مواضع، وبلفظ الجمع في (9) مواضع (¬4)، أما لفظ النوء فلم يرد في القرآن. وأما لفظ الكوكب فقد ورد في القرآن في (3) مواضع، وبلفظ الجمع في موضعين (¬5). وقد وردت النجوم والكواكب في السنة في (60) حديثاً (¬6). ¬

_ (¬1) الصحاح: 1/ 78 - 79. (¬2) معجم مقاييس اللغة: 5/ 124. (¬3) الصحاح: 1/ 213. (¬4) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 861. (¬5) انظر: المرجع السابق: 790. (¬6) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 7.

الدلائل العقدية للآية الكونية - النجم-

الدلائل العقدية للآية الكونية - النجم-: النجم آية من آيات الله التي تدل على خالقها وعلى قدرته وعلمه وحكمته، فهو آية عظيمة على عظمة الرب وكبريائه، وقد ذكرها الله -عز وجل- ضمن جملة من آياته في سورة النحل، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1)، ثم قال: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬2). وقد سبق في المبحثين السابقين - عن الآيتين الكونية الشمس والقمر (¬3) - كلام ابن القيم - -رحمه الله- - بأن الله -عز وجل- لم يقسم بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر. "وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه، وكلما كان أعظم آية وأبلغ في الدلالة كان إقسامه به أكثر من غيره، ولهذا يعظم هذا القسم" (¬4) كقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (¬5)، وقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (¬6). ¬

_ (¬1) النحل: 12. (¬2) النحل: 16 - 17. (¬3) ص: 250. (¬4) مفتاح دار السعادة: 1/ 304. (¬5) الواقعة: 75 - 76. (¬6) النجم: 1.

أولا: وجود الله

أولاً: وجود الله: سبق في المبحثين السابقين - الشمس والقمر- (¬1) الاستدلال بهما في مناظرة إبراهيم -عليه السلام- على قومه على وجود الله ووحدانيته، وأنه المستحق للعبادة (¬2)، وكذلك استدل إبراهيم -عليه السلام- بالكوكب - وهو النجم- من ضمن أدلته على وجود الله وأنه المستحق للعبادة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3). وهذه النجوم التي خلقها الله، وجعلها مصابيح وزينة للسماء، وعلامات يهتدى بها،"من أدل الدلائل على وجود الخالق وقدرته وإرادته وعلمه وحكمته ووحدانيته" (¬4). ثانياً: توحيد الربوبية: الرب هو الخالق المدبر المتصرف، والله -عز وجل- يخبر أنه رب السماوات والأرض وما بينهما، ومن ذلك النجوم (¬5)، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ¬

_ (¬1) ص: 252، 288. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 290. (¬3) الأنعام: 75 - 79. (¬4) مفتاح دار السعادة: 1/ 326. (¬5) انظر: تفسير البغوي: 3/ 654، وتفسير ابن كثير: 3/ 426، 7/ 86.

وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬1)، وقال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬2). وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬3)، فدلائل"التسخير والاضطرار عليها من لزومها حركة لا سبيل لها إلى الخروج عنها، ولزومها موضعا من الفلك لا تتمكن من الانتقال عنه، واطراد سيرها على وجه مخصوص لا تفارقه البتة أبين دليل على أنها مسخرة مقهورة على حركاتها، محركة بتحريك قاهر لا متحركة بإرادتها واختيارها" (¬4). فلا تصرف لها في نفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يتصرف بها كيف شاء، وهذا من أدلة ربوبية الله ووحدانيته، ومن أعظم الأدلة"وأوضحها على أن العالم مخلوق لخالق حكيم قدير عليم، قدره أحسن تقدير، ونظمه أحسن نظام، وأن الخالق له يستحيل أن يكون اثنين، بل إله واحد لا إله إلا هو، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا" (¬5). وقد أخبر الله -عز وجل- بأنه رب الشعرى - وهو نجم-، فقال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} (¬6)،"وخصها الله بالذكر، وإن كان رب كل شيء، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبده المشركون مربوب مدبر مخلوق، فكيف تتخذ إلها مع الله" (¬7). ¬

_ (¬1) النحل: 12. (¬2) النحل: 16 - 17. (¬3) الأعراف: 54. (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 179. (¬5) المرجع السابق: 1/ 319. (¬6) النجم: 49. (¬7) تفسير السعدي: 822، وانظر: تفسير الطبري: 27/ 90.

ثالثا: توحيد الألوهية

وأقسم الله -عز وجل- بالنجوم، وعظم ذلك القسم، قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (¬1)، وهو" سبحانه إنما يقسم من مخلوقاته بما هو من آياته الدالة على ربوبيته ووحدانيته" (¬2). ثالثاً: توحيد الألوهية: قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬3)، لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة - ومنها النجوم-، وما أنعم به من النعم العظيمة، ذكر أنه لا يشبهه أحد، وأنه الخالق لجميع المخلوقات، وهو الفعال لما يريد، فكما أنه المنفرد بالخلق والتدبير فهو أحق بالعبادة كلها، وهو واحد في خلقه وتدبيره وواحد في إلهيته وتوحيده وعبادته (¬4). 1 - اليقين والإخلاص: سبق في المبحثين السابقين الشمس والقمر (¬5) بيان أن رؤية الآيات الكونية - ومنها الشمس والقمر- والتفكر فيها يزيد القلب يقيناً وإيماناً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (¬6)،"أي نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً" (¬7). ¬

_ (¬1) الواقعة: 75 - 76. (¬2) مفتاح دار السعادة: 1/ 305. (¬3) النحل: 16 - 17. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 564، تفسير السعدي: 437. (¬5) ص: 259، 292. (¬6) الأنعام: 75. (¬7) تفسير ابن كثير: 3/ 291.

2 - القسم

وبيان قول إبراهيم -عليه السلام- بعد غياب الشمس والقمر، وأنه تبرأ من الشرك، ووجه وجهه لله -عز وجل-، مخلصاً له. وفي أول الآيات ذكر الله -عز وجل- قول إبراهيم - -عليه السلام- - عن الكوكب - وهو النجم-، قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (¬1). ثم ذكر بعدها توجه إبراهيم -عليه السلام- إلى ربه، وبراءته من الشرك وإخلاصه العبادة للذي فطر السماوات والأرض: {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2) 2 - القسم: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا يجوز له أن يقسم إلا بالخالق وأسمائه وصفاته (¬3). وقد أقسم الله تعالى بالنجم عند هويّه أي سقوطه في الأفق في أخر الليل، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬4)، كما أقسم تعالى بالسماء وما جعل فيها من النجوم فقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (¬5). ¬

_ (¬1) الأنعام: 76. (¬2) الأنعام: 78 - 79. (¬3) انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: 590. (¬4) النجم: 1 - 4. (¬5) الطارق: 1 - 4.

رابعا: الإيمان بالكتب

" لأن في ذلك من آيات الله العظيمة، ما أوجب أن أقسم به" (¬1)، وغاية هذا الإقسام من الله" التنبيه على كمال ربوبيته وعزته وحكمته وقدرته وتدبيره، وتنوع مخلوقاته الدالة عليه المرشدة إليه، بما تضمنته من عجائب الصنعة، وبديع الخلقة، وتشهد لفاطرها وبارئها بأنه الواحد الأحد الذي لا شريك له، وأنه الكامل في علمه وقدرته ومشيئته وحكمته وربوبيته وملكه، وأنها مسخرة مذللة منقادة لأمره، مطيعة لمراده منها" (¬2). رابعاً: الإيمان بالكتب: قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (¬3). لما قال الكفار ما قالوا عن القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة (¬4) أقسم الله تعالى بالنجوم ومواقعها أي مساقطها في مغاربها، وعظم هذا المقسم به" لأن في النجوم وجريانها، وسقوطها عند مغاربها، آيات وعبرا لا يمكن حصرها" (¬5). أقسم بذلك على"إثبات القرآن، وأنه حق لا ريب فيه، ولا شك يعتريه، وأنه كريم" (¬6)، في كتاب معظم محفوظ موقر. وسبق بيان إقسام الله تعالى بالنجم عند هويه (¬7)، ومن جملة المقسم عليه " صحة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء، لكان ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 818. (¬2) مفتاح دار السعادة: 2/ 264. (¬3) الواقعة: 75 - 78. (¬4) انظر: تفسير البغوي: 4/ 314، وتفسير ابن كثير: 7/ 543. (¬5) تفسير السعدي: 836. (¬6) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 4/ 50. (¬7) ص: 313.

خامسا: الإيمان بالرسل

الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم" (¬1). خامساً: الإيمان بالرسل: كان من علامة مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- رمي الجن بالنجوم، ومنعها من استراق السمع، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوه فيكون باطلا، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً يصلي بين جبلين أراه قال: بمكة، فلقوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض» (¬2). وسبق بيان إقسام الله تعالى بالنجم عند هويه (¬3)، ومن جملة المقسم عليه "تنزيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الضلال في علمه، والغي في قصده، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للأمة بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم، وفساد القصد" (¬4). سادساً: الإيمان بالملائكة: سبق في مبحث الآية الكونية القمر (¬5) بيان الإقسام من الله -عز وجل- بالسماء والطارق، والمقسم عليه أن كل نفس عليها من الله حافظ من الملائكة يحرسها من الآفات (¬6)، كما قال ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 818، وانظر: تيسير العزيز الحميد: 397. (¬2) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة سبأ: 512 برقم (3324)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومسند الإمام أحمد: 4/ 283 برقم (2482)، 5/ 125 برقم (2976)، وقال المحقق: إسناده حسن. (¬3) ص: 313. (¬4) تفسير السعدي: 818. (¬5) ص: 313. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 30/ 173، تفسير البغوي: 4/ 593.

سابعا: الإيمان باليوم الآخر

تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (¬1). سابعاً: الإيمان باليوم الآخر: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الجنة درجات، وأن أهل الدرجات العلى يراهم من تحتهم كما يرون النجم الطالع في أفق السماء، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء، وإن أبا بكر، وعمر منهم وأنعما» (¬2). وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أهل الجنة ليتراءون الغُرفة في الجنة، كما تراؤون الكوكب في السماء» (¬3). وفي بيان صورة أهل الجنة عند دخولهم الجنة بين -صلى الله عليه وسلم- أن الزمرة الثانية على أشد نجم في السماء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل» (¬4). وفي حديث أخر بين -صلى الله عليه وسلم- أنهم على صورة أضواء كوكب دري، فقال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوإ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب» (¬5). ¬

_ (¬1) الرعد: 11. (¬2) سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: 573، برقم (3658)، وقال: هذا حديث حسن روي من غير وجه، ومسند الإمام أحمد: 17/ 310 برقم (11213)، قال المحقق: حسن لغيره، وقال البغوي في شرح السنة: 14/ 99 برقم (3892): هذا حديث حسن. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء: 4/ 2177 برقم (2830). (¬4) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم: 4/ 2178 برقم (2834). (¬5) سبق تخريجه: 296.

ثامنا: منزلة الصحابة

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه أعطي الحوض، وأن عدد آنيته عدد النجوم، وفي رواية أكثر من عدد النجوم، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: «بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (¬1)، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي -عز وجل-، عليه خير كثير وحوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج (¬2) العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي؟ فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك» (¬3). وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل» (¬4). ثامناً: منزلة الصحابة: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» (¬5). ¬

_ (¬1) الكوثر: 1 - 3. (¬2) أي يجتذب ويقتطع، وأصل الخلج: الجذب والنزع. النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 59. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة: 1/ 300 برقم (400). (¬4) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- وصفاته: 4/ 1798 برقم (2300). (¬5) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب بيان أن بقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة: 4/ 1961 برقم (2531).

تاسعا: النهي عن مشابهة المشركين واليهود والنصارى

في هذا الحديث تشبيه منزلة الصحابة للأمة بمنزلة النجوم للسماء (¬1)؛ فالنجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك الصحابة، والنجوم زينة للسماء، ورجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته، وكذلك الصحابة زينة للأرض ورجوماً لشياطين الإنس والجن الذي يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا (¬2)، فإذا انطمست النجوم، أوشك أن تضل الهداة، وهو"إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض" (¬3). تاسعاً: النهي عن مشابهة المشركين واليهود والنصارى: سبق في المبحث السابق: الشمس الاستدلال بها على النهي عن مشابهة المشركين (¬4) في السجود لها عند غروبها، وفيما يتعلق بالنجم ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى يطلع الشاهد، وهو النجم - وسمي النجم شاهدا؛ لأنه يشهد بمغيب الشمس ودخول الليل (¬5). عن أبي بصرة الغفاري -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بالمخَمَّص (¬6) فقال: «إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أحمد أبو العينيين، دار الفضيلة، الرياض، ط 1: 437. (¬2) انظر: مفتاح دار السعادة: 1/ 109. (¬3) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد بن عبدالرحمن المباركفوري، تحقيق، عبد الرحمن محمد عثمان، دار ابن تيمية، القاهرة: 10/ 227. (¬4) ص: 265. (¬5) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 3/ 458. (¬6) بخاء معجمة: طريق في جبل عير إلى مكة. انظر: معجم البلدان: 5/ 73. (¬7) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها: 1/ 568 برقم (830).

كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن تأخير الفطر حتى تشتبك النجوم وكذلك تأخير صلاة المغرب عادة أهل الكتاب - اليهود والنصارى- وقد أمرنا بمخالفتهم (¬1)، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال أمتي بخير - أو قال على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» (¬2)، وكذلك فعلت الرافضة (¬3)، فالحديث «يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم، وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم، مستحبا والحديث يرده» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: منهاج السنة النبوية: 1/ 31. (¬2) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب في وقت المغرب: 70 برقم (418)، ومسند الإمام أحمد: 28/ 564 برقم (17329)، وقال محققه: إسناده حسن، وصححه الألباني: انظر: صحيح سنن أبي داود: 1/ 84. (¬3) الرافضة: طائفة من أهل البدع والضلال، سموا بذلك لكونهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الشيخين، وهم يعرفون اليوم بالشيعة والإمامية، والاثنى عشرية والجعفرية، وأصولهم أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامية، وقد ستروا تحت كل واحد منها بعض بدعهم، ويغلب عليهم الغلو في أئمتهم. انظر: فرق الشيعة للحسن النوبختي، تحقيق: محمد آل بحر العلوم، المكتبة الأزهرية، القاهرة، ومقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت: 1/ 65، الفرق بين الفرق: 29، الفصل في الملل والنحل: 5/ 35. (¬4) عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة: 2/ 87، وانظر: سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني: 2/ 313.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - النجم-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - النجم-: أولاً: عبادة النجوم: سبق في المبحثين السابقين: الشمس والقمر (¬1)، بيان أنهما عبدا من دون الله -عز وجل-، وأنهما جعلا آلهة وأرباباً (¬2)، وجعلوا لهما مصحفاً، ويسبحون لهما ويدعونهما. كماسبق أيضاً في المبحثين السابقين: الشمس والقمر كلام ابن القيم -رحمه الله- عن تعظيم المشركين للشمس والقمر والكواكب، وأنهم يسجدون لها، ويتذللون لها، ويسبحونها تسابيح لها معروفة في كتبهم، ودعوات لا ينبغي أن يدعى بها إلا خالقها وفاطرها وحده. وأنهم جعلوا للكواكب مصحفاً، وتسبيحةً خاصة، وأن في مصحف الكواكب من مخاطبته بالخطاب الذي لا يليق إلا بالله -عز وجل-، ولا ينبغي لأحد سواه، ومن الخضوع والذل والعبادة. وهذه النجوم والكواكب من مخلوقات الله، تحت قهره وتسخيره، وتسجد لخالقها، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬3). ثانياً: نسبة الحوادث إلى حركة النجوم: سبق في المبحثين السابقين: الشمس والقمر (¬4) بيان أن من المخالفات العقدية نسبة الحوادث إلى حركة الشمس والقمر، وما تقتضيه هذه الحركة من السعود والنحوس، وما تعطيه ¬

_ (¬1) ص: 269، 298. (¬2) انظر: الملل والنحل: 2/ 1292، والموسوعة العربية العالمية: 1/ 603. (¬3) الحج: 18. (¬4) ص: 270، 299.

من السعادة والشقاوة، وتهبه من الأعمار والأرزاق والآجال، والصنائع والعلوم والمعارف، والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية، وسائر ما في هذا العالم من الخير والشر. وكذلك يقال في نسبة الحوادث والسعود والنحوس إلى النجوم والبروج، فقد جعلوا لكل نجم ولكل برج من البروج تأثيراً في الحوادث وعلامة عليها، وربط لها بالاعتقادات الباطلة. وقد كانت العرب إذا رمي بنجم تقول: ولد رجل عظيم، أو مات رجل عظيم، وتدعي نسبة ما يحدث في هذه المدة من مطر أو ريح أو برد أو حر إلى النجم الساقط، أو النجم الطالع (¬1). عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته؛ ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون (¬2) فيه ويزيدون» (¬3). وعلم التنجيم ينقسم إلى قسمين (¬4): ¬

_ (¬1) انظر: كتاب الاستذكار، كتاب الاستسقاء، باب الاستمطار بالنجوم: 7/ 153. (¬2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 14/ 226: هذه اللفظة ضبطوها من رواية صالح على وجهين: أحدهما: بالراء والثانى بالذال، ووقع فى رواية الأوزاعى وبن معقل الراء باتفاق النسخ، ومعناه يخلطون فيه الكذب، وهو بمعنى يقذفون. (¬3) صحيح مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان: 4/ 1750 برقم (2229). (¬4) انظر: تيسير العزيز الحميد: 441،، والقول المفيد على كتاب التوحيد: 1/ 519.

الأول: علم التأثير، وهو أن يستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية; فهذا محرم باطل، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (¬1). وقال -صلى الله عليه وسلم- في الشمس والقمر: «إنهما آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» (¬2)، فالأحوال الفلكية لا علاقة بينها وبين الحوادث الأرضية. الثاني: علم التسيير، وهو ما يستدل به على الجهات والأوقات; فهذا جائز، وقد يكون واجبا أحيانا، كما قال الفقهاء: إذا دخل وقت الصلاة يجب على الإنسان أن يتعلم علامات القبلة من النجوم والشمس والقمر (¬3)، قال الله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬5). ونسبة الحوادث إلى الكواكب على أقسام (¬6): القسم الأول: نسبة الفعل للكوكب، وادعاء أنه هو يفعل بذاته فهذا كفر أكبر؛ لأن الخلق والأمر لله وحده، كما قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬7). القسم الثاني: اعتقاد أن الفعل من عند الله، مع نسبته إلى الكوكب والنوء نسبة سبب، ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في النجوم: 428 برقم (3905)، وسنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب في تعلم النجوم: 400 برقم (3726)، والإمام أحمد في مسنده: 5/ 41 برقم (2840)، وقال محققه: إسناده صحيح. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 2/ 739. (¬2) سبق تخريجه: 5. (¬3) انظر: المغني: 2/ 102 وما بعدها، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3: 1/ 217. (¬4) النحل: 16. (¬5) الأنعام: 97. (¬6) انظر: تيسير العزيز الحميد: 394، والقول المفيد: 2/ 31، والتنجيم والمنجمون وحكم الإسلام في ذلك: 152 وما بعدها. (¬7) الأعراف: 54.

فهذا من الشرك الأصغر، وقد دلت الأدلة على تحريمه، منها: قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (¬8)، فهذه الآية نزلت في الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا، ولا ينسبونه إلى الله تعالى. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مطر الناس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر». قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. قال: فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (¬9)» (¬10). وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» (¬11). القسم الثالث: جعل الأنواء علامة على المطر مع عدم نسبته إليه لا قولاً ولا اعتقاداً، وهذا جائز، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬12)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬1). ¬

_ (¬1) الفرقان: 48. (¬8) الواقعة: 82. (¬9) الواقعة: 75 - 82. (¬10) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء: 1/ 84 برقم (73). (¬11) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء: 1/ 83 برقم (71). (¬12) الأعراف: 57.

ثالثا: تحريف معنى سجود النجوم

وقد دلت الآيات السابقة على جواز جعل الرياح علامة على المطر بحسب ما جرت به العادة، وكذلك الأنواء يجوز جعلها علامة على ما جرت به العادة، بشرط أن يعتقد أن النوء لا تأثير له في نزول المطر، ولا هو فاعل، وأن المنفرد بإنزاله هو الله وحده (¬2). وعن سعيد بن المسيب (¬3) -رحمه الله- قال: "قد حدثني من لا أتهم أنه شهد المصلى مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يستسقي بالناس عام الرمادة، قال: فدعا والناس طويلاً، واستسقى طويلاً، وقال للعباس بن عبد المطلب: يا عباس كم بقي من نوء الثريا؟ فقال له العباس -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين إن أهل العلم بها يزعمون أنها تعترض بالأفق بعد وقوعها سبعاً. قال: فوالله ما مضت تلك السبع حتى أغيث الناس" (¬4). قال الشافعي -رحمه الله-: " إنما أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوله: كم بقي من وقت الثريا؟ ليعرفهم بأن الله -عز وجل- قدر الأمطار في أوقات فيما جربوا، كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات" (¬5). ثالثاً: تحريف معنى سجود النجوم: سبق في المبحثين السابقين: الشمس والقمر (¬6)، بيان أن من المخالفات العقدية تحريف معنى سجود الشمس والقمر، في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ ¬

_ (¬2) انظر: تيسير العزيز الحميد: 395، والقول المفيد: 2/ 31. (¬3) هو: سعيد بن حزن بن المسيب القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر -رضي الله عنه-، وقيل: لأربع مضين منها بالمدينة. وتوفي سنة 94. انظر: سير أعلام النبلاء: 4/ 217، وشذرات الذهب: 1/ 370. (¬4) السنن الكبرى للبيهقي: 3/ 359، والطبري في تفسيره: 27/ 243 قال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبير، تحقيق حامد إبراهيم أحمد، ومحمد العقبي، مطبعة الإمام، مصر: 3/ 332: "حسن غريب". (¬5) الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء، مصر، ط: 2/ 552. (¬6) ص: 271، 300.

رابعا: نسبة علم النجوم إلى إبراهيم -عليه السلام-

حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬1). فقال بعضهم: أن المراد بهذا السجود الخشوع والانقياد، وقيل: المراد بالسجود الدلالة على الله. وكذلك قيل في سجود النجوم، وأن سجودها سجود ظلها كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (¬2)، وقيل: أن سجوده طلوعه (¬3). والجواب أنه قد سبق في مبحث عبودية الكائنات (¬4) أن هذه الآيات الكونية تسجد لله سجوداً حقيقياً الله أعلم بكيفيته، وأن هذا السجود من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها ونسلم، وأن كل شيء يسجد لله طوعا وكرها، وأن سجود كل شيء مما يختص به (¬5)، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬6). رابعاً: نسبة علم النجوم إلى إبراهيم -عليه السلام-: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية نسبة علم النجوم إلى إبراهيم -عليه السلام- استدلالاً بقوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} (¬7)، وهذا من"الكذب والافتراء على خليل الرحمن -عليه السلام-؛ فإنه ليس في الآية أكثر من أنه نظر نظرة في النجوم، ثم ¬

_ (¬1) الحج: 18. (¬2) النحل: 48. (¬3) انظر: تفسير البغوي: 4/ 284، تفسير ابن كثير: 7/ 489. (¬4) انظر: 65. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 403، تفسير السعدي: 828. (¬6) الإسراء: 44. (¬7) الصافات: 88 - 89.

خامسا: الأقوال والألفاظ المخالفة

قال لهم: إني سقيم، فمن ظن من هذا أن علم أحكام النجوم من علم الأنبياء، وأنهم كانوا يراعونه ويعانونه فقد كذب على الأنبياء، ونسبهم إلى ما لا يليق، وهو من جنس من نسبهم إلى الكهانة والسحر وزعم أن تلقيهم الغيب من جنس تلقى غيرهم ... ولا ريب أن هؤلاء أبعد الخلق عن الأنبياء وأتباعهم ومعرفتهم ومعرفة مرسلهم وما أرسلهم به" (¬1). وهذا الفعل والصنيع من صنائع المشركين وعلومهم، وقد بعثت الرسل بالإنكار على هؤلاء المشركين ومحقهم، ومحق علومهم وأعمالهم من الأرض، وهذا معلوم بالاضطرار لكل من آمن بالرسل صلوات (¬2). خامساً: الأقوال والألفاظ المخالفة: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -النجم - ذكر بعض الأقوال المخالفة، منها: 1 - قول مطرنا بنوء كذا، ونحوه: وسبق بيان حكم ذلك والتفصيل فيه (¬3). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 2/ 272 - 273، وانظر: تيسير العزيز الحميد: 383. (¬2) انظر: المرجع السابق: 2/ 273. (¬3) ص: 322، وانظر: معجم المناهي اللفظية: 513 - 519.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - الاستدلال بحديث «إذا ذكرت النجوم فأمسكوا» على التنجيم: عن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا ذكر أصحابي فامسكوا، وإذا ذكرت النجوم فامسكوا، إذا ذكر القدر فأمسكوا» (¬1). قال ابن القيم -رحمه الله-: " فهذا الحديث لو ثبت لكان حجة عليه لا له؛ إذ لو كان علم الأحكام النجومية حقا لا باطلا لم ينه عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أمر بالإمساك عنه؛ فإنه لا ينهى عن الكلام في الحق، بل هذا يدل على أن الخائض فيه خائض فيما لا علم له به، وأنه لا ينبغي له أن يخوض فيه، ويقول على الله ما لا يعلم، فأين في هذا الحديث ما يدل على صحة علم أحكام النجوم" (¬2). 2 - النهي عن السفر والقمر في العقرب: روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «لا تسافروا في محاق الشهر، ولا إذا كان القمر في العقرب» (¬3). قال ابن القيم -رحمه الله-: " وأما أحاديث النهي عن السفر والقمر في العقرب فصحيح من كلام المنجمين، وأما رسول رب العالمين فبريء ممن نسب إليه هذا الحديث وأمثاله ولكن إذا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في المعجم الكبير: 2/ 96 برقم (1427)، ورواه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: 10/ 198 برقم (10448)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 412: "فيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف"، وقال في حديث ابن مسعود: "فيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح". (¬2) مفتاح دار السعادة: 2/ 298. (¬3) يروى عن علي -رضي الله عنه- من قوله، انظر: الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث لأحمد بن عبد الكريم العامري، تحقيق: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار الراية، الرياض، ط2: 140، وقال الصغاني في الموضوعات: 1/ 61 برقم (99): "موضوع"، وانظر مفتاح دار السعادة: 2/ 261.

بعد الإنسان عن نور النبوة واشتدت غربته عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- جوز عقله مثل هذا" (¬1). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 2/ 298.

المبحث الخامس الرعد والبرق والصواعق

المبحث الخامس الرعد والبرق والصواعق

الرعد في اللغة

الرعد في اللغة: الراء والعين والدال أصل واحد يدل على حركة واضطراب. وكل شيء اضطرب فقد ارتعد ... ومن الباب الرَّعْد، وهو مَصْع مَلَكٍ يسوق السَّحَاب. والمَصْع: الحركة والذهاب والمجيء (¬1). وفي الصحاح: الرعد: الصوت الذي يسمع من السحاب (¬2). وفي الاصطلاح: الرَّعد تفريغ كهربائي من سحابة إلى أخرى أو من سحابة إلى الأرض، يصحبه انبعاث شرارات تعرف بالبرق. وهذه الشرارات تحدث حرارة عالية في مناطق الهواء التي تنبعث منها فتتمدد تلك المناطق على نحو فجائي، وهذه الحرارة تجعل جزيئات الهواء تتمدد أو تتطاير في كل الاتجاهات. وبينما تبحث الجزيئات عن حيز أكبر، فإنها تصطدم بعنف بطبقات الهواء البارد، محدثة موجة هوائية ضخمة يكون لها صوت الرعد (¬3). البرق في اللغة: الباء والراء والقاف أصلان تتفرع الفروع منهما: أحدهما لمعانُ الشيء، والآخر اجتماع السواد والبياض في الشيء. والبرق: وَمِيضُ السَّحاب، يقال بَرَقَ السَّحَابُ بَرْقاً وبَريقاً. وأبْرَقَ أيضاً لغة (¬4). وفي الصحاح: برق السيف وغيره يبرق بروقا، أي تلالا. والاسم البريق. والبرق: واحد بروق السحاب. ويقال رعدت السماء وبرقت برقانا (¬5). وفي الاصطلاح: البَرْق شرارة كهربائية عملاقة في السماء. وأغلب البرق الذي يراه ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة: 2/ 411. (¬2) الصحاح: 2/ 474. (¬3) الموسوعة العربية العالمية: 11/ 253. (¬4) معجم مقاييس اللغة: 1/ 221. (¬5) الصحاح: 4/ 1448.

الصواعق في اللغة

الناس يكون بين السحابة وسطح الأرض. ولكن من الممكن حدوث البرق أيضًا داخل سحابة، أو بين السحابة والهواء، أو بين سحابتين (¬1). الصواعق في اللغة: الصاد والعين والقاف أصل واحد يدلّ على صَلْقَةٍ وشِدَّة صوت. ومن ذلك الصعق، وهو الصوت الشديد. يقال حِمارٌ صَعِقُ الصوت، إذا كان شديده. ومنه الصَّاعقة، وهي الوقع الشديد من الرعد. ومنه قولهم: صَعِق، إذا مات، كأنَّه أصابته صاعقة (¬2). وفي الصحاح: الصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد. يقال: صعقتهم السماء إذا ألقت عليهم الصاعقة. والصاعقة أيضا: صيحة العذاب (¬3). وفي الاصطلاح: دوي حاد يسبقة عادة وميض البرق، وهو ناتج عن انفجار شحنة كهربائية كامنة في السماء (¬4). وقد ورد لفظ الرعد في القرآن في موضعين (¬5)، ولفظ البرق في (5) مواضع (¬6)، ولفظ الصاعقة في (6) مواضع، وبلفظ الجمع في موضعين (¬7). وورد الرعد والبرق والصاعقة في السنة في (21) حديثاً (¬8). ¬

_ (¬1) الموسوعة العربية العالمية: 4/ 336. (¬2) معجم مقاييس اللغة: 3/ 285. (¬3) الصحاح: 4/ 1506. (¬4) قاموس الجغرافيا لمجموعة من الأساتذة بإشراف علي لبيب، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1: 147. (¬5) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 409. (¬6) انظر: المرجع السابق: 150. (¬7) انظر: المرجع السابق: 518. (¬8) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 7.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الرعد والبرق والصواعق-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الرعد والبرق والصواعق-: الرعد والبرق والصواعق من آيات الله الكونية، وجند من جنود الله التي لا يعلمها إلا هو. وأفرد القرآن الكريم سورة باسم الرعد ذكر الله تعالى فيها من آيات القدرة وعجائب الكون الدالة على وحدانيته وقدرته: الرعد والبرق والصواعق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (¬1). أولاً: وجود الله: أمر الله -عز وجل- بالتفكر في آياته المشاهدة المحسوسة ومنها البرق، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2) فجعل" إراءتهم البرق، وأنزل الماء من السماء، وإحياء الأرض به آيات لقوم يعقلون؛ فإن هذه أمور مرتبة بالأبصار، مشاهدة بالحس، فإذا نظر فيها ببصر قلبه - وهو عقله - استدل بها على وجود الرب تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته، وإمكان ما أخبر به من حياة الخلائق بعد موتهم كما أحيا هذه الأرض بعد موتها، وهذه أمور لا تدرك إلا ببصر القلب - وهو العقل - فإن الحس دل على الآية، والعقل دل على ما جعلت له آية، فذكر سبحانه الآية المشهودة بالبصر، والمدلول عليه ¬

_ (¬1) الرعد: 12 - 13. (¬2) الروم: 24.

ثانيا: توحيد الربوبية

المشهود بالعقل" (¬1). ثانياً: توحيد الربوبية: قد جعل الله -عز وجل- البرق دليلاً على عظمته (¬2)، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬3). ومن آيات الله التي يستدل بها على توحيد الربوبية إنزال المطر الذي تحيا به البلاد والعباد، وقبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخاف ويُطمع فيه، فهذه الآيات دالة على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها (¬4). وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬5). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - التسبيح: ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 289. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 73. (¬3) النور: 43 - 44. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 310، وتفسير السعدي: 639. (¬5) الروم: 24.

رابعا: توحيد الألوهية

أخبر الله -عز وجل- أن الرعد يسبحه وينزهه عن كل عيب ونقص (¬1)، قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (¬2). وعن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-: أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث، وقال: «سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته» (¬3). رابعاً: توحيد الألوهية: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (¬4). أخبر الله -عز وجل- في هذه الآيات - فيما يتعلق بالبرق والرعد والصواعق- أنه يُري عباده البرق الذي يخاف منه الصواعق والهدم، وأنواع الضرر على بعض الثمار ونحوها ويطمع في خيره ونفعه، وأن الرعد يسبح بحمده، وأنه يرسل الصواعق على من يشاء من عباده بحسب ما شاءه وأراده (¬5). فإذا كان الله -عز وجل- هو الذي يفعل ذلك وحده، فهو الذي يستحق أن يعبد وحده لا ¬

_ (¬1) انظر: تفسير البغوي: 2/ 518. (¬2) الرعد: 13. (¬3) موطأ الإمام مالك، كتاب الكلام، باب: القول إذا سمعت الرعد: 757 برقم (1930)، والسنن الكبرى للبيهقي: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: ما يقول إذا سمع الرعد: 3/ 362، وصححه النووي في الأذكار، كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة، باب ما يقول إذا سمع الرعد: 302 برقم (521). وانظر: الاستذكار، كتاب الكلام، باب: القول إذا سمعت الرعد: 27/ 380. (¬4) الرعد: 12 - 13. (¬5) انظر: تفسير السعدي: 414.

خامسا: الإيمان بالملائكة

شريك له، وأن تصرف جميع العبادات له وحده، وأن غيره مما عبد من دون الله فألوهيته باطلة (¬1)، لذا قال بعدها: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (¬2). خامساً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعمالهم، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرعد، فأخبر أنه ملك من الملائكة موكل بالسحاب، وأن الصوت الذي يسمع هو زجره السحاب (¬3). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت يهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق (¬4) من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله»، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «زجرة بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر، قالوا: صدقت» (¬5). وهذا لا يخالف التفسير العلمي له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول: إنه اصطكاك أجرام السحاب، بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً، وكذلك الراعد ¬

_ (¬1) انظر: المرجع السابق: 414. (¬2) الرعد: 14. (¬3) انظر: كتاب المطر والرعد والبرق والريح: 113، 123، وتفسير البغوي: 2/ 518، والاستذكار، كتاب الكلام، باب القول إذا سمعت الرعد: 27/ 380. (¬4) مخاريق: جمع مخراق، وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، أراد أنه آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه. انظر: النهاية في غريب الحديث: 2/ 26. (¬5) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الرعد: 496 برقم (3117)، وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل: 8/ 217 برقم (9024)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي: 3/ 64.

سادسا: الإيمان بالرسل

يسمى رعداً، كما يسمى العادل عدلا. والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب، وتنقله من مكان إلى مكان. وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة. وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه، ولسانه، وأسنانه ولهاته، وحلقه، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب، وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر، فالرعد إذًا صوت يزجر السحاب" (¬1). سادساً: الإيمان بالرسل: الصواعق جند من جند الله يؤيد بها رسله، وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب يدعوه إليه، فذهب إليه، وقال: يدعوك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: وما الله؟ أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟ فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مراراً، وهو يقول مثل هذا، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف (¬2) رأسه (¬3)، فأنزل الله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (¬4) "أي يرسلها نقمَةً ينتقم بها ممن يشاء" (¬5). سابعاً: الإيمان باليوم الآخر: في بيان حال الناس يوم القيامة عند مرورهم على الصراط بحسب أعمالهم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أولهم يمر كالبرق، ففي حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فيأتون محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى: 24/ 263. وانظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي أبو الفضل، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1/ 171. (¬2) القحف: العظم فوق الدماغ. انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 61. (¬3) انظر: أسباب النزول للواحدي، تحقيق: أحمد صقر، دار القبلة، جدة: 314، وتفسير القرطبي: 9/ 269. (¬4) الرعد: 13. (¬5) تفسير ابن كثير: 4/ 442.

ثامنا: الإيمان بالقدر

فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتى الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق». قال: قلت بأبي أنت وأمي: أي شيء كمر البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال، تجرى بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجىء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا - قال -: وفى حافتى الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج، ومكدوس فى النار» (¬1). وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل يا رسول الله: وما الجسر؟ قال دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد، فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاود الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم» (¬2). ثامناً: الإيمان بالقدر: من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بمشية الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن. وقد أخبر الله -عز وجل- أنه يصيب بالصواعق من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، وأن ذلك بحسب ما اقتضاه حكمه القدري (¬3)، قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها: 1/ 186 برقم (195). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية: 1/ 167 برقم (183). (¬3) انظر: تفسير السعدي: 570. (¬4) الرعد: 13.

تاسعا: مسائل الأسماء والأحكام

تاسعاً: مسائل الأسماء والأحكام: بين الله -عز وجل- في أول سورة البقرة أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: مؤمنين خلص، وكفار خلص، ومنافقين. وهؤلاء المنافقون قسمان: خلص، وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لمع من الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي (¬1) -الذي ذكر الله فيه الرعد والبرق والصواعق- قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). وقد استدل أهل السنة والجماعة بهذه الآية على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان، وشعبة من نفاق، إما اعتقادي مخرج عن الإسلام، أو عملي لا يخرج عن الإسلام (¬3). عاشراً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ضرب الأمثال: من منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال ضرب الأمثلة لتوضيح الحقائق وتقريبها، وقد ضرب الله مثلاً في أول سورة البقرة للإسلام وحال المنافقين، - ذكر فيه الرعد والبرق والصواعق-، قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 188. (¬2) البقرة: 19 - 20. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى: 7/ 280، وتفسير ابن كثير: 1/ 189. (¬4) البقرة: 19.

فالمطر الإسلام، وقلوب المنافقين في حال شكهم وكفرهم وترددهم كالمطر من السماء الذي فيه ظلمات ورعد وبرق، والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة؛ فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع،، والبرق ما فيه من الوعد والوعيد، وما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان، من نور الإيمان. والصواعق: جمع صاعقة، وهي نار تنزل من السماء وقت الرعد الشديد. ثم قال: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} (¬1) " لشدته وقوته في نفسه، وضعف بصائرهم، وعدم ثباتها للإيمان ... فكلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعْرِض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين" (¬2). ¬

_ (¬1) البقرة: 20. (¬2) تفسير ابن كثير: 1/ 189.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الرعد والبرق والصواعق-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الرعد والبرق والصواعق-: أولاً: اعتقاد أن البرق أحد أسلحة الآلهة: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية اعتقاد أن البرق أحد أسلحة الآلهة الباطلة، فقد ظن قدماء الإغريق والرومان أن البرق هو أحد أسلحة الآلهة. وفي بعض المجتمعات الإفريقية كانوا يعتقدون أن الناس والأماكن التي يصيبها البرق ملعونة. وحتى القرن الثامن عشر، كان بعض الناس في أوروبا وأمريكا يعتقدون بإمكان تفادي حدوث البرق إذا دقوا أجراس الكنائس (¬1). ثانياً: اعتقاد أن قوس قزح (¬2) هو إله الرعد والبرق عند العرب: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات اعتقاد أن قوس قزح هو إله الرعد والبرق والمطر عند العرب (¬3). ¬

_ (¬1) الموسوعة العربية العالمية: 4/ 336. (¬2) قوس قزح هو الخطوط والطرائق الملونة التي تبدوا في السماء على شكل قوس أيام الربيع، وهو من التقزيح وهو التحين، وقيل من القزح، وهي الطرائق والألوان التي في القوس أو هو من قزح الشيء إذا ارتفع .. ويقال: قزح اسم ملك موكل به. وقزح أيضاً اسم جبل بالمزدلفة. انظر: لسان العرب: 5/ 3619. وجاء قوس قزح في بعض الأحاديث منها: «لا تقولوا قوس قزح فإن قزح شيطان -أو هو الشيطان- ولكن قولوا قوس الله عز وجل فهو أمان لأهل الأرض من الغرق»، وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: 1/ 213، والكتاني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة: 1/ 191. وقال عنه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: 2/ 264: "موضوع". وقال الشيخ ابن باز: لا دليل على كراهة قول قوس قزح. انظر: الدرر البازية على زاد المعاد، تفريغ لتعليقات الشيخ ابن باز -رحمه الله- على زاد المعاد لابن القيم، مطبوع بالحاسب الآلي: 1/ 84. (¬3) الموسوعة العربية العالمية: 1/ 603، وانظر: موقع ويكيبديا: www.wikipedia.org، والبرق بين العلم والإيمان لعبد الدائم الكحيل: 4.

ثالثا: بعض الأدعية والأقوال المخالفة

ثالثاً: بعض الأدعية والأقوال المخالفة: ومن المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الرعد والبرق والصواعق- ذكر بعض الأدعية والأقوال المخالفة، منها: 1 - قول"غضبت السماء" عند نزول الصواعق: في سؤال وجه لفضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله-: "هل تصح هذه العبارة (غضبت السماء)؟ وهي تكثر عند الأدباء والشعراء". فأجاب بقوله: " الذي يظهر أن هذه العبارة تقال إذا نزلت شهب أو صواعق مرعبة أو بَرَد مدمر أو طوفان مغرق، فهذه الأمور يجوز أن يقال عنها: إنها نقم سماوية أو مصائب سماوية، على معنى أنها جاءت من جهة السماء، وأما أن تنسب إلى غضب السماء فلا يجوز، لأن ذلك يتضمن أن السماء تغضب، ولا دليل على هذا، ويتضمن أن هذه الكوارث بفعل السماء، وليس كذلك، بل هي بفعل الله، فيلزم منه الشرك في الربوبية، وإذا أريد بقول القائل: (غضبت السماء) التجوز بذلك عن غضب الله، فهو أقبح، فإنه يتضمن إضافة صفة الله إلى غيره، أو تشبيه غيره تعالى به، وبكل حال فلا يجوز استعمال هذه العبارة، والله أعلم. ويشبه هذه العبارة قول بعضهم (عدالة السماء)، يريد بها الأحكام الشرعية، المشتملة على غاية العدل والحكمة" (¬1). ¬

_ (¬1) موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك الرسمي. http: //albrrak.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=36953

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - الرعد والبرق والصواعق فوق السماء السابعة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رأيت ليلة أسري بي، لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوقي، فإذا أنا برعد وبرق وصواعق». الحديث (¬1). 2 - البرق والرعد والصواعق غضب من الله: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» (¬2). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال ربكم -عز وجل-: لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد» (¬3). ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: 14/ 286 برقم (8641)، قال المحقق: إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وجهالة أبي الصلت، وضعفه ابن كثير، انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 517. (¬2) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا سمع الرعد: 545، برقم (3450)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومسند الإمام أحمد: 10/ 47 برقم (5763) وقال محققه: إسناده ضعيف، وضعفه النووي في الأذكار، كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة، باب ما يقول إذا سمع الرعد: 302 برقم (520). (¬3) مسند أبي داود الطيالسي: 4/ 312 برقم (2709)، ومسند الإمام أحمد: 14/ 327 برقم (8708)، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: 2/ 306، والألباني في السلسة الضعيفة: 2/ 287 برقم (883).

المبحث السادس المطر والثلج والبرد

المبحث السادس المطر والثلج والبرد

المطر في اللغة

المطر في اللغة: الميم والطاء والراء أصل صحيح فيه معنيان: أحدهما الغيث النازل من السماء، والآخر جنس من العدو. فالأول المطر، ومطرنا مطرا. وقال ناس: لا يقال أمطر إلا في العذاب، قال الله تعالى: {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} (¬1). وتمطر الرجل: تعرض للمطر. ومنه المستمطر: طالب الخير. والثاني قولهم: تمطّر الرجل في الأرض، إذا ذهب. والمتمطّر: الراكب الفرس يجري به. وتمطّرت به فرسه: جرت (¬2). وفي الصحاح: المطر: واحد الأمطار. ومطرت السماء تمطرا مطرا، وأمطرها الله، وقد مطرنا. وناس يقولون: مطرت السماء وأمطرت بمعنى. ومطر الرجل في الأرض مطورا، أي ذهب. وتمطّر مثله. ويقال: ذهب البعير فلا أدرى من مطّر به (¬3). وفي الاصطلاح: المطر شكل من أشكال قطرات الماء المتساقطة. وتتشكل قطرات المطر عندما تتحد قطيرات الماء في السحب، أو عندما تنصهر أشكال التساقط مثل الجليد والمطر الثلجي والبَرَد. وتسقط الأمطار على معظم أنحاء العالم، ويكون التساقط في المناطق المدارية على شكل أمطار. أما في القارة المتجمدة الجنوبية وفي بعض الأماكن الأخرى في العالم فيكون التساقط ثلجًا. وتتفاوت قطرات المطر في أحجامها تفاوتًا كبيرًا، كما تتفاوت في سرعة سقوطها (¬4). والمطر في القرآن على وجهين (¬5): أحدهما: المطر المعروف. ومنه قوله تعالى في سورة النساء: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ ¬

_ (¬1) الفرقان: 40. (¬2) معجم مقاييس اللغة: 5/ 332 - 333. (¬3) الصحاح: 2/ 818. (¬4) الموسوعة العربية العالمية: 23/ 415. (¬5) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 541.

الثلج في اللغة

مَطَرٍ (¬1). والثاني: الحجارة. ومنه قوله تعالى في قصة قوم لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} (¬2). الثلج في اللغة: الثاء واللام والجيم أصل واحد، وهو الثلج المعروف. ومنه تتفرع الكلمات المذكورة في بابه. يقال أرض مثلوجة إذا أصابها الثلج (¬3). وفي الاصطلاح: الثلج ماء متجمّد يتكون عندما تنخفض درجة حرارة المياه إلى درجة الصفر المئوية على أسطح البحيرات، والأنهار، والشوارع والأرصفة المبتلة. ويعد الجليد، والمطر الثلجي، والصقيع، والبَرَد صورًا من الثلج (¬4). البرد في اللغة: الباء والراء والدال أصول أربعة: أحدها خلاف الحر، والآخر السكون والثبوت، والثالث الملبوس، والرابع الاضطراب والحركة. وإليها ترجع الفروع (¬5). والبرَد بالتحريك: حب الغمام، وحب المزن (¬6). وفي الاصطلاح: البَرَدُ مطر جامد ينزل من السماء على شكل كتل جليدية كروية، أو غير منتظمة، وتُسمى هذه الكتل حبُّ البرد. ويتراوح حجم هذه الكتل، بين حجم حبة ¬

_ (¬1) النساء: 102. (¬2) الأعراف: 84، الشعراء: 173. (¬3) معجم مقاييس اللغة: 1/ 385، الصحاح: 1/ 302. (¬4) الموسوعة العربية العالمية: 8/ 47. (¬5) معجم مقاييس اللغة: 1/ 241. (¬6) القاموس المحيط: 242، الصحاح: 1/ 105، 2/ 446.

البازلاء، وحجم البرتقالة، ويمكن أن يكون أكبر من ذلك (¬1). وقد ورد لفظ المطر في القرآن في (6) مواضع (¬2)، ولفظ الثلج لم يرد في القرآن، ولفظ البرد في موضع واحد (¬3). وورد المطر في السنة في (49) حديثاً (¬4). ¬

_ (¬1) قاموس الجغرافيا: 147. (¬2) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 842. (¬3) انظر: المرجع السابق: 149. (¬4) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 7.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - المطر والثلج والبرد-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - المطر والثلج والبرد- (¬1): المطر والثلج والبرد من آيات الله الكونية، وقد ذكر الله -عز وجل- إنزال المطر في معرض الامتنان على عباده، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2)، وفي موضع آخر بعد أن ذكر إنزال المطر من السماء نهى عن جعل الند له سبحانه وتعالى، فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬3). "والله سبحانه إنما يدعو عباده إلى النظر والفكر في مخلوقاته العظام لظهور أثر الدلالة فيها وبديع عجائب الصنعة والحكمة فيها واتساع مجال الفكر والنظر في أرجائها" (¬4)، قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬5). أولاً: وجود الله: قد أمر الله -عز وجل- بالتفكر في آياته المشاهدة المحسوسة ومنها المطر، قال تعالى: {وَمِنْ ¬

_ (¬1) انظر: الدلالات العقدية للماء في القرآن الكريم للدكتور محمد السحيم، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، العدد (98). (¬2) النحل: 10 - 11. (¬3) البقرة: 22. (¬4) مفتاح دار السعادة: 2/ 276. (¬5) الروم: 50.

ثانيا: توحيد الربوبية

آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1)، وقد سبق نقل كلام ابن القيم -رحمه الله- على هذه الآية (¬2)، وأن الأمور المذكورة فيها" مرتبة بالأبصار، مشاهدة بالحس فإذا نظر فيها ببصر قلبه - وهو عقله - استدل بها على وجود الرب تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته، وإمكان ما أخبر به من حياة الخلائق بعد موتهم كما أحيا هذه الأرض بعد موتها، وهذه أمور لا تدرك إلا ببصر القلب - وهو العقل - فإن الحس دل على الآية، والعقل دل على ما جعلت له آية، فذكر سبحانه الآية المشهودة بالبصر، والمدلول عليه المشهود بالعقل" (¬3). ثانياً: توحيد الربوبية: قد بين الله -عز وجل- عظيم قدرته في مخلوقاته وأنه الخالق لها المتصرف فيها، ومن ذلك ما ذكره الله -عز وجل- عن المطر والبرد في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬4)، فمن أدلة عظمته - سبحانه وتعالى- وربوبيته أنه يسوق السحاب قطعا متفرقة، ثم يؤلف بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما مثل الجبال، فينزل منه المطر وينتفع به الناس، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه بحسب ما اقتضاه حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها، فالذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به ¬

_ (¬1) الروم: 24. (¬2) ص: 331. (¬3) مفتاح دار السعادة: 1/ 289. (¬4) النور: 42 - 44.

الضرر، كامل القدرة، نافذ المشيئة، واسع الرحمة" (¬1). ومن آيات الله التي يستدل بها على توحيد الربوبية"إنزال المطر الذي تحيا به البلاد والعباد، وقبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخاف ويُطمع فيه، فهذه الآيات دالة على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها" (¬2)، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬3). وكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحسر عن ثوبه عند نزول المطر، فسئل عن ذلك فقال: «إنه حديث عهد بربه» (¬4) أي قريب العهد بخلق الله تعالى له (¬5)، قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬6). ومن أدلة ربوبية الله -عز وجل- استجابته لدعاء الداعي، ومن مواطن الاستجابة عند نزول المطر (¬7)، قال -صلى الله عليه وسلم-: " ثنتان لا تردان، أو قل ما تردان، الدعاء عند النداء، وتحت المطر" (¬8). أما الاستمطار وهو: "عملية إسقاط المطر من السحب بطريقة علمية بحته تُجْرَى على السحب المتكوِّنة في الجو. ويسمى أيضًا تطعيم السحب. يستخدم الناس هذه الطريقة، لزيادة ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 570، بتصرف يسير. (¬2) انظر: المرجع السابق: 639، وتفسير ابن كثير: 6/ 310. (¬3) الروم: 24. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء: 2/ 615 برقم (898). (¬5) انظر: فتح الباري: 2/ 604، وشرح صحيح مسلم للنووي: 6/ 435. (¬6) البقرة: 117. (¬7) انظر: مجموع الفتاوى: 27/ 129. (¬8) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب الدعاء عند اللقاء: 288 برقم (2540)، وله شواهد، انظر: معجم الطبراني الكبير: 8/ 160 برقم (7713)، ومعجم الطبراني الصغير: 1/ 286، وصحيح الجامع الصغير: 1/ 590 برقم (3078).

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

كمية المياه بمنطقة معيَّنة، أو لتوفير المياه للري، أو لتوليد الطاقة الكهربائية من المحطات الكهرومائية. وتُستخدم أيضًا لمنع سقوط الأمطار الغزيرة، في المناطق الزراعية خوفًا من تلف المحاصيل" (¬1)، فهذا لا يتم إلا في ظروف خاصة كتوفر السحب، ودرجة معينة لها، إلى غير ذلك من الشروط، ولا يزال العلماء غير قادرين على إثبات أثرها العلمي في كل الحالات (¬2). وعلى هذا فإنه يجب الإيمان بأن الله تعالى هو الذي ينزل المطر في كل الأحوال، والإنسان بما يسميه الاستمطار الصناعي لم يصنع المطر، ولم يسقطه إلى الأرض، بل يتسبب من خلال ما وفقه الله وهداه إليه من العلم ببعض السنن الكونية التي جعلها الله تعالى في هذا الكون على توفير سبب نزول المطر، ويبذل سبباً، والأمر إلى الله تعالى أولاً وأخراً، إن شاء انزل المطر، وإن شاء منعه. ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - صفة الرحمة: المطر من رحمة الله (¬3)، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ثم قال: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬4)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (¬5) ¬

_ (¬1) الموسوعة العربية العالمية: 1/ 724. (¬2) المرجع السابق: 1/ 724. (¬3) تفسير القرطبي: 14/ 43، وتفسير ابن كثير: 6/ 321. (¬4) الروم: 46 - 50. (¬5) الشورى: 28.

2 - حكمة الله

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى المطر يقول: «رحمة» (¬1). 2 - حكمة الله: إن التأمل والتفكر في هذه الآيات الكونية - المطر والثلج والبرد - يدل على حكمة الله -عز وجل-،" في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلالها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها، ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر، وفي ذلك فساد فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها ... ثم أنزله على الأرض بغاية من اللطف والحكمة التي لا اقتراح لجميع عقول الحكماء فوقها فأنزله ومعه رحمته على الأرض ... ثم تأمل الحكمة البالغة في إنزاله بقدر الحاجة حتى إذا أخذت الأرض حاجتها منه وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها اقلع عنها وأعقبه بالصحو" (¬2)، ولو استمر أحدهما -المطر أو الصحو - لحصل الفساد والضرر. "فاقتضت حكمة اللطيف الخبير أن عاقب بين الصحو والمطر على هذا العالم فاعتدل الأمر وصح الهواء ودفع كل واحد منهما عادية الأخر واستقام أمر العالم وصلح" (¬3). 3 - صفة العلو: سبق بيان أن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يحسر عن ثوبه عند نزول المطر (¬4)، وعندما سئل عن ذلك قال: «إنه حديث عهد بربه»، لأنه نزل من جهة العلو (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر: 2/ 616 برقم (899). (¬2) مفتاح دار السعادة: 1/ 223. (¬3) المرجع السابق: 1/ 223. (¬4) ص: 348. (¬5) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/ 225.

