الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية

خالد بن حامد الحازمي

مقدمة

مقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: تعتبر اللغة بصفة عامة الوعاء الذي يحتضن ويحمل العلم، ويُنْتَقَلُ به من مكان إلى مكان، ومن زمن لآخر، ولولا نعمة اللغة التي امتنّ الله بها على عباده، لما توارثت الأمم حضارات غيرها، واستفادت من عِبَرِ الأحداث وما تفتقت عنه عقول العقلاء في كل فن وعلم. وخصت اللغة العربية من بين لغات العالمين بخصائص انفردت بها عن غيرها، سَمَتْ بها عن لغات الدنيا، وأصبحت بينها كالقمر بين الكواكب تتضاءل الأنوار من حولها، وكأنها القطب والكل في فلكها يدور. فهي لغة القرآن الكريم، ولغة خاتم الأنبياء والمرسلين، تغيرت اللغات واندرست أخرى، وهي ثابتة في نمو وازدهار، تأثرت بالفصحاء في جمال تركيب الكلام وحسن البيان، وأثرت في البلغاء، فأمدتهم بأجمل الكلمات وأفصح الألفاظ، حتى وسعت كتاب الله لفظاً وغاية، وما ضاقت عن آية به وعضاة. وإذا لم يكن للعرب تمدن مادي قديم، فإن مدنيتهم قد ظهرت في عنايتهم بلغتهم، حتى كان يندر من يلحن بينهم، ثم أصبح اللحن مثلبة في لسان الفتى. وبهذه اللغة صاغ العرب الحِكَمَ والأمثال، ونظموا الأشعار وتحدثوا بأعذب العبارات، وأجمل الألفاظ، متأثرين بلغتهم العربية التي صنعت فيهم التمدن الفكري والذوقي، يقول مصطفى صادق الرافعي: ولكنا إذا اعتبرنا لغتهم رأينا حقيقة التمدن فيها متمثلة، وشروطه في مجموعها متحققة، فهي منهم بحر الحياة

الذي انصبت فيه جميع العناصر، وانبعث بها هذا التيار العقلي الذي يدفع بعضه بعضاً، وكأنها هي التي كانت تهذب نفوسهم وتزنها، وتعدلها وتخلصها برقة أوضاعها وسمو تراكيبها، حتى ينشأ ناشئهم في نفسه على ما يرى من أوضاع الكمال في لغته؛ لأنه يتلقنها اعتياداً من أبوية وقومه، ولهيَ أقوم على تثقيفهم من المؤدب بأدبه، والمعلم بعلمه وكتبه؛ لأنها حركات نفسية على مدارها انجذاب الطبع فيهم 1. فجاء الإسلام فازدادوا حكمة على حكمتهم، وقدرة لغوية على قدرتهم، فهذب فكرهم، وصقل أذهانهم، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس، وخير الأصحاب، وأفضل من فكر وتدبر ودبر رضي الله عنهم أجمعين. وبعد انتشار الإسلام، وتوسع الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وحصول الاختلاط بين الأجناس المختلفة، ضعف تقويم اللسان وكثر اللحن بين الناس، حتى أصبحت دراسة علوم اللغة العربية في الغالب قائمة على الاستيعاب المؤقت لحين تجاوز الاختبارات الدراسية، بيد أننا نجد اللغة العربية تمتاز بعذوبة ألفاظها، وجمال تراكيبها الكلامية ومحسناتها البديعية، مما يجعل دراستها رغبة في تذوق جمالياتها والتحلي بتطبيقاتها، إضافة إلى آثارها التربوية العميقة في غرس الفضائل الخلقية، ونبذ الرذائل السلوكية، من خلال أدب اللغة العربية الذي يزخر بفيض من الحكم والأمثال والقصائد والنثر الذي يشحذ الهمم نحو اكتساب الفضائل والتمثل بها، من صدق وأمانة وكرم وعفة ونحو ذلك. إضافة إلى أن اللغة العربية كانت ومازالت مأرزاً في حفظ العلم وتسهيله

_ 1 مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب (1/170) .

على طلابه من خلال نظم الكثير من متون العلم في قصائد بديعة جميلة، على ما سيأتي تفصيله في متن هذا البحث. كما أن اللغة العربية وسيلة تربوية للنمو الفكري من حيث توسعة المدارك والخيال، والتأمل والتفكر. فهذه الجوانب التربوية تمثل أهمية كبيرة في البناء العلمي والتربوي، وتحتاج إلى إيضاح وبيان لتسهم في تعزيز دراسة وتدريس اللغة العربة والاهتمام بتفعيل قواعدها وفروع علومها. وأرجو أن يكون هذا البحث مساهمة في بيان أبرز الآثار التربوية للغة العربية وأن يكون عوناً لشحذ الهمم نحو مزيد من العناية بهذه اللغة الشريفة وبتدريسها ودراستها وتفعيلها في حياتنا.

الفصل الأول: مدخل الدراسة.

الفصل الأول: مدخل الدراسة. المبحث الأول: الإطار التمهيدي. أهمية الدراسة. ... المبحث الأول: الإطار التمهيدي أهمية الدراسة: تظهر أهمية هذه الدراسة من عدة منطلقات، وهي: - أهمية اللغة العربية والعناية بها. - الضعف التربوي في ميدان ممارسة اللغة العربية. - الحاجة إلى إظهار الخصائص التربوية العظيمة للغة العربية التي تنعكس على المهتم بها في فكره وعلمه وأخلاقه، وذوقه. - حاجة الجهات التعليمية إلى معرفة الآثار التربوية للغة العربية من أجل الاستفادة منها في مجال التدريس، وفي وضع المناهج الدراسية. - حفز المعلمين نحو استشعار وتذوق اللغة العربية من خلال آثارها التربوية، بما ينعكس على طرائق تدريسهم. - المساهمة في حفز الطلاب نحو الاهتمام باللغة العربية من خلال بيان آثارها التربوية العظيمة التي تنعكس عليهم من دراستها. فهذه الزوايا والمنطلقات التربوية تؤكد أهمية التطرق لهذا الموضوع والكشف عن المزايا التربوية للغة العربية وعلومها، والتي يغفل عنها كثير من الناس. حتى لكأن دراستها من قبل الطالب لحصول النجاح بتجاوزها، مصروف النظر عن إدراك أهميتها والحاجة إليها، في حين أن ما تغرسه من آثار تربوية جدير بأن يبذل فيها الدارس وسعه ونشاطه وجهده.

أهداف الدراسة.

أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على المضامين الآتية: - إبراز الأهمية التربوية للغة العربية.

- بيان الآثار التربوية للغة العربية في الجانب اللفظي. - توضيح الآثار التربوية للغة العربية في الجانب الفكري. - إبراز الآثار التربوية العلمية للغة العربية. - بيان الآثار الخلقية للغة العربية.

حدود الدراسة.

حدود الدراسة: معلومٌ أن ميادين علوم اللغة العربية عديدة ومتفرعة يصعب الخوض فيها بشيء من التفصيل، كما أن المؤثرات التربوية للغة العربية متعددة الجوانب، فتحتاج إلى دراسات متعاقبة ومتظافرة؛ ولذا فقد تم تحديد الدراسة فيما يلي: - الآثار التربوية للغة العربية في مجالي البناء الفكري والعلمي. - الآثار التربوية للغة العربية في الجانب الخلقي والذوق اللفظي. - إبراز تلك الآثار من خلال عموم اللغة العربية، ومجال الأدب اللغوي.

منهج الدراسة.

منهج الدراسة: تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي والاستنباطي، من خلال استنتاج المؤثرات التربوية من النصوص الأدبية، وخصائص اللغة العربية، بعد الاستفادة من المنهج الوصفي الذي يصف الظاهرة اللغوية وخصائصها.

المبحث الثاني: مفهوم وأهمية اللغة العربية والأدب.

المبحث الثاني: مفهوم وأهمية اللغة العربية والأدب. مفهوم اللغة. ... المبحث الثاني: مفهوم اللغة العربية وأهميتها: مفهوم اللغة: اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم 1. كما تعرف بأنها: نظام صوتي يمتلك سياقاً اجتماعياً وثقافياً، له دلالاته ورموزه، وهو قابل للنمو والتطور 2. ويتضح من هذين التعريفين أن المقصود باللغة الصوت الذي يحمل رموزاً تعارف جماعة من الناس على دلالاتها. وبالتالي يخرج عن ذلك لغة الإشارة.

_ 1 أبو الفتوح عثمان بن جني، الخصائص، ص (1/33) . 2 محمد صالح الشنطي، المهارات اللغوية، ص (24) .

الأهمية التربوية للغة.

الأهمية التربوية للغة: تعتبر اللغة وسيلة التفاهم والتخاطب والتعبير عن ما تكنه النفس البشرية، وما يحمله الإنسان من عواطف ومشاعر تجاه الآخرين وتجاه الأشياء، فهي رأس مطالع العلوم, فقد قيل: "مطالع العلوم ثلاثة: قلب مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور"1 وقُسِّمَ الرجال باعتبار الجود إلى ثلاثة: "رجل بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله" 2. فكان اللسان أحد مطالع الجود؛ ولهذا كان الكلام أداة السحر البياني، وقد وفق الشاعر الجاهلي إذ جعل الكلام نصف الحياة الإنسانية، أو أحد أجزئها الثلاثة فقد قال: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم 3 وبالعبارة الجزلة الجميلة المؤثرة تُستَدر عواطف، ويُجمع بها شتات قلوب

_ 1 أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، ص (48) . 2 المرجع السابق، ص (87) . 3 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (14) .

متفرقة، ويجمع بها وعليها كلمة الحق والخير. ومن خلال اللغة يُسَطَّرُ ويُدَوَّنُ بها ما يُراد، ويكتب بحروفها الآثار، والمحامد والمحاسن، وتسجل بها العلوم والتاريخ، وتُنقل بها المعارف والفضائل، وبها تتغذى القلوب والأبصار، بما تحمله من معاني وأفكار وأفهام، وقد قيل في اللغة: (عنان كل صياغة، وزمام كل عبارة، وقسطاس يعرف به الفضل والرجحان، وميزان تعرف به الزيادة والنقصان، به يعرف ربوبية الرب، وحجة الرسل) 1. وقد اهتم سلف الأمة باللغة العربية وعلومها في أنفسهم أولاً، وبتربية أبنائهم عليها ثانياً، فقد كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتعلموا العربية، وروى عنه أنه قال: رحم الله امرءاً أصلح من لسانه 2. وقد قيل في شأنها: رأيت لسان المرء رائد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تُعَنْوِنُ ولا تعدُ إصلاح اللسان فإنه ... يخبِّرُ عما عنده ويُبَيِّنُ ويعجبني زِيُّ الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يَلْحَنُ 3 وكان اللحن مثلبة من مثالب الفتى، لا يرتقي في أعين ذوي الألباب والأفهام حتى يحسن من لسانه، قال ابن الأنباري: " وكيف يكون الخطأ في الكلام مستحسناً والصواب مستسجماً، والعرب تقرب المعربين، وتنتقص اللاحنين، وتبعدهم، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لقوم استقبح رميهم: ما أسوء رميكم، فيقولون: نحن قوم متعلمين، فيقول: لحنكم أشد عليَّ من فساد رميكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رحم الله امرأ أصلح من لسانه" 4.

_ 1 الملك الأفضل عباس بن علي بن رسول الغساني، نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء، ص (54) . 2 ابن عبد البر، بهجة المجالس وأنس المجالس (1/64) . 3 المرجع السابق (1/64) . 4 بن دريد الأزدي، الملاحن، ص (72) .

ويعتبر اللحن شنيع خاصة في طبقة المتعلمين، يقول شعبة: "مثل الذي يتعلم الحديث، ولا يتعلم النحو، مثل البرنس لا رأس له". وقال المأمون لأحد أولاده وقد سمع منه لحناً: "ما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم أودَه، ويزين بها مشهده، ويَفَلَّ بها حجج خصمه بمسكتات حُكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه، أو يَسُرُّ أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده، أو أمته، فلا يزال الدَّهرَ أسير كلمته"1. وفي عصرنا ازداد الجهل بقواعد اللغة وبأدائها وعلومها وفنونها، وربما أخذت اللغات الأجنبية عناية تربوية تفوق العناية بالعربية، وهي شكوى قديمة الأثر، يقول الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطا ليس "2. واللغة العربية لها قيمة ومنزلة تربوية عظيمة، انبثقت من مكانتها العظيمة التي اختصت بها وتميزت، ومن تلك الخصائص التي انفردت بها عن لغات الدنيا قاطبة ما يلي: 1- أنها لغة القرآن الكريم التي وسعت كتاب الله لفظاً وغاية. قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3. وكثير من قضايا الحياة تتوقف على فهم النصوص الشرعية فهماً صحيحاً دقيقاً؛ ولذلك عني علماء الشريعة بكثير من مسائل الألفاظ ودلالاتها، وبحثوا في العام والخاص والحقيقة والمجاز، والمشترك والمترادف، مع أنها من مسائل علم اللغة؛ لأن استنباط الأحكام من النصوص منوط في كثير من الأحيان بتحديد فهم المسائل اللغوية وتمحيصها وتحليلها 4.

_ 1 ابن عبد البر، بهجة المجالس وأنس المجالس، (1/64) . 2 الذهبي، سير أعلام النبلاء (10/74) . 3 سورة الزخرف، آية (3) . 4 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية (158-159) .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"1. 2- أن اللغة العربية هي لغة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولغة أصحابه رضي الله عنهم، وقد اعتنوا بها عناية كبيرة، وهي الوعاء الذي نقل بها إلينا، فسجل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونُقِل الدين إلينا باللغة العربية، وكُتِبَ الفقه وعلومه بهذه اللغة العربية، وبالتالي فإن فهم الدين من مصادره الأصلية يعتمد على فهم اللغة العربية، ومعرفة معانيها ودلالاتها، وإذا أخفق المرء في فهمها عجز عن فهم معانيها ودلالاتها وربما رفع المنصوب ونصب المرفوع. يقول الكسائي ـ رحمه الله ـ 2: إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كل أمر ينتفع وإذا ما أبصر النحو الفتى ... مر في المنطق مراً فاتسع وإذا لم يعرف النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبناً فانقمع يقرأ القرآن لا يعلم ما ... صَرَّفَ الإعراب فيه وصنع فتراه يخفظ الرفع وإن ... كان من نصب ومن خفظ رفع 3- أنها اتصفت بالاعتدال في عدد حروف كلماتها، فأكثرها وضعت على ثلاثة أحرف، وقليل منها أصله رباعي أو خماسي؛ لئلا يطول النطق ويعسر، في حين خرجت بعض اللغات الأخرى عن الاعتدال3. وفي هذا الاعتدال جوانب تربوية تعليمية مهمة، حيث تساعد متعلمها على

_ 1 ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص (207) . 2 أبو عبد الله الجراح، الورقة، ص (26-27) ، وابن عبد البر، بهجة المجالس (1/68-69) ، وفيها زيادة. 3 محمد صالح الشنطي، المهارات اللغوية، ص (52) .

إدراكها وفهمها، ويسهل عليه نطق كلماتها. 4- ومن خصائص اللغة العربية اتساع معجمها اللفظي، فللمعنى الواحد ألفاظ متعددة، إذا تعسر على المتكلم لفظة أتى بمرادفها، سواء كان مصدر التعسر النسيان، أو عدم القدرة على نطق بعض الحروف 1. وتلك منقبة تربوية لهذه اللغة، إذ تجعل المتكلم بها شجاعاً في خطابه بقدر سعة إلمامه بمفرداتها، فلا يهاب التلعثم، ولا النسيان، وتزيل الخوف عمن يصعب عليه نطق بعض الحروف، حيث من مقدوره أن يعمد إلى مترادفاتها التي خلت مما يعجز عن لفظه من الأحرف. 5- عذوبة اللغة العربية، وجمال ألفاظها، وحسن تركيب عباراتها على مستوى الجمل أو على مستوى مكونات الكلمة من الحروف، فمن يتتبع تراكيب هذه اللغة ويتدبر أثر الأسباب اللسانية فيها، لا يجد كلاماً يعدل كلام العرب في العذوبة والبيان، وفي الاختصار، ونهج التأليف بين حروف الكلمة الواحدة" 2. فصفات الحروف يجمعها لقبان: المصمتة والمذلقة. فالمذلقة ستة أحرف: (ب، ر، ف, ل، م، ن) وهي أخف الحروف، وأسهلها وأكثرها امتزاجاً بغيرها لسرعة النطق بها؛ ولذلك كان لابد في كل كلمة على أربعة أحرف أو خمسة، أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة، لتعادل خفة المذلق ثقل المصمت 3.

