اعتراض الشرط على الشرط

جمال الدين ابن هشام

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين (بن) هِشَام) هَذَا فصل نتكلم فِيهِ بحول الله تَعَالَى وقوته على مَسْأَلَة اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط اعْلَم أَنه يجوز أَن يتوارد شَرْطَانِ على جَوَاب وَاحِد فِي اللَّفْظ على الْأَصَح، وَكَذَا فِي أَكثر من شرطين، وَرُبمَا توهم (متوهم) من عبارَة النُّحَاة حَيْثُ يَقُولُونَ اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط إِن ذَلِك لَا يكون فِي أَكثر من شرطين، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلَا هُوَ مُرَادهم ولنحقق أَولا الصُّورَة الَّتِي يُقَال فِيهَا فِي اصطلاحهم اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط، فَإِن ذَلِك مِمَّا يَقع فِيهِ الالتباس والغلط، فقد وَقع ذَلِك لجَماعَة من النُّحَاة والمفسرين ثمَّ نتكلم على الْبَحْث فِي ذَلِك، وَالْخلاف فِي (تَوْجِيهه وَفِي جَوَازه) فَنَقُول لَيْسَ من اعْتِرَاض الشَّرْط (وَاحِد) من هَذِه الْمسَائِل الْخمس الَّتِي سنذكرها

أحدها

أَحدهَا أَن يكون الشَّرْط الأول مقترنا بجوابه، ثمَّ يَأْتِي الشَّرْط الثَّانِي بعد ذَلِك، كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ (وَتَعَالَى) {يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين} ، خلافًا لمن غلط، (فَجعله) من الِاعْتِرَاض وَقَائِل هَذَا من الْحق على مراحل لِأَنَّهُ إِذا ذكر جَوَاب الأول تاليا لَهُ فَأَي اعْتِرَاض هُنَا الثَّانِيَة أيقترن الثَّانِي بفاء الْجَواب لفظا، نَحْو إِن تكلم زيد فَإِن أَجَاد فَأحْسن إِلَيْهِ لِأَن الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه جَوَاب الأول الثَّالِثَة أَن (يقْتَرن) بهَا تَقْديرا، نَحْو فَأَما إِن كَانَ من المقربين خلافًا

لمن اسْتدلَّ بذلك على تعَارض الشَّرْطَيْنِ لِأَن الأَصْل عِنْد النُّحَاة مهما يكن من شَيْء، فَإِن كَانَ الْمُتَوفَّى من المقربين فَجَزَاؤُهُ روح، فحذفت (مهما) وَجُمْلَة شَرطهَا، وأنيب عَنْهَا (أما) ، فَصَارَ أما فَإِن كَانَ، فَفرُّوا من ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْجَواب لَا يلى أَدَاة الشَّرْط بِغَيْر فاصل وَالثَّانِي أَن الْفَاء فِي الأَصْل للْعَطْف، فحقها أَن تقع بَين شَيْئَيْنِ، وهما المتعاطفان، فَلَمَّا أخرجوها فِي بَاب الشَّرْط عَن الْعَطف حفظوا عَلَيْهَا الْمَعْنى الآخر، وَهُوَ التَّوَسُّط فَوَجَبَ أَن (يقدم) (شَيْء عَلَيْهَا) إصلاحا

الرابعة

للفظ، فَقدمت جملَة الشَّرْط الثَّانِي لِأَنَّهَا كالجزء الْوَاحِد، كَمَا قدم الْمَفْعُول فِي فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر فَصَارَ أما إِن كَانَ من المقربين (فَروح) ، فحذفت الْفَاء الَّتِي هِيَ جَوَاب (إِن) لِئَلَّا تلتقي فاءان، (فتخلص أَن) جَوَاب (أما) لَيْسَ محذوفا، بل مقدما (بعضه) على الْفَاء فَلَا اعْتِرَاض الرَّابِعَة أَن يعْطف على فعل الشَّرْط شَرط آخر، كَقَوْلِه (تَعَالَى) {وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم إِن يسألكموها فيحفكم تبخلوا} وَيفهم من كَلَام ابْن مَالك أَن هَذَا من اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط، وَلَيْسَ (كَذَلِك) (الْخَامِسَة) أَن يكون جَوَاب الشَّرْطَيْنِ محذوفا، فَلَيْسَ من الِاعْتِرَاض نَحْو {وَلَا ينفعكم نصحي}