4 - الصفات الفعلية الاختيارية

وهذا من الأدلة التي فيها إثبات علو الله تعالى، وأنه فوق السماوات، وقد ذكر هذا الحديث الذهبي - رحمه- في كتابه العلو في سياق الأحاديث الدالة على علو الله (¬1)، ولو كان على ما يقول المبتدعه من أن الله " في كل مكان، ما كان المطر أحدث عهداً بالله من غيره من المياه والخلائق" (¬2). 4 - الصفات الفعلية الاختيارية: الله -عز وجل- يفعل ما يشاء ويختار، فهو سبحانه يفعل ما يشاء في أي وقت شاء، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (¬3)، وفي الحديث السابق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن المطر: «إنه حديث عهد بربه»، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وهذا المطر خلقه الله تعالى في حين نزوله، ويستفاد من ذلك"ثبوت الأفعال الاختيارية لله -عز وجل- التي تقع بمشيئته" (¬4). رابعاً: توحيد الألوهية: من منهج القرآن الكريم في تقرير توحيد الألوهية الاستدلال عليه بالربوبية؛ فإن الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، ومن ذلك الاستدلال على المشركين عباد الأصنام الذين يقرون بأن الله -عز وجل- هو الخالق، - وبأنه الذي ينزل المطر وينبت الشجر - على إفراد الله بتوحيد العبادة،" والقرآن مناد عليهم بذلك محتج بما أقروا به من ذلك على صحة ما دعتهم إليه رسله" (¬5)، قال الله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ ¬

_ (¬1) العلو للعلي الغفار: 1/ 467. (¬2) الرد على الجهمية لأبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، ت: بدر البدر، دار ابن الأثير، الكويت، ط2: 53. (¬3) الشورى: 27. (¬4) الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/ 225. (¬5) مفتاح دار السعادة: 1/ 94.

1 - التبرك

قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (¬2). فإذا كان الله -عز وجل- هو الذي يفعل ذلك وحده، فهو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وأن تجعل جميع العبادات له وحده، وأن غيره مما عبد من دون الله فألوهيته باطلة (¬3). 1 - التبرك: قد سمى الله -عز وجل- المطر رحمة، وجعله مباركاً، وطهوراً، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬4)، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (¬5). وعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله: لم صنعت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه تعالى» (¬6). فهو حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه، والمعنى أن المطر رحمة وهو قريب العهد بخلق الله تعالى فيتبرك بها (¬7). ¬

_ (¬1) النمل: 60. (¬2) العنكبوت: 63. (¬3) انظر: تفسير ابن سعدي: 414. (¬4) الفرقان: 48. (¬5) ق: 9. (¬6) سبق تخريجه: 348. (¬7) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 2/ 546، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الحويني، دار ابن عفان، الخبر، ط1: 2/ 474.

خامسا: الإيمان بالملائكة

خامساً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بما ورد من أعمالهم في الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} (¬1)، ومن أعمالهم إنزال المطر، والموكل بذلك هو ميكائيل -عليه السلام- (¬2). سادساً: الإيمان بالرسل: من دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- استجابة الله لدعائه بنزول المطر (¬3)، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلْع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشى في الشمس» (¬4). وهذا من دلائل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- " وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا ¬

_ (¬1) النازعات: 5. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 86، 19/ 194، وتفسير ابن كثير: 1/ 324، وتفسير البغوي: 4/ 547. (¬3) انظر: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ت: محمد رواس قلعجي، وعبد البر عباس، دار النفائس، بيروت، ط3: 448، والصحيح المسند من دلائل النبوة، لمقبل بن هادي الوادعي، دار ابن تيمية، القاهرة، ط2: 207. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة: 201 برقم (1014)، وصحيح مسلم، كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء: 2/ 612 برقم (897).

سابعا: الإيمان باليوم الآخر

باطن" (¬1). سابعاً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يكون فيه، ومن ذلك الحوض، وفي وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفه له بأنه أشد بياضاً من الثلج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن حوضى أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم» (¬2). ثامناً: الإيمان بالقدر: من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بمشية الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن. وقد أخبر الله -عز وجل- أنه يسوق السحاب قطعا متفرقة، ثم يؤلف بين تلك القطع فيجعله سحاباً متراكباً مثل الجبل، ثم ينزل منها البرد، فيصيب به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، وأن ذلك بحسب ما اقتضاه حكمه القدري (¬3)، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (¬4). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ما من ساعة من ليل ولانهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء، فعن المطلب بن حنطب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا السماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء» (¬5). ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم: 6/ 192، وانظر: فتح الباري: 2/ 506. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء: 1/ 217 برقم (247). (¬3) انظر: تفسير السعدي: 570. (¬4) النور: 43. (¬5) معرفة السنن والآثار للبيهقي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، القاهرة، ط1: 5/ 194 برقم (7262)، وهو مرسل، انظر: فيض القدير: 5/ 494.

تاسعا: الإيمان بالغيب

تاسعاً: الإيمان بالغيب: إن للآيات الكونية ارتباطاً وثيقاً بعلم الغيب، حيث أن أوقات حدوثها لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬1). وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، وذكر منها المطر، فعن عبدالله ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» (¬2). عاشراً: مسائل الأسماء والأحكام: سبق الكلام في المبحث السابق - الرعد والبرق والصواعق (¬3) - أن الله -عز وجل- بين في أول سورة البقرة أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: مؤمنين خلص، وكفار خلص، ومنافقين. وهؤلاء المنافقون قسمان: خلص، وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لمع من الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي (¬4)، قال تعالى: {أَوْ ¬

_ (¬1) لقمان: 34. (¬2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الرعد، باب قوله: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ: 900 برقم (4697). } (¬3) ص: 336. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 188.

الحادي عشر تكفير الذنوب

كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (¬1). وقد استدل أهل السنة والجماعة بهذه الآية على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان، وشعبة من نفاق، إما اعتقادي مخرج عن الإسلام، أو عملي لا يخرج عن الإسلام (¬2). الحادي عشر تكفير الذنوب: كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا افتتح صلاته أن يسأل الله -عز وجل- أن يطهره الله من الخطايا بالماء والثلج والبرد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة- قال: أحسبه قال: هنية - فقلت بأبي وأمي يا رسول الله: إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد» (¬3). وذلك أن" الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه؛ فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان أذهب لأثر الخطايا" (¬4). وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو للميت بذلك، فعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: صلى ¬

_ (¬1) البقرة: 19 - 20. (¬2) انظر: مجموع الفتاوى: 7/ 280، وتفسير ابن كثير: 1/ 189. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير: 155 برقم (744). (¬4) المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط1: 1/ 218.

الثاني عشر: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر - أو من عذاب النار -، قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت» (¬1). فجعل" الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مستوجبة لها بحسب وعد الشارع، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} (¬2)، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج، ثم إلى أبرد من الثلج وهو البرد بدليل جموده؛ لأن ما هو أبرد فهو أجمد" (¬3). الثاني عشر: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ضرب الأمثال: من منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال ضرب الأمثلة لتوضيح الحقائق وتقريبها، وقد سبق في المبحث السابق - الرعد والبرق والصواعق (¬4) - أن الله ضرب مثلاً في أول سورة البقرة للإسلام وحال المنافقين، - ذكر فيه المطر -، قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة: 2/ 662 برقم (963). (¬2) الجن: 23. (¬3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 5/ 294، وانظر: فتح الباري: 2/ 230. (¬4) ص: 359. (¬5) البقرة: 19.

"فالمطر الإسلام، وقلوب المنافقين في حال شكهم وكفرهم وترددهم كالمطر من السماء الذي فيه ظلمات ورعد وبرق" (¬1). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الفتن تقع خلال البيوت كمواقع المطر، فعن أسامة -رضي الله عنه- قال: أشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أطم (¬2) من آطام المدينة فقال: «" هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا. قال: «إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع المطر» (¬3). والتشبيه بمواقع المطر: في الكثرة والهرم (¬4). وضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان خيرية الأمة مثلاً بالمطر، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» (¬5). ومعناه أن الدين"كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم. وكذلك الزرع الذي يحتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض، ولا تعلق أساسه فيها" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 189. (¬2) الأطم: بضم الهمزة والطاء هو القصر والحصن. ومعنى أشرف: علا وارتفع. شرح النووي على مسلم: 18/ 7. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ويل للعرب من شر قد اقترب": 1350 برقم (7060)، وصحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب نزول الفتن كمواقع القطر: 4/ 2211 برقم (2885). (¬4) شرح النووي على مسلم: 18/ 7. (¬5) سنن الترمذي، كتاب الأدب: 459 برقم (2869)، وقال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. ومسند الإمام أحمد: 19/ 334 برقم (12327)، وقال المحقق: حديث قوي بطرقه وشواهده، وهذا إسناد حسن. (¬6) تفسير ابن كثير: 7/ 519، وانظر: فتح الباري: 7/ 6، وفيض القدير: 5/ 516.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -المطر والثلج والبرد-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -المطر والثلج والبرد-: أولاً: نسبة المطر إلى الكواكب: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية نسبة المطر إلى الكواكب، عن زيد ابن خالد -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله: عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح، ثم أقبل علينا، فقال: «أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله، وبرزق الله، وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا وكذا، فهو مؤمن بالكوكب، كافر بي» (¬1). وسبق بيان حكم نسبة المطر إلى الكواكب، وأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام (¬2): القسم الأول: نسبة الفعل للكوكب، وادعاء أنه هو يفعل بذاته فهذا كفر أكبر؛ لأن الخلق والأمر لله وحده. القسم الثاني: اعتقاد أن الفعل من عند الله، مع نسبته إلى الكوكب والنوء نسبة سبب، فهذا من الشرك الأصغر. القسم الثالث: جعل الأنواء علامة على المطر مع عدم نسبته إليه لا قولاً ولا اعتقاداً، وهذا جائز. ثانياً: قصر احتباس المطر على الأسباب المادية: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية قصر احتباس المطر على الأسباب المادية، ونسبة ذلك إلى طبائع الأماكن الأرضية والرياح (¬3) دون اعتقاد أن ذلك قد يكون بسب ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 163. (¬2) انظر: 163. (¬3) انظر: غربة الإسلام، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، ت: عبد الكريم التويجري، دار الصميعي، الرياض، ط1: 2/ 579.

ثالثا: تحريف قوله -صلى الله عليه وسلم- عن المطر" حديث عهد بربه"

الذنوب والمعاصي، وأن ذلك ابتلاً أو اختباراً من الله -عز وجل- لعباده ليعلم سبحانه من يصبر ويحتسب ويرجع إلى ربه، ومن يقنط ويسخط من قضاء الله (¬1)، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬3)، قال ابن قدامة (¬4) -رحمه الله-: " فإن المعاصي سبب الجدب، والطاعة تكون سبباً للبركات" (¬5). ثالثاً: تحريف قوله -صلى الله عليه وسلم- عن المطر" حديث عهد بربه": من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية تحريف قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حديث عهد بربه» (¬6)، وأن المراد به ظهور متعلق الإرادة، وأن إرادة الله قديمة (¬7). وأهل السنة والجماعة يقولون: إن الله -عز وجل- فعال لما يريد، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬8)، وقال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬9). فالله -عز وجل- متصف بصفة الإدارة ولم يزل متصف بتلك الصفة، وإرادة الله جل وعلا ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 7/ 253، وتفسير ابن كثير: 3/ 451. (¬2) الأعراف: 96. (¬3) الروم: 41. (¬4) هو عبد الله بن محمد بن قدامه الجماعيلي المقدسي، من أكابر علماء الحنابلة، من مؤلفاته: المغني، وروضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، وغيرها من المؤلفات، توفي عام: 620. انظر: شذرات الذهب: 7/ 155، وسير أعلام النبلاء: 22/ 165 - 173. (¬5) المغني: 2/ 148. (¬6) سبق تخريجه: 350. (¬7) انظر: إكمال المعلم شرح صحيح مسلم لأبي عبد الله الأبي، مكتبة طبرية: 3/ 49. (¬8) هود: 107. (¬9) البروج: 14 - 16.

متجددة، فما من شيء يحدث في ملكوت الله إلا وقد شاءه الله جل وعلا حال كونه وأراده، كما أنه جل وعلا شاءه في الأزل وأراده. فمشيئته في الأزل بمعنى إرادة إحداثه في الوقت الذي جعل الله جل وعلا ذلك الشيء يحدث فيه، لكن من حيث تعلقها بالمعين هذا متجددة (¬1). ¬

_ (¬1) اللآلئ البهية في شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح آل الشيخ، اعداد: عادل رفاعي، دار العاصمة، الرياض، ط1: 1/ 312.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - المطر بالليل بسب طاعة الله: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال ربكم -عز وجل-: لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد». سبق تخريجه وبيان ضعفه (¬1). 2 - النهي عن الإشارة إلى المطر والبرق: عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه، وليصف ولينعت» (¬2). قال الشافعي -رحمه الله-: لم تزل العرب تكره الإشارة إليه في الرعد، ولعل ذلك خوفا من الصواعق (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 340. (¬2) المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2: 3/ 94 برقم (4917)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الإشارة للمطر: 3/ 362، وهو ضعيف، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 10/ 256 برقم (4710). (¬3) الأم للشافعي، دار الفكر، بيروت ط2: 1/ 290.

المبحث السابع الريح والرياح

المبحث السابع الريح والرياح

الريح في اللغة

الريح في اللغة: أصل الياء في الريح الواو، وإنما قلبت ياء لكسرة ما قبلها (¬1)، والريح: الغلبة والقوة (¬2) في قوله تعالى: {فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (¬3). والريح: الهواء إذا تحرك (¬4)، ونسيم الهواء، وكذلك نسيم كل شيء، وهي مؤنثة (¬5). والريح: واحدة الرياح والأرياح، وقد تجمع على أرواح، لأن أصلها الواو، وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت إلى الواو، كقولك: أروح الماء، وتروحت بالمروحة. ويقال: ريح وريحة، كما قالوا: دار ودارة (¬6). والرياح بلفظ الجمع تطلق ويراد بها الخير، والريح بلفظ المفرد تطلق ويراد بها العذاب أو الشر غالبًا إلا إذا قيد هذا المفرد بوصف خرج عن هذه القاعدة (¬7). قال القرطبي: " فمن وحد الريح فلأنه اسم للجنس يدل على القليل والكثير. ومن جمع فلاختلاف الجهات التي تهب منها الرياح. ومن جمع مع الرحمة ووحد مع العذاب فإنه فعل ذلك اعتبارا بالأغلب في القرآن، نحو: {الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} (¬8)، و {الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (¬9)، فجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب، إلا في يونس في قوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (¬10) " (¬11). ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة: 2/ 454. (¬2) المصدر السابق: 2/ 464. (¬3) الأنفال: 46. (¬4) المعجم الوسيط: 1/ 381. (¬5) لسان العرب: 3/ 1763. (¬6) الصحاح: 1/ 367، لسان العرب: 3/ 1763. (¬7) لسان العرب: 3/ 1763، وانظر: تفسير ابن كثير: 4/ 531. (¬8) الروم: 46. (¬9) الذاريات: 41. (¬10) يونس: 22. (¬11) تفسير القرطبي: 2/ 198، وانظر: التحرير والتنوير 21/ 121، البرهان في علوم القرآن 4/ 9 - 11.

وفي الاصطلاح

وفي الاصطلاح: الرياح هواء متحرّك عبر سطح الأرض (¬1)، وتموجات مكونات الغلاف الجوي من غازات وأبخرة وغبار حسب العوامل والمؤثرات. "وتحدث الرياح نتيجة التسخين غير المتساوي للغلاف الجوي، عن طريق الطاقة المنبعثة من الشمس. تُسخِّن الشمس سطح الأرض بطريقة غير متساوية، فالهواء الذي يعلو المناطق الحارة يتمدد ويرتفع، ويحل محله هواء من المناطق الأبرد، وتسمى هذه العملية دورة. فالدورة فوق الأرض بكاملها تسمى الدورة العامة، بينما تسمى الدورات النسبية الصغرى والتي يمكن أن تتسبب في حدوث تغيرات في الرياح يومًا بعد يوم، الدورات النسبية الشاملة للرياح. أما الرياح التي من الممكن أن تحدث في مكان واحد فقط، فإنها تسمى الرياح المحلية" (¬2). وذكر بعض المفسرين أن الريح في القرآن على ثلاثة أوجه (¬3): أحدها: الريح نفسها، ومنه قوله تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} (¬4)، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} (¬5)، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} (¬6). والثاني: الرائحة. ومنه قوله تعالى: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} (¬7). والثالث: القوة. ومنه قوله تعالى: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (¬8). ¬

_ (¬1) الموسوعة العربية العالمية: 11/ 433. (¬2) المرجع السابق: 11/ 434. (¬3) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 541. (¬4) البقرة: 164. (¬5) الأعراف: 57. (¬6) الروم: 46. (¬7) يوسف: 94. (¬8) الأنفال: 46.

وقد ورد لفظ الريح في القرآن في (17) موضعًا، ولفظ الرياح في (10) مواضع (¬1). وورد لفظ الريح والرياح في السنة في (80) حديثاً (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 414. (¬2) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 2.

الدلائل العقدية للآية الكونية - الريح والرياح-

الدلائل العقدية للآية الكونية - الريح والرياح-: الريح والرياح من آيات الله الكونية، وقد ذكرها الله -عز وجل- ممتن بها على عباده، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2). فهذه آيات عظيمة كثيرة دالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة، وتصريف الرياح في هاتين الآيتين هي من الأمور التي امتن الله بها على عباده دالة من تفكر فيها وتأملها أن وراءها خالقاً حكيما (¬3). وقد جعلها الله أحد جنوده المسخرين تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، يأمرها بالخير فتكون السحاب وتسوقه إلى حيث يشاء ثم ينزل المطر، ويأمرها فتلقح الأشجار والسحاب. ويأمرها فتلطف الجو وتحسنه، ويأمرها بغير ذلك مما شاء فتلحق الضرر والدمار بمن يشاء، إلى غير ذلك من مزاياها وخصائصها. "وهذه الريح فيها من المصالح ما لا يعلمه إلا الله، فتأمل مثلاً: كم سخر للسحاب من ريح حتى أمطر، فسخرت له المثيرة أولاً فتثيره بين السماء والأرض، ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية، ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين كِسفه وقطعه، ثم ¬

_ (¬1) البقرة: 164. (¬2) الجاثية: 3 - 5. (¬3) انظر: التبيان في أقسام القرآن: 2/ 66 - 67.

أولا: توحيد الربوبية

يجتمع بعضها إلى بعض فيصير طبقا واحدا، ثم سخرت له اللاقحة بمنزلة الذكر الذي يلقح الأنثى فتلقحه بالماء ولولاها لكان جهاما لا ماء فيه، ثم سخرت له المزجية التي تزجيه وتسوقه إلى حيث أمر فيفرغ ماءه هنالك، ثم سخرت له بعد إعصاره المفرقة التي تبثه وتفرقه في الجو فلا ينزل مجتمعا ولو نزل جملة لأهلك المساكن والحيوان والنبات بل تفرقه فتجعله قطرا" (¬1). أولاً: توحيد الربوبية: من آيات الله الدالة على قدرته وتدبيره وسلطانه، تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره، وإجرائه الهواء بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم، وتصرفه سبحانه في هذه الريح التي لو شاء لأسكنها حتى لا تتحرك السفن، بل تظل راكدة لا تجيء ولا تذهب، بل واقفة على ظهره. قال تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬2). أي تقليبها في مهابها: قبولاً ودبوراً وجنوباً وشمالاً، وفي أحوالها: حارةً وباردةً وعاصفةً ولينة، وتارة مبشرة بين يدي السحاب، وطوراً تسوقه، وأوانةً تجمعه، ووقتاً تفرقه، وحيناً تصرفه. وتارة بالرحمة وتارة بالعذاب (¬3)، آية من آيات الله يتصرف فيها، وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلا الله، فلو أراد كل من في العالم قلب الريح من الشمال إلى الجنوب أو إذا كان الهواء ساكنًا أن يحركه لتعذر (¬4)، وهذا من أدلة ربوبيته - سبحانه وتعالى-. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 33. (¬2) البقرة/ 164. (¬3) انظر: تفسير الطبري: 2/ 78، وتفسير القرطبي: 2/ 197. (¬4) انظر: تفسير الرازي: 27/ 149، 14/ 114.

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات

رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (¬1). "فهو سبحانه إذا شاء جعل الريح ساكنة فوقفت، وإن شاء أرسلها ريحًا قوية عاتية، فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال، آبقة لا تسير على طريق، ولا إلى جهة مقصد؛ ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة" (¬2)، وهذا دليل على كمال قدرته وسلطانه (¬3). وأخبر تعالى أنه مالك كل شيء، وأن كل شيء سهل عليه، يسير لديه، وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف، وأنه ينزل من هذه الخزائن بقدر معلوم كما يشاء ويريد، لما له في ذلك من الحكمة البالغة، والرحمة بعباده. وأنه وحده تعالى يرسل الرياح اللواقح (¬4)، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬5). ثانياً: توحيد الأسماء والصفات: صفة الرحمة: ¬

_ (¬1) الشورى: 32 - 35. (¬2) تفسير ابن كثير: 7/ 209. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 7/ 229، زاد المسير: 6/ 307. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 531، وتفسير السعدي: 431. (¬5) الحجر: 21 - 25.

ثالثا: توحيد الألوهية

الرياح من المبشرات برحمة الله، وهي كذلك تسير الفلك وهذا من رحمة الله (¬1)، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (¬3) وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها» (¬4). والروح"بفتح الراء بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (¬5)، أي يرسلها الله تعالى من رحمته لعباده" (¬6). ثالثاً: توحيد الألوهية: من منهج القرآن الكريم في تقرير توحيد الألوهية الاستدلال عليه بالربوبية؛ فإن الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، ومن ذلك الاستدلال على المشركين الذين يقرون بأن الله -عز وجل- هو الخالق المتصرف في الكون على إفراد الله بتوحيد العبادة، والإخلاص في جميع الأحوال. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 321. (¬2) الروم: 46. (¬3) الفرقان: 48 - 50. (¬4) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا هاجت الريح: 550 برقم (5097)، والمسند: 13/ 69 برقم (7631)، وقال محققه: "صحيح لغيره"، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 3/ 960. (¬5) يوسف: 87. (¬6) عون المعبود شرح سنن أبي داود: 14/ 3.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (¬1). فالمشركون يتركون ما كانوا يعبدون من دون الله لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر، ويصرخون بدعوة فاطر الأرض والسماوات -الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات- وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال (¬2)، فإذا كان الله -عز وجل- هو الذي يفعل ذلك وحده، وهو الذي يخلصهم من شر هذه الريح؛ فهو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وأن تجعل جميع العبادات له وحده، وأن غيره مما عبد من دون الله فألوهيته باطلة (¬3). ولذلك يشرع للمسلم إذا عصفت الريح أن يقول ما حدثت به عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به» (¬4). وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة بالله عند شدة الريح، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: بينا أنا أسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الجحفة والآبواء؛ إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بـ: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (¬5)، و {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (¬6)، ويقول: «يا عقبة! تعوذ بهما؛ فما تعوذ متعوذ بمثلهما!». قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة (¬7). ومن الدلائل السماوية على ألوهية الله أن الله -عز وجل- يرسل الرياح بين يدي السحاب ¬

_ (¬1) يونس: 22. (¬2) تفسير السعدي: 463. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 8/ 325، وتفسير السعدي: 414، 463. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر: 2/ 616 برقم (899). (¬5) الفلق: 1. (¬6) الناس: 1. (¬7) سنن أبي داود، كتاب الوتر، باب في المعوذتين: 176 برقم (1463)، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود: 1/ 275.

الذي فيه مطر، يغيث به عباده المجدبين الأزلين القنطين، قال تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}، ثم قال تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬1) أي أإله مع الله فعل هذا، فيستحق أن يعبد!. فإذا كان الله هو الذي يفعل هذا الأمر وحده إذا فهو المستحق للعبادة وحده (¬2). وقد ذكر الله -عز وجل- من الأدلة على تفرده بالإلهية تفرده بالخلق والملك والتصرف، ومما ذكر سبحانه وتعالى تصريف الرياح، تارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، تارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، ثم تارة تأتي من الجنوب، وتارة من الشمال، وتارة من الشرق، وتارة من الغرب (¬3)، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬4). وفي تعداد الآيات الدالة على تفرد الله بالألوهية في سورة فاطر بعد أن ذكر الله -عز وجل- خلق السماوات والأرض، ذكر الرياح مستدلًا" بتصريف الأحوال بين السماء والأرض -وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر" (¬5) - على ألوهيته، قال تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (¬6) الآيات. ¬

_ (¬1) النمل: 63. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 206. (¬3) انظر: المرجع السابق: 1/ 475. (¬4) البقرة: 164. (¬5) انظر: التحرير والتنوير: 22/ 267. (¬6) فاطر: 9.

رابعا: الإيمان بالرسل

رابعاً: الإيمان بالرسل: الريح من جند الله، يعز الله بها أولياءه، ويذل بها أعداءه، أكرم الله تعالى بها أنبيائه ونصرهم بها، فأكرم الله -عز وجل- بها سليمان -عليه السلام- (¬1)، قال تعالى {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (¬3). ونصر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (¬4)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور (¬5)» (¬6). ومن دلائل نبوة الأنبياء وصدقهم نصر الله لهم على أعدائهم وإهلاكهم، وقد أخبر الله -عز وجل- أنه أهلك بعض الأمم المكذبة للرسل بإرسال الريح عليهم، قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} (¬7)، وقال ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 358. (¬2) ص: 30 - 36. (¬3) الأنبياء: 81. (¬4) الأحزاب: 9. (¬5) الصبا: بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور هي الريح الشرقية، والدبور بفتح أوله وتخفيف الموحدة المضمومة مقابلها. فتح الباري: 6/ 301. (¬6) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب: 780 برقم (4015). (¬7) فصلت: 15 - 16.

تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (¬1). وفي تسلية الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في تكذيب من كذبه من قومه أخبر الله -عز وجل- أنه عذب القوم المجرمين بالريح التي فيها عذاب اليم (¬2)، قال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} (¬3). ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرَ به وذهب عنه ذلك، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فسألته، فقال: «إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي» (¬4). ومن دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- إخباره بالغيب الذي أطلعه الله عليه من وقت الريح وأنها ستهب الليلة وما يتبع ذلك من ضرر (¬5)، فعن أبي حميد -رضي الله عنه- قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة تبوك فأتينا وادي القُرى على حديقة لامرأة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اخرصوها، فخرصناها وخرصها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة أوسق، وقال: أحصيها حتى نرجع إليك - إن شاء الله-، وانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم ¬

_ (¬1) الحاقة: 6. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 285 - 286. (¬3) الأحقاف: 21 - 25. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر: 2/ 616 برقم (899). (¬5) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 15/ 42.

خامسا: الإيمان باليوم الآخر

فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طئ» (¬1). خامساً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يكون فيه، ومن ذلك المرور على الصراط، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بعض من يمر عليه يمر كالريح، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيقول إبراهيم -عليه السلام-: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى -صلى الله عليه وسلم- الذي كلمه الله تكليما، فيأتون موسى -صلى الله عليه وسلم- فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى -صلى الله عليه وسلم-: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا -صلى الله عليه وسلم- فيقوم، فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار» (¬2). سادساً: الإيمان بالقدر: من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: 4/ 1784 برقم (1392). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها: 1/ 186 برقم (195).

سابعا: مسائل الأسماء والأحكام

وقد أخبر الله -عز وجل- أن الريح تُسيّر السفن بمشيئته، فإن شاء جعل الريح ساكنه، وإن شاء حركها، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} (¬1)، فهذه الريح التي تسير السفن لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك، ولو شاء لحركها حتى لا تقف (¬2). ثم هو سبحانه إذا شاء جعل هذه الريح طيبة باردة، وإذا شاء جعلها قوية مدمرة مع" أنها جسم لطيف لا يمسك ولا يرى، وهي مع ذلك في غاية القوة، تقلع الشجر والصخر، وتخرب البنيان العظيم" (¬3). سابعاً: مسائل الأسماء والأحكام: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بعث الريح قد يكون لموت منافق، فعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب فزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بعثت هذه الريح لموت منافق»، فلما قدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات (¬4). أي عقوبة له، وعلامة لموته وراحة البلاد والعباد منه (¬5). ثامناً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ¬

_ (¬1) الشورى: 32 - 34. (¬2) تفسير الطبري: 25/ 41، وتفسير القرطبي: 16/ 33. (¬3) لباب التأويل في معاني التنزيل لعلي بن محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بالخازن، دار الفكر، بيروت، 1399: 1/ 136. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: 4/ 2145 برقم (2782). (¬5) شرح النووي على مسلم: 17/ 127.

ضرب الأمثال

ضرب الأمثال: من منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال ضرب الأمثلة لتوضيح الحقائق وتقريبها، وقد ضرب الله مثلاً لمحق ثواب أعمال الكفار في هذه الدنيا في إنفاقهم مثل الريح الباردة الشديدة التي فيها نار إذا أنزلت على حرث قد آن حصاده فدمرته وأهلكته (¬1)، قال تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬2). وضرب الله مثلاً لأعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره، وكذبوا رسله، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فانهارت بالرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة، فلا يقدرون على شيء من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم (¬3)، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} (¬4). وضرب الله للمشرك مثلاً في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى بمن تهوي به الريح في مكان سحيق بعيد مهلك لمن هوى فيه، قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 106. (¬2) آل عمران: 117. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 9/ 353. (¬4) إبراهيم: 18. (¬5) الحج: 31.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الريح والرياح-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الريح والرياح-: أولاً: سب الريح: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية سبها، وهو سب لخالقها؛ لأنه الخالق لها، المتصرف فيها، والمرسل والآمر لها، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت، به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» (¬1). ثانياً: نسبة حصول الذكورة والأنوثة في المولود للريح: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية نسبة الذكورة والأنوثة في المولود إلى الريح" فإذا كانت الريح شمالا كان الولد ذكرا، وإذا كانت جنوبا كان المولود أنثى" (¬2). وهذا"باطل من وجوه كثيرة معلومة بالحس والعقل وأخبار الأنبياء؛ فإن الإذكار والإيناث لا يقوم عليه دليل ولا يستند إلى أمر طبيعي وإنما هو مجرد مشيئة الخالق البارئ المصور الذي {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (¬3)، {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (¬4)، وكذا هو قرين الأجل والرزق والسعادة والشقاوة حين يستأذن الملك الموكل بالمولود ربه وخالقه فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ سعيد أم شقي؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيقضى الله ما يشاء ويكتب الملك (¬5) " (¬6). ¬

_ (¬1) سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب النهي عن سب الريح: 327 برقم (2252)، والمسند: 35/ 75 برقم (21138)، وقال محققه: " حديث صحيح"، وصححه الألباني: انظر: صحيح سنن الترمذي: 2/ 253. (¬2) مفتاح دار السعادة: 2/ 217. (¬3) الشورى: 49 - 50. (¬4) طه: 50. (¬5) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته: 4/ 2036 برقم (2643). (¬6) مفتاح دار السعادة: 2/ 217.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - الريح مسخرة من الأرض الثانية: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الريح مسخرة من الثانية -يعني من الأرض الثانية-فلما أراد الله أن يهلك عادًا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا، قال: أي رب، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لا إذًا تكفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم. فهي التي يقول الله في كتابه: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} (¬1)» (¬2). 2 - ريح الجنوب من الجنة والشمال من النار: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ريح الجنوب من الجنة، وهي الريح اللواقح، وهي التي ذكر الله في كتابه، فيها منافع للناس، والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة فتصيبها نفحة منها فبردها هذا من ذاك» (¬3). ¬

_ (¬1) الذاريات: 42. (¬2) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره: 10/ 3313 برقم (18665)، والحاكم في المستدرك: 4/ 594، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: "بل منكر، فيه عبد الله بن عياش ضعفه أبو داود، وعند مسلم أنه ثقة، ودراج وهو كثير المناكير". وقال ابن كثير: "هذا الحديث رفعه منكر، والأقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم". انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 423. (¬3) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المطر والرعد والبرق والريح: 140، والطبري في تفسيره: 14/ 30، وضعفه ابن كثير في تفسيره: 4/ 531، والألباني في ضعيف الجامع الصغير، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3: 461 برقم (3144).

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين، وإن من دونها بابا مغلقا، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب، ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء، وهي عند الله الأزَيب (¬1)، وهي فيكم الجنوب» (¬2). ¬

_ (¬1) من أسماء ريح الجنوب. وأهل مكة يستعملون هذا الاسم كثيرا. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 324. (¬2) مسند الحميدي، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط2: 223 برقم (129)، والعظمة للأصبهاني: 4/ 1338 برقم (845)، وقال الألباني: موضوع. انظر: ضعيف الجامع الصغير: 232 برقم (1607).

الفصل السادس الآيات الكونية الأرضية ودلالتها العقدية.

الفصل السادس الآيات الكونية الأرضية ودلالتها العقدية. وفيه تمهيد وتسعة مباحث: المبحث الأول: حركة الأرض. المبحث الثاني: الجبال. المبحث الثالث: الزلازل والخسوف والبراكين. المبحث الرابع: البحار والأنهار. المبحث الخامس: الليل والنهار. المبحث السادس: الحياة والموت. المبحث السابع: النوم. المبحث الثامن: النبات. المبحث التاسع: الأمراض.

تمهيد

تمهيد الآيات الكونية الأرضية هي الآيات السفلية كالأرض والجبال والبحار والأنهار وغيرها. وفي هذا الفصل أذكر الآية الكونية ومعناها وورودها في القرآن والسنة، ودلالتها العقدية على التوحيد بأقسامه -الربوبية والأسماء والصفات والألوهية- وبقية أركان الإيمان ومسائل العقيدة. ثم أذكر المخالفات العقدية والأحاديث الموضوعة والضعيفة المتعلقة بهذه الآيات الكونية.

المبحث الأول: حركة الأرض

المبحث الأول: حركة الأرض الأرض في اللغة: الهمزة والراء والضاد ثلاثة أصول، أصل يتفرع وتكثر مسائله، وأصلان لا ينقاسان بل كل واحد موضوع حيث وضعته العرب. فأما هذان الأصلان فالأرض الزكمة، رجل مأروض أي مزكوم، وهو أحدهما، والآخر الرِعدة، يقال بفلان أرض أي رِعدة. وأما الأصل الأول: فكل شيء يسفل ويقابل السماء، يقال لأعلى الفرس سماء، ولقوائمه أرض. والأرض: التي نحن عليها أنثى وهي اسم جنس، وكان حق الواحدة منها أن يقال أرضة؛ ولكنهم لم يقولوا، وفي التنزيل {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬1)، والجمع آراض وأرضين وأروض وأرضون الواو عوض من الهاء المحذوفة المقدرة (¬2). وفي الاصطلاح: الأرض كرة ضخمة يتكون سطحها من صخور وتربة وماء، ويحيط بها الهواء. وليست كروية تمامًا؛ إذ إن المسافة بين القطبين أقصر من قطرها عند خط الاستواء (¬3). وقد ورد لفظ الأرض في القرآن في (451) موضعاً، ولم يرد بلفظ الجمع (¬4). ووردت الأرض في السنة في (103) حديثاً (¬5). وذكر بعض المفسرين أن الأرض في القرآن على سبعة عشر وجها (¬6): ¬

_ (¬1) الغاشية: 20. (¬2) انظر: معجم مقاييس اللغة: 1/ 79 - 81، لسان العرب: 3/ 2107. (¬3) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 1/ 511، 514. (¬4) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 34 - 42. (¬5) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 2. (¬6) انظر: نزهة الأعين النواظر: 168، وبصائر ذوي التمييز: 2/ 54.

الأول: بمعنى الجنة، قال تعالى: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} (¬2). الثاني:: بمعنى أرض مكة، قال تعالى: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} (¬3)، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (¬4). الثالث: بمعنى المدينة النبوية، قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً} (¬5)، وقال تعالى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (¬6)، وقال تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} (¬7). الرابع: بمعنى أرض الشام وبيت المقدس، قال تعالى: {كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ} (¬8)، وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (¬9). الخامس: بمعنى أرض مصر خصوصاً، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} (¬10)، وقال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} (¬11). ¬

_ (¬1) الأنبياء: 105. (¬2) الزمر: 74. (¬3) النساء: 97. (¬4) الرعد: 41. (¬5) النساء: 97. (¬6) العنكبوت: 56. (¬7) الإسراء: 76. (¬8) الأعراف: 137. (¬9) الأنبياء: 71. (¬10) القصص: 4. (¬11) يوسف: 55.

السادس: أرض الغرب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} (¬1). السابع: الأرضون السبع، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (¬2). الثامن: أرض الإسلام، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬3). التاسع: بمعنى القبر، قال تعالى: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} (¬4). العاشر: أرض القيامة، ومنه قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} (¬5). الحادي عشر: أرض التيه، قال تعالى: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} (¬6). الثاني عشر: بمعنى أرض بني قريظة، قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} (¬7). الثالث عشر: أرض الروم: ومنه قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (¬8). ¬

_ (¬1) الكهف: 94. (¬2) هود: 6. (¬3) المائدة: 33. (¬4) النساء: 42. (¬5) الزمر: 69. (¬6) المائدة: 26. (¬7) الأحزاب: 27. (¬8) الروم: 1 - 3.

الرابع عشر: أرض الأردن، ومنه قوله تعالى {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (¬1). الخامس عشر: أرض الحجر، ومنه قوله تعالى: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} (¬2). السادس عشر: أرض فارس، ومنه قوله تعالى: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} (¬3)، وقيل: أراد بهذه الأرض النساء. السابع عشر: القلب: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (¬4) يعنى منفعة مواعظ القرآن في قلوب الخلْق. ¬

_ (¬1) البقرة: 60. (¬2) الأعراف: 73. (¬3) الأحزاب: 27. (¬4) الرعد: 17.

الدلائل العقدية للآية الكونية - حركة الأرض-

الدلائل العقدية للآية الكونية - حركة الأرض-: عظم الله من شأن الأرض في كتابه ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكر في خلقها، ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب. وقرن خلقها مع خلق السماوات في عدة آيات من القرآن. وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام، وأنه خلق السماوات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض (¬1)، "وعظمة خالقها، وسعة سلطانه، وعميم إحسانه، وإحاطة علمه، بالظواهر والبواطن" (¬2)، وأنه وحده الأحد الفرد الصمد، وأنه لم يخلق الخلق سدى. قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} (¬5)، وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} (¬6)، وقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬7)، وقال تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬8). قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآية الكونية: "وإذا نظرت إلى الأرض وكيف خلقت رأيتها من أعظم آيات فاطرها وبديعها" ... ثم ذكر بعض أنواع الخلق فيها، وأن الله -عز وجل- خلقها"فراشا ومهادا، وذللها لعباده، وجعل ¬

_ (¬1) ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، ط1: 17. (¬2) تفسير السعدي: 809. (¬3) الذاريات: 20. (¬4) الذاريات: 48. (¬5) غافر: 64. (¬6) البقرة: 22. (¬7) الغاشية: 17 - 20. (¬8) الجاثية: 3.

ثبات الأرض

فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتادا تحفظها لئلا تميد بهم" ... ثم قال -رحمه الله-: " ولولا أن هذا من أعظم آياته لما نبه عليه عباده وهداهم إلى التفكير فيه" (¬1). ولما كان القرآن كثيراً ما يقرن بين السماوات والأرض كان الاستدلال بالأرض على المسائل العقدية- في مواضع كثيرة - هو نفس الاستدلال بالسماوات، وسأشير إلى ذلك - إن شاء الله تعالى-. ثبات الأرض: أخبر الله -عز وجل- أنه خلق الأرض ومدها وأرساها بجبال راسيات شامخات ترسو بها، أي تثبت (¬2)، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬3). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬4)،"ولو كانت تجري وتدور على الشمس ... لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة" (¬5). وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 308 - 309 باختصار، وانظر: التحرير والتنوير: 27/ 19، 30/ 303. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 9/ 280، 10/ 13، 90، وتفسير البغوي: 2/ 509، وتفسير ابن كثير: 4/ 431، 563، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 2/ 360. (¬3) الرعد: 3. (¬4) فاطر: 41. (¬5) الصواعق الشديدة: 23.

الْعَالَمِينَ (¬1)، وقال تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا} (¬2) أي: "قارة ساكنة ثابتة، لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك" (¬3). وقد نقل أكثر من واحد الإجماع على وقوف الأرض وسكونها (¬4)، بل نُقل إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك (¬5). وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها، وزلزلة الأرض على نوعين: زلزلة عامة وهي التي تكون يوم القيامة، وزلزلة خاصة وهي التي تكون في نواحي الأرض (¬6). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت» (¬7). وفي حديث صفوان بن عسال المرادي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذكر بابا من قِبل المغرب مسيرة عرضه، أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما، قال سفيان: قِبل الشام، خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا - يعني للتوبة - لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» (¬8). "وهذا الحديث الصحيح من أقوى الأدلة على أن الأرض ساكنة لا تدور ولا تفارق موضعها أبداً. وهذا مستفاد من النص على أن باب التوبة ثابت في ناحية المغرب لا يزايله ولا ¬

_ (¬1) غافر: 64. (¬2) النمل: 61. (¬3) تفسير ابن كثير: 6/ 203. (¬4) انظر: الفرق بين الفرق: 290. (¬5) تفسير القرطبي: 9/ 280. وانظر: الصواعق الشديدة: 53، وذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق: 347. (¬6) انظر: تفسير التحرير والتنوير: 17/ 187، وتتمة أضواء البيان للشيخ عطية سالم: 9/ 430. (¬7) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب 115: 533 برقم (3369)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني، انظر: ضعيف سنن الترمذي: 440 برقم (668). (¬8) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده: 556 برقم (3535)، وقال: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني، انظر: صحيح الترمذي: 3/ 173 برقم (2801).

يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (¬1)، ولو كانت متحركة لكانت وجهة ذلك الباب تختلف بحسب دوران الأرض فتكون من ناحية المغرب تارة ومن ناحية المشرق تارة ... (¬2). والله"لم يقرن الأرض في القرآن كله من أوله إلى آخره في حال ذكرها مقرونة مع غيرها لم يذكرها مقرونة إلاّ مع السماوات، وأما الشمس فلم يذكرها مقرونة إلاّ مع القمر والنجوم الأخرى، وهذا له دلالة على أن الثابت يُذكر مقروناً مع الثابت، والمتحرك يُذكر مقروناً مع المتحرك، بل حتى لو جاء ذكر تلك الأجرام مقرونة فإن الله تعالى يذكر أولاً السماوات والأرض بعدها، ثم يذكر الشمس والقمر والنجوم بعد ذلك، فلم يأت قط في القرآن أن الشمس ذُكرت مقرونة مع السماوات في آية، أو أن الشمس تُذكر بعد السماوات في حال ذكر الأجرام الكونية معها، ثم تُذكر الأرض مع القمر والنجوم، وهذا يدل على أن الثوابت تذكر مع بعضها وهي السماوات والأرض، وأن المتحركة تذكر مع بعضها وهي الشمس والقمر والنجوم وهذه الحقيقة واضحة لكل من تدبر آيات القرآن" (¬3). وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: عن دوران الأرض؟ ودوران الشمس حول الأرض؟ وما توجيهكم لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا وفيها أن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول الشمس؟ فأجاب فضيلته بقوله: "خلاصة رأينا حول دوران الأرض أنه من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة، وذلك لأن قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (¬4) ليس بصريح في دورانها، وإن كان بعض الناس قد استدل بها عليه محتجاً بأن قوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يدل على أن للأرض حركة، لولا هذه الرواسي لاضطربت بمن عليها. وقوله: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ¬

_ (¬1) الصواعق الشديدة: 33. (¬2) انظر: المصدر السابق: 33. (¬3) جريان الشمس وسكون الأرض لخالد بن صالح الغيص، http: //islamtoday.net/nawafeth/artshow-40 - 142726.htm (¬4) النحل: 15.

الْأَرْضَ قَرَارًا (¬1). ليس بصريح في انتفاء دورانها، لأنها إذا كانت محفوظة من الميدان في دورانها بما ألقى الله فيها من الرواسي صارت قراراً وإن كانت تدور. أما رأينا حول دوران الشمس على الأرض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، حتى يقوم دليل قطعي يكون لنا حجة بصرف ظاهر الكتاب والسنة إليه - وأنى ذلك - فالواجب على المؤمن أن يستمسك بظاهر القرآن الكريم والسنة في هذه الأمور وغيرها " (¬2). وهذه المسألة تكمن أهميتها في أنها تتعلق بإيماننا وتصديقنا بالقرآن الكريم الذي سنسأل عنه يوم القيامة كما قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (¬3). فإن من أولى صفات المؤمنين المذكورة في القرآن هي أنهم يؤمنون بالغيب كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬4)، ودين الله لم يأت ليوافق ما درج وسار عليه الناس في أقوالهم وعاداتهم وعلومهم بل جاء ليبين الحق ولو خالف ما عليه الناس من باطل، كما جاء في صفة نبينا -صلى الله عليه وسلم- عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن نبينا: «قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة» (¬5). ¬

_ (¬1) غافر: 64. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 1/ 70. (¬3) الزخرف: 43 - 44. (¬4) البقرة: 3 - 4. (¬5) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: 22 برقم (7).

أولا: وجود الله

أولاً: وجود الله: سبق في الفصل الخامس - مبحث السماء (¬1) - الاستدلال بالآية الكونية - السماء- على وجود الله، وذلك أن خلقها ووجودها بعد العدم، وتسخيرها دليل قاطع على وجود الله -عز وجل-؛ لافتقار المخلوق إلى الخالق، واحتياج المحدَث إلى المحدِث (¬2)، وأن العناية بها، والإتقان فيها يدل على وجود خالقها وكمال ذاته وصفاته، وكذلك يقال في خلق الأرض والاستدلال به على وجود الله -عز وجل- كما قيل في السماء، قال تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬3). وقال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (¬4). ثانياً: توحيد الربوبية: سبق في الفصل الخامس - مبحث السماء (¬5) - بيان الاستدلال بالآية الكونية السماء على ربوبية الله، وأن النظر في ملكوت السماوات والتأمل في خلقها يدل على ربوبية الله ووحدانيته -عز وجل-، في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه (¬6)، وكذلك يقال في الآية الكونية - الأرض- كما قيل في السماء، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ¬

_ (¬1) ص: 183. (¬2) انظر: مجموع الفتاوى: 16/ 445، والأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد: 209 - 226. (¬3) العنكبوت: 44. (¬4) إبراهيم: 10. (¬5) ص: 185. (¬6) انظر: تفسير الطبري: 7/ 283، 286، وتفسير ابن كثير: 3/ 290.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (¬1). وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬2). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (¬3)، وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬4). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - التنزيه: سبق في الفصل الخامس - مبحث السماء (¬5) - أن السماء والأرض تسبح الله وتقدسه، وتنزهه عما وصفه المشركون، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬6). وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} (¬7). ¬

_ (¬1) الأنعام: 75. (¬2) البقرة: 107 (¬3) ص: 65 - 66. (¬4) لقمان: 25. (¬5) ص: 188. (¬6) الإسراء: 44. (¬7) مريم: 90 - 91.

2 - صفة الكلام لله -عز وجل-

2 - صفة الكلام لله -عز وجل-: سبق في الفصل الخامس - مبحث السماء - (¬1) أن من الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة لإثبات صفة الكلام لله -عز وجل- والرد على من زعم أن المتكلم لا بد أن يكون له لسان وجوف وشفتان، أن الله -عز وجل- أخبر أن السماء تكلمت، في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬2)، فكذلك يستدل بتكلم الأرض على إثبات صفة الكلام لله -عز وجل- ويرد على من زعم أن المتكلم لا بد أن يكون له لسان وجوف وشفتان (¬3). رابعاً: توحيد الألوهية: الله -تعالى- يذكر ويعدد من دلائل إنفراده بالتصرف والخلق - في الأرض وغيرها - مما هو مشاهد وأضح الدلالة على المشركين لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة (¬4). قال تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5). أي"أعبادة ما تشركون أيها الناس بربكم خير وهو لا يضر ولا ينفع، أم الذي جعل الأرض لكم قرارا تستقرون عليها لا تميد بكم {وَجَعَلَ لكم {خِلَالَهَا أَنْهَارًا يقول: بينها أنهارا {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وهي ثوابت الجبال، {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا بين العذب والملح، أن يفسد أحدهما صاحبه {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ سواه فعل هذه الأشياء ¬

_ (¬1) ص: 195. (¬2) فصلت: 11. (¬3) انظر: درء تعارض العقل والنقل: 2/ 393، 4/ 159. (¬4) التحرير والتنوير: 24/ 189، 17/ 57 وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 396. (¬5) النمل: 61.

خامسا: الإيمان باليوم الآخر

فأشركتموه في عبادتكم إياه؟ وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره: بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قدر عظمة الله، وما عليهم من الضر في إشراكهم في عبادة الله غيره، وما لهم من النفع في إفرادهم الله بالألوهة، وإخلاصهم له العبادة، وبراءتهم من كل معبود سواه"} (¬1). خامساً: الإيمان باليوم الآخر: استدل الله -عز وجل- على البعث وإعادة الأجساد بقدرته على خلق السماوات والأرض، فقال تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (¬2). فلو تدبروا هذه الحجة وتأملوها لبأن لهم وظهر أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على البعث وإعادة الأجساد، وأن من أنكر ذلك فإنه مستكبر معناد للحق (¬3)، قال ابن كثير -رحمه الله-: " أي إن في النظر إلى خلق السماء والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجّاع إلى الله، على قدرة الله على بعث الأجساد ووقوع المعاد؛ لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها، إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام" (¬4). ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 19/ 484. (¬2) سبأ: 9. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 152، وتفسير ابن سعدي: 750. (¬4) تفسير ابن كثير: 6/ 496.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الأرض-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الأرض-: أولاً: التكفير لمن قال بدوران الأرض: من المخالفات المتعلقة بهذه الآية الكونية الإقدام على تكفير من قال بدوران الأرض،"بغير حجة يعتمد عليها, من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- , ولا شك أن هذا من الجرأة على الله وعلى دينه, ومن القول عليه بغير علم, وهو خلاف طريقة أهل العلم والإيمان من السلف الصالح -رضي الله عنهم- وجعلنا من أتباعهم بإحسان, وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» (¬1)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه" (¬2)، أي رجع عليه ما قال» (¬3). وقد أنكر الشيخ عبد العزيز بن باز (¬4) -رحمه الله- تكفير من قال بدوران الأرض، فقال: "أما دورانها فقد أنكرته وبينت الأدلة على بطلانه ولكني لم أكفر من قال به" (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر: 1/ 79 برقم (60). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم: 1/ 79 برقم (61). (¬3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع: محمد الشويعر، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3: 9/ 256، وانظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 2/ 125. (¬4) هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، من أئمة أهل السنة في هذا العصر، له من المؤلفات: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، والعقيدة الصحيحة، ونقد القومية العربية، وغيرها، توفي عام 1420. انظر: مقدمة فتاوى اللجنة الدائمة: 1/ 30، وعالم فقدته الأمة لممحمد بن سعد الشويعر، ط1. (¬5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز: 9/ 228.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - لو كان الله ينام لم تستمسك السماء والأرض: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي عن موسى -عليه السلام- على المنبر قال: «وقع في نفس موسى -عليه السلام-: هل ينام الله -عز وجل-؟ فأرسل الله إليه ملكا، فأرقه ثلاثا، وأعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، حتى نام نومه، فاصطفقت يداه فتكسرت القارورتان. قال: ضرب الله له مثلاً إن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض» (¬1). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 242.

