اشتقاق أسماء الله

الزجاجي

اشتقاق أسماء الله لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى سنة 340 هـ رحمه الله تحقيق الدكتور عبد الحسين المبارك مؤسسة الرسالة

خطبة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وقرأه عليه: الحمد لله الملك الحق، المبين، ذي القدرة والجلال، والبهاء، والعزة، والعظمة، والسلطان الحكيم القديم، الأحد، الفرد الصمد، العليم، ذي الأسماء الحسنى، والصفات العلا، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، خالق الخلق بقدرته، ومصرفه على إرادته ومفنيه عند انقضاء مدته. أحمده على ما أبلى وأنعم وأولى، وأسأله العون على طاعته، والتوفيق لما يحب ويرضى. وصلى الله على سيد المرسلين وأفضل النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما. هذا كتاب أفردته لشرح اشتقاق أسماء الله تعالى عز وجل، وصفاته المذكورة في الأثر، أن من أحصاها دخل الجنة. حسب ما رواها تأهل العلم، واستنبطوها بعد الرواية بشواهد من كتاب الله عز وجل، فاستخرجوها منه لئلا يعارض فيها شك، ولا يختلج في الصدور زيغ في التصديق بها، على مذاهب، [أهل] العربية العلماء باللغة، العارفين بأساليب كلام العرب واشتقاقه وتصاريفه، غير عادل عن مذاهب العرب في ذلك خاصة. وأختم الكتاب بالفرق بين الاسم والنعت. ووجوه النعت في كلام العرب، ومجاري صفات الله عز وجل، وموقعها من ذلك وذكر من قال بالاشتقاق ومن أبى ذلك والرد عليه، وبالله التوفيق فهو حسبنا ونعم الوكيل. حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر

محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة». قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها

عليه فنظر فيها أربع مرات فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد.

القول في اشتقاقها، وتصاريفها، واللغات فيها، ومصادرها على مذاهب أهل العربية

القول في اشتقاقها، وتصاريفها، واللغات فيها، ومصادرها على مذاهب أهل العربية الله عز وجل في اشتقاقه أربعة أقوال: قال يونس بن حبيب، والكسائي، والفراء وقطرب، والأخفش: أصله الإله ثم حذفت الهمزة تخفيفًا فاجتمعت لامان، فأدغمت الأولى في الثانية فقيل:

«الله». فاله «فعال» بمعنى «مفعول» كأنه مألوه أي معبود مستحق للعبادة يعبده الخلق ويؤلهونه. والتأله: التعبد. قال رؤبة: لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهي أي من تعبدي، والمصدر من ألهت: الألوهة. ونظير قولهم: غله والله في الحذف قولهم «أناس» ثم قالوا: «الناس» وأصله «الأناس» فحذفت الهمزة فقيل «الناس» فكان الألف واللام في الله عوض عن الهمزة المحذوفة، فلزمتا ولم تفارقا الاسم كأنهما بعض حروفه، فلذلك دخل عليه حرف النداء فقيل: «يا الله اغفر لنا». وحرف النداء لا يدخل على ما فيه الألف واللام، لا يقال: «يا الرجل اقبل» ولا يقال: «يا الغلام هلم»، لأن النداء يعرف الاسم بالإشارة والخطاب، والألف واللام يعرفان الاسم، فلا يجتمع على اسم تعريفان مختلفان. فلما

كانت الألف واللام في «الله» كأنهما من نفس الكلمة دخل عليه حرف النداء. وليست الألف واللام في «الله» كالألف واللام في «الذي» وإن كانت الألف واللام لا تفارقان «الذي» لأن «الذي» لم يحذف منه شيء فتكون الألف واللام عوضًا منه فلذلك لم يدخل حرف النداء على «الذي»، ولأن «الذي» نعت واقع على كل منعوت. تقول: «رأيت الرجل الذي في الدار، والثوب الذي عندك، والمال الذي عندك»، «ورأيت الحائط الذي بنيته» وأما قول الشاعر: من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني فذكر أبو العباس المبرد - رحمه الله - أنه غلط من قائله، ولا يقبل لغته الجماعة والقياس. وكذلك كان يقول في قوله: فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا

وكان يقول: لو روي «فيا غلامان» لاستقام وزن البيت. وليست الألف واللام في «الله» كالألف واللام في النجم إذا أردت الثريا لأن الألف واللام تخرجان منه فيصير نجمًا من النجوم نكرة، وهذا اسم ليس كمثله اسم، ولا معرفة أعرف منه لا يشارك فيه. وليست الألف واللام في «الله» بمنزلتها في «الناس» لأنه قد يقال: «الأناسُ» على الأصل. وأنشدني أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال: أنشدني أبو عثمان المازني: إن المنايا يطلعن ... على الأناس الآمنينا وقد يجوز أن يكون «الناس» تعريف ناس لا تعريف أناس فيقال في تنكير «الناس» من هذا التقدير «ناس». كما قال: وناس من سراة بني سليم ... وناس من بني سعد بن بكر وقال الخليل بن أحمد: أصل إله ولاه من الوله والتحير وقد أبدلت الواو

همزة لانكسارها فقيل: «اله» كما قيل في وعاء اعاء، وفي شاح اشاح ثم أدخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة فقيل «الله» على الشرح الذي مضى، وكأن معناه على هذا المذهب أن يكون الوله من العباد إليه كما كان في المذهب الأول أيضًا مألوهًا كذلك يكون في هذا المذهب أيضًا: الوله والتحير من العباد إليه. والمذهب الثالث مذهب سيبويه بعد أن وافق الجماعة الأولين قال: وجائز أن يكون أصله «لاه» على وزن «فعل» ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف فقيل: «الله» واستدل على ذلك - على ما رواه ابن رستم عن المازني - يقول بعض العرب: «لهي أبوك» يريد: «لاه أبوك». قال: فتقديره على هذا القول «فعل» والوزن وزن باب ودار، وأنشد للأعشى. كحلفة من أبي رباح ... يسمعها لاهله الكبار وأنشد لذي الأصبع العدواني: لاه ابن عمك لا افضلت في حسبت ... دوني ولا أنت دياني فتخزوني

تخزوني: تسوسني وتقهرني. يريد: لله ابن عمك، فقال المخالفون له: إنما هذا محذوف من الأول، ألا ترى أن تأويل: لاه ابن عمك: لله ابن عمك؟. وقد اختلفوا في اللام المحذوفة من «لاه ابن عمك» فقال قوم: المحذوفة اللام الأصيلة، والباقية لام الخفض لأن الاسم مخفوض بها، وحروف الخفض لا تضمر. وقال الآخرون: الباقية الأصلية لئلا يحذف حرف من أصل الكلمة، فقال الأولون: الحذف غير مستنكر في الكلام فقد قالوا: «لم يك»، «ولا أدر»، «ولم أبل»، يريدون: لم يكن، ولم أبال، ولا أدري. فقال الآخرون: وحرف الجر أيضًا قد أضمر في قول رؤبة حين قال له: كيف أصبحت؟ فقال: خير عافاك الله. يريد: بخير. وكما قالوا: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ فأضمروا «من». وإذا عرف الشيء وكثر استعماله في موضع فربما أضمر. وكلا المذهبين محتمل. والمذهب الرابع مذهب أبي عثمان المازني: كان [يقول] : إن قولنا «الله» إنما هو اسم هكذا موضوع لله عز وجل وليس أصله «إله» ولا «ولاه» ولا «لاه» كما فسرنا قبل.

قال: والدليل على ذلك إني أرى لقولي «الله» فضل مزية على «إله» وأني اعقل به ما لا اعقل بقوله «إله». قال أبو إسحاق الزجاج: حدثني المبرد عن أبي عثمان المازني قال: ساءلني الرياشي فقال لي: ما أنكرت أن يكون أصل قولنا الله «الإله» فحذفت الهمزة وأدغمت اللام الأولى في الثانية كما أجزت في الناس أن يكون تخفيف الأناس ثم أدغم؟. قال: فقلت له: من قبل إن الناس على معنى الاناس، وكذلك كل شيء خفف من الهمزة فهو على معناه محققًا. وأنت إذا قلت الإله فلم تعلم الله جل جلاله على معنى إله. فلو كان الله مخففًا من إله لبقي على معناه. وذكر قطرب وغيره من أصحاب العربية: إن هذا الاسم لكثرة دوره في الكلام واستعماله قد كثرت فيه اللغات. فمن العرب من يقول: «والله لا أفعل»، ومنهم من يقول: «لاه لا أفعل»، ومنهم من يقول: «والله» بإسكان الهاء وترك تفخيم اللام. وأنشد: أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة

ومنهم من يقول: «واه لا أفعل ذلك». فإن قال قائل: فإذا كان معنى إله معنى معبود أفيجوز على هذا أن يسمى كل معبود إلاها كما يسمى معبودًا؟ قيل: ذلك على الحقيقة غير جائز لأن معنى الإله في الحقيقة: هو ذو الألوهية أي: المستحق للألوهية والعبادة. والمعبود إنما هو اسم المفعول من عبد فهو معبود، وإنما قيل: تألهنا أي: تعبدنا، فآله ليس بمنزلة معبود فقط، فمن عبد شيئًا فقد لزم من طريق اللغة أن يقال: عبده فهو عابد له، وذكر معبوده ولم يقل إلهة فيقال: مألوهه كما قيل: عبده فهو معبوده. لوضعه العبادة في غير موضعها ولا استحقاقها. وأصل العبادة: الخضوع والتذلل من قولهم: «طريق معبد» إذا كان موطوءًا مذللاً لكثرة السير فيه، ومنه اشتقاق العبد لخضوعه وذلته لمولاه، والعبدة: الصلاية التي يسحق عليها الطيب، وليس كل من خضع لآخر قيل له: قد عبده إلا أن يخضع له ويذل موجبًا له ذلك على نفسه، ومقرًا له بأن مخالفة ذلك لا تسعه ديانة. فأما إن خضع له وذل على غير هذه الطريقة فجائز أن يقال: «فلان يتعبد لفلان» أي ينزل نفسه له منزلة العبد. يقال: عبدت الرجل وأعبدته: إذا استعبدته وأنزلته منزلة العبيد. قال الشاعر: علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم اباعر ما شاءوا وعبدان وقال موسى لفرعون: {إن عبدت بني إسرائيل}.

ولإخراج هذا المعنى من إله وفرق ما بينه وبين غيره قيل: «الله» فأدخلت الألف واللام عليه وحذفت الهمزة، وفخم اللفظ به، والزم هذا البناء ليدل على أنه الإله المستحق للألوهية دون ما سواه، ألا ترى أنه قد استعمل إله في غيره عز وجل حكاية ومجازًا، فلم يستعمل «الله» في غيره كقول السامري: {هذا إلهكم وإله موسى} ولم يقل لهم: «هذا الله». ومثل قولهم: {أآلهتنا خير أم هو} ومثل قوله: {قالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} ومثل قوله: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} وقد ادعى فرعون أنه رب وإله فقال: {أنا ربكم الأعلى}، وقال: {ما علمت لكم من إله غيري}، ولم يدع مع هذا أنه الله جل الله عما يقول الظالمون [وتعالى] علوًا كبيرًا. فهذا يدل على أن إدخال الألف واللام في «الله» وحذف الهمزة منه وإلزامه هذا البناء إنما هو ليدل على أنه لا يستحق الألوهية في الحقيقة غيره، وخص ببناء لا يشرك فيه سواه، ولا يدعيه أحد. وقال بعض أهل العلم: إنما فخم اللفظ به فقيل «الله» ولم تظهر اللام على لفظها ليفرق بينه وبين اللات والعزى لأن من العرب من كان يقول: اللات والعزى ثم إذا وقف قال: «اللاه» فوقف بالهاء قياسًا لأنها تاء التأنيث، وكذلك أيضًا كتب «الله» بحذف الألف التي بعد اللام الثانية ليفرق في الخط أيضًا بينهما

الرب

واختلف البصريون والكوفيون في قولهم: «اللهم اغفر لنا»، فقال سيبويه وأصحابه: زادوا الميم في آخره مثقلة عوضًا من حرف النداء في أوله فلا يجمع بينهما، لا يقال: «يا اللهم» لأن العوض والمعوض منه لا يجتمعان. قال: وجرى مجرى الأصوات فبني لذلك. ولذلك لا يوصف، فلا يقال: «اللهم العزيز». فأما قوله: {قل اللهم فاطر السموات والأرض} «هو عندهم على نداءين». وقال الكسائي وأصحابه: أصله «يا الله أمنا بخير» فكثر به الكلام فحذفت الهمزة والمضمر، وخلطت الكلمتان فصارتا كلمة واحدة. وأجازوا إدخال حرف النداء عليه، وأنشدوا: وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت يا الهلم ما أردد علينا شيخنا مسلمًا وقال البصريون: هذا شاذ جدًا لا يعمل عليه ولا يعرف قائله. الرب الربُّ: المصلح للشيء، يقال: «رببت الشيء أربه ربا وربابة»: إذا أصلحته وقمت عليه، ورب الشيء، مالكه، فالله عز وجل مالك العباد ومصلحهم. ومصلح شؤونهم. ومصدر الرب: الربوبية، وكل من ملك شيئًا فهو ربه، يقال: «هذا رب

الدار ورب الضيعة». ولا يقال: «الرب» معرفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله عز وجل لأنه مالك كل شيء. ويقال من غير هذا: رببت الغلام أربه ربا، فأنا راب وهو مربوب بمعنى ربيته سواء. ومنه قيل: ربيب الرجل لابن إمرأته لأنه يربيه، وغزال ربيب: أي مربوب من هذا. قال سلامة بن جندل: ليس بأسفي ولا أقنى ولا سغل ... يسقى دواء قفي السكن مربوب أي مربى. ورب الرجل بالمكان، وأرب به: إذا أقام به، وربيت الأديم: دهنته بالرب، وأنشدنا ابن دريد: فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن ربت به الادم

وسقاء مربوب: إذا أصلح بالرب، والربابة: العبد، والمعاهدون: اربه قال الهذلي: كانت اربتهم بهز وغرهم ... عقد الجوار وكانوا معشرًا غدرا والربابة أيضًا: الخريطة التي كانت تجعل فيها قداح الميسر. قال الهذلي: فكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع وقال الأصمعي: الربابة: رقعة تجمع فيها القداح، قداح الميسر، وسميت بذلك من قولهم: «فلان يرب أمره ويجمعه» ولذل سميت «الرباب» لاجتماعهم

وتحالفهم وهم: ضبة بن أد، وتيم، وعدي، وعكل، وثور بنو عبد مناة بن أد. قال: فأما الرباب في بيت أبي ذؤيب فالقداح نفسها سماها بالرقعة التي تضمها لأن العرب قد تسمى الشيء باسم الشيء إذا تعلق به أو جانسه أو ناسبه أو جاوره، فشبه أبو ذؤيب الاتن بالقداح لاجتماعهن، وشبه الحمار باليسر وهو صاحب الميسر وجمعه أيسار، وقوله: يفيض معناه: يدفع، ومنه الإفاضة من عرفات، وقوله: «يصدع» يقول: يفرق، وقوله: {فاصدع بما تؤمر}: أي أفرق به وأظهره، والرباب بالفتح: سحاب دون السحاب. قال الشاعر: كأن الربة دوين السحاب ... نعام يعلق بالارجل والربة: ضرب من الشجر أو النبت، والربى: الشاة التي وضعت حديثًا، وإنما هي «فُعْلى» من ربيت بمعنى التربية. ورب: حرف يقلل به وقوع الشيء. قال المبرد: ورب للشيء قليلاً، يقع بعدها الاسم [إلا] منكورًا [لأنه واحد] يدل على أكثر منه، وفيه سبع لغات: يقال: رب، ورب بالتشديد، ورب

بالتخفيف، وربت، وربت، وتزاد فيه «ما» فيقال: ربما، وربما. أنشدنا ابن دريد: وربت سائل عني حفي ... أعارت عينه أم لم تعارا وقال آخر: .............. أن ... رب هيضل لجب لففت بهيضل وقال آخر: رب من أنضجت غيظًا قلبه ... قد تمنى لي موتًا لم يطع وقال المثقب العبدي: أجدك ما يدريك أن رب بلدة ... إذ الشمس في الأيام طال ركودها

مسألة في رب من النحو

مسألة في رب من النحو: يُقال: إذا كانت حروف الخفض صلات للأفعال وما تضمن معانيها فلم صارت حروف تتقدم وتتأخر إلا رب وحدها فإنها لا تقع إلا أولاً أبدًا، ألا ترى أنك تقول: «مررت بزيد»، «وبزيد مررت»، «ودخلت إلى أخيك»، «وإلى أخيك دخلت»، وكذلك سائر الحروف تتقدم وتتأخر إلا رب فإنها تكون في أول الكلام كقولك: «رب رجل جاءني»، ولو قلت «جاءني رب رجل» لم يجز، فما العلة في ذلك؟ الجواب في ذلك أن يقال: إن حروف الخفض إنما جاز تقديمها وتأخيرها لأنها صلات للأفعال والأسماء المشتقة منها، وإذا تصرف العامل تصرف المعمول فيه وما اتصل به. ورب ليست بصلة فعل ولا شيء متضمن معناه فلذلك لزمت موضعًا واحدًا لأن تأويلها أن تدل على الشيء الذي يقل وقوعه ولا يكون بعدها إلا ما يدل على أكثر منه. وليس وقوع الشيء قليلاً هو الشيء الواقع ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل مررت به، فليست رب صلة مررت إنما الموصل لمررت [إلى] ضمير الرجل الباء المتصلة بالهاء، ولا رب أيضًا صلة فعل مقدر قبلها ولا بعدها فلزمت مكانًا واحدًا لذلك، وخص بها أول الكلام كما خصصت حروف الجزاء وألف الاستفهام. وكذلك إذا قلت: «رب رجل قصدني» «ومر بي» فليس رب بموصلة للقصد والمرور إلى الرجل. ألا ترى أن المرور متصل بالباء، والقصد غير محتاج إلى حرف يوصله إلى الفعل. والدليل على ذلك وقوعها كما ترى قبل الأفعال التي لا تحتاج إلى حروف الخفض نحو «ضربت» و «قصدت» و «ظننت»، وما أشبه ذلك كقولك: «رب رجل ضربته»، «ورب رجل أعطيته درهمًا» وما أشبه ذلك. وليست تقع حروف الخفض غير رب إلا بعد الأفعال المحتاجة إلى حروف الخفض لتوصلها إلى ما بعدها، وهذا بين واضح. فإن قال قائل: فإذا لم تكن صلة فعل كسائر حروف الخفض فلم خفض بها؟. قيل له: خفض بها لإضافتها المعنى الذي ذكرناه إلى المذكور بعدها ولم يجز رفع ما بعدها لأن رفع الاسم إنما يكون بمعنى الحديث عنه، وليس ما بعد رب بمحدث عنه

الرحمن الرحيم

إنما الحديث عن فاعل الفعل المذكور بعدها: «ورب» وما اتصلت به من تمام الحديث. ولم يجز نصب ما بعدها لمنع الإضافة من النصب، فلم يبق إلا الخفض فخفض بها. فإن قال قائل: فقد قلت: إن «رب» تدل على الشيء الذي يقع مثله قليلاً، وقد قال الله عز وجل {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فهذا لما [لا] يقع قليلاً. فالجواب في ذلك: إن هذا إخبار عما يكون من الكافرين يوم القيامة من تمني كونهم في الدنيا مسلمين وهو تمن محال لأن تمنيهم يوم القيامة كونهم مسلمين في الدنيا غير نافع لهم، ولا جائز كونه لأنه قد فات. فكأنهم نبهوا على ذلك. وقيل لهم: كأن تمني مثل هذا في القيامة لا ينفعكم. وجائز أن يقع ذلك من بعضهم فيكون قليلاً بالإضافة إلى من لا يتمنى ذلك منهم لعلمه بإحالته. وجائز أن يكون إنما قلل على جهة التنبيه لهم. والله أعلم. الرحمن الرحيم صفتان لله عز وجل مشتقتان من الرحمة، فالرحمن فعلان، والرحيم فعيل. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قد يبنون الكلمتين من أصل واحد لمعنى واحد

للمبالغة وهما بمنزلة نديم، وندمان. يذهب إلى أن معناهما واحد كما أن معنى النديم والندمان عنده واحد. وأنشد: وندمان يزيد الكأس طيبًا ... سقيت وقد تغورت النجوم وقال آخر: رب ندمان كريم جده ... ماجد الجدين من فرعي مضر قد سقيت الخمر حتى هرها ... وتغشته سمادير السكر وقال حسان: لا أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي وقال أيضًا: أهوى حديث الندمان في غلس ... الصبح وصوت المسامر الغرد فالندمان والنديم سواء وكذلك الرحمن والرحيم عند أبي عبيدة. وروي عن ابن عباس: أنه قال: الرحمن: ذو الرحمة، والرحيم: الراحم.

وقيل: إنه قال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، والرحمن اسم خاص، والرحيم اسم عام، فلذلك قدم الرحمن على الرحيم فقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولذلك أيضًا قيل: رجل رحيم، ولم يقل: رحمن. وذكر بعضهم أنه لا يجوز أن يجمع الرحمن بالرحيم إلا لله عز وجل، وإنه جائز أن يقال: «رجل رحمن» كما قيل: «رجل رحيم»، وأكثر العلماء على القول الأول وهو الصواب لأن «فعلان» أشد مبالغة من «فعيل»، كما يقال: غضبان للمتلئ غضبًا وعطشان للمتلئ عطشًا، وكذلك الرحمن: ذو النهاية في الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء. وكل اسم كان [عن] طريقة الفعل أشد انعدالاً كان في المدح أبلغ، فرحمن أشد انعدالاً عن طريقة الفعل من رحيم فلذلك كان أبلغ في المدح. وسيبويه يرى إعمال «فعيل» كما يعمل اسم الفاعل، فهذا يدلك على ما ذكرت لك، فيجيز: «هذا رجل ضريب زيدًا» كما تقول: «ضارب زيدًا». وخالفه أصحابه في ذلك وقالوا: إن «فعيلاً» اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى نحو ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف. قالوا: فإذا بني من الفعل المتعدي هذا البناء فقد عدل عن طريقة التعدي فسبيله ألا يتعدى. والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل عند سيبويه: فعول، وفعال، ومفعال، وفعل، وفعيل كقولك: «هذا رجل ضروب زيدًا»، «وضراب زيدًا»، «وضرب زيدًا»، «وضريب زيدًا» كل ذلك عنده جائز، ويجيز تقديم المنصوب بها وتأخيره، فأما «فعول» «وفعال» «ومفعال» فقد وافقه أصحابه أيضًا على تعديها، وجاءت لها شواهد من الشعر ومنثور كلام العرب. وأما «فعيل» فخالفه في تعديها جميع أصحابه، ولم يأت له سيبويه بشاهد من الشعر، ولا غيره إلا بيتا خولف فيه، وسأذكره لك. وأما «فعل» فقد وافقه على تعديه بعض أصحابه، وأنشد سيبويه شاهدًا له:

حذر أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار فقال المخالفون له: هذا بيت مولد ليس بقديم. وأنشد أيضًا: حتى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا وبات الليل لم ينم فقال: هذا شاهد لتعدي «فعيل» لأنه قد نصب موهنا بكليل. فقال أصحابه: موهن منصوب على الظرفية. وأما الفراء، فلا ينصب بشيء من هذه الأمثلة، ويرى أن المنصوب بعدها إنما هو بإضمار فعل. قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد - رحمه الله -: الرحمة من العباد تحنن ورقة على المرحوم وهي من الله عز وجل إنعام وإفضال على العباد. قال: لأن الأفعال تتصل بالله عز وجل خلاف اتصالها بالآدميين ألا ترى أنا نقول: «علم زيد»، كما نقول: «علم الله»، وزيد علم بالاكتساب بعد أن كان جاهلاً، ويجوز أن يجهل بعد أن علم، والله عز وجل يتعالى عن ذلك وكذلك ما أشبهه، وكذلك وسعت رحمته كل شيء: أي إنعامه وإفضاله. والقول في هذا عندي - والله أعلم - أن من رحم من الآدميين غيره فتحنن عليه، ورق له فعل به ما يصلح شأنه، وأفضل عليه، وأزال عنه أذى إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، والله عز وجل يفعل بمن رحمه من عباده من الفضل، والإنعام، وإصلاح

شأنه مثل ذلك وإن كانت الرحمة منه جل اسمه بغير ضعف ولا رقة تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. وكان بعض النحويين يذهب إلى أن الرحمن معرب وليس بعربي محض، وذكر أبو بكر بن الأنباري أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبًا كان يذهب إلى ذلك، ولم ينعم الذاهب إلى هذا المذهب النظر، لأن الرحمن معروف الاشتقاق والتصريف في كلام العرب، والأعجمي لا معنى له في كلام العرب، ولا تصريف. وأنشد أهل اللغة هذا البيت وزعموا أنه جاهلي: ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ... ألا قضب الرحمن ربي يمينها وقال آخر: ................. ... وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق

المالك

وإنما ذهب ثعلب ومن قال بقوله إلى قول جرير: لن تبلغوا المجد أو تشروا حياتكم ... بالعز أو تجعلوا اليغبوث ضمرانا أو تتركون إلى القسين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمن قربانا وإنما هجا جرير بهذا الأخطل فعيره وقومه بالنصرانية فحكى كلامهم. المالك المالك: اسم الفاعل من ملك يملك فهو مالك، فالله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء، لأن المالك في كلام العرب للشيء هو المتصرف فيه، القادر عليه. فإن قال قائل: فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه، قيل له: لا يزول ملكه عنه حكمًا وديانة. فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له في حالة ما هو في يده يصرفه كيف شاء من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح، وإن كان في ذلك مخطئًا آثمًا آتيًا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل: رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة. والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليها منها شيء وقد قرأت القراء {مالك يوم الدين} و {ملك يوم الدين} وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأما الملك، فتأويله: ذو الملك في يوم الدين، ويوم الدين هو يوم الجزاء والحساب، فوصف نفسه جل وعز بأنه الملك يوم لا ملك سواه، ولا يدعي الملك معه

أحد كما يدعي ذلك في الدنيا. وشاهد ذلك قوله: {لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار} ومن قرأ {مالك يوم الدين} فتأويله على وجهين: أحدهما أن يكون تأويله يملك يوم الدين فيكون الفعل واقعًا على اليوم نفسه. والآخر أن يكون تأويله: يملك في يوم الدين: أي يملك سائر الأشياء في يوم الدين. وخص به يوم الدين لأنه اليوم الذي لا يملك أحد فيه شيئًا مما كان الله ملكهم في الدنيا كما ذكرنا. فإن قال قائل: فكيف قال {مالك يوم الدين}؟، ويوم الدين لم يوجد بعد؟ فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجد بعد؟ قيل له: ذلك جائز في كلام العرب. لأن اسم الفاعل قد يضاف إلى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل، فيكون ذلك عندهم كلامًا سديدًا معقولاً صحيحًا، كقولك: «هذا ضارب زيدًا غدًا» أي سيضرب. وكذلك «هذا حاج بيت الله في العام المقبل» تأويله: سيحج في العام المقبل. أفلا ترى الفعل قد نسب إليه وهو لم يفعله بعد وإما أريد به الاستقبال فكذلك قوله عز وجل {مالك يوم الدين} على تأويل الاستقبال. أي سيملك يوم الدين أي في يوم الدين إذا حضر. والوجه الآخر: أن يكون تأويل المالك راجعًا كما ذكرنا إلى أنه قادر في يوم الدين، أو على يوم الدين واحداثه لأن المالك للشيء قادر عليه، ومصرف له كما ذكرت. والوجه الأول أمس بالعربية وانفد في طرقها. ويقال: ملكت الشيء أملكه ملكًا، والملك: الاسم مما يكون مالكه ملكًا، والملك: الاسم لما يكون صاحبه مالكًا. والملكوت والملك سواء ووزنه «فعلوت» ومثله جبروت من الجبرية وهي العظمة. وفي الملك ثلاث لغات: ملك، ومليك، وملك. قال ابن كثلوم:

وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا قال آخر: يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور وقال ابن حلزة: ملك أضلع البرية لا يو ... جد فيها لما لديه كفاء وأما الملك: واحد الملائكة فليس من هذا لأن ذاك أصله الهمز لأن أصله «ملاك» مفعل من الالوك وهي الرسالة. قال لبيد: ووليدًا أرسلته أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل فكان سبيله أن يقال: مألك ثم قلب فقيل: ملاك، ثم استعمل بطرح الهمزة كما استعمل يرى، وترى، ونرى، وأرى بغير همز وأصله الهمز وكما ترك همز النبي والبرية وما أشبه ذلك. والدليل على أن أصله ما ذكرنا قول علقمة:

المحيط

فلست لانسي ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب يصوب: ينزل من علو، وكل نازل من علو فهو صائب. ويقال: ملكت العجين ملكًا: إذا أحكمت عجنه وشددته، وينشد: فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقي بيض كنه الصيف من عل ورواه بعضهم: «فمن لك». وكان الزجاج يذهب إلى أن اشتقاق المالك للشيء من هذا. قال: كأن المالك للشيء متوثق منه، محكم لأمره أن يخرج عن يده. فقيل: قد ملكه أي: أحكم أمره وعقده فلا يمكن أحدًا إدخال يدٍ معه، ولا التصرف فيه، وهو كما قال. المحيط المحيط في اللغة اسم الفاعل من قولهم: أحاط فلان بالشيء فهو محيط به إذا استولى عليه، وضم جميع أقطاره ونواحيه، حتى لا يمكن التخلص منه، ولا فوته، فالله عز وجل محيط بالأشياء كلها لأنها تحت قدرته، لا يمكن شيئًا منها الخروج عن إرادته فيه، ولا يمتنع عليه منها شيء.

وقد قال الله تعالى عز وجل {أحاط بكل شيء علمًا} أي علم كل شيء على حقيقته بجميع صفاته فلم يخرج شيء منها عن علمه. وقد قال الله تعالى: {والله محيط بالكافرين}. قال المفسرون: تأويله: مهلك الكافرين. وحقيقته أنهم لا يعجزونه ولا يفوتونه، فهو محيط بهم. وإذا كانوا كذلك فقد توعد الله الكافرين بالعذاب والعقوبة على كفرهم فهو لا محال مهلكهم إما عاجلاً وإما آجلاً. ولذلك سمي الهلاك: الإحاطة. وقال العلماء في قوله عز وجل {وظنوا أنهم أحيط بهم}: أي دنوا للهلكة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد فقد دنا أهله من الهلكة. وحقيقة الإحاطة بالشيء ضم أقطاره ونواحيه وتصييره وسطًا كإحاطة البيت بمن فيه والأوعية بما يدور عليه ثم اتسع فيه واستعمل فيما ذكرت لك لتقارب المعاني. ويقال حاط فلان فلانًا يحوطه: إذا حفظه، ومنه قيل: اذهب في حياطة الله وحفظه، ويقال: أنا أحوط عليه منك أي: أحفظ له، ويقال: حطني القصاء: أي تباعد عني. قال ابن [أبي] خازم: فحاطونا القصاء وقد رأونا ... قربًا حيث يستمع السرار

القدير

يقول: تباعدوا عنا وهم حولنا، والقصا: الناحية يمد ويقصر ورواه بعضهم فحاطونا القصا ولقد رأونا ... .......... القدير القدير: أبلغ في الوصف بالقدرة من القادر لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر. وقدير: فعيل، وفعيل من أبنية المبالغة. وأكثر ما يجيء «فعيل» اسم الفاعل مما كان فعله على فعل غير متعد نحو: ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف، يراد بذلك المبالغة في الوصف بالظرف والشرف، وكذلك جميع ما جاء على «فعيل» إنما هو للمبالغة في الوصف. وهو من صفات الذات ليس مما يتعدى إلى مفعول، لا يقال: «ظرف زيد عمرا» ولا «محمد قدير بكرا» بمعنى قادر عليه لأنه لا يتعدى شيء من هذا النوع إلى مفعول. وقد يجيء «فعيل» من غير «فعل». قالوا: عليم، وقدير، ورحيم، وسميع، ونظائر لذلك وليست أفعالها على «فعل». فأما القادر فاسم الفاعل من قدر يقدر، فهو قادر، ويتعدى إلى مفعول بحرف خفض كقولك: «قدر زيد على الركوب، وعلى الخروج» وما أشبه ذلك، ولا يتعدى بغير حرف خفض، ولا دليل فيه على مفعول. وكل فعل لا دللي فيه على مفعول لا يتعدى إلا بحرف خفض. ويقال: «قدرت أقدر قدرة، وقدرانا، ومقدرة، وقدرًا» «وقدرت الشيء من التقدير قدرًا»، «وقدر وقدرته تقديرًا»، «واقتدرت عليه اقتدارًا». وقد قرئ {وما قدروا الله حق قدره} و «قدره».

وبعضهم يقول: المسكن مصدر، والمحرك اسم. ويقال: «قدر على فلان رزقه قدرًا» بمعنى: قتر عليه تقتيرًا. والقدير في غير هذا ما طبخ في قدر. وينشد لامرئ القيس: فظل طهاة اللحم من بين [منضج صفيف] ... شواء أو قدير [معجل] قال ابن كيسان: الطهاة: الطباخون. قال: بندار صاحب ابن السكيت تقول: «طها الطاهي اللحم يطهوه ويطهاه «مثل» محوته أمحوه وأماحاه» قال: وغير بندار يقول: «يطيهه» و «طهيته» فيجعله من ذوات الياء. والصفيف من اللحم: ما رقق وصف على الجمر أو الرضف، والقدير: ما طبخ في قدر. وخفض القدير عطفًا على وضع صفيف لو ترك تنوين منضج كأنه في تقدير: «من بين منضج صفيف شواء أو قدير»، وهو من ضرورة الشعر. ومثله مما حمل على الموضع قول الآخر أنشده سيبويه:

بدالي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيًا هكذا أنشده بالخفض. قال: خفضه توهم أنه قد أتى بالباء في الأول فقال: «لست بمدرك»، ثم عطف سابقًا عليه ومثله قول الآخر: فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق وفضة وزناد راع حمله على موضع «وفضة» لو نون «معلقًا» كأنه قال: «معلقًا وفضة وزناد راع» وبعضهم يقول: نصبه بإضمار فعل كما قال عز وجل {وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا} تقديره: فالشمس والقمر حسبانا. العليم قول القائل من العرب: العليم والعالم صفتان مشتقان من العلم. فالعالم اسم الفاعل من علم يعلم فهو عالم، والعليم من أبنية المبالغة في الوصف بالعلم وهو بمنزلة قدير من القادر.

العليم

وقد يتعلق عليم بالمفعول بحرف خفض كما قال عز وجل: {عليم بذات الصدور} فهذا في التأويل بمنزلة قولك: عالم بذات الصدور أي يعلمها، وذات الصدور أسرارها. فعليم وعالم في هذا سواء. وعلى مذهب سيبويه الذي ذكرناه لو قيل: عليم ذات الصدور في الكلام فعدي بغير حرف كان جائزًا، كما يجيز «هذا ضريب زيدًا» كما تقول «ضارب زيدًا». وقد يأتي عليم على تأويل آخر يفارق فيه «علم»، وهو أن يراد بعليم مدح الذات بالعلم فيراد به أن ذاته عالمة لا يجوز عليه الجهل فيصير من باب ظريف، وشريف وكريم، ألا ترى أنك إذا قلت: «زيد ظريف» فلست تريد أنه فعل ظرفًا به وبغيره، إنما تصفه في ذاته بالظرف، وكذلك القول في كريم، وشريف ليس يراد بوصف الموصوف به أنه فعل كرما وشرفًا بغيره أو به إنما يوصف في نفسه بذلك فيخرج حينئذ عن حدود التعدي، ويفارق تأويل «فاعل»، ولذلك قال سيبويه: إذا بني فعليل من فعل متعد وأريد به إيقاع الفعل تعدى وجرى مجرى «مفعال»، و «فعال» وما أشبههما في المبالغة في إيقاع الفعل، وإذا بني من فعل غير متعد لم يتعد لأن أجل أحواله أن يكون بمنزلة الفعل الذي منه بني. وإذا بني من فعل متعد ولم يرد إيقاع الفعل وصرف إلى وصف الذات والمدح لم يتعد. هذا معنى مذهبه وإن لم يكن بألفاظه. وهذا كلام صحيح وإن كان أصحابه قد خالفوه فيه. وكذلك مذهب «عليم» في الوجه الثاني الذي ذكرته لك من مدح الذات بالعلم وأنها مخالفة لذات ما يجهل أو يجوز عليه الجهل لا أنه يراد به إيقاع الفعل. فأما عالم فمتعلق بالمعلوم فهو موافق لعليم في الوجه الأول، ومخالف له في الوجه الثاني. وقد يكون المعلوم موجودًا وغير موجود في حال العلم به لأن العلم قد يتقدم بأشياء قبل كونها، وذلك يقع من الآدميين بالعرف والعادات، والاستدلال من نحو علم الإنسان باليوم الذي يلي يومه مستقبلاً أي يوم هو وبالشهر الذي يلي شهره وما أشبه ذلك، مما يكثر تعداده، وقد قال الشاعر وهو طرفة:

وأعلم علمًا ليس بالشك أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل وإذا لزمان مستقبل. وكعلم الإنسان إذا رأى نخلة قد أطلعت أنها ستثمر، وإذا رآها تناثر طلعها أنها لا تثمر، وقد يجوز أن تأتي عليها آفة تهلك ثمرها فلا تثمر إلا إن ذلك يعلم على العرف والعادة الجارية في ذلك كما أنه جائز أن تكون النخلة التي قد تناثر طلعها يطلع الله تعالى عز وجل فيها طلعًا ثانيًا فتثمر. وكما أنه جائز أيضًا أن لا يلي شهره شهر، ولا يومه يوم إن أراد الله عز وجل إفناء العالم ذلك الوقت. وقد يكون العلم بالشيء بعد عدمه كيف كان حين وجوده. وإنما دللنا من طريق اللغة والعرف على أن العلم ببعض الأشياء قد يقع قبل كونها بالدلائل والعرف، فإذا كان ذلك من الآدميين جائزًا، وفي كلام العرب سائغًا مستفيضًا جاز أن يقال: إن الله عز وجل كان عالمًا بالأشياء قبل كونها كيف تكون بمشيئته عند كونها، وإن لم تكن موجودة حين علمه بها، فيكون العالم قد تعلق بمعلوم غير موجود في حال العلم به لأن [علم] الله عز وجل ليس كعلم الآدميين، وهو يعرف الأشياء على حقائقها بغير استدلال ولا سبب عز وجل وعلا علوًا كبيرًا. فأما قول زهير: وأعلم ما في اليوم والأمس قيله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي فإنما أراد أن ينفي علم الغيوب عن نفسه، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. وإنما تلك أشياء قد جرى العرف والعادات بمعرفتها بالاستدلال والعلامات. ويقال: «رجل أعمى العين» و «عمي القلب» فلذلك قال: «ولكنني عن علم ما في غد عمي». وقد يكون علمت بمعنى «عرفت» فيتعدى إلى مفعول واحد كما قال عز وجل

{وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} تأويله: لا تعرفونهم الله يعرفهم، وكذلك تقول لصاحبك: «قد علمت خبرك» تريد: قد عرفت خبرك. وإذا كان «علمت» بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين، ولم يجز الاقتصار على أحدهما دون الآخر لأنه حينئذ يدخل في جملة أفعال الشك واليقين الداخلة على المبتدأ والخبر نحو: ظننت، وعلمت، وحبست، وخلت وما أشبه ذلك مما تمام الفائدة فيه في المفعول الثاني. وقد تدخل أن المثقلة وأن المخففة على «علمت» وبابه فتنوب بما بعدها عن المفعولين كقولك: «ظننت أنك عالم، وعلمت أنك تقوم» «وأظن أن يخرج زيد». وكذلك ما النافية تنوب بما يقع بعدها عن المفعولين كقولك: «قد علمت ما يخرج زيد». «وعلمت ما زيد خارجًا». وينشد: قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا خرقت بالسيف سرابيله ... والخيل تجري زيما بيننا وقد يكون العلم مصدر علمت وهو الأصل كقولك: «علمت علمًا» كما تقول: «حمدت حمدًا»، «وشكرت شكرًا»، و «جهلت جهلاً». وقد يكون العلم: المعلوم كما نقول: «هذا علم فلان» أي معلومه، و «فلان كثير العلم»، و «فلان أوسع علمًا من فلان»، إنما يراد به من ضروب العلم التي قد علمها. وكذلك المعلوم يكون اسمًا واقعًا على ما علم وهو الأصل. وقد يقع موقع المصدر كالمعقول، والميسور الواقعين مكان العقل واليسار. ومثل ذلك الخلق قد يكون مصدرًا وقد يكون المخلوق نفسه. وقد استعملت العامة في كلامها جمع علم قياسًا فقالوا: علم وعلوم. وقال أبو عمر الجرمي: لم تجمع العرب

العلم علومًا وهذا كلام مولد. والمصادر لا تجمع إلا قليلاً فالمجموع منها شاذ خارج عن القياس. فقالت العرب العقول والاشغال والحلوم فجمعوا، ولم يجمعوا العلم علومًا. والقول عندي فيما قال أبو عمر عن السماع والقياس، كما قال - وهو الصحيح -: ولكن وجه جمع العلم علومًا في القياس هو أنه يذهب به إلى المعلوم لا إلى الفعل نفسه. وكان ابن كيسان يقول في أماليه وكتبه: العلوم والاشغال إذا اختلفت أنواعها جمعت، فأما أن يكون سمع أو قاس. ويقال في جمع عليم: علماء، كما يقال في حليم: حلماء، وفقيه: فقهاء، وظريف: ظرفاء لأن ما كان على فعيل نعتًا غير مضاعف ولا معتل اللام فأكثر ما يجمع على «فعلاء» و «فعال»، ففعلاء ما ذكرنا، وفعال نحو: كبير وكبار وكبراء. قال الله عز وجل: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} «ونحو لئيم ولئام [ولؤماء] وكريم وكرام وكرماء، وصبيح وصباح، وجميل وجمال، لم يستعمل في شيء هذا أفعلاء» يقال: ظريف وظرفاء وظراف، وأكثر ما يستعمل ظراف في المؤنث على ما حكى الجرمي، وقد يستعمل في المذكر. وحكى الجرمي: «رجال ظروف» وهذا شاذ وقد كسر منه شيء في المونث على فعائل قالوا: امرأة صبيحة، ونسوة صبائح، وظريفة وظرائف، وصحيحة وصحائح. وما كان منه مضاعفًا كسر على «فعال» و «أفعلاء». قالوا: شديد، وشداد، وأشداء. قال الله عز وجل: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون}. وقالوا: «شحيح، وأشحاء؛ وشحاح، وأشحة». وقال: أشحة عليكم. وقالوا: لبيب، وألباء فلم يجاوزوا ذلك. وما كان معتلاً كسر على «أفعلاء» ولم يجاوز ذلك كقولك: غني، وأغنياء، وشقي، وأشقياء.

قال سيبويه: وليس يمتنع شيء من هذا إذا كان للآدميين المذكرين من أن يجمع بالواو والنون، ولا من الألف والتاء إذا كان لمؤنث نحو قولك: عليمون، وحليمون، ولبيون. وفي المؤنث حليمات، وعليمات. وما كان على «فعيل» اسمًا كسر في أقل العدد على «أفعلة» والكثير على «فعل» و «فعلان»، وربما انفرد به أحدهم، وربما اجتمعتا فيه قالوا: رغيف وأرغفة، ورغف، ورغفان. وكثيب، وثلاثة أكثبة، والكثير كثب، وكثبان. وقالوا: عسيب وعسبان، وعسب. وعصيب وعصب، وعصبان. ولم يجمع على أقل العدد. وقالوا: صليب، وصلب وصلبان، وقضيب، وقضب، وقضبان. وحكى الجرمي عن الأصمعي قضبان بكسر القاف. وقالوا: فصيل، وفصلان. وحكى سيبويه أن بعضهم يقول «فصلان» بكسر الفاء وهو شاذ. وقالوا: ظليم، وظلمان بالكسر لا غير. وقالوا: قري، وثلاثة أقرية، والكثير قريان وهي مدافع الماء إلى الروضة. وقالوا: سري، وثلاثة أسرية، والكثير سريان وهو النهر. وأخبرنا الزجاج قراءة عليه قال: أخبرني المبرد عن المازني عن الجرمي قال: حدثني نوح بن قيس الطاحي - من طاحية - بإسناد لا أحفظه عن ابن عباس قال في قول الله عز وجل: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: هو جدول. أما سمعت قول الشاعر: سلم ترى الدالي منه أزورا ... إذا يعج في السري هرهرا السلم: الدلو.

وقالوا في المضاعف: سرير، وأسرة، وسرر. وحزيز، وأحزة والكثير حزان بكسر أوله، وهو ما غلظ من الأرض. وحكى سيبويه: حزان بضم الحاء، وقال الجرمي: سألت الأصمعي عنه فلم يعرفه. فهذا قياس جمع عليم وما كان في وزنه اسمًا ونعتًا. وأما جمع عالم جمع السلامة فغير ممتنع فيه في الآدميين عالمون للمذكرين. وعالمات للمؤنث. وأما جمعه جمع التكسير فإن فاعلاً يكسر على أوجه، قالوا: ضارب، وضرب، وضراب. وصائم، وصوم، وصوام. وشاهد، وشهد، وشهاد. وقال الجرمي: قالوا شاهد، وشهد. كما قالوا: تاجر، وتجر. وراكب، وركب ثم جمعوا الشهد فقالوا: الأشهاد. وقال الله عز وجل: {ويوم يقوم الأشهاد}. وقالوا: ناصر، ونصر، ثم جمعوا النصر فقالوا أنصار، وطائر، وطير، وأطيار كذلك. وقد جمع على «فعلان»، قالوا: راع، ورعيان. وراكب، وركبان وصاحب وصحبان، وصحابة. وقد جمع على «فعلاء» وهو قليل شاذ، قالوا: شاعر وشعراء. وقد جمع على «فعلة» ما كان معتل اللام خاصة، وقالوا: قاض وقضاة، وغاز، وغزاة، ورام، ورماة، وداع، ودعاة، وهذا جمع اختص به المعتل. فإن كان مؤنثًا جمع على «فواعل» نحو: ضاربة، وضوارب، وقاتلة وقواتل، وقد قيل في المذكر فارس، وفوارس، وهالك في الهوالك. في كسر عالم على أحد هذه الوجوه لقيل: علام، وعلم أو سائر ذلك من الوجوه التي ذكرنا، ولكنه لم يجمع جمع

التكسير فيما أعلمه، فلا نقدم عليه إلا بأن تثبت به رواية صحيحة، ولا يجمع غلا جمع السلامة كما استعملته العرب. فأما علماء فليس بجمع عالم إنما هو جمع عليم كقولك: ظريف، وظرفاء، وقد يجوز أن يتأول متأول فيقول: علماء جمع عالم على مذهب شاعر وشعراء، والوجه الأول أطرد وأقيس. وإذا كان فاعل اسمًا فأكثر ما يكسر على «فواعل» وقد جمع بعضه على «فعلان» قالوا: كاهل وكواهل وهو موصل العنق بالظهر، وقالوا: غارب وغوارب، وحاجر وحجران، وهو مكان يستنقع فيه الماء، وفالق وفوالق وفلقان. والفالق ما بين الجبلين والمطمئن بين الربوتين. وقد جاء بعضه على «فعلان» بكسر الأول، قالوا: حائط وحيطان، وغائط وغيطان، وهو الوادي الأفيح الواسع المطمئن. قال الجرمي: وأخبرني أبو عبيدة أن بعض العرب يقول: «هذا باز» كما يقول «هذا قاض ورام»، ويقول في جمعه «بزاة» كما يقول «قضاة» و «رماة». ومنهم من يقول: «هذا باز» فيعرب الزاي ويقول: جمعه «بيزان» كما قالوا تاج وتيجان وساج وسيجان وهو الطيلسان. والعلام بمنزلة عليم في المبالغة في الوصف بالعلم إلا أن علامًا يتعدى إلى مفعول بإجماع البصريين، وعليم فيه من الاختلاف ما أخبرتك به. ويقال أيضًا: رجل علامة فتزاد الهاء للتوكيد في المبالغة كما قيل: نسابة. فأما العلام بضم العين وتشديد اللام فالحناء الذي يختضب به. وقال الخليل: والعلام: الباشق الذي يصاد به.