_ 1 المصدر السابق (53) . 2 مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب (1/87) . 3 باسمة العسلي، جماليات اللغة العربية على مستوى الحروف والأصوات، ص (58) ، اقتباساً عن ابن دريد، مقدمة جمهرة العرب، ص (7) .

مفهوم الأدب.

مفهوم الأدب: الأدب: هو الكلام المنظوم والمنثور، من حيث فصاحته وبلاغته، وغايته الإجادة في فنّي المنظوم والمنثور على أساليب العرب، وتهذيب العقل، وتذكية الجنان 1. وهذا التعريف شامل لكل منظوم، ومنثور من الأدب، سواءً ما التزم بالآداب والفضائل أو ما خرج عنها؛ ولذلك ظهر اصطلاح الأدب الإسلامي الذي يضبط القرائح الأدبية ونتاجها، بالمنهج الإسلامي، وقد عرف الأدب الإسلامي بعدة تعريفات منها: أن الأدب: هو التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب تعبيراً ينبع من التصور الإسلامي للخالق عز وجل ومخلوقاته2. ويعرف أيضاً بأنه: (التعبير الناشئ عن امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية) 3. فالأدب الإسلامي: هو التزام المنظوم والمنثور من الكلام بأهداب الشريعة الإسلامية. وهذا لا يتأتى إلا إذا اقترنت التربية الإسلامية بتنشئة الأديب تنشئة إسلامية، فامتلأت جوانحه ومشاعره بهدي الإسلام، ففاضت تصوراته ومعالجاته لقضاياه الاجتماعية والأخلاقية وغيرها بآداب الإسلام وهديه. والأدب الجميل هو الذي يأخذ بمدلول ومفهوم البلاغة التي هي (الإيجاز في غير عجز، والإطناب في غير خَطَل. وقيل للأحنف: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز في استحكام الحجج، والوقوف عندما يكتفى به) 4.

_ 1 أحمد الهاشمي، جواهر الأدب، ص (14) . 2 ناصر عبد الرحمن الخنين، الالتزام الإسلامي في الشعر، ص (18) . 3 صالح آدم بيلو، من قضايا الأدب الإسلامي، ص (56) . 4 ابن عبد البر، بهجة المجالس وأنس المجالس (1/71) .

الأهمية التربوية لأدب اللغة.

الأهمية التربوية لأدب اللغة: أدب اللغة ذلك الثوب اللفظي الجميل، الذي ترتديه المقاصد والمعاني من تراكيب الألفاظ البديعة، فتؤثر في القلوب والعقول بجميل المحسنات اللفظية، والتي يمكن إبراز أهم معالمها التربوية في المحاور التالية: 1- للأسلوب الأدبي تأثير فاعل على النفوس البشرية، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكماً ومن البيان سحراً" 1. فالأدب البناء الذي يشحذ الهمم نحو السمو الخُلُقي، يظهر تأثيره التربوي بتفاعل القلوب والأذهان والأفهام في رحاب ساحته؛ لأن (الأدب الذي يؤثر بشكله الجميل، وأسلوبه البارع، ينقل إلى الأذهان والقلوب والنفوس مضامينه الفكرية والتوجيهية غالباً، فيجعل لها مواطن مستقرة فيها، ثم يجعلها فعّالة وموّجهة للسلوك) 2. 2- في الأدب تربية اللسان على استخدام جميل الألفاظ، وأحسن العبارات، وأدق المعاني؛ ولذلك فإن (كلام اللبيب وإن كان نزراً أدب عظيم) 3. وقد قيل 4: رأيتُ العز في أدب وعلم ... وفي الجهل المذلة والهوان وما حسن الرجال لهم بفخر ... إذا لم يسعد الحسن البيانُ كفى للمرء عيباً أن تراه ... له وجه وليس له لسانُ

_ 1 أحمد (1/269) ، أبو داود (5/278ـ279) ، برقم (5012) ، وابن ماجه (2/1235ـ1236) ، برقم (3755) ، ورقم (3756) ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1731) . 2 عبد الرحمن الميداني، قضايا حول الشعر العربي، والأدب الإسلامي، ص (77) . 3 عبد الله بن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (24) . 4 علي بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، ص (122) .

وقال علي بن الجهم 1: لو قيل لي تملك الدنيا بأجمعها ... ولا تكون أديباً تُحسن الأدب لقلت لا ابتغي هذا بذاك ولا ... أرى إلى غيره مستدعياً أربا لجلسة مع أديب في مذاكرة ... أنفي به الهم أو أستجلب الطربا أشهى إلىّ من الدنيا وزخرفها ... ومثلها فضة أو مثلها ذهباً وقد اعتنى الأوائل من سلف الأمة باللغة وآدابها، ومن أولئك الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ فعن أبي الوليد بن أبي الجارود، قال: "ما رأيت أحداً إلا وكتبه أكبر من مشاهدته إلا الشافعي، فإن لسانه أكبر من كتبه"2. ذلك أن الإمام الشافعي له عناية كبيرة باللغة العربية وعلومها وآدابها 3. 3- تربية خصوبة الخيال بأدب اللغة، لما اشتملت: عليه المقطوعات الأدبية من تصوير المعاني وتقريبها من الأفهام بألفاظ وصور في غاية الحسن والإبداع. 4- الأدب وسيلة إصلاح وتربية وتوجيه لبناء الفضائل الخلقية والتعلق بها، والبعد عن الرذائل السلوكية وهجرها، فكم بيت من الشّعر، أو سطرٍ من النثر غرس في قلوب السامعين فضيلة وصدها عن رذيلة. (وعلماء السلف ـ رحمهم الله ـ عندما قسموا الأدب إلى: أدب درس وأدب نفس، لاحظوا هذا الجانب التربوي الذي يعني بالسلوك إلى جانب المنافع الأخرى التي يمكن أن يسهم الأدب في إصلاحها) 4. 5- تربية الذهن بما اشتمل عليه الأدب اللغوي من الحكم والأمثال التي تفتقت

_ 1 المرجع السابق، ص (123) . 2 السيوطي، التعريف بآداب التأليف، ص (25) . 3 انظر: ترجمة الشافعي، في سير اعلام النبلاء للذهبي، ص (10/70) . 4 محمد بن سعد بن حسين، الأدب الإسلامي بين الواقع والتنظير، ص (13) .

عن ذوي الألباب من أهل العلم والأدب في شعرهم ونثرهم؛ ولذلك قال أحد الأدباء: "فلسنا إلى ما يمسك أرماقنا من المأكل والمشرب، بأحوج منا إلى ما يثبت عقولنا من الأدب الذي به تفاوت العقول"1. 6- الأدب وسيلة لتسطير العلم وتدوينه في قوالب لفظية بديعة تجعل المتعلم يقبل عليها بلا ملل، ويدبر عنها في شوق لها، وقد قيل أن من أدب التأليف: "الحرص على إيضاح العبارة وإيجازها، فلا يوضح إيضاحاً ينتهي إلى الركاكة، ولا يوجز إيجازاً يفضي إلى المحق والاستغلاق" 2. وقد اعتبر العرب الشعر ديوان أخبارها، فقيل: (الشعر معدن علم العرب، وسِفْرُ حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها) 3. 7- أن الأدب اللفظي الجميل مثار إعجاب الآخرين، الذي ينعكس بدوره على عواطفهم. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إنه قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحر، أو إن بعض البيان سحر" 4. قال ابن حجر: "وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة، وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام … نعم الإفراط في كل شيء مذموم، وخير الأمور أوسطها، والله أعلم" 5. وهذا كله في صرف الكلام للحق لا للباطل.

_ 1 عبد الله المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (14) . 2 السيوطي، التعريف بآداب التأليف، ص (21) . 3 ابن قتيبة، عيون الأخبار (2/185) . 4 البخاري (4/49) ، برقم (5767) . 5 ابن حجر، فتح الباري (10/238) .

المبحث الثالث: العناية التربوية بعلوم اللغة العربية.

المبحث الثالث: العناية التربوية بعلوم اللغة العربية. مدخل ... المبحث الثالث: العناية التربوية بعلوم اللغة العربية: لقد وجدت اللغة العربية عناية فائقة من لدن العرب في الجاهلية وفي الإسلام، حيث كانت اللغة هي وعاء الحفظ التاريخي، وأدبها وسيلة الإعلام والنشر، تعقد لها المنتديات في أسواق العرب المشهورة كسوق: ذي المجاز، ومِجنَّة، وحباشة، وعكاظ، وهي أعظم أسواقهم. فكانت تحضره قبائل العرب كلها، فيتناشدون حيث كانوا متعلقون بالكلمة السائدة والخبر المرسل، لا يعدلون بذلك شيئاً، لِما رُكِّبَ في طباعهم من حب المحمدة، وما انصرفوا إليه من المباهاة بالفصاحة، وقوة العارضة. وكان في هذه الأسواق يخطب الشاعر الفحل بقصيدته والخطيب بكلمته 1. وهذا عزز اللغة العربية والعناية بها والاهتمام بتناقل أسسها بالسليقة، والمشافهة، فلم يحتاجوا إلى الدرس فيها غير أسلوب العناية بها والمفاخرة بالخطابة والشعر وحسن اللفظ وجمال التراكيب الكلامية. وجاء الإسلام ونزل القرآن بلغة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكتب بها فاشتدت العناية باللغة العربية، وانتشر الإسلام بين الأمم، وكثرت الفتوحات وكثر اللحن، فجلس المؤدبون والمعلمون يدرسون اللغة العربية وآدابها وفنونها فزادت العناية التربوية بها لما حصل في اللسان العربي من اللحن، وكان هذا الاهتمام من العلماء والخلفاء والأعيان على النحو التالي:

_ 1 مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب (1/77ـ79) .

عناية العلماء التربوية باللغة.

عناية العلماء التربوية باللغة: لقد اهتم علماء الأمة المعتبرين من السلف باللغة العربية اهتماماً بالغاً؛ لأنها

لغة القرآن الكريم ولغة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وبها يُفهم الدين، ويُحفظ ويُنقل، وكان اللحن أمراً مشيناً، يعاب به الناس، سيما إذا كان من أهل الفضل والعلم. فقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجلين يرميان، فقال أحدهما للآخر: أسيت، فقال عمر سوء اللحن أشد من سوء الرمي 1. وقد حث علماء الأمة على تعلم العربية وآدابها فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عليكم بالفقه في الدين وحسن العبادة، والتفهم في العربية. وقال: تعلموا العربية فإنها تثبت العقول وتزيد في المروءة" 2. ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أهمية اللغة العربية وأثرها التربوي. حيث يقول: "واعلم أن اعتبار اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين، تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد في العقل والدين والخُلُق" 3. وهذا يؤكد أهمية تعلم اللغة العربية والعناية بها وبآدابها لما ينعكس على صاحبها من فصاحة اللسان، وبلاغة البيان وحسن وتركيب الكلام، فضلاً عن فهم الدين وجمال الخلق. وقد تتلمذ الأئمة السابقون على فقهاء اللغة في عصرهم، وأولوها اهتماماً كبيراً لا يقل عن اهتمامهم بالعلوم الشرعية، فهي آلة ووسيلة لفهمها، فيروى عن الشافعي أنه قال: "أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مَرّ بي حرفٌ إلا وقد

_ 1 ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص (225) . 2 المرجع السابق، ص (222) . 3 ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص (204) .

علمت المعنى فيه1. وقد بلغ الإمام الشافعي مبلغاً عظيماً في الفصاحة والبلاغة، وحسن البيان، حتى قيل عنه: "أفصح قريش في زمانه، وكان ممن يؤخذ عنه اللغة" 2. ومن أمثلة العلماء الذين اهتموا باللغة العربية وعلومها ابن قيم الجوزية، حيث درس اللغة على ابن الفتح البعلي، وقرأ عليه الملخص لأبي البقاء، وقرأ الجرجانية، ثم ألفية ابن مالك، وأكثر الكافية الشافية، وبعض التسهيل 3. وقرأ أيضاً اللغة العربية على مجد التوسي 4. وممن له عناية باللغة العربية وعلومها الإمام محمد بن علي الشوكاني، الذي كان من أسلوبه في التعلم أن يطلب العلم الواحد أو العلمين أو الثلاثة من عدة علماء في وقت واحد. فقد أخذ النحو والصرف من كل من السيد العلامة إسماعيل بن الحسن، والعلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي، والعلامة القاسم بن محمد الخولاني. ومن الكتب التي قرأها على أولئك الكافية وشرحها للسيد المفتي، وشرح الخبيص على الكافية وحواشيه، وشرح الرضي على الكافية، والشافية وشرحها للطف الله الغياث، وملحة الإعراب للحريري، وشرحها 5.

_ 1 الذهبي، سير أعلام النبلاء (10/12ـ13) . 2 المرجع السابق (10/49) . 3 الوافي بالوفيات (2/270) عبد الله محمد حجر جار النبي، ابن قيم الجوزية وجهوده في الدفاع عن عقيدة السلف، ص 0 (83) . 4 المرجع السابق (87) . 5 عبد الغني قاسم غالب الشرجي، الإمام الشوكاني، حياته وفكره، ص (172ـ177) ملخص.

فهذه دلالات وإشارات على اهتمام العلماء باللغة العربية ودراستها، وتدريسها؛ لأهميتها العظيمة على فهم الدين من مصادره، ولآثارها التربوية والسلوكية على متعلمها على ما سيأتي بيانه في الفصل الثاني.

عناية الخلفاء والأعيان باللغة.

عناية الخلفاء والأعيان باللغة: لقد اهتم أعيان الناس وكبراؤهم قديماً بتعليم أبنائهم وتثقيفهم بالعلوم النافعة المختلفة، مع عناية خاصة باللغة العربية وآدابها؛ وذلك لمعرفتهم بأهميتها في تثقيف اللسان، وغرس الآداب، وتحسين البيان، وأنها أس لفهم دين الإسلام من مصادره، وأنها زينة في مجالس العلماء والأدباء، وهذا انعكس على رفعة مكانة علماء اللغة العربية، وتصدرهم مجالس الخلفاء والأمراء، وأصبح مشاهيرهم معلمين لأبناء الخلفاء، وهذه شواهد تؤكد حقيقة ذلك. قال الأحمر النّحويّ: بعث إليّ الرشيد لتأديب ولده محمد الأمين، فلما دخلت قال يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه فصَيَّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتك عليه واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الآثار، وروّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصره مواقع الكلام وبدأه، وامنعه الضحك إلا في أوقاته 1. وممن قام بتأديب الأمين والمأمون عالم اللغة العربية أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، الذي أخرجه الخليفة هارون الرشيد من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء له 2.

_ 1 المسعودي، مروج الذهب (3/362) . 2 الزركلي، الأعلام (4/286) .

وكان الزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري، عالم اللغة معلماً لأولاد الخليفة المعتضد 1. وكان أبو قادم أبو جعفر محمد بن قادم صاحب الفراء معلم المعتز قبل الخلافة 2. وقام أبو عصيدة أحمد بن عبيد بن ناصح أحد علماء الكوفة، بتأديب أبناء المتوكل المنتصر والمعتز 3. وتولى أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني التأديب في أحياء بني شيبان، وكان راوية واسع العلم باللغة، ثقة في الحديث، كثير السماع 4. وكان أبو عبيدة القاسم بن سلام مؤدباً لأولاد الهرائمة، ثم صار قاضياً بطرطوس 5. فهذه الإشارات والأمثلة تؤكد عناية الخلفاء والأعيان بتدريس اللغة العربية وعلومها وامتد ذلك إلى الأسر والأحياء. وكان اللحن عند العرب قديماً عيباً ومثلبة في لسان الفتى، وقد سمع المأمون من أحد أولاده لحناً فقال له "ما على أحدكم أن يتعلم العربية، فيقيم بها أوده، ويزين بها مشهده، ويفل بها حجج خصمه بمسكتات الحكمة، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه" 6. وفي هذا التوجيه من الخليفة لابنه ما يدل على أهمية اللغة وتعلمها على وجهها الصحيح، ليس نطقاً فحسب، بل وإعراباً، فهي زينة لسان المرء، وقوة

_ 1 ابن النديم، الفهرست، ص (84) . 2 المرجع السابق (92) . 3 المرجع السابق (99) . 4 المرجع السابق (93) . 5 المرجع السابق (97) . 6 ابن عبد البر، بهجة المجالس، وأنس المجالس (1/64) .

