اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه
أبو العباس القرطبي
خدمة السنة النبوية سلسلة مؤلفات الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب (1) اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ - رحمه الله تعالى - تحقيق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب [المجلد الأول]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة سلسلة مؤلفات الْأُسْتَاذ الدكتور رفعت فوزي عبد الْمطلب (1) اخْتِصَار صَحِيح البُخَارِيّ وَبَيَان غَرِيبه [1]
دار النوادر المؤسس والمالك نور الدين طالب مؤسسة ثقافية علمية تُعنى بالتراث العربي والإسلامي والدارسات الأكاديمية والجامعية المتخصصة بالعلوم الشرعية واللغوية والإنسانية تأسست في دمشق سنة 1422 هـ - 2002 م، وأشهرت سنة 1426 هـ - 2006 م. سوريا - دمشق - الحلبوني ص. ب: 34306 الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م E-mail: [email protected] Website: www.daralnawader.com
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد للَّه رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام. وصلى اللَّه تعالى، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان أجمعين، وإلى يوم الدين. وبعد فهذا "مختصر صحيح البخاري"؛ لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي وقبل أن نُعَرِّف بهذا الكتاب ومنهج أبي العباس فيه نقدم ترجمتين موجزتين للإمام البخاري، صاحب "الصحيح"، وأبي العباس صاحب "المختصر": * ترجمة الإمام البخاري: إذا كانت هناك صفات ينبغي أن تتوافر في أئمة الحديث ونقاده، وأهمها: 1 - حفظهم للحديث، صحيحه وسقيمه، وتمييز هذا من ذاك. 2 - أنهم من العلماء والفقهاء بالسنن والآثار. 3 - أن لهم معرفة واسعة برواة الآثار، معرفة تمكنهم من الحكم عليهم
ومعرفة العدول منهم من المجرحين. 4 - توافر التقوى فيهم والورع والزهد وطهارة الخلق وصفاء النفس. 5 - أنهم من الذين يجهرون بالحق، لا يخافون في اللَّه لومة لائم عند السلطان أو المنحرفين عن الدين من ذوي البدع. 6 - أنهم أصحاب عقل سديد، ومنطق حسن، وبراعة في الفهم (¬1). إذا كان الأمر كذلك فقد توافر بحمد اللَّه في الإمام محمد بن إسماعيل أبي عبد اللَّه البخاري (194 - 256 هـ) كل هذا، كما تترجم عنه السطور التالية من حياته: 1 - حفظ الإمام البخاري القرآن الكريم كله، وشيئًا من الحديث النبوي الشريف ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وبعدها خرج إلى شيوخ الحديث، يكتب عنهم، ويسمع منهم. ولم يبلغ الحادية عشرة من عمره، حتى كانت له معرفة بالحديث تمكنه من مراجعة الشيوخ الكبار وبيان أخطائهم. يقول الإمام البخاري مؤرخًا لهذه الفترة من حياته، فيما يرويه عنه وراقه محمد بن أبي حاتم الوراق، قال: سمعت البخاري يقول: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتَّاب. قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك، فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكُتَّاب فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن ¬
أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه، ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام، فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح كتابه، وقال لي: صدقت. قال: فقال له إنسان: ابن كم حين رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة سنة (¬1). 2 - وازدادت معرفة الإمام البخاري بالحديث رواية ودراية؛ يساعده على ذلك ملكته الحافظة، ورحلاته العديدة إلى مدن العالم الإسلامي؛ كي يسمع من شيوخها ويكتب عنهم بعد أن سمع من الشيوخ في موطنه وحفظ ما عندهم من الحديث. وبدأ رحلاته بمكة المكرمة ليلتقي هناك بكثير من العلماء في موسم الحج، ثم رحل بعد ذلك إلى بغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، والشام، وحمص، وعسقلان، ومصر، وبعض هذه البلاد رحل إليه أكثر من مرة، حتى يستقصي ما عند شيوخه من الحديث كتابة وسماعًا. يقول: دخلت إلى الشام، ومصر، والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين (¬2). وكانت له همة عالية وإخلاص وافر في تحصيل العلم وتدوينه، يؤثره على نومه وراحته، فقد روي أنه كان يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه ويكتب ¬
الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، وقد يفعل ذلك قريبًا من عشرين مرة في الليلة الواحدة (¬1). 3 - وكانت نتيجة هذا كله الإلمام الواسع بالأحاديث صحيحها وسقيمها، وبجميع الرواة العدول منهم والمجرحين، فحفظ في سن مبكرة كتب إمامين كبيرين من أئمة الحديث، وهما عبد اللَّه بن المبارك، ووكيع بن الجراح (¬2)، وكان ذلك في السادسة عشرة من عمره، وفي الثامنة عشرة كان قد بلغ درجة من العلم في فقه الصحابة تمكنه من التصنيف فيه. يقول: "لما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء -يعني أصحاب الرأي- فلما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين" (¬3). ويقول مبينًا مدى معرفته بأحاديث الصحابة والتابعين: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكرهم ووفياتهم وأماكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين -يعني من الموقوفات- إلا وله أصل حفظ عن كتاب اللَّه تعالى، وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). 4 - ولم يكن البخاري جمَّاعًا للعلم الكثير دون نظر وتمحيص، وإنما كان ينتقي رجاله، ويستوثق من أحاديثهم؛ يقول: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه، وكنيته، ونسبته، ¬
وحمل الحديث إن كان الرجل فَهِمًا، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلَيَّ أصله، ونسخته، أما الآخرون فلا يبالون بما يكتبون (¬1). 5 - كما أودع ثمرة هذا كله في كتبه المختلفة التي ألفها في علوم الحديث والفقه، ومن أهم هذه المؤلفات: الجامع الصحيح، والمسند الكبير، والأدب المفرد، والتاريخ الصغير، والأوسط والكبير، والتفسير الكبير. والجامع الصحيح، والتاريخ الكبير يدلان دلالة كبيرة على علمه الواسع بالرواية والدراية في علوم الحديث، والأول يدل على علمه بالفقه. و"الجامع الصحيح" وإن لم يحص فيه جميع الأحاديث الصحيحة -كما سنعرف بعد قليل - وإنما انتقى فيه بعضها- أودع فيه مادة تدل على سعة علمه وحفظه. وطبعي أنه لا يمكنه الاختيار والانتقاء، كما فعل في هذا الكتاب إلا إذا كانت عنده مادة حديثية كبيرة تمكنه من الاختيار والموازنة والمقارنة. كما أثبت في هذا الكتاب اتجاهًا فقهيًّا قد يختلف كثيرًا عن الاتجاهات التي سبقته أو عاصرته، كما سنعرف إن شاء اللَّه تعالى. وكتابه "التاريخ" فيه أكثر من اثنتي عشرة ألف ترجمة للرواة (¬2) من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى عصره. 6 - وشهادات أئمة المحدثين له -وما أكثرها- تحمل في طياتها مقدار علم الرجل وسبقه في ميادين علوم الحديث، سماه الإمام مسلم سيد ¬
المحدثين، وطبيب الحديث في علله، ويقول الإمام الترمذي: لم أر أحدًا بالعراق، ولا بخراسان في فهم العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري (¬1). 7 - وقصته مع أهل بغداد تدل سعة علمه، كما تدل على ذكائه وقوة حافظته. لما قدم بغداد اجتمع عليه علماؤها وأرادوا امتحانه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها -يعني جعلوا متن هذا لإسناد ذاك، وإسناد ذاك لمتن هذا- ثم أعطوا كل واحد منهم عشرة أحاديث منها، فألقى عليه الأول العشرة التي عنده، فكان كما ذكر حديثًا قال له البخاري: لا أعرفه، وهكذا حتى انتهى العشرة من سرد ما عندهم، فصار الجهلاء من الحاضرين يحكمون على البخاري في أنفسهم بالعجز والتقصير، وأما العلماء منهم فيقولون: فَهِمَ الرجل. ثم التفت البخاري إلى الأول، فقال له: أما حديثك الأول فصحته كذا، وأما حديثك الثاني فصحته كذا، حتى انتهى من الأحاديث العشرة. ثم التفت إلى الثاني والثالث، وهكذا إلى العاشر، يذكر الحديث المقلوب، ثم يذكر صحته، فلم يجد علماء بغداد بُدًّا من الاعتراف له بالحفظ والتبريز والإحاطة. والعجيب -كما قال ابن حجر- هو سرده للأحاديث على الترتيب الذي ¬
سمعه من المحدثين مرة واحدة. إن هذا ولا شك -كما قدمنا- يدل على حافظة قوية، وبديهة حاضرة، وحفظ متمكن (¬1). 8 - ويزين علم الرجل هذا ورع وتقوى وزهد؛ فتنأى به كلها عن الغرور الذي يفسد بعض العلماء، وعن الانشغال بالدنيا وتسخير العلم لمغرياتها والتكالب عليها، فيتخلق بأخلاق لا تليق بما يحمله من العلم النبوي الشريف. ومن مظاهر هذه في حياة الرجل: (أ) أنه كان لا يشتري لنفسه شيئًا ولا يبيعه، وإنما يوكل في هذا غيره؛ لخوفه من أن ينزلق فيما يغضب اللَّه تعالى، ولو من غير قصد منه، وللنأي بسمعه ولسانه عن السوق، وما يحدث فيه من لغو وباطل، يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه، كنت آمر إنسانًا فيشتري لي، قيل له: ولِمَ؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط (¬2). (ب) وكان له مال كثير ينفق منه سرًّا وجهرًا على طلاب العلم ما يلزمه في ذلك من شراء الورق والرحلة يقول: كنت أستغل في كل شهر خمسمائة درهم فأنفقها في الطلب، وما عند اللَّه خير وأبقى (¬3). وخرج يومًا إلى أحد شيوخه فتأخرت نفقته، فجعل يتناول من خضروات الأرض، ولا يسأل أحدًا شيئًا حتى وصل إليه المال (¬4). ¬
(ج) كان يخشى اللَّه أن يَقْدِمَ إليه وقد أساء إلى أحد من عباده، فأحسن معاملة الخلق وسار فيهم سيرة حسنة. يقول: لا يكون لي خصم يوم القيامة، فقيل له: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ، يقولون: فيه اغتياب الناس، فقال: إنما روينا ذلك رواية، ولم نقله من عند أنفسنا، وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بئس أخو العشيرة"، وقال: ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغِيبَةَ حرام (¬1). (د) وأحسن صلته باللَّه تعالى فكان يدعوه فيستجيب له دعاءه. يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي، فلن أحب أن أدعو بعد، فلعله ينقص من حسناتي. (هـ) وكان يرى أن نفس المرء عبء عليه ينبغي أن يزكيها بالصلاة والركوع للَّه رب العالمين، فعسى الموت أن يفاجئها فلا تجد ما تقدمه يوم الحساب، فكان يقول: اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بَغْتَة كم صحيح رأيت من غير سُقْمٍ ... ذهبت نفسه الصحيحة فَلْتَة ونعى إليه أحد أحبائه فأنشد: إن عشتَ تُفْجَعُ بالأحبة كلِّهم ... وبقاء نفسك لا أَبَالَك أفجع (¬2) (و) ولحرصه على نظافة لسانه من أن تدنسه كلمة قد لا تكون حقًّا كان في نقده للرجال لا يطلق على الكذابين ألفاظًا صريحة تدل على كذبهم، وإنما ¬
* ترجمة أبي العباس القرطبي
يطلق عليهم -في غالب الأحيان- ما يبين حالهم بشيء من الأدب، وبالعبارات المهذبة؛ فكثيرًا ما يقول في الرجل الذي يعرف كذبه: فيه نظر -تركوه- سكتوا عنه، وأصرح ما قاله في رجل: منكر الحديث (¬1). قال ابن حجر: وللبخاري في كلامه على الرجال تَوَقٍّ زائد، وتحرٍّ بليغ، يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل. 9 - وكان يعتز بعلمه، ويرى أنه يجب على كل مستفيد أن يسعى إليه، ويَرِدُ إليه كل طالب يحتاج إليه، حتى لو كان هذا سلطانًا أو أميرًا، فهو لا يخشى في اللَّه ودينه لومة لائم. بعث إليه أمير بُخَارَى يطلب منه أن يحمل إليه كتابي "الجامع الصحيح" و"التاريخ" ليسمعهما منه. فقال الإمام البخاري للرسول: قل له: إني لا أُذِلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضرني في مسجدي، أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس؛ ليكون في عذر عند اللَّه يوم القيامة: أني لا أكتم العلم (¬2). * ترجمة أبي العباس القرطبي: 1 - هو ضياء الدين أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي، وعُرِفَ بابن المزيِّن. ¬
مولده: سنة ثمان وسبعين وخمسمائة على الصحيح. 2 - نشا بالأندلس، ويبدو أن أباه كان من المرتحلين في طلب العلم، فرحل بابنه من الأندلس وهو في سن الصِّغَر، وأسمعه الكثير من الحديث بمكة، والمدينة، والقدس، والإسكندرية، وغيرها من البلدان (¬1). كما يبدو أنه رحل بعد ذلك، فقد قال صاحب شجرة النور الزكية أنه رحل كذلك إلى فاس، وتِلْمِسَان، وسَبْتَة (¬2). 3 - وسمع الشيوخ في هذه البلاد، فلقي بفاس أبا القاسم عبد الرحمن ابن عيسى بن الملجوم الأزدي، وسمع بتلمسان من أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن التُّجِيبي، ومن قاضيها أبي محمد عبد اللَّه بن سليمان بن حوط اللَّه، وبسبتة من عبد الحق بن محمد بن عبد الحق الخزرجي، كما سمع من عبد الحق الأشبيلي صاحب الأحكام المشهورة؛ الكبرى والوسطى، والصغرى. وغيرهم (¬3). 4 - وجمع من كل هؤلاء علومًا كثيرة، وبَرَّزَ فيها. قال ابن فرحون: من أعيان فقهاء المالكية، وكان من الأئمة المشهورين، والعلماء المعروفين، جامعًا لمعرفة علوم؛ منها علم الحديث، والفقه، والعربية، وغير ذلك (¬4). ¬
وقال أيضًا: وكان يشار إليه بالبلاغة والعلم والتقدم في علم الحديث، والفضل التام (¬1). وقال محمد بن محمد مخلوف: الإمام العمدة، العلامة الفقيه، المحدث المتفنن الفهامة (¬2). 5 - وكتبُ الرجل تدل على علمه وذكائه ويقظته: وتجلى لنا ذلك في كتابين عشنا معهما: هذا الكتاب الذي نقدمه اليوم: "مختصر صحيح البخاري". فهو في اختصاره كأنه لم يترك منه شيئًا، بالإضافة إلى خصائص أخرى تزيد على صحيح البخاري -كما سيتبين لنا بعد قليل. وكذلك فعل في "تلخيص صحيح مسلم" الذي حققناه منذ سنوات. وقد نهج فيه منهجًا أتاح له استيعاب ما فيه من متون كما هنا في "مختصر صحيح البخاري" (¬3). كما شرحه في كتابه المشهور "المفهم" الذي أحسن فيه وأجاد، ويدل على علم كثير عنده (¬4). كما له الكثير من المؤلفات غير هذه. ¬
* منهج القرطبي في التلخيص
6 - ولهذا العلم الوفير أخذ عنه الأئمة، منهم أبو عبد اللَّه القرطبي، صاحب التفسير المشهور "أحكام القرآن"، كما أخذ عنه شرف الدين الدمياطي وغيرهما. 7 - وقد انتهى به المطاف إلى الإسكندرية، فنزلها واستوطنها وَدرَّسَ بها (¬1). وتوفي بها سنة 656 هـ (¬2) رحمه اللَّه تعالى رحمة واسعة. * منهج القرطبي في التلخيص: صحيح البخاري له مختصرات عدة، ولكن هذا المختصر يمتاز عنها بأمور عدة: 1 - الاختصار: فهو -في الاختصار- لم يترك شيئًا من متونه إلا ذكره، وذلك بالمنهج الذي سار عليه في اختصار هذا الكتاب. فقد حذف الأسانيد، وحذف المكرر ما أمكنه ذلك. ومعروف أن البخاري يكرر الأحاديث، ويذكر الحديث الواحد في أكثر من موضع لأسباب ليس مجال ذكرها الآن. وأبو العباس القرطبي يختار من هذه الروايات أشملها، ويذكرها فيما هو لائق بها من الأبواب. ¬
ويشير إلى زيادات في بعضها حتى لا يكررها، ويعطي كل ما فيها من معان. ولكنه لا يغفل أن يشير إلى الروايات الأخرى من الصحيح، في الأبواب التي ذكرت فيها. 2 - ومن وجوه الاختصار عنده أنه يجمع بين الحديث وشاهده، ويحيل أحدهما على الآخر. ولا يمنعه الاختصار من التكرار في أبواب أخرى إذا كان الحديث أدخل أيضًا في كتاب آخر وباب آخر. ولكنه لا ينسى أنه مُخْتَصِر، فيذكر من الحديث ما يناسب الباب فقط. 3 - وهو في اختصاره يضع في اعتباره الأحكام التي تضمنتها أحاديث صحيح البخاري. أما ما لا يفيد في ذلك فإنه يتركه. فقد عقد البخاري ترجمة بقوله: "باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". وأتى رواية مجملة فيها إشارة إلى مواضع كان يصلي فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم تذكر تلك الأماكن. ثم أتى بعدها برواية مطولة جدًّا ذكرت تلك الأماكن بالتفصيل (¬1). أتى القرطبي بالرواية الأولى التي أشارت إلى الأماكن ولم يأت بالرواية التي ذكرت هذه الأماكن (¬2). ¬
* تحقيق القرطبي
وقال: "تركت الحديث الطويل في تعيين تلك الأمكنة، إذ يعسر حفظه، مع أنه ليس فيه حكم مهم". * تحقيق القرطبي: 1 - والقرطبي رحمه اللَّه تعالى ليس مختصرًا فقط في هذا الكتاب، وإنما هو محقق ومدقق، فيقابل بين النسخ ليرجح ما هو أقرب إلى الصواب، أو هو الصواب. ففي حديث: من استلج في أهله بيمين -فهو أعظم إثمًا، ليس- يعني الكفارة. علق على جملة: "يعني الكفارة، فقال: وجدنا هذا اللفظ في بعض الأمهات: "تُغْنِي بالتاء المضمومة وبالغين المعجمة، وهذا ليس بشيء، ووجدناه في الأصل المعتمد عليه بالتاء المفتوحة وبالعين المهملة، وعليه علامة أبي محمد الأصيلي، وفيه بُعْد. ووجدناه بالياء باثنتين من تحتها، وهو أقرب. وعند ابن السكن: "يعني ليس بالكفارة" وهذا عندي أشبهها إذا كانت "ليس" استثناء بمعنى إلا، أي: إذا ألجَّ بيمينه كان أعظم، إلا أن يكفّر. واللَّه أعلم (¬1). 2 - وهو يصحح ما يراه خطأ في الرواية، فعند البخاري عن أنس أن ابنة النضر لطمت جارية، فكسرت ثَنِيَّتَها، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بالقصاص (¬2). ¬
هكذا جاء الحديث في البخاري، ونقله القرطبي بأمانة كما هو (¬1)، ثم نبه على الخطأ في هذه الرواية، فقال عقب الحديث: "كذا وقعت الرواية هنا: "ابنة النضر" والصواب: "أخت النضر بن أنس، وهي الرُّبَيِّع ابنة أنس" واللَّه أعلم. وهو في هذا قد تبع مذهب نقل الخطأ في الكتاب كما هو، والتنبيه عليه. وجدير بالذكر أنه قد جاءت روايات في البخاري على الصواب في مواضع أخرى، تارة تصريحًا بأن ابنة النضر هي أخت أنس، أو فهمًا من السياق. وقد نبهنا على ذلك في موضعه. 3 - وهو يقارن بين روايات نسخ البخاري، ويُصَوِّب ويرجح ما يحتاج إلى ذلك. ففي حديث رجم اليهودي واليهودية اللذين زنيا (¬2) جاء فيه: "فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال عقبه: قلت: "يحني" بالحاء رواية الحموي، ويالجيم للسرخسي والكشميهني. وصوابه: "يَجْنأ" بالجيم والهمزة. كما نبه على سقوط كلمة من الرواية: ففي حديث عبد اللَّه بن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى، فأمر أن يدفعه إلى عظيم البحرين. . . الحديث (¬3). ¬
عقب على ذلك بقوله: "كذا وقع هذا الحديث في الأمهات، ولم يذكر فيه "دحية" بعد قوله: "بعث" والصواب إثباته، وقد ذكره البخاري فيما ذكره الكشميهني معلقًا". ولاشك أن السياق يؤيد ما قاله القرطبي؛ لأن الضمير في "أَمَرَهُ"، يعود إلى من بعث معه الكتاب -وهو دحية. 4 - ويرجع إلى النسخ العتيقة، ويقارن بينها وبين غيرها ليخرج بفائدة. ففي حديث عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند أنس بن مالك. . . الحديث (¬1). عقب القرطبي بقوله: "وجدت في بعض نسخ كتاب البخاري، وهي نسخة جيدة عتيقة: "قال أبو عبد اللَّه -أي البخاري- قد رأيت هذا القدح بالبصرة، وشربت فيه، وقد اشتُرِيَ من ميراث النضر بن أنس". 5 - ومن فوائده تعقيبه على حديث رواه البخاري، عن عمران بن ميسرة، عن فضيل قال: حدثنا حصين. ثم حول السند فقال: وحدثني أُسيد بن زيد، عن هشيم، عن حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وذكر حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب (¬2). بين أن في هذا الحديث راويًا ضعيفًا، وهو أسيد بن زيد الذي يكنى ¬
* تقريب صحيح البخاري
أبا محمد، ويعرف بالجمال، وأن البخاري قد انفرد به، وهو ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره، وإنما أدخل البخاري حديثه على معنى الاعتبار. قال: "وقد نقلت ذلك من حاشية على أصل البخاري" (¬1). أقول: مهما يكن من أمر فالعمدة هو الإسناد الأول الذي ليس فيه هذا الراوي. هكذا لم يكن القرطبي في هذا الكتاب مختصرًا فقط يحذف الأسانيد وبعض المكررات، وإنما كان محققًا ومدقِّقًا، والرجوع إلى الأصول والمقارنة بينها، ويعلق بما يراه من فوائد تضفي على اختصاره أهمية وأضواء على الأصل وهو الصحيح. * تقريب صحيح البخاري: على أن هناك جانبًا هامًّا يسير جنبًا إلى جنب مع الاختصار ومصاحبًا له، وهو "تقريب الصحيح". ويتجلى ذلك فيما يلي: 1 - أنه لا يكثر من التراجم كما فعل البخاري، بل يجمع الأبواب العدة تحت باب واحد، وترجمة واحدة تجمع معانيها. ففي الصحيح في كتاب الأذان ثلاثة أبواب، هي: 1 - باب جهر الإمام بالتأمين (رقم 111). 2 - باب فضل التأمين (رقم 112). ¬
3 - باب جهر المأموم بالتأمين (رقم 113). جمعها القرطبي كلها في باب واحد اندرجت تحته الأحاديث في الأبواب الثلاثة، وهو: "باب ما جاء في التأمين والجهر به وفضله" (¬1). 2 - وهو لا يلتزم بترتيب البخاري للأحاديث بل يقدم ويؤخر، تبعًا لما تدل عليه الترجمة التي وضعها. فمثلًا: عقد البخاري ترجمة فقال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" (¬2). وروى ثلاثة أحاديث تحت هذا الباب؛ الأول منها يعارض نص الترجمة؛ لأنه يدل على أنه لا يأتم المأموم بالإمام إذا صلى الإمام جالسًا ما دام هو صحيحًا. وهو الحديث الذي صلى فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه في مرض موته، صلى بهم جالسًا، وصلوا وراءه قيامًا. ثم أعقب البخاري ذلك بحديثين تدل عليهما الترجمة. والحديث الأول ناسخ للحديثين الأخيرين. وقد نقل البخاري في نهاية الأحاديث الثلاثة عن شخه الحميدي ما يدل على هذا النسخ، ولكن بطريق غير مباشر. أما القرطبي فقد عقد بابًا للمنسوخ وآخر للناسخ وكل منهما يدل على ¬
الحديث الذي تحته. قال أولًا: باب إذا صلى الإمام جالسًا صلى المأموم جالسًا، وإن كان صحيحًا (¬1). ثم أدرج تحته المنسوخ. ثم قال ثانيًا: باب ما جاء مما يدل على نسخ ذلك. وأتى تحته بالحديث الناسخ، وهو صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه في مرضه الأخير (¬2). فهذا تقريب لأحاديث البخاري ووضوح في ترجماته. 2 - التراجم الواضحة. ومن وجوه التقريب أنه وضع تراجم واضحة لأبوابه ليس فيها من الغموض ما يوجد في كثير من تراجم البخاري. فهو قد استبدل بالتراجم البعيدة الصلة بينها وبين الأحاديث المندرجة تحتها -تراجم واضحة الصلة فلا تحتاج إلى إعمال فكر، ولا إلى الاختلاف في بيان الصلة لخفائها، مما حدى ببعض العلماء إلى تأليف كتب للمناسبات بين التراجم والأحاديث تحتها عند البخاري (¬3). ¬
1 - الاتجاه الفقهي عند القرطبي
وهذا كثير لا يحتاج إلى تمثيل. ولعل المثال الذي سبق في ائتمام الإمام بالمأموم يدل على ذلك. 3 - شرح الغريب. ومن تقريب البخاري في هذا التلخيص أنه يذيل بعض الأبواب التي فيها من الغريب بشرح هذا الغريب، سواء أكان ذلك في الألفاظ أو التعبيرات. وهذا كثير لا يحتاج إلى تمثيل. ومن خصائص هذا الكتاب غير ما تقدم: 1 - الاتجاه الفقهي عند القرطبي: من خصائص هذا التلخيص أنه سار على المذهب المالكي، مذهب القرطبي - في التراجم، وبين القرطبي فيه اتجاهه العقدي. أما الأول فإنه إذا قيل: فقه البخاري في تراجمه وهو في هذا يمثل فقه المحدثين - فإن القرطبي يمثل فيه الفقه المالكي. ذلك أن القرطبي جاء في عصر قد تبلورت فيه المذاهب الفقهية، وأصبح كل عالم من علماء الفقه والأصول، وكذلك كثير من المحدثين على مذهب فقهي معين. وقد ظهر هذا في تراجم القرطبي. ففي أحاديث غسل الإناء من ولوغ الكلب ترجم لها. ¬
بقوله: "باب الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وأن ذلك ليس لنجاسته" (¬1). والقول بعدم نجاسة سؤر الكلب هو مذهب مالك رحمه اللَّه تعالى. وإذا كانت الرواية في ظاهرها تُخالف مذهب مالك -فإن القرطبي يعقب بذكر مذهب مالك الذي يخالف هذا الظاهر، ويؤول الحديث بما يتوافق مع هذا المذهب. ففي باب بيع المُدَبَّر في الدين جاء حديث جابر بن عبد اللَّه قال: أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- به، فباعه" (¬2). فظاهر هذا الحديث أنه يجوز بيع المدبر؛ لأنه لا زال عبدًا حتى يموت من دبره. وهذا ما أخذ به بعض العلماء كالشافعي (¬3). ولكن هذا لا يجوز في مذهب مالك رحمه اللَّه تعالى. ولهذا أول القرطبي الحديث على هذا المذهب بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باعه في دين سبق التدبير، فكأن التدبير لا شيء في هذه الحالة، مع هذا الدين الواجب الأداء. قال: "ويعضد هذا التأويل ما ذكره مالك من أن الأمر المجمع عليه عندهم أن المدبر لا يوهب ولا يُحَرَّك عن حاله". ¬
2 - الاتجاه العقدي عند القرطبي
2 - الاتجاه العقدي عند القرطبي: وفي العقيدة يعلق القرطبي بما يبين مذهبه، ويفسر الأحاديث تبعًا لذلك. فهو يجيز تأويل الصفات، وإن كان يرجح عدم الخوض فيها، والإيمان بها كما جاءت في كتاب اللَّه، وسنة رسوله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، دون إجرائها على الحقيقة والظاهر، ودون تأويلها. ففي حديث أبي هريرة قول رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم: "لقد عجب اللَّه، أو ضحك اللَّه من فلان، وفلانة" (¬1). قال عقبه: "قول: عجب اللَّه" أي عظَّم ذلك الصنع تعظيم ما يتعجب منه. و"ضحك اللَّه" أي رضي ذلك، كما يرضى من يضحك بما سره، واللَّه أعلم. وهذا تأويل، وقدمه، ولم ينكر عليه مما يدل على أنه يرضاه، ولكنه يميل إلى التسليم، والإيمان بما في الكتاب والسنة كما جاء. وهذا هو مذهب السلف، وهو معنى قولهم: "أَمِرُّوها -أي: الصفات- كما جاءت". ففي حديث أنس الذي جاء فيه قول رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم: "فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فنقول: قط، قط" (¬2). قال القرطبي عقبه: مذهب السلف في المشكلات أن لا يتعرض ¬
* النسخ التي طبع عليها الكتاب
لتأويلها، مع القطع باستحالة حملها على ظواهرها. وقد تعرض كثير من العلماء إلى تأويلها وردها إلى مجازات كلام العرب واستعارتها، فمن ذلك أنّ وَضْعَ القدم والرِّجْل في هذا الحديث يمكن حمله على أن المراد بذلك تذليل جهنم عند طغيانها. وقولها: هل من مزيد. فيذللها اللَّه تعالى تذليل من يُوضَعُ تحت الرجل. ويؤيده قوله "فيضع قدمه عليها" وقيل غير هذا. والتسليم أسلم. واللَّه أعلم. * النسخ التي طبع عليها الكتاب: اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث مخطوطات، ثنتان منها في دار الكتب المصرية، وتحتويان على نصف الكتاب تقريبًا، وهو النصف الأول. وإحداهما سقطت منها ورقات من أولها، وتكملها الأخرى وهما بخط النسخ، ورمزت لإحداهما بـ "ص" والثانية بـ "د" والثالثة من مكتبة القرويين بفاس، وهي تمثل النصف الأخير من الكتاب، وهي بخط مغربي. ورمزت لها بـ "ق" من حرف القاف في القرويين (¬1). * نسبة الكتاب إلى أبي العباس القرطبي: الكتاب وثيق النسبة إلى القرطبي أبي العباس، فلقد أشار فيه إلى كتابه المفهم أكثر من مرة، وهو كتابه المشهور وينقل منه الشراح كثيرًا من أقوال القرطبي. ¬
* العمل في التحقيق
قال عقب "باب حكم قصر الصلاة في السفر ومسافته": "اختلف في تأويل عائشة وعثمان الذي حملهما على الإتمام في السفر على أقوال، ذكرناها في كتابنا المفهم" (¬1). وقال عقب "باب يصلي المريض قاعدًا": "وقد بسطنا القول فيها في الكتاب المفهم" (¬2). وعقب باب دعاء التهجد، وفي تفسير غريبه قال: "واختلف في الصغائر التي لا تزري بالمناصب. هل يصح وقوعها منهم -أي من الأنبياء- على قولين، قد بينا متمسكات كلٍّ منهما في كتابنا المفهم" (¬3). وعقب الحديث رقم (1561) قال: وقيل غير ذلك على ما ذكرناه في كتابنا المفهم. وفي التعقيب على أحاديث لعن المصورين أحال في التفصيل على المفهم (¬4). * العمل في التحقيق: 1 - كتبت النص من المخطوطات كتابة حديثة. 2 - رقمت الأحاديث ترقيمًا متسلسلًا. 3 - قابلت أحاديث الكتاب بصحيح البخاري كنسخة من نسخ الكتاب، ¬
وأثبت الفروق، فربما تمثل نسخًا أخرى من الكتاب، أو هي كذلك. 4 - ربطت بين هذا المختصر بصحيح البخاري فبينت مواضع الأحاديث منه وأرقامها فيه، وطرقها. وكان الاعتماد في ذلك على الطبعة السلفية المفردة عن طبعة فتح الباري عند السلفية أيضًا. 5 - شرحت ما يحتاج إلى شرح مما لم يتعرض القرطبي لشرحه. 6 - ضبط ما يحتاج إلى ضبط، وكان جل اعتمادي في ذلك على نسخة مطبوعة في تركيا في المكتبة العامرة باستانبول. 7 - وإذا كان القرطبي يحيل في الأحاديث المكررة إلى ما سبق منها، وكان هذا يمثل صعوبة في تحديد مواضعها -فقد استعضت عن ذلك بذكر بيانات الحديث الذي كرره فيه البخاري، وهو الموضع الذي أشار فيه القرطبي إلى ما سبق من الروايات. كما وضعت فهرسًا يساعد على تحديد موضع الحديث الذي أحيل عليه. 8 - ربطت بين المطبوع والمخطوطات بذكر أرقام لوحات المخطوطات. واللَّه العلي القدير أسأل أن ينفع بهذا الكتاب وأن يسترنا، ويغفر لنا ما وقعنا فيه من زلل أوخطأ. ولا يفوتني أن أشكر الأستاذ أحمد حسني بكار على مساعدته لي في تحقيق هذا الكتاب، وإعداده. وأسأل اللَّه تعالى أن يجعله في ميزان حسناته، وأن يكون له من العلم
الذي يُنْتَفَع به نصيب، وينفعه في الدنيا والآخرة. وصلى اللَّه تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد للَّه رب العالمين. دار القرآن والحديث في: 17 من جمادى الأولى 1433 هـ - 9/ 4/ 2012 م رفعت فوزي عبد المطلب * * *
اختصار صحيح البخاري وبيان غربيه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفي بالإسكندرية سنة 656 هـ رحمه اللَّه تعالى
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المؤلف قال الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل الورع الزاهد، قدوة الحفاظ، عمدة المحدثين - جمال الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي -رضي اللَّه عنه-: الحمد للَّه الذي خص أهل السنة بالتوفيق، وسلك بهم في صحيح نقلها، وإيضاح معانيها سواء الطريق، ورقَّاهم ببركة الاقتداء بها من حضيض التقليد إلى ذِرْوة التحقيق، وأسكت بصولة حججها كل مهذار مِنْطِيق. أحمده، وهو بجميع المحامد حقيق، وأشكره شكر من علم لمن شكر نعمه مِنَّةٌ وتوفيق. وأشهد ألا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له شهادة من انشرح صدره بمعارفها، واتسع لقبولها من غير ضيق. وأشهد أن محمدًا رسول خُصَّ من الرسالة الإلهية بالركن الوثيق، ومن المِلَّة الحنيفية بالمنهج الواضح الأنيق، ومن الرئاسة الإنسانية بالشرف الشامخ والكرم العريق. صلى اللَّه عليه، وعلى آله وأزواجه وذريته، صلاة توصل إلى الرحب، وتنجي من المضيق.