والعلم بفتح العين واللام: شق في وسط الشفة العليا، يقال منه: علم الرجل يعلم علمًا فهو أعلم، وامرأة علماء، وينشد بيت عنترة: وحليل غانية تركت مجدلاً ... تمكو فريصته كشدق الأعلم يصف رجلاً طعنه فشبه سعة طعنته بسعة شدق بعير أعلم. وكل الجمال علم لأنها مشقوقة المشافر من فوق. فأما من قال: الأعلم هاهنا رجل فمخطئ لأن العلم إنماي كون في الشفة، وشدق الأعلم والصحيح سواء. ويقال: «أعلمت الرجل»: شققت شفته العليا، وإذا كان الرجل مشقوق الشفة السفلى فهو أفلح. والعلم: الجبل، ومنه قول الله عز وجل: {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام}. شبه السفن بالجبال. والعلم: ما ينصب في الطريق ليهدي به والعلم علم الثوب. وهو رقمه، والعلم: الراية التي إليها مجمع الجند، وقد قرئ: {وإنه لعلم للساعة} بالفتح فيما حكاه الخليل قال: يعني خروج عيسى عليه السلام أنه علامة للساعة. والعليم: البحر. وقال بعضهم: العليم: البئر الكثيرة الماء. واختلف العلماء في العالمين فقال بعضهم: هم كل ذي روح يعقل نحو الإنس،

والجن، والملائكة، والشياطين. وقيل أهل كل عصر عالم ذلك العصر، والعالمون جمعه وقيل: هو واقع على جميع المخلوقات. وقال الزجاج: العالمون [جمع للآدميين] المذكرين فلذلك غلب عليه فجمع بالواو والنون والياء والنون. وقالوا في قوله {وفضلناهم على العالمين} أراد عالمي عصرهم. وقيل: العالمون: كل ذي روح ممن يعقل وما لا يعقل. ويقال: علمت الشيء أعلمه علمًا، وأعلمته غيري إعلامًا، وعلمت غيري تعليمًا، وتعلمت تعلمًا. ويقول بعض العرب تعلم: بمعنى «اعلم» في الأمر. قال الشاعر: تعلم أن بعد الغي رشدًا ... وأن لتالك الغمر انقشاعًا وقال آخر: تعلم أن خير الناس طرًا ... قتيل بين أحجار الكلاب وحكى سيبويه: إن من العرب من يكسر أوائل الفعل المستقبل فيما كان على فعل يفعل طلبًا لكسرة «فعل» إلا الياء فيقول: «أنت تعلم»، «وأنا أعلم»، «ونحن نعلم»، وكذلك يقول: أخال، وتخال، وما أشبه ذلك. وينشد:

الحكيم

عمدًا فعلت ذاك بيد أني ... أخال إن هلكت لم تزني وكذلك ينشد أيضًا: فلبثت بعدهم بعيش ناصب ... وأخال أني لاحق مستتبع ولا يكسرون الياء، لا تقول: «هو يعلم»، «ويخال» استثقالاً للكسرة في الياء فلا يكسر هذه الياء من يؤخذ بلغته. الحكيم الحكيم: الذي أفعاله محكمة متقنة، لا تفاوت فيها ولا اضطراب، ومنه قيل: «بناء محكم» أي قد أتقن وأحكم، فالله عز وجل حكيم كما وصف نفسه بذلك، لإتقان أفعاله واتساقها وانتظامها وتعلق بعضها ببعض. فالحكيم على هذا التأويل فعيل بمعنى مفعل كما جاء عليم بمعنى عالم في قوله: {عليم بذات الصدور} وقد يكون حكيم بمعنى عليم لأن الفاعل للأشياء المتقنة المحكمة لا يجوز أن يكون جاهلاً بها. فيكون «حكيم» على هذا بتأويل المبالغة في الوصف بالعلم والحكمة، وقد قال الله عز وجل: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}، فقال ابن عباس وغيره: الحكمة: القرآن، سماه حكمة لأنه علم فكأنه قال: ومن يؤت القرآن فقد أوتي علمًا كثيرًا. وقد قال الله عز وجل في موضع آخر: {وآتاه الله الملك والحكمة}. قالوا: يعني: الملك والعلم. وقال بعض أهل اللغة: إنما سمي القرآن حكمة لامتناعه عن المعارضة كأنه ممتنع من أن يؤتي بمثله أو يعارض. كما قال عز وجل: {قل لئن اجتمعت الإنس

والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}. قال: وكذلك الحكيم من الناس إنما سمي حكيمًا لأنه يمتنع من فعل القبائح ويمنع نفسه منها وإن كان [كذلك هو] عالم، لأنه ليس كل من كان منا عالمًا يمتنع من فعل القبائح. والحكيم لا يسمى حكيمًا حتى يكون عالمًا محكم الأفعال ممتنعًا من القبائح ومجانسة الجهال، وملابسة القبيح والظلم. واشتقاق ذلك كله من حكمة اللجام وهي الحديدة التي تمنع الفرس وترده إلى مقصد الراكب، وكذلك حكم الحاكم على المحكوم عليه إنما هو أن يلزمه أمرًا واجبًا عليه، ويمنعه الخروج عنه ومخالفته، وكذلك الحاكم بين الناس إنما هو الفاصل بينهم بعلمه والملزم لهم ما لا يمكنهم مخالفته، ولا يدعهم أن يخرجوا عنه، ومنه قيل «أحكمت مرة هذا الحبل» أي شددته حتى يمتنع عن القطع والانتشار. وقال ابن الأعرابي: تقول: حكم فلان عن الشيء إذا رجع عنه وحكمته عنه أي: منعته فرجع، وأنشد: أبني حنيفة احكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضببا وكذلك سائر ما يتشعب من هذا إنما أصله هذا ثم يتسع ويستعمل في مقاربه ومجانسه، وكذلك أكثر كلام العرب إنما له أصل منه تشعبه ثم يستعمل في أشياء كثيرة مقاربة له ومجانسة، ولذلك قال أبو العباس المبرد: «كلام العرب إذا تقاربت ألفاظه

التواب

فبعضه آخذ برقاب بعض». وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى في قوله عز وجل: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم}. قال: الكتاب: القرآن، والحكيم: المحكم المبين الموضح. قال: والعرب قد تضع فعيلاً في معنى مفعل فقد جاء [في] آية أخرى {هذا ما لدي عتيد} أي معد. قال: وقد يكون فعيل بمعنى مفعل أيضًا كما قال الشاعر: ................ إني ... غدائتذ ولم اشعر خليف أي: مخلف وعدهم. وقد يجوز ما قال أبو عبيدة، ويجوز أن يكون الأصل «آيات الكتاب الحكيم» أي المتقن المحكم الممتنع من المعارضة والاختلال والاختلاف والفساد. فقد بان لك أن حكيما يكون في الكلام على ثلاثة أوجه:- يكون بمعنى مفعل بتأويل الفاعل، ومفعل بتأويل المعفول وقد يكون للمبالغة في الوصف بمنزلة كريم وعليم لا يراد به التعدي إلا وصف الذات بالحكمة كما شرحت لك فيما مضى. وينشد: فنحكم بالقوافي من أردنا ... ونضرب حين تختلط الدماء أي نمنعه من مشاعرتنا ومفاخرتنا بالقوافي ونفحمه. التواب التواب فعال من تاب يتوب أي يقبل توبة عباده كما قال عز وجل: {وهو الذي

يقبل التوبة عن عباده}، وقال: {غافر الذنب وقابل التوب}. فالله تعالى يقبل توبة عباده. و «فعال» من أبنية المبالغة مثل ضراب للكثير الضرب، وقتال للكثير القتل كما قال الشاعر: أخا الحرب لباسًا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا فجاء تواب على أبنية المبالغة لقبوله توبة عباده وتكرير الفعل منهم دفعة بعد دفعة، وواحدًا بعد واحد على طول الزمان وقبوله عز وجل ممن يشاء أن يقبل منه، فلذلك جاء على أبنية المبالغة، فالعبد يتوب إلى الله عز وجل ويقلع عن ذنوبه والله يتوب عليه أي يقبل توبته، فالعبد تائب والله تواب. فإن قال قائل أفيجوز أن يقال: الله عز وجل تائب على عباده أي يقبل توبتهم كما قيل له عز وجل تواب؟ قيل له: ليس لنا أن نطلق على الله عز وجل من الصفات إلا ما أطلقه جماعة المسلمين وجاء في الكتاب وإن كان في اللغة محتملاً. وقد قال الله عز وجل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}. وقال في موضع آخر {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} فقد جاء الفعل منه على فعل يفعل

وما نطق منه بفعل يفعل فاسم الفاعل منه قياسًا فاعل، كقولك: ضرب زيد يضرب فهو ضارب، وذهب يذهب فهو ذاهب، فكذلك يقال قياسًا تاب زيد يتوب فهو تائب. فإن كانت الأمة تطلق ذلك على الله عز وجل فقياسه في اللغة مستقيم. وإن لم تطلق ذلك على الله عز وجل فلا يجوز الإقدام عليه وإن كان في اللغة جائزًا. على أنه إنما قيل لله عز وجل: تواب لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة عباده ولكثرة من يتوب إليه وتردد هذا الفعل وتكراره وقبوله منهم ليدل على هذا المعنى فلا يجاوز هذا. وقد جاء في صفاته عز وجل ما لا ينطق باسم الفعل كقولك: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}. وقوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين}. ولم يقل الله متبارك كما قيل: تعالى فهو متعال، والوزن والتقدير في العربية واحد. وقد جاء في صفاته عز وجل ما نطق باسم الفاعل كقولك: الله المؤمن المهيمن، ولا تقول آمن الله ولا هيمن وإنما نسعى في صفاته عز وجل إلى ما اطلقته الأمة وجاء في التنزيل، ونمسك عما سوى ذلك. وقد زعم بعضهم أن التواب إنما هو من آب يؤوب: إذا رجع إلى الشيء مرة بعد أخرى كأنه إذا قيل: فلان تواب فإنما يراد به رجاع إلى أمر الله دفعة بعد أخرى، أو رجاع عن ذنوبه. وكذلك قيل في قوله عز وجل {إنه أواب} أي رجاع تواب فكأن توابًا فعال من آب يؤوب فأبدلت من الهمزة تاء لما أريد به فضل معنى على الرجوع إذا لم يرد به رجوع فقط وأريد به الرجوع إلى أمر الله أو الرجوع عن الذنوب والمعاصي. ليفرق بين المعنيين بإبدال الهمزة تاء، وهو مذهب حسن في التأويل، إلا إن إبدال التاء من

البصير

الهمزة لا يكاد يوجد في كلامهم، فجائز أن [يكون] هذا حرفًا نادرًا جاء في كلامهم لا نظير له، لأنه قد تشذ في كلامهم الكلمة فتنفرد فلا يكون لها نظير. فأما إبدال الحروف بعضها من بعض فغير منكر في كلامهم كقولهم: هرقت الماء وأرقته، ومدحت الرجل ومدهته، ووشاح وأشاح وما أشبه ذلك. البصير البصير في اللغة على أضرب، البصير: العليم بالشيء الخبير به كقولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال، وما أشبه ذلك مما لا تمانع بين أهل اللغة استعماله. كما قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب وكما قال جرير: وأعور من نبهان أما نهاره ... فأعمى وأما ليله فبصير يقال: هو بالنهار لا يأتي المكارم كأنه عم عنها، ولم يرد بها العمى في الحقيقة وكيف يكون ذلك وقد وصفه بالعور ثم قال: وأما ليله فبصير أي هو بصير بالفواحش والريب عالم بملابستها وإتيانها. فالله عز وجل بصير أي عالم بالأشياء خبير بها كأنه بمنزلة عليم في التقدير والمعنى.

فإن قال قائل: فإذا كان بصير بمعنى عليم فما وجه وصفه بهما إذا كانا بمعنى واحد وإلا اقتصر على أحد اللفظين دون الآخر إذ كان المعنى واحدًا؟ قيل له: إن البصير ليس بمعنى عليم فقط وله أوجه أحدها عليم، وإنما ذكرنا وجوهه المحتملة له. فجائز أن يكون بصير بمعنى عليم، وإنما ذكرنا وجوهه المحتملة له. فجائز أن يكون بصير بمعنى عليم وجائز أن يكون بغير [هذا المعنى] على ما سنشرحه. وإذا كان بمعنى عليم فليس بمنكر أن يوصف بصفتين مختلفتي اللفظ لمعنى واحد وذلك موجود في كلام العرب من اختلاف اللفظتين لمعنى واحد وذلك أن كلام العرب كله منقسم على ثلاثة أقسام: منه ما اختلف لفظه لاختلاف معناه كقولهم: رجل وفرس وثوب وغلام وما أشبه ذلك. وهو جمهوره ومعظمه، ومنه ما اتفق لفظه واختلف معناه كقولهم: رجل ضرب: خفيف الجسم، والضرب: الصنف من الأشياء، والضرب مصدر ضربت في الأرض ضربًا، وضربت الرجل ضربًا، كقولهم: البعل لزوج المرأة، والبعل: الصنم، والبعل: ما شرب من النخل بعروقه واستغنى عن السقي، والبعل: من كان ثقلاً على أهله إلى نظائر لهذا كثيرة جدًا مشهورة معروفة عند أهل اللغة، وضرب منه اختلف لفظه واتفق معناه كقولهم للسيف: السيف والعضب والحسام، والقاضب والقاطع، والباتر إلى أوصاف له كثيرة بمعنى القطع بألفاظ مختلفة، إلى نظائر لهذا يكثر تعدادها. فكذلك يكون البصير والعليم بمعنى واحد بلفظتين مختلفتين إذا أريد بالبصير معنى العليم. والوجه الثاني من وجوه البصير أن يكون من نعوت المبالغة في أن المبصرات لا تخفى عليه، وليس بمتعد إلى مفعول كما لا يتعدى عليم وقدير، وما أشبه ذلك في أحد وجهيهما إذا أريد بهما وصف الذات بالعلم والقدرة كما ذكرت لك في ظريف وشريف وما أشبه ذلك. فإذا قصد به هذا الوجه لم يتعلق بمفعول بل يكون من طريق مدح الذات، وقد مضى شرح هذا.

والوجه الثالث من وجوه بصير أن يكون بمعنى مبصر فيكون ذلك على وجهين: أحدهما أن يكون معناه: هو مبصر للأشياء المبصرات مدرك لها كما قال الله عز وجل: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}. فإدراك المرئيات وإبصارها سواء فيتعلق من هذا الوجه بالمبصر المدرك كما يقال: زيد ضريب لعمرو أي: يضرب عمرًا، أو قد ضربه، وزيد كفيل ببكر أي: قد كفل به أو يكفل به. وقد ذكرت لك أن سيبويه يجيز تعدي فعيل إلى المفعول بغير حرف الخفض إذا أريد به مذهب التعدي وغيره لا يجيز أن يتعدى إلا بحرف خفض كما ترى، وقد مضى شرح هذا. والوجه الثاني: أن يكون تأويله أن الله عز وجل بصير للأشياء أي جاعل الأشياء المبصرة ذوات أبصار أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة لذلك والقوة. فيقال: الله بصير لعباده أي جاعل عباده مبصرين للأشياء مدركين لها. فهذه ثلاثة أوجه للبصير سائغة في اللغة جائز وصف الله عز وجل بها. والبصيرة في غير هذا المعنى الطريقة من الدم وقيل: هو مقدار يسير منه وجمعها بصائر. كماي قال: طريقة وطرائق، وسفينة وسفائن. قال الشاعر: راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأي يعيب قومًا أخذوا دية قتيل لهم وامتنع هو من أخذها. والعتد: الفرس الكريم المعد للركوب. والوأي: المجتمع الخلي من الخيل وهو الشديد من الإبل وغيرها. قال ابن الإعرابي: البصيرة هاهنا ثقل الدم على أكتافهم حين أخذوا الدية ولم يأخذها هو.

والبصيرة أيضًا: بصيرة الرجل في دينه واستبصاره. يقال من ذلك: بصرت بالشيء أي: علمت به فأنا به بصير، وذو بصيرة كما تقول: ظرف فلان فهو ظريف، وشرف فهو شريف. وقال أبو عبيدة في قول الله عز وجل: {بصرت بما لم يبصروا به} أي [علمت] ما لم يعلموا، وبصرت: فعلت من البصيرة أي صرت عالمًا بصيرًا، قال: وليس هو من النظر والإبصار، فقال: ولها مواضع أخر، يقال: بصرت به بمعنى أبصرته. هذا قول أبي عبيدة. وقال الأصمعي: يقال بصرت به وأبصرته بمعنى وأنشد لعلباء بن أرقم بن عوف بن الأسعد يذكر كبش النعمان الذي ذبحه: بصرت به يومًا وقد كاد صحبتي ... من الجوع ألا يبلغوا الحي م الوحم يريد أبصرت ونظرت إليه، وأراد بقوله: م الوحم: من الوحم وهي لغة، والوحم هاهنا: شدة شهوة اللحم وهو مستعار، وأصله أن تشتهي المرأة على حملها شيئًا فيقال: وحمت وتوحم وحمًا ثم يستعار في كل ما تشتد الشهوة إليه، ولذلك قال العجاج: أزمان ليلى عام ليلى وحمى

أي شهوتي. ويقال أيضًا: أبصر فلان بالشيء إذا علمه بصيرة وبصرًا أيضًا في معناها، كما يقال: فلان ذو بصر بالشعر أو النحو أو الفقه وما أشبه ذلك. ونظيره في تقدير العربية شرف فلان شرفًا فهو شريف. ويقال من الإبصار بمعنى رؤية الشيء: أبصرت الشيء أبصره، فأنا مبصره وهو مبصر، وبصرت به كما ذكرت لك. ويقال: بصرت غيري أبصره تبصيرًا أي صيرته ذا بصيرة به وعلم كما قال عز وجل: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}. والبصر أيضًا الجارحة المبصر بها وسميت بالمصدر مجازًا لأن البصر في الحقيقة مصدر فتقديره الجارحة ذات البصر أي ذات الإبصار، أو العضو ذو الإبصار والبصر ثم اتسع في ذلك فوضع المضاف إليه موضع المضاف. وفيه وجه آخر أن يكون أريد بالمصدر المبصر والمبصر به لأن المصادر قد تقع مواقع أسماء الفاعلين والمفعولين، كقولهم: رجل عدل أي عادل، وصوم أي صائم، ورضي أي مرضي، وكذلك يراد بالبصر المبصر أو المبصر به. فأما قولهم للأعمى: ضرير فبعض أهل اللغة يذهب إلى أن الضرير اسم للعمى فقيل له ضرير كما قيل أعمى. ويروى أن أبا الشيص الشاعر عمي بعد أن أسن فقالت له امرأة يا أبا الشيص عميت بعدي فقال: «لعنها الله عيرتني بالضر ودعتني باللقب». وذهب بعضهم إلى أن الضرير إنما أريد به مقابلة البصري في الوزن وإنما أريد به أنه قد أصيب في بصره بضر وسوء فقيل له ضرير بتأويل مضرور، والضرير: جانب الوادي.

قال الشاعر: وما خليج من المروت ذو حدب ... يرمي الضرير بخش الطلح والضال والضرير أيضًا اسم من أسماء النفس ولها عشرون اسمًا على ما أخبرنا به أو عبد الله نفطويه، واليزيد عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: هي النفس، والحوباء، والحوب، والقتال، والخلد، والضرير، والعربة، والساق، والوهل، والوهط، والوهم، والوهم، والنكيشة، والنسيس، والروع، والوغم، والكذوب، والنقيمة والنقيبة، والعريكة بمعنى واحد. والبصرة: أن يضم أديم على أديم ثم تخاط حاشيتاهما، حكى ذلك ابن السكيت. قال: والبصر بكسر الباء: الحجارة الرخوة. قال: ويقال لها بصرة بالهاء وفتح الباء، وأنشد في فتح الباء وزيادة الهاء:

تداعين باسم الشيب في متثلم ... جوابنه من بصرة وسلام يصف إبلاً وردت حوضًا فشربت منه. والشيب بكسر الشين: حكاية أصوات مشافرها عند شربها، وأنشد في حذف الهاء وكسر الباء: إن كنت جلمود بصر لا أويسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع وبذلك سميت البصرة. ويقال في النسب إليها بصري بفتح الباء على اللفظ، وهو قليل في كلامهم. والذي يذهب إليه سيبويه وجمهور أهل اللغة أن يقال: بصري بكسر الباء. قالوا: كذلك يقول فصحاء العرب. قال سيبويه: هو من النسب المسموع خارجًا عن القياس فيحكى كما سمع. قيل في النسب إلى الري رازي، وإلى مرو مروزي وما أشبه ذلك. قال غيره لما نسب إليها وجب حذف الهاء، فإذا حذفت الهاء وجب كسر الباء والرجوع إلى اللغة الأخرى.

الواسع

الواسع الواسع: الغني، يقال: فلا يعطي من سعة أي: من غنى وجدة. قال الخليل بن أحمد: الوسع: جدة الرجل وقدرة ذات يده، يقال: أنفق على قدر وسعك. والسعة مصدر من قولك: وسع يسع سعة، تقول: إنه لذو سعة في عيشه. وقال المازني: أصل قولهم: يسع بكسر السين في المستقبل فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة كما سقطت في يعد ويزن ثم فتحت السين لمكان حرف الحلق وهو العين كما تفتح في مستقبل صنع يصنع وذهب يذهب. وكل فعل كان لام الفعل منه أو عينه أحد حروف الحلق وهي ستة: الحاء، والخاء، والعين، والغين، والهاء، والهمزة، فأكثر ما يجيء مستقبله مفتوحًا لمكان حرف الحلق؛ وربما جاء في القياس مضمومًا ومكسورًا، فالمكسور نحو منح يمنح، والمضمون نحو فرغ يفرغ وقيل: يفرغ. يقال: أوسع الرجل إذا كان ذا سعة في المال، وفرس وساع ندب: سريع واسع الشحوة. فالله عز وجل غني عن خلقه وهم فقراء إليه. فقيل له: يا واسع بذلك المعنى.

البديع

فإن قال قائل: فإذا كان معنى الواسع عندك والغني سواء فما الوجه في تكرارهما؟ قلنا له: قد مضى القول في هذا شرح قولنا عليم وبصير، وما جاء في كلام العرب من اختلاف الألفاظ واتفاق المعاني اتساعًا وتبسيطًا في الكلام، فبني لمعنى واحد من صفاته لفظتان ليكون ذلك أبلغ في المدح وأكمل في الوصف. ومع ذلك فالواسع قد يتضمن من المعنى ما لا يتضمنه الغني، ويتصرف فيما لا يتصرف في الغني كقولنا: يا واسع الفضل، يا واسع الرحمة، وكقوله عز وجل {ربنا وسعت كل شيء حرمة وعلما} أي عمت رحمتك كل شيء وأحاط علمك بكل شيء. البديع البديع: المبتدع الأشياء ابتداءً من غير أصل ولا أول، والبديء في المعنى مثل البديع ثم قد يستعمل البديع والبديء في معنى العجيب كما قال عبيد: إن يك حول منها أهلها ... فلا بديء ولا عجيب وقالوا في قوله عز وجل: {قل ما كنت بدعا من الرسل} أي: ما كنت بدءًا منهم ولا أول. ويقال: أبدعت يا رجل أي أتيت بعجب وأمر لم يسبق إليه أحد. ومنه قيل: البدعة في الدين كأنها ابتداء مذهب وشيء لم يكن قبل. فالله عز وجل مبدع الأشياء ومبتدعها وخالقها ابتداء من غير شيء ولا على مثال عز وجل.

ويقال من غير هذا: أبدع بالرجل إذا كلت راحلته وعطبت وبقي منقطعًا به. وحدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو اليقظان عمار بن محمد بن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً أتاه فقال: يا رسول الله، إني أبدع بي فاحملني.

السميع

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: يقال للرجل إذا كلت راحلته أو عطبت وبقي منقطعًا به قد أبدع به، وقال الكسائي مثل ذلك وزاد فيه. ويقال: أبدعت الركاب إذا كلت أو عطبت. السميع السميع على ثلاثة أوجه: يكون السميع من وصف الذات بأن المسموعات لا تخفي عليه كما قلنا في البصير والعليم والقدير في أحد وجوهها. فيكون من مدح الذات غير متعلق بالمسموع، ويخالف في هذا الوجه السامع لأن السامع لا بد متعلق بمسموع موجود فلا سامع إلا لمسموع موجود في الحال. وقد يكون السميع موصوفًا بهذا الوصف ولا مسموع وإنما يراد به أن المسموعات إذا وجدت لا تخفى عليه فيكون من وصف الذات كما ذكرت لك في عليم وقدير وما أشبه ذلك. والوجه الثاني: أن يكون السميع بمعنى مسمع أي: يسمع غيره فيتعلق بمفعول كما يكون عليم بمعنى معلم وأليم بمعنى مؤلم ووجيع بمعنى موجع، يقال: ضرب وجيع أي موجع. قال عمرو بن معد يكرب يتشوق اخته ريحانة، وكان أسرها الصمة أبو دريد بن الصمة فقال: أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع

يريد بالسميع هاهنا: المسمع، وقد يكون سميع بمعنى سامع فيتعلق بالمفعول، كما قلنا إنه قد يكون عليم بمعنى عالم وقدير بمعنى قادر وكذلك فعيل وفعول وفعال ومفعال وفعل، هذه الأوجه كلها قد تكون بمعنى فاعل فيقال: ضروب بمعنى ضارب وكذلك ضريب وضراب ومضراب وضرب، كل هذه الأوجه تجري مجرى فاعل إلا أن في فعيل خلافًا قد مضى ذكره، وأنشد الفراء: دعاني إليها القلب إني لذكرها ... تبوع فما أدري أرشد طلابها فهذه ثلاثة أوجه في السميع يجوز وصف الله جل اسمه بها من أنه يكون من مدح الذات في حال، وقد يكون بمعنى المسمع، ويكون بمعنى السامع. وقد يكون السامع في صفات الله عز وجل بمعنى المجيب فقال: سمع الله دعاءك أي أجابه كما يقال سمع الله لمن حمد أي أجابه وقد قال الشاعر: دعوت الله حتى خفت ألا ... يكون الله يسمع ما أقول أي لا يجيب دعائي. ويقال: سمعت الشيء أسمعه سمعًا وسماعًا، والسمع مصدر سمعت، والسمع أيضًا سمع الإنسان وهي الجارحة المسموع بها سميت بالمصدر كما ذكرت لك في البصير.

وقال العلماء: في قول الله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}: في توجيه السمع ثلاثة أقوال: «أحدها أن السمع في الأصل مصدر سميت به الجارحة فوحد كما يوحد المصدر كقولك: حديثكم يعجبني، وعلم إخوتك ينفعني وما أشبه ذلك». والآخر أن يكون المعنى ختم الله على مواضع سمعهم فحذف المواضع ودل السمع عليها لأن المضاف قد يقوم مقام المضاف إليه في مثل قولهم صلى المسجد، وهم يريدون أهل المسجد، واجتمعت اليمامة أي أهل اليمامة، وما أشبه ذلك. ويقال: إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة كما قال الشاعر: بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب إما يريد جلودها فوحد لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد. وقال آخر في مثله: لا تنكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم عظم وقد شجينا

يريد في حلقوكم. ومثله قول الآخر: كأنه وجه تركيين قد غضبا ... مستهدف لطعان غير تذبيب وإنما يريد وجهين فقال «وجه تركيين» لأنه قد علم أنه لا يكون لاثنين وجه واحد ومثله كثير جدًا. وقد يكون السمع بمعنى ثالث فيكون بمعنى الاستماع، «يقال: سمعك حديثي يعجبني أن استماعك إلى حديثي يعجبني، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورًا تسمع إلى صوت صائد وكلاب: إذا توجس ركزًا مقفر ندس ... بنبأة الصوت ما في سمعه كذب أي ما في استماعه كذب، أي هو صادق الاستماع، والندس: الحاذق يقال: ندس كما يقال حذر، ويقظ ويقظ». والنبأة: الصوت الخفي وكذلك الركز. والمصادر ينوب بعضها عن بعض كما يقال: العطية بمعنى الإعطاء والكرامة بمعنى

الإكرام، والموعظة بمعنى الوعظ، كذلك يكون المسع بمعنى التسمع والاستماع. قال الفراء: يقال: عجبت من طعامك طعامنا، وشرابك شرابنا، فقال: معناه عجبت [من] طعمك طعامنا، وشربك شرابنا. قال: وكذلك تقول: عجبت لدهنك لحيتك في كل يوم - بضم الدال - وأنت تريد: لدهنك - بفتح الدال. قال: وكان الكسائي لا يجيزه إلا بفتح الدال، وهي عند الفراء سواء. وقال: كذلك تقول: عجبت لسمنك شاءك، وأنت تريد لاسمانك شاءك. وكذلك كل المصادر التي تخرج من الأفعال وإن كانت على غير ألفاظها في القياس جرت كلها مجرى واحدًا. والسمع - بكسر السين وإسكان الميم - ذكر الإنسان بالجميل. يقال: ذهب سمعه في الناس أي ذكره، وللسمع أيضًا: ولد الذئب من الضبع ويقال: تسمعت الشيء تسمعًا، وأسمعت استماعًا. وينشد لصخر أخي الخنساء: لعمري لقد أيقظت [من كان] نائمًا ... وأسمعت من كانت له أذنان واستسمعت استسماعًا، واستسمعت: تطلبت الاستماع. وقد يكون التسمع بمعنى الاستماع. وأسمعت غيري الخبر وغيره إسماعًا، وقد يكون أسمعته في مجاز الاستعمال يجري مجرى السب والشتيمة كما استعمل السماع في الغناء، وإنما هو في الأصل مصدر. قال لبيد في التسمع بمعنى الاستماع يصف بقرة وحشية:

وتسمعت دار الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها وتقول العرب: سماع يا هذا بوزن فعال مكسور الآخر بمعنى اسمع مني كما يقال: دراك بمعنى أدرك. ونزال بمعنى انزل. وقد يقولون أيضًا سماعًا يا هذا بالنصب بمعنى اسمع. قال الشاعر: سماع الله والعلماء أني ... أعوذ حقو خالك يا ابن عمرو يريد: أسمع الله والعلماء، فوضع المصدر موضع الفعل الناصب له. والسمع اسم الأذن كما ذكرت لك ولكنه اسم مذكر فأما الأذن فهي مؤنثة ويقال للأذن، الحاضرة. ومن كلام العرب: «إذا تكلمتم فاحذروا الحواضر». فإذا كانت الأذن لطيفة يقال لها: صمعاء وحشر، فإذا كانت عظيمة قيل لها: شرافية، ويقال لداخل الأذن الصماليخ ولوسخها الأنف، ولوسخ الظفر المجتمع بينه وبين لحم الأصبع التف، ويقال فلان أصم أصلخ إذا كان لا يسمع

شيئًا، ورجل أقطع إذا كان أصم، فإذا كانت الأذن عظيمة فهي الحذنة وأنشد أبو عبيدة: يا ابن التي حذنتاها باع وإذا كانت كثيرة الشعر: الزبعرة. ويقال للرجل إذا كان سيء الخلق زبعري. فإذا قطعت الأذن فاستؤصلت قيل لها: صلماء. ويقال: أسمعت الدلو: إذا كانت كبيرة فقبضت من أسفلها قبضة ثم شددتها لتخفف فيستقي بها حينئذ الشيخ والصبي. قال الشاعر: ونعدل ذا الميل إن رامنا ... كما عدل الغرب المسمع ويقال: المسمعان عروتان تكونان في موضع هذه القبضة من داخل فتجمعان فيتضيق الدول. وأنشد: سألت زيدًا بعد بكر خفا ... والدلو قد تسمع كي تخفا يقول: سألته حاجة كبيرة فلم يقضها، فسألته حاجة صغيرة. ويقال للحبل الذي يشد بعد العقد الأول الكرب، وذلك أن الدلو. ربما انقطع حبلها الأول فيمسكها الكرب ويمنعها من السقوط ومنه قول الحطيئة: قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا العناج: الحبل الأول، والكرب: الحبل الثاني، ويقال للصخرة التي يقوم عليها

الكافي

الساقي: القبيلة والمنزعة، فإذا كانت تزلق قيل لها مدحض، وزرنح، ويقال للصخرة التي تكون في أسفل البئر: الراعوفة، ويقال للصخرة التي في الشطوط يغمرها الماء الاتان ويقال أيضًا: الحنضل، ويقال لطي البئر: الزبر والضرس لها ويقال للخزف الذي يجعل في طيها ليقوي الأعقاب الأجر، ويقال لرأس البئر إذا كان ضيقًا: السك، فإذا كان واسعًا فهو جلواخ وإذا كانت البئر فوق رابية قيل لها جمجمة، فإذا كانت مندفنة فهي سدم. الكافي الكافي اسم الفاعل من كفى يكف فهو كاف، فالله عز وجل كافي عباده لأنه رازقهم وحافظهم ومصلح شؤونهم فقد كفاهم كما قال الله عز وجل: {أليس الله بكاف عبده؟}. وكفاية الإنسان من المعاش قدر بلغته وقوام أمره، وتقول: كفيت الرجل الأمر

أكفيه كفيًا وكفاية إذا قمت به دونه، وأزلت عنه الاهتمام به. وتقول العرب: مررت برجل كفيك من رجل يجعلونه مدحًا في أنه نهاية في الخير قد كفاك ما تريد من سواه ويتركونه على حال واحدة في الأثنين والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر وصف به. ويقولون: مررت برجلين كفيك من رجلين، ومررت برجال كفيك من رجال، وبامرأة كفيك من امرأة، وبنساء كفيك من نساء على حال واحدة. ومنهم من يقول: مررت برجل كفاك من رجل فيجيء به على لفظ الفعل الماضي فيجريه على ما قبله في التثنية والجمع والتأنيث والتذكير فتقول: مررت برجل كفاك من رجل، وبرجلين كفياك من رجلين، وبرجال كفوك من رجال، ومررت بامرأة كفتك من امرأة وبامرأتين كفتاك من امرأتين، وبنساء كفينك من نساء. ومثل هذا في المدح قولهم مررت برجل كفيك من رجل وشرعك من رجل، وهمك من رجل وهدك من رجل وتاهيك من رجل كله يجري مجرى واحدًا. واعلم أن ما كان من الأسماء نحو الكافي معتل اللام كقولك: القاضي والداعي والكافي وما أشبه ذلك فأكثر العرب يتركونه في حال الرفع والخفض ساكن الآخر ويعربونه في حال النصب فيقولون: جاءني القاضي والداعي والكافي، ومررت بالكافي والقاضي والداعي والغازي يدعونه ساكن الآخر استثقالاً للضمة والكسرة في الياء المكسور ما قبلها فإذا صاروا إلى حال النصب أعربوه لأن الفتحة اخف الحركات فيقولون: رأيت الداعي والغازي والرامي فإذا لم يكن فيه ألف ولام ولم يضيفوه ألحقوه التنوين في حال الخفض والرفع والنصب وكذلك ما كان نظيره من السالم غير مصروف جرى مجرى واحدًا فقالوا مررت بقاض وغاز وجوار وغواش، وجاءني غاز وقاض وكاف وجوار وسوار وما أشبه ذلك، فإذا صاروا في حال النصب أعربوه ونونوا المصروف المثال من الصحيح وتركوا صرف ما لا ينصرف مثاله من الصحيح فقالوا: رأيت غازيًا وداعيًا وراميًا وجواري وغاشي وسواري. ومن العرب من يعرب هذا الجنس من الأسماء في كل حال ولا يستثقل الكسرة فيه فيقول: هذا القاضي والداعي والرامي يجريه مجرى الصحيح، ويقول مررت

بالقاضي والداعي والرامي كما يقول مررت بالضارب والقاعد وما أشبه ذلك، ومن هذه اللغة أنشد سيبويه: قد عجبت مني ومن يعيليا ... لما رأتني خلقًا مقلوليًا أراد تصغير يعلي وكان سبيله أن يقول: يعيل فأجراه مجرى الصحيح. وقال الفرزدق: فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا وقال آخر: خريجع دوادي في ملعب ... تأزر طورًا وتلقى الازارا

ومن العرب من يترك إعراب المنصوب أيضًا فيجعله ساكن الآخر، كما فعل ذلك بالمخفوض والمرفوع فيجعله في الأحوال الثلاثة ساكن الآخر فيقول: رأيت القاضي والغازي والكافي والداعي وما أشبه ذلك. وأكثر ما يجيء هذا في الشعر وليس بمستعمل في منثور الكلام. قال النابغة: ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد ومنهم من يرويه عليه أقاصيه على ما لم يسم فاعله فرارًا من قبح هذه اللغة. وقال رؤبة: سوى مساحيهن تقطيط الحقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطرق أسكن ياء المساحي وهو في موضع النصب. وقال آخر: كأن أيديهن بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق ومن كان هذا من لغته فإنه يجعله في حال النصب إذا لم تكن فيه الألف واللام وكان غير مضاف بلفظ المخفوض أيضًا فتقول: رأيت قاض وكسوت عار ولقيت غاز

الرؤوف

لأنه ينوي إسكان آخره إذ ليس من شأنه إعرابه، ثم يلحقه التنوين فتسقط الياء لالتقاء الساكنين. وهما الياء والتنوين. ويبقى ما قبلها على كسرته وهو قبيح من كلام الشعر في حال الضرورة. وأنشدوا في ذلك: فكسوت عار جبينه فتركته ... جذلان جاد قميصه ورداه وذكر الفراء أن من العرب من يهمز هذه الياءات كلها حرصًا على الإعراب واستثقالا للحركات فيها وأنشد: يا دار سلمى بدكاديك البرق ... سقيا وإن هيجت وجد المشتئق الرؤوف الرؤوف: الراحم، والرأفة: الرحمة. يقال: رؤفت به أرؤف رأفة. وفلان رؤف ورؤوف. وهو متعلق بالمفعول كتعلق رحيم، وقد مضى القول في ذلك وفي تعدي فعول وفعيل وما في ذلك من الاختلاف بين النحويين. وما كان على فعول كان بغير هاء، لمذكر كان أو مؤنث، كقولك: رجل شكور، وامرأة شكور، ورجل

الشاكر

قتول، وامرأة قتول، وكذلك صبور وغدور وجهول وما أشبه ذلك، وقال الخطيئة: ألا آل ليلى آذنوا بقفول ... وما آذنوا ذا حاجة برحيل تنادوا فحثوا للترحل غيرهم ... فبانوا بجماء العظام قتول الشاكر الشاكر: اسم الفاعل من شكر يشكر فهو شاكر ومشكور، والشكر: مقابلة المنعم على فعله بثناء عليه، وقبول لنعمته، واعتراف بها، هذا أصله في اللغة. فلما كان الله عز وجل يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها ولا يضيع لديه تبارك وتعالى لهم عمل عامل كان شاكرًا لذلك لهم أي مقابلاً له بالجزاء والثواب، لأن من لم يشكر من الآدميين فعل المنعم عليه فقد كفر. والله عز وجل تتضاعف لديه الحسنات، ولا يضيع عنده أجر العاملين، فتأويل الشكر منه عز وجل هو المجازاة على أفعال المطيعين. فإن قال قائل: فإذا كان الشكر منه عز وجل إنما هو مجازاة العاملين ومقابلة الأفعال بالثواب والجزاء فقالوا إنه يشكر أيضًا أفعال الكفار لأنه يجازيهم عليها. قيل له: ذلك غير جائز لأنا قد قلنا: إن الشكر في اللغة إنما هو مقابلة المنعم على فعله بالثناء والاعتراف بفعله، ولما كان المسيء من العباد لا يقال له منعم ولم يستحق بذلك شكرًا بل استحق الذم، والسب لم يجز أن يكون الكفار محسنين في أفعالهم فيستحق الجزاء عليها والمقابلة بالجميل، بل كانوا مسيئين والمسيء مستحق للعقوبة والسب فلم يجز أن يسمى الفعل المقابل لفعالهم شكرًا. ومعنى شكر العباد لله عز وجل هو كما ذكرنا من الآدميين اعترافهم بطوله عز وجل، وإنعامه ومقابلة ذلك بالإقرار والخضوع والطاعة له، ولذلك قال عز وجل: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}. فأخذ المتمثلون والخطباء

هذا المعنى من القرآن فقالوا: «من شكر فقد استحق الزيادة». وقد أكثر الشعراء في الشكر والإنعام ومقابلة بعضهما بعضًا، فمنهم من يرى الشكر كفاء للإنعام. ومنهم من رآه دونه ورأي الفضل للمنعم على كل حال لأنه هو الذي أطلق لسان المنعم عليه بالشكر، ولولا الإنعام لم يكن إلى الشكر سبيل. ومنهم من رأي الشكر يفوق الإنعام ويفضله وهذا من الشرف، والعلة في هذا الاختلاف أن كل واحد منهم تكلم على حسب حاله وهواه، فمن رأي الشكر دون الإنعام ورآه مع ذلك يبلغه بتطاوله ... الحكمي في قوله: قد قلت للعباس معتذرًا ... من ضعف شكريه ومعترفًا أنت أمرؤ جللتني نعمًا ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا فإليك بعد اليوم تقدمة ... لاقتك بالتصريح منكشفا لا تسدين إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا ......... ... فأحسن في قوله للخصيب وظرف: فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور

ومن رأى الشكر يفوق الإنعام الآخر حيث يقول عبد الصمد بن المعذل: برز إحسانك في سبقه ... ثم تلاه شكر لاحق حتى إذا مد المدى بيننا ... جاء المصلي وهو السابق وأنشدنا ابن الأنباري في مثله: وما بلغ الإنعام في النفع غاية ... على المرء إلا غاية الشكر أفضل ولا بلغت أيدي المنيلين بسطة ... من الطول إلا بسطة الشكر أطول ولا رجحت في الوزن يومًا صنيعة ... على المرء إلا وهي بالشكر أثقل ولا بذل الشكر امرؤ حق بذله ... على العرف إلا وهو للمال أبذل ومن يشكر المعروف يوما فقد أتى ... أخا العرف في حسن المكافأة موغل وأما الحمد: فالثناء على الرجل بما فيه من شجاعة، أو كرم أو سخاء أو جميل

الإله

أو لاكه، فالحمد أعم من الشكر، والشكر يدخل تحت الحمد ولا يدخل الحمد تحت الشكر. ولذلك يقول أهل اللغة: قد يوضع الحمد موضع الشكر فيقال: «حمدت الرجل على معروفه وإحسانه». ولا يوضع الشكر موضع الحمد فيقال: «شكرت الرجل على شجاعته. ويقال، «حمدت الرجل» أحمده حمدًا ومحمدة «وأنا حامد» وهو حميد ومحمود». الإله القول في الإله قد مضى في أول الكتاب في ذكر قولنا «الله» عز وجل وما فيه من الاشتقاق والتصاريف مشروحًا. الواحد الواحد على ضروب، الواحد: الفرد الذي لا ثاني له من العدد كقولك - إذا قصدت العدد - الواحد والثاني والثالث والرابع وما أشبه ذلك. فالله عز وجل الواحد الأول الأحد الذي لا ثاني له ولا شريك ولا مثل ولا نظير لم يسبقه في أوليته شيء عز وجل عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولذلك يقول أصحاب العدد: إن الواحد ليس بعدد لأن العدد إنما هو تركب من أعداد أضيف بعضها إلى بعض فالواحد لم يتركب من ضم شيء إلى شيء فيكون عددًا فكأنه عندهم مادة العدد. قالوا: ألا ترى أن معنى الوحدة موجود في كل عدد قل أو كثر كالخمسة والستة والألف وما بعد ذلك إلى ما لا نهاية له لابد من أيكون معنى الوحدة فيه موجودًا، وكذلك الكسور نحو النصف والربع والعشر وعشر العشر وما دون ذلك لا بد من أن يكون معنى الوحدة موجودًا فيه وليس في قولنا «واحد» معنى عن شيء من ذلك موجودًا، ولذلك

قيل لمن ادعى معبودًا غير الله وقال باثنين أو ثلاثة: إنكم قد ثبتم الواحد بتثبيتكم ما بعده لأنه لا سبيل إلى تثبيت إثنين ووجودهما إلا بعد الإقرار بالواحد الذي هو الأول. وكذلك ما بعد الاثنين، فالواحد مضطر إلى الإقرار به، وما بعده محتاج إلى الدليل على صحته ولا فرق بين من تخطى الواحد إلى ما بعد ذلك بأيسر عدد وبين من تخطاه إلى ما بعده إلى أكثر العدد. فالواحد الأول الذي لا بد من إثباته والإقرار به قبل الإثنين والثلاثة وما بعد ذلك. والواحد أيضًا: الذي لا نظير له ولا مثل كقولهم: فلان واحد قومه في الشرف أو الكرم أو الشجاعة وما أشبه ذلك، أي لا نظير له في ذلك ولا مساجل. ويقول القائل: من واحد بني تميم اليوم يا فلان؟ فيقال له: واحدهم اليوم فلان أي هو رئيسهم وعمدتهم. فالله عز وجل الواحد الذي لا نظير له، والله عز وجل الواحد الذي يعتمده عباده ويقصدونه ولا يتكلون إلا عليه عز وجل. ويقال رجل وحد للمنفرد قال النابغة: كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد ويقال في العدد: واحد، واثنان، وثلاثة لا يستعمل أحد مكان واحد لا يقال أحد وثلاثة، وأربعة، لا يستعمل أحد في معنى واحد إلا فيما بعد العشرة فإنه يقال للمذكر أحد عشر رجلاً والمؤنث إحدى عشرة امرأة. فأحد فعل بمنزلة جبل وصنم في الوزن، وإحدى بمنزلة ذكرى في الوزن ولا يستعمل في هذا الموضع الواحد لا يقال واحد عشر رجلاً، لم يستعمل ذلك لأنه بني من الواحد اسم على فعل فقيل وحد ثم أبدلت الواو همزة بدلاً لازمًا في هذا الموضع فقيل أحد ثم جمع هو والعشرة فجعلا اسمًا واحدًا فقيل: أحد عشر فإذا جزت العشرين إلى ما بعد التسعين كان لك في أحد لغتان، إن شئت قلت أحد وعشرون رجلاً وإحدى وعشرون امرأة فتركت أحدًا على اللفظ الذي بنيته مع أحد عشر لأنه بعد العقد، وإن شئت رددته إلى الأصل فقلت: واحد وعشرون، ولا يجوز تغيير إحدى عن لفظها لا يجوز أن تقول واحدة وعشرون لا

لأنه خطأ ولكنه غير مستعمل ترك اللفظ على ما كان بعد العشرة. ولو قاله قائل لم يكن مخطئًا ولكن استعمال العرب على ما أخبرتك به إلا إن يرد في شيء فوجهه جيد كما ذكرت لك. وكذلك تقول فيما بعد ذلك: أحد وثلاثون رجلاً وواحدٌ وثلاثون رجلاً وإحدى وثلاثون امرأة كذلك إلى إحدى وتسعين وواحد وتسعين. فأما قول العرب: السادس والسابع والعاشر والحادي عشر والحادية عشرة فإن الحادي ليس من لفظ واحد ولا أحد لأن أحدًا وواحدًا صحيحًا العين واللام لأن عينهما حاء ولامهما دال، والفاء واو مبدلة همزة في حال ومصححة في حال، والحادي بمنزلة الغازي والقاضي وما أشبه ذلك مما صحت فاؤه وعينه واعتلت لامه من نحو قضى وغزا وما أشبه ذلك فهو اسم الفاعل من حدا يحدو حادٍ بمنزلة غزا يغزو فهو غاز وليس هذا من الواحد في العدد في شيء. وللفراء في ذلك قولان، ولا أعرف لأصحابنا فيه شيئًا، قال الفراء: جائز أن يكون مقلوبًا قلبت فاؤه إلى موضع لامه فقيل: وحد وحدًا ثم قالوا: الحادي عشر حين أرادوا أن يبينوا اسمًا على فاعل بعد العشرة ليجعلوه معهما اسمًا واحدًا فقالوا: الحادي عشر. والمقلوب في كلامهم كثير كقولهم: شاكي السلاح وإنما هو شائك السلاح لأنه من الشوكة، وقالوا: «هار» والأصل «هائر»، وكما قال العجاج: لاثٍ به الأشياء والعبري ... وإنما هو لائث.

الغفور

قال: وجائز أن يكون لما كان بعد العقد متقدمًا لما بعده إلى العقد الثاني صار كالحادي عشر والحادية عشرة لأن الحادي أبدًا متقدم ما يحدوه ويسوقه فقيل: الحادي عشر. والوحدة والوحدانية من التوحد، يقال: توحد الرجل إذا انفرد فهو متوحد، ولا يكاد يستعمل منه فعل مثل وحد فأما وحده فإنه يستعمل في كلام العرب منصوبًا أبدًا موحدًا بلفظ واحد للواحد وللاثنين والجمع والمذكر والمؤنث. ويلحق التأنيث والتثنية والجمع ما يجيء بعده مما يضاف إليه كقولك: «جاءني زيد وحده» و «مررت بزيد وحده» و «جاءني القوم وحدهم» و «مررت بالهندات وحدهن» و «وبهند وحدها» وكذلك ما أشبهه. قال الخليل: هو منصوب على المصدر الذي لم ينطق بفعله على لفظه كأنه بمنزلة قولك: أوحدته إيحادًا فوضع مكانه ولذلك لم يثن ولم يجمع. وكان عيسى بن عمر يذهب أنه منصوب نصب الظروف لا نصب المصادر، فإذا قال: «مررت بزيد وحده» فكأنه قال: «مررت به على حياله». وسيبويه وجميع البصريين يختارون مذهب الخليل. الغفور الغفور: الستور يقال: غفرت الشيء أغفره غفرًا إذا سترته فأنا غافر وهو مغفور أي مستور، ومنه سمي جنة الرأس المغفر لأنه يستر الرأس. فالله عز وجل

غفور لذنوب عباده أي يسترها ويتجاوز عنها لأنه إذا سترها فقد صفح عنها وعفا وتجاوز وكذلك الله غفور لعباده والمعنى غفور لذنوب عباده. وغفور كما ذكرت لك من أبنية المبالغة فالله عز وجل غفور لأنه يفعل ذلك لعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى فجاءت هذه الصفة على أبنية المبالغة لذلك، وهو متعلق بالمفعول لأنه لا يقع الستر إلا بمستور يستر ويغطى، وليست من أوصاف المبالغة في الذات إنما هي من أوصاف المبالغة في الفعل. ويقال: «غفرت الشيء» إذا غطيته وكذلك أغفر من كذا أي أستر منه، وغفر الخز والصوف: ما علا فوق الثوب كالزئبر سمي بذلك لأنه يستر الثوب ونحو من هذا قولهم: اللهم تغمدنا برحمتك أي ألبسنا إياها. ومنه قيل غمد السيف لأنه يغمد فيه أي يدخل فيه. قال أبو إسحاق الزجاج: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الغفر: شعر صغار دون الكبار، وريش دون الريش الكبار، وإنما سمي غفرًا لأنه هو الذي يغطي الجلد. والغفر: كوكب من منازل القمر، إما أن يكون سمي بذلك لأنه خفي أو لأنه يغطي ما سواه مما يقاربه. والغفر: النكس من المرض، يقال: صلح فلان من مرضه ثم غفر أي نكس. واختلف الناس في هذا البيت وأنشده أبو عبيدة لجميل وأنشده ابن الأعرابي للمرار وهو قوله: خليلي إن الدار غفر لذي الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم

ومعناه: أن المحب إذا كان قد سلا فرأى ديار حبيبه وآثاره جدد ذلك عليه حبه فكأنه مريض قد نكس. ومنه قول مرار بني أسد: فظللت من غفر الديار كأنما ... من خمر أذرعه سقيت بأكؤس قال: الغفر: النكس. ويقال: غفر الجرح: إذا برؤ ثم انتقض، وإنما قيل للنكس غفر لأنه يغطي العافية. والغفر: شعر يكون في اللحيين يقال: «قد غفر فلان وغفرت المرأة» إذا نبت لها ذلك الشعر وينشد: دعت نسوة شم العرانين بدنًا ... أوانس لا شعثًا ولا غفرات ومتاع البيت يقال له غفر سمي بذلك لأنه يغطي الخلل فيما يحتاج إليه من عمارة البيت. والجوالق يقال له: غفر لأنه يغطي المتاع يقال: جوالق وجوالق وهو فارسي معرب. ويقال: «جاء القوم الجماء الغفير» و «جاءوا جماءً غفيرًا» و «جاءوا جماء غفيرًا» و «جاءوا جماء الغفير» أي: «جاءوا جميعًا يغطي الأرض جمعهم».

الحليم

والغفر: ولد الأروية وهي أنثى الوعل، وإذا كان معها ولدها فهي مغفر، كما يقال لكل ذات طفل مطفل. والعرب تقول غفرت الأمر بغفرته إذا أصلحته بما ينبغي أن يصلح به. والمعنى أصلحته بما أتى على جميع فساده. فقد بان لك أن الأصل في جميع هذا راجع إلى الستر. ويقال غفر الله ذنب فلان يغفره غفرًا وغفورًا وغفرانًا ومغفرة ومنه يقال: «غفرانك لا كفرانك». الحليم الحليم في اللغة اسم الفاعل من حلم فهو حليم كما يقال: ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف، وكرم فهو كريم، وهذا مطرد فيما كان من الأفعال على «فعل» إذ يأتي اسم الفاعل منه على «فعيل» وهو فعل غير متعد فلا يبنى منه اسم المفعول ولكن يعدى بحرف الخفض فيقال: حلم فلان عن فلان إذا لم يقابله على إساءته ولم يجازه عليها فالله عز وجل حليم عن عباده لأنه يعفو عن كثير من سيئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام، ويقبل توبتهم بعد ذلك. ويقال حلمت عن فلان بضم اللام فأنا حليم ولو بني منه اسم المفعول بعد تعدي الفعل إليه بحرف خفض لقيل فلان محلوم عنه. كذا يلزم في القياس ولا يكاد ينطق به. ويقال حلمت في النوم بفتح اللام فأنا حالم وينشد: حلمت بكم في نومتي فغضبتم ... ولا ذنب لي إن كنت في النوم أحلم

القابض

وحليم الأديم بكسر اللام على وزن فعل يحلم بفتحها في المستقبل بوزن جهل يجهل وعلم يعلم وذلك إذا تثقب وفسد. والمصدر الحلم بفتح اللام. القابض القابض اسم الفاعل من قبض يقبض فهو قابض، والمفعول مقبوض وذلك على ضروب، فأما في هذه الآية التي ذكر فيها هذا الحرف في سورة البقرة في قوله عز وجل: {والله يقبض ويبسط} فقالوا: تأويله: يقتر على من يشاء ويتوسع على من يشاء على حسب ما يرى من المصلحة لعباده. فالقبض هاهنا: التقتير والتضييق والبسط: التوسعة في الرزق والإكثار منه. فالله عز وجل القابض الباسط يقتر على من يشاء ويوسع على من يشاء. ومخرج ذلك من اللغة أن أصل القبض ضم الشيء المنبسط من أطرافه فيقبضه القابض إليه أولاً أولاً حتى يجوزه ويجمعه. والبسط: نشر الشيء المجتمع أو المنضم أو المطوي. فمن قبض رزقه فقد ضيق عليه، ومن بسط رزقه فقد فسح له فيه ووسع عليه، ومن ذلك قيل فلان قبيض أي بخيل شديد كأنه لا يبسط كفه بخير إلى أحد، ولا يسمع بذلك، وفلان باسط الكف، وباسط الجاه وإنما يراد به السخاء وبذله ماله وجاهه. ويقال: «قبض فلان كفه فهو قابضها» إذا ضم أصابعه، وبسطها إذا فتحها لبطش أو عمل أو غير ذلك فهو قابض وباسط. والقبض: مصدر قبض الشيء يقبضه. والقبض: السرعة، ويقال أيضًا: «رجل قبيض وقباضة» إذا كان سريعًا شديد السوق للإبل. وأنشد لرؤبة:

قباضة بين العنيف واللبق ... مقتدر الضيعة وهواه الشفق وقال الراجز أنشداه ابن السكيت: كيف تراها والحداة تقبض أي: تسوق سوقًا سريعًا. وقال آخر: أتتك عير تحمل المشيا ... ماء من الطثرة أحوذيا يعجل ذا القباضة الوحيا ... أن يرفع المئزر عنه شيا يعني ماء ملحًا يسلح من يشربه فلا يلبثه أن يرفع مئزره. ويقال: شربت مشوًا ومشيًا، وهو الدواء الذي يسهل. والقبض أيضًا: قبض المتاع، والقبض أيضًا: قبض المال وأصله من القبضة وهو ما حواه الكف. ومنه قوله عز وجل حكاية عن السامري: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} هذا أصله، ثم يستعمل فيما حواه الرجل وحازه، فيقال: «قبضت

الباسط

من فلان المال» وإن لم يكن بيده. ومنه قيل قد قبضت الضيعة من فلان والثياب والعبيد وما أشبه ذلك. وقد يقول القائل: «قبضت مالي على فلان» وإ، كان لم يتول ذلك وإنما تولاه صاحبه لأنه قد حصل له. ومنه قوله عز وجل: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة}. أي: كلها ملكه يوم القيامة، وإن كنت في كل وقت له وهو مالكها، وإنما قصد يوم القيامة لأنه اليوم الذي لا يملك أحد فيه شيئًا سواه، وتزول الممالك كلها إلا ملكه وهو مثل قوله: {مالك يوم الدين} وقوله: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}. الباسط الباسط: الفاعل من بسط يبسط فهو باسط، فالله عز وجل كما ذكرنا باسط رزق من أراد من عباده أن يوسع عليه ومقتر على من أراد كما يرى في ذلك من المصلحة لهم، وهو كما قال عز وجل: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء} فهذه الآية قد بينت لك معنى الباسط وبينت أيضًا أنه عز وجل إنما يقبض ويبسط على حسب ما يراه عز وجل من المصلحة لعباده. والباسط أيضًا: باسط الشيء الذي ليس بمفروش يبسطه ويفرشه كما بسط الله الأرض للأنام وبث فيها أقواتهم. والبسط: الطول والفضل، ولابسطة أيضًا: امتداد القامة وتمامها وكمالها كما قال الله عز وجل: {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}. والبسط: مصدر بسطت الشيء أبسطه بسطًا فأنا باسط وهو مبسوط وبسيط.