يتقوى بها في إظهار حججه وأفكاره، والإفصاح عن مراده، وإن نطق بها أعجب جلساءه بحسن بيانه، كما أن في هذا النص دلالة على العناية بلسان اللغة العربية وإعرابها.

الفصل الثاني: الأثار التربوية للغة العربية.

الفصل الثاني: الأثار التربوية للغة العربية. المبحث الأول: تربية الذوق اللفظي. مدخل ... المبحث الأول: تربية الذوق اللفظي: للغة العربية وعلومها آثار تربوية لاسيما إذا كان متعلمها له نصيب وافر من العلم الشرعي، حيث تكسبه فصاحة في الكلام، وبلاغة في البيان، وجمالاً في تركيب الكلام، وتعينه على إظهار ما استجاشت به نفسه من مشاعر مكارم الأخلاق وسمو النفس، فتكسبه ذوقاً لفظياً، ونمواً فكرياً، وفهماً عميقاً، وعاطفة جياشة لما اكتسب من رقة الطبع، وحسن المشاعر.

مفهوم الذوق اللفظي.

مفهوم الذوق اللفظي: الذوق مصدر ذاق الشيء يذوقه، وذواقاً ومذاقاً 1. الذوق في الأدب: هو حاسة معنوية يصدر عنها، انبساط النفس أو انقباضها لدى النظر في أثر من آثار العاطفة أو الفكر، ويقال: هو حسن الذوق للشعر، فهّامة خبير بنقده 2. والذوق اللفظي: هو حاسة معنوية يصدر عنها ما جمل من الألفاظ، وهجر ما قبح منها.

_ 1 ابن منظور، لسان العرب (/111) . 2 مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (1/318) .

أهمية الذوق اللفظي.

أهمية الذوق اللفظي: تعتبر الكلمة الطيبة الجميلة ذات الألفاظ البديعة مدخلاً لقلوب السامعين، وجمالاً لألسنة المتحدثين تكسبهم إعجاب ومحبة الآخرين، وهي لا تقل عن الفعل القويم أثراً، جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان سحرٌ) 1.

_ 1 البخاري (4/49) ، برقم (5767) .

قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة" 1. وفي استخدام الألفاظ الجميلة والعبارات الطيبة الحسنة تربية اللسان على ما جمل وحسن من الألفاظ، فلا يألف المرء إلا الكلمات التي تجلب خيراً وتدفع شراً. وفي تعود اللسان على ما حسن من الألفاظ وقوي، تمكين لصاحبه في التنقل بين حديقة الكلمات الغناء، وتسعفه بأحسن العبارات وأجمل الألفاظ. وهذا ينعكس على سامعيه ومجالسيه، فتجده بينهم محبوب ولكلامه قبول، ولفكرته مستمعون، وأما صاحب الألفاظ البذيئة، فتجده لم يألف لسانه إلا أرذل الألفاظ وأبخسها، فإذا تحدث كان الناس عنه لاهون ولفكرته غير منتبهين يسأم منه جليسه ويئد فكرته بألفاظه، وسوء عباراته، ولنا في القرآن الكريم منهجاً قويماً، في عذوبة ألفاظه، وجزالة عباراته، وفصاحة بيانه، وحلاوة تراكيب ألفاظه حتى قال عنه أحد أعدائه الوليد بن المغيرة، عندما قال له قومه: "قل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له، وأنك كاره له، قال الوليد: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذه، والله إن لقوله الذي يقول: حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته"2. كما أن لنا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة ولأسوة المباركة، تحدث بأحسن العبارات لفظاً، وأوضحها معناً، وأقواها دلالة، اشتملت على إيجاز في غير إعجاز، ووضوحاً في غير إطناب، فقد أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

_ 1 ابن حجر، فتح الباري (10/238) . 2 الحاكم، المستدرك (2/506ـ507) .

الأثار التربوية للذوق اللفظي.

الآثار التربوية للذوق اللفظي: لجمال الألفاظ آثار تربوية عظيمة تنعكس على صاحبها وعلى مستمعيه،

بعضها مباشر الأثر وبعضها مكنون الأثر، وبيانها فيما يلي: 1- الإصغاء للكلمة الجميلة: الكلمة الجميلة تأسر مستمعها، وتجعله يتابع أحداث معانيها ودلالاتها في تفاعل وتأثر؛ لأنها تجذب عواطفه وتأخذ بألبابه، فذاك عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقدم عليه وفود أهل البلدان، فيتقدم إليه وفد أهل الحجاز، فاشرأب منهم غلام للكلام فقال عمر: يا غلام ليتكلم من هو أسن منك فقال الغلام: يا أمير المؤمنين! إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لساناً لافظاً وقلباً حافظاً, فقد أجاد له الاختيار، ولو أن الأمور بالسن لكان هاهنا من هو أحق بمجلسك منك، فقال: عمر صدقت، تكلم؛ فهذا السحر الحلال! .." 1. فتأمل كيف أثرت الفكرة الجميلة باللفظ البديع في عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأصغى إلى الغلام حتى انتهى من كلامه وبيانه، وكيف تقدم هذا الغلام على أقرانه وكبراء قومه؟ وكأنه كبيرهم الذي لا يعقد رأي بدونه. وليس من الجمال اللفظي التعمق، واستخراج المعاني والألفاظ الغريبة، يقول ابن قتيبة: "ويستحب له أن يدع في كلامه التقعر والتقعيب" 2 فهو يستثقل، والأدب غض، والزمان زمان، وأهله يتحلون فيه بالفصاحة، ويتنافسون في العلم 3. ومثال ذلك قول علقمة عندما هاجت به مرة واجتمع عليه قوم، فقال لهم: ما لكم تتكأكؤن عليّ كتكأكئكم عليّ ذي جنة، افرنقعوا عني، فقال رجل منهم: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندية، وقال لحجام يحجمه أشدد قصب الملازم، وأرهف ظبة المشرط، وخفف الوضع وعجل النزع، وليكن شرطك

_ 1 القيرواني، أبو إسحاق إبراهيم على الحصري، زهر الأدب (1/40) . 2 ابن قتيبة، أدب الكاتب، ص (18) . 3 المرجع السابق، ص (18) .

وخزاً، ومصك نهزاً، ولا تكرهن أبياً ولا تردن آتياً، فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف 1. ويلزم ليحسن اللفظ ويجمل ترك اللحن في الكلام. قال عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس. وقال أبو الأسود: إني لأجد اللحن غمراً كغمر اللحم، وقال مسلمة بن عبد الملك اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه 2. وقد اختصم رجلان إلى عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ فجعلا يلحنان، فقال الحاجب: قما فقد آذيتما أمير المؤمنين، فقال عمر للحاجب: أنت والله أشد إيذاء منهما 3. فلحن حاجب أمير المؤمنين، كان أثره وألمه أشد عليه. وفي هذا إشارة إلى أهمية التربية اللغوية. والعناية بها من خلال وسائل ووسائط التربية المختلفة , فبهما تحفظ اللغة وتحسن الألفاظ. فلكي يحدث الأثر اللفظي من حيث الإصغاء للغة الجميلة، فلا بد من معالجة خوارمها من التقعر في الألفاظ واللحن في الكلام، فإنه يبعد عن الإصغاء وينفر من متابعة الكلام. ومن أمثلة الألفاظ المؤثرة والمعاني الجميلة: أنه دخل على عبد الملك بن مروان ابن القرية فبينما هو عنده إذ دخل بنو عبد الملك عليه فقال: من هؤلاء الفتية يا أمير المؤمنين؟ قال: ولد أمير المؤمنين، قال: بارك الله لك فيهم كما بارك لأبيك فيك، وبارك لهم فيك كما بارك لك في أبيك. قال: فشحن فاه دراً 4.

_ 1 المرجع السابق، ص (17) . 2 ابن قتيبة، عيون الأخبار (2/158) . 3 الجاحظ، المحاسن، والأضداد، ص (13) . 4 الجاحظ، المحاسن والأضداد، ص (13ـ14) .

فجمال تلك الألفاظ تدل على الأثر التربوي العظيم للمتأدب والمتحلي ببديع البيان وحسن تركيب الكلام لألفاظ اللغة، فابن القرية لم يأت بألفاظ غريبة، وإنما أتى بألفاظ يستطيع أن يأتي بها كل أحد من المتكلمين بالعربية، غير أنه أبدع في تركيبها اللفظي فجاءت كالدرر. وتأمل جمال اللفظ الوصفي في الأبيات التالية التي تدل على أن من نشأ نفسه على حسن البيان والألفاظ، فإنما أطعم لسانه جواهر الكلام. قال السعدي أبو وجزة وقد قدم على المهلب بن أبي صفرة: يا من على الجود صاغ الله راحته ... فليس يحسن غير البذل والجود عَمَّتْ عطاياك من بالشرق قاطبة ... فأنت والجود منحوتان من عود 1 2- التفاعل العاطفي: كما تتفاعل العواطف مع الأحداث السارة والأحداث المؤلمة، فتبغض وتحب وتكرة وتميل، فإنها تتفاعل أيضاً مع الكلمات والألفاظ العذبة، بل ربما كان صور تلك العبارات الأدبية الجميلة أكثر تأثيراً من واقع الأحداث، فتتأثر لها القلوب وتتفاعل معها النفوس. فتأمل قول البحتري في وصف بركة واسعة وكأنها أجمل من البحر والأنهار2: يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها ... والانسات إذا لاحت مغانيها يحسبها أنها من فضل رتبتها ... تعد واحدة والبحر ثانيها ما بال دجلة كالغير تنافسها ... في الحسن طوراً وأطواراً تباهيها كأنما الفضة البيضاء سائلة ... من السبائك تجري في مجاريها إذا علتها الصبا أبدت لها حبكاً ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها

_ 1 المرجع السابق، ص (15) . 2 البحتري، ديوان البحتري (4/2414ـ2421) .

فرونق الشمس أحياناً يضاحكها ... وريق الغيث أحياناً يباكيها إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبت سماءً ركبت فيها لا يبلغ السمك المحصور غايتها ... لبعد ما بين قاصيها ودانيها فهذا الوصف الأدبي الجميل يجعل قارئ القصيدة كأنه ينظر إلى تلك البركة المملوءة ماءً، وقد بلغت من حسنها وفضل رتبتها أنها الأولى والبحر ثانيها، وقد نافسها نهر دجلة المتدفق بمائه العذب كغيرة النساء فيما بينهن، وشبه جمال الماء وتلألؤه بالفضة ناصعة البياض، تجري في مصباتها، وأما الليل فانعكاس السماء بنجومها المتلألئة في سعة مائها يخيل للناظر أن السماء قد ركبت فيها. وفي صورة أخرى من التفاعل العاطفي للكلمة أن دخل المختار بن أبي عبيدة على معاوية وكانت عليه عباءة رثة، فاستحقره، فقال له المختار: يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك! ولكن يكلمك من فيها، وأنشد: أما وإن كان أثوابي ملفقة ... ليست بخزٍ ولا من نسج كتان فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... فصاحة ولساني غير لحان 1 فيلاحظ الأثر التربوي للألفاظ والمعاني التي خالف بها المخبر المظهر، فتفاعلت معها أحاسيس قارئها وكأنه ينظر إلى ذلك الموقف ويعايشه، بل يجد عطفاً وتفاعلاً مع ذلك الرجل رث الثياب ذرب اللسان، حتى ليخيّل للمرء أنه لن يبالي بثيابه قدر ما يهتم بمخبره ولسانه. ولما دخل ضمرة بن ضمرة على المنذر بن ماء السماء، وهو إذ ذاك ملك الحيرة واليمامة، وكان ضمرة ذا عقل وعلم، وحلم وحكمة وشجاعة إلا أنه كان دميم الخلقة، قصير القامة، وكان ذكره قد ذاع في الآفاق، فلما رآه المنذر احتقره لدمامة خلقته وقصر قامته، فقال سماعك بالمعيدي خير من أن تراه، فقال

_ 1 على بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة، ص (122ـ123) .

له ضمرة أيه الملك ليس المرء بحسنه وجماله، وبهائه وكماله وهيئته وثيابه، لا والله حتى يشرفه أصغراه لسانه وقلبه، وقد قال الشاعر: وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومقوله والجسم خلق مصور 1 فلتك العبارات التي ذكرها ضمرة أثرها على المنذر، إذ كشفت له عن شخصية تحمل صورة باطنة خلاف الصورة الظاهرة. فهو ذلق اللسان، فأشار بكلامه إلى قلبه ولسانه، فبهما تكون قيمة المرء لا بجسمه ومظهره فقط، والمستمع لهذه الألفاظ الأدبية في هذا الموقف يجد أثر الكلمة على عواطفه قد أينعت، فجاذبت عواطفه نحو خصال تربوية هي الاهتمام بالناس دون النظر إلى مظاهر هم، والتفاعل مع عوائدهم لا مع صورهم. فالتفاعل العاطفي مع اللغة الأدبية له تأثيراته وإيقاعاته على النفس البشرية فيربي فيها ما لا يتوقع من مكارم الأخلاق. وفي صورة أخرى تصف كلمات أدبية شيئاً، قد لا يأبه به الإنسان لصغر حجمه ورخص ثمنه، فيتجاهل قيمته وأثره العظيم، ولكن بالوصف الجميل والكلمات الرصينة والعبارات المنمقة وسِعَةِ الخيال ما يجعل النفوس تتفاعل مع ذلك الموصوف وتعرف له قدره بما يزيل غباراً قد أنسى فضله. وهذه المقطوعة الأدبية تحكي أن بعض الكتاب أهدى إلى أخ له أقلاماً وكتب إليه: (إنه أطال بقاءك! لما كانت الكتابة قوام الخلافة، وقرينة الرياسة، وعمود المملكة وأعظم الأمور الجليلة قدراً، وأعلاها خطراً، أحببت أن أتحفك من آلاتها بما يخف عليك محملة وتثقل قيمته، ويكثر نفعه، فبعثت إليك أقلاماً من القصب النابت في الأغذاء المغذو بماءِ السماء، كاللآلئ المكنونة في الصدف والأنوار المحجوب بالسدف، تنبو عن تأثير الأسنان، ولا يثنيها غمز البنان. كما

_ 1 المرجع السابق، ص (122) .

قال الكميت: وبيض رقاقٍ صحاح المتو ... ن تسمع للبيض فيها صريرا مهندةٍ من عتاد الملوك ... يكاد سناهن يُعشي البصيرا وكقِدْح في ثقل أوزانها، وقضب الخيزران له في اعتدالها، ووشيج الخط في اطرادها، تمر في القراطيس كالبرق اللائح وتجري في الصحف كالماء السائح1. فمهما تنوعت المجالات والفنون فتظل الألفاظ الأدبية مؤثرة في سامعيها بما يجعلهم يتفاعلون معها عاطفياً، فينسكب أثرها في قوالب تربوية منابعها كلمات اللغة العربية. 3- التفاعل العقلي والسلوكي: إن بلاغة التصوير اللفظي للأشياء تشد ذهن المستمع أو القارئ لترتسم مكونات الأحداث في عقل المرء، كأنه يشاهدها فتتجاذب لذلك الألباب والعواطف في تفاعل، يُحدث لدى الفرد آثاراً تربوية تظهر في سلوكه وتجاذبه مع الحدث نتيجة ما سمع. فكم نسمع من كلمات أدبية وقصائد شعرية تصف آلام الأمة في أقصى الكرة الأرضية، ونحن لم نشاهدها عياناً فتتفاعل لها العقول كأنها تشاهد تلك الأحداث وتعايشها، فيجول فكر المرء في جوانبها وربما تصور حلولاً، وهو في منأى عن مواقعها. حتى ليدفع المرء أغلى وأحسن ما يستطيع لتأثره بصورة بلاغية عن أحداث مؤلمة. وسويعات تقرأ في كتب الرحلات أو تسمع أديباً يقص رحلة من رحلاته، فتستغرق في أعطاف الرحلة، وتبحر بالعقل لا بالجسم في جوانبها، وربما تأثر السامع بمواقف، ومواقع وتفاعل معها كأنه يعايشها.

_ 1 القيرواني، إبراهيم بن علي الحصري، زهر الآدب (3/669) .