ورضي اللَّه عن جميع صحابته، الملتئم من كل صِدِّيقَةٍ وصِدِّيق. أمّا بعد: فلما قضت نتائج العقول، وأدلة الشرع المنقول بأن سعادة الدارين لا تنال إلا بمتابعة هذا الرسول، وأن الهداية الحقة باقتفاء سنته، وسنته واجبة الحصول - انتهضت همم أعلام العلماء، والسادة الفضلاء من الصحابة السابقين والتابعين اللاحقين إلى البحث عن سنته، وآثاره، وأقواله وفعاله، فحصلوا ذلك ضبطًا وحفظًا، وقيدوه معنى ولفظًا، واستنبطوا معانيه فقهًا وعقلًا، وبلغوها إلى غيرهم مشافهة ونقلًا. ثم لم يزل أهل العلم يتناقلون ذلك جيلًا بعد جيل، ويتوارثونه جليلًا بعد جليل، إلى أن انتهى ذلك إلى عصر الأئمة المصنفين الذين اختارهم اللَّه لحفظ هذا الدين، وارتضاهم لإظهار سنة سيد المرسلين. فأولهم تصنيفًا وترصيفًا، وأولاهم إمامة وتشريفًا أبو عبد اللَّه مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي فهو الذي حاز قَصَبَات السِّبَاق؛ إذ هو المشهود له بأنه أمير المؤمنين في الحديث والعلم بالاتفاق. ثم تلاه أئمة المصنفين، متسابقين، مُصَلِّين وتالين ومُسَلِّين (¬1)، وكل من بعده منهم لم يَغْرِف إلا من فضالته، ولم يَسْرِ ذلك المَسْرى إلا بدلالته. وهؤلاء الأئمة هم: أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجُعْفِي، البخاري (¬2)، وأبو ¬
الحسين مسلم بن الحَجَّاج القشيري النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتَاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. فهؤلاء صدور الأئمة الأبرار الذين هجروا في طلب حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأوطان والأوطار، وأنفقوا في تحصيله نفائس الأموال والأعمار، وارتحلوا في جمعه إلى متفرقات البلدان والأقطار، وبذلوا وسعهم في تمييز صحيحه من سقيمه، ومعوجه من مستقيمه. ثم دونوا وألفوا، وأسندوا وصنفوا، ثم بذلوا لمن ابتغاه، قاصدين بذلك وجه الإله، فأجورهم دائمة الاستمرار والاستقامة؛ "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" (¬1)، خصوصًا إمامي علماء الصحيح، المُبَرِّزِينَ في علم الجرح والتعديل: أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري؛ فإنهما جمعا كتبهما على شرط الصحيح، وبذلا جهدهما في ترتيبهما من كل عِلَّة، فتم لهما المراد، وانعقد الإجماع على تلقيهما باسم الصحيحين أو كاد. فجازى اللَّه جميعهم عن الإسلام أحسن الجزاء، ووفاهم من أجر من انتفع بكتبهم أفضل الإجزاء؛ فلقد حفظ اللَّه بهذين الإمامين الصحيح من سنن الدين، وأنهض بكتبهما حجة المحدثين والعلماء الراسخين. ¬
غير أن أئمة النقل، وجهابذة النقد اختلفوا فيمن السابق منهما ومن المُصَلِّي؛ إذ ليس في حلبتهما تالٍ ولا مُسَلِّي. فذهبت طائفة إلى ترجيح البخاري وكتابه، وإليه ذهب أكثر المشارقة. وذهبت طائفة أخرى إلى ترجيح مسلم وكتابه، وإليه ذهب أكثر المغاربة، واحتجت كل طائفة منها بما انتهى إليها من مناقب مرجحها. ونحن ننقل من عيون أخبارهما ما يدل على مناقبهما؛ لتعرف مقاديرهما، محذوفة الإسناد؛ لشهرتها في كتب المؤرخين النقاد على منهاج المباحث الفقهية، وتقرير الطريقة النظرية. ومما يُحتج به للطائفة البخارية ما قاله أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم من البخاري بالحديث" (¬1). وقال مسلم بن الحجاج للبخاري، وقد مسألة عن عِلَّة حديث خفيت على مسلم فأجابه عن ذلك بما أعجبه، فقال له: "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك" (¬2). وقال أبو بكر الجوزقي: سمعت أبا حامد الشَّرَقِي يقول: رأيت مسلم ابن الحجاج بين يدي البخاري كالصبي بين يدي مُعَلّمه (¬3). وقال الدارقطني: "لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء". وقال أحمد بن محمد الكرابيسي: رحم اللَّه الإمام أبا عبد اللَّه البخاري؛ ¬
فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده قد أخذ من كتابه، كمسلم بن الحجاج، فرق كتبه في كتابه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إلى قائله. ومنهم من أخذ كتابه فنقله بعينه كأبي زرعة وأبي حاتم (¬1). وقال أبو المصعب: محمد بن إسماعيل عندنا؛ لو أدركت مالكًا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل، لقلت: كلاهما واحد في الفقه والحديث. وقال يعقوب الدورقي: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة. وذكر أبو أحمد بن عدي أن البخاري لما قدم بغداد امتحنه المحدثون بأن قلبوا أسانيد مئة حديث، فخالفوا بين أسانيدها ومتونها، ثم فرقوها على عشرة من طلحة الحديث، لكل منهم عشرة. فلما استقر بالبخاري المجلس قام إليه واحد من العشرة، فذكر له حديثًا من عشرته وسأله عنه فقال: لا أعرف هذا، ثم سأله عن بقية العشرة واحدًا واحدًا، والبخاري يقول في كل ذلك: لا أعرف، ثم قام بعده ثان ففعل مثل ذلك، فأجابه البخاري: بلا أعرف، ثم قام ثالث كذلك، إلى أن أكمل العشرة المئة الحديث المقلوبة، فظن كل من في المجلس عجز البخاري وانقطاعه، فعند ذلك دعا البخاري الأول فرد متون أحاديثه إلى أسانيدها، وكذلك فعل بجميعهم، فبهت السائلون، وأعجب بذلك الحاضرون والسامعون. ¬
وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مئة ألف حديث صحيح، وأعرف مئتي ألف حديث غير صحيح (¬1). وقال جعفر بن محمد القطان: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كتبت عن أكثر من ألف شيخ، ما عندي حديث إلا أذكر سنده (¬2). ونقل أبو الفرج ابن الجوزي عن البخاري أنه قال: صنفت كتاب "الصحيح" في ست عشرة سنة، من ست مئة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين اللَّه (¬3). وقال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتاب "الجامع" إلا ما صح، وقد تركت من الصحيح (¬4). وقال محمد بن مطر: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت وصليت ركعتين. وقال عبد القدوس بن همام: سمعمت عدة من المشايخ يقولون: دَوَّن البخاري تراجم كتابه بين قبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين (¬5). ولما علم أهل زمانه فضله على أقرانه وتقدمه على علماء أوانه كان يجتمع عليه في مجلسه أكثر من عشرين ألفًا. ¬
وقال الفِرَبْرِي: سمع كتاب البخاري تسعون ألفًا، فما بقي أحد يرويه غيري (¬1). هذا مع علو إسناده، فقد أدرك جماعة ممن أدركوا متأخري التابعين كمكيّ بن إبراهيم البلخي، وأبي عاصم النَّبِيل، ومحمد بن عبد اللَّه الأنصاري، وعصام بن خالد الحمصي. وقد روى عنه جماعة من الأئمة؛ كمسلم بن الحجاج، وأبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي حامد بن الشرقي، وأبي عيسى الترمذي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، في آخرين يطول ذكرهم. فقد حصل بالنقل المتواتر، والإصفاق أن البخاري جاز قصب السباق. وللطائفة النيسابورية أن تقول: نحن لا ننازع في صحة ما نقلتم، ولا ننكر فضل من فَضَّلْتم، ولكنا ننقل من فضائل صاحبنا (¬2) وأخباره نحو ما ذكرتم، ثم نثبت له ولكتابه من المزية ما يوجب لها أولوية. فمن ذلك ما قاله أبو علي الحسن بن علي النيسابوري: "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم، وما رأيت أحفظ منه". ويلزم من هذا القول أنه أعلم بالصحيح من كل من تحت أديم السماء، وهذا نحو مما قاله ابن خزيمة في البخاري. ¬
وكان أبو زرعة وأبو حاتم يقدمان مسلمًا على مشايخ عصرهما، والبخاري من مشايخ عصرهما، فقد حكما لمسلم بالتقدم على البخاري. وقال أبو مروان الطُّنُبِي: كان من شيوخي من يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري. وقال مسلمة بن قاسم في تاريخه: مسلم جليل القدر من أئمة المحدثين، وذَكَر كتابه في الصحيح وقال: لم يضع أحد مثله. وقال أبو حامد الشَّرَقِي: سمعت مسلمًا يقول: ما وضعت شيئًا في هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت شيئًا منه إلا بحجة. وقال أبو محمد بن أبي حاتم: مسلم بن الحجاج ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث، سئل أبي عنه فقال: صدوق. وقال إبراهيم بن سفيان: قال لي مسلم: ليس كل الصحيح وضعت هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه. وقال الحسن بن محمد الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلم ابن الحجاج يقول: صنفت هذا المسند من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة. وقال مسلم بن الحجاج: لو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مئتي سنة فمدارهم على هذا المسند، ولقد عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، وكل ما أشار أن له علة تركته، وما قال: هو صحيح أخرجته. وقال أبو يعلى الخليلي الحافظ: مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح هو أشهر من أن تذكر فضائله، رحل إلى العراق، والحجاز، والشام، ومصر، سمع يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه،
وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، ومسلم بن إبراهيم، وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد ابن المثنى، وخلقًا كثيرًا يطول ذكرهم، وروى عنه إبراهيم بن محمد بن سفيان المرضي الزاهد، وأبو محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن المغيرة بن عبد الرحمن القلانسي، ولا يروى كتابه إلا من طريقهما. وروى عنه أيضًا مكي بن عَبْدَان، وأبو حامد بن الشرقي، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن مخلد، وآخرون. وسمع منه أبو حاتم مع جلالته، وابنه عبد الرحمن. وعند تقابل هذه الفضائل يتوقف في الترجيح بينهما كل منصف فاضل. وأما نكتة المزية الموحية للأولوية فهي أن مسلمًا متفق على إمامته، مجمع على قبول قوله وحديثه، كما حكى القاضي أبو الفضل عياض، وليس كذلك البخاري؛ فإن أبا محمد بن أبي حاتم قال في البخاري: إن أبي وأبا زرعة تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم أن لفظه بالقرآن مخلوق (¬1). ولما تقاصرت الهمم في هذا الزمان عن بلوغ الغايات من حفظ جميع هذا الكتاب بما اشتمل عليه من الأسانيد والروايات، أشار من إشارته غنم، وطاعته حتم، إلى تقريبه على المتحفظ وتيسيره على المتفقه، بأن نختصر أسانيده، ونحذف تكراره، وننبه على ما تضمنته أحاديثه بتراجم تسفر عن ¬
معناها، وتدل الطالب على موضعها وفحواها. فاستعنت باللَّه تعالى وبادرت إلى مقتضى الإشارة، بعد أن قدمت في ذلك دعاء النفع به والاستخارة، فاقتصرت من الإسناد على ذكر الصاحب، إلا أن تدعو الحاجة إلى ذكر غيره فأذكره لزيادة فائدة، وحصول عائدة، ومن تكرار المتون على أكملها مساقًا، وأحسنها سياقا، ملحقا به ما في غيره من الرواية، محافظًا -إن شاء اللَّه تعالى- على ألا أغفل منه شيئًا من مهمات الفوائد، فإذا قلت: عن أبي هريرة -مثلًا- وأفرغ من مساق متنه، وقلت: وفي رواية، فأعني أنه عن ذلك الصاحب المتقدم من غير ذلك الطريق، وربما قدمت بعض الأحاديث وأخرت حيثما إليه اضطررت؛ حرضا على ضم الشيء لمشاكله، وتقريبًا له على متناوله. وقد اجتهدت فيما رويت ورأيت، ووجهَ اللَّه الكريم قصدت، وهو المسؤول في أن ينفعني به، وكل من اشتغل به، ويبلغنا المأمول، وأن يجعلنا وإياه من العلماء العاملين الهداة المهتدين، وهو المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1 - كتاب بدء الوحي
(1) كتاب بدء الوحي
1 - باب تعبد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف كان يأتيه الوحي، وما كان يدعو الناس إليه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى اللَّه على محمد وآله وصبحه وسلم (1) كتاب بدء الوحي (1) باب تعبد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكيف كان يأتيه الوحي، وما كان يدعو الناس إليه 1 - قال عَلْقَمَةُ بن وَقَّاصٍ الليثي: سمعت عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- على المنبر يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". 2 - وعن عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: أول ما بُدِئَ به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق _______ 1 - خ (1/ 13)، (1) كتاب بدء الوحي، (1)، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. من طريق سفيان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة به - رقم (1)، وأطرافه في (54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953). 2 - خ (1/ 14 - 15)، (1) كتاب بدء الوحي، (3)، باب، من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة به. رقم (3). وأطرافه في (3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982).
الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حِرَاء فَيَتَحَنَّثُ فيه -وهو التعبد (¬1) - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: "قلت: ما أنا بقارئ" (¬2) قال: "فأخذني فَغَطَّني (¬3) حتى بلغ مني الجَهْدُ، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارى، فأخذني فَغَطَّنِي الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فَغَطَّنِي الثالثة. ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3]، فرجع بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَرجُفُ فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد -رضي اللَّه عنها- فقال: "زَمِّلُوني، زملوني"، فزملوه (¬4) حتى ذهب عنه الرَّوْعُ، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: "لقد خَشِيتُ على نفسي" (¬5). ¬
فقالت: كلا واللَّه ما يُخْزِيكَ اللَّه أبدًا، إنك لتصلُ الرَّحِمَ، وتحمل الكَلَّ (¬1)، وتَكْسِبُ المعدوم، وتُقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى، ابن عم خديجة، وكان امْرءًا تَنَصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العِبْرَاني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِيَ فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَبَر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس (¬2) الذي نزَلَ اللَّهُ على موسى، يا ليتني فيها جَذَعًا (¬3)، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أومُخْرِجِيَّ هم؟ " قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزَّرًا (¬4)، ثم لم يَنْشَبْ (¬5) ورقةُ أن توفي، وفَتَر الوحيُ. ¬
3 - وقال جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: قال -يعني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يحدث عن فترة الوحي- فقال في حديثه: "بَيْنَا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرُعِبْتُ منه، فرجعت فقلت: زَمِّلوني، زَمِّلوني، فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] فَحَمِيَ الوحي وتتَابَعَ". 4 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها: أن الحارث بن هشام -رضي اللَّه عنه- سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحيانًا يأتيني مثل صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشده عليَّ (¬1)، . . . . . ¬
فيُفْصَمُ (¬1) عنِّي، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتَمَثَّل في الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: ولقد رأيتُهُ ينزل عليه الوحيُ في اليوم الشديد البرد فيُفْصَمُ عنه، كان جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا (¬2). 5 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لك كما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحركهما. وقال سعيد: فأنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل اللَّه تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17]، قال: جمعه لك في صدرك، وتقرأه. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]، قال: فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]، ثم إن علينا أن نقرأه. ¬
فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما قرأ (¬1). 6 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدَارِسُهُ القرآن، فَلَرَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المُرسَلَةِ (¬2). 7 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل ¬
إليه في ركب من قريش، وكانوا تجار، بالشام في المُدَّةِ (¬1) التي كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه، وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه. فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا. قال (¬2): أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا (¬3) عن هذا الرجل (¬4)، فإن كذبني فكذبوه، فواللَّه لولا الحياء من أن يَأْثِرُوا عليَّ كذبًا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسَبُهُ فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحدٌ قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من مَلِكٍ؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون، أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتدُّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يَغْدِرُ؟ قلت: لا، ونحن منه في مُدَّةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تُمَكِّنِّي كلمةٌ أُدْخِلُ ¬
فيها شيئًا غير هذه الكلمة (¬1). قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سِجَالٌ ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا اللَّه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصِّلَة. فقال للتَّرْجُمَان: قل له: إني سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تُبْعَثُ في نسب قومها. وسألتك: هل قال أحدكم منكم هذا القول. فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يَأْتَسِي بقولٍ قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا. قلت: لو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب مُلْكَ أبيه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على اللَّه، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاءهم. فذكرت أن ضعفاءَهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشتُه القلوب (¬2). وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تَغْدِرُ، وسألتك: بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًّا، ¬
فسيملك موضع قَدَمَيَّ هاتين (¬1)، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أَخْلُص (¬2) إليه لتجشمت (¬3) لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه (¬4). ثم دعا بكتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي بعث به دِحْيَة إلى عظيم بُصْرَى، فدفعه إلى هرقل فقرأه، فإذا فيه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللَّه ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سَلَامٌ على من اتبع الهدى (¬5). أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (¬6) {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا ¬
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] ". قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصَّخَبُ، وارتفعت الأصوات، وأُخْرِجْنَا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ (¬1) أمْرُ ابن أبي كبشة (¬2) إنه يخافه مَلِكُ بني الأصْفَرِ، فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل اللَّه عليَّ الإسلام. وكان ابن النَّاطُورِ -صاحب إيلياء وهرقل - سُقُفًّا على نصارى الشام- يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس (¬3)، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حَزَّاءً (¬4) ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم مَلِكَ الخِتَان قد ظهر (¬5)، فمن ¬
يختتن من هذه الأمة؟ [قالوا: ليس يختتن] (¬1) إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا: أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب. فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا مُلْك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحبٍ له بروميَّة، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِمْ (¬2) حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه نبيٌ (¬3)، فأذن هرقل لعظماء الروم في دَسْكَرَةٍ (¬4) له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلِّقت، ثم اطَّلع فقال: [يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرُّشدِ، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا (¬5) حَيْصَةَ حمرِ الوَحْشِ إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت. ¬
فلما رأى هرقل نَفْرَتَهُمْ، وأَيِسَ من الإيمان (¬1) قال: ردوهم عليَّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له، ورَضُوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل] (¬2). * * * ¬
2 - كتاب الإيمان
(2) كتاب الإيمان
1 - باب بيان معنى الإيمان والإسلام شرعا
(2) كتاب الإيمان (1) باب بيان معنى الإيمان والإسلام شرعًا 8 - عن أبي هريرة قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يومًا للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ (¬1) قال: "الإيمان أن تؤمن باللَّه وملائكته، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث". ¬
قال: وما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد اللَّه ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان". قال: ما الإيمان؟ قال: "أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". وسأحدثك عن أشراطها؛ إذا ولدت الأَمَةُ رَبَّها، وإذا تطاول رعاء الإبل البُهْمِ في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا اللَّه، ثم تلا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. . .} [لقمان: 34] الآية. ثم أدبر. قال: "رُدُّوه" فلم يَرَوْا شيئًا. فقال: "هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم". الغريب: "بارزًا": ظاهرًا. و"الإحسان" هنا: مراقبة اللَّه في العبادات، والإتيان بها مكملة الآداب. "الأشراط": العلامات. "ربها": سيدها، ويعني بذلك أن يكثر التسرِّي ويتسامح الناس في بيع أمهات الأولاد، أو يكثر عقوق الأولاد للأمهات. "البُهْم": بضم الباء جميع بهيم، وهو الشديد السواد، الذي لا يخالطه لون آخر، ويروى بضم الميم نعتًا للرعاة؛ لأن ذلك غالب رعاة العرب.
