افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة

الصنعاني

حَدِيث (1) افْتِرَاق الْأمة (2) ورد من طرق عديدة سَاقهَا ابْن الْأَثِير (3) يرحمه الله فِي جَامع الْأُصُول (4) فَقَالَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن مُعَاوِيَة

قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى اللله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا إِن (1) من قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْتَرَقُوا على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَإِن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَهِي الْجَمَاعَة (2)

وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَفَرَّقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين فرقة أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين (1) وَالنَّصَارَى مثل ذَلِك وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة (2)

وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إِحْدَى وَسبعين أواثنين (1) وَسبعين فرقة وَذكر الحَدِيث وَقَالَ حسن صَحِيح (2) وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن (3) عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ليَأْتِيَن على أمتِي مَا أَتَى على بني إِسْرَائِيل حذوا النَّعْل بالنعل حَتَّى إِن كَانَ مِنْهُم من أَتَى أمة عَلَانيَة ليَكُون فِي أمتِي من يصنع ذَلِك وَإِن بني إِسْرَائِيل تَفَرَّقت على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين مِلَّة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة قَالُوا من هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيب (1)

وَأخرج ابْن ماجة مثل ذَلِك عَن عَوْف بن مَالك (1) وَأنس (2)

انْتهى مَا سَاقه ابْن الْأَثِير فِي الْجُزْء الثَّالِث فِي حرف الْفَاء إِذا عرفت هَذَا فَالْحَدِيث قد اسْتشْكل من جِهَتَيْنِ الْجِهَة الأولى مَا فِيهِ من الحكم على الْأَكْثَر بِالْهَلَاكِ والكون (1) فِي النَّار وَذَلِكَ يُنَافِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأمة بِأَنَّهَا أمة مَرْحُومَة وبأنها أَكثر الْأُمَم فِي الْجنَّة مِنْهَا حَدِيث أنس عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي أمة مَرْحُومَة مغْفُور لَهَا

متاب عَلَيْهَا (1) وَغَيره مِمَّا مليت بِهِ كتب السّنة من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على

سَعَة رَحْمَة الله لَهَا وَلَو سردناها لطال الْكَلَام (1)

وَلما كَانَ حَدِيث الِافْتِرَاق مُشكلا كَمَا ترى أجَاب بَعضهم بِأَن المُرَاد بالأمة فِيهِ أمة الدعْوَة لَا أمة الْإِجَابَة يَعْنِي أَن الْأمة الَّتِي دَعَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَالْإِقْرَار بوحدانيته هِيَ المفترقة إِلَى تِلْكَ الْفرق وَأَن أمة الْإِجَابَة هِيَ الْفرْقَة النَّاجِية يُرِيد بهَا من آمن بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا إِشْكَال وَهَذَا جَوَاب حسن لَوْلَا أَن يبعده وُجُوه الأول أَن لفظ أمتِي حَيْثُ جَاءَ فِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُرَاد بِهِ إِلَّا أمة الْإِجَابَة غَالِبا (2) كَحَدِيث أمتِي أمة مَرْحُومَة (3) وَحَدِيث لاتزال طَائِفَة من أمتِي (4)

وَحَدِيث أمتِي هَذِه أمة مَرْحُومَة لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَاب فِي الْآخِرَة (1)

وَحَدِيث إِذا وضع السَّيْف فِي أمتِي (1) وَحَدِيث لَيَكُونن من أمتِي قوم يسْتَحلُّونَ الْخَزّ (2)

وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى فالأمة فِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (1) حَيْثُ أطلقت لَا تحمل إِلَّا على مَا تعورف مِنْهَا وعهد بلفظها وَلَا تحمل على خِلَافه وَإِن جَاءَ نَادرا (2) الثَّانِي قَوْله سَتَفْتَرِقُ بِالسِّين الدَّالَّة على أَن ذَلِك أَمر مُسْتَقْبل الثَّالِث قَوْله ليَأْتِيَن على أمتِي فَإِنَّهُ إِخْبَار بِمَا سَيكون وَيحدث وَلَو جَعَلْنَاهُ إِخْبَارًا يَنْتَهِي بافتراق (3) الْمُشْركين فِي الْمُسْتَقْبل لما كَانَ فِيهِ فَائِدَة إِذْ هم على ضَلَالَة وهلاك اجْتَمعُوا أَو افْتَرَقُوا الرَّابِع قرنهم بطائفتي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِن المفترقين منهمما (4) هم طائفتا (5) الْإِجَابَة لظَاهِر قَوْله تَعَالَى وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة (6)

