اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم مع دراسة هذه الظاهره عند ابن معين
سعدي بن مهدي الهاشمي
مقدمة
المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فإن القارئ والدارس لأقوال النقاد في كتب الجرح والتعديل - الرجال - يلاحظ ظاهرة واضحة تكاد تشمل معظم الأئمة المكثرين في نقد الرجال، ألا وهي تعدد أقوالهم المختلفة في الراوي الواحد. وقد حاول العلماء والحفاظ من المحدثين وغيرهم كالأصوليين، معالجتها ودراستها فيما اصطلحوا عليه بـ (تعارض الجرح والتعديل) وذلك لصلتها الوثيقة، بل هي الأساس المعتمد عليه في الحكم على الرواة الذين يُؤَثِّر اجتهاد الناقد فيهم في الحكم على الأحاديث. واختلافهم هذا كاختلاف الفقهاء في الحكم على القضايا الفقهية وتعددها. قال الإمام الترمذي (ت297هـ) : "وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم" (1) . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) نحو هذا القول فقال: "وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم" (2) . وقد صنف العلماء أئمة النقد؛ الرواة. إلى ثلاثة أقسام: 1- الرواة المتفق على تعديلهم وصحت أحاديثهم.
2- والضعفاء والمتروكين الذين سقط الاستدلال بمروياتهم. 3- والرواة المختلف فيهم، الذين تعددت أقوال النقاد في بيان أحوالهم، وترددوا في البتِّ، فيهم سواء مَنْ تشدد من الأئمة في توثيقه وتجريحه، ومن تساهل أو اعتدل منهم. وتأتي أقوالهم في التوثيق أو التجريح تارة واضحة المعنى محددة الدلالة، وقد تتعدد وتتكرر ولكنها تدل على تعديل الراوي وتوثيقه أو توهينه بل تجريحه مثل قولهم: (لا بأس به) ، (صدوق) ، (صالح الحديث) ، و (ثقة متقن) ، (ثبت حجة) ، (ثقة ثقة) ، و (ليس بحجة) ، (ليس بذاك) ، (يعرف وينكر) ، و (متروك) ، (ليس بثقة) ، أو ترد الألفاظ عن الناقد نفسه، ومجموعة في لفظ واحد، التعديل والتجريح، وهذا يدل على ورعهم وخوفهم من قدحهم في راو ليس كما يبدو له، فيتردد في أمره، فيذكر التعديل والتوهين، أو لبيان حاله، والتفصيل في شأنه من خلال تلك العبارة أو اللفظة التي تبدو للناظر متناقضة. ولو ترجح عندهم التجريح بقرينة أخرى لحكموا بجرحهم، وكذلك لو ترجَّح عندهم التوثيق على ضوء قرائن التعديل لعدَّلوهم، وورود مثل هذه الألفاظ على القلة والندرة وهذه بعض النماذج: 1- قال يعقوب بن شيبة (ت262هـ) في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم (1) : "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، رجل صالح"، وقال فيه ابن معين (ت234هـ) : "ليس به بأس وهو ضعيف ". 2- وقال يعقوب أيضاً في الربيع بن صبيح (2) : "رجل صالح، صدوق ثقة، ضعيف جداً".
3- وقال يعقوب بن سفيان (ت277هـ) في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري (1) : "ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، لَيِّن الحديث عندهم". 4- وقال أبو حاتم الرازي (ت 277هـ) في محمد بن الحسن بن زبالة (2) : "واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير، وليس بمتروك الحديث". 5- وقال أبو زرعة الرازي (ت 264هـ) في عمر بن عطاء بن وراز (3) : "ثقة لَيِّن ". وقد تَرِد الأقوال متعددة ومختلفة لناقد واحد في الراوي نفسه، فينصُّ على توثيقه مرة، وتجريحه مرة أخرى، وقد سوَّغ العلماء ذلك الاختلاف بأن يكون ذلك الراوي عنده ثقة ثم يظهر منه ما يسوِّغ له تجريحه، كأن يحدِّث بحديث ضعيف ثبت عند الناقد ضعف طرقه، أو يعتمد على تجريح أحد أئمة النقد السابقين له، ويعول على تجريحه، أو يطرأ عليه طارئ من اختلاط أو عمى أو غير ذلك فيختل ضبطه ويضعف حفظه، فيجرِّحه، أو عكس ذلك يكون ضعيفاً في بداية أمره، ثم يقوى ويتنبه لمروياته وانتقاده للأحاديث الصحيحة منها، ويختار الرواة الثقات. وبناء على ذلك تتغير صورته عند الناقد الذي سبق تجريحه فيوثقه، وقد تناول الأئمة والحفاظ هذه القضية - وهي "إذا اجتمع في شخص واحد جرح وتعديل" - في كتبهم، وما صنفه
العديد منهم في كتب "مصطلح الحديث"، واختلفت أقوالهم وتعددت شروطهم؛ وخلاصة ذلك خمسة أقوال، يحتاج لعرضها مبحث خاص (1) . وقد يزداد الأمر تعقيداً فتكثر الأقوال، وتزيد على القولين المتضادين، وهذه الظاهرة واضحة جلية عند يحيى بن معين الذي شمل نقده بالجرح أو التعديل سائر الرواة تقريباً، وتعددت مجالس نقده، وتكاثر رواة مادتها في الجرح والتعديل عنه. ولأجل معالجة هذه الظاهرة عند ابن معين، خصصت هذا البحث؛ لدراستها ومحاولة الخروج بنتائج يستفيد منها الباحث عن الحكم في الرواة المختلف فيهم. هذا وقد جعلت البحث في مقدمة وستة مباحث، تناولت في المبحث الأوّل: المصنفات المتعلقة بالموضوع. وفي المبحث الثاني: نماذج من أقوال بعض النقاد المختلفة في الرّاوي الواحد. وفي المبحث الثالث: نموذج لأحد الرّواة الّذين اختلفت أقوال النقاد فيهم. وفي المبحث الرابع: التعريف بابن معين مع دراسة أقواله المختلفة في محمد بن إسحاق نموذجاً. وفي المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاظ من أقوال ابن معين المختلفة. وفي المبحث السادس: بيان الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرّواة. وبالله التوفيق.
المبحث الأول: مصنفات في الرواة المختلف فيهم
المبحث الأول: مصنفات في الرواة المختلف فيهم. لقد عالج علماء الحديث كثيراً من المعضلات التي تعترضهم في بحثهم عن الرواة، ومنها الرواة المختلف فيهم؛ لأنه يتوقف على معرفتهم الحكم على الأحاديث، لذا حاول بعضهم أن يجمعهم في مصنف أو أن يبين أسباب الاختلاف في الحكم عليهم، ولعل أقدم مصنف وصل إلينا من مصنفات الرواة المختلف فيهم هو كتاب أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين البغدادي (ت 385هـ) ، وهو: 1- (ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ومن قيل فيه قولان) : ولم يصل إلينا منه إلا قطعة واحدة، وهي محفوظة في مكتبة محمد بن يوسف بمدينة مراكش في المغرب (1) . 2- (الفضَّل من النقلة) : ذكر الإمام ابن حبان (ت 354هـ) في كتابه المجروحين (2) في ترجمة داود ابن الزبرقان كتابه (الفضل من النقلة) حيث قال: "وإنما نملي بعد هذا الكتاب كتاب (الفضل من النقلة) ونذكر فيه كل شيخ اختلف فيه أئمتنا ممن ضعفه ووثقه البعض، ونذكر السبب الداعي لهم إلى ذلك، ونحتجُّ لكل واحد، ونذكر الصواب فيه؛ لئلا نطلق على المسلم الجرح بغير علم ولا يقال فيه أكثر
مما فيه إن قضى الله ذلك وشاءه". وكذلك ذكره في كتابه "الثقات" (1) وسمَّاه (الفصل بين النقلة) ، ولعل هذا هو الاسم الصحيح للكتاب والله أعلم. ولقد حاول الدكتور مبارك الهاجري أن يجمع الرواة الذين ذكرهم ابن حبان في المجروحين وأعادهم في الثقات فكان مجموعهم (159) راوياً (2) ، واستدرك عليه بعض الباحثين (25) راوياً وذكرها على موقع ملتقى أهل الحديث في الشبكة العنكبوتية. وطريقة الدكتور الهاجري: أن يذكر ترجمة الراوي (المختلف فيه) من كتاب المجروحين ثم الثقات، وقد يخالف ذلك المنهج في بعض التراجم لأسباب خاصة (3) . 3- (الرواة المختلف فيهم) : للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656هـ) ، ألحقه في آخر كتابه "الترغيب والترهيب"، واستغرق ذلك (15) صفحة (4) .
المبحث الثاني: نماذج من اختلاف أقوال بعض النقاد في الراوي الواحد
المبحث الثاني: نماذج من اختلاف أقوال بعض النقاد في الراوي الواحد. حفظت دواوين الرجال في الجرح والتعديل طائفة كبيرة من الرواة اختلفت فيهم أقوال العديد من أئمة النقد فتارة يعدلونهم، أو يوثقونهم، وتارة يجرحونهم، أو يضعفونهم، وذلك حسبما يقفون عليه من مرويات أولئك الرواة، ودراسة أحوالهم في الأداء، والاطلاع على أصولهم للتثبت من ضبطها، تلك الأمور وغيرها تجعل الناقد مضطراً إلى تغيير حكمه على الراوي، وقد يحكم عليه بنقيض الحكم الأول. وهذه نماذج لأقوال بعض النقاد المختلفة في الرواة أنفسهم: أولاً: الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) : 1- إسماعيل بن زكريا بن مُرَّة الخُلقاني الأسدي مولاهم أبو زياد الكوفي نزيل بغداد ولقبه شَقُوصا (ت 194هـ) وقيل قبلها (1) : - قال عنه في رواية عبد الله: "حديثه حديث مقارب" (2) . - وقال عنه في رواية عبد الملك الميموني (ت 274هـ) : " أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث، صالح، ولكنه ليس ينشرح الصدر له، ليس يعرف هكذا يريد بالطلب" (3) . - وقال عنه في رواية أحمد بن ثابت أبو يحيى: "ضعيف الحديث" (4) .
- وقال عنه في رواية أبي داود: "ما كان به بأس" (1) . - وقال عنه في رواية أبي العباس الفضل بن زياد - ثقة من المتقدمين عند أحمد -: "ثقة" (2) . 2- حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي الغاضري (ت 180هـ) (3) . - قال عنه في رواية عبد الله، وحنبل بن إسحاق: "متروك الحديث" (4) . - وقال عنه في رواية عبد الله: "صالح" (5) . - وقال عنه في رواية حنبل بن إسحاق: "ما كان به بأس" (6) . ثانياً: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264هـ) : 1- الحكم بن عبد الله بن إسحاق بن الأعرج البصري (7) : - سئل عنه فقال: "بصري ثقة" (8) . - وقال مرة أخرى: "فيه لين" (9) . 2- خطاب بن القاسم الحراني، قاضيها (10) :
- سئل عنه فقال: "قاضي حران ثقة" (1) . - وقال عنه: "منكر الحديث يقال إنه اختلط قبل موته" (2) . - وانظر أمثلة أخرى في (أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية) (3) . ثالثاً: أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) : 1- سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة (ت 123هـ) (4) . - قال عنه: "سماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين" (5) . - وقال عنه: " ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث؛ لأنه كان يقبل التلقين " (6) . - وقال عنه: "ليس به بأس، وفي حديثه شيء" (7) . 2- إسماعيل بن مسلم العبدي أبو محمد البصري القاضي (8) : - قال عنه: "لا بأس به" (9) .