2 - باب تسمية الإسلام بالإيمان توسعا
وبكسر الميم نعتًا للإبل. * * * (2) باب تسمية الإسلام بالإيمان تَوَسُّعًا 9 - عن أبي جَمْرَةَ نصر بن عمران الضَّبُعِي قال: كنت أقعد مع ابن عباس فيجلسني على سريره. فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهمًا من مالي، فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القَيْسِ لما أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن القومُ، أو من الوفد؟ ". قالوا (¬1): ربيعة. قال: "مرحبًا بالقوم -أو بالوفد- غير خَزَايَا ولا نَدَامَى" فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضَر، فَمُرْنَا بأمرٍ فَصْلٍ نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان باللَّه وحده. قال: "أتدرون ما الإيمان باللَّه وحده؟ ". قال: اللَّه ورسوله أعلم. ¬
قال: "شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المَغْنَمِ الخُمُسَ". ونهاهم عن أربع؛ الحَنْتَم، والدُّبَّاء، والمزفَّت، وربما قال: المُقَيَّر، وقال: "احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم". الغريب: "الوفد": جمع وافد، وهو القادم والزائر. "مرحبًا": رُحْبًا وسعة؛ أي: صادفتم. "خزايا": جمع خَزْيان، كسَكَارى جمع سكران، من الخزي. و"ندامى": جمع نادم، وقياس جمعه نادمين، لكن جمع كذلك اتباعًا لخزايا. وحكى الفراء في "جامعه" أنه يقال للنادم: ندمان، وعلى هذا فيكون على القياس. "الفَصْلُ": البليغ في لفظه، الواضح في معناه. "الحَنْتَمُ": الجِرَار المطلية بالزجاج. و"الدُّبَّاءُ": القَرْعَة. و"المُزَفَّتُ": المَطْلِيُّ بالزِّفْتِ. و"المُقَيَّرُ": المطلي بالقار، نوع من الزفت. وحكمة النهي عن الانتباذ في هذه الظروف: خوفُ إسراع الإسكار إلى النبيذ، وقد نسخ ذلك النهي بما يأتي بعدُ إن شاء اللَّه تعالى. * * *
3 - باب أركان الإسلام وشعبه
(3) باب أركان الإسلام وشُعَبِهِ 10 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" (¬1). 11 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإيمانُ بِضْعٌ وستون شُعْبَة، والحياء شعبة من الإيمان". ¬
4 - [باب أي الإسلام أفضل]
الغريب: أصل الشُّعْبَةِ: القطعة. 12 - (¬1) [وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: "تُطعِمُ الطعام، وتقرأ السلام على من عَرَفْتَ ومن لم تعرف" (¬2). * * * (4) [باب أي الإسلام أفضل] 13 - [وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلم من سَلِمَ ¬
5 - [باب أمور الإيمان]
المسلمون من لسانه ويده (¬1)، والمهاجر (¬2) من هَجَر ما نهى اللَّه عنه". 14 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قالوا: يا رسول اللَّه! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"]. * * * (5) [باب أمور الإيمان] 15 - [وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". 16 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فوالذي نفسي ¬
بيده، لا يؤمن أحدكم (¬1) حتى أكون أَحَبَّ إليه من والده وولده". 17 - وعن أنس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أَحَبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين". 18 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللَّه ورسوله أَحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحِبَّ المَرْءَ لا يحبُّه إلا للَّه، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (¬2). ¬
وفي رواية (¬1): "ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه". 19 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغْضُ الأنصار" (¬2). 20 - وعن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مر على رجل من الأنصار، ¬
6 - [باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة]
وهو يعظ أخاه في الحياء (¬1). فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعه (¬2)؛ فإن الحياء من الإيمان". * * * (6) [باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة] 21 - عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى رهطًا وسعد جالس] (¬3)، فترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا هو أعجبُهم إليَّ، فقلت: يا رسول اللَّه! مَا لَكَ عن فلان؟ فواللَّه إني لأُرَاه مؤمنًا، فقال: "أو مسلمًا" فسكتُّ قليلًا، ثم غلبني ما أعلم منه (¬4)، فقلت: يا رسول اللَّه! مالك عن ¬
7 - باب المعاصي من أمر الجاهلية. ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك
فلان، فواللَّه إني لأُرَاه مؤمنًا. فقال: "أو مسلمًا" فسكتُّ قليلًا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قال "يا سعدُ! إني لأعطي الرجل (¬1)، وغَيْرُهُ أَحَبُّ إليَّ منه خشيةَ أن يَكُبَّهُ اللَّه في النار". "أُراه": بضم الهمزة، ومعناها: أظنه. * * * (7) باب المعاصي من أمر الجاهلية. ولا يَكْفُر صاحبها إلا بالشرك 22 - عن المَعْرُور بن سُوَيْدٍ قال: لقيتُ أبا ذر بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، ¬
وعلى غلامه حُلَّةٌ، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلًا (¬1) فَعَيَّرْتُهُ بأمه، فقال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا ذر! أَعَيَّرْتَهُ بأمه؟ ! إنك امرؤ فيك جاهلية". وفي رواية (¬2): قلت: على حين (¬3) ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: "نعم، إخوانكم خَوَلُكُمْ، جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليُطْعِمْهُ مما يأكل، وليُلْبِسْهُ مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يَغْلِبُهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". "الحلة": كل ثوبين غير مُلَفَّقَيْن مجموعَيْن على لابسٍ، حريرًا كانا أو غيره. 23 - وعن عبادة بن الصامت -وكان شهد بدرًا- وهو أحد النقباء ليلةَ العَقَبَةِ: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال -وحوله عصابة من أصحابه- "بايعوني على ألا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تَفْتَرُونَهُ بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة ¬
له (¬1)، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره اللَّه فهو إلى اللَّه؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه". فبايعناه على ذلك. 24 - وعن الأَحْنَفِ بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل (¬2) فلقيني أبو بَكْرَةَ فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" (¬3). قلت: يا رسول اللَّه! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال (¬4): "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". قوله: يفترينه بين أيديهم وأرجلهن: قيل فيه: إنه الزنا. وقيل فيه: أن تربي ولد غير زوجها وتنسبه له. واللَّه أعلم. * * * ¬
8 - باب كفران الحقوق، وكفر دون كفر، وظلم دون ظلم
(8) باب كفران الحقوق، وكفر دون كفر، وظلم دون ظلم 25 - عن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُرِيتُ النار فرأيت أكثر أهلها النساء يكفرن"، قيل: أيكفرن باللَّه؟ قال: "يكفُرْنَ العَشِيرَ (¬1)، ويكفرن الإحسان، إن أحسنت إلى أحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا. قالت: ما رأيت منك خيرًا قط". 26 - وعن عبد اللَّه بن مسعود: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قال أصحاب رسول اللَّه (¬2): أَيُّنَا لم يظلم نفسه؟ ، ¬
9 - باب زيادة الإيمان ونقصانه
فأنزل اللَّه تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. الغريب: "الكفر" لغة: هو التغطية، والجحد مطلقًا، وهو في عرف الشرع: جحد ما علم من ضرورة الشرع. و"الظلم": وضع الشيء غير موضعه، وقد يقال على النقص، ومنه قوله تعالى: {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}. "العشير": المعاشر، وهو المخالط، وعدل عنه للمبالغة، وهو الزوج هنا. * * * (9) باب زيادة الإيمان ونقصانه وقوله تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، و {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] وقال ابن أبي مُلَيْكَةَ: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. 27 - عن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمرهم، أمرهم (¬1) من الأعمال ¬
10 - باب كمال الإسلام في نفسه، وتفاوت أهله فيه
بما يُطِيقُون. قالوا: لسنا كهيئتك يا رسول اللَّه، قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيغضب، حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: "إن أتقاكم وأعلمكم باللَّه أنا". 28 - وعن أبي سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خَرْدَلٍ من إيمان، فيخرجون منها قد اسْوَدُّوا، فيُلْقَوْنَ في نهر الحيا -أو الحياة - شك مالك- فينبتون كما تنبت الحِبّه في جانب السَّيْلِ، ألم تَرَ أنها تخرج صفراء ملتوية؟ ". (الحِبَّة) -بكسر الحاء-: بزر الصحراء مما ليس بقُوتٍ، وبالفتح لما ليس كذلك كحبة الحنطة (¬1)، ونحوها. * * * (10) باب كمال الإسلام في نفسه، وتفاوت أهله فيه 29 - عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير ¬
11 - باب ما يخاف من إضرار المعاصي بالإيمان، والعمل وإن كانت صغائر
المؤمنين! آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أيُّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. نزلت وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. * * * (11) باب ما يخاف من إضرار المعاصي بالإيمان، والعمل وإن كانت صغائر لقوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]. ويذكر عن الحسن: ما يخافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق -يعني النفاق. 30 - عن زُبَيْدٍ قال: سألت أبا وائل عن المرجئة فقال: حدثني عبد اللَّه ¬
12 - باب يجب الإيمان بمشروعية العبادات والنية والحسبة فيها
أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سِباب المسلم فُسُوق، وقتاله كفر" (¬1). 31 - وقد أُنْسِيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة القدر؛ لِتَلَاحِي رَجُلَيْنِ من المسلمين؛ كما سيأتي في ليلة القدر. * * * (12) باب يجب الإيمان بمشروعية العبادات والنية والحسبة فيها لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأعمال بالنية"، وقد تقدم. 32 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا ¬
واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". 33 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ تَبعَ جنازة مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا وكان معها (¬1) حتى يُصَلَّى عليها ويُفْرَغَ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط". 34 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "انتُدَبَ اللَّهُ عز وجل لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق (¬2) برسلي- أن أُرْجِعَهُ بما نال من أجرٍ أو غنيمة، أو أُدْخِلَه الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قَعَدْت خلف سَرِيَّة، ولَوَدِدْتُ أن أقتل في سبيل اللَّه، ثم أحيى، ثم أقتل، ثم أحيى، ثم أقتل". الغريب: "النية الشرعية": هي القصد إلى إيقاع ما أمر به على الوجه المطلوب. و"إيمانًا": تصديفا بأصل المشروعية وبالثواب الموعود عليها. ¬
13 - باب أعظم أركان الدين النصحية والفرار من الفتن والأمر بالتسديد والتسهيل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
و"احتسابًا": أي: اعتدادًا به، وادخارًا له عند اللَّه تعالى. "القيراط": في أصله نصف دانق، وأصله: قِرَّاط بالتشديد؛ لأن جمعه قراريط، ويعني به في هذا الحديث الحظ العظيم من الثواب كما قد فسره فيه. ومعنى انتدب اللَّه هنا: تكفل، كما جاء مفسرًا في طريق آخر، وأصل (انتدب): أجاب، يقال: ندبه لأمر فانتدب له؛ أي: دعاه فأجاب. * * * (13) باب أعظم أركان الدين النصحية والفرار من الفتن والأمر بالتسديد والتسهيل؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الدين النصيحة للَّه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" 35 - عن زِيَادِ بن عِلَاقَةَ قال: سمعت جَرِيرَ بن عبد اللَّه يوم مات المغيرةُ ابن شُعْبَة قام فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وقال: عليكم باتِّقَاءِ اللَّه وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أميرٌ، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: اسْتَعْفُوا (¬1) لأميركم؛ فإنه كان يحب العفو. ثم قال: أما بعد؛ فإني أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قلت: أبايعك على الإسلام فشرط عليَّ "والنصح لكل مسلم"، فبايعتُه على هذا، وَرَبِّ هذا المسجد، ¬
إني لناصح لكم، ثم استغفر ونزل. وفي طريق أخرى (¬1) قال: بايعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. 36 - وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يوشكُ أن يكون خَيْرُ مال المسلم غنمًا (¬2) يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبال ومَوَاقِع القَطْرِ، يفرُّ بدينه من الفتن". 37 - وعن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ الدين يُسرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ، فَسَادُوا وقاربوا وأَبْشِرُوا، واستعينوا بالغَدْوة والرَّوْحَةِ، وشيءٍ من الدُّلْجَةِ". ¬
14 - باب حق الله على العباد، وجزاؤهم على ذلك
الغريب: "النصيحة": مأخوذة من نَصَحْتُ العسلَ: إذا صفيته مما يكدره، وقيل: من نصحت الثوب: إذا خِطْتُه، والناصح الخياط، والنِّصاح الخيط، وقيل: هي الإبرة، والناصح في العبادة يخلص فيها، ويَلُمُّ شَعَثَها. و"يوشك": يحق ويسرع. و (الوَشَك) -بفتح الواو-: السُّرعة. "شعف الجبال": رؤوسها. و"مشادة الدين": مغالبته، ومقاواته. و"الغَدْوة": هي ما يفعل من الطاعات في أول النهار؛ كصلاة الصبح، والذكر، وغير ذلك. و"الرَّوْحَة": ما يفعل من الخير في آخر النهار. و"شيء من الدُّلْجَةِ": هي الصلاة من جوف الليل، أو من آخر، يقال: أدلج القوم: إذا ساروا من أول الليل، والاسم: الدَّلَج بالتحريك، فإن ساروا من آخره فقد ادَّلجوا بتشديد الدال، والاسم الدَّلَجَةُ والدُّلجة بالضم والفتح. * * * (14) باب حق اللَّه على العباد، وجزاؤهم على ذلك 38 - عن معاذ بن جبل قال: بينا أنا رَدِيفُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس بيني وبينه _______ 38 - خ (4/ 84)، (77) كتاب اللباس، (101) باب: إرداف الرجل خلف الرجل، من طريق قتادة، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل به، رقم (5967)، طرفه في (2856، 6267، 6500، 7373).
إلا آخِرَةَ الرَّحْلِ فقال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول اللَّه وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول اللَّه وسَعْدَيْك. قال: ثم سار ساعة ثم قال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول اللَّه وسعديك. قال: "هل تدري ما حق اللَّه على عباده؟ " قلت: اللَّه ورسوله أعلم؟ قال: "حق اللَّه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل" قلت: لبيك رسول اللَّه وسعديك قال: "هل تدري ما حق العباد على اللَّه إذا فعلوا ذلك؟ " قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "حق العباد على اللَّه ألا يعذبهم". الغريب: "الرديف": هو الراكب خلف الراكب، ويقال فيه: رَدِف وردف. و"آخِرَةُ الرَّحْل": مُؤْخِرَته، ويقابلها: قادمته. والرَّحْلُ للبعير، والسَّرْج للفرس، والإِكَافُ للحمار. و"لبيك": إجابة بعد إجابة، مأخوذ من لبَّ بالمكان: إذا قام به. و"سعديك": مساعدة بعد مساعدة، وهما مصدران من المصادر المثناة المسموعة، وحق اللَّه على عباده واجب عليهم بإيجابه ذلك عليهم، وحقهم عليه بحسب وعده الصادق، وقوله الحق. * * *
3 - كتاب العلم
(3) كتاب العلم
1 - باب فضل العلم والفقه والغبطة فيهما
(3) كتاب العلم (1) باب فضل العلم والفقه والغبطة فيهما 39 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بَيْنَا أنا نائم أُتِيتُ بقَدَحِ لبني فشربت، حتى إني لأرى الرِّيَّ (¬1) يخرج من أَظْفَارِي، ثم أَعْطَيْتُ فَضلِي (¬2) عمرَ بن الخطاب". قالوا: فما أَوَّلْتَهُ يا رسول اللَّه؟ قال: "العلم". 40 - وعن معاوية قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ به ¬
خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم واللَّه يعطي". 41 - وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا حسد (¬1) إلا في اثنتين، رجلٌ آتاه اللَّه مالًا فَسُلِّط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الحكمة (¬2) فهو يقضي بها ويعلمها". وعن ابن عمر مثله (¬3)، غير أنه قال: "رجل آتاه اللَّه الكتاب وقام به ¬
2 - باب الحض على المبادرة لتعلم العلم قبل الفوت، وفضل من علم وعلم
آناء الليل، ورجل أعطاه اللَّه مالًا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار". * * * (2) باب الحض على المبادرة لتعلم العلم قبل الفوت، وفضل من عَلِمَ وعلَّم 42 - عن أنس قال: لأحدثنكم حديثًا لا يُحَدِّثكم أحد بعدي، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "مِنْ أشراط الساعة أن يَقِلَّ العلمُ، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، ويكثر النساء، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأةً القيِّمُ (¬1) الواحدُ". وفي طريق آخر (¬2): "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل، وتشرب الخمر، ويظهر الزنا". ¬
43 - وعن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَثَلُ ما بعثني اللَّه به من الهُدَى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الماء، فأنبت الكلأ والعُشْبَ الكثير، وكان منها أَجَادِبُ أمسكت الماء، فنفع اللَّه بها الناس، فشربوا، وسَقَوا، وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قِيعَانٌ، لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مَثَلُ من فَقُهَ في دين اللَّه، ونفعه ما بعثني اللَّه به، فَعَلِمَ وعَلَّم، ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدَى اللَّه الذي أُرْسِلْتُ به" (¬1). الغريب: "نَقِيَّةٌ": أي: طائفة نقية؛ أي: من مواح النبات، وفي طريق أخرى: "طائفة طيبة". ¬
3 - باب الأمر بحفظ العلم والتبليغ والإنصات للعالم
و"الأرض الجَدْبَةُ": التي لم تُمْطَر، وهي هنا التي لا تشرب ولا تنبت لصلابتها. و"قبلت": مشهور الرواية فيه بالباء، بواحدة، من القبول، ووقع عند أبي زيد وأبي أحمد (قَيَّلَت) باثنين تحتها، فقيل: هو تصحيف، وقيل: ليس كذلك. قال في "الجمهرة": تقيل الماء في المكان المنخفض: إذا اجتمع. و"القيعان": جمع قاع، وهو المستوطئ من الأرض، ويجمع في القلة: أَقْوُعٌ وأَقْوَاع، والقِيعَةُ مثل القاع، و"الكلأ": بالهمز الرطب من العشب، وما يبس منه يسمى الحشيش. * * * (3) باب الأمر بحفظ العلم والتبليغ والإنصات للعالم قد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لوفد عبد القيس: "احفظوه، وأخبروا به من وراءكم". 44 - وعن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون: أَكْثَرَ أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب اللَّه ما حدثت حديثًا، ثم يتلوا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمُ} [البقرة: 160] إن إخواننا من المهاجرين _______ 44 - خ (1/ 58)، (3) كتاب العلم، (42) باب: حفظ العلم، من طريق ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (118) طرفه في (2047، 2350، 3648، 7354).
كان يشغلهم الصَّفْقُ (¬1) بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالم (¬2)، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لشِبَع بطنه (¬3)، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون. 45 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قلت: يا رسول اللَّه! إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال "ابسط رداءك"، فبسطه، فغرف يديه، ثم قال: "ضُمّه"، فضممته، فما نسيت شيئًا بعدُ. 46 - وعن أبي شُرَيْحٍ -رضي اللَّه عنه- أنه قال لعَمْرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكة-: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به: حمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: "إن مكة حَرَّمها اللَّه ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يَسْفِكَ بها دمًا، ولا يَعْضِدَ بها شجرة (¬4)، فإنْ أحدٌ تَرَخَّصَ لقتال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، فقولوا: إن اللَّه قد أَذِنَ لرسوله ولم يأذن ¬
لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة (¬1) من نهار، ثم عادت حرمتُهَا اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شريح: ما قال عمرو؟ قال: أنا أعلم منك يا أبا شريح، لا يُعِيذُ عاصيًا (¬2)، ولا فارًّا بدم (¬3)، ولا فارًّا بِخَرْبَةٍ (¬4). 47 - وعن أبي بَكْرَةَ -رضي اللَّه عنه-: أنه ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطَامِهِ أو بزمامه، قال: "أي يوم هذا؟ " فسكتنا حتى ظننّا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: "أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى، قال "فأي شهر هذا؟ " فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس بذي الحجة؟ " قلنا: بلى، قال: "فإن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه". ¬
4 - باب لا تقطع على المحدث حديثه حتى يفرغ منه، ورفع الصوت بالعلم، وتكراره ليفهم
48 - وعن جرير -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له في حجة الوداع: "استنصت الناس" فقال: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض (¬1) ". الغريب: "الخربة" بالفتح: الجناية، أو البلية، أو السرقة، وللأصيلي: بالضم. * * * (4) باب لا تقطع على المحدث حديثه حتى يفرغ منه، ورفع الصوت بالعلم، وتكراره ليفهم 49 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: بينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ ، فمضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَدِّثُ، فقال بعض القوم: سمعَ ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: "أين (¬2) السائل عن الساعة؟ " قال: ها أنا ¬
يا رسول اللَّه، قال "فإذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتها؟ ، قال "إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة". 50 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفْهَمَ عنه، وإذا أتى على قوم فسَلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثًا. 51 - وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: تخلف عنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقنا (¬1) الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثًا. 52 - وقال ابن أبي مُلَيْكَةَ: إن عائشة -رضي اللَّه عنها- زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حُوسِبَ عُذّبَ". قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول اللَّه عز وجل: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا ¬
5 - باب السؤال للاختبار والفهم في العلم وأن لا حياء في أخذه من العلماء أو ممن أخذ عنهم
يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قالت: فقال: "إنما ذلك العَرْضُ (¬1)، ولكن من نوقش (¬2) الحساب يَهْلِكْ". الغريب: قوله: "وُسِّدَ": مثقل، بمعنى أسند الأمر؛ يعني: الإمارةَ إلى غير أهلها. جعلت إليهم وقلدوها. وفي "النهاية": يعني إذا سُوِّدَ وشُرِّفَ غير المستحق للسيادة والشرف، وقيل: هو من الوسادة؛ أي: إذا وضعت وسادة الملك والأمر والنهي لغير مستحقها، ويكون (إلى) بمعنى اللام. وقوله: "ويل للأعقاب": ويل كلمة عذاب، يقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه. * * * (5) باب السؤال للاختبار والفهم في العلم وأن لا حياء في أخذه من العلماء أو ممن أخذ عنهم 53 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من الشَّجَرِ شجرةً ¬
لا يسقط ورقها، وإنها مَثَلُ المسلم (¬1)، فحدثوني ما هي؟ " فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد اللَّه: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول اللَّه، قال: "هي النخلة". 54 - وعن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: جاءت أم سُلَيْم -رضي اللَّه عنها- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! إن اللَّه لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غُسْلٍ إذا احتلمت؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا رأتِ الماءَ" فَغَطَّتْ أم سلمة -تعني وجهها- وقالت: يا رسول اللَّه! وتحتلم المرأة (¬2)؟ قال "نعم، تَرِبَتْ يمينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا ولدُهَا؟ ". 55 - وعن علي -رضي اللَّه عنه- قال: كنت رجلًا مَذَّاءَ، فأمرت المقداد بن ¬
الأسود (¬1) -رضي اللَّه عنه- أن يسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله، فقال: "فيه الوضوء". 56 - وعن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: كنت أنا وجَارٌ لي من الأنصار في بني أمية ابن زيد -وهي من عوالي المدينة- وكنا نتناوب النزول على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينزل يومًا، وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فضرب بابي ضربًا شديدًا، فقال: أثَمَّ هو؟ ففزعت، فخرجت إليه، فقال: قد حدث أمر عظيم. . . قال: فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: أطلقكن (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: لا أدري، ثم دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت وأنا قائم: أطلقت نساءَك؟ قال: "لا" فقلت: اللَّه أكبر. الغريب: قوله: "تَرِبَتْ يمينك": قيل: خسرت، وقيل: افتقرت من العلم، وقيل هو الأصح أنه دعاء يدعم به الكلام تهويلًا ولا يراد وقوعه؛ كعَقْرَى، حَلْقَي وشبهه. ¬
6 - باب قراءة المحدث والقراءة عليه والمناولة والمكاتبة، وكتابة العلم
و"مَذَّاء": من المذي، وهو بفتح أوله وسكون ثانيه، وقد يكسر ثانيه، مشدد الياء ومخففها، وهو ماء رقيق يخرج عند الملاعبة. * * * (6) باب قراءة المحدث والقراءة عليه والمناولة والمكاتبة، وكتابة العلم ورأى الحسن، والثوري، ومالك: القراءة جائزة، وقال الحسن: لا بأس بالقراءة على العالِم، وقال سفيان: إذا قرئ على المحدث فلا بأس أن تقول: حدثني، واحتج مالك بالصَّكِّ يقرأ على القوم فيقولون: أشهدنا فلان، وإنما ذلك قراءة عليهم، ويقرأ على المقرئ فيقول القارئ: أقرأني فلان، وقال مالك وسفيان: القراءة على العالم وقراءته سواء، واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضِمَامِ بن ثَعْلَبَةَ أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: آللَّه أمرك أن تصلي الصلوات، قال: "نعم"، قال: فهذه قراءة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه. 57 - وحديث ضمام رواه أنس -رضي اللَّه عنه- قال: بينما نحن جلوس مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد -والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا: هذا الرجل _______ 57 - خ (1/ 39)، (3) كتاب العلم، (6) باب: ما جاء في العلم، وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، من طريق الليث، عن سعيد المقبري، عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نَمِر، عن أنس به، رقم (63).
الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجبتك" فقال الرجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني سائلك فمُشَدِّدٌ عليك في المسألة، فلا تجدْ عليَّ (¬1) في نفسك، فقال: "سَلْ عَمَّا بَدَا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آللَّه أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: "اللهم نعم (¬2) " قال: أَنْشُدُكَ باللَّه، آللَّه أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ فقال: "اللهم نعم" قال: أنشدك باللَّه، آللَّه أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: "اللهم نعم" قال: أنشدك باللَّه، آللَّه أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم نعم" فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضِمَامُ ابن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر. 58 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث بكتابه رجلًا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت (¬3) أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُمَزَّقُوا كل مُمَزَّقٍ. ¬
59 - وعن أبي جُحَيْفَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قلت لعلي -رضي اللَّه عنه-: هل عندكم كتاب؟ (¬1) قال: لا، إلا كتاب اللَّه، أو فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رجل (¬2) مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت، وما في هذه الصحيفة؟ قال: العَقْلُ (¬3)، وفِكَاكُ الأسير (¬4)، ولا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافر. 60 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني لَيْثٍ عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأُخْبِرَ بذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فركب راحلته، فخطب فقال: "إن اللَّه حَبَسَ عن مكة القتل أو الفيل (¬5)، وسلط عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين، أَلَا وإنها لم تحل لأحدٍ قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، أَلَا وإنها ¬
أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهار، أَلَا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُخْتَلى (¬1) شوكها، ولا يُعْضَدُ شجرها، ولا تُلْتَقَطُ ساقطتها إلا لمُنْشِدٍ، فمن قُتِلَ فهو بخير النَّظَريْنِ: إما أن يُعقَل، وإما أن يُقَادَ (¬2) أهل القتيل". فجاء رجل من أهل اليمن، فقال: اكتب لي يا رسول اللَّه، فقال: "اكتبوا لأبي فلان" فقال رجل من قريش: إلا الإِذْخِرَ يا رسول اللَّه؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "إلا الإِذْخِرَ، إلا الإذخر (¬3) ". 61 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: ما من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدٌ أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-، فإنه كان يكتب ولا أكتب. 62 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لمَّا اشتد بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجعه (¬4) قال: "ائتوني بكتابٍ (¬5) أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده"، قال عمر -رضي اللَّه عنه-: إن ¬
7 - باب حلق العلم والوقوف على العالم، ومن برك عنده، وغضب العالم إذا كره شيئا
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلبه الوجع (¬1) وعندنا كتاب، حسبنا، فاختلفوا، وكَثُرَ اللَّغَطُ، فقال "قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع". فخرج ابن عباس يقول: إن الرَّزِيَّةَ (¬2) كُلَّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين كتابه. الغريب: قوله: "بين ظهرانيهم": يقال للشيء إذا كان في وسط شيء: هو بين ظهريه وظهرانيه، و"العقل": من عقلت القتيل عقلًا: غرمت ديته وعن القاتل: غرمت عنه الدية. * * * (7) باب حِلَقِ العلم والوقوف على العالم، ومن برك عنده، وغضب العالم إذا كره شيئًا 63 - عن أبي واقد الليثي -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينما هو جالس في ¬
المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأما أحدهما: فرأى فرجةً في الحلقة، فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "ألا أخبركم عن النَّفَرِ الثلاثة؟ أما أحدهم: فآوى إلى اللَّه (¬2) فآواه اللَّه، وأما الآخر: فاستحيا (¬3) فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر: فأعرض فأعرض اللَّه عنه (¬4) ". 64 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! ما القتال في سبيل اللَّه؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا ويقاتل حَمِيَّةً، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا، ¬
فقال: "من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه عز وجل". 65 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: سئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أشياء كرهها، فلما أكثِر عليه غَضِبَ، ثم قال للناس: "سلوني عما شئتم" قال رجل: من أبي؟ قال "أبوك حذافة" فقام آخر، فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك سالم مولى شيبة، فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول اللَّه! إنا نتوب إلى اللَّه عز وجل. 66 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج فقام عبد اللَّه بن حُذَافة، فقال: من أبي؟ فقال "أبوك حذافة"، ثم أكثر أن يقول: "سلوني"، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا باللَّه ربًا (¬1)، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) نبيًا فسكت. ¬
8 - باب التحديث بما يناسب كل قوم، وإثم كتمان العلم، ومن كتمه لعلم، وزيادة الجواب على السؤال
وفي الباب عن أبي مسعود (¬1) وزيد بن خالد (¬2) وغيرهما. الغريب: قوله: "أوى إلى اللَّه": أي لجأ، وهو بالقصر، "فآواه اللَّه": بالمد، وهو الأفصح. * * * (8) باب التحديث بما يناسب كل قوم، وإثم كتمان العلم، ومن كتمه لعلم، وزيادة الجواب على السؤال قال علي -رضي اللَّه عنه-: حَدِّثُوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكَذَّبَ اللَّه ورسوله؟ (¬3) 67 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة! لولا قومك ¬
حديثٌ عهدهم -قال ابن الزبير - راويه (¬1) - بكُفْر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس، وباب يخرجون منه" (¬2). 68 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: ذُكِرَ ليَ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لمعاذ: "من لقي اللَّه لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة"، قال: ألا أُبَشِّرُ الناس، قال "لا، إني أخاف أن يَتَّكِلُوا". 69 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعاذ رديفه على الرَّحْلِ قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك، قال: "يا معاذ" قال: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك ثلاثًا. قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه صِدْقًا من قلبه إلا حرَّمه اللَّه على النار". قال: يا رسول اللَّه، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذًا يتكلوا"، وأخبر بها معاذ عند موته تَأَثُّمًا (¬3). ¬
70 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قالت النساء للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: "ما منكم امرأة تقدِّم ثلاثةً من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار" (¬1)، فقالت امرأة: واثنين، قال: "واثنين". وفي رواية (¬2): "لم يبلغوا الحِنْثَ" (¬3). 71 - وقال أبو ذر: لو وضعتم. . . . . ¬
الصَّمْصَامَة (¬1) على هذه، وأشار إلى قفاه، ثم ظننت أني أُنفِذُ كلمة سمعتُها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن تجيزوا (¬2) عليَّ لأنفذتها. 72 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعاءَين (¬3)، فأما أحدهما فَبَثَثْتُهُ (¬4)، وأما الآخر: فلو بَثَثْتُهُ لقُطِعَ (¬5) هذا البلعوم. 73 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رجلًا سأله ما للبس المُحْرِم؟ ¬
9 - باب متى يصح سماع الصغير
فقال: "لا يَلْبَسُ القميصَ ولا العمامةَ، ولا السراويل ولا البُرْنُسَ (¬1)، ولا ثوبًا مَسَّه الوَرْسُ (¬2) أو الزعفران، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين". الغريب (¬3): * * * (9) باب متى يصح سماع الصغير 74 - عن ابن عباس قال: أقبلت راكبًا على حمابى أتانٍ -وأنا يومئذ قد ناَهَزْتُ الاحتلامَ- ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم يُنْكَر عليَّ. 75 - وعن محمود بن الربيع قال: عَقَلْتُ من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّها في ¬
10 - باب العلم والعظة بالليل، والسمر في العلم
وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلوٍ. الغريب: "الأتان": أنثى الحمر. و"ناهزت": قاربت. و"ترتع": ترعى. و"المَجَّة": طرح الماء من الفم وصبه. ومنه قول امرئ القيس: [أَقَبَّ رَبَاعٍ من حَمِيرِ عَمَايةٍ] ... يَمُجّ لُعَاعَ البَقْلِ في كُلِّ مَشْرَبِ * * * (10) باب العلم والعظة بالليل، والسمر في العلم 76 - عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة فقال: "سبحان اللَّه، ماذا أُنْزِلَ (¬1) من الفتن، وماذا فُتِحَ من الخزائن (¬2)، أيقظوا صواحبات ¬
11 - باب الأمر بتبليغ العلم، وإباحة الحديث عن بني إسرائيل
الحُجَر (¬1)، فَرُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة". 77 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: صلى بنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- العشاء في آخر حياته، فلما سَلَّم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأسَ مئة سنةٍ منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" (¬2)؛ يعني: يَنْخَرِمُ ذلك القرنُ، واللَّه أعلم. * * * (11) باب الأمر بتبليغ العلم، وإباحة الحديث عن بني إسرائيل 78 - عن عبد اللَّه بن عمرو: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بلِّغوا عني ولو آية، ¬
12 - باب خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا
وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". قوله: "ولا حرج"؛ أي: في ترك الحديث عنهم؛ لئلا يتوهم أنه واجب. و"فليبتوأ"؛ أي: ليتخذ فيها مُبَوَّأً؛ أي: منزلًا، وهو أمر تهديد، كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. * * * (12) باب خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا 79 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تجدون الناس مَعَادِن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقِهُوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدَّهُمْ له كراهيةً". في رواية: "حتى يقع فيه" (¬1). ¬
"وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه" (¬1). الغريب: أصل "المعدن": من عدن؛ أي: إقامة، ومنه جنة عدن؛ لخلود الإقامة فيها، وهذا مثل ضربه؛ قال: الناس الكبراء والسادة المكارم في أصول مقيمة ثابتة مثل المعادن المنطوية على الذهب والفضة المقيمين فيها، فإذا تفقه كبراء الناس وأشرافهم اجتمع لهم الفضل الأصلي، والفضل الفرعي فاستحقوا بذلك أن يكونوا خير الناس، واللَّه أعلم. ويعني بهذا الشأن: الإمارة. * * * ¬
4 - كتاب الطهارة
(4) كتاب الطهارة
1 - باب في اشتراط الطهارة في الصلاة، وفضل الوضوء
(4) كتاب الطهارة (1) باب في اشتراط الطهارة في الصلاة، وفضل الوضوء 80 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُقْبَلُ صلاةُ من أحدث حتى يتوضأ" قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُسَاءٌ أو ضُرَاطٌ. 81 - وعنه قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أمتي يُدْعَوْنَ يوم القيامة غُزا مُحَجَّلِينَ من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُزَتَهُ فليفعل". الغريب: قوله: "غُرًّا مُحَجَّلِين": جمع أغر، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء _______ 80 - خ (1/ 65)، (4) كتاب الوضوء، (2) باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به، رقم (135)، طرفه في (6954). 81 - خ (1/ 65)، (4) كتاب الوضوء، (3) باب: فضل الوضوء، والغُرُّ المحجلون من آثار الوضوء، من طريق سعيد بن أبي هلال، عن نُعيم المجمر، عن أبي هريرة به، رقم (136).
2 - باب المتخلي لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها
يوم القيامة، وتطويل الغرة بغسل مقدم الرأس وصفحة العنق مع غسل الوجه، وقوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، قيل: هو من كلام أبي هريرة مدرج في الحديث. 82 - عن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وفي رواية: "إذا أتى الخلاء" (¬1)، وفي أخرى: "إذا أراد أن يدخل" (¬2). "الخُبُث": بضم الباء: اختاره الخطابي، وهو جمع خبيث، و"الخبائث": جمع خبيثة، فهو تعوذ من ذكور الجن وإناثهم، والمحدثون يروونه بسكون الباء، وهو مصدر خَبُث خُبْثًا، ويحتمل أن يكون ذلك السكون تخفيفًا للضمة، كما قالوا: كتْب ورسْل، واللَّه أعلم. * * * (2) باب المُتَخَلِّي لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها 83 - عن أبي أيوب، وهو خالد بن يزيد الأنصاري قال: قال ¬
3 - باب جواز استقبالها بين البنيان ولضرورة المرحاض، وإذن النساء في الخروج إلى البراز
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يولِّها ظهره، شرقوا أو غربوا". * * * (3) باب جواز استقبالها بين البنيان ولضرورة المرحاض، وإذن النساء في الخروج إلى البراز 84 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يقول: إن أناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك، فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، لقد ارتقيتُ يومًا على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على لَبِنتَيْن مستقبلًا بيت المقدس، لحاجته. وقال: لعلك من الذين يُصَلُّون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري. قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجد وهو لاصق بالأرض. وفي رواية: فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة، مستقبل الشام (¬1). ¬
4 - [باب الاستتار من البول]
85 - وعن عائشة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قد أُذِنَ أن تخرجن في حاجتكن"، يعني: إلى البراز. * تنبيه: القائل: "لعلك من الذين يصلُّون على أوراكهم" ابن عمر، يقوله لواسع ابن حبَّان. و"البراز" -بفتح الباء-: الموضع البارز من الأرض؛ أي: الظاهر منها، البعيد عن البيوت. * * * (4) [باب الاستتار من البول] 86 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: مر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة"، ثم أخذ جريدة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة. قالوا: يا رسول اللَّه، لمَ فعلت هذا؟ . . . . . . _______ 85 - خ (1/ 69)، (4) كتاب الوضوء، (13) باب: خروج النساء إلى البراز، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (147). 86 - خ (1/ 90)، (4) كتاب الوضوء، (56) باب، من طريق الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس به، رقم (218)، طرفه في (216، 1361، 1378، 6052، 6055).
5 - باب النهي عن الاستنجاء ومس الذكر باليمين وعن الاستنجاء بالروث والعظام والأمر بالاستنجاء بالحجارة
قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" (¬1). * * * (5) باب النهي عن الاستنجاء ومس الذكر باليمين وعن الاستنجاء بالروث والعظام والأمر بالاستنجاء بالحجارة 87 - وعن أبي قتادة -وهو الحارث بن رِبْعِيِّ-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا بال أحدكم، فلا يَأْخُذَنَ ذكره بيمينه، ولا يستنجِ (¬2) بيمينه، ولا يتنفس في الإناء". 88 - وعن أبي هريرة: أنه كان يحمل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الإِدَاوَةَ لوضوئه ¬
وحاجته، فبينا (¬1) هو يتبعه بها، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا أبو هريرة، فقال: "أبغني أحجارًا أَسْتَنْفِضُ بها، ولا تأتني بعظم ولا روثة"، فأتيته بأحجارٍ أحملها في طرف ثوبي حتى وضعتها إلى جنبه، ثم انصرفت. حتى إذا فرغ مشيت (¬2)، فقلت: ما بال العظم والرَّوْثَةِ؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جِنِّ نصيبين، ونعم الجنُّ، فسألوني الزاد فدعوت اللَّه لهم ألا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا (¬3) ". 89 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغائط (¬4) فأمرني أن آتيه بثلاثةِ أحجار، فوجدت حَجَرَيْن، والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت رَوْثَةً فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: "هذا رِكسٌ". الغريب: "أَسْتَنْفِضُ بها": أتمَسَّحُ مما هنالك، وهو كناية. و"الرِّكْس": النَّجِس، وكذلك الرجس في رواية، وكل مستقذر ركس. * * * ¬
6 - باب الإيتار في الاستجمار
(6) باب الإيتار في الاستجمار 90 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه، ثُمَّ لِيَنْثُر (¬1)، ومن اسْتَجْمَرَ فليوتر، [وإذا استيقظ أحدكم من نومه (¬2) فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"]. "الاستجمار": الاستنجاء بالأحجار، هذا هو الأظهر. * * * (7) باب صفة الوضوء وبيان أقله وأكثره 91 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: توضأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّةً مَرَّةً. ¬
8 - باب صفة المضمضة والاستنشاق
92 - وعن عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ مَرَّتين مَرّتَيْنِ. 93 - وعن حُمْرَان مولى عثمان: أنه رأى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- دعا بإناءٍ، فأَفْرغ على كفية ثلاثَ مرارٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر (¬1)، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا إلى المرفقين (¬2)، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلَّى ركعتين، لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَهُ غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه". * * * (8) باب صفة المضمضة والاستنشاق 94 - وعن عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-: أنه أفرغ من الإناء على يديه، فغسلهما، ¬
9 - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة وغسل الرجلين
ثم غسل أو مضمض واستنشق من كفة واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، فغسل (¬1) وجهه، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين، مرتين، ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر، وغسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (9) باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة وغسل الرجلين 95 - عن ابن عباس: أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرْفَةً من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فَرَشَّ على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله -يعني: اليسرى-، ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ. 96 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: تخلف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنا في سَفْرَةٍ ¬
سافرناها، فأدركنا وقد أَرهقنا العصر (¬1) فجعلنا نتوضأ، ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار". 97 - وعن أبي هريرة: -وكان يمر والناس يتوضؤون فقال: أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم قال: "ويل للأعقاب من النار". 98 - ومن حديث ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يلبس النِّعَالَ التي ليس فيها شَعَر، ويتوضأ فيها. . . وسيأتي بكماله. الغريب: "الغُرْفَة" بضم الغين: هو اسم لما يغرف، وبالفتح: مصدر غرف المحدود. ¬
10 - باب مسح الرأس كله ولا فضيلة في تكراره
و"تخلَّف": تأخر. و"عَقِبُ الرجل": آخره، وخُصَّ بالوعيد؛ لأنه هو الذي فرط في غسله. * * * (10) باب مسح الرأس كله ولا فضيلة في تكراره 99 - عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: أن رجلًا قال لعبد اللَّه بن زيد -وهو جد عمرو بن يحيى-: أتستطيع أن تُرِيَني كيف كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ؟ قال عبد اللَّه بن زيد: نعم. فدعا بماء فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين، ثم مضمض، واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين (¬1) إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمُقَدَّمِ رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم رَدَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. وفي رواية أخرى (¬2): فدعا بتَوْرٍ (¬3) من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
11 - باب في التيمن في الوضوء والغسل والإسباغ فيهما
فأكفأ (¬1) على يده من التور، فغسل يديه ثلاثًا، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق، واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين. وفي رواية (¬2): فكفأ على يديه، وقال فيها: هكذا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ. * * * (11) باب في التيمن في الوضوء والغسل والإسباغ فيهما 100 - عن أم عطية -وهي نُسيبة بنت كعب الأنصارية- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لهن في غسل ابنته (¬3): "ابْدَأْنَ بمَيَامِنِها ومواضعِ الوضوء منها". ¬
101 - وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعجبه التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وتَرَجُّلِهِ وطُهُوره وفي شأنه كله (¬1). 102 - وعن ابن عباس قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتوضأ من شَنٍّ مُعَلَّقٍ (¬2) وضوءًا خفيفًا (¬3) -يخففه عمرو ويقلله- وقام يصلي فتوضات نحوًا مما توضأ. . . الحديث، وسيأتي. 103 - وعن أسامة بن زيد قال: دفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عَرَفَةَ حتى إذا كان بالشِّعْبِ (¬4) نزل فبال، ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء. فقلت: الصلاةَ ¬
12 - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة وحمله مع العنزة
يا رسول اللَّه. قال: "الصلاةُ أمامك"، فركب، فلما جاء المزدلفة نزل، فتوضأ فأسبغ الوضوء. - في رواية (¬1): قال أسامة: فجعلت أصب عليه ويتوضأ -ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلى، ولم يصل بينهما. الغريب: "الميامن": جمع ميمنة؛ أي: الشق الأيمن بجميع أعضائه، و"التَّرَجُّل": تسريح الشعر. و"الشَّنّ": القِرْبَةُ البالية، ولذلك تنعت بالمؤنث، وقد تُذَكَّر، كما وقع هنا، على معنى الرَّقُّ، فتنعت بـ (مُعَلَّق). و"إسباغ الوضوء": تكميله وإجادته. * * * (12) باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة وحمله مع العَنَزَةِ 104 - عن أنس بن مالك قال: . . . . . ¬
رأيت النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فالتمسَ الناسُ الوَضوءَ، فلم يجدوه، فأُتِيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بوَضُوءٍ، فوضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضؤوا من عند آخرهم (¬2). 105 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: حضرت الصبح فالتمس الماء، فلم يوجد، فنزل التيمم. 106 - وعن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعَنَزَة (¬3)، يستنجي بالماء. ¬
13 - باب فضل السواك ودفعه للأكبر، وفضل من بات على طهارة
107 - وقال أبو الدرداء: أليس فيكم صاحب النَعْلَيْنِ، والطَّهُورِ والوِسَاد؟ الغريب: "حانت": حضر حينها. و"التمس": طلب. و"الطَّهور" بالفتح: الماء الذي يتوضأ به، وبالضم: الفعل. و"الإداوة": الركوة أو شبهها. و"العَنَزَة": الحربة. و"الوساد": ما يوسد به، وهو ما يجعل تحت الرأس. * * * (13) باب فضل السواك ودفعه للأكبر، وفضل من بات على طهارة 108 - عن أبي بُرْدَة -واسمه بُرَيْد- عن أبيه -وهو عبد اللَّه بن قيس قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فوجدته وهو يَسْتَنُّ بسواك بيده، يقول "أُعْ، أُعْ" _______ 107 - خ (1/ 70)، (4) كتاب الوضوء، (16) باب: من حُمل معه الماء لطهوره، ذكره البخاري تعليقًا في ترجمة الباب، ويريد به ابن مسعود. 108 - خ (1/ 98)، (4) كتاب الوضوء، (73) باب: السواك، من طريق حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه به، رقم (244).
والسواك في فيه كأنه يَتَهَوَّعُ (¬1). 109 - وعن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُرَانِي أَتَسَوَّكُ بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّر، فَدَفَعْتُهُ إلى الأكبر منهما". 110 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي (¬2) لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". وفي رواية: "مع كل وضوء" (¬3). 111 - وعن حذيفة قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام من الليل يَشُوصُ فاه بالسواك. 112 - وعن البراء بن عازب قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ ¬
14 - باب الوضوء والغسل في المخضب وآنية الصفر وغيرها، وقدر الماء الذي يغتسل به ويتوضأ به
فتوضأ وضوء الصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن". . . وذكر الحديث، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. الغريب: "يَسْتَنُّ": يدلك أسنانه بالسواك. و"الشَّوْصُ": دلك الأسنان عَرْضًا. و"أُع": حكاية صوت التهوع، وهو بضم الهمزة. و"المضجع": موضع الضجعة، وتقال بفتح الجيم وكسرها كالمطلع. * * * (14) باب الوضوء والغسل في المخضب وآنية الصفر وغيرها، وقدر الماء الذي يغتسل به ويتوضأ به 113 - من حديث أنس قال: أُتِي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمِخْضَبٍ من حجارة (¬1)، فَصَغُرَ المخضب أن يبسط فيه كفَّه، فتوضأ القوم كلهم. ¬
قلنا: كم كانوا (¬1)؟ قال: ثمانين وزيادة. 114 - ومن حديث عبد اللَّه بن زيد قال: أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تَوْر من صُفْرٍ فتوضأ. . . وذكر نحو ما تقدم. 115 - ومن حديث عائشة قالت: لما ثقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واشتد وجعه، قال: "هَرِيقُوا عَلَيَّ من سبع قِرَبٍ لم تُحْلَل أَوْكِيتهُنَّ، لعلي أَعْهَدُ إلى الناس"، فأجلس في مخضبٍ لحفصة. 116 - وعن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغسل -أو يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمُدِّ. الغريب: "المِخْضَب": بكسر الميم، ويراد به في الحديث الأول القدح، وفي حديث عائشة: الإِجَّانَة، وهي القصرية؛ فارسية مُعَرَّبَة. ¬
15 - باب الوضوء بالمد من الماء وفي الآنية كالمخضب والقدح
قال أبو حاتم: يقال: إجَّانةَ وأَجَّانة، ويجمع أَجَاجِن ويقال عليها أيضًا: المِرْكَن من أَدَم. و"الأَوْكِيَة": جمع وكاء، وهو الخيط يشد به فم السقاء. * * * (15) باب الوضوء بالمد من الماء وفي الآنية كالمخضب والقدح 117 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغسل، أو كان: يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد. وعن أنس (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله وبقي قوم، فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمخضب من حجارة، فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فتوضأ القوم كلهم. سئل أنس: كم كنتم قال: ثمانين وزيادة. 118 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا بإناء من ماءٍ، فأتى بقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فيه شيء من ماء، فوضع أصابعه فيه، قال أنس -رضي اللَّه عنه-: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. قال: فَحَزَرْتُ من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين. ¬
16 - باب طهارة فضل الوضوء والغسل، وصبه على المريض
وفي الباب عن عبد اللَّه (¬1) بن زيد، وعائشة (¬2) وغيرهما. الغريب: صاع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي بالمدينة أربعة أمداد، وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. و"المُدّ": ربع صاع، وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق. و"المِخضب": بالكسر قريب من المركن، وهو الإجَّانة التي يغسل فيها الثياب. و"القدح": محرك الآنية المعروفة. قال الكسائي: القَدَح يروى الرجلين. و"الرَّحْرَاح" و"الرَّحْرَح": الإناء المنبسط في سعة. و"الحَزْر": التقدير، يقال: حَزَرْتُ الشيء أحزره بكسر الزاي وضمها: قَدَّرْته. * * * (16) باب طهارة فضل الوضوء والغسل، وصبه على المريض 119 - عن أبي جُحَيْفَةَ -وهو وهب بن عبد اللَّه السُّوَائي- قال: خرج ¬
علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهَاجِرَةِ (¬1) فأتى بوضوء، فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فَضْلِ (¬2) وَضُوئه فيتَمَسَّحُونَ به، فصلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر ركعتين وبين يديه عَنَزَةٌ. 120 - وعن ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جميعًا. 121 - وعن جابر قال: جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعُودُني وأنا مريض لا أَعْقِلُ، فتوضأ وصَبَّ عليَّ من وَضُوئه، فَعَقَلْتُ، فقلت: يا رسول اللَّه! لمن الميراث، إنما يرثني كَلَالةٌ؟ ، فنزلت آية الفرائض (¬3). الغريب: "العيادة": زيارة المريض. ¬
17 - باب استحباب الوضوء لكل صلاة، وله أن يجمع بوضوء واحد بين صلوات
و"الكلالة" هنا: يراد بها الوارث الذي لا يكون والدًا، ولا ولدًا، وسيأتي القول فيها إن شاء اللَّه تعالى. * * * (17) باب استحباب الوضوء لكل صلاة، وله أن يجمع بوضوء واحد بين صلوات 122 - عن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة (¬1). قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدَنَا الوضوءُ ما لم يُحْدِثْ. 123 - وعن سُوَيْدِ بن النعمان قال: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام خيبر حتى إذا كنا بالصَّهْبَاءِ صلى بنا (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العصر، فلما صلى دعا بالأطعمة، فلم يؤت إلا بالسَّوِيق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المغرب فمضمض، ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. * * * ¬
18 - باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ولا مما يخرج من غير المخرجين لقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43، المائدة: 6]
(18) باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ولا مما يخرج من غير المخرجين لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43، المائدة: 6] 124 - عن عباد بن تميم، عن عمه: أنه شكا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء (¬1) في الصلاة فقال: "لا يَنْفَتِلُ -أو لا ينصرف- حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا (¬2) ". 125 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يزال العبدُ في صلاةٍ ما كان في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يُحْدِثْ"، فقال رجل أعجمي: ما الحَدَثُ يا أبا هريرة؟ قال: الصوت؟ يعني: الضَّرْطَةَ. 126 - وقال أبو هريرة: لا وضوء إلا من حَدَثٍ. ¬
19 - باب بول الصبي الذي لم يطعم وورود الماء على النجاسة وغسل الدم والمني وفركه
وقال: الحسن ما زال المسلمون يصلون في جِرَاحَاتِهِمْ. 127 - وعن محمد بن الحَنَفِيَّةِ قال: قال عليٌّ: كنتُ رجلًا مَذَّاءُ، فاستحييت أن أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرت المقداد، فسأله، فقال: فيه الوضوء. الغريب: "المَذْي": بسكون الذال هو المعروف، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة، وممن تطول عزبته، ويقال منه: مذا، أو أمذى، والثلاثي أفصح. و"الوَدْي": بالدال المهملة، هو ماء أبيض خاثر لزج يخرج إثر البول، ويقال منه: وَدَى يدي، ومن قال بالذال المعجمة أخطأ. * * * (19) باب بول الصبي الذي لم يطعم وورود الماء على النجاسة وغسل الدم والمني وفركه 128 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أنها قالت: أُتِيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فَأتْبَعَهُ إياه. _______ 127 - خ (1/ 78)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الأعمش، عن منذر أبي يعلى الثوري، عن محمد بن الحنفية به، رقم (178). 128 - خ (1/ 91)، (4) كتاب الوضوء، (59) باب: بول الصبيان، من طريق مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (222)، أطرافه في (5468، 6002، 6355).
129 - وعن أم قيس بنت مِحْصَنٍ -رضي اللَّه عنها-: أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأجلسه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حِجْرِهِ فبال على ثوبه، فدعا بماء فَنَضَحَهُ ولم يَغْسِلْهُ. 130 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: جاء أعرابي فبال في طائفة (¬1) المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذَنُوبٍ (¬2) من ماء فأهريق عليه. 131 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قام أعرابي في المسجد فبال، فتناوله الناس، فقال لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعُوهُ، وهَرِيقُوا على بوله سَجْلًا من ماء -أو ذَنُوبًا من ماء- فإنما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولم تبعثوا مُعَسِّرينَ". 132 - وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنهما- قالت: جاءت امرأة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: "تَحُتُّهُ (¬1) ثم تَقْرُصُه (¬2) بالماء وتنضحه، وتصلي فيه" (¬3). 133 - وعن أبي حازم: سمعت سهل بن سعد وسأله الناس، وما بيني وبينه أحد: بأي شيء دُووي جُرْحُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: ما بقي أحد أعلم به مني، كان عليُّ يجيء بِتُرْسِهِ فيه ماء، وفاطمة -رضوان اللَّه عليها- تغسل عن وجهه الدم، فأخذ حصير فأحرق، فمشي به جُرْحُه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 134 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كنت أَغْسِلُ الجنابةَ من ثوب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيخرج إلى الصلاة وإن بُقَعَ الماءِ في ثوبه (¬4). ¬
20 - باب ورود النجاسة على الماء وغيره
الغريب: "النَّضْح": كالرش، و"الذَّنوُب" بالفتح: الدلو العظيمة، أو الملأى ماء، و"السَّجْل" مثله. و"القَرْص": الغسل بأطراف الأصابع، أو القلع بالظفر ونحوه. * * * (20) باب ورود النجاسة على الماء وغيره وقال الزهري: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون. وقال حماد: لا بأس بريش الميتة، وقال الزهري: في عظام الموتى؛ نحو الفيل وغيره: أدركت ناسًا من سلف العلماء يَمْتَشِطُونَ بها، ويَدَّهِنُونَ بها لا يرون به بأسًا، وقال ابن سيرين وإبراهيم: لا بأس بتجارة العاج (¬1). 135 - وعن ميمونة -رضي اللَّه عنها-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سُئِلَ عن فأرة سقطت في ¬
سمن فقال: "أَلْقُوهَا وما حولها وكلوا سَمْنَكُم". 136 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَبُولَنَّ أحدكم في الماء الدائم -الذي لا يجري- ثم يغتسل فيه". 137 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كُلُّ كَلْمٍ يَكْلَمُهُ المسلم في سبيل اللَّه تكون يوم القيامة كهيئتها حين طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا، اللون لون دَمٍ، والعَرْفُ عرف مسك". الغريب: "الكَلْم": الجرح. و"العَرْف": الرائحة الطيبة، ووجه التمسك به أن دم الشهيد لما استحالت رائحته إلى رائحة المسك صار مما يستطاب ويمدح به؛ لأنه قد صار جمالًا وشرفًا، وزال عنه الاستقذار الأصلي المستكره، فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته خرج عن أصل طهوريته، واللَّه أعلم. * * * _______ 136 - خ (1/ 95 - 96)، (4) كتاب الوضوء، (68) باب: البول في الماء الدائم، من طريق أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (239). 137 - خ (1/ 95)، (4) كتاب الوضوء، (67) باب: ما يقع من النجاسات في السمن والماء، من طريق مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة به، رقم (237)، طرفه في (2803، 5533).