والبساط: اسم الشيء المبسوط بكسر الواو، والباسط أيضًا بكسر الأول جمع بسيط ومنه قوله عز وجل: {وجعلنا الأرض بساطا} أي فراشًا ومهادًا ولم يجعلها حزنة لا يمكنهم التصرف فيها، فقولهم: بسيط وبساط كقولهم كريم وكرام، وظريف وظراف، يقال: رجل بسيط الوجه إذا لم يكن كزا عبوسًا. وقال الأعشى يذم رجلاً بقيض الوجه والعبوس: يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه على المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم والبساط بفتح الباء: الأرض المستوية الملساء، والبسط بكسر الباء من النوق: التي معها ولدها. وقال أبو النجم العجلي: من كل عجزاء سقوط البرقع ... بلهاء لم تحفظ ولم تضيع يدفع عنها الجوع كل مدفع ... خمسون بسطًا في خلايا أربع والبسطة بسطة الإنسان: وهو امتداد يديه فوق قامته، والبسط: جمع بساط. ويقال: بسطته فانبسط كما يقال زجرته فانزجر، ونشرته فانتشر، والفعل لقبول المفعول من الفاعل الفعل ومطاوعته له، ومثل ذلك «كسرته فانكسر»، «وزجرته فانزجر»، «وعقدته فانعقد». وقالوا: «طردته فذهب» ولم يقولوا: «فانطرد»، ولا يستعمل في كل شيء إلا فيما

يا لا إله إلا هو

سمع، ولا يجوز أن يقال على هذا: «رميته فانرمى» ولا «ضربته فانضرب» ولكن فيما سمع. يا لا إله إلا هو هذا كلام محمول على المعنى لا على لفظ النداء. والمنادي مضمر مقدر في النية وذلك على وجهين، أحدهما: أن يكون التقدير «يا هؤلاء الله لا إله إلا هو» والدليل على ذلك أن النداء لا يقع إلا على اسم لأنه مما تختص به الأسماء، فلا ينادي فعل ولا حرف ولا جملة، ولا يقال: «يا قام» ولا «يا يقوم» ولا «يا محمد منطلق» إلا على إضمار المنادي على تقدير قولك: «يا هؤلاء محمد منطلق»، فكذلك قولنا: «يا لا إله إلا هو» جملة والنداء لا يتصل بها لأن النداء إنما يتصل بالأسماء الدالة على المسميات، فتقديره كما ذكرت لك «يا هؤلاء الله لا إله إلا هو» وفي قوله هو دليل على أنه أراد الله ليعود الضمير عليه، وهذا بين واضح. ومثله مما أضمر فيه المنادى قوله عز وجل: {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء} تأويله: «ألا يا هؤلاء اسجدوا» فأما من قرأ «ألا يسجدوا»، فإنه أخرجه عن هذا التأويل وجعل الياء من بناء الفعل دليل الاستقبال وتقديره أن لا يسجدوا فأدغم النون في اللام ونصب الفعل بأن. وحذف النون من يسجدوا علامة للنصب. ونظير الأول قول الشاعر أنشده سيبويه:

الحي

يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار قال سيبويه: «يا» لغير اللعنة لأنه لو كان للعنة لنصبها لأنه لو كان، يصير نداء مضافًا ولكن تقديره «يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان»، وأنشد أيضًا: يا لعنة الله على أهل الرقم ... والوجه الآخر: أن يكون التقدير: «يا هؤلاء لا إله إلا هو»، والمذهب الأول هو الصحيح، وهذا فيه بعد وتعسف ولكنه جائز لأنه قد علم أنه لا يرفع قولنا: «لا إله إلا هو» على غير الله، والأول أوضح وأبين. الحي الحي في كلام العرب: خلاف الميت، والحيوان خلاف الموات، فالله عز وجل الحي الباقي الذي لا يجوز عليه الموت ولا الفناء عز وجل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. ولا تعرف العرب عن الحي والحياة غير هذا. وقد يقال: «فلان حي القلب» إذا كان شهم الفؤاد ذكيًا، «وفلان ميت القلب» إذا كان بليدًا. والحي بكسر الحاء جماعة الحياة. قال العجاج: وقد نرى إذ الحياة حي ... وإذ زمان الناس دغفلي

قال بعضهم: حي جمع الجمع، يقال: حياة وحيوات وحي جمع الجمع. وقال الفراء: أصله فعل مثل بدنة وبدن فكان حي جمعًا للحياة ثم كسر حين أدغمت الياء. وقال المازني: يقال: «حييت يا زيد تحيا حياة طيبة»، وهذا فعل قد اعتلت عينه ولامه وهما جميعًا ياءان، فعين هذا الفعل تصح وتعتل لامه لأن العين أقوى من اللام لتوسطها واللام أضعف من العين لوقوعها طرفًا فهو يجري مجرى رميت وكذلك أحييت يجري مجرى أعطيت، فإذا جاءت لام أعطيت في موضع تلزمها الحركة لزم لام أحييت الحركة، وإن لزم لام أعطيت ورميت السكون لزم لام حييت وأحييت السكون والقلب تقول من ذلك: «رمي زيد» و «أعطي زيد» فتقول قد حيي في هذا المكان وأحيي زيد، إلا أنك في هذا مخير إن شئت أدغمت لاجتماع حرفين من جنس واحد متحركين فقلت «حي في هذا المكان» و «قد أحي زيد» تلقي حركة الياء المدغمة على الحاء وتجريها مجرى غير المعتل لتشديدها وإن شئت أظهرت فقلت: «حي» و «أحيي»، وقد قرأ بعض القراء: {ويحيا من حيي عن بينة}. وقرأ الأكثرون «ويحيا من حي عن بينة» بالإدغام. وإنما جاز الإظهار في هذا لأن الحرف الثاني قد يعتل فيسكن في موضع الرفع ويصير ألفًا ولا يكون إدغام لأن الألف لا تدغم في شيء ولا يدغم فيها شيء وذلك قولك: «زيد يحيا حياة طيبة»، و «أحيا الله عباده». فمن أجاز «قد حيي زيد» بالإظهار لم يجز «قد صدد زيد»، و «قد مرر زيد» للعلة التي أخبرتك بها. وإذا قلت: «قد حيي في هذا المكان» بالإظهار ثم أردت الإدغام فإن شئت قلت: «قد حيي في هذا المكان» بضم أوله على الأصل وإن شئت قلت: «قد حي في هذا المكان» فكسرت أوله. قال أبو عثمان: «والكسر أكثر لأنه أخف».

قال: «ومن كلام العرب قرن ألوى وقرون لي ولي والكسر أكثر وأخف». قال: وإن نسبت إلى الحياة قلت: «حيوي» بقلب الألف واوًا لمجيء ياء النسب كما تقول في رحى وفتى «فتوي» و «رحوي» وذلك حكم كل مقصور على ثلاثة أحرف من أي قبيل كان. فإن نسبت إلى حية وقد سميت بها قلت أيضًا: «حيوي»، كذلك يلزم في القياس وهو كلام العرب، وتقدير ذلك أنك حذفت الهاء للنسب كما تحذفها من طلحة وفاطمة في قولك «طلحي» و «فاطمي» فبقيت ياء مشددة وهي ياءان وياء النسب كذلك ياءان فلا يمكن الجمع بين أربع ياءات فذهبت بفعل إلى فعل فانقلبت الياء الآخرة ألفًا ثم قلبتها واوًا لمجيء ياء النسب فقلت: «حيوي» كما ترى وإن نسبت إلى حياة قلت: «حيوي» فلم تحذف شيئًا ولم تغير لأن الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الحروف الصحاح وكذلك الياء. وقال الخليل: «حيوان»: أصله «حييان» لأنه من حييت قلبوا فيه الياء واوًا لئلا تجتمع ياءان استثقالاً للحرفين من جنس واحد وهو شاذ. وحيوان جاء على ما لا يستعمل له فعل في الكلام لأن موضع عينه ياء، وقد قلبت لامه واوًا، فلو استعملوا منه فعلاً لثقل تصريفه ولذلك جاء «حياة» مصححًا وكان سبيله أن يدغم فيقال: «حية» لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الأول في الثاني. قال المازني: وليس القول عندي في «حيوان» كما قال الخليل ولكن هذا

القيوم

كقولهم فاظ البت يفيظ فيظًا وفوظًا ولا يشتقون من فوظ فعلاً وكذلك ويل، وويح، وويس مصادر ليس لهن فعل كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون ولاستغنائهم بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغني عنه مسقطًا كأن المازني ذهب إلى أن الحيوان الواو فيه أصل ليست منقلبة من ياء، وأن الياء فيه أيضًا أصل من باب اللغتين. ثم يجوز أن يكون استعمل الفعل من اللغة التي تكون فيها العين واللام ياءين ولم يستعمل من اللغة التي تكون لامه واوًا لثقل ذلك عليهم، ويجوز أن يكون استعمل من اللغة التي تكون اللام فيه واوًا فقلبت ياء للكسرة التي قبلها حين قالوا: «حييت» فجاءوا به على فعل يفعل مثل علم يعلم. القيوم القيوم: فيعول من قام يقوم، وهو من أوصاف المبالغة في الفعل وهو من قوله عز وجل: {وهو قائم على كل نفس بما كسبت} أي يحفظ عليها ويجازها ويحاسبها. وقال أبو عبيدة: «القيوم: القائم وهو الدائم الذي لا يزول». ويقال: فلان بروية أهله أي: ما أسندوا إليه من حوائجهم، وفلان يقوم بأمور بني فلان أي: هو المتكفل بأمورهم والناظر فيها وليس من القيام على الرجل. والقيام في كلام العرب على أوجه: تقول العرب «قد قام فلان بأمر فلان» إذا اعتنقه وتكفل به «وقام فلان بأمر قومه» إذا كان الناظر فيه والمتكلم عنه، «وقام قائم الظهير» عند تحلق الشمس في الجو قبيل الزوال قال الشارع: وقام ميزان النهار فاعتدل

ويقال «قمت بالشيء» إذا وليته، ويقال: «قد قام هذا الأمر بعد ميل» إذا استوى وصلح، «وقام المريض من علته»: إذا صلح وبرأ، «وقام البناء والحائط» إذا كمل بنيانه وتناهى، «وقام فلان بالأمر» إذا جد عزمه فيه ولم يفتر. وأخبرني أصحابنا في خبر طويل أن العماني لما أنشد الرشيد أرجوزته التي يحضه فيها على بصيرة القاسم ابنه ولي العهد فانتهى إلى قوله: قل للإمام المقتدى بأمه ... ما قاسم دون مدى ابن أمه ... فقد رضيناه فقم فسمه ... ضحك الرشيد ثم قال: أما ترضى أن أسميه ولي عهد وأنا جالس حتى تنهضني قائمًا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه قيام عزم، ولو كان قام بذلك أمير المؤمنين متخطيًا له به قام له بشرف يسود به هذان. وأشار بيده إلى محمد الأمين وعبد الله المأمون. وكان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. وقد تكون إقامة الصلاة: الإتيان بها على حقوقها في مواقيتها كما قال: {الذين يقصمون الصلاة ويؤتون الزكاة}. ويكون أيضًا إقامة الصلاة إتمامها وترك القصر فيها، كما قال بعد ذكر القصر في

الصلاة: {فإذا اطمأننتم - يعني من السفر والخوف - فأقيموا الصلاة - أي أتموها - إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي فرضًا مؤقتًا، يقال: وقت الله عليه الشيء، ووقته أي جعله عليه في أوقات. ويقال: قامت الصلاة: إذا حان وقتها وأخذ الناس فيها. ويجوز أن يكون تأويل قامت الصلاة: قام الناس للصلاة فأضيف الفعل إليها، والمراد به: القائمون إليها، وذلك جار في كلام العرب اتساعًا ومجازًا، كما قالوا: «صلى المسجد»، يريدون: صلى أهل المسجد، وبنو فلان يطرقهم الطريق أي أهل الطريق. وذكر سيبويه إن العرب تقول: اجتمعت اليمامة يريدون أهل اليمامة، فلما حذف أهل وصرف الفعل إلى اليمامة أنث لتأنيثها، فكذلك يكون قامت الصلاة في تقدير العربية: قام أهل الصلاة إليها، فلما حذف الأهل وصرف الفعل إلى الصلاة أنث لتأنيثها، ويجوز أن يكون على الوجه الذي ذكرته أولاً. والقائم أيضًا: الدائم الذي لا يزول كأنه باق مع الزمان، فيكون القيوم بمعنى الدائم الذي لا يزول ولا يحول. وتقول العرب: «قامت سوق بني فلان» إذا اجتمع أهلها فيها ونفقت فيها البضائع. والقيام على الرجل معروف. والقائم خلاف القاعد، وكان بعض المتأخرين من أهل اللغة يذهب إلى أن بين قولهم جلس وقام فرقًا وذلك أنه زعم أنه إنما يقال جلس لمن كان قائمًا فجلس. ويقال قام لمن كان قاعدًا فقام، ألا ترى أنه يقال «جلس الحائط» ولا يقال قعد، يذهب إلى أن جلس معناه الانتصاب والارتفاع عن الأرض من

العلي

الجليس وهو ما ارتفع من الأرض، قال: ثم اتسع في ذلك فاستعمل كل واحد منهما مكان صاحبه. والقيوم والقيام من أصل واحد بمعنى واحد، فالقيوم «فيعول» من قمت، والقيام «فيعال» منه، ومثله في الوزن قولهم: «ما فيها ديور ولا ديار» بمعنى واحد. قال الفراء: «وقرأ عامة القراء: {ألم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم}» وقرأها عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - «الحي القيام» وصورة القيوم والقيام من الفعل «فيعول» و «فيعال» وهما جميعًا مدح. وأهل الحجاز أكثر شيء استعمالا للفعال والفيعال من ذوات الثلاثة مثل: «الصواغ» وقد قيل «الصياغ» على ما حكاه الفراء. والبصريون يأبون ذلك، ولا يجيزونه إلا بالواو. وأصل قيوم قيووم فقلبت الواو الأولى ياء لسكون الياء قبلها، وأدغمت الياء الأولى في الثانية فقيل: قيوم وأصل قيام قيوام فقلبت الواو ياء لسكون الياء قبلها، وأدغمت الياء الأولى في الثانية فقيل قيام. العلي العلي: فعيل من العلو والعلاء، والعلاء: الرفعة والسناء والجلال تقول العرب: «فلان علي ذو علاء»: إذا كان جليلاً عظيم الشأن والقدر. قال الحارث بن حلزة: أو منعتم ما تسألون فمن حد ... ثتموه له علينا العلاء

يقول: أو منعتم ما تسألون من النصفة فيما بيننا وبينكم فيمن حدثتموه له علينا العلاء في سافل الدهر يعني الرفعة والاعتلاء. ويقال: «قد علا أمر فلان»: إذا جل شأنه وعظم قدره. ومنه يقال للرئيس في الدعاء له: «أعلى الله أمرك، وزاد الله أمرك علوًا». كل ذلك يراد به نفوذ أمره وعلوه على غيره. وقال الخليل بن أحمد: «الله عز وجل هو العلي الأعلى المتعالي ذو العلاء والعلو، فأما العلاء: فالرفعة، والعلو: العظمة والتجبر. وتقول «علا الشيء علاء». ويقال: علوت وعليت جميعًا، وكذلك علي علاء في الرفعة والشرف والارتفاع»، هذا قول الخليل. وغيره يقول: لا يقال عليت إلا في المكارم والشرف. ويقال في الشيء المرتفع: علا يعلو علوًا، وهما عند الخليل جميعًا يستعملان في العلاء أيضًا، وينشد: لما علا كعبك لي عليت ... والعلي والعالي أيضًا: القاهر الغالب للأشياء. تقول العرب: علا فلان فلانًا: أي غلبه وقهره، كما قال الشاعر: فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وكاسر يعني غلبناهم وقهرناهم واستولينا عليهم. وكذلك قيل في قوله عز وجل: {إن فرعون علا في الأرض} قالوا: معناه: قهر أ÷لها وغلبهم واستولى عليهم، وكذلك قوله عز وجل: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذًا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} أي

لغلب بعضهم بعضا وقهره، فالله عز وجل العلي العالي ذو العلاء والجلال والرفعة والسناء، الغالب القاهر للأشياء كلتها، والله عز وجل العلي العالي جل وتقدست أسماؤه. والعلو: ارتفاع البناء وغيره، والعالية: القناة المستقيمة، وجمعها عوال، والعالية من محل العرب: من الحجاز وما يليه، والنسبة إليها علوي على غير قياس. وعلو كل شيء أعلاه. يقال: علو، وعلو كما يقال: سفل وسفل. وتقول العرب في الصيد: «كنا علاوة الريح»: أي فوق الصيد من ناحية مهب الريح. وتقول: «علوت بالرجل وأعليت به»: أي أتيت به مكانًا عاليصا. «وفلان من علية الناس»: أي من أهل الشرف والنبل، «وهؤلاء علية قومهم»، واحدهم علي مثل صبي وصبية. ويقال للمرأة إذا طهرت من نفاسها قد تعلت، والعلاوة رأس الرجل وعنقه، وعلاوة كل شيء أعلاه. والعلاوة أيضًا: ما يحمل على البعير أو غيره بعد تمام حمله. والمعلى من قداح الميسر التي كانت تستعمل في الجاهلية السابع، وكان أفضلها عندهم وأكثرها حطًا لأن له سبعة أنصاب، وليس لغيره منها إلا أقل من سبعة لأن ذوات الحظوظ منها سبعة وهي: ألفذ، والتوأم، والرقيب والحلس، والنافس،

العظيم

والمسبل، والمعلى. فللفذ نصيب، وللتوأم نصيبان، وللرقيب ثلاثة، كذلك نصيب كل واحد منها على موقعه من العدد حتى يبلغ إلى المعلى فيصير حظه سبعة أسهم لأنه السابع. ويقال: استعلى الفرس على الغاية في الرهان: إذا استولى عليها. وقال النحويون: تقدير «علي» من الفعل فعيل، أصله «عليو» لأنه من العلو، فلامه واو فاجتمعت الواو والياء وسبقت الياء ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى في الثانية وذلك من حكم الواو والياء في كلامهم إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بسكون أن تقلب الواو أبدًا ياء تقدمت أو تأخرت، وتدغم الياء الأولى في الثانية صارت الياء هاهنا أغلب على الواو لأنها أخف منها. والعرب تقول في النسب إلى «علي» من أسماء الناس علوي، وقياس ذلك أن ياء النسب ياءان لأنها مثقلة، وفي آخر «علي» ياءان فلم يمكن الجمع بين أربع ياءات لاستثقالها فحذفت من «علي» الياء الأولى وهي ساكنة، وبقيت الثانية متحركة وقبلها كسرة فبقي «علي» على وزن شج وعم بتقدير «فعل» فذهب «بفعل» إلى «فعل» استثقالاً للكسرة مع ياء النسب فصار «علا» فنسب إليه فقيل: علوي فقلبت الألف واوًا كما تقلب في عصا قفًا، ورحى فيقال: قفوي، ورحوي وذلك حكم كل مقصور على ثلاثة أحرف من أي قبيل كان من ذوات الياء أو من ذوات الواو، ونظير صرفهم «فعل» في هذا إلى «فعل» في النسب قولهم في عم: عموي، وفي شج: شجوي، وفي رد: ردوي، ذهبوا به إلى «فعل» تخفيفًا. ونظيره من السالم قولهم في النمر: نمري، وفي شقرة: شقري. العظيم العظيم: ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه عز وجل كذلك تعرفه العرب في خطبها ومحاوراتها. يقول قائلهم: من عظيم بني فلان اليوم؟ أي من له العظمة والرئاسة منهم؟ فيقال له: «فلان عظيمهم» ويقولون: «هؤلاء عظماء القوم» أي رؤساؤهم وذوو الجلالة والرائسة منهم. وقالوا في قوله عز وجل: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين

عظيم} تأويله: هلا أنزل هذا القرآن على رجل من رجلين عظيمين من القريتين؟ أي كان سبيله أن ينزل على عظيم رئيس، ولم يريدوا به عظم الخلقة. وقال زهير بن ابي سلمى يذكر رجلين قاما بأمر عظيم وأصلحا شأن العشيرة: وقد قلتما إن يدرك السلم واسعًا ... بمال ومعروف من الأمر يسلم فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأتم عظيمين من عليا معد هديتما ... ومن يستبح كنزًا من المجد يعظم قال أبو بكر بن شقير: قال أبو جعفر أحمد بن عبيد. قوله: «ومن يستبح كنزًا من المجد يعظم: أي من يجد كنزًا مباحًا فيأخذه لنفسه». يعظم: أي يصير

الولي

عظيمًا في الناس جليلاً، ورواه بعضهم، يعظم: أي يأتي بأمر عظيم، كما يقال: «أكبرت يا فلان» أي أتيت بأمر كبير. ورواه بعضهم «يعظم» على ما لم يسم فاعله أي: يعظمه الناس. وكذلك قالوا في قوله أيضًا: لحي جلال يعظم الناس أمرهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم من رواه بفتح الظاء «بمعظم» قال: تأويله بأمر يعظمه الناس، ومن رواه «بمعظم» بكسر الظاء فتأويله عندهم بأمر عظيم. الولي الولي في كلام العرب على ضروب عشرة مخرجها كلها من قولهم: «هذا الشيء يلي هذا الشيء»، وأوليت الشيء الشيء: إذا جعلته يليه لا حاجز بينهما. تقول العرب: «فلان ولي فلان أي هو متولي أمره والقيم بشؤونه كأنه يلي إصلاح أمره بنفسه لا يكله إلى غيره». وفلان ولي فلان أي ناصره كأنه يوليه نصره فلا يحول بينه وبينه. وفلان ولي فلان أي يوليه وده وموالاته، ويثني عليه بالجميل، ولا يتبرأ منه في حال. فالله عز وجل ولي المؤمنين أي ناصرهم ومصلح شؤونهم والمثنى عليهم، كما قال الله عز وجل: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} وقال: {إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} إلى غير ذلك من الآيات المذكورة في التنزيل على

ما ذكرنا من معاني الولي وما يقارب ذلك. ويقال: «فلان ولي فلان» أي ولي نعمته أي قد أولاه نعمته وأنعم عليه، وأسداها إليه فلم يحل بينه وبينها. فالله عز وجل ولي المؤمنين بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. فإن قال قائل: فقد أنعم الله عز وجل على الكافرين كما أنعم على المؤمنين أفيجوز أن تقول: الله ولي الكافرين؟ قيل له لم نقل إنه لا معنى للولي إلا هذا بل قلنا: إن هذا أحد وجوه الولي، ومع ذلك فإن الله عز وجل اسمه لما أنعم على المؤمنين فقابلوا إنعامه بالشكر والإقرار والطاعة والتوحيد جاز أن يقال الله ولي الذين آمنوا بإنعامه عليهم وقبولهم وشكرهم. وإن كان قد أنعم على الكفار فلا يقال هو وليهم لجحودهم ذلك وتركهم الإقرار كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إنما أنت منذر من يخشاها}، وقد أنذر من لم يخش أيضًا، ولكن لما لم ينتفع بإنذاره غير من خشي قيل: {أنت منذر من يخشاها} ولم يقل أنت منذر من لم يخش إذ لم ينتفع بذلك الإنذار. ومع ذلك فلما كان الولي قد يكون بمعنى الناصر والموالي والمثنى وغير ذلك لم يجز أن يقال: الله ولي الكافرين فيسبق إلى ظن السامع إنه يراد به أصل تلك الأوجه إذ كانت أشهر وأعرف وأكثر استعمالاً، ومنع من إطلاق ذلك للكفار التنزيل لأنه قال عز وجل {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}. وتقول: «فلان ولي فلان» أي صاحب نعمته التي قد أسداها إليه وأنعم بها عليه كقول القائل لمن هو فوقه في الحال والمنزلة وكثرة المال، وقد أحسن إليه: «أنا وليك» أي أنا ولي نعمتك التي اصطنعتها إلي. وربما قال له ذلك طمعًا في نيل حظ منه مجازًا وإن لم يكن أحسن إليه قط أي اجعلني في جملة أوليائك الذين أحسنت إليهم لأستحق هذه الصفة.

وتقول: «فلان ولي فلان» أي مواليه ومتابعه على أموره، فأمرهما وشأنهما واحد كما قال عز وجل: {والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}. وقال: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} أي بعضهم موال بعضًا. فأمرهم وشأنهم واحد ويقال: فلان ولي فلان أي قريبه ونسيبه كأنه لا حاجز بين نسبيهما. ويوشك أن يكون من هذا قولهم فلان ولي فلانة أي ذو محرم لها ونسب، ويجوز أن يكون وليها أي يلي أمرها، ويقوم به فلا يتقدمه في ذلك أحد، ولا يحول بينه وبينها فيما يمضيه ويراه مما لها فيه صلاح. وقد يستعمل الولي بمعنى الوالي كما يستعمل الغريم بمعنى الغارم، والضريب بمعنى الضارب، والسميع بمعنى السامع، وليس ذلك بمنكر ولا مدفوع. ويقال: «فلان ولي فلان» إذا أعتقد عبدًا فله ولاؤه وهو وليه أي صاحب ولائه. يقال: «ولي بين الولاء» بفتح الواو، ووال بين الولاية بكسر الواو، ومولى بين المولوية، حكاه أبو عمرو الشيباني. وغيره «وفي فلان مولويه». والولي في غير هذا. مطر الربيع الثاني، يقال للأول «السومي» لأنه يسم الأرض بالنبات، والثاني «الولي» لأنه يلي الأول، كأنه من الموالاة والمتابعة، فهذه عشرة أوجه في الولي كلها ترجع إلى ما ذكرته لك أولاً فتدبرها لأن كلام العرب - كما قال أبو العباس المبرد - إذا اتفقت ألفاظه فبعضه آخذ برقاب بعض.

وتقول «ولي فلان مدينة كذا» من الولاية يليها ولاية، «وولاه فلان إياها تولية»، «ووليت الأمر والبلاد» كذلك إليه ولاية. وإذا أمرت قلت «له» يا هذا فزدت في آخره هاء للوقوف وليست من أصل الكلمة لكثرة ما لحقه من الإجحاف والحذف، وذلك أنه قد ذهبت فاؤه ولامه. وأصله من ولي، ففاؤه واو ولامه ياء فوجب سقوط الواو في المستقبل كما تسقط من «وعد يعد» و «وزن يزن». والأمر لا يكون إلا مستقبلاً، ووجب سقوط لامه للأمر كما تسقط من قولك في الأمر: «اقض» و «ارم» و «امض» فبقيت عين الفعل وهي اللام من ولي فقلت: «ل» «يا هذا»، فلما بقي على حرف واحد كثر بها الوقف، فإن اتصلت بها فاء أو الواو ونابت عن الهاء في التكثير فقلت: «فل عملك» أو «ول عملك». وكذلك تقول: «شه ثوبك» من الوشي، وإن دخلت الفاء والواو جري مجرى «فل عملك». وتقول في التثنية: «ليا عملكما» فترد لام الفعل وهي الياء لذهاب العلة التي كانت تسقط من أجلها، وذلك أنك كنت تحذفها في الواحد علامة للبناء والجزم كما تقول: «لم يمض» و «لم يمش» ثم تقول: «لم يمضيا» و «لم يمشيا»، وفي الأمر «امضيا» و «امشيا» فترد الياء لأن علامة الجزم والبناء سقوط النون كذلك في قولك: «ليا عملكما»، ولا ترد الواو التي هي فاء الفعل لأن العلة التي أذهبتها لم تسقط بعد. وتقول في الجمع: «يا رجال لوا عملكم» فتسقط الياء لأن الأصل «ليوا عملكم»، والياء إذا انكسر ما قبلها لا تلحقها ضمة ولا كسرة فتسكن الياء وتحذفها لسكونها وسكون واو الجمع بعدها، وتنقل ضمه الياء إلى اللام لتصح واو الجمع بعدها، ولا تنقلب ياء. وتقول لواحدة المؤنث: «يا هند لي عملك» بياء ثابتة وليست بلام الفعل تلك ساقطة للأمر ولكن هذه ياء التأنيث التي تكون في مثل قولك: «يا هند اضربي وانطلقي واركبي». وعلامة الجزم في هذا سقوط النون، ولفظ البناء هاهنا والجزم سواء كما إنه في الصحيح كذلك. وتقول للاثنتين كما تقول للمذكرين [لياعملكما] وتقول للجماعة: «يا هندات لين عملكن» بياء ثابتة وليست بياء التأنيث هذه

الغني

لام الفعل ولا تثبت ياء التأنيث مع النون التي هي إضمار جميع المؤنث، فقسه على قولك: «يا هذه اضربي» و «يا هاتان اضربا» و «يا هؤلاء اضربن». فإن أدخلت النون الثقيلة في واحد المذكر قلت في الأمر: «يا رجل لين عملك» و «يا رجلان ليان عملكما» و «يا رجال لن عملكم»، وفي المؤنث «يا مرأة لن عملك» و «يا مرأتان ليان عملكما» كما تقول للرجلين، و «يا نساء لينان عملكن»، وإن ثنيت العمل أو جمعته جاز، وإنما زدت الألف لتفرق بين النونات. وتقول في النون الخفيفة لواحد المذكر: «يا رجل لين عملك» بإثبات الياء وتخفيف النون كما تقول: «يا زيد اقضين بالحق»، ولا يقع في التثنية. وتقول في الجمع: «يا رجال لن عملكم» بضم اللام وتخفيف النون وإسقاط الياء. وتقول للواحدة المؤنثة من النون الخفيفة: «يا مرأة لن عملك» بكسر اللام وحذف الياء وتخفيف النون، كما تقول: «يا هذه اقض بالحق»، ولا تقع النون الخفيفة في التثنية ولا في جمع المؤنث. الغني الغني في كلام العرب: الذي ليس بمحتاج إلى غيره. وكذلك الله ليس بمحتاج إلى أحد جل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا كما قال: {إن الله لغني عن العالمين}. وكل الخلق إليه جل اسمه محتاج كما قال: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وهو الغني الحميد}. فالله عز وجل ليس بمحتاج إلى أحد فيما خلق وما يخلق، ودبر ويدبر، ويعطي ويرزق ويقضي ويمضي لا راد لأمره وهو على ما يشاء قدير. هذا أصل الغني في كلام العرب، وهو أن لا تكون بالإنسان حاجة إلى غيره وإنما سمي ذو اليسار والمال غنيًا لاستغنائه بالمال الذي عنده عن غيره وحاجة الناس

إلى ما عنده، وهذا مجاز. وليس في العالم أحد غنيًا في الحقيقة لأن بكل من فيه حاجة إلى غيره - كان ذا يسار أو معدمًا كبيرًا كان أو صغيرًا - لا بد له من الحاجة إلى غيره في معونة أو تصرف أو غير ذلك من أمور الدنيا التي بعضها منوط ببعض. وجمع من في العالم محتاج بعضهم إلى بعض إلا القليل ممن صرفوا فكرهم عن أمر الدنيا دفعة وانصرفوا إلى الباري جل اسمه وعلا. إن أولئك لا يكادون يستغنون عما يؤاريهم من الملبس ويكفهم من الحر والبرد ويغذيهم من المطعم والمشرب. فأمر الدنيا كذلكم بعضه مقرون ببعض. فليس الغني على الحقيقة غير الله، لأنه الغني في الحقيقة عن جميع الأشياء وكلنا إليه مفتقر محتاج. وقد يقول القائل من الناس أنا غني عن فلان، وفلان موسر مكثر، وهو معدم فقير، وإنما صار غنيًا عنه، لصرفه الطمع عما لديه، فتساويا فيما بعد ذلك، بل لعل ذلك الموسر المكثر، إذا ارتفع طمع الفقير فيما لديه، يحتاج إلى ذلك الفقير في أمر من أمور الدنيا، مما يستعين به فيه، فيكون محتاجًا إليه وهو عنه غني، ولذلك قيل: «الغني غني النفس»، وينشد هذان البيتان ويقال إنهما لعثمان بن عفان رضي الله عنه: غني النفس يغني النفس حتى يكفها ... وإن أعسرت حتى يضر بها الفقر وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر ومنه قول الخليل بن أحمد أنشدناه ابن الأنباري عن شيوخه: أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال سخى بنفسي أني لا أرى أحدًا ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال

فقد كشف لك عن معنى الغنى، وأوضحه ألا ترى أنه قال: «أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال» فقد عرفك أنه غني وهو غير ذي مال. فليس الغني بالمال فقط وكم من ذي مال مكثر لا يتصرف فيه ولا يستغني به ويتصدى لمعروف من هو دونه في اليسار، ويتضرع إليه فيصير هو الفقير وإن كان ذا مال، والمسؤول غنيًا وإن كان دونه في اليسار. وأهل اللغة مجمعون على أن الغني من اليسار، وكثرة المال مقصور مكسور الأول، وأن الغناء من الصوت ممدود مكسور الأول، وأن الغناء بمعنى النفع ممدود مفتوح الأول، يقال: «فلان قليل الغناء عنك»، أي قليل النفع. قال الشاعر: نقل غناء على مالك ... إذا الحرب شبت بأجدالها وربما جاء الغني من الجدة واليسار في الشعر ممدودًا ضرورة، وذلك عند الكوفيين جائز للشاعر استعماله ضرورة أعني مد المقصور، ولا يجيزه البصريون. وأنشد الكوفيون: سيغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناء فمد الغني كما ترى، وكان الزجاج ينشده «ولا غناء» بفتح أوله ويخرجه إلى معنى النفع، وقال: «النفع غير خارج عن معنى الغنى» وليس هذا بشيء لأن بين الغنى في اليسار والنفع بونًا بعيدًا.

ويجيز البصريون قصر الممدود للشاعر ولا يجيزون له مد المقصور، وفي هذا كلام طويل، وقد أملينا هذه المسألة بحججها وعللها في كتاب «المسائل الصغير» فكرهنا تطويل الكتاب بذكرها. وضد الغني: الفقير، ويقال فلان غني بين الغنى، وفلان فقير بين الفقر. قالوا اشتقاق الفقير من شيئين: أحدهما من فقرته أي كسرت فقار ظهره فكأنه لما ناله من ضعف الفقر والمسكنة فقير أي مكسور الفقار لا نهوض به. والآخر أن يكون من فقرت مشفر البعير إذا حزرته بحديدة، ثم جعلت على موضع الحز الجرير وعليه وتر ملوي لتذله بذلك وتروضه لينقاد، فكأن الفقير لسوء حاله ذليل منقاد. وللعرب ألفاظًا تستعملها في الغنى والفقر نذكر بعضها في هذا الموضع لأنه يليق بذلك، فمما يقال في الغنى على ما قرأته على أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج. قال: قرأت على أبي محمد بن الطيان المعروف بالقرشي. وقال: قرأت على أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت قال: تقول العرب للغني: «إنه لمكثر» و «إنه لمثر» و «قد أثرى يثري إثراء» إذا كثر ماله، وثرا بنو فلان بني فلان إذا صاروا أكثر منهم. ويقال: «إنه لذو ثراء وثروة» يراد أنه لذو عدد وكثرة.

ويقال: «إنه لذو وفر وذو دثر، وقد استوثن من المال واستوثج»، و «إنه لمترب»: له مال مثل التراب كثرة، وإن له لمالا جما أي كثيرًا، و «رجل مال وميل»، كثير المال. و «قد أمر ماله يأمر أمرًا»: إذا كثر، و «قد ضفا ماله يضفوا ضفوًا وضفوًا» كذلك. ويقال: «أضنى» القوم و «أضنؤوا»: إذا كثرت ماشيتهم، والمشاء والغشاء والوشاء - ممدودات -: تناسل المال وكثرته. ويقال: «إن له مالاً عكمسًا، وعكابسًا، وعكبسًا، وعكامسًا»: أي كثيرًا وهو في الماشية والإبل. وكل كثير متراكب: عكامس. ويقال: «إن له لمالاً ذا مز». والمز: الفضل، ويقال: «إن له لغنمًا علبطة»: أي كثيرة، ولا يقال إلا في الغنم. ويقال: «رجل حظيظ جديد»: إذا كان ذا حظ من الرزق وذا جد، «ورجل مرعب»: كثير المال، ويقالك «فلان في عيش رخاخ وعفاهم» أي واسع، و «إنه لفي أمة وبلهنية، ورفهنية، ورفاهية»، و «في غضراء من العيش»، و «إنه لذو طثر» يراد بذلك السعة، و «فلان في عيش رقيق الحواشي» أي ناعم. والحلق، المال الكثير، وكذلك الدبر، و «قد أحرف فلان»: كثر ماله ويقال: «جاء فلان بالطم والرم»: إذا جاء بالكثر، والطم: الرطب، والرم: اليابس. والفنع: كثرة المال، و «وقع فلان في الاهيغين»: أي في الطعام والشراب،

و «فلان عريض البطان»: إذا أثرى وكثر ماله، و «رخي اللبب» كذلك يصنع ما شاء، ويقال: «جاء بالضح والريح» في موضع الكثرة أي بما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح. «وفلان مليء زكاة»: أي حاضر النقد. ويقال «وفي المال يفي وفاء»، و «نمى ينمي نماء»: إذا كثر و «رجل مضر» أي له ضرة من المال أي قطعة يعتمد عليها، والهيء: الطعام، والجيء: الشراب. ويقال «فاد لفلان مال يفيد فيدًا»: إذا ثبت له مال. والاسم الفائدة، وقالوا: «استفاد فلان مالا استفادة»، وكرهوا أن يقولوا: «أفاد مالا»، وقال بعض العرب: «أفاد مالا»: إذا استفاد مالا. ويقال: فلان في عيش غرير، وأغرل، وأرغل، وأغضف، وأوطف، وأغلف: إذا كان مخصبًا، وعيش رغد مغد بمعنى، وعام أزب: مخصب، ورجل مضيع: كثير الضيعة، والغيداق: الواسع من كل شيء. ويقال: أرتع القوم: وقعوا في خصب ورعوا. ومما يقال في الفقر قد ذكرنا معنى الغنى والفقر واشتقاقهما، وأكثر أهل العلم على أن الفقير: الذي له البلغة من العيش، والمسكين: الذي لا شيء له وبالإسناد المتقدم عن ابن السكيت قال: قال يونس بن حبيب: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين، يقال من ذلك على ما ذكره ابن السكيت بالإسناد المتقدم: فلان فقير، مقتر، محوج، مقل، مخل، معوز، مفتاق: ذو فاقة، محتاج: ذو حاجة،

مسكين، معدم، صعلوك، ذو خصاصة، سبروت - وقد قيل: سبريت أيضًا - كانع، مدقع، قانع وهو الذي يسأل الناس، يقال منه: قنع - يقنع قنوعًا إذا سأل، ومن الرضا قنع يقنع قناعة يقال: «نسأل الله القناعة بما رزق، ونعوذ به من القنوع»، وينشد للشماخ: لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع أي من مسألة الناس. ويقال أيضًا «رجل مملط»، «ومعصب» وهو الذي عصبت السنون ماله وقيل: هو الذي يتعصب بالخرق من سوء الحال والجوع. والمسيف: الذي قد ذهب ماله - والسواف: الموت، وقع في المال سواف، وهذا قول الأصمعي، والأول قول أبي عبيدة - وإنه لمخفق، وإنه لملفلج، وملفج - بفتح الفاء وكسرها قد رويا جميعًا - ومفلس، وعائل - عال يعيل: إذا افتقر، وعال يعول: إذا

جار، وأعال عياله يعيلهم: إذا صانهم - ويقال رجل مكد: إذا امتنعت عليه الأشياء، ورجل مبلط: قد لزق من فقره بالبلا وهي الأرض الملساء، ويقال رجل مصرم، مخف، جحد، معر، زمر، كل هذا بمعنى قلة المال. وفلان ذو خصاصة وهي الفقر والحاجة، والشظف: يبس العيش وشدته، ورجل ترب: إذا لزق بالتراب لفقره، ويقال رجل مرمل، ومنفق، ومقو، إذا ذهب طعامه في سفر أو حضر، ورجل مقفر: إذا بات في القفر فلم يأو إلى منزل، ولم يكن معه زاد، ورجل مكر: إذا ذهب ماله وكذلك إذا ذهب زاده في السفر، ومنفض: إذا ذهب طعامه من اللبن وغيره. ومن أمثال العرب «النفاض يقطر الجلب»: معناه إذا انفض القوم قطروا إبلهم التي كانوا يضنون بها فجلبوها للبيع. ورجل أرمل محتاج، وقوم أرملة وأراملة وأرامل. وقال أبو عبيدة: جاء في الحديث «لا يترك في الإسلام مفرج» - بالجيم - وهو المغلوب المحتاج أي لا يترك في أخلاق المسلمين حتى يوسع عليه. والضفف: قلة ذات اليد وكثرة العيال وكذلك الوبد: الضيق وكثرة العيال، «والحور بعد الكور»: القلة بعد الكثرة، قال الأصمعي: مثله: «العنوق بعد النوق»، «والمجرف»: الذي قد ذهب ماله، والمجلف: الذي ذهب أكثر ماله، وهذا باب يكثر جدًا، وفي هذا المقدار منه كفاية في هذا الموضوع، ونعود لتمام القول في معنى الغنى.

الحميد

ويقال: غنيت عن كذا وكذا غنى، وأنا عنه غان، ومنه قول طرفة: متى تأتني أصبحك كأسًا روية ... وإن كنت عنها غانيًا فاغن وازدد وغنينا بمكان كذا وكذا أي أقمنا به. والمغني: المنزل، والجمع مغان، قيل سمي بذلك لأنهم غنوا بالمقام به عن سواه. والغانية من النساء قيل: هي التي غنيت بحسنها عن التحسن، وهو قول الأصمعي، وقيل: هي التي غنيت بزوجها، والجمح الغواني. قال النابغة: في إثر غانية رمتك بسهمها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد ويروى «في أثر جارية». وقالوا في قول النابغة: غنيت بذلك إذ هم لك جيرة ... منها بعطف رسالة وتودد أي عاشت بذلك من قول الله عز وجل: {كأن لم يغنوا فيها} وقوله: بعطف رسالة وتودد منها لي أي غنيت تلك الحال التي وصفها عنها، وغنيت أنا بعطف رسالة منها وتودد، فاضمر لما في سياق الكلام عليه من الدليل. والغناء من الصوت كما ذكرت لك ممدود. قال الشاعر: تغن بالشعر أما كنت قائله ... إن الغناء لهذا الشعر مضمار الحميد الحميد: المحمود ذو الحمد المستحق لذلك، وقد ذكرنا الفرق بين الحمد والشكر في ذكرنا معنى الشاكر فيما مضى من الكتاب.

القائم

القائم القائم: «هو القائم على كف نفس بما كسبت» والقائم بأمور عباده وقد شرحناه مستقصي في ذكر اشتقاق القيوم. الوهاب الوهاب: الكثير الهبة والعطية، وفعال في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وهاب يهب لعباده واحدًا بعد واحد ويعطيهم، فجاءت الصفة على فعال لكثرة ذلك وتردده. والهبة: الإعطاء تفضلاً وابتداء من غير استحقاق، ولا مكافأة قال الأعشى: يهب الجلة الجراجر كالبستان تحنو لدردق أطفال ... والبغايا يركضن أكسية الاضريج والشرعبي ذا الأذيال ... والمكاكيك والصحاف من الفضة والضامزات تحت الرجال ... وقال النابغة: الواهب المائة الإبكار زينها ... سعدان توضح في أوبارها اللبد ويقال: وهبت أهب هبة، وأصله أوهب وهبة. وكذلك وهب زيد لفلان هبة يهب، والأصل يوهب فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت لذلك، ثم ذهب بيفعل إلى يفعل لمكان حرف الحلق وهو الهاء ففتح المستقبل لذلك، فقيل: «يهب» كما ترى وحمل سائر المضارع عليه لئلا يختلف الباب، وقيل في المصدر: «هبة» وكان أصله «وهبة» فكرهوا الكسرة في الواو لاعتلال الفعل منه فحذفوها، وألقوا حركتها على

السريع

الحرف الذي بعده لأنهم لو تركوها بعد سلب حركتها فلا يمكن النطق بها إلا باجتلاب ألف الوصل لها فكانت تجيء ألف الوصل مكسورة وبعدها الواو ساكنة كان يلزم قلبها ياء، فكان يصير «إيهبة فكانوا يصيرون إلى أثقل مما هربوا منه فرفضوا ذلك، وحذفوا الواو وألقوا حركتها على ما بعدها فكان ذلك أخف عليهم». السريع السريع: فعيل من قولهم: «سرع فلان فهو سريع» أي صار سريعًا كقولهم: «ظرف فلان فهو ظريف»، و «كرم فهو كريم». ومعنى السريع في صفاته تعالى عز وجل أنه سريع الحساب لعباده وأن أفعاله تسرع فلا يبطئ منها شيء عما أراد لأنه بغير مباشرة ولا علاج، ولا كلفة وإنما أمره لشيء إذا أراده أن يقول له «كن فيكون» فهذا معنى السريع على توجيه اللغة والله أعلم وأحكم. وتقول العرب: «سرعان ما فعل فلان كذا» بمعنى سرع كما يقولون وشكان ذلك، ومنهم من يقول: «سرع ذلك» بمعنى سرع فيخففون، أنشد ابن السكيت: أنورًا سرع ماذا يا فروق ... وحبل الوصل منتكث حذيق يريد: «سرع ذا» و «ما» زائدة. الخبير الخبير: العالم بالشيء، يقال: «خبرت الشيء واختبرته» إذا علمته، والخبر:

الرقيب

مخبرة الإنسان إذا أخبر أي جرد فبدت أخلاقه. والخبرة - بالكسر - الاختبار. تقول العرب: «أنت أبطن بفلان خبرة وأطول له عشرة». والخبر: ما أتاك عن نبأ غيرك. وتقول أخبرت فلانًا وخبرته، ويجمع الخبر أخبارًا. والخبار: أرض رخوة تعتع فيها الدواب قال الشاعر: يتعتع في الخيار إذا علاه ... ويعثر في الطريق المستقيم والخبرة: المزادة، والخبر: النصيب، ويقال: ناقة خبر وخبرة إذا كانت غزيرة تشبيهًا بالمزادة، والخبير: الفلاح، والمخابرة: المؤاكرة على النصف أو الثلث أو نحوه، والخبرة: السفرة وجمعها خبور، ويقال: «خرج القوم بخبورهم» أي بسفرهم. الرقيب الرقيب: الحافظ، وهو مما جاء على فعيل بمعنى فاعل بمنزلة شهيد بمعنى شاهد، وعليم بمعنى عالم، وسميع بمعنى سامع، وكفيل بمعنى كافل، وكذلك حفيظ بمعنى حافظ، ورقيب بمعنى راقب، والرقبة: الحفظ، والمرتقب: المنتظر، والارتقاب: الانتظار، والرقب: غلظ الرقبة، رجل أرقب وامرأة رقباء، والرقوب: المرأة التي لا ولد لها، وكذلك الرجل الرقوب الذي لا ولد له. في الحديث: «ليس الرقوب الذي لا ولد له إنما الرقوب الذي لا فرط له». والرقبي والعمري يقال منهما: أعمرته دارًا وأرقبته دارًا فالعمري: أن يسكن الرجل آخر

الحسيب

في منزله عمره، ثم يسترجعه صاحبه عند موت الساكن، والرقبى: أن يسكنه فيه فإذا مات المسكن ارتجعه ورثته. الحسيب الحسيب في اللغة على أوجه، الحسيب: المحاسب على الشيء، الموافق عليه، فالله عز وجل حسيب عباده أي محاسبهم على أعمالهم، ومجازيهم عليها. والحسيب في غير هذا: الرجل: الشريف الكريم الذي يعد لنفسه أباء كرامًا ومآثر حسنة كأنه من الحساب. والحسيب: الكفي، يقال: «هذا حسيب فلان» أي كفيه، والحسيب يكون بمعنى المحاسب بتأويل مفعول، كما يكون قتيل بمعنى مقتول، ودهين بمعنى مدهون، وعديل بمعنى معادل ومعادل، وشريب بمعنى مشارب ومشارب. ويقال: «حسبك كذا» أي يكفيك، ومنه قوله عز وجل: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} أي يكفيك الله ومن اتبعك من المؤمنين. قال أهل العربية: في موضع «من» قولين، قالوا: جائز أن يكون في موضع نصب على تقدير {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} أي يكفيك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين، فلما لم يكن عطف «من» على الكاف في «حسبك» لأنه مضمر مخفوض أضمر له فعل فنصب به، لأن المضمر المخفوض لا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض. وجائز أن يكون «من» في وضع رفع عطفًا على الله عز وجل، والتقدير {حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} أي يكفيك الله والمؤمنون الذين اتبعوك. وفيه وجه ثالث على مذهب من أجاز من الكوفيين «مررت به وزيد» و «دخلت إليك وعمرو» فأجاز

العطف على المضمر المخفوض بغير إعادة الخافض، وعلى مذهب حمزة في قراءته {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} بالخفض أن تكون «من» في موضع خفض عطفًا على الكاف في قوله «حسبك». ومثله قول الشاعر: نعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والأرض غول نفانف وقول الآخر: أكر على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها والشواهد من الشعر في هذا كثيرة، وأهل الكوفة يجيزونه - أعني عطف الظاهر على المضمر المخفوض - ويتعلقون بهذه الشواهد من الشعر، وأهل البصرة يأبونه. وتقول: «أحسبت الرجل» أي أعطيته ما يكفيه، ومنه قوله عز وجل: {عطاء

حسابا} أي كثيرًا كافيًا. ويقال أيضًا: «أحسبت فلانًا» أي أكثرت له. قال الشاعر: ونقفي وليد الحي إن كان جائعًا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع وقال بعض أهل اللغة: أصل هذا أن يعطيه حتى يقول: «حسبي». وقالوا في قول امرئ القيس: كدعص النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مس وتسهال شبهها بالدعص من الرمل لكثافته وصلابته، وهو مع ذلك يمشي الوليدان فوقه بما احتسبا: أي باحتسابهما يعني: بما كان لهما حسبًا أي كفاية، والتسهال: السهولة وهو مثل التكرار، والتمشاء. وتقول: «حسبت الحساب أحسبه حسبا وحسبانا»، والحساب: ألاسم ومنه قوله عز وجل: {الشمس والقمر بحسبان} وتقول: حسبت الشيء -من الظن- أحسبه وأحسبه محسبة، ومحسبة، وحسبانًا. وتقول: «ما كان ذلك في حسباني» -بكسر الحاء- أي في ظني. وقد أجاز بعض أهل اللغة أن يقال: «ما كان ذلك في حسابي» أي فيما أحسبه من أموري، وأعده.

الشهيد

والحسبان أيضًا - بضم الحاء - العذاب من قوله عز وجل: {يرسل عليها حسبانا من السماء}. قال الضحاك: الحسبان: العذاب، وقال أهل اللغة: الحسبان: المرامي التي يرمى بها، الواحدة حسبانة، والحسبانة أيضًا: المخدة. الشهيد الشهيد في اللغة: بمعنى الشاهد، كما إن العليم بمعنى العالم، والرحيم بمعنى الراحم، والشاهد خلاف الغائب، تقول العرب: «فلان كان شاهدًا لهذا الأمر» أي لم يغب عنه. فالله عز وجل لما كانت الأشياء لا تخفى عليه كان شهيدًا لها وشاهدًا لها أي عالمًا بها وبحقائقها علم المشاهد لها، لأنه لا تخفى عليه خافية. والشهيد أيضًا في اللغة: الشاهد الذي يشهد بما عاين وحضر، كما يقال: «فلان شاهد فلان وشهيده» كما قال عز وجل: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي شاهدًا. ويقال: «شهدت كذا وكذا شهادة». واشتقاق الشهادة والإشهاد في الديون من المشاهدة لأنه إنما يكون عن مشاهدة من يشهد عليه، وما يشهد عليه، وهو من جنس ما يسمى الشيء باسم الشيء إذا تعلق به، أو كان منه بسبب. فالشهادة إنما هي مشاهدة المشهود عليه، والمشهود له، فسمي قول المشاهد وحكايته لما عاين شهادة لذلك، وسمي المقتولون في سبيل الله شهداء لأنهم كالأحياء كما قال عز وجل: {ولا

تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وقال عز وجل: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} قال أهل التفسير: كان المشركون يقولون: إن أصحاب محمد يقتلون أنفسهم في هذه الحرب لغير سبب ولا فائدة ثم يموتون فيذهبون فأعلمهم الله عز وجل أنهم أحياء في حكمه، وأنهم سيحيون، ويثابون، ويخلدون في الجنة، ويتنعمون نعيمًا دائمًا، ويبقون بقاء لا موت بعده، ولا فناء. وقال الحسن: الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم أيام الحياة فيصل إليهم فرحه كما تعرض نار جهنم على أرواح آل فرعون غدوة وعشية أيام الحياة فيصل إليهم اللهب. وقال قوم: تأويله هم أحياء في دينهم، كما قال: {أو من كان ميتًا فأحينناه وجعلنا له نورًا يمشي به الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}. فجعل المهتدي حيًا، والضال ميتًا. وقالوا في قوله عز وجل {والسماء ذات البروج، واليوم الموعود وشاهد ومشهود}: اليوم الموعود: يوم القيامة، وشاهد: بمعنى شاهد يوم الجمعة كأنه أقسم بمن يشهده، ومشهود: يعني يوم عرفة. وللعلماء في هذه الأقسام التي أقسم الله بها عز وجل في كتابه نحو قوله: {والطور، وكتاب مسطور. في رق منشور. والبيت المعمور}. ونحو قوله:

العفو

{والنجم إذا هوى}. {والسماء والطارق} وما أشبه ذلك قولان، أحدهما أن تأويله ورب النجم، ورب الطور، فكأنه أقسم بنفسه. والآخر أنه أقسم بهذه الأشياء لأن عادة العرب كانت قد جرت بأنها تقسم بالأشياء الجليلة، فنبه الله عز وجل على هذه الأشياء التي أقسم بها وأحكام صنعتها، وقدرة خالقها لتنبهوا على جلالة خالقها عز وجل، وقدرته، وحكمته. العفو العفو: فعول من قولك: عفا يعفو عفوًا فهو عفو، فالله عز وجل هو عفو عن خلقه، غفور لهم. قال الخليل بن أحمد: كل من استحق عقوبة فتركته ولم تعاقبه عليها فقد عفوت عنه عفوًا، والعفو أيضًا: المعروف، والعفو أيضًا: طيب المال، وعفو الفرس: ما أعطاك من جريه على غير استكراه، ويقال: «خذ عفو فلان»: أي ما أبت به نفسه ويقال: عفا المنزل: إذا درس، والمصدر العفاء ممدود، وعفت الريح المنزلة تعفوه عفوًا وعفاء ممدود، وتعفت الدار، وعفا الأثر، قال زهير: قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بل وغيرها الأرواح والديم والعفو متعلق بالمفعول لا يكون العفو إلا عن مذنب موجود مستحق للعقوبة، ويجوز أن يكون على مذهب [أهل] اللغة العفو عن الذنب، إذهابه وإبطاله كما يقال: عفت الريح المنزل: أي محت معالمه ودرست آثاره. فالعافي عن الذنب كأنه مبطل له، مذهب، فإذا عفا عن الذنب فقد أبطله وذهب به فيكون اشتقاقه من هذا.