- وقال أيضاً: "ثقة" (1) . 3- عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أبو سليمان المدني، (ت 172هـ) (2) : - قال عنه: "ثقة" (3) . - وقال أيضاً: "ليس به بأس" (4) . - وقال أيضاً: "ليس بالقوي" (5) . رابعاً: علي بن المديني (ت 234هـ) : 1- عرعرة بن البِرِنْد السامي الناجي أبو عمرو البصري لقبه كُزْمان (6) : - قال عنه فيما رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ثقة حافظ شهير، ت 239هـ) : "كان عرعرة ثقة ثبتاً" (7) . - وفيما رواه العقيلي (ثقة، ت 322هـ) : "ضعيف" (8) . 2- الأحوص بن حكيم بن عمير العَنْسي أو الهمداني الحمصي (9) :
- روى ابن عدي بسنده إلى علي بن المديني أنه قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ثور - أي ابن يزيد الكلاعي - عندي ثقة. قال علي: ثور عندي أكبر من الأحوص، والأحوص صالح" (1) . - ثم عقب المزي على ذلك بقوله عن ابن المديني: "وقال في موضع آخر: والأحوص ثقة، وقال في رواية: لا يكتب حديثه " (2) .
المبحث الثالث: نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت أقوال النقاد فيهم
المبحث الثالث: نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت أقوال النقاد فيهم. الإمام العالم الصدوق أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني (ت153هـ) (1) ، "من كبار العلماء من أهل المدينة" (2) . قال الذهبي: "وقد يرتقي حديثه إلى رتبة الحسن، استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعات" (3) ، وقال السخاوي: "وأخرج له مسلم في صحيحه متابعة، وأصحاب السنن، واستشهد به البخاري ولم يحتج به، وحديثه من قبيل الحسن" (4) . قال ابن خلفون (ت 636هـ) : "هو عندي في الطبقة الثالثة من المحدثين، وهو حجة في بعض شيوخه وضعيف في بعضهم، ومن تدبر حديثه عرف ذلك" (5) . اختلف عدد من أئمة النقد في أسامة بن زيد، وهم: 1- يحيى بن سعيد القطان (ت 198هـ) . 2- يحيى بن معين (ت 233هـ) . 3- أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . 4- أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) .
5- الحافظ الذهبي (ت 748هـ) . 6- الحافظ ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (ت 852هـ) . وأكد هذا الأمرَ كلٌ من: أبو العرب محمد بن أحمد القيرواني (ت 333هـ) في كتابه الضعفاء حيث قال: "اختلفوا فيه، وقيل: ثقة، وقيل: غير ثقة" (1) . وأبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان الفاسي (ت628هـ) حيث قال في كتابه (الوهم والإيهام) إن مسلماً - رحمه الله - لم يحتج به إنما روى له استشهاداً كالبخاري، وأقره على ذلك ابن الموَّاق -محمد ابن يحيى القرطبي المراكشي (ت642هـ) - قال أبو الحسن: "وهو مختلف فيه" (2) . قال الساجي - زكريا بن يحيى (ت 307هـ) -: "اختلف أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في أسامة الليثي" (3) . وإلى ذكر أقوال الأئمة - رحمهم الله - فيه: 1- يحيى بن سعيد القطان: قال ابن حبان في الثقات: "كان يحيى القطان يسكت عنه وفي نسخة: يكتب عنه" (4) ، فمن هذا الخطأ ظن البعض اختلاف قول يحيى القطان فيه، والصواب ما ذكره الدارقطني في سؤالات الحاكم له رقم (285) - وسماه مغلطاي بـ (التجريح والتعديل) -: "كان يحيى بن سعيد حدث عنه ثم تركه وقال: إنه حدث عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"منى كلها منحر" فقال يحيى: اشهدوا أني قد تركت حديثه. زاد حمزة السهمي في (سؤالات الدارقطني) قلت: فمن أجل هذا احتج به مسلم وتركه البخاري" (1) . وفي "السؤالات الكبرى" للحاكم: وقد احتج به البخاري (2) . وخالف ذلك في كتاب (المدخل) فقال: "روى له مسلم كتاباً لعبد الله بن وهب، والذي استدللت به في كثرة روايات له أنه عنده صحيح الكتاب، على أن أكثر تلك الأحاديث مستشهد بها أو هو مقرون في الإسناد. وقال البخاري: هو ممن يحتمل" (3) . لذلك قال الذهبي: "اختلف قول القطان فيه" (4) . 2- أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) : قال النسائي عنه - أسامة -: "ليس بثقة" (5) ، وقال أيضاً: "ليس بالقوي" (6) ، وفي نسخة من كتاب الجرح والتعديل للنسائي: "ليس به بأس" (7) . 3- أحمد بن حنبل ت (241هـ) :
قال عبد الله بن أحمد قال أبي: "روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير. قلت له: إن أسامة حسن الحديث. قال: إن تدبرت حديثه فستعرف النكرة فيها" (1) . وقال المروذي: "سألته (يعني أبا عبد الله) عن أسامة بن زيد، قال: الليثي أقوى من ذا يريد ابن زيد بن أسلم" (2) . وقال أيضا: "قلت: (يعني للإمام أحمد) أسامة بن زيد يروي عن القاسم؟. قال: وهذا أيضا يحتمله الناس إلا أن يحيى القطان تركه " (3) . وقال أبو داود: "قلت لأحمد في أسامة بن زيد الليثي فقال: تركه بأَخَرَة، وسمعت أحمد يقول: يحيى ترك أسامة بأخرة، وذاك أن عثمان بن عمر ذاكره عنه عن عطاء.... حديث المناسك" (4) . وفي رواية الأثرم - أحمد بن محمد بن هاني (ت 273هـ) -: "ليس بشيء" (5) . وقال عبد الله: "سئل أبي عنه فقال: هو دونه، وَحرَّك يَدَهُ" (6) . أي: أسامة بن زيد الليثي هو دون حاتم بن أبي صغيرة - ثقة - الذي سئل عنه أحمد قبل السؤال عن أسامة. والله أعلم. وقد روى الإمام أحمد لأسامة بن زيد الليثي (76) حديثاً في مسنده.
4- يحيى بن معين (ت 233هـ) : في رواية عباس الدوري وأحمد بن سعد ابن أبي مريم (ثقة) (1) ، قال ابن الجوزي: "واختلفت الرواية عن يحيى، فقال مرة: ثقة صالح، وقال مرة: ليس به بأس. وقال مرة: ترك حديثه بأخرة" (2) . وقال ابن الجنيد - إبراهيم بن عبد الله الختلي (ت260هـ) -: "مديني صالح ليس بذاك" (3) . وقال في رواية الدارمي - عثمان بن سعيد (ت 280هـ) -: "ليس به بأس" (4) . وقال الحافظ الذهبي منبهاً على وهم قد وقع في نسبة قول لابن معين: "وجاء عن يحيى بن معين أنه ثقة وجاء عنه قال: ترك حديثه بأخرة، وهذا وهم بل هذا القول الأخير هو قول يحيى، بن سعيد فيه" (5) . وبعد أن درس الحافظ الذهبي أقوال ابن معين خرج بنتيجة اتفق عليها اثنان من الرواة عن يحيى تمثَّلَتْ بقول الذهبي: "وقد روى عباس عن يحيى: ثقة، وروى أحمد بن أبي مريم عن يحيى: ثقة حجة، فابن معين حسن الرأي في أسامة" (6) . والحافظ الذهبي من النقاد المتأخرين، وقد شهد الحافظ ابن حجر له بأنه: "من أهل الاستقراء التام في الرجال" وقد اختلفت أقواله في أسامة الليثي: فقال عنه في المغني: "صدوق يهم، اختلف قول القطان فيه " (7) .
وقال عنه: "صدوق فيه لين يستر" (1) . وقال أيضاً بعد كلام النقاد فيه: "وقد يرتقي حديثه إلى رتبة الحسن، استشهد به البخاري، وأخرج له مسلم في المتابعات" (2) . وقال عنه: "الليثي لا العدوي، صدوق قوي الحديث، أكثر مسلم إخراج حديث ابن وهب عنه، ولكن أكثرها شواهد ومتابعات، والظاهر أنه ثقة، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي" (3) . ونقل في ((الكاشف)) قول الحاكم ولفظه: " ... أكثرها شواهد أو يقرنه بآخر، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي" (4) . وانتهى من تأليفه سنة 720هـ، ولعل القول الفصل الذي نخرج به للحافظ الذهبي في أسامة الليثي هو ما ذكره في "سير أعلام النبلاء" والله أعلم. 5- الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) : تعددت أقواله في هذا الراوي (أسامة) واختلفت أيضاً فقال فيه: "مختلف فيه، وعلق له البخاري قليلاً" (5) . وقال عنه: "سيئ الحفظ" (6) . وفي موضع آخر قال: "فيه مقال" (7) . وقال أيضاً: "صدوق في حفظه شيء، أخرج له
مسلم استشهاداً" (1) . وقال أيضاً في نقده لحديث من روايته: "وهو لين، وقال الدارقطني: تفرد عثمان بن عمر بهذه الزيادة، وقد رواه ابن وهب عن أسامة وهو أعلم الناس بحديثه" (2) . وقال: "صدوق يَهِمُ" (3) . ويبدو أن الحافظ ابن حجر اقتنع بعد دراسة أحواله ومروياته أن حديثه حسن فحسنه (4) .
المبحث الرابع: تعريف موجز بالأمام يحي بن معين
المبحث الرابع: تعريف موجز بالأمام يحي بن معين ... المبحث الرابع: تعريف موجز بالإمام يحيى بن معين. هو (ع) يحيى بن معين بن عَوْن بن زياد المُرِّيُّ الغطفاني، أبو زكريا البغدادي الحافظ، مولى غطفان، إمام أهل الحديث في زمانه والمشار إليه من بين أقرانه، وهو كما وصفه الخطيب البغدادي: "كان إماماً ربانياً، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً" (1) اختاره الله - سبحانه وتعالى - من بين رهط مبارك؛ لحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذَّبِّ عنها، وجمع له ما حفظه اثنا عشر عَلَماً من علماء الأمة في البصرة، والكوفة والحجاز (2) ، حتى أصبح متميزاً من بين خاصة أهل الحديث وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه" (3) . تخصص يحيى بن معين بمعرفة الرجال حتى إذا اختلف أساطين العلم رجعوا إليه كما ورد عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل (4) . وجَنَّد نفسه من نعومة أظفاره وأفنى حياته وما يملك حتى توفاه الله - عز وجل - في خدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورث عن أبيه "ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه" (5) وكان يقول: "كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال أحمد - راوي الخبر -: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف، وستمائة ألف" (6) .
ورحل كثيراً في طلب الحديث، وكان صبوراً على طلب العلم، فهذا مظفر بن مُدْرِك الخراساني نزيل بغداد - ثقة متقن، كان لا يُحَدِّث إلا عن ثقة ت 207هـ- كان أول من جاء إليه مع الإمام أحمد، ولم يحدِّثهم سنة شيئاً، فعدّوا الأيام، فلما تمت السنة جاؤوا فحدَّثهم" ومنه تعلم صنعة الحديث ومعرفة الرجال (1) . وكان حريصاً على سؤال بعض الشيوخ الكبار في أول لقائه بهم والتعرف عليهم، فحينما قدم حران مع الإمام أحمد للقاء عبد الله بن محمد النفيلي - ثقة حافظ ت 234هـ- سأله وهو يعانقه قال: "يا أبا جعفر. قرأت على معقل ابن عبيد الله عن عطاء (أدنى وقت الحائض اليوم؟) فقال له أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد - لو جلست؟ قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه" (2) . وكان يقول: "كتبت بيدي ألف ألف حديث، وكل حديث لا يوجد ها هنا - وأشار بيده إلى الأسفاط - فهو كذب" (3) . ورغم هذا الكم الهائل من الحديث كان كما يقول ابن سعد: " ... وكان لا يكاد يحدث" (4) . ولعل السبب في ذلك ما ذكره أبو زرعة: "لم ينتفع بيحيى؛ لأنه كان يتكلم في الناس" (5) .