) الْآيَة، وَكَذَلِكَ {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} ) الْآيَة، خلافًا لجَماعَة من النَّحْوِيين، مِنْهُم ابْن مَالك

وَحجَّتنَا على ذَلِك أَنا نقُول (يقدر) جَوَاب الأول تاليا (لَهُ) مدلولا عَلَيْهِ (بِالشّرطِ الأول وَجَوَابه المقدمين عَلَيْهِ) ، فَيكون التَّقْدِير فِي (الأولى) (إِن أردْت أَن أنصح لكم فَلَا ينفعكم نصحي) (وَكَذَا) التَّقْدِير فِي الثَّانِيَة وَمثل ذَلِك أَيْضا بَيت (الحماسة) (لَكِن قومِي وَإِن كَانُوا ذَوي عدد ... لَيْسُوا من الشَّرّ فِي شَيْء وَإِن هانا // الْبَسِيط // (فَتدبر)) فَإِنَّهُ حسن (وَإِذ) قد عرفت أَنا لَا نُرِيد شَيْئا من هَذِه الْأَنْوَاع بقولنَا اعْتِرَاض

الشَّرْط على الشَّرْط، فَاعْلَم أَن مرادنا نَحْو إِن ركبت إِن لبست فَأَنت طَالِق وَقد اخْتلف أَولا فِي صِحَة هَذَا التَّرْكِيب، فَمَنعه بَعضهم على مَا حَكَاهُ ابْن الدهان، وَأَجَازَهُ الْجُمْهُور، وَاسْتدلَّ بعض المجيزين بِالْآيَاتِ السَّابِقَة، وَقد بَينا أَنَّهَا لَيست مِمَّا نَحن فِيهِ لَا فِي ورد وَلَا صدر وَإِنَّمَا الدَّلِيل فِي قَوْله سُبْحَانَهُ (وَتَعَالَى) {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} إِلَى قَوْله (تَعَالَى) {لعذبنا}

فالشرطان وهما (لَوْلَا) و (لَو) قد اعترضا، وَلَيْسَ مَعَهُمَا إِلَّا جَوَاب وَاحِد مُتَأَخّر عَنْهُمَا، وَهُوَ (لعذبنا) وَفِي آيَة أُخْرَى على مَذْهَب أبي الْحسن (رَحمَه الله) ، وَهِي قَوْله سُبْحَانَهُ (وَتَعَالَى) {إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة}

فَإِنَّهُ زعم أَن قَوْله جلّ ثَنَاؤُهُ (الْوَصِيَّة للْوَالِدين) على تَقْدِير الْفَاء، أَي فَالْوَصِيَّة، فعلى مذْهبه يكون مِمَّا نَحن فِيهِ، وَأما إِذا رفعت (الْوَصِيَّة) ب (كتب) ، فَهِيَ كالآيات السابقات فِي حذف الجوابين وَهَذَانِ الموطنان خطرا لي قَدِيما، وَلم أرهما لغيري

وَمِمَّا يدل أَيْضا قَول الشَّاعِر (بَيت) (إِن تستغيثوا بِنَا إِن تذعروا تَجدوا ... منا معاقل عز (زانها) كرم) // الْبَسِيط // وَقد اسْتعْمل ذَلِك الإِمَام أَبُو بكر بن (دُرَيْد) فِي مقصورته حَيْثُ