وَقَوله تَعَالَى وَمَا اخْتلف فِيهِ إِلَّا الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات (1) وَقَوله (2) وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم (3) وَقَوله تَعَالَى وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات (4) الْخَامِس مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج إِلَى غَزْوَة حنين مر بشجرة للْمُشْرِكين كَانُوا يعلقون عَلَيْهَا أسلحتهم يُقَال لَهَا ذَات أنواط فَقَالُوا يَا رَسُول الله اجْعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنوط فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَانَ الله إِلَى أَن

قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتركبن سنَن من قبلكُمْ (1) وَهَذَا خطاب لمن خاطبه (2) من أمة الْإِجَابَة قطعا وَالَّذِي يظْهر لي فِي ذَلِك أجوبة أَحدهَا أَنه يجوز أَن هَذِه الْفرق الْمَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ قَليلَة

الْعدَد لَا يكون مجموعها أَكثر من الْفرْقَة النَّاجِية فَلَا يتم أكثرية الْهَلَاك فَلَا يرد الْإِشْكَال و (1) إِن قيل يمْنَع عَن هَذَا أَنه خلاف الظَّاهِر من ذكر كَثْرَة عدد فرق الْهَلَاك فَإِن (2) الظَّاهِر انهم أَكثر عددا (3) قلت (4) لَيْسَ ذكر الْعدَد فِي الحَدِيث لبَيَان كَثْرَة الهالكين وَإِنَّمَا هُوَ لبَيَان اتساع طرق الظلال وشعبها ووحدة طَرِيق الْحق نَظِير ذَلِك ذَلِك مَا ذكره أَئِمَّة التَّفْسِير فِي قَوْله وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله (5)

أَنه جمع السبل الْمنْهِي عَن اتباعها (1) لبَيَان شعب (2) طرق الضلال وَكَثْرَتهَا وسعتها وأفرد سَبِيل الْهدى وَالْحق لوحدته وَعدم تعدده وَثَانِيها أَن الحكم على تِلْكَ الْفرق بِالْهَلَاكِ والكون فِي النَّار حكم عَلَيْهَا بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا وتفريطها كَأَنَّهُ قيل كلهَا هالكة (3) بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا مَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ وَكَونهَا فِي النَّار (4)

وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونهَا مَرْحُومَة بِاعْتِبَار آخر من رَحْمَة الله لَهَا وشفاعة نبيها وشفاعة صالحيها لطالحيها (45)

والفرقة (1) النَّاجِية وَإِن كَانَت مفتقرة إِلَى رَحْمَة الله لَكِنَّهَا بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا يحكم لَهَا بالنجاة لإيتانها بِمَا أمرت بِهِ وانتهائها عَمَّا نهيت عَنهُ

وَثَالِثهَا أَن ذَلِك الحكم مَشْرُوط بِعَدَمِ عقابها فِي الدُّنْيَا وَقد دلّ على عقابها فِي الدُّنْيَا حَدِيث أمتِي هَذِه أمة مَرْحُومَة لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَاب فِي الْآخِرَة إِنَّمَا عَذَابهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَن والزلازل وَالْقَتْل والبلايا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى (1) فَيكون حَدِيث الإفتراق مُقَيّدا بِهَذَا الحَدِيث فِي قَوْله كلهَا هالكة مَا لم تعاقب فِي الدُّنْيَا لَكِنَّهَا تعاقب فِي الدُّنْيَا (2) فَلَيْسَتْ بهالكة وَرَابِعهَا أَن الْإِشْكَال فِي حَدِيث الإفتراق إِنَّمَا نَشأ من جعل الْقَضِيَّة الحاكمة بِهِ وبالهلاك دائمة بِمَعْنى أَن الإفتراق فِي هَذِه الْأمة وهلاك من يهْلك مِنْهَا دَائِم مُسْتَمر من زمن تكَلمه (3) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْجُمْلَة إِلَى قيام السَّاعَة وَبِذَلِك تتَحَقَّق أكثرية الهالكين وأقلية الناجين فَيتم الْإِشْكَال