المبحث الثاني الجبال

المبحث الثاني الجبال

الجبل في اللغة

الجبل في اللغة: الجيم والباء واللام أصل يطرد ويقاس، وهو تجمع الشيء في ارتفاع. والجبل معروف، وهو اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال، والجمع أَجْبُل وأَجْبال وجِبال، وأَجْبَل القومُ صاروا إِلى الجَبَل وتَجَبَّلوا دَخَلوا في الجَبَل (¬1). وفي الاصطلاح: الجبل جزء من تضاريس الأرض، يعلو كل ما يجاوره. والجبال عامة أكبر من التلال. وللجبال جوانب ومنحدرات شديدة وقمم وأجرف حادة، أو مستديرة قليلاً. وكثير من علماء الأرض يعتبرون المنطقة المرتفعة من الأرض جبلاً إذا احتوت على نطاقين مناخيين أو أكثر، ونطاقين من الحياة النباتية أو أكثر، على ارتفاعات مختلفة. وفي معظم أرجاء العالم فإن ارتفاع جبل ما يجب ألا يقل عن 600م عمَّا حوله ليحتوي على نطاقين مناخيين. وعادة يعبر عن ارتفاع الجبل بالمسافة التي ترتفعها قمته فوق مستوى سطح البحر (¬2). وقد ورد لفظ الجبل في القرآن في (6) مواضع، وبلفظ الجمع في (33) موضعاً (¬3). وورد الجبل والجبال في السنة في (42) حديثاً (¬4). وذكر بعض المفسرين أن الجبل في القرآن على عشرين وجها (¬5): الأول: جبال الموج للسلامة في حق نوح -عليه السلام-، والهلكة في حق المشركين من قومه: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 1/ 502، لسان العرب: 1/ 537. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 8/ 201. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 207 - 208. (¬4) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 2. (¬5) انظر: بصائر ذوي التمييز: 2/ 362. (¬6) هود: 42

الثاني: جبال ثمود للمهارة والحذاقة: {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} (¬1)، وفي موضع: {فَارِهِينَ} (¬2). الثالث: محل موسى -عليه السلام- حال الرؤية: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} (¬3). الرابع: جبل إبراهيم -عليه السلام- لإظهار القدرة والإحياء بعد الإماتة: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} (¬4). الخامس: جبل بنى إسرائيل لقبول الأمر والشريعة: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} (¬5). السادس: الجبل المذكور لتأثير المكر والحيلة من القرون الماضية: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (¬6). السابع: جبل النحل لتحصيل العسل للشفاء والراحة: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} (¬7). الثامن: المذكور للكنّ والكفاية: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} (¬8). التاسع: المذكور لقهر المتكبرين عن الرعونة والتكبر: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (¬9). العاشر: تزعزع الجبال بيانا لصعوبة حال القيامة: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} (¬10)، ¬

_ (¬1) الحجر: 82 (¬2) الشعراء: 149. (¬3) الأعراف: 143 (¬4) البقرة: 260 (¬5) الأعراف: 171 (¬6) إبراهيم: 46 (¬7) النحل: 68 (¬8) النحل: 81 (¬9) الإسراء: 37 (¬10) الكهف: 47

{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} (¬1)، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} (¬2). الحادي عشر: المذكور للمتكبرين والمدعين لإظهار السياسة: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} (¬3). الثاني عشر: السؤال عن حال الجبال وبيان صعوبتها: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} (¬4). الثالث عشر: المذكور بالتسبيح موافقة لداود -عليه السلام-: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} (¬5)، {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ} (¬6)، {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (¬7). الرابع عشر: المذكور للانقياد وموافقته للشجر والنجوم إظهارا للخدمة (¬8): {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ} (¬9). الخامس عشر: جبال البرد والمطر: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} (¬10). السادس عشر: الإخبار عن حال الجبال في القيامة لبيان الحيرة والدهشة: {وَتَرَى ¬

_ (¬1) الطور: 10 (¬2) التكوير: 3 (¬3) مريم: 90 (¬4) طه: 105 (¬5) ص: 18 (¬6) الأنبياء: 79 (¬7) سبأ: 10 (¬8) انظر: مبحث عبودية الكائنات: 65، وفيه بيان سجود وتسبيح هذه الكائنات سجودا وتسبيحاً حقيقياً، الله أعلم بكيفيته. (¬9) الحج: 18 (¬10) النور: 43

الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ (¬1). السابع عشر: المذكور لعرض الأمانة: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} (¬2). الثامن عشر: المذكورة في سورة الواقعة والحاقة والقارعة لتأثير صعوبة القيامة: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} (¬3)، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} (¬4)، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (¬5). التاسع عشر: المذكور لتثبيت الأرض وتسكينها: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (¬6). العشرون: لبيان برهان الموحدين: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (¬7). ¬

_ (¬1) النمل: 88 (¬2) الأحزاب: 72 (¬3) الواقعة: 5 (¬4) الحاقة: 14 (¬5) القارعة: 5 (¬6) النازعات: 32 (¬7) الغاشية: 19

الدلائل العقدية للآية الكونية - الجبال-

الدلائل العقدية للآية الكونية - الجبال-: الجبال من آيات الله العظيمة التي أمر الله -عز وجل- بالتفكر فيها (¬1)، قال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬2). وهي من دلائل وحدانية الله -عز وجل- ومما يقر به المشركون، وقد سأل ضمام -رضي الله عنه- قبل إسلامه النبي -صلى الله عليه وسلم- واستحلفه"بالذي نصب الجبال" (¬3) على صدق رسالته، وأن الله أمره بالدعوة إلى التوحيد. قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآية الكونية: " فصل، ثم تأمل الحكمة العجيبة في الجبال الذي يحسبها الجاهل الغافل فضلة في الارض لا حاجة اليها وفيها من المنافع ما لا يحصيه الا خالقها وناصبها، وفي حديث إسلام ضمام بن ثعلبة قوله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «بالذي نصب الجبال وأودع فيها المنافع آلله امرك بكذا وكذا؟ قال: اللهم نعم» ... ثم ذكر جملة من المنافع، ثم قال: " ولقد دعانا الله سبحانه في كتابه إلى النظر فيها وفي كيفية خلقها فقال: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬4)، فخلْقُها ومنافعها من أكبر الشواهد على قدره باريها وفاطرها وعلمه وحكمته ووحدانيته، هذا مع أنها تسبح بحمده وتخشع له، وتسجد وتشقق وتهبط من خشيته، وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها من الأمانة إذ عرضها عليها وأشفقت من حملها ... ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 20/ 34، والتحرير والتنوير: 30/ 304. (¬2) الغاشية: 17 - 20. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام: 1/ 41 برقم (12)، وحديث إسلام ضمام بن ثعلبة في صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما جاء في العلم: 36 برقم (63) (¬4) الغاشية: 17 - 20.

أولا: توحيد الأسماء والصفات

فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته" (¬1). أولاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - التنزيه: سبق في الفصل الخامس - مبحث السماء (¬2) - أن السماء والأرض تسبح الله وتقدسه، وتنزهه عما وصفه المشركون، وكذلك الجبال فإنها تكاد أن تسقط من دعوة المشركين لله الولد تنزيها وتعظيما لله تعالى، قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} (¬3). 2 - صفة التجلي ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى: قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4). في هذه الآية إثبات صفة التجلي لله -عز وجل-، فإن الله تجلى للجبل فجعله دكاً ولم يطق الثبات (¬5). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 336 باختصار. (¬2) ص: 188. (¬3) مريم: 90 - 91. (¬4) الأعراف: 143. (¬5) انظر: التمهيد: 7/ 153، مفتاح دار السعادة: 2/ 214، وتفسير السعدي: 302، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 2/ 40.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر، قال أحمد: أراناه معاذ، قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال فضرب صدره ضربة شديدة. وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول أنت ما تريد إليه"} (¬1). قال الإمام أحمد -رحمه الله-: " وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وهو الذي كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكاً، ولا يماثله شيءٌ من الأشياء في شيءٍ من صفاته، فليس كعلمه علم أحد، ولا كقدرته قدرة أحد، ولا كرحمته رحمة أحد، ولا كاستوائه استواء أحد، ولا كسمعه وبصره سمع أحد ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحد، ولا كتجلِّيه تجلِّي أحد" (¬2). وفي الآية أيضاً دليل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم؛ لأن الله رتب الرؤية في هذه الآية على ثبوت الجبل، فقال - لموسى -عليه السلام- في بيان سبب عدم إجابته للرؤية - {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} (¬3) إذا تجلى الله له {فَسَوْفَ تَرَانِي} (¬4). فالله -عز وجل- لم ينسب موسى -عليه السلام- إلى الجهل بسؤال الرؤية، ولم يقل إني لا أرى، بل علق الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل على التجلي غير مستحيل إذا جعل الله تعالى له تلك القوة، والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالا. وهذا من أدلة رؤية المؤمنين لربهم، ولكنهم لا يرونه في الدنيا، وإنما يرونه في الآخرة، كما ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: 19/ 281 برقم (12260)، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمه فمن رجال مسلم. (¬2) مجموع الفتاوى: 5/ 257. (¬3) الأعراف: 143 (¬4) الأعراف: 143

ثانيا: توحيد الألوهية

وردت بذلك الآيات والأحاديث الصحيحة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (¬1)، وقال تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (¬2)، فإنه يفهم من مفهوم مخالفته أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه جل وعلا (¬3). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه -عز وجل- حتى يموت» (¬4). ثانياً: توحيد الألوهية: سبق في المبحث السابق - الأرض (¬5) - أن الله -تعالى- يذكر ويعدد من دلائل إنفراده بالتصرف والخلق - في الأرض وغيرها - مما هو مشاهد وأضح الدلالة على المشركين لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة (¬6)، وذكر منها الجبال التي جعلها الله رواسي، قال تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬7). وفي دعوة الله للمشركين لإفراده بالعبادة ذكر الله -عز وجل- جملة من النعم، ومنها الجبال التي جعل منها الحصون والمعاقل، فقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ وعلل ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ ¬

_ (¬1) القيامة: 22 (¬2) المطففين: 15 (¬3) انظر: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة لأبي عبدالله عبيد الله بن محمد بن بطة، تحقيق: الوليد بن سيف نصر، دار الراية، الرياض، ط1: 3/ 59، وكتاب التوحيد لابن خزيمة: 1/ 354. (¬4) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد: 4/ 2244 برقم (169). (¬5) ص: 399. (¬6) التحرير والتنوير: 24/ 189، 17/ 57، وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 396. (¬7) النمل: 61.

الخشوع

تُسْلِمُونَ (¬1)،"أي حتى تؤمنوا بالله وحده، وتتركوا الشرك وعبادة الأوثان، فتدخلوا جنة ربكم" (¬2). ومن دلائل توحيد الله -عز وجل- التفكر في خلق السماوات والأرض وما فيها، ومن ذلك نصب الجبال، فإن فيها خلق بديع، وقد سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها (¬3)، قال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (¬4). الخشوع: أخبر الله -عز وجل- أن من صفات عباده المؤمنين الخشوع، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬5)، وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (¬6). وبين الله -عز وجل- أن الجبال لو أنزل عليها القرآن لخشعت وتصدعت من خشية الله، فكذلك ينبغي أن يكون قلب المؤمن خاشعا عند سماعه للقرآن ومواعظه (¬7)، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ¬

_ (¬1) النحل: 81. (¬2) التحرير والتنوير: 17/ 227. (¬3) تفسير السعدي: 922. (¬4) الغاشية: 17 - 20. (¬5) المؤمنون: 1 - 2. (¬6) الأنبياء: 90. (¬7) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 78، وتفسير السعدي: 853.

ثالثا: الإيمان بالملائكة

نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). ثالثاً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بأعمالهم التي وكلهم الله بها، ومن ذلك الملك الموكل بالجبال وهو ملك الجبال، وقد ورد ذكره في حديث خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل الطائف في بداية البعثة ودعوته إياهم وعدم استجابتهم له، وفيه يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال. فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (¬2). رابعاً: الإيمان بالكتب: أخبر الله -عز وجل- أن القرآن الذي أنزله على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مهيمنا على جميع الكتب، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (¬3)، كما أخبر تعالى عن فضل القرآن على غيره من الكتب، وأنه لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره (¬4)، وذلك"لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا ¬

_ (¬1) الحشر: 21. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى المشركين والمنافقين: 3/ 1420 برقم (1795). (¬3) المائدة: 48. (¬4) انظر: تفسير السعدي: 418، والتحرير والتنوير: 13/ 143.

خامسا: الإيمان بالرسل

بمثله، ولا بسورة من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جاحدون له" (¬1). قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} (¬2). خامساً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بالآيات التي أيد الله بها رسله، ومن تلك الآيات: الآية التي أظهرها الله -عز وجل- لقوم موسى -عليه السلام- لأخذ العهد عليهم للعمل بالتوراة، فكان رفع الطور (¬3)، قال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬4). ومن الآيات التي أيد الله بها رسله تسخير الجبال مع نبي الله داود -عليه السلام-: " وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه الله من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه" (¬5). قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (¬6)، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 4/ 460، وانظر: تفسير الطبري: 16/ 449. (¬2) الرعد: 31. (¬3) انظر: سنن النسائي الكبرى، كتاب التفسير، سورة طه: 10/ 172 برقم (11263)، وتفسير الطبري: 9/ 130. (¬4) الأعراف: 171. (¬5) تفسير السعدي: 528، وانظر: تفسير ابن كثير: 6/ 497، والتحرير والتنوير: 17/ 119. (¬6) الأنبياء: 79.

سادسا: الإيمان باليوم الآخر

يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (¬1). ومن دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه ضرب جبل أحد برجله لما رجف به، وقال له: اسكن فسكن، عن أنس -رضي الله عنه- قال: صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل، فقال: "اسكن، وضربه برجله فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان" (¬2). ومن دلائل نبوة الأنبياء الكرامات التي يجريها الله على -عز وجل- على يدي أتباع الرسل، إجابة لدعوتهم ونصرة لهم، ومن ذلك قصة الغلام مع الملك الذي أرداد أن يقتله إن لم يرجع عن دينه، فأبى الغلام، فأمر الملك" نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك" (¬3). سادساً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبرت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد بين الله -عز وجل- من الأدلة على ذلك وعلى صدق ما جاءت به الرسل أنه سبحانه جعل الجبال أوتادا للأرض تمسكها عن الأضطراب، وأن القادر على ذلك قادرٌ على البعث والجزاء، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا إلى قوله {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (¬4). فالذي أنعم"بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف تكفرون ¬

_ (¬1) ص: 17 - 18. (¬2) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي -رضي الله عنه-: 706 برقم (3697)، وانظر: دلائل النبوة للبيهقي: 6/ 350، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: 6/ 455. (¬3) صحيح مسلم: كتاب الزهد والرقاق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام: 4/ 2299 برقم (3005) وانظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 130، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 8/ 484. (¬4) النبأ: 6 - 17

سابعا: الإيمان بالقدر

به وتكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟ " (¬1). وفي معرض الأدلة الواضحة التي استدل الله بها على منكري البعث ذكر الله -عز وجل- أنه ثبت الأرض بالجبال الرواسي (¬2)، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (¬3). سابعاً: الإيمان بالقدر: من الإيمان بالقدر الإيمان بعلم الله وخلقه ومشيئته، وقد نبه الله -عز وجل- على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، قال تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (¬4)، فخلق الجبال مختلفة الألوان، كما هو مشاهد من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق - وهي الجدد جمع جدة- مختلفة الألوان. وفيها غرابيب سود، أي شديدة السواد جدا؛ ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته. وفي"تفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم. وذلك أيضا، دليل على سعة علم الله تعالى" (¬5). ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 906. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 316، وتفسير السعدي: 909. (¬3) النازعات: 27 - 33 (¬4) فاطر: 27 (¬5) تفسير السعدي: 688.

ثامنا: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال

ثامناً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ضرب الأمثال: ضرب الله -عز وجل- مثالاً للقاسية قلوبهم - الذين نسوا الله- وانتفاء تأثرهم بقوارع القرآن بالجبل الجامد الذي لو أنزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية الله، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). أي"لو كان المخاطب بالقرآن جبلا، لتأثر بخطاب القرآن تأثرا ناشئا من خشية لله خشية تؤثرها فيه معاني القرآن" (¬2). وفي قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (¬3)، قيل: أن الجبال"ضُربت مثلاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وثبوت دينه كثبوت الجبال الراسية والمعنى: لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال، لما زال أمر الإسلام" (¬4). وفي بيان عناية الله تعالى بصدقة عبده إذا قبلها منه أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -عز وجل- يربيها حتى تكون مثل الجبل، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيبٍ ولا يقبل اللَّه إلا الطيب، فإن اللَّه يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل» (¬5). ¬

_ (¬1) الحشر: 21. (¬2) التحرير والتنوير: 28/ 116، وانظر: تفسير القرطبي: 18/ 44. (¬3) إبراهيم: 46. (¬4) زاد المسير في علم التفسير: 4/ 374، وانظر: تفسير البغوي: 2/ 569. (¬5) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وقوله جل ذكره: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: 1415 برقم (7430) وانظر: فتح الباري: 13/ 415، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان: 1/ 384.

تاسعا: مسائل الأسماء والأحكام

تاسعاً: مسائل الأسماء والأحكام: من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون بكل ذنب، وأن من أرتكب كبيرة من الكبائر فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (¬1). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أناس من المسلمين يأتون يوم القيامة بذنوب كالجبال فيغفرها لهم، عن أبي بردة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يجيء الناس يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى (¬2)» (¬3). ¬

_ (¬1) النساء: 48. (¬2) معناه: أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين، ولا بدمن هذا التأويل لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وقوله ويضعها المراد: يضع عليهم مثلها بذنوبهم، كما ذكرناه؛ لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا فى معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الاثم الباقى وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنوها فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها. والله أعلم. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي: 17/ 185. } (¬3) صحيح مسلم، كتابة التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله: 4/ 2119 برقم (2726)،.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الجبال-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الجبال-: أولاً: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الجبال - التحريف لمعنى محبة الجبل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جبل أحد بقوله: «هذا جبل يحبنا ونحبه» (¬1). فقيل المراد بذلك: يحبنا أهله، وقيل: نحن نحبه ونستبشر برؤيته، فلو كان هو ممن يعقل لأحبنا على سبيل مطابقة الكلام ومجانسة الألفاظ، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: أن محبتنا له محبة من يعتقد أنه يحبنا، وقيل: أن تكون المحبة هنا عبارة عن الانتفاع بمن يحبنا في الحماية والنصرة (¬2). والصحيح أن"محبته حقيقية كما يسبح كل شيء حقيقة؛ ولكن لا يفهم ذلك الناس وغير نكير أن يصنع الله محبة رسوله في الجماد وفيما لا يعقل كعقل الآدميين، كما وضع الله خشيته في الحجارة فأخبر في محكم كتابه بأن منها ما يهبط من خشية الله ... ومثل هذا كثير قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (¬3) " (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه: 2/ 1011 برقم (1392). (¬2) انظر هذه الأقوال في: الأسماء والصفات للبيهقي: 2/ 281، وإكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم: 4/ 485، والاستذكار: 25/ 34. (¬3) الإسراء: 44 (¬4) الاستذكار 25/ 35، وانظر: شرح النووي على مسلم: 9/ 140، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 8/ 10.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكة: حراء، وثَبِير، وثور» (¬1). ¬

_ (¬1) وهو حديث موضوع: قال أبو حاتم بن حبان الحافظ: هذا حديث موضوع ولا أصل له. انظر الموضوعات لابن الجوزي: 1/ 173، وقال ابن كثير: "هذا حديث غريب، بل منكر". انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 401.

المبحث الثالث الزلازل والخسوف والبراكين

المبحث الثالث الزلازل والخسوف والبراكين

الزلزال في اللغة

الزلزال في اللغة: الزاء واللام أصل مطرد منقاس في المضاعف، وكذلك في كل زاء بعدها لام في الثلاثي. وهذا من عجيب هذا الأصل. تقول: زلَّ عن مكانه زَليلاً وزَلاًّ. وتزلزَلت الأرضُ: اضطربت، وزُلْزِلَتْ زِلْزَالاً. والزَّلْزَلة والزَّلْزال تحريك الشيء، وقد زَلْزَله زَلْزَلةً وزِلْزالاً، والاسم الزَّلْزال وزَلْزَلَ اللهُ الأَرْضَ زَلْزَلَةً وزِلْزالاً بالكسر فَتَزَلْزَلَتْ هي. والزَّلْزَلة التخويف والتحذير ومنه قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (¬1) أَي خوفوا وحذروا، والزلازل الشدائد والأهوال، والزَّلزلة في الأصل الحركة العظيمة والإزعاج الشديد ومنه زَلْزَلة الأرض (¬2). وفي الاصطلاح: الزلزال هو: اهتزاز الأرض بسبب انكسار وزحزحة مفاجئة لقطاعات عريضة من قشرة الأرض الصخرية الخارجية. وهو من أعظم الأحداث ذات القوة الهائلة التي تُصيب الأرض ولها نتائج مرعبة (¬3). الخسف في اللغة: الخاء والسين والفاء أصل واحد يدل على غموض وغؤور، وإليه يرجع فروع الباب. فالخسْف والخسَف غموض ظاهر الأرض. قال الله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} (¬4). والخسف سُؤُوخُ الأَرض بما عليها. خَسَفَتْ تَخْسِفُ خَسْفاً وخُسوفاً وانْخَسَفَتْ، وخَسَفَها الله، وخَسَف الله به الأَرضَ خَسْفاً أَي غابَ به فيها. وخَسَفَ المكانُ يَخْسِفُ خُسوفاً: ذهَب ¬

_ (¬1) البقرة: 214. (¬2) انظر: معجم مقاييس اللغة: 3/ 2، لسان العرب: 3/ 1856. (¬3) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 11/ 591. (¬4) القصص: 81

وفي الاصطلاح

في الأَرض وخَسَفَه الله تعالى، وخُسِفَ بالرجل وبالقوم إذا أَخذته الأرض ودخل فيها والخَسْفُ إلْحاقُ الأَرض الأُولى بالثانية (¬1). وفي الاصطلاح: انقلاب بعض ظاهر الأرض إلى باطنها، وعكسه. يقال: خسفت الأرض وخسف الله الأرض فانخسفت، فهو يستعمل قاصرا ومتعديا، وإنما يكون الخسف بقوة الزلزال (¬2). البركان في الاصطلاح: هو فتحة في سطح الأرض، تتفجر وتثور من خلالها الحمم، والغازات الحارة، والشظايا الصخرية. وتتشكل هذه الفتحة عند اندفاع الصخر المنصهر من باطن الأرض، متفجرًا على سطح الأرض. وتكون معظم البراكين على هيئة جبال، وبخاصة الجبال المخروطية الشكل التي تكونت حول الفتحة نتيجة تجمع وتراكم الحمم ومواد أخرى قُذِفت إلى سطح الأرض أثناء الثوران البركاني (¬3). وقد وردت الزلزلة في القرآن في (6) مواضع، والخسف في (8) مواضع، أما البركان فلم يرد في القرآن (¬4). ووردت الزلازل في السنة في (23) حديثاً (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 2/ 180، ولسان العرب: 2/ 1157. (¬2) التحرير والتنوير: 20/ 185. (¬3) الموسوعة العربية العالمية: 4/ 342. (¬4) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 295، 421. (¬5) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 8.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الزلازل والخسوف والبراكين-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الزلازل والخسوف والبراكين-: الزلازل والخسوف والبراكين من آيات الله الدالة على عظمته وقدرته، وتصرفه سبحانه وتعالى في هذا الكون، ونفوذ مشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن. وفيها تذكير الله لعباده بقوته، وتعريفهم بعجزهم وضعفهم، وأنهم مهما بلغ تقدمهم المادي، ومعرفتهم بوقت هذه الزلازل فإنهم لا يقدرون ردها، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فالله -عز وجل- هو المهيمن على كل شيء، فلا راد لما قضاء. وهي جند من جنود الله التي يسخرها الله عقابا للمذنبين، وابتلاء للصالحين، وعبرة للناجين، وظهور هذه الزلازل والخسوف والبراكين وعيد من الله لأهل الأرض، قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (¬1)، وقال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} (¬3). قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً أثر هذه الآيات الكونية على حياة الناس: " فصل، ثم تأمل خلق الارض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة لتكون مهادا ومستقرا للحيوان والنبات والأمتعة، ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوهم، والتمكن من أعمالهم، ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قرارا ولا هدوا، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنّون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة مكثها كيف تصيرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (¬4)، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ¬

_ (¬1) الإسراء: 59. (¬2) يونس: 101 (¬3) الإسراء: 60 (¬4) النحل: 15.

أولا: توحيد الربوبية

الْأَرْضَ قَرَارًا} (¬1) " (¬2). أولاً: توحيد الربوبية: الزلازل والخسوف والبراكين من أعظم الدلائل على عظمة الله تعالى، ففيها بيان قدرة الله وعظيم تصرفه وملكه وتدبيره لهذا الكون، وأن القادر عل هذه الأمور كلها هو الله سبحانه، وأن المخلوقات مع ما وصلت إليه من الإمكانات والطاقات والقدرات، وما اخترعوه من أجهزة الأرصاد التي يعرفون من خلالها أي حدث يحدث من زلازل وغيرها عاجزة عن أن تفعل أي شيئاً. فحدوث هذه الآيات الكونية فجاءة يحبط إدعاءتهم وما قدروه (¬3)، قال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} (¬5)، وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (¬6)، وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (¬7) ¬

_ (¬1) غافر: 64. (¬2) مفتاح دار السعادة لابن القيم، طبعة رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض: 1/ 217. (¬3) انظر: التحرير والتنوير: 20/ 251، والإعجاز العلمي في القرآن لسامي الموصلي: 69. (¬4) النحل: 45 (¬5) الإسراء: 68 (¬6) الملك: 16 (¬7) النمل: 65.

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات: 1 - صفة الرحمة: أخبر الله تعالى عن حلمه وإمهاله وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض، فقال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1)، فهم لا يُعجزون الله على أي حال كانوا عليه. فبين سبب عدم الخسف بهم وهو أنه سبحانه وتعالى رؤوف رحيم، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة (¬2). وهذه الزلازل والخسوف والبراكين لو حدثت فهي رحمة للمؤمنين، فإن ما يصيبهم في الدنيا يحصل لهم به تكفير السيئات، قال -صلى الله عليه وسلم-: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (¬3). وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوّلهم وآخرهم»، قالت: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأوّلهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأوّلهم وآخرهم، ثمّ يبعثون على نيّاتهم» (¬4). "فبعث كل واحد منهم على حسب أعماله من خير وشر، فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا فسيئة، فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق، فالصالح ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته، فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب والعقاب، بل ¬

_ (¬1) النحل: 45 - 47. (¬2) تفسير ابن كثير: 6/ 496. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير: 4/ 2295 برقم (2999). (¬4) صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق: 399 برقم (2118).

2 - العدل

يجازى كل واحد بعمله على حسب نيته" (¬1). 2 - العدل: إن الله -عز وجل- حكم عدل لا يظلم الناس شيئا، وإذا أصاب الناس زلزال أو خسف أو غيرهما فإن ذلك بسب ذنوبهم وعصيانهم، قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (¬2). ولما ذكر الله -عز وجل- عقوبة قارون، وفرعون، وهامان، بعد أن بعث الله إليهم موسى -عليه السلام-، بالآيات البينات، والبراهين الساطعات، بين أن سبب تلك العقوبة ? والتي منها الخسف - هو ظلمهم، وأن الله لم يظلمهم، فلم"يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم -الذين أهلكهم- بذنوب غيرهم، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق، بل إنما أهلكهم بذنوبهم، وكفرهم بربهم، وجحودهم نعمه عليهم، مع تتابع إحسانه عليهم" (¬3). قال تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬4). فالله -عز وجل- " ما ينبغي ولا يليق به تعالى أن يظلمهم لكمال عدله، وغناه التام عن جميع الخلق" (¬5). ثالثاً: توحيد الألوهية: ¬

_ (¬1) فيض القدير بشرح الجامع الصغير: 2/ 201. (¬2) الكهف: 49. (¬3) تفسير ابن كثير: 2/ 38. (¬4) العنكبوت: 39 - 40. (¬5) تفسير السعدي: 631

في دعوة المشركين إلى إفراد الله بالعبادة والدعاء، يخوفهم الله -عز وجل- بعقابه ويذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته، وأنه هو النافع الضار، المتصرف في خلقه بما يشاء، ومن جملة ما يذكره الله -عز وجل- هذه الآيات الكونية - الزلازل والخسوف- (¬1)، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (¬2)، وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} (¬3). فذكرهم الله تعالى بشواهد الربوبية والإنعام، وأنه على كل شيء قدير، إن شاء أنزل عليهم العذاب من أسفل منهم بالخسف، وبأنه تعالى قادر على تعذيب من كفر بالله وأشرك معه إلها آخر (¬4)، ليتدبروا فيتركوا العناد، ويفردوه بالعبادة. وعند وجود الشدائد والخوف - ومن ذلك الزلازل- يلجأ الإنسان إلى ربه ومعبوده، ويتعوذ به من جميع الشرور، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر فأقبل الليل قال: «يا أرض ربى وربك الله، أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، ومن شر ما يدب عليك، وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد» (¬5). فقوله: "من شرك"،"أي من شر ما حصل من ذاتك من الخسف والزلزلة والسقوط عن ¬

_ (¬1) التحرير والتنوير: 22/ 153. (¬2) سبأ: 9. (¬3) الإسراء: 67 - 68 (¬4) انظر: المرجع السابق: 29/ 32. (¬5) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب ما يقول الرجل إذا نزل المنزل: 294، برقم (2603)، ومسند الإمام أحمد: 10/ 300 برقم (6161)، وقال محققه: إسناده ضعيف. وانظر: سنن أبي داود: 255.

رابعا: الإيمان بالرسل

الطريق والتحير في الفيافي" (¬1). رابعاً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بجميع ما أخبروا به مما وقع، ومما سيقع، ومن ذلك الزلازل والخسوف التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي من دلائل نبوته (¬2). ومن الآيات النبوية التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- كثرة الزلازل في آخر الزمان، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض» (¬3). وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا يا رسول الله: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا يا رسول الله: وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان» (¬4). قيل المراد بالزلازل: " على ظاهره جمع زلزلة وهي اضطراب الأرض" (¬5). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور» (¬6). ¬

_ (¬1) عون المعبود: 7/ 263. (¬2) لمعرفة الزلازل التي وقعت على الأمة الإسلامية انظر: كتاب المدهش لابن الجوزي، ت: فتحي الجندي، دار الكوثر، الرياض، ط 1: 100، وكتاب كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة للسيوطي، ت: عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة، ط1: 64، وزلازل جزيرة العرب في المصادر الإسلامية (منذ القرن الأول حتى القرن الحادي عشر الهجري/القرن السابع حتى القرن السابع عشر الميلادي) لخالد يونس الخالدي، مجلة الجامعة الإسلامية- سلسلة الدراسات الإنسانية-المجلد السابع عشر، العدد الأول: 359 - 370. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات: 205 برقم (1036). (¬4) صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات: 205 برقم (1037). (¬5) فتح الباري: 1/ 128. (¬6) سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب علامة المسخ والخسف: 367 برقم (2213). وصححه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة: 4/ 392 برقم (1787).

خامسا: الإيمان باليوم الآخر

خامساً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبرت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من أحوال القبر وعذابه ونعميه، ومن أن الأرض تأكل أجساد الأموات إلا الأنبياء (¬1)، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق وفيه يركب» (¬2). وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجّل جُمتَه، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» (¬3)،"ومقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل" (¬4). سادساً: الإيمان بالقدر: من الإيمان بالقدر الإيمان بعلم الله وخلقه ومشيئته وكتابته لكل شيء، فهذا الكون يجري بتقدير الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (¬5)، ومن الأمثلة على ذلك الزلازل والخسوف التي يحدثها الله تعالى، فإنها تقع بمشيئة الله، ولا يستطيع أحد ردها، مهما وضع الخلق من أجهزة والآت لرصدها؛ فإنها تقع بإذن الله، بل يفجؤون بها، وتقلب عليهم بيوتهم وجسورهم ونحو ذلك دون ¬

_ (¬1) انظر: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: 367، وشرح العقيدة الطحاوية: 401. (¬2) صحيح مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين: 4/ 2270 برقم (2955). (¬3) صحيح البخاري: كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء: 1132 برقم (5789). (¬4) فتح الباري: 10/ 261. (¬5) الحديد: 22.

أن يشعروا بقرب وقوعه. "فما من شيء يحدث في الأرض ولا في السماء , في البر أو البحر أو الجو إلا في كتاب، وهذا يجعل الإنسان المؤمن يسلم ويرضى بالقضاء والقدر, فما من مصيبة كالزلازل والخسوف والبراكين وغير ذلك إلا وقد كتبها الله سبحانه وتعالى من قبل خلق الإنسان, وهذا يدل على أن الإيمان بالقضاء والقدر يقتضي الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى قدر هذه الأشياء قبل أن توجد" (¬1). ومن كمال"قدرة الله تعالى أنه أعطى بعض الحيوانات، التي ليس لها عقول تفكر، ولا علم ولا حضارة، أعطاها غريزة الاحساس بقرب وقوع الزلزال، ولذلك فهي تسارع بمغادرة المكان أو يحدث لها هياج، إن كانت محبوسة في الأقفاص أو حظائر مغلقة، وذلك ليلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى أن العلم يأتي منه سبحانه وتعالى ولا يحصل عليه الانسان بقدرته، فيعطي سبحانه من لا قدرة له على الفكر والكشف العلمي ما لا يعطيه لذلك الذي ميزه بالعقل والعلم. لماذا؟ لنعلم أن كل شيء من الله فلا نعبد قدراتنا، ولا نقول: انتهى عصر الدين والايمان وبدأ عصر العلم، بل نلتفت الى أن الله يعطي لمن هم دوننا في الخلق علما لا نصل نحن اليه، فنعرف أن كل شيء بقدرته وحده سبحانه وتعالى" (¬2). ¬

_ (¬1) تيسير لمعة الاعتقاد لعبد الرحمن بن صالح المحمود، دار الوطن، الرياض، ط1: 232، بتصرف يسير. (¬2) الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى، لمحمد متولي الشعراوي، أشرف واعتنى به: أحمد الزغبي: 14.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الزلازل والخسوف والبراكين-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الزلازل والخسوف والبراكين-: أولاً: اعتقاد أن للبراكين آلهة غير الله تعالى: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - البراكين - اعتقاد أن لها آلة غير الله تعالى، ويعود لفظ بركان إلى Valcan إله النار عند الرومان القدماء، ويعتقدون أن ما ينتج عنها من دمار وخراب هو من غضب الإله (¬1). ثانياً: نسبة حدوث هذه الآيات الكونية - الزلازل والخسوف والبراكين- إلى الطبيعة أو بعض الخرافات: فبعظهم ينسب حدوث هذه الآيات الكونية إلى وجود دواب خيالية تشبه الحيوانات التي يراها ولكنها أكثر منها ضخامة تقوم بحمل الأرض، ونتيجة لحركة هذه الدواب تهتز الأرض محدثة الزلازل، ومن تلك الأساطير المعروفة أسطورة الثور الذى يحمل الأرض على أحد قرنيه، فإذا ما أجهده حمله الثقيل نقلها إلى القرن الثاني، وهو ما ينجم عنه اهتزاز كوكب الأرض (¬2). أو تنسب هذه الآيات الكونية إلى غير خالقها سبحانه كأن ينسب ما يحدث من زلازل وبراكين وفيضانات إلى الطبيعة (¬3). ومنهم من يفسر الزلازل والخسوف والبراكين تفسيرا ماديا بحتًا، فيقولون أن سبب هذا الزلزال ضعف في القشرة الأرضية، ووجود اختلالات وفجوات في داخلها، أو أن هذا شيء يحصل في الكرة الأرضية كل مائتي عام. ¬

_ (¬1) انظر: الموسوعة الكونية الكبرى: 13/ 187، الله لعباس محمود العقاد: 76. (¬2) انظر: الموسوعة الكونية الكبرى: 13/ 179. (¬3) انظر: الإسلام يتحدى: 81.

والجواب عن هذا أن نقول نحن لا ننكر وجود مثل هذه الأسباب (¬1)، ولكننا يجب أن نعلم أن وراء هذه الأسباب المادية أسباباً شرعية هي التي سببت هذا الخلل في القشرة الأرضية أو غيره من الأسباب، ثم حصلت تلك الكوارث والمصائب، فهذه الأسباب المادية التي يذكرونها -إن صحت- لا تعدو أن تكون وسيلة لما تقتضيه الأسباب الشرعية من المصائب والعقوبات العامة. يقول الله تعالى بعد أن ذكر مصارع الأمم السالفة: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬2). وهذه"الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث لها أسباب وحكم فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك. وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض. وأما قول بعض الناس إن الثور يحرك رأسه فيحرك الأرض فهذا جهل، وإن نقل عن بعض الناس، وبطلانه ظاهر، فإنه لو كان كذلك لكانت الأرض كلها تزلزل، وليس الأمر كذلك، والله أعلم" (¬3). ثم إن وجود هذه الأسباب التي خلقها الله تعالى، التي متى وجدت وجد الزلازل هذا لا يمنع أبداً من تغير هذه السنة، ووقوعها في مناطق صلبة. والله -عز وجل- لم يخلق الأشياء ولم يقدرها إلا لحكمة، وحصر الحكمة والعلة في الظواهر الطبيعة، من تغير في سير الأرض، ومواقع الجزر والقارات: تحكم بغير دليل. ولما حدث الخسف بقارون فعلاً لم يكن السبب أن القشرة الأرضية كانت لينة وهينة بل ¬

_ (¬1) انظر: فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ: 3/ 106 ومجلة البحوث العدد 77: 45. (¬2) العنكبوت: 40. (¬3) مجموع الفتاوى: 24/ 264، وانظر: كشف الصلصلة في وصف الزلزلة: 25.

السبب أنه عصى الله ورسوله، قال الله عنه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} (¬1). وعندما أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل الذي خسف به لم يقل: إن السبب في الخسف هزة أرضية بل خسف به بسبب تكبره وتجبره، قال -صلى الله عليه وسلم-: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» (¬2). وقال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} (¬3). فقوله: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أي الرجفة والخسف} (¬4)، فلا تنسب الحوادث للطبيعة ولا نشتم الطبيعة لأنها غير فاعلة، وإنما الفاعل هو الله، وهو الذي يجعلها سببا لعذابه أو بلائه أو رحمته. والقول عن هذه الآيات بأنه أمر طبيعي يبطل انتقام الله لأوليائه، قال سبحانه وتعالى عن قوم صالح -عليه السلام-: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (¬5). وقال تعالى عن قوم شعيب -عليه السلام-: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (¬6). ¬

_ (¬1) القصص: 81. (¬2) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (54): 671 برقم (3485). (¬3) الأنعام: 65. (¬4) تفسير القرطبي: 7/ 9. (¬5) الأعراف: 77 - 78. (¬6) العنكبوت: 37.

المبحث الرابع البحار والأنهار

المبحث الرابع البحار والأنهار

البحر في اللغة

البحر في اللغة: سمِّي البَحر بحراً لاستبحارِه، وهو انبساطُه، وسَعَتُه، وعمقه، ويقال إِنما سمي البَحْر بَحْراً لأَنه شَقَّ في الأَرض شقّاً وجعل ذلك الشق لمائه قراراً، والبَحْرُ في كلام العرب الشَّقُّ. والبَحْرُ الماءُ الكثيرُ مِلْحاً كان أَو عَذْباً وهو خلاف البَرِّ، وقد غلب على المِلْح حتى قَلّ في العَذْبِ، وجمعه أَبْحُرٌ وبُحُورٌ وبِحارٌ، وماءٌ بَحْرٌ مِلْحٌ قَلَّ أَو كثر. والأنهار كلها بحار، وكل نهر لا ينقطع ماؤه من الأَنهار العذبة الكبار فهو بَحْرٌ، وأَما البحر الكبير الذي هو مغيض هذه الأَنهار فلا يكون ماؤُه إِلاَّ ملحاً أُجاجاً ولا يكون ماؤه إِلاَّ راكداً، وأَما هذه الأَنهار العذبة فماؤُها جار وسميت هذه الأَنهار بحاراً لأَنها مشقوقة في الأَرض شقّاً (¬1). وفي الاصطلاح: المحيط: جسم مائي عظيم يغطي أكثر من 70% من سطح الأرض. ويحتوي على 97% من جميع المياه الموجودة على الأرض. ويشتمل كل محيط على أجسام مائية أصغر حجمًا تسمى بحارا وخلجانًا وشبه خلجان، تقع على امتداد حواف المحيطات. وعمومًا تعني كلمة البحر أيضًا المحيط (¬2). النهر في اللغة: النون والهاء والراء أصل صحيح يدلّ على تفتُّح شيءٍ أو فتحِه. وسمِّي النّهرُ لأنَّه يَنْهَر الأرض أي يشقُّها. وجمع النَّهر أنهارٌ ونُهُر ونهور. واستَنْهَرَ النّهرُ: أخَذَ مَجراه. وأنْهَر الماءُ: جرى (¬3). والنَّهَر من مجاري المياه. ونَهَرَ الماءُ، إِذا جرى في الأَرض، وجعل لنفسه نَهَراً، ونَهَرْتُ ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 1/ 201، لسان العرب: 1/ 215. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 22/ 279، 4/ 193. (¬3) معجم مقاييس اللغة: 5/ 362.

وفي الاصطلاح

النَّهْرَ حَفَرْتُه، ونَهَرَ النَّهْرَ يَنْهَرُهُ نَهْراً أَجراه (¬1). وفي الاصطلاح: مسطح مائي ينساب على اليابسة في مجرى طويل. وتبدأ معظم الأنهار من أعالي الجبال أو التلال، وقد يكون منبع النهر مثلجة، أو نهرًا جليديًا ينصهر، أو ينبوعًا، أو بحيرة تفيض مياهها. ويتلقى النهر أثناء جريانه في مجراه المزيد من المياه من الجداول، والأنهار الأخرى، ومياه الأمطار، ويقع مصب النهر في نهايته، حيث تصب مياهه في نهر أكبر، أو في بحيرة، أو في أحد المحيطات (¬2). وقد ورد لفظ البحر في القرآن في (33) موضعاً، وبلفظ التثنية في (5) مواضع، وبلفظ الجمع في (3) مواضع (¬3). وورد لفظ النهر في القرآن في (3) مواضع، وبلفظ الجمع في (51) مواضع (¬4). أما في السنة فقد وردت البحار في (59) حديثاً (¬5). وذكر بعض المفسرين أن البحر في القرآن ورد على أنحاء (¬6): الأول: بمعنى ضد البر: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} (¬7)، {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} (¬8). الثاني: بمعنى بحر فارس والروم: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 362، ولسان العرب: 6/ 4566. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 25/ 539. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 145. (¬4) انظر: المرجع السابق: 890. (¬5) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 2. (¬6) انظر: بصائر ذوي التمييز: 2/ 225. (¬7) الدخان: 24. (¬8) يونس: 90.

وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (¬1). الثالث: بمعنى البحر الذي تحت العرش المجيد، وفيه عجائب لا يعلمها إلا الله: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬2). الرابع: بمعنى الأرياف والقرى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (¬3) أي فى البوادى والحواضر. أما النهر فورد على أنحاء كذلك (¬4): الأول: نهر الأردن بالشام، في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} (¬5). الثاني: معناه العيون. قال تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} (¬6). الثالث: بساتين الدنيا وأنهارها، قال تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (¬7). الرابع: تجرى تحت غرفها وعلاليها الأنهار، قال تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (¬8). والله أعلم. ¬

_ (¬1) فاطر: 12. (¬2) الطور: 4 - 6. (¬3) الروم: 41. (¬4) انظر: بصائر ذوي التمييز: 2/ 129. (¬5) البقرة: 249. (¬6) محمد: 15. (¬7) نوح: 12. (¬8) البينة: 8.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - البحار والأنهار-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - البحار والأنهار-: تعددت الآيات الكريمة التي يذكر الله فيها تسخير البحر، وأن ذلك دليل على قدرته سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬3). قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآية الكونية: " فصل ومن آياته وعجائب مصنوعاته البحار المكتنفة لأقطار الأرض التي هي خلجان من البحر المحيط الأعظم بجميع الارض، حتى أن المكشوف من الارض والجبال والمدن بالنسبة الى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وبقية الأرض مغمورة بالماء، ولولا إمساك الرب تبارك وتعالى له بقدرته ومشيئته وحبسه الماء لطفح على الأرض وعلاها كلها، هذا طبع الماء، ولهذا حار عقلاء الطبيعيين في سبب بروز هذا الجزء من الأرض مع اقتضاء طبيعة الماء للعلو عليه وأن يغمره، ولم يجدوا ما يحيلون عليه ذلك إلا الاعتراف بالعناية الأزلية والحكمة الإلهية التي اقتضت ذلك ليعيش الحيوان الأرضي في الأرض، وهذا حق، ولكنه يوجب الاعتراف بقدرة الله وإرادته ومشيئته وعلمه وحكمته وصفات كماله، ولا محيص عنه" ... ثم ذكر جملة من عجائب البرح، وقال: "وإذا تأملت عجائب البحر وما فيه من ¬

_ (¬1) الجاثية: 12. (¬2) النحل: 14. (¬3) الحج: 65.

أولا: توحيد الربوبية

الحيوانات على اختلاف اجناسها وأشكالها ومقاديرها ومنافعها ومضارها وألوانها" .... ثم قال: "فما أعظمها من آية، وأبينها من دلالة، ولهذا يكرر سبحانه ذكرها في كتابه كثيراً، وبالجملة فعجائب البحر وآياته أعظم وأكثر من أن يحصيها إلا الله سبحانه، قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (¬1) " (¬2). أولاً: توحيد الربوبية: لما بين الله تعالى جهل المعرضين عن أدلة التوحيد ومناقشتهم وفساد تفكيرهم في ذلك، ذكر أدلة دالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة من الآيات الكونية التي يدركها ويشاهدها عيانا كل مخلوق، ومنها: البحار المالحة والعذبة، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} (¬3) فالله وحده هو "الذي جعل البحرين المتضادين متجاورين متلاصقين لا يمتزجان، هذا ماء زلال عذب شديد العذوبة، وهذا مالح شديد الملوحة، ولكن لا يختلط أحدهما بالآخر، قال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (¬4)، وقال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5) " (¬6). وفي سورة النمل لما ذكر الله تعالى قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، ثم رد على ¬

_ (¬1) الحاقة: 12 - 13. (¬2) مفتاح دار السعادة: 1/ 204 - 205. (¬3) الفرقان: 53. (¬4) الرحمن: 19 - 21. (¬5) النمل: 61. (¬6) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة بن مصطفى الزحيلي، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط2: 19/ 84، وانظر: التحرير والتنوير: 19/ 53.

المشركين ببيان الأدلة المختلفة على وحدانيته وتفرده بالخلق، وقدرته، وإخلاص العبادة له، قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1)، فذكر منها مما يتعلق بالأرض وأنه جعل {خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجعل {بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا، ثم قال: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أي: أيوجد إله مع الله فعل هذا وأبدع هذه الكائنات؟! بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون الحق فيتبعونه، ولا يعرفون قدر عظمة الإله المستحق للعبادة. وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (¬2) دليل على ربوبية الله تعالى، فإن خلق البحر على هذه الصفة العظيمة ميسرا للانتفاع بالأسفار فيه حين لا تغني طرق البر في التنقل عنه، فجعله قابلا لحمل المراكب العظيمة منها، أن يكون آية للناس على وجود الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته (¬3). وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ ¬

_ (¬1) النمل: 59 - 61. (¬2) لقمان: 31. (¬3) التحرير والتنوير: 21/ 190.

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات

تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (¬1). فهذه المخلوقات العظيمة، وما فيها من العبر دالة على كماله سبحانه وتعالى وإحسانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ أي: الذي انفرد بخلقها وتسخيرها، وهو وحده المتصرف فيها، وهو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله، وأن الذي يدعى من غير الله الله لا يملكون شيئاً"} (¬2). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ملك الله -عز وجل- لا ينقص منه شيء ولو أعطى كل إنسان مسألته إلا كما ينقص البحر إذا أدخل فيه المخيط، وهذا من باب التوضيح والتقريب وإلا فملك الله أعظم من ذلك، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الله -عز وجل- قال: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر» (¬3). ثانياً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - العلم: قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬4). ¬

_ (¬1) فاطر: 12 - 14. (¬2) انظر: تفسير السعدي: 686. (¬3) صحيح مسلم، باب تحريم الظلم، كتاب البر والصلة والآداب: 4/ 1994برقم (2577). (¬4) الأنعام: 59.

2 - صفة الكلام

هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلم الله المحيط" وأنه شامل للغيوب كلها، ومن ذلك ما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها. فهذه الآية دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث" (¬1). وفي بيان سعة علم الله قال الخضر لموسى -عليهما السلام-: «والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر» (¬2)،"فلو جمع علم الخلائق من الأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، لكان بالنسبة إلى علم العظيم، أقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر، فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته، ذلك بأن الله له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة، وأن إلى ربك المنتهى" (¬3). 2 - صفة الكلام: قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬4)، فأخبر الله -عز وجل- عن عظمته وسعة صفاته وأن العباد لا يحيطون بشيء منها، ومن تلك الصفات كلام الله، الذي لو كان البحر مدداً لها، وأشجار الدنيا من أولها إلى آخرها، من أشجار البلدان والبراري، والبحار، أقلام، لنفد البحر، وتكسرت الأقلام، قبل أن تنفد كلمات ربي، وهذا شيء عظيم، لا يحيط به أحد. وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 259 باختصار. (¬2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا: 91، برقم (4726). } (¬3) تفسير السعدي: 488، 650. (¬4) لقمان: 27.

ثالثا: توحيد الألوهية

وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬1). "وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان، لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات، منقضية منتهية، وأما كلام الله، فإنه من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ولا لها حد ولا منتهى، فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب فالله فوق ذلك" (¬2). ثالثاً: توحيد الألوهية: سبق في المبحث السابق - الأرض (¬3) - أن الله -تعالى- يذكر ويعدد من دلائل إنفراده بالتصرف والخلق - في الأرض وغيرها - مما هو مشاهد وأضح الدلالة على المشركين لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة (¬4)، وذكر منها الأنهار التي جعلها في الأرض (¬5)، قال تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (¬6). ولما ذكر الله -عز وجل- أنه الإله الواحد المعبود بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (¬7) ذكر الحجة على ذلك التي تبين التوحيد، وكان من جملة ما ذكر الله تعالى تسخير البحر لتجري فيه الفلك (¬8)، فقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ ¬

_ (¬1) الكهف: 109. (¬2) تفسير ابن سعدي: 488. (¬3) ص: 393. (¬4) التحرير والتنوير: 24/ 189، 17/ 57، وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 396. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 203. (¬6) النمل: 61. (¬7) البقرة: 163. (¬8) تفسير القرطبي: 2/ 192، والتحرير والتنوير: 2/ 76.

مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬1). وقد أمر الله -عز وجل- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للمشركين ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، على ما أنكروا من توحيد الإلهية: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (¬2). ثم كان الجواب: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ "فأي برهان أوضح من هذا على بطلان الشرك، وصحة التوحيد؟ "} (¬3). وقد استدل الله بما على الأرض من بحار وأنهار وما في صفاتها من دلالة زائدة على دلالة وجود أعيانها، بتفرده سبحانه وتعالى بالإلهية فقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬4)،"فصيغ هذا الاستدلال على أسلوب بديع إذ اقتصر فيه على التنبيه على الحكمة الربانية في المخلوقات وهي ناموس تمايزها بخصائص مختلفة واتحاد أنواعها في خصائص متماثلة استدلالاً على دقيق صنع الله تعالى، ويتضمن ذلك الاستدلال بخلق البحرين أنفسهما لأن ذكر اختلاف مذاقهما يستلزم تذكر تكوينهما. فالتقدير: وخلق البحرين العذب والأجاج على صورة واحدة وخالف بين أعراضهما، ففي الكلام إيجاز حذف، وإنما قدم من هذا الكلام تفاوت البحرين في المذاق واقتصر عليه؛ ¬

_ (¬1) البقرة: 164. (¬2) الأنعام: 63. (¬3) تفسير السعدي ص: 260، 361، وانظر: التحرير والتنوير: 7/ 392، 11/ 135. (¬4) فاطر: 12.

1 - القسم

لأنه المقصود من الاستدلال بأفانين الدلائل على دقيق صنع الله تعالى" (¬1) الذي يستلزم إفراد الله بالعبادة لأن القادر على ذلك هو الله وحده. 1 - القسم: يقسم الله بمخلوقاته مما هو من آياته الدالة على ربوبيته ووحدانيته (¬2)، ويقسم بها على أن القيامة واقعة، ومن ذلك القسم بالبحر، قال تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (¬3). فالله سبحانه وتعالى يقسم بهذه الخلائق العظيمة على أمر عظيم، وهو وقوع العذاب على الكافرين (¬4). "ومناسبة القسم به -أي البحر- أنه به أهلك فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون (¬5). رابعاً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بالآيات التي أيد الله بها رسله، ومن تلك الآيات الآية التي أظهرها الله -عز وجل- لموسى -عليه السلام- وقومه حينما أمره بضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كالطود العظيم فنجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه (¬6)، قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ ¬

_ (¬1) التحرير والتنوير: 22/ 279. (¬2) انظر: مفتاح دار السعادة: 1/ 314، وإمعان في أقسام القرآن: 9/ 41. (¬3) الطور: 1 - 7. (¬4) انظر: زاد المسير 8/ 47. (¬5) التحرير والتنوير: 27/ 39. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 145، وتفسير السعدي: 592، والتحرير والتنوير: 1/ 494.

أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (¬1)، وقال تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (¬2). وقد كان المشركون يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- - على سبيل التحدي والتعجيز- بعض الآيات والتي منها تفجير الأنهار وأنهم لن يؤمنوا حتى يفعل ذلك (¬3)، قال الله تعالى مخبراً عن حالهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (¬4). ومن دلائل نبوة الأنبياء الكرامات التي يجريها الله -عز وجل- لأتباع الرسل، إجابة لدعوتهم ونصرة لهم (¬5). وقد شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجوع فقال: «عسى الله أن يطعمكم»، فأتينا سيف البحر، فزخر (¬6) البحر زخرة، فألقى دابة، فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا ¬

_ (¬1) الشعراء: 61 - 68. (¬2) البقرة: 50. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 120، 6/ 95، وتفسير السعدي: 578. (¬4) الإسراء: 90 - 93. (¬5) شرح النووي على مسلم: 18/ 147 (¬6) أي: علا موجه، شرح النووي على مسلم: 18/ 147.

خامسا: الإيمان باليوم الآخر

وأكلنا حتى شبعنا" (¬1). خامساً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبرت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد أقسم الله -عز وجل- بالبعث والجزاء بالآيات العظيمة التي منها البحر المسجور (¬2). قال تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (¬3). فهذه"الأشياء التي أقسم الله بها، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده، وبراهين قدرته، وبعثه الأموات، ولهذا قال: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ أي: لا بد أن يقع، ولا يخلف الله وعده وقيله"} (¬4). وأخبر الله -عز وجل- أن في الجنة أنهاراً، فقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (¬5). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ما في الدنيا من أنهار الجنة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر: 4/ 2308 برقم (3014). (¬2) المسجور: أي المملوء، وقيل: الموقد، انظر: تفسير القرطبي: 17/ 61. (¬3) الطور: 1 - 7. (¬4) تفسير السعدي: 813. (¬5) محمد: 15.

سادسا الإيمان بالقدر

الله -صلى الله عليه وسلم-: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة» (¬1). وفي الحديث: عن مالك بن صعصعة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر، فإذا ورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل؟ فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات» (¬2). ففي الأرض أربعة أنهار أصلهما من الجنة (¬3)،"وهذا لا يمنعه عقل ولا شرع وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه" (¬4). وفي بيان شدة حر جهنم أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، وأنها ضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك لما انتفع بها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد» (¬5). سادساً الإيمان بالقدر: سبق في المبحث السابق - الجبال (¬6) - أن من الإيمان بالقدر الإيمان بعلم الله وخلقه ومشيئته، وأن الله -عز وجل- نبه على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، وفي هذه الآيات الكونية -البحار والأنهار- يقول تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة: 4/ 2183 برقم (2839). (¬2) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة: 616 برقم (3207). (¬3) فتح الباري- 7/ 213. (¬4) شرح النووي على مسلم 1/ 295. (¬5) مسند أحمد 12/ 280، برقم (732)، قال المحقق: وهو صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن كثير: إسناده صحيح. انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 189. (¬6) ص: 410.