والعفاء بالمد: التراب، تقول العرب في السب: «بفيه العفاء». والعفاء أيضًا بالمد: الدروس كما ذكرنا، قال زهير يصف دارًا. تحمل أهلها منها فبانوا ... على آثار ما ذهب العفاء والعافي: طالب المعروف، وهم المعتفون والعفاة في جمع التكثير مثل رام ورماة، وغاز وغزاة، وهذا جمع اختص به المعتل خاصة أعنى ما جمع على فعلة نحو غزاة، وعفاة وليس له نظير في الصحيح تقول: اعتفيت فلانًا: طلبت معروفه وفضله، والعافية من الطير والدواب: التي تطلب وتعتفي كأنها تطلب رزقها. والعافية: دفاع الله عن العبد تقول: عافاه الله معافاة. والاستعفاء: أن تطلب إلى من كلفك أمرًا أن يعفيك منه. والعفو - بكسر أوله -: ولد الحمار. يقال: عفو، وعفو، والجمع عفوة، وفيه لغة ثالثة لطيء، يقولون: هو العفا - بفتح أوله والقصر - قال الشاعر: بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق والعفا بالمد: ما كثر من الوبر والريش، ويقال: عفا القوم إذا كثروا، وعفوا إذا قلوا، وهو من الأضداد.

المقيت

المقيت المقيت: المقتدر على الشيء، يقال: «أقات على الشيء»: إذا اقتدر عليه قال الشاعر: وذي غضن كففت النفس عنه ... وكنت على منساءته مقيتا والمقيت أيضًا: الشاهد للشيء، الحافظ. قال: ليست شعري وأشعرن إذا ما ... قربوها منشورة فأريت ألي الفضل أم علي إذا حو ... سبت إني على الحساب مقيت الوكيل الوكيل: فعيل من قولك وكلت أمري إلى فلان وتوكل به أي جعلته يليه دوني وينظر فيه. فالله عز وجل وكيل عباده أي كافيهم أمورهم وأسبابهم، كما يقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» تأويله كافينا الله ونعم الكافي. والوكيل: الكفيل أيضًا كذلك قالوا في قوله تعالى عز وجل في سورة يوسف:

الباطن والظاهر

{والله على ما نقول وكيل} أي كفيل. ويقال رجل وكلة تكلة إذا كان يكل أمره إلى غيره. الباطن والظاهر الباطن: اسم الفاعل من بطن وهو باطن إذا كان غير ظاهر، والظاهر: خلاف الباطن، فالله ظاهر باطن، هو باطن لأنه غير مشاهد كما تشاهد الأشياء المخلوقة عز عن ذلك وعلا، وهو ظاهر بالدلائل الدالة عليه وأفعاله المؤدية إلى العلم به، ومعرفته، فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عز وجل عن ذلك [وتعالى] علوًا كبيرًا. ويجوز في اللغة أن يكون الباطن العالم بما بطن أي خفي كقولك: «بطن فلان بفلان» أي خص به فعرف باطن أمره، و «هؤلاء بطانة فلان» أي خاصته. ويجوز أيضًا أن يكون الظاهر، القوي كقولك: «ظهر فلان بأمره فهو ظاهر عليه» أي قوي عليه، وجمل ظهير أي قوي شديد. قال الأصمعي: يقال: «ظاهر فلان فلانًا على فلان»: إذا مالأه عليه، ويقال: «اتخذ معك بعيرًا أو بعيرين ظهريين»: أي عدة، والجمع ظهاري كما ترى. القدير القدير: القادر، وهو من أبنية المبالغة في الوصف، وقد مضى شرحه في أول الكتاب في ذكر القادر.

اللطيف

اللطيف اللطيف: اسم الفاعل من لطف فهو لطيف كقولك: «ظرف زيد فهو ظريف» و «كرم فهو كريم»، فالله عز وجل لطيف بعباده في معايشهم، وأرزاقهم، وهدايتهم، والألطاف التي تسهل عليهم طاعته وتقربهم منه. المحيي المميت المحيي: اسم الفاعل من أحيا يحيى فهو محي، والمميت: اسم الفاعل من أمات يميت فهو مميت، فالله عز وجل المحيي المميت، واسم المفعول محيًا - مقصور - وممات، والمصدر الإحياء والإماتة. وأصل أمات: «أموت» فنقلت حركة الواو إلى الميم لاعتلالها في «مات يموت» فانقلبت ألفًا فقيل «أمات» وكان سبيل مصدره أن يكون «إمواتًا» كقولك: «أكرم إكرامًا» و «أقبل إقبالاً» ولكنه لما كانت الواو في الفعل معتلة أعلت في المصدر أيضًا، فنقلت حركتها إلى ما قبلها وقلبت ألفًا، فاجتمعت ألفان ألف «أفعال» والألف المنقلبة من الواو، فلزم حذف إحداهما لأنه لا يمكن التحريك فيهما فحذفت إحداهما وجعلت الهاء في المصدر لازمة عوضًا من الألف المحذوفة فقيل «إماتة». فالخليل ومن تابعه يذهب إلى المحذوفة الزائدة من عين الفعل. ولكل فريق احتجاج لمذهبه ليس هذا موضع ذكره. وكذلك ما كان من هذا النوع من الأفعال معتل العين فالهاء تلزم في مصدره عوضًا من الذاهب منه نحو «أقام الصلاة إقامة»، و «أراد إرادة» و «أماط الأذى إماطة»، وما أشبه ذلك. وربما حذفت الهاء منه إذا كان مضافًا يكون المضاف إليه كالعوض منها كما قال عز وجل: {وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} فحذف الهاء منه كما ترى لما كان مضافًا.

المحيي المميت

وقد مضى القول في الحياة وتصريف فعلها في ذكر الحي فيما مضى من الكتاب. وتقول: «مات زيد يموت موتًا فهو ميت»، واسم الفاعل على القياس «مائت» كقولك: «قام زيد فهو قائم»، و «نام فهو نائم» و «صام فهو صائم»، وكذلك ما أشبهه ولم يجئ ذلك في كلامهم فيما أعلمه، وأحسبه عدل عنه لما لم يكن فاعلاً للموت في الحقيقة كما يفعل «الصوم» و «القيام» وما أشبه ذلك. ولو جاء لم يكن فاعلاً للموت في الحقيقة كما يفعل «الصوم» و «القيام» وما أشبه ذلك. ولو جاء لم يكن بممتنع لأنه قد تأتي أفعال ليس الموصوف بها فاعلاً في الحقيقة ثم يصرف منها اسم الفاعل والمفعول كقولنا: «طال زيد فهو طويل» و «شب فهو شاب» و «عمى فهو أعمى» و «سقم فهو سقيم»، و «مرض فهو مريض» وما أشبه ذلك، فلو قيل: «مات زيد فهو مائت» على هذا ما كان منكرًا، وإن جاء في كلام قديم لم يكن مردودًا ألا ترى أن الفرق بين فعله المجاز وفعل الله به في الحقيقة يقع بقولنا: «أمات الله زيدًا» فالله مميت وزيد ممات، ولم يكن في إخراج اسم الفاعل من «مات» على القياس ليس إذا كان المعنى في ذلك معلومًا. فأما قول المنطقيين في حد الإنسان «أنه حي ناطق مائت» قالوا: تأويل مائت عندهم هو القابل للموت، فليست هذه اللفظة في مذهب العربية صحيحة وإن كانت صحيحة المعنى في غرضهم عندهم، لأنه لا يعرف في العربية «فاعل» بتأويل قابل للفعل مثل «ضارب» بتأويل «قابل للضرب»، و «شاتم» بتأويل «قابل للشتم». ولكن يجيء في العربية «فاعل» بتأويل «مفعول» و «مفعول» بتأويل «فاعل» وليس من هذا الذي ذهبوا إليه في شيء. واختلف العلماء في الفرق بين «ميت» و «ميت» بالتشديد والتخفيف، فقال بعضهم: «ميت» بالتشديد لما سيموت و «ميت» بالتخفيف لما قد مات وتعلقوا بقول عر

فرفعت الأسماء بها استعارة كما جاز استعمالها استعارة لمن ليست هي له. والاستعارة في كلام العرب كثيرة جدًا كقولهم: «غرز فلان ذنبه في هذا البلد» إذا قام به، وكقولهم: «ما زلت أفتل في ذروة فلان وغاربه حتى صرفته عن كذا وكذا»، وإنما الذروة والغارب للجمل وكقولهم: «حرك خشاش فلان فغضب»، والخشاش: الخشبة التي تجعل في عظم أنف البعير، قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد: تقول العرب: «فلان غليظ الجحافل» لذوات الحوافر، والمشافر لذوات الخف، قال الحطيئة: سقوا جارك العيمان لما تركته ... وقلص عن برد الشراب مشافره وقال آخر: ولو كنت ضبيًا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيا غليض المشافر وقال آخر: ........... ... إلى ملك أظلافه لم تشقق

يا نعم المولى ونعم النصير

وقال أبو دؤاد الأيادي: فبتنا قيامً لدي مهرنا ... ننزع من شفتيه الصفارا فجعل له شفتين وإنما هما للناس، وهو كثير في كلامهم. يا نعم المولى ويا نعم النصير اعلم أن نعم للحمد والثناء. وهي كلمة موضوعة لاستيعاب الحمد في الجنس المذكور للممدوح بها كقولك: «نعم الرجل زيد»، إنما ذكرت أنه مستحق للثناء في جنس الرجال، وبئس للذم، وأصلهما من قولك: «نعم الرجل» إذا أصاب نعمة وبئس إذا أصاب بؤسًا، فنقلا من ذلك إلى الحمد والثناء، فنعم للمحمدة والثناء وبئس للذم. وهما عند الكسائي وجميع البصريين فعلان غير متصرفين، وهما عند الفراء اسمان. فتقدير هذا الكلام على مذهب الكسائي وسيبويه وجميع البصريين: أن النداء واقع على غير نعم لأن الأفعال لا تنادى لأنه مما تختص به الأسماء لا خلاف في ذلك، فتقدير هذا على وجهين: أحدهما أن يكون المعنى «يا ألله نعم المولى أنت» و «يا الله نعم النصير أنت» لأنه

وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {إنك ميت وإنهم ميتون} أي إنك ستموت وإنهم سيموتون. وذهب الأكثر إلى أن الميت والميت سواء لما قد مات وما سيموت وإنما هو تخفيف، وأنشدوا لابن الرعلاء الغساني: ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبًا ... كاسفًا باله قليل الرجاء فاستعملهما جميعًا فيما سيموت. واختلف النحويون في وزن ميت فقال البصريون: وزنه «فيعل» وأصله «ميوت» قلبت الواو ياء لسكون الياء قبلها. وأدغمت الياء الأولى في الثانية فقيل: «ميت»، ومثل ذلك «سيد» أصله «سيود» فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى في الثانية. وأما «ميت» فإنما هو تخفيف «ميت» كما قيل «هين» و «هين» و «طيب» و «طيب». وقال الفراء: أصله «مويت» على «فعيل» ثم أعلت الواو وقلب وأدغمت، قال: لأنه ليس في كلام العرب «فيعل» بكسر العين إنما فيه فيعل مثل بيطر وبيدر فقال البصريون: «فيعل» بكسر العين بناء اختص به المعتل لأنهم يخصون المعتل بما لا يكون في الصحيح، كما قالوا: «قاض» و «قضاة» و «رام» و «رماة»، وما أشبه ذلك مما لا نظير له في الصحيح.

واختلف النحويون في رفع الأسماء بهذه الأفعال المستعارة نحو «تحركت النخلة»، و «سقط الحائط»، و «مات زيد»، وما أشبه ذلك بأي شيء ترفع الأسماء ولا أفعال لها في الحقيقة؟ فقالوا في ذلك أقوالاً: أما ما ذهب إليه من لزم مذهب سيبويه ومقياس كلامه فإنه يقول: إنا لا نرفع الأسماء بالأفعال لأنها فاعلة في الحقيقة، وإنما الفعل حديث عن المحدث عنه وآلة ترفع ما شغلت به، فتقول: «قام زيد» و «لم يقم زيد» و «سيقوم زيد» و «هل قام زيد»؟ و «لن يقوم زيد». فهو في كل هذه الأحوال مرفوع بإسناد الحديث إليه فاعلاً كان في الحقيقة أو غير فاعل. وكذلك «ضرب زيد» و «أكرم عبد الله» لما حذف الفاعل وشغل الفعل بالمفعول فجعل حديثًا عنه ارتفع به، وكذلك «مرض زيد»، و «مات عمرو»، و «سقط الحائط» وما أشبه ذلك. لما شغلت الأفعال بهذه الأسماء وجعلت حديثًا عنها وجب رفعها بها. وقال الكسائي ومن ذهب مذهبه: الأسماء ترفع بعد هذه الأفعال لأنها فاعلة في المعنى فذهب إلى أن «ما قام زيد» بمنزلة «ترك القيام زيد» وكذلك «لم يقم عمرو»، كذلك «ضرب زيد» و «شتم عمرو» وما أشبه ذلك، لأنه في معنى «عجز ونكل عن الانتصار» فهو فاعل على هذا التقدير. وإذا سمي الفاعل انصرف الحديث إليه وخرج المفعول منصوبًا. وقال من يذهب هذا المذهب - وقد تعلق به أيضًا جماعة من متأخري البصريين - إن قولنا: «تحركت النخلة» إنما رفعناها بفعلها لأن التأويل إنه ظهر منها ما يشبه فعل المتحرك باختياره وفعله فرفعناها حملاً على ذلك. وكذلك «طالت النخلة» و «سقط الحائط». وما أشبه ذلك عندهم «مات زيد» لأن الموت وإن كان ليس من فعله فالذي يكابده عند الموت من النفس والعلاج والعلز، وما أشبه فعله فوجب رفع اسمه ذلك. وقال آخرون «مات زيد» و «تحركت النخلة» و «سقط الحائط» وما أشبه ذلك أفعال مستعارة مضافة لفظًا إلى غير فاعلها في الحقيقة، وقد علم المقصد والمراد بها

قد علم أن الداعي لله في حال دعائه وندائه مخاطب له مناد فجاز الإضمار لذلك. والآخر أن يكون التقدير: «يا هؤلاء نعم المولى الله» و «يا هؤلاء نعم النصير هو» كما ذكرنا ذلك فيما مضى في شرحنا قولهم: «يا لا إله إلا هو». فأما على مذهب الفراء فإن النداء واقع بنعم لأنه يزعم أنه اسم واستدل على ذلك بقول العرب: «نعم السير على بئس العير» فأدخلوا على بئس الجر، ولا يدخل إلا على اسم. ويقول حسان: ألست بنعم الجار يؤلف بيته ... كذي العرف ذا مال كثير ومصرما وبإدخال حرف النداء عليها كقولهم: «يا نعم المولى ونعم النصير» وكل هذا من دلائل الأسماء. واستدل على ذلك أيضًا بامتناعهما من التصرف من ردها إلى المستقبل وبناء اسم الفاعل والمفعول منهما، وبأنهما ليس على شيء من أوزان الأفعال لأنه ليس فعل على وزن «نعم» و «بئس» على «فعل» بإسكان الثاني وكسر الأول. فمن حجة من خالفه أنهم يقولون: إن «نعم» و «بئس» لما خالفا بابهما ونقلا عنه فخرجا من باب النعمة والبؤس إلى باب الحمد والثناء وتضمنا معنى - وليس من حكم الأفعال أن تدل على المعاني، إنما تدخل عليها الحروف الدالة على المعاني - ضارعًا الحروف وجمدا فصارا كالأسماء فلم يبن منهما مستقبل ولا اسم الفاعل والمفعول لذلك. وأما دخول حروف الخفض عليهما فلذلك على الحكاية. وأما دخول حرف النداء فقد مضى القول فيه أن النداء واقع بغيرهما من المضمر المنوي به في النية. وأما بناؤهما فأصلهما «نعم» و «بئس» ثم قيل «نعم» و «بئس» ثم أسكنا من ذلك

كما قالوا: «كرم زيد «يريدون» كرم زيد»، وكما قال الشاعر: لو عصر منه ألبان والمسك انعصر ... ولا تدخل «نعم» و «بئس» إلا على ما عرف بالألف واللام، أو ما أضيف إلى ما عرف بالألف واللام، أو المضمر فيهما، وتنصب النكرة معهما على التمييز. هذه جملة بابهما. والمولى في كلام العرب على وجوه: المولى: الناصر، والمولى: المنعم، والمولى: المنعم عليه، والمراد به في الآية يجوز أن يكون الناصر فقيل: «يا نعم المولى ويا نعم النصير». والنصير والناصر والمولى سواء، فجاز الجمع بينهما لاختلاف الألفاظ. والمولى في غير هذا: ابن العم. قال الشاعر: مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا وقال عز وجل: {وإني خفت الموالي من ورائي}. والمولى: معتق العبد، والمولى: العبد المعتق، والمولى: الحليف، والمولى: الولي والوارث، وقالوا في قوله عز

الحفيظ

وجل: {ولكل جعلنا موالي} أي أولياء، ورثة وعصبة. وقد ذكرنا من تصريف فعل الولي فيما مضى من الكتاب ما فيه كفاية. الحفيظ الحفيظ: الحافظ، فعيل بمعنى فاعل كقولهم: «ضرب قداح» بمعنى ضارب، تقول: «حفظت الشيء أحفظه حفظًا فأنا حافظ وهو محفوظ» إذا لم تهمله فيضيع. وحفظة الشيء خلاف نسيته، فالله عز وجل حافظ لعباده يكلؤهم بطوله وإنعامه، وهو حفيظ لهم وحفيظ لأفعالهم عليهم، لا يعزب عنه تبارك وتعالى. والحفاظ والمحافظة: المثابرة على الشيء ومراعاة الذمام. وجمع حافظ حفاظ وحفظة، والحفوظ أيضًا: المحافظة على الشيء المراعي المكافأ عليه. وتقول: «حفظت الرجل: إذا أغضبته أحفظه إحفاظًا» والحفظة: الحقد والضغينة، من ذلك قال العجاج: وحفظة أكنها ضميري ... مع الجلا ولائح القتير القريب القريب في اللغة على أوجه، القريب: الذي ليس ببعيد، فالله عز وجل قريب ليس ببعيد، كما قال عز وجل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} أي أنا قريب الإجابة. وهو مثل قوله عز وجل: {وهو معكم أينما كنتم} وكما قال عز وجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو

رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا} وكما قال عز وجل: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}. وكما قال {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}. والله عز وجل محيط بالأشياء كلها علمًا لا يعزب عنه منها شيء. وكل هذا يراد به والله أعلم إحاطة علمه بكل شيء، وكون كل شيء تحت قدرته وسلطانه وحكمه وتصرفه، ولا يراد بذلك قرب المكان والحلول في بعضه دون بعض جل الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرًا. والقريب في غير هذا: القريب الدار والمكان وهو خلاف من نأت داره وشط مزاره كما قال ابن أبي ربيعة: تهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ... ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر فإنما أراد قرب دارها ومحلها وأنه سواء عليه قربها وبعدها إذ كانت غير مواصلة له. والقريب أيضًا: نسيب الرجل ومقاربه في نسبه، يقال: «فلان قريب فلان وذو قرابة فلان». وأما قولهم: «فلان قرابة فلان» فمجاز وتقديره «فلان ذو قرابة فلان» لأن المصدر لا يكون صفة للاسم إلا على هذا التقدير أو على وضعه مواضع أسماء الفاعلين والمفعولين أو مجازًا. قال ابن أبي ربيعة: إذا زرت نعما لم يزل ذو قرابة ... لها كلما لاقيتها يتنمر وقال آخر:

يا مجيب

يبكي عليه غريب ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور ويقال أيضًا: «فلان قريب المنزلة عند فلان» أي محله عنده قريب: يراد به القرب في الرفعة والمكان. وتقول: «قربت منك أقرب قربًا، وما قربتك ولا أقربك قربانًا»، و «قريب الماء في الحوض»: إذا جمعته فيه. والقرب: سير الليل لورود الغد الماء، والطلق: سير اليوم والليلة لورود الغد الماء فهو أبعد من القرب. ويقال: «قرب قسقاس»: أي بعيد. والقرب: ضد البعد، والقرب أيضًا: الخاصرة؛ وتقول: تقربت إلى فلان بكذا وكذا تقربًا، وتقربت منه كذلك، ويكون «تقربت منه «بمعنى» دنوت منه» وقربته مني تقريبًا. والقربى بمنزلة القرابة. وقوله عز وجل: {والجار ذي القربى} أي القرابة {والجار الجنب} يعني به الغريب والجنابة: البعد، ورجل جنب: أي غريب، {والصاحب بالجنب} يعني به الرفيق في السفر، {وابن السبيل}، يعني به الضيف، والمقربة بمنزلة القرابة. يا مجيب المجيب: اسم الفاعل من أجاب يجيب فهو مجيب، فالله عز وجل مجيب دعاء عباده إذا دعوه كما قال عز وجل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} فالإجابة والاستجابة سواء تقول: «أجاب الله

القوي

دعاءك واستجاب منك» وأصل «مجيب» «مجوب» لأنه من الجواب [فنقلت حركة الواو إلى الجيم] فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما انقلبت في «مقيم» و «معيد» وهو من قام يقوم وعاد يعود؛ وكذلك أجاب أصله أجوب فنقلت حركة الواو إلى الجيم وقلبت ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها. والمصدر «الإجابة» وأصله «إجوابة» نقلت حركة الواو إلى الجيم فانقلبت ألفًا وبعدها ألف «إفعالة» فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما ولزمت الهاء عوضًا من المحذوف كما ذكرنا ذلك فيما مضى. وكذلك أصل «أجبت أجوبت نقلت حركة الواو إلى الجيم فانقلبت ألفًا وبعدها الباء ساكنة فحذفت الألف لسكونها وسكون الباء بعدها فقيل: أجبت وكذلك أصل مجاب في المفعول مجوب على ذلك الشرح». قال سيبويه: لم تقل العرب: «ما أجوبه» في التعجب، ولكن قالوا: «ما أجود جوابه» ولم يقولوا أيضًا: «زيد أجوب من عمرو» ولكن قالوا: «هو أجود منه جوابًا». وكذلك لا يقال: «أجوب به» إنما يقال: «أجود بجوابه» ولم يقولوا في هذه الأشياء قياسًا ولكن كما استغنوا «بتركت» عن «ودعت» وما أشبه ذلك. القوي القوي: ذو القوة والأيد، ويقال لمن أطاق شيئًا وقدر عليه: «قد قوي عليه» ولمن لم يقدر عليه «قد ضعف عنه»، فالهل عز وجل قوي قادر على الأشياء كلها لا يعجزه شيء منها. ووزن القوي من الفعل «فعيل» بمنزلة كريم وقدير في الوزن، وأصله «قويو» فقلبت الواو التي بعد الياء ياء وأدغمت الياء الأولى في الثانية فقيل: «قوي» وذلك أن من حكم الياء والواو إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بسكون أن تقلب الواو ياء على كل حال، فلما اجتمعت في هذا الواو والياء وسبقت الياء بسكون وجب قلب الواو ياء وهو في القلب نظير قولهم: «سيد» و «ميت» وأصله «سيود» و «ميوت» فقلبت كما ذكرت لك.

وقوي من القوة وعينه ولامه واوان، ولا يستعمل فعله على تصحيح الواوين فيه فيرد إلى «فعل» بكسر العين لتقلب الواو التي هي لام ياء فيقال «قويت أقوى» فتعتل اللام وتصح العين، وكذلك يقال من الحوة «حويت تحوي» ويصح المصدر فيقال «القوة» و «الحوة» للسكون والإدغام. والقوة: الطاقة من قوي الحبل المفتول، ويقال في جمع قوة قوي و «قوى» وقد قرئ {شديد القوى} والقوى. وتقول العرب «برئت قائبة من قوبها» إذا صلح الأمر. قال أبو عمرو الشيباني: قال الداعي: «انقطع قوي من قاوية» في ذلك المعنى. قال أبو عمرو: وتفسيره: أن تنقطع القوة من القوة، وإنما يريد قوى الحبل. والقواء بالمد: الأرض الخالية التي لا شيء بها وكذلك القي، قال العجاج: وبلدة نياطها نطي ... قي تناصيها بلاد قي تناصيها: تواصلها. والأقواء في الشعر عند أكثر العلماء رفع بيت وخفض بيت كما قال النابغة: أمن آل مية رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزود ثم قال:

زعم البوارح أن رحلتنا غدا ... وبذاك خبرنا الغداف الأسود فخفض الأول ورفع الثاني كما ترى. وكما قال بشر: ألم تر أن طول الدهر يسلي ... وينسي مثل ما نسيت جذام وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشآم وهو كثير في أشعار المتقدمين والفحولة. قال أبو عمرو: فحلان من الشعراء كانا يقويان في شعرهما، النابغة وبشر بن أبي خازم، فأما النابغة فدخل يثرب فغني له من شعره بما فيه أقواء ففطن له فلم يعد للأقواء بعد ذلك. وأما بشر ففطنه لذلك أخوه فلم يعد له. قوال: واشتقاق الأقواء من اختلاف قوى الحبل وهو أن تختلف فتكون واحدة سوداء وأخرى بيضاء أو ما أشبه ذلك. وذهب بعضهم إلى أن الأقواء هو أن يكون في وسط البيت نقصان في فاصلته لا يجوز مثله في الزحاف نحو قوله: حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت لما رأت ماء السلا مشروبا ... والفرث يعصر في الإناء أرنت

المجيد

فعروض البيت الأول «مستفعلن» منحطة من «متفاعلن» وعروض البيت الثاني «مفعول» فنقصها حرفًا وذلك غير جائز، لأن «مفعولن» لا تقع في عروض الكامل، ولو قال: «لما رأت ماء السلا مشروبها» لاستقام وزن البيت. وقال هؤلاء أيضًا: اشتقاقه من أقواء الحبل، يقال أقوى الرجل حبله إذا جعل بعض قواه غليظة وبعضها دقيقة، وكذلك هذا لما نقص العروض عن مقدارها فقد أقوى. المجيد المجيد: الكريم والمجد: الكرم يقال: اشتقاقه من قول العرب: «أمجدت الدابة علفًا»: إذا أكثرته لها، فكأن المجيد المبالغ في الكرم، المتناهي فيه. ونحن نشرح الكرم في موضعه من هذا الكتاب. الودود فيه قولان: أحدهما: أنه «فعول» بمعنى «فاعل» كقولك: «غفور» بمعنى «غافر»، وكما قالوا: «رجل صبور» بمعنى «صابر» و «شكور» بمعنى «شاكر» فيكون الودود في صفات الله تعالى عز وجل على هذا المذهب أنه يود عباده الصالحين ويحبهم. والود والمودة والمحبة في المعنى سواء. فالله عز وجل ودود لأوليائه والصالحين من عباده وهو محب لهم. والقول الآخر أنه «فعول» بمعنى «مفعول» كما يقال: «رجل هيوب» أي «مهيب» فتقديره: أنه عز وجل مودود أي يوده عباده ويحبونه وهما وجهان جيدان. وقد تأتي الصفة بالفعل لله عز وجل ولعبده فيقال: «العبد شكور لله» أي يشكر نعمته، والله عز وجل شكور للعبد أي يشكر له عمله أي يجازيه على عمله، والعبد تواب إلى الله من ذنبه، والله تواب عليه أي يقبل توبته ويعفو عنه. الفعال الفعال: اسم مبني لمبالغة الفعل فهو يجري في ضروب من صفاته عز وجل نحو

جبار، وعلام، وخلاق، ورزاق، ووهاب، وتواب، ومنان، وما أشبه ذلك لأن وزن كل هذا «فعال»، وإنما يراد به المبالغة في الفعل فيجوز أن يوصف بالفعال من كل فعل أصله على ثلاثة أحرف على ما أطبقت عليه الأمة وجاء في التنزيل نحو {خلاق} لأنه من خلق و {علام} لأنه من علم و «{جبار} لأن أصله من الجبرية فهو ثلاثي الأصل وإن لم ينطق منه بفعل غير مزيد فيه. ولا يجوز أن يوصف بما زاد على ثلاثة أحرف لأنه إذا بني منه «فعال» سقط منه حرف اختل، ألا ترى أنه لو قيل لك: كيف تبني من «دحرج» و «قرطس» و «سرهف» مثل «فعال» نحو «ضراب» و «قتال» وما أشبه ذلك؟ لكان الجواب في ذلك: أن هذا غير سائغ بناؤه لأنه رباعي و «فعال» ثلاثي الأصل وإنما ضوعفت عينه، فلو بني من الرباعي ثلاثي لوجب حذف حرف منه فكان يختل لأنه إنما كمل معناه بكمال حروفه ألا ترى أنه لو تكلف بناء ذلك لقيل في مثل «فعال» من «دحرج» «دحار» أو «دحاج» فكان يبطل المعنى المقصود به لاختلال بنائه فهكذا مجرى هذا في كلام العرب. فأما في صفات الله عز وجل فإنه لا يجوز أن يبني «فعال» من شيء من صفاته إلا ما جاء منه في التنزيل وأطلقته الأمة وإن كان أصله ثلاثيًا، ألا ترى أنا لا نبني في صفاته عز وجل من قدير «فعال» فنقول «قدار» ولا من حيكم فنقول: «حكام» ولا من باسط فنقول: «بساط»، ولا من عفو فنقول: «عفاه»، ولا من مقيت فنقول: «مقات» لا أنه في العربية فاسد في التقدير بل هو صحيح في مقاييس العربية، ولكنا لا نطلق في صفاته عز وجل وأسمائه شيئًا بقياس اللغة إلا ما جاء في التنزيل وأطلقته الأمة لا نتجاوز ذلك وإ، كان صحيح القياس في العربية، وقد ذكرنا نظائر لهذا فيما مضى. قال أبو عثمان المازني في قول الناس: «رجل لآل»: إذا كان يبيع اللؤلؤ لأن اللؤلؤ رباعي ولامه همزة، وبناء الثلاثي من الرباعي غير جائز لاختلال المعنى بسقوط حرف منه، ألا ترى أن قولهم: «لآل» باللام في آخره يدلك على أنه ليس من

اللؤلؤ لأن لام الفعل من اللؤلؤ همزة ومن لآل لام. قال: وإنما يلحق الثلاثي بالرباعي والخماسي والرباعي بالخماسي لأن بناءه يحصل فيه كله ثم يزاد فيه فلا يختل معناه لذلك. وإذا بني ثلاثي من رباعي أو خامسي فإنما ينقص من أصل الكلمة ما لا يصح معناها إلا به، وكذلك لم يجئ في شيء من كلام العرب ثلاثي مبني من رباعي ولا مما فوقه. قال أبو عثمان: وقال الخليل بن أحمد: قول الرعب «دلامص» في البراق إنما هو «فعامل» والميم فيه زائدة، والدليل على ذلك قولهم «دلاص» و «دليص» في معناه. قال أبو عثمان: وهذا قول جيد بالغ ولو إن قائلاً قال: إن «الدلامص» هو بمعنى «الدلاص» و «الدليص» وليس من لفظه كما أن «لآل» منسوب إلى اللؤلؤ وليس من لفظه، وكما أن «البسطر» بمعنى «السبط» وليس من لفظه، وكما أن قولهم «رجل ثرثار» للكثير الكلام هو من معنى الثرة وليس من لفظها لقال قولاً قويًا. ويقال للشيء البارق «دلاص» و «دليص» و «دلامص»، فدلامص على مذهب الخليل «فعامل» لا غير، وفي مذهب أبي عثمان جائز أن يكون «فعاملاً» كما قال الخليل وجائز أن يكون «فعاللاً» وتكون الميم فيه أصلية فيكون بمعنى الدلاص وليس من لفظه قال أبو دؤاد الأيادي: ولقد ذعرت بنات عم ... المرشقات لها بصايص بمجوف بلقًا وأعـ ... ـلى لونه ورد مصامص ككنانة الزعري زيـ ... ـنها من الذهب الدلامص يمشي كمشي نعائم ... يشتالهن أشق شاخص

الكبير

بنات عم المرشقات: البقر، والمرشقات: الظباء فهن بنات عم المرشقات لأنه وحش مثلهن، هكذا فسره ابن قتيبة في كتاب «معاني الشعر»، وهذه الأبيات الأول شيء ذكره في كتابه ولم نلق أحدًا يروي عن ابن قتيبة كتابه في معاني الشعر ولا كتابه «في عيون الشعر». والبصابص: بصبصة الأذناب وهي حركتها كما قال رؤبة: بصبصن بالأذناب من لوح وبق بمجوف بلقا: يعني فرسًا بلغ بياض تحجيله إلى بطنه والورد: الأحمر، والمصامص: الخالص، والذهب الدلامص: البراق لجودته وخلاصه. يشتالهن: يطردهن، والأشق: الطويل. الكبير الكبير: العظيم الجليل، يقال: «فلان كبير بني فلان»: أي رئيسهم وعظيمهم ومنه قوله عز وجل: {انا أطعنا سادتنا وكبراءنا} أي عظماءنا ورؤوساءنا. وكبرياء الله: عظمته وجلاله ومنه قيل: «كبرت كبيرصا» و «عظمت عظيمًا» أي وصفته بالكبرياء والعظمة. ومنه قيل في قصة يوسف: {فلما رأينه أكبرنه} أي هالهن أمره فأعظمنه. وكبير في صفات الله عز وجل: من الصفات التي لم ينطق من لفظها بغيرها ولم

تصرف نحو قريب، وجليل، وعظيم، وكبير، وكريم. فأما كبير في كلام العرب فقد يتصرف على أوجه، يقال: «رجل كبير» أي مسن «ورجل كبير» أي كبير الخلق والجسم، «ورجل كبير» أي عظيم القدر جليل، ولا يجوز أن يضاف إلى الله غير الوجه الذي قدمنا ذكره، وهو على هذا التأويل الأخير وقد مضى شرحه. ويقال: «فلان أكبر من فلان» أي هو أسن منه، و «فلان أكبر من فلان» أي أعظم قدرًا منه، «وهذا الشيء أكبر من هذا» أي هو أكبر منه في القدر طولاً أو عرضًا وما أشبه ذلك. ومن الشيخوخة، الكبير [في] قول الأعشى: ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي وما يرد سؤالي والكبير: المتكبر، «ورجل ذو كبير» أي ذو تكبر وعظمة، وكبر الشيء: معظمه قال الله عز وجل: {والذي تولى كبره منهم}. ثم قال قيس بن الخطيم: تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدًا تكاد تنغرف والكبر - بالضم -: أكبر ولد الرجل يقال: «الولاء للكبر»، وقد يقال المكبر بمعنى الكبر في السن، يقال: «علاه المكبر»، ويقال: «الله أكبر»، وتأويله الله أكبر من كل شيء أي أعظم وأجل، فعرف موقعه فأضمر لذلك، وقيل: تأويله الله أكبر أي الله كبير، كما قيل: أوجل أي وجل. قال الشاعر:

لعمرك ما أدري وإني لاوجل ... على أينا تعدو المنية أول ويقال في جمع كبير: كبراء كما قيل: عظيم وعظماء، وكريم وكرماء وقد قيل: كبار كما قيل صغير وصغار، وكريم وكرام، ويقال: كبير وكبار وكبار بالتخفيف والتشديد كما قيل: طويل وطوال وطوال. قال الله عز وجل: {ومكروا مكرا كبارا}. ويقال: «كبر الرجل» أي عظم في جسمه فهو كبير عظيم لفظًا ومعنى، وكبر الرجل: إذا أسن يكبر كبرًا ومكبرًا، وكبرت الله عز وجل: أي وصفته بالكبرياء والعظمة، كما قيل: «كبرت كبيرًا» و «عظمت عظيمًا». أي وصفته بذلك. ومن ذلك قولهم: «ما أكبر الله» و «ما أعظم الله» في معنى التعجب تأويله عند البصريين على ما ذكره المبرد شيء كبر الله وعظمه أي وصفه بالكبرياء والعظمة، قال: والأفعال تتصل بالله عز وجل خلاف اتصالها بالآدميين كما تقول: «الله عالم» وزيد عالم و «علم الله» و «علم زيد»، فالله عالم بنفسه وزيد عالم بعد أن كان جاهلاً وعلم بالاستدلال وتعلم. وجاز أن يجهل بعد علمه، وكل ذلك منفي عن الله عز وجل، وكذلك الحلم من الآدميين رقة وضعف وهو من الله عز وجل إفضال وإنعام على عباده، وكذلك إذا قيل: «ما أحسن زيدًا» في التعجب فتأويله «شيء حسن زيدًا»، وإذا قيل: «ما أعظم الله» فتأويله «شيء وصف الله بالعظمة» «وما أكبر الله» «شيء وصف الله بالكبرياء» وهو العبد الذي يصفه بذلك فهو سواء مختلف في الحقيقة. هذا قول المبرد وحكايته عن جميع البصريين، وعندي أن القول وإن كان كما قال فإن المتعجب منه وإن كان في اللفظ نصب المفعول فهو في الحقيقة فاعل ألا

ترى أن معنى قولنا «ما أحسن زيدًا» «زيد حسن جدًا»، وكذلك «ما أعلم محمدًا» تأويله «محمد عالم جدًا»، وكذلك جميع التعجب هكذا مجراه في الحقيقة. ولذلك أجمع النحويون البصريون والكوفيون أنه لا يتعجب إلا من الفاعل ولا يتعجب من المفعول، ولم يأت ذلك في شيء من كلام العرب إلا في ثلاثة أحرف، في قولهم: «ما أزكمه» «وما أجنه»، «وأحمه» من الزكام، والجنون، والحمى لما كان لا يستعمل فعله إلا بلفظ ما لم يسم فاعله فقيل: «زكم»، «وجن»، «وحم»، ولم يذكر معه الفاعل صار كأنه فاعل لفظًا فوقع به التعجب، فإذا كان المتعجب منه فاعلاً في الحقيقة فجائز أن يقال «ما أكبر الله» «وما أعظم الله» والمعنى: «الله كبير جدًا» «وعظيم جدًا». ويكون التقدير في العربية على ما ذكره المبرد لفظًا. والكوفيون يدفعون هذا المذهب في التعجب على البصريين وتابعهم على ذلك الأصمعي لضعفه كان في النحو، وأدخل على البصريين «ما أعظم الله» «وما أكبر الله» وشرحه على ما ذكرت لك. ويقال: «أكبرت الشيء»: وجدته كبيرًا، «واستكبرت الشيء»: استعظمته «واستكبر الإنسان استكبارًا»: أي تعظم، وكما قال: {واستكبروا استكبارا}. والكبير من كل شيء: ضد الصغير، وكذلك الأصغر: ضد الأكبر وتقول العرب: ورث فلان المجد عن آبائه كابرًا عن كابر: أي كبيرًا عن كبير، «وسادوه كابرًا عن كابر» كذلك. ويقال: «زيد أكبر من عمرو» «والزيدان أكبر من عمرو» «والزيدون أكبر من عمرو» وكذلك يقال في المؤنث بهذا اللفظ: «هند أكبر من زينب»، «والهندان أكبر من الزينبين»، «والهندات أكبر من الزينبات» يكون بلفظ واحد للواحد والاثنين والجمع والمؤنث والمذكر على حال واحدة، وكذلك جميع باب «أفعل» للتفضيل نحو قولك: «أفضل» «وأكرم» «وأشرف»، وما أشبه ذلك. قال الأخفش: إنما كان موحدًا لأنه بمعنى البعض، فكما لا يثنى البعض ولا يجمع في قولك: «زيد بعض القوم»، «والزيدان بعض القوم»، «والزيدون بعض القوم» كذلك فعل بما كان في معناه.

وقال المازني: إنما لم يؤنث ولم يثن ولم يجمع لأنه بمعنى المصدر، فقولك: «زيد أكرم من عمرو» معناه كرمه يزيد على كرم عمرو، وكذلك «محمد أفضل من زيد» معناه فضله يزيد على فضله فوحد كما يوحد المصدر. قال الفراء: إنما لم يثن ولم يجمع لأنه أضيف إلى شيء جمع الفاضل والمفضول، واستغني بذلك عن تثنيته وجمعه كما فعل ذلك بالفعل المتقدم استغناءًا بتثنية الفاعل وجمعه بعده، فلا يستعمل هذا الباب إلا هكذا بزيادة من أو مضافًا كقولك: «زيد أفضل اخوتك» «وأكرم بنيك»، أو معرفًا بالألف واللام كقولك: «زيد الأفضل والأكرم»، «وأخوك الأكبر»، «وزيد الأًغر» فلو قيل: «زيد أصغر أو أكبر أو أكرم» لم يجز. فأما قولهم: «الله أكبر» ففيه وجهان وقد شرحناهما في أول هذا الباب. ويقال: في مؤنث «الأكبر» «والأصغر» «الصغرى» «والكبرى»، «والأطول» «الطولى» وكذلك سائر الباب يطرد على هذا ولا ينكسر. وللعرب ألفاظًا تستعملها في الكبير والصغير في السن وألفاظ تستعملها في الكبر والتعظيم نذكر بعضها في هذا الفصل إن شاء الله، فمما يقال في الصغر والكبر قال الأصمعي: يقال للمولود حين يقع من بطن أمه: وليد، وقال: من أسماء الصغير: الطفل ولا أدري ما وقته ويقال له «شدخ» ما دام رطبًا، فإذا فطم فهو فطيم، فإذا انفتح وارتفع فهو «جفر» فإذا ارتفع عن ذلك فهو جحوش. قال المعترض الهذلي: قتلنا مخلدًا وابني حراق ... وآخر جحوشًا فوق الفطيم

فإذا ارتفع عن ذلك وخدم وقوي فهو «حزور» قال النابغة: وإذا نزعت نزعت من مستحصف ... نزع الحزور بالرشاء المحصد فإذا ارتفع عن ذلك ولم يبلغ الحلم فهو «يافع» «ويفعة» يقال: «غلام يافع»، «وغلام يفعة»، «وغلمان يفعة» يكون للواحد والجمع سواء، «وغلمان أيفاع» أيضًا. ويقال: أيفع الغلام يوفع إيفاعًا. قال الشاعر: كهول ومرد من بني عم مالك ... وأيفاع صدق لو تمليتهم رضا فإذا احتلم فهو «حالم»، وإذا خرج وجهه فهو «طار» «وطرير» وهو «أمرد» ما لم يتصل وجهه، فإذا التف وجهه ولم يكن في الشعر مزيد فهو «مجتمع» وهو «شاب» من الحلم إلى أن يكتهل، فإذا تم فهو «كهل»، فإذا تمت شدته فهو «صمل»، فإذا رأى البياض فهو «أشمط» «وأشيب» فإذا ظهر به الشيب فاستبانت فيه السن فهو «شيخ» فإذا ارتفع عن ذلك فهو «مسن» «وكبير»، فإذا ارتفع عن ذلك فهو «قحم» و «مسلهم»، فإذا أخلق فهو «انقحل» أي «أقحل» وامرأة انقحلة أي «قحلة»، «ورجل نهشل»، «وامرأة نشهلة» «وقد نهشلت المرأة»: إذا أسنت وفيها بقية ولم يذهب جل شبابها، فإذا قارب الخطو وضعف فهو «دلف»، فإذا ضمر وانحنى فهو «عشبة» «وعشمة»، فإذا بلغ أقصى ذلك فهو «هرم»، وإذا أكثر الكلام فهو «مهتر»، فإذا ذهب عقله كبرًا فهو «خرف»، يقال: خرف يخرف خرفًا، «والهم»: الكبير من الناس والدواب، «وامرأة همة»، «وناقة همة». وفي هذه ألفاظ كثيرة غير هذا، وكذلك في النساء في ذكر شبابهن وكبرهن لا يليق ذكرها بهذا الموضع لأنه يخرج عن مقصدنا فلذلك تركناها.

ومما يقال في الكبر والتعظيم. يقال رجل كبر «وخنزوانة»، «وشمخزة»، «زوهو»، «وجخف» «وعنزهوة»، «وفجس»، «وأبهة»، «ودعية» «وفخز»، «وجفخ»، «وعرضية»، «وعنجهية»، «وعيدهية» «وخنزوانية»، «وخنزوة»، «ونخوة»، «وجبروة»، «وجبرية» «وجبروت»، «وجبورة»، «وبأو»، وقال ابن السكيت: يقال: «فيه بأو»، ولا أعرف البأواء وقد حكاها الفقهاء: «في طلحة بأواء» هذا بالمد، وهذا كله من التيه والكبر. ويقال: «زهي الرجل» فهو مزهو، ورجل متفجس ومزدهي من الكبر، والمصن: الشامخ بأنفه، والمصن في غير هذا: المنتن. وقال أبو عمرو: يقال: «أصنت الناقة»: إذا مخضت فصارت رجل الولد في صلاها. وتقول: «جاء فلان مخرنشمًا ومخرنطمًا»: أي متكبرًا: قال أبو زيد، يقال «في فلان عرضية» إذا كان يركب رأسه من النخوة، ويقال: اطرغم اطرغمامًا: إذا تكبر، ويقال: «فاش فلان يفيش»: إذا افتخر، والفياش: المفاخرة. ويقال «رجل أصيد» «وقوم صيد» إذا كان متكبرًا شامخًا بأنفه، وأصله من الصيد والصاد، وهو داء يأخذ الإبل في رؤوسها فيلوي أحدها رأسه، قال أبو عمرو: البلخ: المختال، يقال بلخ بلخًا. قال الأصمعي: الأبلخ: التائه. قال أبو عمرو: والتدكل: ارتفاع الرجل في نفسه. يقال: «قد تدكلت بعدي» وأنشد: تدكلت بعدي وألهتها الطين ... ونحن نعدو في الخبار والجرن الطبن: اللعب والواحدة طبنة، والجرن: الأرض الغليظة وهي من الجرل

المتعالي

ويقال: «رجل مختال وخال وذو خيلا وذو خال» بمعنى واحد، ويقال: «أطمخ الرجل بأنفه إكماخًا وأقمخ إقماخًا وزمخ بأنفه»: إذا تكبر، ويقال «فخر الرجل، وجخف، وجفخ، واطرخم اطرخمامًا، واطلخم اطلخمامًا»: إذا شمخ بأنفه، «ورجل متفجس» إذا كان متكبرًا. وهذا باب يطول جدًا، وفي هذا منه كفاية. المتعالي اسم الفعل من قولك تعالى الله عز وجل، وهو تفاعل من العلو، فهو متعال، كما يقال تعاطي زيد كذا وكذا فهو متعاط، وتقاضي فهو متقاض، وما أشبه ذلك. قال الفراء: «يقال: تعالى الله، والله المتعالي، ولا يستعمل المصدر من تعالى لأن العرب لم تتكلم به». وقال غيره: لو استعمل لكان يجب في القياس أن يقال: تعالى يتعالى تعاليًا ولكن لم يستعمل ذلك. وكذلك يقال: تعالى الله وتبارك الله أحسن الخالقين. وتبارك: تفاعل من البركة كما أن تعالى: تفاعل من العلو ثم قيل الله المتعالي، ولم يستعمل اسم الفاعل من تبارك الله، فلم يقل هو متبارك لم يسمع ذلك، وإنما ينتهي في صفاته إلى حيث أطلقته الأمة أو جاء في التنزيل فإن جاء مثل هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلقته الأمة كان سائغًا في العربية. ويقال في غير هذا إذا أراد رجل أن يقبل إليه آخر يقال: [تعال] يا زيد، وللاثنين تعاليا، وللجماعة تعالوا بفتح اللام في جميع ذلك، قال عز وجل: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}. فأما في الواحد في قولك: «تعال» فقد سقطت منه ألف منقلبة من واو سقطت للأمر فبقي ما قبلها مفتوحًا على حاله، وفي الاثنين في قولك: «تعاليا» انقلبت الألف المنقلبة من الواو ياء لمجيء ألف التثنية فلم يكن اجتماعهما لسكونهما، ولا تحريك إحداهما لأن الألف لا يمكن تحريكها لأنها لو تحركت لصارت همزة وخرجت من جنسها ولينها.

