اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

الرازي، فخر الدين

الفصل الأول

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الْفرق فِي شرح أَحْوَال مَذَاهِب الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَهُوَ مُرَتّب على عشرَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي شرح فرق الْمُعْتَزلَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي بَيَان مَا يشْتَرك فِيهِ سَائِر فرق الْمُعْتَزلَة أعلم أَن الْمُعْتَزلَة كلهم متفقون على نفي صِفَات الله تَعَالَى من الْعلم وَالْقُدْرَة وعَلى أَن الْقُرْآن مُحدث ومخلوق وَأَن الله تَعَالَى لَيْسَ خَالِقًا لأفعال العَبْد

الفصل الثاني

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَنهم لم سموا معتزلة كَانَ وَاصل بن عَطاء وَعَمْرو بن عبيد من تلامذة الْحسن الْبَصْرِيّ رَحل وَلما أحدثا مذهبا وَهُوَ أَن الْفَاسِق لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر اعتزلا حَلقَة الْحسن الْبَصْرِيّ وجلسا نَاحيَة فِي الْمَسْجِد فَقَالَ النَّاس إنَّهُمَا إعتزلا حَلقَة الْحسن الْبَصْرِيّ فسموا معتزلة لذَلِك قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار وَهُوَ رَئِيس الْمُعْتَزلَة كلما ورد فِي الْقُرْآن من لفظ الأعتزال فَإِن المُرَاد مِنْهُ الأعتزال عَن الْبَاطِل فَعلم أَن اسْم الإعتزال مدح وَهَذَا فَاسد لقَوْله تَعَالَى {وَإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} فَإِن المُرَاد من هَذَا الإعتزال هُوَ الْكفْر

الفصل الثاني

الْفَصْل الثَّانِي فِي فرق الْمُعْتَزلَة إعلم أَنهم سبع عشرَة فرقة الْفرْقَة الأولى الغيلانية أَتبَاع غيلَان الدِّمَشْقِي وَهَؤُلَاء يجمعُونَ بَين الأعتزال والإرجاء وغيلان هَذَا هُوَ الَّذِي قَتله هِشَام بن عبد الْملك سَابِع خلفاء بني مَرْوَان الْفرْقَة الثَّانِيَة الواصلية أَتبَاع وَاصل بن عَطاء الغزال وَهُوَ أول من قَالَ إِن الْفَاسِق لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر وَلَا مُنَافِق وَلَا مُشْرك وَمن مَذْهَبهم أَن عليا وَطَلْحَة رَضِي لَو شَهدا فِي شَيْء وَاحِد فشهادتهما غير مَقْبُولَة وَإِن شهد فِيهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعَ شخص آخر فشهادته مَقْبُولَة الْفرْقَة الثَّالِثَة العمرية أَتبَاع عَمْرو بن عبيد وَمن قَوْلهم إِن شَهَادَة طَلْحَة وَالزُّبَيْر غير مَقْبُولَة بِوَجْه مَا

الْفرْقَة الرَّابِعَة الهزيلية أَتبَاع أبي الهزيل وَمن مَذْهَبهم أَن خالقيه الله تَعَالَى قد انْتَهَت الى حد لَا يقدر أَن يخلق شَيْئا آخر الْفرْقَة الْخَامِسَة النظامية اتِّبَاع إِبْرَاهِيم بن سيار النظام وَمن مَذْهَبهم أَن العَبْد قَادر على أَشْيَاء لَا يقدر الله تَعَالَى على خلقهَا وَالْإِجْمَاع وَخبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس لَيْسَ بِحجَّة عِنْد هَؤُلَاءِ وَلَا يذكرُونَ الصَّحَابَة

وَلَا عليا رضى بِسوء الْفرْقَة السَّادِسَة الثمامية أَتبَاع ثُمَامَة بن أَشْرَس وَكَانَ فِي زمن الْمَأْمُون وَمن مَذْهَبهم أَن الْفِعْل يَصح من غير الْفَاعِل الْفرْقَة السَّابِعَة البشرية أَتبَاع بشر بن معمر بن عباد السّلمِيّ وهم يثبتون النَّفس الناطقة كَمَا هُوَ مَذْهَب الفلاسفة ويثبتون فِي الْجِسْم مَعَاني غير متناهية الْفرْقَة التَّاسِعَة المزدارية أَتبَاع أبي مُوسَى بن عِيسَى بن مسيح المزدار وَهُوَ تلميذ

بشر وأستاذه جَعْفَر بن الْحَرْث وجعفر بن المبشر الْفرْقَة الْعَاشِرَة الهشامية أَتبَاع هِشَام بن عَمْرو القوطي وَقد كَانَ يمْنَع من قَول حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل لِأَنَّهُ لَا يجوز إِطْلَاق اسْم الْوَكِيل على الله تَعَالَى الْفرْقَة الْحَادِيَة عشرَة الجاحظية أَتبَاع عَمْرو بن بَحر الجاحظ وَمن قَوْلهم إِن المعارف ضَرُورِيَّة الْفرْقَة الثَّانِيَة عشرَة الجبائية اتِّبَاع أبي عَليّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي وَمن مَذْهَبهم أَنه يجوز أَن يكون الْعرض الْوَاحِد فِي حَالَة وَاحِدَة مَوْجُودا ومعدوما مَعًا والتزموا هَذَا من كَلَام الله تَعَالَى

الْفرْقَة الرَّابِعَة عشرَة البهشمية أَتبَاع أبي بهشم عبد السَّلَام بن أبي على الجبائي وهم يثبتون الْحَال ويجوزون أَن يُعَاقب الله تَعَالَى العَبْد من غير أَن يصدر عَنهُ ذَنْب الْفرْقَة الْخَامِسَة عشرَة الأحشدية أَتبَاع أحشد بن أبي بكر تلميذ مُحَمَّد بن عمر الصَّيْمَرِيّ وهم يكفرون أَبَا هَاشم وَأَتْبَاعه الْفرْقَة السَّادِسَة عشرَة الخياطية أَتبَاع أبي الْحسن عبد الرَّحِيم الْخياط وَهُوَ استاذ أبي الْقَاسِم الكعبي وهم يَقُولُونَ إِن الْجِسْم فِي الْعَدَم جسم حَتَّى أَنهم ألزموه أَن يكون رَاكِبًا فرسا مَعْدُوما فالتزم ذَلِك وجوزوه

الْفرْقَة السَّابِعَة عشرَة الحسينية أَتبَاع أبي الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ وَهُوَ تلميذ القَاضِي عبد الْجَبَّار بن أَحْمد ثمَّ خَالفه وَنفى الْحَال والمعدوم والمعاني وَجوز كرامات الْأَوْلِيَاء وَنفى المريدية وَتوقف فِي السّمع وَالْبَصَر وَلم يبْق فِي زَمَاننَا من سَائِر فرق الْمُعْتَزلَة إِلَّا هَاتَانِ الفرقتان أَصْحَاب أبي هَاشم وَأَصْحَاب أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ

في شرح فرق الخوارج

الْبَاب الثَّانِي فِي شرح فرق الْخَوَارِج ساير فرقهم متفقون على أَن العَبْد يصير كَافِرًا بالذنب وهم يكفرون عُثْمَان وعليا رضى وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة ويعظمون أَبَا بكر وَعمر رضى الْفرْقَة الأولى المحكمية وهم الَّذين قَالَ لعَلي رضى لما حكم الْحَاكِمين إِن كنت تعلم أَنَّك الإِمَام حَقًا فَلم أمرتنا بالمحاربة ثمَّ انفصلوا عَنهُ بِهَذَا السَّبَب وَكَفرُوا عليا وَمُعَاوِيَة رضى الْفرْقَة الثَّانِيَة الْأزَارِقَة أَتبَاع أبي نَافِع رَاشد بن الْأَزْرَق وَمن مَذْهَبهم أَن قتل من خالفهم جَائِز

الْفرْقَة الثَّالِثَة النجدات أَتبَاع نجدة بن عَامر النَّخعِيّ وهم يرَوْنَ أَن قتل من خالفهم وَاجِب وَأكْثر الْخَوَارِج بنجستان على مقَالَته الْفرْقَة الرَّابِعَة البيهية أَتبَاع أبي بيهس ومذهبهم أَن من لَا يعرف الله تَعَالَى وأسماءه وتفاصيل الشَّرِيعَة فَهُوَ كَافِر الْفرْقَة الْخَامِسَة العجاردة أَتبَاع عبد الْكَرِيم بن عجرد وَعِنْدهم أَن سُورَة يُوسُف لَيست الْقُرْآن لِأَنَّهَا فِي شرح الْعِشْق والعاشق والمعشوق وَمثل هَذَا لَا يجوز أَن يكون كَلَام الله تَعَالَى

الْفرْقَة السَّادِسَة الصلتية أَتبَاع عُثْمَان بن أبي الصَّلْت وَعِنْدهم أَن من دخل فِي مَذْهَبهم فَهُوَ مُسلم وَإِنَّمَا يحكمون بِإِسْلَام الْأَطْفَال من حِين بلوغهم الْفرْقَة السَّابِعَة الميمونية وَهُوَ مَيْمُون بن عمرَان ليتبعوه وهم يجوزون نِكَاح بناتهم وَلَا يرَوْنَ أَن الشَّرّ من الله تَعَالَى الْفرْقَة الثَّامِنَة الحمزية أَتبَاع حَمْزَة بن أدْرك وهم يقطعون بِأَن أَطْفَال الْكفَّار فِي النَّار الْفرْقَة التَّاسِعَة الخلفية أَتبَاع خلف وهم لَا يرَوْنَ أَن الْخَيْر وَالشَّر من الله تَعَالَى الْفرْقَة الْعَاشِرَة الأطرافية وهم يَقُولُونَ إِن من لم يعلم أَحْكَام الشَّرِيعَة من أَصْحَاب أَطْرَاف الْعَالم فَهُوَ غير مَعْذُور

الْفرْقَة الْحَادِيَة عشرَة الشعبيبة أَصْحَاب شُعَيْب بن مُحَمَّد وهم يَقُولُونَ إِن العَبْد مكتسب وَلَا يَقُولُونَ إِنَّه موجد غير أَنهم يوافقون بَقِيَّة الْخَوَارِج فِيمَا عدا هَذَا من الْبدع الْفرْقَة الثَّانِيَة عشرَة الحازمية أَصْحَاب حَازِم وهم يَقُولُونَ بالموافاة الْفرْقَة الثَّالِثَة عشرَة الثعلبية وَهُوَ ثَعْلَب بن عَامر وهم على ولَايَة الْأَطْفَال إِلَّا إِن ظهر مِنْهُم بَاطِل فِي وَقت التَّكْلِيف الْفرْقَة الرَّابِعَة عشرَة الأخنسية أَصْحَاب أخنس بن قيس وهم يتبرءون من كل من لَا يوافقهم

وَلَا يسكن فِي بِلَاد مخالفهم الْفرْقَة الْخَامِسَة عشرَة المعبدية أَصْحَاب معبد وهم لَا يجوزون نِكَاح كل إمرأة تخَالف الدّين الْفرْقَة السَّادِسَة عشرَة الرشيدية يوجبون الْعشْر فِي المعشرات سَوَاء كَانَ السَّقْي من السَّمَاء أَو من الدالية الْفرْقَة السَّابِعَة عشرَة المكرمية أَصْحَاب مكرم وهم يَقُولُونَ إِن تَارِك الصَّلَاة كَافِر لَا أَنه

ترك الصَّلَاة بل لِأَنَّهُ جَاهِل بِاللَّه الْفرْقَة الثَّامِنَة عشرَة المعلومية والمجهولية أما المعلومية فَيَقُولُونَ من لم يعرف الله تَعَالَى بِسَائِر أَسْمَائِهِ فَهُوَ كَافِر وَأما المجهولية فَيَقُولُونَ إِن معرفَة جَمِيع الْأَسْمَاء لَيست بواجبة الْفرْقَة التَّاسِعَة عشرَة الأباضية أَتبَاع عبد الله بن أباض ظهر فِي زمن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر مُلُوك بني أُميَّة وَقتل عَاقِبَة الْأَمر الْعشْرُونَ الأصفرية أَتبَاع زِيَاد بن الْأَصْفَر يجوزون التقية فِي القَوْل دون الْعَمَل الْفرْقَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ الحفصية هُوَ أَبُو جَعْفَر بن أبي الْمِقْدَام يَقُولُونَ إِن بَين الْإِيمَان والشرك خصْلَة أُخْرَى وَهِي معرفَة الله تَعَالَى

الروافض

الْبَاب الثَّالِث الروافض إِنَّمَا سموا بالروافض لِأَن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضى خرج على هِشَام بن عبد الْملك فطعن عسكره عَن أبي بكر فَمَنعهُمْ من ذَلِك فرفضوه وَلم يبْق مَعَه إِلَّا مِائَتَا فَارس فَقَالَ لَهُم أَي زيد بن عَليّ رفضتموني قَالُوا نعم فبقى عَلَيْهِم هَذَا الإسم وهم أَربع طوائف الزيدية الإمامية الكيسانية أما الزيدية هم المنسبون الى زيد بن عَليّ زين العابدين فَثَلَاث طوائف الأولى الجارودية أَتبَاع أبي الْجَارُود وهم يطعنون فِي أبي بكر وَعمر رضى الثَّانِيَة السليمانية هُوَ سُلَيْمَان بن جرير وهم يعظمون أَبَا بكر وَعمر رضى ويكفورن

عُثْمَان رض وَأما الأمامية فهم فرق الأولى يَقُولُونَ إِن عبد الرَّحْمَن بن ملجم لم يقتل عليا بل الْمَقْتُول حَنى رَبِّي فِي صُورَة عَليّ وَصعد على الى السَّمَاء وسينزل وَسَيَجِيءُ أَبَا بكر وَعمر وينتقم مِنْهُمَا ويزعمون أَن الرَّعْد صَوت على رضى والبرق صَوته وهم إِذا سمعُوا صَوت الرَّعْد يَقُولُونَ عَلَيْك السَّلَام يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الثَّالِثَة الباقرية وهم يَقُولُونَ إِن الْإِمَامَة لما بلغت الى مُحَمَّد بن عَليّ الباقر حتمت عَلَيْهِ وَهُوَ لم يمت وَلَا يَمُوت لكنه غَائِب الثَّانِيَة الناموسية وهم يَقُولُونَ إِن جعفرا لم يمت لكنه غايب وَهُوَ الإِمَام