سابعا: مسائل على الإيمان

وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1). وهذا التفاوت دليل عقلي على مشيئة الله تعالى التي خصصت ما خصصت منها بطعمه، فهذا عذاب فرات وهذا ملح أجاج، وقدرة الله وحكمته ورحمته، وسعة علمه (¬2). سابعاً: مسائل على الإيمان: تكفير السيئات: في بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- تكفير الأعمال الصالحة -ومنها التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح- للسيئات أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الخطايا تُكفّر وإن كانت مثل زبد البحر (¬3)، وهذا كناية عن المبالغة في الكثرة (¬4). عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (¬5). وعنه -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (¬6). ¬

_ (¬1) فاطر: 12. (¬2) انظر: تفسير السعدي: 688، التحرير والتنوير: 22/ 279. (¬3) وهو ما يعلو على وجه البحر. فيض القدير: 6/ 147. (¬4) فتح الباري: 11/ 206، 2/ 12، فيض القدير 6/ 190. (¬5) صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب فضل التهليل: 1229، برقم (6405). (¬6) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفة: 1/ 418 برقم (597).

ثامنا: الجن

ثامناً: الجن: الجن وصفاتهم من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عرش إبليس على البحر (¬1). عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة» (¬2) تاسعاً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ضرب الأمثال: من منهج وطريقة أهل السنة في الاستدلال ضرب الأمثال للتوضيح والتقريب، ومن ذلك مما يتعلق بهذه الآيات الكونية -البحار والأنهار- قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} (¬3). وهذا مثل ضربه الله"في حق الكفر والإيمان أو الكافر والمؤمن، فالإيمان لا يشتبه بالكفر في الحسن والنفع كما لا يشبه البحر العذب والملح الأُجاج، ومن كل أي ومن كل واحد منهما تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية" (¬4). وقال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري: 6/ 341. (¬2) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا: 4/ 2167 برقم (2813). (¬3) فاطر: 12. (¬4) انظر: تفسير الرازي: 26/ 10، والكشاف: 3/ 614.

سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (¬1). وهذا مثل ضربه الله للكافر وبطلان عمله بالبحر اللجي، وهو البعيد القعر الكثير الماء، يغشاه بعلوه موج، وهو ما ارتفع من الماء، من فوقه موج متراكم بعضه على بعض، من فوق الموج سحاب، وهذه كلها ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمة السحاب، وظلمة الموج، وظلمة البحر (¬2) "وهذا التمثيل من قبيل تشبيه حالة معقولة بحالة محسوسة كما يقال شاهدت سواد الكفر في وجه فلان" (¬3) ¬

_ (¬1) النور: 40. (¬2) انظر: تفسير القرطبي 12/ 283، وتفسير السعدي: 569. (¬3) التحرير والتنوير 18/ 255.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - البحار والأنهار-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - البحار والأنهار-: أولاً: تخصيص البحر ببعض الأدعية المبتدعة: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - البحار والأنهار - تخصيص أدعية خاصة بالبحر، ومنها دعاء البحر، والذي فيه: "وسخر لنا هذا البحر، وكل بحر هو لك في الأرض والسماء والملك والملكوت وبحر الدنيا وبحر الآخرة ... كما سخرت البحر لموسى - عليه السلام-" (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " هذا كلام لا يقوله من يتصور ما يقول فإن الإنسان إذا كان راكبا بحرا من البحار فما يصنع حينئذ بتسخير البحار البعيدة؟! ... وأيضا فقول القائل: سخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى كلام باطل، فإن الله فرق البحر لموسى حتى مشى على الأرض لم يركب البحر، وهذا الداعي ليس مطلوبه أن يفرقه له، ولو طلب ذلك لم يفرقه الله له، فلا يجوز طلب تسخير كتسخير موسى، وإن قال: أردت به أصل التسخير لا صفته فقوله سخر لنا هذا البحر كاف، فلا حاجة إلى التشبيه، مع أن فرق البحر لموسى لا يسمى تسخيرا بل هو أعظم من التسخير. وإن أراد به خرق العادة كما خرقت العادة لموسى وإبراهيم وداود وسليمان كان هذا جهلا فإن ركوب البحر والسلامة فيه ليس فيه خرق عادة. والكلام المعروف في مثل هذا أن يقال: يا من فرق البحر لموسى، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم، وسخر الريح والجن لسليمان سخر لنا هذا البحر؛ لأن هذا وصف لله بكمال القدرة العظيمة التي فعل بها هذه الأمور الخارقة للعادة، فيقال: يا من فعل هذا افعل بنا هذا. وأما أن يقال: سخر لنا هذا كما سخرت هذا فلم يعرف عن المتقدمين مثل هذا ¬

_ (¬1) انظر: حزب البحر - ضمن كتاب درة الأسرار وتحفة الأبرار للحميري: 75، ومواقع الفرقة الشاذلية على الانترنت ... http: //www.shazly.com/awrad.php?page=bahr.htm http: //www.shazellia.com/viewpage.php?page_id=7

الكلام بل هو من الكلام المنكر الذي لا يقوله من يتصور ما يقول" (¬1). ¬

_ (¬1) الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: علي العمران، دار عالم الفوائد، مكة، ط1: 36 - 45، باختصار.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - حديث استأذن البحر أن يغرق أهلها. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من ليلة إلا والبحر يشرف ثلاث مرات، يستأذن الله أن ينفضخ عليهم، فيكفه الله -عز وجل-» (¬1). 2 - حديث كلام الله للبحر. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن الله تعالى كلم البحر، فقال للبحر الذي بالشام: يا بحر إنما قد خلقتك فأكثرت فيك من الماء حامل فيك عبادا يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ويكبروني ويمجدوني فما أنت صانع بهم؟ قال: أغرقهم، قال الله: إني أحملهم على ظهرك، وأجعل بأسك في نواحيك. ثم قال للبحر الذي باليمين: مثل ذلك، فما أنت صانع بهم؟ قال: أسبحك وأحمدك وأهلك وأكبرك معهم، فأحملهم في بطني وبين أضلاعي، قال الله: أفضلك على البحر الآخر بالحلية والطيب» (¬2). 3 - البحر هو جهنم. عن يعلى بن أمية -رضي الله عنه-، عن أبيه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البحر هو جهنم»، قالوا ليعلى، فقال: ألا ترون أن الله -عز وجل- يقول: {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (¬3) قال: «لا، والذي نفس يعلى بيده، لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله -عز وجل-، ولا يصيبني منها قطرة ¬

_ (¬1) مسند أحمد: 1/ 395 برقم (303) وقال محققه: إسناده ضعيف لجهالة الشيخ الذي روى عنه العوام بن حوشب، وأبو صالح مولى عمر مجهول أيضاً. وانظر: العلل المتناهية: 1/ 41، وتفسير ابن كثير: 7/ 430. (¬2) حديث موضوع، انظر: العلل المتناهية: 1/ 37 - 40، والسلسلة الضعيفة: 13/ 1067. (¬3) الكهف: 29.

3 - إن تحت البحر نار، وتحت النار بحر.

حتى ألقى الله -عز وجل-» (¬1). 3 - إن تحت البحر نار، وتحت النار بحر. (*) عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا» (¬2). 4 - تولي الله -عز وجل- قبض أرواح شهداء البحر: عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر. والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر. وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله. وإن الله -عز وجل- وكل ملك الموت بقبض الأرواح. إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم. ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين. ولشهيد البحر الذنوب والدين» (¬3). ¬

_ (¬1) مسند أحمد: 29/ 478، برقم (796)، وقال محققه: "إسناده ضعيف، محمد بن حيي مجهول، وعبد الله بن أمية لم يرو عنه غير أبي عاصم، ووثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة 1/ 234،"رواه الحاكم في الأهوال من هذا الوجه، بلفظ إن البحر، وقال: إنه صحيح الإسناد، وقد قدمت الرواية الصحيحة، أن جهنم تحت الأرض السابعة". انتهى. وانظر: السلسلة الضعيفة: 3/ 92 برقم (1023). (¬2) سنن أبى داود، كتاب الجهاد، باب في ركوب البحر في الغزو: 283 برقم (2489)، وقال: "رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح"، ورواه البزار من حديث نافع، عن ابن عمر مرفوعا، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. انظر: التلخيص الحبير: 2/ 424 برقم (852)، والسلسلة الضعيفة: 1/ 281 برقم (478). (¬3) سنن ابن ماجه: 2/ 928، كتاب الجهاد، باب فضل غزو البحر: 303 برقم (2778)، وقال الألباني: ضعيف جداً. سلسلة الأحاديث الضعيفة: 2/ 222 برقم (817). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا، رقم 3 مكرر

المبحث الخامس الليل والنهار

المبحث الخامس الليل والنهار

الليل والنهار في اللغة

الليل والنهار في اللغة: الليل: اللام والياء واللام كلمة، وهي الليل خلاف النهار، والليل عقيب النهار ومبدؤه من غروب الشمس، والليل ظلام الليل، والنهار الضياء فإذا أفردت أحدهما من الآخر قلت: ليلة يوم. النهار: النون والهاء والراء أصل صحيح يدل على تفتح شيء أو فتحه. ومنه النهار: انفتاح الظلمة عن الضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس (¬1). والنهار اسم وهو ضد الليل، والنهار اسم لكل يوم، والليل اسم لكل ليلة، لا يقال نهار ونهاران ولا ليل وليلان، إنما واحد النهار يوم، وتثنيته يومان، وجمعه أيام، وضد اليوم ليلة وجمعها ليال. وفي الاصطلاح: اليوم هو الزمن (الوقت) الذي تستغرقه الأرض في الدوران حول نفسها، ويسمى اليوم الشمسي. وتطلق كلمة يوم في العادة على الوقت الذي تكون فيه الشمس ساطعة على ذلك الجزء الذي نعيش فيه على الأرض. وتطلق أيضا كلمة ليل على الوقت الذي يكون فيه الجزء الذي نعيش فيه مظلما، أو بعيدا عن الشمس. ولكن الليل في حقيقة الأمر ما هو إلا جزء من اليوم (¬2). وقد ورد لفظ الليل في القرآن في (90) موضعاً، وبلفظ الجمع في (4) مواضع (¬3)، وأما لفظ النهار فقد ورد في (57) موضعاً (¬4). وورد الليل في السنة في (56) حديثاً، والنهار في (37) حديثاً (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 225، لسان العرب: 5/ 4115، 6/ 4557. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 27/ 389. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 831 - 833. (¬4) انظر: المرجع السابق: 890 - 891. (¬5) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 6.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الليل والنهار-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الليل والنهار-: من أعظم حكمة الرب وكمال قدرته ومشيئته خلق الضدين، إذ بذلك تعرف ربوبيته وقدرته وملكه، كالليل والنهار. قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآيات الكونية: " فصل، ومن آياته سبحانه تعالى الليل والنهار، وهما من أعجب آياته، وبدائع مصنوعاته، ولهذا يعيد ذكرهما في القرآن ويبديه كقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} (¬1)، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} (¬2) وقوله -عز وجل-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬3) وقوله -عز وجل-: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (¬4)، وهذا كثير في القرآن فانظر إلى هاتين الآيتين وما تضمنتاه من العبر والدلالات على ربوبية الله وحكمته، كيف جعل الليل سكنا ولباسا، يغشى العالم فتسكن فيه الحركات وتأوى الحيوانات إلى بيوتها والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كد السعي والتعب، حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها وتطلعت إلى معايشها وتصرفها جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى بالنهار، يقدم جيشه بشير الصباح، فهزم تلك الظلمة ومزقها كل ممزق، وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون، فانتشر الحيوان وتصرف في معاشه ومصالحه، وخرجت الطيور من أوكارها، فياله من معاد ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الأكبر وتكرره. ودوام مشاهدة النفوس له بحيث صار عادة ومألفا منعها من الاعتبار به والاستدلال به على النشأة الثانية وإحياء الخلق بعد موتهم، ولا ضعف في قدرة القادر التام القدرة ولا قصور ¬

_ (¬1) فصلت: 37. (¬2) الفرقان: 47. (¬3) الأنبياء: 33. (¬4) غافر: 61.

أولا: توحيد الربوبية

في حكمته ولا في علمه يوجب تخلف ذلك، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهذا أيضاً من آياته الباهرة أن يعمي عن هذه الآيات الواضحة البينة من شاء من خلقه فلا يهتدي بها ولا يبصرها لمن هو واقف في الماء إلى حلقه وهو يستغيث من العطش وينكر وجود الماء، وبهذا وأمثاله يعرف الله -عز وجل- ويشكر ويحمد ويتضرع اليه ويسأل" (¬1). أولاً: توحيد الربوبية: بين الله -عز وجل- أن النظر في ملكوت السماوات والأرض والتأمل في خلقهما يدل على وحدانيته -عز وجل-، في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه (¬2). وعظمة هذا الكون، وإبداع السموات والأرض، وتصرف الرب -عز وجل- فيه ومن ذلك الليل والنهار، يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، ويتصرف فيهما بزيادة أحدهما ونقص الآخر، وتغير أحوالهما بالحرارة والبرودة، وتعاقبهما بنظام ثابت دقيق، دليل قاطع محسوس على وجود الإله الخالق المبدع، والرب الواحد المتصرف، الذي لا رب سواه، ولا معبود بحق غيره (¬3). قال تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬4). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- - فيما يرويه عن ربه -عز وجل- -: «قال الله -عز وجل-: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار» (¬5). ومن أعظم الأدلة على قدرة الله تعالى أن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئاً، وخلقه تعالى الأضداد لبيان أنها مقهورة (¬6)، ومن ذلك الليل والنهار فيدخل ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 203 - 204، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة: 2/ 625. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 7/ 283، 286، وتفسير ابن كثير: 3/ 290. (¬3) انظر: التفسير المنير: 18/ 265. (¬4) النور: 44. (¬5) سبق تخريجه: 279. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 561، تفسير السعدي: 126.

بعضها على بعض فيحصل الفصول والضياء والنور والظلمة والسكون والانتشار قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬1). وقد ذكر الله -عز وجل- من الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ربوبيته وإلهيته وعلى كماله في أسمائه وصفاته اختلاف الليل والنهار، وأخبر أنها آيات لقوم يتقون (¬2)، فقال تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} (¬3). كما أخبر الله -عز وجل- أنه جعل الليل سكناً والنهار معاشاً وبين عجز الآلهة التي تعبد من دون الله عن ذلك، وأنه لا دليل لهم على عبادتها؛ فإنها لا تملك شيئاً، وهذه من الحجج والأدلة التي يستدل بها على عظمة الخالق وربوبيته (¬4)، فقال تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (¬5). وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ¬

_ (¬1) آل عمران: 26 - 27. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 2/ 192، التفسير المنير: 15/ 33. (¬3) يونس: 6. (¬4) تفسير ابن كثير: 4/ 282، 5/ 341. (¬5) يونس: 66 - 67.

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات

أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬1). ثانياً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - العلم: في سياق التذكير بعلم الله تعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد وأنه محاسبهم يوم القيامة، بعد أن ذكر الله أن له ملك السموات والأرض، قال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2)، فكل ما سكن في الليل والنهار فهو ملك الله، وخص ما سكن من ذلك لتقرير عموم الملك لله تعالى بأن ملكه شمل الظاهرات والخفيات، ومنه قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. 2 - صفة العلو: من الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على علو الله تعالى أن الأعمال ترفع إليه سبحانه وتعالى، وقد جاء في الحديث أن الأعمال ترفع إلى الله تعالى بالليل والنهار (¬3)، عن أبي ¬

_ (¬1) الأعراف: 54. (¬2) الأنعام: 13. (¬3) انظر: الرد على الجهمية، للدارمي: 53، والعلو للعلي الغفار للذهبي: 23، ومعارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (في التوحيد)، للشيخ حافظ الحكمي، تحقيق: عمر أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، ط3: 1/ 161.

3 - صفة اليد وبسطها

موسى -رضي الله عنه- قال: «قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار» (¬1). 3 - صفة اليد وبسطها: من الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على إثبات اليد لله تعالى، وأنه يبسطها كيفما شاء ما جاء في الحديث أن الله يبسط يده للتائب بالليل وبالنهار (¬2)، عن أبي موسى -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (¬3). 4 - صفة النزول: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا وذلك كل ليلة (¬4)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله -عليه السلام-: إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه: 1/ 161، برقم (157). (¬2) انظر: كتاب التوحيد لابن منده، تحقيق: علي الفقيهي، دار الغرباء، المدينة، ط2: 2/ 93، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة: 3/ 414، والإبانة لابن بطة: 3/ 309. (¬3) صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: 4/ 2113، برقم (2759). (¬4) انظر: الإبانة لابن بطة: 3/ 201، والتوحيد لابن خزيمة: 1/ 289. (¬5) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ الفتح: 15: 1429 برقم (7494)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه: 1/ 521، برقم (758).

ثالثا: توحيد الألوهية

ثالثاً: توحيد الألوهية: يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات وأنه المالك المتصرف في هذه الآيات الكونية العظمية، وهو المتفرد بذلك: ومن ذلك تفرده بخلق السماوات والأرض، وتصرفه في الليل والنهار واختلافها في الأوصاف من النور والظلمة والطول والقصر، فهي آيات في خلقها وإحكامها وإتقانها يدل على وجوب إفراد الله بالعبادة وأن لا شريك معه غيره سبحانه وتعالى (¬1): {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬2). وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬3). وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬4)، وقال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي: 2/ 191 - 192، وتفسير السعدي: 161. (¬2) آل عمران: 190 - 191. (¬3) الأنعام: 60. (¬4) لقمان: 29 - 30.

1 - الاستعاذة

لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (¬1)، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2)،"فالله -عز وجل- يظهر هذه الآيات ليستدل بها على أنه الحق، وأن كل ما سواه باطل، وأنه القادر على هذه الأشياء وحده، فكل ما في السماوات والأرض خلقه وعبيده، فوجب أن تكون العبادة له وحده لا إله إلا هو" (¬3). ومن الأدلة التي ذكرها الله -عز وجل- على أنه سبحانه هو المعبود وحده لا شريك له قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬4). "فخلْقُها وعظَمُها دالٌّ على كمال قدرته، وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان دال على كمال حكمته، وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه، وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له" (¬5). 1 - الاستعاذة: ¬

_ (¬1) فاطر: 13 - 14. (¬2) الرعد: 3. (¬3) تفسير الطبري: 22/ 148، وانظر: تفسير القرطبي: 14/ 79، وتفسير ابن كثير: 6/ 350. (¬4) الأعراف: 54. (¬5) تفسير السعدي: 91، وانظر: تفسير ابن كثير: 3/ 304، والتحرير والتنوير: 6/ 378.

2 - القسم

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة من الليل ومن شره وشر ما فيه (¬1)، فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: أراه قال فيهن: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله» (¬2). وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة من الغاسق، وقد قيل إن الغاسق: هو الليل إذا أقبل بظلامه (¬3)، قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (¬4). 2 - القسم: أقسم الله -عز وجل- بالليل والنهار "وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه، وكلما كان أعظم آية وأبلغ في الدلالة كان إقسامه به أكثر من غيره" ... فهو "سبحانه إنما يقسم من مخلوقاته بما هو من آياته الدالة على ربوبيته ووحدانيته" (¬5). فأقسم تعالى بالليل وقت إدباره، ووقت تغطيته وجه الأرض، والنهار وقت إسفاره وتجليته ما على الأرض، إلى غير ذلك،"لاشتمال المذكورات على آيات الله العظيمة، الدالة ¬

_ (¬1) انظر: تحفة الأحوذي: 9/ 334. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل: 4/ 2088، برقم (2733). (¬3) انظر: تفسير الطبري: 30/ 430، وتفسير البغوي: 4/ 725، وتفسير ابن كثير: 8/ 535. (¬4) الفلق: 1 - 3. (¬5) مفتاح دار السعادة: 1/ 303 - 304، وانظر: إمعان في أقسام القرآن: 9، 41.

خامسا: الإيمان بالملائكة

على كمال قدرة الله وحكمته، وسعة سلطانه، وعموم رحمته، وإحاطة علمه" (¬1). فقال تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} (¬2)، وقال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} (¬3). وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (¬4). خامساً (*): الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بجميع ما أخبر الله به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عنهم وعن أعمالهم، ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن لليل ملائكة وللنهار ملائكة ويجتمعون في صلاة الفجر (¬5)، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تفضل صلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة، قال: وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر»، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬6)» (¬7). ومن أعمالهم أنهم يشهدون ويحضرون قراءة الليل (¬8)، عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد، ومن وثق بقيام من الليل فليوتر من آخره فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل» (¬9). ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 897، وانظر: التحرير والتنوير: 30/ 312. (¬2) المدثر: 32 - 34. (¬3) الشمس" 1 - 4. (¬4) الفجر: 4. (¬5) انظر: فتح الباري: 2/ 36. (¬6) الإسراء: 78. (¬7) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها: 1/ 449، برقم (649). (¬8) انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 93، وفتح الباري: 1/ 106. (¬9) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله: 1/ 520، برقم (755). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا، (رابعا) غير موجود

سادسا: الإيمان بالكتب

وأن منهم من الموكل بحفظ أعمال بني آدم في الليل والنهار (¬1)، كما في الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» (¬2). وأنهم يسبحون الله الليل والنهار (¬3)، قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (¬4). وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (¬5). سادساً: الإيمان بالكتب: أخبر الله -عز وجل- أنه أنزل هذا القرآن في الليل، بل أقسم على ذلك (¬6)، وبين أنه أنزله في ليلة مباركة (¬7)، فقال تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ ¬

_ (¬1) الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة للشيخ صالح الفوزان، دار الوطن، الرياض، ط1: 18. (¬2) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما: 1/ 439 برقم (632). (¬3) تفسير ابن كثير: 5/ 336. (¬4) الأنبياء: 19 - 20. (¬5) فصلت: 37 - 38. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 245، وتفسير السعدي: 771. (¬7) انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 93، فتح الباري: 1/ 106.

سابعا: الإيمان بالرسل

مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (¬1). وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (¬2). ولما ذكر الله -عز وجل- القرآن والأمر بتعظيمه في قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬3) ذكر من الآيات والأدلة ما يدل على صدق هذا القرآن العظيم وصحة ما اشتمل عليه من الحِكم والأحكام، ومن هذه الآيات التي ذكرها الليل والنهار (¬4)، فقال تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} (¬5). وأقسم الله -عز وجل- على علو سند القرآن وجلالته بالليل إذا أدبر، وقيل أقبل، وبالصبح إذا انشق نوره (¬6)، فقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (¬7). سابعاً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بجميع ما أخبر الله به عنهم ومن ذلك الإسراء، وقد كان ¬

_ (¬1) الدخان: 1 - 3. (¬2) القدر: 1 - 3. (¬3) الجاثية: 1 - 2. (¬4) انظر: تفسير السعدي: 775. (¬5) الجاثية: 5 - 6. (¬6) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 240، وتفسير السعدي: 912، والتحرير والتنوير: 30/ 152. (¬7) التكوير: 17 - 19.

ثامنا: الإيمان باليوم الآخر

الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليلاً (¬1)، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬2). فأسري به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا ورجع في ليلته، وأراه الله من آياته ما ازداد به هدى وبصيرة وثباتا وفرقانا، وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه. ولما قال المشركون: أن الله ترك محمداً -صلى الله عليه وسلم- (¬3) أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى وادلهمت ظلمته، على اعتناء الله برسوله -صلى الله عليه وسلم- ونصره له (¬4)، فقال تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (¬5). ثامناً: الإيمان باليوم الآخر: أقسم الله تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، على عظم النار يوم القيامة، فقال تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (¬6)، ثم قال تعالى: {إِنَّهَا} أي النار {لَإِحْدَى الْكُبَرِ} (¬7) " أي لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة، فإذا أعلمناكم بها، وكنتم على بصيرة من أمرها، فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه من ربه، ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار كرامته، أو يتأخر عما خلق له وعما يحبه الله ويرضاه، فيعمل ¬

_ (¬1) انظر: السنة لأحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، ط1: 1/ 239، والحجة في بيان المحجة: 1/ 536، والإسراء والمعراج لمحمد بن ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، ط5: 7. (¬2) الإسراء: 1. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والبر، باب ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى المشركين والمنافقين: 3/ 1421، رقم (1797). (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 20/ 92. (¬5) والضحى: 1 - 3. (¬6) المدثر: 32 - 34. (¬7) المدثر: 35.

بالمعاصي، ويتقرب إلى نار جهنم (¬1). ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبرت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد بين الله -عز وجل- من الأدلة على ذلك وعلى صدق ما جاءت به الرسل أنه سبحانه جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشا، وأنه أظلم الليل، وأبرز وأظهر النهار، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (¬2). وقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (¬3). فالذي أنعم"بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف تكفرون به وتكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟ " (¬4). كما أن الله -عز وجل- أكد وقوع القيامة وما يتبعها من الأهوال وأقسم على ذلك بالنهار كله وبالليل وما جمعه (¬5)، فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ... الآيات (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 897. (¬2) النبأ: 6 - 17 (¬3) النازعات: 27 - 32. (¬4) تفسير السعدي: 906. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 359، والتفسير المنير: 30/ 144. (¬6) الانشقاق: 16 - 19.

تاسعا: مسائل الأسماء والأحكام

تاسعاً: مسائل الأسماء والأحكام: خلق الله -عز وجل- الناس مؤمن وكافر، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬1) والله -عز وجل- في كتابه حينما يذكر الزمان ويذكر الليل والنهار يبين حال الناس بعده وأنهم فريقان مؤمن وكافر، مصدق ومكذب، مزكي لنفسه ومدسيها (¬2)، واختيار القسم بالليل والنهار لبيان البون بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة (¬3)، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (¬4). وقال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (¬5)، وقال تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (¬6). ¬

_ (¬1) التغابن: 2. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 50. (¬3) انظر: التحرير والتنوير: 30/ 378. (¬4) الليل: 1 - 4. (¬5) الشمس: 1 - 10. (¬6) المدثر: 32 - 37.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الليل والنهار-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الليل والنهار-: 1 - اعتقاد أن الليل والنهار هما المتصرفان في إهلاك الناس: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية -الليل والنهار- اعتقاد أن الليل والنهار هما المتصرفان في إهلاك الناس، قال تعالى عن المشركين: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} (¬1)، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار» (¬2). وقال تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (¬3)، ومناسبة ذكره هذه الجملة: أن تقدير الليل والنهار وتعاقبهما من التصرفات الإلهية المشاهدة في أحوال السماوات والأرض وملابسات أحوال الإنسان، فهذه الجملة بدل اشتمال من جملة {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وهو أيضا مناسب لمضمون جملة {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ تذكير للمشركين بأن المتصرف في سبب الفناء هو الله تعالى فإنهم يعتقدون أن الليل والنهار هما اللذان يفنيان الناس. فإنه لما قال: " {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أبطل بعده اعتقاد أهل الشرك أن للزمان الذي هو تعاقب الليل والنهار والمعبر عنه بالدهر تصرفا فيهم"} (¬4). ¬

_ (¬1) الجاثية: 24. (¬2) سبق تخريجه: 279. (¬3) الحديد: 5 - 6. (¬4) التحرير والتنوير: 27/ 366.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - اعتقاد نزول الله -عز وجل- ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة، فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت يا رسول الله: إني ظننت أنك أتيت بعض نساءك، فقال: إن الله -عز وجل- ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيفغر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» (¬1). وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها؛ فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 242. (¬2) سبق تخريجه: 243.

المبحث السادس الحياة والموت

المبحث السادس الحياة والموت

الحياة والموت في اللغة

الحياة والموت في اللغة: الحياة نقيض الموت كُتِبَتْ في المصحف بالواو ليعلم أَن الواو بعد الياء في حَدِّ الجمع وقيل على تفخيم الأَلف. وحَيَّ يَحْيَا ويَحَيّ فهو حَيٌّ، وللجميع حَيُّوا بالتشديد، ولغة أُخرى حَيَّ، وللجميع حَيُوا خفيفة والموت: الميم والواو والتاء أصلٌ صحيح يدلُّ على ذَهاب القُوّة من الشيء. منه المَوْتُ: خلاف الحياة، وقد مات يموت ويمات أيضاً. ورجل مَيِّتٌّ ومَيْتٌ، وقيل المَيْتُ الذي ماتَ، والمَيِّتُ والمائِتُ الذي لم يَمُتْ بَعْد، وقومٌ مَوتى وأَمواتٌ ومَيِّتُون ومَيْتون، والأُنثى مَيِّتة ومَيْتَة ومَيْتٌ والجمع كالجمع (¬1). وفي الاصطلاح: الحياة. يواجه معظم الناس بعض الصعوبات، في التمييز بين الكائنات الحية والجماد، ويعد الناس الأشياء كائنات حية إذا كان لديها القدرة على القيام ببعض الأنشطة مثل النمو والتكاثر ... أما علماء الأحياء فيجدون صعوبات شديدة في تعريف الحياة، على الرغم من معرفتهم الواسعة بالأحياء. وتكمن هذه الصعوبة في تحديد الخط الفاصل بين الكائنات الحية والجماد. فالفيروس على سبيل المثال، يعد جسيما بدون حياة وهو خارج الخلية الحية، ولكنه يكون أكثر نشاطا ويتكاثر بسرعة داخل الخلية الحية. وبدلا من إيجاد التعريف الدقيق للحياة، ركز علماء الأحياء بعمق على فهم الحياة عن طريق دراسة الكائنات الحية نفسها. ويطلق على العلم الذي يهتم بدراسة الحياة اسم علم الأحياء (¬2). أما الموت فهو خروج الروح إلى بارئها، حيث ينتقل الشخص بعد ذلك إلى حياة برزخية ثم تقوم قيامته؛ وهو نهاية الحياة؛ فكل شيء حي نهايته الموت، ولكن الإنسان هو ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 283، لسان العرب: 2/ 1075، 6/ 4494، الصحاح: 2/ 288، 7/ 173. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 9/ 593.

المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يدرك الموت ويتخيله. أما الأوجه الطبية للموت: فقد لاحظ العلماء ثلاثة أنواع للموت. وهذه الأنواع هي: البلى الفيزيولوجي، والنخر، والموت الجسدي. والبلى الفيزيولوجي أو البلي الوظيفي: هو استمرار موت وتجدد الخلايا كل على حده أثناء الحياة. فباستثناء الخلايا العصبية فإن كل خلايا الكائن يستمر تجددها بمعدل ثابت. وعلى سبيل المثال، تتكون خلايا الجلد الجديدة تحت السطح لأن الخلايا القديمة تموت وتزول. ويعني النخر: موت الأنسجة أو حتى العضو كله. فأثناء النوبة القلبية، على سبيل المثال، يوقف تجلط الدم وصوله إلى جزء من القلب، فيموت الجزء المتأثر، ولكن الكائن الحي يستمر في الحياة ما لم يكن التلف شديدا. والموت الجسدي، نهاية كل عمليات الحياة في الكائن. فالشخص الذي يتوقف قلبه ورئتاه عن العمل قد يعتبر ميتا سريريا، ولكن الموت الجسدي ربما لا يكون قد حدث بعد؛ لأن الخلايا المنفردة تستمر في الحياة لعدة دقائق. وقد يعود الشخص إلى الحياة مرة أخرى إذا عاود القلب والرئتان العمل مرة ثانية، وأعطيت الخلايا حاجتها من الأكسجين. وبعد حوالي ثلاث دقائق تبدأ خلايا الدماغ وهي الأكثر حساسية لنقص الأكسجين في الموت، وغالباً ما يتبعها موت الإنسان في الحال، وتستحيل إعادة الحياة إلى جسده. وتدريجيا تبدأ خلايا الجسم الأخرى كذلك في الموت. وآخر ما يموت خلايا العظم والشعر والجلد التي قد تستمر في النمو لعدة ساعات (¬1). وقد ورد لفظ الحياة في القرآن في (71) مواضعاً (¬2)، وورد لفظ الموت في (35) موضعا (¬3). وذكر أهل التفسير أن الحياة في القرآن على خمسة أوجه (¬4): - ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق: 24/ 358، بتصرف يسير. (¬2) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 283 - 286. (¬3) انظر: المصدر السابق: 851 - 854. (¬4) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 253، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزير: 2/ 512.

أحدها: نفخ الروح في الحيوان بالخلق الأول، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} (¬1) أي: نطفا فنفخ فيها الروح. وقال تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} (¬2)، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} (¬3)، وقوله تعالى: {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (¬4)، وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ} (¬5). والثاني: إحياء الموتى بعد خروج الأرواح منهم، ومنه قوله تعالى: {وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (¬6)، وقوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (¬7). والثالث: الهدى، ومنه قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} (¬8)، وقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} (¬9)، وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} (¬10). والرابع: البقاء، ومنه قوله تعالى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} (¬11)، وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (¬12)، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (¬13). ¬

_ (¬1) البقرة: 28. (¬2) آل عمران: 27. (¬3) الحج: 66. (¬4) غافر: 11. (¬5) الجاثية: 26. (¬6) آل عمران: 49. (¬7) القيامة: 40. (¬8) الأنعام: 122. (¬9) يس: 70. (¬10) فاطر: 22. (¬11) البقرة: 49. (¬12) البقرة: 179. (¬13) المائدة: 32.

والخامس: حياة الأرض بالنبات، ومنه قوله تعالى: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ} (¬1). أما الموت فقد ذكر بعض المفسرين أنه في القرآن على سبعة أوجه (¬2): - أحدها: الموت نفسه. ومنه قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (¬3)، وقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (¬4)، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} (¬5). والثاني: النطفة. ومنه قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} (¬6)، وقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (¬7)، فالموتة الأولى كونهم نطفا. والثالث: الضلال. ومنه قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} (¬8)، وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (¬9)، وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} (¬10). والرابع: الجدب. ومنه قوله تعالى: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (¬11)، وقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} (¬12)، وقوله تعالى: { ¬

_ (¬1) فاطر: 9. (¬2) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 571، وبصائر ذوي التمييز: 4/ 536. (¬3) آل عمران: 185. (¬4) الزمر: 30. (¬5) الجمعة: 8. (¬6) البقرة: 28. (¬7) غافر: 11. (¬8) الأنعام: 122. (¬9) النمل: 80. (¬10) فاطر: 22. (¬11) فاطر: 9. (¬12) يس: 33.

فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا (¬1)، وكل بلد ميت في القرآن فالمراد به الأرض المجدبة. والخامس: الحرب. ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} (¬2). والسادس: الجماد. ومنه قوله تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} (¬3)، يعني الأوثان. والسابع: الكفر. ومنه قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} (¬4)، فالميت ها هنا الكافر. ¬

_ (¬1) الزخرف: 11. (¬2) آل عمران: 143. (¬3) النحل: 21. (¬4) آل عمران: 27.

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الحياة والموت-

الدلائل العقدية للآيات الكونية - الحياة والموت-: قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (¬1). في هذه الآيات التعظيم للخالق سبحانه وتعالى والتأكيد على تفرده بالربوبية والألوهية. وأنه سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا. ومن لوازم تفرده سبحانه وتعالى بكل ذلك ألا يعبد غيره , ولا يقصد سواه بدعاء أو رجاء أو طلب , ولا يشرك في عبادته أحد , وأن ينزه فوق كل وصف لا يليق بجلاله. وفيها أيضاً بيان حكمة الرب وكمال قدرته ومشيئته في خلق الضدين -الحياة والموت- إذ بذلك تعرف ربوبيته وقدرته وملكه وعجز المخلوقين (¬2). وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (¬3). وهذه سنة الله في خلقه، منذ خلق آدم -عليه السلام- وحتى يوم القيامة فالبشرية مهما أوتيت من قوة وعلم فلن تستطيع أن تخلق أحدا، ولن تجد لها من الموت مهرباً ومخرجاً، قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (¬4)، وقال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (¬5). قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآيات الكونية: " فصل وإذا تأملت ما دعى ¬

_ (¬1) الملك: 1 - 2. (¬2) مختصر الصواعق المرسلة: 2/ 625، ومدارج السالكين: 2/ 194. (¬3) الحج: 73. (¬4) الأحزاب: 38. (¬5) الأحزاب: 62.

الله سبحانه في كتابه عباده الى الفكر فيه أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه، فبهذا تعرّف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته، ونذكر لذلك أمثلة مما ذكرها الله سبحانه في كتابه يستدل بها على غيرها، فمن ذلك خلق الإنسان وقد ندب سبحانه إلى التفكر فيه والنظر في غير موضع من كتابه كقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} (¬3). وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره، إذ نفسه وخلقه من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره، وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه، وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه، ولو فكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كفره، قال الله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (¬4)، فلم يكرر سبحانه على أسماعنا وعقولنا ذكر هذا لنسمع لفظ النطفة والعلقة والمضغة والتراب، ولا لنتكلم بها فقط ولا لمجرد تعريفنا ¬

_ (¬1) الطارق: 5. (¬2) الذاريات: 21. (¬3) الحج: 5. (¬4) عبس: 17 - 22.

أولا: وجود الله

بذلك بل لأمر وراء ذلك كله، هو المقصود بالخطاب وإليه جرى ذلك الحديث" (¬1). وهو أن تظهر للعباد قدرة الرب في خلق المتضادات المتقابلات، وفي ذلك أدل الدلائل على كمال قدرة الله وعزته وسلطانه وملكه (¬2). أولاً: وجود الله: قد دلت هذه الآية الكونية على وجود الله، فإن خلقها ووجودها بعد العدم، وتسخيرها دليل قاطع على وجود الله -عز وجل-، وذلك لافتقار المخلوق إلى الخالق، واحتياج المحدَث إلى المحدِث (¬3). "وشواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها، فلا بد لهما من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه" (¬4). وأخبر الله -عز وجل- عن محاجة إبراهيم -عليه السلام- للنمرود في وجود الله، وكان النمرود ينكر وجود الله -عز وجل-، وأن يكون ثم إله غيره، وأنه يحي ويميت، فاستدل إبراهيم -عليه السلام- على وجود الله، وأنه المالك المتصرف المستحق للعبادة وحده -بأن الله هو الذي يحي ويميت- بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬5). "فحدوث هذه الأشياء المشاهدة وإيجادها بعد العدم، وعدمها بعد الوجود دليل على وجود الله؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب, الذي يحيي ويميت ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 187 باختصار. (¬2) انظر: مدارج السالكينن: 2/ 194. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى: 16/ 445، والأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد: 209 - 226. (¬4) تفسير ابن كثير: 4/ 482. (¬5) البقرة: 258.

ثانيا: توحيد الربوبية

والذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته" (¬1). وفي" ضمن هذه المناظرة من حسن الاستدلال بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده وكمال قدرته ومشيئته وعلمه ووحدانيته من الإحياء والإماتة المشهودين الذين لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه تعالى بالشمس من المشرق لا يقدر أحد سواه على ذلك" (¬2)، وهذا برهان لا يقبل المعارضة بوجه. ثانياً: توحيد الربوبية: يخبر الله -عز وجل- أنه مالك الملك وأن له الملك المطلق والتدبير كله، وذكر من ذلك بعض التصاريف التي انفرد بها سبحانه وتعالى ومنها الإحياء والإماتة. وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا (¬3)، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬4). ومن الأدلة على تفرد الله -عز وجل- بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 1/ 686، وانظر: تفسير السعدي: 111. (¬2) مفتاح دار السعادة: 2/ 285. (¬3) تفسير السعدي: 126. (¬4) آل عمران: 26 - 27.

لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬1). فهذا الرجل الذي مر على قرية خاوية على عروشها قد باد أهلها وفني مكانها، قال جهلاً بقدرة الله: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فأماته الله -عز وجل- وحماره، ثم أحياه وحماره، وفي هذا أعظم دليل على تفرده سبحانه بالإحياء والإماتة} (¬2). كما أخبر الله -عز وجل- في عدة آيات أن له ملك السماوات والأرض وأن هو المحيي المميت فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬3). وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (¬4). فقوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ: "لتصوير معنى الملك في أتم مظاهره المحسوسة للناس المسلم بينهم أن ذلك من تصرف الله تعالى لا يستطيع أحد دفع ذلك ولا تأخيره"} (¬5). ومن الأدلة على تفرد الله -عز وجل- بالخلق أنه سبحانه وتعالى خلق آدم -عليه السلام- من غير أب ولا أم، وخلق عيسى -عليه السلام- من أم بلا أب، وخلق باقي الخلق من أم وأب، قال تعالى عن آدم وعيسى -عليهما السلام-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬6)، وقال أيضا عن عيسى -عليه السلام-: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) ¬

_ (¬1) البقرة: 259. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 3/ 290. (¬3) التوبة: 116. (¬4) الملك: 1 - 2. (¬5) التحرير والتنوير: 11/ 48، وانظر: تفسير ابن كثير: 8/ 176. (¬6) آل عمران: 59.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (¬1)} وقال عن بقية الخلق: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (¬2)، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} (¬4). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خلق الله -عز وجل- آدم على صورته طوله ستون ذراعا» (¬5). وفيه إثبات خلق الله -عز وجل- لآدم -عليه السلام- (¬6). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - التسبيح: أخبر الله -عز وجل- أنه يسبح له ما في السماوات والأرض، فقال: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ¬

_ (¬1) آل عمران: 45 - 47. (¬2) النحل: 4. (¬3) غافر: 67. (¬4) النجم: 45 - 46. (¬5) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته: 634، برقم (3326)، وصحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير: 4/ 2183، برقم (2814). (¬6) فتح الباري: 6/ 361.

2 - العلم

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (¬1) ثم علل ذلك التسبيح بأن له ملك السماوات والأرض فله ملك العوالم العليا والعالم الدنيوي، ومن ضمن ذلك أنه يحيي ويميت، فقال تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). "فالإحياء والإماتة مما يشتمل عليه معنى ملك السماوات والأرض؛ لأنهما من أحوال ما عليهما، وتخصيص هذين بالذكر للاهتمام بهما لدلالتهما على دقيق الحكمة في التصرف في السماء والأرض، ولظهور أن هاذين الفعلين لا يستطيع المخلوق ادعاء أن له عملا فيهما، وللتذكير بدليل إمكان البعث الذي جحده المشركون، وللتعريض بإبطال زعمهم إلهية أصنامهم كما قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} (¬3) " (¬4). 2 - العلم: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬5). في هذه الآية بيان سعة علم الله، وأن ما ذكر فيها من مفاتيح الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها؛ ومنها أنه لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، وكذلك لا تدري نفس بأي أرض تموت في بلدها أو غيره من ¬

_ (¬1) الحديد: 1. (¬2) الحديد: 2. (¬3) الفرقان: 3. (¬4) التحرير والتنوير: 27/ 358. (¬5) لقمان: 34.

3 - المحيي والمميت

أي بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك (¬1). كما أخبر الله -عز وجل- عن عموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء، وأنه هو الذي يخلق الخلق، وأنه يعلم ما تحمل كل أنثى وما تسقطه الأرحام قبل التسعة الأشهر، وما تزد فوق التسعة (¬2)، فقال تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (¬3). وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه: الحياة على الخير أو الوفاة على الخير، ويتوسل إليه بصفة العلم والقدرة على الخلق: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي» (¬4). 3 - المحيي والمميت: وهاتان الصفتان ثابتة بالكتاب والسنة، وهما صفتان فعليتان (¬5)، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} (¬6)، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬7) وفي الحديث: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 14/ 82، وتفسير ابن كثير: 6/ 392. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 9/ 286، وتفسير السعدي: 414. (¬3) الرعد: 8 - 9. (¬4) سنن النسائي، كتاب السهو، باب (62): 154، برقم (1305)، ومسند أحمد: 30/ 265، برقم (8325) وقال محققه: "حديث صحيح"، وصححه الألباني. انظر: صحيح سنن النسائي: 1/ 280. (¬5) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 186. (¬6) الحج: 66. (¬7) فصلت: 39.

4 - اليد

لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» (¬1). وقد ذكر إبراهيم -عليه السلام- هاتين الصفتين في خصائص المعبود الحق، فقال في وصف رب العالمين (¬2): {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} (¬3). 4 - اليد: صفة اليد من الصفات الثابتة لله -عز وجل- ومما يتعلق بهذه الآية الكونية -الموت- فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الموت بيد الله -عز وجل-. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قال لي أنفق أنفق عليك»، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يمين الله ملآى لا يغيضها سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه قال وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض» (¬4). ومعنى القبض الموت (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به: 4/ 2064، برقم (2680). (¬2) انظر: تفسير السعدي ص: 592. (¬3) الشعراء: 75 - 81. (¬4) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف: 2/ 690، برقم (993). (¬5) انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 434، وفتح الباري: 13/ 395.

5 - التردد

5 - التردد: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» (¬1). في هذا الحديث أن الله يكره أن يفعل شيئاً يكرهه عبده المؤمن، وهو يتعلق بهذه الآية الكونية - الموت- فيتردد لا للشك أو كون هذا مصلحة أو غير مصلحة، أي ليس عن جهل، لكن يتردد من جهة ما يتعلق بالعبد، هل يفعله والعبد يكره ذلك، أم لا يفعله. "فالتردد نوعان: تردد للشك في النتيجة، وهذا منزه عنه الله -عز وجل- لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، وتردد بما يتعلق بالغيب مع العلم بالنتيجة، وهذا يوصف الله به وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه" (¬2). رابعاً: توحيد الألوهية: في تقرير الله -عز وجل- لألوهيته، واحتجاجه على المشركين بما يقرون به يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات وأنه المالك المتصرف في هذه الآية الكونية -الحياة والموت-، وهو المتفرد بذلك (¬3): {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع: 1246، برقم (6503). (¬2) لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن عثيمين: 51 - 60، دار الوطن، الرياض: 215، وانظر: مجموع الفتاوى: 10/ 58، 18/ 129. (¬3) انظر: التحرير والتنوير: 25/ 284.

لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (¬1). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬2). كما قرر الله هذا التوحيد، وأنكر على المشركين دعوتهم غير الله معه، وبأنه سبحانه هو الخالق للعباد وهو المحيي والمميت لهم، فإذا كان هو الذي يفعل ذلك وحده فيجب أن يعبد وحده (¬3)، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬4). وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} (¬5)، وقال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬6). وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ ¬

_ (¬1) الأنعام: 60 - 62. (¬2) التوبة: 116. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 5/ 451، وتفسير السعدي: 48/ 643، 742. (¬4) غافر: 67 - 68. (¬5) الحج: 66. (¬6) البقرة: 28.

1 - فضل التوحيد

شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (40) (¬1). وإبراهيم -عليه السلام- تبرأ من جميع الآلهة التي تعبد إلا الله رب العالمين الذي يحيي ويميت (¬2)، قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (¬3). 1 - فضل التوحيد: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فضل التوحيد، وأنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فعلق هذه الفضل بالموت عليه (¬4)، عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار، وقلت: إنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة» (¬5). وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن جبريل -عليه السلام- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة» (¬6). 2 - الاستعاذة: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة بالله من فتنة المحيا والممات أي فتنة الحياة والموت (¬7). عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من ¬

_ (¬1) الروم: 40. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 13/ 10، وتفسير ابن كثير: 6/ 145. (¬3) الشعراء: 75 - 82. (¬4) انظر: شرح النووي على مسلم: 1/ 197. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار: 1/ 94، برقم (92). (¬6) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة: 2/ 687 برقم (94). (¬7) انظر: شرح النووي على مسلم: 5/ 85، 17/ 30.

خامسا: الإيمان بالملائكة

أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» (¬1). خامساً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بجميع ما أخبر الله عنه، وأخبر عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- عنهم وعن أسمائهم، ومن ذلك ملك الموت (¬2)، وكذلك الإيمان بأعمالهم التي وكلهم الله بها، ومن ذلك الملائكة الموكلة بقبض الأرواح. قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (¬3). وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (¬4). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬5). وقال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬6)، وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في صلاة: 1/ 412، برقم (588). (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 361، والإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة: 17. (¬3) السجدة: 11. (¬4) الأنعام: 61. (¬5) النساء: 97. (¬6) النحل: 32.

سادسا: الإيمان بالكتب

وَأَدْبَارَهُمْ} (¬1). ومن الملائكة الملك الموكل بالأرحام ونفخ الروح (¬2)، عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك، مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» (¬3). سادساً: الإيمان بالكتب: أخبر الله -عز وجل- أن القرآن الذي أنزله على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مهيمنا على جميع الكتب، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (¬4)، كما أخبر تعالى عن فضل القرآن على غيره من الكتب أنه لو كان في الكتب الماضية كتاب يكلم الموتى لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره (¬5)، وذلك "لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورة من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جاحدون له" (¬6). قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ ¬

_ (¬1) محمد: 27. (¬2) انظر: شرح النووي عل مسلم: 8/ 489، والإيمان بالملائكة وأثره على الأمة: 17. (¬3) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب كيفية الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته: 4/ 2036، برقم (2643). (¬4) المائدة: 48. (¬5) انظر: تفسير السعدي: 418، والتحرير والتنوير: 13/ 143. (¬6) تفسير ابن كثير: 4/ 460، وانظر: تفسير الطبري: 16/ 449.

سابعا: الإيمان بالرسل

جَمِيعًا} (¬1). ولما أخبر الله عن القرآن أنه منزل من عنده في قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬2) أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية، وذكر منها خلق الإنسان وإحياء الأرض بعد موتها، فقال: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} (¬3). "فهذه كلها آيات بينات وأدلة واضحات على صدق هذا القرآن العظيم وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام، ودالات أيضا على ما لله تعالى من الكمال وعلى البعث والنشور" (¬4). سابعاً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بالآيات التي أيد الله بها رسله، ومن تلك الآيات الآية التي أظهرها الله -عز وجل- لقوم عيسى -عليه السلام- وأنه كان يحيي الموت (¬5)، قال تعالى عن عيسى -عليه السلام- {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ ¬

_ (¬1) الرعد: 31. (¬2) الجاثية: 1 - 2. (¬3) الجاثية: 3 - 6. (¬4) تفسير السعدي: 775. (¬5) انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 45، وفتح الباري: 6/ 475.

الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (¬1). وأي"آية أعظم من جعل الجماد حيوانا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدة من هذه الأمور آية عظيمة بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فإنها موجبة للإيقان وداعية للإيمان" (¬2). ومن دلائل نبوة الأنبياء الكرامات التي يجريها الله -عز وجل- على يدي أتباع الرسل، إجابة لدعوتهم ونصرة لهم، ومن ذلك ما أخبر الله به عن قوم موسى -عليه السلام- حين أمرهم بضرب القتيل ببعض البقرة، فقام وأخبر بمن قتله، قال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬3). ومن دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بهذه الآيات -الحياة والموت- أنه أخبر بطول حياة الصحابي رويفع -رضي الله عنه-، فوقع كما أخبر (¬4) حيث طالت حياته إلى سنة 56 للهجرة (¬5). فعن رويفع -رضي الله عنه- قال: قال لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدى فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا ¬

_ (¬1) آل عمران: 49. (¬2) تفسير السعدي: 131. (¬3) البقرة: 72 - 73. (¬4) انظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2: 1/ 151. (¬5) انظر: سير أعلام النبلاء: 3/ 36.

ثامنا: الإيمان باليوم الآخر

- صلى الله عليه وسلم - منه برىء» (¬1). ومن آيات الرسل أن الله -عز وجل- يخبرهم عند قبض أرواحهم (¬2)، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر، فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به» (¬3). ثامناً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبرت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد بين الله -عز وجل- من الأدلة على ذلك وعلى صدق ما جاءت به الرسل إحياء الموتى، وذكر على ذلك أمثلة فقال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ¬

_ (¬1) سنن أبى داود، كتاب الطهارة، باب ما ينهى عنه أن يتنجى به: 29 برقم (36)، وسنن النسائي، كتاب الزينة، باب عقد اللحية: 519، برقم (5067). قال ابن الملقن إسناده جيد، انظر: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط وآخرين، دار الهجرة، الدمام، ط1: 2/ 352. وصحيح سنن أبي داود: 1/ 10. (¬2) انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- ووفاته: 840، برقم (4437)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها: 4/ 1893، برقم (2444). (¬3) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة: 740، برقم (3904).

قَدِيرٌ (¬1). وقال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬2). وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3) وغيرها من الآيات. فالذي أحيا هؤلاء الأموات قادر على أن يحيى جميع الخلق وفيه دليل على البعث (¬4). وفي جملة الأدلة التي استدل الله بها على منكري البعث ذكر الله -عز وجل- أنه يحي ويميت، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬5). "فكان افتتاحه بأن الله هو المتوحد بملك ما في السماوات والأرض فهو يتصرف في الناس وأحوالهم في الدنيا والآخرة تصرفا لا يشاركه فيه غيره فتصرفه في أمور السماء شامل للمغيبات كلها، ومنها إظهار الجزاء بدار الثواب ودار العذاب وتصرفه في أمور الأرض شامل لتصرفه في الناس. ثم أعقب بتحقيق وعده، وأعقب بتجهيل منكريه، وأعقب بالتصريح بالمهم من ذلك وهو الإحياء والإماتة والبعث" (¬6). كما استدل الله -عز وجل- على البعث بأصل الخلق فقال تعالى في الإنكار على من ¬

_ (¬1) البقرة: 259. (¬2) البقرة: 72 - 73. (¬3) البقرة: 55 - 56. (¬4) انظر: أضواء البيان: 3/ 204. (¬5) يونس: 55 - 56. (¬6) التحرير والتنوير: 11/ 199.

استبعد وقوع البعث بعد الموت: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (¬1). وقال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (¬2). وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬3). أما الآخرة فقد أخبر الله -عز وجل- بأنه من قدم عليه مجرماً كافراً بالله فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} (¬4)، وقال أيضاً عن الكافر الأشقى: {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} (¬5). فالمعذب"فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته ¬

_ (¬1) القيامة: 36 - 40. (¬2) الأنبياء: 104. (¬3) الحج: 5 - 7. (¬4) طه: 74. (¬5) الأعلى: 12 - 13.

تاسعا: الإيمان بالقدر

محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له" (¬1). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يؤتى بالموت في الآخرة فيذبح، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»} (¬2). تاسعاً: الإيمان بالقدر: من الإيمان بالقدر الإيمان بعلم الله وخلقه وقدرته ومشيئته، وقد نبه الله -عز وجل- على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتضادة، قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} (¬3)، وقال تعالى: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} (¬4) إلى غيرها من الآيات. وفي هذا دليل على علم الله ومشيئته وقدرته (¬5). كما أخبر الله -عز وجل- أنه لن تموت نفس إلا بإذنه وتقديره حتى تستوفي المدة التي ضربها الله لها (¬6) وأنه لا ينفع ولا يدفع الحذر من القدر، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 509، وانظر: التحرير والتنوير: 18/ 15. (¬2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ مريم: 39: 914 برقم (4730). } (¬3) النجم: 44. (¬4) الشعراء: 81. (¬5) انظر: تفسير السعدي: 688. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 129، 2/ 260، وتفسير السعدي: 725.