وقد اعتنى بمعرفة الرجال وأحوالهم، حتى إن الحافظ الذهبي عَدَّه من الذين تكلموا في أكثر الرواة (1) ، وصنفه ضمن المتعنتين في الجرح والمتثبتين في التعديل، يغمز الواحد منهم الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه، ثم وصف هذا القسم وأصحابه بأنه "إذا وَثَّقَ شخصاً فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه، ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحُسن أقرب. وابن معين وأبو حاتم، والجوزجاني: متعنتون" (2) . وبسبب كثرة السائلين له عن الرجال تعدَّدت أقواله واختلفت، يقول الحافظ السخاوي: "يحيى بن معين وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ، ومن ثَمَّ اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما اختلف اجتهاد الفقهاء، وصارت لهم الأقوال والوجوه، فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال" (3) .
ولمعالجة هذه الظاهرة عند ابن معين كان هذا البحث محاولةً للوصول إلى طرق يوفق فيها وتجمع أقواله المختلفة، والخطوات التي ينبغي سلوكها لمعرفتها والتثبت منها، وكذلك تمييزها والوصول إلى نتائج مبنية على قواعد النقاد ومسالك بحثهم، وبالله التوفيق.
نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت فيهم أقوال ابن معين محمد بن إسحاق: لعل أكثر الرواة الذين تعددت فيهم أقوال ابن معين واختلفت هو محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي مولاهم المدني إمام المغازي (ت 150هـ) (1) . الذي قال عنه الخطيب: "احتجَّ بروايته في الأحكام قوم من أهل العلو وصَدَفَ عنها آخرون" (2) . وقال عنه الحافظ الذهبي: "فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسنُ الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً. وقد احتج به أئمة؛ فالله أعلم" (3) . أقوال ابن معين في ابن إسحاق: 1- سأله الدوري: "أيما أحبّ إليك: موسى بن عبيدة الرَّبَذِي - ضعيف ولاسيما في عبد الله بن دينار - أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق، محمد بن إسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة" (4) . 2- وقال في روايته عنه أيضاً: "محمد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة" (5) ، وعقَّبَ على ذلك ابن سيِّد النّاس بقوله: "وأما قول يحيى: ثقة
وليس بحجة. فيكفينا التوثيق، ولو لم يُقبل إلا مثل العمري - عبيد الله بن عمر - ومالك لقلَّ المقبولون" (1) . 3- وقال الدوري: " سمعت يحيى يقول: لا تتشبث بشيء مما يحدثك به ابن إسحاق؛ فإن ابن إسحاق ليس هو بقوي في الحديث. فقال رجل ليحيى: يصح أن ابن إسحاق كان يرى القدر؟ قال: نعم كان يرى القدر" (2) . 4- وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن عمرو أحب إليّ من محمد بن إسحاق" (3) . 5- وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: ليث بن سعد أثبت في يزيد بن أبي حبيب من محمد ابن إسحاق" (4) . 6- وقال الدوري: "محمد بن عبد الله بن أخي الزهري أحبُّ إليّ من محمد بن إسحاق في الزهري" (5) . 7- وقال الدوري: "سمعت يحيى يقول: محمد بن عجلان أحب إليّ من محمد بن عمرو، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن إسحاق" (6) . وفي رواية العقيلي من طريق الدوري بلفظ: " ... محمد بن عجلان أوثق من محمد بن عمرو، ولم يكونوا يكتبون حديث محمد بن عمرو، حتى
اشتهاها أصحاب الإسناد فكتبوها، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن إسحاق" (1) . 8- وقال في رواية الدارمي: "ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن الزهري" (2) . 9- وقال أبو زرعة الدمشقي: "قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس، وذكر قوماً آخرين" (3) . 10- وقال المفضل بن غسان الغلابي: "سألت ابن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: كان ثقة، وكان حسن الحديث. فقلت: إنهم يزعمون أنه رأى سعيد بن المسيب. فقال: إنه لقديم" (4) . 11- وقال أيضاً في رواية الغلابي: "ابن إسحاق ثبت في الحديث" (5) . 12- وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة: " محمد بن إسحاق ليس به بأس" (6) .
13- وقال في رواية أخرى عنه: "ليس بذاك، ضعيف" (1) . 14- وقال في رواية أخرى عنه: "محمد بن إسحاق عندي سقيم، ليس بالقوي" (2) . 15- وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت يحيى وقيل له أيما أحب إليك موسى ابن عبيدة الرَّبَذي أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق" (3) . 16- وقال أيضاً: وسمعت يحيى يقول: "لم يزل الناس يتقون حديث محمد ابن إسحاق" (4) . 17- قال يعقوب بن شيبة: "سألت يحيى بن معين قلت: كيف محمد بن إسحاق عندك؟ قال: ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه وضعّفه، ولم يضعّفه جداً. فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقاً" (5) . 18- قال الميموني: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف" (6) . 19- وقال في رواية محمد بن عبيد الله الزهري: "محمد بن إسحاق ليس بذاك" (7) .
- قال أحمد بن محمد بن القاسم بن مُحْرِز وسمعت يحيى وقيل له: "أيما أكثر محمد بن إسحاق أو محمد بن عمرو؟ قال: محمد بن عمرو أحب إليّ منه، وأهل المدينة لا يرون أن يحدثوا عن ابن إسحاق، وذلك أنه كان قدرياً" (1) . 21- قال إسحاق بن منصور: "سئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو ومحمد بن إسحاق أيهما يقدم؟ فقال: محمد بن عمرو" (2) . 22- وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: "قال يحيى بن معين: الليث بن سعد الفَهْمي -ثقة ثبت فقيه إمام مشهور (ت 175هـ) - عندي أرفع من محمد بن إسحاق. قلت له: فالليث أو مالك؟ قال لي: مالك" (3) . 23- وقال الليث بن عَبْدَة المروزي نزيل مصر: "سمعت يحيى بن معين يقول: الليث أرفع عندي من محمد بن إسحاق" (4) . 24- وقال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق؟ فقال: ما أحب أن احتج به في الفرائض" (5) . وعقب ابنُ سَيِّد النَّاس على قول ابن معين فقال: "وأما قول يحيى: ما أحب أن احتج به في الفرائض، فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمه الله - قوله ... أما في المغازي وأشباهها فيكتب، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا - ومدّ يده وضمّ أصابعه - على أن المعروف
عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقاً أو عدمه من غير تفصيل" (1) . رواية ابن معين لأقوال بعض شيوخه في محمد بن إسحاق: قال أحمد بن أبي خيثمة: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة - ثقة عالم بالمغازي (ت بعد120هـ) -: لا يزال في الناس عِلْمٌ ما عاش محمد بن إسحاق" (2) . قال أحمد بن الدورقي: "حَدَّثني يحيى بن معين عن يحيى القطان- ثقة متقن حافظ إمام قدوة (ت 198هـ) - أنه كان لا يرضى ابن إسحاق، ولا يروي عنه" (3) . وقال أحمد بن الدورقي أيضاً: "قال يحيى بن معين: محمد بن عمرو - صدوق له أوهام (ت 145 هـ) - روى عنه يحيى القطان، وقال: هو أحب إليّ من محمد بن إسحاق" (4) . معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق ومروياته وسماعاته: 1- قال ابن محرز: " سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت لمحمد بن إسحاق شيخين أقدم من هذين: أبي سلمة بن عبد الرحمن - الزهري ثقة مكثر (ت 94هـ) - وسالم بن عبد الله - بن عمر بن الخطاب أحد الفقهاء السبعة كان ثبتاً عابداً فاضلاً (ت 106هـ) - " (5) .
2- قال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرمة" (1) . 3- قال أحمد بن زهير: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مات سنة 152هـ" (2) . 4- قال عباس الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: لم نسمع من عبد الله بن دينار، عن أنس إلا الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق يعني حديث الرويبضة. وعقب عليه ابن عدي برواياته له من طريق ابن إسحاق فقال: حدثناه أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن دينار عن أنس قيل: يا رسول الله، ما الرويبضة؟ قال: الفاسق يتكلم في أمر العامَّة" (3) .
5- قال الدوري: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً" (1) . 6- وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً، ولم يسمع حديث ابن عباس في البكر، وهو حديث ليس له أصل" (2) . 7- وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم نسمع عن عبد الله بن دينار عن أنس الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق عن عبد الله بن دينار عن أنس" (3) . 8- وقال أيضاً: سمعت يحيى يقول: "قد سمع محمد بن إسحاق عن أبان ابن عثمان، وسمع من عطاء، وسمع عن أبي سلمة عن عبد الرحمن، وسمع أيضاً من القاسم بن محمد" (4) . 9- وقال أيضاً: "وسمع من مكحول، وسمع من عبد الرحمن بن الأسود" (5) .
تصنيف الأقوال وتحليلها ومحاولة الوصول إلى الحكم المناسب له: أولاً: بعد جمع الأقوال المختلفة لابن معين في ابن إسحاق، والتي يمكننا أن نصنفها حسب التقويم التالي: 1- الأقوال التي تنطق بالتوثيق والتعديل، وكذا التليين والتضعيف والتوسط في ذلك. 2- الأقوال التي تُعَدُّ من قبيل التعديل النسبي وضده. 3- الأقوال التي نقلها عن شيوخه وبخاصة بعض أئمة النقد منهم كالقطان مثلاً. 4- الأقوال التي تدل على معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق كسماعاته عن بعض الشيوخ وطبيعة - نوعية - المرويات عنهم، إلى غير ذلك مما يساعد على إعطائه التصور المتكامل عنه. أقوال ابن معين في توثيق ابن إسحاق: 1- (الدوري) - صدوق ولكنه ليس بحجه. 2- (الدوري) - ثقة ولكنه ليس بحجة. 3- (أبو زرعة الدمشقي) - ثقة، إنما الحجة فلان.... 12- (ابن أبي خيثمة) - ليس به بأس. 11- (الغلابي) - ثبت في الحديث. أقوال ابن معين في تضعيف ابن إسحاق: 13- (ابن أبي خيثمة) - ليس بذاك، ضعيف. 14- (ابن أبي خيثمة) – سقيم، ليس بالقوي. 18- (الميموني) - ضعيف.
