الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام

ابن كثير

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين قَالَ الشَّيْخ - رَحمَه الله: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد، وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ. وَبعد. . فَهَذِهِ أَحَادِيث ومسائل وآداب، تتَعَلَّق بِدُخُول الْحمام، فَإِنَّهُ مِمَّا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة فِي هَذِه الْبلدَانِ، وَقد جَاءَت فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وسأذكرها لَك مفصلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي هَذَا الْجُزْء وَبِه الثِّقَة وَعَلِيهِ التكلان.

فصل

فصل ذكر كثير من عُلَمَاء التَّفْسِير والتاريخ أَن أول من بني لَهُ الْحمام سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ سَبَب ذَلِك قدوم بلقيس عَلَيْهِ، لما رأى فِي سَاقهَا شعرًا كثيرا، فَسَأَلَ الجان عَن مَا يُزِيلهُ، فصنعوا لَهُ النورة، وصنعوا لَهُ الْحمام وَالله أعلم. وَقيل: إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام لما دخله فَوجدَ حره فَقَالَ: أوه من عَذَاب الله أوه قبل أَن لَا ينفع أوه. ثمَّ لَا تزَال الْأَعَاجِم من ذَلِك الزَّمَان يعتادونه، وَكَذَلِكَ الرّوم والقبط، وَغَيرهم من الْأُمَم. وَأما الْعَرَب بِبِلَاد الْحجاز وَنَحْوهَا، فَلم يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، وَلم يعرف ببلادهم إِلَّا بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زمن الصَّحَابَة. والْحَدِيث الَّذِي يرْوى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حمام الْجحْفَة، مَوْضُوع بِاتِّفَاق أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَإِنَّمَا روى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي كِتَابه الَّذِي صنفه: عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة: أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، دخل حمام الْجحْفَة، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح.

فصل

فصل وَقد اخْتلف الْعلمَاء رَحِمهم الله فِي دُخُول الْحمام على أَرْبَعَة أَقْوَال القَوْل الأول أَنه ينْهَى عَنهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء القَوْل الثَّانِي يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء القَوْل الثَّالِث يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء، إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء فَأَما القَوْل الرَّابِع إِبَاحَته مُطلقًا للرِّجَال وَالنِّسَاء بِشُرُوط فَأَما القَوْل الأول قَالَ ابْن أبي شيبَة رَحمَه الله: حَدثنَا جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: بئس الْبَيْت الْحمام وَقَالَ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه: عَن معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا دخل الْحمام مرّة وَعَلِيهِ إِزَار، فَلَمَّا دخل رأى النَّاس وهم عُرَاة قَالَ: فحول وَجهه نَحْو الْجِدَار وَقَالَ: يَا نَافِع إيتني بثوبي قَالَ: فَأَتَيْته بِهِ، فالتف بِهِ وغطى على وَجهه، ثمَّ ناولني يَده فقدته حَتَّى خرج ثمَّ لم يدْخلهُ بعد ذَلِك وَقَالَ أَيْضا: عَن ابْن عُيَيْنَة عَن شيخ من أهل الْكُوفَة قَالَ قيل لِابْنِ

عمر: مَالك لَا تدخل الْحمام فكره ذَلِك. فَقيل لَهُ: أَنَّك تستتر فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أرى عَورَة غَيْرِي. وَقَالَ مَنْصُور عَن الْحسن وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان دُخُول الْحمام. وَإِنَّمَا نهوا عَنهُ لما فِيهِ من كَثْرَة التنعم، وَلِأَنَّهُ مأوى الشَّيَاطِين، وَمحل تنكشف فِيهِ العورات، وتكثر فِيهِ مُخَالطَة النَّجَاسَات. القَوْل الثَّانِي: أَنه يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء. قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله: حَدثنَا هَارُون حَدثنَا ابْن وهب حَدثنِي عَمْرو بن الْحَارِث أَن عمر بن السَّائِب حَدثهُ أَن الْقَاسِم ابْن أبي الْقَاسِم السبئي حَدثهُ عَن قاص الأجناد بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَنه سَمعه يحدث أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يقْعد على مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بإزار، وَمن كَانَت تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا تدخل الْحمام.

وَقَالَ ابْن جريح أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن مُوسَى أَن زِيَاد ابْن جَارِيَة حَدثهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يكْتب إِلَى الْآفَاق لَا تدخل امْرَأَة مسلمة الْحمام إِلَّا من مرض، وَعَلمُوا نساءكم سُورَة النُّور. وَعَن ابْن الْمُبَارك عَن هِشَام بن الْغَاز عَن عبَادَة بن نسي عَن قيس ابْن الْحَارِث قَالَ كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة بَلغنِي أَن نسَاء من نسَاء الْمُسلمين أَو الْمُهَاجِرين يدخلن الحمامات، ومعهن نسَاء من أهل الْكتاب فازجرهم عَن ذَلِك وامنعهم مِنْهُ قَالَ فَتكلم أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ غَضْبَان وَلم يكن رَضِي الله عَنهُ غضوبا وَلَا فَاحِشا فَقَالَ اللَّهُمَّ أَيّمَا امْرَأَة دخلت

الْحمام من غير عِلّة، وَلَا سقم، تُرِيدُ بذلك أَن تبيض وَجههَا فسود الله وَجههَا يَوْم تبيض الْوُجُوه. وَعَن قيس بن الْحَارِث قَالَ كتب عمر إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه بَلغنِي أَن نسَاء من نسَاء الْمُسلمين يدخلن الحمامات مَعَ نسَاء الْمُشْركين فَإِنَّهُ عَن ذَلِك أَشد النَّهْي، فَإِنَّهُ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، أَن يرى عورتها غير أهل دينهَا. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله: حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد حَدثنِي يزِيد ابْن أبي زِيَاد عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ أتين نسْوَة من نسَاء أهل حمص إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت لَهُنَّ لعلكن من النِّسَاء اللواتي يدخلن الحمامات فَقُلْنَ لَهَا: نعم. فَقَالَت لَهُنَّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَيّمَا امْرَأَة وضعت ثِيَابهَا فِي غير بَيت زَوجهَا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن سَالم بن أبي

الْجَعْد عَن أبي الْمليح واسْمه عُمَيْر بن أبي أُسَامَة قَالَ دخل نسْوَة من أهل الشَّام على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت فَمن أنتنفقلن من أهل الشَّام. فَقَالَت: لعلكن من الكورة الَّتِي يدْخل نساؤها الحمامات قُلْنَ: نعم. قَالَت: أما إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد بِهِ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ ابْن ماجة أَيْضا. وروى الإِمَام أَبُو يعلي الْموصِلِي والحافظ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان فِي

صَحِيحه الملقب بالأنواع والتقاسيم من حَدِيث مُحَمَّد بن ثَابت ابْن شُرَحْبِيل عَن عبد الله بن يزِيد \ الخطمي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر، وَمن كَانَت تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر من نِسَائِكُم فَلَا تدخل الْحمام قَالَ فَقلت ذَلِك لعمر بن عبد الْعَزِيز فِي خِلَافَته فَكتب إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم: أَن سل مُحَمَّد بن ثَابت عَن حَدِيثه فَإِنَّهُ مرضى. فَسَأَلَهُ ثمَّ كتب إِلَى عمر فَمنع النِّسَاء عَن الْحمام.

فَهَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز قد نفذ هَذِه السّنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي. فأجمع الْمُسلمُونَ قاطبة على أَن عمر بن عبد الْعَزِيز من الْأَئِمَّة المهديين، وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين، الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ. القَوْل الثَّالِث: أَنه يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء، إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء. للْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عبد بن حميد: حَدثنَا جَعْفَر بن عون حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد أنعم عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّهَا ستفتح عَلَيْكُم أَرض الْعَجم، وستجدون فِيهَا بُيُوتًا يُقَال لَهَا الحمامات، فَلَا يدخلهَا الرِّجَال إِلَّا بالإزار، وامنعوا النِّسَاء إِلَّا مَرِيضَة أَو نفسَاء وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ستفتح عَلَيْكُم بِلَاد الشَّام، وستجدون فِيهَا بُيُوتًا يُقَال لَهَا: الحمامات، فامنعوها النِّسَاء إِلَّا سقيمة أم نفسَاء. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن أُسَامَة ابْن

زيد عَن مَكْحُول قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن لَا يدْخل رجل الْحمام إِلَّا بمئزر، وَلَا امْرَأَة إِلَّا من سقم. القَوْل الرَّابِع: إِبَاحَته مُطلقًا للرِّجَال وَالنِّسَاء بِشُرُوط. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يدْخل الْحمام قَالَ: وَكَانَ يَقُول: نعم الْبَيْت الْحمام: يذهب الْوَسخ، ويطيب النَّفس، وَيذكر النَّار. ثمَّ روى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي شيبَة رَحمَه الله فِي كِتَابه المُصَنّف: حَدثنَا جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نعم الْبَيْت الْحمام: يذهب الدَّرن، وَيذكر النَّار. وَقد حكى أَيْضا ابْن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَالْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب، وَابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة أَنهم دخلُوا الْحمام. وَقد حكى غير وَاحِد الْإِجْمَاع على جَوَازه بِشَرْطِهِ، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْذَرُوا بَيْتا يُقَال لَهُ الْحمام قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّه ينقي