وإنما قلنا: قد سقطت من آخر قولك «تعال يا فلان» في الأمر ألف منقلبة من واو لأنه من العلو والارتفاع، وأصله فيما يذكر أهل اللغة: أن رجلاً كان في أعلى جبل أو رابية وآخر تحته في الحضيض فصاح به: «تعال يا فلان» أي أعل وارتفع إلي. هذا أصله ثم كثر واستعمل في كل من أراد أن يصيح بآخر ليقبل إليه عاليًا كان أو غير عال. وقولك للجماعة: «تعالوا يا رجال» كان أصله «تعاليوا» تنقلب الياء ألفًا لتحركها وانفتاح اللام قبلها ثم تحذف لسكونها وسكون واو الجمع بعدها فيبقى ما قبلها مفتوحًا على حاله، ولا يجوز ضمه. وتقول للمرأة: «تعالي يا مرأة بإثبات الياء، وهذه ياء التأنيث التي تكون في مثل قولك: «أقببلي يا هند، واضربي»، وما أشبه ذلك وقد سقطت لام الفعل. وتقول للمرأتين كما تقول للرجلين «تعاليا» وللجمع «يا نساء تعالين» كما قال عز وجل: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلا}. فهذه الياء التي في قولك «تعالين» ليست بياء التأنيث التي كانت في «تعالي» للواحدة لأن تلك لا تثبت مع النون التي هي إضمار جميع المؤنث في قولك: «تعالين» وإنما هذه الياء لام الفعل وكانت واوًا كما ذكرت لك في الأصل، ولكن الواو لا تصح رابعة فما فوق ذلك ولكن تقلب ياء كما قيل: تغازينا، وتغازيا، وتغازين، وتعاطين، وما أشبه ذلك. وكما قيل: مغزيان، وملهبان. وكل ذلك من الواو فقلبت ياء كما ترى، كذلك قلبت في «تعالين». وشبيه بهذا في الأمر قولك للرجل إذا أردت أن يناولك شيئًا «هات يا رجل» وللأثنين «هاتيا» وللجماعة «هاتوا يا رجال»، فأما قول العامة «هاتم» فخطأ ليس من كلام العرب. قال الله عز وجل: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وقال الكيمت: فيا ساسة هاتوا لنا من جوابكم ... ففيكم لعمري ذو أفانين مقول

المنان

وتقول للمرأة: «هاتي يا هند» وللمرأتين «هاتيا»، وللجماعة «هاتين» وقياسه في الحذف قياس ما تقدم ذكره». المنان فعال من قولك: «مننت على فلان»: إذا اصطنعت عنده صنيعة وأحسنت أليه، فالله عز وجل منان على عباده بإحسانه، وإنعامه، ورزقه إياهم، و «فلان يمن على فلان»: إذا كان يعطيه ويحسن إليه. وقالوا في قوله عز وجل: {ولا تمنن تستكثر} أي لا تعط في الدنيا شيئًا لتأخذ أكثر منه ولكن عطيتك لوجه الله وابتغاء ما عنده وقوله عز وجل: {هذا عطاؤنا فامنن} أي اعط «أو امسك» كذلك قيل في التفسير. وقال الفراء: أراد هذا عطاؤنا فمن به في العطية، أراد أنه إذا اعطاه فهو من منه فسمي العطية هنا، وله موضع آخر في صفات الإنسان تقع في الذم، يقال: «فلان منان»: أي يمن بما يعطيه ويعتد به. ومنه قولهم: «المن يكدر الصنيعة». حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي نفطويه قال: حدثني محمد ابن موسى الساوي قال: حدثني وهب بن جرير بن حازم قال حدثني شعبة

عن علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن خرشة عن أبي ذر الغفاري رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة». قلت: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا. قال: «المسبل إزاره، والمنان، والمختال، فأما المسبل إزاره فإن أهل الجاهلية كانوا يسحبون إزرهم إذا مشوا كبرًا أو يجرونها فكان يفعل ذلك منهم المتكبر والمتجبر فيكون ذلك علامة لكبره وتجبره». قال زهير: وقد أغدو على ثبة نشاوى ... كرام واجدين لما نشاء لهم راح وراووق ومسك ... تعل به جلودهم وماء يجرون البرود وقد تمشت ... حميا الكأس فيهم والغناء وقال طرفة: أسد غيل فإذا ما شربوا ... وهبوا كل أمون وطمر ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر

الخلاق والخالق

وقال آخر: أيام أحلف مئزري غفر الملا ... وأفض كل مرجل ريان والمنان: الذي يمن على الله بعلمه، والمختال يختال في مشيه كبرًا، وينشد: يمشي إلى أسل الرماح وقد يرى ... سبب المنية مشية المختال الخلاق والخالق الخالق: اسم الفاعل من خلق يخلف وهو خالق، والخلاق: فعال للمبالغة، والخلق: الفعل. وأفعال الله عز وجل مقدرة على مقدار ما قدرها عليه. وأصله من قول العرب «خلق فلان الأديم»: إذا قدره للقطع للإصلاح. وفي كلام بعض الفصحاء: «لا أخلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت» يقول: لا أقدر إلا قطعت. يقال: «فريت الأديم»: إذا قطعته للإصلاح، وأفريته: إذا قطعته للإفساد. قال زهير: ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

أي أنت تقطع ما قدرته على ما أردت للإصلاح، وبعضهم يخلق: أي يقدر ثم لا يقطع على ما قدر فيفسد، وهذا أمثل. والخلق: تقديرك الأديم لما أردته. وتقول العرب: رجل خالق: أي صانع، والخالقات: الصانعات كذلك حكاه الخليل بن أحمد، والخلق: المخلوق تقول العرب: ما في الخلق أشجع من فلان ولا أفرس من فلان يريدون ما في المخلوقين مثله، والخلق: الفعل. والخلق: الكذب ومنه قوله عز وجل: {إن هذا إلا خلق الأولين}. وقال في قوله عز وجل: {وتخلقون إفكًا}، أي تقدرونه وتخترعونه لتكذبوا به النبي صلى الله عليه وسلم. والخلق والخليقة واحد، وجمع الخليقة: الخلائق يراد بذلك المخلوقون والخلق: الطبيعة، وكذلك الخليقة، يقال: «تخلق بخلق حسن»، «وخالق الناس بخلق حسن»، وينشد: خالق الناس بخلق حسن ... لا تكن كلبًا على الناس يهر ويقال: «فلان خليق بذلك الأمر»، «وما أخلقه له!»، «وأخلق به أن يفعل كذا وكذا!. وامرأة خليقة: ذات جسم وخلق حسن. وقال بعضهم: ولا ينعت به الرجل، وقد أجاز بعضهم أن يقال: «رجل خليق» كما يقال للمرأة «خليقة» ومنه يقال: «خلقت المرأة خلاقة حسنة» إذا تم خلقها وحسن، والمختلق من كل شيء: ما اعتدل كقول رؤبة: في غيل قصباء وخيس مختلق

الباعث

والخلاق: النصيب، وقوله عز وجل: {ما له في الآخرة من خلاق}: أي من نصيب، والخلق: الفاني من كل شيء، يقال: أخلق الثوب إخلاقًا فهو مخلق وهو أعلى اللغتين، ويقال أيضًا: خلق خلوقة فهو خلق، ويقال: أخلقني فلان ثوبًا: أي أعطاني خلقًا من ثيابه. وجمع خلق: خلقان وهو جمع عزيز قليل. ويقال: ثوب أخلاق، وصف بالجمع كأنه مقطع من جوانبه فجعل أجزاء كل جزء منها يقال له خلق فقيل له: أخلاق لذلك، والأخلق: الشيء الأملس، والخلقاء الصخرة الملساء المصمتة وهضبة خلقاء، وكذلك قال الأعشى: قد يترك الدهر في خلقاء راسية ... وهيًا وينزل منها الأعصم الصدعا ويقال: امرأة خلقاء للرتقاء لأنها شبهت بالصخرة الخلقاء المصمتة. الباعث الباعث: اسم الفاعل من البعث وهو الإرسال، يبعث الله من في القبور للبعث والنشور، ويوم البعث: يوم القيامة، بعثت الرجل من قومه فانبعث أي نبهته فانتبه، ويقال: «بعثت البعير فانبعث»: إذا بعثوا إلى العدو، وكل قوم يبعثون على وجه أو في أمر فهم بعث، والبعث مصدر يقع على الإثنين والجمع والمؤنث والمذكر بلفظ واحد وليس بمنزلة «ركب»، «وتجر» لأن تجرًا وركبًا جمع تاجر وراكب. الصادق الصادق في خبره: الذي لا تكذيب له، فالله عز وجل الصادق في جميع ما أخبر به عباده. قال الفراء: الصدق: قوة الخبر، والكذب: ضعف الخبر ومنه قيل: حمل فلان على القوم فما كذب أو ما ضعف، وكذلك قوله عز وجل: {ليس لوقعتها

كاذبة} أي ليس لها مردود، وقد يقال أيضًا: «حمل فلان على القوم فما كذب»: أي فما رجع عنهم، وهذا راجع إلى ذلك لأنه إنما يرجع عن حملته عن القوم ضعفًا وجبنًا. وقال الفراء: قال لي أبو ثروان: «إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة» أي تكذيب ويقال: «صدقوهم اللقاء» «وهو من الشيء الصدق، وهو الصلب». وقالت امرأة من العرب لعمرو بن معد يكرب وقد عرض نفسه عليها «إن لي بعلاً يصدق اللقاء ويخيف الأعداء، ويجزل العطاء». والصادق أيضًا: الصادق في وعده، الوافي به، يقال: وفي بعهده ووعده وأوفى به، وفي كلام بعضهم «ما أرى كاليوم قفا واف» فقال له: «هي قفا غادر شر» فالله عز وجل الصادق في جميع ما وعد به عباده، وهذه الصفة من صفاته مستنبطة من سورة مريم من قوله: {إنه كان وعده مأتيا}: أي آتيا، مفعول بمعنى فاعل، وإذا كان وعده آتيًا فهو الصادق فيه، وكل شيء وعد الله عز وجل عباده به فهو كائن كما وعد به عز وجل لا محالة. وقال أهل العربية: الصدق خلاف الكذب، والصدق بفتح الصاد الشيء الصلب، وكأن أصلهما واحد على ما ذهب إليه الفراء ولكنه كسر أول هذا للفرق بين اشتداد الخبر وقوته وبين صلابة غيره من الأشياء التي تقع فيها الصلابة والرخاوة من المجسمات والمجسدات. وقالوا أيضًا: والصدق والكذب إنما يكونان في الإخبار خاصة، وفرقوا بين

الكذب والخلف، فقالوا: الكذب فيما مضى وهو أن تقول: «فعلت كذا» ولم تفعله، والخلف فيما يستقبل وهو أن تقول: «سأفعل كذا» ولا تفعله. فيقال خلف وعده، ولو قيل في ذلك: «كذب فلان في وعده» لم يكن بعيدًا أي لم يأت به على ما وعده وضعف فيه. والكلام في الإخبار على أوجه، فمنه: مستقيم حق، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، ومستقيم حسن، ومحلا، ومحال كذب، فأما المستقيم الحق فقولك: «خرج عبد الله أمس»، «وقدم عمرو أول من أمس» إذا أخبرت بذلك وقد كان. وأما المستقيم الكذب فأن تخبر بذلك ولم يكن فيكون مستقيمًا في الوضع كذبًا، ومنه «شربت ماء البحر» إذا أردت جميعه، وكذلك «حملت الجبل» إذا أردت جميعه. فهذا مستقيم في الوضع كذب لأن البينة تدفع أن يكون هذا. وأما مستقيم القبيح فأن تضع اللفظ غير موضعه نحو قولك: قد زيد رأيت، وكي زيد يأتيك، ولم أخاك أضرب، وما أشبه ذلك، فهو مستقيم لأنه لا نقص فيه ولا إحالة وهو قبيح في الوضع لأنك أوليت «قد» و «كي» و «لم» الأسماء، وإنما هي للأفعال وكذلك ما أشبهه. فأما المستقيم الحسن فقولك: لم أضرب زيدًا، ولن أقصد محمدًا، وسوف أقصدك وما أشبه ذلك. وأما المحال فأن تنقص آخر كلامك بأوله، وأوله بآخره نحو قام زيد غدًا، وسأقوم أمس، وإنما صار محالاً لأنه لا يصح له معنى. وأما المحال الكذب فقولك: شربت ماء البحر غدًا، فهو محال لأن شربت ماض وقد زعمت أنه في غد فهذا محال، وهو كذب لأنك زعمت أنك شربت ماء البحر وليس هذا في طاقة أحد وهذا إذا أردت به كله على ما ذكرت لك. فإن قال قائل: «شربت ماء البحر» وهو يريد بعضه فذلك سائغ في كلام العرب وهو خارج من هذا المقصد. وهذا مذهب سيبويه ومن تابعه في محال الكذب.

وأما الأخفش فكان يدفع المحال الكذب ويقول: المحال ما لا يصح له معنى ولا يجوز أن يقال فيه «صدق» و «كذب» فكيف يكون المحال كذبًا؟ والقول ما ذهب إليه سيبويه لأنه قد فرق بين المحال ومحال الكذب بما يستغنى به عن إعادته. فاعلم أن الصدق والكذب وإن كانا لا يوجدان إلا في الإخبار فليس كل خبر يمكن أن يقال فيه في الحال «صدق» أو «كذب» ألا ترى أن قائلاً لو قال: «سيخرج عبد الله غدًا»، «وسأركب غدًا إلى زيد» لم يمكن أن يقال له في الحال «كذبت» ولا «صدقت» لأنه يخبر بما سيفعله فلا يدري أيفعله فيصدق أم لا يفعله فيكذب لأن الوقت لم يأت بعد، فإذا حان الوقت وفعل ذلك قيل له «صدقت» وإن لم يفعل قيل له «كذبت»، فهو متعلق بالصدق والكذب فلا يوجد الصدق والكذب إلا في الإخبار فلذلك قالوا: الخبر ما جاز فيه صدق وكذب. واختلف أهل العربية في معاني الكلام فقال الأخفش سعيد بن مسعدة ومن تابعه: معاني الكلام ستة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ودعاء، وتمن، فالخبر ما جاز فيه أن تقول «صدق» أو «كذب» كقولك: قام زيد، ولم ينطلق محمد، وما أشبه ذلك. والاستخبار كقولك: هل خرج عبد الله؟ وأين أخوك؟ ومتى يخرج زيد؟، وما أشبه ذلك. فهذا طلب ولا يجوز أن تقول فيه «صدق» و «كذب». والأمر نحو قولك: اخرج يا زيد، انطلق يا عبد الله. والنهي نحو قولك: لا تقم، ولا تركب. والطلب يجمع الأمر والنهي لأنك إذا قلت: اضرب أو لا تضرب فأنت في الوجهين تطلب منه أن يفعل ما أمرت به أو نهيت عنه، والأمر والنهي ينقسم كل واحد منهما بلفظ واحد ثلاثة أقسام، هو أمر لمن دونك وطلب إلى من فوقك ألا ترى أنك إذا قلت لمن فوقك: أعطني أحسن غلي لم تقل أمرته، ولكن تقول: طلبت منه، ومسألة لله

عز وجل كقولك: اللهم اغفر لي، اللهم ارزقني وكذلك النهي تقول: هو نهي لمن دونك، وطلب إلى من فوقك، ومسألة لله عز وجل. والدعاء: هو النداء كقولك «يا زيد» «يا عبد الله». والتمني قولك: «ليت لي مالاً فأنفق منه»، وقال جماعة من النحويين منهم قطرب: معاني الكلام أربعة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، وقالت هذه الطائفة: التمني والدعاء داخلان في الخبر، وكان الأخفش يقول هما قسمان من الأقسام الستة التي ذكرنا، ويستدل على ذلك بأنه لا يقع فيهما «صدق» ولا «كذب». وقال قطرب ومن تابعه: هما خبران وإنما امتنع التمني من الصدق والكذب لأن التمني إنما يخبر عن ضميره، فلا يجوز للمخاطب أن يقابله بالصدق أو الكذب لأن المخاطب لا يعلم من ضمير المتكلم ما يعلمه المتكلم من ضمير نفسه فيصدقه أو يكذبه، ولكن لو أن رجلاً علم منه كراهية لأمر ثم قال: ليت هذا الأمر وقع، لساغ أن يقال له «كذب» لما يعلم من كراهته له كقول القائل: ليت أني مريض، وليتني أفتقر، وما أشبه ذلك. وأما الدعاء وهو النداء فإنما لم يجز فيه الصدق والكذب لأن حاله حاضرة ألا ترى أن من قال: «يا زيد فقد صوت ونادى زيدًا فليس لزيد أن يقابله بالتصديق للاستغناء عن ذلك، ولا يجوز له أن يقابله بالتكذيب فيكون مباهتًا له لأنه قد ناداه فكيف يقابله بالتكذيب؟ ومع ذلك فليس كل الأخبار يمكن فيها في الحال التصديق والتكذيب لأنهما لا يوجدان في غير الخبر. وقال آخرون - وهو مذهب أهل المنطق أيضًا - معاني الكلام أربعة: خبر، واستخبار، وطلب، ونداء. فجعلوا الطلب يجمع الأمر والنهي والتمني، وجعلوا النداء وهو الدعاء قسمًا قائمًا بنفسه، ولم يجعله خبرًا، ولا جعلوا التمني خبرًا. فأما التعظيم لله عز وجل: نحو قولك: «ما أعظم الله» والعرض كقولك: «ألا

الوارث

تأكل، ألا تجلس عندنا فتحدث» فداخلان تحت الخبر والطلب. واتفقت الجماعة على أن الصدق والكذب لا يقعان إلا في الخبر. ويقال: صدق الرجل فهو صادق وصدوق، والصديق: الكثير التصديق للمبالغة في ذلك، وصدقت الرجل تصديقًا، وكذب الرجل كذبًا، وكذابًا، وكذابًا فهو كاذب وكذوب، وكذاب، ومكذبان بمنزلة ملأمان ومكرمان. ويقول سيبويه: لا يستعمل «مفعلان إلا في النداء خاصة فيقال: يا مكذبان، ويا ملأمان، وكذلك ما جاء على وزنه، ولا يستعمل في غير النداء. وحكى الفراء أن العرب تقول للكذب الكذبذب وأنشد: وإذا سمعت بأنني قد بعته ... بوصال غانية فقل كذبذب ويقال: أصدقت المرأة صداقًا وصدقة، وتصدقت على فلان بكذا وكذا، وفلان مصدق: إذا أعطى. وقول العامة «فلان يتصدق إذا سأل» غلط فتقول: مررت على رجل يسأل الناس، ولا تقل يتصدق لأن المتصدق: المعطي. قال الله عز وجل: {وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين}. فأما قوله عز وجل: {إن المصدقين والمصدقات} فأصله «المتصدقين» و «المتصدقات» فأدغمت التاء في الصاد. الوارث اسم الفاعل من ورث يرث فهو وارث، فالله عز وجل وارث الخلق أجمعين لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون، كما قال عز وجل: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}. ويقال: «ورث فلان يرث». وأصل يرث: يورث فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة استثقالاً لذلك، ثم قال: نرث، وترث، وأرث فجعل سائر المضارع تابعًا لما فيه الياء لئلا يختلف الباب، كما قيل: وزن يزن، ووعد يعد وكذلك

هذا الباب مضطرد على هذا غير منكسر، ولكن ورث يرث مما جاء على فعل يفعل بكسر العين في الماضي والمستقبل والباب المطرد في ذلك أن ما جاء ماضيه على فعل بكسر العين فإن مستقبله يجيء أبدًا على يفعل بفتح العين نحو علم يعلم، وفهم يفهم، وبطر يبطر، وأشر ياشر لا ينكسر ذلك البتة إلا في إثني عشر فعلاً، جاء بالكسر في الماضي والمستقبل أربعة منها في الصحيح وجاء فيها لغتان الكسر والفتح وهو حسب يحسب، ويبس ييبس، وبئس ييأس وييئس، ونعم ينعم. أنشد سيبويه: وكوم تنعم الأضياف عينًا ... وتصبح في مباركها ثقالا وثمانية في المعتل جاءت مكسورة في الماضي والمستقبل وهي: ومق يمق، ووثق يثق، وورم يرم، وورث يرث، وولي يلي، ووفق يفق، وورع يرع، ووري الزند يري. وقد قيل؛ ورى يرى وهو شاذ. فهذه الثمانية المبينة لم يجئ فيها غير الكسر في الماضي والمستقبل، وقد جاء حرفان آخران على فعل يفعل إلا أنه اعترض فيها حرف من حروف الحلق فعدلا إلى «يفعل». قال أبو عثمان المازني: «وأما قولهم: وسع الشيء يسع، ووطئ يطأ فإن الخليل ذكر أن هذا جاء في المعتل على فعل يفعل بالكسر في الماضي والمستقبل، كما جاء حسب يحسب في الصحيح، وكان أصل يسع: يوسع، وأصل يطأ: يوطئ فلزم حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة كما لزم ذلك في يعد ويزن فحذفت ثم فتحت السين في يسع، والطاء في يطأ لمكان العين والهمزة لأنهما من حروف الحلق، وحروف الحلق إذا كن لامات فتح لها موضع العين في يفعل، وإن كانت حروف الحلق عينات فتحن أنفسهن، وربما جاء الفعل وهن فيه على الأصل»، نحو منح يمنح، وزرأر يزأر وما أشبه ذلك. وذكر الخليل أن طاح يطيح مما جاء على فعل يفعل من ذوات الواو.

ويقال: «ورث فلان فلانًا يرثه إرثًا» وأصله ورثًا فأبدلت الواو همزة كما قيل في وشاح إشاح، وفي وعاء إعاء. وأما الميراث فأصله الموراث فقلبت الواو ياء كما قلبت في ميزان وميعاد لسكونها وانكسار ما قبلها، فإذا جمعت وزالت العلة صحت فقلت: المواريث كما قيل: الموازين والمواعيد، فأما قولهم: التراث فالتاء بدل من الواو كما أبدلت في «تخمة»، «ونكأة»، «وتقية»، «والتقوى»، «والتكلان»، «وتولوج»، قال الشاعر: متخذًا من ضعوات تولجا ... قالوا: إنما هو فوعل من ولج، فلو جاء به على الأصل لزمه أن يبدل الواو الأولى همزة لأنه كان يجمع واوان في أول كلمة، وهمزة الأولى منها واجب، فأبدل من أحد الواوين تاء فقال: «تولج»، وكذلك قوله عز وجل: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} إنما هو وترى من المواترة فأبدل من الواو تاء، وقد قرئ «تترى» بالتنوين وتقديره «وترًا» من الوتر في العدد: الفرد أي إفرادًا يقال في العدد «وتر» «ووتر» بفتح الواو وكسرها، وفي الذحل «وتر» بكسر الواو لا غير، فكأن أصله «وترًا» ثم أبدلت الواو تاء كذلك أيضًا.

الكريم

الكريم الكريم: الجواد، والكريم: العزيز، والكريم: الصفوح. هذه ثلاثة أوجه للكريم في كلام العرب كلها جائز وصف الله عز وجل بها. فإذا أريد بالكريم الجواد أو الصفوح تعلق بالمفعول به لأنه لا بد من متكرم عليه ومصفوح عنه موجود، وإذا أريد به العزيز كان غير مقتض مفعولاً، ويقال «فلان أكرم من فلان»: أي هو أجود منه وأكثر نوالاً، قال عمرو بن معد يكرب الزبيدي يمدح سعيد بن العاص ويذكر سيفًا وهبه له: حبوت به كريمًا من قريش ... فسر به وصين عن اللئام فقد أبان لك بقوله: «وصين عن اللئام» أنه أراد بالكريم الجواد. ويقال: «فلان يتكرم على أصحابه» كقوله: «يتسدى عليهم ويتسخى». والكرم: الجود، ويقال: «فلان يكرم علي» أي يعز علي، ويقال للرجل عند طلب الحاجة: «نعم وكرامة» تأويله: أكرمك كرامة أي أعزك وأجللك، ويقال: «فلان أكرم علي من فلان» أي هو أعز علي منه. قال سيبويه: تقول العرب: «أنت أكرم علي من أن أضربك» تأويله: أنت أكرم علي من ضربك، لأن «أن» مع الفعل بتأويل المصدر، وهذا كلام على ظاهره محال لأنه لا يقال: «فلان أكرم علي من الضرب» ولكن في الكلام حذف تأويله: أنت أكرم علي من صاحب ضربك الذي نسبته إلى نفسك. كما قال عز وجل: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} فنسبهم إل نفسه حكاية لقولهم، كأنه قال:

أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي؟ كذلك مخرج ذلك الكلام كأن رجلاً قال لآخر: «أنا أخاف أن تضربني» فقال له: أنت أكرم علي من أن أضربك. أي من صاحب ضربك الذي نسبته إلى نفسك. والكريم: الصفوح أيضًا، يقال: إنه لكريم: أي صفوح، ويقول أهل اللغة: «شاة كريمة»: إذا كانت عند الحلب تستقر وتولي على الحالب صفحة وجهها لأنها تعرض عنها ولا تمنعه من الحب، فكذلك الكريم من الرجال الصفوح كأنه يعرض عن ذنب صاحبه. والكرم - بإسكان الراء -: من الكروم معروف، والكرم أيضًا: القلادة. قال جرير: لقد ولدت غسان ثالبة الشوى ... عدوس السرى لا يقبل الكرم جيدها وأخبرني أبو العباس الديناري عن عمه قال: وفد محمد بن حازم على الحسن بن سهل فلما دخل عليه أنشأ يقول: وقالوا لي مدحت فتى كريمًا ... فقلت: وكيف لي بفتى كريم بلوت ومر بي خمسون حولاً ... وحسبك بالمجرب من عليم فما أحد يعد ليوم خير ... ولا أحد يرد على حميم

الحق

ويعجبني الفتى وأظن خيرًا ... فأكشف منه عن رجل لئيم يقابل بعضهم بعضا فأضحوا ... بني أبوين قدا من أديم وطاف الناس بالحسن بن سهل ... طوافهم بزمزم والحطيم وقالوا: سيد يعطي جزيلا ... ويفرج كربة الرجل الكظيم فقلت: مضى بذم القوم شعري ... وقد يؤتي البري من السقيم وما خبر ترجمه ظنون ... بأشفى من معاينة الحليم فإن يك ما ينشر عنه حقًا ... رجعت بأهبة الرجل المقيم وإن يك غير ذاك حمدت رأيي ... وزال الشك عن رجل حكيم فأمر له بعشرين ألف درهم، فلما قبضها رمى بالعصا وأنشأ يقول: وأغني الله بالحسن بن سهل ... فألقيت العصا وحططت رحلي كأن الله وكله قيامًا ... بحاجة معشر وبجمع شمل فأنت الدين والدنيا جميعًا ... وأنت الناس وحدك يا ابن سهل الحق الله عز وجل حق وكل معبود دونه باطل، والحق: نقيض الباطل، ويقال حق الشيء يحق حقًا: تأويله وجب يجب وجوبًا، فالله عز وجل حق وكل شيء من عنده حق وكل ما عاد إليه حق، وكل ما أمر به ونهي عنه حق على العباد امتثاله أي واجب ذلك عليهم فالله الحق أي هو الحق وما عبد دونه باطل، والله عز وجل الحق أي ذو الحق في أمره، ونهيه، ووعده، ووعيده، وجميع ما أنزله على لسان رسله وأنبيائه والحقيقة: ما يصير إليه حق الأمر ووجوبه، تقول: «بلغت حقيقة هذا الأمر» أي بلغت حقه أي يقين شأنه، وحقيقة الرجل: ما يلزمه الدفاع عنه من أهل ومال

وقرابة والجمع الحقائق، تقول العرب: «فلان حامي الحقيقة» أي يحمي ما يحق عليه أن يحميه كقولهم: «هو حامي الذمار» أي إذا غضب، وذمر، وحمى. ويقال: «قد أحق الرجل» إذا قال حقًا وأتى بحق، وأحق أيضًا: إذا ادعى شيئًا فوجب له وواضح أنه واجب له، يقال: «قد أحق فلان وحق الرجل في فعله وقوله» إذا أتى فيها بالحق، ويقال «يحق على فلان أن يفعل كذا وكذا» أي يجب عليه أن يفعله، و «فلان حقيق بكذا وكذا» أي محقوق له، فعيل بتأويل مفعول، ويقال للمرأة التي هي حقيقة بذلك محقوقة أن تفعل كذا وكذا. قال الشاعر: وإن أمرءًا أسرى إليك ودونه ... من الأرض موماة وبيداء سملق لمحقوقة أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفق قال النحويون: تقديره لمحقوقة أنت أن تستجيبي لصوته. وفي التنزيل {حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق} أي واجب ذلك علي، وحقيق علي ألا أقول، كما تقول واجب علي أن لا أقول. ويقال: «حاققت فلانًا محاقة» إذا ألمحت أنك أولى بالأمر منه وأحق. والحق من أولاد الإبل دون الجذع بسنة وذلك حين يستحق الركوب والحمل عليه، والأنثى حقة وذلك إذا استحق الفحل، والجمع: الحقاق، قال عبيد:

أي قوم قومي إذا عزت الخمـ ... ـر وقامت زقاقهم والحقاق ويروى: «قامت حقاقهم والزقاق» أي شربت زقاق الخمر بالحقاق من الإبل لعزة الخمر وغلائها، ويروى: «وقامت زقاقهم بالحقاق». فأما قول الأعشى: بحقتها ربطت في اللجيـ ... ـن حتى السدييس لها قد أسن - طرح بعض فتلزج - فإنه جعل الحقة هاهنا وقتًا لها حين صارت حقة. وكذلك قوي ذي الرمة: أفانين مكتوب لها دون حقها ... إذا حملها راش الحجلجين بالثكل جعل الحق وقتًا أي حين صارت حقة. والحقحقة: السير الشديد، وقيل: هو سير أول الليل ونهي عنه، وقيل: «شر السير الحقحقة». وقال بعضهم: بل الحقحقة: إتعاب ساعة وكف ساعة وفي الحديث: «إياكم والحقحقة في الأعمال فإن أحب الأعمال إلى الله ما دام العبد عليه وإن قل». المبين المبين: اسم الفاعل من أبان يبين فهو مبين إذا أظهر وبين إما قولاً وإما فعلاً،

المبين

فالله تبارك وتعالى المبين لعباده سبيل الرشاد، والموضح لهم الأعمال الموجبة لثوابه والأعمال الموجبة لعقابه، والمبين لهم ما يأتونه ويذرونه، يقال: «أبان الرجل في كلامه ومنطقه» فهو مبين. والبيان: الكلام. كذلك فسر قوله عز وجل: {خلق الإنسان. علمه البيان}. قالوا: البيان: الكلام، ويقال: «بان الكلام» وأبان بمعنى واحد فهو بين وبمين. وأنشدوا بيت لبيد بن ربيعة العامري يصف ديارًا: فوقفت أسألها وكيف سؤالنا ... صمًا خوالد ما بين كلامها يروى «يبين» بفتح الياء من باب يبين، ويروى «يبين» من أبان يبين فهو مبين. فإذا قلت: «أبنت أنا الكلام» كان بالألف لا غير، أو قلت بينته بالتشديد. ويقال من غير هذا «بان عني فلان» يبين بينًا: إذا فارقك، والبين: الفراق والبين أيضًا: الوصال وهو من الأضداد وقرئ: {لقد تقطع بينكم} بالرفع تأويله: لقد تقطع وصلكم، وينشد: لعمرك لولا البين لا يقطع الهوى ... ولولا الهوى ما حن للبين آلف «والبين» بكسر الباء: قطعة من الأرض قدر مد البصر، قال ابن مقبل: بسرو حمير أبوال البغال به ... أتى تسديت وهنًا ذلك البينا

النور

«والبينونة» أيضًا: الفراق، والمباينة: المعاداة من ذلك أيضًا. ويقال تبينت الشيء تبينًا واستنبته استبانة، وأبنته إبانة وبيانًا، وباينت الرجل في العداوة مباينة. النور {الله نور السموات والأرض} أي: يهتدي بنوره من في السموات ومن في الأرض، أي: بآياته وأعلامه الدالة عليه، والبراهين الواضحة النيرة، يهتدي أهل السموات والأرض إلى توحيده والإقرار بربوبيته وتنزيهه من الأنداد والأمثال عز وجل. وقالوا في قوله: {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ... إلى آخر الآية}. هذا مثل ضربه الله عز وجل لباين أمره ووضوح آياته الدالة عليه وعلى توحيده، وظهورها واهتداء المؤمنين بها فقال: {الله نور السموات والأرض} أي: يهتدي بنوره من في السموات ومن في الأرض أي بآياته وأعلامه الواضحة الدالة عليه. ثم قال: {مثل نوره} - في قلب المؤمن - {كمشكاة} وهي الكوة غير نافذة، والمشكاة لفظة عربية فأما من قال هي حبشية فإنما أراد أنه وفاق وقع من العربية وغيرها لا أن في القرآن ما ليس بعربي، وإنما ذلك اتفاق في أحرف بين العربية وغيرها أو كلام معرب من غير العربية منقول إلى ألفاظ العربية. ثم قال: {فيها مصباح} أي: في المشكاة مصباح وهو

السراج. ثم قال: {المصباح في زجاجة} ليكون أعظم لضوئه وأنور. ثم قال: {الزجاجة كأنها كوكب دري} فوصف بياض الزجاجة وصفائها وشدة ضيائها ليضاعف نور المصباح فيها فشبهها بالكوكب الدري وهو الأبيض المضيء منسوب إلى الدر لبياضه. ومن قرأ «درئ» بكسر الدال والهمزة فإنه ذهب إلى الكواكب التي يدرأن عليك أي: يطلعن، وتقديره «فعيل» من درأت أي: دفعت. ومن قرأ «درئ» بالضم والهمز فليس مذهبه بجيد في العربية لأنه ليس في العربية «فعيل» بضم الفاء والتشديد إنما هو «فعيل» بكسر الفاء والتشديد نحو صريع وفسيق وخريت وما أشبه ذلك. فأما مريق فذكر الفراء أنه فارسي معرب. وقد ذكر سيبويه المريق من الأبنية ولم يذكر أنه فارسي، والقول ما قال الفراء. ثم قال: {يوقد من شجرة مباركة} فمن قرأ هكذا «توقد» بالرفع أراد تتوقد ذهب إلى الزجاجة فحذف إحدى التاءين لاجتماعهما، والوجه أن تكون المحذوفة الثانية لأن الأولى دليل الاستقبال، وعلى ذلك إجماع النحويين إلا هشام بن معاوية

فإنه قال: المحذوفة الأولى، وليس ذلك بشيء. ومن قرأ «توقد» على لفظ المضي أو «يوقد» بالياء ذهب إلى المصباح. ثم بين الشجرة ما هي؟ فقال: «زيتونة» فجعلها بدلاً من شجرة فخفضها لذلك، ثم وصف الزيتونة فقال: {لا شرقية ولا غربية} أي ليست بشرقية أبدًا فالشمس تدوم عليها ولا يصيبها ظل، ولا هي غربية في مقنأة وهو موضع لا تصيبها فيه شمس، ولكنها شرقية غربية قد جمعت الأمرين فهي تصيبها الشمس في وقت والظل ليكون أجود لزيتونها وأصفى لدهنه، وإنما أراد بذلك صفاء الزيت الذي يتوقد منه المصباح، يقال: مقنوة للمكان الذي لا تناله الشمس. ثم قال: {يكاد زيتها يضيء} لصفاته و [لو] لم تمسسه نار. ثم قال: {نور على نور} أي: ذلك نور على نور المشكاة والمصباح والزجاجة والنار والزيت. وهذه أمثال ضربها الله عز وجل، وهكذا تفسيره في ظاهر العربية واللغة، والله أعلم ما أرد بذلك. فقد قيل فيه ضروب من القول. ثم بين أنه أراد بهذا كله المثل بقوله: {يهدي الله بنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}. وأصل النور الضياء، والنور والنار أصل واحد، فالنور: الضياء، والنار: المعروفة هي أيضًا ذات ضياء وإشراق. والنور نور النبات وزهره، قال ابن الأعرابي: النور من النبات: الأبيض، والزهر الأصفر يكون أبيض قبل ثم يصفر.

والنور: النفر من الضباء وغيرها، يقال: نارت تنور نوارًا، وامرأة نوار: إذا كانت تنفر من الريبة. وانشد ابن السكيت: أنورًا سرع ماذا يا فروق ... وحبل الوصل منتكث حذيق أراد أنوار أي أنوارً سرع ماذا: أراد سرع ذا فخفف وما زائدة، وتقديره: ما أسرع ذا! ويقال «استنثار الشيء»: إذا أضاء وأشرق، ونارت النار: إذا وقدت، وتنورت النار: إذا نظرت إليها من بعيد وينشد لامرئ القيس: تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي قالوا: نظر إليها بقلبه. وينشد لابن حلزة اليشكري: فتنورت نارها من بعيد ... بخزاز هيهات منك الصلاء أي: ما أبعد منك الصلاء لبعدها. وهذه مسائل من التصريف في النور: إن قال لنا قائل: ما وزن نور؟ قلنا: «فعل» مثل قفل، وبرد. فإن قال كيف تبني منه «فعل» مثل ضرب؟ قلنا: نار كما تقول قام، وأصله نور فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإن قال: كيف يبنى منه «فعل» مثل ظرف وشرف؟ قلنا: نار أيضًا وذلك أن أصله نور فتحركت الواو وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا.

فإن قال: كيف يبنى منه «فعل» مثل جهل وعلم؟ قلنا: نار أيضًا، والعلة واحدة. فإن قال: كيف تبني منه فاعلاً مثل: ضارب وقاعد؟ قلنا: نائر بالهمز وأصله ناور لأن الواو عين الفعل فوقعت بعد ألف زائدة، ومن شأن الواو إذا تحركت وقبلها فتحة أن تنقلب ألفًا، فلما وقعت قبلها ألف كانت أقدر على القلب من الفتحة لأن الفتحة من الألف فقلبت الواو ألفًا، فاجتمعت ألفان ساكنتان، ولا يمكن الجمع بينهما فأبدلت الثانية همزة فقيل: نائر. ومثل ذلك قائم، ونائم وما أشبه ذلك، والباب واحد وتخفيف الهمزة بعد التحقيق جائز فيجعل بين بين. فإن قال: فكيف يبني منه مثل «مفعل» نحو مكرم ومقبل؟ قيل له: منير، وأصله منور فنقلت حركة الواو إلى النون التي قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياء فقيل: منير كما قيل ميزان وميعاد، وميقات فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فإن قال قائل: إذا قلت منور فما قبل الواو ساكن فهلا صححتها لأن الواو إذا سكن ما قبلها صحت كما يصح في لهو وغزو وعدو؟ قيل له: إن هذا من الاعلال الذي يتبع بعضه بعضًا، فلما اعتلت الواو في قولنا: نار ينور وأنار وجب إعلاها في ينير وفي منير فأعللناها لذلك، كما قيل: مستقيم، ومستعيذ، ونستعين، وأصله مستقوم، ومستعوذ، ونستعون فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، وقلبت ياء كذلك لزم في منير. فإن قال: كيف يبني منه مثل «مستفعل» نحو مستخرج ومستضرب؟ قلنا: مستنير وأصله مستنور ففعلنا به ما فعلنا بمنير. فإن قال: فكيف يبنى منه «مفتعل» نحو مقتدر ومكتسب قلنا: منتار كما ترى، وأصله منتور فقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإن قال قائل: فكيف يبني منه «مفعول» مثل مضروب ومقتول؟ قلنا: منور واصله منور بواوين الأولى عين الفعل، والثانية واو مفعول فنقلت حركة الواو الأولى إلى ما قبلها وأسكنت، فاجتمع واوان ساكنان فحذفت إحداهما فقيل: منور ومثل ذلك مفعول من قال ونام. يقول: مقول ومنوم. وإن كان من ذوات الياء نحو باع وكال قلت: مكيل ومبيع وأصله مكيول ومبيوع فأعل كما ذكرت لك. وفي هذا خلاف بين العلماء يطول شرحه، ليس هذا موضع ذكره.

الهادي

فإن قال: فكيف يبني منه «استفعل» نحو استغرب؟ قلنا: استنار وأصله استنور فقلبت الواو ألفًا على ما مضى من الشرح. فإن قال: فكيف يبني منه «تفاعل» نحو تضارب وتقاتل؟ قلنا: تناور فيصح الواو كما يصح في تناوم وتقاول لأنها لو أعلت انتقض البناء وفسد ولم يكن عليه دليل. فإن قال: فكيف يبني منه «افتعلت» نحو اكتسبت؟ قلت: انترت بقلب الواو ألفًا ثم تحذف لسكون الراء بعدها. فإن قال: فكيف يبني منه «تفعلت نحو تضربت؟ قلت: تنورت فتصح الواو لأنه لم يجئ أمر تغير له. وهذا باب يتسع ويطول جدًا، وفي هذه المسائل دليل على ما يرد من أمثالها لمن تدبرها». الهادي الله عز وجل الهادي يهدي عباده إليه ويدلهم عليه وعلى سبيل الخير والأعمال المقربة منه عز وجل. يقال: هديت الرجل الطريق هداية وهديت الرجل في الدين هدى. والهادي: الدليل، ويقال: هديته الطريق، وهديته للطريق، وهديته إلى الطريق بثلاث لغات قد جاءت في التنزيل، قال عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم} وقال: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}. وقال: {وهديناه النجدين}

{وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}. ويقال: هديت العروس إلى زوجها هداء قال زهير: فإن تكن النساء مخبآت ... فحق لكل محصنة هداء ويقال: أهديت الهداية أهداء، وأهديت إلى البيت هديًا وهدًا، وواحد الهدي هدية وهو ما أهدي إلى البيت للنحر، وقد أجاز بعضهم في العروس أهديتها كأنه ذهب بها مذهب الهدية، وأكثر الناس على: هديتها هداء. والهادي: العنق، والهوادي: أول الخيل: وأول كل شيء ومتقدمه هاديه، ويقال: هديت الرجل الطريق، وفي الدين فأنا هاد وهو مهدي، وهديت العروس فأنا هادي وهي هدي فعيل بتأويل مفعول، ومهدية أيضًا. وأهديت الهدية فأنا مهد وهي مهداة. والهدى: البيان، والاهتداء: اتباع الهدى، والمهتدي: «مفتعل» منه وقوله: {أمن لا يهدي إلا أن يهدي} أصله يهتدي فأدغمت التاء في الدال فصارت دالاً مثلها، ونقلت حركتها إلى الهاء. فأما من قال «يهدي» بإسكان الهاء على الجمع بين ساكنين فذلك متعذر النطق به ولكنه تختلس الحركة فيه اختلاسًا، وكذلك قوله: {إن الله نعما يعظكم به} في اختلاس الحركة في مذهب من يرى ذلك. فأما الإسكان على الحقيقة فغير ممكن لتعذر الجمع بين الساكنين.

الفتاح

والمستهدي: طالب الهدية. الفتاح الفتاح والفاتح: الحاكم {ربنا افتح بيننا} أي: احكم بيننا. وأصله من فتح الباب بعد إغلاقه، كأن الحاكم إذا حكم بينهم فقد فتح الباب إلى الحق وبينه. الغافر الغافر: الذي يغفر ذنوب عباده أي: يسترها عليهم ويتجاوز عنهم وأصل الغفر الستر وقد مضى شرح ذلك في ذكر الغفور. القابل القابل: الذي يقبل توبة عباده، قبل يقبل فهو قابل. والقابل في غير هذا الذي يقبل الدلو إذا خرجت من البئر. قال زهير: وقابل يتغنى كلما قدرت ... على العراقي يداه قائمًا دفقا والقابل أيضًا من قولهم: عام قابل بمعنى: الجائي المقبل، وتقول: قبلت الهدية وغيرها قبولاً، وقبلت القابلة المرأة قبالة، وقبلت بالرجل قبالة أي: كفلت به فأنا قبيل أي: كفيل. قال ابن أبي ربيعة: إن كفي لك رهن بالرضا ... واقبلي يا هند قالت قد وجب

وقيل: نقيض بعد، يقال: «جئت قبلك وبعدك، ومن قبلك ومن بعدك» فإذا أفردت بنيته على الضم فقلت: «جئت قبل وبعد». قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد}. وإنما بنيتا في هذه الحال لأن سبيل قبل وبعد أن يضافا إلى ما يوضحهما لا يعقد معناهما إلا كذلك فلما أفردتا لعلم المخاطب بما كانا تضافان إليه - لأنهما لا تفردان إلا كذلك - ودلتا مفردتين على ما كانتا تدلان عليه مضافتين فارقتا بابهما فوجب بناؤهما فبنيتا لذلك، وهذا معنى قولهم: بنيتا على الغاية، ولم يكن بناؤهما على السكون لسكون ما قبل آخرهما فبنينا على الحركة وعدل بهما إلى الضم لأن الفتح والكسر قد يلحقانهما في حال الإعراب في قولك: «جئت قبلك وبعدك» «ومن قبلك ومن بعدك» فعدلا إلى حركة لا تلحقهما في حال الإعراب وهي الضمة فقيل: «جئت قبل وبعد»، ومن نكرهما أعربهما فقال: «جئت قبلا وبعدا» «ومن قبل ومن بعد»، وقد قرئ {لله الأمر من قبل ومن بعد}. وأنشد الكسائي: فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغص بالماء المعين والقبلة: التي يؤمها الناس في صلواتهم كأنهم لما استقبلوها صارت قبلة، والقبيلة: بنو أب واحد، والقبيل: جيل من الناس، وجماعة القبيلة: القبائل وجماعة القبيل: قبل، قال لبيد: وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل

والقبائل: قبائل الرأس وهي القطع المشعوب بعضها إلى بعض «وقبل فلان لي حق»: أي عنده، «وقعدت قبالة فلان»: أي حذاءه، «واقتبلت الأمر اقتبالاً»، «وفلان مقتبل الشباب»: أي مستأنف الشاب، وتقبلت بالأمر تقبلا. والقبلة: خرزة كانت تؤخذ بها نساء العرب في الجاهلية، والقبل والدبر معروفان، «وفلان لا يعرف قبيله من دبيره». قال الأصمعي: أصله من الاقبالة والادبارة: وهي شق في أذن الشاة يفعل بها ذلك علامة تعرف به، ثم يفتل ذلك، فإذا أقبل به فهو الاقبالة، وإذا أدبر به فهو الادبارة، والجلدة المعلقة هي الاقبالة والادبارة. وقال غيره: القبيل: ما أقبلت به المرأة من غزلها حين تفتله. والدبير: ما أدبرت به. وقيل: يراد به نسب أبيه من نسب أمه لا يعلم أيهما أكرم، حكى ذلك ابن دريد. ويقال: «أقبل فلان إلي إقبالاً»: نقيض أدبر إدبارًا و «أقبل في أمره وحاله إقبالاً» فهو مقبل: نقيض أدبر إدبارًا فهو مدبر. «وقابلت الشيء بالشيء مقابلة»: واجهته به، فجعلت كل واحد منها مقابل صاحبه، ومنه أخذت مقابلة الكتب. والقبيل: عريف القوم، حكى ذلك ابن دريد وأنشد: أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلى قبيلهم يتوسم ويروى «عريفهم».

الشديد

ويقال: «نحن في قبالة فلان»: أي في عرافته. والقبل: ما قابلك من جبل أو علو من الأرض، وأنشد: خشية الله وإني رجل ... إنما ذكري نار بقبل قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد: القبل عند العامة: الحول الخفي وليس كذلك إنما القبل: أن تقبل الحدقتان على المأقين. الشديد الشديد في صفات الله عز وجل على ضربين: أحدهما: أن يراد بالشديد القوي لأنه قد يقال للقوي من الآدميين شديد، وكأنه في صفات الآدميين يذهب به إلى معنى شدة البدن وصلابته وجلده، وذلك في صفات الله عز وجل غير سائغ بل يكون الشديد في صفاته بمعنى القوي حسب. والشديد: خلاف الضعيف. والآخر: أن يراد بالشديد في صفاته عز وجل: إنه شديد العقاب، فيرجع المعنى في ذلك في الحقيقة إلى أن عذابه شديد كما قال: {إن عذابي لشديد} ألا ترى أنا إذا قلنا: «زيد كثير العيال» أن المعنى إنما هو وصف عياله بالكثرة، وكذلك إذا قلنا: «زيد كثير المال» فإنما وصفنا ماله بالكثرة، وإن كان الخبر قد جرى عليه لفظًا، وكذلك إذا قلنا: «زيد شديد العقاب» فإنما وصفنا عقابه بالشدة، فكذلك مجراه في قولنا: «الله شديد العقاب» «وشديد العذاب». والشديد في غير هذا يقع في صفات الآدميين بمعنى: البخيل، يقال: «فلان شديد» أي: بخيل ممسك، وكذلك فسروا قوله: {وإنه لحب الخير لشديد} أي: إنه لحب المال لبخيل، أي: هو من أجل حب المال بخيل.

ذي الطول

ويقال: «شددت الحبل وغيره أشده شدًا» بضم الشين في المستقبل، وشددت على القوم في الحرب أشد شدًا كذلك أيضًا. وأخبرني أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري قال: أخبرني أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: «شد الرجل في الحرب يشد» بكسر الشين «وشد الشيء يشده» بضم الشين، قال أبو بكر وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: أشد على الكتيبة لا أبالي ... افيها كان حتفي أم سواها والشدة: اشتداد الأمر، والشدة: الجدب والمحل، ويقال: «اشتد الأمر اشتدادًا»، «وتشدد فلان في الأمر تشددًا»، «وشاددت فلانًا مشادة». وقالوا في قوله: {بلغ أشده واستوى} هو منتهى شبابه وكماله واستقراره فلا يكون فيه زيادة قبل أن يأخذ في النقصان. واختلفوا في تحديد وقت بلوغ الأشد فقال قوم: هو بلوغ ثلاثين سنة وقيل هو ثمان وثلاثون سنة، وقال قوم: الأشد: جمع واحده شد مثل «قد» و «أقد» وهو الجلد وقيل واحده شدة. قيل شدة وأشد مثل نعمة وأنعم. وقيل: واحده شد مثل فلس وأفلس وقيل: هو جمع لا واحد له. ذو الطول الطول: الفضل، يقال: «طال فلان علينا طولاً»: إذا أفضل عليهم، والطول: خلاف العرض. ويقال: «لا أكلمك طوال الدهر» أي: أبدًا. وينشد:

الرزاق

إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالبت بك الطيل والطول: الحبل. فأما قوله: تعرض المهرة في الطول فإنما شدده للقافية. الرزاق فعال من قولك: «رزق عباده فهو رازقهم». والرزاق. فعال للمبالغة. ذو القوى قد مضى شرح ذلك في ذكر القوي. المتين مجاز المتين في صفاته عز وجل أنه يراد به القوي وليس بمحمول على الحقيقة في اللفظ وإنما هو مجاز كأنه جعل قوله: {ذو القوة متين} عبارة عن وصفه عز وجل بالقوة والمبالغة في ذلك. والمتين في صفات غير الله يذهب به إلى الغلظ والثخن، وهذا ممتنع في صفاته عز وجل، ولكن مجازه ما ذكرت لك، ويقال: «هذا ثوب متين» أي: غليظ. والمتن متن الظهر، يقال: «متنت الإنسان»: ضربت متنه، وقال الأصمعي المتنتان: اللحمتان عن يمين الفقار ويساره، والمتن: ما غلظ من الأرض وصلب وجمعه متان، قال الأصمعي: والمتن: الرجل الجليد يقال: «فلان متن من الرجال»، فأما قول امرئ القيس:

لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعدبه النمر فإنه قال «متنتان» على لغة من يقول للمتن متنة، يقال: متن ومتنة يذهب به إلى اللحمة. والمتنان: ما شد الصلب من اللحم والعصب أي كانا من جانبيه. وفي خظاتا ثلاثة أقوال: أحدهما أنه أراد خظاتان فحذف النون ضرورة، وأصله خظاتان كما قال أبو دؤاد: ومتنان خظاتان ... كزحلوف من الهضب والثاني: أنه أراد أن يقول: «خظتا» فأعاد الألف لتحرك التاء ألا ترى أنك إذا قلت: «خظت» فإنما أصله «خظات» فحذف الألف لسكونها وسكون التاء بعدها، وكذلك إذا قلت: «هند غزت ودعت» وما أشبه ذلك فإنما أصله «غزات» و «دعات» فحذفت الألف لسكونها وسكون التاء بعدها، فإذا ثنيت قلت: «الهندان غزتا ودعتا ورمتا» فلا ترد الألف وقد تحركت التاء لأنها حركة غير لازمة، وقال امرئ القيس: «خظاتا» وهو يريد «خظتا» فرد الألف لتحرك التاء. والثالث: مذهب أبي عبيدة أنه بتقدير المضاف إلى قوله: «كما أكب على ساعديه النمر «تقديره» خظاتا أكباب النمر» وهذا بعيد. والقول الثاني أجود ما قيل فيه. وقوله: «ظختا»: يريد كثر لحمها. يقال: لحمه خظا بظا: وهو الشديد اللحم الذي ركب بعضه بعضًا، وقد خظا يخظو: إذا اشتد. قال رجل من غني: في بدنه خظوان لحمه زيم ... وذو بقية ألواح إذا شزبا

ويروى: «إذا شسيا». وقوله: «كما أكب على ساعديه النمر» فإنما أراد أن يقول: كساعدي نمر فقال: كما أكب على ساعديه النمر، والشعراء تفعل ذلك كثيرًا. قال الراعي: وعينان حر مآقيهما ... كما نظر الغدوة الجؤذر أراد كعين جؤذر. وقال الهذلي: هبطن بطن رهاط واعتصبن كما ... يسقي الجذوع خلال الدور نضاح أراد كالنخل المسقي. وقال آخر: حتى إذا جن الظلام المختلط ... جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط؟ أراد: كلون الذئب من كثرة مائه [يصف] لبنًا مزج بالماء. قال الأصمعي: أساء امرئ القيس في وصفه المتن بكثرة اللحم، إنما يستحب عرق متن الفرس ونحفه وهو أن يقل لحمه، وكذلك الوجه، قال طفيل:

معرقة الألحي كأن متونها ... زحاليف ولدان عفت بعد ملعب يقول: هي معرفة المتون يكاد يستبين العصب من قلة اللحم. ويقال «ماتن فلان فلانًا»: إذا قاومه في مراجعة كلام أو فعال أو قتال. وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد في ديوان امرئ القيس قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: كان امرئ القيس معنًا ضليلاً ينازع من يقول إنه يقول الشعر فنازع التوأم جد قتادة بن الحارث بن التوأم اليشكري، قال: إن كنت شاعرًا فتمم أنصاف ما أقول فأجزها، فقال: نعم: فقال امرئ القيس: أحار ترى بريقًا هب وهنًا فقال التوأم: كنا مجوس تستعر استعارا فقال امرؤ القيس: أرقت له ونام أبو شريح فقال التوأم: إذا ما قلت قد هدأ استطارا فقال امرؤ القيس: كأن هزيزه بوراء غيب

فقال التوأم: عشار وله لاقت عشارا فقال امرؤ القيس: فلما أن علا كنفي اضاخ فقال التوأم: وهت أعجاز ريقه فحارا فقال امرؤ القيس: فلم يترك بذات السر ظبيًا فقال التوأم: ولم يترك بجلهتها حمارا فلما رآه امرؤ القيس قد ماتنه آلى ألا ينازع الشعر أحدًا بعده حيرى دهر: أي آخر دهر. تفسير هذه الأبيات: هدأ: سكن، واستطار: تفشي برقه، ويقال: «استطار الصدع في الزجاجة»: إذا اتسع، وهزيز الرعد: صوته، ويقال: «سمعت هزيز الرحى». وقال الأصمعي: لم يذكر الرعد في شعره هذا ولكنه ذكر البرق وأضمر الرعد لأنه يذكر من أجله. وقوله: «بوراء غيب»: أي بحيث لا أراه. والعشار: التي أتى عليها من لقاحها عشرة أشهر من النوق ثم يقال لها: «عشار» في تلك الحال وإلى أن تضع ويتبع أولادها. والوله: التي اشتد وجدها على أولادها. يقول: فقدت أولادها فلقيت عشارًا مثلها فهي تحن إليها. قال أبو عبيدة: يصف بعضهم الإبل بغلظ الأكباد. قالت عائشة - رحمها الله - ما يرون أكبادنا إلا أكباد الإبل. وقال بلغاء بن عصيم: يبكي علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادًا من الإبل

البار

قال: وبعضهم يصف الإبل بالرقة، قال متمم بن نويرة: فما وجد أظهآر ثلاث روائم ... رأين مجرًا من حوار ومصرعا يذكرن ذا البث الحزين ببثه ... إذا حنت الأولى سجعن لها معا بأوجع مني يوم فارقت مالكًا ... وقام به الداعي الرفيع فأسمعا وقوله: «وهت أعجاز ريقه»: يقول: استرخت فسالت كما يسيل ماء القربة إذا وهت فانشقت، وأعجازه: أواخره، وريقه: أوله، يقال: «فعل ذلك في ريق شبابه وفي روق شبابه». حار: تحير فلم يبرح. وقوله: «فلم يترك بذات السر ظبيًا ولا حمارا» إلا غرقه. ولم يترك بجلهتها، والجلهة: ما استقبلك من جانب الوادي. وقوله: «حيري دهر»: آخر دهر، والحيري: الدهر. البار البار: اسم الفاعل من قولك: «بر فهو بار»، وبره بعباده: إنعامه وإفضاله عليهم، يقال: «بررت الرجل أبره، وأنا بار وهو مبرور، ورجل بار وبر»، «وبر حج فلان فهو مبرور».