وَالْحق أَن الْقَضِيَّة حينية يَعْنِي أَن ثُبُوت الإفتراق للْأمة والهلاك لمن يهْلك ثَبت فِي حِين من الأحيان وزمن من الْأَزْمَان يدل على أَن المُرَاد ذَلِك وُجُوه الأول قَوْله سَتَفْتَرِقُ (1) الدَّال (2) على الِاسْتِقْبَال لتحلية الْمُضَارع بِالسِّين الثَّانِي قَوْله (3) ليَأْتِيَن على أمتِي فَإِنَّهُ إِخْبَار بِأَمْر مُسْتَقْبل الثَّالِث قَوْله (4) مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي (5) فَإِن أَصْحَابه من

مُسَمّى أمته بِلَا خلاف وَقد حكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم أمة وَاحِدَة وَأَنَّهُمْ الناجون وَأَن من كَانَ على مَا هم عَلَيْهِ هم الناجون فَلَو جعلنَا الْقَضِيَّة دائمة من حِين التَّكَلُّم بهَا للَزِمَ أَن تكون تِلْكَ الْفرق كائنة فِي أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهلم جرا وَقد صرح الحَدِيث نَفسه (1) بِخِلَاف ذَلِك فَإِذا ظهر لَك أَن الحكم بالإفتراق والهلاك إِنَّمَا هُوَ فِي حِين من الأحيان وزمن من الْأَزْمَان لم يلْزم أكثرية الْهَلَاك وأقلية الناجين وَهَذَا الْجَواب بِحَمْد الله وَالَّذِي قبله جيده لَا غُبَار عَلَيْهَا (2)

إِن قلت يجوز أَن يكون زمن الإفتراق أطول من زمن خِلَافه فَيكون أَهله أَكثر فَيكون الهالكون أَكثر من الناجين قلت أَحَادِيث سَعَة الرَّحْمَة وأكثرية الداخلين من هَذِه الْأمة إِلَى الْجنَّة قد دلّت على أَن الهالكين أقل وَذَلِكَ لقصر حينهم المتفرع عَلَيْهِ قلتهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى أزمنة خِلَافه المتطاولة (1) وَكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْتِيهِ التَّنَاقُض من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه فَلَا بُد (3) من الْجمع بَين مَا يُوهم التَّنَاقُض وَقد تمّ الْجمع بِهَذَا الْوَجْه وَمَا قبله فَتعين الْمصير إِلَيْهَا هَذَا وَلَا يبعد أَن ذَلِك الْحِين وَالزَّمَان هُوَ آخر الدَّهْر (4) الَّذِي وَردت الْأَحَادِيث بفساده وفشو الْبَاطِل فِيهِ وخفاء الْحق وَأَن الْقَابِض فِيهِ على دينه كالقابض على الْجَمْرَة وَأَنه الزَّمَان الَّذِي يصبح فِيهِ الرجل مُؤمنا ويمسي كَافِرًا وَأَنه زمَان غربَة الدّين

فَتلك الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ الَّتِي شحنت بهَا كتب السّنة قارئن دَالَّة على أَنه زمَان كَثْرَة الهالكين وزمان (1) التَّفَرُّق والتدابر (2)

(وَيحْتَمل أَيْضا أَن الِافْتِرَاق كَانَ من عبد الْقُرُون الْمَشْهُود لَهَا بالخيرية وَأَن فِي كل قرن بعْدهَا فرق من الهالكة وأكثرها فِي آخر الزَّمَان وَهَذَا جَوَاب جيد اسْتَقل عَن الْإِشْكَال) (1) الْجِهَة الثَّانِيَة من جهتي الْإِشْكَال فِي تعْيين الْفرْقَة النَّاجِية فقد تكلم النَّاس فِيهَا