ومن صور الألفاظ البديعة التي تجعل المرء يقف ويفكر في سرعة البديهة وحضور الجواب، والقدرة على صياغة العبارات موقف امرأة وحسن جوابها مع المهدي، فقد قيل: (وقف المهدي على امرأة من بني ثعل، فقال لها: ممن العجوز قالت: من طيء، قال: ما منع طياً أن يكون فيها آخر مثل حاتم؟ قالت: الذي منع العرب أن يكون فيها آخر مثلك) 1. ولهذا الموقف الأثر التربوي الفاعل الذي يربي في المستمع بتكرار أمثاله، حسن الجواب وسرعة البديهة، ولما اشتملت عليه المحاورة من تسخير الكلمات والألفاظ لخدمة الأفكار، وربما أحجم البعض عن إيضاح الأفكار العظام التي يهتز لها أولى الألباب لضعف القدرة على تركيب الألفاظ وحسن البيان. والتفاعل السلوكي وليد التأثير اللفظي في الجانب العقلي كما هو حال التأثير الفعلي. ذلك أن الكلمة الزكية واللفظ الجميل يأسر الألباب، ويحرك العقول لتؤثر في العواطف الانفعالية، فيظهر السلوك في الصورة والهيئة المناسبة مع وقع الكلمات المؤثرة والصياغة الجميلة. قال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ: "إن الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض لبغض استماع اللحن، ويكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها، فيعرب فأجيبه إليها التذاذاً لما أسمع من كلامه، وقال: أكاد أضرس إذا سمعت اللحن" 2. وكذلك الكلمة المنمقة الجميلة التي تحمل في طياتها ما يهيج الشر، ويدعو إلى الرذيلة، تجدها تؤز سامعها إلى الشر أزاً، ما لم يكن له إيمان قوي يمنعه من اتباع زخرف القول غروراً، قال تعالى عن شياطين الإنس والجن: {وَكَذَلِكَ

_ 1 الجاحظ، المحاسن والأضداد، ص (21) . 2 ابن دريد الأزدي، الملاحن، ص (72) .

جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} 1. والمعنى: (أي يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد إليه الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً، والباطل حقاً، ولهذا قال تبارك وتعالى {وَلِتَصْغَى إِلَيْهَِ} أي ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف {أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة يحملهم على ذلك) 2. وهذا يدل على التأثير الفاعل للكلمة المزخرفة على من ضعفت قلوبهم ووهنت عقولهم، فربما أحدثت أثراً تربوياً سيئاً في التصور والفعال والأخلاق. 4- تربية الذوق اللفظي وترسيخ المعاني: لاستماع وقراءة الكلمات والعبارات والقصائد والنثر الأدبي الجميل أثر في حس المستمع والقارئ إذ تغرس فيه تذوق الكلمات واستشعار جمال مبانيها، ومحسناتها البديعية، وتراكيبها اللغوية، بما شملته من جناس وطباق وتشبيه حتى يألف حسه تلك الجمل والعبارات فينمو ذوقه اللغوي كما ينمو ذوقه الفكري. ففي التعود على الألفاظ الجميلة وتربية اللسان عليها أثر عظيم الفائدة على المستمع أو القارئ؛ ذلك أن المتكلم يسحر الألباب بعذوبة ألفاظه وحسن بلاغته وجمال تراكيب كلامه، وقد كان للسلف عناية باللغة وألفاظها، فعن

_ 1 سورة الأنعام، آية (112ـ113) . 2 السعدي، تيسير الكريم الرحمن (2/59ـ60) .

يونس بن عبد الأعلى، قال: ما كان الشافعي إلا ساحراً 1 ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سكر، وكأن قد أوتي عذوبة منطق وحسن بلاغة، وفرط ذكاء وسيلان ذهن، وكمال فصاحة وحضور حجة 2. فتأمل موقع الكلمة وقدرها في هذا الوصف الجميل لألفاظ وكلام الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ وما أحدثته عند سامعيه. بل إن في الكون الذي يحيط بنا آيات بينات، فكيف إذا لفت الانتباه لها بأسلوب أدبي رفيع يربي في الناشئة قوة الملاحظة بالوصف الجميل والبيان الواضح، فالكون من حولنا فيه تناسق.. والسماء فيها زينة … والأرض فيها جنات معروشات، وغير معروشات.. والحيوان فيه جمال.. والنبات والثمر والأزهار بألوانها وأشكالها وروائحها، فيها تناسق وجمال، والإنسان نفسه في أحسن صورة، وأكرم تقويم 3. فإذا بينت الآيات الباهرات في هذه المخلوقات وغيرها بأسلوب أدبي بديع أحدثت في نفس السامع أثراً وذوقاً لغوياً، وترسخت تلك المعاني والألفاظ بصورها وأشكالها في ذهنه، ونسجت لها بيتاً لغوياً وأدبياً في ذاكرته، وعمرت معجمه اللغوي بألفاظ بديعة، تمكنه من التنقل بينها عند التعبير والإفصاح عن مراده. ومثال ذلك وصف الزروع والمروج وهي تكسي الأرض الصفراء حلة خضراء مليئة بالأزهار والأطيار كالقصيدة المشهورة للبحتري في وصف الربيع التي مطلعها 4:

_ 1 ليس المقصود هو إتيان السحر وإنما لبيانه جمالاً وعذوبة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً". 2 الذهبي، سير أعلام النبلاء (10/48) . 3 عبد الحميد الهاشمي، الرسول العربي المربي، ص (66) . 4 ديوان البحتري، البحتري (2/290) .

اتاك الربيع الطلق يختال ضحاكاً ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبه النيروز في غسق الدجا ... أوائل وردكن بالأمس نوما فإن الاستمتاع بجمال الكون جزء أصيل مقصود في التربية الإسلامية لما له من آثار في النفس، فمن فوائد النظر إلى السماء، وآثاره النفسية أنه يذهب الخوف والوساوس، ويذكر بالله عز وجل، ويوقع في النفس تعظيمه وإجلاله، ويزيل الأفكار الرديئة من الذّهن1. قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} 2. بل إن الذوق اللفظي الممتزج بعطر الشريعة الخلقي امتد إلى هجر الكلمات التي اعتادها اللسان في فترة الجاهلية كقولهم: أبيت اللعن، وعم صباحاً، وعم مساءً، وظهرت ألفاظ جديدة لم تكن تستعمل في أدب الجاهلين، كالإيمان والتوحيد والجهاد، والوحي والزكاة، والركوع والسجود والحلال والحرام 3. كل هذه العبارات وتداولها في أدب اللغة شعره ونثره إنما تربي في المسلم حساً خلقياً وذوقاً رفيعاً يتعالى فيه ويسمو عن محقرات الأمور والدنايا إلى رفعة الكلمة وسمو معناها وذوقها اللفظي الذي يعبر عن الإنسان المسلم السوي.

_ 1 عدنان با حارث، مسئولية الأب المسلم، ص (354) . 2 سورة آل عمران، آية رقم (190ـ191) . 3 عبد الصبور السيد الغندور، الأدب الإسلامي، مفهومه ومقوماته وطرق تدريسه، ص (25) .

المبحث الثاني: الكسب المعرفي.

المبحث الثاني: الكسب المعرفي مفهوم الكسب المعرفي: الكسب: الطلب، والسعي في الرزق والمعيشة 1. ويأتي الكسب بمعنى ما يناله ويحصل عليه الإنسان، جاء في كتاب المصباح المنير، يقال: كسبت زيداً مالاً وعلماً أي أنلته 2. المعرفة: إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل 3. وبالتالي فإن الكسب المعرفي هو ما يناله ويحصل عليه الإنسان من العلوم.

_ 1 ابن منظور، لسان العرب (1/716) . 2 الفيومي، المصباح المنير (2/721) . 3 الجرجاني، التعريفات، ص (221) .

أهمية الكسب المعرفي.

أهمية الكسب المعرفي: تعتبر المعرفة هي الغذاء الذهني؛ ذلك أنها الفاعل المؤثر في زيادة الفهم والإدراك والتخيل، بل هي العامل المؤثر في استثارة الجوانب الإبداعية لدى المتعلم، لما تحدثه من تفتح ذهني، فتصحح به خارطة التفكير، ومسارات الفهم، (فالتعليم من أهم وسائل نمو الخصائص العقلية، وبلوغ النضج العقلي، وصقل وتزكية القدرات والملكات، والمواهب والميول والهوايات، وبدونه يظل عقل الإنسان قاصراً معطلاً، غير قادر على العطاء والإنتاج الفكري والعملي) 1. وقد أولى الإسلام الجانب المعرفي أهمية كبيرة معتمداً على أهم عناصرها، وهي القراءة. قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 1.

_ 1 عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية (451) . 2 سورة العلق، آية (1ـ2) .

بل رفع من مكانة العلم والعلماء بما حوته نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وأفرد لها علماء المسلمين من السلف والخلف كتباً عنت بذلك عناية فائقة، وذلك لما غرسه الإسلام في أذهانهم من أهمية العلم في دار الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} 1. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 2. وقال بعض البلغاء:"تعلم العلم فإنه يقومك ويسددك صغيراً ويقدمك ويسودك كبيراً، ويصلح زيفك وفاسدك، ويرغم عدوك وحاسدك، ويقوم ميلك وعوجك، ويصحح خطأك وأملك" 3. وقد قيل: تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل ولا يلزم من المرء في كل الأحوال أن تكون له زيادة في توليد المعرفة واستحداثها، وإنما يلزمه المعرفة. والإلمام، وقد قيل: "ومن أخذ كلاماً حسناً عن غيره فتكلم به في موضعه وعلى وجهه، فلا ترين عليه في ذلك ضؤولة، فإن من أعين على حفظ كلام المصيبين وهُدي للاقتداء بالصالحين، ووفق للأخذ عن الحكماء ولا عليه أن لا يزداد، فقد بلغ الغاية، وليس بناقصة في رأيه، ولا غامطة من حقه أن لا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه" 4. ومن الملاحظ أنه ما اهتم شخص بجوانب المعرفة أو بجانب منها إلا وانقدح

_ 1 سورة المجادلة، آية (11) . 2 سورة فاطر، آية (28) . 3 المارودي، أدب الدنيا والدين، ص (36) . 4 ابن المقفع، الأدب الصغر والأدب الكبير، ص (12ـ13) .

عقله وثارت قريحته، فتولدت منها معرفة. مما يدلل على أهمية العناية بالمعارف والعلوم والاستفادة منها والاستزادة، فإنه قوة للمرء في شؤون دينه ودنياه.

الأثار التربوية.

الآثار التربوية: للغة العربية آثار تربوية عميقة في مجال الكسب المعرفي؛ ذلك أنها وسيلة بلاغية ومعرفية في نقل المعرفة والتشجيع عليها، وحفظها في قوالب أدبية رائعة كما يتضح من الآثار الآتية: 1- تشجيع المعرفة: من أهم عوامل اكتساب المعرفة وزيادة تحصيلها وجود الدوافع التي تؤز طالب المعرفة إليها أزا، حباً وتشجيعاً وإيثاراً لها على غيرها. (فالدافع أساس التعلم، وبدونه لا يكون التعلم) 1. وأدب اللغة العربية غزير بمادته الشعرية والنثرية التي تحفز المطلع عليها على الدأب في طلب العلم وبذل الجهد والوقت دون ملل أو كلل، ومن عيون ما نقلته كتب العلم قول أبي هلال العسكري: "فإذا كنت أيها الأخ ترغب في سمو القدر، ونباهة الذكر وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزاً لا تثلمه الليالي والأيام، ولا تتحيفه الدهور والأعوام، وهيبة بغير سلطان، وغنىً بلا مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعوان بغير أجرٍ، وجنداً بلا ديوان وفرض، فعليك بالعلم فاطلبه في مظانه تأتيك المنافع عفواً، وتلق ما يعتمد منها صفواً، واجتهد في تحصيله ليالي قلائل، ثم تذوق حلاوة الكرامة مدة عمرك، وتتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك، واستبق لنفسك الذكر به بعد وفاتك"2. فهذا النص الأدبي الرئع والمتألق في بنيانه وحسن كلامه، وقوة معانيه ودلالاته، يدفع المطلع عليه إلى البحث العلمي والقراءة والإطلاع، وقضاء

_ 1 مقداد يالجن، توجيه المتعلم، ص (79) . 2 أبو هلال العسكري، الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه، ص (42) .

الوقت في الدرس والمطالعة عن حب للعلم ورغبة فيه. ومن الأدب الشعري للترغيب في طلب العلم وشحذ الهمم قول أحدهم1: تعلم فإن العلم زين لأهله ... وفضل وعنوان لكل المحامد وكن مستفيداً كل يوم زيادة ... من العلم واسبح في بحار الفوائد تفقه فإن الفقه أفضل قائد ... إلى البرِّ والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى ... هو الحصن ينجي من جميع الشدائد فإن فقيهاً واحداً متورعاً ... أشد على الشيطان من ألف عابد فهذه الأبيات الشعرية في وضوحها وجمال نسقها وقوة بيانها ما يحفز المرء ويدفعه إلى خوض غمار العلم والإبحار في فوائده، مع التخصص في الفقه فهو أفضل قائد لتقوى الله، وأكرم قاصد، وصاحبه إذا كان من أهل الورع والتقى أشد على الشيطان من العابد الذي زَهِدَ في العلم، واقتصر على التعبد لربه بغير العلم. وقيل2: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبورُ وإن امرأ لم يحى بالعلم ميت ... فليس له حين النشور نشور وقيل: ذو العلم حي خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميمُ وذي الجهل ميت وهو يمشي على الثرى ... يُظن من الأحياء وهو عديم

_ 1 برهان الدين الزرنوجي، تعليم المتعلم طريق التعلم، ص (31) . 2 المرجع السابق، ص (64) .

وقيل 1: إذِ العلم أعلى رتبة في المراتب ... ومن دونه عز العلا في الكواكب فذو العلم يبقى عزه متضاعفاً ... وذو الجهل بعد الموت تحت التيارب التيارات فمن رامه رام المراتب كلها ... ومن حازه قد حاز كل المطالب فتلك الأبيات في عمومها تبين فضل العلم والمتعلم، وأنه أعلى المناصب وأرفعها ذروة، وهو لصاحبه بعد الموت ذكر ثاني، وأما الجاهل فهو ميت بجهله قبل موته بخروج روحه، فهو لا ذكر له بين أهل العلم وطلابه. والنظم الأدبي في اللغة العربية يشحذ همة القارئ أو المستمع إلى محبة علم بعينه، بحسب الفن الذي نظمت فيه الأبيات الأدبية، فمن يستمع إلى أبيات المديح في علم الفقه يجد قلبه يتوق إليه كقول أحدهم 2: إذا ما اعتز ذو علم بعلم ... فعلم الفقه أولى باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك ... وكم طير يطير ولا كباز ومن يستمع إلى اللغة العربية وهي ترثي حالها وتشتكي على قومها سوء هجرهم لها، يجد نفسه مدفوعاً محباً لعلوم اللغة العربية، كما في نظم حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية والتي منها 3: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ... وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني ... عَقُمتُ فلم أجزع لقول عِداتي وِسعتُ كتاب الله لفظاً وغاية ... وما ضقت عن آي به وعظات

_ 1 المرجع السابق، ص (64ـ65) . 2 برهان الدين الزرنوجي، تعلم المتعلم طريق التعلم، ص (65) . 3 حافظ إبراهيم، ديوان حافظ إبراهيم (1/253) .

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ... وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل ساءلوا الغوَّاص عن صدفاتي أيُطْرِبكم من جانب الغرب ناعب ... يُنِادي بِوَأدي في ربيع حياتي سقى الله في بطن الجزيرة أعظماً ... يَعز عليها أن تلين قناتي أيهجرني قومي عفا الله عنهم ... إلى لغة لم تتصل برواة إلى معشر الكتاب والجمع حافلٌ ... بَسَطْتُ رجائي بعد بسط شكاتي فإما حياة تبعث الميْتَ في البلى ... وتنبت في تلك الرموس رُفاتي وإما ممات لا قيامة بعده ... ممات لعمري لم يقس بممات ويتبين من ذلك الأهمية العظمى لأدب اللغة العربية، شعره ونثره في شحذ الهمم ودفعها لطلب العلم والتزود به، والانكباب عليه، والسهر من أجل تحصيله، والوصول لبلغته. فمثل هذا الأدب اللغوي الرفيع وسيلة تربوية فاعلة في جانب التلقي العلمي، جدير بالمناهج التعليمية والمعلمين أن يولوه جُلَّ اهتمامهم وعنايتهم، إنشاداً وتحفيظاً لطلاب العلم منذ نعومة أظفارهم ليتربوا على حب المعرفة والسعي في اكتسابها، فإن لعذوبة الكلمة الجميلة تأثيرها الفاعل بعد توفيق الله تعالى. 2- نظم المعرفة وتسهيلها: لقد أسهم أدب اللغة العربية في نظم المعرفة شعراً حتى أصبح ذلك النظم واجب الحفظ لمن أراد بلوغ المنزلة في الفن المقصود الضلوع فيه، وبلوغ مراميه، وسبر غوره، ولججه. (فالحفظ والتعهد تمام الدُّرْكِ؛ لأن الإنسان موكَّلُ به النسيان والغفلة، فلابد له إذا اجتبى صواب قولٍ أو فعلٍ، من أن يحفظه عليه ذهنه لأوان حاجته) 1.