المقتدر

المقتدر اسم الفاعل من قولك: «اقتدر فهو مقتدر»، وقد مضى شرح ذلك في ذكر القدير. الباقي الباقي: الله عز وجل، وكل شيء سواه فإن كما قال: {كل من علهيا فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم}. ولا يقال غير الله عز وجل «الباقي» إلا مضافًا معلقًا بشيء كقولنا: «زيد الباقي بعد عمرو» لأنه عاش بعده وبقاؤه إلى أمد ثم ينقضي فإنما يقال لغير الله «الباقي» مجازًا لأنه غير باق أبدًا وإنما يبقى مدة معلومة، ولذلك قيل له «باقٍ» يراد به تلك المدة المقدرة له. ويقال: «بقي الشيء يبقى بقاء محدودًا»، والبقيا: الاستبقاء. ويقال: «استبقيت القوم»: أي أبقيتهم ولم أفنهم كما قال طرفة: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشيء أهون من بعض وقال آخر في البقيا: فما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال وأبقيت الشيء: تركته، وأبقيت من الشيء بقية وبقيت منه كذلك. وجمع بقية بقايا وبقيات، قال الشاعر:

ذو الجلال

يا كعب صبرًا على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير أجساد إلا بقيات أنفاس نحشرجها ... كراحل باكر أو رائح غاد ويقال في البقيا: «البقوى» كما يقال في الرعيا: «الرعوي»، ويقال: «تبقى الشيء فهو متبق» «وتبقى فهو متبقي»: أي ترك وأبقي. قال ذو الرمة: فأدرك المتبقي من ثميلتها ... ومن ثمائلها واستنشئ الغرب ذو الجلال الجلال: العظمة، فالله عز وجل ذو الجلال والعظمة والكبرياء. قال الأصمعي: ولا يقال: «الجلال» إلا لله عز وجل. قال أبو حاتم السجستاني: قد يقال: «جلال» في غير الله. أنشد لهبدة بن خشرم: فلا ذا جلال هبنه لجلاله ... ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر

قال الأصمعي: ويقال: «فعلت ذلك من جلل كذا وكذا، ومن جلال ذلك»: أي من عظمته في صدري. قال جميل: رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله ويقال: «فعلت ذلك من أجل كذا وكذا، ومن إجله، ومن جراه، ومن جرائه، ومن جلله». ويقال: «ذاك أمر جلل»: أي عظيم، «وأمر جلل»: أي صغير، وهو من الأضداد. قال الشاعر: كل شيء ما خلا الله جلل أي: صغير حقير. وقال آخر: يقول جزء ولم يقل جللاً ... إني تزوجت ناعمًا جذلا أي: لم يقل صغيرًا. والجلى: الأمر العظيم وجمعها جلل، والجلة: الإبل المسان، ويقال: «مشيخة

ذو الإكرام

جلة». وجلة بالفتح: البعر، والجلالة: الإبل التي تأكل العذرة، والجليل: الثمام قال الشاعر: ألا ليت شعري هل إيبتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وجل الشيء: معظمه، وتجللت الشيء: إذا أخذت جلاله، وجل الرجل البعر: إذا لقطه. وجل الرجل يجل جلولاً: إذا أخرج من بلد إلى بلد، وكذلك جلا يجلو جلاء لغتان، ومنه قولهم: «استعمل فلان على الجالة والجالية». فالجالة من جللت، والجالية من جلوت، وهو أن يأتي أقوامًا فروا من مكان إلى مكان. ويقال: «جل الرجل يجل جلة»: إذا عظم، والمجلة: صحيفة يكتب فيها شيء من الحكم وينشد بيت النابغة: مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب يعين: الصحيفة التي يقرؤون فيها، ويروى «محلتهم» بالحاء يراد بها: بيت المقدس لأنها دارهم. ذو الإكرام الإكرام: مصدر من: «أكرمت إكرامًا»: يراد بذلك أنه يكرم عباده المؤمنين، كما

الأول والآخر

يهين الكفار. يقال: «أكرمت إكرامًا»، والكرامة: الاسم، والمكرمة: الفضيلة. وقد شرحنا الكريم والكرم فيما مضى. الأول والآخر الله عز وجل الأول لأنه كان قبل الأشياء كلها، فهو الأول الذي لم يتقدمه شيء، وهو الآخر لأنه الباقي بعد فنائها، وزن أول «أفعل» وفاؤه وعينه واوان، والدليل على أنه أفعل وليس «بفوعل» كما ذهب إليه بعض النحويين اتصال «من» به، ولا تتصل إلا «بأفعل»، فيقال: «أنا أول من فلان» ومؤنثه الأولى كقولك: «زيد أفضل من فلان» ومؤنثه الفضلى، فتقول في المذكر: الأول، والأولان، والأولون كقولك: الأفضل، والأفضلان، والأفضلون في جمع السلامة، وفي جمع التكسير الأوائل كقولك: الأفاضل، وأصله الأواول فأبدل الواو همزة لاجتماع واوين في الجمع. بينهما ألف بادلت العرب الواو في مثل هذا همزة. قال أبو عثمان المازني: سألت الأصمعي عن «عيل» كيف يكسر العرب؟ فقال: «عيائل» يهمزون كما يهمزون في الواوين فيقال على هذا في جمع سيد وميت سيائد وميائت بالهمز. والأخفش لا يهمز إلا في اجتماع الواوين كما سمع من العرب، ولا يحمل عليه اجتماع الياءين، والواو والياء. قال أبو عثمان: فأما ضيون فتقول في جمعه ضياون فلا تهمز لأن الواو في الواحد صحت فلم تعتل ولم تدغم، فلذلك صحت في الجمع وإذا كان في مثل هذا الجمع بين الياء والواو التي بعد الألف ياء تحول بينهما وبين آخر الكلمة لم تهمز وذلك نحو: طواويس ونواويس، والباقي نحو قولك: سابور وسوابير فلا تهمز في مثل هذا لأنها بعدت من الطرف. وشبهوا هذا بقولهم: «صوام» في جمع صائم حين

صحح الواو من يقول: صويم فلا يقوم «صيام» لأنها بعدت من الطرف. فأما قول الشاعر: وكحل العينين بالعواور ... فإنما ترك الهمز لأنه أراد العواوير، ولكنه احتاج فحذف الياء فترك الواو على حالها لأن الياء منوية في التقدير كما قالوا: علبط، وعكمس، وهدبد فجمعوا بين أربع متحركات في اسم وذلك غير موجود في كلامهم، ولا هو من أبنية أسمائهم. ولكنهم أجازوه في هذه الأسماء لأن أصلها: عكامز، علابط، وهدابد. فالألف مقدرة لأنها الأصل وإن حذفت في بعض الأحوال فهي مقدرة في أصل البناء. وفي المؤنث الأولى والأوليان والأول في جميع التكسير كقولك: الفضلى، والفضليان والفضل، والدنيا والدنييان والدنا، وكذلك الصغرى والصغر. والجلى: الأمر العظيم، والجمع الجلل. قال طرفة: وإن ادع للجلى أكن من حماتها ... فإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد وتقول في جمع السلامة: الأوليات كقولك: الفضليات والكبريات والصغيرات وكذلك ما أشبهه. وتقول: «زيد أولى بهذا الأمر من فلان»، «والزيدان أولى منه»، «والزيدون أولى منه». ولا يثنى ولا يجمع. وكذلك جميع الباب «أفعل» إذا صحبته «من» ولا تؤنثه. وقد مضى ذكر هذا فيما مضى من الكتاب.

مسألة من هذا الباب

فإن أدخلت عليه الألف واللام ثنيت وجمعت وأنثت كما فعلت ذلك بالأفضل، والفضلى، والأكبر والكبرى، والأول والأولى، فتقول: «زيد الأولى» «والزيدان الأوليان» كما قال: {من الذين استحق عليهم الأوليان} ردًا على {فآخران يقومان مقامهما} على تقدير: «هما الأوليان». ومن قرأ «الأولين» رد الأولين على «الذين». وتقول في الجمع «الزيدون الأولون» بفتح اللام كما تقول: الأعلى، والأعليان، والأعلون، والوزن والبناء والتقدير واحد، قال عز وجل: {وأنتم الأعلون} وقد سقطت لام الفعل من قولك: الأولون والأعلون لأنها انقلبت ألفًا وبعدها واو الجمع فحذفت لسكونها وسكون واو الجمع كما فعل ذلك في قولك: «المصطفون» وفي قوله {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} والباب واحد. وتقول في المؤنث: الوليا، والولييان، والولييات، والولي، كقولك: الدنييان، والدنى، والكبريان، والكبريات، والكبر. مسألة من هذا الباب: إن قال قائل: أليس ما كان من النعوت على «أفعل» فجمعه «فعل» بضم الفاء وإسكان العين نحو: أحمر، وحمر، وأصفر، وصفر، وأخضر، وخضر. وكذلك ما كان على «فعلاء» من النعوت فجمعه كجمع ذكرانه نحو: خضراء، وخضر، وحمراء، وحمر، فلم لم يقل في جمع الأفضل الفضل، وفي جمع الأكبر الكبر، والأصفر الصفر والأول الأول على قياس الحمر والصفر؟ فالجواب في ذلك أنه يقال: ما كان من النعوت على «أفعل» قائمًا بنفسه غير

متعلق «بمن» فجمعه على «فعل» نحو: أحمر وحمر، وأصفر وصفر، وما كان متعلقًا «بمن» ولم يستعمل مفردًا نحو قولك: «زيد أفضل من عمرو، وأكبر من أخيك» وما أشبه ذلك. لا يقال: «رجل أفضل» كما يقال: «رجل أشقر وأصفر» «وثوب أخضر» ولا يقال: «رجل أول ولا «امرأة أولى» لا يستعمل إلا متعلقًا «بمن» أو مضافًا معرفًا بالألف واللام كقولك: «أخوك أكرم من عمرو»، «وهند أكرم من عمرو» و «وزيد أكرم القوم»، «وهند أكرم أخواتك»، «وزيد الأكرم والأفضل والأول». فلما فارق هذا النوع باب «أفعل» في النعت جمع جمع الأسماء فقيل: الأفاضل، والأكارم، والأوائل، والأعالي. كما قيل: الأحامد، والأفاكل كما فعل ذلك بأجدل وهو الصقر، وأبطح، وأدهم حين قيل: الأجادل، والأباطح، والأداهم لأنه وإن كان نعتًا في الأصل فقد استعمل استعمال الأسماء. ولما جمع مذكره على «أفاعل» عدل بمؤنثه أيضًا عن «فعل» لأنه في هذه يجري مجرى مذكره فأجروه مجراه في العدل عن باب «أفعل» نعتًا، فغير لفظ واحده فقيل: «الفعلى» وجمع من لفظه فقيل: «الفعل» نحو: الكبرى والكبر، والصغرى والصغر». مسألة أخرى فيه: فإن قال: فقد زعمت أن ما كن من نعوت الأناث على «فعلى» لم يستعمل إلا بالألف واللام نحو: الصغرى والكبرى وما أشبه ذلك فلا يقال: «امرأة صغرى» ولا «امرأة كبرى»، وقد قال الله عز وجل: {تلك إذن قسمة ضيزى}: أي ناقصة جائزة. وأجمع أهل العربية على أن وزنها «فُعلى» بضم الفاء، وعدلت إلى «فِعلى» لتنقلب الواو ياء، واستدلوا على ذلك بأنه ليس في الكلام صفة بكسر الفاء وفيه «فعلى» بضم الفاء فقد رأينا «فعلى» في صفات المؤنث تستعمل بغير ألف ولام، وهذا نقض لما ادعيته؟

مسألة أخرى فيه

فالجواب في ذلك إنا لم نقل: إنه لا يكون مؤنث على «فعلى» يستعمل بغير ألف ولام، وإنما قلنا: ما كان من باب «أفعل» في التفضيل فاستوى فيه المؤنث والمذكر كقولك: «زيد أفضل من عمرو» «وهند أفضل من زينب» ثم قيل «الهندات أفضل من الزينبات»، «والزيدون أفضل من العرمين» بلفظ واحد، فيقال في مذكر هذا إذا فصل من الإضافة ولم تصحبه «من» «الأفعل» بالألف واللام، ولا يستعملان إلا كذلك فيقال: «زيد الأفضل» «وهند الفضلى» «وزيد الأكبر» «وهند الكبرى». ولا يقال: «رجل أفضل» ولا «أكبر»، كذلك لا يقال: «امرأة كبرى» ولا «صغرى» فأما «فعلى» في صفات المؤنث من غير هذا الباب فيستعمل بغير الألف واللام في حال، وبالألف واللام في حال غير مدفوع نحو: الأنثى، والبؤسى، والعمرى، والرقبى، وما أشبه ذلك. كل ذلك يستعمل بالألف واللام وبغير الألف واللام، فأما قول أبي نواس: كأن صغرى وكبرى من فراقعها ... حصباء در على أرض من الذهب فلحن لا يؤخذ به ولا يعمل عليه، وقد رده العلماء كلهم. فأما قولهم: «الله أكبر» فتأويله: الله أكبر من كل شيء، فقد صحبته «من» ولكن أضمر لما في الكلام عليه من الدليل. وقيل تأويله: الله كبير. وقد شرحناه فيما مضى من الكتاب. الباطن الله عز وجل الظاهر والباطن كما وصف نفسه بذلك، هو الظاهر لظهور آياته ودلائله الدالة عليه ووضوحها وبيانها، وقد مضى القول على ذلك فيما تقدم. وهو

الباطن لأنه غير مدرك بالحواس كالأشياء المخلوقات التي تدرك بالحواس نحو اللمس، والحس [] (¬1) والباطن خلاف الظاهر، والباطن أيضًا في كلام العرب: الخبير العالم بما بطن من أمور بعض من يصحبه، ويداخله كقولك: «قد بطن فلان أمر فلان»: أي اختبر باطنه ووقف منه على ما لم يقف عليه غيره. ويقال: «بطن الدابة فهو باطن»: إذا ضرب بطنها. قال الشاعر: إذا ضربت موقرًا فابطن له ... فوق قصيراه وتحت الجلة ويقال: «بطن الأمر بطونًا»: خلاف ظهر ظهورًا، والبطن: المكان الغامض من الأرض، والبطن: مصدر بطنت الإنسان وغيره أبطنه بطنًا كما ذكرت لك: إذا ضربت بطنه. والبطن: بطن الإنسان مذكر، فأما قول الشاعر: فإن كلابًا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر فإنما أنث لأنه ذهب بالبطن إلى القبيلة فحمل على المعنى وبين ذلك بقوله: «وأنت بريء من قبائلها العشر». وكما قال ابن أبي ربيعة: ¬

_ (¬1) هكذا بياض بالأصل.

فكان مجنى دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر فقال: «ثلاث شخوص» فأنث، والشخص مذكر لأنه ذهب إلى النساء، وبين ذلك بقوله: «كاعبان ومعصر». وباطن كل شيء: خلاف ظاهره. وتقول العرب: «نزلنا ببطن الوادي» «وبظهر الجبل». «وبطنت الثوب»: جعلت له بطانة، فالظهارة: ما ظهر واستبان وبطانته: ما بطن وفخي. وقال الفراء في قوله عز وجل: {بطائنها من استبرق}: «قد تكون البطانة ظهارة والظهارة بطانة وذلك أن كل واحد منهما يكون وجهًا، قال: وذلك أن العرب تقول: هذا ظهر السماء، للذي تراه وتقول أيضًا: هذا بطن السماء الذي تراه. قال: وقال ابن الزبير وذكر قتلة عثمان: «فقتلهم الله كل قتلة ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب: يعني هربوا ليلا». وهذا تعسف عظيم كيف يجوز أن يسمي ظهارة الجبة والحشية والمسورة وما أشبه ذلك بطانة وباطنتها ظهارة؟. و «البطانة»: ما بطن من الثوب وكان من شأن الناس إخفاؤه، وظهارته: ما ظهر منه وكان من شأن الناس إظهاره وإبداؤه، ولذلك قيل: ظهارة وبطانة من الظهور والبطون».

ولو قال لوجه مصلى: «هذا بطانته»، ولما ولي الأرض منه: «هذا ظهارته» لكان غير بعيد من أن يقال: هذيت، وأحلت، وإنما أراد الله تبارك وتعالى أن يفهم عباده من حيث يفهمون، ويعرفهم فضل هذه الفرش، وأن ما ولي الأرض منها هو البطانة من الاستبرق وهو الغليظ من الديباج فإذا كانت البطانة كذلك، والظهارة أعلى وأشرف لأن العادة بذلك جرت عند الآدميين. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أخشن من هذه الحلة». فذكر المناديل دون غيرها لأنها أخشن من الثياب، وكذلك البطائن أحسن من الظواهر. فأما قولهم: ظهر السماء، وبطن السماء جميعًا لما ولينا فإن مثل هذا قد يجوز في ذي الوجهين المتساويين إذا ولي كل واحد منهما قومًا كقولك لحائط بينك وبين قوم: «هذا ظهر الحائط» لما وليك، ويقول الآخرون لما وليهم: «هذا ظهر الحائط» لأنه لا فرق بينهما، وكل واحد من الوجهين ظهر وبطن لتساويهما. وكذلك تقول لما وليك: «هذا بطن الحائط» تريد أنه بطن لما وراءه، وتقول: «اضطرب بطن هذا الحائط» «وقد أعطى بطنًا» فهذا سائغ في ذي الوجهين المتساويين مما لم تجر العادة بأن يكون ظاهره خلاف باطنه في تفضيل وتشريف، فأما في الفرش واللباس فغير جائز. وكذلك أيضًا يقال لما ولينا من السماء: «هذا ظهرها» وهو لمن فوقها من الملائكة بطن. وإنما ذهب الفراء في قوله: قد تكون الظهارة بطانة والباطنة ظهارة في قوله: «بطائنها من استبرق» فيما أرى إلى أن الظهارة والبطانة متساويان في الجلالة ليس

لأحدهما فضل على الآخر والله أعلم بالمراد من ذلك، ولكنه قد ذكر في هذه السورة التي ذكر فيها هذا الحرف وهي السورة التي يذكر فيها الرحمن شيئًا ما أحسب له مخرجًا في تأويل ولا تفسير، ولا يصح بوجه ولا تقدير، وذلك أنه قال في قوله عز وجل: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} إنه قد يكون في العربية جنة واحدة فقيل: «كجنتان» كما قال الشاعر: ومهمهين قذفين مرتين ... قطعته بالام لا بالسمتين قال: إنما أراد مهمنا واحدًا ولذلك قال: «قطعته»، وإنما ثنى للقافية. قال وأنشد لبعضهم: يسعى بكبداء ولهذمين ... قد جعل الأرطاة جنتين أراد بكبداء ولهذم فثنى للقافية. قال: «وروؤس القوافي تحتمل الزيادة والنقصان»، كأنه ذهب إلى أنها جنة واحدة فقيل «جنتان» لتتفق رؤوس الآي، وهذا قبيح جدًا وتعسف عظيم. ومثله غير جائز إطلاقه على الله عز وجل أن يعد من خاف مقامه بجنتين ويصفهما {ذواتا أفنان} وفيهما كذا وكذا فيصفهما وما فيهما. ويعتقد معتقد أن المراد جنة واحدة وإنما ثنى ذلك للفاصلة وليس بينه وبيني «من» عارضه.

وقال: في خزنة النار عشرون وأكثر وإنما قال «تسعة عشر» لرأس الآية فرق بل ينشعب من هذا أشياء قبيحة جدًا والإمساك عنها أولى، وإنما يقع من الزيادة في القوافي وفي رؤوس الآي ما لا يغير المعنى بزيادته نحو هاء الاستراحة في الوقف في قوله: {ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه}. ونحو الألف للمد في مثل قوله: {ويظنون بالله الظنونا}، {فأضلونا السبيلا} وما أشبه ذلك مما يكثر في القوافي ورؤوس الآي، مما لا يغير المعنى كما يحذف فيها ما لا يفسد المعنى بحذفه نحو قوله: {والليل إذا يسر}، وحذف الواو والياء اللتين يتبعان هاء الإضمار وما أشبه ذلك مما يطول تعداده ولشهرته وكثرته أمسكنا عن ذكره. وتقول: «رجل مبطن»: خميص البطن، «ورجل بطين»: عظيم البطن، و «مبطون»: عليل البطن، و «بطن»: منهوم كثير الأكل شره. وكذلك يقال: «رجل مبطن»: للشديد الظهر، و «رجل ظهر»: يشتكي ظهره مثل «فقر»: إذا اشتكى فقاره، قال طرفة: وإذا تلسنني ألسنها ... إنني لست بموهون فقر وقال أبو عمرو الشيباني: إنما أراد بالفقر من الفقر وسوء الحال. وكذلك يقال: «رجل مصدر»: شديد الصدر، و «مصدور»: يشتكي صدره ومنه قولهم:

القدوس

لا بد للمصدور من أن ينفث ويقال: «استبطن الرجل سيفه»: إذا اشتمل عليه تحت ثيابه فستره، و «تبطن الرجل المرأة» إذا غشيها، وينشد لأمرئ القيس: كأني لم أركب جوادًا للذة ... ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال وكذلك يقال: «تبطنت الوادي»: سرت في بطنه. وقال امرؤ القيس: وغيث من الوسمي حو نباته ... تبطنته بشيظم صلتان الغيث: المطر وإنما أراد هنا النبات، سماه غيثًا لأنه عنه يكون، والأحوى: الذي يضرب إلى السواد بخضرته، والشيظم: الفرس الطويل، وصلتان: صافي الوجه قليل اللحم ومنه قيل: «صلت الجبين»، وقيل: «صلتان ماض»، تبطنته: سرت في بطنه. القدوس القدوس: «فعول» من القدس وهو الطهارة ومنه قيل: «الأرض المقدسة» يراد المطهرة بالتبرك، ومنه قوله عز وجل حكاية عن الملائكة: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} أي ننسبك إلى الطهارة ونقدسك ونقدس لك، ونسبحك ونسبح لك بمعنى واحد. وما جاء على «فعول» فهو مفتوح الأول نحو كلوب، وسمور، وشبوط، وتنور وما أشبه ذلك إلا سبوح وقدوس فإن الضم فيهما أكثر، وقد يفتحان.

السلام

السلام السلام والسلامة بمعنى واحد بمنزلة الراضع والرضاعة، واللذاذ واللذاذة فالله عز وجل السلام تأويله: ذو سلامة مما يلحق المخلوقين من الفناء والموت والنقص والعيب، فالله ذو السلامة من ذلك أي ذو السلامة منه، قال الشاعر: تحيا بالسلام أم بكر ... فهل لك بعد قومك من سلام؟ أي: هل لك بعدهم من سلامة مما أصابهم؟ وأخبرنا أبو إسحاق الزجاج قال: سمعت أبا العباس المبرد يقول: السلام في اللغة على أربعة أضرب، السلام: اسم من أسماء الله، والسلام: السلامة بمنزلة اللذاذا واللذاذاة. والسلام: التسليم، من قولهم: «سلام عليكم»، والسلام: ضرب من الشجر. قال الأخطل: عفا واسط من آل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرين فالصبر أجمل

فرابية السكران قفر فما بها ... لهم شبح إلا سرم وحرمل وكان الزجاج يذهب إلى أنه كله راجع إلى معنى السلامة، فالله عز وجل «السلام» تأويله: ذو السلامة مما يلحق المخلوقين كما ذكرنا، والسلام بمعنى السلامة بمنزلة الرضاع والرضاعة، والسلام في التسليم من ذلك أيضًا. وقد يقع السلام بمعنى المتاركة في التسليم في قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}. قالوا: تأويله: تبرأنا منكم وتاركناكم متاركة لأنهم لم يؤمروا بالسلام حينئذ على المشركين وهذا راجع إلى معنى السلامة، لأن في متاركتهم السلامة، والسلام: ضرب من الشجر عظام سمي لسلامته مما يلحق ما دق من الشجر من الكسر والدق. قال: وكذلك السلم الذي يصعد عليه إنما سمي بذلك لأنه يسلم المرتقي إلى مقصده. قال: وكذلك قيل للدلو التي لها عروة واحدة نحو دلو السقائين السلم لسلامتها مما يلحق غيرها لأحكام عملها. وقيل للصلح سلم وسلم لما ينال به من السلامة في الأبدان والأموال بالصلح، والعرب تؤنث السلم، قال عز وجل: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}. يقال: سلم وسلم للصلح. والسلم بفتح السين واللام: الاستسلام. وقالوا في قوله عز وجل: {والله يدعوا إلى دار السلام}. السلام: الله وداره الجنة، وجائز أن يكون التأويل: والله يدعو إلى دار السلامة لأن السلامة والسلام سواء كما ذكرنا فسمي الجنة

دار السلامة لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من المرض والضعف والهرم والموت وما أشبه ذلك، وكذلك قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم}. وقولهم في التسليم: «السلام عليكم» تأويله: اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم، ويجوز أن يكون تأويله: السلامة عليكم ولكم، وإلى هذا المعنى ذهب من قال: «سلام الله عليكم». فأما قوله عز وجل: {وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين} فقيل: تأويله فسلامة لك منهم أي: يخبرك عنهم بسلامة وهو معنى قول المفسرين. وسمي الصواب من القول سلامًا لأنه سلم من العيب. وقالوا في قول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر أقوالاً، قال أبو عبيدة: اسم السلام هو السلام فتأويله عنده ثم السلام عليكما، وقال: اسم الشيء هو الشيء كذلك يحكى عنه. وبعضهم يلزمه أن يكون اسم الشيء هو الشيء بعينه في كل شيء بقوله اسم السلام هو السلام وذلك غير لازم له لأن تأويله أنه ليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه كما قال: عصا وقضيب وخشبة بمعنى واحد. فليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه. وقيل: معنى اسم السلام عليكما: إغراء منه لهما بذكر الله، وكأنه قال: إلى

الحول أبكياني حولاً ثم اسم السلام عليكما: أي إلزما اسم الله عز وجل وذكره ودعا البكاء علي لأن من بكى ميتًا حولاً فقد بلغ النهاية في ذلك. ورفع السلام في قوله: ثم اسم السلام عليكما، وهو في مذهب الإغراء على هذا لتأويل لما قدم على حرف الإغراء لضعفه ألا ترى أنك تقول: «عليك زيدًا» في الإغراء ولا يجوز أن تقول: «زيدًا عليك» فتنصبه مقدمًا بعليك كما كنت تنصبه مؤخرًا به لضعفه ولكنه جائز أن تقول: «زيدًا عليك» على أن تنصب زيدًا بفعل مضمر يدل عليه حرف الإغراء تقديره: «الزم زيدًا» أو «خذ زيدًا» ثم فسره بعليك. وكذلك قالوا في قوله: يا أيها المائح دلوي دونكما ... إني رأيت الناس يحمدونكما جائز أن يكون قوله: «دلوي» في موضع رفع نصب على ما فسرنا وهو في الوجهين جميعًا إغراء. وكذلك يجوز نصب بيت لبيد عند من ذهب إلى أنه في تأويل الإغراء فيقال: ثم اسم السلام عليكما على تأويل: ثم الزما اسم السلام، والسلام: هو الله على ما فسرنا. وقد تجيء في كلام العرب أشياء منصوبة على الإغراء بغير حرف إغراء إلا بإضمار فعل وذلك شاذ. نشد ابن الأعرابي عن علي بن صالح عن المفضل:

ألا قالت حذام وجارتاها ... كبرت ولا يليق بك النعيم بنيك وهجمة كأشاء بس ... غلاظ منابت القصرات كوم تبك الحوض علاها ونهلي ... وخلف ذيابها عطن منيم إذا اصطكت بضيق حجرتاه ... تلاقي العسجدية واللطيم قال: «بنيك وهجمة» فنصبه على الإغراء بتقدير «عليك بنيك وهذه الهجمة». وهذا وإن كان على ما ذكرنا في التأويل ليس يجوز أن يضمر «عليك» لضعفها ولكن يضمر فعل في معناها كما ذكرت لك. وبس: موضع. الأشاء: معناه النخل، وتبك: تزدحم، وعلاها: أراد عللا، ومنيم: بيتها تسكن إليه. وقال ابن الأعرابي: العسجدية واللطيم منسوبة إلى محلين قال: وليس قولهم هو منسوب إلى الذهب بشيء. وأنشد أيضًا ابن الأعرابي لعمرو بن ملقط الطائي، وأنشدناه أيضًا ابن دريد قال: أنشد أبو حاتم عن أبي زيد الأنصاري: مه مالي الليلة مه ماليه ... أودي بنعلي وسرباليه أنك قد يكفيك بغي الفتى ... ودرأه أن تركض العاليه

مطعنة يجري لها عاند ... كالماء من غائلة الجابيه يا أوس لو نالتك أرماحنا ... كنت كمن تهوي به الهاويه ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقيه ذاك سنان محلب نصره ... كالجمل الأوطف بالراويه بأيها الناصر أخواله ... أأنت خير أم بنو ناجيه؟ أم أختكم أفضل أم أختنا ... أم أختنا عن نصرنا وانيه؟ والخيل قد تجشم أربابها الشـ ... ق وقد تعتسف الداوية يأبى لي الثعلبتان الذي ... قال ضراط الامة الراعية ظلت بواد تجتني صمغة ... واحتلبت لقحتها الآنيه ثم غدت تنبض أحرادها ... إن متغناة وإن حاديه فقالوا في قوله: «أولى فأولى لك ذا واقيه»: تقديره: يا هذا عليك واقية فأضمر «عليك». وهذا إغراء لأنه قد أمره بالتقية، ألا تراه يتهدده بقوله: «لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية» فهذا وإن كان على ما ذكروا من تأويل الإغراء فسبيل المضمر أن يكون شيئًا في معنى «عليك» من نحو «إلزام» وما أشبه ذلك. وفي هذا البيت أيضًا أنه حذف حرف النداء من المبهم في قوله: «ذا واقيه» وهو يريد: «يا هذا»، ولا يجيز النحويون حذف حرف النداء من الأسماء المبهمات لأنه لا دليل على ندائها إلا بحرف يلزمها لأنه لا يبين فيها لفظ بناء على الضم كما يبين ذلك في الأسماء الأعلام فيعلم أنه مناداة وهو شاذ جدًا. وقوله: «تركض العاليه»: يريد تدفع، يعني عالية الرمح أعلاه، والعاند من الدم: المائل، والجابية: الحوض، وغائلته: ما انخرق منه، والأوطف: الكثير شعر العينين والأذنين فأراد أنه لا قلب له كالجمل الأوطف. والعرب تقول:

المؤمن

«كل أزب نفور»، وبنو جارية: من طيء، والشق: المشقة والشدة، وقوله: «تنبض أحرادها»: أي تضطرب أمعاؤها، وأحرادها: أمعاؤها، ومتغناة: متغنية. هذا كله قول ابن الأعرابي ورواه أبو زيد: تنبذ أحرادها: من النبذ والالقاء، قال: «وواحد الأحراد وهو الغيظ والغضب». قال أبو زيد: سنان: اسم رجل، ومحلب: معين، والوانية: المبطئة. وقال آخرون في قول لبيد: «إلى الحول ثم اسم السلام عليكما» تأويله: ثم تسميتي الله عز وجل عليكما من سوء يصيبكما بعدي على جهة الاستعاذة فوضع الاسم مكان التسمية. وكذلك ذهب بعض الناس إلى أن قولهم: «بسم الله» في الافتتاح إنما معناه أبدأ بتسمية الله فوضع اسم موضع التسمية وهذا في اللغة سائغ مطرد. وقال آخرون: تأويله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما: أي حسبكما لأنه قال: إلى الحول والسلام: أي ابكياني حولا ثم حسبكما. وقد جرت عادة العرب بأن السلام آخر كل شيء، ويستعمل في قطع الأشياء والمتاركة كقولهم: «قل فلان كذا وكذا والسلام»: أي لا تزد عليه شيئًا. وكما قال عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} إنما أراد قطع كلامهم ومتاركتهم، وهذا وجه حسن. وكان أبو العباس المبرد يقول: هو أحسن ما قيل فيه. المؤمن المؤمن في صفات الله عز وجل على وجهين: أحدهما أن يكون من الأمان

أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذابه فيأمنون ذلك كما تقول: «آمن فلان فلانًا» أي: أعطاه أمانًا ليسكن إليه ويأمن. فكذلك أيضًا يقال: «الله المؤمن» أي: يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه. ومنه قول النابغة الذبياني: فلا لعمر الذي قد زرته حججًا ... وما هريق على الأنصاب من جسد والمؤمن العائذات الطير تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند قال العلماء في قوله: «والمؤمن» يريد الله تبارك وتعالى أقسم به يريد: آمن الطير في الحرم، والعائذات: التي تعوذ بالبيت، فمن روى هكذا ينصب الطير - وهو الوجه - جعل العائذات في موضع نصب، وإبدال الطير منها للبيان والإيضاح كما تقول: «هذا الضارب الرجل آخاك». ورواه بعضهم: «والمؤمن العائذات الطير» بالخفض على أن تجعل العائذات في موضع خفض وتبدل الطير منها على إجازتهم «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بقولهم: «هذا الحسن الوجه». قال سيبويه: لما قالوا: «هذا الحسن الوجه» فنصبوه تشبيهًا بـ «هذا الضارب الرجل» وإن لم يكن مثله في المعنى كذلك أجازوا «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بـ «هذا الحسن الوجه» لأن كل شيئين تضارعا في العربية فحمل أحدهما على الآخر جاز حمل الآخر عليه في بعض المواضع. ورواه أبو عبيدة: لا والذي آمن الغزلان تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسعد وهذا تقوية للمذهب الأول وشرح للمؤمن، أن تأويله: الذي آمن الطير في الحرم. قال: والغيل والسعد: أجمتان كانتا مناقع ما بين مكة ومنى، يقال لأحدهما

الغيل والآخرى السعد. وقال الأصمعي: لا يقال غيل لأن الغيل الغيضة، والغيل الماء الجاري، وقال: كان ماء يجري في أصل أبي قبيس يغسل عليه القصارون، وروايته الغيل بالفتح على هذا التأويل الذي ذكرته، ومن روى «بين الغيل» بالكسر فقال: الغيل هاهنا مكان، والسند: سند الجبل. والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان وهو التصديق فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: «الله المؤمن» أي مصدق عباده المؤمنين أي يصدقهم على إيمانهم فيكون تصديقه إياهم قبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه. والآخر: أن يكون الله المؤمن أي: مصدق ما وعده عباده كما يقال: «صدق فلان في قوله وصدق» إذا كرر وبالغ، يكون بمنزلة ضرب وضرب، فالله عز وجل مصدق ما وعد به عباده ومحققه. فهذه ثلاثة أوجه في المؤمن سائغ إضافتها إلى الله. ولا يصرف فعل هذه الصفة من صفاته عز وجل فلا يقال: «آمن الله» كما يقال: «تقدس الله، وتبارك الله»، ولا يقال: «الله يؤمن» كما يقال: «الله يحلم ويغفر» ولم يستعمل ذلك. كما قيل: «تبارك الله» ولم يقل: «هو متبارك» وإنما تستعمل صفاته على ما استعملتها الأمة واطلقتها، فالإيمان: التصديق، يقال: «آمنت بكذا وكذا» أي: صدقت به. كما قال: {الذين يؤمنون بالغيب} أي يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل. كما قال حكاية عن أولاد يعقوب ليعقوب: {وما أنت بمؤمن لنا} أي: ما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين. ويقال: «ما أومن بشيء مما يقول فلان» أي: ما أصدق به، وإيمان العبد بالله عز وجل: تصديقه به قولاً، وعقدًا، وعملاً. وقد سمى الله عز وجل الصلاة إيمانًا في

قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس. والإيمان في جميع تصرفه غير خارج عن معنى التصديق وما قاربه وتعلق به، ويقال: «آمن فلان بالله فهو مؤن». وأصل آمن أأمن فقلبت الثانية ألفًا فقيل آمن، فلا يصح همزتان إذا التقتا في كلمة واحدة ولا بد من قلب الثانية على حركة الأولى فإن كانت الأولى مفتوحة قلبت الثانية ألفًا كما قلبت في آدم، وآخر، وآمن وما أشبه ذلك. وإن كانت الأولى مكسورة قلبت الثانية ياء ولا تصح همزتان في كلمة واحدة، فإن كانتا من كلمتين جاز التخفيف والتحقيق كقوله عز وجل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}. وكقولك: «يا زيد أأعطيت فلانًا؟» وما أشبه ذلك فلك في مثل هاتين الهمزتين إذا التقتا من كلمتين هكذا في وصل الكلام ولم يكن مبتدئًا بالهمزة الأولى خمسة أوجه: إن شئت حققت الأولى وخففت الثانية، وإن شئت خففت الأولى وحققت الثانية، وإن شئت حققتهما معًا، وإن شئت خففتهما معًا، واللغة الخامسة أن يزاد بين الهمزتين ألف تفرق بينهما فيقال: «يا زيد آأنت فعلت كذا؟» كما قال ذو الرمة: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم تقديره أأنت أحسن أم أم سالم؟. وأنشد أبو زيد الأنصاري:

حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة ... يفكر آإياه يعنون أم قردا؟ فأما إذا ابتدأت فقلت: «أأنت خرجت؟» «أأنت أعطيت زيدًا؟» فلا بد من تحقيق الأولى لأن الهمزة لا تخفف مبتدأة لأن المخفف يقرب من الساكن والساكن لا يبتدأ به، فأما الهمزتان إذا التقتا في كلمة واحدة فقلب الثانية على حركة الأولى لازم على ما أخبرتك به، وعليه إجماع العرب والنحويين إلا ما يجيء في الشواذ. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: أخبرني أبو زيد الأنصاري أنه سمع من العرب من يقول: «اللهم اغفر لي خطائئي» كقولك: «خطاععي» وهو جمع خطيئة فجمع بين الهمزتين في كلمة وحققهما كما ترى. قال: وسمعت آخر يقول في جمع دريئة وهو ما يستتر به من الصيد درائيء كقولك درائع فحقق الهمزتين في كلمة واحدة. قال: والذي عليه الجماعة القلب والتغيير كقولك خطايا ودرايا. ونظير الجمع بين همزتين في كلمة واحدة وتحقيقهما في الشذوذ وإن كان هو الأصل إثبات بعضهم الهمزة في يرى، وترى، ونرى، وأرى لأن إجماع العرب على حذف الهمزة من مستقبل «رأيت» وإثباتها في الماضي كما ترى فصار هذا المستعمل المستقبل المجمع عليه كالأصل، وصار الأصل وهو إثبات الهمز كالفرع الشاذ

للإجماع على غيره فصار استعماله شاذًا فمن العرب من يثبت الهمز في يرى وترى وما أشبه ذلك فيقول: «أنت ترأى زيدًا» و «أنا أرأيتك إياه»، وأنشد الجماعة لسراقة البارقي. أرى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات قال المازني: والوجه أن يقال «ترياه» فتحذف الهمزة ويحتمل قبح الزحاف لأنه أحسن من زيغ الأعراب. قال: والذين أنشدوه بإثبات الهمزة نفرت طباعهم عن قبح الزحاف فلم يبالوا زيغ الإعراب. وأنشد أبو زيد الأنصاري في مثل ذلك لرجل من بني نمير: هل ترجعن ليال قد مضين لنا ... والعيش مقتبل إذ ذاك أفنانا إذا نحن في غرة الدنيا وبهجتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا لما استمر بها شيحان مبتهج ... بالبين عنك بها يرآك شنئانا قال أبو زيد: وكل هؤلاء حقق الهمزة وهو قليل في الكلام، والتحقيق الأصل.

المهيمن

وتقول في اسم الفاعل من آمن: مؤمن بتحقيق الهمز وهو الأصل، والمفعول مؤمن به كذلك بالتحقيق وإن شئت خففت فلم تهمزه. فأما الموقن فلا يجوز همزه وهو خطأ فاحش ولحن قبيح لأن الواو في «موقن» مبدلة من ياء وليست بهمزة إنما هو من أيقنت واليقين. وأما المسلم فاشتقاقه من أسلم يسلم فهو مسلم: إذا استسلم للشيء وأنقاد له وكذلك قوله عز وجل: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}. وقالوا في قوله: {قالت الأعراب آمنا قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أي استسلمنا من خوف السيف. واشتقاق المؤمن كما ذكرت لك من الإيمان وهو التصديق، وهذا أصلهما فإذا اعتقد المسلم في قلبه تصديق ما استسلم له وتحقيقه فهو مسلم مؤمن، وكذلك المؤمن: المصدق إذا استسلم لأمر من آمن به وانقاد له وأطاعه فهو مؤمن مسلم. فالمسلم حقيقة مؤمن حقيقة، والمؤمن حقيقة مسلم حقيقة في الشرع. وهذا وجه اجتماعهما واتفاقهما، ووجه افتراقهما من حيث ذكرت لك أصل الاشتقاق، لأنه لا يقال لكل من استسلم لأمر إنسان أنه مصدق له، ولا لمن صدق بخبر أنه مسلم له. فالاستسلام غير التصديق. ولا يطلق المؤمن والمسلم هكذا إلا لمن دخل تحت الشرع وآمن بجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم. فأما غير ذلك فإنما يقال له: «مؤمن بكذا وكذا» و «مسلم لكذا وكذا» مقرونًا بما يوضحه. المهيمن فسر المهيمن على وجهين: قيل: المهيمن: الشاهد، قال الله عز وجل:

{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه} أي: شاهدًا عليه. كذلك روي عن ابن عباس وروي عنه من وجه آخر أنه قال: المهيمن: الأمين فكأنه قال: مصدقًا لما بين يديه من الكتاب وأمينًا عليه، والتفسيران متقاربان. ويذهب أهل اللغة إلى أن المهيمن: الأمين وأنه اسم مبني من الأمين وأصله «مؤيمن» بمنزلة مبيطر من بيطار. قال النابغة: شك الفريصة بالمدري فانفذها ... شك المبيطر إذ يشفي من العضد وقد يقال للمبيطر: «بيطر» كقول الطرماح: ........... ... كنزع البيطر الثقف رهص الكوادن فالبيطر والمبيطر والبيطار بمعنى واحد. ومما جاء على هذا الوزن مهيمن ومبيطر ومسيطر ومبيقر. قالوا: فكأن أصله «مؤيمن» فأبدلت الهمزة هاء لأن الهمزة والهاء

لقرب مخرجيهما قد تبدل إحداهما من الآخرى. قالوا «في أرقت الماء» «هرقت الماء» و «ماء مهراق». يقال: «أرقت الماء» وهو الأصل، و «هرقته» و «أهرقته» ثلاث لغات حكاها سيبويه وغيره. وهو «ماء مراق» بحذف الهمزة و «مهراق» بإسكان الهاء و «مهراق» بفتح الهاء تجعل مكان الهمزة وتفتح كما كانت مفتوحة، وأنشدوا: ما بال عينك منها الماء مهراق ... سحا فلا غارب منها ولا راق وأنشدني أبو عبد الله الكرماني في «اهرقت» لبعضهم يصف بكرة أسقى بها الماء: وجارية ليست من الأنس تشتهي ... ولا الجن قد باشرتها ومعي ذهني وأدخلت فيها قيد شبر موتر ... فصاحت ولا والله قد وجدت تزني فلما دنت أهراقة الماء أنصتت ... فكفكفت عن فعلي وفي النفس أن أثني وقالوا: إياك، وهياك، وأيهات، وهيهات، وابرية، وهبرية للحزاز في الرأس، وأنشد الأخفش: فهياك والأمر الذي إن توسعت ... موارده ضاقت عليك مصادره

وكل هذا الأصل فيه الهمزة، والهاء بدل منها فكذلك في «مهيمن» الهاء بدل من الهمزة. وقد بدأت الهمزة هاء في قولنا «ماه» للماء المشروب وأصله «موه» فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار «ماه» كما ترى، ثم ابدلت الهاء همزة فقيل: «ماء» والدليل على ذلك قولهم في الجمع «أمواه» وفي التصغير «مويه»، قال الشاعر: سقى الله أمواهًا عرفت مكانها ... جرابًا وملكومًا وبذر والغمرا فأما «مياه» فانقلبت الواو فيه لسكونها وانكسار ما قبلها كما انقلبت [في] ميزان، وميعاد، وميقات وقد مضى شرح مثل هذا. وأنشد ابن الأعرابي لنافع بن لقيط الفقعسي: وردت مياهًا ملحة فكرهتها ... بنفسي أهلي الأولون وماليا فسبيل إبدال الهاء في «مهيمن» من الهمزة سبيل إبدال الهمزة في «ماء» من الهاء. وحدثنا إبراهيم الصائغ قال: حدثني عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: حدثني يزيد

ابن عمرو الغنوي قال: حدثني زكريا بن يحيى الكوفي قال: حدثنا عم أبي زحر بن حصين عن جده حميد بن منهب قال: سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منصرفه من تبوك فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أن امتدحك. فقال: قل: لا يفضض الله فاك فقال العباس: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين ... وقد ألجم نسرًا وأهله الغرق

تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النـ ... ور وسبل الرشاد نخترق قوله: «لا يفضض الله فاك قال: لا يسقط ثغرك، وهو من الفض وهو الكسر، ومنه يقال: «فضضت جموع القوم»: إذا فرقتها، وقوله عز وجل: {لانفضوا من حولك} أي تفرقوا. ومن قال: «لا يفضض فاك» بضم الياء فقد أخطأ إنما هو «يفضض» بفتح الياء من فض يفض وتقديره: «لا يفضض الله أسنان فيك» فأقيم المضاف إليه مقام المضاف. وقد يجوز أن يقام الفم مقام الأسنان لما كان محتويًا عليها والعرب تفعل ذلك اتساعًا، فتقول: «سقط فم فلان فلم تبق له حاكة» إذا سقطت أسنانه. وروي عن محمد بن عبد الله بن عروة أنه قال: أقحمت السنة نابغة بني جعدة فدخل علي بن الزبير في المسجد الحرام فأنشده: حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس في الحق فاستووا ... فعاد صباحًا حالك اللون مظلم

أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى ... دجى الليل جواب الفلاة عثمثم لتجبر منه جابرًا ذعذعت به ... صروف الليالي والزمان المصمصم فقال له ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون وسائلك عندنا أما صنوة مالنا فلآل الزبير وأما عفوه فإن بني أسد تشغله عنك وتبرأ، ولكن لك في مال الله حقان، حق برؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحق بشركتك أهل الإسلام في فيئهم. ثم أخذ بيده فدخل به دار النعم فأعطاه قلائص سبعًا وجملاً رحيلاً وأوقر له الركاب برًا وتمرًا وثيابًا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحب صرفًا. فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلى لقد بلغ به الجهد، فلما قضى نهمته قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما وليت قريش فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت خيرًا فأنجزت. فأنا والنبيون فراط القاصفين». قال: يقال لا تقصفوا علينا: أي لا تجتمعوا، وقيل: القاصف: المتأخر وهو أشبه بالمعنى لأن أصل القصف: الكسر فكأنه المنكسر عن الجماعة، المتأخر عنها. وإنما ذكرنا هذا الخبر بخبره الذي روي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعني النابغة الجعدي فأنشده شعره الذي يقول فيه: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابًا كالمجرة نيرا فلما بلغ قوله: علونا العباد عفة وتكرما ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة يا رسول الله فقال: أجل إن شاء الله. ثم قال: أنشدني، قال: فأنشدته: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال: «أجدت لا يفضض الله فاك» قال: فنظرت إليه وكأن فاه البرد المنهمل ما سقطت له سن، ولا انغلت ترف غروبه، ترف: تبرق نعمة ونضارة والغروب: جمع غرب وهو حد الأسنان، وحد كل شيء: غربه، هاذ مع كبر سنه وبقائه إلى أيام ابن الزبير على ما ذكرت لك في الخبر المتقدم، وكان من المعمرين، يقول علماء العرب: إنه عاش مائة وثمانين سنة. واستشهدوا على ذلك بقوله: لبست أناسًا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا أي: المعتاض، والأوس: العوض، والأوس: العطية، وفي غير هذا، الأوس: اسم من أسماء الذئب ومنه قوله: فلأحشونك مشقصًا ... أوسًا أويس من الهبالة

[الهبالة]: نعجة. ويروى: فلأحشأنك. ونرجع إلى تمام تفسير أبيات العباس، وقوله: «من قبلها طبت في الظلال»: يعني ظلال الجنة. يريد أنه كان طيبًا في صلب آدم في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض. والظلال: جمع ظل وإنما يراد بظل الجنة ظل شجرها، والجنة كلها ظل لا شمس فيها قال الله تعالى عز وجل: {وظل ممدود}. وقوله: «حيث يخصف الورق»: يعني في الجنة حيث خصف آدم وحواء عليهم السلام من ورق الجنة. وقالوا في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي: يخصفان الورق بعضه إلى بعض. والخصف: ضم الشيء إلى الشيء وتشبيكه معه وإلصاقه به، ومنه قيل: «خصفت نعلي»، وقيل لصانعها «خصاف»، ولا شفاه: مخف. وقوله: «ثم هبطت البلاد لا بشر أنت»: يعني هبوط آدم إلى الأرض لأنه كان في صلبه إذ ذاك وهو لا بشر، ولا لحم، ولا دم: يريد أنه كان بعد نطفة لم ينتقل في هذا المراتب التي ينتقل فيها الجنين، ألا تراه قال: «بل نطفة تركب السفين» يريد: ركوب نوح عليه السلام السفينة في وقت الطوفان وهو صلبه. ونسرًا: أحد الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح، وقد ذكر في التنزيل. والصالب: الصلب وفيه لغة أخرى الصلب بفتح الصاد واللام فهذه ثلاثة لغات فيه، صلب وصالب وصلب، قال العجاج: في صلب مثل العنان المؤدم ...

والطبق: القرن من الناس، وكذلك الطبقة، وإنما سموا بذلك لأنهم طبق للأرض. ومثله قول امرئ القيس في وصف المطر: ديمة هطلاء فيها وطف ... طبق الأرض تحرى وتدر أي: هي طبق للأرض. وقد روي «طبق الأرض» بالنصب بإلقاء الفعل عليه وهو «تحرى» والرفع أجود وأبلغ في الوصف وعليه أكثر العلماء. فأما قول الله تبارك وتعالى: {لتركبن طبقًا عن طبق} ففسروه: حالاً بعد حال، فقال كعب بن زهير: كذلك المرء إن ينسأ له أجل ... يركب به طبق من بعده طبق أي: ينتقل من حال الشباب إلى الهرم. والنطق: جمع نطاق وهو ما انتطقت به المرأة أي: شدته في وسطها، أو انتطق به الرجل، ومنه سميت المنطقة، وضرب هذا مثلاً له صلى الله عليه وسلم لارتفاعه وتوسطه في عشيرته وعزه. وقوله: «حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء»: أي احتوى بتيك عليا من المجد والشرف، وبيته يعني: أصله ومنبته والبيت في كلام العرب قد يستعمل مكان القبيلة والعترة، وبيت الرجل في غير هذا: أهله، قال الشاعر: مالي إذا أنزعها صبيت ... أكبر قد غالني أم بيت

العزيز

وقوله: «وضاءت بنورك الأفق»: يقال ضاء الشيء وأضاء لغتان. العزيز العزيز في كلام العرب على أربعة أوجه، العزيز: الغالب القاهر، والعزة: الغلبة، والمعازة: المغالبة. ومنه قوله عز وجل: {وعزني في الخطاب}، أي غلبني في محاورة الكلام، ومنه قولهم: «من عزيز»: أي من غلب سلب، وينشد للخنساء: وكنا قديمًا حمى يتقى ... إذ الناس إذ ذاك من عزبزا والعزازة: مصدر العزيز أيضًا، قال عمارة: تنوخهم نمير كل يوم ... كفعل أخي العزازة بالذليل والعزيز: الجليل الشريف، ومنه قولهم: «إذا عز أخوك فهن» وقولهم: «فلان يعتز بفلان: أي يتجالل به ويتشرف ويتكبر. وكذلك قوله عز وجل: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}: أي ليخرجن الجليل الشريف منها الذليل.