الرَّابِعَة الْعمادِيَّة وهم يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعد جَعْفَر الصَّادِق وَلَده مُوسَى الْخَامِسَة الشمطية وهم يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعد جَعْفَر الصَّادِق وَلَده مُوسَى السَّادِسَة الأسماعيلية وهم يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعد جَعْفَر الصَّادِق إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَلَكِن لما مَاتَ إِسْمَاعِيل فِي حَال حَيْوَة أَخِيه عَادَتْ الْإِمَامَة الى أَخِيه السَّابِعَة المباركية وهم يَقُولُونَ إِن إِسْمَاعِيل لما مَاتَ انْتَهَت الْإِمَامَة الى وَلَده مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل دون أَخِيه الثَّامِنَة الممطورية وهم قوم يَقُولُونَ إِن مُوسَى بن جَعْفَر لم يمت بل هُوَ غَائِب وَإِنَّمَا سموا بِهَذَا الِاسْم لما أظهرُوا هَذِه الْمقَالة قَالَ لَهُم قوم وَالله مَا أَنْتُم إِلَّا كلاب ممطورة يَعْنِي أَنهم كالكلاب المبتلة من غَايَة ركاكة هَذِه الْمقَالة التَّاسِعَة القطعية وهم يقطعون بدعوة مُوسَى بن جَعْفَر

الْعَاشِرَة وهم الَّذين وقفُوا على عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا لما مَاتَ وَلم ينقلوا الْإِمَامَة الى وَلَده الْحَادِيَة عشرَة العسكرية وهم قوم يعترفون بإمامة الْحسن العسكري وَالثَّانيَِة عشرَة الجعفرية يَقُولُونَ إِن الْإِمَامَة انْتَقَلت من الْحسن العسكري الى أَخِيه جَعْفَر الثَّالِثَة عشرَة أَصْحَاب الِانْتِظَار وهم الَّذين يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعد الْحسن العسكري وَلَده مُحَمَّد بن الْحسن العسكري وَهُوَ غَائِب وسيحضر وَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي عَلَيْهِ إمامية زَمَاننَا هَذَا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد الْمُصْطَفى وعَلى

المرتضى وَفَاطِمَة الزهراء وَخَدِيجَة الْكُبْرَى وَالْحسن الزكي وَالْحُسَيْن الشَّهِيد بكربلا وزين العابدين وَمُحَمّد بن عَليّ الباقر وجعفر بن مُحَمَّد الصَّادِق ومُوسَى بن جَعْفَر الكاظم وَعلي بن مُوسَى الرِّضَا وَمُحَمّد بن عَليّ التقي وَعلي بن مُحَمَّد النقي وَالْحسن بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْحسن العسكري الإِمَام الْقَائِم المنتظر والإمامية يَزْعمُونَ أَن المعصومين مِنْهُم أَرْبَعَة عشر وَأَن الْأَئِمَّة أثنا عشر وهم يكفرون الصَّحَابَة رضى وَيَقُولُونَ إِن الْخلق قد كفرُوا بعد النَّبِي صلى إِلَّا عليا وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالزُّبَيْر وَعمَّارًا وسلمان وَأَبا ذَر ومقدادا وبلالا وصهيبا وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الإمامية قَطْرَة من بَحر لِأَن بعض الروافض قد صنف كتابا وَذكر فِيهِ ثلثا وَسبعين فرقة من الإمامية وَأما الغلاة مِنْهُم فهم فرق كَثِيرَة

الْفرْقَة الأولى السبابية أَتبَاع عبد الله بن سبا وَكَانَ يزْعم أَن عليا هُوَ الله تَعَالَى وَقد أحرق على رض مِنْهُم جمَاعَة وَقَالَ إِنِّي إِذا رَأَيْت أمرا مُنْكرا أججت نَارا ودعوت قبرا الثَّانِيَة البنانية أَصْحَاب بنان بن اسماعيل الْهِنْدِيّ ويزعمون أَن الله تَعَالَى حل فِي عَليّ رضى وَأَوْلَاده وَأَن أَعْضَاء الله تَعَالَى تعدم كلهَا مَا خلا وَجهه لقَوْله تَعَالَى {كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام}

الثَّالِثَة الحطابية وهم يَزْعمُونَ أَن الله تَعَالَى حل فِي عَليّ ثمَّ فِي الْحسن ثمَّ فِي الْحُسَيْن ثمَّ فِي زين العابدين ثمَّ فِي الباقر فِي الصَّادِق وَتوجه هَؤُلَاءِ الى مَكَّة فِي زمن جَعْفَر الصَّادِق وَكَانُوا يعبدونه فَلَمَّا سمع الصَّادِق بذلك فأبلغ ذَلِك أَبَا الْخطاب وَهُوَ رئيسهم فَزعم أَن الله تَعَالَى قد انْفَصل عَن جَعْفَر وَحل فِيهِ وَأَنه هُوَ أكمل من الله تَعَالَى ثمَّ إِنَّه قتل الرَّابِعَة المغيرية أَتبَاع مغبرة بن سعيد الْعجلِيّ ادّعى الإلهية ثمَّ أحرقوا بالنفط وَالنَّار الْخَامِسَة المنصورية أَتبَاع أبي مَنْصُور الْعجلِيّ وَكَانُوا على مقَالَة المغيرية وَزَادُوا عَلَيْهِم بِأَن أباحوا الزِّنَا واللواطه ثمَّ إِنَّهُم قتلوا

السَّادِسَة الجناحية أَتبَاع عبد الله بن الجناحين كَانُوا يَزْعمُونَ أَن الْمعرفَة إِذا حصلت لم يبْق شَيْء من الطَّاعَات وَاجِبَة السَّابِعَة المفوضية وهم قوم يَزْعمُونَ أَن الْبَارِي تَعَالَى خلق روح عَليّ وأرواح أَوْلَاده وفوض الْعَالم إِلَيْهِم فخلقوا هم الْأَرْضين وَالسَّمَوَات قَالُوا وَمن هَهُنَا قُلْنَا فِي الرُّكُوع سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي السُّجُود سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى لِأَن الْإِلَه هُوَ على وَأَوْلَاده وَأما الْإِلَه الْأَعْظَم فَهُوَ الَّذِي فوض إِلَيْهِم الْعَالم الثَّامِنَة الغرابية قَالُوا عَليّ بِمُحَمد أشبه من الْغُرَاب بالغراب وَقَالُوا إِن الله تَعَالَى أرسل جِبْرِيل الى عَليّ فغلط جِبْرِيل وَأدّى الرسَالَة الى مُحَمَّد

لتأكد المشابهة بَين عَليّ وَمُحَمّد عَلَيْهِ السَّلَام التَّاسِعَة وهم يَزْعمُونَ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أزاغ الرسَالَة عَن عَليّ الى مُحَمَّد عمدا وقصدا لَا غَلطا وسهوا وَهَؤُلَاء يسيئون القَوْل فِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الْعَاشِرَة وهم يَزْعمُونَ أَن جِبْرِيل ع م أزاغ الرسَالَة الى عَليّ لَكِن مُحَمَّدًا كَانَ أكبر سنا من عَليّ فاستعان عَليّ بِهِ ثمَّ إِن مُحَمَّدًا اسْتَقل بِالْأَمر ودعى الْخلق الى نَفسه وَهَؤُلَاء يسيئون القَوْل فِي النَّبِي ع م الْحَادِي الْحَادِيَة عشرَة الكاملية أَتبَاع أبي كَامِل وهم يَزْعمُونَ أَن الصَّحَابَة كلهم كفرُوا لما فَوضُوا الْخلَافَة الى أبي بكر وَكفر عَليّ أَيْضا حَيْثُ لم يحارب أَبَا بكر