21 - باب لا يصح الوضوء بالنبيذ، ولا المسكر، وكرهه الحسن وأبو العالية، وقال عطاء: التيمم أحب إلي من الوضوء بالنبيذ واللبن
(21) باب لا يصح الوضوء بالنبيذ، ولا المسكر، وكرهه الحسن وأبو العالية، وقال عطاء: التيمم أحب إلي من الوضوء بالنبيذ واللبن (¬1) 138 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل شراب أسكر (¬2) فهو حرام". * * * (22) باب إذا ألقى على ظهر المصلي نجاسة لم تفسد صلاته وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي، وضعه ومضى في صلاته. وقال ابن المسيب والشعبي: إذا صلى وفي ثوبه دم أو جنابة أو لغير القبلة أو تيمم وصلى، ثم أدرك الماء في وقته، لا يعيد. ¬
139 - عن عبد اللَّه بن مسعود: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابه جُلُوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بِسَلَا جَزُورِ بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فَنَظَرَ حتى إذا سجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أُغْنِي شيئًا لو كانت له (¬1) مَنَعَةٌ. قال: فجعلوا يضحكون، ويُحِيلُ بعضُهم على بعضٍ، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة (¬2) فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات، فشق عليهم؛ إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يَرَوْنَ أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سَمَّى "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام (¬3)، وعليك بعُتْبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد ابن عتبة، وأُمَيَّة بن خلف، وعقبة بن أبي مُعَيْطٍ"، وعد السابع فلم نحفظه. قال: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عَدَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صَرْعَى في قليب بدر (¬4). ¬
23 - باب الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وأن ذلك ليس لنجاسته
الغريب: "سلا الجزور": هو الوعاء الذي يخرج منه الجنين إذا ولد. و"نظر": معناه هنا: انتظر. و"مَنَعة": بفتح النون، جمع مانع، نحو كاتب وكتبة. و"القليب" و"الرَّكِي": البئر غير المَطْوِيَّة، فإذا طويت قيل لها: طَوِيٌّ. * * * (23) باب الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وأن ذلك ليس لنجاسته 140 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا شَرِبَ الكلبُ في إناء أحدكم فليغسله (¬1) سبعًا". 141 - وعن حمزة بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: كانت الكلاب تُقْبِلُ وتدبر في المسجد في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يكونوا يَرُشُّونَ شيئًا من ذلك. 142 - وعن عدي بن حاتم قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أرسلت ¬
24 - باب طهارة شعر ابن آدم، ونخامته، ومخاطته
كلبك المُعَلَّم (¬1) فقتل فَكُلْ. . . " الحديث، وسيأتي. وقال الزهري (¬2): إذا ولغ الكلب في الإناء، وليس له وضوء غيره يتوضأ به. وقال سفيان: هذا الفقه بعينه، يقول اللَّه تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]، وهذا ماء، وفي النفس منه شيء؛ يتوضأ به ويتيمم. * * * (24) باب طهارة شعر ابن آدم، ونخامته، ومخاطته وكان عطاء لا يرى بأسًا أن يتخذ منها الخيوط والحبال. 143 - عن ابن سيرِينَ قلت لعَبِيدَةَ: عندنا من شَعَر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصبناه ¬
25 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها
من قِبَل أنس، أو من قبل أهل أنس، فقال: لأن يكون عندي شَعَرة منه أحب إليَّ من الدنيا وما فيها. 144 - وعن أنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما حَلَقَ رَأْسَهُ كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره. 145 - وقال عروة عن المسور ومروان: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الحديبية. . . فذكر الحديث: وما تنخم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نُخَامَةً إلا وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده. 146 - وعن أنس قال: بصق (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثوبه. * * * (25) باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسِّرْقين (¬2)، والبَرِيَّة إلى جنبه فقال: ¬
ها هنا وثَمَّ سواء (¬1). 147 - عن أنس قال: قدم أناس من عُكْلٍ -أو عُرَيْنَة- فاجْتَوَوا المدينة، فأمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِلِقَاحٍ، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واسْتَاقُوا النَّعَمَ (¬2)، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جِيءَ بهم، فأمر فَقَطَع أيديهم وأرجلهم، وسُمِّرَتْ (¬3) أعينُهُمْ، وألقُوا في الحَرَّةِ (¬4) يَسْتَسْقُونَ فلا يُسْقَوْنَ. قال أبو قِلَابَةَ: فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد المانهم، وحاربوا اللَّه ورسوله. 148 - وعن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي -قبل أن يُبْنَى المسجد- في مرابض الغنم. ¬
26 - باب قراءة القرآن بعد الحدث
الغريب: "عُكل" و"عُرَيْنَةَ": قبيلتان. و"اجْتَوَوا المدينة"؛ أي: كرهوها؛ لأنهم مرضوا فيها. و"اللِّقَاح": جمع لِقْحَة، وهي الناقة ذات اللبن. و"مرابض الغنم": مواضع ربوضها؛ أي: جلوسها. * * * (26) باب قراءة القرآن بعد الحدث وقال منصور عن إبراهيم: لا بأس بالقراءة في الحَمَّام. وقال حماد عنه: إن كان عليهم إزار فسَلِّم، وإلا فلا تسلِّم. 149 - من حديث ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استيقظ من الليل، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. . . وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. * * * _______ = عن أنس به، رقم (234)، أطرافه في (428، 429، 1868، 2106، 2771، 2774، 2779، 3932). 149 - خ (1/ 80)، (4) كتاب الوضوء، (36) باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، من طريق مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن عبد اللَّه ابن عباس به، رقم (183)، وما قاله إبراهيم في الترجمة هو قبل هذا الحديث.
27 - باب المسح على الخفين، وشرطه، والمسح على العمامة
(27) باب المسح على الخفين، وشرطه، والمسح على العمامة 150 - عن عبد اللَّه بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه مسح على الخُفَّيْن، وأن عبد اللَّه بن عمر سأل عن ذلك عمر فقال: نعم، إذا حدثك سعد شيئًا (¬1) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا تَسَلْ (¬2) عنه غيره. 151 - وعن المغيرة بن شعبة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه خرج لحاجته فَاتَّبَعَهُ المغيرةُ بإِدَاوَةٍ فيها ماء، فَصَبَّ عليه حتى (¬3) فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين. وفي رواية (¬4) قال: فأهويت لأنزع خُفَّيْهِ فقال: "دَعْهُمَا؛ فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمسح عليهما. ¬
28 - باب ترك الوضوء مما مست النار
152 - وعن جعفر بن عمرو بن أُمَيَّةَ، عن أبيه: رأيت رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على عمامته وخُفَّيْهِ. * * * (28) باب ترك الوضوء مما مست النار 153 - عن عبد اللَّه بن عباس: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أكل كَتِفَ شاةٍ، ثم صَلَّى ولم يتوضأ. 154 - ونحوه عن ميمونة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 155 - وعن عمرو بن أُمَيَّة: أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحْتَزُّ من كتف شاة، فدُعِيَ إلى الصلاة، فألقى السكين، فصلى ولم يتوضأ. ¬
29 - باب استحباب المضمضة من السويق واللبن
"يَحْتَزُّ": يقطع اللحم حزَّة؛ أي: قطعة قطعة. * * * (29) باب استحباب المضمضة من السَّوِيق واللبن 156 - عن سُوَيْد بن النعمان: أنه خرج مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام خيبر حتى إذا كانوا بالصَّهْبَاءِ -وهي أدنى خيبر- فصلى العصر، ثم دعا بالأَزْوَادِ (¬1) فلم يُؤْتَ إلا بالسَّوِيق، فَأَمَرَ به فَثُرِّي (¬2)، فأكل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فَمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا، ثم صلى ولم يتوضأ. 157 - وعن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شرب لبنًا فمضمض، وقال: "إن له دَسَمًا" (¬3). ¬
30 - باب ما لا يتوضأ منه
"الصَّهْبَاء": موضع بين المدينة وخيبر، على روحة من خيبر. و"السَّوِيق": قمح أو شعير يقلى ثم يطحن. * * * (30) باب ما لا يتوضأ منه 158 - عن فاطمة بنت المُنْذِر، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنها- قالت: أَتَيْتُ عائشةَ -رضي اللَّه عنها- زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين خَسَفَتِ الشمس، فإذا الناس قيام يُصَلُّون، وإذا هي قائمة تصلي. فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: سبحان اللَّه، فقلت: آية؟ فأشارت أن (¬1) نعم، فقمت حتى تَجَلَّاني الغَشْيُ، وجعلت أصب فوق رأسي ماء. فلما انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "ما من شيء كنت لم أَرَهُ، إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أُوحي إليَّ أنكم تُفْتَنُون في القبور مثل -أو قريبًا (¬2) - من فتنة الدجال -لا أدري أي ذلك ¬
قالت أسماء- يؤتى أحدكم فيقال: ما عِلْمُكَ بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، أو المُوقِنُ -لا أدري أي ذلك قالت أسماء- فيقول: هو محمد رسول اللَّه جاءنا بالبينات والهُدَى، فأجبنا وآمنا، (واتبعنا، فيقال: نم صالحًا، فقد علمنا إن كنت لمؤمنًا) (¬1)، وأما المنافق، أو المرتاب -لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء- فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته". 159 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا نعَسَ أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناَعِسٌ لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه". 160 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ". 161 - ويذكر عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في غزوة ذات الرقاع، فرمى رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد، ومضى في صلاته. ¬
وعصر ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- بَثْرَةً، فخرج منها دم فلم يتوضأ، وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته. وقال ابن عمر والحسن فيمن احتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه. وقال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: لا وضوء إلا من حَدَثٍ. وقال جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: إذا ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يُعِد الوضوء. وقال الحسن: إن أخذ من شعره وأظفاره أو خلع خفيه فلا وضوء عليه. وقال عطاء فيمن يخرج من دبره الدود، أو من ذكره نحو القملة: يعيد الوضوء. الغريب: "الغَشْيُ": مثقل من الغِشَاوة والغطاء، وقيل: هو الإغماء، وعند الأصيلي مخفف. وقوله: "ناعس": هو الأفصح، وربما قيل: نعسان. و"الحز": كالقطع وزنًا ومعنى. و"نزفه الدم": ينزُفه، بضم الزاي وكسرها؛ أي: أدركه نزف الدم فصرعه، وقيل: خرج منه الدم بكثرة حتى ضعف. و"البَثْرة" ساكنة وتحرك: خراج في الجلد. * * *
5 - كتاب الغسل
(5) كتاب الغسل
1 - باب حكم الغسل وصفته
(5) كتاب الغسل (1) باب حكم الغسل وصفته لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} إلى قوله: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (¬1) [المائدة: 6، النساء: 43]. 162 - عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يَدَيْهِ، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيُخَلِّلُ بها أصول الشعر، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات (¬2) بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله. 163 - وعنها قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة، دعا بشيء نحو الحِلَابِ فأخذ بكفه فبدأ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأيمن، ثم الأيسر فقال بهما على ¬
وسط (¬1) رأسه. 164 - وعن ميمونة قال: صَبَبْتُ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غُسلًا، فأفرغ بيمينه على يساره فغسلها ثم غسل فرجه ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب -في أخرى: دَلَكَ به الحائط (¬2) - ثم غسلها ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه، وأفاض على رأسه، ثم تَنَحَّى فغسل قدميه، ثم أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فلم يَنْفُضْ بها. وفي أخرى: ثم غسل وجهه ويديه (¬3)، ثم غسل رأسه ثلاثًا (¬4). وفي أخرى: تَوَضَّأَ وضوءهُ للصلاة غير رجليه (¬5). وفي أخرى: فناولته خِرْقَةً فقال بيده هكذا، ولم يَرُدَّهَا فجعل ينفض الماء بيده (¬6). ¬
2 - باب ليس تقدير الماء بصاع ولا غيره لازما، واغتسال الرجل مع امرأته من إناء واحد، وكم تفيض على رأسه والتيمن في الغسل
"الحِلَاب": آناء يُحْلَبُ فيه، وقد توهمه البخاري طِيبًا، وليس كذلك على ما قاله الخطابي وغيره. * * * (2) باب ليس تقدير الماء بصاع ولا غيره لازمًا، واغتسال الرجل مع امرأته من إناء واحدٍ، وكم تفيض على رأسه والتيمن في الغُسْلِ 165 - عن عائشة قالت: كنت اغتسل أنا والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من إناء واحد من قَدَح يُقَالُ له: الْفَرَقُ. 166 - وعنها: أنها سألها أخوها عَنْ غُسْلِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعت بإناء نحوٍ من صاعٍ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب (¬1). ¬
167 - وعن جابر بن عبد اللَّه: وسأله قومه عن الغُسْلِ فقال: يكفيك صَاعٌ. فقال رجل: ما يكفيني صاع. فقال جابر: كان يكفي من هو أَوْفَى منك شَعْرًا، وخير منك، ثم أَمَّنَا في ثوب. 168 - وعنه: وقيل له: كيف الغسل من الجنابة؟ فقال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأخذ ثَلَاث أَكُفٍّ فيفيضها (¬1) على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده. فقال (¬2) الحسن -هو ابن محمد بن الحَنَفِيَّة: إني رجل كثير الشعر. فقلت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثر منك شَعرًا. 169 - وعن جُبَيْر بن مُطْعِمٍ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما أنا فَأُفِيضُ على رأسي ثلاثًا"، وأشار بيديه كلتيهما. "الفَرْقُ": بفتح الراء، وقد روي بإسكانها، والأول المعروف، وهو قدح يسع ثلاثة أَصْوُعٍ على ما قاله سفيان. 170 - وعن عائشة قالت: كُنَّا إذا أصاب إحدانا جنابةٌ أخذت بيديها ¬
3 - باب جواز الدوران على نسائه في غسل واحد
ثلاثًا فوق رأسها، ثم تأخذ بيدها (¬1) على شِقِّهَا الأيمنِ، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر. * * * (3) باب جواز الدوران على نسائه في غسل واحد 171 - عن عائشة قالت: كنت أُطَيِّبُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيطوف على نسائه ثم يصبح مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. 172 - وعن أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة. قلت لأنس: أوكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أُعْطِيَ قُوةَ ثلاثين. وقال سعيد عن قتادة: إن أنسًا حدثهم: تسع نسوة. "النَّضْخ": بالخاء المعجمة لا بالحاء المهملة، وهو سطوع بقية رائحة الطيب وقوّتها. * * * ¬
4 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج ولا يتيمم والمؤمن لا ينجس
(4) باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج ولا يتيمم والمؤمن لا ينجس 173 - عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاةُ وعُدِّلَتِ الصفوف قيامًا. فخرج إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قام في مُصَلَّاه ذكر أنه جنب فقال لنا: "مكانكم"، ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يَقْطُرُ، فَكَبَّر فَصَلَّيْنَا معه. 174 - وعنه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقِيَهُ في بعض طريق المدينة وهو جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ منه، فذهب فاغتسل، ثم جاء فقال: "أين كنتَ يا أبا هريرة؟ " قال: كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، قال: "سبحان اللَّه إن المسلم لا يَنْجُسُ" (¬1). "انْجَسْتُ": للحَمُّوي والكشميهني. وللمستملي: انْتَجَسْتُ، وكلاهما -واللَّه أعلم- تصحيف. ¬
5 - باب وجوب ستر العورة في الملأ، واستحبابه في الخلاء
وصوابه: انَخَنَسْتُ من الانخناس، وهو التأخر. * * * (5) باب وجوب ستر العورة في الملأ، واستحبابه في الخلاء 175 - عن ميمونة قالت: سَتَرْتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يغتسل من الجنابة. 176 - عن أم هانئٍ قالت: ذهبت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره فقال: "من هذه؟ " فقلت: أم هانئ. 177 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "كانت بنو إسرائيل يغتسلون _______ 175 - خ (1/ 109)، (5) كتاب الغسل، (21) باب: التستر في الغسل عند الناس، من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن كُرَيْب، عن ابن عباس، عن ميمونة به، وتمامه: وهو يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثم صبَّ بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيده على الحائط -أو الأرض- ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحَّى فغسل قدميه، رقم (281). 176 - خ (1/ 108)، (5) كتاب الغسل، (21) باب: التستر في الغسل عند الناس، من طريق مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللَّه، عن أبي مُرَّة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، عن أم هانئ به، رقم (280)، أطرافه في (357، 3171، 6158). 177 - خ (1/ 108)، (5) كتاب الغسل، (25) باب: من اغتسل عُريانًا وحده في الخلوة، ومن تَسَتَّر فالتَّسَتُّر أفضل، من طريق عبد الرزاق، عن مَعْمر، عن همام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة به، رقم (278)، طرفاه في (3404، 4799).
عُرَاةً (¬1)، ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده. فقالوا: واللَّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدَرُ (¬2). فذهب مَرَّةً يغتسل فوضع ثوبه على حَجَرٍ فَفَرَّ الحجرُ بثوبه، فَجَمَحَ (¬3) موسى في إِثْرِهِ وهو يقول: ثوبي يا حجر (¬4)، ثوبي يا حجر. حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا" فقال أبو هريرة: واللَّه إنه لَنَدَبٌ (¬5) بالحَجرِ ستة أو سبعة ضربًا بالحجر. 178 - ومن حديث أبي هريرة: . . . . . ¬
6 - باب غسل المرأة إذا احتلمت، ووضوء الجنب إذا أراد النوم
أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الاحْتِبَاءِ (¬1) في ثَوْبٍ واحد يُفْضِي بفَرْجِهِ إلى السماء. . . الحديث. 179 - وقال بهز: عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّه أحق أن يُسْتَحْيَى منه من الناس". الغريب: "جَمَح": أسرع في نُفْرَةٍ. "النَّدَبُ": بفتح الدال أثر الجراح. و"طفق": معناه أخذ وجعل. * * * (6) باب غسل المرأة إذا احتلمت، ووضوء الجنب إذا أراد النوم 180 - عن أم سلمة أنها قالت: جاءت أم سُلَيْمٍ امرأة أبي طلحة إلى ¬
7 - باب لا غسل إلا من الدفق، ونسخه
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! إن اللَّه لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غُسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعَمْ إذا رأت الماء". 181 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ للصلاة. 182 - وعن ابن عمر قال: ذَكَرَ عمر بن الخطاب أنه تصيبه الجَنَابَةُ من الليل فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "توضأ واغسل ذكرك ثم نَمْ". وفي رواية: "إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب" (¬1). * * * (7) باب لا غُسْلَ إلا من الدفق، ونسخه 183 - عن زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ: أنه سأل عثمان بن عفان قال: أرأيت ¬
إذا جامع الرجل امرأته ولم يُمْنِ؟ فقال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألتُ عن ذلك عليَّ بن أبي طالب، والزُّبيرَ بن العوام، وطلحة بن عبيد اللَّه، وأُبيَّ بن كعب فأمروه بذلك. 184 - وعن أبي أيوب قال: أخبرني أُبيُّ بن كعب أنه قال: يا رسول اللَّه! إذا جامع الرجل المرأة فلم يُنْزِلْ، قال: "يغسل ما مَسَّ المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي". 185 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جَلَسَ بين شُعَبِها الأربع ثم جهدها، فقد وجب الغسل". "الشُعَبُ الأربع": الفخذان وجانبا الفرج. و"جَهَدَهَا": بفتح الهاء: أتعبها بالإيلاج، وهو المعبر عنه في رواية (¬1) أخرى بالتقاء الخِتَانينِ (¬2). * * * ¬
6 - كتاب الحيض
(6) كتاب الحيض
1 - باب يجوز مباشرة الحائض واستعمالها في كل شيء إلا النكاح
(6) كتاب الحيض وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] الآية. وقوله عليه السلام لعائشة حين حاضت: "إن هذا شيء كتبه اللَّه على بنات آدم"، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. (1) باب يجوزُ مباشرة الحائض واستعمالها في كل شيء إلا النكاح 186 - عن عائشة: أنها كانت تُرَجِّلُ (¬1) رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي حائض ¬
-ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينئذٍ مُجَاوِرٌ (¬1) في المسجد- يدني لها رأسه وهي في حجرتها فتُرَجِّله وهي حائض. 187 - وعنها أنها قالت: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتكئ في حَجْرِي وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن. 188 - وعنها: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرني فَأَنَّزِرُ فيباشرني (¬2) وأنا حائض. 189 - وعنها قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يباشرها أمرها أن تَتَّزِرَ في فَورِ حيضها (¬3)، ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إِرْبَهُ كما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يملك إِرْبَهُ؟ 190 - وعن ميمونة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يُبَاشِرَ امرأةً من نسائه أمرها فَاتَّزَرَتْ وهي حائض. ¬
2 - باب ترك الحائض الصوم والصلاة وتفعل المناسك كلها إلا الطواف، وتحضر العيد، وتعتزل المصلى وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة
191 - وعن أم سلمة قالت: بَيْنَا أنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مضطجعةٌ في خَمِيصَةٍ (¬1) إذ حِضْتُ، فَانسلَلْتُ (¬2) فأخذت ثياب حيضتي فقال: "أَنُفِسْتِ؟ " قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخَمِيلَةِ. الغريب: "المجاور": المعتكف هنا. و"فور حيضتها": معظمها (¬3). و"الحيضة" بفتح الحاء المصدر وبكسرها الدم. و"الإِرْبُ": الحاجة وأصله العضو، وهو بكسر الهمزة وسكون الراء. ويقال: أرب -بفتح الهمزة والراء. و"الخميصة": كساء له أعلام. و"الخميلة": كساء له زبير وهو الخمل. * * * (2) باب ترك الحائض الصوم والصلاة وتفعل المناسك كلها إلا الطواف، وتحضر العيد، وتعتزل المُصَلَّى وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة 192 - عن أبي سعيد الخُدري قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى ¬
-أو فطرٍ- إلى المُصَلَّى فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء! تَصَدَّقْنُ، فإني أُرِيتُكُنَّ أكثر أهل النار" فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أَذْهَبَ لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: "أَلَيْسَ شهادةُ المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟ " قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تَصُمْ؟ " قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان دينها". 193 - وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشة حين حاضت: "افعلي ما يفعل الحاجُّ غَيْرَ أَلَّا تطوفي بالبيت حتى تطهري". الغريب: "العشير": المعاشر، وهو المخالط، ويعني به هنا الزوج. و"اللب": العقل. و"الحازم": هو المتشمر للأمور، العازم عليها. _______ = طريق زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد اللَّه، عن أبي سعيد الخدري به، رقم (304)، طرفه في (1462، 1951، 2658). 193 - خ (1/ 115)، (6) كتاب الحيض، (7) باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به، رقم (305). وأوله قالت: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سَرِفَ طمثتُ، فدخل عليَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أبكي، فقال: "ما يبكيك؟ " قلت: لوددت واللَّه أني لم أحج العام. قال: "لعلك نفست؟ " قلت: نعم. قال: "فإن ذلك شيء كتبه اللَّه على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج. . . " الحديث.
194 - وعن حفصة، عن أم عطية قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يَخْرُجُ العَوَاتِقُ (¬1) ذوات (¬2) الخُدُور والحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الخير، ودعوةَ المؤمنين، وتعتزل الحُيَّضُ المُصَلَّى". قالت حَفْصَةُ: فقلت: اَلحُيَّضُ؟ فقلت: أليس تشهد عرفة، وكذا وكذا. 195 - وعن مُعَاذَةَ: أن امرأة قالت لعائشة: أَتَجْزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أَحَرُورِيَّةٌ (¬3) أنتِ؟ ، قد كنا نحيض مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا يأمرنا، أو قالت: فلا نفعله. "تَجزِ": بفتح التاء؛ بمعنى تقضي. * * * ¬
3 - باب الاستحاضة وأحكامها
(3) باب الاستحاضة وأحكامها 196 - عن عائشة أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصلاة؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما ذلك عِرْقٌ وليس بالحيضة، فإذا أقلبت الحيضةُ فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها، فاغسلي عنك الدم وصلي". 197 - وعنها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطَّسْتَ تحتها من الدم، وزعم أن عائشة رأت ماء العُصْفُرَ فقالت: كأن هذا شيء كانت فلانة تجده. وفي رواية (¬1): اعتكف معه امرأة من أزواجه وكانت ترى الدم والصُّفْرَة والطَّسْتُ تحتها وهي تصلي. الغريب: الدم التي تخرج من الرَّحِم ثلاثة، دم جنين: وهو الخارج على وجه ¬
4 - باب اغتسال الحائض إذا طهرت ونقضها شعرها واستعمالها الطيب حينئذ
الصحة من المُعْصِرِ (¬1)، فصاعدًا. ودم نفاس: وهو الخارج بسبب الولادة، ودم علة وفساد: وهو دم الاستحاضة. * * * (4) باب اغتسال الحائض إذا طهرت ونقضها شعرها واستعمالها الطيب حينئذ 198 - عن عائشة: أن امرأة سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: "خُذِي فِرصَةً من مِسْكِ فَتَطَهَّرِي بها" قالت: كيف أتطهر بها (¬2)؛ قال: "تَطَّهَّرِي بها" قالت: كيف؟ قال "تطهري بها" (¬3) فَاجْتبَذْتُهَا إليَّ فقلت: تَتَبَّعِي بها أَثَر الدَّمِ. وفي رواية (¬4): "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً وتوضئي (¬5) ثلاثًا -أو قال- توضئي ¬
بها"، ثم استحيا وأعرض بوجهه. 199 - وعنها أنها قالت: أهللت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجَّةِ الوداع فكنت ممن تمتع ولم يَسُقِ الهَدْيَ. فَزَعَمَتْ أنها حاضت، (ولم تطهر حتى دخلت ليلة) (¬1) يوم (¬2) عرفة. . . (فقالت: يا رسول اللَّه. هذه ليلة عرفة) (¬3)، وإنما كنت تمتعت بعمرة؟ فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انْقُضِي (¬4) رأسك وامتشطي -وفي رواية (¬5): وأَهِلِّي بِحَجٍّ- وأمسكي عن عمرتك"، ففعلتُ. . . الحديث. وسيأتي. 200 - عن أم عطية قالت: كنا نُنْهَى أن نُحِدَّ (¬6) على مَيِّتٍ فوق ثلاث إلا عن زوج أربعة أشهُرٍ وعشرًا ولا نكتحل ولا نتَطَيَّب ولا نلبس ثوبًا مَصْبُوغًا ¬
إلا ثوبَ عَصْبٍ (¬1). وقد رُخِّصَ لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نُبْذَةٍ من كُسْتِ أظفارٍ (¬2)، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز. وفي رواية: عن حفصة عن أم عطية عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). الغريب: "فِرْصَة": بالفاء وكسرها وبالصاد المهملة صحيحها، وهي القطعة من الجلد، وعلى هذا فيكون الصحيح في "مَسْك" فتح الميم فإنه الجلد، ويشهد لهذا قوله في الرواية الأخرى: "مُمَسَّكة"؛ أي: قطعة جلد جُعِلَ فيها مسك، وقد قيدنا ميم "مِسْك" بالكسر؛ يعني به شيئًا من مسك، عَبَّر عنه بقطعة. و"الحَصْبَة": المحَصَّب، وهو موضع خارج مكة ينزل فيه الحاج عند رجوعهم من مِنَى. و"العَصْب": برود اليمن الغلاظ. و"النُّبْذَة": الشيء اليسير، وأدخل فيها الهاء؛ لأنه بمعنى القطعة، وهو بضم النون. و"الكُسْت": القُسْط أُبدلت ¬
5 - باب إقبال المحيض وإدباره، والصفرة والكدرة
الكاف من القاف والتاء من الطاء، وقد روي بالقاف وبالطاء في "كتاب مسلم". و"الأظفار": يعني بها هنا الظفر الذي يتبخر به. ووقع في "البخاري" عند جميع الرواة فيما علمت: "من كُسْتِ أظفار" -بالإضافة، وليس بشيء؛ لأنهما نوعان مختلفان غير أن بعضهم قد حذف الألف فقال: ظفار، وكأنه عنى بها المدينة التي باليمن، ويلزمه على هذا ألا يَصْرِفها؛ كحذَام، أو يبنيها على الكسر كفخار (¬1). * * * (5) باب إقبال المحيض وإدباره، والصُّفْرة والكُدْرَةِ قد تقدم قوله عليه السلام (¬2) "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغْسِلِي عنك الدَّمَ وصلي". 201 - وقال البخاري: وكُنَّ نساءٌ يبعثن إلى عائشة بالدِّرَجَةِ (¬3) فيها الكُرْسُف (¬4) فيه الصُّفْرَة فتقول: . . . . . ¬
لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة (¬1) البيضاء -تريد بذلك الطهر من الحيضة- وبلغ ابنة زيد بن ثابت أنَّ نساءً كُنَّ يَدْعُونَ بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطُّهْرِ. فقالت: ما كان النساء يَصْنَعْنَ هذا، وعابت عليهن. 202 - وعن أم عطية قالت: كنا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ شيئًا (¬2). قلت: تعني بعد الطهر. وكذا في "كتاب أبي داود" (¬3). و"الدِّرجة": جمع دُرْجَة، وهي وعاء تجعل فيه المرأة ما تحتاج إليه من الخِرَقِ وغيرها. وروايتها بكسر الدال وفتح الراء. و"الكُدْرَة": أن يتغير دمها إلى الغُبْرَة وبعدها إلى الصفرة وبعدها تكون القصة البيضاء، وهي ماء أبيض كالقص وهو الجص. * * * ¬
6 - باب إذا قالت المرأة: إنها حاضت في شهر ثلاث حيض وما يصدق النساء فيه من ذلك
(6) باب (¬1) إذا قالت المرأة: إنها حاضت في شهر ثلاث حيض وما يصدق النساء فيه من ذلك لقول اللَّه تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، ويذكر عن علي وشريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثًا في شهر صدقت. وقال عطاءٌ: أقراؤها ما كانت. وبه قال إبراهيم، وقال عطاء: الحيض يوم إلى خمس عشرة، وسئل ابن سيرين عن المرأة ترى الدم بعد قرئها بخمسة أيام؟ قال: النساء أعلم بذلك (¬2). 203 - وعن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: إني أُستَحاضُ فلا أطهر. أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عِرْقٌ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كانت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي". * * * ¬
7 - كتاب التيمم
(7) كتاب التيمم
1 - باب في قوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43، المائدة: 6]، وفيمن لم يجد ماء ولا ترابا
(7) كتاب التيمم (1) باب في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]، وفيمن لم يجد ماءً ولا ترابًا 204 - عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض أَسْفَارِهِ حتى إذا كنا بالبَيْدَاءِ -أو بِذَاتِ الجَيْشِ- انقطع عِقْدٌ لي، فأقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماءٍ. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَاضعٌ رأسه على فَخِذِي قد نام فقال: حَبَسْتِ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء. _______ 204 - خ (1/ 125)، (7) كتاب التيمم، (1) باب، من طريق مالك، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (334)، أطرافه في (336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 5250، 5882، 6844، 6845).