الْوَسخ. قَالَ: فاستتروا. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه رَفعه قَالَ: من دخله مِنْكُم فليستتر. وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه عَن معمر وَالثَّوْري وَابْن جريج فرقهم عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر مثله. ثمَّ قَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن الثَّوْريّ عَن دثار عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: حرَام دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار. وَذكر أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فِي أَحْكَامه حَدِيث الْبَزَّار، وَقَالَ: هَذَا أصح حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، على أَن النَّاس يرسلونه عَن طَاوس. وَأما مَا خرجه أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَلَا يَصح مِنْهُ شَيْء لضعف الْأَسَانِيد وَكَذَلِكَ مَا خرجه التِّرْمِذِيّ انْتهى كَلَامه

فصل

فصل وينقسم دُخُول الْحمام بِاعْتِبَار أَحْوَال النَّاس إِلَى خَمْسَة أَقسَام: فقد يكون وَاجِبا، ومستحبا، ومباحا، ومكروها، وحراما. فالقسم الأول: يتَصَوَّر فِي حق من وَجب عَلَيْهِ غسل من جَنَابَة، أَو حيض، أَو نِفَاس، أَو حُصُول نَجَاسَة على جِسْمه، أَو للْجُمُعَة على قَول من يُوجِبهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يُمكنهُ الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ الْبَارِد، وَلَا بِغَيْرِهِ فِي الْبَيْت، من مرض أَو شدَّة برد فَهَذَا يجب عَلَيْهِ الْمُضِيّ إِلَى الْحمام. لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. وَالْقسم الثَّانِي: يتَصَوَّر فِي حق من اتَّسع رَأسه، أَو بدنه أوشك فِي حُصُول جَنَابَة، أَو أَرَادَ غسل الْجُمُعَة على جُمْهُور الْعلمَاء، أَو اغتسالا للعيد، وَنَحْوه من الاجتماعات الْعَامَّة، أَو للتداوي إِذا قيل باستحبابة وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يَسْتَطِيع الِاغْتِسَال فِي غير الْحمام، أَو يشق عَلَيْهِ، فَهَذَا يسْتَحبّ لَهُ الذّهاب إِلَيْهِ ليحصل هَذَا الْمَقْصُود لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى فعل الْمُسْتَحبّ فَيكون مُسْتَحبا. وَالْقسم الثَّالِث: فِي حق من يدْخلهُ للترفه، والتلذذ، من غير إِسْرَاف، وَلَا إكثار أَو للتداوي إِذا قيل بِأَنَّهُ يُبَاح وَلَيْسَ بمستحب.

وَالْقسم الرَّابِع: فِي حق من يدْخلهُ لما تقدم فِي الثَّالِث، وَيكثر فِي ذَلِك من صب المَاء، ويسرف فِيهِ. فقد روى عبد الله بن الْمُبَارك رَحمَه الله فِي كِتَابه الزّهْد فَقَالَ: حَدثنِي بَعضهم أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الْحمام، وَكَثْرَة طلي النورة، والتوطؤ على الْفرش فَإِن عباد الله لَيْسُوا بالمتنعمين. فقد زجر أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن ذَلِك، وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: اقتدوا باللذين من بعدِي: أَبُو بكر وَعمر. وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن الْحسن بن عَليّ عَن يزِيد بن هَارُون عَن سعيد الْجريرِي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْهَى عَن كثير من الإرفاه وَالْقسم الْخَامِس: فِي حق من يدْخلهُ أشرا، وبطرا، وبذخا، وفخرا، وإظهارا للزِّينَة الَّتِي أَمر الله بإخفائها إِلَّا فِي محلهَا، كَمَا يَفْعَله كثير من النِّسَاء فِي عصرنا هَذَا

وينضم إِلَى ذَلِك ترك الصَّلَوَات، وكشف العورات، فَهَذَا مِمَّا لَا يشك أحد من الْعلمَاء فِي تَحْرِيمه عَلَيْهِنَّ، وَالْحَالة هَذِه. فَالْوَاجِب على الكافة مَنعهنَّ من تعَاطِي مثل ذَلِك فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَفَاسِد: الْخَاصَّة والعامة اللَّازِمَة والمتعدية مَا الله بِهِ عليم وَقد قَالَت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: لَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدث النِّسَاء بعده، لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل فَهَذَا قَوْلهَا فِي الْمَسَاجِد الَّتِي زجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرِّجَال أَن يمنعوهن إِذا أردن الْخُرُوج إِلَيْهَا، فَكيف بالحمامات اللَّاتِي قد تقدم زَجره إياهن عَن دُخُولهَا إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء لَا بل قد أنْكرت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِنَّ دُخُول الحمامات مُطلقًا، وَقَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَيّمَا امْرَأَة خلعت ثِيَابهَا فِي غير بَيت زَوجهَا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله عز وَجل. وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا الْحُسَيْن بن بَحر حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا قَتَادَة عَن مُورق الْعجلِيّ عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة عَورَة، فَإِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان، وَأقرب مَا تكون من رَبهَا إِذا هِيَ فِي قَعْر بَيتهَا.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، من رِوَايَة عَمْرو بن عَاصِم الْكلابِي بِسَنَدِهِ نَحوه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب النِّكَاح من جَامِعَة بَاب كَرَاهِيَة خُرُوج النِّسَاء فِي الزِّينَة يَعْنِي وَهِي مزينة حَدثنَا عَليّ بن خشرم أخبرنَا عِيسَى بن يُونُس عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن أَيُّوب بن خَالِد عَن مَيْمُونَة بنت سعد وَكَانَت خَادِمًا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الرافلة فِي الزِّينَة فِي غير أَهلهَا كَمثل ظلمَة يَوْم الْقِيَامَة لَا نور لَهَا. وَقد رَوَاهُ بَعضهم عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة وَلم يرفعهُ. وَتقدم عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه مَنعهنَّ من دُخُول الْحمام، وَهُوَ أحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَالْأَئِمَّة المهديين، الَّذين قضوا بِالْحَقِّ، وَبِه كَانُوا يعدلُونَ، وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:

عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي، عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ، وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وَفِي رِوَايَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار. فَالْوَاجِب على وُلَاة الْأُمُور التَّمَسُّك بِهَذَا الحَدِيث، وَالْعَمَل بِهِ فِي جَمِيع أُمُورهم.

فصل

فصل إِذا علم هَذَا فَالْوَاجِب: أَن يؤمرن إِذا أردن دُخُول الْحمام إِمَّا لمَرض، أَو نِفَاس، وَمَا يلْحق بذلك من كَثْرَة الْوَسخ والأذى أَن يخْرجن كَمَا أمرهن الله عز وَجل فِي تستر وَعدم تبرج بزينة، لَا يظهرن زِينَة من حلي، وَلَا قماش ملون، وخف، وبخور ثِيَاب وَغير ذَلِك مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ الرِّجَال، وَيفتح طرق الشَّيْطَان. قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} . وَقَالَ فِي سُورَة النُّور: {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم ذَلِك أزكى لَهُم إِن الله خَبِير بِمَا يصنعون وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن أَو آبَاء بعولتهن أَو أبنائهن أَو أَبنَاء بعولتهن أَو إخوانهن أَو بني إخوانهن أَو بني أخواتهن أَو نسائهن أَو مَا ملكت أيمانهن أَو التَّابِعين غير أولي الإربة من الرِّجَال أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} . قَالَ الْعلمَاء: وَيسْتَحب أَن تمشي الْمَرْأَة إِلَى جَانب الطَّرِيق، كَمَا جَاءَ فِي

الحَدِيث أَنَّهُنَّ نهين أَن يحققن الطَّرِيق أَي لَا تمشى فِي وَسطه. وعَلى هَذَا فَيكْرَه أَن تمشي الْمَرْأَة إِلَى جَانب الْمَرْأَة صفا، بل تكون الْوَاحِدَة خلف الْوَاحِدَة، فِي تستر وحياء وَيسْتَحب لَهُنَّ أَن تكون الجلابيب وَهِي الأزر غلاظا، لِئَلَّا يظْهر مَا تحتهَا للنَّظَر وَلَا تتحيل فِي إِظْهَار زينتها كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن} ، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ كن يلبسن الخلاخيل فِي أرجلهن كَمَا تَفْعَلهُ نسَاء الْعَرَب وبلاد حوران وَغَيرهَا. فَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت أَن يعلم أَن فِي رجلهَا خلخالا ضربت برجلها ليسمع صَوت الخلاخيل فنهين عَن ذَلِك مُطلقًا. ويؤمرن بالتستر فِي الْحمام، وَلبس المئزر، أَو الفوط وَنَحْوهَا، فِي أوساطهن. فَإِن عَورَة الْمَرْأَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرْأَة، كعورة الرجل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرجل فَلَا بُد من مواراة الْقبل، والدبر، والفخدين على قَول جُمْهُور الْعلمَاء، والسرة على قَول بَعضهم كَمَا سَنذكرُهُ بعد إِن شَاءَ الله. وَيحرم عَلَيْهِنَّ كشف الْعَوْرَة، كَمَا يحرم على الرِّجَال بِلَا خلاف بَين

الْعلمَاء بل هن أَشد فِي ذَلِك من الرِّجَال كَمَا سَيَأْتِي دَلِيل ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد ذهب جمَاعَة من الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف إِلَى أَنه لَا يحل للمسلمة أَن تكشف جسمها بِحَضْرَة ذِمِّيَّة، وَلَا تبدي لَهَا زينتها، لقَوْله تَعَالَى: {أَو نسائهن} فَدلَّ على أَن غير نسائهن من المسلمات لَا يبدين لَهُنَّ زينتهن، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، وَغَيره من عُلَمَاء السّلف فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه: عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن هِشَام ابْن الْغَاز عَن عبَادَة بن نسي عَن قيس بن الْحَارِث قَالَ كتب عمر إِلَى أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح أَنه بَلغنِي أَن نسَاء الْمُسلمين قبلك يدخلن الحمامات مَعَ نسَاء المشركينفإنه عَن ذَلِك أَشد النَّهْي، فَإِنَّهُ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه، وَالْيَوْم الآخر، أَن يرى عورتها غير أهل دينهَا. قَالَ وَكَانَ عبَادَة بن نسي، وَمَكْحُول، وَسليمَان يكْرهُونَ أَن تقبل الْمَرْأَة الْمسلمَة، الْمَرْأَة من أهل الْكتاب. وَيجب عَلَيْهِنَّ مُرَاعَاة الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا، فِي كل وَقت، وَيَوْم الْحمام أَيْضا، ولهن الصَّلَاة فِي الْحمام إِذا تسترت إِمَّا خَارجه أَو دَاخله على قَول

جُمْهُور الْعلمَاء. وَجوز بعض الْعلمَاء لَهُنَّ جمع الْعَصْر إِلَى الظّهْر فِي الْبَيْت لعذر الْحمام وَهُوَ قَول غَرِيب، وَله حَظّ من الْفِقْه وَهُوَ شَبيه بقول من ذهب من الْأَصْحَاب إِلَى صِحَة الْجمع فِي الْحَضَر من غير خوف وَلَا مطر كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم. وَقد حَكَاهُ الْخطابِيّ فِي المعالم عَن أبي بكر الْقفال الكبي عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله.