الثَّانِيَة عشرَة النصرية وهم يَزْعمُونَ أَن الله تَعَالَى كَانَ يحل فِي عَليّ فِي بعض الْأَوْقَات وَفِي الْيَوْم الَّذِي قلع عَليّ بَاب خَيْبَر كَانَ الله تَعَالَى قد حل فِيهِ الثَّالِثَة عشرَة الأسجافية وهم على هَذِه الْمقَالة وَهَذِه الطَّائِفَة بَاقِيَة فِي حلب وَفِي نواحي الشَّام الى يَوْمنَا هَذَا الرَّابِعَة عشرَة الأزلية وهم يَزْعمُونَ أَن عليا قديم أزلى وَكَذَلِكَ عمر بن الْخطاب أَيْضا قديم أزلي إِلَّا أَن عليا كَانَ خيرا مَحْضا وَعمر كَانَ شرا مَحْضا وَكَانَ يُؤْذِي عليا دَائِما وَكَأَنَّهُم اقتبسوا هَذِه الْمقَالة من الْمَجُوس الْخَامِسَة عشرَة الكيالية أَتبَاع أَحْمد الكيال الملحد وَقد كَانَ ضَالًّا مضلا وَقد صنف كتبا فِي الضَّلَالَة والترهات

الكيسانية وهم الَّذين يَقُولُونَ إِن الْإِمَامَة كَانَت حَقًا لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة وَهَؤُلَاء الطَّائِفَة يفترقون فرقا الأولى الكربية أَتبَاع أبي كرب الضَّرِير وهم يَزْعمُونَ أَن الإِمَام من بعد عَليّ هُوَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ حَيّ لم يمت ومأواه رضوى وَعَن يَمِينه أَسد وَعَن يسَاره نمر وَكَانَ السَّيِّد الْحِمْيَرِي الشَّاعِر وَكثر الشَّاعِر عَليّ هَذَا الرَّأْي الثَّانِيَة المختارية أَتبَاع الْمُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ وهم يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعد الْحُسَيْن هُوَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ثمَّ زعم الْمُخْتَار أَنه نَائِب مُحَمَّد ودعى الْخلق الى الضَّلَالَة وَأَرَادَ مُحَمَّد أَن يقْصد نَحوه ويمنعه عَن ذَلِك فَلَمَّا علم الْمُخْتَار إِنَّه يُرِيد قَصده صعد الْمِنْبَر وَقَالَ يَا قوم قد ذكر أَن إمامكم قد قصد نحوكم وَمن إمارات الإِمَام أَن لَا يُؤثر فِيهِ السَّيْف فَإِذا أَتَى فجربوا هَذَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك مُحَمَّدًا وَأَنه قد قصد بذلك قَتله هرب

الثَّالِثَة الهاشمية وهم يَزْعمُونَ أَن الإِمَام بعد مُحَمَّد هُوَ أَبُو هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد وهم يَقُولُونَ انه قد مَاتَ وَأوصى بالخلافة الى مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَلما بلغ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الى خرسان ودعوا الْخلق الى هَذِه الْمقَالة كَانَ أَبُو مُسلم صَاحب الدعْوَة حَاضرا فَقبل تِلْكَ الدعْوَة وَلَا جرم أَنه لما استفحل أمره دَعَا الْخلق الى بني الْعَبَّاس ونتزع الْخلَافَة من بني أُميَّة وَجعلهَا فيهم الرَّابِعَة الروندية أَتبَاع أبي هديدة الروندي وهم يَزْعمُونَ أَن الأمامة كَانَت أَولا حَقًا للْعَبَّاس وَفرق الكيسانية كَثِيرَة وَفِي هَذَا الْقدر الَّذِي ذَكرْنَاهُ كِفَايَة اعْلَم أَن الْيَهُود أَكْثَرهم مشبهة وَكَانَ بَدو ظُهُور التَّشْبِيه فِي الْإِسْلَام من الروافض مثل بنان بن سمْعَان الَّذِي كَانَ يثبت لله تَعَالَى

الْأَعْضَاء والجوارح وَهِشَام بن الحكم وَهِشَام بن سَالم الجواليقي وَيُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمي وَأَبُو جَعْفَر الْأَحول الَّذِي كَانَ يدعى شَيْطَان الطاق وَهَؤُلَاء رُؤَسَاء عُلَمَاء الروافض ثمَّ تهافت فِي ذَلِك المحدثون مِمَّن لم يكن لَهُم نصيب من علم المعقولات وَنحن نذْكر فرقهم على التَّرْتِيب الْحكمِيَّة وهم أَصْحَاب هِشَام بن الحكم وَكَانَ يزْعم أَن الله تَعَالَى جسم وَغير مذْهبه فِي سنة وَاحِدَة عدَّة تغيرات فَزعم تَارَة أَن الله تَعَالَى كالسبيكة الصافية وَزعم مرّة أُخْرَى أَنه كالشمع الَّذِي من أَي جَانب نظرت اليه كَانَ ذَلِك الْجَانِب وَجهه وَاسْتقر رَأْيه عَاقِبَة الْأَمر على أَنه سَبْعَة أَشْيَاء لِأَن هَذَا الْمِقْدَار أقرب الى الِاعْتِدَال من سَائِر الْمَقَادِير الثَّانِيَة الجواليقية أَتبَاع هِشَام بن سَالم الجواليقي الرافضي وهم يَزْعمُونَ أَنه تَعَالَى

لَيْسَ بجسم لَكِن صورته صُورَة الْآدَمِيّ وَهُوَ مركب من الْيَد وَالرجل وَالْعين لِأَن أعضاءه لَيست من لحم وَلَا دم الثَّالَّةِ اليونسية أَتبَاع يُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمي وهم يَزْعمُونَ أَن النّصْف الْأَعْلَى من على من الله مجوف وَأَن النّصْف الْأَدْنَى مِنْهُ مصمت الرَّابِعَة الشيطانية أَتبَاع شَيْطَان الطاق وهم يَزْعمُونَ أَن الْبَارِي تَعَالَى مُسْتَقر على الْعَرْش وَالْمَلَائِكَة يحملون الْعَرْش وهم وَإِن كَانُوا ضعفاء بِالنِّسْبَةِ الى الله تَعَالَى لَكِن الضَّعِيف قد يحمل الْقوي كَرجل الديك الَّتِي تحمل مَعَ دقتها جثة الديك الْخَامِسَة الحوارية أَصْحَاب دَاوُد الْحوَاري وَهُوَ يثبت الْأَعْضَاء وَالْحَرَكَة

فصل

والسكون وَالسَّعْي لله تَعَالَى وَكَانَ يَقُول سلوني عَن شرح سَائِر أَعْضَائِهِ تَعَالَى مَا عدا شرح فرجه ولحيته فصل اعْلَم أَن جمَاعَة من الْمُعْتَزلَة ينسبون التَّشْبِيه الى الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله واسحق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن معِين وَهَذَا خطأ فَإِنَّهُم منزهون فِي أعتقادهم عَن التَّشْبِيه والتعطيل لكِنهمْ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي المتشابهات بل كَانُوا يَقُولُونَ آمنا وصدقنا مَعَ أَنهم كَانُوا يجزمون بِأَن الله تَعَالَى لَا شَبيه لَهُ وَلَيْسَ كمثله شَيْء وَمَعْلُوم أَن هَذَا الِاعْتِقَاد بعيد جدا عَن التَّشْبِيه