2 - باب ما خصت به هذه الأمة من التيمم، وصفته
فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء اللَّه أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خَاصِرَتِي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فخذي. فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أصبح على غير ماء فأنزل اللَّه آية التيمم فتيمموا، فقال أُسَيْدُ بن الحُضَيْرِ: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العِقْدَ تحته. 205 - وعنها أنها قالت: استعرتُ من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا فوجدها، فأَدْرَكَتْهُمُ الصلاةُ وليس معهم ماء فَصَلَّوا. فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنزل اللَّه آية التيمم، فقال أسيد بن حضير لعائشة: جزاك اللَّه خيرًا، فواللَّه ما نزل بك أمرٌ تكرهينه إلا جعل اللَّه تعالى ذلك لك وللمسلمين فيه خيرًا. * * * (2) باب ما خُصَّتْ به هذه الأمة من التيمم، وصفته 206 - عن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُعْطِيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مَسْجِدًا _______ 205 - خ (1/ 126)، (7) كتاب التيمم، (2) باب: من لم يجد ماءً ولا ترابًا، من طريق عبد اللَّه بن نُمَيْر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (336). 206 - خ (1/ 126)، (7) كتاب التيمم، (1) باب، من طريق سَيَّار، عن يزيد بن صُهيب الفقير، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (335)، طرفه في (438، 3122).
وطَهُورًا. فأَيُّما رجُلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحِلَّتْ ليَ الغَنَائِمُ، ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبْعَث إلى قومه خاصة، وبُعِثْت إلى الناس عامة". 207 - وعن عبد الرحمن بن أَبْزَى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب قال: إني أَجْنَبْتُ فلم أُصِبِ الماءَ. فقال عمار بن ياسر لعمر ابن الخطاب: أما تذكر أَنَّا كُنَّا في سَفَر، أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فَتَمَعَّكْتُ (¬1) فصليت (¬2)، فذكرت ذلك (¬3) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما كان يَكْفِيكَ هكذا"، فضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكَفَّيْه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح وجهه وكفيه. وفي رواية: وضرب بيده ثم أدناهما مِنْ فِيه (¬4). وفي أخرى (¬5): قال له عمار: كُنَّا في سَرِيَّةٍ فأجنبنا، وقال: تفل فيهما. * * * ¬
3 - باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف خروج الوقت
(3) باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف خروج الوقت وبه قال عطاء، وقال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله: يتيمم. 208 - وعن أبي جُهَيْم -واسمه عبد اللَّه بن الحارث بن الصِّمَّةِ الأنصاري- قال: أقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من نحو بئر جَمَلٍ، فلقيه رجل فسلَّم عليه فلم يرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام. * * * (4) باب الصعيد الطيب وَضُوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين وقال الحسن: يجزئه التيمم ما لم يحدث، وأَمَّ ابن عباس وهو متيمم. وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالصلاة على السبخة والتيمم بها. 209 - وعن عِمْران بن حُصَيْن قال: كنا في سَفَرٍ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنا أَسْرَيْنَا _______ 208 - خ (1/ 127)، (7) كتاب التيمم، (3) باب: التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة، من طريق الأعرج، عن عُمير مولى ابن عباس، عن أبي جُهيم به، رقم (337). 209 - خ (1/ 128 - 130)، (7) كتاب التيمم، (6) باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، من طريق يحيى بن سعيد، عن عوف، عن أبي رجاء، عن عمران به، رقم (344)، طرفاه في (3480، 3571).
حتى (¬1) كنا في آخر الليل وقعنا وَقْعَة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها. فما أيقظنا إلا حَرُّ الشمس، وكان أول من استيقظ فلان، ثم فلانٌ ثم فلانٌ -يُسَمِّيهم أبو رجاء فنسي عوف- ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو الذي يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يَحْدُثُ له في نومه، فلما استيقظ عمر، ورأى ما أصاب الناس -وكان رجلًا جَلِيدًا، فكبَّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يُكبر، ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما استيقظ شَكَوْنا إليه الذي أصابهم فقال: "لا ضَيْرَ -أو لا يضير- ارتحلوا" (¬2)، فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوَضُوءِ فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس. فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزلٍ لم يُصَلِّ مع الناس. قال: "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك". ثم سار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلانًا -كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف- ودعا عليًّا -رضي اللَّه عنه- فقال: "اذهبا فابتغيا الماء"، فانطلقا فلقيا (¬3) امرأةً بين مَزَادَتَيْنِ -أو سَطِيحَتَيْنِ- من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونَفَرُناَ خُلُوفٌ قالا لها: انطلقي إذًا. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالت: الذي يقال ¬
له: الصابئ؟ قالا: هو الذي تَعْنِينَ، فانطلقي، فجاءا بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحدثناه الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإناء، فأفرغ (¬1) فيه من أفواه المَزَادَتَيْنِ -أو السطيحتين- وأَوْكَأَ أفواههما، وأطلق العَزَالي، ونودي في الناس: اسقوا واستَقُوا فسقى من سقى (¬2) واستقى من شاء، وكان آخر ذلك (¬3) أَنْ (¬4) أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: "اذهب فأَفْرِغْهُ عليك"، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها وَايْمُ اللَّه لقد أُقْلِعَ عنها وإنه ليخيل إليها أنها أشد مِلأةً منها حين ابتدأها (¬5). فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لها طعامًا"، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعامًا، فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها. قال لها: "تعلمين ما رَزِئْنَا من مائك شيئًا، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا"، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجبُ، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له: الصابئُ، ففعل كذا وكذا فواللَّه إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه -وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة ¬
فرفعتهما إلى السماء -تعني السماء والأرض- أو إنه لَرَسُولُ اللَّه حقًّا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ (¬1) الذي هي منه. فقالت يومًا لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدًا، فهل لكم في الإسلام فأطاعوها فدخلوا في الإسلام. الغريب: "السُّرَى": سير الليل، وفِعْلُه سرى وأسرى لغتان قرئ بهما. و"الجليد من الرجال": الجَلَدُ، وهو الشهم الجريء على الأمور. و"لا ضَيْرَ": أي: لا ضرر. و"الصعيد": وجه الأرض، قاله الخليل. و"المَزَادَة": القِرْبَة الكبيرة بزيادة جلد فيها من غيرها، وبذلك سميت مَزَادَه. و"السطيحة": نوع من القِرَب مُسَطَّحة. و"النَّفَر" هنا: النساء. و"خُلوف": لا رجال معهم، يقال: حي خلوف: إذا خرج رجالهم في غارة أو نحوها، و"الصَّابئ": هو الخارج من دين إلى غيره، من صَبَأ النجم والسن: إذا طلعا، فأصله الهمزة. وقد يسهل، وقرئ بهما، وقد يكون المسهل من صبا يصبو: إذا مال. و"أَوْكَأَ": ربط بالوِكَاء، وهو الخيط الذي يشد به فم السقاء. و"العَزَالي": جمع عزلاء -ممدودًا مهموزًا- وهي مخرج الماء من المزادة. وقال الهَرَوِيُّ: هو فوها الأسفل، و"رَزِئْنَاك": نقصناك، وصوابه بالهمزة كما رواه الأصيلي، و"سقى" و"أسقى": لغتان، وقد فرق بينهما. * * * ¬
5 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو العطش تيمم.
(5) باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو العطش تيمم. ويُذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فذكر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يعنفه. 210 - عن شقيق قال: كنت جالسًا مع عبد اللَّه وأبي موسى الأشعري فقال له أبو موسى: لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا أما كان يتيمم ويصلي؟ فكيف تصنعُون بهذه الآية (¬1) في (سورة المائدة) {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، فقال عبد اللَّه: لو رُخِّصَ لهم في هذا لأَوْشَكُوا إذا بَرَدَ عليهم الماء أن يتيمَّمُوا الصعيد. قلت: وإنما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم. فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء فَتَمَرَّغْتُ في الصعيد كما تُمَرَّغُ الدابة. فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا"، وضرب (¬2) بكفه ضربةً على الأرض، ثم نَفَضَها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله -أو ظهرَ شماله بكفه- ثم مسح بهما وجهه. فقال عبد اللَّه: ألم تَرَ عمرَ لم يقنع بقول عمار؟ . وفي رواية: فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار، . . . . . ¬
كيف تصنع بهذه الآية؟ (¬1) وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للجنب: "عليك بالصعيد، فإنه يكفيك" (¬2). الغريب: "التيمم": لغةً هو القصد مطلقًا، وفي الشرع: القصد إلى الصعيد لعبادةٍ مخصوصةٍ. و"الصعيد": وجه الأرض مطلقًا، و"الطَّيِّب": الطاهر، وقيل: هو تراب الحرث المنبت. وقول أبي موسى أظهر في الحجة؛ لأن ابن مسعود قابل النص بالمصلحة. واللَّه أعلم. * * * ¬
8 - كتاب الصلاة
(8) كتاب الصلاة
1 - باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء
(8) كتاب الصلاة (1) باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء 211 - عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يُحَدِّثُ أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "فُرِجَ عن (¬1) سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام فَفَرَجَ صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطَسْتٍ من ذهب ممتلئ حكمةً وإيمانًا فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فَعَرَجَ بي إلى السماء. . . وذكر حديث الإسراء إلى أن قال: ففرض اللَّه على أمتي خمسين صلاةً، فرجعتُ بذلك حتى مررت على موسى. فقال: ما فرض اللَّه لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة. قال: فارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق (¬2). . . . . ¬
2 - باب وجوب الصلاة في الثياب وقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- "ألا يطوف بالبيت عريان"
فراجعت (¬1) فوضع شَطْرَها (¬2). قال: ارجع (¬3) إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعته فقال: هُنَّ (¬4) خمس وهن (¬5) خمسون، لا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ"، وسيأتي إن شاء اللَّه. * * * (2) باب وجوب الصلاة في الثياب وقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "ألا يَطوف بالبيت عُرْيَان" (¬6) 212 - وعن عُمرَ بنِ أبي سلمة قال: رأيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في ثوب ¬
واحد مُشْتَمِلًا به في بيت أم سلمة، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ على عَاتِقَيْهِ. 213 - وعن سعيد بن الحارث قال: سألنا جابر بن عبد اللَّه عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: خرجت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض أسفاره فجئت ليلةً لبعض أمري فوجدته يصلي وعَلَيَّ ثوب واحد فَاشْتَمَلْتُ به، وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: "ما السُّرَى (¬1) يا جابر؟ " فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال: "ما هذا الاشتمال (¬2) الذي رأيت؟ " قلت: كان ثوب، قال: "فإن كان واسعًا فَالْتَحِفْ به، وإن كان ضيِّقًا فَاتَّزِرْ به". 214 - وعن سهل بن سعد قال: كان رجال يُصَلُّون مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عاقدي ¬
3 - باب الصلاة في الثوب الواحد الساتر والأمر بجعل شيء منه على عاتقه
أُزُرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، وقال للنساء (¬1): "لا تَرْفَعُنَّ رؤوسَكُنَّ حتى يستوي الرجال جلوسًا". قال الزهري (¬2) في حديثه: المُلْتَحِف المُتَوَشِّح وهو المخالف بين طرفيه على عاتقيه، وهو الاشتمال على مَنْكِبَيْه. * * * (3) باب الصلاة في الثوب الواحد الساتر والأمر بِجَعْلِ شيء منه على عَاتِقِهِ 215 - عن أبي هريرة قال: قام رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: "أَوَكُلُّكُمْ يجد ثوبين؟ " ثم سأل رجلٌ عمرَ، فقال: إذا وَسَّعَ اللَّه فأوسعوا. جَمَعَ رجلٌ عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداءٍ، في إزار وقميص، في إزار وقَبَاء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في ¬
سراويل وقَبَاء، في تُبَّان (¬1) وقَبَاء (¬2)، في تُبَّان وقميص، قال: وأحسبه (¬3) قال: في تُبَّان ورداء. 216 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُصَلِّ (¬4) أحدُكم في الثوب الواحد ليس على عَاتِقَيْهِ (¬5) شيء". في لفظ آخر (¬6): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ صلى في ثوب واحدٍ فليخالف بين طرفيه". قوله: "جمع رجل عليه ثيابه"، خبر بمعنى الأمر؛ أي: ليجمع، وكذلك قوله: صلى رجل في كذا؛ أي: لِيُصَلِّ. * * * ¬
4 - باب ما يستر من العورة
(4) باب ما يُسْتَرُ من العورة 217 - عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اشتمال الصَّمَّاء (¬1)، وأن يَحْتَبِيَ (¬2) الرَّجُل في ثوب واحد ليس على فَرْجِهِ منه شيء". 218 - قال البخاري: ويروى عن ابن عباسٍ وجَرْهَد ومحمد بن جَحْشٍ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفخذ عورة". وقال أنس: حَسَرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن فخذه، وحديث أنس أسند، وحديث جَرهَدٍ أحْوطُ، حتى يُخْرَجَ من خلافهم. وقال أبو موسى: غَطَّى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ركبتيه حين دخل عثمان. وقال زيد بن ثابت: أنزل اللَّه على رسوله وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن تَرُضَّ (¬3) فخذي. ¬
5 - باب تستر المرأة الحرة جميع جسدها
219 - وعن أنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغَلَسبى، فركب نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) في زُقَاقِ خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . وذكر الحديث، وسيأتي بكماله إن شاء اللَّه تعالى. * * * (5) باب تستر المرأة الحرة جميع جسدها 220 - عن عائشة قالت: لقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات مُتَلَفِّعَاب في مُرُوطِهِنَّ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد. ¬
6 - باب الصلاة في الثوب ذي الأعلام والتصاوير والخمرة
الغريب: "التَّلَفُّع": تغطية الرأس والجسد، وعند الأصيلي: مُتَلَفِّفَاتٍ -بفاءين- ومعناهما واحد، و"المروط": جمع مِرْطٍ وهو الكساء. * * * (6) باب الصلاة في الثوب ذي الأعلام والتصاوير والخُمْرَة 221 - عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى في خَمِيصَةٍ لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتي هذه (¬1) إلى أبي جَهْمٍ وائتوني بِأَنْبِجَانِيَّةِ أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي". وفي أخرى (¬2): "كنت أنظر إلى أعلامها (¬3) وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني". 222 - وعن أنس قال: كان لعائشة قِرامٌ سترت به جانب بيتها، فقال ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمِيطِي عَنَّا قِرامَكِ هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي". 223 - وعن أبي جُحَيْفَةَ -وهو وهب بن عبد اللَّه- قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قُبَّةٍ حمراء من أَدَمٍ، ورأيت بلالًا أخذ وَضُوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورأيت الناس يَبْتَدِرُونَ من ذلك الوضوء، فمن أصاب شيئًا منه تَمَسَّحَ به، ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالًا أخذ عَنَزَة فركزها، وخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حلة حمراء مُشَمِّرًا، صلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرون (¬1) بين يدي العَنَزَة. الغريب: قد ذكرنا الخميصة، و"الأنبجان": كساء لا علم فيه غليظ، ويروى بفتح الهمزة والباء وكسرهما، وقال ابن قتيبة: إنما هو مَنْبِجَاني منسوب إلى مَنْبج، وفتحت باؤه؛ لأنه خرج مخرج نجراني، و"ألهتني": شغلتني، و"آنفًا": الساعة، و"تفتنني": تصرفني عن الصلاة وتذهلني عنها، و"أميطي": أزيلي ونحِّي، و"القِرَامُ": الستر، و"الحُلَّة": عندهم ثوبان ليسا بملفقين، وسميا بذلك؛ لأنهما يتحلى بهما لابسهما؛ أي: يتجمل، واللَّه أعلم. * * * ¬
7 - باب الصلاة على الحصير والخمرة وفي الخفاف وعلى ثوبه من شدة الحر
(7) باب الصلاة على الحصير والخُمْرة وفي الخِفَافِ وعلى ثوبه من شدة الحر 224 - عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: أن جدته مُلَيْكَةَ دعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لطعام صَنَعَتْهُ له، فأكل منه، ثم قال: "قوموا فلأصلي لكم". قال أنس: فقمت إلى حَصِيرٍ لنا قد اسْوَدَّ من طول ما لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بماءٍ، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَصَفَفْتُ أنا واليتيم وراءَهُ، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتين ثم انصرف. 225 - وعن ميمونة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي على الخُمْرَةِ (¬1). 226 - وعن أنس قال: كنا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيسجد أحدنا على ثوبه. ¬
في رواية: مِن شدة الحَرِّ في مكان السجود (¬1). 227 - وعن أنس -وسئل أكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في نعليه؟ (¬2) -، قال: نعم. 228 - وعن المغيرة بن شعبة: وَضَّأْتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمسح على خفيه وصلَّى. الغريب: الضمير في "جدته" هو عائد إلى إسحاق بن أبي طلحة، وهي أم أبيه أبي طلحة، ومالك هو القائل: أن جدته، قاله أبو عمر. وقال غيره: بل الضمير عائد إلى أنس، وهي جدته أم أمه. و"مُلَيْكَةُ": بضم الميم هو المعروف وذكر ابن عتاب عن الأصيلي: أنه مَلِيكة بفتح الميم وكسر اللام، وقوله: "فأصلي" ¬
8 - باب من صلى في ثوب حرير أو نجس ناسيا أو مضطرا لم تجب عليه إعادة
هي عند الكشميهني بغير لام، ساكنة الياء، وهي واضحة صحيحة، ورواها غيره: "فلأصلي لكم" بكسر اللام وفتح الياء على أنها لام (كي) على زيادة الفاء، وقد رويت بفتح اللام وسكون الياء، إما على إقحام اللام؛ كقوله {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا}، وكقول الشاعر: أم حُلَيْس لعجوز سلهبة * * * (8) باب من صلى في ثوب حرير أو نجس ناسيًا أو مضطرًا لم تجب عليه إعادة 229 - عن عُقْبَة بن عامر الجُهَنِيِّ قال: أُهْدِيَ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُّوجُ حَرِير فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، وقال: "لا ينبغي هذا للمتقين". وقد تقدم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طرح عليه سلا الجزور وهو يصلي، فلم يقطع ولا أعاد (¬1). و"الفَرُّوج" بالجيم هنا: نوع من الأقبية، واللَّه أعلم. * * * ¬
9 - باب وجوب استقبال القبلة، وقوله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] وأول مسجد وضع أول
(9) باب وجوب استقبال القبلة، وقوله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وأول مسجد وضع أول 230 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فذلك المسلم الذي له ذِمَّةُ اللَّه (¬1) وذمة رسوله، فلا تُخْفِروا (¬2) اللَّه في ذِمَّتِهِ". وفي طريق آخر (¬3): مَنْ شهد أن لا إله إلا اللَّه، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبحتنا فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم. 231 - (وعن أنس. . . . . ¬
ابن مالك) (¬1) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حَرُمَتْ علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللَّه". 232 - وعن أنس قال: قال عمر: وَافَقْتُ رَبِّي في ثلاث: قلت: يا رسول اللَّه! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلًى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وآية الحجاب، قلت: يا رسول اللَّه! لو أمرت نساءك أن يَحْتَجِبْنَ، فإنه يكلمهن البَرُّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الغَيْرَةِ عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية. 233 - وعن أبي ذر قال: قلت: يا رسول اللَّه! أَيُّ مسجد وضع في الأرض أَوَّلًا (¬2)؟ قال: "المسجد الحرام" (¬3) قلت: ثم أيُّ؛ قال: "المسجد ¬
10 - باب نسخ استقبال بيت المقدس والأمر باستقبال الكعبة، ومن تركه ناسيا فلا إعادة عليه
الأقصى" قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فَصَلِّ (¬1)، فإنَّ الفضل فيه". * * * (10) باب نسخ استقبال بيت المقدس والأمر باستقبال الكعبة، ومن تركه ناسيًا فلا إعادة عليه 234 - عن البراء بن عازب: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا -أو سبعة عشر شهرًا- وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة، (فأنزل اللَّه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فتوجَّه نحو الكعبة) (¬2) وقال السفهاء من الناس -وهم اليهود-: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]، فصلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل ثم خرج بعدما صلى فَمَرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه توجه نحو الكعبة، فَتَحَرَّفَ القوم حتى توجهوا نحو الكعبة. 235 - وعن ابن عمر قال: بينا الناس بقُبَاءَ في صلاة الصبح؛ إذ جاءهم ¬
11 - باب ما جاء في الصلاة في جوف الكعبة
آتٍ فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة. 236 - وعن علقمة عن عبد اللَّه قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر خمسًا، فقالوا: أَزِيدَ في الصلاة؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا: صَلَّيْتَ خمسًا، فَثَنَى رجليه وسجد سجدتين. * * * (11) باب ما جاء في الصلاة في جوف الكعبة 237 - عن مجاهد قال: أُتِيَ ابنُ عمر فقيل له: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل الكعبة. فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد خرج، وأجد بلالًا قائمًا بين البابين، فسألت بلالًا فقلت: صلَّى (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الكعبة؟ قال: نعم، بين ¬
12 - باب النهي عن البصاق في المسجد، وحك ما يوجد من ذلك فيه، واحترام جهة القبلة منه، وأين يبزق منه إذا غلبه البزاق، والنهي عن إتيان المساجد لمن أكل ثوما أو بصلا
الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه (¬1) الكعبة ركعتين. 238 - وعن ابن عباس قال: لما دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يُصَلِّ حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قُبُلِ الكعبة وقال: "هذه القبلة". * * * (12) باب النهي عن البُصَاق في المسجد، وحك ما يوجد من ذلك فيه، واحترام جهة القبلة منه، وأين يبزق منه إذا غلبه البزاق، والنهي عن إتيان المساجد لمن أكل ثومًا أو بصلًا 239 - عن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها". 240 - وعن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى نُخَامَةً في القبلة، فشق عليه ذلك ¬
حتى رُئي في وجهه، فقام فحكَّه بيده وقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه -أو إن ربه بينهُ وبين القبلة- فلا يَبْزُقَنَّ أحدكم قِبَلَ قِبْلَتِهِ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه"، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، قال: "أو يفعل كذا" (¬1). وفي رواية: "فلا يَبْصُقْ قِبَل وجهه؛ فإن اللَّه قِبَل وجهه إذا صلَّى" (¬2). وفي أخرى: "فلا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه" (¬3). وفي أخرى: "عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها" (¬4). 241 - وعن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في غزوة خيبر: "من أكل من ¬
هذه الشجرة -يعني الثوم (¬1) - فلا يَقْرَبَنَّ مسجدنا". 242 - حديث أنس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَنْ أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يُصَلِّيَنَّ معنا". 243 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أكل ثُومًا أو بَصَلًا فليعتزلنا -أو فَلْيَعْتَزِلْ مسجدَنَا- وليقعد في بيته". وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ بقِدْرٍ فيه خَضِرَاتٌ من بُقُولٍ فوجد لها ريحًا، فسال فأخبر بما فيها من البقول فقال: "قَرِّبُوهَا" إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: "كُلْ، فإني أناجي من لا تُنَاجي" (¬2). قال ابن وهب: أُتِيَ بِبَدْرٍ، قال: يعني طَبَقًا فيه خَضِرَاتٌ (¬3). 244 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هَلْ تَرَوْنَ قبلتي هاهنا؟ فواللَّه ما يخفى عليَّ ركوعكم ولا خشوعكم (¬4)، . . . . . ¬
13 - باب وضع المال في المسجد وقسمته فيه
وواللَّه (¬1) إني لأراكم من وراء ظهري" (¬2). * * * (13) باب وضع المال في المسجد وقسمته فيه 245 - عن أنس قال: أُتِي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمالٍ من البَحْرَيْنِ فقال: "انثرُوه (¬3) في المسجد"، وكان أكثر مال أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الصلاة، ولم يلتفت إليه. فلما قَضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه؛ إذ جاءه العباس فقال: يا رسول اللَّه! أعطني؛ فإني فاديت نفسي وفَادَيْتُ عَقِيلًا (¬4). فقال ¬
14 - باب اتخاذ المساجد في البيوت، ولا يكون لها أحكام مساجد العامة وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة
له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذْ"، فَحَثَا في ثوبه، ثم ذهب لِيُقِلَّه (¬1) فلم يستطع فقال: يا رسول اللَّه! اؤْمُرْ بعضهم يرفعه إلي. قال: "لا". قال: فارفعه أنت عليَّ. قال: "لا" فنَثَرَ منه. ثم ذهب يُقِلُّه، فقال: يا رسول اللَّه! اؤْمُر بعضهم يرفعه عليَّ. قال: "لا". قال: فارفعه أنت عليَّ. قال: "لا". فنثر منه، ثم احتمله فألقاه على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ -حتى خَفِيَ علينا- عجبًا من حرصه، فما قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وثَمَّ منها درهم. خَرَّجه مُعَلَّقًا ومُسْنَدًا. * * * (14) باب اتخاذ المساجد في البيوت، ولا يكون لها أحكام مساجد العامة وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة 246 - وعن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عِتْبَانَ بن مالك -وهو من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن شهد بدرًا من الأنصار- أنه أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، قد أَنْكَرْتُ بصري وأنا أُصلِّي لقومي، وإذا (¬2) كانت الأمطارُ سالَ الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتيَ مسجدهم، فأصلي بهم، وَوَدِدْتُ يا رسول اللَّه أنك تأتيني فتُصَلِّي في بيتي فأتخذه مُصَلًّى. ¬
15 - باب نبش قبور المشركين واتخاذ مكانها مسجدا، وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند القبر فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة
فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سأفعل إن شاء اللَّه". قال عتبان: فغدا عليَّ (¬1) رسول اللَّه وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَذِنْتُ له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أين تحبُّ أن أصلي من بيتك؟ "، فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكَبَّر، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم، قال: وحبسناه على خَزِيرَةٍ صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عَدَدٍ فاجتمعوا. فقال قائل منهم: أين مالك بن الدُّخَيْشِن -أو ابن الدُّخْشُن-؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب اللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا اللَّه، يريد بذلك وجه اللَّه؟ " قال: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنما نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن اللَّه حَرَّمَ على النار من قال: لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه". الغريب: "الخزيرة": حساءٌ يُعمَلُ من النخال، ولا يكون إلا بدسم. * * * (15) باب نبش قبور المشركين واتخاذ مكانها مسجدًا، وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند القبر فقال: القبرَ القبرَ، ولم يأمره بالإعادةِ 247 - وعن أنس قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة في حَيٍّ يقال لهم: بنو ¬
عمرو بن عوف، فاقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم أربعًا وعشرين ليلة (¬1)، ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين السيوف (¬2)، فكاني (¬3) أنظر إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على راحلته وأبو بكر رِدْفُهُ وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى (¬4) بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني (¬5) النجار فقال: "يا بني النجار! ثَامِنُونِي (¬6) بحائطكم هذا" قالوا: لا واللَّه لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه عز وجل. قال أنس: وكان (¬7) فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وخَرِبٌ ونخَلٌ (¬8)، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقبور المشركين فنُبِشَتْ، ثم بالخَرِبِ فَسُوِّيتْ، ويالنخل فَقُطِعَ، فصَفُّوا النخل قِبْلَةَ المسجد، وجعلوا عِضادَتَيهِ الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يَرْتَجِزُونَ، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معهم وهو يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره ¬
16 - باب الصلاة في مواضع الخسف والبيع
248 - وعن ابن عمر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم (¬1)، ولا تتخذوها قبورًا". * * * (16) باب الصلاة في مواضع الخسف والبِيَع 249 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المُعَذَّبِينَ (¬2) إلا أن تكونوا (باكين، فإن لم تكونوا) (¬3) باكين، فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم". 250 - وعن عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كنيسة ¬
17 - باب النوم في المسجد للمرأة والرجل
رَأَيْنَهَا بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا ذلك (¬1) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند اللَّه". 251 - وعن عائشة وعبد اللَّه بن عباس قالا: لما نزل برسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-، طَفِقَ يطرح خَميصةً له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو كذلك-: "لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا. "طفق": جعل، وهي من أفعال المقاربة، و"الخميصة": كِسَاءٌ له عَلَمٌ. * * * (17) باب النوم في المسجد للمرأة والرجل 252 - عن عائشة: أن وَلِيدَةً كانت سوداء لِحَيٍّ من العرب فأعتقوها ¬
فكانت معهم. قالت: فخرجت صَبِيَّة لهم عليها وِشَاحٌ أحمر من سُيُورٍ. قالت: فوضعته -أو وقع منها- فمرت حُدَيَّاةٌ وهو مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لحمًا فخَطِفَتْهُ. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت: فَاتَّهَمُونِي به. قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قُبُلَهَا. قالت: واللَّه إني لقائمة معهم إذ مَرَّتِ الحُدَيَّاةُ فأَلقَتْهُ، قالت: فوقع بينهم، فقلت: هذا الذي اتهمتموني به، زعمتم وأنا منه بريئة، وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأسلمت. قالت عائشة: فكان لها خِبَاءٌ في المسجد أو حِفْشٌ، قالت؛ فكانت تأتيني فتَحدَّثُ عندي. قالت: فلا تجلس عندي مجلسًا إلا قالت: ويومَ الوِشاحِ من تَعَاجِيبِ ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أَنْجَانِي قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعدًا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بالحديث (¬1). 253 - وعن ابن عمر: أنه كان ينام -وهو شاب أعزب لا أهل له- في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 254 - وعن سهل بن سعد قال: جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيت فاطمة فلم ¬
يجد عَلِيًّا في البيت فقال: "أين ابن عمك؟ " قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لإنسان: "انظر أين هو؟ " فجاء فقال: يا رسول اللَّه، هو في المسجد راقدٌ، فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مَضْطَجعٌ قد سقط رداؤه عن شِقِّهِ وأصابه تراب، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسحه عنه، ويقول: "قم أبا تُرابٍ، قم أبا تُرابٍ". 255 - وعن أبي هريرة قال: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُّفَّةِ، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء- قد رَبطوا في أعناقهم؛ فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. الغريب: "الوليدة": هنا الأَمَةُ، والوليدة في الأصل: اسم للمولود من ولادته إلى حين فصاله. و"الوشاح": خيط يتوشح؛ أي: يُجعل على العاتق. و"الحِفْشُ": البيت الصغير. و"أعزب": كذا وقع، وصوابه: عزب، وأصل العزوبة: البعد، ومنه قولهم: الشاء عازب؛ أي: بعيد. و"لم يَقِل": من القائلة. * * * _______ = حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد به، رقم (441)، أطرافه في (3703، 6204، 6280). 255 - خ (1/ 159)، (8) كتاب الصلاة، (58) باب: نوم الرجال في المسجد، من طريق ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة به، رقم (442).