وذكر صاحب العين أنه يؤثر عن بعض السلف أنه قرأ «ليخرجن الأعز منها الأذل» أي ليخرجن الأعز منها ذليلاً. وهذه القراءة في مذاهب العربية رديئة مردودة لأن في الأذل الألف واللام فلا تكون حالاً لأنها معرفة والحال لا تكون إلا نكرة، وإنما القراءة التي عليها الجماعة: «ليخرجن الأعز منها الأذل» أي ليخرجن العزيز الذليل من المدينة، وهذا قول المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رحمهم الله -». فإن قال قائل: فقد جاءت عن العرب أشياء من الأحوال معارف مثل قولهم: «رجع عوده على بدئه» و «الناس فيها الجماء الغفير»، و «دخلوا الأول فالأول» فقد يجوز أن يكون أيضًا مذهب من قرأ «ليخرجن الأعز منها الأذل» بتأويل ليخرجن العزيز منها ذليلاً على هذا الوجه الذي جاءت فيه بعض الأحوال معرفة. قيل له: هذه الأشياء التي جاءت معارف من الأحوال شواذ لا يقاس عليها، ولا يحمل كتاب الله على الشواذ وعلى ما مجراه مجرى المطروح المتروك الذي لا يقاس، ومع ذلك فإن سيبويه يذهب إلى أن هذه الأشياء التي جاءت بلفظ المعارف من الأحوال تقدر تقدير النكرات بتأويلات قد ذكرها. والخليل يذهب إلى مثل ذلك إلا في قوله: «دخلوا الأول فالأول» فإنه ذكر أن العرب تكلمت به على إلغاء الألف واللام كأنهما لم يذكرا. وهذا شاذ جدًا، وما كان هذا سبيله فلا يحمل عليه كتاب الله عز وجل لا سيما والقراء المأخوذ عنهم الأعلام متفقون على القراءة الجيدة وهي: «لنخرجن الأعز منها الأذل» أي: ليخرجن العزيز منها الذليل. والمعنى يدل على صحة هذا وفساد تلك القراءة لأن المنافقين إنما توعدوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يخرجونهم من المدينة لعزهم واقتدارهم لضعف الإسلام والمسلمين إذ ذاك ولم يريدوا أنه يخرج العزيز منها ذليلاً لأنه لم يكن عندهم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعزاء فيقصدوا لإذلالهم. والوجه الثالث: أن يكون العزيز بمعنى القوي، يقال: «عز فلان بعد ضعف»

أي قوي يعز عزًا، و «أعزه الله بولده» أي: قواه بهم. كذلك حكى الخليل عن العرب. والوجه الرابع: أن يكون العزيز بمعنى الشيء القليل الوجود المنقطع النظير يقال: «عز الشيء عزة فهو عزيز»: غير موجود. فهذه أربعة أوجه في العزيز يجوز وصف الله عز وجل بها، يقال: «الله العزيز»: بمعنى الغالب القاهر و «الله العزيز»: أي هو الجليل العظيم، و «الله العزيز»: بمعنى القوي. وقد مضى معنى وصفه بالقوي واشتقاق ذلك وتصريفه فيما مضى من الكتاب. والله العزيز: أي هو غير موجود النظير والمثل جل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. وأصل هذا كله في اللغة راجع إلى الشدة والامتناع لا يخرج شيء منه عن ذلك، وهو مأخوذ من قولك: «أرض عزاز»: إذا كانت صلبة لا يعلوها الماء كذلك يقول الخليل. وغيره يقول: العزاز: الأرض الغليظة الصلبة الشديدة. وقال الأصمعي: العزاز: المكان الصلب السريع السيل في المطر لصلاته ويقال: «أعززنا»: صرنا إلى العزاز، كما يقال «أنجدنا»: إذا صاروا إلى نجد، و «أعرقنا»: صرنا إلى العراق، و «أشأمنا»، «أيمنا»: كل هذا بالألف. ويقال: «جلس الرجل»: إذا أتى جلسًا بغير ألف، قال الشاعر: إذا ما جلسنا لا نزول ترومنا ... سليم لدى أبياتنا وهوازن وأخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: «ما أدري أغار أم مار»، غار: أتى الغور، ومار: أتى نجدًا.

الجبار

والعزوز: الشاة الضيقة الأحليل تحلب بجهد. يقال: «قد تعززت» وهو من الامتناع أيضًا. والعزازة: مصدر في القلة. ويقال: «عازني فلان فعززته»: أي غالبني فغلبته. والعزاء: السنة الشديدة. و «المطر يعزز الأرض تعزيزًا»: إذا لبدها. الجبار الجبار والجبرية: العظمة، يقال: «قوم فيهم جبرية» بفتح الباء: أي عظمة وكبر، و «قوم جبرية بإسكان الباء: خلاف القدرية. فالله عز وجل الجبار ذو الجبرية والكبرياء والعظمة، وتقول العرب: «ناقة جبارة» بالهاء: عظيمة سمينة وجمعها جبابير، و «نخلة جبار» بغير هاء: إذا فاتت الأيدي طولاً وارتفاعًا. فكأن اشتقاق الجبار يصلح أن يكون من هذا. وفعال اسم الفاعل من فعل بتشديد العين فهو فعال كقولك: ضرب فهو ضراب، وقتل فهو قتال، وشرد فهو شراد. ولم يستعمل الفعل من الجبار على أصله على التقدير الذي ذكرناه لم يقل: جبر فهو جبار ولكن يقال: «تجبر فلان فهو متجبر»، و «جبار»، فالمتجبر على الفعل من تجبر، وجبار اسم على غير الفعل. وتقول العرب: «تجبر المريض»: إذا نهض بعض النهوض من شدة مرضه، و «تجبر النبت»: إذا طال وغلظ. قال امرؤ القيس: ويأكلن من قو لعاعًا وربة ... تجبر بعد الأكل فهو نميص قو: موضع، واللعاع: أول البقل وهو الرطب، والربة: تروح النبت والشجر، وتروح النبت: خروجه بعد يبسه يكون له أصل يحمل الماء ويبقى على الحر إذا دخل القيظ

المتكبر

فإذا مضى القيظ وبدا سهيل وبرد الزمان قليلاً اخضر وأورق. وقوله: تجبر أي: طال وغلظ بعدما أكل. ويقال: «فلان يتنمص من شاربه»: أي يأخذ منه. وتقول: «جبرت العظم والفقير جبرًا»، و «أجبرت الرجل على الشيء يفعله مكرها إجبارًا» فأنا مجبر وهو مجبر، والجبر أيضًا: الرجل. وقيل في تفسير جبريل هو جبر مضاف إلى إيل، وإيل: هو الله عز وجل وكأنه قيل: عبد الله، وكذلك «الال هو الله في بعض اللغات، ومنه قول أبي بكر الصديق رضوان الله عليه حين سمع كلام مسيلمة: إن هذا كلام ما خرج من إل فأين ذهب بكم. وقد يقال جبرت العظم والفقير جبورًا. أنشدنا ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى ثعلب: لا يبعد الله قومًا إن سألتهم ... أعطوا سراعًا وإن قلت انصروا نصروا وإن أصلبنهم نعما سابغة ... لم يبطروها وإن فاتتهم صبروا الكاسرين عظامًا لا جبور لها ... والجابرين فأغنى الناس من جبروا المتكبر اسم الفاعل من تكبر فهو متكبر من الكبرياء والعظمة. ويقال: «كبر الرجل فهو كبير»: عظيم، و «كبر يكبر كبرًا»: إذا أسن، والكبر: التكبر وقد مضى شرح هذا في اشتقاق الكبير. الخالق قد مضى شرحه في ذكر الخلاق.

الباريء

البارئ البارئ الخالق: «برأ الله الخلق يبرؤهم»: أي خلقهم. وينشد: وكل نفس على سلامتها ... يميتها الله ثم يبرؤها ويقال: «برئت من المرض برءًا» وبرأت أيضًا. قال الأصمعي: تقول تميم ومن يليهم من العرب: «برئت وأنا أبرأ». ويقول قوم من أهل العالية: «برأت وأنا أبرأ» جميعًا في المرض والمصدر عند جماعتهم البرء فإذا جررت قلت: «كان ذلك عند البرء». قال بعضهم: «أصبح فلان بارئًا»: أي قد برئ. ويقال: «قد أبرأه الله من المرض إبراء حسنًا». وأنشد: صماء لا يبرئها من الصمم ... تقادم العهد ولا طول القدم قال: ويقال في لغة أهل الحجاز وغيرهم: «برئت إليك من فلان ومن الدين وأنا أبرأ غليك براءة»، و «تبرأت منه تبرؤًا»، ويقال: «فلان برئ من فلان» و «وهما بريئان»، و «هم بريئون وبرآء» على «فعلاء» مثل ظرفاء وكرماء في الوزن، وفيه لغة أخرى، يقال: «أنا البراء منك» و «نحن البراء منك» بلفظ واحد في الواحد والاثنين

المصور

والجمع والمؤنث تجري مجرى المصدر الموصوف به، ومنه قوله: {إنني براء مما تعبدون}. وبرأة الصائد: ناموسه وهي قترته أي: بيته الذي يستتر به، وجمعها «برأ» على «فعل» مقصور مهموز. فأما بريت القلم وغيره فإنه غير مهموز وهو من غير هذا الأصل. وكذلك «انبرى له»: إذا عارضه فصنع ما يصنع، و «فلان وفلان يتباريان» كل ذلك غير مهموز. ومثل ذلك «أبريت الناقة»: إذا جعلت لها برة غير مهموز. المصور المصور اسم الفاعل من صور يصور فهو مصور: إذا فعل الصورة، والمصدر التصوير، والصورة: شخص الشيء وهيئته من طول وعرض، وكبر وصغر، وما اتصل بذلك وتعلق به مما يكمله فيرى مصورًا. فالله عز وجل مصور الصور وخالقها. وجمع الصورة صور على «فعل، وصول على «فعل» بإسكان العين». ويذهب أهل اللغة إلى أن قوله: {يوم ينفخ في الصور} إنما هو جمع صورة فقالوا: صورة وصور مثل درة ودر، وبرة وبر كأنه ينفخ في الصور الأرواح فتحيا، قالوا: فجمعت الصورة على وجهين: قيل: صورة وصور بإسكان الواو، كما قالوا: درة ودر وما أشبه ذلك فخرج مخرج الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء نحو حصاة وحصى وقطاة وقطا. وقيل: صورة وصور، أخرج مخرج التكسير فغير لفظ واحده كما قيل: غرفة وغرف، وظلمة وظلم. وقيل إنه شيء ينفخ فيه الملك فيحيى الخلق بإذن الله، وقد جاءت في ذلك

المبديء المعيد

آثار. والله أعلم كيف ذلك. إلا أن مذهب أهل العربية أيضًا على هذا التقدير غير فاسد لأنه جائز أن ينفخ الملك في ذلك القرن ثم يمتد النفخ بإرجاع تلك الأرواح إلى الصور فتحيا بإذن الله، والله أعلم كيف ذلك. المبدئ المعيد الله عز وجل كما قال: المبدئ المعيد، وبارئ الخلق، ومبتدئهم ابتداءً من غير أصل، ومعيدهم بعد الفناء للبعث لا شك في ذلك ولا مرية، وقد دل عليه بضروب من الدلائل والآيات، وضرب له الأمثال بقوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قال: يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}. فدلهم عز وجل على البعث والإعادة بما هم به مقرون لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقهم، ألا تراه يقول: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}. فقال جل ذكره: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه}. يقال إنها نزلت في أبي بن خلف فقال: ضرب لنا مثلاً ونسي أنا خلقناه وشك في خلقنا إياه أولاً من غير شيء على قدرتنا على إعادته فقال «قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة». أي إذا كنتم مقرين بأنه أنشأها فهو يعيدها كما أنشأها أول مرة. كما قال عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}.

قال بعض العلماء: وإعادته أهون عليه عندكم لأن الابتداء من غير شيء والإعادة رد إلى أصل قد كان. قال الفراء: هما سواء عنده عز وجل. والمعنى: الابتداء عندكم يا أيها الكافرون أصعب من الإعادة فكيف تكفرون بالإعادة وهو أهون؟ وقيل: وهو عندكم. وقيل: وهو أهون عليه أي: على المخلوق. حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: حدثنا إسحاق بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة في قوله عز وجل: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال: من يحيي العظام وهي رميم؟} قال: ذكر لنا أن أبي بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته ثم ذراه في الريح فقال يا محمد: من يحيي هذا وهي رميم؟ فذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله يحييك ثم يميتك ثم يدخلك النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}. أي الذي أخرج النار من هذا الشجر الأخضر حتى أوقدتموها بالشجر قادر أن يبعثه. ومثل ذلك قوله عز وجل: {فسيقولونه من يعيدنا؟ قل: الذي فطركم أول

مرة} وإنما احتج عليهم بخلقهم لأنهم كانوا مقرين بأنهم مخلوقون، وإن الله خالقهم ولا يمكن لأحد منهم أن يقول: أنا غير مخلوق، ولا إني خالق لنفسي، ولا إن لي خالقًا غير الله. فخوطبوا على حسب إقرارهم، وجعل ذلك دليلاً لهم على الإعادة. حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة في قوله عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أ÷ون عليه} قال في بعض القراءات: «كل هين عليه ابتداؤه وإعادته». ويقال: «بدأت بالأمر بدءًا» وزن بدعًا كذلك. قال أبو زيد الأنصاري: وابتدأت به ابتداءً، وأبدأ في الأمر وأعاد، والله عز وجل المبدئ المعيد. ويقال بديت بالأمر لغة. وأنشد أبو عبيدة لعبد الله بن رواحة الخزرجي: بسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا لين الهمزة للردف لأن قافيته مردفة بياء. قال: يقال: بدئت وبدأت لغتان. ويقال من اللغتين جميعًا في المستقبل «يبدأ» لا غير، ويقال منه: «البادي أظلم» يعنون المبتدئ، و «فلان لا يتكلم ببادية ولا عادية». أي: لا يبتدئ الكلام ولا يعيد. قال أبو زيد: ويقال: «أبدأت من أرض إلى أخرى»: إذا خرجت إليها

إبداءً، ويقال: «بدئ بالرجل فهو مبدوء به»: إذا أخذه الجدري أو الحصبة. فأما في الظهور فإنه يقال: «بدا الشيء يبدو»: إذا ظهر، بغير همز، فهو بادٍ. هذا مثل: قاضٍ، ورامٍ، وابداه غيره - غير مهموز ... يبديه إبداءً والفاعل مبد والمفعول مبدي: أي مظهر، كل ذلك غير مهموز. وقد قرأت القراء {بادي الرأي} بغير همز «وبادئ الرأي» بالمهمز، فمن همز أراد ابتداء الرأي وأوله، ومن لم يهمز أراد: في ظاهر الرأي وما يبدو. ويقال: خرج الرجل يبدو: إذا خرج إلى البدو. والبداوة: حضور البدو، والحضارة: الكون في الحضر. وينشد للقطامي: فمن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا ويقال للأعرابي إذا ترك البدو وأتى الحضر: هاجر فهو مهاجر. قال سيبويه: «أطيب ما تكون البداوة شهري ربيع وشهرًا ربيع» بالنصب والرفع، فمن نصب ذهب إلى الظرف، والتقدير: «في شهري ربيع»، ومن رفع فتقديره: «أطيب ما تكون البداوة بداوة شهري ربيع» فحذف وأقام المضاف إليه مقام المضاف لأنه ليس فيه. ومن البدو في معنى الظهور مسألة المازني للجرمي حين قال في مجلسه: من سألني عن بيت شعر من جميع ما قالته العرب لا أعرفه فله علي سبق. فقال له المازني: كيف تروي هذا البيت؟ قد كن يخبأن الوجوه تسترًا ... فالآن حين بدون للنظار

كيف تروي «بدأن» أو «بدين»؟ فسبقه لسانه ولم ينعم الفكر فقال: «بدأن». فلما وقفه عليه قال: هذا عاقبة البغي. وتقول في مسألة من البدو والظهور: «المبدي علم شفته لثته زيد» فترفع المبدي بالابتداء وزيد خبره، والعلم رفع بفعله وهو الإبداء، والعلم: شق في الشفة العليا، ولثته نصب بوقوع الفعل عليها وهي آخر صلة الألف واللام. ومعنى الكلام: الذي أبدى علم شفته لثته زيد أي: أظهرها، واللثة: لحم منبت الأسنان وما بينها. وتقول في التثنية: «المبدي علم شفاههما لثاتهما الزيدان»، فجمعت الشفاه واللثات كما تجمع قولك: «ضربت رؤوسهما» وإن ثنيت فجائز. وتقول في الجمع: «المبدي علم شفاهم لثاتهم الزيدون». ولا تثني «المبدي» ولا تجمعه لأنه لا ضمير فيه. وتقول في المؤنث: «المبدي علم شفتها لثتها هند». فلا تؤنث «المبدي» لأن الفعل لعلم لا لهند. والتثنية والجمع على ما ذكر في المذكر. قال سيبويه: تقول العرب: «رجع فلان عوده على بدئه»: إذا رجع في الطريق التي جاء منها، وهو مصدر موضوع موضع الحال، وهو معرفة في اللفظ بتقدير النكرة. قال: كأنه في التقدير: انثنى عودًا على بدء، وهذا غير مستعمل ولكنه مثل يمثل. وفي نصبه وجه آخر: وهو أن تجعل «العود» مفعولاً من قولهم: «رجعت المال على فلان» أي: رددته عليه وصرفته عن وجهه إليه، فيكون التقدير: رد «عوده» على «بدئه» فهذا مفعول صحيح. قال سيبويه: ومعنى «رجع عوده على بدئه» أي:

نقض مجيئه برجوع، كأنه قال: «في حافرته». ولجواز أن يرفع «عوده على بدئه» في لغة من قال: «كلمته فوه إلي في» أي: وفوه إلي في والرفع في هذا أقوى منه في «عوده على بدئه». وتقول: «بدأ فلان بالشيء ثم أعاده» و «قد عاد لفعل كذا»؛ إذا رجع إليه، والعود: تثنية الأمر عودًا بعد بدء. قال الخليل: والعودة مرة واحدة، والعادة: الاعتياد والدربة والتمادي في الشيء حتى يصير سجية له. ويقال: «أعدت الشيء إعادة» و «أعاد الرجل الصلاة والحديث إعادة»، وقد يجيء في كلامهم «عاد الشيء» بمعنى صار، قال نصيب: وقد عاد عذب الماء بحرًا فزادني ... على ظمئي أن أبحر المشرب العذب و «عدت المريض عيادة» و «عاودت فلانًا في الأمر معاودة» و «اعتدت الشيء اعتيادًا» و «اعتاد فلان المكان اعتيادًا»: إذا لزمه. قال العجاج: واعتاد أرباضًا لها آري والعيد: ما اعتادكم من هو وشوق وطيف. قال تأبط شرًا:

يا عيد مالك من شوق وإيراق ... ومر طيف على الأهوال طراق قالوا: معناه: أيها المعتاد، وقوله: «ما لك من شوق وإبراق» تعجب والعيد من الأعياد سمي بذلك لاعتياد الناس إياه، وأصل الياء فيه واو لأنه من عاد يعود، وأصله «عود» فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وصار بدلاً لازمًا فقيل في الجمع أعياد، فتركت الياء ولم ترد الواو وقد زالت العلة التي قبلتها وهي الكسرة وسكون الواو لأنهم كرهوا أن يلتبس بجمع «عود» إذا قيل «أعواد». فأما قولهم «ديمة» و «ديم» للمطر الدائم اللين فالياء فيه أيضًا منقلبة من واو ولكن تركت في الجمع لثبات الكسرة التي كانت في الواحد وهي كسرة الدال. وأما قولهم «عود» للجمل المسن ثم قالوا [عودة] فصححوا الواو فإنما فعلوا ذلك لأنها قد صحت في الواحد فصحت في الجمع أيضًا. وكذلك «ثور» و «ثورة» فأما قول بعضهم «ثيرة» فشاذ. قال الشاعر: صدر النهار يراعى ثيرة رتعا وقال بعضهم: اشتقاق العيد من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، والياء فيه أيضًا من الواو هذا المذهب أيضًا، وتقول: «عدت المريض عيادة» فأنا عائد [و] هو معود، وجمع عائد عواد، والمرأة عائدة وجمعها عوائد في التكسير وعائدات في السالم. قال كثير:

أغاضر لو شهدت غداة بتنم ... جنوء العائدات على وسادي وقال عويف: ذهب الرقاد فما يحس رقاد ... مما شجاك ونامت العواد ويقال: «لآل فلان معادة»: أي مناحة تغشاهم النساء لها. والمعاد: مصير كل شيء، والآخرة معاد الناس كلهم. فالله تبارك وتعالى يعيد الخلق كما قال عز وجل للمعاد: {والدار الآخرة}. قال الخليل: ومكة ميعاد للحجاج لعودهم إليها دفعة بعد أخرى. وقال: ويقال: «اللهم ارزقنا إلى البيت عودًا ومعادًا وعودة». وقوله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}. قالوا: يعني مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العودة إليها، وهذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفتحها له حتى يعود إليها. ومعاد الرجل: بلده لأنه يعود إليه حيث كان، ويقال: «هذا الرجل معيد لهذا الأمر»: أي مطيق له لأنه قد اعتاده. ويقال للشجاع: «بطل معاود» يقال في الدعاء: «اللهم أنت العواد بالمغفرة» كذلك حكاه الخليل كأنه يعود على عباده بالمغفرة مرة بعد أخرى، ويعودهم الغفران. وإن لم تكن هذه الصفة مما جاءت في التنزيل فهي صحيحة الاشتقاق ولم يكن ليحكي إلا ما سمعه ممن يوثق به يأثره عن السلف.

الأحد

ويقال للفحل من فحول الإبل «معيد» أي معتاد للضراب. والعيدية: إبل نسبت إلى فحل كريم يقال له «عيد»، والعود: السؤدد القديم والجمل المسن الذي فيه بقية. وتقول العرب لكل شيء قديم «عادي» والأنثى «عادية» كأنهم ينسبونه إلى عاد قوم [هود] لقدم زمانه عندهم. الأحد قد ذكرنا اشتقاقه وتصريفه في باب شرح اشتقاق «الواحد». الصمد الصمد: السيد الذي قد انتهى سودده، فالناس يصمدونه في حوائجهم: أي يقصدونه ويعتمدونه، قال الشاعر: ................. ... خذها حذيف فأنت الواحد الصمد وقال أوس بن حجر: ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

ويقال: «صمدت صمده» أي: قصدت قصده. وقال عكرمة ومجاهد: هو الذي لا جوف له. وروي عن ابن عباس أنه قال: هو الذي ليس بأجوف وكأنه ذهب إلى نفي التجسيم والتحديد عند جل وعز فتكون الدال على هذا التقدير مبدلة من تاء في تقدير العربية. والوجه الأول أنفذ في مقاييس العربية وأشهر، وأحرى بإضافته إلى الله وهو أن الصمد: السيد. هذا آخر القول في هذه الصفات واشتقاقها وما اتصل بها من اللغات والتصاريف، والمصادر، وما تعلق بها حسب ما حضرني. ونقول الآن في اشتقاق الاسم والصفات والأسماء والفرق بينها، [و] مواقعها ومجاريها [في] كلام العرب حسب ما شرطناه في أول الكتاب، والله المعين والموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب القول في اشتقاق الاسم

باب القول في اشتقاق الاسم أجمع علماء البصريين، ولا أعلم عن الكوفيين خلافًا محصلاً مستندًا إلى من يوثق به أن اشتقاق «اسم» من سموت أسمو: أي علوت، كأنه جعل تنويهًا بالدلالة على المسمى لما كان تحته فأصله «سمو» على وزن حمل، وعذق، وقنو، وحنو. الدليل على ذلك قولهم في الجمع أسماء كما قيل: أقناء، وأحناء، وأحمال. وفي التصغير «سمي» كما قيل: حني، وقني، وقد جمع الجمع فقيل: أسماء وأسام وهذا بين واضح. وقد حكي أن بعضهم يذهب إلى أن أصله من «وسمت» كأنه جعل سمة للمسمى، وحسب القائلين بهذا القول ذهبوا إلى ظاهر المعنى ولم ينعموا النظر في مقاييس العربية لأنه في الظاهر لائق به أن يكون الاسم سمة للمسمى يعرف بها لأن أصله ليس من السمة لأن السمة من «وسمت» فاء الفعل منها واو و «اسم» من السمو ولام الفعل منه واو. والدليل على صحة ما قلنا أنه لو كان من «وسمت» لكان

أصله «وسم» وكان يقال في تصغيره «وسيم» و «أسيم» في لغة من يبدل من الواو المضمومة همزة. وفي الجمع «أوسام» ولم يحك أحد من العلماء عن العرب شيئًا من هذا، فاجتماع الجماعة كلها في التصغير على «سمي» وفي الجمع [على] أسماء يدل على بطلان هذا المذهب، والاشتقاق بعد دليل واضح، قال أبو إسحاق: وهاهنا دليل واضح وحجة قاطعة على أن أصل اسم ليس من «وسمت» أنه ليس في العربية شيء سقطت منه فاء الفعل فألحقت به ألف الوصل في بعض الأسماء التي سقطت لاماتها نحو ابن، واسم، واست، وما أشبه ذلك لأنه تسكن أوائلها فتحتاج إلى ألف الوصل. وهذا كما قال دليل واضح وحجة قاطعة، فإن قال قائل: فإذا كان أصل اسم عندك كما ذكرت «سموًا» فهلا نطق به على أصله؟ وما الذي دعاهم إلى نقصانه وتغيير بنائه؟ قيل له: أما أن يكون أصله «سموًا» كما ذكرنا فقد قام الدليل عليه ووضوح وهو جميع من يوثق به من العلماء. وأما نقصانهم إياه وتغييره فليس بمخصوص بهذا وحده بل له في ذلك نظائر في كلام العرب، ولو كان مخصوصًا بهذا لم يكن منكرًا لأنهم قد يختصون في كلامهم الاسم والفعل بشيء لا يطلقونه في نظائره ولكنه قد جاءت في كلامهم الأسماء ناقصة مثل: يد، ودم، وأخ، وأب، وهن، وشفة، وابن، واسم، واست، وغد، وما أشبه ذلك وهي كثيرة جدًا. فـ «اسم» في التغيير والنقصان بمنزلة هذه الأسماء. أما نقصان آخره فبمنزلة نقصان يد، ودم، وأخ، وأب، وغد، ألا ترى أن أصل غد: غدو فحذفوا آخره لغير علة وكان سبيله أن يصح كما صح في نحو: وعد، ووغد وقال الشاعر

باب القول في النعت والوصف والفرق بينهما حيث يفترقان والجمع بينهما حيث يجتمعان

لا تقلواها وادلواها دلو ... إن مع اليوم أخاه غدوا فرده إلى أصله ضرورة. قال لبيد: وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوًا بلاقع وأما إسكان آخره وإلحاق ألف الوصل به فنظير ما فعل بابن، واست، وامرئ، وامرأة، واثنان، واثنتان لما حذف آخره وأسكن أوله ألحق به ألف الوصل ليكون وصلة للسان إلى النطق بالساكن. وفيه أربع لغات، يقال: سم، وسم، واسم واسم وهذا في الابتداء به أعني كسر الألف وضمها، وكأن الضمة من لغة من يقول «سموه» والكسرة من لغة من يقول: «سمو» في الأصل. باب القول في النعت والوصف والفرق بينهما حيث يفترقان والجمع بينهما حيث يجتمعان اعلم أن النعت عند بعض أهل العربية: هو وصف الشيء بخلقة فيه أو سجية أو طبيعة أو لون أو طول أو قصر أو حسن أو قبح وما أشبه ذلك. ووصفه هو وصفه بفعله أو نسبته أو صناعته. فالوصف أعم من النعت. ويجمع

الوصف والنعت في أنهما يجريان على المنعوت ويفصلانه من المجانس له عند خوف الالتباس به أو يكونان مدحًا أو ذمًا. ويفترقان في أن النعت في الحقيقة ما ذكرته لك. قال الخليل: النعت وصف الشيء بما فيه كقوله: أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتًا يوافق نعتي بعض ما فيها ويقال لكل شيء بلغ في معناه النهاية وجاد هو نعت. ويقال فرس نعت: للجواد. وبعضهم يقول: النعت والوصف شيء واحد، وإن الناعت لشيء هو واصف له، وكذلك الواصف له هو ناعت له، ويأبى ذلك من ذهب إلى المذهب الأول فيقولن إذا قلت: «جاءني زيد الطويل أو الجميل أو القصير أو الربعة» فهذا نعته لوصفه إياه بما فيه، وإذا قلنا: «جاءني زيد الكاتب أو التاجر أو الفقيه أو النحوي» وما أشبه ذلك فهذا وصفه وليس بنعته في الحقيقة إلا مجازًا لأنا نقول للوصف نعت وللنعت وصف في مجاري العربية اتساعًا لما كان مجراها في الأجود على الأول والدليل عليه واحد. فهذا شيء يذهب إليه أصحاب المعاني والنظر، فأما النحويون فلم يفرقوا بين النعت والوصف لأن غرضهم ما يتبع الاسم في إعرابه محمولاً عليه موضحًا له غير بدل ولا توكيد ولا معطوف فذلك عندهم هو الوصف والنعت، وسيبويه جمع بين ذلك كله وسماه في حال نعتًا وفي حال وصفًا، ولم يفصل بينهما، فقال: «هذا باب مجرى النعت على المنعوت والشريك على الشريك والبدل على المبدل» وعنى بالشريك المعطوف لأنه يسمى حروف العطف حروف الإشراك

باب معرفة ما يجوز نعته من الأسماء مما لا يجوز نعته

وذلك أنها تشرك الثاني فيها عمل في الأول فجمع بين هذه الأشياء لأن مجراها في الإعراب سواء. ثم قال في مجرى النعت على المنعوت: نقول: «مررت برجل ظريف» فنعته بالظرف وسما نعتًا وليس بخلقة. ثم قال فيه: «وتقول: مررت برجل مثلك: أي صورته كصورتك» فهذا خلقة، ثم قال: و «تقول: مررت برجل حسن الوجه». وهذا أيضًا خلقة. قال: «ومثله: مررت بامرأة حسنة الوجه». قال: «ومنه: مررت برجل ضاربك» فنعته به وهو فعل من أفعاله. ثم ساق الأبواب كلهما فلم يفصل بين النعت والوصف على السبيل التي قدمنا ذكرها. وكانا عنده بمنزلة واحدة وهو مذهب جميع النحويين. وأجمع النحويون على أن الاسم يوصف بخلقه وفعله ونسبه وصناعته كقولك: «مررت برجل طويل»، و «مررت برجل قصير»، و «مررت برجل كاتب» و «صانع» و «برجل قرشي»، وما أشبه ذلك. باب معرفة ما يجوز نعته من الأسماء مما لا يجوز نعته اعلم أن من الأسماء ما يجوز أن ينعت في حال وينعت به في أخرى، ومنها ما ينعت ولا يجوز أن ينعت به البتة، ومنها [ما] لا يجوز أن ينعت ولا ينعت به. وأما ما ينعت ولا ينعت به فالأسماء الأعلام نحو: محمد وجعفر وزيد وما أشبه ذلك، والنكرات الأصول التي ليست بمشتقة نحو: رجل وفرس وثوب ودار وما أشبه ذلك تنعت هذه

الأسماء ولا ينعت بها، وما يجري من المضاف إليها مجراها فهذا سبيله نحو «ثوب زيد» و «دار أخيك» وما أشبه ذلك. فأما رجل إذا أريد به من الرجولية فخارج عن هذا الباب وجائز في امتناع هذه الأسماء من أن ينعت بها أنها ليست بمشتقة من الأفعال ولا متضمنة معناها، ولا يكون النعت إلا كذلك. وأما ما ينعت في حال وينعت به في أخرى فالأسماء المشتقة نحو: ضارب وراكب وعاقل ومنطلق وما أشبه ذلك كقولك: «رأيت أخاك اللبيب» و «العاقل»، و «مررت برجل عاقل وضارب» وما أشبه ذلك كقولك: «رأيت راكبًا مسرعًا» نعته بمسرع لوقوعه موقع الاسم المحض و «مررت بجالس متربع» و «رأيت سائرًا عجلا»، و «مررت بقاعد متحدث» وما أشبه ذلك. وأما الأسماء التي لا تنعت ولا ينعت بها فمنها: المضمرات كلها نحو: أنا، وأنت، وأنت، وأنتما، وأنتن، ونحو: الهاء، والكاف، والياء من غلامي وغلامه وغلامك، ونحو: التاء من قمت وقمت وما أشبه ذلك لا يجوز نعتها لأنها لا تضمر إلا بعد أن تعرف بأوصافها وحلاها، فقد استغنت عن النعوت لا خلاف في ذلك بين النحويين أجمعين وسيمر بك [بـ] بابين من هذا الشرح، ولم يجز أن ينعت بها لأنها ليست بمشتقة من فعل ولا متضمنة معنى فعل ولا نسب ولا صناعة، ولا يكون النعت إلا كذلك فأما إتباع المضمر بعضه بعضًا كقولك: «قمت أنت»، و «مررت بك أنت»، و «جاءني هو» وما أشبه ذلك، وتسمية بعض النحويين هذا وصفًا فإنما مجرى هذا مجرى التوكيد وليس في الثاني زيادة على الأول إنما هو هو بعينه، وف يالنعت فضل فائدة لا يدل عليها ذكر المنعوت وحده. ومن الدين على أنها ليست بنعوت ولا

أوصاف إتباع المنصوب والمخفوض بالمرفوع كقولك: «مررت بك أنت»، و «رأيتك أنت»، و «جاءني هو» فإنما أريد بها توكيد العين لا نعتها ووصفها. فأما المبهم نحو: هذا، وهذان، وهؤلاء، وهذه، وهاتان، وذاك، وتلك، وتانك، وذانك، وأولئك فإن سيبويه يرى أنه تنعت الأعلام بهذه الأسماء ويسميها نعوتًا وأوصافًا كقولك: «جاءني زيد هذا»، و «مررت بمحمد ذاك» وما أشبه ذلك يسميه كله وصفًا. قال: لأن النعت إيضاح وتبيين وقد بينت هذه الأسماء وأوضحت إيضاح النعت وبيانه لأنك إذا قلت: «جاءني زيد «هذا» فكأنك قلت: الذي تراه فقد أشرت إليه بجميع حلاه وأوصافه، وكذلك إذا قلت: «رأيت محمدًا ذاك» فقد أشرت إليه لمن قد عرفه وإن تراخى عنك بجميع حلاه وأوصافه. فسماها نعوتًا كما ترى». والكوفيون يسمونها المترجمة ويقولون: ليست بنعوت لأنها لم تتضمن معنى فعل. والقول في هذا قول الكوفيين وهو عندي الحق والله أعلم. لأنه لو كان كل موضح ومبين عن الاسم نعتًا له لوجب أن يكون البدل نعتًا لاتباعه الاسم في إعرابه وإيضاحه له، وكذلك التواكيد كلها، ولكنها موضحة للأول، ومبنية له وليست بنعوت في الحقيقة بل هي إبدال موضحة للأول كما قال الكوفيون. فإن قال قائل من البصريين المحتجين لمذهب سيبويه: فقد نعتنا بالذي، واللذين، والتي، واللتين، واللاتي وليست متضمنة معنى فعل؟ قيل له: هذه مغالطة لأن الذي، والتي وتثنيتهما وجمعهما إنما صارت نعوتًا بما يقع في صلاتها من

الأفعال والظروف والجمل المؤدية معنى الأفعال فلذلك وقعت نعوتًا كقولك: «جاءني زيد الذي أكرم عمرًا» و «الذي أمامك» و «الذي أخوه عاقل» وما أشبه ذلك فإنما أفاد الجملة المتصلة بـ «الذي» الفائدة فوقعت «الذي» نعتًا لذلك. ومما لا يجوز أن ينعت، الأسماء الجارية مجرى الأفعال في عملها نحو قولك: «هذا ضارب زيدًا»، و «هذا مكرم عمرًا»، و «شارب الماء» وما أشبه ذلك. لا يجوز أن يقال: «هذا ضارب مجيد زيدًا»، و «هذا مكرم عاقل عمرًا» لأنها قد جرت مجرى الأفعال في عملها فلا يجوز أن تنعت كما لا يجوز نعت الأفعال. على ذلك إجماع النحويين البصريين والكوفيين أجمعين إلا الكسائي وحده فإنه كان يجيز نعتها لأنها وإن عملت عمل الأفعال فألفاظها ألفاظ الأسماء فأجاز نعتها كما يجيز تنوينها وخفضها، وكذلك يجيز تصغيرها فيقول: «هذا ضويرب زيدًا» والنحويون أجمعون يأبون ذلك لما ذكرت لك. ومما لا يجوز أن ينعت من الأسماء عند الكوفيين الأسماء المبهمة الناقصة التي لا تتم إلا بصلاتها نحو: «من» و «ما» فإنها إذا كملت بصلاتها لا يجوز وصفها بعد ذلك ولا تكون وصفًا إلا «الذي» وحدها فإن لها تصرفًا ليس هو لـ «من» و «ما» ألا ترى إنك تقول: «رأيت الرجل الذي في الدار» ولا تقول: «رأيت الرجل من في الدار» وأنت تريد به الصفة وتقول: «رأيت الشيء الذي في الدار» ولا تقول «رأيت الشيء ما في الدار» وأنت تريد الصفة ولا يجيزون: «رأيت من عندك العاقل» على النعت، ولا «رأيت ما عندك الحسن» والذي لما كان يوصف بها حسن أن توصف، و «من» و «ما» لما لم يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا. فإذا أريد وصف هذه الأسماء وصلت فدخل الوصف في الصلة، ويفرق بين

«الذي» و «من» و «ما» أن «الذي» يصلح لكل موصوف ما يعقل وما لا يعقل، وللواحد العلم، وللجنس وهو يقوم مقام الصفة في كل موضع و «من» مخصوصة بما يعقل ولا تقع موقع الصفة، و «ما» مخصوصة لغير ما يعقل ولا يوصف بها. هذا مذهب الكوفيين. وأما البصريون فيجيزون نعت هذه الأسماء ويقولون: ليس كل ما لم يكن نعتًا لم ينعت ألا ترى أن الأسماء الأعلام تنعت ولا ينعت بها وكذلك الأسماء النكرات التي ليست بمشتقة. قالوا: ولم يجز النعت بها لإبهامها. فأما «الذي» كونها نعتًا فلكثرة تصرفها وتمكنها في الاسمية. و «ما» و «من» قد يكونان اسمين وغير اسمين ويخرجان إلى الجزاء والاستفهام فليس لهما تمكن «الذي». ألا ترى أنهما بلفظ واحد في المذكر والمؤنث والواحد والاثنين والجمع، و «الذي» تحلقها التثنية والجمع والتأنيث فهذا دليل على تمكنها. قال الفراء: من نعت «ما» و «من» فعلى القياس - ولم يزد عليه - ويجيزه أنه ليس من كلام العرب، قال: وإنما جاز في القياس لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته قال: وأما «من» و «ما» فإنهما يؤكدان كقولك: «نظرت إلى ما عندك نفسه»، و «مررت بمن عندك نفسه» فتوكيدهما جائز عنده وعند غيره، ونعتهما جائز عند غيره كما ذكرت لك. وقد أجازه هو أيضًا قياسًا. ومما لا يجوز أن ينعت من الأسماء: الأسماء المستفهم بها والمجازى بها كلها لا يجوز أن تنعت ولا أن توصل لأنها موضوعة على الإبهام في الجزاء والاستفهام، والنعت والصلة يوضحانها ويخرجانها عن الإبهام فيبطل الجزاء والاستفهام بها.

وكذلك «ما» بالتعجب اسم ولا يجوز نعتها لإبهامها ولا وصلها إلا عند الأخفش فإنه يصلها ولا ينعتها. ومما لا يجوز نعته «أن» الخفيفة إذا كانت مع الفعل بتأويل المصدر، وكذلك المشددة المفتوحة، وإن كانت بتأويل اسم فلا يجوز نعتها، وكذلك «ما» إذا كانت مع الفعل بتأويل المصدر فنعتها غير جائز والعلة في ذلك أن «ما» مع الفعل الذي بعدها بتأويل اسم لأنها في ذاتها اسم فلذلك امتنعت من النعت. وكذلك «إن» و «أن» والعلة في ذلك كله واحدة. ومما لا يجوز أن ينعت ولا ينعت به: كل وبعض في حال الإفراد كقولك: «مررت بكل راكبًا» و «ببعض جالسًا» ولا يجوز أن تقول: «بكل جالس» أو «جالسين» أو «الجالس» أو «الراكب» أو «الراكبين». كل ذلك غير جائز على النعت، ولا «ببعض راكب» ولا أن ينعت به فتقول: «جاءني قوم بعض» ولا «كل». كذلك قال سيبويه ونحن نقول: نفرد له بابًا نشرحه فيه بعلله لما فيه من المنازعة.

باب ذكر امتناع بعض وكل في حال الإفراد من أن ينعتا أو ينعت بهما وذكر علة استحالة استعمال البعض والكل معرفين بالألف واللام إلا مجازا

تعقيب هذا الباب إن شاء الله تعالى باب ذكر امتناع بعض وكل في حال الإفراد من أن ينعتا أو ينعت بهما وذكر علة استحالة استعمال البعض والكل معرفين بالألف واللام إلا مجازًا قال سيبويه: «هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة وهي لا توصف ولا تكون وصفًا» وذلك قولك: «مررت بكل قائمًا» و «ببعض قائمًا» و «ببعض جالسًا» ولا يجوز لك أن تقول: «مررت بكل الصالحين»، ولا «ببعض الصالحين» قبح ذلك حين حذفوا ما أضافوا إليه لأنه مخالف لما يضاف شاذ منه فلم يجر في الوصف مجراه. كما أنهم حين قالوا: «يا ألله» فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفه وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلت: «مررت بكلهم» و «ببعضهم» ولكن حذفت ذلك المضاف إليه كما جاز: «لاه أبوك». اعلم أن سيبويه قد أتى في هذا الفصل على جمع ما فيه وعلله ولكنه كلام مجمل وأنا أشرحه ليبين لك مغزاه إن شاء الله: أما قوله: ينتصب خبره لأنه معرفة فكما تنتصب أخبار المعارف في قولك: «مررت بزيد جالسصا» و «هذا محمد راكبًا» فقد بان لك في قوله: «بكل قائمًا» و «ببعض جالسًا» أن «كلا» و «بعضًا» عنده معرفتان لانتصاب خبرهما كما ينتصب خبر محمد وزيد.

ثم قال: «ولا يجوز لك أن تقول: «بكل الصالحين» ولا «ببعض الصالحين» فمثل لك نعتهما لو جاز أن ينعتا بما فيه الألف واللام لأنهما معرفتان، فلو نعتا لنعتا بما فيه الألف واللام أو ما جرى مجراه. ثم قال: قبح ذلك حين حذفوا ما أضافوا إليه لأن أصله عنده أن يقال: مررت بكلهم أو ببعضهم فيستعملان مضافين لأنه لا يعقل معناهما إلا بما يضافان إليه لأن كلا وبعضًا متعلقان بغيرهما مما يضافان إليه. قال: لأنه مخالف لما يضاف إليه يعني أن المضاف لا يفصل من المضاف إليه لأنه تبطل فائدة الإضافة إلا على أحد الوجهين، إما بالاستغناء عن فائدة الإضافة كقولك: «هذا غلام زيد» ثم تقول: «هذا غلام» إذا لم ترد إضافته ولا تعريفه أو يكون مضاف يتعلق بالمضاف إليه ويقل إفراده منه فيفصل، ويدل في حال إفراده على ما كان يدل عليه مضافًا كقولك: «جئت قبلك وبعدك» و «أول الناس» تقول: «جئت قبل وبعد وأول» فتفصله من المضاف إليه وتبينه لعلم المخاطب فيكون في حال إفراده دالاً على ما كان يدل عليه [مضافًا] لعلم المخاطب وعلى ذلك فصلته، ولذلك بنيته لتعريفه، فإن نكرته أعربته فقلت: «جئت قبلاً وبعدًا»، وكما قرئ {لله الأمر من قبل ومن بعد} على البناء، وقرأ بعضهم «من قبل ومن بعد» على التنكير». قال سيبويه: فخالفت «كل» و «بعض» المضاف لأنهما لم يجئا مضافين على استحقاقهما وحين فصلا من الإضافة بنيا كما يبنى «قبل» و «بعد» و «أول»، وما أشبه ذلك إذا أريد به التعريف فقد أريد بكل وببعض التعريف ومعنى الإضافة فلم يبنيا فهذا شذوذهما ومخالفتهما للمضاف، ولم ينكرا حين لم يضافا فيكون تنوينهما دليلاً على تنكيرهما، والدليل على تعريفهما نصب العرب خبرهما، فهذه العلة المانعة لكل وبعض

من أن ينعتا كما قال سيبويه، لأنهما بلفظ الإفراد منوي بهما الإضافة، فقولك: «مررت بكل، وبعض» بمنزلة مررت بكلهم وبعضهم إذا صارا بأنفسهم معرفة وصارت المعرفة التي لحقت في المضمر المتصل بهما نكرة، ولم يجز أن ينعت بهما لأنهما بمنزلة المضمر، والمضمر لا ينعت به الظاهر، وهذه العلة أيضًا هي المانعة من إدخال الألف واللام عليهما فيقال «الكل»، و «البعض» لأنهما بمنزلة المضمر، والمضمر لا يعرف بالألف واللام لا يقال «الأنت» و «الأنا» و «الهو» وما أشبه ذلك. وعلة أخرى إنهما بمنزلة المضاف إلى المضمر فكل بمنزلة كلهم، وبعض بمنزلة بعضهم، فكما لا يقال: «الكلهم» و «البعضهم» كذلك لا يقال «الكل» و «البعض» يمنع ذلك القياس وأنه لم [يجئ] في شيء من كلام العرب البتة. فإدخال الألف واللام عليهما خطأ قياسًا كما ترى، وسماعًا إلا مجازًا واتساعًا وصرفًا لهما عن هذا المعنى. قال أبو عثمان المازني: سألت أبا الحسن الأخفش عن إدخال الألف واللام في «كل» و «بعض» أيجوز أن أقول: جاءني الكل؟ عندي البعض؟ إذا كنت اذهب إلى قوم قد عرفهم من أخاطبه؟ فقال: «أراه جائزًا ولا أعرفه من كلام العرب لأن العرب لم تدخل الألف واللام هاهنا» فقد دلك الأخفش هنا، وروايته على أن العرب لم تستعمل هذا بالألف واللام. وأما إجازته إياه على ضعفه فإنما هو رأي رآه وليس بجائز للعلتين اللتين ذكرناهما وهما أنهما بمنزلة المضمر لا يدخله الألف واللام [أو] بمنزلة المضاف إلى المضمر ولا تدخله الألف واللام إلا بأن يخرجا عن ذلك التقدير ويجعلا اسمين وضعا على قوم قد عرفهم المخاطب غير مفصولين من الإضافة ولا مقدر ذلك فيهما فيكون ذلك جائزًا وعلى هذا الوجه وقعت المسامحة في استعمالها في كلام المتأخرين، فكثيرًا ما ترى استعمالها بالألف واللام في كلام أهل العلم، ووجهه على ما ذكرت لك. فإن قال قائل فقد ذكرت معنى قول سيبويه وشرحته في امتناع «كل» و «بعض»

باب الفرق بين الاسم والنعت لفظا ومعنى

من إدخال الألف واللام عليهما ولم يذكر سيبويه ولا أنت العلة التي من أجلها لم تبن «كل» و «بعض» في حال الإفراد وهما في معنى المضاف معرفتان، وسبيلهما أن يبنيا كما بني «قبل» و «بعد»؟ فالجواب في ذلك أن سيبويه قد أجاب عن هذا بعينه في قوله: «أنهما مخالفتان لما يضاف شاذان»، وتشبيهه إياهما بقولهم: «يا ألله» في قطعهم ألفه وإدخال حرف النداء عليه، فقد صرح سيبويه إنهما اسمان شاذان استعملا في الإفراد استعمالاً لا يستعمل عليه نظراؤهما. وإذا خرج الشيء إلى طريق الشذوذ في الرواية سلم العرب وسقط الاعتراض فيه. وبقيت الروايات الصحيحة والرجوع إليها. فلم يترك سيبويه شيئًا يتعلق بهذين الاسمين - أعني كلاً وبعضًا - إلا قد أتى عليه في كلامه ذلك مع قتله واختصاره. وشبههما مع ذلك بقول العرب: «لاه أبوك» وهم يريدون: «لله أبوك» فحذفوا الألف واللامين، وليس هذا بجائز في غير هذا فتدبر ما ذكرت لك في هذا الفصل من كلام سيبويه وشرحه فإنك تراه مستوعبًا لجميع ما يسأل عنه في هذا الباب بجوابه وعلله. باب الفرق بين الاسم والنعت لفظًا ومعنى قد ذكرنا في الباب الأول مذهب من يفرق بين النعت والوصف، ومذهب من يجمع بينهما، فأما النعت فقد يكون اسمًا مشتقًا من فعل، واسمًا غير مشتق، وفعلاً وجملة، والاسم يكون على ضربين: مشتقًا وغير مشتق. ولا بد للنعت من أن يتضمن معنى فعل أو نسب أو خلقة أو صنعة كما ذكرت لك. فالأسماء تنقسم أولاً قسمين: معرفة ونكرة نحو: رجل، وفرس، وزيد، وعمرو وهذا أول انقسام الأسماء ثم تتنوع بعد ذلك فتصير ستين نوعًا يجمعها كلها التنكير والتعريف. والتنكير أول والتعريف بعد، فالمنكور الاسم الشائع في جنسه، والمعروف: المخصوص من النكرات ما هو إلى المعارف أقرب. كما أن من المعارف ما

هو أكثر عمومًا. فأبعد النكرات من المعارف «شيء» وأقربها إلى المعارف رجل وفرس، وأقرب من هذا إليها ما قرن بنعت ففارق الإشاعة في أشباهه فإذا نزلت من فوق إلى أسفل قربت من التعريف، وإذا صعدت من أسفل إلى الفوق بعدت من التعريف. والمعارف خمسة أجناس أعرفها المضمرات وهي أعرف المعارف من الظاهرات وهي تنقسم قسمين: المشاهد والغائب، والمشاهد ينقسم قسمين: أحدهما المخبر عن نفسه، والآخر المخاطب، فالمخبر عن نفسه أعرف من المخاطب لأنه لا يشارك في اسمه البتة، ومن ثم استوى فيه المذكر والمؤنث إذا قلت: أنا، وفعلت وما أشبه ذلك. وذلك أنه لا يلتبس، فلما لم يلتبس استوى فيه المذكر والمؤنث ولم يحتج إلى فصل. والمخاطب دونه في التعريف وذلك أنه يجوز أن يكون بحضرتك اثنان أو أكثر فيتوهم كل واحد منهما أو منهم أنك خاطبته دون الآخر، فمن ثم فصلت بين خطاب المذكر والمؤنث في قولك: أنت وأنت، وقمت وقمت، واكرمتك واكرمتك فصار المخاطب دون المخبر في التعريف. والغائب دونهما في مرتبة التعريف، وهو أعرف من الاسم العلم ألا ترى أنك تقول: «جاءني زيد» فيجوز أن يعرف المخاطب اثنين أو ثلاثة اسم كل واحد منهم زيد، فتحتاج إلى الوصف للفرق فتقول: «جاءني زيد الطويل أو القصير أو الاشقر أو الآدم أو الكاتب أو الفقيه» فتنعته وتصفه بما يفصله من غيره. وإذا قلت: ضربته أو كلمته لم تحتج إلى نعت لأنه لا يلتبس وذلك أن هذا كلام لا يجري إلا بعقب مذكور قد عرفه المخاطب بحلاه وأوصافه. فاستغنى عن النعت لذلك ولو لم يكن المخاطب عرفه كمعرفتك لم تضمره وكنت تظهره وتتبعه أوصافه وحلاه حتى تتقرر له معرفته، فلذلك صار الغائب المضمر أعرف من الظاهر. ثم يتلوه في التعريف الاسم العلم، وذلك أنه ثابت على المسمى مظهرًا كان المسمى أو مبهمًا فلذلك صار أعرف من المبهم لأن المبهم يشار به إلى كل ما بحضرتك

نحو: هذا، وهذه أو إلى كل ما تراخى عنك نحو: ذاك، وتلك. والاسم العلم مخصوص نحو زيد، ومحمد، وجعفر. ثم المضاف إلى المعارف بعد هذا يتعرف بالإضافة إلى المعروف، واختصاصك إياه بذلك. وقد ذكرنا أنواع الأسماء الستين في شرح كتاب الجمل مفسرة بما أغنى عن إعادته هاهنا والزيادة في هذا الكتاب. فالأسماء على ما قد بان ووضح تكون نكرات ومعارف، ومشتقة وغير مشتقة. هذا أصلها وتنفرد بالتنوين والإضافة وإدخال الألف واللام عليها والنعت والتصغير والنداء والنسبة والجمع لأن الأفعال في الحقيقة لا تلحقها في ذاتها تثنية ولا جمع ولا يحلق شيء من هذه الأشياء فعلاً ولا حرف معنى، وبهذا فرق بين الأسماء وأغبارها. فأما الأسماء المنعوت بها فهي تنقسم عشرة أقسام: تكون أسماء مبنية على الأفعال نحو: قائم وراكب ومركوب وضارب ومضروب ومقتول وما أشبه ذلك من الأسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعالها. فهذه الأسماء تكون نعوتًا في حال وأخبارًا في حال، وأحوالاً في حال، وأبدالاً وعطوفًا عطف الباين في حال. وتجري مجرى الأسماء المحضة التي لم تشتق في حال فتكون فاعلة ومفعولة، ويدخل عليها سائر عوامل الأسماء. فكونها نعوتًا: «جاءني زيد العاقل»، و «مررت بأخيك الكاتب»، و «قصدت أبا بكر الكاتب» وما أشبه ذلك. فهي في هذه المواضع وما أشبهها نعوت وأوصاف أوضحت عن المنعوت وفصلت بينه وبين مجانسه لأن سبيل المتكلم أن يبدأ بالاسم الأعرف الأشهر عند مخاطبه، فإن عرفه اكتفى به وإلا أتبعه من النعوت ما يزيد إيضاحًا ومعرفة. والذي والتي وثنيتهما وجمعهما تجري في النعوت على المعارف مجرى ما فيه الألف واللام سواء، لما يقع في صلاتها من الفوائد. وكذلك إذا قدم ذكر النكرة فإنما تتبعه النعت لتخلصه ممن شركه في بنيته وتقربه من المعروف بضروب من التخصيص كقولك: «مررت برجل عاقل» فصلت بالعقل بينه وبين من ليس بعاقل فصار فيه ضرب من التخصيص فلذلك صار قولك «مررت برجل عاقل» أخص من قولك «مررت برجل» وكذلك سائر النكرات إذا وصفت فإنما يفعل ذلك بها إبانة لها من غيرها. فإن كان المنعوت مستغنيًا عن النعت لشهرته لم يحتج إلى النعت إلا مدحًا أو ذمًا، وسنفرد لهذا بابًا إن شاء الله