في فرق الكرامية

الْبَاب الْخَامِس فِي فرق الكرامية وهم أَتبَاع ابي عبد الله مُحَمَّد بن كرام وَكَانَ من زهاد سجستان واغتر جمَاعَة بزهده ثمَّ اخْرُج هُوَ وَأَصْحَابه من سجستان فَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا الى غرجة فدعوا أَهلهَا الى اعْتِقَادهم فقبلوا قَوْلهم وبقى ذَلِك الْمَذْهَب فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَهُوَ فرق كَثِيرَة على هَذَا التَّفْصِيل الطرايقة الأسحاقية الحماقية العابدية اليونانية السورمية الهيصمية وأقربهم الهيصمية وَفِي الْجُمْلَة فهم كلهم يَعْتَقِدُونَ أَن الله تَعَالَى جسم وجوهر وَمحل للحوادث ويثبتون لَهُ جِهَة ومكانا إِلَّا أَن العابدية يَزْعمُونَ أَن الْبعد بَينه وَبَين الْعَرْش متناه والهيصمية يَقُولُونَ إِن ذَلِك الْبعد غير متناه وَلَهُم فِي الْفُرُوع أَقْوَال عَجِيبَة ومدار امرهم على المخرقة والتزوير وَإِظْهَار التزهد وَلأبي عبد الله بن كرام تصانيف كَثِيرَة إِلَّا أَن كَلَامه فِي غَايَة الركة والسقوط

في فرق الجبرية

الْبَاب السَّادِس فِي فرق الجبرية وهم يَزْعمُونَ أَن العَبْد لَيْسَ قَادِرًا على فعله والمعتزلة يسمون أَصْحَاب هَذَا الرَّأْي الجبرية والمجبرة وَهَذَا خطأ لأَنا لَا نقُول إِن العَبْد لَيْسَ بِقَادِر بل نقُول إِنَّه لَيْسَ خَالِقًا الْفرْقَة الأولى من الجبرية الْجَهْمِية أَصْحَاب جهم بن صَفْوَان وَكَانَ رجلا من ترمد وَكَانَ من قَوْله إِن العَبْد لَيْسَ قَادِرًا الْبَتَّةَ وَكَانَ يَقُول إِن الله تَعَالَى مُحدث وَلم يُطلق على الله تعال اسْم الْمَوْجُود وَالشَّيْء الثَّانِيَة النجارية أَتبَاع حُسَيْن بن مُحَمَّد النجار وهم يوافقون الْمُعْتَزلَة فِي مسَائِل الصِّفَات وَالْقُرْآن والرؤية ويوافقون الجبرية فِي خلق الْأَعْمَال والاستطاعة وَهَؤُلَاء فرق كَثِيرَة

البرعوسية والزعفرانية والمستدركية والحفصية الثَّالِثَة الضرارية أَتبَاع ضرار بن عَمْرو الْكُوفِي وَكَانَ فِي بَدو أمره تلميذا لواصل بن عَطاء ثمَّ خَالفه فِي خلق الْأَعْمَال وإنكار عَذَاب الْقَبْر ثمَّ زعم أَن الْإِمَامَة بِغَيْر القرشيين أولى مِنْهَا بالقرشي الرَّابِعَة البكرية أَتبَاع بكر ابْن أُخْت عبد الْوَاحِد وهم يَزْعمُونَ أَن الْأَطْفَال والبهائم لَا يحسون بالألم وَهَذَا الْكَلَام على خلاف مَا عرف بضرورة الْعقل

في المرجئية

الْبَاب السَّابِع فِي المرجئية الأولى أَتبَاع يُونُس بن عون وهم يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان الثَّانِيَة الغسانية أَتبَاع غَسَّان الحرمي وهم يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان غير قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وكل قسم من الْإِيمَان فَهُوَ إِيمَان الثَّالِثَة اليومية وهم يَزْعمُونَ أَنه لَا يضر مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة مَا وَأَن الله تَعَالَى لَا يعذب الْفَاسِقين من هَذِه الْأمة الرَّابِعَة الثوبانية أَتبَاع ثَوْبَان بن وهم يَزْعمُونَ أَن العصاة من الْمُسلمين يلحقهم

على الصِّرَاط شَيْء من حرارة جَهَنَّم لكِنهمْ لَا يدْخلُونَ جَهَنَّم أصلا الْخَامِسَة الخالدية أَتبَاع خَالِد وهم يَقُولُونَ ان الله تَعَالَى يدْخل العصاة نَار جَهَنَّم لكنه لَا يتركهم فِيهَا بل يخرجهم ويدخلهم الْجنَّة وَأما مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي هَذ الْبَاب فَهُوَ أَنا نقطع بِأَنا الله تَعَالَى سيعفو عَن بعض الْفُسَّاق لَكنا لَا نقطع على شخص معِين من الْفُسَّاق بِأَن الله لَا بُد وَأَن يعْفُو عَنهُ وَيعلم أَنه لَا يُعَاقب أحدا من الْفُسَّاق دَائِما

في أحوال الصوفيه

الْبَاب الثَّامِن فِي أَحْوَال الصوفيه اعْلَم أَن أَكثر من قصّ فرق الْأمة لم يذكر الصُّوفِيَّة وَذَلِكَ خطأ لِأَن حَاصِل قَول الصُّوفِيَّة وَلِأَن الطَّرِيق الى معرفَة الله تَعَالَى هُوَ التصفية والتجرد من العلائق الْبَدَنِيَّة وَهَذَا طَرِيق حسن وهم فرق الأولى أَصْحَاب الْعِبَادَات وهم قوم مُنْتَهى أَمرهم وغايته تَزْيِين الظَّاهِر كلبس الْخِرْقَة وتسوية السجادة الثَّانِيَة أَصْحَاب الْعِبَادَات وهم قوم يشتغلون بالزهد وَالْعِبَادَة مَعَ ترك سَائِر الأشغال الثَّالِثَة أَصْحَاب الْحَقِيقَة وهم قوم إِذا فرغوا من أَدَاء الْفَرَائِض لم يشتغلوا بنوافل

الْعِبَادَات بل بالفكر وَتَجْرِيد النَّفس عَن العلائق الجسمانية وهم يجتهدون أَن لَا يخلوا سرهم وبالهم عَن ذكر الله تَعَالَى وَهَؤُلَاء خير فرق الْآدَمِيّين الرَّابِعَة النورية وهم طَائِفَة يَقُولُونَ إِن الْحجاب حجابان نوري وناري أما النوري فالأشتغال باكتساب الصِّفَات المحمودة كالتوكل والشوق وَالتَّسْلِيم والمراقبة والأنس والوحدة وَالْحَالة أما الناري فالاشتغال بالشهوة وَالْغَضَب والحرص والأمل لِأَن هَذِه الصِّفَات صِفَات نارية كَمَا أَن أبليس لما كَانَ ناريا فَلَا جرم وَقع فِي الْحَسَد الخاسمة الحلولية وهم طَائِفَة من هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ يرَوْنَ فِي أنفسهم أحوالا عَجِيبَة وَلَيْسَ لَهُم من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة نصيب وافر فيتوهمون أَنه قد حصل لَهُم الْحُلُول أَو الِاتِّحَاد فَيدعونَ دعاوى عَظِيمَة وَأول من أظهر هَذِه الْمقَالة فِي الْإِسْلَام الروافض فَإِنَّهُم ادعوا الْحُلُول فِي حق أئمتهم