عاشرا: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال

إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} (¬1). كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الآجال مكتوبة، فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» (¬2). عاشراً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: 1 - ضرب الأمثال: ضرب الله -عز وجل- مثلاً للمؤمنين بالأحياء، والكافرين بالأموات، وأنهم لا يستوون (¬3)، فقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬4). 2 - استخدام الألفاظ الشرعية: ورد في القرآن إطلاق لفظ الموت على الجمادات، وهو أيضا مشهور في لغة العرب (¬5)، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ ¬

_ (¬1) آل عمران: 145. (¬2) سبق تخريجه: 486. (¬3) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 542. (¬4) فاطر: 22. (¬5) انظر: شرح التدمرية للشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، إعداد: عبالرحمن بن صالح السديس، دار التدمرية، ط1: 160 - 162.

الحادي عشر: مسائل الأسماء والأحكام

أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (¬1)، وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (¬2)، وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (¬3)، ففي هذا الرد على الغلاة نفاة الأسماء والصفات الذين ينفون الموت والحياة عن الجمادات، ويزعمون أن الجمادات لا يقال لها حية ولا ميتة، ويصح نفيها عما ليس قابلاً لهما (¬4). الحادي عشر: مسائل الأسماء والأحكام: من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الخلود في النار معلق بالموت على الكفر، وأن التوبة مقبولة ما لم يغرر العبد (¬5)، وهم يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء ولا يعلمون ما يختم للرجل، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬6)، وقال ¬

_ (¬1) النحل: 20 - 21. (¬2) المائدة: 110. (¬3) الأعراف: 117. (¬4) المرجع السابق: 231. (¬5) انظر: تفسير القرطبي: 2/ 188، تفسير ابن كثير: 2/ 238، والحجة في بيان المحجة: 1/ 517، وإعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد: 1/ 255. (¬6) البقرة: 217.

تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (¬1). أما التوبة قبل الموت، فقد قال الله تعالى فيها: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬2). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرر» (¬3). ¬

_ (¬1) آل عمران: 91. (¬2) النساء: 18. (¬3) سنن الترمذي: كتاب الدعوات، باب (98): 556 برقم (3537)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ومسند الإمام أحمد: 10/ 300 برقم (6160)، وقال محققه: إسناده حسن.

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - الحياة والموت-

القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - الحياة والموت-: أولاً: إنكار الحياة بعد الموت: من القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - الحياة والموت - إنكار الحياة بعد الموت، قال الله تعالى مخبراً عن المكذبين بالبعث: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (¬1). ورد الله عليهم قولهم بأن الذي بدأ الخلق فإن الإعادة عليه أهون (¬2)، فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (¬3). وقال تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (¬4). ثانياً: نسبة الإحياء والإماتة إلى الدهر: من القوادح العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - الحياة والموت- نسبة الإحياء والإماتة إلى الدهر، قال تعالى مخبراً عن حال المشركين: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (¬5) فأكذبهم الله في قولهم هذا فقال: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (¬6)، ثم بين أن الذي يحيى ويميت هو الله تعالى (¬7)، فقال: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ ¬

_ (¬1) مريم: 66 - 67. (¬2) انظر: تفسير السعدي: 498. (¬3) الروم: 27. (¬4) مريم: 67. (¬5) الجاثية: 24. (¬6) الجاثية: 24. (¬7) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 269.

ثالثا: القول بأن الموت أمر عدمي

يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). ثالثاً: القول بأن الموت أمر عدمي: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآيات الكونية - الحياة والموت- القول بأن الموت أمر عدمي، فإذا انعدمت الحياة مات المخلوق الحي، ويكون معنى قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ} (¬2) أي قدر. وأهل السنة والجماعة على أن الموت أمر وجودي (¬3). ويؤكد ذلك حديث ذبح الموت الذي رواه أبوسعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يؤتي بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة , فيشرئبون وينظرون , فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم , هذا الموت. وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يا أهل النار , فيشرئبون وينظرون , فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم , هذا الموت. وكلهم قد رآه , فيذبح , ثم يقول المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت , ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ -صلى الله عليه وسلم- قول الحق تبارك وتعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬4)» (¬5). رابعاً: إنكار ذبح الموت يوم القيامة: من المخالفات المتعلقة بهذه الآية الكونية - الحياة والموت- إنكار ذبح الموت، وقد ¬

_ (¬1) الجاثية: 26. (¬2) الملك: 2. (¬3) انظر: درء التعارض: 2/ 283، وشرح الطحاوية: 79، وتفسير ابن كثير: 8/ 176، تتمة أضواء البيان: 8/ 331. (¬4) مريم: 39. (¬5) سبق تخريجه: 492.

جاء بذلك الحديث الصحيح وأنه يؤتى بالموت في صورة كبش أملح (¬1) فقيل معنى: "ثم يذبح: "ذاك شيء يخلق الله عند ذبحه علما ضروريا في قلوبهم أنه لا موت بعد ذلك، ولو شاء لخلق العلم من غير ذبح أيضا، لكن لا يسأل عما يفعل، وإلا فالموت على تقدير فرض تجسمه وذبحه لا يوجب ذبحه العلم بعدم الموت بعد ذلك، لإمكان خلق مثله وإعادته كما أعاد الموتى المذبوحين منهم وغيرهم" (¬2). وقيل: "الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وإنما يخلق الله أشخاصا من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين" (¬3). والصحيح أنه لا مانع من ذلك فالله على كل شيء قدير، وذلك أنه ينشئ من الأعراض أجساماً يجعلها مادة لها، كما ثبت في صحيح مسلم في حديث أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان (¬4) ونحو ذلك من الأحاديث، وأن الأعمال توضع في ميزان والله على كل شيء قدير (¬5). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 492. (¬2) حاشية مسند الإمام أحمد لأبي الحسن محمد السندي، تحقيق: نور الدين طالب، وزارة الأوقاف القطرية، ط1: 6/ 370. (¬3) انظر: تفسير الرازي: 1/ 2983، وفتح الباري: 11/ 421، وعارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت: 10/ 27، والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي: تحقيق: الصادق بن إبراهيم، دار المنهاج، ط1: 2/ 927. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة: 1/ 554 برقم (805). (¬5) انظر: شرح الطحاوية: 79، والتفسير القيم لابن القيم جمع محمد أويس الندوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - حديث قبض ملك الموت لداود -عليه السلام-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع»، قال: " فخرج ذات يوم، وأغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار، والدار مغلقة، والله لتفتضحن بداود، فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب، فقال داود: أنت والله إذن ملك الموت، مرحبا بأمر الله، فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه، وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحا جناحا" (¬1). ¬

_ (¬1) مسند أحمد: 15/ 254، برقم (9432)، وقال محققه: إسناده ضعيف لانقطاعه.

المبحث السابع النوم

المبحث السابع النوم

النوم في اللغة

النوم في اللغة: النون والواو والميم أصلٌ صحيح يدل على جمود وسكون حركة. منه النوم. نامَ ينام نَوْماً ومَناما. وهو نَؤُومٌ ونُوَمَة: كثير النَّوم. وقد نام ينام فهو نائم. والجمع نيام، وجمع النائم نوم على الاصل، ونيم على اللفظ (¬1). وفي الاصطلاح: النوم فترة من الراحة يفقد النائم خلالها إدراكه بما يحيط به. ويختلف النوم عن الغيبوبة، في إمكانية إنهائه بسهولة. وعندما ينام الإنسان، تتضاءل جميع أنشطته، وترتخي عضلاته. وتتباطأ ضربات القلب، وينخفض معدل التنفس، ويصبح الشخص كلما تعمق في نومه أقل إدراكا، لكل ما يجري حوله (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 372، والصحاح: 6/ 324، ولسان العرب: 6/ 4583. (¬2) الموسوعة العربية العالمية: 25/ 589.

الدلائل العقدية للآية الكونية - النوم-

الدلائل العقدية للآية الكونية - النوم-: يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (¬1). ويقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} (¬2). فأخبر الله -عز وجل- أن من علامات قدرته ورحمته تعالى التمكين من الراحة من التعب، والهدوء والاستقرار بالليل، وأن في هذه الآية من الدلالات والعبر لمن تدبرها وتأملها، وذلك من وجهين: "أحدهما: أن هذين حالتان متعاورتان على الناس، قد اعتادوهما، فقل من يتدبر في دلالتهما على دقيق صنع الله تعالى، فمعظم الناس في حاجة إلى من يوقفهم على هذه الدلالة ويرشدهم إليها. وثانيهما: أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحب النوم من أحوال نومه؛ لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له، وإلا أنه حين يهب من نومه يعلم أنه كان نائما، فأما حالة النائم في حين نومه ومقدار تنبهه لمن يوقظه، وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه، والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه، كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظا في وقت نومه. فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع، وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد، فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم، فلذلك قيل {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، وأيضاً لأن النوم يحول دون الشعور بالمسموعات بادىء ¬

_ (¬1) الروم: 23. (¬2) الفرقان: 47.

أولا: وجود الله

ذي بدء قبل أن يحول دون الشعور بالمبصرات" (¬1). كما أن الله -عز وجل- يضرب لنا مثل الموت والبعث كمثل النوم والاستيقاظ حتى يقرّب المعنى إلى عقولنا (¬2)، فيقول تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬3). قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في بيان شأن هذه الآية الكونية: "فهذا النوم من آيات الله -عز وجل-، تأتي القوم مثلا في حجرة أو في سطح أو في بر، وهم نيام كجثث موتى لا يشعرون بشيء، ثم هؤلاء القوم يبعثهم الله -عز وجل-، ثم إن الإنسان يعتبر بالنوم اعتبارا آخر، وهو إحياء الأموات بعد الموت، فإن القادر على رد الروح حين يصحو الإنسان ويستيقظ ويعمل عمله في الدنيا، قادر على أن يبعث الأموات من قبورهم، وهو على كل شيء قدير" (¬4). أولاً: وجود الله: لما ذكر الله -عز وجل- حال المعرضين عن التوحيد وجهلهم بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (¬5) ذكر سبحانه بعدها الأدلة القاطعة حسا وعقلا على وجود الصانع الحكيم، وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة، وذكر منها -النوم- فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ ¬

_ (¬1) التحرير والتنوير: 21/ 76، 9/ 45. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 101. (¬3) الزمر: 42. (¬4) شرح رياض الصالحين، للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: مدار الوطن، الرياض، طبعة عام 1426هـ: 4/ 334. (¬5) الفرقان: 43 - 44.

ثانيا: توحيد الربوبية

النَّهَارَ نُشُورًا} (¬1)، ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (¬2). "ففي هذه الآيات الكونية الليل والنهار والنوم، الليل وسكونه، والنوم وراحته، والنهار وحركته دليل واضح على وجود الإله الخالق القادر المتصرف في الكون، فجعل الله لكل ظرف ما يناسبه تماما ويحقق المقصود على أكمل وجه" (¬3). ثانياً: توحيد الربوبية: يقول تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬4)، ويقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (¬5). فهذه الآيات فيها"دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا، فخلقه تعالى الأضداد، والضد من ضده بيان أنها مقهورة" (¬6). فهو سبحانه المتصرف في الوجود وهو الذي يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى والوفاة ¬

_ (¬1) الفرقان: 47. (¬2) الفرقان: 50. (¬3) انظر: التفسير المنير: 19/ 79 باختصار، وتفسير ابن كثير: 6/ 113. (¬4) الزمر: 42. (¬5) الأنعام: 60 - 61. (¬6) تفسير ابن كثير: 7/ 101، وانظر: تفسير السعدي: 725.

ثالثا: توحيد الأسماء والصفات

الصغرى -النوم-. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن ينام قال: «باسمك اللهم أموت وأحيا، وإذا استيقظ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» (¬1). فالإنسان يعتمد على الله"ويجعل كل شيء بيد الله -عز وجل-، ويعظم الله -عز وجل- ويعلم بأن كل شيء بقدرته ومشيئته وإرادته، وهو المحيي والمميت" (¬2). ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - نفي السِنة والنوم عن الله -عز وجل-: من عقيدة أهل السنة والجماعة نفي السنة والنوم عن الله -عز وجل- كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة؛ وذلك لكمال حياته وقيوميته (¬3). قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (¬4). وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات فقال: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمل النهار، حجابه النور -أو النار-لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه (¬5) ما انتهى إليه بصره من خلقه» (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا أصبح: 1217 برقم (6324). (¬2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: 3/ 288. (¬3) انظر: الإبانة لابن بطة: 3/ 323، شرح الطحاوية: 1/ 76، وتفسير ابن كثير: 1/ 678. (¬4) البقرة: 255. (¬5) أي نوره وجلاله وبهاؤه. انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 14. (¬6) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله -عليه السلام-: «إن الله لا ينام» وفي قوله: «حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»: 1/ 161، برقم (179).

2 - رؤية الله -عز وجل- في المنام

2 - رؤية الله -عز وجل- في المنام: رؤية الله -عز وجل- يقظة لا تحصل في الدنيا لأحد من الناس حتى الأنبياء -عليهم السلام- (¬1)، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لن يرى أحد منكم ربه -عز وجل- حتى يموت» (¬3)، أما رؤيته أثناء النوم فقد تحصل على الوجه اللائق بكمال الله تعالى وجلاله، كما أن الرؤية تختلف بحسب حال العبد الرائي. قال الشيخ: عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: " ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام (¬4)، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬5) فليس يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فلا شبيه له ولا كفو له. وذكر الشيخ تقي الدين -رحمه الله- في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي (¬6)، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها، أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) انظر: الحجة في بيان المحجة: 1/ 267، وشرح العقيدة الطحاوية: 160، 162. (¬2) الأعراف: 143. (¬3) سبق تخريجه: 405. (¬4) مجموع الفتاوى: 3/ 390، وانظر: نقض الدارمي: 2/ 38، وشرح السنة للبغوي: 12/ 227 - 228. (¬5) الشورى: 11. (¬6) المرجع السابق: 3/ 390.

رابعا: توحيد الألوهية

ويمكن أن يسمع صوتاً، ويقال له كذا، وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئا من المخلوقات؛ لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى" (¬1). رابعاً: توحيد الألوهية: يذكر الله -عز وجل- من الأدلة على تفرده بالألوهية تفرده بالربوبية والخلق، وقهره لجميع المخلوقات وأنه المالك المتصرف في جميع المخلوقات ومنها هذه الآية الكونية -النوم- (¬2). قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (¬3). ولما كان النائم بمنزلة الميت، والنوم أخوت الموت؛ علّم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرشد من أراد النوم أن يدعو ربه -عز وجل- ويسلم نفسه إليه، وأن يفوض أمره إليه وأن يوجه وجهه إليه مخلصاً له ويتوكل عليه (¬4)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت، فإن مات مات على الفطرة» (¬5). وقد أمر الله -عز وجل- عباده بخوفه ورجاءه، ونهاهم عن الأمن من مكره فقال تعالى: ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبدالعزيز بن باز: 6/ 368، وانظر: كتاب رؤية الله في المنام لعمر إبراهيم، دار ابن الجوزي، عمان: 38. (¬2) انظر: تفسير السعدي: 161، 259، والتحرير والتنوير: 6/ 139. (¬3) الأنعام: 60 - 62. (¬4) انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الرسالة بيروت، ط1: 4/ 219. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعا والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضطجع: 4/ 2081 برقم (2710).

خامسا: الإيمان بالملائكة

{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1)، وقال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (¬2)، وفيما يتعلق بهذه الآية الكونية -النوم- فقد توعد الله -عز وجل- من أمن مكره أن يأتيهم العذاب وهم نائمون، وهذا من مكر الله بهم، فقال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} (¬3)، وقال تعالى عن أصحاب الجنة: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} (¬4). فالواجب على العبد أن يجعل خوفه مع الرجاء، ورجاءه مع الخوف، وأن لا يأمن من مكر الله كما لا يقنط من رحمة الله، فالخوف من مكر الله توحيد وإيمان، والأمن من مكر الله ينافي التوحيد؛ لأنه يدل على عدم الخوف من الله -عز وجل- (¬5). خامساً: الإيمان بالملائكة: رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة جبريل -عليه السلام- وله ستمائة جناح (¬6)، أما غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم لم يروا الملائكة إلا إذا تحول الملائكة إلى صورة بشرية، قال تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (¬7) وقد رأى الصحابة -رضي الله عنهم- جبريل -عليه السلام- (¬8). ¬

_ (¬1) آل عمران: 175. (¬2) الأعراف: 99. (¬3) الأعراف: 97. (¬4) القلم: 19. (¬5) انظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد: 2/ 71. (¬6) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب ذكر سدرة المنتهى: 1/ 128، برقم (174). (¬7) مريم: 17. (¬8) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان: 33 برقم (50).

سادسا: الإيمان بالرسل

أما رؤية الملائكة في المنام فهي جائزة (¬1) ويدل لذلك حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال -صلى الله عليه وسلم-: «فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال: لم ترع» (¬2). وهذا لا يعني وصف حقيقة الملائكة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان، ويتخيلها على حقيقتها، بل هي خلاف ما يتخيله، ويتصوره في منامه، ويقظته، وإن كان ما رآه مناسباً ومشابهاً لها" (¬3). سادساً: الإيمان بالرسل: 1 - الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم: ومما اختص الله تعالى به الأنبياء أنّ أعينهم تنام وقلوبهم لا تنام (¬4)، قال -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: «إنّ عيني تنامان ولا ينام قلبي» (¬5). 2 - رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام: عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي: 12/ 228، وبيان تلبيس الجهمية: 1/ 73 - 74. (¬2) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب من فضائل عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: 4/ 1927، برقم (2479). (¬3) بيان تلبيس الجهمية: 1/ 74. (¬4) انظر: صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب كان النبي -صلى الله عليه وسلم- تنام عينه ولا ينام قلبه: 683، برقم (3570)، وشرح النووي على مسلم: 3/ 74، وفتح الباري: 6/ 579، ومدارج السالكين: 1/ 62. (¬5) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة: 1/ 509، برقم (738). (¬6) صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام: 1337 برقم (6994).

3 - رؤيا الأنبياء وحي

وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من رآني في النوم فقد رآني، فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي» (¬1). فقد دلت هذه الأحاديث على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُرى في المنام وأن من رآه فقد رآه حقيقة فإن الشيطان لا يتمثل به (¬2). 3 - رؤيا الأنبياء وحي: قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (¬3). فهذه الآية إخبار من الله -عز وجل- عن إبراهيم -عليه السلام- أنه رأى في المنام أنه يذبح ابنه، ثم بين الله -عز وجل- أن هذه رؤيا حق حيث أن إبراهيم سعى لتنفيذ رؤياه {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فأخبر الله -عز وجل- أن إبراهيم قد صدق هذه الرؤيا (¬4). 4 - الرؤيا الصالحة: كان أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصالحة، فكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الرؤيا تأتي كفلق الصبح (¬5)، فكان ذلك إرهاصا للنبوة وتمهيدا لها لمدة ستة أشهر، وأخبر عليه الصلاة والسلام ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الرؤيا، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رآني في المنام فقد رآني: 4/ 1776 برقم (2268). (¬2) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 2/ 363، وفتح الباري: 12/ 384 - 385. (¬3) الصافات: 102 - 105. (¬4) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 491، وتفسير ابن كثير: 7/ 28. (¬5) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: 21 برقم (3).

سابعا: الإيمان باليوم الآخر

أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة؛ ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة» (¬1). فالرؤيا الصالحة من المبشرات وفيها إشعار للمؤمن بخير سيقع ليغتنمه أو شر ليحذر منه (¬2). سابعاً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بجميع ما أخبر الله به أو أخبرت به رسله -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد بين الله -عز وجل- - من الأدلة على ذلك وعلى صدق ما جاءت به الرسل أنه سبحانه جعل النوم سباتاً أي راحة للأبدان (¬3)، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (¬4). "فالمساء والصيرورة إلى النوم بمنزلة الموت والمصير إلى الله، ولهذا جعل الله سبحانه في النوم والانتباه بعده دليلا على البعث والنشور لأن النوم أخو الموت والانتباه نشور وحياة" (¬5). ومما يتعلق أيضاً بهذه الآية الكونية من أمور الآخرة: "أن الجنة لا نوم فيها بإجماع ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الرؤيا: 4/ 1784، برقم (2263). (¬2) انظر: فتح الباري: 12/ 363، وشرح النووي على مسلم: 7/ 451، والرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين لسهل بن رفاع العتيبي، كنوز أشبيليا، الرياض، ط1: 226. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 171. (¬4) النبأ: 6 - 17 (¬5) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 13/ 407، وانظر: تفسير السعدي: 906.

ثامنا: صفة الشيطان

المسلمين" (¬1). ثامناً: صفة الشيطان: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يبول في أذن من نام حتى أصبح ولم يصل (¬2)، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: «ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقيل: ما زال نائما حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: بال الشيطان في أذنه» (¬3). فيستفاد منه وقت بول الشيطان (¬4). كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يأتي الإنسان عند النوم فينومه حتى لا يقول الأذكار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خلتان من حافظ عليهما، أدخلتاه الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل» قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: «أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشرا، عشرا، وإذا أويت إلى مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة مرة، فتلك خمسون ومائتان باللسان، وألفان وخمس مائة في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مائة سيئة؟» قالوا: كيف من يعمل بهما قليل؟ قال: «يجيء أحدكم الشيطان في صلاته، فيذكره حاجة كذا وكذا، فلا يقولها، ويأتيه عند منامه، فينومه، فلا يقولها، قال: ورأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعقدهن بيده» (¬5). كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الحلم من الشيطان، عن أبي قتادة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 13. (¬2) انظر: فتح الباري: 3/ 28. (¬3) صحيح البخاري، أبواب التهجد، باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه: 226، برقم (1144). (¬4) فتح الباري: 3/ 28. (¬5) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في التسبيح عند النوم: 546 برقم (5060)، ومسند الإمام أحمد: 11/ 41، برقم (6498)، وقال محققه: حديث حسن لغيره، وصححه الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود: 3/ 955.

يساره، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره» (¬1). وإضافة الحلم إلى الشيطان بمعنى أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك، بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف وإن كان الكل بخلق الله وتقديره (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده: 629 برقم (3292). (¬2) فتح الباري: 12/ 393.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -النوم-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -النوم-: أولاً: ترك النوم تعبداً: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية، ترك النوم تعبداً، والظن أن ذلك من القربات، وهذا أمر لم يشرعه الله -عز وجل- وأنكره النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). عن أنس -رضي الله عنه-: «أن نفرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم، وقال بعضهم لا أنام على فراش، فحمد الله وأئنى عليه، فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬2). ثانياً: الاعتماد على الرؤى في الأحكام: سبق أن الرؤيا الصالحة من المبشرات (¬3)؛ ولكن هذه الرؤيا -وإن كانت رأى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز أن يؤخذ منها الأحكام، ويخالف بها أحكام الشريعة دون أن يعرضها على الكتاب والسنة (¬4). فأخذ الأحكام من المنامات مخالف لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله» (¬5) فجعل -صلى الله عليه وسلم- النجاة من الضلالة في التمسك بكتاب الله وسنة ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري: 9/ 105، ومعارج القبول: 3/ 1234. (¬2) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح: 1005 برقم (5063)، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه: 2/ 1020 برقم (1401)، 13/ 273. (¬3) ص: 511، وانظر: فتح الباري: 12/ 301، 405، والذخيرة للقرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت: 13/ 273. (¬4) انظر: المدخل لابن الحاج، مكتبة دار التراث: 4/ 286. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-: 2/ 886، برقم (1218).

رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقط لا ثالث لهما، ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالث (¬1). فعلى من رأى رؤيا أن يعرضها على"الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا" (¬2). أما الرؤى التي رآها الصحابة وعُمل بها كرؤيا عبدالله بن زيد -رضي الله عنه- في الأذان. فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمعها أقرها، وقال: «إنها لرؤيا حق لقد أراك الله حقا» (¬3)، فكانت سنة تقرير كما يقرر بعض الناس على بعض الأفعال (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدخل: 4/ 287. (¬2) الاعتصام للشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة التوحيد، المنامة: 2/ 78. (¬3) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان: 77، برقم (499)، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود: 1/ 98. (¬4) انظر: فتح الباري: 2/ 79.

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة الواردة في هذه الآية الكونية: ورد في هذه الآية الكونية عدد من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمتعلقة بالعقيدة، ومنها: 1 - ما وقع في نفس موسى: -عليه السلام- هل ينام الله؟ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي عن موسى -عليه السلام- على المنبر، قال: «وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ فأرسل الله إليه ملكًا فأرقه ثلاثًا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما». قال: «فجعل ينام تكاد يداه تلتقيان فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان» قال: «ضرب الله له مثلا -عز وجل-: أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض» (¬1). 2 - الدجال تنام عيناه ولا ينام قلبه: عن أبي بكرة -رضي الله عنه-، عن أبيه قال: وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم صفة الدجال، وصفة أبويه، قال: «يمكث أبوا الدجال ثلاثين سنة لا يولد لهما، ثم يولد لهما ابن مسرور مختون، أقل شيء نفعا وأضره، تنام عيناه، ولا ينام قلبه» (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 242. (¬2) مسند الإمام أحمد: 34/ 150، وقال محققه: إسناده ضغيف لضعف علي بن زيد- وهو ابن جدعان-، ومؤمل بن إسماعيل، وقال ابن كثير: "منكر جداً". انظر: البداية والنهاية: 19/ 204.

المبحث الثامن النبات

المبحث الثامن النبات

النبات في اللغة

النبات في اللغة: نبت: النون والباء والتاء أصل واحد يدلّ على نماءٍ في مزروع، ثم يستعار. فالنَّبت معروفٌ، يقال نَبَت. وأنْبَتَتِ الأرض. ونَبَّتُّ الشَّجرَ: غَرستُه. وكلُّ ما أَنْبَتَ الله في الأَرض فهو نَبْتٌ والنَّباتُ فِعْلُه، ويَجري مجْرى اسمِه، يقال: أَنْبَتَ اللهُ النَّبات إِنْباتاً ونحو ذلك (¬1). وفي الاصطلاح: هي مجموعة رئيسية من الكائنات الحية، تشتمل على نحو 350,000 نوع، من أمثلتها الأشجار والأزهار والأعشاب والشجيرات والحشائش. وتقسم النباتات إلى مجموعتين تبعاً لطريقة حصولها على غذائها. وتعرف جيمع النباتات الخضراء بأنها ذاتية التغذية، حيث تحتوي على يخضور (كلوروفيل)، يمكنها من اقتناص ضوء الشمس واستخدامه في إنتاج الغذاء، والمواد الأخرى التي تحتاج إليها في النمو. وتعرف الأنواع الأخرى من النباتات بأنها غير ذاتية التغذية، وتفتقر إلى اليخضور (الكلوروفيل)، ولا تستطيع إنتاج غذائها، وقد تكون متطفلة، أو رمِّية (¬2). وقد ورد لفظ النبات في القرآن في (4) مواضع (¬3)، وورد في السنة في (51) حديثاً (¬4). وذكر بعض المفسرين أن النبات في القرآن على أربعة أوجه (¬5): أحدها: النبات بعينه. ومنه قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (¬6)، وقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا ¬

_ (¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 378، لسان العرب: 6/ 4317. (¬2) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 25/ 60/83. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 860. (¬4) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 4. (¬5) انظر: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 581. (¬6) المؤمنون: 20.

فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا} (¬1). والثاني: الإخراج، ومنه قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} (¬2). والثالث: الخلق، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} (¬3). الرابع: التربية، ومنه قوله تعالى: {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (¬4). ¬

_ (¬1) عبس: 27 - 28. (¬2) البقرة: 261. (¬3) نوح: 17. (¬4) آل عمران: 37.

الدلائل العقدية للآية الكونية - النبات-

الدلائل العقدية للآية الكونية - النبات-: ورد ذكر النباتات وإنباتها وإخراجها من الأرض وإثمارها، في كثير من آيات القرآن الكريم، وخصوصاً الآيات المكية. وهذا لم يكن"لمجرد تعداد نعم الله فحسب، إنما جاء في آيات ترتبط بعملية الخلق والإحياء والبعث والنشور، وفي آيات تحض الناس على التبصر والتأمل، والتعقل والتدبر، وفي آيات تبطل ما ينكره الكافرون من قدرة الله على الإحياء وخلق الحي من الميت، وبعث الناس من قبورهم بعد موتهم وهلاكهم" (¬1). قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). ومن يتأمل في هذه النباتات والثمار كيف نوعها الخالق في أحجامها وأشكالها وألوانها وروائحها ومذاقها، وهي في بقعة واحدة، وتسقى بماء واحد. قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬3). فإنه سيرى: عجائبُ لا تنتهي في النبات ... تَدَلُّ على الخالق المقتدرْ (¬4). قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً شأن هذه الآية الكونية: " فهذا النبات يغذي، وهذا يصلح الغذاء، وهذا ينفذه، وهذا يضعف، وهذا سم قاتل، وهذا شفاء من السم، وهذا يمرض، وهذا ¬

_ (¬1) حياة النبات في ضوء القرآن والسنة والعلم الحديث، لكمال الدين البتانوني، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: www.quran-n.com/firas/arabicold/print-details.php?page=show-det8&id=733 (¬2) فصلت: 39. (¬3) الرعد: 4. (¬4) انظر: براهين وأدلة إيمانية لعبد الرحمن حسن حبنكه الميداني، دار القلم دمشق، ط1: 469.

أولا: توحيد الربوبية

دواء من المرض، وهذا يبرد، وهذا يسخن، وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق، وهذا إذا حصل فيها ولد الصفراء واستحال اليها، وهذا يدفع البلغم والسوداء، وهذا يستحيل اليهما، وهذا يهيج الدم، وهذا يسكنه، وهذا ينوم، وهذا يمنع النوم، وهذا يفرح، وهذا يجلب الغم إلى غير ذلك من عجائب النبات التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولاعرق ولا ثمرة من منافع تعجز عقول البشر عن الاحاطة بها وتفصيلها. وانظر إلى مجاري الماء في تلك العروق الرقيقة الضئيلة الضعيفة التي لا يكاد البصر يدركها إلا بعد تحديقه، كيف يقوى قسره واجتذابه من مقره ومركزه إلى فوق، ثم ينصرف في تلك المجاري بحسب قبولها وسعتها وضيقها، ثم تتفرق وتتشعب وتدق إلى غاية لا ينالها البصر. ثم انظر إلى تكون حمل الشجرة، ونقلته من حال إلى حال كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار ترى العجب العجاب، فتبارك الله رب العالمين، وأحسن الخالقين، بينا تراها حطبا قائما عاريا لا كسوة عليها إذ كاسها ربها وخالقها من الزهر أحسن كسوة، ثم سلبها تلك الكسوة، وكساها من الورق كسوة هي أثبت من الأولى، ثم اطلع فيها حملها ضعيفا ضئيلا بعد أن أخرج ورقها صيانة وثوبا لتلك الثمرة الضعيفة لتستجب به من الحر والبرد والآفات، ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذاها في تلك العروق والمجاري فتغذت به كما يتغذى الطفل بلبان أمه، ثم رباها ونماها شيئا فشيئا حتى استوت وكملت وتناهى ادراكها، فأخرج ذلك الجني اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء. هذا وكم لله من آية في كل ما يقع الحس عليه ويبصره العباد وما لايبصرونه، تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وجميع تفاصيلها" (¬1). أولاً: توحيد الربوبية: بين سبحانه قدرته العظيمة على خلق السموات والأرض، وما فيهما وما بينهما، ومن ذلك النباتات فقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة: 1/ 336.

تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (¬1). ثم بين سبحانه وتعالى أن هذا الذي ذكره في الآية هو خلقه سبحانه وتقديره وحده لا شريك له في ذلك (¬2)، فقال: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (¬3). وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬4). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬5). فالله -عز وجل- هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما -ومن ذلك النباتات- بالحق، ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما، وأنه وحده المتصرف المدبر لهما، وفيها أيضاً بيان كمال قدرة الخالق -عز وجل- (¬6). فلو اجتمعت البشرية جميعا على صناعة شجرة واحدة من العدم لما استطاعت، بل غصنا واحدا، بل ورقة واحدة، بل بذرة واحدة. ¬

_ (¬1) لقمان: 10. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 333، 3/ 347. (¬3) لقمان: 11. (¬4) الأنعام: 141. (¬5) النحل: 10 - 11. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 307، وتفسير السعدي: 436.

البركة

فهو سبحانه: {الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬1). البركة: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض النباتات أنها مباركة ومن ذلك النخلة، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينا نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- جلوس إذا أتي بجمار نخلة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة، أنا أحدثهم فسكت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هي النخلة» (¬2). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من الشجر شجرة تكون مثل المسلم، وهي النخلة» (¬3). "وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته" (¬4). ثانياً: توحيد الأسماء والصفات: ¬

_ (¬1) الأنعام: 99. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب أكل الجمار: 1075، برقم (5444)، (¬3) صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب بركة النخل: 1075، برقم (5448). (¬4) فتح الباري: 1/ 145.

1 - كلام الله

1 - كلام الله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1). عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر» (¬2). فمثل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث بهذه النباتات. وفي هذا الحديث أيضا دليل على"أن التلاوة غير المتلو، فالتلاوة عمل العبد، وهي مخلوقة، وأما المتلو، فهو كلام الله -عز وجل- منزل غير مخلوق، ولهذا بوب البخاري -رحمه الله- بهذه الترجمة حتى قال: "لا تجاوز حناجرهم" فدل على أن تلاوة القارئ عمل له. أما المتلو، فهو كلام الله يقرؤه البر والفاجر" (¬3). والناس يتفاوتون في التلاوة فهي أعمالهم، وأعمالهم مخلوقة، وأما كلام الله فمنزل غير مخلوق (¬4). 2 - التسبيح: يسبح الله نفسه وينزهها عن أحوال المشركين تنزيها عن كل ما لا يليق بإلهيته وأعظمه الإشراك به (¬5)، أو أنه يكون له ظهير، أو عوين، أو وزير، أو صاحبة، أو ولد، أو سَمِيٌّ، أو ¬

_ (¬1) لقمان: 27. (¬2) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل القرآن على سائر الكلام: 997 برقم (5020)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة حافظ القرآن: 1/ 549، برقم (797). (¬3) انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، للشيخ عبدالعزيز الراجحي، مطبوع بالحاسب الآلي: 1/ 203. (¬4) انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان: 2/ 631. (¬5) التحرير والتنوير: 23/ 15.

ثالثا: توحيد الألوهية

شبيه، أو مثيل في صفات كماله ونعوت جلاله، أو يعجزه شيء يريده (¬1)، ويذكر في ذلك خلق النباتات، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (¬2). ولما ذكر الله -عز وجل- بعض الأدلة على الألوهية والقدرة والبعث في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} (¬3). فهو سبحانه المتفرد بخلق النباتات وما يسره من الحرث والزرع، وأنه لو شاء لجعله محطما لا نفع فيه ولا رزق، أمر بتسبيحه وتنزييه عن جميع النقائص (¬4)، قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (¬5). ثالثاً: توحيد الألوهية: سبق في المبحث السابق: الأرض (¬6) أن الله -تعالى- يذكر ويعدد من دلائل إنفراده بالتصرف والخلق - في الأرض وغيرها - مما هو مشاهد وأضح الدلالة على المشركين لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة (¬7). ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 695. (¬2) يس: 33 - 36. (¬3) الواقعة: 63 - 67. (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 17/ 222. (¬5) الواقعة: 74. (¬6) ص: 393. (¬7) التحرير والتنوير: 24/ 189، 17/ 57، وانظر: تفسير ابن كثير: 7/ 396.

رابعا: الإيمان بالملائكة

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (¬1). "فخلق هذه النبات وتنوعها دالة على وحدانية الله لأن هذا الصنع الحكيم لا يصدر إلا عن واحد لا شريك له" (¬2). وقد ذكر الله في"تفاصيل ما به يعرف ويتعين أنه الإله المعبود وأن عبادته هي الحق وعبادة ما سواه هي الباطل" (¬3) خلق النبات والأشجار فقال: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (¬4). ولما سأل فرعون موسى عن ربه ومعبوده كان من ضمن إجابته أنه الذي خلق الأزواج من النبات (¬5): {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} (¬6). رابعاً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بأعمالهم التي وكلهم الله بها، ومن ذلك ميكائيل الموكل ¬

_ (¬1) الشعراء: 7 - 9. (¬2) التحرير والتنوير: 19/ 100. (¬3) تفسير السعدي: 607. (¬4) النمل: 60. (¬5) انظر: تفسير القرطبي: 11/ 204، 260. (¬6) طه: 49 - 54.

خامسا: الإيمان بالكتب

بالنبات (¬1). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة تتأذى من بعض النباتات كما يتأذى بنو آدم، فعن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أكل من هذه البقلة -الثوم- وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» (¬2)،"وهذا يدل على أن الملائكة تُنزه عن هذه الروائح" (¬3). خامساً: الإيمان بالكتب: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬4). فمثل الله -عز وجل- " حالة إنزال القرآن واهتداء المؤمنين به والوعد بنماء ذلك الاهتداء، بحالة إنزال المطر ونبات الزرع به واكتماله. وهذا التمثيل قابل لتجزئة أجزائه على أجزاء الحالة المشبه بها: فإنزال الماء من السماء تشبيه لإنزال القرآن لإحياء القلوب، وإسلاك الماء ينابيع في الأرض تشبيه لتبليغ القرآن للناس، وإخراج الزرع المختلف الألوان تشبيه لحال اختلاف الناس من طيب وغيره، ونافع وضار، وهياج الزرع تشبيه لتكاثر المؤمنين بين المشركين. وأما قوله تعالى: ثم يجعله حطاما فهو إدماج للتذكير بحالة الممات واستواء الناس فيها من نافع وضار. وفي تعقيب هذا بقوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} إلى قوله: ¬

_ (¬1) انظر: مسند الإمام أحمد: 1/ 274، برقم (2483)، وشرح الطحاوية: 1/ 280، والبداية والنهاية: 1/ 105. (¬2) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها: 1/ 394، برقم (564) (¬3) انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم: 2/ 499. (¬4) الزمر: 21.

سادسا: الإيمان بالرسل

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (¬1)، إشارة إلى العبرة من هذا التمثيل" (¬2). وفي معناه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» (¬3). سادساً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بالآيات التي أيد الله بها رسله، ومن تلك الآيات التي أظهرها الله -عز وجل- لنبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- انقياد الأغصان والأشجار له عند قضاء حاجته. فعن جابر -رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصّف مما بينهما لأم بينهما -يعني جمعهما- فقال: التئما علي بإذن الله، فالتأمتا، قال جابر -رضي الله عنه-: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقربي فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق" (¬4). ¬

_ (¬1) الزمر: 22 - 23. (¬2) التحرير والتنوير: 23/ 276. (¬3) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علِم وعلَّم: 41، برقم (79). (¬4) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر: 4/ 2306، برقم (3012).

سابعا: الإيمان باليوم الآخر

وكذلك حنين الجذع للنبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1)، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده عليه» (¬2). وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً، قال: إن شئتم. فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة دُفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمه إليه، تئن أنين الصبي الذي يُسكَّن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها» (¬3). سابعاً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بجميع ما أخبر الله عنه وأخبرت عنه رسله -عليهم الصلاة والسلام- من البعث والجزاء، وقد ذكر الله -عز وجل- من الأدلة عليه إحياء الأرض بعد موتها بالنبات من كل زوج وصنف وهو دليل عقلي مشاهد محسوس (¬4). فقال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬5)، وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم: 4/ 487. (¬2) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام: 686، برقم (3583). (¬3) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام: 686، برقم (3584). (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 12/ 6، 15/ 25. (¬5) الحج: 5 - 7.

أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). كما أمر الله -عز وجل- بالتفكر في تكوّن الحبوب والثمار التي بها طعام الإنسان، فإن الأجساد تخرج من الأرض للبعث كما تخرج تلك النباتات (¬2)، قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (¬3). وهذا المعنى كثير في القرآن، يضرب الله مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها (¬4). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان كيف ينبت الموحدون بعد خروجهم من النار وسرعة ذلك وحسنه (¬5)، وشبه ذلك بنبات الحِبة في حميل السيل (¬6). عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحِبة تكون في حميل السيل، فقال ¬

_ (¬1) يس: 33 - 36. (¬2) انظر: التحرير والتنوير: 30/ 130. (¬3) عبس: 17 - 32. (¬4) تفسير ابن كثير: 3/ 43. (¬5) انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 23. (¬6) الحبة بكسر الحاء وهى بزر البقول والعشب تنبت في البرارى وجوانب السيول وجمعها، وأما حميل السيل فبفتح الحاء وكسر الميم وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه محمول السيل. انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 23.

رجل من القوم: كأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد كان بالبادية» (¬1). كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه الخطاطيف التي على الجسر يوم القيامة بشوك السعدان، وهي شوكة عظيمة مثل المحك من كل الجوانب (¬2). فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان» (¬3). وقد ورد في الكتاب والسنة أن في الجنة أشجار ونباتات، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬4). وقال تعالى عن نعيم أصحاب اليمين: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (¬5). وقال تعالى عن الجنة: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} (¬6). وقال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (¬7). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» (¬8). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار: 1/ 172، برقم (185). (¬2) انظر: شرح النووي على مسلم: 1/ 323. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية: 1/ 167، برقم (183). (¬4) البقرة: 25. (¬5) الواقعة: 27 - 30. (¬6) الرحمن: 52. (¬7) الرحمن: 68. (¬8) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة: 624، برقم (3251).

ثامنا: الإيمان بالقدر

ثامناً: الإيمان بالقدر: من الإيمان بالقدر الإيمان بعلم الله وخلقه ومشيئته، وقد نبه الله -عز وجل- على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد وما فيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (¬1). وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} (¬2) وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ} (¬4) وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬5). فهذا"الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع، في أشكالها وألوانها، وطعومها وروائحها، وأوراقها وأزهارها. فهذا في غاية الحلاوة وذا في غاية الحموضة، وذا في غاية المرارة وذا عَفِص، وهذا عذب ¬

_ (¬1) فاطر: 27. (¬2) معروشات: ما انبسط على وجه الأرض مثل البطيخ والكرم، وغير معروشات: ما قام على ساق مثل النخل، وقيل المعروشات ما أثبته ورفعه الناس، وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار. انظر: تفسير القرطبي: 7/ 98، وتفسير ابن كثير: 3/ 347. (¬3) الأنعام: 141. (¬4) الصنوان: النخلات والنخلتان يجمعهما أصل واحد، وغير الصنوان المتفرق. انظر: تفسير القرطبي: 9/ 282. (¬5) الرعد: 4.

تاسعا: منزلة الصحابة

وهذا جمع هذا وهذا، ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن الله تعالى. وهذا أصفر وهذا أحمر، وهذا أبيض وهذا أسود وهذا أزرق. وكذلك الزهورات مع أن كلها يستمد من طبيعة واحدة، وهو الماء، مع هذا الاختلاف الكبير الذي لا ينحصر ولا ينضبط، ففي ذلك آيات لمن كان واعيا، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار، الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها على ما يريد؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} " (¬1). وفي"تفاوتها أيضاً دليل عقلي على مشيئة الله تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم. وذلك أيضا، دليل على سعة علم الله تعالى" (¬2). وأخبر الله -عز وجل- أن النبات إنما يخرج بإذن الله وإرادته، وليست الأسباب مستقلة بذلك (¬3)، فقال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (¬4). تاسعاً: منزلة الصحابة: بين الله -عز وجل- أن مثل الصحابة في الإنجيل في مناصرتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتأييدهم ومآزرتهم له كمأزرة فراخ الزرع للزرع إلى أن يشب ويقوى. قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 4/ 432، 3/ 307. (¬2) تفسير السعدي: 688. (¬3) انظر: تفسير السعدي: 292. (¬4) الأعراف: 58.

عاشرا: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال

التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ (¬1) فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬2). وقيل هذا مثل ضربه الله لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- في أنهم يكونون قليلاً ثم يكثرون ويزدادون (¬3). وقيل: إن الصحابة"كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ" (¬4). عاشراً: منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال: ضرب الأمثال: من منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال ضرب الأمثال للتوضيح والتقريب، وقد ضرب الله -عز وجل- مثلاً للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وبيان شرف هذه النفقة كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬5). "وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل، الذي كأن العبد يشاهده ببصره فيشاهد ¬

_ (¬1) شطأه: أي فراخه. انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 362. (¬2) الفتح: 29. (¬3) انظر: تفسير القرطبي: 16/ 295، وتفسير ابن كثير: 7/ 362. (¬4) تفسير السعدي: 795. (¬5) البقرة: 261.

هذه المضاعفة ببصيرته، فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان، فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة" (¬1). وضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً للحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض من زرع وثمار، على اختلاف أنواعها وأصنافها، ثم أصبح هشيماً تذروه الرياح (¬2)، فقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (¬3). وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬4). وضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً في بيان حال المؤمن الذي يقرأ القرآن، والذي لا يقرأ القرآن، والمنافق الذي يقرأ القرآن والذي لا يقرأ القرآن ببعض النباتات وذلك للتوضيح والتفريق بين حالهم (¬5)، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر» (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير السعدي: 112، وانظر: تفسير القرطبي: 3/ 303. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 260. (¬3) الكهف: 45. (¬4) يونس: 24 - 25. (¬5) انظر: شرح النووي على مسلم: 6/ 84، وفتح الباري: 1/ 147 .. (¬6) سبق تخريجه: 524.

الحادي عشر: مسائل الأسماء والأحكام

"فهذه أمثال ضربها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبيان تفاوت الناس في هذه الأمور، وأن من كان عنده القرآن فإنه جمع بين خصلتين محمودتين: إيمان وقراءة القرآن، وشبهه بالأترجة التي طعمها حلو، وريحها طيب، وشبه المؤمن الذي لا يقرأ القرآن بالتمرة التي طعمها طيب ولكن لا ريح لها، والفاجر الذي لا يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب، ولكن طعمها مر، والفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها" (¬1). كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه المسلم بالنخلة في "كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأوانى وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للابل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها، فهي منافع كلها، وخير وجمال، كما أن المؤمن خير كله، من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره، والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك" (¬2). وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبدالله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: فقال هي النخلة، قال: فذكرت ذلك لعمر، قال: لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا» (¬3). الحادي عشر: مسائل الأسماء والأحكام: ¬

_ (¬1) شرح سنن أبي داود للشيخ عبدالمحسن العباد، مطبوع على الحاسب الآلي: 1/ 2. (¬2) شرح النووي على مسلم 17/ 154. (¬3) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب مثل المؤمن كالنخلة: 4/ 2164، برقم (2811).

من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الناس يتفاضلون في الإيمان (¬1)، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وضربه له مثلا ببعض النباتات والثمار، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر» (¬2). "وإبراز هذه المعاني وتصويرها إلى المحسوسات ما هو مذكور في الحديث، ولم يوجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأن المشبهات والمشبه بها واردة على تقسيم الحاصل؛ لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن، والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها، وعلى هذا فقس الأثمار المشبه بها، ووجه الشبه في المذكورات منتزع عن أمرين محسوسين طعم وريح وليس بمفرق" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، الرياض، ط1: 32، والحجة في بيان المحجة: 1/ 440، وصفة المنافق لجعفر بن محمد الفريابي، تحقيق: بدر البدر، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، ط1: 57. (¬2) سبق تخريجه: 524. (¬3) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي بن سلطان ملاء القاري، تحقيق: جمال عيتاني، المكتبة العلمية، بيروت، ط1: 12/ 646.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - النبات-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - النبات-: أولاً: تسمية الله -عز وجل- بالزارع (¬1): من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - النبات - تسمية الله -عز وجل- بالزارع. من قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (¬2)، والصحيح أنه لا يجوز أن يقال لله تعالى: (الزارع) على أنه اسمًا له أو صفةً من صفاته وإنما يقال: هو الزارع على أنه خبر عن فعلٍ من أفعال الله تعالى، وليس كل فعلٍ فعله الله تعالى يشتق له منه اسمًا أو صفة (¬3). قال الشيخ حافظ حكمي (¬4) -رحمه الله-: " ومن الخطأ ما عده بعضهم، ومنهم ابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن حيث سماه بالفاعل والزارع، فإن الفاعل والزارع إذا أطلقا بدون متعلق ولا سياق يدل على وصف الكمال فيهما، فلا يفيدان مدحا، أما في سياقها من الآيات التي ذكرت فيها فهي صفات كمال ومدح وتوحيد، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (¬5) .. وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (¬6). الآيات، بخلاف ما إذا عدت مجردة عن متعلقاتها وما سيقت فيه وله" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي، بتحقيق علي البجاوي، دار الجيل، بيروت: 2/ 807، وإيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، لمحمد بن إبراهيم المرتضى، دار الكتب العلمية، بيروت: 160. (¬2) الواقعة: 64. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى: 8/ 196. (¬4) هو الشيخ حافط بن أحمد بن علي الحكمي، عالم متفنن، له مؤلفات كثيرة منها: معارج القبول، وأعلام السنة المنشورة، والسبل السوية في فقه السنن المروية، واللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون، توفي عام 1377هـ. انظر: الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، د. أحمد بن علوش، والنهضة الإصلاحية في جنوب المملكة، لعمر مدخلي: 178 (¬5) الأنبياء: 104. (¬6) الواقعة: 63 - 64. (¬7) معارج القبول: 1/ 119.

ثانيا: تحريف معنى سجود الأشجار

ثانياً: تحريف معنى سجود الأشجار: قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} (¬1) والنجم ما لا ساق له، والشجر ما له ساق (¬2). فقيل في سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء. وقيل: سجودهما دوران الظل معهما، وقيل: إن معنى السجود أنها مسخرة لله فلا تعبدوها، وقيل: أصل السجود في اللغة الاستسلام والانقياد لله -عز وجل-، فهو من الموات كلها استسلامها لأمر الله -عز وجل- وانقيادها له (¬3). وقد سبق في مبحث عبودية الكائنات (¬4) أن سجود هذه الكائنات سجود حقيقي الله أعلم بكيفيته لقوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (¬5). ¬

_ (¬1) الرحمن: 6. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 27/ 136، وتفسير القرطبي: 17/ 153. (¬3) انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي: 17/ 154. (¬4) ص: 65. (¬5) الإسراء: 44.

المبحث التاسع الأمراض

المبحث التاسع الأمراض

المرض في اللغة

المرض في اللغة: الميم والراء والضاد أصل صحيح يدل على ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة في أي شيء كان. منه العِلَّة. والمرض السقم نقيض الصحة يكون للإنسان والبعير، وهو اسم للجنس، ومرض فلان مرَضاً ومرْضاً فهو مارض ومَرِض ومريض، والأنثى مريضة. وشمس مريضة، إذا لم تكن مشرقة. والمَرْضُ والمرَضُ الشَّكُّ، ومنه قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (¬1) أَي شكٌّ ونفاقٌ وضَعْفُ يَقِين، يقال المرَضُ والسُّقْم في البدَن والدِّينِ جميعاً، كما يقال الصِّحةُ في البدَن والدين جميعاً، والمرَضُ في القلب يَصْلُح لكل ما خرج به الإِنسان عن الصحة في الدين {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (¬2)، ويقال قلب مَرِيضٌ من العَداوةِ وهو النِّفاقُ (¬3). وفي الاصطلاح: المرض اعتلال الجسم أو العقل. وقد يكون المرض عارضا خفيفا مثل التهاب الحلق أو خطيرا مثل النوبة القلبية. ويمكن للأمراض أن تصيب أي جزء في الجسم. كما يمكنها أن تؤثر على صحة الشخص العقلية والوجدانية. وتحدث أمراض عديدة بسبب كائنات حية دقيقة مثل البكتيريا أو الفيروسات، تقوم بغزو الجسم. وهذه الكائنات الدقيقة تسمى عادة جراثيم ولكن العلماء يسمونها أحياء مجهرية. وتسمى الأمراض الناتجة عن هذه الأحياء الأمراض المعدية، وتسمى الأمراض الأخرى أمراضا غير معدية (¬4). ¬

_ (¬1) البقرة: 10. (¬2) الأحزاب: 32. (¬3) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 311، لسان العرب: 6/ 4180. (¬4) انظر: الموسوعة العربية العالمية: 23/ 105.

وقد ورد لفظ المرض في القرآن في (12) موضعاً (¬1)، وورد في السنة في (11) حديثاً (¬2). وذكر بعض المفسرين أن المرض في القرآن على ثلاثة أوجه (¬3): أحدها: مرض البدن. ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} (¬4)، وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} (¬5)، وقال تعالى: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (¬6). والثاني: الشك. ومنه قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} (¬7)، وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} (¬8)، وقوله تعالى: {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} (¬9). والثالث: الفجور. ومنه قوله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 839. (¬2) انظر: فهرس الأحاديث الكونية والطبية: 4. (¬3) انظر: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 545، وبصائر ذوي التمييز: 4/ 492. (¬4) البقرة: 196. (¬5) التوبة: 91. (¬6) النور: 61، الفتح: 17. (¬7) البقرة: 10. (¬8) التوبة: 125. (¬9) محمد: 20. (¬10) الأحزاب: 32.

الدلائل العقدية للآية الكونية - الأمراض-

الدلائل العقدية للآية الكونية - الأمراض-: الله سبحانه وتعالى حكيم عليم، لم يخلق شيئاً إلا وله فيه حكمة: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬1)، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن خلق الصحة وخلق ما يضادها من الأمراض، وهذا من آيات الله العظيمة التي أمر الله -عز وجل- بالتفكر فيها (¬2). "ومن تأمل خلق الأضداد فى هذا العالم، ومقاومة بعضها لبعض، ودفع بعضها ببعض، وتسليط بعضها على بعض، تبين له كمال قدرة الرب تعالى، وحكمته، وإتقانه ما صنعه، وتفرده بالربوبية والوحدانية والقهر، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه، كما أنه الغنى بذاته، وكل ما سواه محتاج بذاته" (¬3). ولله -عز وجل- في هذه الأمراض حكم عظيمة، فمن فوائد المرض وتمام نعمة الله على عبده، أنه ينزل بعبده من الضر والشدائد ما يلجئه إلى المخاوف، حتى يلجئه إلى التوحيد، ويتعلق قلبه بربه فيدعوه مخلصاً له الدين، قال الله تعالى عن نبيه أيوب -عليه السلام-: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬4). فكشف الله ضره وأثنى عليه، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬5). ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج. ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- ¬

_ (¬1) الأنعام: 83. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 20/ 34، والتحرير والتنوير: 30/ 304. (¬3) زاد المعاد: 4/ 151. (¬4) الأنبياء: 83. (¬5) ص: 44.