_ 1 ابن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (63) .

ومن أحسن ما يعين على حفظ أصول العلوم نظمها في أبيات أدبية يسهل حفظها ويأنس الطالب بترديدها؛ ولذلك قد عني العلماء بنظم أصول كثير من العلوم في منظومات شعرية بديعة، مثل الشاطبية في القراءات السبع المتواترة عن الأئمة القراء السبعة: نافع، وابن كثير، وأبي عمر، وابن عامر وعاصم، وحمزة، والكسائي. والتي نظمها الإمام القاسم بن فِرة بن خلف بن أحمد الشاطبي والتي مطلعها 1: بدأت باسم الله في النظم أولاً ... تبارك رحماناً رحيماً وموئلاً وثنيت صلى الله ربي على الرضا ... محمد المهدي إلى الناس مرسلاً ومنها قوله: وبَسْمِلْ بين السورتين بسنة ... رجال نموها دربة وتحملا ووصلك بين السورتين فصاحة ... وَصِل واسكُتَنَّ كل جلاياه حصلا وهذه القصيدة فضلاً عن أنها حوت القراءات السبع المتواترة، تعتبر من عيون الشعر بما اشتملت عليه من عذوبة الألفاظ، ورصانة الأسلوب، وجودة السبك وحسن الديباجة، وجمال المطلع والمقطع، وروعة المعنى وسمو التوجيه، وبديع الحكم وحسن الإرشاد 2. وفي تجويد القرآن الكريم هناك متن الجزرية، نظم الإمام محمد بن محمد الجزري والتي مطلعها 3: يقول راجي عفو رب سامع ... محمد بن الجزري الشافعي الحمد لله وصلى الله ... على نبيه ومصطفاه

_ 1 الشاطبي، متن الشاطبية، المسمى حرز الأماني ووجه التهاني. 2 المرجع السابق، ص (أ) مقدمة المحقق محمد تميم الزعبي. 3 محمد بن الجزري، منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه.

محمد وآله وصحبه ... ومقري القرآن مع صحبه ومنها قوله: مخارج الحروف سبعة عشر ... على الذي يختاره من اختبر للجوف ألف وأختها وهي ... حروف مد للهواء تنتهي وفي علم الحديث منظومة البيقونية للشيخ طه بن محمد البيقوني والتي مطلعها1. أبدأ بالحمد مصلياً على ... محمد خير نبي أرسلا وذي من أقام الحديث عده ... وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل ... إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله ... معتمد في ضبطه ونقله وفي ميدان النحو والصرف هناك منظومة ألفية ابن مالك للعلامة محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي والتي مطلعها 2: قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك مصلياً على النبي المصطفى ... وآله المستكملين الشرف وأستعين الله في ألفية ... مقاصد النحو بها محوية تقرب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز وكذلك نظم الأجرومية في نفس الفن لشرف الدين يحيى العمريطي والتي مطلعها 3:

_ 1 طه محمد البيقوني، المنظومة البيقونية في علم الحديث. 2 محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي، الفية بن مالك. 3 المرجع السابق، حيث ألحقت المنظومة بأختها.

الحمد لله الذي قد وفقا ... للعلم خير خلقه وللتقي وقوله: وكان مطلوباً أشد الطلب ... من الورى حفظ اللسان العربي كي يفهموا معاني القرآن ... والسنة الدقيقة المعاني والنحو أولى أولاً أن يعلما ... إذ الكلام دونه لن يفهما فكم سهلت هذه المنظومة وأخواتها على طلاب العلم حفظ قواعد النحو والصرف، وجعلت علمهم في صدورهم بما استحفظوا من هذه المنظومات العلمية التي حوتها اللغة العربية بأدبها الواسع الغزير. وأما في مجال الآداب والأخلاق فهناك منظومة الآداب للعلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد القوي المرداوي التي حوت في ألفاظ جزلة وعبارات جميلة ما يحتاج إلى أسفارٍ عديدة لشرح معانيها ودلالاتها التربوية والأخلاقية، والتي قام بشرحها العلامة محمد السفاريني في مجلدين كبيرين 1 والتي مطلعها. بحمدك ذي الإكرام ما رمتُ أبتدئ ... كثيراً كما ترضى بغير تحدد وصل على خير الأنام وآله ... وأصحابه من كل هاد ومهتد ويقول: في الاستئذان: وسنة استئذانه لدخوله ... على غيره من أقربين وبُعّدِ ثلاثاً ومكروه دخول لهاجم ... ولا سيما من سفرة وتبعد ووقفته تلقاء باب وكوة فإن لم ... يُجب يمضي وإن يُخف يزدد وتحريك نعليه وإظهار حسه ... لدخلته حتى لمنزله اشهد فتلك نماذج تؤكد وتوضح جلالة وقدر اللغة العربية وأدبها في نظم العلم

_ 1 محمد السفاريني، غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب.

وخدمة الدين الحنيف، بما يربي ويغرس في المتعلم محبة اللغة العربية التي حفظت أصول العلم بالنظم البديع، الذي لا يكاد يخلو فن من فنون علم الشريعة إلا وسجلت أصوله وقواعده في منظومة بديعة، يتنقل بها الطالب أين ما حل وارتحل، وكأنها كتاب في صدره، فلله درها من لغة ومن أدب. ومن أثر اللغة وأدبها في تسهيل المعرفة، أن بينت له أسس التلقي وطرائقه في نظم يسير يغني عن الشرح والتطويل، وتأمل هذين البيتين التي قيل: إنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه 1. ألا لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن مجموعها ببيان ذكاء وحرص واصطبار وبلغة ... وإرشاد أستاذ وطول زمان فبين البيت الثاني في شطريه عوامل وأسس التلقي التي هي عماد طلب العلم وتلقيه وحفظه، وهي: الذكاء والعزيمة القوية، والصبر إلى بلوغ ذلك العلم مع الأستاذ وتوجيهاته، والفترة الزمنية التي قد تطول، فمن لم يدرك ويفهم هذه الأسس لا يحصل له المطلوب، وكم من محب للعلم توقف في إحدى محطات الطريق لعدم إدراكه أن المراد يحتاج صبر وطول زمان، وآخر توقف لعدم إدراكه عامل الصبر والإرادة القوية. وقد شكى الإمام الشافعي إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ، فأرشده إلى العلاج في بيتين جميلين 2. شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يهدى لعاصي ولعل الإمام الشافعي أراد بهذين البيتين أن يعلمنا أهمية ترك المعاصي، وأنها

_ 1 برهان الدين الزرنوجي، تعليم المتعلم طريق التعليم، ص (44) . 2 الإمام الشافعي، ديوان الإمام الشافعي، ص (69) .

مما يعيق تحصيل العلم، وإلا فهو الحافظ اللبيب من أهل التقى، كان من أحسن الناس حفظاً. قال ـ رحمه الله ـ: "كنت أقرئ الناس وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وحفظت الموطأ قبل أن احتلم" 1. 3- نقل المعرفة: إن اللغة هي وعاء المعرفة، بها تحفظ العلوم، لفظاً وكتابة، فكل علم هو على اللغة يعتمد، في حفظه وفي نقله، وقد حفظت لنا اللغة العربية علوم أسلافنا، ونقلت إلينا بواسطتها. فنعم الناقل ونعم المنقول. وقد قيل: (الكتب بساتين العلماء، وقيل الكتاب جليس لا مؤنة له) 2. والكتب بما سطر فيها وسيلة لتحريك الهمم، وصقل العقول. يقول أحد أعيان العلم في من أفرط في العلم أيام خموله وحداثة سنه: "لولا جياد الكتب وحسانها لما تحركت همم هؤلاء لطلب، ونازعت إلى حب الكتب وأنفت من حال الجهل" 3. واللغة العربية تميزت بدقة ألفاظها في نقل المعرفة، حيث تعطيك اللفظ الدقيق الذي يصور الشيء على حقيقته، وهذه خاصية تميزت بها اللغة العربية عن غيرها من اللغات في نقل المعرفة، يقول أحد المتخصصين: "وتمتاز اللغة العربية بدقة تعبيرها، والقدرة على تمييز الأنواع المتباينة والأفراد المتفاوتة، والأحوال المختلفة، سواء في الأمور الحسية، أو المعنوية" 4. ومثال ذلك: المشى عام، ودرج للصبي، وحبا للرضيع، وحجل الغلام أن يرفع رجلاً ويمشى على أخرى، وخطر الشاب مشى باهتزاز ونشاط، ودلف

_ 1 الذهبي، سير أعلام النبلاء (10/54) . 2 الجاحظ، المحاسن والأضداد، ص (10) . 3 المرجع السابق، ص (10) . 4 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (213) .

الشيخ، مشى رويداً بخطا متقاربة، وهدج مشى مثقلاً، ورسف للمقيد، واختال وتبخترٍ وتخلج وهرول وتهادى أنواع من المشي. والنظر عام، ورمقه نظر إليه بمجامع عينية، ولحظه نظر إليه من جانب أذنه، ولمحه نظر إليه بعجلة 1. فمثل هذه الألفاظ الدقيقة في معناها ومدلولها، تعطي نقلاً دقيقاً للمعرفة تعجز عنها لغات العالم، ومن جانب آخر إذا تعود الناشئة منذ مراحلهم المتقدمة على استخدام الألفاظ العربية الصحيحة حسب دلالاتها ومعانيها يكسبهم ذلك ثروة لغوية ودقة في التعبير والوصف ونقل المعرفة، بل ويزيدهم ثراءً لغوياً. بل إن كثرة القراءة والاطلاع على كلمات اللغة واستخدامها وسيلة تربوية لعلاج التخلف اللغوي كما يقرره التربويون المتخصصون (فالقراءة خير علاج لتخلف مستوى المحصول اللفظي عن المستوى العادي) 2. وللمحصول اللفظي أهميته القصوى في تنمية القدرة على التعبير، والقدرة على معرفة المادة المقروءة 3. كما أن دقة التعبير والتخصيص سبيل من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح المحدد الذي تحتاج إليه كل أمة في تربية أبنائها على التفكير الواضح الدقيق الذي يعدهم للعمل والبحث العلمي، ولا يمكن أن تكون اللغة البعيدة عن الدقة المتصفة بالعموم أو الإبهام أو الغموض أداة للتعبير عن الفكر العلمي الدقيق، ولابد من التقابل في الخصائص والصفات بين التعبير والتفكير 4.

_ 1 المرجع السابق، ص (312) . 2 فؤاد البهي السيد، الأسس النفسية للنمو، ص (193) . 3 المرجع السابق، ص (193) . 4 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (317) .

المبحث الثالث: التربية الفكرية.

المبحث الثالث: التربية الفكرية مفهوم الفكر: الفكر: إعمال الخاطر في الشيء 1. والفكر: هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منها معرفة ثالثة 2، والفكر المقصود هو ذلك التفكير العلمي، إذ هو التفكير المجدي الذي يمكننا من الاستنتاج من المقدمات أو الوقائع 3. وليس التفكير العلمي محصوراً في الأبحاث والدراسات، بل إنه منهج يصلح لأن يَصْبِغَ جميع مواقف حياة الإنسان في شؤونه الخاصة والعامة، وفي سلوكه الاجتماعي والعلمي 4.

_ 1 ابن منظور، لسان العرب (5/65) . 2 حسن الحجاجي، الفكر التربوية عند ابن القيم، ص (261) . 3 عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي، ص (14) . 4 نابف بن همام، التربية الإسلامية وقضية التفكير العلمي، ص (57) .

الأهمية التربوية للتفكير.

الأهمية التربوية للتفكير: يعتبر التفكير هدفاً تربوياً يسعى القائمون على المؤسسات التربوية تنميته لدى الناشئة؛ وذلك أنه يصقل عقولهم، وينمو بها نحو الاستخدام الأمثل للفرصة المتاحة المباحة في أي مجال من مجالات الحياة النافعة. والقدرات العقلية عديدة ومتنوعة عند الإنسان مثل: (القدرة على الإدراك، والقدرة على التذكر، والقدر على التخيل، والقدر على الاستنباط والاستنتاج، والقدر على التحليل، والقدرة على التركيب، والقدرة على الاستقراء، والقدرة على التكيف، والقدرة اللغوية والقدرة الكتابية، والقدرة العددية أو الحسابية، والقدرة العملية، والقدرة الفنية أو الجمالية ونحوها) 1.

_ 1 عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص (419) .

فهذه القدرات في تنوعها تحتاج إلى تنميتها لدى الأفراد من خلال جوانب التعليم والمعرفة المتعددة، ومنها جانب اللغة العربية وعلومها المختلفة التي تقدح ذهن المتعلم، وتنمي فيه قدرات عقلية متنوعة، كسعه الخيال وخصوبته، وفهم مرامي الكلام وتأويله ولحنه ومغازيه، وإدراك الحكمة والتمثل بها قولاً وعملاً؛ ولذلك ربط بين الرأي والأدب. فقيل: (الرأي والأدب زوج، لا يكمل الرأي بغير الأدب، ولا يكمل الأدب إلا بالرأي) 1؛ وذلك أن الأدب هو الوسيلة في التعبير الموضحة لمقدار العقل، والذي يؤكده ذلك الموقف من غلام وفد أهل الحجاز عندما جاءوا مبايعين للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتقدم الغلام للكلام، فقال عمر: يا غلام ليتكلم من هو أسن منك، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استجاد له الاختيار 2. فزين الغلام فكره بمنطقه اللغوي، ولو كان عي اللسان لما ازدان فكره بلسانه. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيان أهمية اللغة في التربية العقلية: "تعلموا العربية فإنها تثبت العقول، وتزيد في المروءة" 3. وقال: "وعليكم بالفقه في الدين، وحسن العبادة، والتفهم في العربية"4. فاللغة هي الجسر الذي يصل بين الحياة والفكر، تسبق وجود الأشياء أحياناً، وتلحقها أحياناً أخرى، فالفكرة التي تجول في الذهن مجردة تنتقل إلى شيء يتحقق وجوده وبعد أن يوجد الشيء ينتقل إلى أذهان الآخرين بطريق اللغة 5.

_ 1 ابن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (37) . 2 أبو إسحاق القيرواني، زهرة الآداب (1/40) . 3 ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص (222) . 4 المرجع السابق (222) . 5 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (14) .

والمتأمل في العلاقة بين اللغة العربية وعقلية أصحابها، يجد أن هناك تفاعلاً فكرياً عميقاً، فقد كانت الصلة قوية بين مفردات اللغة وعقلية أصحابها وعاداتهم، فالألفاظ العربية تدل على تفكير العرب ونظرتهم إلى الأشياء، ذلك أن في تسميتهم لها باسم بعينة، وفي إطلاق لفظ دون غيره عليه، واختيار صفة من صفاته ما يدل على اتجاههم في التفكير وفهمهم للأشياء ونظرتهم إليها. فاستعمالهم لفظ العامل للوالي والحاكم يدل على أنهم فهموا الولاية بعد الإسلام على أنها عمل من الأعمال، وكلمة العقل المأخوذة من معنى الربط تدل على أنهم يفهمون العقل زاجراً عن الشر، ويربط الإنسان عنه، ويعتبرون فيه الجانب الخلقي لا الجانب الفكري وحده، وكلمة اليمين بمعنى القسم؛ لأن المتحالفين كان أحدهما يصفق بيمينه على يمين صاحبه 1. وهذا يدل على عمق اللغة العربية وقدرتها الفائقة في نقل المعرفة بدقة متناهية، فهي التي وسعت كتاب الله لفظاً وغاية، كما يؤكد هذا الأهمية التربوية للغة العربية في النمو الفكري للإنسان.