أقوال ابن معين التي توسط فيها في ابن إسحاق: 10- (الغلابي) - ثقة حسن الحديث. 19- (محمد بن عبيد الزهري) - ليس بذاك - أي القوي. 8- (الدارمي) - ليس به بأس - وهو ضعيف الحديث عن الزهري. 3- (الدوري) - ليس هو بقوي في الحديث. 17- (يعقوب بن شيبة) - ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه، وضعفه ولم يضعّفْه جداً، كان صدوقاً. 24- (الفلاس المخرمي) - ما أحب أن احتج به في الفرائض. التحليل: بدراسة أقوال ابن معين المختلفة في ابن إسحاق، نجدها تتفق في بعض الروايات عنه في عدم العلو به إلى التوثيق العالي الذي عبر عنه بقوله: "ليس بحجة" وتتراوح بين قوله: "ثقة ولكنه ليس بحجة"، "ثقة إنما الحجة فلان ... "، "صدوق ولكنه ليس بحجة". وأيضاً رواية الغلابي البغدادي: "ثبت في الحديث" حيث وافق فيها روايتي الدوري البغدادي صاحبه وملازمه، والدمشقي، وكذلك مع رواية ابن أبي خيثمة: "ليس به بأس" التي هي عنده توازي الثقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اتفق ابن أبي خيثمة، والميموني وكلامها بغدادي على قوله: (ضعيف، سقيم ليس بالقوي، ليس بذاك، ضعيف) وابن أبي خيثمة شارك بالرواية عن ابن معين - مَنْ وثَّقه حيث قال: "ليس به بأس". ولعل رواية الميموني في حالة خاصة، أو رواية عناها ونقلها عنه الميموني. ولعل القول الذي يقترب من رأيه المتوازن الذي استغرق في وصفه وفصل بين
التوثيق والتضعيف هو الذي نقله عنه ابن شيبة: "ليس هو عندي بذاك" - أي القوي - ولم يثبِّتْه - وضعفه، ولكن استدرك على ذلك بقوله - ولم يضعفه جداً، ثم أقره على صدقه - والله أعلم -. ويستأنس له بالأقوال الأخرى - أي الزهري، والغلابي، والدوري -. وأما في عدم روايته له والاحتجاج به في الفرائض فقد دافع عنه ابن سيد الناس، وهذا مذهب من يرى التشدد فيها وفي الأحكام وبيّن الخطيب البغدادي أن بعض الأئمة احتج بروايته في الأحكام وتوقف، أو لم يحتج بها البعض، لذا يرى الحافظ الذهبي وغيره أن حديثه (حسن) والله أعلم. ثانياً: التأمل في تعديله وتليينه النسبي: قارن ابن معين ابن إسحاق ببعض الرواة الآخرين الذين يقاربونه في الطبقة والمشاركة معه في الرواية. فقد فَضَّل عليه الليث بن سعد في الرواية عن يزيد بن أبي حبيب، وكذلك قدَّم عليه ابن أخي الزهري في الرواية عن الزهري، وكذلك فضل عليه محمد بن عمرو الليثي المدني في الرواية، وكذلك الإمام مالك. ومن جهة أخرى فضل ابن إسحاق على موسى بن عبيدة الرّبذِي. وعلق على هذا التوثيق النسبي الإمام أبو الوليد الباجي حيث قال: "وقد روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بُحجّة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبذي أيهما أحبّ إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنَّه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الرَّبذيّ " (1) .
المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاض من أقوال ابن معين المختلفة
المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاض من أقوال ابن معين المختلفة ... المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاظ من أقوال ابن معين المختلفة. ونظراً لما تميز به الإمام الناقد يحيى بن معين من بين الأئمة الآخرين بكثرة أقواله واختلافها في طائفة كبيرة من الرواة؛ حاول بعض الحفاظ من المحدِّثين أن يجمعوا ويوفقوا بين أقواله المختلفة، ويسوّغوا اجتهاداته تلك، وقد يصرح البعض أحياناً بالتوقف حتى تتبين له القرائن أو الدلائل لترجيح أحد قوليه أو أقواله. وهذه طائفة منهم: 1- أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي (ت 385هـ) : الحافظ الناقد أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي (ت 385هـ) ، حيث حاول في كتابه (المختلف فيهم) ، أن يوفق ويجمع، وهذه نماذج لمحاولاته: 1- عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي الزاهد (1) . نقل في (المختلف فيهم) عن ابن معين أنه قال: "وما ذكره إلا بخير" (2) وفي (الثقات) : "ليس به بأس" (3) . وفي رواية المفضل بن غسان قال: "ليس بشيء". قال ابن شاهين: "هذا القول من يحيى بن معين يوجب التوقف في أبي ثوبان؛ لأن سكوته عن اطراحه وتوثيقه لا يقضي على تضعيفه أنه إذا كان كذلك لم يذكر في الصحيح".
2- وقال في عثمان بن عمير أبي اليقظان الكوفي البجلي الأعمى (1) . الذي نقل عنه في رواية عباس الدوري: "ليس حديثه بشيء" (2) ، وقال عنه في رواية إسحاق: "إنه صالح" (3) . هذا الخلاف في عثمان عن يحيى وحده يوجب التوقف فيه حتى يعينه عليه آخر فيكون أحد كلامي يحيى معه والعمل فيه على ذلك" (4) . 3- وقال في عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي أبو صفوان المدني (5) : الذي نقل عنه في رواية يزيد بن الهيثم (ثقة ت 284هـ) : "ليس به بأس" (6) ، وقال في رواية جعفر بن أبي عثمان (ت 282هـ) - وكان مشهوراً بالثقة والإتقان - "ضعيف" (7) . وهذا الخلاف في عطاف يوجب التوقف، وليحيى فيه قولان، وهو عندي إلى قوله: "إنه ليس به" بأس أقرب وقد وافقه على ذلك أحمد بن حنبل ولأحاديث عن نافع ولا أعلم أتى بها غيره ... " (8) .
ويؤيد قوله رواية الدارمي عن ابن معين قوله: "ثقة" (1) . وأحيانا يرجح تعديل ابن معين على تجريحه لبعض الرواة إذا كان موافقاً لتوثيق بعض النقاد الآخرين أو أحدهم، فمثلاً: 4- قال في عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (2) الذي نقل فيه ابن شاهين قول ابن معين: "ضعيف الحديث" (3) . وقال فيه في رواية ابن أبي خيثمة "ليس به بأس" (4) . وهذا الخلاف يرجع فيه إلى قول أحمد بن حنبل: "قال فيه: صالح ثقة إن شاء الله" (5) ؛ لأن يحيى بن معين قال فيه قولين أحدهما موافق لقول أحمد، فالرجوع إلى قول أحمد ويحيى في أحد قوليه أولى من الرجوع إلى قول يحيى وحده في قول قد قال غيره - والله أعلم - ومع ذلك فقد روى عنه رجلان جليلان أحدهما: هشيم والآخر أبو عوانة. وانظر: كذلك قوله في عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني (6) إذ عدله أحمد، ووافقه ابن معين في أحد قوليه حيث قال فيه: "ثقة"، وقال: "ليس بشيء" (7) .
وكذلك قوله في الفضل بن العلاء أبو العباس، أبو العلاء الكوفي نزيل البصرة (1) حيث وافق أحد قوليه وهو: "لا بأس به" قول علي بن المديني الذي وثقه (2) . 5- وقال في النعمان بن راشد الجزري أبو إسحاق الرَّقي (3) بعد ذكره قولي يحيى بن معين فيه: "ثقة" و "ليس بشيء" (4) وقال أيضاً: "مضطرب الحديث ليس بشيء" وفي رواية ابن الجنيد عن ابن معين: "ضعيف الحديث. قلت: ضعيف فيما روى عن الزهري وحده؟ قال: في الزهري وغيره هو ضعيف الحديث" (5) : "وهذا الكلام من يحيى بن معين في النعمان بن راشد مختلف، فإن وافقه على أحد قوليه واحد كان القول قوله في أحدهما، وإلا فهو موقوف عن الصحيح؛ لأن الجرح أولى من التعديل" (6) . وكذا قوله في النهاس بن قهم القيسي أبو الخطاب البصري -ضعيف (7) - حيث قال بعد أن نقل قولي ابن معين: "ليس هو بشيء" و "وليس به بأس" (8) . واستدل ابن معين بقول محمد بن أبي عدي: "لا يساوي النهاس بن قهم شيئاً".
قال ابن شاهين: "وهذا الكلام من يحيى في النهاس قد أعانه في أحد قوليه محمد بن أبي عدي، وهو أقدم من يحيى بن معين، فإذا كان معه في أحد قوليه غيره كان القول قوله في الذي أعانه عليه والله أعلم" (1) . 2- أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطبي الحافظ (ت474هـ) : بيَّن الحافظ أبو الوليد الباجي مقصد الأئمة النقاد في ألفاظهم - ومنهم يحيى ابن معين - فقال في (باب الجرح والتعديل) : "واعلم أنه قد يقول المُعَدِّل: فلان ثقة، ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه، ويقول: فلان لا بأس به، ويريد أنه يحتج بحديثه، وإنما ذلك حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل في دينه المتوسط حديثه، فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره. وقد يُسأل عنه على غير هذا الوجه، فيقول: لا بأس به. فإذا قيل: أهو ثقة؟ قال: الثقة غير هذا.... وضرب مثالاً على ذلك بقول عبد الرحمن بن مهدي وقد سئل عن أبي خلدة - خالد بن دينار صدوق من الخامسة - أكان ثقة؟ فقال: كان خياراً، وكان مسلماً، وكان صدوقاً، الثقة شعبة وسفيان. وإنما أراد عبد الرحمن التناهي في الإمامة.... ولم يُرد أن يُبلغه مبلغ غيره ممن هو أتقن منه وأحفظ وأثبت، وذهب إلى أن يُبيّن أن درجته دون ذلك، ولذلك قال: كان خياراً، كان صدوقاً، وهذا معنى الثقة، إذا جمع الصدق والخير مع الإسلام" (2) . ثم ضرب بعض الأمثلة الأخرى على ذلك منها: "وقد
روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبَذِي أيهما أحب إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الربذي....." (1) . ووصف الحافظ ابن حجر كلام أبي الوليد الباجي هذا بقوله: "قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه" (2) . 3- الحافظ الزركشي (ت 794هـ) : ومن الحفاظ وعلماء الحديث المتأخرين الذين حاولوا معرفة اختلاف أقوال النقاد المختلفة والموازنة بينها، سواء عند ابن معين أو غيره: الحافظ الزركشي (ت 794هـ) حيث قال حين شرح قول ابن الصلاح: "إذا اجتمع في شخص واحد جرح وتعديل: " فيه أمور ... السادس: هذا فيما إذا تعارضا من قائلين، فأما إذا تعارضا من قائل واحد فلم أر من تعرض له، وهذا يتفق ليحيى بن معين وغيره، يُروى عنه تضعيف الرجل مرة وتوثيقه أخرى، وكذا ابن حبان يذكره في الثقات مرة ويدخله في الضعفاء أخرى. قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في المدخل: وهذا لأنه قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتاً ما ينكره قلبه، فيخرج جوابه على حسب الفكرة التي في قلبه، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر، فيجيب عما يعرفه في الوقت عنه. قال: وليس ذلك بتناقض ولا إحالة، ولكنه صدر
عن حالين مختلفين، عرض أحدهما في وقت والآخر في غيره". قلت: - القائل هو الزركشي - والظاهر في هذه الحالة، أنه إن ثبت تأخر أحد القولين عن الآخر فهو المعمول به، وإلا وجب التوقف كما سبق" (1) . 4- الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) : نبه الحافظ ابن حجر على منهج ابن معين واختلاف أقواله في الرواة في أكثر من موضع من ذلك قوله في أبي بَلْج - بفتح أوله وسكون اللام بعدها جيم - الفزاري الكوفي ثم الواسطي (2) : "وقد وثقه يحيى بن معين والنسائي..... ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه ضعفه. فإن ثبت ذلك فقد يكون سئل عنه وعمّن هو فوقه، فضعفه بالنسبة إليه. وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه، نبه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه "رجال البخاري" ويحتمل أن يكون ابن معين ضعفه من قبل رأيه، فإنه منسوب إلى التشيع. ولأجل هذا بالغ أبو إسحاق الجوزجاني فيه - كعادته في الحط على الشيعة - وتبعه أبو الفتح الأزدي...." (3) . وعقب على ذلك الحافظ السخاوي بقوله: "وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من الاختلاف في كلام أئمة الجرح والتعديل، فينبغي لهذا حكاية أقوال أهل الجرح والتعديل؛ ليتبين ما لعله خفي على كثير من الناس، وقد يكون الاختلاف للتغير في الاجتهاد" (4) .