(يَقُول) (فَإِن عثرت بعْدهَا إِن وألت ... نَفسِي من هاتا فقولا لالعا // رجز // (وَإِذ) قد عرفت صُورَة الْمَسْأَلَة وَمَا فِيهَا من الْخلاف، وَأَن الصَّحِيح جَوَازهَا، فَاعْلَم أَن المجيزين لَهَا اخْتلفُوا فِي تَحْقِيق مَا يَقع بِهِ مَضْمُون الْجَواب الْوَاقِع بعد الشَّرْطَيْنِ على ثَلَاثَة مَذَاهِب فِيهَا بلغنَا أَحدهَا أَنه إِنَّمَا يَقع بِمَجْمُوع أَمريْن أَحدهمَا حُصُول كل من الشَّرْطَيْنِ وَالْآخر كَون الشَّرْط الثَّانِي وَاقعا قبل وُقُوع الأول (فَإِن) قيل إِن ركبت إِن لبست فَأَنت طَالِق فَإِن ركبت فَقَط أَو (لبست) لم تطلق فِيهِنَّ، وَإِن لبست ثمَّ ركبت طلقت) هَذَا قَول جُمْهُور النَّحْوِيين وَالْفُقَهَاء وَقد اخْتلف النحويون فِي تَأْوِيله على (فريقين) أَحدهمَا قَول الْجُمْهُور إِن الْجَواب الْمَذْكُور للْأولِ، وَجَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف لدلَالَة الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ

وَالدَّلِيل على أَن الشَّرْط الأول وَجَوَابه يدلان على (الشَّرْط) يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين، فَهَذَا بِتَقْدِير إِن كُنْتُم مُسلمين (إِن) كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا، فَحذف الْجَواب لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ وَهَذَا القَوْل من (الْحق) بمَكَان لِأَن الْقَاعِدَة أَنه إِذا توارد فِي غير مَسْأَلَتنَا على جَوَاب وَاحِد شَيْئَانِ، كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي جَوَابا كَانَ الْجَواب الْمَذْكُور للْأولِ كَقَوْلِك وَالله إِن تأتني لأكرمنك (بالتأكيد جَوَابا للْأولِ) ، وَإِن تأتني وَالله

أكرمك بِالْجَزْمِ جَوَابا للشّرط فَكَذَا الْقيَاس يَقْتَضِي فِي مَسْأَلَة توارد شَرط على شَرط أَن يكون الْجَواب للسابق مِنْهُمَا، وَيكون جَوَاب الثَّانِي محذوفا لدلَالَة الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ، فَمن ثمَّ لزم فِي وُقُوع الْمُعَلق على ذَلِك أَن يكون الثَّانِي وَاقعا قبل الأول ضَرُورَة أَن الأول قَائِم مقَام الْجَواب، حَتَّى إِن الْكُوفِيّين وَأَبا زيد (والمبرد) يَزْعمُونَ فِي نَحْو أَنْت ظَالِم إِن فعلت، أَن السَّابِق على الأداة هُوَ الْجَواب لَا دَلِيل، وَالْجَوَاب لابد من تَأَخره عَن الشَّرْط، لأته (أَثَره) ومسببه (فَلذَلِك) الدَّلِيل على الْجَواب، لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه ومغن فِي اللَّفْظ عَنهُ وَقد (تحرر) فِي هَذَا أَن فِي كل من الجملتين (مجَازًا) ، فمجازا الأولى الْفَصْل بَينهَا وَبَين جوابها بِالشّرطِ الثَّانِي ومجاز الثَّانِيَة بِحَذْف جوابها وعَلى هَذَا فَيجوز كَون الشَّرْط الأول مَاضِيا ومضارعا وَأما الثَّانِي فَلَا يجوز فِي فصيح الْكَلَام أَن يكون إِلَّا مَاضِيا لِأَن الْقَاعِدَة فِي الْجَواب أَنه لَا يحذف الأول إِلَّا وَالشّرط مَاض فَأَما قَوْله