_ 1 المرجع السابق، ص (306ـ307) .

الأثار التربوية.

الآثار التربوية: للغة العربية آثار تربوية جلية في النمو الفكري للإنسان، فهي مصدر قوي لسعة الخيال وتخصيبه، بصورها البلاغية وأدبها المتألق وقواعدها الرصينة، والتي فاضت كتب الأدب فيها بالأمثال والحكم التي لا تزيد قارئها إلا حكمة وأدباً وفهماً، ويمكن استجلاء شيئاً من آثارها التربوية الفكرية في الآتي: 1- النمو الفكري: يعتبر الجانب الفكري أحد المطالب التربوية التي تسعى المنشآت التربوية لترسيخها وبنائها وتنميتها في الناشئة، حيث (تعد عملية التفكير كعميلة عقيلة

عليا من أهم وظائف العقل البشري التي تمكنه من الفهم والإدراك، والتمييز والمعرفة والاستيعاب والاستنباط والاستنتاج، وإصدار الأحكام الصائبة) 1. والمتأمل يجد أن اللغة العربية وعلومها من أهم المصادر الفاعلة في تربية الفكر الإنساني ونموه، لما حوته علوم اللغة العربية من الحكم والأمثال والقصائد الشعرية والأدب النثري الذي تزكو به العقول (فللعقول سجيات وغرائز بها تقبل الأدب، وبالأدب تُنَمَّى العقول وتزكو، فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر أن تخلع يبسها وتُظهر قوتها وتطلع فوق الأرض بزهرتها وريعها ونظرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها، فيذهب عنها أذى اليَبَس والموت، ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقة العقل مكنونة في مغْرِزِها من القلب، لا قوة لها ولا حياة بها، ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدب الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها) 2. واللغة العربية لم تقتصر على كونها معبرة عن التفكير، بل كانت أداة نموه، وارتقائه 3. ويشهد لذلك القرائح الأدبية التي أثرت كتب الأدب بالنثر والشعر الذي حوته بين جوانبها. والذي يتأمل خصائص اللغة العربية، ويدرسها بعمق، انما تزيده عمقاً فكرياً، ففي مكونات الكلمة أسرارٌ بديعة، يكشفها علماء اللغة العربية. فهناك. (تقابل بين أصوات الألفاظ، وما تدل عليه من المعاني، فمن ذلك أنه يرى ـ أي ابن جني ـ أن تكرار الحروف في اللفظ يقابل تكرار الحدث، أو الفعل في الواقع كما في زلزل، وجرجر، وأن تكرير العين في بناء الفعل، وهي أقوى حروفه، يقابل تكرير الفعل نفسه كما في كسّر وعلّق، ويرى ابن جني أن ما سبق لم يقع

_ 1 عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص (444) . 2 عبد الله بن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (11ـ12) . 3 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (15) .

في هذه اللغة الشريفة مصادفة، وإنما هو أمر مقصود دلت عليه حكمة العرب التي شهدت بها العقول) 1. فالمتأمل في فقه اللغة العربية يجد أن دراستها تنمي الفكر الإنساني بما يجده فيها من حكم وأسرار وجمال في التراكيب اللفظية والتناسق العجيب بين الكلمة ومرادها، وحتى بين أصوات اللغة وأصوات الطبيعة. ويؤكد المتخصصون في اللغة (أن العلاقة بين الفكر واللغة علاقة وثيقة، تصل إلى درجة الارتباط العضوي عند العديد من الباحثين، فإذا كان الفكر محصلة النشاط العقلي في تفاعله مع الكون المحيط به من ناحية، ومع المذخور التجريدي الموجود في الذاكرة من ناحية ثانية، فإن التجسيد الحي لهذا الفكر يتمثل في اللغة) 2. والطفل لا يمتلك أي مهارة لغوية إلا بعد أن يصل إلى مستوى النضج العقلي، ولا يستطيع التفكير إلا بعد أن يمتلك ثروة لغوية " 3. وهذه في مجملها تؤكد أهمية اللغة في النمو الفكري، وخاصة اللغة العربية التي اختارها الله لغة للقرآن الكريم ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وهي اللغة التي نقل بها علماء الأمة الرصيد العلمي الهائل للأجيال عبر تاريخها الطويل. 2- سعة الخيال وخصوبته: يعتبر سعة الخيال قدرة ذهنية فكرية متقدمة ذلك (أنه العملية العقلية التي تقوم في جوهرها على إنشاء علاقات جديدة بين الخبرات السابقة، بحيث تنظمها في صور وأشكال لا خبرة للفرد بها من قبل) 4.

_ 1 باسمة العلي، جماليات اللغة العربية، مجلة الفيصل، ص (60) . 2 محمد صالح الشنطي، المهارات اللغوية، ص (42) . 3 المرجع السابق، ص (43) . 4 فؤاد البهي السيد، الأسس النفسية للنمو، ص (161) .

فهي عملية عقلية تستعين بالتذكر في استرجاع الصور العقلية المختلفة ثم تمضي لتؤلف منها تنظيمات جديدة تصل الفرد بماضيه، وتمتد به إلى حاضره، وتستطرد به إلى مستقبله 1. ولأسلوب تصوير المعاني وتخيلها وتجسيدها أثر عظيم وفاعل في الميدان التربوي؛ لأنه يثير في النفس العواطف والمشاعر 2. فتأمل قول الله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} 3. فلعظم الشرك بالله وخطورته فإن من يشرك بالله فمثله كمثل الشيء الذي سقط من السماء فتخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفه الشياطين من كل جانب، ومزقوه وأذهبوا عليه دينه ودنياه، وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح فتعلوا به في طبقات الجو فتقذفه بعد أن تقطع أعضاءه في مكان بعيد جداً 4. فنلحظ في هذه الآية الكريمة صورة بلاغية تجسد لقارئ كتاب الله تعالى عظيم الشرك وخطورته في صورة تستثير فيها خيال التالي للآية العظيمة الأنيفة. وقد انعكست بلاغة القرآن الكريم وصوره البلاغية على شعراء المسلمين حيث (ارتقى خيال شعراء المسلمين، فاقتبسوا كثيراً من تصوير القرآن الكريم للأمواج والسحاب والنور والظلام، والقمر والنجوم وغيرها، فهذا النابغة الجعدي يقول5:

_ 1 المرجع السابق، ص (161) . 2 مقداد بالجن، توجيه، المتعلم في ضوء التفكير التربوي، والإسلامي، ص (198) . 3 سورة الحج، آية رقم (31) . 4 السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (3/319) . 5 عبد الصبور السيد الغندو، الأدب الإسلامي، مفهومه ومقوماته وطريقة تدريسه، ص (24ـ25) .

تبعث رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتاباً كالمجرة نيرا واللغة العربية لها أثر كبير وبالغ في تنمية الخيال وخصوبته، ذلك أن علومها من أدب وبلاغة تغرس في دارسيها وتربي في أذهانهم سعة الخيال وخصوبته من خلال صور الخيال الأدبية التي تزخر بها مضامين الشعر والنثر، وهذا الخيال المبحر في الأدب ليس خيالاً لا واقع له بل (جمع العرب بين الواقعية الحسية والمثالية المعنوية) 1. ولكن مثاليتهم هذه ليست مثالية خيالية مجردة من الحياة، بل هي امتداد للواقعية وتسام بها، وتجريد وغاية لها " 2. وليس المقصود من الخيال الجنوح بالذهن في متاهات الخيال عبر صور وتصورات لا واقع لها، بل هو وصف أشياء بأخرى أكثر وضوحاً وأعذب معنى وأبلغ بيان، كوصف الأعمال الخبيثة في هشاشتها وزوالها برماد اشتدت به الريح، والهموم المتلاحقة بأمواج البحر المتلاطمة، وظلمة الظلم بسواد الليل البهيم، فمثل هذه الأمثلة عندما تصاغ في عبارات أدبية تحدث أثراً تعليمياً هو القياس والتشبيه والاستعارة والمجاز، التي توسع رحابه الخيال، وتوضح المعنى أيما إيضاح، كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} 3. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ

_ 1 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (310) . 2 المرجع السابق، ص (310) . 3 سورة الكهف، آية رقم (45) .

لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 1. ومن النصوص الشعرية التي تمثل فيها عمق الخيال التشبيهي قول امرئ القيس2. وليل كموج البحر أرخى سُدُلَه ... علىَّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناءَ بكلكل ألا أيه الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل فهذه صورة خيالية بلاغية جميلة التصوير في توضيح عظم ما أصابه من هم، فشبه الشاعر الليل في رهبته بموج البحر في قوته وعنفوانه، وقد أسدل على الشاعر سواده ليختبر صبره، ثم يخاطب الليل وكأنه بعير يمد ظهره، ويثني برفع مؤخرته، ثم ينهض بصدره، ثم يسأل ويطلب انكشاف الليل عن الصباح وإن كان الصباح ليس بأحسن حالاً من الليل، لأن الهم قد ملأ ليله ونهاره. وقول الشاعر طرفة بن العبد 3. لخولة أطلالُ ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد فوصف الشاعر أطلال خولة بصورة رائعة التشبيه الخيالي كأنها مثل النقش القديم المتبقي علي اليد، وكأنه متهشم. ومن شعر الدعوة، يقول أحدهم 4: وأصغي إلى وحي السماء يهزني ... وينساب في الأحشاء كالنبع صافياً

_ 1 سورة النور، آية رقم (39ـ40) . 2 امرئ القيس، ديوان امرئ القيس (1/18) . 3 طرفة بن العبد، ديوان طرفة بن، ص (30) . 4 ناصر بن عبد الرحمن الخنين، الالتزام الإسلامي في الشعر، ص (214) ، وقائلها عبد الحفيظ عبد السميع صقر.

فأغسل قلبي في مناهل طهره ... وأروى به من كان ظمآن صاديا تحاول أعماقي تشرُّبَ روحه ... لأصبح قرآناً على الأرض ماشياً في هذا التصوير البليغ والتأثر العميق بالقرآن الكريم يصف الشاعر أثر القرآن على نفسه، بأنه يزيل عن قلبه كل ما يكدره ويرتوي بتلاوته كارتواء من كان شديد الظمأ، فينساب أثر القرآن على نفسه كانسياب الماء في الأحشاء. فهكذا نجد أن اللغة العربية بعلومها الأدبية البلاغية الرائعة تمد المتتلمذ لها بفيض من الصور البلاغية التي توسع أفق ذهنه ورحابة تصوره بما يجعله واسع الخيال، بعيد النظر، قادر على تقريب المعاني بالتشبيه والاستعارة والمجاز، والتي هي وسيلة تربوية مهمة في تقريب المعاني للأفهام. والعلو بالمستفيد في ذرى التبليغ والتعليم وفن التدريس والدعوة والتوجيه. 3- التمثل بالحكمة والموضوعية: والحكمة: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم 1. وهذا المفهوم يشير إلى أن الحكمة ليست معرفة الأشياء عن طريق التخمين، وإنما على أساس علمي، لتكون النتيجة صائبة مقبولة وفاعلة. الحكيم: فَعِيل، وبمعنى فاعل، أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها، وقيل ذو الحكمة 2. والموضوعية هي ثمرة الحكمة؛ لأن الحكمة تتطلب من الفرد ومن الجماعة أن تضع الأمور في نصابها على أساس علمي أو معرفي، وبالتالي يمكن التقرير بأن الموضوعية هي الاستخدام الأمثل للحكمة وتنزيلها في مصبها ومجراها الصحيح.

_ 1 ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/419) . 2 المرجع السابق، (1/418ـ419) .

وإن الموضوعية التي هي وليدة الحكمة أساس النجاح والتفوق في المنزل والمدرسة وميدان العمل والتجارة ومع الرفاق والأصدقاء والأعداء وغيرهم، ذلك أنها تجعل الفرد يضع الأمور في نصابها، ولا أحسن وأفضل من وضع الأمور في مواضعها، وقد امتن الله تعالى على عبده لقمان بأن آتاه الحكمة فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} 1. فيخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن امتنانه على عبده الفاضل، لقمان بالحكمة، وهي العلم بالحق على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام، فقد يكون الإنسان عالماً ولا يكون حكيماً. وأما الحكمة: فهي مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع والعمل الصالح 2. وقال تعالى مبيناً مكانة الحكمة ومنزلتها وعظيم شأنها: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} 3. والحكمة كما يقول الشيخ السعدي هي: من العلوم النافعة والمعارف الصائبة والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، وهذا أفضل العطايا، وأجل الهبات، ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} ؛ لأنه خرج من ظلمة الجهالات إلى نور الهدى،

_ 1 سورة لقمان، آية رقم (12) . 2 عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (4/106) . 3 سورة البقرة، آية رقم (269) .

ومن حمق الانحراف إلى إصابة الصواب 1. والحكمة بهذا تعتبر أس النجاح والتفوق والتقدم؛ لأنها التجسيد الحقيقي للمعرفة الصحيحة في واقع الأفعال والأقوال الإنسانية والجماعية والفردية. والتربية الفاعلة تسعى إلى إكساب المتربين الحكمة من خلال التنشئة العلمية الصحيحة؛ لأن الأمور جميعها لا تصح إلا بالحكمة (التي هي: وضع الأشياء في مواضعها وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام) 2. فالحكمة شجرة تنبت في القلب، وتثمر في اللسان، وهي موقظة للقلوب من سِنَةِ الغفلة، ومنقذة للبصائر من الحيرة 3. ولما أن مصنفات الأدب قد حوت في حوزتها وبين دفات كتبها الكثير من الحكم التي صيغت في قوالب بلاغية غاية في الإيجاز، وجمال اللفظ، فإنها جديرة بان يوليها الميدان التربوي الاهتمام اللائق بها من خلال المناهج الدراسية الصفية وغير الصفية. وأما الموضوعية فتعتبر من أبرز مقومات الشخصية الفاعلة المتفاعلة ذات الأثر والتأثير في محيطها الاجتماعي؛ لأنها الشخصية المفعلة لنصوص الحكمة في جوانب الحياة المختلفة، حسب الحقائق لا حسب الأهواء والرغبات غير الموضوعية لأن (التعامل مع الحقائق جزء هام من الموضوعية، بل إنه يمثل الجزء الأهم؛ لأن إدراك الحقائق على ما هي عليه قد يكون ميسوراً في كثير من الأحيان لكن التعامل مع الحقائق بموضوعية لا يكون إلا معقداً، حيث إنه يحتاج إلى علم وخبره، ويحتاج إلى مرونة، وتجرد عن الهوى) 4.

_ 1 عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/214) . 2 المرجع السابق (1/14) . 3 علي بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، ص (12) . 4 عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي، ص (92) .

والحكمة هي زبدة التجارب والمعارف، صيغت في قوالب أدبية رفيعة، إذا أخذ بها الفرد صنعت منه شخصية موضوعية فاعلة مؤثرة، نتيجة التطبيق الصحيح لما عرف من الحِكَمِ التي أثرى بها معارفه، فأكسبته خبرة لا عن مواقف وإنما عن عظات وعبر، سمع بها وقرأها وطبقها. ولذلك فإن (العاقل ينظر فيما يؤذيه، وفيما يسره، فيعلم أن أحق ذلك بالطلب إن كان مما يحب، وأحقه بالاتقاء إن كان مما يكره أطوله وأدومه وأبقاه، فإذا هو قد أبصر فضل الآخرة على الدنيا، وفضل سرور المروءة على لذة الهوى، وفضل الرأي الجامع الذي تصلح به الأنفس والأعقاب على حاضر الرأي الذي يستمتع به قليلاً ثم يضمحل، وفضل الأكلات على الأكلة، والساعات على الساعة) 1. وكم من الأفراد يفوتهم شيءٌ كثيرٌ من هذا، فيفضل ساعات الراحة التي يعقبها أضعافها من التعب والمشقة. فيبدد شبابه وقوته في لذات زائلة، يشقى بها في شيخوخته، وكم من شخص ينظر لساعات الدنيا ولذتها وهي زائلة، ويقصر النظر عن لذات الآخرة وديمومتها وهي الباقية، فلا موضوعية مبنية على حكمة عند هذا النوع. وكم من أفراد كانوا ضد ذلك، بما علموا وعملوا من حكمة وموضوعية التعامل، وقياس الأعمال والأقوال بنتائجها اليانعة وإن كانت آجله. وعند العقلاء (كلمة حكمة من أخيك خير من مال يعطيك؛ لأن المال قد يطغيك والكلمة من الحكمة تهديك) 2. وهنا يتباين الناس في تقديم الحكمة والمال كتباين الليل والنهار، فمنهم من يفرح بالمال ولو كان على جهل، ويقدمه على العلم والحكمة، وأناس نظروا للعلم نظرة الاعتزاز؛ لأنه ذلول الحكمة وقدموه على المال، فجاءتهم الحكمة والمال، فظفروا بالاثنين معاً.