أولا: توحيد الربوبية

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيراً يصب منه» (¬1). ومن فوائد المرض: أن الله يستخرج به الشكر، فإن العبد إذا ابتلي بعد الصحة بالمرض، وبعد القرب بالبعد، اشتاقت نفسه إلى العافية، وبالتالي تتعرض إلى نفحات الله بالدعاء، فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء، بل ينبغي له أن يتوسل إلى الله ولا يتجلد تجلد الجاهل؛ فإن الله أمر العبد أن يسأله تكرماً، وهو يغضب إذا لم تسأله، فإذا منح الله العبد العافية وردها عليه عرف قدر تلك النعمة؛ فلهج بشكره شكر من عرف المرض وباشر وذاق آلامه لا شكر من عرف وصفه ولم يقاس ألمه، فإذا نقله ربه من ضيق المرض والفقر والخوف إلى سعة الأمن والعافية والغنى فإنه يزداد سروره وشكره ومحبته لربه بحسب معرفته وبما كان فيه. ومن فوائد المرض: معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله، فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه، فهم فقراء إليه وهو غني عنهم، ولولا أن سُلط على العبد هذه الأمراض لنسي نفسه، فجعله ربه يمرض ويحتاج، لتظهر بذلك عبوديته لربه، وفي الأمراض من الحِكم والأسرار ما لا يعمله إلا الله تعالى. أولاً: توحيد الربوبية: الأمراض خلق من خلق الله -عز وجل- فعن أم الدرداء -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام» (¬2). وعن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا» (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض: 1109 برقم (564). (¬2) المعجم الكبير للطبراني: 24/ 254 برقم (649)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات. وحسنه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة: 4/ 174 برقم (1633). (¬3) مسند الإمام أحمد: 20/ 50، برقم (12596)، وقال محققه: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.

ثانيا: توحيد الأسماء والصفات

ثانياً: توحيد الأسماء والصفات: 1 - نفي الشر عن الله: من مقتضى الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات الإيمان بأن أفعال الله -عز وجل- كلها خير محض من حيث اتصافه بها وصدورها عنه، ليس فيها شر بوجه من الوجوه، وأما من جهة العبد فنفس المقدور قد يكون شراً لما يلحقه من المهالك (¬1)، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك» (¬2)، وفيما يتعلق بهذه الآية الكونية -الأمراض- أخبر الله -عز وجل- عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (¬3) فأسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلَقْه، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا، كما قال تعالى آمرًا للمصلي أن يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (¬4) فأسند الإنعام إلى الله، سبحانه وتعالى، والغضب حُذف فاعله أدبًا، وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن (¬5): {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} (¬6). 2 - العلو: من أنواع الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على علو الله نزول الأمر من الله ¬

_ (¬1) انظر: شرح النووي على مسلم: 3/ 121. (¬2) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: 1/ 524 برقم (771). (¬3) الشعراء: 80. (¬4) الفاتحة: 6 - 7. (¬5) تفسير ابن كثير: 6/ 146، وانظر: التحرير والتنوير: 19/ 142. (¬6) الجن: 10.

3 - الشافي

تعالى (¬1)، ومن ذلك نزول الداء والدواء من الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» (¬2). والمراد إنزال علم ذلك الدواء والشفاء (¬3). 3 - الشافي: من أسماء الله -عز وجل- الشافي (¬4)، فهو سبحانه وحده الشافي لجميع الأمراض، وقد دل على هذا الاسم حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه، أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً» (¬5). 4 - الطبيب: عد بعض أهل العلم الطبيب من أسماء الله -عز وجل- (¬6)، عن أبي رمثة -رضي الله عنه-؛ قال: «أتيت للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبي فرأى التي بظهره، فقال: يا رسول الله، ألا أعالجها لك فإني طبيب، قال: أنت رفيق والله الطبيب» (¬7). وعن عائشة -رضي الله عنها-: قالت: «مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعت يدي على صدره، ¬

_ (¬1) انظر: شرح الطحاوية: 144، 264، إعلام الموقعين: 2/ 282. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما انزل الله داء إلا أنزل شفاء: 1116 برقم (5178). (¬3) فتح الباري: 10/ 135. (¬4) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 218، وكتاب التوحيد لابن منده: 2/ 139. (¬5) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى: 1126 برقم (5750)، وصحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض: 4/ 1721 برقم (2191). (¬6) المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي، تحقيق: حلمي فودة، دار الفكر: 1/ 209، رقم (1537)، الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 217، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى، لمحمد بن خليفة التميمي، دار إيلاف، ط1: 293، وأسماء الله الحسنى لعبدالله الغصن، دار الوطن، الرياض: 355. (¬7) سنن أبي داود، كتاب الترجل، باب في الخضاب: 458 برقم (4207)، ومسند الإمام أحمد: 29/ 39 برقم (17492)، وقال محققه: إسناده صحيح. وانظر: السلسلة الصحيحة: 4/ 51 برقم (1537).

ثالثا: توحيد الألوهية

فقلت: اذهب البأس، رب الناس، أنت الطبيب، وأنت الشافي، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحقني بالرفيق الأعلى والحقني بالرفيق الأعلى» (¬1). ثالثاً: توحيد الألوهية: كثيراً ما يستدل الله -عز وجل- وجل في كتابه على المشركين بإقرارهم بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ومما يتعلق بهذه الآية الكونية -الأمراض- أن إبراهيم -عليه السلام- حين تبرأ من المشركين وآلهتهم التي تعبد إلا الله -عز وجل- رب العالمين ذكر من جملة صفاته أنه يشفي المرض (¬2)، فقال تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (¬3). 1 - التوكل: جاء في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأن ذلك لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والبرد، وأن فعل هذه الأسباب التي جعلها الله أسباباً مما أمرت به الشريعة، وأن تركها يقدح في التوكل ويضعفه (¬4). وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المرض لا يعدي بنفسه، وأن مخالطة المريض لا تضر إلا بإذن الله - عز وجل - وأنه سبحانه هو المقدر لذلك فوجب فعل الأسباب بالابتعاد عن أسباب الشر، ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد: 41/ 291 برقم (24774)، وقال محققه: إسناده صحيح. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 13/ 10، وتفسير ابن كثير: 6/ 145. (¬3) الشعراء: 75 - 82. (¬4) انظر: الفصل الرابع من هذا البحث: 162.

2 - الدعاء

والتوكل على الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى (¬1)، فقام أعرابي فقال أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الضباء، فيأتيها البعير الأجرب فتجرب. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فمن أعدى الأول» (¬2). والمرض يتعدى من محل إلى محل، ويتعدى من المريض إلى السليم، ويتعدى من الجربى إلى الصحيحة، هذا شيء موجود. فبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أن مجرد مقاربة المريض أو القدوم على المحل الموبوء هذا سبب، أما التأثر فهو بيد الله سبحانه وتعالى، فقد يدخل الإنسان في الأرض الموبوءة ولا يصاب، وقد يورد الممرض على المصح ولا يصاب، قد ينام المريض بجانب الصحيح ولا يصاب، وقد يصاب، فما وجه التفريق بين الحالتين؟ وجه التفريق: أن هذا راجع إلى مشيئة الله تعالى (¬3). 2 - الدعاء: كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء عند وجود المرض، والاستعاذة بالله سبحانه وتعالى، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى المريض يدعو له، قال أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً» (¬4)، وهذا الدعاء من جملة الأسباب التي أمر الله بها، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (¬5)، "وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيء الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، ¬

_ (¬1) المراد بالعدوى: انتقال المرض من شخص إلى شخص، أو من بهيمة إلى بهيمة، أو من مكان إلى مكان. انظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد: 2/ 8. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب لا عدوى: 1130 برقم (5775). (¬3) انظر: إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد: 2/ 8، وفتح الباري: 10/ 160. (¬4) سبق تخريجه: 546. (¬5) غافر: 60.

رابعا: الإيمان بالملائكة

فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير، ولم يقل بذلك إلا شذوذ، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، وفي الالتجاء إلى الدعاء مزيد فائدة ليست في التداوي بغيره لما فيه من الخضوع والتذلل للرب سبحانه، بل منع الدعاء من جنس ترك الأعمال الصالحة اتكالاً على ما قدر فيلزم ترك العمل جملة، ورد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس، وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يتترس من رمي السهم، والله أعلم" (¬1). رابعاً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة الإيمان بأعمالهم التي وكلهم الله بها، ومنها أنهم يمنعون مرض الطاعون من دخول المدينة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» (¬2). خامساً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بالآيات التي أيد الله بها رسله، ومن تلك الآيات: الآية التي أظهرها الله -عز وجل- على يد رسوله عيسى -عليه السلام- حيث كان يبرئ الأبرص والأكمه (¬3)، قال تعالى عنه: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ¬

_ (¬1) مرعاة المفاتيح المطبوع بحاشية مشكاة المصابيح، لأبي الحسن عبيدالله المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية والدعوة والإفتاء بالجامعة السلفية - الهند: 9/ 525. (¬2) صحيح البخاري، أبواب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة: 357 برقم (1881). (¬3) انظر: تفسير السعدي: 131.

سادسا: الإيمان باليوم الآخر

ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (¬1). ومما يتعلق بهذه الآية الكونية أيضاً بشرية الرسل، وأنه يصيبهم ما يصيب غيرهم من الأمراض (¬2)، وأنهم يخيرون عند مرضهم بين الدنيا والآخرة، فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فعلمت أنه خير»} (¬3). سادساً: الإيمان باليوم الآخر: من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بجميع ما أخبر الله به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الجنة والنار، ومن ذلك أن الحمى من فيح جهنم فدل على أن النار مخلوقة الآن (¬4)، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» (¬5). سابعاً: الإيمان بالقدر: من الإيمان بالقدر الإيمان بمشيئة الله، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل مؤمن يعرف ويوقن تماماً أن من يتعرض لمسببات المرض فإن ذلك لا يعني أبداً أنه سوف يصاب بهذا المرض إذا أراد الله سبحانه وتعالى حفظه وتجنيبه، ومن لا يتعرض لمسببات المرض ¬

_ (¬1) آل عمران: 49. (¬2) انظر: فتح الباري: 10/ 227، وفيض القدير: 5/ 501. (¬3) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ النساء: 69: 871 برقم (4586). } (¬4) انظر: فتح الباري: 6/ 320، 330، ومعارج القبول: 2/ 861. (¬5) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة: 625 برقم (3263).

فإن ذلك لا يعني للمرء أنه لن يصاب بالمرض إذا قدر مُقدِر المقادير ومُسببُ الأسباب أن يصاب هذا المرء بالمرض، ومن واجب المسلم التوكل على الله سبحانه وتعالى في جميع أمور حياته اليومية، لكنه مأمور بالأخذ بالأسباب والتحصن ضد مسببات الأمراض (¬1). وقد علق النبي -صلى الله عليه وسلم- البرأ من المرض على إذنه ومشيئته سبحانه وتعالى، فعن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى» (¬2)، "ففيه الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر. وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا» الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر -رضي الله عنه-: " بإذن الله"، فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته. والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك" (¬3). ولما خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الشام ووجد الوباء قد وقع بها، رجع بعد اختلاف الصحابة في ذلك (¬4)، فقيل له تفر من قدر الله، فقال -رضي الله عنه-: «أفر من قدر إلى قدر». ثم أخبره عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، قال: فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انصرف (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الإعجاز العلمي في لفظتي المريض والمرض في الأحاديث النبوية، لعبدالبديع حمزة زللي: 2، وإعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد: 2/ 8. (¬2) صحيح مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي: 4/ 1729 برقم (2204). (¬3) فتح الباري: 10/ 135. (¬4) انظر: الاستذكار: 26/ 70. (¬5) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون: 1123 برقم (5729)، وصحيح مسلم، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها: 4/ 1740 برقم (2219).

ثامنا: النهي عن التفرق

ثامناً: النهي عن التفرق: حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الافتراق، وبين أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم بين حال هؤلاء المتفرقين وأنه كحال من يتجارى به الكَلَب، فعن معاوية بن أبى سفيان -رضي الله عنه- قال: ألا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فينا فقال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة، وهي الجماعة». زاد ابن يحيى وعمرو فى حديثيهما «وإنه سيخرج من أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه». وقال عمرو: «الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» (¬1). فبين -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأهواء تتجارى بهم، كما يتجارى الكلب لصاحبه؛"فإن الكلب داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلِب، وهو داء يصيب الكلب كالجنون. وعلامة ذلك فيه أن تحمر عيناه، وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، وإذا رأى إنساناً ساوره (¬2)، فإذا عقر هذا الكلب إنساناً عرض له من ذلك أعراض رديئه، منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشاً، ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه" (¬3)، وكذلك البدع تدخل فيهم وتؤثر في أعضائهم (¬4). "فشبه حال الزاغين من أهل البدع في استيلاء تلك الأهواء عليهم، وفي سراية تلك الضلالة منهم إلى الغير بدعوتهم إليها، ثم تنفرهم من العلم وامتناعهم من قبوله حتى يهلكوا جهلاً، بحال صاحب الكَلَب وسريان تلك العلة في عروقه ومفاصله شبه الجنون، ثم تعديته إلى الغير فلا يعض المجنون أحداً إلا كُلِب -أي جن-، ويعرض له أعراض رديئة تشبه الماليخوليا ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة: 503، برقم (4597)، ومسند الإمام أحمد: 28/ 135 برقم (16937)، وقال محققه: إسناده حسن. وحسنه الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود: 3/ 869. (¬2) أي وثب عليه. انظر: تهذيب اللغة: 13/ 35. (¬3) معالم السنن للخطابي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت: 7/ 4. (¬4) انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 1/ 382.

مهلكة غالباً، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشاً" (¬1). ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 1/ 278.

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الأمراض-

المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الأمراض-: أولاً: تحريف معنى حديث: «مرضت فلم تعدني». من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية -الأمراض- تأويل معنى حديث"مرضت فلم تعدني"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب: كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا رب: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال يا رب: كيف أسقيك، وأنت رب العالمين، قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي» (¬1). فقالوا هذا الحديث يتضمن معنى باطلاً -وهو أن الله يمرض تعالى الله عن ذلك- ولذا يجب صرفه عن ظاهره (¬2). والجواب: أن"الحديث صريح بأن الله لم يمرض، ولم يأكل ولم يشرب، وإنما العبد هو الذي مرض وطعم وسقي، والمعنى: لوجدت ذلك أي: ثواب ذلك عندي، يعني وجدت ذلك، يعني ثوابه، ثواب العمل، لوجدت ذلك عندي، وإلا فالله -سبحانه وتعالى- فوق العرش، مستوٍ على العرش، بائنٌ من خلقه. وإنما هذا العبد؛ ولذلك قال: أما علمت أن عبدي مرض؟ أما علمت أن عبدي جاع؟ أما علمت أن عبدي استسقى؟ فالعبد هو الذي مرض وهو الذي جاع، وهو الذي استسقى، لوجدت ذلك عنده يعني ثوابه" (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض: 4/ 1990 برقم (2569). (¬2) انظر: العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لمحمد بن إبراهيم ابن الوزير، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص3: 4/ 141. (¬3) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 4/ 141، وانظر: شرح النووي على مسلم: 8/ 371، ومجموع الفتاوى: 3/ 43 - 44، 2/ 462، ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز: 3/ 74.

ثانيا: سب المرض

ثانياً: سب المرض: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية - الأمراض - سبها ووصفها بالخبث، وهذا أمر لا يجوز فإن سبها سب لخالقها، وهو الله -عز وجل-، وقد ورد في الحديث عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أن أم السائب قالت: «الحمى لا بارك الله فيها»، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديث» (¬1). قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: " الحمى هي السخونة، وهي نوع من الأمراض وهي أنواع متعددة، ولكنها تكون بقدر الله -عز وجل-، فهو الذي يقدرها وقوعاً، ويرفعها سبحانه وتعالى، وكل شيء من أفعال الله فإنه لا يجوز للإنسان أن يسبه؛ لأن سبه سب لخالقه جل وعلا، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» (¬2) " (¬3). ثالثاً: اليأس من روح الله والقول بأن هذا المرض ليس له علاج: من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية: اليأس من روح الله، واعتقاد أن بعض الأمراض ليس لها علاج، ومن ذلك قول بعض الأطباء هذا مرض ليس له علاج، ميئوس منه ولا يقيد ذلك بقوله: ليس له علاج عندي أو نحو ذلك (¬4)، وهذا الأمر مخالف ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة: 4/ 1993، برقم (2575). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر: 4/ 1762 برقم (2246). (¬3) شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن عثيمين: 6/ 467، وانظر: فتاوى الشيخ صالح الفوزان، مجلة الدعوة العدد (2009)، 4 شعبان 1426هـ. (¬4) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، العدد 7: 3/ 563.

للحديث الصحيح: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» (¬1)، وفي رواية: «علمه من علمه وجهله من جهله» (¬2)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى» (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 545. (¬2) مسند الإمام أحمد: 6/ 50 برقم (3578)، وقال محققه: صحيح لغيره. (¬3) سبق تخريجه: 551.

الفصل السابع الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة

الفصل السابع الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الصغرى المبحث الثاني: الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الكبرى

تمهيد

تمهيد أخبر الله -عز وجل- أن للساعة علامات، قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} (¬1). و" أشراطها أي أماراتها وعلاماتها" (¬2). والأشراط في اللغة: جمع شرط بالتحريك، والشرط العلامة، وأشراط الساعة أي علاماتها، وأشراط الشيء أوائله، ومنه شُرط السلطان، وهم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من مجموع جنده (¬3). وفي الاصطلاح: هي العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل على قدومها (¬4). وتنقسم أشراط الساعة إلى قسمين (¬5): الأول: أشراط الساعة الكبرى: وهي التي تظهر قرب قيام الساعة، وإذا ظهر أولها تتابعت سريعاً، وتكون غير معتادة الوقوع. والثاني: أشراط الساعة الصغرى: ¬

_ (¬1) محمد: 18. (¬2) تفسير القرطبي: 16/ 240. (¬3) انظر: الصحاح: 3/ 136، والنهاية في غريب الحديث: 2/ 460. (¬4) الجامع لشعب الإيمان: 2/ 189، والمنهاج في شعب الإيمان: 1/ 422. (¬5) انظر: فتح الباري: 13/ 91، ومقدمة الدكتور محمد العقيل في تحقيقه لكتاب القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للسخاوي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 63، وأشراط الساعة ليوسف الوابل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط2: 9.

القسم الأول: ضوابط متعلقة بمصادر التلقي

وهي التي تتقدم قيام الساعة بأزمان متطاولة، ولا تزال، وتكون في أصلها معتادة الوقوع. وهذه الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة لها دلالتها العقدية من الإيمان بالغيب واليوم الآخر، وما أخبر الله به من أشراط الساعة الصغرى والكبرى، والإيمان بقدرة الله وملائكته، وصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم- وغيرها من الدلائل. أما ما سأذكره من النظرة العلمية المعاصرة وبعض هذه التفسيرات فهو فقط لمجرد مهرفة بعض أقوال أهل التفسير والإعجاز العلمي، ولا يعني التسليم بكل ما ذكر؛ لأنه لا بد قبل الخوض في ذكر بعض هذه التفسيرات للآيات والأحاديث التي وردت في أشراط الساعة وأحوال القيامة أن يرجع لهذه الضوابط في تنزيل هذه التفسيرات المعاصرة على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية (¬1): القسم الأول: ضوابط متعلقة بمصادر التلقي: 1 - الاقتصار على نصوص الوحيين. 2 - الحرص على جمع روايات وألفاظ الأحاديث والآثار في الباب الواحد ثم التحقق من ثبوتها. 3 - تعظيم النص بأن يكون حكماً على الواقع لا العكس. القسم الثاني: ضوابط متعلقة بمنهج الاستدلال: 1 - حمل النصوص الشرعية على ظاهرها. 2 - التحقق من معنى النص وفهمه على مقتضى لغة العرب التي نزل بها. ¬

_ (¬1) موقف أهل السنة والجماعة من تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الحوادث، السفياني أنموذجاً، إعداد: زاهر بن محمد الشهري، رسالة ماجستير، في قسم الثقافة الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود: 221 وما بعدها، باختصار.

القسم الثالث: ضوابط متعلقة بمن يقوم بتنزيل النص على الواقع

3 - أن لا تفسر النصوص الشرعية المتعلقة بالفتن وأشراط الساعة وفق الأخبار الإسرائيلية. 4 - مراعاة الألفاظ الشرعية. 5 - عدم تحديد تواريخ وأوقات معينة لوقوع الفتن وأشراط الساعة مما لم يرد في النصوص. 6 - مراعاة البعد الزمني والتسلسلي في ترتيب أشراط الساعة. 7 - عدم محاكمة نصوص المستقبل للواقع الحالي. القسم الثالث: ضوابط متعلقة بمن يقوم بتنزيل النص على الواقع: 1 - الإخلاص وقصد الحق في البحث والخروج عن الهوى. 2 - الرجوع إلى أهل العلم، والسير على منهاجهم. 3 - التأني لمن أراد التنزيل. 4 - التفريق عند التنزيل بين ما يقطع بتحققه وبين ما يكون في دائرة الظن. القسم الرابع: ضوابط متعلقة بالحوادث والوقائع المنزل عليها: 1 - التحقق من الوقائع والحوادث. وهذا التحقق له جانبان: الأول: التثبت من طبيعة الوقائع والحوادث. والثاني: أن تستكمل الوقائع والحوادث للأوصاف الواردة في النص. 2 - عدم محاولة افتعال واقع معين أو أحداث لتنزل عليها النصوص. 3 - ليس شرطاً أن تربط كل فتنة وحدث بنصوص الفتن وأشراط الساعة على وجه التحديد والتعيين.

المبحث الأول الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الصغرى

المبحث الأول الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الصغرى وفيه سبعة مطالب: المطلب الأول: الطاعون. المطلب الثاني: ظهور نار الحجاز. المطلب الثالث: كثرة الزلازل. المطلب الرابع: ظهور الخسف. المطلب الخامس: انتفاخ الأهلة. المطلب السادس: عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً. المطلب السابع: كثرة المطر وقلة النبات.

المطلب الأول: الطاعون

المطلب الأول: الطاعون الطاعون وباء معروف، وهو بثر وورم مؤلم جداً يخرج مع لهب، ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدِرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء، وقلما يلبث صاحبها (¬1). وفي عرف المعاصرين: الطاعون مرض إنتاني وبائي، عامله جرثومة بشكل العصية اكتشفها العالم (بيرسين) سنة 1849 فسميت باسمه، وكان يأتي بشكل جائحات تجتاح البلاد والعباد، وتحصد في طريقها الألوف من الناس، وهو يصيب الفئران عادة ثم تنتقل جراثيمه منها إلى الإنسان بواسطة البراغيث، فتصيب العقد البلغمية في الآباط والمغابن (¬2). وقد ذكر النووي -رحمه الله- أن الطاعون قد أصاب المسلمين في أزمنة متعددة، منها: 1 - طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة ست من الهجرة. 2 - طاعون عمواس بالشام في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومات فيه أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه-، وخلق كثير من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكان عدد الموتى خمسة وعشرين ألفا. 3 - الطاعون الذي وقع في زمن ابن الزبير -رضي الله عنه- في شوال سنة تسع وستين، ومات في خلال ثلاثة أيام في كل يوم منها سبعون ألفا، ومات فيه لأنس بن مالك ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري: 1/ 149، وشرح النووي على مسلم: 1/ 105، والأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، للدكتور: محمد البار، دار المنارة، جدة، ط2: 17. (¬2) موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ليوسف الحاج أحمد، مكتبة ابن حجر، دمشق، ط12: 610، والإعجاز العلمي في السنة النبوية، لصالح رضا، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 1: 545، والموسوعة العربية العالمية: 27/ 48.

-رضي الله عنه- ثلاثة وثمانون ابنا، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- أربعون ابنا. 4 - طاعون الفتيات، وسمي بذلك لأنه بدأ بالعذارى، ويقال له: طاعون الأشراف: لكثرة من مات فيه من الأشراف، وكان ذلك الطاعون سنة سبع وثمانين، ووقع بالبصرة والكوفة والشام وواسط، ومات فيه خلق كثير. 5 - طاعون الكوفة، سنة خمسين للهجرة، ومات فيه المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-. 6 - طاعون سنة مائة وإحدى وثلاثين، وبدأ في رجب واشتد في رمضان، وكان يحصى في سكك المربد كل يوم ألف جنازة، ثم خف في شوال (¬1). ¬

_ (¬1) الأذكار: 224.

الدلائل العقدية للآية الكونية - الطاعون-

الدلائل العقدية للآية الكونية - الطاعون-: الطاعون مرض من الأمراض، وقد سبق ذكر الدلائل العقدية للأمراض عموما (¬1)، وحيث أن للطاعون تعلق بأشراط الساعة الصغرى فسيتم ذكر الدلائل المتعلقة به خصوصا. أولاً: الإيمان بالملائكة: من الإيمان بالملائكة: الإيمان بأعمالهم ومنها أنهم يحرسون المدينة من دخول الطاعون. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال، ولا الطاعون إن شاء الله» (¬2). ثانياً: الإيمان بالرسل: من الإيمان بالرسل الإيمان بجميع ما أخبروا به ومن ذلك انتشار الطاعون عند ظهور الفاحشة، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» (¬3). يقول الدكتور محمد على البار في كتابه - الأمراض الجنسية - عن انتشار الأمراض: "ولا شك أن الهربس لم يكن منتشراً بهذه الصورة ولا قريباً من عشرها أو واحد بالمئة منها منذ عشرين عاما فقط" (¬4). أيضاً: "فإن أحدا من العلماء لم يسبق له وصف هذا المرض أو الطاعون من قبل وهو ¬

_ (¬1) ص: 544. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب لا يدخل الدجال المدينة: 1361 برقم (7134). (¬3) سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات: 432 برقم (432)، ومستدرك الحاكم: 4/ 540، وقال صحيح على شرط مسلم، وانظر: فتح الباري: 10/ 193، والسلسلة الصحيحة: 1/ 167. (¬4) الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها: 6، 17، 229.

ما ختم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه الشريف في قوله: « ... التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا» فانظر إلى خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواثق في الله تعالى" (¬1). وهذا يدل على صدق ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإعجاز في حديثه من جهتين: إن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- يخبر عن حال أهل الفاحشة في كل زمان ومكان، بثقة المتكلم عن الله، وما كان أغناه أن يصف الطواعين والأوجاع بأنها لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، هذا لو كان بشرا عاديا حتى يضمن كلامه في المستقبل ... ولكن رسولنا الكريم يثق في الله تعالى ويتكلم عن الله، فأنبأ أن هذه الطواعين والأوجاع سيصيب الله بها أهل الفاحشة، وستكون جديدة وغير معروفة. وهكذا نرى في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إعجازين: "الأول: إخباري ... تحديد لأهل الفاحشة بقوله: إن الله سيبتليهم بأمراض. الثاني: طبي إعجازي ... تحديد نوعية هذه الطواعين بأنها لم تكن في أسلافهم الذين مضوا .. " (¬2). والإعجاز النبوي يظهر في الحديث أيضاً في منع الشخص المقيم في أرض الوباء أن يخرج منها حتى وإن كان غير مصاب، فإن منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً بدون الحاجة إلى معرفة المرض، ولكن منع من كان في البلدة المصابة بالوباء من الخروج منها حتى وإن كان الشخص سليماً أمر غير واضح العلة، والعادة أن الإنسان يفر من البلدة المصابة إلى بلدة أخرى سليمة، حتى لا يصاب بالعدوى، لكن الطب الحديث أثبت أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً، فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثاره، فالحمى الشوكية، وحمى التيفود، والزخار، والباسيلي، والسل، بل وحتى الكوليرا، والطاعون قد تصيب أشخاصاً عديدين دون أن يبدو على أي منهم علامات المرض، بل ويبدو الشخص وافر الصحة سليم الجسم، ¬

_ (¬1) قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه، للأستاذ الدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز المصلح، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1: 32. (¬2) انظر موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث للأستاذ عبدالرحيم مارديني، دار المحبة، بيروت: 120 - 121.

ثالثا: الإيمان القدر

ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء. وهناك أيضاً فترة الحضانة، وهي الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب وتكاثره حتى يبلغ أشده، وفي هذه الفترة لا يبدو على الشخص أنه يعاني من أي مرض، ولكن بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر على -حسب نوع المرض والميكروب الذي يحمله- تظهر عليه أعراض المرض الكامنة في جسمه (¬1). فهذه بعض الحقائق التي تدل على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ثالثاً: الإيمان القدر: على المؤمن إذا علم بوجود الطاعون في بلده أن لا يخرج منها خوفا منه، فلا يدري فلربما يصاب به في بلدة أخرى، أو قد يصاب بغيره من الأمراض، فعليه أن يتوكل على الله تعالى، وأن يصبر محتسبا، وألا يخرج وليس ذلك من باب إلقاء اليد إلى التهلكة، بل ذلك من قبيل امتثال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك إذا علم المسلم أن هناك بلدا بها مرضا خطيرا، فيجب عليه أن لا يقدم إليها فرارا من أن يصيبه، فإن تعمد وقدم وأصيب به، فهذا من قبيل إلقاء النفس إلى التهلكة والانتحار، لمخالفة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» (¬2)، فعلى المسلم أن يستسلم لقضاء ربه تبارك وتعالى، ويصبر متوكلاً على الله تعالى، في مقابلة هذا البلاء الخطير، والداء الكبير، وألا يجزع، لأن الأمر كله لله (¬3). وقد سألت عائشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون؟ فقال عنه: «إنه عذاب يبعثه الله ¬

_ (¬1) موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة والمطهرة: 607 - 609. (¬2) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (54): 669، برقم (3473). (¬3) انظر: الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، ط1: 28/ 330.

رابعا: مسائل الأسماء والأحكام: الشهادة

على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد» (¬1). ولما أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخول الشام وعلم أن بها الطاعون، توقف فلم يدخلها، ثم دعا المهاجرين الأولين، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر -رضي الله عنه- في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-: أفرارا من قدر الله، فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم , نفر من قدر الله، إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، قال: فحمد الله عمر ثم انصرف» (¬2). ولم يدخل -رضي الله عنه- من باب الطيرة أو التشاؤم، بل من باب عدم إلقاء النفس إلى التهلكة (¬3). رابعاً: مسائل الأسماء والأحكام: الشهادة: ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (54): 669، برقم (3474). (¬2) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون: 1123 برقم (5729). (¬3) انظر: فتح الباري: 10/ 162، وشرح النووي على مسلم: 94/ 209.

من مات بالطاعون فهو شهيد أي في حكم الآخرة، أما في الدنيا فإنه لا يعامل معاملة الشهيد؛ فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم» (¬1). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء: 3/ 1522 برقم (1916).

المطلب الثاني: ظهور نار الحجاز

المطلب الثاني: ظهور نار الحجاز من أشراط الساعة الصغرى ظهور نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببُصرى، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل ببصرى» (¬1)، وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام 654 هـ، وكانت ناراً عظيمة أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها ومن بعدهم بوصفها. قال النووي -رحمه الله-: " خرجت في زماننا نار في المدينة سنة أربع وخمسين وست مائة، وكانت نارا عظيمة جدا، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة" (¬2). ونقل ابن كثير -رحمه الله- أن غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بصرى شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وهذه النار مما تواتر العلم بخروجها (¬3)، ونقل عن أبي شامة المقدسي (¬4): " في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ، وعرض أربعة أميال، تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وأن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء (¬5)، وأنها استمرت شهرا، وقد ضبط ذلك ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر خروج النار: 1359 برقم (7118). (¬2) شرح النووي على مسلم: 18/ 28. (¬3) انظر: البداية والنهاية: 17/ 329، وشرح النووي على مسلم: 18/ 28. (¬4) هو أبو شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المقرئ النحوي المؤرخ، صاحب التصانيف، ومنها الباعث على إنكار البدع والحوادث، توفي سنة 665 هـ. العبر في خبر من غبر لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت: 3/ 312، وشذرات الذهب: 5/ 318. (¬5) تيماء: بالفتح، بلدة تقع شمال المدينة النبوية على بعد (420) كيلا والتيماء في الأصل: الأرض التي لا ماء فيها. معجم البلدان: 2/ 67، والمعالم الأثرية في السنة النبوية لمحمد بن محمد حسن شراب، دار القلم، دمشق، ط1: 74.

أهل المدينة وعملوا فيها أشعارا" (¬1). وهذه النار غير النار التي تخرج في آخر الزمان وتحشر الناس وتبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا (¬2)، وسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى- في ذكر أشراط الساعة الكبرى (¬3). أما النظرة العلمية المعاصرة لهذا الحديث الشريف فقد ذكر الدكتور: زغلول النجار حفظه الله أن: "في هذا الحديث الشريف إشارة علمية دقيقة إلى حقيقة من حقائق أرض الحجاز لم تدرك إلا في منتصف القرن العشرين، حين بدئ في رسم الخريطة الجيولوجية لأرض شبه الجزيرة العربية, وكان من نتائج ذلك انتشار الطفوح البركانية على طول الساحل الغربي لجزيرة العرب من عدن جنوبًا إلى المرتفعات السورية شمالاً, عبر كل من الحجاز والأردن, وفلسطين, مغطية مساحة من تلك الطفوح تقدر بحوالي مائة وثمانين ألفًا (180.000 كم2) من الكيلومترات المربعة, ومكونة واحدًا من أهم أقاليم النشاط البركاني الحديث في العالم, ويقع نصف هذه المساحة تقريبًا في أرض الحجاز (حوالي تسعين ألفًا من الكيلو مترات المربعة) موزعة في ثلاثة عشر حقلاً بركانيًا تعرف باسم الحرات, وأغلب هذه الحرات تمتد بطول الساحل الشرقي للبحر الأحمر ممتدة في داخل أرض الحجاز بعمق يتراوح بين 150 كيلو مترًا, 200 كيلو مترًا, ويعتقد بأن هذه الطفوح البركانية قد تدفقت عبر عدد من الصدوع الموازية لاتجاه البحر الأحمر, ومن فوهات مئات من البراكين المنتشرة في غرب الحجاز , كما يعتقد بأن تلك الصدوع والبراكين لا تزال نشطة منذ نشأتها وإلى يومنا الحاضر, سببت العديد من الهزات الأرضية, كما تم مشاهدة تصاعد أعمدة من الغازات والأبخرة الحارة من عدد من تلك الفوهات البركانية" (¬4). ¬

_ (¬1) البداية والنهاية: 19/ 28. (¬2) انظر: فتح الباري: 13/ 79، والإشاعة لأشراط الساعة، لمحمد بن رسول البرزنجي، مع تعليقات المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، اعتنى به: حسين محمد علي شكري، دار المنهاج، جدة، ط3: 90. (¬3) ص: 596. (¬4) نار من أرض الحجاز، للدكتور: زغلول النجار: http: //www.elnaggarzr.com/index.php?itm=d7dc90f7 - رضي الله عنه- 5 dae68 - رضي الله عنهما- 5 adf6868be8338f7

ثم بين أن المدينة تقع"بين حرة رهط في الجنوب, وحرة خيبر في الشمال, وتمتد حرة رهط بين المدينة المنورة شمالاً, ووادي فاطمة بالقرب من مكة المكرمة جنوبًا عبر مسافة تقدر بحوالي 310 كيلو مترًا في الطول, وستين كيلو مترًا في متوسط العرض لتغطي مساحة تقدر بحوالي 19830 كيلو مترًا مربعًا, بسمك متوسط حوالي المائة متر وإن كان يصل إلى أربعمائة مترًا في بعض الأماكن" (¬1). ثم ذكر أنه يوجد عدد من الفواهات البركانية في منطقة المدينة،"ومعنى هذا الكلام أن المنطقة مقبلة حتمًا على فترة من الثورات البركانية تندفع فيها الحمم من تلك الفوهات والصدوع كما اندفعت من قبل بملايين الأطنان، فتملأ المنطقة نارًا ونورًا تصديقًا لنبوءة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» (¬2). "وأنه قد تم تسجيل زلزالين كبيرين وقعا في حرة خيبر, أحدهما في سنة 460 هـ, والآخر في سنة 654 هـ, وقد سبقت الزلزال الأخير أصوات انفجارات عالية, تلتها ثورة بركانية كبيرة, وصاحبتها هزات أرضية استمرت بمعدل عشر هزا ت يوميًا، لمدة خمسة إلى ستة أيام، قدرت شدة أكبرها بخمسة درجات ونصف الدرجة على مقياس ريختر, وقد كونت هذه الثورة البركانية الأخيرة عددًا من المخاريط البركانية, ورفعت بملايين الأطنان من الحمم في اتجاه الجنوب, ولا تزال تلك المخاريط تتعرض لأعداد كبيرة من الرجفات الاهتزازية الخفيفة التي توحي بأن الصهارات الصخرية تحت المخروط البركاني لا تزال نشطة, مما يؤكد حتمية وقوع ثورات بركانية عارمة تخرج من أرض الحجاز في المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله, وذلك تصديقًا لنبوءة النبي الخاتم, والرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم- وشهادة له بالنبوة وبالرسالة , وبأنه عليه أفضل الصلاة وأزكى ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق.

التسليم، كان موصولاً بالوحي, ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض" (¬1). ¬

_ (¬1) المرجع السابق.

المطلب الثالث: كثرة الزلازل

المطلب الثالث: كثرة الزلازل من علامات الساعة وأماراتها التي أخبر عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كثرة الزلازل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ... » (¬1). وقد وقع في كثير من البلاد من الزلازل (¬2). يقول الحافظ ابن حجر (¬3) -رحمه الله-: " وقد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل، ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها" (¬4). وقد كثرت الزلازل في عصرنا الحاضر في أماكن متعددة، وهذا مصداق لما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬5). وعن أبى موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «أمتى أمة مرحومة، ليس عليها فى الآخرة عذاب، إنما عذابها في الدنيا، الفتن والزلازل» (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب (25): 1259، برقم (7121). (¬2) قد سبق ذكر بعض المصادر التي ذكرت الزلازل التي وقعت على الأمة الإسلامية: 422. (¬3) هو أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني الشافعي، أحد أعلام المحدثين، من مؤلفاته: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تهذيب التهذيب، والإصابة في تمييز الصحابة، توفي سنة 852هـ. نظر: الضوء اللامع: 2/ 36، وشذرات الذهب: 7/ 270. (¬4) فتح الباري: 13/ 87. (¬5) انظر: موقع الدكتور: زغلول النجار، بركان أيسلندا، وكتاب الزلازل حقيقتها وآثارها للدكتور: شاهر جمال آغا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت: 231. (¬6) سنن أبي داود، كتاب الفتن والملاحم، باب ما يرجى في القتل: 466 برقم (4278)، قال ابن حجر: سنده حسن. انظر: بذل الماعون في فضل الطاعون، لابن حجر، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، دار العاصمة، الرياض، ط1: 213، والسلسلة الصحيحة: 2/ 684.

المطلب الرابع: ظهور الخسف

المطلب الرابع: ظهور الخسف (¬1) من أشراط الساعة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهور الخسف (¬2)، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور» (¬3). وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، إذا ظهرت المعازف والقينات، واستحلت الخمر» (¬4). ومن الخسوف الكبيرة التي تكون قرب قيام الساعة، الخسف بجيش كامل في آخر الزمان، كما في الحديث عن بُقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يقول: «يا هؤلاء، إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريباً، فقد أظلت الساعة» (¬5). وقد أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببعض المواضع التي يقع فيها الخسف والقذف والمسخ، فعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أنس، إن الناس يمصرون أمصاراً. فإن مصراً يقال له: ¬

_ (¬1) خسف الله به الأرض أي غيبه فيها. انظر: لسان العرب: 2/ 1157، والقاموس المحيط: 724. (¬2) انظر: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، للشيخ حمود بن عبدالله التويجري، دار الصميعي، الرياض، ط2: 2/ 239، والزلازل، لإبراهيم طربيه، مجلة الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 22، وزلزال المحيط الهندي 2004 رؤية إيمانية، للدكتور حسني الدسوقي، مجلة الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 20. (¬3) سنن الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف: 317، برقم (2212) وقال: هذا حديث غريب، وصححه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة: 5/ 236. (¬4) المعجم الكبير للطبراني: 6/ 15، وصححه الألباني. انظر: صحيح الجامع الصغير: 1/ 683، والسلسلة الصحيحة: 4/ 293. (¬5) مسند الإمام أحمد: 45/ 99، برقم (27129)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، تحقيق: عادل بن سعد والسيد بن محمود إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض، ط1: 10/ 244، رواه الحميدي ورجاله ثقات. وحسنه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة: 3/ 429.

الخسف بأهل البدع

البصرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها، فإياك وسباخها وكلأها ونخيلها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون ويصبحون قردة وخنازير» (¬1). الخسف بأهل البدع: عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنه سيكون في هذه الأمة أو في أمتي - الشك منه- خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر» (¬2). كما جاء في الحديث الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة وعن عائشة -رضي الله عنها-؛ قالت: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأولهم وآخرهم». قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟. قال: «يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» (¬3). ولفظ مسلم: قالت عائشة -رضي الله عنها-: «عبث (¬4) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منامه، فقلنا: يا رسول الله! صنعت شيئًا في منامك لم تكن تفعله! فقال: «العجب أن أناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم». فقلنا: يا رسول الله! إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: «نعم؛ فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل؛ يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى؛ يبعثهم الله على نياتهم» (¬5). ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في ذكر البصرة: 470 برقم (24307)، وصححه الشيخ الألباني والشيخ عبدالقادر الأرناؤوط، انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير: 4/ 513، وصحيح سنن أبي داود: 3/ 812. (¬2) سنن الترمذي، كتاب القدر، باب 16: 358، برقم (2152)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحسنه الألباني. انظر: صحيح سنن الترمذي: 2/ 228. (¬3) صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق: 399، برقم (2118). (¬4) عبث: هو بكسر الباء. معناه اضطراب بجسمه. انظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 6. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت: 4/ 2210 برقم (3884).

المطلب الخامس: انتفاخ الأهلة

المطلب الخامس: انتفاخ الأهلة من أشراط الساعة الصغرى انتفاخ الأهلة (¬1)، حيث يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيرا، حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة، وأن يرى الهلال الليلة فيقال هو ابن ليلتين» (¬2)، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قَبَلا (¬3)، فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجأة» (¬4). وهذا الحديث واضح اليوم، فكم يختلف الناس في دخول الشهر وخروجه خصوصاً عند دخول شهر رمضان وخروجه، وكم هو اليوم؟ وذلك لانتفاخ الهلال، حتى يُرى وكأنه لليلتين. وعن أبي البختري (¬5) -رحمه الله- قال: "خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا ابن عباس -رضي الله عنهما- فقلنا: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، فقال: أي ليلة رأيتموه، قال: فقلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله قال: «إن الله مدَّه للرؤية، فهو لليلة رأيتموه» (¬6). وفي رواية عنه: «أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلاً إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- ¬

_ (¬1) انتفاخ الأهلة: عظمها. فيض القدير: 6/ 10. (¬2) المعجم الصغير للطبراني، تحقيق: محمد سليمان سمارة، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 367، وله طرق يقوي بعضها بعضاً. انظر: المقاصد الحسنة: 677، والسلسلة الصحيحة: 5/ 366. (¬3) قبلاً: بفتح القاف والباء أي يرى ساعة ما يطلع لعظمه ووضوحه من غير أن يتطلب. فيض القدير: 6/ 10. (¬4) المعجم الصغير للطبراني: 467. (¬5) هو سعيد بن فيروز ابن أبي عمران البختري، الطائي الكوفي، توفي سنة ثلاث وثمانين. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1: 11/ 32. (¬6) صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لا اعتبار بكبر الهلال وصغره وأن الله تعالى أمده للرؤية: 2/ 765 برقم (1088).

يسأله، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قد أمدَّه لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة» (¬1). قال القاضي عياض (¬2) -رحمه الله-: " قال بعضهم: الوجه أن يكون أمدَّه بالتشديد من الإمداد، ومدَّه من الامتداد. قال القاضي: والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها، ومعناه أطال مدته إلى الرؤية ... يقال منه مدَّ وأمدَّ. قال الله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} (¬3)، قرئ بالوجهين أي يطيلون لهم. قال: وقد يكون أمده من المدة التي جعلت له. قال صاحب الأفعال: أمددتك أي أعطيتكها، أو يكون من الإمداد وهي الزيادة في الشيء من غيره. فهؤلاء الرهط، أبو البختري ومن معه لما استنكروا كِبَرَ جرم الهلال، ورأوا أنه أكبر من أن يكون ابن ليلة، لعلوِّه وضخامته، بيَّن لهم ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه ابن ليلة، وألاَّ عبرة بكبره، معللاً بأن الله هو الذي مدَّه ليروه" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لا اعتبار بكبر الهلال وصغره وأن الله تعالى أمده للرؤية: 2/ 765 برقم (1088) .. (¬2) هو عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المشهور بالقاضي، من علماء المالكية، من مؤلفاته: إكمال المعلم بفوائد مسلم، والشفا في حقوق المصطفى، وترتيب المدارك وغيرها، توفي سنة 544. انظر: سير أعلام النبلاء: 20/ 212، وشذرات الذهب: 4/ 138. (¬3) الأعراف: 202. (¬4) إكمال المعلم بفوائد مسلم: 4/ 23، وشرح النووي على مسلم: 7/ 198.

المطلب السادس: عود أرض العرب مروجا وأنهارا

المطلب السادس: عود أرض العرب مروجاً (¬1) وأنهاراً من أشراط الساعة ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل زكاة ماله، فلا يجد أحدا يقبلها، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهارا» (¬2). "إن أرض العرب أرض قاحلة كما هو معروف، شحيحة المياه، قليلة النبات، غالب مياهها من الآبار والأمطار، فمن علامات الساعة أن تنقلب هذه الأرض ويكثر فيها المياه، حتى تكون أنهاراً، فتنبت بها النباتات، فتكون مروجاً وحدائق وغابات، وذلك إما بسبب حفر الآبار وزراعة الأرض، وإما بسبب تغير المناخ أو غير ذلك" (¬3). وقد ورد في خصوص منطقة تبوك -شمال أرض العرب- أنها تكون جناناً، ففي حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن غزوة تبوك، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا» (¬4)، وقد ملئت أرض تبوك جنانا، فالمزارع والبساتين والحدائق في كل مكان، بل أصبحت تبوك تصدر الكثير من الفواكه والخضراوات والزهور والحبوب إلى بعض البلدان المجاورة، بسبب الاهتمام المتزايد من أهالي المنطقة بالزراعة، وحفر الآبار الارتوازية التي ينبع منها الماء بكثرة ووفرة، كما اتجهت الحكومة إلى إنشاء السدود التي تحبس المياه، حتى أصبحت وكأنها أنهارا تجري لري الأراضي الزراعية في تلك المنطقة، حتى أصبحت مروجا ومزارع وخضرة يانعة. وقد قال النووي -رحمه الله- في تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا»: "معناه: أنهم يتركونها ويعرضون عنها، فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها، وذلك لقلة ¬

_ (¬1) المروج: جمع مرج، والمرج: الأرض الواسعة ذات نبات كثير، تمرج فيه الدواب، أي تخلى تسرح مختلطة كيف شاءت. انظر: النهاية في غريب الحديث: 4/ 315. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها: 2/ 700 برقم (157). (¬3) انظر: {إِنَّهُ الْحَقُّ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة -مكة- ط4: 75. } (¬4) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: 4/ 1784 برقم (706).

الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به" (¬1). وفي هذا التأويل نظر؛ لأن أرض العرب أرض قاحلة لا أنهار فيها، وإنما تسقى نخيلها وزروعها من مياه الآبار، ولو تركت وأعرض عنها وبقيت مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياه الآبار؛ لبقيت قاحلة يابسة. والصحيح أن هذه إشارة إلى ما ابتدئ فيه الآن من حفر الآبار الارتوازية التي ينبع الماء منها بكثرة، وإلى عمل السدود التي تحبس مياه السيول، فتكون أنهارًا تجري إلى الأراضي الطيبة، فتكون مزارع ومروجًا للدواب (¬2). وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «تعود»: والعود (¬3) في الأصل هو رجوع الأمر إلى شيء سبق أن كان عليه. ومتصفاً به. هذه حقيقة العود. أما معنى الحديث في النظرة العلمية المعاصرة: فإن " أرض العرب كانت مروجاً وأنهاراً، وأنها بعد فترة من الزمن أصبحت صحراء مجدبة قليلة الماء والأنهار، وأنها بعد ذلك ستعود ثانية فتجري فيها الأنهار وتمتلئ بالمرج الأخضر الذي يعلو أرضها. أما الشق الأول: وهو أن أرض العرب كانت تعلوها الخضرة، والمروج، وتسيل فيها الأنهار، فقد أثبتتها دراسات متعددة، وبينت تلك الدراسات أنها كانت كذلك. وأما الشق الثاني: وهو أنها ستعود ثانية مروجاً تعلوها الخضرة، وتنتشر في أنحائها البساتين، وتفوح في أجوائها عطر الأزاهير، إن هذا الأمر الذي يتحدث به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ القرون المتطاولة الممتدة، لا يتصوره الإنسان يحدث في أرض جرداء ممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي تعلوها الرمال الكثيفة التي لا تنبت كلاً ولا تمسك ماء" (¬4)؛ ولكنه يؤمن ويسلم ويصدق بما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم: 7/ 97. (¬2) إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 2/ 190. (¬3) انظر: الصحاح: 3/ 76، معجم مقاييس اللغة: 4/ 181، القاموس المحيط: 270. (¬4) الإعجاز العلمي في السنة النبوية: 924.

" وأما الأنهار وظهورها، فإننا سنترك ذلك للمستقبل القريب الذي سيطلعنا أو أبناءنا على ذلك، ولعل ما ثبت حديثاً في الدراسات الجيولوجية بأن المياه الجوفية في الأرض تتحرك باتجاه الجزيرة العربية، أقول: لعل ذلك مقدمة لظهور الأنهار في جزيرة العرب، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " (¬1). ونحن لا نشك بما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن جزيرة العرب ستعود جنات وأنهاراً، وأن غداً لناظره قريب (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 925. (¬2) انظر: مروج وأنهار أرض العرب في الماضي والمستقبل، دراسة في الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، للأستاذ الدكتور علي صادق، ضمن بحوث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: 161. وعودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً. م. جمال عبدالمنعم الكومي، مجلة الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة - مكة- العدد السادس: 167.

المطلب السابع: كثرة المطر وقلة النبات

المطلب السابع: كثرة المطر وقلة النبات من أشراط الساعة كثرة المطر وقلة النبات، فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً لا تُكِنُّ (¬1) منه بيوت المدر (¬2)، ولا تُكنُّ منه إلا بيوت الشعر» (¬3). وعن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليست السَّنَة (¬4) بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً» (¬5). فإذا كان المطر سبباً في إنبات الأرض فإن لله تعالى أن يوجد ما يمنع هذا السبب من ترتب المسبب عليه، والله تعالى خالق الأسباب ومسبباتها لا يعجزه شيء (¬6). ومعنى الحديث: "أن القحط الشديد ليس بأن لا يمطر بل بأن يمطر ولا ينبت؛ وذلك لأن حصول الشدة بعد توقع الرخاء وظهور مخائله وأسبابه أفظع مما إذا كان اليأس حاصلاً من أول الأمر والنفس مترقبة لحدوثها" (¬7). أما النظرة العلمية المعاصرة: فقد حذر علماء البيئة من أن التلوث الذي تشهده الأرض سوف يكون له تأثير على الأمطار،"ويقولون بأن مياه الأمطار كانت نقية قبل عدة قرون، أما هي اليوم فغالباً ما تكون ملوثة بحمض الكبريت، ويسمونها الأمطار الحامضية. ويقولون إذا زادت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو عن حدود معينة فإنه ¬

_ (¬1) الكن: ما يردّ الحر والبر من الأبنية والمساكن. النهاية في غريب الحديث: 4/ 206. (¬2) المدر: الطين المتماسك لئلا يخرج منه الماء. النهاية في غريب الحديث: 4/ 309. (¬3) مسند الإمام أحمد: 13/ 11 برقم (7564)، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وانظر: السلسلة الصحيحة: 7/ 794. (¬4) المراد بالسنة هنا: القحط. انظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 31. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة: 4/ 2228 برقم (2904). (¬6) انظر: إتحاف الجماعة: 3/ 225. (¬7) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 3/ 564.

سيلوث ماء المطر، وسوف يضر هذا الماء بالتراب، فيكون سبباً في فساد التربة بدلاً من أن يكون غذاء للنباتات والأشجار" (¬1). والله أعلم. ¬

_ (¬1) أمطار لا تُنبت لعبد الدائم الكحيل موقع عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. http: //www.kaheel7.com/modules.php?name=News&file=article&sid=686

المبحث الثاني الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الكبرى

المبحث الثاني الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة الكبرى وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: ما يكون مع المسيح الدجال بإذن الله. المطلب الثاني: الخسوفات الثلاثة. المطلب الثالث: الدخان. المطلب الرابع: طلوع الشمس من مغربها. المطلب الخامس: النار التي تحشر الناس. المطلب السادس: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين.