وقال في ترجمة هُدْبة بن خالد القيسي (1) : "وقرأت بخط الذهبي: قوَّاه النسائي مرة وضعفه أخرى. قلت: لعله ضعفه في شيء خاص، وقد أكثر عنه مسلم، ولم يخرج عنه البخاري سوى أحاديث يسيرة من روايته عن همام" (2) . وعقب على ذلك العلامة ظفر أحمد العثماني (ت 1349هـ) بقوله: "قلت: وإذا اختلف قول الناقد في رجل فضعفه مرة وقواه أخرى، فالذي يدل عليه صنيع الحافظ أن الترجيح للتعديل، ويحمل الجرح على شيء بعينه" (3) . وأختم هذا المبحث بقول الحافظ السخاوي:"أما إذا كانا من قائل واحد كما يتفق لابن معين وغيره من أئمة النقد، فهذا قد لا يكون تناقضاً بل نسبياً في أحدهما، أو ناشئاً عن تغير اجتهاد، وحينئذ فلا ينضبط بأمر كليٍّ، وإن قال بعض المتأخرين: إن الظاهر أن المعمول به المتأخر منهما إن علم وإلا وجب التوقف" (4) .
المبحث السادس: الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرواة
المبحث السادس: الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرواة. أولاً: التثبت من صحة نسبة القول إلى يحيى بن معين: وذلك لوجود بعض الأقوال المنسوبة له في بعض الرواة ولا تصح، ومن ذلك: 1 - العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي أبو شبل المدني (1) تعددت أقوال ابن معين فيه: 1- قال فيه (من رواية أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة ت 279هـ) : "ليس بذاك، لم يزل الناس يَتَوَقَّون حديثه" (2) . 2- وفي رواية (عباس الدوري ت 271هـ) : "ليس حديثه بحجة، وهو وسهيل قريب من السَّواء" (3) . 3- وفي رواية له: "فلم يُقوِّ أمَرَهما" (4) . 4- وفي رواية (عبد الله بن أحمد ت 290هـ) : "مضطرب الحديث، ليس حديثه بحجة" (5) .
5- وفي رواية (الدارمي ت 280هـ) : "ليس به بأس. قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقبري؟ فقال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف" (1) . قال الحافظ ابن حجر: "يعني بالنسبة إليه يعني كأنه لما قال: أوثق خشي أنه يظن أنه يشاركه في هذه الصفة وقال: إنه ضعيف" (2) . 6- وفي رواية (عبد الله الدورقي ت 276 هـ) : "ليس بالقوي" (3) . 7- وفي رواية (ابن طهمان ت 284هـ) : "صالح الحديث" (4) . 8- وذكر ابن الأعرابي عن عباس الدوري قال: "سُئِل يحيى - يعني ابن معين - عن حديث سهيل والعلاء وابن عقيل وعاصم بن عبيد الله؟ فقال: عاصم وابن عقيل أضعف الأربعة، وليس حديثهم بالحُجَّة، أو قريباً من هذا الكلام تكلّم به يحيى، ومحمد بن عمرو أكبر من هؤلاء الأربعة، وليس حديثهم بحُجَّة" (5) . 9- وهنالك رواية أخرى رواها ابن الجوزي في الموضوعات بإسناده إلى أبي داود السجستاني (ت 275هـ) أنه قال: " سمعت يحيى بن معين يقول: وسئل عن العلاء بن عبد الرحمن، فقال: أحسن أحواله عندي أنه قيل له عند موته: ألا تستغفر الله؟ فقال: أرجو لي وقد وضعت في فضل علي سبعين حديثاً" (6) . وهذه الرواية غير صحيحه ولا يُسَلَّم بها، وذلك للأسباب التالية:
1- العلاء لم يثبت عنه روايته لحديث موضوع فكيف بوضعه لسبعين حديثاً بفضل علي رضي الله عنه؟ 2- شهادة الحافظ الذهبي - وهو من أهل الاستقراء التام بالرجال - إذ قال: "قلت لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، لكن يتجنب ما أنكر عليه" (1) . ومن أغرب ما أتى به عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً "إذ انتَصَفَ شعبان فلا تصوموا.. " (2) . وقد وثقه الإمام أحمد بروايتي ابنه وأبي داود (3) . 3- أخرج له مسلم والأربعة (د ت س ق) وأحمد ومالك والدارمي (338) حديثاً، منها (70) حديثاً من حديث المشاهير. قال الحافظ ابن حجر: "أخرج له مسلم من حديث المشاهير دون الشواذ" (4) . 4- أدنى ما قال فيه ابن معين: "ليس بالقوي" و "ليس حديثه بحجة". 5- يستأنس بما رواه أبو دواد نفسه عن شيخه أحمد حيث وثقه. 6- لم يتهم بالتشيع من قبل أحد النقاد أو أهل العلم.
7- لم يذكر ابن الجوزي شيئاً من ذلك في ترجمته في كتاب (الضعفاء) وإنما اكتفى بقول الإمام أحمد: "لم يسمع أحداً ذكره بسوء" وذكر قولَيْ ابن معين: "ليس حديثه بحجة مضطرب الحديث.."، وقوله: "ليس بالقوي" وختم ترجمته بقول ابن عدي: "ما أرى بحديثه بأساً" (1) . وعليه ربما وهم الحافظ ابن الجوزي في هذا - والله أعلم -. 2 داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي (2) : أحد رجال الصحيحين المتقنين والعباد الورعين، ومن الذين وثقوه يحيى بن معين حيث قال عنه في روايتي إسحاق بن منصور، والدارمي: "ثقة" (3) . ولما ذكره ابن خلفون (ت 636هـ) في (الثقات) قال: "ذكر أبو عبد الله الحاكم أن يحيى بن معين قال: داود بن عبد الرحمن العطار ضعيف" ثم عقب ابن خلفون على ذلك بقوله: "وهو ثقة، قاله أبو بكر البزار وغيره" (4) . ونفى ذلك الحاكم نفسه حيث نقل عنه الذهبي أنه قال: "والشيخان لم يُخْرجا عنه إلا بعد أن تَيَقَّنا أنه حجة؛ احتجا به في موضعين" (5) . وأكد ذلك الحاكم حيث ذكره في كتابه (تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم) .... في
المتفق عليه من حرف الدال (1) . ولذلك قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لقول الحاكم: "قلت: لم يصح عن ابن معين تضعيفه" (2) . ثانياً: التثبت من صحة اسم الراوي المقصود في نقد ابن معين: لاشك أن ابن معين من الأئمة النقاد الذين كَثُرَتْ أقوالهم وتعددت في الرواة، كما أن الرواة الذين تناولهم بالجرح والتعديل جم غفير، وقد يحصل منه الوهم في بعض الرواة. فقد روى الخطيب بسنده إلى عباس بن محمد الدوري (ت 271هـ) أنه قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: قد روى مالك ابن أنس عن شيخ له، يقال له عبد الملك بن قُرَيْب وهو الأصمعي، ولكن في كتاب مالك بن عبد الملك بن قُرَير وهو خطأ إنما هُو الأصمعي" (3) . قال الشيخ أبو بكر: "قد غلط ابن معين في هذا القول غلطاً ظاهراً وأخطأ خطأً فاحشاً، وحديث مالك صحيح، رواه عنه كافة أصحابه وساقه في موطأه عن عبد الملك بن قُرَير عن محمد بن سيرين، ويُرى أن الوهم دخل فيه على يحيى لاتفاق الاسمين وتقارب الأبوين - أعني: من عبد الملك بن قُرير، وعبد الملك ابن قريب - ". ثم روى بسنده إلى الدوري أنه قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت الأصمعي يقول: سمع مني مالك بن أنس (4) فلما صح سماع يحيى هذا من الأصمعي واسمه عبد الملك بن قُرَيب، وانتهت إليه رواية مالك عن عبد الملك
ابن قُرَير ظنه الأصمعي فقضى على مالك بالخطأ وألزمه الوهم. ولو أمعن يحيى النظر لعلم أن الأصمعي، لا يروي عن محمد بن سيرين، وعبد الملك بن قُرير الذي روى عنه مالك هو: العبدي أخو عبد العزيز بن قُرير من أهل البصرة، ولا أعلم روى عن عبد الملك غير مالك، وأما عبد العزيز فروى عنه سفيان الثوري وعَطّاف بن خالد وهو يروي عن الأحنف بن قيس وعن محمد ابن سيرين أيضاً " (1) . ثالثاً: التثبت من النقل الصحيح عن ابن معين: قد يقع الوهم في أسماء متشابهة فينقل الرواة عن ابن معين التوثيق وهو في الحقيقة قال فيهم التضعيف، أو ينفي قوله؛ فمثلاً: الراوي الأول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيّاش، ابن أبي ربيعة المخزومي، أبو هاشم أو هشام المدني (2) . الراوي الثاني: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، أبو هاشم أو هشام المدني أخو أبي بكر (3) . الراوي الثالث: المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي المدني (4) . قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الأول: "قال عباس الدوري عن ابن معين: ثقة. وقال الآجري: قلت لأبي داود: إن عباساً حكى عن ابن معين أنه
ضعف مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ووثق المخزومي. فقال: غلط عباس. قال أبو داود: المخزومي ضعيف" (1) . وروى الدوري عن ابن معين أنه قال في الراوي الأول: "ثقة" (2) . وقال الآجري عن أبي داود: "ضعيف. قال: فقلت له: إن عباساً حكى عن يحيى أنه ضَعَّفَ الحزامي ووثق المخزومي. فقال: غلط عباس" (3) . وروى ابن أبي حاتم قال: "قرئ على العباس بن محمد عن ابن معين أنه قال: مغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ثقة" (4) . وقال ابن محرز: "سألت يحيى عن المغيرة بن عبد الرحمن المدني المخزومي فقال: ليس به بأس، ليس بصاحب أبي الزناد " (5) . وعقَّبَ المزيّ في ترجمة الثاني بعد ذكره لرواية ابن أبي حاتم بقوله: "هكذا ذكره ابن أبي حاتم في هذه الترجمة وتبعه على ذلك أبو القاسم (ابن عساكر) ، ووهما في ذلك، إنما الذي وثقهُ عبّاس الدوري عن يحيى بن معين: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وقد ذكرنا ذلك في ترجمته، وذكرنا إنكار أبي داود على عباس الدوري ذلك، وأنه نسبه إلى الغلط ويؤيد ذلك قول معاوية بن صالح: لم يعرفه يحيى بن معين. والله أعلم" (6) .
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك: الراوي الأول: محمد بن ثابت بن أسلم البناني البصري (1) . الراوي الثاني: محمد بن ثابت العبدي أبو عبد الله البصري (2) . قال ابن معين - في رواية معاوية بن صالح - في الراوي الأول: "ليس بشيء" (3) ، وكذا في رواية الدوري (4) . وفي رواية أخرى عنه: "هو صالح الحديث" (5) . وفي رواية ابن أبي خيثمة: "ليس بقوي، كان عفان يقول: محمد بن ثابت البناني رجل صدوق في نفسه ولكنه ضعيف الحديث" (6) . وعقَّبَ الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: "كذا ذكره ابن أبي حاتم والذي في تاريخ ابن أبي خيثمة هذه القصة عن محمد بن ثابت العبدي والله أعلم" (7) . وقال ابن معين في العبدي (الراوي الثاني) في رواية الدوري: "ليس بشيء" (8) ، وفي رواية الدارمي: "ليس به بأس" (9) ، وفي رواية ابن طهمان:
"ضعيف" (1) ، وفي رواية ابن محرز: "ليس بذاك القوي" (2) ، وفي رواية معاوية ابن صالح: "ليس به بأس، ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم" (3) . وقال عباس الدوري عن ابن معين: "محمد بن ثابت الذي يحدث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم بصري، وهو ضعيف. قلت ليحيى: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط" (4) . رابعاً: ألا يصدر قوله على سبيل المزاح: الإمام ابن معين من النقاد الذين يَتَّسِمون بالورع ومخافة الله، إضافةً إلى العلم، حتى إن الخطيب وصفه بقوله: "كان إماما ربّانيا عالماً حافظا ثَبتاً متقناً" (5) . ولا يقول قوله في الراوي إلا بعد التثبت والتحرِّي، حتى إن هارون ابن بشير الرازي يصف حاله ونقده للرواة وشدة تحريه وتثبته بقوله: "رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم إن كنتُ تكلمتُ في رجل وليس هو عندي كذاباً فلا تغفر لي" (6) . لذلك قال أبو حاتم الرازي (ت 277هـ) : "إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب" (7) .