_ 1 ابن المقفع، الأدب الصغير، والأدب الكبير، ص (15) . 2 علي عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة، ص (13) .

وقال بعض السلف: القلوب تحتاج إلى قُوْتِهَا كما تحتاج الأبدان إلى قُوْتِهَا من الغذاء. وقال بعض الحكماء الحكمة خِلْةُ العقل، وميزان العدل، ولسان الإيمان، وعين البيان، وروضة الأرواح، وأمن الخائف، ومتجر الرابح وحظ الدنيا والآخرة، وسلامة العاجل والآجل 1. فالحكمة عماد الأدب الموضوعي، والتطبيق الفعال، المثمر في نتائجه، وإن طال الطريق، وبعد المسير. 4- تقوية البصيرة: البصيرة: هي الفطنة، والبصير بالأشياء أي العالم بها 2. والبصيرة هي أساس الوضوح وسلامة المنهج والطريق. قال تعالى في توجيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في دعوة الخلق: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3. وخير وسيلة لتقوية البصيرة، وفطنة الفهم والتعقل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بعد ذلك الحكم والأمثال التي انقدحت عن ذوي الألباب من أهل العلم والأدب والتجارب، قال صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً" 4. وقال صلى الله عليه وسلم: "والحكمة الإصابة في غير النبوة" 5. قال بعضهم: الحكمة نور الأبصار، وروضة الأفكار ومطية الحلم، وكفيل النجاح وضمين الخير والرشد، والداعية إلى الصواب، والسفير بين العقل والقلوب، لا تندرس آثارها، ولا تعفو ربوعها، ولا يهلك امرؤ بعد عمله بها 6.

_ 1 المرجع السابق، ص (13) . 2 ابن منظور لسان العرب (4/65) . 3 سورة يوسف، آية رقم (108) . 4 أحمد (1/269) ، أبو داود (5/278ـ279) ، ابن ماجه (2/1235ـ1236) . 5 البخاري (3/33) ، برقم (3756) . 6 علي بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة، ص (13) .

ومن الحكمة البيانية حسن الجواب وحضوره عند الحاجة إليه. قال مسلمة ابن عبد الملك: "ما شيء يؤتى العبد بعد الإيمان بالله تعالى أحبّ إليّ من جواب حاضر، فإن الجواب إذا انعقب لم يكن شيئاً" 1. ولتربية هذه الحاسة قراءة كتب الأدب التي اشتملت وجمعت مواقف في حسن الجواب وتمامه، وسرعة البديهة، وجمال اللفظ، وهي كثيرة وسيأتي ذكر شيء منها. ومن الحكمة التعقل في اتخاذ القرار من حيث الوقت والمكان ونوع اللفظ والعبارة، ليستوجب صفة أولى الألباب (وليس كل ذي نصيب من اللب بمستوجب أن يسمى في ذوي الألباب، ولا يوصف بصفاتهم، فمن رام أن يجعل نفسه لذلك الاسم والوصف أهلاً فليأخذ له عتاده … فإنه قد رام أمراً جسيماً لا يصلُح على الغفلة، ولا يدرك بالمعجزة، ولا يصير على الأثرة) 2. وإن مما يقدح البصيرة حفظ ما تيسر من الحكم التي حوتها كتب الأدب والتمثل بها عملاً وتطبيقاً. ومن كتب الأدب النافعة هي هذا: ـ الأدب الصغير والأدب الكبير، لعبد الله ابن المقفع ـ عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن هذيل. ـ بهجة المجالس وأنس المجالس، للإمام ابن عبد البر القرطبي. ـ أدب المجالسة وحمد اللسان، وفضل البيان، وذم العي وتعليم الإعراب للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله المعروف بان عبد البر. ـ الملاحن للإمام أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي. وغيرها من الكتب المماثلة لها.

_ 1 الجاحظ، المحاسن والأضداد (21) . 2 ابن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (14) .

المبحث الرابع: التربية الأخلاقية.

المبحث الرابع: التربية الأخلاقية: مفهوم التربية الخلقية: التربية: هي تنشئة الإنسان شيئاً فشيئا في جميع جوانبه وفق المنهج الإسلامي1. وهذا يعني أن التربية الإسلامية تولي جميع جوانب الشخصية بالعناية والتنشئة بغية الكمال وفق ما أراد الله تعالى، ويشمل ذلك الجانب الأخلاقي. الأخلاق: تنقسم الأخلاق إلى قسمين محمودة ومذمومة: فالمحمودة: هي كل صفة حسنة بنية حسنة وفق منهج الله تعالى. والمذمومة: كل صفة على غير منهج الله تعالى 2. وبالتالي يمكن القول بأن التربية الخلقية هي: تنشئة الإنسان شيئاً فشيئاً في جوانبه السلوكية المحمودة. ومن وسائل التنشئة الخلقية اللغة العربية وعلومها على ما سيأتي تفصيله وبيانه. الأهمية اللغوية في التربية الخلقية: اللغة: هي الوعاء اللفظي للجانب الأخلاقي، وهي الأداة الناقلة للمعاني والدلالات الخلقية، وبدونها لا يمكن للمرء استيعاب المعاني الخلقية؛ ولذلك قيل: العربية تزيد في المروءة 3. ومن جانب آخر فإن اللغة بفروع علومها المختلفة تعتبر مؤثر فاعل في غرس الفضائل الخلقية، فالأدب الذي هو أحد فروع علوم اللغة العربية يعتبر في مفهومه السليم دعوة إلى الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة التي عليها تبنى العلاقات المتينة بين أفراد المجتمعات، ثم بين المجتمعات 4.

_ 1 خالد الحازمي، أصول التربية الإسلامية، ص (19) . 2 المرجع السابق، ص (137ـ138) . 3 ابن عبد البر، بهجة المجالس، وأنس المجالس، ص (66) . 4 محمد سعد بن حسين، الأدب الإسلامي بين الواقع والتنظير، ص (37) .

والمتأمل يجد أن اللغة العربية في تراكيبها اللفظية تربط بين الفعل ودوافعه الخلقية (فالمفعول لأجله في اللغة العربية يعبر عن الدوافع النفسية، فتقول: فعلت هذا رغبة أو رهبة أو حباً أو انتقاماً، وتخصيص صيغة أو قرينة نحوية للدلالة على الدوافع النفسية من خصائص اللغة العربية 1 التي تتماشى مع ديننا الحنيف الذي يربط بين الفعل ودوافعه، كما قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) 2. ومن حيث الجانب اللغوي يربي هذا في الناشئ أو المتعلم للغة العربية النظرة العميقة للدوافع السلوكية وأن عليه أن ينظر إلى المثيراث الخلقية لكل فعل سلوكي يقوم به، وهذا يحتاج من مدرسي اللغة العربية استجلاء هذا عند تدريس اللغة لكي يغرس في الناشئ الدلالات الخلقية في اللغة العربية. وفي اللغة العربية سعة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية، كالسرور والحزن والغضب والكبر والحب والبغض والغيرة في أدق معانيها ومختلف درجاتها وفروقها 3، وهي في مجموعها مكونات الأخلاق المحمودة والمذمومة، والتي يتعين الإفادة منها في التوجيه التربوي أثناء مقررات اللغة كالتعبير مثلاً. وقد اهتم علماء اللغة بأدبيات وأخلاقيات عديدة لها مساس باللغة العربية وأدب استخدامها الذي ينعكس، أو يعبر عن أخلاقيات وذوق المتلبس بها في كتاباته وتعبيره، ومن ذلك اختيار الألفاظ المناسبة لمن يكتب إليه، أرفع أو أقل مكانة من الكاتب، يقول ابن قتيبة في أدب الكاتب: ونستحب له أيضاً أن ينزل ألفاظه في كتبه، فيجعلها على قدر الكاتب والمكتوب إليه وأن لا يعطي خسيس الناس رفيع الكلام، ولا رفيع الناس وضيع الكلام،

_ 1 محمد المبارك، فقه اللغة، ص (41) . 2 البخاري (1/13) ، برقم (1) ، ومسلم (3/1515) ، برقم (155ـ1907) . 3 محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (309) .

فإني رأيت الكُتّاب. قد تركوا تفقد هذا من أنفسهم وخلّطوا فيه) 1. واللغة العربية من خلال علومها المختلفة، وخاصة الأدب الشعري والنثري، يربي في قارئه ومستمعه النقد الخلقي الذاتي لألفاظه التي ينطق بها، وطباعه التي يتعامل بها، عندما يقيس سلوكه الذاتي بالمضامين الأدبية في جانب الأخلاق والسلوك، وهذا يقوي جانب النقد الخلقي الذاتي (وكلما نما النقد الذاتي لدى الإنسان دل على عقلية ناضجة متفتحة، ونفس نقية صافية، وإن لا بستها الشوائب الطارئة فسرعان ما تعود إلى حياة الاستقامة والعفة) 2. ونضج النقد الذاتي الواعي الرشيد يساعد على تقويم السلوك وإصلاح العيوب، وترقية الأخلاق وترك سبل المفاسد والمعاصي، وإن كانت تحقق له لذة مادية آنية كما يرده إلى سبيل الهدى والتقوى والصلاح باتباع أوامر الشرع الحكيم، واجتناب نواهيه، والتقيد بالفضائل والمكارم الخلقية والآداب الاجتماعية، التي تجعله يتذوق السعادة الحقيقية 3. وجملة هذه الإشارات تدلل على أهمية اللغة العربية وفروع علومها في التربية الخلقية، ويتضح ذلك أكثر في استجلاء آثارها التربوية على نحو ما سيأتي.

_ 1 ابن قتيبة، أدب الكاتب، ص (19ـ20) . 2 عبد الحميد الصيد الزّنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص (679) . 3 المرجع السابق، ص (682ـ683) .

الأثار الخلقية للغة العربية.

الآثار الخلقية للغة العربية: للمتمعن في اللغة العربية وفروع علومها يجد أنها وعاء عميق للتربية الخلقية، وهجر الرذائل السلوكية، وأن العناية بها عناية بالأخلاق والسلوك، وأن رعايتها رعاية للتربية الخلقية؛ ذلك أن لها أثراً عظيماً وفاعلاً في بث الفضائل الخلقية، التي يمكن إيضاحها على سبيل التفريع الإجمالي لا التفريع

المبسوط؛ ذلك أن هذا الموضوع هو جزء من موضوع عنوان الدراسة وفرع منها، وإيضاحها فيما يلي: 1- التمسك بأهداب الشريعة: التمسك بأهداب الشريعة الإسلامية هو أول أوصاف الأخلاق الحميدة للفرد، فمن خلا من التقيد بالشريعة فقد خلا من لباس الفضائل الخلقية بأسرها، ذلك أن الدين الإسلامي كله خلق، يقول ابن قيم الجوزية: "إن حسن الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام" 1. "ويقول فالدين كله، خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين"2. قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 3. وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن" 4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الخُلُقُ العظيم الذي وصف الله به محمد صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً، هكذا قال مجاهد وغيره، وهو تأويل القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن" وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر"5. فالدين كله خلق، والتمسك بشرائع الدين دليل على العناية بأمر الخلق، وللغة العربية حظ ونصيب في البناء الخلقي فيما يتعلق باكتساب شرائع الدين

_ 1 ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/319) . 2 المرجع السابق، (2/320) . 3 سورة القلم، آية رقم (4) . 4 مسلم (1/512ـ513) . 5 ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص (207) .

والعناية بها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "واعلم أن اعتبار اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد في العقل والدين والخلق" 1. ومن منصة الأدب الإسلامي يمكن تكوين أجيال مسلمة صحيحة العقيدة، سليمة الفكر، قويمة السلوك، وذلك أن الأدب بكلماته العطرة وأسلوبه النافذ يستطيع أن يسهم في إيصال السمو الخلقي الإسلامي للآخرين، فتنتشر تعاليمه بينهم، ويذوقوا حلاوة الإيمان، ويتنسموا ريح الحرية الحقيقية، وينعموا بالسعادة2. ومن خلال البلاغة اللفظية التي تميزت بهااللغة العربية يستطيع الكاتب أو الداعية المتشرب للأدب اللغوي أن يثير بالنثر الجميل أو الشعر البديع التأمل في آيات الله الكونية، وما أودعه الله فيها من جمال وإعجاز وأسرار ليستجيش القلوب نحو الإيمان بالله الذي هو أساس كل فضيلة من خلال التأمل في مخلوقات الله تعالى التي دعانا المولى عز وجل إلى تأملها وأخذ العبرة منها. قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 3. وكم من أديب لبيب آثار بمقطوعاته الأدبية الحس الديني نحو التمسك بأهداب الدين والذود عنه والصبر في شأنه، أمام ملذات الدنيا وزينتها، وقد حكى لنا خُبيب بن عدي وقد سيق إلى الموت على أن يعفى عنه إذا أرتد عن الإسلام، فأقبل على الموت تحت وطأة النطع والسيف مؤثراً الشهادة دون

_ 1 المرجع السابق، ص (207) . 2 انظر: كتاب نحو أدب إسلامي، محاضرات ألقيت في جامعة أم القرى، ص (29ـ31) . 3 سورة الغاشية، آية رقم (17ـ21) .

اكتراث للموقف وللدنيا، فيقول 1: لقد جمع الأحزاب حولي وألَّبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ... وقُرِّبْتُ من جذع طويل ممنع وكلهم يبدي العداوة جاهداً ... عليّ لأني في وثاق بمضيع إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي ... وما جمع الأحزاب لي عند مصرعي وذلك في شأن الإله وأن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي في غير مجزع وما بي جذارى الموت إني لميت ... ولكن جذارى جحم نار ملفع فلست بمبدٍ للعدو تخشعاً ... ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي فكم من أثر لهذا الموقف الذي سطر في هذه القصيدة على القارئ والمستمع له، وكأنه يشعل في نفوس الآخرين جذوة الصبر، والدفاع عن الدين والتمسك به، وعدم الرضا بما هو دونه، والبعد عن كل ما يجافي الدين ويعارضه، فأكد بهذا المثال الرائع الذي صوره بلغة الضاد وأدبها الأثر التربوي للغة العربية بما تحمله من معاني ودلالات مؤثرة في النفس البشرية إذا صيغت الصياغة الأدبية. 2- الحث على مكارم الأخلاق: تعتبر الأخلاق في المنظور الإسلامي الهدف العام والأساسي في الإسلام، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" 2. ذلك أن الدين الإسلامي كله خلق في صلة العبد بربه، وبنبيه صلى الله عليه وسلم، وجميع المخلوقات؛ ولذلك قال ابن قيم الجوزية: "الدين كله خلق، فمن زاد عليك في

_ 1 ابن عبد البر، الاستيعاب (2/302) ، عن الأدب الإسلامي لصالح آدم بيلو، ص (83 -84) . 2 أحمد (2/381) ، واللفظ له، ومالك (2/904) ، برقم (8) .

الخلق زاد عليك في الدين" 1. ولقد أثر هذا المنطلق الإسلامي على تهذيب جارحة اللسان والبيان، ليأتي المنطوق نثراً أو شعراً في أدب جم، بل داعية بلفظه ومعناه إلى فضائل الأخلاق بحكم الالتزام الإسلامي الذي ربى فيهم هذا السلوك اللفظي الذي يربط المعنى النفسي باللفظ الكريم كما قيل: (من أراد معنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما) 2. ولذلك نجد الصحابة رضي الله عنهم ومن اقتفى أثرهم قد التزموا باللفظ الشريف، وتركوا ما كان مألوفاً عندهم من ألفاظ الجاهلية كوصف جمال النساء وذكر الخمر ونحو ذلك. ومن جانب آخر نجد أن دائرة الأدب الشعري والنثري مليئة بما يشحذ الهمم ويقوي النفوس ويدفعها نحو مكارم الأخلاق في شتى الفضائل الخلقية، ومن أمثلة ذلك ما يلي: في إكرام الضيف الذي أوصى به الإسلام خيراً، صاغته العبارات اللغوية الأدبية في صور متعددة، إذا ما سمعها السامع أو قرأها القارئ جسدت فيه كرم البشاشة، والتفاني للضيف بكل مقدوره، ومن تلك النماذج الأدبية التربوية المؤثرة قول أبو يعقوب الخريمي 3: أضاحك ضيفي قبل إنزاله رَحْلِهِ ... ويُخْضِبُ عندي والمحل جديب وما الخِصْبُ للأضياف أن يكثر القِرَى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب وهذه الأبيات عندما يقرؤها القارئ أو تطرق أذن السامع تُحدث تفاعلاً

_ 1 ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/320) . 2 ابن عبد ربه، العقد الفريد (4/139) ، عن محمد بن سعد بن حسين، الأدب الإسلامي بين الواقع والتنظير، ص (44) . 3 ابن عبد البر، بهجة المجالس وأنس المجالس (1/298) .