المطلب الأول: ما يكون مع المسيح الدجال -بإذن الله-

المطلب الأول: ما يكون مع المسيح الدجال -بإذن الله- من أشراط الساعة الكبرى خروج الدجال (¬1)، وقد ورد أنه يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، ويأتي القوم فيدعوهم فلا يستجيبون له، فيصبحون ممحلين (¬2). ففي حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتبنت .. ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة (¬3)، فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل (¬4)» الحديث (¬5). ومما يفتن الدجال به الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار، أو معه ما يشبه نهرا من ماء، ونهرا من نار، وواقع الأمر ليس كذلك، فإن الذي يرونه نارا إنما هو ماء بارد، وحقيقة الذي يرونه ماء باردا نار. عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الدجال: «إن معه ماءً وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار» (¬6). وفي رواية عند مسلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان: أحدهما: رأي العين، ماء أبيض، والآخر: رأي العين، نار تأجج، فإما أدركن أحد ¬

_ (¬1) انظر: أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار لعبدالملك بن حبيب الأندلسي، تحقيق: عبدالله بن عبدالمؤمن القماري، دار أضواء السلف، الرياض، ط1: 97، والبداية والنهاية: 19/ 113، وأشراط الساعة، ليوسف الوابل: 275. (¬2) انظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 58 - 59. (¬3) الخربة: أي الأرض الخراب. انظر: الصحاح: 2/ 35، والقاموس المحيط: 74. (¬4) أي ذكور النحل. قال القاضي المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة، لكن كنى عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها لأنه متى طار تبعته جماعته. انظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 67. (¬5) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2250 برقم (2937). (¬6) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال: 1360 برقم (7130).

فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد» (¬1). وفي رواية أخرى عن حذيفة -رضي الله عنه-: «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا، فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا، فإنه ماء عذب طيب» (¬2). فيتضح من هذه النصوص أن الناس لا يدركون ما مع الدجال حقيقة، وأن ما يرونه لا يمثل الحقيقة بل يخالفها، ولذلك فقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم: «وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة هي النار» (¬3). ومن فتنته أنه يقتل ذلك الرجل المؤمن الذي يخرج إليه ويشهد عليه بأنه الدجال، ثم يعجز عن قتله ولا يسلط عليه، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان فيما يحدثنا أنه قال: «يأتي الدجال - وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة - فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال، أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه» (¬4). وهذه الآية التي أعطاها الله آياها من إحياء الموتى -وهي آية عظيمة من آيات الأنبياء كما حصل لعيسى -عليه السلام- - إنما هي على سبيل الفتنة للعباد، وقد بأن لهم بالأدلة أنه المسيح مبطل غير محق في دعواه وأنه أعور، ومكتوب على وجهه كافر يقرؤه كل مسلم. وهذا نقص له في ذاته وقدره. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2248 برقم (2934). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2249، برقم (2935). (¬3) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2250 برقم (2936). (¬4) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب لا يدخل الدجال المدينة: 1361 برقم (7132).

1 - عن القمح الذي مع الدجال

أما آيات الأنبياء فهي سالمة من المعارضة فلا يوجد تشابه بينهما (¬1). ومن الأمور التي تحصل عند خروج الدجال حبس المطر والنبات، فقبيل خروج الدجال بثلاث سنوات، يأمر الله الأرض في السنة الأولى أن تمسك ثلث نباتها، والسماء أن تمسك ثلث مطرها، وفي السنة الثانية: يأمر الله الأرض أن تمسك ثلثي النبات، والسماء أن تمسك ثلثي المطر، وفي السنة الثالثة: قبل خروجه يأمر الله الأرض فلا تنبت شيئا، ويأمر السماء فلا تمطر شيء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله. عن أسماء بنت يزيد الأنصارية -رضي الله عنها-؛ قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، فذكر الدجال، فقال: «إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت ... » (¬2). ومن المخالفات العقدية فيما يتعلق بهذا الأمر ما يقع لبعضهم نتيجة محاكمة المستقبل للواقع الحالي أن يتأول تلك النصوص في ضوء ما يعايشه هو، ظناً منه أن الشرط سيكون من جنس ما يراه ويعايشه مع كون النص متضمنا لنقيض هذا، فمن أمثلة هذه التأويلات ما ذكره هشام كمال عبدالحميد في كتابه اقترب خروج المسيخ الدجال، حيث قال 1 - عن القمح الذي مع الدجال: "بالنسبة لما سيكون مع الدجال من كميات كبيرة من القمح تشبه الجبال، فيمكن تخيله بقيام الشياطين بزراعة مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية تحت الأرض باستخدامهم أساليب زراعية متطورة كالتهجين، وذلك قبل خروج الدجال بعشرات السنوات، ثم تقوم الشياطين بتخزين هذا القمح في صوامع تحت الأرض، وبأسلوب تخزين جيد يحفظها لفترات ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري: 13/ 103، شرح النووي على مسلم: 18/ 71. (¬2) مسند الإمام أحمد: 45/ 560، برقم (27579)، قال ابن كثير: لا بأس بإسناده. البداية والنهاية: 19/ 175، وانظر: إتحاف الجماعة: 2/ 371.

2 - أمر الدجال السماء أن تمطر

طويلة حتى يصل حجمها المخزون على مدار عدد من السنوات إلى ما يشبه الجبال، فيخرج الدجال ومعه هذه الكميات التي يغوى بها أهل الأرض" (¬1). 2 - أمر الدجال السماء أن تمطر: ويقول: "وبالنسبة لقيام الدجال بأمر السماء أن تمطر فتمطر أمام الناس، فيمكن تخيله بقيام الشياطين بصنع أجهزة علمية للدجال تصنع سحابا صناعيا مزودا بشحنات كهربائية مسجل عليها بصمة صوت الدجال (مثل نظام الخزائن البنكية التي لا تفتح إلا ببصمة صوت صاحب الخزينة فقط)، فتطلق الشياطين هذه السحابة من الأجهزة المعدة لذلك من مكان بعيد عن المكان الذي يقف فيه الدجال أمام الناس، وعندما تمر السحابة من فوقهم ينادي الدجال بإسقاط مطرها فتصطدم ذبذبات صوته بالذبذبات المسجلة لصوته على السحابة فتحدث شرارة كهربائية أو صاعقة بها وتسقط مطرها، ويمكن تخيل ذلك أيضا بقيام الشياطين بإطلاق السحابة الصناعية في السماء من مكان بعيد، وعندما ينادي عليها الدجال تقوم الشياطين من خلال أجهزة اتصال كاللاسلكي أو من خلال سماع صوته، وهم في مكانهم بالضغط على جهاز مثل الريموت كنترول، فيجعلون السحابة تسقط ما فيها من ماء، ويظن الناس أنها أمطرت بأمر الدجال" (¬2). وهذا من الخطأ والضلال البين؛ فإن فيه إنكار لما ثبت في السنة، وقياس للأمور المستقبلية على الأحوال التي يعيشها الإنسان. وهذا من أمور الغيب التي يجب التصديق بها (¬3). ¬

_ (¬1) اقتراب خروج المسيح الدجال، لهشام كمال عبدالحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1: 29. (¬2) المرجع السابق: 29. (¬3) انظر: تحذير ذوي الفطن من عبث الخائضين في أشراط الساعة، لأبي عبدالله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين، مكتبة السلف الصالح، جدة: 13/ 21، وموقف أهل السنة والجماعة من تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الحوادث: 238.

المطلب الثاني: الخسوفات الثلاثة

المطلب الثاني: الخسوفات الثلاثة من العلامات الكبرى التي أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحدوثها في آخر الزمان الخسوفات الثلاثة: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ففي حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، وذكر منها ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك ناراً تخرج من اليمن تطرد الناس إلى المحشر»، وفي رواية «ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس» (¬1). فهذه الخسوفات الثلاثة من الأشراط الكبرى التي لا تظهر إلا في آخر الزمان، وهي غير الخسوفات التي وقعت في الماضي وفي أماكن متعددة؛ لأن تلك من أشراط الساعة الصغرى، أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي خسوفات عظيمة. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: " وقد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد، كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدراً" (¬2). أما النظرة العلمية المعاصرة عن الخسوفات الثلاثة، فقد اكتشف علماء الجيولوجيا أن عدن فوق فوهة بركان عظيم هائل خامد (¬3). ويقول المهندس: معروف عقبة في بحثه (عدن البعد التاريخي والحضاري): "ومن المعلوم أن البراكين الكبيرة تكون مصحوبة بزلازل بسبب تكسر طبقات القشرة الأرضية جراء اندفاع الحمم البركانية من قاع الأرض إلى الطبقات العليا، مما يسبب انزلاق لطبقات القشرة الأرضية محدثة ما يسمي بالزلزال من قبل خروج الحمم إلى سطح الأرض ثم بعد حدوث الزلزال تكون الحمم البركانية قد ألقت بأثقالها من الحديد المنصهر فوق سطح الأرض" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: 4/ 2225، برقم (2901). (¬2) فتح الباري: 13/ 84، وانظر: إتحاف الجماعة: 2/ 262. (¬3) بركان عدن ونيران الحشر، لطارق عبده إسماعيل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: http: //quran-m.com (¬4) المرجع السابق.

فهناك علاقة وثيقة بين الزلزال والبركان، فكلاهما يعمل بنفس الآلية،"ويعتبر العلماء اليوم بعض الزلازل مؤشراً على قرب حدوث البركان الذي تقذف فيه الأرض كميات كبيرة من الحمم المنصهرة" (¬1)،"ولذا قد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع حديث بركان عدن عدة خسوف، وكما هو معلوم"أن الخسف له علاقة بالزلازل أيضاً ويكون الترتيب العلمي الجيولوجي الحدثي مطابق لترتيب حديث رسول الله والآيات التي ذكرناها كالتالي: - زلازل ثم خسوف ثم براكين وأقواها وأولها بركان عدن وبما أن البراكين معظمها تحت البحار فعندئذ سيكون {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (¬2) " (¬3). والله أعلم. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) التكوير: 6. (¬3) المرجع السابق.

المطلب الثالث: الدخان

المطلب الثالث: الدخان من علامات الساعة وأشراطها العظمى ظهور دخان قبل قيام الساعة، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} (¬1). وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه- المتقدم، قال: اطلع علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر الساعة فقال: «ما تذاكرون»؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آَيات فذكر الدخان ... » (¬2). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بادروا بالأعمال ستا: وذكر منها الدخان ... » (¬3). وقد اختلف العلماء حول المراد بالدخان ومتى يحدث؟ على قولين: 1 - فذهب بعضهم إلى أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين لم يستجيبوا له، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان (¬4). وقد استدل هؤلاء بما جاء في حديث مسروق بن الأجدع (¬5) -رحمه الله- قال: «كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصاً يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقال عبد ¬

_ (¬1) الدخان: 10 - 13. (¬2) سبق تخريجه: 586. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية أحاديث الدجال: 4/ 2267، برقم (2974). (¬4) انظر: تفسير الطبري: 25/ 132، وتفسير القرطبي: 16/ 131، وتفسير ابن كثير: 1/ 247. (¬5) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمذاني، الوادعي، الكوفي، من كبار أئمة التابعين وفقهائهم، ثقة عابد، أخرج له الستة، توفي سنة 63 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء: 4/ 63، تهذيب التهذيب: 10/ 109.

الله، وجلس وهو غضبان: يا أيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله -عز وجل- قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (¬1)، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من الناس إدبارا قال لهم: «اللهم سبع كسبع يوسف»، قال: فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان» (¬2). 2 - وذهب كثير من العلماء إلى أن الدخان هو من الآيات المنتظرة التي لم تأت بعد، وسيقع قرب يوم القيامة. وقد رجح الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هذا القول مستدلا بالأحاديث التي سبق ذكرها عند الاستدلال على هذه الآية (آية الدخان). قال ابن كثير -رحمه الله- بعد ذكر الأدلة وقول ابن عباس -رضي الله عنه- في أن الدخان من الآيات المنتظرة"وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرها التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ أي بين واضح، يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود -رضي الله عنه- إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ، وقوله تعالى: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا"} (¬3). أما النظرة العلمية المعاصرة فيقول الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- عن الإشارات العلمية والحقائق التاريخية في سورة الدخان: "الإشارة إلى دخان السماء الذي يصل إلى الأرض في صورة من صور العقاب الإلهي , أو كواحدة من العلامات الكبرى للساعة , ونحن نرى اليوم نجوم السماء تتخلق من دخان السماء , ثم تنفجر بعد انتهاء أجلها لتعود إلى دخان السماء. ¬

_ (¬1) ص: 86. (¬2) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب الدخان: 4/ 2155، برقم (2798). (¬3) تفسير ابن كثير: 7/ 249، وانظر: البداية والنهاية: 19/ 265.

وهذه العلامة إشارة إلى بدء انهدام النظام الكوني بتحول النجوم إلى دخان يصل إلى سكان الأرض كنوع من العذاب الأليم الذي توعد الله ـ تعالى ـ به العاصين من عباده" (¬1). وهكذا ذكر، والله أعلم بحقيقة الأمر. ¬

_ (¬1) تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ للدكتور زغلول النجار. http: //www.elnaggarzr.com/index.php?itm=2fdae23 - رضي الله عنه- 8 ce7119cca318ebebb479b67

المطلب الرابع: طلوع الشمس من مغربها

المطلب الرابع: طلوع الشمس من مغربها طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى كما هو ثابت بالكتاب والسنة (¬1). قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (¬2). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن الناس أجمعون، فذلك حيث لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (¬3). وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (¬4). وقد ذكر القرطبي -رحمه الله- عدم قبول التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها فقال: "قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحالة لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبي: 7/ 145، وتفسير ابن كثير: 3/ 371. (¬2) الأنعام: 158. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها: 1247 برقم (6506). (¬4) صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب: 4/ 2113 برقم (2759).

حضره الموت" (¬1). وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ... » الحديث (¬2). وقد ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: " أن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب" (¬3). أما النظرة العلمية المعاصرة لهذه الآية فقد ذكر الأستاذ خالد بن حمزة مدني تصوراً لطلوع الشمس من مغرب الأرض -والله أعلم بحقيقة ذلك- فقال: "بعد استقرار الشمس المقدر في المكان والزمان، كما جاء في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬4)، يمكن تصور طلوعها من مغرب الأرض دون أن ندخل في التعريف عن الكيفية، بتغيير اتجاه دوران الأرض كأن يكون معاكسًا لدوران كارنجتون R. Carrington. وهكذا سيكون في المجموع خلال عملية توسع الكون وانكماشه، اتجاهان مختلفان لدوران الأرض: الأول هو الذي نعيشه ونراه حيث تدور الأرض من غربها إلى شرقها لتطلع الشمس من مشرق الأرض، والثاني هو الذي يراه الإنسان قبل قيام الساعة حيث ستطلع الشمس من مغرب الأرض. إنهما عمليتان للشروق والغروب لا تتمان في وقت واحد، ولهذا ¬

_ (¬1) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 1346. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان والنفخ في الصور وبعث من في القبور: 4/ 2260 برقم (2941). (¬3) فتح الباري: 11/ 353. (¬4) يس: 38.

جاء قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} (¬1)، والذي يدل على أن الخالق واحد أحد، هو الإله بربوبيته وسلطانه وتوجيهه خلال عملية التوسع والانكماش، ليبقى التعبير واحدًا، فحيثما وجد الشروق والغروب هناك قدرة الله ودقة صُنعه". ثم قال: "ومن خلال ما أتاح لنا التفسير العلمي، نرى أن هناك مشرقين مختلفين في المكان والزمان: الأول هو الذي نراه الآن الناتج عن عملية الفتق أو الانفجار العظيم وبناء الكون وتوسعه حيث تدور الأرض من غربها إلى شرقها لتطلع الشمس من مشرق الأرض، والآخر هو الذي سيراه الإنسان قبل قيام الساعة أي عند بداية انكماش الكون وعملية طي السماء حيث ستطلع الشمس من مغرب الأرض. والله اعلم، وإنما الموفق من وفقه الله" (¬2). وذكر الأستاذ عبدالكحيل الدائم تفسيراً لطلوع الشمس من مغربها -والله أعلم بحقيقته أيضاً- يقول: "يتحدث العلماء اليوم عن تباطؤ في سرعة دوران الأرض حول نفسها، وهذا التباطؤ سيستمر حتى تتوقف الأرض عن الدوران، ولكن ماذا يعني ذلك؟ إننا نرى الشمس تطلع من الشرق كل يوم بسبب دوران الأرض حول نفسها، فإذا ما توقفت الأرض فإن ذلك سيؤدي إلى تغير اتجاه دورانها فتظهر الشمس من المغرب، وبذلك يتحقق قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «حتى تطلع الشمس من مغربها» " (¬3). وذكر الدكتور أحمد عوض عبدالهادي سؤالاً عن طلوع الشمس من مغربها وأجاب عنه فقال: "والسؤال الآن: ما هي المقدمات لطلوع الشمس من المغرب؟ وكيف ستتغير تلك الحركة؟ الجواب: لكي تتغير تلك الحركة تغيراً كلياً لا بد أولا أن تتباطأ حركة الأرض تدريجياً ¬

_ (¬1) الدخان: 17. (¬2) مفهوم {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ للأستاذ خالد بن حمزة مدني، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ومجلة الهيئة، العدد (19). وانظر: التعقيب عليه، للدكتور هاني محمد خليع في نفس الموقع، ومجلة الهيئة العدد (23). } (¬3) مطلع الشمس من مغربها، هل هناك إشارات علمية لذلك، للدكتور عبدالكحيل الدائم، موقع: www.kaheel7.com

عند دورانها حول نفسها حتى تتوقف توقفا كاملا، ثم تبدأ بالدوران العكسي حول نفسها أيضاً وعندها تطلع الشمس من المغرب، وهذا يعني أنه عند حصول ذلك التباطؤ يرافقه تباطؤ لوقت حصول الليل والنهار بالتأكيد! لأن سبب حصول الليل والنهار كما ذكرنا آنفا هو دوران الأرض حول نفسها خلال أربع وعشرين ساعة بالحساب الزمني الحالي، وعليه سيكون طول الليل والنهار عند حصول التباطؤ أكثر من أربع وعشرين ساعة، وهذا التباطؤ سيكون تدريجيا وبالتالي ستكون زيادة طول الليل والنهار تدريجية أيضا، لأن التوقف لو تم بشكل مفاجئ لدمر وأهلك كل من على الأرض من أحياء بل الأرض كلها. ويمكننا أن نستأنس بالحديث الذي رواه النواس بن سمعان -رضي الله عنه- وهو حديث طويل عن الدجال وظهوره آخر الزمان وهو علامة أيضا على قرب الساعة، وجاء في الحديث: «قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره» (¬1)، فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألونه عن لبث الدجال في الأرض عند ظهوره، فكان جوابه -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، أن لبثه أربعون يوما يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا هذه، فيمكننا أن نفهم من هذا الحديث؛ إذا قلنا أن ظهور الدجال سيكون في أيام تباطؤ الأرض جمعا بين حديثي الرسول -صلى الله عليه وسلم-: حديث طلوع الشمس من مغربها، وحديث خروج الدجال، حيث كلا الحديثين لهما علاقة ببعضهما من حيث التغير الزمني والفلكي، فطلوع الشمس من مغربها عبارة عن تغير فلكي وأما ظهور الدجال فيقع وقت ظهوره تغير زمني. فإذا جاز لنا ذلك، ولا مانع من استشراف المستقبل بما لا يخل بأصل ديني أو اعتقاد ثابت عند المسلمين، أقول إذا جاز لنا ذلك فإن ظهور الدجال سيكون عند توقف الأرض، وليس قبل ذلك لأن أول يوم ذكره نبينا -صلى الله عليه وسلم- وصفه بيوم كسنة، وهو أطول يوم على أهل الأرض قاطبة، فسيكون نهار مدته سنة، لمن هم يواجهون الشمس من أهل الأرض، وسيكون ¬

_ (¬1) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2250 برقم (2937).

ليل مدته سنة، لمن هم في الاتجاه الآخر من أهل الأرض. ثم تبدأ الأرض بالحركة البطيئة بالاتجاه المعاكس للاتجاه الذي هو عليه دورانها اليوم، وبالتالي سيبدأ الليل والنهار بالتناقص تدريجيا بعد ذلك اليوم الطويل، فيتقلص هذا الوقت في اليوم الذي يليه مباشرة فيصير كشهر، ثم يصير اليوم الثالث كجمعة أي كأسبوع، ثم تعود الأيام كأيامنا هذه، وهذا يعني أن الأرض ستعود تتحرك حركتها الطبيعية بعد ذلك التباطؤ والتوقف" (¬1). ¬

_ (¬1) أحداث النهاية بين العلم والقرآن والسنة"طلوع الشمس من مغربها"، للدكتور أحمد عوض عبدالهادي، موقع موسوعة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، http: //www.quran-m.com/firas/arabicold/?page= show_det&id=2110&select_page=12 وانظر: الإعجاز في طلوع الشمس من مغربها، لقسطاس إبراهيم، موقع جامعة الإيمان. www.jameataleman.org/agas/jowi/jowi

المطلب الخامس: النار التي تحشر الناس

المطلب الخامس: النار التي تحشر الناس من الآيات الكبرى والعلامات العظمى لأشراط الساعة والمؤذنة بقيام القيامة خروج نار تحشر الناس إلى محشرهم. وجاءت الروايات بأن خروج هذه النار يكون من اليمن من قعرة عدن، وجاءت روايات أخرى بأنها تخرج من بحر حضرموت. عن حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- في ذكر أشراط الساعة وآخره قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم»، وفي رواية: «نار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» (¬1). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» (¬2). أما النظرية العلمية المعاصرة ففي الدراسات الحديثة عن عدن "وجد أن مدينة عدن يقع معظمها بالبحر المحيط، وهي قد تكونت من بركان عظيم جداً أنفجر من جانب البحر، وأستمر دهراً، ثم بعد خموله وبروده أصبح له فوهة مقعرة ككل البراكين ولكنها كبيرة جداً جداً، وأصبحت فيما بعد هي مدينة عدن التاريخية ... " (¬3). ولقد قدر العلماء قوة هذا البركان بمائة قنبلة هيدروجينية. ويقول المهندس: معروف عقبة في بحثه (عدن البعد التاريخي والحضاري: "يعتبر بركان عدن أحد المراكز البركانية الستة التي تقع في خط بركاني واحد، وتمتد من باب المندب عند ¬

_ (¬1) سبق تخريجه: 586. (¬2) سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز: 367 برقم (2217)، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، ومسند الإمام أحمد: 8/ 134 برقم (4538) وقال محققه: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني. انظر: صحيح سنن الترمذي: 2/ 243. (¬3) بركان عدن ونيران الحشر لطارق عبده إسماعيل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة http: //www.quran-m.com/container.php?fun=artview&id=687.

المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حتى مدينة عدن، ولقد حدث مؤخراً منذ أيام نشاط أحد هذه المراكز البركانية الستة بجبل الطير قبالة سواحل اليمن بالبحر الأحمر، وأخيراً نستعرض ملخص وجه الإعجاز العلمي والجغرافي والتاريخي والغيبي لحديث رسول الله عن مدينة عدن: 1 - أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن عدن مدينة مقعرة الشكل فقال «قعرة عدن» وهذا لم يتضح إلا بالتصوير عن بعد بالطيران أو بالأقمار الصناعية. 2 - أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن عدن تقوم على بركان خامد , ولكن امتداده بالفعل يصل للب الكرة الأرضية، الذي هو معروف أنه كتلة ضخمة جداً من الحديد والنيكل المنصهر، وقد خرجت الحمم النارية من هذا البركان في ثورة عظيمة في المياه القريبة من الساحل بالبحر المحيط، كون بعدها هذا البركان جبل ضخم فوقه فوهة عظيمة، كانت هي مدينة عدن, وستخرج النار مرة أخرى من نفس المكان , وهذا أمر معتاد في معظم البراكين في العالم, وسيكون الخروج الأخير في صورة أشد وأقوى سيسوق فيها البشر لمكان الحشر بأرض الشام" (¬1). وذكر الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- أن من آخر المستجدات في مجال الإعجاز العلمي: "ما أثبته العلم منذ عدة سنوات، هو وجود طفوح بركانية غرب الجزيرة العربية تزيد عن 90.000 كيلواً متر ممتدة إلى الجولان هذه الطفوح مليئة بالفوهات البركانية التي لا تزال نشطة إلى يومنا هذا، ومنها حوالي 700 فوهة بركانية حول المدينة المنورة، سجلت ما لا يقل عن 300 هزة أرضية خلال سنة واحدة، مما يؤكد أنها لا تزال نشطة، وبالتالي فلابد لها من أن تفور في يوم من الأيام وحتمية العلم تؤكد ذلك وستكون فورتها من علامات الساعة" (¬2). والله أعلم. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) 700 فوهة بركانية حول المدينة المنورة ستكون فورتها من علامات الساعة، للدكتور زغلول النجار، موقع المدينة المنورة. www.madenah-manawara.com/vb/showthread.php? - رحمه الله- =28386

المطلب السادس: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين

المطلب السادس: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين من علامات الساعة الكبرى الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ريحٍ طيبةٍ تخرج لقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان، فتهب فلا يبقى على ظهر الأرض من يقول الله إلا وأخذته، فيبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة، وقد جاء في وصفها أنها ألين من الحرير، فقال -عليه الصلاة والسلام- بعد ما ذكر خروج الدجال وقتله، وبعد خروج يأجوج ومأجوج وفنائهم، قال: «فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر (¬1)، فعليهم تقوم الساعة» (¬2). وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى»، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (¬3) أن ذلك تاما، قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم» (¬4). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يبعث ريحا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة (وفي رواية: مثقال ذرة) من إيمان؛ إلا قبضته» (¬5). أما النظرة العلمية المعاصرة فلم أجد من تكلم عنها فيما يتعلق بالإعجاز العلمي -حسب علمي-. ¬

_ (¬1) أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس. انظر: شرح النووي على مسلم: 18/ 70. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه: 4/ 2250 برقم (2937). (¬3) التوبة: 33. (¬4) صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة: 4/ 2230، برقم (2906). (¬5) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في الريح التي تكون قرب القيامة تقبض من في قلبه شيء من الإيمان: 1/ 109، برقم (117).

الفصل الثامن الآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة

الفصل الثامن الآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: الآيات الكونية السماوية. المبحث الثاني: الآيات الكونية الأرضية.

تمهيد

تمهيد الآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة منها آيات سماوية -كالسماء والشمس والقمر والنجوم والكوكب-، ومنها آيات أرضية -كالأرض والجبال والبحار-، وأهوال يوم القيامة وما يحدث لهذه الآيات الكونية من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها (¬1). وقدم الله سبحانه وتعالى مشاهد ما يقع للآيات السماوية على مشاهد ما يقع للآيات الأرضية، فقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (¬2)، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (¬3)،، وقال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} (¬4). فيجب التصديق بها وعدم التكلف فيها؛ فإن مثل هذه الأمور لا تدرك إلا بخبر عن الله -عز وجل- وعن ونبيه -صلى الله عليه وسلم-. وقد سبق في المبحث السابق - الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة - بيان الضوابط في دراسة مثل هذه الأمور وسبب إيراد كلام المعاصرين عن التفسير والإعجاز العلمي (¬5). ¬

_ (¬1) ذكر القرطبي تفسيراً للنصوص الواصفة لأهوال يوم القيامة -ومنها هذه الآيات الكونية- في كتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 2/ 538. (¬2) الانفطار: 1 - 3. (¬3) الانشقاق: 1 - 5. (¬4) التكوير: 1 - 11. (¬5) ص: 563.

قال الحليمي (¬1) -رحمه الله-: " وقد أخبر الله -عز وجل- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنه مفني ما على وجه الأرض ومبدل الأرض غير الأرض، وأن الشمس تكور، وأن البحار تسجر، والكواكب تنثر فيذرها قائمة صفصفاً لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً، وكل ذلك كائن على ما جاء به الخبر، وعد الله صدق وقوله حق. وأما ما وراء ذلك مما لم يخبر الله -عز وجل- عنه بشيء، فأمره إليه وهو أعلم بما هو فاعله. ولا ينبغي لنا أن نتكلم فيه بشيء لأن القول على كل حال بغير علم حرام، فالاجتراء به على الله جل ثناؤه أشد وأولى بالحرمة، أعني بهذا إن سائل سأل: أن السماء إذا طويت والشمس إذا كورت أو الكواكب إذا انتثرت، أو عن الأرض بعد ركوب الناس الصراط وفراغها منهم، ماذا يكون من أمرها بعد ذلك؟ لم يكن له جواب يمكن القطع به، والأولى بالمسؤول أن يقول: كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للذي سأله عن الساعة: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» (¬2). فإن مثل هذا لا يدرك إلا بخبر ولم يأتنا في هذه الأبواب عن الله جل ثناؤه خبر إلا أن في الجملة يخبرنا بانتقاض الأجسام، فإن أراد الله تعالى أفناها وحبس البقاء عنها، وفعل ذلك بها، وإن أراد غير ذلك فله الخلق والأمر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو على كل شيء قدير" (¬3). وقد ذكر د. زغلول النجار -حفظه الله-: "من ضوابط التعامل مع قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ما يلي: ¬

_ (¬1) هو أبو عبدالله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، كان رئيس المحدثين والمتكلمين في بلاد ما وراء النهر، من مؤلفاته: المنهاج في شعب الإيمان، توفي سنة 403. انظر: سير أعلام النبلاء: 17/ 231، وشذرات الذهب: 3/ 167. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله: 1/ 36 برقم (18). (¬3) المنهاج في شعب الإيمان: 1/ 336 - 337.

1 - عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة، وضرورة التوقف في ذلك عند حدود النصوص الواردة في كتاب الله أو في أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، انطلاقاً من الإيمان الكامل بهما، واعترفا بعجز الإنسان عن الوصول إلى مثل هذه الغيوب المطلقة بغير هداية ربانية. 2 - التأكيد على أن الآخرة بتفاصيلها المختلفة وأحداثها المتتابعة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة، وعلى ذلك فإن وقوع الآخرة لا يحتاج إلى أي من سنن الدنيا البطيئة الرتيبة؛ لأن الله تعالى يصف وقوعها بالفجائية الشديدة، وذلك بقوله -عز من قائل- مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). وعلى ذلك فإن المشتغلين بعلوم الكون إذا استخدموا عدداً من الشواهد الحسية التي أبقاها الله تعالى لنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء للتدليل على حتمية الآخرة من أجل البرهنة على تلك الحتمية وعلى ضرورتها، فإن ذلك لا يمكن أن يعني قدرتهم على استشراف زمن وقوعها الذي هو من صميم الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله تعالى" (¬2). " فيوم القيامة من الأمور الغيبية التي لا يصح الكلام فيها إلا بدليل من الكتاب أو السنة ... كما أن الآخرة لا تنطبق عليها نواميس الدنيا ... فلها نواميس مختلفة ... ولذلك لا يصح أن نطبق قوانين الدنيا على الآخرة ... وإنما نصدق بما جاءنا عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ... ولا نخوض في أشياء غيبية لا نعرفها ... لأن هذا من القول بغير علم ... وقد قال الله سبحانه ¬

_ (¬1) الأعراف: 187. (¬2) تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ للدكتور زغلول النجار. موقع الدكتور زغلول النجار. http: //www.elnaggarzr.com/index.php?itm=66e075381fbee8ee27490f992ab3312d

وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬1) " (¬2). وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- عن الوفاء ابن عقيل (¬3) -رحمه الله- جواباً لمن ذكر لماذا يخرب الله العالم عند يوم القيامة؟. قال ابن القيم -رحمه الله-: " وقرأ قارئ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وفي الحاضرين أبو الوفاء ابن عقيل، فقال له قائل: يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية، وسير الجبال، ودك الأرض، وفرط السماء، ونثر النجوم، وكورت الشمس؟ فقال: إنما بنى لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خربها لانتقال الساكن منها، فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموراً بهم وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين، وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث مدبر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيباً لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم. فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار ودلالة على عظيم عزته وقدرته وسلطانه وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته فتبارك الله رب العالمين"} (¬4). ¬

_ (¬1) الإسراء: 36. (¬2) موسوعة الإعجاز العلمي ليوسف الحاج: 404. (¬3) هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، من علماء الحنابلة، وله مؤلفات كثيرة، منها: كتاب الفنون، الذي يزيد على أربعمائة مجلد، توفي عام 513. انظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 443، وشذرات الذهب: 6/ 58. (¬4) التفسير القيم لابن القيم: 505.

المبحث الأول: الآيات الكونية السماوية

المبحث الأول: الآيات الكونية السماوية وعد الله سبحانه وتعالى بأن يجعل للكون نهاية، كما خلقه سبحانه فإنه سوف ينهيه ويطويه، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (¬1)، ومن الآيات الكونية السماوية التي وردت في النصوص: السماوات، والشمس، والنجوم، والكواكب. 1 - السماوات: أخبر الله -عز وجل- أن هذه السماوات على ارتفاعها النائي، وسمكها العظيم، وعددها الكثير، وجمالها الباهر، تأتي ساعة من الساعات ويكون في ذلك خرابها وزوالها في يوم القيامة. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} (¬2)، يوم القيامة تتحرك السموات لأمر الله تعالى فيموج بعضها في بعض، ثم تنشق على عظمها وسمكها وارتفاعها، قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (¬3). وهي عندما تنشق يكون لها لون وشكل، قال تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (¬4)، قال ابن كثير -رحمه الله-: " أي تذوب كما يذوب الدردي (¬5)، والفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها. فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم" (¬6). ¬

_ (¬1) الأنبياء: 104. (¬2) الطور: 9. (¬3) الانشقاق: 1 - 2. (¬4) الرحمن: 37. (¬5) دردي الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله. لسان العرب: 2/ 1355. (¬6) تفسير ابن كثير: 7/ 498.

وقال تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} (¬1) كدردي الزيت، ثم يكون الضعف والوهن في السماء على عظمها وقوتها (¬2)، {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (¬3). وقال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} (¬4)، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (¬5)، فهي تتشقق وتنفطر وتضعف ويكون فيها فُرج أي: أبواب (¬6)، كما أخبر سبحانه وتعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} (¬7). وفي نهاية الأمر تنتهي السماء وذلك بنزعها وطيها (¬8)، قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} (¬9) فقلعت ونزعت بشدة فطويت (¬10)، وقال تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (¬11)، وأن هذا الطي كطي السجل للكتب، قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (¬12). وقد جاءت الأحاديث الصحيحة دالة على مثل ما دلت عليه النصوص القرآنية، ومبينة لما يقوله الحق تبارك وتعالى بعد قبضه الأرض، وطيه السماء، ففي الحديث المتفق عليه ¬

_ (¬1) المعارج: 8. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 18/ 265. (¬3) الحاقة: 16. (¬4) المرسلات: 9. (¬5) الانفطار: 1. (¬6) انظر: تفسير ابن كثير: 8/ 297. (¬7) النبأ: 19. (¬8) وقد ذكر علماء الفلك أن ذلك سيأتي. انظر: الموسوعة الكونية الكبرى: 20/ 262. (¬9) التكوير: 11. (¬10) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 235. (¬11) الزمر: 67. (¬12) الأنبياء: 104.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض» (¬1). وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» (¬2). أما النظرة العلمية المعاصرة فإن علماء الفلك وردت التساؤلات عنهم، ما مستقبل الكون؟ فذكروا أن الكون يتسم بالصفات التالية: 1 - كون يتوسع إلى مرحلة معينة أو زمن معين، ثم يقف التمدد عند نقطة معينة، وذلك بسبب تفوق الجاذبية الذاتية للكون، بعد ذلك يعود للتقلص من جديد وانكماش الكون على نفسه حتى يعود للحالة ذاتها التي حدثت قبل الانفجار العظيم، أي نهاية الكون من جديد، وإذا كان الكون بهذه الصورة فإن الفضاء يتحدب حول الكون، أي يصبح الكون على شكل منحنى. 2 - كون يتوسع مع تباطؤ في حركة فرار المجرات، لكن هذا التوسع سيبقى إلى الأبد، أي لن تستطيع كثافة الكون أن تسيطر على قوة الانفجار التي أدت إلى تمدد الكون" (¬3). ولكن سواء حدث للكون النمط الأول أو الثاني فإن فناء هذا الكون وانهياره أمر لا مفر منه، ففي النمط الأول"فإن الكون سينكمش ويعود إلى مرحلة البداية، وهي حالة من حالات الانهيار للكون، أما في النمط الثاني يبقى الكون يتمدد إلى فترة معينة بحيث تنتهي الطاقة كلياً من الكون، حيث ينتهي الهيدروجين من النجوم، ويصبح الكون بالتالي جثة هامدة، لذلك فإن مستقبل الكون هو الموت في كلا النموذجين" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يقبض الله يوم القيامة: 1249 برقم (6521). (¬2) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: 4/ 2148 برقم (2788). (¬3) الموسوعة الفلكية الحديثة، لعماد مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1: 336. (¬4) المرجع السابق: 336.

أما طي السماء

أما طي السماء: فقد قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (¬1). ففي هذه الآية يخبرنا الله -عز وجل-: " أولاً: أنه مهما اتسع الكون وكثرت محتوياته وثقل وزرنه فهو لن يتكبر أو يستعصي على خالقه بل سيطويه في سهولة ويسر كما يطوي صاحب السجل صحائفه. ويؤكد لنا العزيز القدير هذه الحقيقة في آية أخرى بقوله: إن ذلك على الله يسير، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (¬2)، وفي آية أخرى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬3). ويشبه لنا ثانياً: الكون بالصحائف المستوية، وقد يكون الكون مستوياً فعلاً وهي الحالة بين الكون المنغلق والمنفتح عندما تكون كثافة الكون تساوي الكثافة الحرجة وهذا ما يرجحه كثير من الفلكيين. وقد يبدو لنا مستوياً -وإن كان حقيقة غير ذلك- بسبب عظمة الخالق. وهنا نرى مدى قرب تشبيه الكون لصفحات السجل، استواء نراه في الكون من كل جانب حتى يخيل لنا أنه فعلاً مستوياً -وقد يكون كذلك- لاستواء الصحائف. ويربط أذهاننا ثالثاً: بعملية انكماش الكون وانهياره فتشبيه طي الكون بطي الصحائف لهو تشبيه تفوق روعته أي وصف ولا يمكن أن يصدر إلا من الحكيم العليم الذي خلق هذا الكون، فبعد تمدد الكون واتساعه إلى ما هو عليه الآن -أو إلى ما سوف يصبح عليه في المستقبل- يطوي الخالق هذا الكون بكل ما فيه فيعود هذا الشيء الذي كبر واتسع إلى ما كان ¬

_ (¬1) الأنبياء: 104. (¬2) العنكبوت: 19. (¬3) الروم: 27.

أما كيف يكون المهل؟

عليه" (¬1). ثم ذكر صاحب موسوعة الإعجاز العلمي التفسير العلمي لطي السماء فقال: "إن عملية انكماش الكون وانهياره على نفسه هذا الانهيار الهائل إلى نقطة بدايته لهو أقرب تفسير يستطيع العلم أن يقدمه حالياً لطي الكون أو طي السماء إلى ما كانت عليه في بداية الخلق، ومع ذلك فهناك بعض الملاحظات التي يجب أن نأخذها في الاعتبار: الأولى: التعبير العلمي أو الإنساني لعملية الانكماش الذي يتبعه انهيار هائل هو انعكاس لما يراه أو يتصوره الإنسان في هذا الحدث الهائل من قوة وعنف تفوق مقدراته وطاقاته بل وخياله ... ومن ناحية أخرى نرى في التعبير القرآني لطي السماء أو الكون هدوء يعكس مقدرة الخالق المقتدر، الذي يصدر منه هذا الحديث، فنهاية الكون كله بالنسبة إليه ليست بأكثر من عمل سهل هين نقوم به نحن كل يوم، ألا وهو طي بعض الصحف ليس فيه عناء على الخالق كما لا يسبب طي الصحف أي عناء لنا. الثانية: إذا كان انتهاء الكون حسب التفسير العلمي بانكماشه ثم انهياره يساعدنا في فهم الآية الكريمة وفي تفسير طي السماء الآن وإعادة الكون إلى ما بدأ منه، بل الأكثر من ذلك نجد فيه اتفاقاً كبيراً مع النص القرآني، فليس معنى ذلك أن هذا هو التفسير الوحيد للآية الكريمة، فالطي الإلهي للكون ممكن أن يتخذ صورة نموذج الانكماش والانهيار، وممكن أن يتم بصورة أخرى قد نعلمها وقد لا نعلمها" (¬2). أما كيف يكون المهل؟ فإن المهل سائل لزج حار، يتكون من الحجارة وما فيها من المعادن، ويخرج من الأرض متدفقاً في الهواء أو منسكباً فوق الأرض وله دورة خاصة لحياته فقد ينشط مع البراكين وقد ¬

_ (¬1) موسوعة الإعجاز العلمي، ليوسف الحاج: 401 - 402. (¬2) المرجع السابق: 402 - 403.

يسكن مع خمولها (¬1). ثم إن تأين (¬2) الغازات التي تدخل في تركيب الهواء الجوي,"لا يتم بدون طاقة عالية الشدة, عندئذ تصبح السماء يوم القيامة مثل المهل, أي مثل المهل في حرارته وتأين مكوناته من ذرات العناصر الكيميائية, إذ يختلف مهل الأرض عن مهل السماء في نوعية العناصر الكيميائية" (¬3). ¬

_ (¬1) الإعجاز العلمي -الأرض وعلوم البحار- أ. د. محمد وليد كامل. http: //www.eajaz.org/arabic/index.php?option=com_content&view= article&id =291: 2010 - 07 - 25 - 12 - 41 - 55&catid=112: 2010 - 08 - 24 - 22 - 34 - 41&Itemid=97 (¬2) التأين: عملية فيزيائية لتحويل الذرة أو الجزء إلى أيونات بإضافة أو إزالة جسيمات مشحونة مثل الإلكترونات. والأيون: هو ذرة مشحونة كهربائيا بعد تفاعل كيميائي أخذت إلكترونات من ذرة أو ذرات أو أعطتها إياها. انظر: موسوعة ويكيبيديا. http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%8A%D9%88%D9%86 (¬3) المرجع السابق.

2 - الشمس والقمر

2 - الشمس والقمر: إن الشمس والقمر من الآيات الكونية التي يجري خرابها يوم القيامة، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬1). يذهب ضوء القمر وتظلم الشمس وتجمعان معا ويرمى بهما، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (¬2) ولعلماء التفسير أقوال في معنى تكوير الشمس، فقيل: ذهابها، وقيل ذهاب ضوئها وقيل رمي بها، وغير ذلك. قال ابن جرير -رحمه الله-: " والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال {كُوِّرَتْ} كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: (جمع بعض الشيء إلى بعض)، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة وهو جمع الثياب بعضها إلى بعض ولفها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأولناه وبيناه لكلا القولين اللذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كورت ورمي بها ذهب ضوءها"} (¬3). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» (¬4). أما النظرة العلمية المعاصرة فيقول الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- عن جمع الشمس والقمر يوم القيامة: "وهي تعبر عن نزع الإنسان من هول علامة من علامات تدمير الكون، فجمع الشمس والقمر أصبح حقيقة علمية الآن، لأنه ثبت بقياسات دقيقة للغاية أن القمر (الذي يبعد عنا في المتوسط حوالي 400 ألف كم) يتباعد عنا بطريقة مستمرة بمعدل ثلاثة سنتيمترات في السنة، وهذا التباعد سيدخل القمر وقت من الأوقات في نطاق جاذبية ¬

_ (¬1) القيامة: 7 - 9. (¬2) التكوير: 1. (¬3) تفسير الطبري: 30/ 81. (¬4) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر {بِحُسْبَانٍ: 615 برقم (3200).

الشمس فتبتلعه الشمس، وهذا من التنبؤات العلمية المبنية على استقراءات كونية، وحسابات فلكية دقيقة، فالقمر يستمر بتباعده عن الأرض لابد وأن يؤدي به هذا التباعد في يوم من الأيام إلى أن تبتلعه الشمس، ولكن متى سيتم ذلك؟ هذا في علم الله سبحانه وتعالى" (¬1). وذكر الدكتور يوسف الحاج في بيان مصير الشمس بين القرآن والعلم ومعنى قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ: أن"نفاد الهيدروجين من قلب الشمس ووفرة الهيليوم داخله تؤدي إلى حصول لا تجانس واضح في توزيع المادة، فإن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، وهذا يعني اختلاف كثافة مادة النجم وفقدان التوازن. لذلك لابد من حركة شاملة لإعادة توازن جسم الشمس ... ، ويحصل هذا إذا انتفخ الجزء الخارجي من مادة الشمس انتفاخاً هائلاً فيما يتقلص اللب. وعندئذ يتغير لون الشمس إلى الأحمر ... وإذ تضعف القوى الداخلية في اللب، فإن القشرة الخارجية المنتفخة لا تستطيع أن تسند نفسها على شيء فينهار جسم الشمس على بعضه في عملية تسمى (التكوير) وذلك بسبب جاذبية أجزائه بعضها للبعض الآخر، مما يجعلها تنكمش انكماشاً مفاجئاً وسريعاً، فتنسحق المواد للشمس، وتتداخل الجزئيات، وتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل، إلا أن قوة التنافر الكهربائي بين الأغلفة الإلكترونية للذرات تقاوم تدخلها عندما تصبح المسافة بينها قليلة، ... وبذلك تتعادل قوة التنافر الكهربائي مع قوى الجذب التي تؤدي إلى تكوير الشمس، وعندما يحصل هذا التوازن تكون الشمس قد وصلت إلى مستقرها"} (¬2). ثم ذكر أن"علماء الفلك يقدرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفئ، هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، هذا بالإضافة إلى ما تم ¬

_ (¬1) من آيات الإعجاز في القرآن الكريم- جمع الشمس والقمر- للدكتور: زغلول النجار، موقع الدكتور زغلول النجار، http: //www.elnaggarzr.com/index.php?itm=f284c5e2c250ded08b09a450ccc2e726 وانظر: أسرار الشمس بين الوصف القرآني وحقائق علم الفلك الحديث، لصبحي رمضان فرج مدرس. http: //quran-m.com/container.php?fun=avtviewyid=1020 (¬2) موسوعة الإعجاز العلمي، ليوسف الحاج: 356.

كشفه في القرن العشرين من أن النجوم كسائر المخلوقات تنمو وتشيخ ثم تموت، فقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأمريكية ( nasa) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض، إلا أن موعد حدوث ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (¬1) " (¬2). ¬

_ (¬1) الأعراف: 187. (¬2) المرجع السابق: 368.

3 - النجوم والكواكب

3 - النجوم والكواكب: النجوم والكواكب خلق من ذلك الكون الذي أذن الله تعالى بخرابه وتغير أموره بما شاء الله تعالى، قال الله تعالى عن النجوم: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} (¬1)، أي ذهب ضياؤها فلم يكن لها نور ولا ضوء (¬2)، وقال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} (¬3) أي تناثرت وتغيرت وتساقطت (¬4). أما النظرة العلمية المعاصرة لها فإن النجوم تختلف عن الكواكب السيارة اختلافاً بيناً،"فالنجم عبارة عن كتلة ضخمة جداً من الغاز الساخن والملتهب، وتشع النور والحرارة ذاتياً، أما الكواكب فهو عبارة عن كتلة صلبة من الصخور أو الغازات الصلبة، ويدور حول النجم ... ويستمد الكوكب نوره وحرارته من النجم الذي يدور حوله" (¬5). وقد ذكروا أن النجوم تمر في مراحل عمرية مختلفة، حيث توجد نجوم في مرحلة الولادة، ونجوم في مرحلة الشباب، ونجوم في مراحل الشيخوخة، ونجوم في مرحلة الاحتضار وأخرى ميتة (¬6). "ويتوقع العلماء أن تنفصل المجرات عن بعضها البعض، وتصبح مثل جزر منفصلة من نجوم ميتة يصعب رؤية بعضها البعض أيضاً. أي أن النجوم ستنطفئ تدريجياً ويختفي ضوؤها، وهذا ما أخبر عنه القرآن في قوله تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، فهذه الآية تؤكد أن النجوم لن تدوم إلى الأبد، بل سينفذ وقودها، وتنخفض شدة إضاءتها تدريجياً حتى تنطمس كلياً"} (¬7). ¬

_ (¬1) المرسلات: 8. (¬2) تفسير الطبري: 29/ 277. (¬3) التكوير: 2. (¬4) المرجع السابق: 30/ 82. (¬5) الموسوعة الفلكية الحديثة: 275. (¬6) المرجع السابق: 289. (¬7) الانهيار الكوني لعبدالدائم الكحيل. www.kaheel7.com/modules.php?name=news&file=article&sid

ويقولون أيضاً: "ستصبح مجرتنا (درب التبانة) مثل جزيرة منفصلة في بحر غير متغير من فضاء أسود تماماً في غضون 15 مليار عام القادمة، والمدة الحقيقية لا يعلمها إلا الله تعالى، يقول تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وهذا ما يعتقد به العلماء، فيقولون: مع مرور الزمن ستنطفئ النجوم في جميع المجرات تدريجياً، تاركة مجاميع باردة من كواكب مدمجة ستلهبها (الثقوب السوداء) "} (¬1). ¬

_ (¬1) المرجع السابق.

المبحث الثاني: الآيات الكونية الأرضية

المبحث الثاني: الآيات الكونية الأرضية وعد الله سبحانه وتعالى بأن يجعل للكون نهاية، كما خلقه سبحانه، فإنه سوف يعيده، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (¬1)، ومن الآيات الكونية الأرضية التي وردت في النصوص: الأرض، والجبال، والبحار. 1 - الأرض: من الآيات الكونية يوم القيامة: تحرك الأرض وارتجاجها وتحركها وارتجافها، قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} (¬2)، وتزلزلها: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (¬3)، ودكها: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (¬4)، {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (¬5)، وتمهد وتسوى وتصبح كالبساط الواحد لا ارتفاع ولا انخفاض فيها، قال تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (¬6)، وتمد، قال تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} (¬7) مثل مد الأديم ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم (¬8)» (¬9)، ¬

_ (¬1) الأنبياء: 104. (¬2) المزمل: 14. (¬3) الزلزلة: 1. (¬4) الحاقة: 14. (¬5) الفجر: 21. (¬6) طه: 106 - 107. (¬7) الانشقاق: 3. (¬8) الأديم: الجلد ما كان. لسان العرب: 9/ 1219. (¬9) سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم: 440 برقم (408)، قال البوصيري في الزوائد: 3/ 261: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وانظر: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 503/ 658.

وتلقي ما في بطنها من الأموات وتتخلى عنهم {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (¬1). قال ابن كثير -رحمه الله- في بيان حال الإنسان إذا رأى ما يحدث للأرض وأنه استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها"أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها، من الزلزال الذي لا محيد عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين وحينئذ استنكر الناس أمرها، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار" (¬2)، فهو مشهد عظيم. ثم بعد هذه المشاهد للأرض، يبدلها الله تعالى كما قال -عز وجل-: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬3). وقد اختلف في تبديل الأرض، فقيل: 1 - تبدل الأرض أرضا أخرى من فضة. 2 - وقيل تبدل نارا. 3 - وقيل تبدل خبزة. 4 - وقيل تبدل غير ذلك. ذكر هذا ابن جرير -رحمه الله- وقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: يوم تبدل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها، وكذلك السماوات اليوم تبدل غيرها كما قال جل ثناؤه، وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا، وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أيُ ذلك يكون، فلا قول في ذلك يصح إلا ما دل عليه ظاهر التنزيل" (¬4). وقال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ ¬

_ (¬1) الانشقاق: 4. (¬2) تفسير ابن كثير: 8/ 460. (¬3) إبراهيم: 48. (¬4) تفسير الطبري: 13/ 299، وانظر: فتح الباري: 11/ 375.

بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (¬1). وهذا مشهد عظيم فيه بيان لعظمة الله تعالى وقدرته وهيمنته على خلقه أجمعين. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟» (¬2). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يطوي الله -عز وجل- السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» (¬3). قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (¬4) -رحمه الله-: " هذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان" (¬5). فيقبض الحق تبارك وتعالى الأرض بيده في يوم القيامة، ويطوي السماوات بيمينه، كما قال تبارك وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ¬

_ (¬1) الزمر: 67. (¬2) سبق تخريجه: 204. (¬3) صحيح مسلم، كتاب المنافقين وصفاتهم: 4/ 2148، برقم (2788). (¬4) هو الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من أئمة الدعوة النجدية، وله من المؤلفات: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وقرة عيون الموحدين، والرد على داود بن جرجيس وغيرها، توفي عام 1285هـ. انظر: مشاهير علماء نجد، للشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، دار اليمامة، الرياض، ط2: 78، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبدالله البسام، دار العاصمة، الرياض، ط2: 1/ 180. (¬5) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبدالرحمن بن حسن، تحقيق الوليد الفريان، دار عالم الفوائد، مكة، ط11: 2/ 847.

وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (¬1). وهذا القبض للأرض يقع بعد أن يفني الله خلقه. والأرض التي يحشر العباد عليها في يوم القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬2). عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها معلم (¬3) لأحد» (¬4). وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الوقت الذي يتم فيه هذا التبديل هو وقت يكون الناس على الصراط، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} (¬5)، فأين يكون الناس يا رسول الله؟ فقال: على الصراط» (¬6). وعن ثوبان -رضي الله عنه- أن حبراً من أحبار اليهود سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هم في الظلمة دون الجسر» (¬7). ¬

_ (¬1) الزمر: 67. (¬2) إبراهيم: 48. (¬3) العفراء: بالعين المهملة والمد بيضاء إلى حمرة. والنقي: بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء هو الدقيق الحوري، وهو الدرمك، وهو الأرض الجيدة. المعلم: أي ليس بها علامة سكنى أو بناء ولا أثر. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 17/ 134. (¬4) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة: 4/ 2150 برقم (2790). (¬5) إبراهيم: 48. (¬6) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة: 4/ 2150 برقم (2791). (¬7) صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما: 1/ 252 برقم (315).