كل فرقة (1) تزْعم أَنَّهَا هِيَ الْفرْقَة النَّاجِية ثمَّ قد تقيم بعض الْفرق على دَعْوَاهَا برهانا أَوْهَى من بَيت العنكبوت (2) وَمِنْهُم من يشْتَغل بتعداد الْفرق الْمُخَالفَة لما هُوَ عَلَيْهِ ويعمد إِلَى مَا شذت (4) بِهِ تِلْكَ (5) من الْأَقْوَال فينقله عَنْهَا ليبين بذلك (6) أَنَّهَا هالكة لاعتمادها على تِلْكَ الْأَقْوَال وَأَنه نَاجٍ بخلوصه عَنْهَا وَلَو فتش مَا انطوى عَلَيْهِ لوجد عِنْده من المقالات مَا هُوَ أشنع من مقالات من خَالفه (7)

لَكِن عين الْمَرْء كليلة عَن عيب نَفسه وَبِالْجُمْلَةِ ... فَكل يَدعِي وصلا لليلى ... وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا ... وَكَانَ الْأَحْسَن بالناظر فِي الحَدِيث أَن يَكْتَفِي بالتفسير النَّبَوِيّ لتِلْك الْفرْقَة فقد كَفاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معلم الشَّرَائِع الْهَادِي إِلَى كل خير صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤْنَة وَعين لَهُ الْفرْقَة النَّاجِية بِأَنَّهَا من كَانَ على مَا هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَقد عرف بِحَمْد الله من لَهُ أدنى همة فِي الدّين مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَنقل إِلَيْنَا أَقْوَالهم وأفعالهم حَتَّى أكلهم وشربهم ونومهم ويقظتهم (1) حَتَّى كأنا رأيناهم رَأْي عين وَبعد ذَلِك فَمن رزقه الله إنصافا من نَفسه وَجعله من أولي الْأَلْبَاب لَا يخفاه (2) حَال نَفسه أَولا هَل هُوَ مُتبع لما كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَو غير مُتبع ثمَّ لَا يخفى (3) حَال غَيره من كل طَائِفَة هَل هِيَ متبعة أَو مبتدعة

وَمن ادّعى أَنه مُتبع للسّنة النَّبَوِيَّة متقيد بهَا يصدق دَعْوَاهُ أَقْوَاله وأفعاله أَو تكذبها فَإِن مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ظهر (بِحَمْد الله) (1) لكل إِنْسَان فَلَا يُمكن التباس المبتدع بالمتبع (2) وَعِنْدِي على تَقْرِير ذَلِك الْجَواب وَأَن زمن الِافْتِرَاق (والهلاك) (3) هُوَ آخر الزَّمَان (4) و (5) أَنه لَا بعد فِي أَن الْفرْقَة النَّاجِية هم الغرباء الْمشَار إِلَيْهِم فِي الحَدِيث كَحَدِيث بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا فطوبى (6) للغرباء قيل وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ الَّذين يصلحون إِذا فسد النَّاس وَفِي رِوَايَة الَّذين يفرون بدينهم من الْفِتَن وَفِي رِوَايَة الَّذين يصلحون مَا أفسد النَّاس من سنتي وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو قُلْنَا من الغرباء يَا رَسُول الله قَالَ

قوم صَالِحُونَ قَلِيل فِي نَاس سوء كثير من يعصيهم أَكثر مِمَّن يطيعهم (1)

وهم المرادون بحدي لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خالفهم أَو خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله (1)