ذكر بعض فرق الأسلامية

السَّادِسَة المباحية وهم قوم يحفظون طامات لَا اصل لَهَا وتلبيسات فِي الْحَقِيقَة وهم يدعونَ محبَّة الله تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُم نصيب من شَيْء من الْحَقَائِق بل يخالفون الشَّرِيعَة وَيَقُولُونَ إِن الحبيب رفع عَنهُ التَّكْلِيف وَهُوَ الأشر من الطوائف وهم على الْحَقِيقَة على دين مزدك كَمَا سنذكر بعد هَذَا ذكر بعض فرق الأسلامية سُؤال فَإِن قيل إِن هَذِه الطوائف الَّتِي عددتهم أَكثر من ثلث وَسبعين وَرَسُول الله ع م لم يخبر بِأَكْثَرَ فَكيف يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي ذَلِك وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَنه يجوز أَن يكون مُرَاده ع م من ذكر

الْفرق الْفرق الْكِبَار وَمَا عددنا من الْفرق لَيست من الْفرق الْعَظِيمَة وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أخبر أَنهم يكونُونَ على ثلث وَسبعين فرقة لم يجز أَن يَكُونُوا أقل وَأما إِن كَانَت أَكثر فَلَا يضر ذَلِك كَيفَ وَلم نذْكر فِي هَذَا الْمُخْتَصر كثيرا من الْفرق الْمَشْهُورَة وَلَو ذَكرنَاهَا كلهَا مستقصاة لجَاز أَن يكون اضعاف مَا ذكرنَا بل رُبمَا وجد فِي فرقة وَاحِدَة من فرق الروافض وهم الإمامية ثَلَاث وَسَبْعُونَ فرقة وَلما أَشَرنَا الى بعض الْفرق الإسلامية فلنشر الى بعض الْفرق الخارجية عَن الْإِسْلَام

في الذين يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين

الْبَاب التَّاسِع فِي الَّذين يتظاهرون بِالْإِسْلَامِ وَإِن لم يَكُونُوا مُسلمين وَفرق هَؤُلَاءِ كَثِيرَة جدا إِلَّا أننا نذْكر الْأَشْهر مِنْهُم فالفرقة الأولى الباطنية اعْلَم أَن الْفساد اللَّازِم من هَؤُلَاءِ على الدّين الحنيفي أَكثر من الْفساد اللَّازِم عَلَيْهِ من جَمِيع الْكفَّار وهم عدَّة فرق ومقصودهم على الْإِطْلَاق إبِْطَال الشَّرِيعَة بأسرها وَنفي الصَّانِع وَلَا يُؤمنُونَ بِشَيْء من الْملَل وَلَا يعترفون بِالْقيمَةِ إِلَّا أَنهم لَا يتظاهرون بِهَذِهِ الْأَشْيَاء إِلَّا بِالآخِرَة وَنحن نشِير الى ابْتِدَاء أَمرهم فَنَقُول نقل أَنه كَانَ رجل أهوازى يُقَال لَهُ عبد الله بن مَيْمُون القداح وَكَانَ من الزَّنَادِقَة فَذهب الى جَعْفَر الصَّادِق وَكَانَ فِي أَكثر الْأَوْقَات فِي خدمَة وَلَده إِسْمَاعِيل فَلَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيل لزم خدمَة وَلَده مُحَمَّد

بن أسماعيل ثمَّ أَنه سَافر مَعَ مُحَمَّد بن اسماعيل الى مصر فَمَاتَ مُحَمَّد بن اسماعيل وَلم يكن لَهُ ولد إِلَّا أَن جَارِيَته كَانَت حملت مِنْهُ وَكَانَت لعبد الله بن مَيْمُون أَيْضا جَارِيَة قد حملت مِنْهُ فَقتل عبد الله جَارِيَة مُحَمَّد بن اسماعيل فَلَمَّا ولدت الْجَارِيَة قَالَ النَّاس إِنَّه قد ولد لمُحَمد بن أسماعيل بن وَلما كبر الابْن علمه الزندقة وَقَالَ للنَّاس إِن الامامة صَارَت من مُحَمَّد الى ابْنه هَذَا وَقد وَجب عَلَيْكُم طَاعَته وساعده على ذَلِك بَقِيَّة من أَوْلَاد مُلُوك الْعَجم من الْمَجُوس لما كَانَ فِي قُلُوبهم من عَدَاوَة الدّين للْمُسلمين وأضلوا بذلك خلقا كثيرا وَاسْتولى من ذَلِك الْقَبِيل جمَاعَة من الْمغرب ومصر واسكندرية وانتشرت دعاويهم فِي الْبِلَاد وَأول تملك مِنْهُم بِمصْر الْمهْدي ثمَّ الْقَائِم ثمَّ لما كَانَ فِي زمن الْمُسْتَنْصر سَار اليه الْحسن بن صباح وَأخذ مِنْهُ إجَازَة الدعْوَة وَرجع الى بِلَاد الْعَجم وأضل خلقا كثيرا وَإِن كَانَت شَجَرَة مُلُوك مصر قد

انْقَطَعت فِي زَمَاننَا إِلَّا أَن فتْنَة الْحسن بن صباح قَائِمَة بعد ولنشرع فِي ذكر بعض فرقهم الأولى الصباحية وهم أَتبَاع الْحسن بن صباح واعتمادهم فِي سَائِر الْمسَائِل على هَذِه النُّكْتَة وَهِي أَن الْعقل إِن كَانَ كَافِيا فَلَيْسَ لأحد أَن يعْتَرض الآخر وَإِن لم يكن كَافِيا فَلَا بُد من إِمَام وَالْجَوَاب أَن نقُول إِن كَانَ الْعقل غير مُحْتَاج اليه فَكيف يُمَيّز المحق من الْمُبْطل بَينهم وَإِن كَانَ مُحْتَاجا اليه فَلَا بُد حَاجَة الى الإِمَام ثمَّ نقُول هَب أَن الإِمَام مُحْتَاج اليه فَأَيْنَ ذَلِك الإِمَام وَمن هُوَ لِأَن الَّذِي ينصون عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ فِي غَايَة الْجَهْل لِأَن أُمَرَاء مصر الَّذين كَانَت دَعْوَة الباطنية كَانَ أَكْثَرهم جهلا فساقا الثَّانِيَة الناصرية وهم أَتبَاع نَاصِر بن خسرو وَقد كَانَ شَاعِرًا وضل بِسَبَبِهِ خلق كثير

الثَّالِثَة القرامطية أَتبَاع حمدَان القرمطي وَكَانَ رجلا متواريا صَار اليه أحد دعاة الباطنية وَدعوهُ الى معتقدهم فَقبل الدعْوَة ثمَّ صَار يَدْعُو النَّاس اليها وضل بِسَبَبِهِ خلق كثير وَاجْتمعَ مِنْهُم قوم وَقَطعُوا الطَّرِيق على الْحَج وقتلوهم وَأَرَادُوا أَن يخربوا مَكَّة فَدفع الله تَعَالَى شرهم وَقتلُوا عَاقِبَة الْأَمر الرَّابِعَة البابكية أَتبَاع بابك وَهُوَ رجل من أذربانجان اشتدت شوكته على طول الدَّهْر وَأظْهر الْإِلْحَاد وَاجْتمعَ عَلَيْهِ خلق كثير وَكَانَ فِي زمن المعتصم وأسروه بعد محاربات عَظِيمَة واندفع شَره الْخَامِسَة المقنعية أَتبَاع مقنع وَكَانَ من أَصْحَاب أبي مُسلم صَاحب الدعْوَة وَادّعى