كما أخبر عنها أنها تشرق وتضيء يوم القيامة بنور ربها (¬1)، قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (¬2). وقوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} (¬3) "خطاب لسيد المخاطبين -صلى الله عليه وسلم- أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية، أي: وترى جميع جوانب الأرض: بارزة بادية ظاهرة، أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ما عداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار، وإنما اقتصر على زوال الجبال لأنه يعلم منه زوال الأرض بطريق الأولى" (¬4). وقد أنكر بعضهم زلزلة الأرض يوم القيامة، وقال: إن المقصود بذلك أنه الزلزال الوضعي الصناعي الذي يحصل بواسطة الحفريات وغيرها، يقول أحمد فائق رشد في تفسير سورة الزلزلة: "ليس المقصود هنا زلزلة الأرض الطبيعية ولاشيء كهذا؛ لأن الزلازل الأرضية لا تخرج لنا الأثقال الموجودة في باطن الأرض بل بالعكس إذا كانت الرجة شديدة، والهزة قوية مديدة فتبتلع القرى والمباني" (¬5)، ثم قال: "فالمقصود من كلام الله هو غير ذلك بل هو الزلزال الوضعي الصناعي الذي يحدث بواسطة الأيدي البشرية يعني الحفريات العديدة العظيمة التي تقوم بها جماعات وشركات لأغراض مختلفة، منها البحث عن الآثار القديمة، والمدن المطمورة. ومنها -وهو المقصود المطلوب هنا- البحث عن المعادن، الكنوز الثمينة كالذهب والفضة والحديد والنحاس والفحم وسائر المعادن الثقيلة" (¬6)، ثم قال: "من يزور منجماً واحداً من مناجم التعدين ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 118. (¬2) الزمر: 69. (¬3) الكهف: 47. (¬4) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 15/ 288. (¬5) تفسير القرآن من القرآن في دائرة العلم والعقل والواقع المحسوس، لأحمد فائق رشد، مطبعة النصر بالفجالة: 42. (¬6) المرجع السابق: 43.

للحديد مثلاً أو للفحم .. يرى ما يدهش من جبال الأتربة والصخور المستخرجة من باطن الأرض". بل قال: "والمعنى الباطني: الزلزلة: الشك في الإيمان والاضطراب في الاعتقاد وضعف الثقة بصاحب الأمر، والأرض رمز الأمة" (¬1). ولا شك أن هذا الكلام غير صحيح ولا يستحق الرد عليه، فهو مخالف للنصوص الشرعية، والعقول السوية (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق: 49. (¬2) انظر: شوائب التفسير في القرن الرابع عشر، لعبدالرحيم فارس أبو علبة، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة التابعة لدار الفتوى بلبنان، جامعة بيروت الإسلامية، مطبوعة بالحاسب الآلي: 1/ 115.

2 - الجبال

2 - الجبال: أخبر الله تبارك وتعالى أن الأرض الثابتة، وما عليها من جبال صم راسية تُحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} (¬1). وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} (¬2). فأول ما يجري للكائنات عند زلزلة الأرض هو ذهاب الجبال لأنها هي الرواسي للأرض كما أخبر الله تعالى عن هذا بقوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (¬3)، وقوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (¬4). فيزيل الله الجبال من أماكنها ويذهبها سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (¬5). وقال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (¬6)، فتراها كأنها ثابتة، باقية على ما كانت عليه وهي تمر مر السحاب، أي تزول عن أماكنها (¬7). قال تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} (¬8)، فتزال الجبال عن أماكنها وذلك بصيرورتها ¬

_ (¬1) الحاقة: 13 - 15. (¬2) الكهف: 47. (¬3) النبأ: 6 - 7. (¬4) النازعات: 32. (¬5) طه: 105 - 107. (¬6) النمل: 88. (¬7) انظر: تفسير القرطبي: 13/ 242، وتفسير السعدي: 610. (¬8) الطور: 10.

هباء ثم ذهابها. قال تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} (¬1) فصارت كالدقيق. وفتتت فصارت أرضاً، وقيل نسفت (¬2)، كما قال تعالى: {يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} (¬3). وهو الرمل الذي تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه (¬4). فتبقى الأرض مستوية لا حجر فيها ولا شجر ولا انخفاض ولا ارتفاع فهي ظاهرة مكشوفة جميعها للرائي (¬5). هذا وصف، ثم يعطي سبحانه وتعالى وصفا آخر لما يحصل للجبال من عجائب قدرته تعالى وأن لا شيء وإن عظم بمستحيل مع قدرة الله تعالى فيقول -عز وجل-: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} (¬6)، وقال تعالى في موضع آخر: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (¬7) والعهن هو: الصوف المصبوغ ألوانا، المنفوش: النفش: مدك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض (¬8). هذه حال الجبال يوم القيامة وصفاتها المروعة بعد الصلابة والقوة والكبر والكثرة تصير بهذه الصفات ثم يذهبها الله تعالى حتى يصبح لا أثر لها. قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} (¬9)، وقال تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ ¬

_ (¬1) الواقعة: 5 - 6. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 176، وتفسير ابن كثير: 8/ 305. (¬3) طه: 105. (¬4) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 47، وتفسير ابن كثير: 8/ 256. (¬5) انظر: تفسير القرطبي: 11/ 245. (¬6) المعارج: 9. (¬7) القارعة: 5. (¬8) تفسير القرطبي: 20/ 165، وتفسير ابن كثير: 8/ 468. (¬9) النبأ: 20.

سُيِّرَتْ} (¬1). قال د. زغلول النجار -حفظه الله-: "فإن عملية ما يحدث للجبال يوم القيامة هو عملية غيبية غيبة مطلقة، ولا يمكن للعلم الكسبي أن يقول فيها شيئاً على الإطلاق، ولولا ما توافر لنا من هدي خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- في وصف كيفيات ما يحصل لها ما كان ممكناً لنا أن نخوض في أمور غائبة عنا غيبة مطلقة كهذه الأمور" (¬2). ¬

_ (¬1) التكوير: 3. (¬2) تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ للدكتور زغلول النجار. موقع الدكتور زغلول النجار. http: //www.elnaggarzr.com/index.php?itm=66e075381fbee8ee27490f992ab3312d

3 - البحار

3 - البحار: من المشاهد المهولة في يوم القيامة تغير البحار عن طبيعتها المعهودة لما يحصل لها من أمر الله تعالى وذلك بخرابها كما قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (¬1). وقد ذكر المفسرون أقوالاً كثيرة لمعنى سجرت وكلها تعطي معنى للتغيرات العظيمة التي أرادها الله تعالى. فقيل معنى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ أي أوقدت فصارت نارا تضطرم. وقيل: ملئت بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها. وقيل أرسل عذبها على مالحها، ومالحها على عذبها حتى امتلأت، وقيل فجرت فصارت بحرا واحدا. وقيل: هو من سجرت التنور أسجره سجرا: إذا أحميته. وقيل معنى سجرت: أنها صارت حمراء كالدم} (¬2). وقال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (¬3) "أي فتح بعضها على بعض، عندما تسوى الأرض بعد زوال الجبال وتصبح قاعا صفصفا، يذهب البرزخ الحاجز، والحجر الذي كان يمنع الماء من الفيضان على الأرض، فتتدفق المياه على بعضها، وهي نار تضطرم فتوجف القلوب وتضطرب من هذا المشهد المروع" (¬4). أما النظرة العلمية المعاصرة فيقول د. زغلول النجار -حفظه الله- عن البحر المسجور: "من المعاني اللغوية للبحر المسجور هو المملوء بالماء , والمكفوف عن اليابسة , وهو معنى صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة، كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين , ومن ¬

_ (¬1) التكوير: 6. (¬2) انظر: تفسير القرطبي: 19/ 230، وتفسير ابن كثير: 8/ 331، وتفسير الشوكاني المعروف بفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تحقيق: د. عبدالرحمن عميرة، دار الوفاء، المنصورة، ط2: 5/ 516. (¬3) الانفطار: 3. (¬4) تفسير القرطبي: 19/ 244، وانظر: تفسير ابن كثير: 8/ 341.

المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المُبهِر أيضا أن البحر قد أُوقد عليه حتى حمي قاعه فأصبح مسجورا ً, وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المُتأخِّرة من القرن العشرين , والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا ً , وهذا ما نفصله في الأسطر التالية: أولا ً: " {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬1) بمعنى المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة " ... ثم ذكر دورة تكوّن مياه الأرض، ثم قال: "هذه الدورة المُحكَمة للمياه حول الأرض أدَّت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها, وإبقاء أقله على اليابسة , وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات , وبقيت نسبة ضئيلة على هيئة ماء عذب على اليابسة". ثم ذكر: "أن الجليد المُتجمِّع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المُرتفِعة فوق سطحها إذا انصهر، وهذا لا يحتاج إلا إلى مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية، وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات إلى أكثر من مائة متر، فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والمُمتدَّة حول شواطئ تلك البحار والمحيطات ". ثم قال: "من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} بأن الله -تعالى- يمن علينا- وهو صاحب الفضل والمنة- بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات , وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة منذ خلق الإنسان , وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات مُتعدِّدة أهمها ذلك السُمْك الهائل من الجليد المُتجمِّع فوق قطبي الأرض وعلى قمم الجبال , والذي يصل إلى أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي , وإلى ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي , ولولا ذلك لغطى ماء الأرض أغلب سطحها , ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية , والحيوانية , والنباتية , وهي إحدى آيات الله البالغة في الأرض , وفي إعدادها لكي تكون صالحة للعمران ". ¬

_ (¬1) الطور: 6.

وقد ذكر عن الحمم التي في النار أن العلم أثبت"سنة 1962 أن قاع البحر يتسع من منتصفه، واتساع البحر صفة تلازم بحار العالم اليوم، وأحدث محيط وهو البحر الأحمر الذي يسمى المحيط الوليد ( Baby Ocean) يتسع قاعه منذ نشأته باستمرار، ويبلغ معدل اتساعه السنوي حاليا 4 ـ 6 سم. والمعروف بالمشاهدة أن الحمم تصعد، من تحت البحر، من عند الأماكن التي يتسع فيها البحر، وتبرد وتكون قاع البحار. ومن المؤكد أن تحت البحر ناراً، ومن المعلوم لدى علماء الجيولوجيا والبحار أن البحر الأحمر لم يكن له وجود في الزمن الماضي، وكانت أرض العرب وأرض أفريقية قطعة واحدة تشكل يابسة تسمى الأرض العربية النوبية, ثم خسفت الأرض عبر الخط الذي يمتد بمحاذاة منتصف البحر الأحمر الحالي. ومدت الأرض من هذا الموضع، وتصدعت وأخذ الخسف يكبر شيئا فشيئاً، وصاحبه هبوط الأرض، واتصل جوفها بسطحها، وصعدت الحمم من باطن الأرض، وبردت الحمم لتكون أول جزء من قاع البحر، وكانت تلك اللحظة شهادة ميلاد البحر. ومنذ تلك اللحظة والبحر يتسع باستمرار من منتصفه، ومنذ تلك اللحظة لا يتوقف صعود الحمم، ويظل البحر مسجوراً بالنار من منتصفه" (¬1). وقد ذكر كذلك الحقيقة المؤكدة أن قاع البحر مسجور، والدليل على ذلك حيد - حافة- وسط المحيط (¬2). وفي مجلة الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة"أن قاع البحر يسجر بالنار عند المنطقة الناتجة من تباعد القطعتين، ولا يكون البحر بحراً إلا إذا كانت حالته أنه مسجور. فالبحار مسجورة من منتصفاتها، ولكن بالقدر الذي يسمح لها بالوجود إلى أن يأتيها الأمر فتسجر وتفجر {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (¬3)، {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (¬4). وحينئذ ستمد ¬

_ (¬1) "والبحر المسجور" للدكتور: زغلول النجار، موقع الدكتور زغلول النجار. www.elnaggarzr.com/index.php?itm=f17585927839360 - رضي الله عنه- 49 ife96460896067 (¬2) المرجع السابق. (¬3) التكوير: 6. (¬4) الانفطار: 3.

الأرض مداً من منتصفات قيعان البحار, وتصعد الحمم من عندها فتملأ البحر ناراً وحينئذ تسجر البحار، وتمد البحار من منتصفاتها فتخرج أثقال الأرض, وحينئذ تفجر البحار ويكون قد تحقق قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (¬1) " (¬2). والتفسير الثاني للبحر المسجور: يقول الدكتور زغلول النجار: "بمعنى القائم على قاع أحمته الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة " (¬3). ثم ذكر قيعان محيطات الأرض وما فيها وما يحصل لها وما ينتج منها من توسع وأنه "يصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي , واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية , والثورات والطفوح البركانية " (¬4). ثم ذكر تكون سلاسل من الصخور البركانية، وما يحصل من اندفاع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان وأنه"مع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار , وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطيء المحيط يمنة ويسرة , ليحل محلها أحزمة أحدث عمرا تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة , وتترتب بصورة متوازية علي جانبي أغوار المحيطات والبحار , ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه , وبذلك يمتليء محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه ¬

_ (¬1) الانشقاق: 3 - 5. (¬2) البحر المسجور واتساع قاع البحر، مجلة الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة، العدد (27)، وموقع الهيئة. http: //www.eajaz.org/arabic/?option=com_content&view=article&id=797&catid=85: 27 (¬3) والبحر المسجور للدكتور زغلول النجار، موقع الدكتور زغلول النجار. http: //www.eajaz.org/arabic/index.php?option=com_content&view=article&id=243: --6&catid=112: 2010 - 08 - 24 - 22 - 34 - 41&Itemid=97 وانظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 30/ 603. (¬4) المرجع السابق.

فتسجره , بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع , والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة ... بذلك ثبت لكل من علماء الأرض والبحار ـ بالأدلة المادية الملموسة ـ أن كل محيطات الأرض (بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي) , وأن أعدادا من بحارها (من مثل البحر الأحمر) , قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل وتصل إلى نطاق الضعف الأرضي , وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساسا في قيعان البحار والمحيطات" (¬1). وفي الختام يجب أن نعلم كما ذكرنا سابقا (¬2) " أن يوم القيامة من الأمور الغيبية التي لا يصح الكلام فيها إلا بدليلٍ من الكتاب أو السنة .. كما أنّ الآخرة لا تنطبق عليها نواميس الدنيا .. فلها نواميس مختلفة، ولذلك لا يصح أن نطبق قوانين الدنيا على الآخرة .. وإنّما نصدق بما جاءنا عن رسولنا الكريم صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً .. ولا نخوض في أشياءٍ غيبية لا نعرفها .. لأن هذا من القول بغير علمٍ" (¬3). وقد قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، وانظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 30/ 63. (¬2) ص: 606. (¬3) موسوعة الإعجاز العلمي ليوسف الحاج: 404. (¬4) الإسراء: 36.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فقد انتهيت - بعون الله تعالى وتوفيقه - من إتمام هذا البحث وإكماله، وقد بذلت فيه جهدي وطاقتي. هذا ويمكن أن أجمل أهم النتائج والفوائد التي توصلت إليها في الأمور التالية: 1 - أن بحث الآيات الكونية ودراستها وتعلمها وتعليمها من الأمور المهمة، فقد أمر الله بالنظر والتفكر فيها لأنه يقوي الإيمان في القلوب، ويؤدي إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، والاستعداد للقدوم على الدار الآخرة. 2 - أهمية الإيمان بالغيب والتسليم والتصديق بالنصوص الشرعية، ودراسة الإعجاز العلمي وفق الضوابط الشرعية. 3 - التفريق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي. 4 - أن الأسباب لها مكانتها في الشريعة، فيجب فعل الأسباب مع الاعتماد وتفويض الأمر لله. 5 - أن الآيات الكونية السماوية والأرضية لها دلالتها العقدية في جميع أبواب العقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر ومسائل الإيمان ولأسماء والأحكام وغيرها. 6 - معرفة الموقف العقدي الصحيح من التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن والسنة. 7 - استحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية، فإذا حصل تعارض بين حقيقة قرآنية وما يعتقد أنه حقيقة علمية، فيجب تمحيص هذه الحقيقة العلمية، التي غالبا ما يثبت أنها ليست حقيقة، بل هي نظرية، وإن أي خلاف ناشئ فهو حتماً ناتج من أحد الأمرين: إما جهل لغوي باللغة العربية .. وإما جهل علمي.

8 - معرفة الهدي القرآني والنبوي تجاه الآيات الكونية والاستفادة منه في تقرير العقيدة.

التوصيات

التوصيات 1 - تخصيص وأختيار أحد التفاسير أو كتب السنة واستخراج الدلالات العقدية التي ذكرها عن الآيات الكونية كتفسير ابن كثير أوتفسير الطاهر بن عاشور أو صحيح البخاري. 2 - تفصيل البحث في آية من الآيات الكونية وبيان دلالتها العقدية على جميع مسائل الإيمان، والتوسع في بحثها، وخصوصاً لمن لديه إلمام باللغات الأخرى وخصوصاً الإنجليزية، مثل الماء، أو الشمس أو الأرض أو غيرها. 3 - تكوين لجنة مختصة بفحص ومراجعة الكتابات والبحوث المتعلقة بالآيات الكونية فيما يتعلق بالمسائل العقدية. 4 - بيان دلالة الآيات الكونية على مسألة من المسائل العقدية، مثلاً دلالة الآيات الكونية على الإيمان بالملائكة، على الإيمان بالقدر ... إلخ. وفي الختام: أحمد الله تعالى وأشكره أن أعانني على إتمام هذا البحث وإخراجه بهذه الصورة التي أرجو أن أكون قد وفقت بها في عرضه، وبيان أهم جوانبه على الوجه المطلوب. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل واتباع كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يجنبنا الزلل ومزالق الأهواء، وأن يأخذ بنواصينا لما فيه رضاه وسعادتنا في الدارين، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه به، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الفهارس العامة

الفهارس العامة وتشتمل على: - فهرس المصادر والمراجع. - فهرس الموضوعات.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع 1. 700 فوهة بركانية حول المدينة المنورة ستكون فورتها من علامات الساعة، للدكتور زغلول النجار، موقع المدينة المنورة. 2. الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة لأبي عبدالله عبيد الله بن محمد بن بطة، تحقيق: الوليد بن سف نصر، دار الراية، الرياض، ط1. 3. اتجاهات التفسير في العصر الراهن لعبد المجيد بن عبد السلام المحتسب، مكتبة النهضة الإسلامية، عمان، ط3. 4. اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر لفهد بن عبد الرحمن الرومي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3. 5. إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، للشيخ حمود بن عبدالله التويجري، دار الصميعي، الرياض، ط2. 6. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري، تحقيق: عادل بن سعد والسيد بن محمود إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض، ط1 7. إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعبد الكريم بن علي النملة، دار العاصمة، الرياض، ط1. 8. اتساع قاع البحر للدكتور زغلول النجار، مجلة الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة، العدد (27)، وموقع الهيئة على شبكة الانترنت. 9. الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين لسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1418. 10. أثر التدريس بالآيات القرآنية الكونية على التحصيل الدراسي لتدريس وحدة بمادة العلوم للصف الثاني متوسط لمحمد بن أحمد الغامدي، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من كلية التربية، قسم المناهج وطرق التدريس، بجامعة أم القرى بمكة. 11. أثر القمرين في الأحكام الشرعية لعبد المجيد بن عبد الله اليحيى، رسالة لنيل درجة

الماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود، المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن. 12. اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، تحقيق: عواد المعتق، دار الرشد، ط 3. 13. الأجزاء الكونية بين النقل والعقل لعبد العزيز آل عبد الله، مكتبة دار البيان، ط1. 14. الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك لأحمد بن حسن الحارثي، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مطبوعة بالحاسب الآلي. 15. أحداث النهاية بين العلم والقرآن والسنة، للدكتور أحمد عوض عبدالهادي، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على شبكة الانترنت. 16. أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها وتطبيقاتها القضائية لأحمد بن عبد الله الفريح، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن. 17. أحكام القرآن لابن العربي، بتحقيق علي البجاوي، دار الجيل، بيروت. 18. الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن محمد الآمدي، تعليق: الشيخ عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض، ط1. 19. إحياء علوم الدين للغزالي، تحقيق: محمد خير طعمه حلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1. 20. الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد لسعود العريفي، دار عالم الفوائد، مكة، ط1. 21. الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب، للشيخ عبد العزيز بن عبد الله باز، مكتبة الرياض الحديثة، ط 3. 22. الأذكار للنووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الهدى، الرياض، ط7. 23. أسباب النزول للواحدي، تحقيق: أحمد صقر، دار القبلة، جدة. 24. الاستذكار لابن عبد البر، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار قتيبة، بيروت، ط 1. 25. الإسراء والمعراج لمحمد بن ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، ط5.

26. أسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا وأسامة صلاح الدين منيمة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1. 27. أسرار الشمس بين الوصف القرآني وحقائق علم الفلك الحديث، لصبحي رمضان فرج مدرس، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 28. أسرار الكون بين العلم والقرآن لعبد الدائم الكحيل، موقع عبد الدائم الكحيل. 29. الإسلام في عصر العلم لمحمد فريد وجدي، الكتاب اللبناني، بيروت، ط3. 30. الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان، تعريب: ظفر الإسلام خان، مراجعة وتحقيق: عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11. 31. أسماء الله الحسنى لعبدالله الغصن، دار الوطن، الرياض، ط1. 32. الأسماء والصفات للبيهقي، تحقيق: عبد الحاشدي، دار السوادي، جدة، ط1. 33. الإشاعة لأشراط الساعة، لمحمد بن رسول البرزنجي، مع تعليقات المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، اعتنى به: حسين محمد علي شكري، دار المنهاج، جدة، ط3. 34. أشراط الساعة ليوسف الوابل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط2. 35. أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار لعبدالملك بن حبيب الأندلسي، تحقيق: عبدالله بن عبدالمؤمن القماري، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 36. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، تحقيق: عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة: ط 1. 37. أصول التفسير وقواعده لخالد بن عبد الرحمن العك، دار النفائس، بيروت ط2. 38. أصول الدين لأبي منصور عبدالقاهر البغدادي، دار صادر، بيروت، ط1. 39. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعلامة محمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1415. 40. إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2. 41. الاعتصام للشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة التوحيد، المنامة.

42. الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أحمد أبو العينيين، دار الفضيلة، الرياض، ط 1. 43. الإعجاز العلمي - الأرض وعلوم البحار- أ. د. محمد وليد كامل، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 44. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، لصالح رضا، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 1. 45. الإعجاز العلمي في القرآن لسامي بن أحمد الموصلي، دار النفائس، بيروت، ط1. 46. الإعجاز العلمي في لفظتي المريض والممرض في الأحاديث النبوية، لعبدالبديع حمزة زللي. 47. الإعجاز في طلوع الشمس من مغربها، لقسطاس إبراهيم، موقع جامعة الإيمان اليمنية. 48. أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي تحقيق: محمد بن سعد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة، ط1. 49. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 50. الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط15. 51. اقتراب خروج المسيخ الدجال، لهشام كمال عبدالحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1. 52. اكتشاف الآلية التي يؤثر بها قرين الإنسان من الشيطان عليه في الوسواس والسحر والتلبس والمس والأمراض النفسية والعلاج الناجح لكل ذلك من خلال أطعمة القرآن والرقية الشرعية والاستعاذة بالله، بحث خاص مقدم من مركز الأبحاث العلمية في مؤسسة الدكتور جميل القدسي الدويك لمؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب. 53. إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، القاهرة، ط3. 54. إكمال المعلم شرح صحيح مسلم لأبي عبد الله الأبي، مكتبة طبرية. 55. الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء،

مصر، ط2. 56. الإمام المجدد والعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني لعمر أبو بكر، دار بيت الأفكار الدولية، عمّان. 57. الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، للدكتور: محمد البار، دار المنارة، جدة، ط2. 58. أمطار لا تُنبت لعبد الدائم الكحيل موقع عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 59. إمعان في أقسام القرآن لعبد الحميد الفراهي، المطبعة السلفية، القاهرة، 1349. 60. إنه الحق، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة -مكة- ط4. 61. الانهيار الكوني لعبدالدائم الكحيل، موقع د. عبدالدائم الكحيل. 62. أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، تحقيق: محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1. 63. الآيات الكونية في ضوء العلم الحديث، لمنصور محمد حسب النبي، دار المعارف، القاهرة. 64. الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى، لمحمد متولي الشعراوي، أشرف واعتنى به: أحمد الزغبي. 65. آيات الله في الكون - تفسير الآيات الكونية بالقرآن الكريم لعبد الله شحاته، دار نهضة مصر، القاهرة، ط5. 66. إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، لمحمد بن إبراهيم المرتضى، دار الكتب العلمية، بيروت. 67. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، ط1. 68. الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة للشيخ صالح الفوزان، دار الوطن، الرياض، ط1. 69. الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، الرياض، ط1.

70. البحر المحيط لأبي حيان، تحقيق: عادل عبد الموجود، وآخرون، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1. 71. البحر المسجور للدكتور زغلول النجار، موقع د. زغلول النجار. 72. البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق: د. عبدالله التركي، دار عالم الكتب، الرياض، ط1. 73. البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط وآخرين، دار الهجرة، الدمام، ط1. 74. البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله لعبد الرحمن بن سعدي، تحقيق: باسل بن سعود الرشود، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 75. البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية، لعبد المجيد العرجاوي، دار وحي القلم، دمشق، ط1. 76. براهين وأدلة إيمانية لعبد الرحمن حسن حبنكه الميداني، دار القلم دمشق، ط1. 77. البرق بين العلم والإيمان لعبد الدائم الكحيل، موقع د. عبدالدائم الكحيل. 78. بركان أيسلندا، للدكتور زغلول النجار، موقع الدكتور: زغلول النجار. 79. بركان عدن ونيران الحشر، لطارق عبده إسماعيل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 80. البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه الحجة والبرهان لبرهان الدين أبي القاسم محمود بن حمزة الكرماني، تحقيق: أحمد عز الدين خلف الله، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط1. 81. البرهان في علوم القرآن لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت. 82. بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزير، لمحمد بن يعقوب الفيروزابادي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، تحقيق: عبدالعليم الطحاوي. 83. بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج، ترجمة بشير فرنيس وكوركس عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2.

84. بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية، تصحيح: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، دار القاسم، الرياض، ط2. 85. تاريخ الخلفاء للسيوطي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر. 86. تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط 2. 87. التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، تحقيق: محمد زهري النجار، المؤسسة السعيدية، الرياض. 88. تتمة أضواء البيان للشيخ عطية سالم، دار ابن تيمية القاهرة. 89. تحذير ذوي الفطن من عبث الخائضين في أشراط الساعة، لأبي عبدالله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين، مكتبة السلف الصالح، جدة. 90. التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس. 91. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد بن عبدالرحمن المباركفوري، تحقيق، عبد الرحمن محمد عثمان، دار ابن تيمية، القاهرة. 92. تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لفريح بن صالح البهلال، دار الأثر، ط 1. 93. تذكرة الحفاظ للذهبي، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية. 94. التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي: تحقيق: الصادق بن إبراهيم، دار المنهاج، ط1. 95. التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي لعبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5. 96. التعريفات للجرجاني، تحقيق: محمد المرعشلي، دار النفائس، ط2. 97. التعليق العلمي على المنتخب في تفسير القرآن الكريم للجنة القرآن والسنة في المجلس العلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، دار الثقافة، الدوحة، ط8. 98. التعليق المختصر على القصيدة النونية لابن القيم، تعليق الشيخ صالح الفوزان، أشرف

على الطبع: عبد السلام السليمان. 99. تغليق التعليق على صحيح البخاري للحافظ أحمد بن حجر، تحقيق: سعيد القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2. 100. تفسير البحر المحيط لمحمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الأندلسي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1. 101. التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن، لحنفي أحمد، دار المعارف، مصر، ط3. 102. التفسير العلمي للقرآن في الميزان لأحمد بن عمر أبو حجر، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط2. 103. تفسير القرآن الحكيم، لمحمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972. 104. تفسير القرآن العظيم لابن كثير، تقديم يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، ط2. 105. تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد الرازي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة، ط3. 106. تفسير القرآن الكريم- سورة البقرة - للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 107. تفسير القرآن الكريم- سورة الحجرات إلى الحديد - للشيخ محمد بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 108. تفسير القرآن لمحمود شلتوت. 109. تفسير القرآن من القرآن في دائرة العلم والعقل والواقع المحسوس، لأحمد فائق رشد، مطبعة النصر بالفجالة. 110. التفسير القيم لابن القيم جمع محمد أويس الندوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة. 111. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1. 112. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب من القرآن الكريم المعروف بتفسير الفخر الرازى،

لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي، دار إحياء التراث العربى. 113. التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة بن مصطفى الزحيلي، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط2. 114. التفسير الوسيط، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط2. 115. تفسير جزء عمّ لمحمد عبده. 116. تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ للدكتور زغلول النجار. موقع الدكتور زغلول النجار. 117. تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ للدكتور زغلول النجار. موقع الدكتور زغلول النجار. 118. التفسير والمفسرون لمحمد بن حسين الذهبي. 119. التفسير: نشأته - تدرجه - تطوره لأمين الخولي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1. 120. تقريب التدمرية للشيخ محمد بن عثيمين، دار الوطن، الرياض، ط عام 1424. 121. تقرير القواعد وتحرير الفوائد لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن القيم، الدمام، ط1. 122. تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية لأحمد أبو الوفاء عبد الآخر، ضمن بحوث ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية، عام 1425، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، مطبوع بالحاسب الآلي. 123. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر القرطبي، تحقيق: سعيد أعراب. 124. التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام لعبد المجيد بن سالم المشعبي، مكتبة ابن القيم، المدينة، ط1. 125. تنزيه الشريعة المرفوعة لعلى بن محمد بن العراق الكتاني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله بن محمد بن الصديق الغماري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. 126. تهذيب السنن لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت.

127. تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1. 128. تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، تحقيق: علي حسن هلالي وآخرون. 129. توحيد الخالق لعبد المجيد الزنداني. 130. التوصيات الصادر عن المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 131. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، ط7. 132. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المعروف بتفسير ابن سعدي، اعتنى به سعد بن فواز الصميل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 133. تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القران لعبد الرحمن بن سعدي، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ط1. 134. التيسير بشرح الجامع الصغير لمحمد عبد الرؤوف المناوي، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط 3. 135. تيسير لمعة الاعتقاد لعبد الرحمن بن صالح المحمود، دار الوطن، الرياض، ط1. 136. جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بتفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1. 137. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تحقيق: أحمد البردوني. 138. الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين لوليد بن أحمد الحسين، سلسلة إصدارات مجلة الحكمة، لندن، ط1. 139. الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، جمع محمد عزير شمس وعلي العمران، دار عالم الفوائد، مكة، ط1.

140. جريان الشمس وسكون الأرض لخالد بن صالح الغيص موقع الإسلام اليوم. 141. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، تحقيق: علي الألمعي وآخرون، دار الفضيلة، الرياض، ط1. 142. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم، تحقيق: محمد جميل غازي، مطبعة المدني. 143. جواهر القرآن للغزالي، مكتبة الجندي. 144. الجواهر في تفسير القرآن الكريم لطنطاوي جوهري. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4. 145. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود المطبوع ضمن عون المعبود. 146. حاشية مسند الإمام أحمد لأبي الحسن محمد السندي، تحقيق: نور الدين طالب، وزارة الأوقاف القطرية، ط1. 147. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني، تحقيق: محمد المدخلي ومحمد أبو رحيم، دار الراية، الرياض، ط 2. 148. حكم تفسير القرآن بنظريات علمية حديثة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، مقال ضمن مجلة الدعوة، العدد (1447)، محرم 1421. 149. حماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري د. عبد الله الزايدي، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، العدد (77). 150. حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه لمحمد بن إبراهيم الشيباني، من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت. 151. حياة النبات في ضوء القرآن والسنة والعلم الحديث، لكمال الدين البتانوني، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 152. خلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المجيزين والمانعين لمحمد الأمين ولد الشيخ، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز

العلمي في القرآن والسنة. 153. الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي، ت: عبد الله التركي، دار هجر، ط1. 154. درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض ط2. 155. درة التنزيل وغرة التأويل الخطيب الإسكافي، تحقيق: محمد مصطفى آيدين، معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، ط1. 156. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار أم القرى، القاهرة. 157. دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد الله بن صالح الغصن، دار ابن الجوزي، الدمام، ط 1. 158. دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب لمحمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 1. 159. دلائل النبوة لأبي بكر أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1. 160. دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ت: محمد رواس قلعجي، وعبد البر عباس، دار النفائس، بيروت، ط3. 161. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد بن علان الصديقي، اعتنى به: سمير خالد الرجب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1. 162. الديباج المذهب لمعرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة، ط2. 163. الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الحويني، دار ابن عفان، الخبر، ط1. 164. الدين والعلم، وهل ينافي الدين العلم؟ لمصطفى الغلاييني، المكتبة العصرية، بيروت. 165. الذخيرة للقرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت.

166. ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، ط1. 167. ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، دار المعرفة، بيروت. 168. الرد على الجهمية لأبي سعيد عثمان الدارمي، تحقيق: بدر البدر، دار ابن الأثير، الكويت، ط 2. 169. الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: علي العمران، دار عالم الفوائد، مكة، ط1. 170. الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، مؤسسة الريان، بيروت، ط1. 171. الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد بن عودة السعوي، دار العبيكان، ط8. 172. رسالة التوحيد لمحمد عبده. 173. رسالة الفرقان بين الحق والباطل، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل الكبرى، دار الفكر، بيروت. 174. رسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن جامع الرسائل لابن تيمية، المجموعة الأولى، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار العطاء، الرياض، ط1. 175. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي أبو الفضل، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 176. روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3. 177. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار المغني، الرياض، ط1. 178. روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيح محمد بن عثمان القاضي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2. 179. الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين لسهل بن رفاع العتيبي، كنوز أشبيليا،

الرياض، ط1. 180. رؤية الله في المنام لعمر إبراهيم، دار ابن الجوزي، عمان. 181. زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط4. 182. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الرسالة بيروت، ط1. 183. زلازل جزيرة العرب في المصادر الإسلامية (منذ القرن الأول حتى القرن الحادي عشر الهجري/القرن السابع حتى القرن السابع عشر الميلادي) لخالد يونس الخالدي، مجلة الجامعة الإسلامية- سلسلة الدراسات الإنسانية-المجلد السابع عشر، العدد الأول. 184. الزلازل حقيقتها وآثارها للدكتور: شاهر جمال آغا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت. 185. الزلازل، لإبراهيم طربيه، مجلة الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 22. 186. زلزال المحيط الهندي 2004 رؤية إيمانية، للدكتور حسني الدسوقي، مجلة الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 20. 187. سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني. 188. السلسلة الصحيحة للألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1. 189. سمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم للشيخ ناصر الماجد، موقع ملتقى أهل التفسير على الشبكة العنكبوتية، 1425. 190. السماوات السبع، للدكتور محمد جمال الدين الفندي. 191. السنة لأحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، ط1. 192. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني، دار عالم الكتب، الرياض، ط 4. 193. السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار المعرفة، بيروت، 1413،

مصورة عن دائرة المعارف العثمانية. 194. السؤال في القرآن الكريم وأثره في التربية والتعليم لأحمد بن عبد الفتاح ضليمي، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، العدد (111). 195. سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11. 196. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، تحقيق: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، ط1. 197. شرح أصول اعتقاد أهل السنة للألكائي، تحقيق: أحمد الحمدان، دار طيبة، الرياض. 198. شرح الأربعين النووية لابن عثيمين، دار الثريا، الرياض، ط1. 199. شرح التدمرية للشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، إعداد: عبالرحمن بن صالح السديس، دار التدمرية، ط1. 200. شرح السنة للبغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت. 201. شرح العقيدة الواسطية من تقريرات الشيخ محمد بن إبراهيم، كتبها ورتبها: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم. 202. شرح الكوكب المنير لمحمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار، تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، مكة، 1400. 203. الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1:. 204. شرح النووي على صحيح مسلم، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407. 205. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد الشاغول، المكتبة الأزهرية، القاهرة، 2005م. 206. شرح رياض الصالحين، للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، مدار الوطن، الرياض، طبعة عام 1426هـ.

207. شرح سنن أبي داود للشيخ عبدالمحسن العباد، مطبوع بالحاسب الآلي. 208. شرح صحيح البخاري لابن بطال، تحقيق: ياسر إبراهيم، مكتبة الرشد. 209. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان، دار العاصمة، الرياض، ط 2. 210. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، للشيخ عبدالعزيز الراجحي، مطبوع بالحاسب الآلي. 211. شرح مشكل الآثار للطحاوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2. 212. شعب الإيمان للبيهقي، تحقيق: عبد العلي حامد، الدار السلفية، بومباي، ط1. 213. شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم، تحقيق: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي، جدة، ط2. 214. الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال بالعقل والنقل لمحمد بن عبد الرزاق حمزة، نشر: عبد الله محمد بابا الشنقيطي. 215. شوائب التفسير في القرن الرابع عشر، لعبدالرحيم فارس أبو علبة، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة التابعة لدار الفتوى بلبنان، جامعة بيروت الإسلامية، مطبوعة بالحاسب الآلي. 216. الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، ط4. 217. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3. 218. الصحيح المسند من دلائل النبوة، لمقبل بن هادي الوادعي، دار ابن تيمية، القاهرة، ط2. 219. صحيح سنن أبي داود للألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، ط 1. 220. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، ط1. 221. صحيح وضعيف الجامع الصغير للشيخ الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3. 222. صراع مع الملاحدة حتى العظم لعبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني، دار القلم،

دمشق، ط4. 223. صفة المنافق لجعفر بن محمد الفريابي، تحقيق: بدر البدر، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، ط1. 224. الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة، للشيخ حمود التويجري، ط1. 225. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم، تحقيق: علي الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، ط3. 226. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار هجر، القاهرة، ط2. 227. طرح التثريب في شرح التقريب، للحافظ العراقي، دار أم القرى، القاهرة. 228. طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، ط1. 229. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت. 230. عالم الغيب والشهادة لعثمان جمعة ضميرية، دار السوادي، جدة، ط1. 231. عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر، دار النفائس، ط 12. 232. عالم فقدته الأمة لمحمد بن سعد الشويعر، ط1. 233. العبر في خبر من غبر لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت. 234. عبودية الكائنات لرب العالمين لفريد إسماعيل التوني، مكتبة الضياء، جدة، ط1. 235. العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2. 236. عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات لزكريا بن محمد القزويني، بعناية سوزان مبارك، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006. 237. العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق: رضاء المباركفوري، دار العاصمة، الرياض،

ط1. 238. العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: أشرف عبد المقصود، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 239. العلم للشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين، إعداد: فهد السليمان، دار الثريا، الرياض، ط1. 240. علماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبد الله البسام، دار العاصمة، الرياض، ط2. 241. علماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب، دار الشواف، الرياض، ط4. 242. العلو للعلي الغفار وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها، لمحمد بن أحمد الذهبي، ت: عبد الله البراك، دار الوطن، الرياض، ط1. 243. عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة عن الطبعة المنيرية. 244. عمل اليوم والليلة، للنسائي، تحقيق: د. فاروق حمادة، دار الكلم الطيب، دمشق، ط1. 245. عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم لمحمد السيد راضي جبريل، ضمن بحوث ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1421. 246. العهود المحمدية لعبد الوهاب الشعراني. 247. العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لمحمد بن إبراهيم ابن الوزير، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3. 248. عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً. م. جمال عبدالمنعم الكومي، مجلة الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة - مكة- العدد (6). 249. عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة 250. غربة الإسلام، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، ت: عبد الكريم التويجري، دار الصميعي، الرياض، ط1.

251. فتاوى الشيخ صالح الفوزان، مجلة الدعوة العدد (2009)، 4 شعبان 1426هـ. 252. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد الدويش، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3. 253. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، تعليق: الشيخ عبد العزيز بن باز وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر. 254. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني، تحقيق: د. عبدالرحمن عميرة، دار الوفاء، المنصورة، ط2. 255. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبدالرحمن بن حسن، تحقيق الوليد الفريان، دار عالم الفوائد، مكة، ط11. 256. فرق الشيعة للحسن النوبختي، تحقيق: محمد آل بحر العلوم، المكتبة الأزهرية، القاهرة. 257. الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن قاهر البغدادي، تحقيق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، ط2. 258. الفرقان في بيان إعجاز القرآن لعبد الكريم بن صالح الحميد، ط1. 259. الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، المطبعة الأدبية، ط 1. 260. فصل في مؤاخذة ابن حزم في الإجماع لابن تيمية، ضمن جامع المسائل،، تحقيق: عزير شمس، دار عالم الفوائد، مكة، ط 1. 261. فقه الأدعية والأذكار، لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، دار ابن القيم، الدمام، ط1. 262. الفلسفة القرآنية لعباس محمود العقاد، دار نهضة مصر، القاهرة. 263. الفلك وعلاقته بالعقيدة في الكتاب والسنة لعبد الله بن محمد الأنصاري، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة. 264. فهرس الأحاديث الكونية والطبية، إعداد الشيخ: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف، والشيخ: إسماعيل القرشي، مطبوع بالحاسب الآلي: 1416هـ. 265. فهرس الآيات الكونية في القرآن الكريم من إعداد الهيئة العالمية للإعجاز العلمي بمكة

المكرمة، مطبوع بالحاسب الآلي. 266. الفوائد لابن القيم، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، بيروت، ط6. 267. فيض القدير بشرح الجامع الصغير للمناوي، دار المعرفة. 268. قاموس الجغرافيا لمجموعة من الأساتذة بإشراف علي لبيب، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1. 269. القاموس المحيط للفيروزآبادي، تحقيق: الشيخ يوسف البقاعي، دار الفكر، بيروت، 1415. 270. قانون التأويل لابن العربي، تحقيق: محمد السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2. 271. القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم - دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة لموريس بوكاي، دار المعارف، لبنان، ط4. 272. القرآن وإعجازه العلمي، لمحمد إسماعيل إبراهيم. 273. قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لنديم الجسر، لبنان. 274. قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين المؤيد والمعارض للدكتور زغلول راغب النجار، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، الأردن، ط1. 275. القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للسخاوي تحقيق: محمد العقيل، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 276. القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن لعبد الرحمن بن سعدي، اعتنى به خالد بن عثمان السبت، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 277. قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه، للأستاذ الدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز المصلح، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1. 278. القول المفيد في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط2. 279. القول في علم النجوم لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق: يوسف السعيد،

أطلس، ط1. 280. قيام الساعة كما يرأها العلم الحديث لعمر بن محمود الراوي، دار وحي القلم، دمشق، ط1. 281. كبرى اليقينيات الكونية لمحمد بن سعيد البوطي، دار الفكر، بيروت، دمشق. 282. كتاب التوحيد لابن منده تحقيق: علي الفقيهي، دار الغرباء، المدينة، ط2. 283. كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب -عز وجل- لأبي بكر بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: د. عبد العزيز الشهوان، دار الرشد، الرياض، ط 1. 284. كتاب الزهد للإمام أحمد، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1. 285. كتاب المطر والرعد والبرق والريح لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد العمودي، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1. 286. كتاب النور في الرد على من قال أن الشمس ثابتة والأرض حولها تدور لمحمد اليحيا، ط3. 287. كسوف الشمس بين التخويف والتزييف لذياب بن سعد الغامدي، مكتبة المزيني، الطائف، ط1. 288. كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي، تحقيق: إبراهيم أحمد عبد الحميد، دار عالم الكتب، الرياض، ط عام 1423. 289. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 290. كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلوني، تصحيح: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، ط 2. 291. كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة للسيوطي، ت: عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة، ط1. 292. كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب،

دار الوطن، الرياض. 293. الكشف والبيان، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1. 294. الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، ط1. 295. الكليات لأبي البقاء أيوب الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2. 296. الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبدالعزيز السلمان، ط13. 297. الكون والإنسان في التصور الإسلامي لحامد صادق قنيجي، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1. 298. الكون والرؤية العلمية في القرآن والأديان السماوية الأخرى - دراسة مقارنة، رسالة ماجستير إعداد الطالب: أشرف أحمد محمد محمد عماشة، كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدمياط الجديدة، مطبوع بالحاسب الآلي. 299. اللآلئ البهية في شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح آل الشيخ، تحقيق: عادل رفاعي، دار العاصمة، الرياض، ط1. 300. لباب التأويل في معاني التنزيل لعلي بن محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بالخازن، دار الفكر، بيروت، 1399. 301. لسان العرب، لابن منظور، تحقيق: عبد الله الكبير وآخرون، دار المعارف. 302. لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن عثيمين: 51 - 60، دار الوطن، الرياض. 303. لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير لمحمد بن لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3. 304. لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة المقدسي، تحقيق: بشير عيون، دار البيان، دمشق، ط2. 305. الله لعباس محمود العقاد.

306. ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة بالبرهان لمحمود شكري الألوسي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2. 307. مباحث في علوم القرآن لمناع القطان، مكتبة المعارف، الرياض، ط3. 308. مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لعبد الحميد بن باديس، نشر وزارة الشؤون الدينية الجزائرية. 309. مجلة الرسالة - القاهرة، العدد (407)، (408) من السنة التاسعة، إبريل سنة 1941. 310. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، العدد 7. 311. مجمع الزوائد للهيثمي، تحقيق: عبد الله الدويش، دار الفكر، بيروت، 1414. 312. مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ: عبد الرحمن بن قاسم، دار عالم الكتب، الرياض، 1412. 313. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع: عبد الرحمن بن قاسم، ط2. 314. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين لفهد السليمان، دار الثريا، الرياض، ط2. 315. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع: محمد الشويعر، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3. 316. محاسن التأويل للقاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت. 317. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لعبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالة الفاروق وآخرون، وزارة الأوقاف القطرية، الدوحة، ط 2. 318. مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم اختصره محمد بن الموصلي، تحقيق: الحسن العلوي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 319. مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي، أختصره أحمد بن علي المقريزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2.

320. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء. 321. المدخل لابن الحاج، مكتبة دار التراث. 322. المدهش لابن الجوزي، ت: فتحي الجندي، دار الكوثر، الرياض، ط 1. 323. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي بن سلطان ملاء القاري، تحقيق: جمال عيتاني، المكتبة العلمية، بيروت، ط1. 324. مروج وأنهار أرض العرب في الماضي والمستقبل، دراسة في الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، للأستاذ الدكتور علي صادق، ضمن بحوث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 325. مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود، تحقيق: طارق عوض الله، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 1. 326. المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط1. 327. مسند أبي داود الطيالسي، تحقيق: محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة، ط 1. 328. مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، دار الثقافة العربية، بيروت، ط 2. 329. المسند الإمام أحمد، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1. 330. مسند البزار، لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، ط1. 331. مسند الحميدي، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط2. 332. مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح، لأبي الحسن عبيدالله المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية والدعوة والإفتاء بالجامعة السلفية - الهند. 333. مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها لعبد الله القصيمي، المجلس العلمي السلفي، باكستان، ط 1. 334. المصنف ابن أبي شيبة، تحقيق: حمد الجمعة ومحمد اللحيدان، دار الرشد، الرياض،

ط1. 335. المصنف لابن أبي شيبة، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة، جدة، ط1. 336. المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2. 337. مطلع الشمس من مغربها، هل هناك إشارات علمية لذلك، للدكتور عبدالكحيل الدائم، موقع: د. عبدالدائم الكحيل. 338. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (في التوحيد)، للشيخ حافظ الحكمي، تحقيق: عمر أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، ط3. 339. معارج الوصول لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى. 340. المعالم الأثرية في السنة النبوية لمحمد بن محمد حسن شراب، دار القلم، دمشق، ط1. 341. معالم التنزيل لأبي محمد الحسين البغوي، تحقيق: محمد النمر وآخرون، دار طيبة، الرياض، ط1. 342. معالم السنن للخطابي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 343. معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى، لمحمد بن خليفة التميمي، دار إيلاف، ط1. 344. المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل لعبد الفتاح إبراهيم سلامه، مطبوع بالحاسب الآلي. 345. المعجزة العلمية في القرآن والسنة لعبد المجيد الزنداني، ضمن كتيب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامي، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 346. المعجزة القرآنية - الإعجاز العلمي والغيبي لمحمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3. 347. المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415. 348. معجم البلدان لياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، ط2.

349. المعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، دار الرشد، الرياض، ط2. 350. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، ط4. 351. معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد، دار العاصمة، الرياض، ط3. 352. معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي وبيان ما ألف فيها لعبد الله بن محمد الحبشي، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ط1. 353. المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة. 354. المعجم الوسيط، قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وآخرون، مجمع اللغة العربية،1380. 355. معجم مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1420. 356. معرفة السنن والآثار للبيهقي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، القاهرة، ط1. 357. المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في إحياء علوم الدين من أخبار- للحافظ العراقي، المطبوع مع إحياء علوم الدين. 358. المغني لابن قدمة، تحقيق: عبد الله التركي، دار عالم الكتب، الرياض، ط4. 359. مفتاح دار السعادة لابن القيم، طبعة رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض. 360. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن القيم، تحقيق: عصام الدين الصبابطي. 361. مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داودي، دار القلم، دمشق، ط2. 362. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن علي القرطبي، تحقيق: محي الدين مستو وآخرون، دار ابن كثير، بيروت، ط 1. 363. مفهوم {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ للأستاذ خالد بن حمزة مدني، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ومجلة الهيئة، العدد (19).

364. مقارنة بين أسلوب الحديث النبوي وأسلوب القرآن الكريم لمصطفى أحمد الزرقا، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد، عام 1395. 365. المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4. 366. مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت. 367. مقدمة ابن خلدون لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، دار نهظة مصر، القاهرة، ط4. 368. الملل والنحل، تحقيق: محمد فتح الله بدران، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 369. من آيات الإعجاز في القرآن الكريم- جمع الشمس والقمر- للدكتور: زغلول النجار، موقع الدكتور زغلول النجار. 370. من بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والآصال والعشي والإبكار، إعداد: الدكتور محمد محمد عبد العليم دسوقي. 371. من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية لهاني بن عبد الله الجبير، مجلة البيان، الرياض، 1429. 372. مناهج البحث العلمي لعبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط3. 373. مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر لعبد الرحمن بن زيد الزنيدي، دار اشبيليا، الرياض، ط1. 374. مناهج البحث في العقيدة ليوسف بن محمد السعيد، ضمن مجلة الدراسات العربية، كلية دار العلوم جامعة المنيا، العدد (7)، 2002. 375. مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد بن عبد العظيم الزرقاني، تحقيق: فواز زمرلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3. 376. المنتقى شرح موطأ مالك للقاضي سليمان الباجي، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1.

377. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1. 378. المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي، تحقيق: حلمي فودة، دار الفكر. 379. منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية، لسعود بن عبد العزيز العريفي، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج (19)، العدد (43)، ذو الحجة 1428. 380. منهج القرآن الكريم في عرض الظواهر الكونية لليلى بنت صالح الزامل، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوارة من كلية التربية للبنات بجدة، مطبوعة بالحاسب الآلي. 381. منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد بن عبد الرحمن الرومي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1. 382. المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي، أختصره محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، دار الوطن، الرياض. 383. المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي، تحقيق حامد إبراهيم أحمد، ومحمد العقبي، مطبعة الإمام، مصر. 384. الموافقات لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن القيم، الدمام، ط1. 385. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث للأستاذ عبدالرحيم مارديني، دار المحبة، بيروت. 386. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ليوسف الحاج أحمد، مكتبة ابن حجر، دمشق، ط12. 387. الموسوعة العربية العالمية، إعداد مجموعة من الباحثين، مؤسسة أعمال المؤسسة للنشر والتوزيع، ط2. 388. الموسوعة العربية الميسرة إشراف محمد شفيق غربال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة عن طبعة 1965. 389. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، ط1.

390. الموسوعة الفلكية الحديثة، لعماد مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1. 391. الموسوعة الفلكية لفايجرت، وتسمرمان، ترجمة: عبد القوي عياد، ومحمد جمال الدين الفندي. 392. الموسوعة الكونية الكبرى لماهر ابن أحمد الصوفي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1. 393. الموطأ، لمالك بن أنس، تحقيق: كلال حسن علي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1. 394. موقف أهل السنة والجماعة من تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الحوادث، السفياني أنموذجاً، إعداد: زاهر بن محمد الشهري، رسالة ماجستير، في قسم الثقافة الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، مطبوعة بالحاسب الآلي. 395. نار من أرض الحجاز، للدكتور: زغلول النجار، موقع الدكتور زغلول النجار. 396. النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د. عبد العزيز الطويان، دار أضواء السلف، الرياض، ط1. 397. نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، لابن حجر، تحقيق: حمدي السلفي، دار ابن كثير، دمشق، ط1. 398. نزهة الأعين النواظر في علم الأشباه والنظائر لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: محمد بن عبد الكريم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3. 399. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور لأبي الحسن إبراهيم البقاعي، تحقيق: محمد ابن عمران الأعظمي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية. 400. نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن لمساعد بن سليمان الطيار، موقع ملتقى أهل التفسير. 401. نقض النظريات الكونية، لمحمد بن عبدالله الإمام، دار الآثار، صنعاء، ط1. 402. النكت والعيون لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية، بيروت.

403. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير المبارك ابن محمد الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت. 404. هداية الحيران في مسألة الدوران لعبد الكريم الحميد، ط 2. 405. هذا هو الإسلام لمحمد متولي الشعراوي، الدار المصرية للنشر، 1987. 406. الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز لأبي عبد الله الحسين بن محمد الدمغاني، تحقيق: محمد حسن الزّفيتي، طبعة وزارة الأوقاف المصرية، القاهرة، عام 1416. 407. الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا، المكتب الإسلامي، بيروت، ط10. 408. الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ: عبد الرحمن بن سعدي، طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، ط4. 409. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت. مواقع انترنت 410. منتدى الأصلين - وهو منتدى أشعري-: www.aslein.net . 411. موقع الإسلام اليوم: www.islamtoday.net. 412. موقع التصوف روح الإسلام للفرقة الشاذلية: www.shazly.com. 413. موقع الدكتور زغلول النجار: www.elnaggarzr.com. 414. موقع الشيخ عبد الرحمن البراك: http://albrrak.net. 415. موقع الطريقة الشاذلية الدرقاوية: www.shazellia.com. 416. موقع المدينة المنورة: www.madenah-manawara.com. 417. موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا: www.wikipedia.org. 418. موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة www.eajaz.org. 419. موقع جامعة الإيمان: www.jameataleman.org. 420. موقع عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: www.kaheel7.com.

421. موقع ملتقى أهل التفسير: www.tafsir.net. 422. موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: www.quran-m.com.

§1/1