ومع شدة ورعه ودقته وشهرته عند أهل الحديث وغيرهم كان يمزح مع بعض النقاد والحفاظ أحياناً، وقد ينقد ويجرح ولا يريد حقيقة النقد؛ فقد روى الخطيب بسنده: أن أحمد بن حنبل وابن معين وعلي بن المديني كانوا عند عفان أو سليمان بن حرب، فأتى بصك فشهدوا فيه، وكتب يحيى فيه "شهد يحيى بن أبي علي، وقال عفان لهم: أما أنت يا أحمد فضعيف في إبراهيم ابن سعد، وأما أنت يا علي فضعيف في حماد بن زيد، وأما أنت يا يحيى فضعيف في ابن المبارك. قال: فسكت أحمد وعلي: وقال يحيى: وأما أنت يا عفان فضعيف في شعبة. قال الخطيب: قلت: لم يكن واحد منهم ضعيفاً، وإنما جرى هذا الكلام بينهم على سبيل المزاح" (1) . وفي: شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبو بدر الكوفي (ت 204هـ) (2) . روى الخطيب بسنده إلى المروزي وحنبل بن إسحاق أن الإمام أحمد قال: "كنت مع يحيى بن معين فلقي أبا بدر فقال له: اتق الله يا شيخ وانظر هذه الأحاديث لا يكون ابنك يعطيك. قال أبو عبد الله: فاستحييت وتنحيت ناحية، فبلغني أنه قال: إن كنت كاذباً ففعل الله بك وفعل. قال أبو عبد الله: وكان أبو بدر شجاعاً شيخاً صالحاً صدوقاً كتبنا عنه قديماً. قال: ولقيه يحيى ابن معين يوماً فقال له: يا كذاب، فقال له الشيخ: إن كنت كاذباً فهتكك الله. قال أبو عبد الله: فأظن دعوة الشيخ أدركته" (3) .
قال الحافظ ابن حجر: "فكأنه كان مازحه فما احتمل المزاح" (1) . ولعل الحافظ استدل على ذلك بتوثيق ابن معين نفسه في روايات ابن أبي خيثمة، وعبد الخالق بن منصور، والدوري للشيخ حيث قال عنه: "ثقة" (2) . خامساً: يجب التثبت من عدم وقوع التصحيف في مصطلحي (لا بأس به) و (ليس بشيء) : فمثلاً: عيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشن الغطفاني (ت في حدود 150هـ) (3) . فقد أورده ابن شاهين في (المختلف فيهم) وذكر أن ابن معين قال عنه في رواية يزيد بن الهيثم - ثقة (ت 284هـ) -: "ثقة وأبوه ثقة" (4) ، وفي رواية عباس الدوري: "أنه ثقة" (5) ، وروى أيضاً فيه عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء" (6) . ثم قال: "ويحتمل أن يكون القول فيه قول أحمد بن حنبل - قال فيه: ليس به بأس، صالح الحديث - وأحد قولي يحيى بن معين؛ لأن يحيى قد
وثقه في رواية، وضعفه في أخرى" (1) . والصواب: "لا بأس به" لذا قال الحافظ الذهبي: "وثقه ابن معين ... " (2) . سادساً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس بشيء) ولا يريد بها الراوي، بل: أحاديثه قليلة: قال الحافظ ابن حجر - في ترجمة عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري- (3) : "وثقه ابن معين في رواية ابن الجنيد وغيره، وقال في رواية ابن أبي خيثمة عنه (ليس بشيء) ، وقال أبو حاتم: مستوى الحديث ثقة، ووثقه العجلي وابن البرقي والنسائي، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ. قلت: احتج به الجماعة وذكر ابن القطان الفاسي (ت 628هـ) أن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات: "ليس بشيء"، يعني أن أحاديثه قليلة جداً" (4) . وعبد العزيز بن المختار له في الكتب الستة (41) حديثاً و (6) أحاديث في مسند أحمد. وأما قول ابن معين فهو كما ذكر الحافظ: "ثقة" رواه عنه ابن الجنيد، وإسحاق بن منصور، والدوري (5) .
ولذلك يتساءل الذهبي عن رواية ابن أبي خيثمة فيقول: "وما عرفت سبب قول ابن معين فيما سمعه يقول أحمد بن زهير: "ليس بشيء" (1) . ونعته في الكاشف بأنه: "ثقة مكثر" (2) . وقول الحافظ الذهبي يتناقض مع قول ابن القطان في هذا الراوي الذي يؤيده تخريج أصحاب الكتب الستة له (41) حديثاً؛ وأكد السخاوي ذلك حيث نقل عن ابن القطان مراد ابن معين بـ"ليس بشيء": "إنما يريد أنه لم يرو حديثاً كثيراً" (3) . ويرى الشيخ عبد الفتاح أبي غدة - رحمه الله -: أن "هذا القصد في عبارة ابن معين الظاهر أنه غيرُ مطّرد فقد جاء قوله: (ليس بشيء، ولاشيء) في مواطن عديدة من كلامه مراداً به تضعيف الراوي لا بيان قلة أحاديثه، وإليك بعض تلك المواطن ... " وذكر (31) شاهداً ثم جزم بهذا المراد (4) . أقول: لا مانع إذا أراد ابن معين بعض الرواة بهذا المعنى الذي ذكره ابن القطان والله أعلم. سابعاً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس هذا بشيء) ولا يريد الراوي بل الحديث: فمثلاً قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عبد المتعال بن طالب الأنصاري،
أبو محمد البغدادي - أصله من بلخ (1) -: "شيخ بغدادي وثقه أبو زرعة ويعقوب بن شيبة وغيرهما، وأورده ابن عدي في الكامل، ونقل عثمان الدارمي أنه سأل يحيى بن معين عن حديث هذا عن ابن وهب فقال: ليس هذا بشيء. قلت: وهذا ليس بصريح في تضعيفه؛ لاحتمال أن يكون أراد الحديث نفسه، ويقوي هذا أن عثمان هذا سأل ابن معين عن عبد المتعال فقال: ثقة، وكذا قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين" (2) . أما رواية عبد الخالق عنه فقد وثَّقه (3) ، وفي رواية ابن مُحرز قال عنه: "هو المسكين لا بأس به" (4) ، وأما في رواية الدارمي فقال: "ثقة" (5) . قال الدارمي: " قلت ليحيى: ثنا عبد المتعال عن ابن وهب عن عمرو عن إسماعيل ابن أبي خالد عن صلة عن خباب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل ثلاثة، فقال: ليس هذا بشيء" (6) . وعقَّب الحافظ على الحديث بقوله: "وهذا أمر محتمل لا يوجب تضعيف هذا الرجل" (7) . قال ابن عدي: "وهذا الذي ذكره في هذه الحكاية أن ابن
وهب رواه عن عمرو بن الحارث عن إسماعيل بن أبي خالد، لم يروه ابن وهب هذا عن عمرو، وإنما رواه عن مسلمة بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد ومسلمة ضعيف، وعمرو ثقة" (1) . والحديث رواه ابن وهب قال: أخبرني مسلمة بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن صلة بن زفر عن خباب بن الأرت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيل ثلاث، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان" (2) ، وهذا يقوي احتمال الحافظ ابن حجر - والله أعلم -. وتُعَدُّ الخطوات السابقة احترازية للتثبت والتحقق في وقوع أقوال ابن معين في الرواة، وأما إذا ثبتت وتحققت في الراوي فيتم التعامل معها وفق معايير وقرائن أخرى. ثامناً: إذا وردت أقوال ابن معين المختلفة في الراوي الواحد في وقت أو أوقات مختلفة وعن نفس راوي أقواله في ذلك الراوي المتكلم فيه، فالقول المعول عليه الأخير منها: زكريا بن منظور بن ثعلبة، ويقال: زكريا بن يحيى بن منظور القُرَظي أبو يحيى المدني (3) . قال ابن معين - في رواية الدوري -: "ليس بشيء" قال مرة: "فراجعته
فيه مراراً فزعم أنه: ليس بشيء" قال: "وكان طفيلياً" (1) . قال: "كان زكريا بن منظور قد وَلي القضاء فقضى على حماد البربري، فلذلك حمله هارون إلى الرقة بذاك السبب، ليس بثقة" (2) . وقال الدوري: "سئل يحيى عن زكريا بن منظور فقال: ليس به بأس. فقلت: قد سألتك عنه مرة، فلم أرك فيه جَيِّد الرأي، أو نحو هذا من الكلام. فقال: ليس به بأس وإنما كان فيه شيء؛ زعموا أنه كان طفيلياً" (3) . ويؤيد قوله الأخير قوله في رواية الدارمي: "قلت: فزكريا بن منظور كيف حديثه؟ فقال: ليس به بأس" (4) . إلا أن ابن شاهين يرى التوقف فيه حيث قال: "وهذا الخلاف في زكريا يوجب التوقف؛ لأن يحيى ذَمَّهُ فروجع فيه فذمه وقال: هو طفيلي، والطفيلي الذي لا يبالي من أين كان مطعمه؟ ومن كانت هذه صورته في المطعم خفت ألا يكون مأموناً في العلم، وقد مدحه أحمد بن صالح فيوجب الوقف فيه إن شاء الله" (5) . وكذلك يرى الخطيب البغدادي أن يحيى بن معين قد اختلف قوله فيه (6) .
وسرد الذهبي أقواله فيه حيث عبر بنقله عن رواية الدوري عنه: "ليس بشيء. وقال مرات: ليس به بأس. وبعد أن ذكر رواية معاوية بن صالح عنه: ليس بثقة. وروايتي أحمد بن محمد بن محرز وأبي داود: ضعيف. جاء بأقوال الدوري عنه وآخرها ليس به بأس...." (1) . فلعله يرى ذلك آخر أقوال ابن معين وأرجحها فيه - والله أعلم -.
تاسعاً: قد ينفرد أحد الرواة برواية القول السابق لابن معين في راوٍ يخالفه فيه الرواة الآخرون: وبخاصة البغاددة منهم الملازمون له، بينما الراوي للقول الأول صحبه مبكراً ثم استقر في بلده بعيداً عنه. فمثلاً: عثمان بن عُمَيْر، ويقال: ابن قيس والصواب أن قيساً جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حُميد أيضاً البَجلي، أبو اليقظان الكوفي الأعمى (ت في حدود 150هـ) (1) . انفرد الدارمي عن بقية الرواة عن يحيى بن معين بتعديل هذا الراوي حيث قال: "ليس به بأس" (2) وأما الروايات الأخرى التي نقلت أقوال ابن معين الأخرى في هذا الراوي فهي: 1- قال في رواية الدوري: "ليس حديثه بشيء" (3) . 2- وقال في موضعين من رواية ابن الجنيد: "ليس بذاك" وعقّب في الموضع الثاني بقوله: "كأنه ضعفه" (4) . 3- وكذا في رواية عبد الله الدورقي قال: "أبو اليقظان عثمان بن عمير ليس بذاك" (5) . (1) ضعيف واختلط وكان يدلّس ويغلو في التشيع (د ت ق) ، التقريب رقم (4507) ، وقال الذهبي: "ويقال إنه بقي إلى بعد الأربعين ومائة وأنا أستبعد ذلك؛ لأنه لو تأخر لحمل عنه مثل وكيع وأبي معاوية " تاريخ الإسلام ص220 وفيات (141-160هـ) .