(إِن تستغيثوا بِنَا إِن تذعروا تَجدوا ... ) فضرورة كَقَوْلِه (بَيت) (رجز) يَا أَقرع بن حَابِس يَا أَقرع إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع القَوْل الثَّانِي قَول ابْن مَالك رَحمَه الله (تَعَالَى) إِن الْجَواب المذكورللأول كَمَا (يَقُول) الْجُمْهُور، لَكِن الشَّرْط الثَّانِي لَا جَوَاب لَهُ لَا مَذْكُور وَلَا مُقَدّر، لِأَنَّهُ مُقَيّد للْأولِ، (تَقْدِيره) بِحَال وَاقعَة موقعه، فَإِذا قلت إِن ركبت إِن لبست فَأَنت طَالِق، (فَالْمَعْنى إِن ركبت لابسة فَأَنت طَالِق) وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي الْبَيْت إِن تستغيثوا بِنَا مذعورين تَجدوا، فَهُوَ (مُوَافق) فِي اشْتِرَاط (تَأَخّر) (الْمُتَقَدّم) وَتَقْدِيم (الْمُتَأَخر) ، لَكِن تَخْرِيجه مُخَالف لتخريجهم وَعِنْدِي أَن مَا ادعوهُ أولى من جِهَات أَحدهَا أَن دَعوَاهُم جَارِيَة على الْقيَاس فَإِن الشَّرْط يكون جَوَابه ظَاهرا

الثاني

ومقدرا، ودعواه خَارِجَة عَن الْقيَاس لِأَنَّهُ (جعل) شرطا لَا جَوَاب لَهُ، لَا فِي اللَّفْظ، وَلَا فِي التَّقْدِير، فَكَانَ ادِّعَاء مَا يجْرِي على الْقيَاس أولى الثَّانِي أَن مَا ادَّعَاهُ لَا يطرد لَهُ إِلَّا حَيْثُ يُمكن اجْتِمَاع (الْفِعْلَيْنِ) كالأمثلة (الْمُتَقَدّمَة) السَّابِقَة، أما إِذا قيل إِن قُمْت إِن قعدت فَأَنت طَالِق (لَا) يُمكن أَن يقدر فِي ذَلِك إِن قُمْت (قَاعِدَة) ، فَإِن هَذَا من الْمحَال، وَيَنْبَغِي على قَوْله أَنَّهَا لَا تطلق أصلا، وَكَذَلِكَ إِذا لم يجْتَمع الفعلان فِي الْعَادة، وَإِن لم يتضادا نَحْو إِن أكلت إِن شربت، وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِن صليت إِن تَوَضَّأت أثبت، فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يقدر إِن صليت متوضئا بِمَعْنى موقعا للْوُضُوء، فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ الثَّالِث أَن الشَّرْط بعيد من مَذْهَب الْحَال أَلا ترى أَنه للاستقبال، وَالْحَال حَال كلفظها، (وبأنها) الْمُقَارنَة، وَإِذا تبَاعد مَا بَين الشَّيْئَيْنِ (لم يَصح التَّجَوُّز) بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَقد نَص هُوَ على أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة حَالا شَرطهَا (أَن لَا) تصدر بِدَلِيل اسْتِقْبَال لما بَينهمَا من التَّنَافِي نعم (رَأَيْت) فِي مسَائِل القصري عَن الشَّيْخ أَبى عَليّ (الْفَارِسِي)

رَحمَه الله (تَعَالَى) إجَازَة ذَلِك فِي نَحْو لأضربنه ذهب أَو مكث، ولأضربنه إِن ذهب وَإِن مكث وَالَّذِي يتحرر لي أَن الْحَال كَمَا ذكر النُّحَاة على ضَرْبَيْنِ حَال مُقَارنَة ومنتظرة، وَتسَمى (حَالا) مقدرَة، فَالْأولى (ظَاهِرَة) ، وَالثَّانيَِة نَحْو {فادخلوها خَالِدين} فَإِن الخلود لَيْسَ شَيْئا يقارن الدُّخُول، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِمْرَار فِي الْمُسْتَقْبل، (وَيقدر) النحويون ذَلِك ادخلوها مقدرين الخلود وَكَذَلِكَ (لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله (آمِنين) مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ، أَي مقدرين فَإِنَّهُم فِي حَال الدُّخُول لَا يكونُونَ مُحَلِّقِينَ