فصل

فصل تورع جمَاعَة من الْعلمَاء عَن دُخُول الحمامات مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله فِيمَا ذكره عَنهُ وَلَده صَالح. وَكَأَنَّهُ تَركه وَالله أعلم لما يرى فِيهِ من الْمُنْكَرَات، أَو لِأَنَّهُ مأوى الشَّيَاطِين، أَو لما يحصل فِيهِ من النَّعيم الدنيوي والرفاهة، أَو لمجموع ذَلِك وَالله أعلم. وَلَكِن الْجُمْهُور على دُخُوله، وَهُوَ من بَاب الضرورات لكثير من النَّاس كَمَا تقدم. وَقد اسْتحبَّ كثير من السّلف دُخُول الْحمام خلْوَة لما فِيهِ من كَثْرَة النكرات، حَتَّى قَالَ بَعضهم: الدِّرْهَم الَّذِي أخلى بِهِ الْحمام، أحب إِلَيّ من الدِّرْهَم الَّذِي أَتصدق بِهِ فعلى هَذَا فدخول النِّسَاء إِلَيْهِ خلْوَة مَعَ أَزوَاجهنَّ، أَو ذَوي أرحامهن، أَو نسْوَة تقاة، أولى وَأَحْرَى لما فِي ذَلِك من تقليل الْمَفَاسِد وَلَو لم يكن فِي ذَلِك إِلَّا أَلا يفوتن شَيْء من الصَّلَوَات عَن أوقاتهنولئلا يتَّخذ الْحمام أشرا، وبطرا، وفخرا، كَمَا هُوَ الْوَاقِع فِي هَذِه الْأَزْمَان بل مِنْهُنَّ من لَا تتمكن من فعل مَا تريده إِلَّا بِسَبَب الحمامكما قَالَ الشَّاعِر: (دهتك بعلة الْحمام نعم ... وَمَال بهَا الطَّرِيق إِلَى يزِيد)

فصل

فصل الأولى أَن يقْصد الدَّاخِل إِلَى الْحمام بِدُخُولِهِ الإغتسال من الْجَنَابَة إِن كَانَ عَلَيْهِ، أَو تنظيف رَأسه، وبدنه من الْوَسخ، والدرن، فَإِن ذَلِك مَأْمُور بِهِ مَنْدُوب إِلَيْهِ. فقد روى البُخَارِيّ، وَمُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، وَيغسل فِيهِ رَأسه، وَجَسَده. وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ. وَالْأولَى أَن يكون ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة، لحَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على كل مُسلم فِي سَبْعَة أَيَّام، غسل يَوْم، وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ وَهَذَا لَفظه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم أَخْرجَاهُ.

وَلَهُمَا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل. فَإِذا دخل الدَّاخِل الْحمام بِهَذِهِ النِّيَّة، حصل لَهُ الْأجر بامتثال أَمر الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه. قَالَ بعض الْعلمَاء رَحمَه الله: وَيسْتَحب إِذا دخل الْحمام أَن يقدم رجله الْيُسْرَى فِي الدُّخُول، ويتعوذ بِاللَّه مرّة من الشَّيْطَان. وَهَذَا الَّذِي قَالَه حسن، وَذَلِكَ أَن الْحمام يحضرهُ من الجان، وَالشَّيَاطِين، كَمَا يحضر الحشوش يَعْنِي بيُوت المَاء. وَقد ورد النَّص فِي الإستعاذة عِنْد دُخُول الحشوش، وَأَن يَقُول: بِسم الله، أعوذ بك من الْخبث والخبائث. فَكَذَا هَذَا سَوَاء. وَيسْتَحب لَهُ إِذا نزع ثِيَابه أَن يَقُول: بِسم الله. فقد قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كِتَابه مَكَائِد الشَّيْطَان: حَدثنَا إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله حَدثنَا سعيد بن مسلمة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن زيد [الْعمي] عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ستر مَا بَين أعين الْجِنّ، وَبَين عورات بني آدم إِذا نزع الرجل ثَوْبه أَن يَقُول: بِسم الله.

قَالَ: وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ستر مَا بَين أعين الجان وعورات أمتِي، إِذا دخل أحدهم الْخَلَاء أَن يَقُول بِسم الله.

فصل

فصل وَيحرم أَن يدْخل الْحمام بِلَا ستْرَة من مئزر وَنَحْوه كَمَا تقدم فِي الحَدِيث:. . وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر. وَكتب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن لَا يدْخل الرجل الْحمام إِلَّا بمئزر، وَلَا امْرَأَة إِلَّا من سقم. وَكَذَلِكَ فعل عمر بن عبد الْعَزِيز. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة قَالَ: رَأَيْت عمر بن عبد الْعَزِيز يضْرب صَاحب الْحمام وَمن دخله بِغَيْر إِزَار. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: حرَام عَلَيْهِم دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار. وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَين أحد من السّلف. وَأَيْضًا فَإِن ستر الْعَوْرَة عَن عُيُون النَّاس وَاجِب بِالْإِجْمَاع، وَالنَّص. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة، وَلَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي ثوب وَاحِد رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة أبي سعيد.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْمَرَاسِيل: حَدثنَا ابْن [السَّرْح] عَن ابْن وهب عَن عبد الرَّحْمَن يَعْنِي ابْن سلمَان عَن عَمْرو ابْن أبي عَمْرو مولى الْمطلب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن النَّاظر والمنظور إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا وَقع الْخلاف بَين الْعلمَاء فِيمَا إِذا كَانَ الشَّخْص خَالِيا وَحده، هَل يجب عَلَيْهِ التستر أم لَا على قَوْلَيْنِ: [أَحدهمَا] : نعم لحَدِيث بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، عوراتنا مَا نأتي مِنْهَا وَمَا نذر فَقَالَ: احفظ عورتك إِلَّا من زَوجتك أَو مَا ملكت يَمِينك. قلت: فَإِذا كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي بعض قَالَ: إِن اسْتَطَعْت أَن لَا ترينها أحدا، فَلَا ترينها. قلت: فَإِذا كَانَ أَحَدنَا خَالِيا قَالَ: فَالله أَحَق أَن يستحى مِنْهُ. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده، وَأهل السّنَن الْأَرْبَعَة فِي كتبهمْ.

وعلقه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِصِيغَة الْجَزْم. وَذكر ابْن أبي شيبَة بِسَنَدِهِ إِلَى عُرْوَة عَن أَبِيه أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَهُوَ يخْطب النَّاس: يَا معشر النَّاس اسْتَحْيوا من الله فو الَّذِي [نَفسِي] بِيَدِهِ إِنِّي لأظل حِين أذهب إِلَى الْغَائِط فِي الفضاء مغطيا رَأْسِي استحياء من رَبِّي عز وَجل وَقَالَ: حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن الْحسن بن عبيد الله قَالَ: [برزت] إِلَى الْحمام، فرآني أَبُو صَادِق، فَقَالَ لي: مَعَك إزارا فإنني سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول: من كشف عَوْرَته أعرض عَنهُ الْملك. وَقَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون [أخبرنَا] حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس عَن أبي مُوسَى قَالَ: إِنِّي لأغتسل فِي الْبَيْت المظلم، فأحني ظَهْري إِذا أخذت ثوبي حَيَاء من رَبِّي عز وَجل

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ: مَا أَقمت صلبي فِي غسل مُنْذُ أسلمت. وَهَذِه أَسَانِيد صَحِيحَة. وَنَصّ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله على كَرَاهَة دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار. وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، هُوَ بالإزار أفضل، لِأَن الْحسن وَالْحُسَيْن دخلا الْحمام وَعَلَيْهِمَا بردَان. فَقيل لَهما فِي ذَلِك فَقَالَا: إِن للحمام سكانا (وَالْقَوْل الثَّانِي) : أَنه لَا يجب التستر فِي حَال الْخلْوَة، وحملوا هَذَا الحَدِيث على النّدب. وَقد يسْتَأْنس لهَذَا القَوْل بقوله تَعَالَى: {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور} . قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أنَاس كَانُوا يستحيون أَن يتخلوا فيفضوا إِلَى السَّمَاء، وَأَن يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء رَوَاهُ البُخَارِيّ. مَسْأَلَة: اخْتلف الْعلمَاء هَل يكره أَن يدْخل إِلَى الْحمام وَفِيه من لَيْسَ لَهُ إِزَار يستره فروى الإِمَام الْحَافِظ ابْن أبي شيبَة: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين كَرَاهَة

ذَلِك لِئَلَّا يرى عَوْرَاتهمْ. وَقَالَ سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ: لِأَن أَمُوت ثمَّ أنشر ثمَّ أَمُوت ثمَّ أنشر ثمَّ أَمُوت، أحب إِلَيّ من أَن أرى عَورَة الرجل أَو يَرَاهَا مني روى ذَلِك عَن وَكِيع عَن هِشَام بن الْغَاز عَن عبَادَة بن نسي عَن قيس بن الْحَارِث عَنهُ. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: رَأَيْت أَبَا جَعْفَر دخل الْحمام، وَعَلِيهِ إِزَار إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ، وَفِيه أنَاس بِغَيْر أزر. مَسْأَلَة هَل يسْتَحبّ أَن يسلم الدَّاخِل إِلَى الْحمام فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يسلم كَسَائِر الْأَمَاكِن. وَالثَّانِي: لَا يسلم، لِأَنَّهُ مَحل لَا يُرَاد لِلْعِبَادَةِ، فَلَا يسْتَحبّ فِيهِ السَّلَام كالحش. وَالثَّالِث: أَنه يسلم على من هُوَ مستتر بمئزر، وَلَا يسلم على من هُوَ مَكْشُوف الْعَوْرَة.

وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي حَكَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَحمَه الله وَهُوَ أحْسنهَا. (مَسْأَلَة) : وعورة الرجل قبله وَدبره بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَهل الْفَخْذ من الْعَوْرَة فِيهِ أَقْوَال الْعلمَاء: أَحدهَا: وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَمَالك، وَأبي حنيفَة، وَرِوَايَة عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه من الْعَوْرَة. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا [حُسَيْن] بن مُحَمَّد [حَدثنَا] ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن زرْعَة بن عبد الله بن جرهد عَن جرهد رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على جرهد، وفخذ جرهد مكشوفة فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة. هَكَذَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل.

وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن الْحسن بن عَليّ عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: أَخْبرنِي ابْن جرهد وَلم يسمعهُ عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ فَذكر مَعْنَاهُ وَقَالَ: حسن. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْحمام: حَدثنَا القعْنبِي عَن مَالك عَن أبي النَّضر عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ جرهد من أَصْحَاب الصّفة، أَنه قَالَ: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا وفخدي منكشفة فَقَالَ: أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة . وَهَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ فِي أَصله، وَإِن اخْتلف فِيهِ بعض الروَاة، وَقد دونه مَالك فِي موطئِهِ، وَمَالك لَا يروي إِلَّا الَّذِي لَهُ أصل فِي الْجُمْلَة. وَلِهَذَا علقه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَقَالَ: حَدِيث جرهد أحوط، وَحَدِيث أنس أسْند

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَلَا نَعْرِف لجرهد سوى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ جرهد بن رزاح بن عدي أَبُو عبد الرَّحْمَن الْأَسْلَمِيّ. وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وُجُوه أخر: وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا [هشيم] [حَدثنَا] حَفْص بن ميسرَة عَن الْعَلَاء عَن أبي كثير مولى مُحَمَّد بن جحش [عَن مُحَمَّد ابْن جحش] ختن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مر على معمر وَهُوَ بِفنَاء الْمَسْجِد مُحْتَبِيًا، كاشفا عَن طرف فَخذه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خمر فخذك يَا معمر فَإِن الْفَخْذ عَورَة. انْفَرد بِهِ أَحْمد. وَمُحَمّد بن جحش بن ربَاب أَبُو عبد الله الْأَسدي، ابْن أخي زَيْنَب بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ حديثان هَذَا أَحدهمَا، وَالْآخر رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث الْعَلَاء عَن أبي كثير عَنهُ فِي التَّشْدِيد فِي

الدّين. وَقد رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن عبد الله بن عَبَّاس أَيْضا فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق [حَدثنَا] إِسْرَائِيل عَن أبي يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل وَفَخذه خَارِجَة فَقَالَ: غط فخذك، فَإِن فَخذ الرجل من عَوْرَته. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد، وَرِوَايَة عَن مَالك، وَوجه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي، وَمذهب دَاوُد الظَّاهِرِيّ. ويحتج لَهُ بِحَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ فِي غَزْوَة خَيْبَر حَيْثُ قَالَ فِيهِ: فَأجرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زقاق خَيْبَر ثمَّ حسر الْإِزَار عَن فَخذه حَتَّى إِنِّي لأنظر إِلَى بَيَاض فَخذ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر بَقِيَّة الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَفِي رِوَايَة لمُسلم: انحسر الْإِزَار عَن فَخذ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قَالَ البُخَارِيّ: ويروى عَن ابْن عَبَّاس، وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْفَخْذ عَورَة وَقَالَ أنس: حسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فَخذه وَحَدِيث أنس أسْند، وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يخرج من اخْتلَافهمْ. انْتهى كَلَامه وَلَا شكّ فِيمَا قَالَه البُخَارِيّ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْفَخْذ عَورَة فِي الْمَلأ، وَبَين الْجَمَاعَة وَأما مَعَ الرجل وَالرّجلَيْنِ فَلَا بَأْس بكشفهما لحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا فِي بَيته، كاشفا عَن فَخذيهِ أَو سَاقيه، فَاسْتَأْذن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال، فَتحدث، ثمَّ اسْتَأْذن عمر رَضِي الله عَنهُ، فَأذن لَهُ وَهُوَ كَذَلِك، فَتحدث، ثمَّ اسْتَأْذن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسوى ثِيَابه، فَدخل فَتحدث. فَلَمَّا خرج قَالَت عَائِشَة: دخل أَبُو بكر فَلم [تهش] لَهُ، وَلم تباله ثمَّ دخل عمر فَلم [تهش] لَهُ، وَلم تباله ثمَّ دخل عُثْمَان فَجَلَست، وسويت ثِيَابك فَقَالَ: أَلا أستحي من رجل تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة رَوَاهُ مُسلم.

وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فَقَالَ: كاشفا عَن فَخذه من غير شكّ. وروى أَيْضا: عَن حَفْصَة قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم، فَوضع ثَوْبه بَين فَخذيهِ فجَاء أَبُو بكر يسْتَأْذن، فَأذن لَهُ وَهُوَ على هَيئته ... وَذكر نَحْو حَدِيث عَائِشَة فَلَمَّا اسْتَأْذن عُثْمَان، فتجلل بِثَوْبِهِ ثمَّ أذن لَهُ. فَقَالُوا: وَلِهَذَا أَمر جرهد الْأَسْلَمِيّ بتغطية فَخذه لما كَانَ فِي [مَلأ] من النَّاس. وَهَذَا الْمَذْهَب اخْتَارَهُ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة فِي كِتَابه مُشكل الحَدِيث، وَجمع بَين الْأَحَادِيث فِي ذَلِك بِهَذَا [الْجمع] وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. القَوْل الرَّابِع: أَن الْفَخْذ عَورَة فِي الْمَسْجِد، وَلَيْسَ بِعَوْرَة فِي الْحمام. وَهَذَا الْمَذْهَب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ: عَن أَحْمد بن المعلي الدِّمَشْقِي القَاضِي عَن هِشَام بن عمار عَن [إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن سَمَّاعَة] عَن أبي

عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ رَحمَه الله وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَكَانَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي يصحح ذَلِك، ويرجحه، وَيعْمل بِهِ فِي الْخلْوَة من الْحمام رَحمَه الله وَكَأَنَّهُ جمع بَين حَدِيث جرهد، وَغَيره، بِهَذَا الْوَجْه، وَالله أعلم. وَالَّذِي يظْهر وَالله أعلم أَن الْفَخْذ عَورَة، لحَدِيث جرهد، وَمُحَمّد ابْن جحش، وَابْن عَبَّاس وَلَكِن لَيست كالسوأتين، لحَدِيث أنس، وَعَائِشَة، وَحَفْصَة. وَحَاصِل ذَلِك أَن الْفَخْذ عَورَة مُخَفّفَة، وَالله أعلم. (فرع) إِذا قيل بِأَن الْفَخْذ عَورَة، فَهَل تكون السُّرَّة وَالركبَة داخلتين فِي حكمه فِيهِ أَرْبَعَة أوجه: أَحدهمَا: تدخلان، لِأَنَّهُمَا يكشفان الْعَوْرَة، فجعلناهما مِنْهَا، لِأَن حكم حَرِيم الشَّيْء كحكمه. وَلِحَدِيث أبي مُوسَى: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَاعِدا، فِي مَكَان فِيهِ مَاء، قد كشف عَن رُكْبَتَيْهِ أَو ركبته فَلَمَّا دخل عُثْمَان غطاها وَالثَّانِي: تدخل السُّرَّة دون الرّكْبَة، لِأَن السُّرَّة أشبه بالفخذ من الرّكْبَة، لحَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه، حَتَّى أبدى عَن ركبته. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما صَاحبكُم فقد غامر. . وَذكر الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالْحجّة فِيهِ، أَنه لم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك وَلنَا وَجه حَكَاهُ الرَّافِعِيّ، وَالنَّوَوِيّ: أَن الرّكْبَة تدخل دون السُّرَّة وَهُوَ غَرِيب جدا. وَالله أعلم وَنَقله فِي الشَّامِل عَن أبي حنيفَة، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح رحمهمَا الله وَاحْتج لَهما بِمَا روى أَبُو الْجنُوب عقبَة بن عَلْقَمَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرّكْبَة من الْعَوْرَة ثمَّ قَالَ: وَأَبُو الْجنُوب لَا تثبته أهل النَّقْل. وَالرَّابِع لَا تدخلان. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح مذهبا ودليلا، وَهُوَ قَول مَالك رَحمَه الله، وَرِوَايَة عَن أَحْمد. لحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا زوج أحدكُم عَبده، أَو أمته، أَو أجيره، فَلَا ينظر إِلَى شَيْء من عَوْرَته، فَإِن مَا أَسْفَل من سرته إِلَى ركبته، من عَوْرَته.

رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه، وَأَبُو دَاوُد قَالَ: فَلَا ينظر إِلَى مَا دون السُّرَّة وَفَوق الرّكْبَة. ونسخة عَمْرو بن شُعَيْب، من حسان [الْأَحَادِيث] عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء إِذا صَحَّ الْإِسْنَاد إِلَيْهِ. وَقد اعتضد هَا هُنَا، بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء الْمُتَقَدّم، وَبِمَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق قَالَ: كنت مَعَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا، فلقيا أَبُو هُرَيْرَة، فَقَالَ لِلْحسنِ: أَرِنِي أقبل مِنْك حَيْثُ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل فَرفع قَمِيصه فَقبل سرته

فصل

فصل وَمِمَّا ينْهَى عَنهُ نهيا شَدِيدا، الإغتسال وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فَإِن هَذَا من فعل الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ من شَرِيعَة بني إِسْرَائِيل، فنسخ الله ذَلِك فِي هَذِه الْملَّة المحمدية. كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا أسود بن عَامر [حَدثنَا] أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلي بن أُميَّة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حييّ ستير، فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يغْتَسل فليتوار بِشَيْء. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف. وَالنَّسَائِيّ عَن أبي [بكر [بن إِسْحَاق.

كِلَاهُمَا عَن أسود بن عَامر وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن يعلي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يغْتَسل بالبراز، فَصَعدَ الْمِنْبَر، [فَحَمدَ الله] ، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الله حييّ ستير، يحب الْحيَاء والستر، فَإِذا اغْتسل أحدكُم فليستتر. رَوَاهُ النَّسَائِيّ، هَكَذَا عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني عَن النُّفَيْلِي وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن نفَيْل الْحَرَّانِي، أحد الْأَثْبَات. [لَكِن سقط من رِوَايَته ذكر صَفْوَان بن يعلي بن أُميَّة، وَالصَّوَاب إثْبَاته لِأَنَّهُ حَدِيث جيد فِي الْجُمْلَة يحْتَج بِهِ، وَالله أعلم] .

وَقَالَ الإِمَام مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة: حَدثنَا إِسْحَاق يَعْنِي ابْن رَاهَوَيْه [أخبرنَا] عرْعرة بن البرند السَّامِي [حَدثنَا] زِيَاد بن الْجَصَّاص عَن زُرَارَة بن أوفى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ثَلَاثَة يغتسلون من حَوْض عُرَاة فَقَالَ: أما تستحيون الله أما تستحون من الْحفظَة الْكِرَام أما يستحي بَعْضكُم من بعض وَقَالَ زُرَارَة أَيْضا: وَرَأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجِيرا لَهُ فِي غنم الصَّدَقَة قَائِما، عُريَانا فَقَالَ لَهُ: كم عملت لنا قَالَ: وَلم يَا رَسُول الله قَالَ: مَا أُرِيد أَن يَلِي لي عملا، من لَا يستحي من الله إِذا خلى. وَهَذَا حَدِيث مُرْسل، وزرارة بن أوفى قَاضِي الْبَصْرَة هُوَ تَابِعِيّ جليل.

فصل

فصل فَإِن كَانَ الْغَرَض من دُخُول الْحمام الإغتسال من الْجَنَابَة بَادر إِلَى ذَلِك من غير أَن يوسوس فِي طَهَارَة المَاء وَلَا يغْتَسل الجرن، وَمَا حوله بِمَاء كثير يسرف فِيهِ. فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِضَاعَة المَال. [وَمن ذَلِك] : المَاء المسخن لَا سِيمَا فِي الشتَاء، فَإِنَّهُ مَال للحمامي، وَلَا يحل إضاعته فِي غير فَائِدَة وَلَا يجب غسل الجرن، أَو الْحَوْض، إِلَّا أَن يرى فِيهِ نَجَاسَة مُحَققَة. وَأما بِمُجَرَّد الوسوسة، فَلَا يحل لَهُ التَّصَرُّف فِي مَال الحمامي بِغَيْر رِضَاهُ. وَلَا يشْتَرط فِي صِحَة الْغسْل أَن يفِيض الجرن، أَو الْحَوْض وَأَن لَا يمسهُ أحدا كَمَا قد يَفْعَله بعض من ينتسب إِلَى الْعلم فقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ بِالْمدِّ، ويغتسل بالصاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد.

وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل هِيَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِنَاء وَاحِد يسع ثَلَاثَة أَمْدَاد أَو قَرِيبا من ذَلِك وَالْمرَاد بِالْمدِّ هَا هُنَا: مد أهل الْحجاز، وَهُوَ رَطْل وَثلث بالبغدادي وَأكْثر مَا قيل فِي الرطل الْبَغْدَادِيّ أَنه وزن مائَة وَثَلَاثِينَ درهما وَفِي هَذَا كِفَايَة لِذَوي البصائر، الَّذين يقتدون بِأَفْعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وشمائله. وَلَا يُبَالغ فِي اسْتِعْمَال المَاء زِيَادَة على الْحَاجة، فقد ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله تَوَضَّأ مرّة مرّة وَعَن جُبَير بن مطعم رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر عِنْده الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ: أما أَنا، فأفيض عَليّ رَأْسِي ثَلَاثًا وَأَشَارَ بيدَيْهِ كلتيهما رَوَاهُ البُخَارِيّ وَهَذَا لَفظه وَأما لفظ مُسلم: أما أَنا، فأفيض على رَأْسِي ثَلَاثَة أكف. و [زَاد] الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: ثمَّ أفيض بعد على سَائِر جَسَدِي. وَقد ورد أَن الْإِسْرَاف فِي المَاء من الشَّيْطَان:

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا رَحمَه الله فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب مَكَائِد الشَّيْطَان: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار [حَدثنَا] أَبُو دَاوُد حَدثنَا خَارِجَة بن مُصعب عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن [عتي] بن ضَمرَة عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِن [للْوُضُوء] شَيْطَانا يُقَال لَهُ الولهان. فَاتَّقُوا وساوس المَاء. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه. وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ عَن الْحسن قَالَ: شَيْطَان الْوضُوء يدعى الولهان يضْحك بِالنَّاسِ فِي الْوضُوء وَبِه عَن الثَّوْريّ قَالَ: بَلغنِي عَن طَاوس أَنه كَانَ يَقُول: هُوَ أَشد الشَّيَاطِين. وَقد روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عبد الله بن

مُغفل يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يعتدون فِي الطّهُور وَالدُّعَاء وروى أبوعبيد فِي كتاب الطّهُور: عَن هشيم وَمُحَمّد بن يزِيد عَن الْعَوام بن حَوْشَب [عَمَّن حَدثهُ] قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: اقتصد فِي الْوضُوء، وَلَو كنت على شاطيء نهر وَعَن هشيم عَن حُصَيْن عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: كَانَ يُقَال إِن فِي كل شَيْء سَرفًا، حَتَّى [فِي] المَاء فَلَا تسرف، وَإِن كنت على شاطيء نهر وَعَن هشيم عَن الْعَوام عَن محَارب بن دثار قَالَ: كَانَ يُقَال: من وَهن علم الرجل: ولوعة بِالْمَاءِ فِي الطّهُور وَعَن هشيم عَن الْعَوام عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن أول مَا يبْدَأ الوسواس من قبل الطّهُور. وَعَن وَكِيع وَابْن أبي زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِنِّي لأتوضأ بكوز الْحبّ مرَّتَيْنِ

قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي [أَن يتَوَضَّأ بالكوز الْوَاحِد] وضوئين وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا رَحِمهم الله فِي الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء وَالْغسْل على وَجْهَيْن: الْجُمْهُور على كَرَاهَة ذَلِك. وَقَالَ الْبَغَوِيّ، وَالْمُتوَلِّيّ: هُوَ حرَام. وَالله أعلم. فَيَنْبَغِي أَن يتَجَنَّب الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء وَالْغسْل. وَلَا سِيمَا فِي الْحمام فَإِن المَاء المسخن مَال، والتفريط فِيهِ خلاف الْمُعْتَاد، وَهُوَ تصرف فِي ملك الْغَيْر يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز فِيهِ. وَإِن فضلت فضلَة عَن حَاجته، فَالْأولى ردهَا إِلَى الْحَوْض لينْتَفع النَّاس بهَا، وَذَلِكَ خير من إراقتها بِغَيْر انْتِفَاع وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام رَحمَه الله فِي كتاب الطّهُور: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب الدِّمَشْقِي ونعيم بن حَمَّاد عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم قَالَ أَبُو أَيُّوب: عَن شُرَيْح بن عبيد، وَقَالَ نعيم: عَن حبيب بن عبيد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مر بنهر فَنزل، وَأخذ قَعْبًا مَعَه، فملأه من المَاء، ثمَّ تنحي عَن النَّهر، ثمَّ

تَوَضَّأ من الْقَعْب، وَفضل من ذَلِك المَاء قَلِيل، فَرده إِلَى النَّهر وَقَالَ: يبلغهُ الله إنْسَانا، أَو دَابَّة، وأشباهه، يَنْفَعهُمْ الله بِهِ. وَأحسن مَا رُوِيَ فِي صفة الْغسْل حَدِيث عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة، يبْدَأ فيغتسل يَدَيْهِ، ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله، فَيغسل فرجه، ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر، حَتَّى إِذا رأى أَنه [قد اسْتَبْرَأَ، حفن] على رَأسه ثَلَاث حفنات، ثمَّ أَفَاضَ على سَائِر جسده، ثمَّ غسل رجلَيْهِ. رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم وَهَذَا لَفظه. (مَسْأَلَة) فَإِن كَانَت امْرَأَة تَغْتَسِل، ورأسها مظفور، فَإِن وصل المَاء إِلَى بَاطِن الشّعْر من غير نَقصه فَلَا يلْزمهَا نَقصه لما رَوَاهُ مُسلم عَن أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ظفر رَأْسِي، أفأنقصه لغسل الْجَنَابَة فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات، ثمَّ تفيضي عَلَيْك المَاء فتطهرين.

وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق. أفأنقصه للحيضة والجنابة فَقَالَ لَا وَيكرهُ أَن يتَوَضَّأ بعد الْغسْل إِن لم يحدث. لما روته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتَوَضَّأ بعد الْغسْل. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. هَذَا أَن كَانَ إِنَّمَا يتَوَضَّأ على وَجه الوسوسة أما إِن تَوَضَّأ نَاوِيا بذلك تَجْدِيد الْوضُوء، فَفِيهِ خلاف، هَل يسْتَحبّ تَجْدِيد الْوضُوء أم لَا فِيهِ خَمْسَة أوجه.

فصل

فصل فِي الإطلاء بالنورة هَل يجوز أم لَا أما الْمَرْأَة: فَيجوز لَهَا ذَلِك بِلَا نزاع، لِأَنَّهُ من بَاب الزِّينَة، وَهِي مأمورة بهَا للزَّوْج وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن عبد الله ابْن شَدَّاد فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا} فَإِذا الْمَرْأَة شعراء فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا يزِيل هَذَا قَالُوا: النورة. قَالَ: فَجعلت النورة يَوْمئِذٍ. وَأما الرجل: فروى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: عَن وَكِيع عَن مُحَمَّد بن قيس الْأَسدي عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ رجلا أهلب يَعْنِي كثير الشّعْر، وَكَانَ يحلق عَنهُ الشّعْر، فَذكرت لَهُ النورة، فَقَالَ النورة من النَّعيم وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ لَا يطلي وَقَالَ أَيْضا: حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة عَن هِشَام عَن الْحسن

الْبَصْرِيّ رَحمَه الله قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر، لَا يطلون وَهَذَا من مَرَاسِيل الْحسن، وَقد تكلم بَعضهم فِيهَا وروى ابْن ماجة فِي سنَنه بِإِسْنَاد جيد وَعبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن الثَّوْريّ بِإِسْنَاد جيد أَن رَسُول الله طلى بالنورة يَعْنِي فِي غير الْحمام وروى ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن حبيب: أَن عَطاء، وَطَاوُس، ومجاهدا، دخلُوا الْحمام فأطلوا فِيهِ.

فصل

فصل وَإِن اغْتسل بالسدر، والخطمي وَنَحْوهمَا، فِي الْغسْل، اسْتحبَّ لَهُ أَن يعم جَمِيع رَأسه وبدنه، وَأَن يُعْطي كل عُضْو حَقه من التدلك، وَالْغسْل. فَإِنَّهُ قد جَاءَت السّنة بالتسوية بَين الْأَعْضَاء، كَمَا فِي من انْقَطَعت إِحْدَى نَعْلَيْه أَن [لَا] يمشي فِي النَّعْل الآخر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لينتعلهما جَمِيعًا، أَو ليحفهما جَمِيعًا. وَقد كره بعض الْفُقَهَاء أَن يغسل بعض أَعْضَائِهِ فِي الْوضُوء أَكثر من بعض. مِثَاله: أَن يغسل إِحْدَى يَدَيْهِ، أَو رجلَيْهِ ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى غسلتين، بل يُسَوِّي بَينهمَا وَقد اسْتدلَّ بَعضهم فِي ذَلِك بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَإِن لجسدك عَلَيْك حَقًا، فأت كل ذِي حق حَقه. وَالله أعلم. وَالْأولَى أَن يبْدَأ بِغسْل أَعْضَائِهِ الأيامن. وَأَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، لِأَنَّهُ أبعد عَن الْكبر، إِلَّا أَن يضعف عَن ذَلِك. وَيجب أَن يتَوَلَّى هُوَ غسل عَوْرَته، وَيحرم عَلَيْهِ أَن يتَوَلَّى ذَلِك أَجْنَبِي، كَمَا قد يَفْعَله بعض السُّفَهَاء وَمن لَيْسَ لَهُ حَيَاء من الله عز وَجل فَيمكن الْقيم من غسل عَوْرَته

فَإِن ذَلِك لَا يجوز، وَيحرم عَلَيْهِ ذَلِك. وَيسْتَحب أَن يتَوَلَّى غسلهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: كَانَت يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطعامه وَشَرَابه وَطهُوره، وشماله لما سوى ذَلِك. وَجَرت الْعَادة بِأَن الْقيام يدلكون النَّاس بِأَيْدِيهِم، وَيخرجُونَ الْوَسخ بِأَيْدِيهِم وأكفهم. وَلَا بَأْس بذلك إِذا لم يمس الْعَوْرَة، فَإِن ذَلِك لَا يجوز. والتكبيس لَا بَأْس بِهِ أَيْضا، لِأَن فِيهِ مصلحَة للجسد، فقد روى الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن زِيَاد أخبرنَا خَالِد بن خِدَاش بن عجلَان عَن عبد الله بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن جده عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا غُلَام أسود يغمز ظَهره أَي يكبس ظَهره، فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن النَّاقة اقتحمت بِي ثمَّ قَالَ: [وَهَذَا الحَدِيث لَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا عَن عمر عَنهُ، وَلم يروه عَن عمر إِلَّا أسلم] وَرَوَاهُ عَن زيد هِشَام بن سعد، [وَعبد الله بن زيد] .

فصل

فصل وَإِن أدْركهُ وَقت الصَّلَاة فِي الْحمام: فَالْأولى أَن يخرج إِلَى الْمَسْجِد، ثمَّ يعود إِلَى الْحمام إِن كَانَ قد بَقِي لَهُ فِيهِ تعلق. فَإِن فِي الصَّلَاة فِي الْحمام خلافًا بَين الْعلمَاء: فَمنهمْ من ذهب إِلَى صِحَّتهَا مَعَ الْكَرَاهَة. إِمَّا لِأَنَّهَا مَحل النَّجَاسَات، وَقد يترشش الْمُصَلِّي بِنَجَاسَة وَهُوَ لَا يشْعر وَإِمَّا لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين أَو لمجموع الْأَمريْنِ. وعَلى هَذَا فَظَاهر الْحمام أسهل من دَاخله. وَهَذَا قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَمِنْهُم من قَالَ: إِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت صلى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، لِأَن مُرَاعَاة الْوَقْت أولى من مُرَاعَاة الْمَكَان. وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَنَّهَا لَا تصح مُطلقًا، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله. واعتمدوا فِي ذَلِك على أَحَادِيث وَردت فِي النَّهْي عَن ذَلِك: (أَحدهَا) حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَله طرق جَيِّدَة. قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله فِي مُسْنده:

حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْملك الْحَرَّانِي [حَدثنَا] مُحَمَّد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عمر بن يحيى [بن] عمَارَة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل الأَرْض مَسْجِد وطهور، إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام. وَقَالَ أَحْمد أَيْضا: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة الْغلابِي وَهُوَ غَسَّان بن [الْمفضل] الْبَصْرِيّ حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْحمام والمقبرة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد [ (ح) و] عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة كِلَاهُمَا: عَن عَمْرو بن يحيى

عَن أَبِيه عَن أبي سعيد بِهِ. وَرَوَاهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي مُسْنده: عَن حجاج بن منهال عَن حَمَّاد بن سَلمَة مُسْندًا من غير شكّ. وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار: عَن أبي كَامِل الجحدري عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي بكر بن خُزَيْمَة عَن بشر بن معَاذ عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه: عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن يزِيد بن هَارُون عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة كِلَاهُمَا: عَن عَمْرو بن يحيى بِهِ مُسْندًا.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي من حَدِيث الثَّوْريّ مُتَّصِلا. وَأما التِّرْمِذِيّ فروى هَذَا الحَدِيث: عَن ابْن أبي عمر وَأبي عمار الْمروزِي [كِلَاهُمَا عَن الدَّرَاورْدِي رِوَايَتَيْنِ: مِنْهُم من ذكره عَن أبي سعيد، وَمِنْهُم من لم يذكرهُ] [وروى سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن

عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل] . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل: رَوَاهُ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، والدراوردي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد مُتَّصِلا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نعيم عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن يحى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد، وَتَابعه سعيد بن سَالم القداح وَيحيى ابْن آدم عَن أَبِيه الثَّوْريّ فوصلوه وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه مُرْسلا، والمرسل هُوَ الْمَحْفُوظ. [فَهَذَا ملخص] طرقه وَعلله. وَحَاصِله أَنه قد اخْتلف فِي وَصله وإرساله، فوصله ثِقَات، وأرسله آخَرُونَ وعَلى طَريقَة كثير من الْفُقَهَاء يجب الحكم بِهِ، وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي، بعد أَن سَأَلته عَنهُ، وَعرضت عَلَيْهِ طرقه