ولعل قول ابن معين الذي رواه الدارمي عنه كان قديماً ثم رأى تضعيفه، ويدل على ذلك: 1- إجماع النقاد على تضعيفه؛ نقل ذلك أبو أحمد الحاكم (ت 378هـ) حيث قال: "ليس بالقوي عندهم" (1) ، وقال ابن عبد البر (ت 462هـ) : "كلهم ضعفه" (2) . وقال الذهبي (ت 742هـ) : "ضعفوه" (3) . وختم ابن عدي (ت 365هـ) ترجمته بقوله: "وعثمان بن عمير أبو اليقظان هذا رديء المذهب، غالٍ في التشيُّع يؤمن بالرجعة. على أن الثقات قد رووا عنه، وله غير ما ذكرت، ويكتب حديثه على ضعفه" (4) . 2- يرى أ. د. أحمد محمد نور سيف محقق تاريخ الدارمي والذي عاش فترة من حياته - بارك الله فيها - في تحقيق تراث ابن معين، أن رواية الدارمي أقدم من رواية الدوري وابن أبي خيثمة وابن الجنيد والغلابي (5) ، وعليه فالرأي الراجح لابن معين في عثمان بن عمير هو ما رواه ابن الجنيد والدورقي، والله أعلم. عاشراً: إذا اختلفت أقوال الرواة عن ابن معين في الراوي المتكلم فيه فيرجح قول البغداديين عنه في ذلك الراوي: لأنهم أكثر ملازمة له من غيرهم، فيعرفون أقواله السابقة واللاحقة في
الرواة، فمثلاً: عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أويس المدني قريب مالك وصهره (ت177هـ) (1) . 1- قال عنه في رواية الدارمي (ت 280هـ بهراة) وهي من الروايات المتقدمة على غيرها: "ضعيف الحديث" (2) . 2- وقال في رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة الحافظ المسند (ت 297هـ) كان مقيماً بالكوفة ثم انتقل إلى بغداد 273هـ (3) : "سمعت يحيى ابن معين وذُكِرَ له أبو أويس المدني فقال: كان ضعيفاً" (4) . 3- وقال في رواية معاوية بن صالح الأشعريّ مولاهم الدمشقي (ت 263هـ) الحافظ الإمام المجوِّد - كذا نعته الذهبي وقال: "رحل وعني بهذا الشأن وسأل يحيى بن معين عن الرجال"- (5) : "أبو أويس ضعيف مثل فُليح" وفي موضع آخر: "أبو أويس وابنه ضعيفان" (6) . 4- وفي رواية ابن أبي حاتم عن أبيه عن معاوية عن يحيى: "ليس بثقة" (7) . 5، 6- وفيما رواه ابن عدي موافقة معاوية للدوري، قال ابن عدي:
"حدثنا ابن أبي بكر وابن حماد قالا: ثنا عباس سمعت يحيى يقول: وثنا ابن حماد، ثنا معاوية عن يحيى قال: أبو أويس "صدوق وليس بحجة" وهو دون الدراوردي وهو مثل فليح "في حديثه ضعف" زاد ابن أبي بكر وابن أخي ابن شهاب: أمثل من أبي أويس، وفي موضع آخر أبو أويس "ثقة"، زاد ابن حماد في موضع آخر: "أبو أويس وابنه ضعيفان" " (1) . 7- ونقل المزي قولاً آخر لمعاوية بن صالح عن ابن معين عنه وهو: "ليس بقوي" (2) . وقال في رواية ابن الجنيد الخُتّلي - بغدادي استوطن سُرّ من رأى ثقة (ت 260هـ) ، وقال عنه الخطيب: "له سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه"- (3) : "ضعيف الحديث" (4) . وقال في رواية عبد الله بن شعيب الصابوني (5) : "قرأ على يحيى بن معين: أبو أويس ضعيف الحديث" (6) . 8- وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة - زهير بن حرب (ت 279هـ) ثقة متقن حافظ -: "سمعت يحيى بن معين يقول: أبو أويس صالح، ولكن حديثه ليس بذاك الجائز" (7) . "وسمعت يحيى بن معين مرة يقول: أبو أويس المديني ضعيف الحديث
9- "وسئل مرة أخرى فقال: ليس بشيء" (1) . "وسمعت يحيى بن معين مرة أخرى يقول: أبو أويس ثقة" (2) . 10 - وقال أيضاً: "ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث" (3) . 11- وقال أيضاً: " أبو أويس لا يساوي شيئاً" (4) . 12- وقال أيضاً: "أبو أويس ما يساوي نواة وابنه إسماعيل ليس بصاحب حديث" (5) . 13- وقال في رواية ابن الغلابي المفضل بن غسان بن المفضل البصري الأصل - سكن بغداد وحدث بها ثقة (ت 256هـ) -: "أبو أويس المديني ليس به بأس" (6) . 14- وقال في رواية الدوري، عباس بن محمد بن حاتم البغدادي أبو الفضل - ثقة حافظ (ت 271هـ) (7) -: "ثقة"، وقال أيضاً: "صدوق وليس بحجة"، وقال: "أبو أويس مثل فُليحْ، وفي حديثه ضعف" (8) . 15- وما نقله الذهبي عنه فيه: "صالح الحديث" (9) .
وخلاصة أقوال ابن معين فيه هي: 1- "ضعيف الحديث". 2- "كان ضعيفاً". 3- "ضعيف مثل فُليح". 4- "ليس بثقة". 5- "صدوق وليس بحجة وهو دون الدراوردي". 6- "ثقة". 7- "ليس بقوي". 8- "صالح ولكن حديثه ليس بذاك الجائز". 9- "ليس بشيء". 10- "يسرق الحديث". 11- "ليس به بأس". 12- "في حديثه ضعف". 13- "لا يساوي شيئاً". 14- "ما يساوي نواة". 15- "صالح الحديث". وتتضح من خلالها صورة الاختلاف والتناقض، لذا ذهب عدد من النقاد والحفاظ إلى القول باختلاف رأي ابن معين فيه: 1- فقال محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) في ترجمة أبي أويس: "وكان يحيى بن معين يوثقه مَرّة ويُضَعِّفه أخرى" (1) . 2- وذكر ابن شاهين (ت 385هـ) عبد الله بن عبد الله أبو أويس في
الضعفاء حيث نقل فيه قول ابن معين: "ضعيف" وكذا ذكره في الثقات نقلاً عن ابن معين: "ثقة" (1) . 3- وقال ابن عبد البر في ترجمته: "اضطرب فيه قول ابن معين ... " وذكر أقواله فيه ... ثم قال: "وهذا من ابن معين رحمه الله تساهل في الغيبة. وقد روى عنه أنه قيل له: ما وجه كلامك في أبي أويس؟ فقال: روى عن ابن شهاب حديث المجامع في رمضان " (2) فقال فيه: ويقضي يوماً مكانه، ولم يقل ذلك مالك في هذا الحديث، وكان سماعه وسماع مالك من الزهري في وقت واحد. قال أبو عمر: " وأبو أويس لا يحكي عنه أحد جرحة في دينه وأمانته، وإنما عابوه لسوء حفظه وأنه يُخالف في حديثه" (3) . 4- وأشار الذهبي (ت 748هـ) إلى اختلاف يحيى فيه فقال: "قال يحيى مرة: ليس بثقة. وقال مرة: لا بأس به. وقال مرة: صدوق، وليس بحجة". ثم ختم أقواله بـ: "وقال ابن معين أيضاً: هو مثل فُليح، في حديثه ضَعْف. وهو دون الدراوردي، وليس بحجة؛ هذه رواية معاوية عن ابن معين" (4) . 5- وكذا السخاوي (ت 902هـ) حيث قال: "ووثقه ابن معين مرة
وضعفه أخرى، وجمع بينهما بقوله صدوق وليس بحجة" (1) . ولعل أرجح الأقوال ما تتبعه فيها عباس الدوري، حيث روى عنه أقواله فيه: "ثقة"، "صدوق وليس بحجة"، "مثل فُليح - صدوق كثير الخطأ - وفي حديثه ضعف"، ويوافقه في بعض أقواله ابن أبي خيثمة حيث روى عنه فيه: "ثقة"، "صالح ولكنه ليس بذاك الجائز". وتؤيدهما رواية الغلابي عنه فيه: "ليس به بأس" ويؤيد ذلك اختيار الحافظ الذهبي حيث ذكره في "من تكلم فيه وهو موثق" واختار قول ابن معين فيه: "صالح الحديث" (2) ، إضافة إلى قول ابن عبد البر السابق، وما ترجح عند أبي زرعة: "صالح صدوق كأنه لين" (3) . وما ذهب إليه ابن عدي حيث قال بعد ذكره بعض الأحاديث التي انتقدها عليه: "ولأبي أويس غير ما ذكرت من الحديث، وفي أحاديثه ما يصح ويوافقه الثقات عليه، وفيها ما لا يوافقه عليه أحد وهو ممن يكتب حديثه" (4) . وقال أبو أحمد الحاكم: "يخالف في بعض حديثه" (5) . وقال الخليلي: "منهم من رضي حفظه، ومنهم من يضعفه وهو مقارب الأمر ... " (6) . وخرَّج أبو عوانة حديثه في صحيحه، وكذلك الحاكم وأبو علي الطوسي، والدارمي (7) .