المذهب الثاني

وَمُقَصِّرِينَ، إِنَّمَا هم مقدرون الْحلق وَالتَّقْصِير، (فَهَذِهِ) الْحَال لَا يمْتَنع اقترانها بِحرف الِاسْتِقْبَال، لِأَنَّهَا مُسْتَقْبلَة، بِخِلَاف (الْحَال الأولى) وعَلى هَذِه (صحت) مَسْأَلَة أبي عَليّ، (وَصَحَّ) تَخْرِيج المُصَنّف مَسْأَلَة الشَّرْط، أَعنِي صِحَّتهَا من هَذَا الْوَجْه لَا صِحَّتهَا مُطلقًا، فَإِنَّهَا مُعْتَرضَة بِغَيْر ذَلِك نعم، ويتضح بِهَذَا بطلَان تَعْمِيم ابْن مَالك امْتنَاع اقتران الْحَال بِحرف الِاسْتِقْبَال، وَقد اتَّضَح الْأَمر فِي تَحْقِيق هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، وَالْحَمْد لله (رب الْعَالمين) (الْمَذْهَب) الثَّانِي (فِيمَا) يَقع (بِهِ) مَضْمُون الْجَواب (بعد الشَّرْطَيْنِ) حكى لي بعض عُلَمَائِنَا عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله (تَعَالَى) أَن الْقَائِل إِذا قَالَ إِن ركبت إِن لبست فَأَنت طَالِق، كَانَ الطَّلَاق مُعَلّقا على حُصُول الرّكُوب واللبس، سَوَاء أوقعا على ترتيبهما فِي الْكَلَام أم متعاكسين أم مُجْتَمعين ثمَّ رَأَيْت هَذَا القَوْل محكيا عَن غير الإِمَام رَحمَه الله وَالَّذِي يظْهر لي فَسَاد هَذَا القَوْل، لإن قَائِله لَا يَخْلُو أمره من أَن يَجْعَل

الْجَواب الْمَذْكُور (لمجموع) الشَّرْطَيْنِ، أَو للْأولِ فَقَط، أَو (الثَّانِي) فَقَط، لَا جَائِز أَن يَجعله جَوَابا لَهما مَعًا لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يقدر بَين الشَّرْطَيْنِ حرفا رابطا أَو لَا، فَإِن لم يقدر ذَلِك لم يَصح أَن يوردا على جَوَاب وَاحِد، لِأَن ذَلِك نَظِير أَن (تَقول) زيد عَمْرو عنْدك، (وَتقول) عنْدك خبر عَنْهُمَا فَيُقَال لَك (هَل) إِذْ شركت بَين الاسمين فِي الْخَبَر الْوَاحِد أتيت بِمَا يرْبط بَينهمَا، وَإِن قدرته فَلَا يَخْلُو ذَلِك الَّذِي تقدره من أَن يكون فَاء أَو (واوا) إِذْ لَا يَصح (غَيرهَا) فَإِن قدرته فَاء (كَمَا الْفَاء مقدرَة) فِي قَوْله (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) // الْبَسِيط //

أَي فَالله يشكرها فَالشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه جَوَاب الأول، فعلى هَذَا لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بِوُقُوع مَضْمُون الشَّرْطَيْنِ، وَكَون الثَّانِي بعد الأول، كَمَا أَنَّك لَو صرحت بِالْفَاءِ كَانَ الحكم كَذَلِك وَهَذَا خلاف قَوْله ثمَّ حذف الْفَاء لَا يَقع إِلَّا فِي النَّادِر من الْكَلَام، أَو فِي الضَّرُورَة، فَلَا يحمل عَلَيْهِ الْكَلَام (الفصيح) وَإِن قدرت الْوَاو كَمَا هِيَ مقدرَة فِي (قَوْله) سُبْحَانَهُ (وَتَعَالَى) {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة} ، فَلَا شكّ أَن الطَّلَاق يَقع بِكُل من الْأَمريْنِ على هَذَا التَّقْدِير، وَلَكِن هَذَا التَّقْدِير لَا يتَعَيَّن لجَوَاز أَن الْمُتَكَلّم إِنَّمَا قدر الْفَاء (إِمَّا بالمجموع) ، (من) التَّرْتِيب الْمَذْكُور، أَو يكون الْكَلَام لَا تَقْدِير فِيهِ، فَلم قلت يتَعَيَّن تَقْدِير الْوَاو (وَلَا) جَائِز أَن (تَجْعَلهُ) جَوَابا للْأولِ فَقَط، وَجَوَاب الثَّانِي