وهم المرادون بِمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَغَيره عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لكل شَيْء إقبالا وإدبارا (1) وَإِن لهَذَا الدّين إقبالا وإدبارا وَإِن من إدبار (2) الدّين مَا كُنْتُم عَلَيْهِ من الْعَمى والجهالة وَمَا بَعَثَنِي الله بِهِ وَإِن من إقبال الدّين أَن تفقه الْقَبِيلَة بأسرها حَتَّى لَا يُوجد فِيهَا إِلَّا الْفَاسِق والفاسقان فهما مقهوران ذليلان إِن تكلما قهرا وقمعا واضطهدا (3) وَإِن من إدبار الدّين أَن تجفو الْقَبِيلَة بأسرها حَتَّى لَا يكون فِيهَا إِلَّا الْفَقِيه والفقيهان وهما مقهوران ذليلان إِن تلما فأمرا بِالْمَعْرُوفِ ونهيا عَن الْمُنكر قمعا وقهرا واضطهدا فهما ذليلان لَا يجدان على ذَلِك أعوانا وَلَا أنصارا (5)

فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِي وصف آخر الزَّمَان وَأَهله قد دلّت على أَنه زمَان كَثْرَة الهالكين وَقلة الناجين وَأَحَادِيث الغرباء قد دلّت أوصافهم بِأَنَّهُم هم الْفرْقَة الناجشية فِي ذَلِك الزَّمَان وَلَيْسوا بفرقة مشار إِلَيْهَا كالأشعرية (1) أَو (2) الْمُعْتَزلَة (3) مثلا

بل هم النزاع من الْقَبَائِل كَمَا فِي الحَدِيث (1)

وهم متبعوا الرسلول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبَاعا قوليا وفعليا (1) من أَي فرقة كَانَت (2) (3) هَذَا وَقد ذكر فِي الْفرْقَة (4) أَنهم صَالحُوا كل فرقة وَذكر أَنهم

أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ (1) سَلام الله عَلَيْهِم وَمن اتبعهم إِلَّا أَن ذَلِك مَبْنِيّ على أَن الْقَضِيَّة دائمة ثمَّ هُوَ لَا يدْفع الْإِشْكَال كَمَا لَا يخفى نعم وَهَذَا كُله توفيق بَين الْأَحَادِيث مَبْنِيّ على صِحَة قَوْله كلهَا

هالكة إِلَّا فرقة (1) وَلَا شكّ أَنه قد ثَبت فِي كتب السّنة كَمَا سمعته وَلكنه قد نقل السَّيِّد الْعَلامَة الْحَافِظ عز الدّين (2) مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْوَزير رَحمَه الله (3) عَن أبي

مُحَمَّد بن حزم فِي بعض رسائله (1) مَا لَفظه (2) قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم إِن الزِّيَادَة بقوله كلهَا هالكة إِلَّا فرقة مَوْضُوعَة وَإِنَّمَا الحَدِيث الْمَعْرُوف إِنَّهَا تفترق إِلَى نَيف وَسبعين فرقة (3) لَا زِيَادَة على

هَذَا (1) فِي نقل الثِّقَات وَمن زَاد على نقل الثِّقَات فِي الحَدِيث الْمَشْهُور كَانَ عِنْد الْمُحدثين معلا مَا زَاده (2) غير صَحِيح وَإِن كَانَ الرَّاوِي ثِقَة غير أَن مُخَالفَة الثِّقَات فِيمَا شاركوه فِي حَدِيثه يُقَوي الظَّن على أَنه وهم فِيمَا زَاده أَو أدرج فِي الحَدِيث كَلَام بعض الرواه وحسبه من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيعلون الحَدِيث بِهَذَا وَإِن لم يكن مقدوحا فِيهِ (3)

على أَن أصل الحَدِيث الَّذِي حكمُوا بِصِحَّتِهِ لَيْسَ مِمَّا اتَّفقُوا على صِحَّته وَقد تجنبه البُخَارِيّ وَمُسلم مَعَ شهرته لعدم اجْتِمَاع شرائطهما فِيهِ انْتهى كَلَامه (1)

هذا ما سنح للفقير محمد بن إسماعيل الأمير

هَذَا مَا سنح للْفَقِير مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير عَفا الله عَنهُ فِي تَوْجِيه الحَدِيث بعد أَن سَأَلَني عَنهُ بعض الإخوان الْعلمَاء فَإِن وَافق فَمن فضل من ألهم إِلَيْهِ وَإِلَّا فَمن قُصُور من حَرَّره فِي شهر ذِي الْقعدَة الحارم سنة 1133 هـ

§1/1