ولعل أنسب الأقوال فيه قول الحافظ ابن حجر: "صدوق يهم" (1) والله أعلم. وذهب أ. د. أحمد محمد نور سيف إلى أن: "النقول تشير إلى أنه كان سيئ الرأي فيه ثم حسن الرأي فيه؛ وذلك لأن البغداديين من الرواة نقل بعضهم عنه توثيقه فقط كالدوري، وابن الغلابي، ونقل ابن أبي خيثمة ذلك عنه كما نقل عنه تضعيفه، ونقل غيرهم تضعيفه فقط، والبغداديون أكثر ملازمة له، وبخاصة الدوري مما يشير إلى أن الرأي الأخير ليحيى فيه حسن، والله أعلم" (2) . وذكر الأستاذ نور سيف أيضاً أهمية أقوال ابن معين التي يرويها البغداديون: "نظراً لأنهم وقفوا على رأيه الأخير في بعض الرواة الذين تختلف فيهم أقوال يحيى؛ ولذا فمن الأهمية أن يؤخذ بقولهم عند الاتفاق على راوٍ في رأي يخالفهم فيه غيرهم" (3) . حادي عشر: يحمل قول ابن معين في توثيق بعض الرواة وتعديلهم على شهادته بدين الراوي لا روايته: فمثلاً: صالح بن بشير بن وادع المري، أبو بشر البصري القاص الزاهد (ت 172هـ) (4) . قال عنه في رواية جعفر بن أبي عثمان - ثقة ثبت (ت: 282هـ) -:
"صالح المري كان قاصاً، وكان كل حديث يحدث به عن ثابت باطل" (1) . وقال في روايات ابن مُحْرِز البغدادي ومحمد الصغاني - ثقة ثبت (ت 270هـ) - والدقاق بن الهيثم (ت 284هـ) : "ليس بشيء" وزاد الدقاق: "قاصٌّ" (2) ، وقال في روايات الغلابي - ثقة (ت 256هـ) -ومحمد بن أبي شيبة - الحافظ المفيد (ت 297هـ) -، ومعاوية الدمشقي (ت 263هـ) -: "ضعيف"، وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة - ثقة متقن (ت 279هـ) -: "ضعيف الحديث" (3) . وقال عنه في رواية عبد الله الدورقي - ثقة (ت 276هـ) -: "صالح المري ضعيف أو قال: ليس بشيء" (4) . وقال في رواية عباس الدوري: "رأيت يحيى بن معين ليس له في صالح المري كبير رأي" (5) . وقال أيضاً في رواية أخرى للدوري: "صالح المري ليس به بأس" (6) . ومن خلال أقوال النقاد الآخرين نجد أنهم قد أجمعوا على تضعيف
صالح المري القاص في الحديث وروايته، وأثنوا على دينه وعبادته وخشيته من الله، وبخاصة في وعظه وتذكيره. لذلك قال أبو حفص ابن شاهين البغدادي (ت 385هـ) بعد أن أورد توثيق ابن معين له وتضعيفه في (الثقات) و (الضعفاء) و (المختلف فيهم) : "وهذا الكلام من يحيى بن معين في صالح المري يحتمل أن يكون وصف صلاحه وديانته ووعظه؛ وذلك أنه كان قاصّاً، ولم يكن يعرف صحيح الحديث من سقيمه، وما رأيت أحداً مدحه بالثقة، والله أعلم بالحق فيما هو" (1) . وقال ابن حبان (ت 354هـ) : "كان يحيى بن معين شديد الحمل عليه" (2) وقال الخطيب (ت 463هـ) بعد روايته لقوله عن طريق الدوري: "ليس به بأس": "روى غيره عن يحيى سوء القول في صالح" (3) . وقال الذهبي بعد نقله رواية الدوري عن ابن معين: "لكن روى خمسة عن يحيى جرحه" (4) . وقال في تاريخ الإسلام: "قلت: روى خمسةٌ عن يحيى تليين صالح المُريّ، وما في ضَعْفه نزاع، إنما الخلاف هل يُترك حديثه أو لا" (5) . ومما قيل فيه قول أبي حاتم الرازي (ت 277هـ) : "منكر الحديث
يكتب حديثه، وكان من المتعبدين، ولم يكن في الحديث بذاك القوي" (1) . وقول ابن عدي (ت365هـ) : "قاص حسن الصوت، عامة أحاديثه منكرة، أُتي مِنْ قلة معرفته بالأسانيد، وعندي أنه لا يتعمد" (2) .
الخاتمة
الخاتمة 1- ضرورة الجمع الشامل لألفاظ الجرح والتعديل الخاصة بأئمة النقد من المصادر المطبوعة والمخطوطة وتصنيفها وتوثيق نسبتها لكل واحد منهم. 2- اختيار بعض طلاب مرحلة الدكتوراه المتميّزين لدراسة الأقوال المختلفة في الراوي الواحد لكل ناقد على حدة، ومحاولة التوفيق بين المتعارض منها على ضوء أقوالهم وقواعدهم التي اصطلحوا عليها أو المستنبطة من خلال البحث والدراسة. 3- لا تعارض بين أقوال ابن معين المختلفة في الراوي، وذلك إذا ما جمعت عن رواة أقواله كافة، وما ظاهرها التعارض، فهي تمثل اجتهاداته في أولئك الرواة بعد ثبوت عدالتهم وتوثيقهم أو العكس، أو يكون قد خص طائفة من الرواة بحكمين يمثل الأول حالة خاصة به، والثاني وصفه العام في جميع مروياته الأخرى. 4- ضرورة الاستعانة – أحيانا – بمرويات الراوي المتكلم فيه والموازنة بينها وبين الروايات الأخرى المتماثلة، وتنزيلها على أقوال ابن معين فيه، ومن ثم الخروج بالقول المناسب وحالة ذلك الراوي.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع البحث 1- الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى - ليوسف بن عبد الله بن عبد البر - تحقيق عبد الله مرحول السوالمة - (رسالة دكتوراه) . 2- أسماء شيوخ مالك بن أنس الأصبحي - لابن خلفون محمد بن إسماعيل - تحقيق عبد الرحمن بن ضرار - وضياء بن محمد الأنصاري - وزارة العدل والشؤون الإسلامية - البحرين – 1419هـ. 3- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال - لعلاء الدين مغلطاي بن قليج - تحقيق عادل بن محمد وأسامة بن إبراهيم - مكتبة نزار الباز - مكة المكرمة – 1422هـ. 4- بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم - ليوسف بن حسن ابن عبد الهادي - تحقيق وتعليق الدكتور وصي الله عباس - دار الراية - الرياض - الطبعة الأولى – 1409هـ. 5- بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام - لأبي الحسن علي ابن محمد بن القطان - دراسة وتحقيق الدكتور الحسين آيت سعيد - دار طيبة - الرياض – 1418هـ. 6- تاريخ أسماء الثقات - لأبي حفص عمر بن شاهين - تحقيق صبحي السامرائي - الدار السلفية - الكويت - الطبعة الأولى – 1404هـ. 7- تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين - لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين - تحقيق الدكتور عبد الرحيم القشقري – 1409هـ.
8- تاريخ بغداد - لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي - طبعة الخانجي - القاهرة - تصوير المكتبة السلفية. 9- تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن معين - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - دار المأمون للتراث - دمشق – 1400هـ. 10- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة - لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي - تحقيق أسعد طرابزوني - القاهرة – 1399هـ. 11- تذكرة الحفاظ - لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1374هـ. 12- تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما - لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم - تحقيق كمال يوسف الحوت - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت – 1407هـ. 13- التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح - لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي - تحقيق الدكتور أبو لبابة حسين - دار اللواء - الرياض - الطبعة الأولى – 1406هـ. 14- تقريب التهذيب - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق محمد عوامة - دار الرشيد - حلب - الطبعة الثانية – 1408هـ. 15- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر - تحقيق سعيد أحمد إعراب وآخرين - وزارة الأوقاف - المغرب.
16- تهذيب التهذيب - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - عناية إبراهيم الزيبق وعادل المرشد - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى – 1416هـ. 17- تهذيب الكمال - لأبي الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي - تحقيق الدكتور بشار بن عواد معروف - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى – 1418هـ. 18- الثقات - لأبي حاتم محمد بن حبان البستي - طبع بمجلس دائرة المعارف العثمانية - تصوير دار الفكر - بيروت - الطبعة الأولى – 1393هـ. 19- الجامع - لمحمد بن عيسى الترمذي - تحقيق الشيخ أحمد شاكر وآخرين - طباعة مصطفى البابي الحلبي. 20- الجرح والتعديل - لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي - تحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي - دار الكتب العلمية - بيروت. 21- ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق محمد شكور بن محمود المياديني - مكتبة المنار - الزرقاء - الطبعة الأولى – 1406هـ. 22- ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - دار القرآن الكريم - بيروت – 1400هـ. 23- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل - لمحمد عبد الحي اللكنوي - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - بيروت - الطبعة الثالثة – 1407هـ. 24- سؤالات ابن الجنيد إبراهيم بن عبد الله ليحيى بن معين - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - مكتبة الدار – 1408هـ.
25- سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم - تحقيق الدكتور زياد منصور - مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة – 1414هـ. 26- سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي (ضمن أبي زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية) - الأستاذ الدكتور سعدي الهاشمي - طباعة الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة. 27- سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني - دراسة وتحقيق الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر - مكتبة المعارف - الرياض - الطبعة الأولى – 1404هـ. 28- سنن ابن ماجه - لمحمد بن يزيد القزويني - عناية محمد فؤاد عبد الباقي - طباعة عيسى الحلبي - القاهرة - 1964م. 29- سنن أبي داود - لسليمان بن الأشعث السجستاني - دار إحياء السنة النبوية. 30- السنن الكبرى - لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي - حيدر أباد الدكن - الهند – 1346هـ. 31- سير أعلام النبلاء - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق شعيب الأرناؤوط وحسين الأسد وآخرين - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثامنة – 1412هـ. 32- صحيح البخاري - لمحمد بن إسماعيل البخاري - المكتبة السلفية - القاهرة. 33- صحيح مسلم - لمسلم بن الحجاج النيسابوري - عناية محمد فؤاد عبد الباقي - طباعة عيسى الحلبي - 1955م.
34- الضعفاء - لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي - تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى – 1404هـ. 35- الضعفاء والمتروكين - لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي البغدادي - تحقيق عبد الله قاضي - دار الكتب العلمية - بيروت. 36- طبقات الحنابلة - لمحمد بن أبي يعلى الفراء - أنصار السنة المحمدية - القاهرة – 1952هـ. 37- الطبقات الكبرى - لمحمد بن سعد - تحقيق الدكتور علي محمد عمر - طباعة الخانجي – 1421هـ. 38- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين - لتقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكي – 1387هـ. 39- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير - لمحمد بن سيد الناس اليعمري - تحقيق الدكتور محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو - دار التراث - المدينة المنورة – 1413هـ. 40- قواعد في علوم الحديث - لظفر أحمد العثماني - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - الرياض - الطبعة الخامسة – 1404هـ. 41- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - لأبي عبد الله محمد ابن أحمد الذهبي - تحقيق محمد عوامة وزميله - دار القبلة - جدة - الطبعة الأولى – 1413هـ. 42- الكامل في ضعفاء الرجال - لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني - تحقيق الدكتور سهيل زكار - دار الفكر - بيروت - الطبعة الثالثة – 1409هـ.
43- الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث - لبرهان الدين الحلبي - تحقيق السيد صبحي السامرائي - وزارة الأوقاف - بغداد. 44- المتفق والمفترق - لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي - تحقيق الدكتور محمد صادق الحامدي - دار القادري – 1417هـ. 45- المتكلمون في الرجال - لمحمد عبد الرحمن السخاوي - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - بيروت - الطبعة الثالثة – 1400هـ. 46- المجروحين من المحدثين - لمحمد بن حبان البستي - تحقيق محمود إبراهيم - دار الوعي - حلب. 47- مختصر الكامل في الضعفاء وعلل الحديث - لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي - تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي - مكتبة السنة - القاهرة - الطبعة الأولى – 1415هـ. 48- المختلف فيهم - لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين - تحقيق الدكتور عبد الرحيم القشقري - مكتبة الرشد – 1420هـ. 49- المسند - للإمام أحمد بن حنبل - المكتب الإسلامي - دار صادر - بيروت. 50- مسند الدارمي - لعبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي - طباعة السيد عبد الله هاشم يماني - 1966م. 51- المصنف - لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة - الدار السلفية - الهند. 52- المعجم الأوسط - لسليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق محمد حسن الشافعي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1420هـ. 53- المعجم الكبير - لسليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي - مطبعة الأمة - بغداد - 1978م.
54- المغني في الضعفاء - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق أبي الزهراء حازم القاضي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى – 1418هـ. 55- من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال رواية أبي خالد يزيد بن الهيثم الدقاق - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - دار المأمون للتراث - دمشق – 1400هـ. 56- المنتخب من الإرشاد في معرفة علماء الحديث - للخليل بن عبد الله ابن أحمد الخليلي القزويني - تحقيق الدكتور محمد سعيد بن عمر أدرسي - مكتبة الرشد – 1409هـ. 57- الموطأ - لمالك بن أنس - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة. 58- ميزان الاعتدال في نقد الرجال - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق علي بن محمد البجاوي - دار المعرفة - بيروت – 1382هـ. 59- هدى الساري مقدمة فتح الباري - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - عناية محب الدين الخطيب - رئاسة البحوث العلمية - الرياض.