(مَحْذُوف) لدلَالَة الشَّرْط الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير يلْزمه أَن يَقُول بقول الْجُمْهُور، وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ، وَلَا جَائِز أَن يَجعله جَوَابا للثَّانِي لِأَنَّك إِمَّا أَن تجْعَل جَوَاب الشَّرْط الأول هُوَ الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه، أَو محذوفا، يدل عَلَيْهِ الْجَواب الْمَذْكُور للثَّانِي لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير تجب الْفَاء فِي الشَّرْط الثَّانِي لِأَنَّهُ (لم) يَصح للشّرط أَن يَلِي الشَّرْط، لَو قلت إِن إِن لم يَصح، وكل جَوَاب لَا يَصح (أَن) يكون شرطا، فَإِنَّهُ يتَعَيَّن اقترانه بِالْفَاءِ، وَلَا فَاء هُنَا، فاستحال هَذَا الْوَجْه فَإِن قلت لَعَلَّه يَجعله مثل قَوْله (من يعْمل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) فَهَذَا وَجه ضَعِيف كَمَا قدمنَا، فَلم حمل الْكَلَام عَلَيْهِ بل لم أوجب أَن يكون الْكَلَام مَحْمُولا (مَحْمُولا) وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي، لِأَنَّهُ خلاف المالوف فِي الْعَرَبيَّة، فَإِن منهاج كَلَامهم أَن يحذف من الثَّانِي لدلَالَة الأول، لَا الْعَكْس فَأَما قَوْله (المنسرح) (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض (وَالْأَمر) مُخْتَلف)

(فخلاف) الجادة حَتَّى (تحيل لَهُ) ابْن كيسَان، فَجعل (نَحن) للمتكلم الْمُعظم نَفسه ليَكُون (رَاض) خَبرا عَنهُ فَأَنت ترى عدم أنسهم بِهَذَا النَّوْع حَتَّى تكلّف لَهُ هَذَا الإِمَام هَذَا الْوَجْه، (حكى عَنهُ ذَلِك) أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي شرح الأبيات وَلِأَنَّهُ أَيْضا خلاف المألوف من عَادَتهم فِي توارد ذَوي جوابين من جعل الْجَواب للثَّانِي ثمَّ الَّذِي يبطل هَذَا الْمَذْهَب من أَصله أَنا تأملنا مَا ورد من كَلَام الْعَرَب من اعْتِرَاض الشَّرْط على (الشَّرْط) ، فوجدناهم (لَا) يستعملونه إِلَّا وَالْحكم مُعَلّق على مَجْمُوع الْأَمريْنِ بِشَرْط تقدم الْمُؤخر وَتَأَخر الْمُقدم فَوَجَبَ أَن يحمل الْكَلَام على مَا ثَبت فِي كَلَامهم (كَقَوْلِه) (إِن تستغيثوا بِنَا ... الْبَيْت ... )