بعده النُّبُوَّة وَعظم أمره وَاجْتمعَ عَلَيْهِ خلق كثير ثمَّ ادّعى الألوهية وَقتل عَاقِبَة الْأَمر السَّادِسَة السبعية وهم يَقُولُونَ أَن الدّور التَّام سَبْعَة بِدَلِيل أَن السَّمَوَات والآرضين سبع وَأَيَّام الْأُسْبُوع سبع والأعضاء سبع ثمَّ قَالُوا والدور التَّام للأنبياء ايضا سَبْعَة فَالْأول آدم عَلَيْهِ السَّلَام ووصيه شِيث وَالثَّانِي نوح ووصيه سَام وَالثَّالِث أبراهيم ع م ووصيه اسماعيل وَإِسْحَق الرَّابِع مُوسَى ع م ووصيه هَارُون الْخَامِس عِيسَى ع م ووصيه شَمْعُون السَّادِس مُحَمَّد ع م ووصيه عَليّ رضى وَالْإِمَام الأول عَليّ وَالثَّانِي الْحسن وَالثَّالِث الْحُسَيْن وَالرَّابِع زين العابديه وَالْخَامِس مُحَمَّد الباقر

وَالسَّادِس جَعْفَر الصَّادِق وَالسَّابِع إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَالْمَقْصُود من البعثه والرساله هُوَ أَن يلْحق الجثمانيون من نوع من الْأنس بالروحانيين فَلَمَّا انْتَهَت النُّبُوَّة من الإبن الى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ارْتَفع التَّكْلِيف الظَّاهِر من النَّاس فَبِهَذَا الطَّرِيق يخرجُون الْخلق من الشَّرِيعَة وعَلى الْحَقِيقَة إِن جَمِيع مَا يذكرُونَ من هَذَا الْجِنْس فَإِنَّمَا يذكرُونَهُ من طَرِيق التلبيس وَذَلِكَ بِأَنَّهُم لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِالْإِمَامِ وَلَكنهُمْ يضلون الْخلق بِهَذَا الطَّرِيق

في شرح الفرق الذين هم خارجون على الإسلام بالحقيقة وبالإسم

الْبَاب الْعَاشِر فِي شرح الْفرق الَّذين هم خارجون على الْإِسْلَام بِالْحَقِيقَةِ وبالإسم وَهَذَا الْبَاب مُرَتّب على سِتَّة فُصُول الْفَصْل الأول فِي شرح فرق الْيَهُود وهم متفقون على أَن النّسخ غير جَائِز وَكلهمْ يُؤمنُونَ بمُوسَى ع م وَهَارُون ويوشع وَأَكْثَرهم يُؤمنُونَ بالأنبياء الَّذين جاؤا بتقرير شرع مُوسَى ع م وَبَعْضهمْ يُنكر ذَلِك والأغلب عَلَيْهِم التَّشْبِيه وهم فرق كَثِيره إِلَّا أَنا نذْكر الأشهرين مِنْهُم الأولى العنانية أَتبَاع عنان بن دَاوُد وَلَا يذكرُونَ عِيسَى بِسوء بل يَقُولُونَ إِنَّه كَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَإِن لم يكن نَبيا وَكَانَ قد

جَاءَ لتقرير شرع مُوسَى ع م وَالْإِنْجِيل لَيْسَ بِكِتَاب لَهُ بل الْإِنْجِيل كتاب جمعه بعض تلاميذه الثَّانِيَة العبسوية أَتبَاع أبي عِيسَى بن يَعْقُوب الْأَصْفَهَانِي وهم يثبتون نبوة مُحَمَّد ع م يَقُولُونَ هُوَ رَسُول الله الى الْعَرَب لَا الى الْعَجم وَلَا الى بني اسرائيل الثَّالِثَة المعادية أَتبَاع رجل من هَمدَان وهم فِي الْيَهُود كالباطنية فِي الْمُسلمين الرَّابِعَة السامرية وهم لَا يُؤمنُونَ بِنَبِي غير مُوسَى وَهَارُون وَلَا بِكِتَاب غير التورية وَمَا عداهم من الْيَهُود يُؤمنُونَ بالتورية وَغَيرهَا من كتب الله تَعَالَى وَهِي خمس وَعِشْرُونَ كتابا ككتاب اشعيا وارميا وحزقيل

الفصل الثاني

الْفَصْل الثَّانِي فِي شرح أَحْوَال النصاري وهم فرق عَظِيمَة مِنْهُم خمس الملكانية وهم يَقُولُونَ إِن اتِّحَاد الله تَعَالَى بِعِيسَى كَانَ بَاقِيا حَالَة صلبه الثَّالِثَة اليعقوبية وهم يَقُولُونَ إِن روح الْبَارِي اخْتَلَط ببدن عِيسَى ع م اخْتِلَاط المَاء بِاللَّبنِ

الرَّابِعَة الفرفوريوسية وهم أَتبَاع فوفوريوس الفيلسوف وَقد أخرج أَكثر دين النَّصَارَى على قَوَاعِد الفلسفة الْخَامِسَة الأرمنوسية بقولون أَن الله تَعَالَى دَعَا عِيسَى ابْنا على سَبِيل التشريف

الفصل الثالث

الْفَصْل الثَّالِث فِي فرق الْمَجُوس الأولى الرزادشتية أَتبَاع زرادشت وَهُوَ رجل من أهل اذربيجان ظهر فِي أَيَّام بشتاسف بن لهراسف وَادّعى النُّبُوَّة فَآمن بِهِ بشتاسف وَأظْهر اسبديار بن بشتاسف دين زرادشت فِي الْعَالم وَبَين الْمَجُوس خلاف كثير إِلَّا أَن الْكل يتفقون على أَن الله تَعَالَى حَارب مَعَ الشَّيْطَان أُلُوف سِنِين وَلما طَال الْأَمر توسطت الْمَلَائِكَة بَينه وَبَين الشَّيْطَان على أَن الله تَعَالَى يسلم الْعَالم الى الشَّيْطَان سَبْعَة آلَاف سنة يحكم وَيفْعل مَا يُرِيد وَبعد ذَلِك عهد أَن يقتل الشَّيْطَان ثمَّ أخذت

الْمَلَائِكَة سيفهما مِنْهُمَا وقرروا بَينهمَا أَنه من خَالف مِنْهُمَا ذَلِك الْعَهْد قتل بِسَيْفِهِ وَكَانَ هَذَا الْكَلَام غير لَائِق بالعقلاء لَكِن الْمَجُوس متفقون على ذَلِك