وَعلله، فصمم عَليّ بِصِحَّتِهِ. وَأما طوائف من أهل الحَدِيث فيحكمون بإرساله، إِلَّا أَنه من أحْسنهَا. وَالْغَرَض مِنْهُ أَنه أخرج الْمقْبرَة، وَالْحمام، من أَن يَكُونَا كَحكم سَائِر الأَرْض فِي كَونهَا جعلت مَسْجِدا وَطهُورًا لهَذِهِ الْأمة وَالْمرَاد من كَون الأَرْض مَسْجِدا: أَنَّهَا جعلت محلا للصَّلَاة فَإِن من كَانَ قبلنَا لم تكن تُبَاح لَهُم الصَّلَاة إِلَّا فِي كنائسهم فَقَط فَجعل الله سَائِر الأَرْض لهَذِهِ [الْأمة] مَسْجِدا وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث باستثناء الْمقْبرَة وَالْحمام مِنْهَا، فَظهر أَنَّهُمَا ليستا محلا للصَّلَاة. وَالله أعلم. وَقد جَاءَت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، تَتَضَمَّن النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْمقْبرَة، فَهِيَ كالشاهد لصِحَّة هَذَا الحَدِيث، وَالله أعلم وَالْغَرَض أَن الْحمام هُوَ بَيت الشَّيَاطِين، ومأواهم، وَلَا شكّ فِي كَرَاهَة الصَّلَاة فِي مثل ذَلِك، لما جَاءَ فِي الحَدِيث: أَنهم لما نَامُوا عَن صَلَاة الصُّبْح، فِي ذَلِك الْوَادي حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقتادوا رواحلهم حَتَّى جاوزوه، وَقَالَ: إِن هَذَا مَوضِع حَضَرنَا فِيهِ

الشَّيَاطِين فَلم يصل فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَعلل بِهَذِهِ الْعلَّة، وَأمرهمْ أَن لَا يصلوا فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي [مر أَو حضر] فِيهِ الشَّيْطَان. فَمَا ظَنك بِمَا هُوَ منزل للشياطين قَالُوا: وَهَذَا كَمَا ورد فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل. وَقد ورد ذَلِك من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم جَابر بن سَمُرَة وَعمر بن الْخطاب، وَعقبَة بن عَامر، وَعبد الله بن الْمُغَفَّل، والبراء ابْن عَازِب، وسبرة بن معبد، وَابْن عمر، وَأسيد بن [الْحضير] ، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَذُو الْغرَّة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنَّهَا خلقت من الْجِنّ كَمَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله فِي مُسْنده:

حَدثنَا وَكِيع عَن أبي سُفْيَان بن الْعَلَاء وَهُوَ أَخُو أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن الْحسن عَن عبد الله بن مُغفل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حضرت الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مرابض الْغنم فصلوا، وَإِذا حضرت وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل فَلَا [تصلوا] ، فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: عَن [الفلاس] عَن يحيى الْقطَّان عَن أَشْعَث ابْن عبد الْملك. وَابْن ماجة: عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن هشيم عَن يُونُس ابْن عبيد. كليهمَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن مُغفل بِهِ. وَلَفظ ابْن ماجة: صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل، فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين. وَقَالَ أَحْمد:

حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عبد الله بن عبد الله هُوَ الرَّازِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل، فَقَالَ: لَا تصلوا فِيهَا فَإِنَّهَا من الشَّيَاطِين هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة بِهِ نَحوه وَمن هَذَا الْقَبِيل الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيقين: من حَدِيث أبي صَالح الْغِفَارِيّ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ مر بِبَابِل وَهُوَ يسير، فَجَاءَهُ الْمُؤَذّن يُؤذنهُ بِصَلَاة الْعَصْر، فَلَمَّا مر عَنْهَا، أَمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ الصَّلَاة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ: إِن حَبِيبِي نهاني أَن أُصَلِّي فِي الْمقْبرَة، ونهاني أَن أُصَلِّي فِي أَرض بابل، فَإِنَّهَا ملعونة. فَهَذِهِ أَدِلَّة من منع الصَّلَاة فِي الْحمام، وَأوجب أَن تفعل فِي غَيره، وَالْأولَى الْخُرُوج من اخْتِلَاف الْعلمَاء، مَا أمكن، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.

(مَسْأَلَة) إِذا صلى فِي الْحمام ستر عَوْرَته، وَوضع على مَنْكِبَيْه شَيْئا، كمنديل، أَو مئزر، أَو منشفة، وَنَحْو ذَلِك. وَيكرهُ أَن يُصَلِّي ومنكباه مكشوفتان، عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: يحرم، وَلَا تصح الصَّلَاة حَتَّى يفعل ذَلِك. لما رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَلَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء. وَلمُسلم: لَيْسَ على عَاتِقيهِ.

فصل

فصل وَيَنْبَغِي أَن يُعَامل النَّاس فِي الْحمام بالرفق، والمروة، وإعانة الضَّعِيف، وَالشَّيْخ الْكَبِير فقد جَاءَ فِي الحَدِيث: من لم يرحم صَغِيرنَا، وَيعرف حق كَبِيرنَا، فَلَيْسَ منا. وَإِن اعتزل النَّاس وَجلسَ فِي خلْوَة وحدة، فَهُوَ أولى، لِئَلَّا يرى شَيْئا من الْمُنْكَرَات، الَّتِي قد لَا يَسْتَطِيع إِزَالَتهَا. وَيكرهُ كَثْرَة الْمكْث فِي الْحمام فَوق الْحَاجة، لِأَنَّهُ موطن يحضرهُ الشَّيَاطِين، وَيكثر فِيهِ اللَّغط، وكشف العورات، وَفِيه مضرَّة طبيعية، وَالله أعلم وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، فَيغسل فِيهِ رَأسه وَجَسَده. مُتَّفق عَلَيْهِ. مَسْأَلَة وَجَرت عَادَة النَّاس بالإستحمام فِي آخر الْحمام عِنْد الْخُرُوج، وَهُوَ نوع من التَّدَاوِي فَيجوز مَا جرت بِهِ الْعَادة، من غبر إِسْرَاف.

وَيَنْبَغِي أَن لَا يزِيد على سبع طاسات، لِأَنَّهَا مَظَنَّة الشِّفَاء. كَمَا فِي الحَدِيث: صبوا عَليّ، من سبع قرب، لم تحلل أوكيتهن. وَقَالَ: من تصبح بِسبع تمرات من تمر الْمَدِينَة، لم يضرّهُ ذَلِك الْيَوْم سم وَلَا سحر. وَقد نَص جمَاعَة من الْأَطِبَّاء مِنْهُم مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ: أَن من كَانَت بِهِ نزلة، فصب على رَأسه سبع مَرَّات مَاء حارا معتدلا، فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ الشِّفَاء. وَالله أعلم. وَجَرت الْعَادة بِأَن الْقيم يمسك بيدَيْهِ المئزر، وَيسْتر بِهِ الَّذِي يغْتَسل، فَإِن حصل بذلك ستر مَا بَين الْحَاضِرين، من غير أَن ينظر الَّذِي يمسك الستْرَة، إِلَى عَورَة الَّذِي يغْتَسل فَلَا بَأْس بذلك. فقد ثَبت فِي الصَّحِيح: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْتسل يَوْم الْفَتْح، وَفَاطِمَة تستره بِثَوْب رَضِي الله عَنْهَا. وَقد روى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن يحيى بن الْوَلِيد عَن مَحل بن خَليفَة قَالَ: حَدثنِي أَبُو السَّمْح قَالَ: كنت أخدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل قَالَ:

ولني قفاك قَالَ: فأوليته قفاي أستره. الحَدِيث وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا حجاج حَدثنَا شريك عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر عليا فَوضع لَهُ غسلا، ثمَّ أعطَاهُ ثوبا، وَقَالَ: استرني وولني ظهرك. وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَهُوَ فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة من هَذَا الْوَجْه. وَالله أعلم.

فصل

فصل وَقد اسْتحبَّ بعض الْعلمَاء الِاغْتِسَال من دُخُول الْحمام. فَمِمَّنْ نَص على اسْتِحْبَابه الْمحَامِلِي، من أَصْحَابنَا فِي كتاب لباب الْفِقْه. وروى ذَلِك عَن طَائِفَة من السّلف. قَالَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَن عليا كَانَ لَا يغْتَسل إِذا خرج من الْحمام. قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَكَانَ معمر يَفْعَله. وَقَالَ أَيْضا: أخبرنَا معمر عَن إِسْرَائِيل عَن أَبِيه عَن مُجَاهِد أَن عليا قَالَ الطهارات سِتّ: من الْجَنَابَة، وَمن الْحمام، وَمن غسل الْمَيِّت، وَمن الْحجامَة، وَغسل الْجُمُعَة، وَغسل الْعِيدَيْنِ.

وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِنِّي لأحب أَن أَغْتَسِل من خمس: من الْحجامَة، وَالْحمام، والجنابة، وَمن غسل الْمَيِّت، وَيَوْم الْجُمُعَة، قَالَ: فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا كَانُوا يرَوْنَ غسلا وَاجِبا، إِلَّا غسل الْجَنَابَة وَكَانُوا يستحبون غسل الْجُمُعَة. قلت: وَكَأن من رأى الْغسْل من الْحمام، أَن علته عِنْده أَن مَاء الْحمام يسخن بالنجاسات غَالِبا، وَأَنه من الْحَمِيم، وَقد أَمر بِالْوضُوءِ مِمَّا مست النَّار وَهُوَ مَذْهَب غَرِيب فِي الْجُمْلَة. وَقَول الْجُمْهُور من الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف على خِلَافه، وَكَانَ الشّعبِيّ رَحمَه الله يُنكر قَول من يرى الْغسْل من ذَلِك، وَيَقُول: فَلَمَّا أدخلهُ إِذا وَرُوِيَ عَنهُ مَا هُوَ أبلغ من ذَلِك قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي شيبَة رَحمَه الله: حَدثنَا هشيم عَن سيار قَالَ: رَأَيْت الشّعبِيّ خرج من الْحمام، فَجعل يَخُوض فِي مَاء الْحمام، وَلم يغسل قَدَمَيْهِ قَالَ: فَقلت لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: إِنِّي رجل ينظر إِلَيّ

فصل

فصل وَجَرت الْعَادة بالتنشف من الْحمام. وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب رَحِمهم الله فِي كَرَاهَة التنشف بعد الْوضُوء وَالْغسْل على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن ذَلِك يكره، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر، وَابْن أبي ليلى، لِأَن فِيهِ تبريا من الْعِبَادَة. وَقد جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَن مَيْمُونَة بنت الْحَارِث أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخرقَة بعد الْغسْل فَلم يردهَا وَجعل ينفض المَاء بِيَدِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا أ [وعوانة عَن الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْتسل عِنْدهَا فَأَتَتْهُ بمنديل فَرمى بِهِ قَالَ الْأَعْمَش: فَذَكرته يَعْنِي الحَدِيث لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: الحَدِيث هَكَذَا وَلَا بَأْس بِالْمَسْحِ بالمنديل وَإِنَّمَا هُوَ عَادَة. الثَّانِي: أَن ذَلِك لَا يكره مُطلقًا وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالثَّوْري، وَلَعَلَّ رد الْخِرْقَة لسَبَب خَاص، أَو أَنه أَرَادَ بَقَاء المَاء على جِسْمه.

عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِحَسب ذَلِك الْوَقْت، وَلَعَلَّه كَانَ حرا وَنَحْوه وَالله أعلم. الثَّالِث: وَهُوَ يحْكى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن ذَلِك يجوز فِي الْغسْل دون الْوضُوء، لِأَن مَاء الْغسْل قد يضر لكثرته، بِخِلَاف مَاء الْوضُوء. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تنشف بعد الْغسْل. مِنْهَا: حَدِيث أم هَانِئ قَالَت: لما كَانَ يَوْم الْفَتْح، فَذكرت الحَدِيث إِلَى أَن قَالَت: فَقَامَ إِلَى غسله وسترته ابْنَته فَاطِمَة، ثمَّ أَخذ ثَوْبه فالتحف بِهِ، ثمَّ صلى ثَمَان رَكْعَات سبْحَة الضُّحَى - رَوَاهُ مُسلم. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ سَمِعت يحيى بن أبي كثير يَقُول: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة عَن قيس بن سعد بن عبَادَة قَالَ: زارنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي منزلنا فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: فَأمر لَهُ سعد بِغسْل، فَوضع فاغتسل، ثمَّ نَاوَلَهُ أَو قَالَ: ناولوه ملحفة مصبوغة بزعفران وَوَرس، فَاشْتَمَلَ بهَا ثمَّ رفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبَادَة ... وَذكر تَمام الحَدِيث. وَهَذَا إِسْنَاد جيد، رِجَاله ثِقَات.

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ. لَكِن قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عمر بن عبد الْعَزِيز وَابْن سَمَّاعَة عَن الْأَوْزَاعِيّ مُرْسلا، وَلم يذكر قيس بن سعد. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ: زار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن عبَادَة ... فَذكر مُرْسلا. وَرَوَاهُ أَيْضا فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة: من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن أبي ليلى عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل أبي ميسرَة عَن قيس بن سعد قَالَ: أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَضَعْنَا لَهُ المَاء، فاغتسل ثمَّ أتيناه بملحفة ورسية فَاشْتَمَلَ بهَا، فكأننا نَنْظُر إِلَى أثر الورس على عكنة - جنبه -.

فصل

فصل وَقد رخص قوم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمن بعدهمْ فِي التمندل بعد الْوضُوء. وَمن كرهه إِنَّمَا كرهه من قبل أَن الْوضُوء يُوزن. وَرُوِيَ ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ، ثمَّ رَوَاهُ بِسَنَد جيد عَن الزُّهْرِيّ. وَالله أعلم. وَأما الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا نصر بن أبي النَّصْر الطوسي حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنكي حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد حَدثنَا مُوسَى بن إِبْرَاهِيم عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غسل الْقَدَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْبَارِد بعد الْخُرُوج من الْحمام أَمَان من الصداع.

فَهُوَ حَدِيث مَوْضُوع، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ ليعرف أمره، وَلَا يغتر بِهِ وَالْمُتَّهَم بِهِ الرَّاوِي عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، أَو الرَّاوِي عَنهُ فَإِنَّهُمَا مَجْهُولَانِ. وَأما إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَشَيْخه صَالح مولى التَّوْأَمَة فضعيفان عِنْد أهل الحَدِيث. وَالله أعلم.

فصل

فصل فَإِذا خرج من دخل الْحمام وفى الحمامي حَقه، كَمَا جرت بِهِ الْعَادة من غير نُقْصَان. فالعادة كالشرط فِي ذَلِك وَيكرم قيمه. وبادر فِي إِعْطَائِهِ أجرته، للْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ بن مَاجَه: عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي قَوْله: أعْطوا الْأَجِير أجرته قبل أَن يجِف عرقه. وَلَكِن فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَهُوَ ضَعِيف. إِلَّا أَن لهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد من وُجُوه. (مَسْأَلَة) وَالْأُجْرَة الْمَأْخُوذَة فِي الْحمام، عَمَّا هِيَ فِيهِ خلاف بَين الْأَصْحَاب رَحِمهم الله، يرجع حَاصله إِلَى ثَلَاثَة أوجه. أَصَحهَا أَنَّهَا فِي مُقَابلَة: المَاء وَاسْتِعْمَال الأصطال، وسكنى الْمَكَان وَحفظ الثِّيَاب. واغتفر فِي هَذَا الْبَاب، مَا لم يغْتَفر فِي غَيره لِأَن مِنْهُ مَا لَيْسَ بمقدر: كَالْمَاءِ، وَمِقْدَار الْإِقَامَة، والمتبع فِي ذَلِك عرف النَّاس، وتسامحهم بِمثل ذَلِك، لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ ويعسر ضَبطه على النَّاس. وَالله أعلم. وَقد حُكيَ عَن بعض المتقشفين، أَنه كَانَ يشارط الحمامي، على قدر مَا

يَسْتَعْمِلهُ من المَاء وَلَا يحْتَاج الْأَمر إِلَى ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى، لِأَن فَاعله يعد مستهجنا وَكَانَ يلْزمه أَن يجلس فِي الْحمام بالمنكام، لينضبط لَهُ مِقْدَار الزَّمَان. وَلم يَجْعَل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا فِي الدّين من حرج. بل أَمْوَال الْيَتَامَى الَّتِي من تعمد أكلهَا، أطْعم يَوْم الْقِيَامَة نَارا قد أَبَاحَ الله تَعَالَى شركتهم، فِي أطعمتهم من غير تَقْدِير بل بِمَا جرت بِهِ الْعَادة، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم إِن الله عَزِيز حَكِيم} .

فصل

فصل وَيسْتَحب إِذا خرج من الْحمام، أَن يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. كَمَا يسْتَحبّ أَن يَقُول ذَلِك بعد فرَاغ الْوضُوء - لما ذَكرْنَاهُ ثمَّ فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك السَّابِقَة -. وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يكثر من التَّحْمِيد وَالشُّكْر وَالْعِبَادَة يَوْمه ذَلِك لتجدد هَذِه الرَّاحَة وَالنعْمَة عِنْده. وَقد كَانَ كثير من السّلف إِذا تَجَدَّدَتْ لَهُ نعْمَة أَكثر من الْعَمَل شكرا لذَلِك وَقد ورد فِي الحَدِيث: إِن الله ليرضى عَن العَبْد أَن يَأْكُل الْأكلَة فيحمده عَلَيْهَا، وَيشْرب الشربة فيحمده عَلَيْهَا. وَجَاء فِي قَوْله تَعَالَى عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا} أَنه كَانَ يحمد الله عِنْد طَعَامه وَشَرَابه. وروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمته عَن روح بن زنباع الجذامي الدِّمَشْقِي أحد أمرائها وكبرائها وعلمائها وعقلائها، فِي زمَان بني أُميَّة، وَكَانَ مكينا عِنْدهم مُعظما لديهم، وَمن طَرِيق عَبَّاس الدوري عَن

يحيى بن معِين عَن الْحسن بن وَاقع عَن ضَمرَة عَن الْوَلِيد بن أبي عون قَالَ: كَانَ روح بن زنباع إِذا دخل الْحمام وَخرج مِنْهُ أعتق رَقَبَة وَهَذَا قد يكون يَفْعَله من بَاب الشُّكْر على هَذِه النِّعْمَة والعافية، وَمَا حصل لَهُ من لَذَّة وسرور وابتهاج وراحة. وَقد يكون لما شَاهده من حرارة المَاء، وَالْمَكَان الَّذِي يذكر بِهِ حر جَهَنَّم وضيقها وكربها، فَيعتق رَقَبَة افتداء من ذَلِك، وَلَعَلَّ الله أَن يعتقهُ من النَّار. أَو لمجموع هَذَا وَهَذَا، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. وَهَذَا آخِره، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن اتبع الْآدَاب وَالْأَحْكَام، واغفر لنا جَمِيع الذُّنُوب والآثام، واحشرنا فِي زمرة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه مصابيح الظلام، صَلَاة دائمة إِلَى يَوْم الدّين، وارحمنا وَارْحَمْ جَمِيع الْمُسلمين، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم.

§1/1