المذهب الثالث

فَإِن الذعر مقدم على الاستغاثة، والاستغاثة مُقَدّمَة على الوجدان فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي دفع هَذَا الْمَذْهَب الْمَذْهَب الثَّالِث أَن الشَّرْط الثَّانِي جَوَابه مَذْكُور، وَالشّرط الأول جَوَابه الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه فَإِذا قيل إِن لبست إِن ر كبت فَأَنت طَالِق، فَإِنَّمَا تطلق (إِن ركبت أَولا ثمَّ لبست) وَهَذَا القَوْل رَاعى من قَالَ بِهِ تَرْتِيب اللَّفْظ وَإِعْطَاء الْجَواب لما جاوره، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم لَهُ هَذَا الْعَمَل على تَقْدِير الْفَاء فِي الشَّرْط الثَّانِي ليَصِح كَونه جَوَابا للْأولِ (وعَلى هَذَا) فَلَا يلرم مُضِيّ فعل الشَّرْط الأول وَلَا الثَّانِي لِأَن كلا مِنْهُمَا قد أَخذ جَوَابه وَهَذَا القَوْل بَاطِل بِأُمُور أَحدهَا أَن الْفَاء لَا تحذف إِلَّا فِي الشّعْر الثَّانِي أَن الْقَاعِدَة فِي اجْتِمَاع ذَوي جَوَاب أَن يكون الْجَواب للسابق مِنْهُمَا وَالثَّالِث أَنه لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي (قَوْله) (إِن تستغيثوا بِنَا إِن تذعروا ... الْبَيْت ... )

لِأَن الذعر (مقدم) على الاستغاثة فَهَذَا مَا بلغنَا من الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَمَا حَضَرنَا فِيهَا من المباحث (وتحرر لنا أَنه إِذا قيل) إِن تذعروا إِن تستغيثوا بِنَا تَجدوا، أَو إِن تتوضأ إِن صليت أثبت كَانَ كلَاما بَاطِلا لما قَررنَا من أَن الصَّحِيح أَن الْجَواب للشّرط الأول، وَأَن جَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف، مَدْلُول عَلَيْهِ بِالشّرطِ الأول وَجَوَابه فَيجب (أَلا يكون) الشَّرْط الأول وَجَوَابه مسببين عَن الشَّرْط الثَّانِي، وَالْأَمر فِيمَا ذكرنَا بِالْعَكْسِ، وَالصَّوَاب أَن يُقَال إِن صليت إِن تَوَضَّأت أثبت بِتَقْدِير إِن تَوَضَّأت فَإِن صليت أثبت، وَكُنَّا قدمنَا أَنه يعْتَرض (أَكثر) من (الشَّرْطَيْنِ) ، وتمثيل ذَلِك إِن أَعطيتك إِن وعدتك إِن سَأَلتنِي فَعَبْدي حر، فَإِن وَقع السُّؤَال أَولا، ثمَّ الْوَعْد، ثمَّ (الْعَطاء) وَقعت الْحُرِّيَّة، وَإِن وَقع على غير هَذَا التَّرْتِيب فَلَا حريَّة على القَوْل الأول، وَهُوَ الصَّحِيح، وَيَأْتِي فِيهِ ذَلِك الْخلاف فِي التَّوْجِيه فالجمهور يَقُولُونَ فَعَبْدي حر جَوَاب إِن أَعطيتك، وَإِن أَعطيتك فَعَبْدي حر دَال على جَوَاب إِن وعدتك، وَهَذَا كُله دَال على جَوَاب إِن سَأَلتنِي، وَكَأَنَّهُ قيل إِن سَأَلتنِي، فَإِن وعدتك فَإِن أَعطيتك فَعَبْدي حر وَعند (ابْن مَالك) إِن أَعطيتك واعدا لَك سَائِلًا إيَّايَ فَعَبْدي حر، (واعدا) حَال من فَاعل (أَعطيتك) و (سَائِلًا) حَال من مَفْعُوله، وَقَوله

(فَعَبْدي حر) جَوَاب (عَن الشَّرْط) الأول (فَهَذَا) مُقْتَضى قَوْله فِي (الشَّرْطَيْنِ، وَهُوَ ضَعِيف، وَالله (سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى أعلم انْتهى تمت بِحَمْد الله وعونه (وَالْحَمْد لله على كل حَال)

§1/1