تربوياً عميقاً، يضرب بجذوره في النفس البشرية ليجدها تتجاذب مع الكرم والعناية بالضيف، وتحويل البيت المجدب الذي لاشيء فيه مائدة من الطعام الذي قد وفره لضيفه. وفي ميدان الحياء يقول حبيب بن أوس 1: إذا جاريت في خلق دنيئا ... فأنت ومن تجاره سواءُ يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ... ويبقى العود ما بقي اللحاء فلا والله ما في العيش خيرٌ ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستح فاصنع ما تشاء فهذه الأبيات وأمثالها في باب الحياء، إنما تستثير في المرء تغليب جانب الحياء والبعد عن الفحش والتفحش الذي يتنافى مع الدين الإسلامي العظيم، وتبين مكانة الحياء، وارتباطه بالخير والفلاح. وميدان الأدب ملئ بما يشحذ الهمم نحو ابتغاء معالي الأخلاق وأزكاها بالكلمة الطيبة، والتركيب الجميل والوصف المؤثر البليغ. 3- التنفير من الرذائل الخلقية: للكلمة الخبيثة المصاغة صياغة بلاغية تأثير فاعل في النفس البشرية؛ ذلك أنها بما تحمله من زخرف القول وديباجة اللفظ، تستثير مكامن الشر في الإنسان نحو الرذائل السلوكية. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 2. أي يزين

_ 1 المرجع السابق، ص (2/592ـ593) . 2 سورة الأنعام، آية رقم (112) .

بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ويزخرفون له العبارات، حتى يجعلوه في أحسن صورة ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً، والباطل حقاً 1. وجاء الإسلام بالمنهج التربوي القويم الذي يحمل الإنسان مسؤولية العبارة التي يتلفظ بها، ليجعل منه شخصية مهذبة الفعال واللسان. قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 2. وهذه المسؤولية غرست في اتباع المنهج الإسلامي استشعار تبعية الكلمة ومسؤوليتها وأهميتها وأثرها البالغ، وتبعاتها على مستمعها وقائلها، فهجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتادوه وألفوه من ألفاظ الجاهلية السيئة كوصف الخمر، وذكر العورات والتباهي بالمناصرة الظالمة، وسار على نهجهم من اقتفى أثرهم من الخلق إلى يومنا هذا، فأخذت الكلمة أهميتها ومسؤوليتها في البيئة المسلمة. فقد قيل لعبد الله بن رؤبة بن لبيد التميمي: "إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاماً تمنعنا من أن نظلم وأحساباً تمنعنا أن نظلم، وهل رأيت بانياً إلا وهو على الهدم أقدر منه على البناء؟ وله رواية حديث عن أبي هريرة3 بل تحولت الكلمة الأدبية إلى سيف بتار يحارب به الرذيلة، مما جعل الأدب يسهم إسهاماً طيباً في التصدي للرذائل السلوكية، ومن ذلك قول الزبير بن العوام في خطبة خطبها بالبصرة: "أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوماً بعمامتي من ورائي فقال: يا زبير إن الله يقول أَنفق أُنفق عليك، ولا توكئ فيوكأ عليك،

_ 1 عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (2/59ـ60) . 2 سورة ق، آية رقم (18) . 3 ابن دريد الأزدي، الملاحن، ص (84) .

أوسع يوسع عليك، ولا تضيق فيضيق عليك، واعلم يا زبير أن الله يحب الإنفاق ولا يحب الإقتار، ويحب السماحة ولو على فلق تمرة، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية، أو عقرب، واعلم يا زبير أن لله كنوز أموال سوى الأرزاق التي قسمها بين العباد محتبسة عنده، لا يعطي أحداً منها شيئاً إلا من سأله من فضله، فسألوا الله من فضله" 1. ومن الكلام الجميل في ذم البخل والحث على مكارم الأخلاق قول أخت عمر بن عبد العزيز: (أف للبخل! والله لو كان طريقاً ما سلكته، ولو كان ثوباً طريفاً ما لبسته) 2. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه 3: إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى ... ودينك موفور وعرضك صَيِّن فلا ينطقن منك اللسان بسوأة ... فكلك سوءات وللناس أعين وعيناك إن أبدت إليك معايباً ... لقوم، فقل: يا عين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ... ودافع ولكن بالتي هي أحسن فهذه المقطوعات الكلامية النثرية والشعرية، التي صيغت صياغة أدبية لها التأثير التربوي العميق في الحث على الفضائل الخلقية، والتنفير من الرذائل السلوكية، وبالتالي ساهمت الكلمة الأدبية في البناء التربوي إسهاماً طيباً، فأصبحت جديرة بالعناية والرعاية والدراسة.

_ 1 ابن عبد البر، بهجة المجالس وأنس المجالس، (2/625ـ626) . 2 المرجع السابق (2/627) . 3 الإمام الشافعي، ديوان الإمام الشافعي، ص (105) .

النتائج والتوصيات

النتائج والتوصيات النتائج ... النتائج والتوصيات: من خلال هذه الدراسة المتعلقة ببيان الآثار التربوية لعلم اللغة العربية فقد تم التوصل إلى النتائج والتوصيات التالية: أولاً: النتائج: ـ أن العناية باللغة العربية عناية بالشريعة الإسلامية. ـ تميز اللغة العربية بخصائص انفردت بها عن غيرها من لغات الدنيا، فهي لغة القرآن الكريم، واتصفت بالاعتدال في عدد حروف كلماتها، واتساع معجمها اللفظي، وجمال ألفاظها وحسن عباراتها. ـ تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ اللغة العربية. ـ اشتملت التراكيب اللفظية للغة العربية بخصائص فنية وذوقية لا توجد في غيرها. ـ اهتم سلف الأمة من العلماء والخلفاء بدراسة اللغة العربية وآدابها، واتخذوا لأبنائهم المؤدبين. ـ اهتم الخلفاء والأمراء والأعيان من سلف هذه الأمة بتعليم أبنائهم علوم اللغة العربية. ـ علو منزلة المؤدبين الذين لهم عناية بعلوم اللغة العربية. ـ للغة العربية آثار تربوية على الذوق اللفظي للمهتمين بها، بما ينعكس على تفعيل العواطف والعقول والسلوك من خلال الكلمة العذبة الرصينة. ـ توسع اللغة العربية الجانب الفكري عند المهتمين بها، من خلال توسعة الخيال وخصوبته وتقوية البصيرة. ـ أسهمت اللغة العربية في تسهيل العلم ونقله وحفظه، من خلال نظم المعرفة في قصائد شعرية، يتناقلها الطلاب والعلماء، إضافة إلى إسهامها في نقل وتشجيع العلوم والمعارف، بما نظم فيها من قصائد المديح.

ـ للغة العربية آثار تربوية عظيمة في اكتساب الفضائل الخلقية وهجر الرذائل السلوكية، وذلك بما اشتمل عليه الأدب النثري والشعري من حث على مكارم الأخلاق.

التوصيات

ثانياً: التوصيات: من خلال نتائج هذه الدراسة، تم التوصل إلى التوصيات الآتية: ـ زيادة العناية بعلوم اللغة العربية، وبطرق تدريسها. ـ أهمية إبراز الآثار التربوية للغة العربية في الفكر والأخلاق وجمال الألفاظ، بما يغرس في دارسيها القناعة بأهميتها. ـ أهمية إظهار الجوانب الذوقية لألفاظ اللغة العربية في المناهج الدراسية. ـ إيضاح خصائص وجماليات اللغة العربية للدارسين بما يغرس فيهم محبة اللغة العربية والعناية بتطبيقها، وتقديمها على غيرها من اللغات. ـ كشف الآثار التربوية العميقة والعظيمة التي تنعكس على جوانب الشخصية من تعلم علوم اللغة العربية. ـ أهمية إبراز عناية سلف الأمة باللغة العربية، والمكانة العليا لمعلمها، ودعم ذلك بالأمثلة والنماذج. ـ العناية بالتطبيق العملي لمادة النحو تحدثاً وكتابة في أغلب المقررات الدراسية إن لم يكن في كلها. ـ أن تشتمل المناهج المدرسية على الحكم والأمثال العربية، وعلى المواقف التي تظهر فيها حسن وجمال التراكيب الكلامية. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبة أجمعين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... قائمة المراجع ـ الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، المسند، وبهامشه منتخب كنز العمال، ط 5، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405هـ ـ 1985م. ـ أحمد الهاشمي، جواهر الأدب، بيروت، مؤسسة المعارف، (د. ت) . ـ ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزواوي ومحمود محمد الطّناحيّ، بيروت، دار الفكر (د. ت) . ـ أبو إسحاق إبراهيم بن علي، القيرواني، زهر الآداب وثمر الألباب، بيروت، دار الجيل (د. ت) . ـ الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ط 4، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405هـ ـ 1985م. ـ امرؤ القيس، ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط3، دار المعارف (د. ت) . ـ باسمة العسلي، جماليات اللغة العربية، مجلة الفيصل، الرياض: 1420، العدد 278. ـ البحتري، ديوان البحتري، تحقيق حسن كامل الصيرفي، القاهرة، دار المعارف (د. ت) . ـ البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، شرح وتحقيق محب الدين الخطيب، ط1، القاهرة: المطبعة السلفية، 1400هـ. ـ برهان الدين الزرنوجي، تعليم المتعلم في طريق التعلم، دمشق: دار ابن كثير (1407 ـ 1987م) . ـ أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، الملاحن، صححه إبراهيم طفيش الجزائري، بيروت: دار الكتب العلمية (1407هـ ـ 1987م) .

ـ ابن تيمية، تفي الدين أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق محمد حامد الفقي، بيروت، دار المعرفة (د. ت) . ـ الجرجاني، الشريف علي بن محمد، كتاب التعريفات، ط3، بيروت: الكتب العلمية (1408ـ1988) . ـ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد: تاريخ عمر بن الخطاب، تحقيق أحمد شودان، الطائف، مكتبة المؤيدة (د.ت) . ـ الحاكم، أبي عبد الله الحاكم النيسبوري: المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، أشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار المعرفة: 1406 هـ ـ 1986م. ـ حافظ إبراهيم، ديوان حافظ إبراهيم، ضبط وتصحيح أحمد أمين وآخرين، الناشر محمد آمين دمج، القاهرة، 1969م. ـ ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق عبد العزيز بن باز، تبويب محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار المعرفة (د. ت) . ـ حسن بن علي الحجاجي: الفكر التربوي عند ابن القيم، جدّة، دار حافظ للنشر، 1408هـ 1988م. ـ أبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن هذيل، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، بيروت: دار الكتب العلمية (د. ت) . ـ خالد حامد الحازمي، أصول التربية الإسلامية، الرياض: دار عالم الكتب، 1420هـ ـ 2000م. ـ أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، إعداد وتعليق عبيد الدعاس، وعادل السيد، ط1، بيروت: دار الحديث، 1388هـ ـ 1969م. ـ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان: سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، ط6، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406? ـ 1986م.

ـ الزركلي خير الدين: الأعلام، ط8، بيروت: دار العلم الملايين، 1989م. ـ السعدي، عبد الرحمن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جده، دار المدني: 1408هـ ـ 1988م. ـ السيوطي، الحافظ جلال الدين السيوطي، التعريف بآداب التأليف، تحقيق مرزوق علي إبراهيم، القاهرة، مكتبة التراث الإسلامية (د. ت) . ـ الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس، ديوان الإمام الشافعي، بيروت دار الكتب العلمية 1408هـ 1988م. ـ الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، حياته وفكره، بيروت: مؤسسة الرسالة، 14082هـ ـ 1988م. ـ صالح آدم بيلو، من قضايا الأدب الإسلامي، جدة: دار المنارة، 1405هـ ـ 1985م. ـ طرفة بن العبد، ديوان طرفة بن العبد، تحقيق علي الجندي، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة (د. ت) . ـ طه بن محمد البيقوني، المنظومة البيقوينية في علم الحديث، جدة: مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الأولى، 1420هـ. ـ ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، بهجة المجالس وأنس المجالس، تحقيق محمد موسى الخولي, بيروت: دار الكتب العلمية، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي. ـ عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا تونس، الدار العربية، الكتاب 1982م. ـ عبد الحميد الهاشمي، الرسول العربي المربي، دمشق، دار الثقافة الجميع 1401هـ ـ 1983هـ. ـ عبد الرحمن بن حبنكة الميداني، قضايا حول الشعر العربي والأدب الإسلامي، نحو أدب إسلامي محاضرات ألقيت في جامعة أم القرى، ط1، مكة المكرمة،

جامعة أم القرى، قسم الإعلام الإسلامي، 1408هـ ـ 1987م. ـ عبد الصبور الغندور، الأدب الإسلامي مفهومه مقوماته وطرق تدريسه، نحو أدب إسلامي ألقيت في جامعة أم القرى، ط1، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، قسم الإعلام الإسلامي، 1408هـ 1987م. ـ عبد الغني بن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، بيروت، دار مكتبة الحياة 1407هـ 1987م. ـ عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي، ط2، دمشق: دار القلم 1419هـ 1998م. ـ أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح، الورقة، تحقيق عبد الوهاب عزام وعبد الستار أحمد فراج، دار المعارف، ط3 (د. ت) . ـ عبد الله محمد جار النبي، ابن قيم الجوزية في الدفاع عن عقيدة السلف، ط1، (د. م) ، (د. ن) 1406هـ 1986م. ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري، بيروت: دار احياء العلوم (1406 هـ 1986) . ـ ابن ماجة، أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (د. ت) ، دار إحياء التراث التربي (د. ت) . ـ الماوردي، أبو الحسن علي البصري، كتاب أدب الدنيا والدين، تحقيق محمد صباح، بيروت، مكتبة الحياة 1986م. ـ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، إخراج إبراهيم أنيس وآخرين ط2، القاهرة (د. ت) . ـ محمد سعد بن حسين، الأدب الإسلامي بين الواقع والتنظير، ط1، الرياض: دار عبد العزيز آل حسين للنشر والتوزيع، 1421هـ. ـ محمد صالح الشنطي، المهارات اللغوية، ط4، حائل، دار الأندلس للنشر والتوزيع، 1417 هـ 1996م.

ـ محمد بن عبد الله بن مالك الأندلس، ألفية بن مالك، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، 1422هـ ـ 1992م. ـ محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص2 (د. م) دار الفكر (د. ن) . ـ محمد بن محمد الجزري، منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه، مراجعة، أيمن رشدي سويد، ط1، جده: مكتبة السوادي، للتوزيع، 1420هـ. ـ المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسي بن علي مروج الذهب، تحقيق محمد محيى الدين ط4، القاهرة: مطبعة السعادة، 1384هـ 1964م. ـ مقداد يالجن، توجيه المتعلم، ط12، الرياض، دار المريخ، 1402هـ 1982م. ـ مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية (د. ت) . ـ ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، بيروت، دار الأصالة 1408هـ ـ 1987م. ـ نايف بن حامد بن همام، التربية الإسلامية وفقيه التفكير العلمي دكتوراه، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، كلية التربية، قسم التربية الإسلامية، المقارنة، 1411هـ 1990م. ـ ابن النديم، الفهرست، علق عليها إبراهيم رمضان، بيروت، دار المعرفة، 1417هـ 1997م. ـ الملك الأفضل العباس بن علي، نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء تحقيق نبيلة عبد المنعم داود، مكة المكرمة، مكتبة الثقافة، (د. ت) . ـ أبو هلال العسكري، الحث على طلب العلم، تحقيق مروان قباني، ط1، بيروت: المكتب الإسلامي، 1406هـ 1986م.

§1/1