فصل في الثنوية

فصل فِي الثنوية وهم أَربع فرق الْفرْقَة الأولى المانوية أَتبَاع ماني وَقد كَانَ رجلا نقاشا خَفِيف الْيَد ظهر فِي زمن سَابُور بن ازدشير بن بابك وَادّعى النُّبُوَّة وَقَالَ إِن للْعَالم أصلين نور وظلمة وَكِلَاهُمَا قديمان فَقبل سَابُور قَوْله فَلَمَّا انْتَهَت نوبَة الْملك الى بهْرَام أَخذ ماني وسلخه وحشا بجلده تبنا وعلقه وَقتل أَصْحَابه إِلَّا من هرب والتحق بالصين ودعوا الى دين ماني فَقبل أهل الصين مِنْهُم وَأهل الصين الى زَمَاننَا هَذَا على دين ماني الثَّانِيَة الريصانية وهم يَقُولُونَ بِالنورِ والظلمة أَيْضا وَالْفرق بَينهم وَبَين المانوية يَقُولُونَ إِن النُّور والظلمة حَيَّان والديصانية يَقُولُونَ إِن النُّور حَيّ والظلمة ميتَة

الثَّالِثَة المرتونية وهم يثبتون متوسطا بَين النُّور والظلمة ويسمون ذَلِك الْمُتَوَسّط الْمعدل الرَّابِعَة المزدكية اتِّبَاع مزدك بن نامدان كَانَ موبذ موبذان فِي زمن قباذ بن فَيْرُوز وَالِد أنو شرْوَان الْعَادِل ثمَّ ادّعى النُّبُوَّة وَأظْهر دين الْإِبَاحَة وانْتهى أمره الى أَن ألزم قباذ الى أَن يبْعَث إمرأته ليمتع بهَا غَيره فتأذى أنو شرْوَان من ذَلِك الْكَلَام غَايَة التأذي وَقَالَ لوالده اترك بيني وَبَينه لأناظره فَإِن قطعني طاوعته وَإِلَّا قتلته فَلَمَّا نَاظر مَعَ أنوشروان انْقَطع مزدك وَظهر عَلَيْهِ أنوشروان فَقتله وَأَتْبَاعه وكل من هُوَ على دين الْإِبَاحَة فِي زَمَاننَا هَذَا فهم بَقِيَّة اولئك الْقَوْم

الفصل الخامس

الْفَصْل الْخَامِس فِي الصبائية قوم يَقُولُونَ إِن مُدبر هَذَا الْعَالم وخالقه هَذِه الْكَوَاكِب السَّبْعَة والنجوم فهم عَبدة الْكَوَاكِب وَلما بعث الله أبراهيم ع م كَانَ النَّاس على دين الصبائية فاستدل إِبْرَاهِيم ع م عَلَيْهِم فِي حُدُوث الْكَوَاكِب كَمَا حكى الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {لَا أحب الآفلين} وَاعْلَم أَن عبَادَة الْأَصْنَام أحدث من هَذَا الدّين لأَنهم كَانُوا يعْبدُونَ النُّجُوم عِنْد ظُهُورهَا وَلما أَرَادوا أَن يعبدوها عِنْد غُرُوبهَا لم يكن لَهُم بُد من أَن يصوروا الْكَوَاكِب صورا ومثلا فصنعوا أصناما وَاشْتَغلُوا بعبادتها فَظهر من هَهُنَا عبَادَة الْكَوَاكِب

الفصل السادس

الْفَصْل السَّادِس فِي أَحْوَال الفلاسفة مَذْهَبهم أَن الْعَالم قديم وعلته مُؤثرَة بِالْإِيجَابِ وَلَيْسَت فَاعله بِالِاخْتِيَارِ وَأَكْثَرهم يُنكرُونَ علم الله تَعَالَى وَيُنْكِرُونَ حشر الأجساد وَكَانَ أعظمهم قدرا ارستطاليس وَله كتب كَثِيرَة وَلم ينْقل تِلْكَ الْكتب أحد أحسن مِمَّا نَقله الشَّيْخ الرئيس أَبُو عَليّ بن سينا الَّذِي كَانَ فِي زمن مَحْمُود بن سبكتكين وَجَمِيع الفلاسفة يَعْتَقِدُونَ فِي تِلْكَ الْكتب اعتقادات عَظِيمَة وَكُنَّا نَحن فِي ابْتِدَاء اشتغالنا بتحصيل علم الْكَلَام تشوقنا الى معرفَة كتبهمْ لنرد عَلَيْهِم فصرفنا شطرا صَالحا من الْعُمر فِي ذَلِك حَتَّى وفقنا الله تَعَالَى فِي تصنيف كتب تَتَضَمَّن الرَّد عَلَيْهِم ككتاب نِهَايَة الْعُقُول وَكتاب المباحث المشرقية وَكتاب الملخص وَكتاب شرح الإشارات وَكتاب جوابات الْمسَائِل البخارية وَكتاب الْبَيَان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان

وَكتاب المباحث الْعمادِيَّة فِي المطالب المعادية وَكتاب تَهْذِيب الدَّلَائِل فِي عُيُون الْمسَائِل وَكتاب إِشَارَة النظار الى لطائف الاسرار وَهَذِه الْكتب بأسرها تَتَضَمَّن شرح أصُول الدّين وَإِبْطَال شُبُهَات الفلاسفة وَسَائِر الْمُخَالفين وَقد اعْترف الموافقون والمخالفون أَنه لم يصنف أحد من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مثل هَذِه المصنفات وَأما المصنفات الْأُخَر الَّتِي صنفناها فِي علم آخر فَلم نذكرها هُنَا وَمَعَ هَذَا فَإِن الْأَعْدَاء والحساد لَا يزالون يطعنون فِينَا وَفِي ديننَا مَعَ مَا بذلنا من الْجد والإجتهاد فِي نصْرَة اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ويعتقدون أَنِّي لست على مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَقد علم الْعَالمُونَ أَنه لَيْسَ مذهبي وَلَا مَذْهَب أسلافي إِلَّا مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَلم تزل تلامذتي وَلَا تلامذة وَالِدي فِي سَائِر

أَطْرَاف الْعَالم يدعونَ الْخلق الى الدّين الْحق وَالْمذهب الْحق وَقد أبطلوا جَمِيع الْبدع وَلَيْسَ الْعجب من طعن هَؤُلَاءِ الأضداد الحساد بل الْعجب من الْأَصْحَاب والأحباب كَيفَ قعدوا عَن نصري وَالرَّدّ على أعدائي وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَا يَتَيَسَّر شَيْء من الْأُمُور إِلَّا بالمعاونه والمساعدة وَلَو أمكن ذَلِك من غير مساعدة لما كَانَ كليم الله مُوسَى ع م بن عمرَان أَن مَعَ حججه الباهرة وبراهينه الْقَاهِرَة يَقُول مُخَاطبا للرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني} يسر الله لنا وَلكم التَّوْفِيق الى الْخيرَات وصاننا عَمَّا يكون فِي الدُّنْيَا والعقبى سَببا لاسْتِحْقَاق الْعُقُوبَات بمنه ولطفه وَالسَّلَام وَالْحَمْد لله وَحده وصلواته على النَّبِي الْمُصْطَفى مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تمت الرساله وَالْحَمْد لله وَحده

وَكَانَ الْفَرَاغ من كِتَابَة هَذِه النُّسْخَة الْمُبَارَكَة يَوْم الْخَمِيس عَاشر رَجَب الْفَرد من شهور سنة ثلث وَسِتِّينَ وَألف بِخَط أَضْعَف عباد الله تَعَالَى الشَّيْخ حَمْزَة بن عَليّ بقصبة خير ولي غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين

§1/1