تعالى. وكذلك إذا قلت: «جاءني الذي أكرمك»، و «قصدت الذي أبوه زيد» وما أشبه ذلك فقد نابت الذي عن منعوت مقدر قبلها على ذلك وقعت في كلامهم، وإن ذكرته قبلها لفظًا جاز أيضًا. وأما كونها أخبارًا فقولك: «زيد عاقل» فقد خبرت عنه بالعقل ولم تنعته به، والفرق بين النعت والخبر أن النعت يجيء موضحًا للمنعوت بما قد استقر عند المخاطب أنه فيه ولا يكتفي به دون الخبر، وتكون فائدة الخبر بعد ذكر النعت متوقعة، وبها يستغني الكلام ألا ترى أنك إذا قلت: «جاءني زيد الكاتب» فإنما تنعته بالكاتب عند من قد عرفه بذلك لتخرجه بذلك عن الإشاعة. وإذا قلت: «زيد كاتب» فإنما تخبر بهذا من لم يعلم أن زيدًا كاتب لتفيده ذلك، فهذا فرق بين النعت والخبر وأبين من هذا أنك إذا قلت: «زيد الكاتب» لمن قد عرفه بذلك وجعلت الكاتب نعتًا لزيد فالكلام ناقص بعد لم يفده شيئًا، فسبيلك أن تقول: «زيد الكاتب» لتفيده ما لم يكن عنده وإن جعلت الكاتب خبرًا لا نعتًا تم الكلام به. ومثل ذلك: «أن زيدًا الكاتب منطلق» إذا جعلت «الكاتب» نعتًا نصبته كما ترى، وجعلت «المنطلق» خبرًا، وإن جعلت «الكاتب» خبرًا استغنيت عن «المنطلق» فقلت: «إن زيدًا الكاتب» فجعلته خبرًا ورفعته ولذلك قال بعضهم وقد سمع مؤذنًا يقول: «أشهد أن محمدًا رسول الله» بالنصب فقال له: ويحك فعل ماذا؟ لأنه لم يأت بالخبر. وكذلك مجرى هذه الأسماء في باب كان والظن في كونها نعوتًا في حال وأخبارًا في حال. قال سيبويه: إذا كان الاسم لا يعرف إلا بنعته فهو والنعت بمنزلة اسم واحد معروف. قال الفراء: إذا كان الاسم مستغنيًا عن النعت فالنعت تكرير ولا ضمير فيه. وإذا كان غير مستغن ففيه ضميره. وأما كونها أحوالاً فقولك: «جاءني زيد اركبًا»، و «انطلق عبد الله مسرعًا»، والبدل قولك: «زيد ذاهب مسرع» تجعل «مسرعًا» بدلاً من «ذاهب»، وإن جعلته حالاً فنصبته جاز. وأما كونها أسماء محضة فقولك: «رأيت راكبًا» و «مررت بقائم» و «جاءني راكب» وما أشبه ذلك. ولها أحكام

في إجرائها مجرى الفعل في عمله وامتناعها من ذلك في بعض الأحوال ليس هذا موضع ذكره. وتكون النعوت أسماء مأخوذة من الأفعال على غير طريقة الفاعلين والمفعولين نحو: معطار، ومذكار، وصبور، وشكور، وغدور، وجديد، ودهين. وما أشبه ذلك من الأسماء المشتقة الخارجة عن طريق أسماء الفاعلين والمفعولين في أوضاع النحو ألا ترى أن «معطارًا» ليس باسم الفاعل من «تعطر» ولا من «عطر»، ولا هو باسم المفعول، وكذلك مذكار، وصبور، وشكور، وغدور ليس على: اذكر ولا صبر، ولا شكر، ولا غدر لأن اسم الفاعل من ذلك: مذكر، وصابر، وشاكر، وغادر ومجرى هذه الأسماء في النعوت موضحة لما تجري عليه مجرى ما تقدم. وتفارقها في امتناعها من أعلام التأنيث، وفي أحكامها في التثنية والجمع، وعملها عمل تلك الأسماء. ويكون ضرب من هذه الأسماء للمبالغة، وفي عملها خلاف نحو: ضراب، وضروب، وضريب وقد مضى ذكرها في أول الكتاب. والضرب الرابع منها ما لم يكن مستعملاً فعله نحو: قيسي، وتميمي، ومضري، وهاشمي، وأنصاري، وبدري وما أشبه ذلك من النسب ليس يكاد ينطق بفعل كل واحد منها. والخامس: أسماء ينعت بها دالة على الخلق والطبائع نحو: الطويل، والقصير، والحسن، والقبيح، والعاقل، والشجاع، والجبان وما أشبه ذلك. والسادس: أسماء الأعداد قد ينعت بها نحو قولك: «عندي إبل مائة» و «رأيت إبلاً مائة»، قال الشاعر وهو الأعشى: لئن كنت في جب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم والضرب السابع: ما كان جنسًا مضافًا إليه وربما نعت به كقولك: «هذا خاتم حديد»، و «ثوب خز»، و «باب ساج». هذا وجه الكلام يضاف إلى جنسه ليوضحه، وقد يجريه بعض العرب على أوله موضحًا له فيقول: «هذا باب حديد»، و «خاتم فضة»، و «سرج خز». ومنهم من ينصبه على التمييز فيقول: «هذا خاتم حديدًا»، و «جبة خزا»، يذهب إلى المقدار، ويقول في ضرب من هذا الباب: «مررت بسرج خز

صفته» بالخفض إذا لم تكن صفته الخز بعينه وإنما أردت التشبيه، فكأنك قلت: «كالخز صفته» وإن كانت صفته من الخز قلت: «مررت بسرج خز صفته» بالرفع، وكذلك «مررت بدار ساج [بابها، وساج بابها]» وكذلك «مررت برجل عسل شرابه، وعسل شرابه» وعلى هذا فقس. والضرب الثامن: ما كان منقولاً من النعوت إلى غير صاحبه في الحقيقة، وإنما ينقل إلى ما كان من سببه ومتعلقًا به نحو قولك: «مررت برجل قائم أبوه» فتصف الرجل بقيام أبيه لأنه من سببه، وكذلك: «مررت برجل راكبة جاريته» و «منطلقة أمته» و «كريمة أمه» وما أشبه ذلك، ومنه «مررت برجل حسن الوجه» فالحسن للوجه ثم نقلته إلى الرجل لأنه لشيء من سببه. فجميع هذا الباب إذا أضفته جرى تذكيره وتأنيثه على الأول فإن لم تضفه ورفعت الثاني به جرى تذكيره وتأنيثه على الثاني كقولك: «مررت بامرأة قائم زوجها» فتذكر قائمًا لأنك رفعت الزوج ولا ذكر فيه من المرأة فتدبر هذا فعليه مجرى هذا الباب. ولو قلت: «مررت بامرأة خصي الزوج» لم يجز لأن النساء لا يوصفن بالخصاء. وقد حصل النعت لها بخفضك الزوج، فلو قلت: «مررت بامرأة خصي زوجها» فرفعت الزوج جاز عند بعضهم لأنه لا ذكر في الخصي من المرأة وإن كان قد جرى عليها لفظًا. وأجود من ذلك أن تقول: «خصي زوجها» فتخلصه له لأنه لا يكون منها. ولو قلت: «مررت بامرأة أمرد زوجها» جاز فإن قلت: «مرداء الزوج» لم يجز لأنه لا يقال: «امرأة مرداء» كما لا يقال «خصي» وقد أجازه الأخفش فيما حكي عنه، وقال: قد حكي عن العرب: شجرة مرداء إذا تحات ورقها. والتاسع: ما كان صناعة ينعت بها نحو: بقال، وعطار، وصواف، وبيطار، ونحاس وما أشبه ذلك. والعاشر: ما كان من نعوت الأنثى على جهة النسب فتجيء بلفظ التذكير

نحو: «امرأة طالق، وحائض، ومرضع، وعاشق، وناكح، ومطفل» وما أشبه ذلك. فهذه وجوه لأسماء المنعوت بها وما يخرج شيء منها عن بعض هذه الوجوه، وأما كون الأفعال نعوتًا فإن الأفعال كلها نكرات فلا ينعت بها إلا النكرات، وإن اتبعت المعارف في مواقع النعوت كانت أحوالاً لها، وكذلك جميع ما ينعت به إذا كان نعتًا للنكرات كان حالاً مع المعارف، تقول من ذلك: «مررت برجل يكرم زيدًا» فالفعل وصف للرجل والمعنى: «مررت برجل مكرم زيدًا»، وكذلك: «جاءني غلام يركض» والمعنى راكض، ولا يكون الفعل نعتًا للاسم إلا إذا كان تقديره تقدير اسم يقع ذلك الموقع. وإنما جاز في الأفعال المستقبلة ذلك لأنها مضارعة للأسماء الفاعلين. وتقول: «جاءني زيد يركض» أي راكضًا تقديره بالحال كما ترى، و «مررت بعبد الله يأكل» أي مررت به آكلاً، قال الله جل وعز: {من لدنك وليا يرثني} ويرثني: قرئ بالجزم على الجواب، وبالرفع على النعت كأنه قال: وليًا وارثًا. وكذلك قوله: {ولا تمنن تستكثر} أي: مستكثرًا. وتستكثر بالجزم على الجواب. وقد ينعت بالماضي كقولك: «مررت برجل ضرب أخاك»، و «جاءني رجل خاطب محمدًا» وهذا مستعار والأول أجود. وأما الجمل التي تكون صفات فمنها الأفعال التي ذكرناها لأنه لا يكون فعل إلا بفاعل فهي وفاعلوها جملة قد نعت بها، ومنها قولك: «مررت برجل ماله كثير» وضع هذه الجملة خفض نعت للرجل، وكذلك ما أشبههه. وللنعوت خصائص تنفرد بها من الأسماء التي ليست بنعوت من جموع وأبنية ليس هذا موضع ذكرها.

باب القول في صفات الله التي تقدم ذكرها وكيف مجراها عليه تبارك وتعالى

باب القول في صفات الله التي تقدم ذكرها وكيف مجراها عليه تبارك وتعالى اعلم أن الصفات في كلام العرب على ضربين إذا كان الاسم عند من يخاطبه ملتبسًا بغيره ممن يشركه في بنيته فهو حينئذ محتاج إلى الوصف، ووصفه إيضاح له وتبيين. وإذا كان الاسم معروفًا عند من تخاطبه إما بتقديم معرفته به وتحصيله إياه أو بشهرته، كان مستغنيًا عن النعت، وكانت نعوته ثناءً عليه، ومدحًا أو ذمًا فصفات الله عز وجل كلها ثناء عليه ومدح له مدح بها نفسه، ونبه العباد عليها وتعبدهم بوصفه بها لأنه عز وجل ليس كمثله شيء ولا يحتاج إلى الصفات إيضاحًا كما يحتاج غيره، وبيانًا له من غيره لأنه ليس كمثله شيء وإنما يمدح بصفاته ويثني بها عليه، ولذلك قد بان بما وصفنا من شرح أسمائه أنها كلها صفات له وثناء عليه وليس منها اسم موضوع للفصل بمنزلة الأسماء الأعلام التي قدمنا ذكرها، والمضمرات والمبهمات والمضافات لأنه عن ذلك عز وجل مستغن. وإذا كان الاسم مستغنيًا عن النعت في كلام العرب كان لك في نعته وجهان: إن شئت أتبعته الاسم في الإعراب لفظًا، وإن أريد به المدح والثناء أو الذم كقولك: «جاءني إخوتك الكرام العقلاء الظرفاء»، و «مررت بأصحابك الكرام الأدباء العقلاء»، وكذلك ما أشبه ذلك وإن شئت قطعته منه ونصبته بإضمار فعل كقولك: «مررت بإخوتك الكرام العقلاء الظرفاء». وإن شئت أتبعت بعضًا وقطعت بعضًا. وكذلك في الذم كقولك: «جاءني زيد الفاسق الخبيث» وإن شئت قطعته فرفعته في المدح والذم بإضمار المبتدأ. كل ذلك جائز مستعمل كثير في كلامهم. أنشد سيبويه: وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميرًا أطاعت أمر غاويها الظاعنون ولما يظعنوا أحدًا ... والقائلين لمن دار نحليها

وأنشد: لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك ... والطيبون معاقد الازر وقال الأخطل: نفسي فداء أمير المؤمنين إذا ... أبدى النواجذ يوم باسل ذكر الخائض الغمر والميمون طائره ... خليفة الله يستسقى به المطر وقال عروة: سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور وقرأ بعضهم: {وامرأته حمالة الحطب} بالنصب على ما ذكرت لك.

باب القول في نسبة الاشتقاق والرد على من أنكره

والشواهد في هذا كثيرة مشهورة في كتب النحو يستغنى بشهرتها عن ذكرها هاهنا. فصفات الله عز وجل كما ذكرنا ثناء عليه ومدح له، فإن اتبعتها الاسم في إعرابه جاز وإن قطعتها منه فنصبتها بإضمار فعل على تقدير «أذكر» أو «أعني» جاز. وإن رفعت بإضمار المبتدأ كان ذلك كله جائزًا على مذهب العرب. فأما في القرآن فلا يكون إعرابها إلا ما جاء عن الأئمة لأنه ليس كل ما كان في اللغة جائزًا جاز أن يقرأ به لأن القراءة سنة تتبع ولا تبتدع. باب القول في نسبة الاشتقاق والرد على من أنكره اعلم أن للناس في الاشتقاق ثلاثة أقوال: فأما الخليل وسيبويه وأبو عمرو بن العلاء وأبو الخطاب وعيسى بن عمر والأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة والجرمي وقطرب والمازني والمبرد والزجاج وسائر من لم نسمه من البصريين من أهل اللغة فإنهم يقولون: بعض الكلام مشتق وبعضه غير مشتق، وبعضه غير مشتق، لأنه محال أن يكون كله مشتقًا إذا كان لا بد للمشتق من أصل ينتهي إليه غير مشتق لأنه لو كان كل مشتق له أصل آخر اشتق منه إلى ما لا نهاية لوجب من ذلك وجود ما لا يتناهى موقوفًا عند آخره بوجود الكلمة التي يقال إنها مشتقة وهذا محال. وجميع ما ذكرنا من أهل اللغة قد تكلم في الاشتقاق أما في كتاب له مفرد بالاشتقاق أو في عرض كلامه في اللغات والتصاريف والأبنية والجموع وما ينصرف وما لا ينصرف والمقصور والممدود والمهموز وسائر ذلك مما لا بد لهم فيه من المقايسة وذكر

الأصول والزوائد والملحق وغير الملحق وما أشبه ذلك. وزعمت طائفة من متأخري أهل اللغة أن الكلام كله مشتق، وليس هؤلاء من الأولين ولا يقوم بأعيانهم مشهورين ولا في ذلك كتاب مصنف، ولا هو قول إمام متقدم وإنما قول المتعسفين من متأخري أهل اللغة. وفساده بين واضح كما ذكرنا. وقد زعم جماعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج كان يعتضد هذا المذهب ويقول: الكلام كله مشتق ويشنعون بذلك عليه ويضعون عليه حكايات باطلة ومعاذ الله من ذلك. وكلامه في ذلك واضح بين في كتابه الكبير في الاشتقاق، وذلك أنه يبتدئ بالباب في مسألة ويجعلها أصلاً ويرد إشكالها إليها ويلحق نظائرها بها. فلو كان عنده أن الكلام كله مشتق ما جاز أن يعقد له أصلاً يرد إليه غيره إذا كان ذلك الأصل أيضًا عنده مشتقًا. وإنما قال ذلك القول على الزجاج من زعمه لأنه قصد أشياء كثيرة هي عند غيره غير مشتقة فاعتقد أنها مشتقة من غيرها وتكلم فيها وأراهم كيف وجه اشتقاقها بالمقاييس التي يوافقونه عليها. فأما أن يكون عنده الكلام كله مشتق فمحال ولم يقوله. وزعم بعضهم أن سيبويه كان ممن يرى أن الكلام كله مشتق وتعلق بكلام له في كتابه في قوله إن مثل النجم والسماك والدبران وابن الصعق وما أشبه ذلك صفات لأسماء غلبت عليها لأسباب حدثت [و] اشتق لها منها هذه الأسماء ثم نقلت فإن ورد علينا ما نعرفه ولا يعرف اشتقاقه فإنما ذلك لأنه قد ذهب من كان يعرف معانيها أو لأن الأول الواضع كان عنده من العلم بذلك ما لم يصل إلينا، فقالت هذه الطائفة: الكلام كله مشتق وإن ورد علينا ما لا نعرف اشتقاقه فالسبب فيه

ما قال سيبويه وادعوا عليه أنه كان يقصد مذهبهم بهذا الكلام الذي قدمنا ذكره عنه. وهذا لا يدل على أن سيبويه كان يعتقد ما ذهبوا إليه لأنه إنما تكلم عن جنس من الأسماء مشتقة بان له اشتقاقها ووضح وتكلم عليه ثم قال: فقد وضح بما ذكرنا أن هذا الجنس من الأسماء إنما وقع في كلامهم معرفًا بالألف واللام نعتًا مشتقًا وإنه إن ورد من هذا الجنس ما لا يعرف اشتقاقه فللعلة التي ذكرها ولا يوجب أن يحكم عليه أنه كان يعتقد أن الكلام كله مشتق. ونظير هذا من مذهبه قوله: كل اسم في أوله همزة وهو بها على أربعة أحرف فإنه يحكم على الهمزة بالزيادة نحو: أحمر وأصفر وأخضر. قال: وإنما حكمنا عليها بالزيادة إلا أن يجيء أمر يوضح أنها أصلية من اشتقاق أو تصريف لكثرة ما وجدناها زائدة أولاً. ولم يمنعه هذا من أن يوجد اسم في أوله همزة أصلية وهو على أربعة أحرف نحو: أفكل، وأيدع، وأرطى في أحد القولين بدليل قام له على ذلك من اشتقاق وغيره. وكذلك يقول في الميم إذا كانت أولاً فيما عدته بها أربعة أحرف نحو: مضرب ومدخل وما أشبه ذلك، يحكم عليها أبدًا بالزيادة حتى يقوم دليل على أنها أصلية كما بان له ذلك في «مهدد» و «مأجج» وما أشبه ذلك. وذهب قوم من أهل النظر إلى أن الكلام كله أصل وليس منه شيء اشتق من غيره. وليس أحد من أهل اللغة الأعلام المشهورين يقول بذلك، ولا من النحويين الأئمة فيما انتهى إلينا من مذاهبهم، ورويناه من كتبهم، والحكايات عنهم، وفيما شاهدنا من يخبر عنهم ينكر أن يكون في كلام العرب اشتقاق ما وإن بعضه يرد إلى أصول منه تفرعت، وبعضه غير مشتق ولا مأخوذ من غيره، وإنما يدفع الاشتقاق قوم من أهل الجدل كما ذكرت لك ولم يذهبوا في ردهم ذلك مذاهب أهل اللغة، ولا قال القائلون بالاشتقاق من جهة الرادين لذلك، ولا زعموا ما ادعوه عليهم ولا مذهبهم فيه المذهب الذي أفسدوا منه صحة الاشتقاق، وذلك أن الرادين

للاشتقاق استدلوا على بطلانه بأن قالوا: إن العرب تتكلم بطباعها ولم تعرف الاشتقاق ولا الإعراب، ولو كان العربي يشتق الكلام ويتعمل الإعراب مستدلاً ومستنبطًا لاحتاج إلى موقف على ذلك، واحتاج الذي قبله إلى آخر إلى ما لا نهاية، وهذا محال فكل واحد منهم إنما يتكلم بطبعه لولا ذلك ما كان حجة يلزم قبول قوله، فهذه حجة من دفع الاشتقاق وأنكره. والقول في ذلك أنا لا نقول: إن العرب قالت لبعض الكلام هذا مشتق من هذا، وهذا غير مشتق لبعضه كما إنها لم تقل: إن بعض الكلام مستحق للرفع لعلة ما فنحن نرفعه لذلك، وبعضه مستحق للخفض وبعضه للنصب وبعضه للجزم، ولا عرفت هذه الألقاب، ولا ما يجر مما يرفع، ولا سائر تلك الوجوه. ولو قيل لبعض الأعراب الأقحاح: ما حرف الخفض؟ وكم الحروف الناصبة للأفعال والجازمة لها؟ ما دري ماذا يقال له، ولا عن أي شيء يسأل. ولو سئل عن حكمة لتكلم بها مصيبًا فيها جهة إعرابها غير مخطئ. وكذلك أيضًا لو قيل له: أتقول إن بعض كلامكم مشتق وبعضه غير مشتق؟ لما درى عن أي شيء يسأل. وقد قيل لبعضهم: كيف يقولون: «إنا من المجرمون منتقمين»؟ وغير له الإعراب فقال: كما قلت: «إنا من المجرمين منتقمون». فتكلم بالصواب ولم يقع له أن الملقن له تكلم بالصواب. وسمع آخر رجلاً يقول: «على فلان لعنة الله» بالنصب. فقال: ويحه أما يكفيه واحدة؟ ظن أن القائل ثنى اللعنة فقال: «عليه لعنتا الله» واللفظ بذلك يستوي لهذاب ألفين في وصل الكلام، فهذا غير مدفوع ولا معترض عليه. ولكنا نقول: إن المتكلمين بهذه اللغة - أعني لغة العرب - على ثلاثة أصناف فصنف منهم يتكلمونها غير عارفين بأوضاعها وأسبابها وحكمتها سوى النطق بها عادة فقط، وآخرون أضافوا إلى النطق بها ومشاركة الأولين في اعتياد النطق بها ضربًا من العلم بها والفحص والكشف عنها، وحفظ غرائبها وشاذها. والدليل على صحة ما قلنا

إنهم لو كانوا كلهم شرعًا واحدًا في باب النطق، ولم يكن هناك من ضم إلى نطقه علمًا، لكانوا كلهم متساوين في المعرفة بها لأن ما يدرك طبعًا لا يقع فيه تفاضل، في هذه اللغة بضرب لا يعم الجميع ويختص بعضهم بما هو غير عام في جميعها من الآخر، وأن الكلمة من الغريب قد ترد على من لا يعرفها منهم، وقد ترد على من يعرفها. وقد كان منهم من يرجع إليه ويسأل عنه، فلولا أن عند المرجوع إليه في ذلك علمًا من جهة الحفظ والاستنباط لتساووا كلهم فيه. وكذلك أيضًا نجد منهم من يقول الشعر ويرجز ويسجع، وليس ذلك في جميعهم. وقد علمنا أن من قال منهم ذلك فإنما قاله طبعًا وعادة لا تكلفًا إلا إنه لم يشركه في ذلك الجميع فقد بان لنا أنهم يتفاضلون في هذه اللغة بضرب لا يعم الجميع ويختص بعضهم بما هو غير عام في جميعها. وصنف ثالث ممن تكلم بهذه اللغة تعليمًا وأخذًا واتباعًا للأولين طلبوا مقاييسها لأنهم لم يمكنهم ضبطها وحصرها حفظًا، ولا كان ذلك متيسرًا أن يؤخذ كل لفظ عنهم سماعًا فبعضها عرفوه بالاعتياد والعرف والنشوء عليه صغارًا وكبارًا حتى صاروا فيه كالمطبوعين المعتادين لأنهم لم يتكلموا بغير هذا اللسان قط. وبعض عرفوه بالاستدلال والمقاييس من رفع الفاعل ونصب المفعول والخفض بالحروف الخافضة والجزم بالجازمة وما أشبه ذلك مما أدرك من كلامها استنباطًا وتعلمًا لأنه لم يسمع أحد من العرب اسم كل فاعل ومفعول، ولا بناء كل مصدر وجمع وإنما سمع بعضًا وقاس بعضًا فأصاب، ولم يخرج عن أوضاعهم، وشهد بصحة ذلك موافقته لما جاء في أشعارهم وأراجيزهم وأسجاعهم، وما جاء في القرآن العربي المبين. وهذه الطائفة هم علماء هذه اللغة الذي عنوا بحفظها وجمعها ونقلها وتتبعها والفحص عن أسرارها فصاروا أئمة في هذا العلم قدوة يحتج بقولهم فيها كما يحتج بقول الأولين المطبوعين، وواجب الرجوع إليهم فيها، كما أن لكل علم علماء وأعلامًا ينتهي إليهم فيه ويقبل عنهم، فكذلك هؤلاء لما تدبروا هذه اللغة وعرفوا حقائقها وما خصها الله به من الفضلية على كل لغة ميزوا بين بعض الكلام وبعض، فقالوا: إن منه أصولاً أسماء للأشخاص والأعيان الأول واقعة أولاً للفصل بين بعضها وبعض نحو: رجل، وفرس، وثوب، وعين، وقدر، وما أشبه ذلك. ومنها أسماء وضعت أعلامًا اتفاقًا يدل كل اسم منها على شخص بعينه نحو: زيد وجعفر وبكر وما أشبه ذلك. ولم يجب أن تقع فيها مشاركة، فلما طال الزمان وقعت المشاركة اتساعًا، ووقع الفصل بالنعوت.

ومنها أسماء مبهمة ومضمرة وفصلوا سائر أنواع الأسماء. ومنها أسماء مشتقة مأخوذة من الأفعال نحو أسماء الفاعلين والمفعولين مثل: ضارب، ومضروب، وراكب، ومركوب، ومتضرب، ومستضرب، ومتضارب وما أشبه ذلك مما يدل على أنه مأخوذ من فعل مشتق وبني عليه. ومنها الجموع والتثنية التي استدلوا على كونها ثواني للآحاد بما في دليل العقول على ذلك. ومنها أسماء رأوا فيها حروفًا تسقط في حال وتثبت في حال أخرى فعلموا أن لها أصلاً لا زائد فيه منه أخذت. ثم نظروا في الأسماء الأعلام فعلموا أنها ثواني بعض النكرات فرأوا أكثرها من الأسماء قد سبقتها في التنكير فنقلت إلى التعريف فدلت عقولهم على أن التنكير قبل التعريف فتكلموا فيه في اشتقاق ما عرفوه من تلك الأسماء. ومنها أسماء تحدث في أوان لأسباب موجبة فرأوا لها أسماء مشتقة من معان قد تقدمتها، وهذا في الشريعة والدين والقرآن موجود. منها: الدين فإن العرب لم تكن تعرفه قبل الإسلام أنه على ما أتت به الشريعة، وقد كانت تعرف للدين وجوهًا منها: أنها تعرف أن الدين الطاعة، والدين الجزاء، والدين العبادة، والدين الملك فعلموا إن الدين [الذي] يطالبون باعتقاده والعمل به هو الانقياد لأمر الله لأنه أحد تلك الأوجه التي قد عرفوها فعقلوا ما خوطبوا به وإن كان فيه فضل معنى عرفوه بعد ذلك بأن وافقوا عليه. وكذلك الصلاة إنما كانت تعرفها [العرب] الدعاء فقط ثم قيل لهم: سموا هذا النوع من الفعل صلاة. وليس لأحد أن يزعم أن العرب كانت تفعل الصلاة على ما تدين به اليوم، فلما وقفت على ذلك سميت صلاة. فهذا اسم موضوع لمعنى أوجبه على أصل من أصولهم قد تقدمه فليس باسم لم يزالوا به عارفين، فهذا تأويل الاشتقاق.

وكذلك الزكاة إنما كانت تعرفه العرب التكثير للشيء فتقول: زكا الشيء: إذا كثر وزاد ثم تعبدوا بأن قيل لهم سموا ما يرصد من أموالكم طاعة لله زكاة لأنكم إذا فعلتم ذلك زاد الله في أموالكم وبارك فيها وكثرها، فسميت زكاة لما يكون بعقبها من الزيادة والنماء في المال. فهذا هو معنى الاشتقاق من أن يوضع شيء مستأنفًا على أصل سابق له. وكيف يكون في الاشتقاق شيء أوضح من هذا. وكذلك الصيام: كانت العرب تعرف كل ممسك عن فعل ما صائمًا ثم قيل لهم سموا الإمساك عن المأكول والمشروب نهارًا صيامًا وخصوه به لأنهم قد عرفوا أن الصيام إمساك ما. وصار هذا الاختصاص الثاني موضوعًا على الأول. ولو تعبدوا بالإمساك عن ذلك ليلاً لكان أيضًا يقال له صيام لأنه إمساك. ولذلك صارت الزكاة والصلاة وما أشبه ذلك مخصوصة بما وصفت له مطلقة، فإذا نقلت منه قرنت بغيره. وكذلك الكفر كانت العرب تعرفه تغطية الشيء وستره فقيل لهم: سموا من خالف أمر الله ونبيه ولم يؤمن بهذه الشريعة خاصة كافرًا، فعقلوا ما خوطبوا به من معنى الكفر لأن الكفر إذا كان عندهم الستر فمعقول إنه مراد به أن الكافر ساتر نعم الله عليه أو ما عرفه من توحيد. وكذلك المشرك والفاسق والمجرم والظالم والمؤمن والمسلم كل هذه أسماء مشتقة في الإسلام موضوعة على أصول متقدمة لها قد عرفها من خوطب بها. وكذلك القرآن ليس لأحد أن يزعم أن العرب كانت تعرفه اسمًا لهذا الكتاب، بل كانت تعرف معنى القرء الذي منه أخذ القرآن فقيل لهم: هذا هو القرآن فعرفوه.

فقرآن: اسم لهذا الكتاب خاصة موضوع على معنى قد عرفه العرب من لفظة كانت تستعملها قبله. فقد بان أنها لفظة مشتقة من أصل متقدم. وكذلك الوضوء للصلاة أصله النظافة، والتيمم أصله التعمد، والتغوط أصله إتيان الغائط: وهو المكان الغامض المطمئن من الأرض. والحش أصله البستان، والكنيف أصله الساتر ومثل هذا كثير جدًا نظر فيه وفي أمثاله العلماء باللغة فعرفوا أصوله واشتقاقه وتكلموا عليه لا أن العرب كانت تتعمد في كلامهم تعلم الإعراب وتصريف الاشتقاق وإنما نقول: إن العرب كانت تتكلم بهذا الكلام طبعًا على جهة العادة الجارية مجرى الطبع لأن المطبوع على الشيء لا يمكنه الانتقال عنه، ولكن قد يقال لبعض العادات طبع لأنها تجري مجراه في أكثر أحوالها. ألا ترى أن العربي القح لو نزل بعض بلاد العجم وأقام فيه سنتين لتعلم من كلامهم وتكلم به افتراه انتقل طبعه؟ بل تغيرت عادته. ألا ترى أبا مهدية - وكان أعرابيًا يأخذ منه أبو عمرو بن العلاء وأمثاله بالبصرة - لما سمع كلام العجم [قال] يقولون لي شنبذ ولست مشنبذًا ... طوال الليالي ما أقام ثبير ولا قائلاً زوذًا لا عجل صاحبي ... وبستان في صدري علي كبير فقد تكلم بكلام العجم كما تراه حاكيًا له. وقد جاءت ألفاظ من كلام العجم في أشعار الفصحاء من العرب نحو الأعشى والعجاج ورؤبة وغيرهم. ولهذه العلة فسدت لغات من خالط من الأعراب أهل الحضر لأنهم سمعوا كلام غيرهم فاختلط عليهم كلامهم. ولو كانوا مخلوقين على النطق

بكلامهم خلقة لما أمكنهم الانتقال عنه، ولكن في طبع الإنسان النطق وأن يتكلم بكلام ما فهو يتكلم بكلام من نشأ بينهم ويعتاده حتى يصير كالمنطبع عليه. فإن انتقل إلى قوم آخرين كان جائزًا أن يتكلم بكلامهم كما ترى الواحد منا يتكلم بألسنة كثيرة، وهذا بين واضح. ولا بد لمن نظر في العربية من معرفة الاشتقاق والقول به ضرورة في ما ينصرف وما لا ينصرف، وفي التصاريف والجموع والمصادر، مثال ذلك: أن يقال لمنكر الاشتقاق القائل بالعربية والمدعي العلم بها، والملتزم مذاهب العلماء بها في ذلك أن يقول: إن واو مضروب وميمه وألف ضارب زوائد أم أصول؟ فإن قال هي أصول ولا زوائد في هذين الاسمين خالف جميع النحويين وأهل اللغة، وخرج إلى طريقة من لا يكلم لأنه غير سالك مذاهب القوم، ولكنا نقوده ضرورة إلى أن يقر بزيادتها فنقول له: فما وزن مضرون وضارب عندك إن كانت حروفهما كلها أصولاً فمثله بما يكون أصلاً؟ ولن يجد سبيلاً إلى تمثيل ذلك لأنه ليس في كلام العرب اسم على وزن ضارب ومضروب وحروفه أصول كلها فيمكنه إلحاقها به. وإن قال: أقول إن واو مضروب وميمه زائدتان وألف ضارب زائدة. قيل له: أفتقول إن الزائد قبل الأصلي أو الأصلي قبل الزائد؟ ولا سبيل له إلى إدعاء سبق الزائد للأصلي، فيلزمه أن يقول: الأصلي سابق للزائد. فقد بان أن ضاربًا ومضروبًا مشتقان من شيء سابق لهما لا زائدة فيه، وهو الذي اشتقا منه. ونسأله مثل ذلك في ظريف وعجوز ومستضرب ومتضارب وضراب ومضراب وكريم وما أشبه ذلك من الصفات المشتقة من الأفعال. ونقول له أيضًا في مثل: حسان، وتبان، وشيطان، ودهقان أتصرفه أم لا؟ فإن قال: ما أصرف هذه الأسماء كلها. قيل له: خالفت العرب والنحويين أجمعين لأنهم قد أجمعوا على أن هذه الأسماء إن أخذت من الحس، والتب، والتشيط، والدهق كانت غير مصروفة في المعرفة لزيادة الألف والنون فيها، وإن أخذت من التبن، والحسن، والشيطنة، والدهقنة كانت مصروفة في النكرة والمعرفة لأن النون فيها أصلية.

وإن قال: لا أصرفها. قيل له: فقد فعلت بها العرب والعلماء خلاف ذلك. وأعدنا عليه الكلام. وهذا إجماع العرب على ما سمع منهم ونقل عنهم، ولا خلاف فيه بين العلماء أجمعين. وإنما يسأل عن هذه المسائل من كان من أهل العربية واعتقد أحد المذهبين وتكلم عليه. وكذلك نسأله عن مثل ذلك في عريان، وسكران، وسلمان، وعلياء، وخرباء، وحمراء، وبيضاء، وخضراء، ورمان، ومران وما أشبه ذلك. ونقول له: كيف تعمل فيها أتصرف كلها؟ فيكون مخالفًا للعرب أجمعين أو يترك صرفها كلها فيكون أيضًا مخالفًا. فإن تكلم في أصولها وبين ما ينصرف منها على كل حال وما ينصرف في حال دون حال، وما لا ينصرف على حال لم يمكنه ذلك إلا بالاشتقاق وردها إلى أصولها وتصريفها ليبين له ذلك. وكذلك نسأله عن جمع سلطان، وسرحان، وسكران، ومصران، وعثمان وما أشبه ذلك. وهل يجمع بينها أو يفرق؟ فإن جمع بينها خالف العرب أجمعين والنحويين كلهم. وإن فرق بينها طولب بعلة فرقان، ولن يجد السبيل إلى ذلك إلا بالاشتقاق. فإن قال: أرجع في ذلك إلى المسموع من العرب لم يمكنه ذلك لأنه ليس كل هذا النوع من الجموع وما جرى مجراها مسموعًا من العرب منقولاً كلمة كلمة حتى لا يغادر منه شيء، وإنما سمع بعضه فقيس الباقي عليه. فإن ادعى رواية ذلك حرفًا حرفًا وكلمة كلمة طولب بالكتاب الذي يوجد فيه ذلك، وبالناقل له والراوي، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً لأنه أكثر من أن يؤتي عليه حرفًا وكلمة كلمة، وما ادعى هذا أحد قط. ونسأله أيضًا عن وزن درية وسرية والنبي وما أشبه ذلك. فإن تكلم فيه قال بالاشتقاق لأن لكل واحد من هذه الأسماء وجوهًا وضروبًا يمكن رده إليها وليس يمكنه القطع على بعضها دون بعض إلا باشتقاق يليق به، وإن لم يتكلم في شيء من ذلك سقط كلامه لأنا إنما نخاطب على الاشتقاق والتصاريف وعللها على صحة الاشتقاق أنه قد عرف بعض العرب الاشتقاق وعقله وجاء [في] أشعارهم.

من ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري في النبي صلى الله عليه وسلم: وشق له من اسمه ليعزه ... فذو العرش محمود وهذا محمد نبي أتانا بعد يأس وفترة ... من الرسل والأوثان في الأرض تعبد فأرسله فينا سراجًا وهاديًا ... يلوح كما لاح الحسام المهند فأخبرنا أن الفضائل والتقى ... وما طاب من شيء إلى الله يصعد وأنذرنا نارًا وبشر جنة ... وعلمنا الإسلام فالله نحمد فأنت إله الخلق ربي وخالقي ... بذلك ما عمرت في الناس أشهد تعاليت رب الناس عن قول من دعا ... سواك إلاهًا أنت أعلى وأمجد لك الخلق والنعماء والأمر كله ... فإياك نستهدي وإياك نعبد لأن ثواب الله كل موحد ... جنان من الفردوس فيها يخلد فقال حسان: شق له من اسمه محمدًا: فاخبر أن اسمًا مشتق من آخر وصرح به، وأنشده النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب والصحابة فلم ينكره النبي عليه السلام، ولا قال له أحد: ما معنى الاشتقاق فإنا لا نعرفه ولا نفعله؟ بل تقلوه بالقبول فدل ذلك على أن من العرب من كان يعرف الاشتقاق، كما أن فيهم من عرف الأقواء والإبطاء والسناد في الشعر ومنهم من لم يكن يعرفه. وذلك معروف فيها في خبر الذبياني وبشر بن أبي خازم وما كان منهما في إنكار الإقواء حتى وقفا عليه. وقد قال بعضهم: وسميت غياظًا ولست بغائظ ... عدوًا ولكن الصديق تغيظ

فأخبر أن غياظًا وغائظًا من الغيظ. وقد قال بعضهم: «إنما سميت هانئًا لتهنأ». وقد نقل هذا المعنى في الاشتقاق المحدثون من الشعراء وإن كانوا ليس بحجة إلا أن فعلهم لذلك دليل على أنهم اتبعوا ما وجدوا للعرب فيه مسلكًا، كما أنهم سلكوا في أوزان الشعر ورسومه مذاهبهم حتى ولدوا من ذلك المطابقة في الشعر وهي في أشعار المتقدمين قليلة إلا أنهم لما وجدوا لها رسمًا متقدمًا تبعوه. وقد كان من العرب من إذا ضرب امرأته المخاض خرج على وجهه فإذا استقبله شيء سمى ولده به فلذلك تسموا بالنمر والأسد والكلب وما أشبه ذلك. وقد كانوا أيضًا يسمون أولادهم بالأسماء البشعة ومماليكهم بالأسماء الحسنة، ويقولون: أسماء أولادنا لأعدائنا وأسماء مماليكنا لنا. وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في كتابه الكبير في الاشتقاق من هذه الأسماء ما يكثر تعداده ويدل جميع هذا على أنها قد كانت تسمى في بعض الأحوال بأسماء سابقة [لها] أصول تنقلها وتسمى بها. ومن ذلك في الإسلام تسمية أبي بكر بالصديق وعمر بالفاروق. ولا يمكن لأحد أن يدعي أن هذا غير مشتق لأن أبا الصديق سمي بذلك لكثرة تصديقه النبي صلى الله عليه وسلم. و «فعيل» من أبنية المبالغة، وكذلك عمر سمي بالفاروق لأنه فرق الله بإسلامه بين الكفر والإسلام وكان الإسلام قبل إسلامه ضعيفًا والمسلمون يعبدون الله سرًا، فقال عمر: لا يعبد الله سرًا. وجاهر المشركين بذلك. فهذا معنى الاشتقاق في القرآن والشريعة والدين والآثار، وهو المذهب الذي نحاه أهل العربية وقاسوا عليه، كما طلبوا مقاييس النحو والعروض والقوافي وغير ذلك من علوم العرب.

وأما إنكار نفطويه للاشتقاق [فقد] مضى من القول في ذلك عليه وعلى غيره ما فيه كفاية، ولكنا نقول لنفطويه خاصة إنه قد ناقض وقال بالاشتقاق هو نفسه ضرورة. فإن كان قال برد الاشتقاق ثم رجع عنه فذاك، وغلا فقد ناقض وكفى بمناقضته دليلاً على بطلان ما ذهب إليه من ذلك، وذلك أنه في كتابه «في أمثال القرآن» تكلم في الاشتقاق ورد كثيرًا من الكلام إلى أصل واحد فقال في قوله: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا} قال الفراء: البرد: النوم، وحكى: منع البرد البرد، يعني: «منع البرد النوم». ثم قال نفطويه: والبرد عند العرب: الراحة، فالمعنى: لا يذوقون فيها راحة ولا شرابًا، والنوم: الراحة، أفلا تراه كيف رد النوم إلى معنى الراحة وجعلها الأصل؟ فهذا هو الاشتقاق. وقال نفطويه في هذا الكتاب أيضًا - أعني كتاب الأمثال - في قوله عز وجل: {لن يجدوا من دونه موئلا} أي: ملجأ يقال: «وأل الرجل يئل» أي: لجأ. وبها سمي الرجل وائلاً. قال القطامي: من صالحوه رأي في عيشه دعة ... ولا ترى من أرادوا ضره يئل أي: ينجو. فما تكون مناقضة أعجب من هذا ألا تراه كيف قال: وبهذا سمي الرجل وائلاً. فكيف يضم إلى هذا نفي الاشتقاق؟ وقال في هذا الكتاب أيضًا في قوله عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} أي: من ضيق. وروى أن عمر بن الخطاب - رحمه الله - قرأ عنده قارئ: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا} فقال: ايتوني باعرابي بدوي، فأتي بغلام قال له: ما الحرج فيكم؟ فقال: الشجر الملتف لا تصل إليه الشمس. فقال عمر: كذلك قلب الكافر ضيق لا يصل إليه شيء من الخير. فأي شيء في الاشتقاق يكون أبين من هذا؟ وتشبه عمر قلب

الكافر بالحرج وجعله ذلك هو الأصل. فهذا اشتقاق في القرآن عن عمر رضوان الله تعالى عليه في حكاية نفطويه عنه. ولو أن ذلك الغلام الأعرابي سمع صفة القلب ضيقًا حرجًا لفهمه للأصل المتقدم عندئذ لم يستنكره، ولا احتاج إلى السؤال إلى معناه كما احتاج إليه عمر رضي الله عنه. ويجوز أن يكون عمر عالمًا بذلك فأراد زيادة بيان علمه، ويجوز أن يكون غير عالم به فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم في أشياء من اللغة لم يعرفها ففسرها له. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما علمت معنى فاطر السموات حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا والله فطرتها. وقال نفطويه أيضًا في قوله عز وجل: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} أي: لهم نصيب من الحياة كما كان لمن قبلهم فلا يستعجلون. فإن لهم أمدًا وغاية ينتهون إليها. قال نفطويه: والذنوب: النصيب عند العرب، ولذلك قيل للدلو ذنوب لأن فيها حظًا من الماء ونصيبًا، وهذا هو الاشتقاق كما ترى. وقال أيضًا في قوله عز وجل: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} قال: الكيد: الحيلة والاجتهاد وبهذا قيل للحرب كيد لأن فيها الحيلة والاجتهاد. ويقال: «تركته يجود بنفسه ويكيد بنفسه». وهذا اشتقاق متعسف فيه أيضًا وما أظن كثيرًا من أصحاب الاشتقاق يتعسفون فيه هذا التعسف. فكيف يكون القائل بهذا القول منكرًا للاشتقاق؟ وهذا كتاب له في القرآن كبير مشهور، وهو الموضع الذي سبيل الكلام فيه أن يكون بالحقائق، وبما يعتقد صحته دينًا ومذهبًا وسماعًا، فقد تكلم فيه من أوله إلى آخره بالاشتقاق في المواضع التي ساغ له فيها الاشتقاق.

وقال أيضًا في قوله عز وجل: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} الخطف: الأخذ في استلاب وسرعة، ومنه {يكاد البرق يخطف أبصارهم} وأنشد لزهير: يركض عند الذنابي وهي جاهدة ... يكاد يخطفها طورًا وتهتلك فجعل الأخذ باستلاب في الخطف أصلاً، وجعل خطف البرق مردودًا إليه كما ترى. وقال أيضًا في قوله عز وجل: {إن تتبعون إلا رجلاً مسحورًا} تأويله: قد غلب عليه السحر. وقال ابن الأعرابي: يقال أرض مسحورة: إذا أفسدها المطر فكأنه قيل: رجل مفسد بالسحر، وقيل: مسحور: له سحر. وهي الرئة أي هي مخلوقة كخلقكم. وقال الفراء: المسحر: المعلل، وأنشد: فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسحر يعني: الذين يعللون بالطعام والشراب. كما قال امرؤ القيس: أرانا موضعين لأمر حتم ... ونسحر بالطعام وبالشراب وهذا كله اشتقاق كما ترى. وقال في قوله عز وجل: {نسوق الماء إلى الأرض الجرز} قال: الأرض الجرز: التي لا تنبت شيئًا، ومنه سيف جراز: يأتي على كل شيء ورجل جرز: كثير

الأكل يأتي على كل شيء، فجعل كما ترى الأصل الأرض الجرز ورد عليها ما سواها من لفظها ومعناها، وهو قول الاشتقاق. وقال في قوله عز وجل: {فاصدع بما تؤمر} أي: افرق بين الحق والباطل. ومن ذلك قوله عز وجل: {يومئذ يصدعون} أي: يفترقون. وقال جرير: أعاذل مالي لا أرى الحي ودعوا ... وبانوا على نياتهم وتصدعوا ألا تراه جعل الأصل قوله: {فاصدع بما تؤمر} أي افرق، ثم رد عليه قوله: {يومئذ يصدعون} بقوله: ومن ذلك قوله: {يومئذ يصدعون}. وقال في قوله عز وجل: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} قال: الأسفار: الكتب واحدها سفر، سمي بذلك لأنه يسفر عما في نفس كاتبه أي: يكشفه ويبينه، ومن ذلك قيل: «سفرت المكان»: أي كشفته بالتنظيف له. وبهذا سمي المسافر لأنه يفارق المسكن والبيت ويظهر للبادية والطروق. ويقال للرسول بين القوم سفير وسافر لأنه يظهر ويكشف لبعضهم عن بعض. فهذا هو الاشتقاق، ورد بعض الكلام إلى بعض. وهذا الكتاب - أعني كتاب الأمثال لنفطويه في القرآن - مشهور معروف، وفيه هذا الذي ذكرته لك، وأكثره على هذا، ولولا كراهة الإطالة لبينت كل ما فيه من هذا النوع، ولكن من نظر فيه وقف على ما ينبه عليه. وأما ما روي عنه من قوله برد الاشتقاق فيما يصح مع هذا إلا أن يكون قد رجع عنه أو ناقض كما ترى. ومن دفع الاشتقاق فقد خرج عن مذاهب أهل اللغة في الجموع، والمصادر، وما ينصرف وما لا ينصرف، والتصريف، وأزال عن نفسه مرونة النعت في تحصيل هذه الأشياء ومعرفة حقائقها المحتاج فيها إلى الاشتقاق.

باب القول في اشتقاق النبي صلى الله عليه وسلم ومذاهب العلماء في ذلك

باب القول في اشتقاق النبي صلى الله عليه وسلم ومذاهب العلماء في ذلك اعلم أن للعلماء في اشتقاق النبي قولين، أما سيبويه في حكايته عن الخليل فيذهب إلى أنه مهموز الأصل من أنبأ عن الله: أي أخبر عنه، والنبأ: الخبر وهو مذهب أكثر أهل اللغة، فتركت العرب همزه لا على طريق التخفيف لكن على طريق الإبدال. والفرق بين التخفيف والإبدال أن ما ترك همزه تخفيفًا قد يهمز تارة ويخفف أخرى، ويكون بقياس لازم لا يجوز تعديه، وما ترك همزه على طريقة الإبدال فهمزه غير جائز إلا في لغة من لا يرى البدل فيه ويهمز على كل حال. فترك همز النبي في هذا المذهب الذي هو على طريق الإبدال عند سيبويه ومن ذهب مذهبه كترك همز البرية والخابية ويرى وترى وما أشبه ذلك. قال سيبويه: وقوم من العرب يقولون: سلت أسأل كما يقولون: هبت أ÷اب، وليس في لغة هؤلاء همز كما قال عبد الرحمن بن حسان: فأما قولك: الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداج ولولاهم لكنت كحوت بحر ... هوى في مظلم الغمرات داج وكنت أذل من وتد بقاع ... يشجج رأسه بالفهر واج

يريد: واجئًا فقل الهمزة ياء. فالنبي في مذهب هؤلاء فعيل بمعنى فاعل، ولامه همزة أبدلت ياء وأدغمت فيها الياء التي قبلها فقيل. نبي كما ترى. والقول الآخر مذهب جماعة من أهل اللغة وهو رأي أبي عمرو بن العلاء. قالوا: ليس بمهموز الأصل وإنما هو من النباوة وهي الرفعة فكأنه قيل: نبا ينبو أي: ارتفع على الخلق وعلا عليهم، ولامه واو قلبت ياء لوقوعها بعد ياء ساكنة، وأدغمت الأولى في الثانية فقيل نبي كما ترى. وهمزه على هذا المذهب خطأ غير جائز، وعلى المذهب الأول جائز همزه وترك همزه لأن ما كان مهموز الأصل فتخفيفه جائز، وما لم يكن مهموزًا في الأصل فهمزه لحن إلا ما كانت فيه علة موجبة لذلك، نحو انضمام الواو ضمة لازمة، ونحو وقوع الياء والواو بعد ألف زائدة نحو قائم وبائع وما أشبه ذلك، وليس في نبي إذا كان من النباوة شيء يوجب همزه كما لا يجوز همز تقي، وصفي، وشقي وما أشبه ذلك. وقال هؤلاء: والدليل على صحة مذهبنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: «يا نبيء الله» فهمزه فقال له عليه السلام: «لست نبيء الله ولكني نبي الله» فقال القائلون بالمذهب الأول هذا حديث مرسل رواه حمزة عن حمدان.

والثابت عنه أن العباس بن مرداس أنشده: يا خاتم النبآء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا فأنشده النبي صلى الله عليه وسلم مهموزًا فلم ينكره. وهذا جمع نبئ بالهمز لأن الهمزة تجري مجرى الحروف الصحاح، وما كان على فعيل صحيح اللازم من النعوت جمع على «فعلاء» نحو ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وعظيم وعظماء فكذلك يقال: نبيء ونبآه إذا همز لأنه يجري مجرى الصحيح. وما كان معتل اللازم جمع على «أفعلاء» نحو: تقي وأتقياء، وشقي وأشقياء، وغني وأغنياء. قالوا: فلو أراد العباس جمع نبي بغير همز لقال أنبياء. قالوا: ومما يدل على أن أصله الهمز قراءة أهل المدينة النبئ بالهمز ولا يجوز اجتماعهم على هذه القراءة إلا وهي صحيحة المعنى في الأصل. والقول الصحيح -والله أعلم- قول الأولين وهو أن يكون النبي مهموز الأصل ترك همزه للعلة التي ذكروها وللأثر الذي رووه عن العباس وقراءة أهل المدينة. ولما قلنا من أنه لو لم يكن مهموزًا في الأصل كان همزه لحنًا، وإذا كان مهموزًا فترك همزه ليس لحن. وقد حكى سيبويه أن من العرب من يهمز النبئ والبريئة على الأصل.

فكل هذا دليل على أنه مهموز في الأصل ترك همزه على طريق البدل. فإن قال قائل: فقد ذكرت أن المهموز يجمع على نبآء وقد ترى جمعه في كلام العرب على أنبياء أكثر من جمعه على النبآء. قيل له: كذلك يجب أن يكون كما أنه في كلامهم غير مهموز أكثر منه مهموزًا، وإن كان أصله الهمز فلما ترك همزه جرى مجرى ذوات الواو والياء فجمع على «أفعلاء». ومنهم من يهمز «أفعلاء» أيضًا فيقول أنبئاء، فهذا دليل على صحة ما ذكرنا. وأما البرية فيجوز أن يكون كما قال سيبويه من برأ الله الخلق أي: خلقهم، فترك همزها، ويجوز أن تكون من البرى وهو التراب كأنهم لما خلقوا من التراب قيل لهم: البرية البرى إلا أن سيبويه قد ذكر أن من العرب من يهمزها، وهمز هؤلاء يدل على أن أصلها الهمز كما قلنا في النبي. فهذا مذهب العلماء في ذلك، والله أعلم وأحكم. وهذا آخر القول في اشتقاق أسماء الله عز وجل وصفاته، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم كثيرًا. والحمد لله على إتمامه. في الأصل المنقول منه ما لفظه من مسح بعض ألفاظه يقول علي بن الحسن بن علي الربعي: قرأ علي هذا الكتاب من أوله إلى آخره وقرأته أنا على شيخنا أبي بكر أحمد ابن محمد الغساني، ويعرف بابن شرام -رحمه الله تعالى- وقرأه أبو بكر على أبي القاسم الزجاجي وهو مصنفه. وكتبت بيدي في شعبان سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وسلم. وأيضًا كتب: بلغت القراءة على الشيخ أبي بكر علي بن الخضر بن المؤدب، وأحمد بن محمد الفياضي. وصح.

§1/1