18 - باب الصلاة في المسجد إذا قدم من سفر، ومن دخله فليبدأ بيمنى رجليه وليحيه ركعتين
(18) باب الصلاة في المسجد إذا قدم من سفر، ومن دخله فليبدأ بيمنى رجليه وليحيه ركعتين وقال كعب بن مالك: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلّى فيه. 256 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في المسجد -قال مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قال: ضُحًى- فقال: صلِّ ركعتين، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني. 257 - وعن أبي قتادة السَّلَمِي: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس". وقد تقدم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحب التَّيَمُّنَ ما استطاع في شأنه كله (¬1). ¬
19 - باب في بناء المساجد، وكراهية زخرفتها
وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى (¬1). * * * (19) باب في بناء المساجد، وكراهية زخرفتها وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أَكِنُّ الناس من المطر، وإياك أن تُحَمِّرَ أو تُصَفِّرَ فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون فيها، ولا يعمرونها إلا قليلًا. وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. 258 - وعن نافع: أن عبد اللَّه أخبره أن المسجد كان على عهد وسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَبْنِيًّا باللَّبِنِ، وسقفه الجريد، وعُمُده (¬2) خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باللَّبِن وأعاد عُمُده خشبًا، ثم غَيَّرَهُ عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداوه بالحجارة المنقوشة والقَصَّةِ، وجعل عَمَدَهُ من حجارة منقوشة، وسقفه بالسَّاجِ. ¬
259 - وعن عمرو بن دينار وعُبَيْد اللَّه بن أبي يزيد قالا: لم يكن على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت، حتى كان عمر فبنى حوله حائطًا. قال عبيد اللَّه: جَدْرُه قَصير، فبناه ابن الزبير. 260 - وعن عُبَيْد اللَّه الخولاني: أنه سمع عثمان بن عفان يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنكم أكثرتم (¬1)، وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيقول: "مَنْ بنى مسجدًا -حسبت أنه قال- يبتغي وجه اللَّه، بَنَى اللَّهُ له مِثْلَهُ في الجَنَّةِ". الغريب: "أُكِنُّ الناس": أسترهم. "وتَفْتِن": تشغل، وتصرف عن الصلاة. و"الزخرفة": التذهيب، و"الزُّخْرُف": الذهب. و"اللَّبِنُ": جمع لَبِنَة، وهي الطوب المطبوخ. و"العُمُد": القوام التي يقوم عليها السقف، وتكون من حجارة ومن خشب. و"السَّاج": خشب صلب أسود. ¬
20 - باب المرور وإنشاد الشعر واللعب بالحراب في المسجد، ومن دخل المسجد بسلاح فليمسك على نصولها
و"القَصَّة" بفتح القاف: الجِصُّ، وقد تقدم. * * * (20) باب المرور وإنشاد الشعر واللعب بالحِرَابِ في المسجد، ومن دخل المسجد بسلاح فليمسك على نصولها 261 - وعن أبي بُرْدَة، عن أبيه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من مرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنَبْلٍ، فليأخذ على نصالها لا يَعْقِر بكَفِّهِ (¬1) مُسْلِمًا". 262 - وعن جابر: أن رجلًا مرَّ في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها، فأمره أن يأخذ بنُصُولِهَا لا يخدش مسلمًا. 263 - وعن (¬2) عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع حسَّان بن ثابت الأنصاري ¬
21 - باب التقاضي والملازمة، وحبس الأسير والغريم في المسجد
يستشهد أبا هريرة -رضي اللَّه عنه-: أنشدك اللَّه هل سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أَجِبْ عن رسول اللَّه، اللهم أيده بروح القُدُسِ؟ " قال أبو هريرة: نعم. 264 - وعن عائشة قالت: لقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا على باب حجرتي، والحبشة يَلْعَبُونَ في المسجد، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسترني بردائه، أنظر إلى لَعِبهم. * * * (21) باب التقاضي والملازمة، وحبس الأسير والغريم في المسجد 265 - عن كعب بن مالك: أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجْفَ حجرته فنادى: "يا كعب" قال: لبيك يا رسول اللَّه، قال "ضع من دينك هذا"، وأومأ إليه؛ أي: الشَّطرَ، قال: لقد فعلتُ يا رسول اللَّه، قال: "قُمْ فَاقْضِهِ". _______ 264 - خ (1/ 163)، (8) كتاب الصلاة، (69) باب: أصحاب الحراب في المسجد، من طريق صالح، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة به، رقم (454)، أطرافه في (455، 950، 988، 2906، 3529، 3931، 5190، 5236). 265 - خ (1/ 164)، (8) كتاب الصلاة، (71) باب: التقاضي والملازمة في المسجد، من طريق يونس، عن الأزهري، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن كعب به، رقم (457)، أطرافه في (471، 2418، 2424، 2706، 2710).
266 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن عِفْرِيتًا من الجن تَفَلَّتَ عليَّ البارحةَ -أو كلمة نحوها- ليقطع عَلَيَّ الصلاة. فأمكنني اللَّه منه. فأردت أن أربطه إلى ساريةٍ من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فردَّهُ خَاسِئًا". 267 - وعن أبي هريرة قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيلًا قِبَل نَجْدٍ، فجاءت برجلٍ من بني حَنِيفَةَ يقال له: ثُمَامَة بن أُثَالٍ، فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد، فخرج إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه. وكان شُرَيْح يأمر بالغريم أن يُحْبَس في المسجد إلى سارية (¬1). الغريب: "سِجْفَ الحجرة": سترها. و"الشَّطْر": النصف. ¬
22 - باب إدخال المريض والبعير المسجد للعلة
و"الخاسئ": الذليل. * * * (22) باب إدخال المريض والبعير المسجد للعلة 268 - عن عائشة قالت: أصيب سعدٌ يوم الخندق في الأكْحَلِ، فضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيمة في المسجد ليعودَهُ من قريب، فلم يَرُعْهُمْ -وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلى الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يَغْذُو دمًا فمات منها. 269 - وعن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني أشتكي. قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة"، فطُفْتُ ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور. الغريب: "فلم يَرُعْهُم": لم يفزعهم يعنون بهذا اللفظ السُّرعة لا نفس الفزع. و"يَغْذُو": يسيل، يقال: غذا فم السقاء يغذو: إذا سال. _______ 268 - خ (1/ 166)، (8) كتاب الصلاة، (76) باب: الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، من طريق عبد اللَّه بن نُمَيْر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (463)، أطرافه في (2813، 3901، 4117، 4122). 269 - خ (1/ 166)، (8) كتاب الصلاة، (78) باب: إدخال البعير في المسجد للعلة، من طريق عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة به، رقم (464)، أطرافه في (1619، 1626، 1633، 4853).
23 - باب رفع الصوت في المساجد، والحلق، والاستلقاء، وتشبيك الأصابع فيها
و"الأَكْحَل": عرق غليظ في الذراع وفي الساق إذا قطع لم ينقطع دمه. * * * (23) باب رفع الصوت في المساجد، والحِلَق، والاستلقاء، وتشبيك الأصابع فيها 270 - عن السائب بن يزيد قال: كنتُ نائمًا في المسجد فَحَصَبَنِي رَجلٌ، فنظرتُ فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فَائْتِنِي بِهَذَيْنِ، فجئته بهما فقال (¬1): ممن (¬2) أنتما -أو من أين أنتما-؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، تَرْفَعَانِ أصواتكما في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! وقد تقدم حديث أبي واقد (¬3) في الثلاثة النَّفَرِ الذين رأى أحدهم فُرْجَةً في الحلقة فجلس فيهما. ¬
271 - وعن عباد بن تميم عن عمه: أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مستلقيًا في المسجد، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى. وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أنه قال: كان عمر وعثمان يفعلان ذلك. 272 - وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى صلاتي العَشِيِّ (¬1)، فصلى بنا ركعتين ثم سَلَّم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فَاتَّكَأَ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى. . . الحديث، وسيأتي. "حَصَبَنِي": رجمني بالحصباء. و"أول العَشِيّ": زوال الشمس. * * * ¬
24 - باب فتح خوخة في المسجد، ووضع المساجد على الطرق إذا لم يضر ذلك بالناس
(24) باب فتح خَوْخَة في المسجد، ووضع المساجد على الطرق إذا لم يضر ذلك بالناس 273 - عن ابن عباس قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه عَاصِبًا رأسه بِخِرْقَةٍ، فقعد على المنبر فحمد اللَّه، وأثنى عليه ثم قال: "إنه ليس من الناس أحدٌ أَمنَّ (¬1) عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن خُلَّةُ الإسلام أفضل، سُدُّوا عني كل خَوْخَةٍ (¬2) في هذا المسجد غير خَوْخَةِ أبي بكر". 274 - وعن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: لم أعقِلْ أَبَويَّ إلا وهما يدينان ¬
25 - باب فضل الخطا إلى المساجد
الدِّينَ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طَرَفَي النهار بُكْرَة وعشية ثم بدا لأبي بكر فَابْتَنَى مسجدًا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم (¬1) يعجبون منه وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلًا بَكَّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين. * * * (25) باب فضل الخُطَا إلى المساجد 275 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاة الجماعة (¬2) تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسًا وعشرين درجة؛ فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يَخْطُ خُطْوَةً إلا رفعه اللَّه بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئةً حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي الملائكة عليه ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يُحْدِثْ فيه (¬3) ". * * * ¬
26 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد
(26) باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد 276 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد، فَائْذَنُوا لَهُنَّ". 277 - وعن عائشة قالت: لو أدرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحدث النساء، لمنعهن كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل. قال يحيى (¬1) بن سعيد: قلت لعمرة: أومُنِعْنَ؟ قالت: نعم. * * * (27) باب التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصلاة فيها 278 - عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد اللَّه يتحرى أماكن ¬
28 - باب السترة للصلاة والدنو منها
من الطريق فيصلي فيها، ويُحَدِّثُ أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في تلك الأمكنة. وحدثني نافع عن ابن عمر: أنه كان يصلي في تلك الأمكنة وسألت سالمًا، فلا أعلم (¬1) إلا وافق نافعًا في الأمكنة كلها، إلا أنهما اختلفا في مسجدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاء. تركت الحديث الطويل في تعيين تلك الأمكنة؛ إذ يَعْسُر حفظه مع أنه ليس فيه حكم مهم، فمن أراده راجع الأصل (¬2). * * * (28) باب السترة للصلاة والدنو منها 279 - عن عبد اللَّه بن عباس أنه قال: أقبلت راكبًا على حمار أَتَانٍ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بمنًى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم يُنْكِرْ ذلك عليَّ أحدٌ. ¬
280 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحَرْبَةِ فتُوضَعُ بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثَمَّ اتخذها الأمراء. 281 - وعن عون بن أبي جُحَيْفَةَ قال: سمعت أبي يقول: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهَاجِرَةِ، فَأُتِي بوضوء، فتوضأ فصلى بنا الظهر -وبين يديه عَنَزَةٌ- والمرأة والحمار يمرون من ورائها. 282 - وعن سهل قال: كان بين مُصَلَّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين الجدار ممر الشاة. 283 - وعن سلمة قال: كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة أن تجوزها. * * * _______ 280 - خ (1/ 174)، (8) كتاب الصلاة، (90) باب: سترة الإمام سترة من خلفه، من طريق عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (494)، وأطرافه في (498، 972، 973). 281 - خ (1/ 175)، (8) كتاب الصلاة، (93) باب: الصلاة إلى العنزة، من طريق شعبة، عن عون بن أبي جُحَيْفة، عن أبيه به، رقم (499). 282 - خ (1/ 174)، (8) كتاب الصلاة، (91) باب: قدر كم ينبغي أن يكون بين المُصَلِّي والسترة؟ من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل به، رقم (496). طرفه في (7334). 283 - خ (1/ 174)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق المكي، عن يزيد بن أبي عُبيد، عن سلمة به، رقم (497) وفي "صحيح البخاري": ما كادت الشاة تجوزها.
29 - باب الصلاة إلى الأسطوانة والراحلة والرحل والنائمة والمضطجعة، وقال عمر: المصلون أحق بالسواري من المتحدثين إليها
(29) باب الصلاة إلى الأسطوانة والراحلة والرَّحْلِ والنائمة والمضطجعة، وقال عمر: المُصَلُّون أحق بالسواري من المتحدثين إليها ورأى ابن عمر رجلًا يصلي بين أسطوانتين فادناه إلى سارية فقال: صل إليها. 284 - وعن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت: يا أبا مسلم! أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة، قال: فإني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتحرى الصلاة عندها. 285 - وعن أنس قال: لقد رأيت كبار أصحاب رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبتدرون السواري عند المغرب. 286 - وعن ابن عمر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يُعَرِّضُ راحلته فيصلي إليها، قلت: أفرأيت إذا هَبَّتِ الرِّكَابُ (¬2)؟ قال: كان يأخذ الرَّحْلَ فيُعَدِّلُه فيصلي ¬
إلى آخِرَته -أو قال مُؤَخَّرِه (¬1) - وكان ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يفعلُه. 287 - وعن عائشة: -ذُكِرَ (¬2) عندها ما يقطع الصلاة فقالوا: يقطعها الكلب والحمار والمرأة- فقالت: لقد جعلتمونا كلابًا لقد رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فكره أن أستقبله فأَنْسَلُّ انْسِلَالًا. وفي رواية: فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فقبضتهما (¬3). وفي رواية: فيتوسط السرير فيصلي، فأكره أن أَسْنَحَهُ (¬4)، فأنسل (¬5) من قِبَلِ رجلي السرير حتى أنسل من لحافي (¬6). ¬
30 - باب إثم المار بين يدي المصلي والأمر برده
وفي أخرى: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت (¬1). الغريب: "الأسطوانة": السارية. و"يتحرى": يقصد. و"آخرة الرَّحْلِ ومُؤَخِّرَته": سواء، وهي ما يستدبر الراكب من الرحل، والأفصح الأَخِرَة. و"هبت الركاب": تحركت واضطربت. و"الرِّكاب": الإبل. و"أَسْنَحه": أتعرَّض أمَامَهُ، يقال: سَنَح في الشيء: إذا ظهر وعرض، وأصله السانح من الطير في العيافة وضده البارح. و"غمزني": عضبني. * * * (30) باب إثم المار بين يدي المصلي والأمر برده 288 - عن أبي صالح السَّمَّان قال: رأيت أبا سعيد الخدري يوم الجمعة ¬
يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي مُعَيْطٍ أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مَسَاغًا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان". 289 - وعن بُسْرِ بن سعيد: أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جُهَيْمٍ يسأله ماذا سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جُهَيْمٍ: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أنه يمر بين يديه". قال أبو النَّضْرِ: لأدري أقال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنةً. * تنبيه: روى البَزَّارُ هذا الحديث من طريق مَرْضِيَّةٍ، وقال: "أربعين خريفًا" (¬1) ¬
و"المساغ": الطريق. و"نال منه": أي ذَمَّه بسبب منعه. و"فليقاتله": فليدفعه دفعًا شديدًا يشبه دفع المقاتل. وقوله: "فإنما هو شيطان"؛ أي: فعله فعل شيطان، ويحتمل أن يريد أن الشيطان معه وحامل له على ذلك. وقد جاء في رواية: "فإن معه القرين" (¬1)؛ يعني: الشيطان. * * * ¬
9 - كتاب المواقيت
(9) كتاب المواقيت
1 - باب مواقيت الصلاة وفضلها، وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103]
(9) كتاب المواقيت (1) باب مواقيت الصلاة وفضلها، وقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] 290 - مالك، عن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز أخَّر الصلاة يومًا، فدخل عليه عروةُ بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخَّر الصلاة يومًا وهو بالعراق، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صلى فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صلى فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صلى فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صلى فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: بهذا أُمِرْتُ. فقال عمر لعروة: اعْلَمْ ما تُحدِّثُ، أَوَ إنَّ جبريل هو أقام لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بَشِيرُ بن أبي مسعود يحدث عن أبيه. _______ 290 - خ (1/ 182)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (1) باب: مواقيت الصلاة وفضلها، من طريق عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك به، رقم (521)، طرفاه في (3221، 4007).
291 - قال عروة: ولقد حدثتني عائشة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر. وفي رواية: لم يظهر الفَيءُ من حجرتها (¬1). 292 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ العمل أحبُّ إلى اللَّه؟ قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أيّ؟ قال: "ثم بر الوالدين" قال: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه" قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزَادَنِي. 293 - وعنه: أن رجلًا أصاب من امرأة قُبْلَةً، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخْبَرَهُ، فأنزل اللَّه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فقال الرجل: يا رسول اللَّه! أَلِي هذا؟ قال: "لجميع أمتي كلهم". ¬
2 - باب وقت الظهر، وتأخيرها في شدة الحر
"تظهر": تعلو. و"بر الوالدين": الإحسان إليهما والقيام بحقوقهما. و"الحجرة": الدار لأنها تحجر بحيطانها. و"استزدته": سألته الزيادة. و"زُلَفُ الليل": ساعاته. * * * (2) باب وقت الظهر، وتأخيرها في شدة الحر 294 - عن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فقام على المنبر فذكر الساعة، فذكر أن فيها أمورًا عظامًا، ثم قال: "من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا" (¬1) فأكثر الناس في البكاء، وأَكْثَرَ أن يقول: "سلوني"، فقام عبد اللَّه بن حُذَافَة السهميُّ فقال: من أبي؟ قال: "أبوك حُذَافة"، ثم أكثر أن يقول: "سلوني"، فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) نبيًّا. فسكت، ثم قال: "عُرِضَتْ ¬
عليَّ الجنة والنار آنفًا في عُرْضِ هذا الحائط، فلم أر كالخير والشر". 295 - وعن أبي بَرْزَةَ قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه، ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المئة، ويصلي الظهر إذا زالت الشمس، والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رَجِعَ والشمس حيَّةٌ، ونسيت ما قال في المغرب - ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: إلى شَطْر الليل. 296 - وعن أنس بن مالك قال: كنا إذا صلى خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر. 297 - وعن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا اشتد الحَرُّ فأَبْرِدُوا بالصلاة؛ فإن شدة الحَرِّ من فَيْحِ جهنم"، "واشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربي أكل بعضي بعضًا، فَأَذِنَ لها بِنَفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف، فهو (¬1) أَشَدُّ ما تجدون من الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِير". ¬
298 - وعن أبي ذر: أذَّن مؤذن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر، فقال: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ، أو قال: انتظر انتظر"، وقال: "شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة" حتى رأينا فَيْءَ التُّلُولِ. وفي رواية (¬1): كنا مع رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبْرِدْ"، ثم أراد أن يؤذن فقال له: "أَبْرِدْ" حتى رأينا فَيْءَ التُّلُول، وذكر نحوه. الغريب: "زاغت": مالت زالت عن كبد السماء. و"العُرْضُ" بضم العين: الناحية، وبفتحها: خلاف الطول. و"الظهائر": جمع ظهيرة. و"الإِبْرَادُ": الدخول في أول وقت البَرْد وهو حين، تنكسر سَوْرةُ (¬3) الحر بعد الزوال، وقد قدر ذلك برُبُعِ القامة والزيادة اليسيرة. و"الفَيْح": شدة حر النار، وكذلك اللَّفْح. ¬
3 - باب في وقت صلاة العصر وفضلها، والأمر بالتبكير بها، وإثم من فاتته من غير عذر
و"اشتكت النار": أي: خزنتها، ويحتمل أن يكون من باب: "شكى إليَّ جملي طولَ السُّرى". و"الزَّمْهرير": شدة البرد. و"الفَيْءُ": ظل ما بعد الزوال. و"التُّلُول": جمع تَلٍّ، وهي الروابي المرتفعة. و"حياة الشمس": بقاء حرارتها وارتفاعها. * * * (3) باب في وقت صلاة العصر وفضلها، والأمر بالتبكير بها، وإثم من فاتته من غير عذر 299 - عن أنس قال: كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر. 300 - وعن أبي أُمَامَة قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت: يا عَمّ! _______ 299 - خ (1/ 189)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (13) باب: وقت العصر، من طريق مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك به، رقم (548)، أطرافه في (550، 551، 7329). 300 - خ (1/ 189)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (13) باب: وقت العصر، من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حُنَيْف، عن أبي أمامة، عن أنس به، رقم (549).
ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر (¬1)، وهذه صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي كنا نصلي معه. 301 - وعن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حَيَّةٌ، فيذهب الذاهب إلى العَوَالِي فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعضُ العوالي من المدينة على أربعة أميال (¬2). 302 - وعن أبي المليح -واسمه عامر بن أسامة الهذلي- قال: كنا مع بُرَيْدَة في يوم ذي غَيْمِ، فقال: بَكَرُوا بصلاة العصر؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ترك صلاةَ العصر فقد حَبِطَ عملُه". 303 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الذي تفوته صلاة العصرُ فكأنما وُترَ أَهْلَهُ ومالَهُ". ¬
304 - وعن جرير بن عبد اللَّه قال: كنا مع (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة، فقال: "إنكم سَتَرَوْنَ ربكم كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغْلَبُوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ: {وَسَبِّحْ (¬2) بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. قال إسماعيل: افعلوا، لا تفوتَنَّكم. 305 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعْرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون". الغريب والشرح: بين بني عمرو وبين المدينة قريبٌ من ثلاثة أميال. و"حَبِطَ عمله": بطل وفسد. ¬
4 - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب
ومقصود بُرَيْدَةَ من هذا الحديث: أنَّ من أخَّر صلاة العصر إلى آخر وقت فضيلتها بَطل ثوابها، وإن أجزأت عنه، ولا يصح حملُه على ظاهره، إلا أن يكون التارك جاحدًا للوجوب، فيكون ذلك رِدَّةً وهي مبطلة للأعمال بلا شك، وليس مُرَادَ الحديث، فتعين ما ذكرناه، وعلى ذلك يحمل قوله: "كأنما وُترَ أهله وماله"؛ أي: سلب ذلك يعني به ثواب التبكير، واللَّه أعلم. وهو أحسن التأويلات فيما ظهر لي، وقد استوفيتها في الكتاب "المُفْهِمِ". وقوله: "لا تَضَامُّون": يروى بفتح التاء وتشديد الميم من الانضمام والازدحام، ويروى بضم التاء والميم وتخفيفها من الضيم، وهو الذل؛ أي: لا يلحقكم عند رؤية اللَّه تعالى شيء من ذلك، بخلاف المرئيات السماوية المعتادة؛ فإن ذلك يلحق عند رَوْمِ رؤيتها عند طلوعها. وقوله: "فإن استطعتم ألا تُغْلَبُوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"؛ يعني بهما الفجر والعصر؛ أي: لا تُغْلَبُوا على فعلهما في أول وقتهما. و"يتعاقبون": يعقب بعضهم بعضًا؛ أي: تنزل بعده، وعَقيبَه وهي لغة قوم من العرب يقولون: أكلوني البراغيث، والأفصح: أكلتني. * * * (4) باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب 306 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أدرك أحدكم سجدةً _______ 306 - خ (1/ 191)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (17) باب: من أدرك ركعة من =
من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فَلْيُتِمَّ صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فَلْيُتِمَّ صلاته". 307 - وعن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما بقاؤكم فيما سَلَفَ قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أُوتيَ أهلُ التوراةِ التوراةَ، فعملوا حتى (¬1) انتصف النهار، ثم (¬2) عجزوا فَأُعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيلِ الإنجيلَ، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فَأُعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فَأُعطينا قيراطين قيراطين. فقال: أهل الكتابين: أي ربنا! أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملًا. قال اللَّه عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا. قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء". 308 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ المسلمين واليهود ¬
5 - باب وقت المغرب
والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا إلى الليل، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أَجْرِك، فاستأجر آخرين فقال: أكملوا بقية يومكم، ولكم الذي شرطت. فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا. فاستأجر قومًا فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين". "ظلمتكم" هنا بمعنى: نقصتكم. * * * (5) باب وقت المغرب 309 - عن رافع خَدِيج قال: كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه لَيُبْصِرُ مواقع نبلِهِ. 308 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الظهر بالهَاجِرَةِ، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وَجَبَتْ، والعشاء أحيانًا وأحيانًا: إذا رآهم اجتمعوا عَجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا أو كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصليها بغَلَسٍ. _______ 309 - خ (1/ 192)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (18) باب: وقت المغرب، من طريق الأوزاعي، عن أبي النجاشي عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج، عن رافع ابن خديج به، رقم (559). 308 - خ (1/ 192)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق شعبة، عن سعد، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، عن جابر به، رقم (560)، طرفه في (565).
6 - باب من كره أن يقال للمغرب: العشاء وللعشاء: العتمة، ومن رآه واسعا
309 - وعن سلمة قال: كنا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المغرب إذا توارت بالحجاب. الغريب: "مواقع النَّبْل": حيث يقع؛ يعني: أنه كان يُبَكِّر بها قبل نزول الظلمة. و"نقية": يعني لم يخالطها صفرة. و"وجبت": يعني سقطت الشمس. و"الغَلَس": اختلاط الضوء بالظلمة. و"توارت": غابت. و"الحجاب": ما يحجبها عن الأبصار عند مغيبها. * * * (6) باب من كره أن يقال للمغرب: العشاء وللعشاء: العتمة، ومن رآه واسعًا 310 - عن عبد اللَّه المزني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تَغْلِبَنَّكمُ الأعرابُ على اسم صلاتكم المغرب قال (¬1): ويقول الأعراب: هي العشاء". ¬
311 - وعن عبد اللَّه بن عمر (¬1) قال: صلى لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة صلاة العشاء -وهي التي يدعو الناس العَتَمَة-، ثم انصرف فأقبل علينا فقال: "أرأيتَكُم ليلتَكم هذه؛ فإن رأس مئة سنة منها لا يبقى ممَّنْ هو على ظهر الأرض أحد". فَوَهَلَ (¬2) الناس في مقالة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض" يريد بذلك أنها تَخْرِمُ ذلك القرن. وقال عليه (¬3) السلام: "لو يعلمون ما في العَتَمَةِ والصبح، لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوًا". قال البخاري: والاختيار أن يقول: العشاء؛ لقوله تعالى {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]. ¬
7 - باب فضل العشاء وما يكره من النوم قبلها والحديث بعدها
الغريب: "العَتمة": شدة ظلمة الليل، وكانت العرب تحلبُ في ذلك الوقت، وتسمى تلك الحلبة العتمة، وأراد بقوله عليه السلام: "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض من أحد" أن ذلك القرن يذهب، تنبيهًا على قِصَر أعمارهم؛ ليغتنموا فرصة المبادرة للصلاة وغيرها. و"وَهَل الناس": وَهِمُوا، وهو بفتح الهاء. * * * (7) باب فضل العشاء وما يكره من النوم قبلها والحديث بعدها 312 - عن أبي موسى قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولًا في بقيع بُطْحَان -والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة- فكان يتناوبُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عند صلاة العشاء كل ليلة نفًرٌ منهم، فَوَافَقْنَا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا وأصحابي وله بعض الشُّغُل في بعض أمره، فأَعْتَم بالصلاة حتى ابْهَارَّ الليل، ثم خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: "على رِسْلِكُمْ أبشروا، إن من نعمة اللَّه عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي في هذه الساعة غيركم" -أو قال-: "ما صلى هذه الساعةَ أحدٌ غيركم" لا يدري أيَّ الكلمتين قال. _______ 312 - خ (1/ 194)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (22) باب: فضل العشاء، من طريق أبي أسامة، عن بُرَيْد، عن أبي بردة، عن أبي موسى به، رقم (567).
قال أبو موسى: فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 313 - عن أبي بَرْزَةَ: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. 314 - عن عروة: أن عائشة قالت: أَعْتَمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاةَ، نام النساء والصبيان، فخرج فقال: "ما ينتظرها أحدٌ من أهل الأرض غيركم". قال: ولا يُصَلَّى يومئذ إلا بالمدينة، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول. 315 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شغل عنها ليلة فأَخَّرها، حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم خرج علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم"، وكان ابن عمر لا يبالي أَقَدَّمَهَا أم أَخَّرَهَا، إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وكان يرقد قبلها. _______ 313 - خ (1/ 195)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (23) باب: ما يكره من النوم قبل العشاء، من طريق خالد الحذَّاء، عن أبي المنهال، عن أبي برزة به، رقم (568). 314 - خ (1/ 195)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (24) باب: النوم قبل العشاء لمن غُلِبَ، من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة به، رقم (569). 315 - خ (1/ 195)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (570).
316 - قال ابن جريج: قلت لعطاء. وقال: سمعت ابن عباس يقول: أَعْتَمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلةً بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب فقال: الصلاة. قال عطاء: قال ابن عباس: فخرج نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماءً، واضعًا يده على رأسه فقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا"، فَاسْتَثْبَتُّ عطاءً: كيف وضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده على رأسه كما أنبأه ابن عباس؟ فَبَدَّدَ لي عطاءٌ بين أصابعه شيئًا من تبديد، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس، ثم ضمها يُمِرُّها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرفَ الأُذن مما يلي الوجه على الصُّدْغِ وناحية اللحية لا يُقَصِّرُ ولا يَبْطُشُ إلا كذلك، وقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا". 317 - عن أنس قال: أَخَّرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى، ثم قال: "قد صلى الناس وناموا، أما إنكم في صلاةٍ ما انتظرتموها" قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذٍ. قلت: "وَبِيصُ الخاتم": بريقه ولمعانه. * * * _______ 316 - خ (1/ 195 - 196)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (24) باب: النوم قبل العشاء لمن غُلِبَ، من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به، رقم (571)، طرفه في (7239). 317 - خ (1/ 196)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (25) باب: وقت العشاء إلى نصف الليل، من طريق زائدة، عن حميد الطويل، عن أنس به، رقم (572). أطرافه في (600، 661، 847، 5869).
8 - باب وقت الفجر وفضلها وإدراك ركعة منها
(8) باب وقت الفجر وفضلها وإدراك ركعةٍ منها 318 - عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ صَلَّى البَرْدينِ دخل الجنة". 319 - وعن أنس: أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تَسحَّروا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قاموا إلى الصلاة. قلت: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين أو ستين؛ يعني: آيةً. وفي لفظٍ (¬1) آخر: كم كان من فراغهما من سُحورهما ودُخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية. 320 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أدرك من الصبح ركعةً قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". ¬
9 - باب القنوت في الفجر
وفي رواية أخرى: "من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (¬1). الغريب: "البَرْدَان": هنا يعني بهما الفجر والعصر؛ لأنهما في وقت البَرْدين. ويعني بمن أدرك ركعةً من الصلاة مع الإمام. وكذا جاء مفسرًا في كتاب مسلم (¬2)؛ يعني به يكون مدركًا لحكم الجماعة وفضلها، والحديث الأول يعني به إدراك الوقت. * * * (9) باب القنوت في الفجر 321 - عن أنس قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سبعين رجلًا لِحَاجَةٍ يقال لهم: القُرَّاء. فعرض لهم حَيَّانِ من بني سُلَيْم، رِعْل وذَكْوَان عند بئر يقال لها: بئر ¬
10 - باب النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس
مَعُونة فقال القوم: واللَّه ما إياكم أردنا. فقتلوهم (¬1) فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا عليهم (¬2) في صلاة الغَدَاة، وذلك بَدْءُ القنوت، وما كنا نقنت. وسأل رجلٌ أنسًا (¬3) عن القنوت بعد الركوع أو عند فراغ من القراءة؟ قال: لا، بل عند فراغ من القراءة. * * * (10) باب النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس 322 - عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مَرْضِيُّونَ، وأرضاهم عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرقَ الشمسُ، وبعد العصر حتى تغرب. 323 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: . . . . . ¬
11 - باب من قال تجوز الصلاة بعد العصر إلا ساعة الغروب
"لا تتُحَرَّوْا (¬1) بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها". 324 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا طلع حَاجِبُ الشمس فأَخِّرُوا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجبُ الشمس فأَخِّروا الصلاة حتى تغيب". 325 - وعن معاوية قال: إنكم لتصلون صلاةً، لقد صحبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فما رأيناه يصليهما، ولقد نهى عنهما؛ يعني الركعتين بعد العصر. "حاجب الشمس": أول ما يبدو منها عند طلوعها، وأول ما يغرب منها. * * * (11) باب من قال تجوز الصلاة بعد العصر إلا ساعة الغروب 326 - عن ابن عمر قال: أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، لا أنهى ¬
12 - باب قضاء الفوائت وأحكامها
أحدًا يصلي بليل أو نهار ما شاء غير أَنْ لا تَحَرَّوا طلوع الشمس ولا غروبها. 327 - وعن أم سلمة قالت: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد العصر ركعتين وقال: "شغلني ناسٌ من عبد القَيْسِ عن الركعتين بعد الظهر". 328 - وعن عائشة قالت: والذي ذَهَبَ به ما تركهما حتى لقي اللَّه، وما لقي اللَّه حتى ثَقُلَ عن الصلاة، وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا -تعني الركعتين بعد العصر- وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصليهما، ولا يصليهما في المسجد؛ مخافةَ أن يُثقِّلَ على أمته وكان يُحِبُّ ما يُخَفِّفُ عنهم. 329 - وعنها قالت: ركعتان لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعهما سرًّا ولا علانيةً: ركعتان قبل الصبح، وركعتان بعد العصر. * * * (12) باب قضاء الفوائت وأحكامها 330 - وعن أبي قتادة -واسمه الحارث بن رِبْعِيٍّ- قال: سرنا مع _______ 327 - خ (1/ 200)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (33) باب: ما يُصَلَّى بعد العصر من الفوائت ونحوها، وقد ذكر البخاري رواية أم سلمة تعليقًا في ترجمة الباب، عن كريب، عنها -رضي اللَّه عنهما-. 328 - خ (1/ 200)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (590)، طرفه في (591، 592، 593، 1631). 329 - خ (1/ 200)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (33) باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها، من طريق الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (592). 330 - خ (1/ 201)، (9) كتاب مواقيت الصلاة، (35) باب: الأذان بعد ذهاب =
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّسْتَ (¬1) بنا يا رسول اللَّه؟ قال: "أخاف أن تناموا عن الصلاة" قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد طلع حاجب الشمس فقال: "يا بلال! أين ما قلت؟ " قال: ما ألقِيَتْ عليَّ نومةٌ مثلها قط. قال: "إن اللَّه سبحانه (¬2) قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال! قم فأذِّنْ للناس (¬3) بالصلاة"، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابْيَاضَّتْ قام فصلى. 331 - وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من نسِيَ صلاةً فليصلِّ إذا ذكر، لا كفارة لها إلا ذلك، قال (¬4): {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ". 332 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق ¬
13 - باب كراهية السمر بعد العشاء وما يجوز منه، في حديث أبي برزة: وكان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه، ويقرأ من الستين إلى المئة
بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قُرَيش. قال: يا رسول اللَّه (¬1): ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه ما صليتها"، فقمنا إلى بُطْحَانَ فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب. * * * (13) باب كراهية السَّمَر بعد العشاء وما يجوز منه، في حديث أبي بَرْزَة: وكان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدُنا جليسه، ويقرأ من الستين إلى المئة (¬2) 333 - وعن أنس بن مالك قال: نظرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة حتى كان شطر الليل يبلغه فجاء فصلى لنا. ثم خطبنا فقال: "ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لا تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، قال الحسن: وإن القوم لا يزالون في خيرٍ ما انتظروا الخير. ¬
334 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكر: أن أصحاب الصُّفَّةِ كانوا ناسًا (¬1) فقراء، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان عنده طعامُ اثنين فليذهب بثالث، وإِنْ أربعٌ فخامس أو سادس"، وأن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعشرة قال: فهو أنا وأبي وأمي ولا أدري (¬2) هل قال: وامرأتي، وخادم بيننا وبين بَيْت أبي بكر، وإن أبا بكر تَعَشَّى عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم لبث حتى صُلِّيَتِ العشاءُ، ثم رجع، فلبث حتى تَعَشَّى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء اللَّه. قالت له امرأته: ما حبسك (¬3) من أضيافك؟ -أو قالت ضيفك- قال: أوما عشيتيهم؟ قالت: أَبَوْا حتى تجيء، قد عُرِضُوا فَأَبَوْا (¬4) فذهبت أنا فَاخْتَبَأْتُ فقال: يا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وسَبَّ- وقال: كلوا لا هنيئًا. فقال: واللَّه لا أطعمه أبدًا، وايمُ اللَّه ما كُنَّا نأخذ من لقمةٍ إلا رَبَا من أسفلها أكثرُ منها. قالت (¬5): فشبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر (¬6) فقال لامرأته: يا أخت بني فراسٍ! ما هذا؟ قالت: لا وقُرَّةِ ¬
عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاثٍ (¬1) فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه، ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأصبحت عنده، وكانت (¬2) بيننا وبين قوم عَقْدٌ فمضى الأجل ففرَّقَنَا اثني (¬3) عشر رجلًا مع كل رجل منهم أناس اللَّه أعلم كم (¬4) مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال. الغريب: "السَّمْر": الحديث بالليل، وأصله مع السمر وهو ضوء القمر، فسمي الحديث به؛ لأنهم كانوا يتحدَّثون فيه. و"نظرنا": انتظرنا، والصُّفَّة: سقيفة كانت في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأوي إليها فقراء المهاجرين. و"غُنْثَر": بالغين المعجمة والنون والثاء المثلثة مضموم الغين مفتوح الثاء: هو ذباب أزرق يكون في الصحارى شبههُ به تحقيرًا. و"جَدَّع": قال له: جَدْعًا، وأصل الجدع القطع. "وايْمُ اللَّه": بوصل الألف وقطعها وأصله أيمن اللَّه، وهو عند سيبويه من اليُمْنِ والبركة، وعند غيره جمعُ يمين، وأَلِفُهُ ألف قطع. و"قُرَّة عيني": قَسَمٌ بما تحبه وتَقَرُّبه عينها، ويحتمل أن تعني بذلك اللَّه تعالى؛ لأن القسم بغيره ممنوع. ¬
"ولا": صلة للقسم لقوله تعالى {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1]، وقوله: "فَفَرَّقَنَا": اثني عشر -يعني عَرِيفًا- وهذه رواية أبي ذر، ورواية الأصيلي: (فعرفنا) بالعين المهملة؛ أي: جعلنا اثني عشر عَرِيفًا على جماعات وقبائل. واللَّه أعلم. * * *
10 - كتاب الأذان
(10) كتاب الأذان
1 - باب بدء الأذان وفضله وصفته
(10) كتاب الأذان (1) باب بدء الأذان وفضله وصفته 335 - عن ابن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيَّنُونَ الصلاة ليس يُنَادَى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا لنا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قَرْنِ اليهود. فقال عمر: أَوَلا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قم (¬1) يا بلال فنادِ بالصلاة". 336 - وعن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا نُودِي للصلاة أدبر الشيطان له ضُرَاط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل حتى ¬
إذا ثُوِّبَ بالصلاة أدبر، حتى إذا (¬1) قَضَى التثويب أقبل حتى يَخْطُرَ بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، واذكر (¬2) كذا -لما لم يكن يذكر- حتى يظل الرجل لا يدري كم صلَّى". 337 - وعن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري (¬3)، عن أبيه، أنه أخبره: أنَّ أبا سعيد الخُدريَّ قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك -أو باديتك- فأَذَّنْتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا (¬4) يسمع مَدَى صوتِ المؤذن جِنٌّ ولا إنس ولا شيءٌ إلا شَهِدَ له يوم القيامة". قال أبو سعيد: سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 338 - وعن أنسٍ: لما كَثُرَ الناسُ قال: ذكروا أن يَعْلَمُوا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يُورُوا نارًا أو يضربوا ناقوسًا، فأُمِرَ بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة. ¬
قال إسماعيل (¬1): فذكرت لأيوب (¬2) فقال: إلا الإقامة. الغريب: "يَتَحَيَّنُون": يرقبون حين الصلوات. و"النداء بالصلاة": هو التأذين لها، وإنما يصيب الشيطان عند النداء ما ذكر؛ لشدة غيظه وحنقه من أجل الإعلان بالصلاة، والدعاء لها، واجتمتاع المسلمين لفعلها، ولما يغفر عند ذلك من الذنوب، وهذا نحو ما يلحقه يوم عرفة، و"يَخْطُر": يَجُول بما يورده من الوساوس، و"المَدَى": الغاية. ويعني بقوله: "ولا شيء" الملائكةَ؛ إذ لم يذكرهم، فإن قيل: إن اسم الجن قد تناولهم؛ لأنهم يَسْتَجِنُّون عن الأبصار. قيل: فيكون المراد به كل رطب ويابس كما قد جاء ذلك في بعض الأحاديث. واللَّه أعلم. وقوله "إلا الإقامة": يعني بها قول المقيم: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة؛ فإنه يُشْفَع. * * * ¬
2 - باب ما يحقن من الدماء بالأذان وما يقول سامعه، والإسهام عليه
(2) باب ما يُحْقَنُ من الدماء بالأذان وما يقول سامعه، والإسهام عليه 339 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يُغِير (¬1) بنا حتى يُصْبحَ وينظر: فإن سمع أذانًا كَفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم. 340 - وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن". 341 - وعن عيسى بن طلحة: أنه سمع معاوية يومًا يقول مثله إلى قوله: "وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه". وفي رواية (¬2): أنه قال: "لما قال: حيَّ على الصلاة قال: لا حول ¬
ولا قوة إلا باللَّه". وقال: هكذا سمعت (¬1) نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول. 342 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة". 343 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه، لَاسْتَهَمُوا، ولو يعلمون ما في التَّهْجِيرِ، لاسْتَبقُوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَةِ والصبح، لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوًا". الغريب: الضمير في "مثله" عائد على المؤذن، وإن لم يَجْرِ له في حديث معاوية ذِكْرٌ، لكنه مما يفسره سابقه. "الوسيلة" في الأصل: القُرْبَة، توسلت بفلان بكذا؛ أي: تقربت إليه. ¬
3 - باب قليل الكلام لا يقطع الأذان، وجواز أذان الأعمى إذا كان له من يعرفه بالوقت، وتكلم سليمان بن صرد في أذانه
ويعني بها هنا درجة في الجنة ومنزلة لا أعلى منها كما جاء في "كتاب مسلم" (¬1). و"المقام المحمود": هو المقام الذي يشفع فيه نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل المحشر يوم القيامة بعد أن يدلهم عليه الأنبياء، فيحمده أهل المحشر كلهم. و"يستهموا": يقترعوا. والضمير في "عليه" عائد على "ما" الموصولة على الأولى. و"التَّهْجِير": المجيء إلى الصلاة في الهاجرة، وهي شدة الحر. و"حَبْوًا": على الرُّكَب. * * * (3) باب قليل الكلام لا يقطع الأذان، وجواز أذان الأعمى إذا كان له من يعرفه بالوقت، وتكلم سليمان بن صُرَد في أذانه 344 - وعن عبد اللَّه بن الحارث قال: خطبنا ابن عباس في يوم رَدغٍ، ¬
فلما بلغ المؤذن: حَيَّ على الصلاة، فأمره أن يُنَادِي: الصلاةَ في الرِّحَالِ، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خيرٌ منه، وإنها عَزْمَةٌ. 345 - وعن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ بلالًا يؤذن بِلَيْلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". قال: وكان رجلًا أعمى لا يُنَادِي حتى يقال له: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. الغريب: "الرَّدْغُ": بالغين المعجمة وبفتح الراء وسكونها وهو الطين القليل، وقيل: المطر القليل. و"الرِّحَال": هنا مواضع الرحال؛ يعني بها: البيوت. و"إنها عَزْمَة": بسكون الزاي -يعني: الجمعة- أي: أنها من العزائم التي يجوز التخلف عنها للعذر. و"أَصْبَحْتَ": قاربت الصباح، لا أنه دخل في الصباح؛ لأنه كان يلزم منه الدخولُ في زمان الصوم وهو اليوم. * * * _______ = حماد، عن أيوب وعبد الحميد صاحب الزيادي وعاصم الأحول، عن عبد اللَّه بن الحارث به، رقم (616)، طرفه في (668، 901). 345 - خ (1/ 209)، (10) كتاب الأذان، (11) أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه به، رقم (617)، أطرافه في (620، 623، 1918، 2656، 7248).
4 - باب بين كل أذانين صلاة، لمن شاء وانتظار الإقامة
(4) باب بين كل أَذَانينِ صلاة، لمن شاء وانتظار الإقامة 346 - عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل المزني: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء". 347 - وعن أنس بن مالك قال: كان المؤذن إذا أَذَّنَ قام ناسٌ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَبْتَدِرُونَ السَّوَاري حتى يخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء. وفي رواية (¬1): لم يكن بينهما إلا قليل. 348 - وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح. ¬
5 - باب الأذان في السفر، واستدارة المؤذن
وفي رواية (¬1): قبل صلاة الفجر، بعد أن يَسْتَبِينَ الفجرُ، ثم اضطجع على شِقِّه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة. * * * (5) باب الأذان في السفر، واستدارة المؤذن 349 - عن مالك بن الحويرث قال: أتى رجلان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يريدان السفر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أنتما خرجتما فأَذِّنَا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما". 350 - وعن أبي جُحَيْفَةَ: أنه رأى بلالًا يؤذن، فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا بالأذان. قال البخاري (¬2): ويذكر عن بلال أنه جعل إصْبَعَيْهِ في أُذَنيْهِ، وكان ابن ¬
6 - باب النهي عن الاستعجال إلى الصلاة، والأمر بالسكينة والوقار
عمر لا يجعل إصبعيه في أذنيه. وقال إبراهيم: لا بأس أن يؤذِّنَ على غير وضوء. وقال عطاء: الوضوء حق وسُنَّة. * * * (6) باب النهي عن الاستعجال إلى الصلاة، والأمر بالسكينة والوقار 351 - عن عبد اللَّه بن أبي قتادة عن أبيه قال: بينما نحن نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذا سمع جَلَبةَ رجالٍ، فلما صلى قال: "ما شأنكم؟ " قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فَصَلُّوا وما فاتكم فأَتِمُّوا". 352 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تُسْرِعُوا، فما أدركتم فَصَلُّوا، وما فاتكم فأَتِمُّوا". 353 - وعن أبي قتادة -واسمه الحارث- قال: قال _______ 351 - خ (1/ 213)، (10) كتاب الأذان، (20) باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة، من طريق شيبان، عن يحيى، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه به، رقم (635). 352 - خ (1/ 213)، (10) كتاب الأذان، (21) باب: لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار، من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة به، رقم (636)، طرفه في (908). 353 - خ (1/ 214)، (10) كتاب الأذان، (23) باب: لا يسعى إلى الصلاة مستعجلًا، =
7 - باب إذا ذكر الإمام أنه محدث فخرج، انتظر إذا كان لم يدخل في الصلاة، وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة بالكلام
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلا تقوموا حتى تَرَوْنِي، وعليكم بالسكينة". الغريب: "الجَلَبَةَ": اختلاط الأصوات وحَس الحركات المضطربة. و"السكينة": السكون والهدوء. * * * (7) باب إذا ذَكَرَ الإمام أنه مُحْدِثٌ فخرج، انْتظِرَ إذا كان لم يدخل في الصلاة، وجواز الفَصْلِ بين الإقامة والصلاة بالكلام 354 - عن أبي هريرة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج وقد أقيمت الصلاة وعُدِّلَتِ الصفوفُ حتى إذا قام في مُصَلَّاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال: "على مكانكم"، فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا يَنْطِفُ رأسه ماء، وقد اغتسل. 355 - وعن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فَعَرَضَ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل _______ = وليقم بالسكينة والوقار، من طريق شيبان، عن يحيى، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه به، رقم (638)، طرفه في (637، 909). 354 - خ (1/ 214)، (10) كتاب الأذان، (24) باب: هل يخرج من المسجد لعلَّة، من طريق صالح ابن كَيْسَان، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، رقم (639). 355 - خ (1/ 215)، (10) كتاب الأذان، (28) باب: الكلام إذا أقيمت الصلاة، من طريق حُميد، عن ثابت البُنَاني، عن أنس به، رقم (643)، طرفه في (6292).
8 - باب تأكد صلاة الجماعة، وفضلها
فحبسه بعدما أقيمت الصلاة. وفي لفظ آخر (¬1): أقيمت الصلاة، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يناجي رجلًا في جانب المسجد. فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم. "يَنْطِفُ": يقطر. و"النُّطْفَة": القطرة من الماء. و"المناجاة": المحادثة سِرًّا. * * * (8) باب تأكد صلاة الجماعة، وفضلها 356 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده، لقد هَمَمْتُ أن آمر بحَطَبٍ فيُحْطَب، ثم آمر بالصلاة فيؤذَّن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأُحَرِّقُ عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مِرْمَاتَيْنِ حَسَنتَيْنِ لشهد العشاء". 357 - وعن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاة الجماعة تَفْضُلُ صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة". ¬
358 - وعن أبي سعيد الخدري: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "صلاة الجماعة تَفْضُلُ صلاة الفَذّ بخمسٍ وعشرين درجة". 359 - وعن أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مُغْضَبٌ، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: واللَّه ما أعرف من أمر (¬1) محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا إلا أنهم يُصَلُّون جميعًا. الغريب: "العَرْق" بفتح العين: العَظْم الذي عليه اللحم. و(المِرْمَاتَان): صحيح الرواية فيها بكسر الميم: تثنية مِرْمَاة، وقد اختلف في معناها، فقال ابن حبيب: هما السهمان، وقال الأخفش: هي لعبة كانوا يلعبونها بنصال محددة يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب، وهي المرماة والمدجاة، والجمع مَرامٍ، ومَدَاجٍ. وقال أبو عبيدة: المِرْمَاةُ: ما بين ظِلْفَي الشاة. قلت: ومعنى الحديث: أن المنافق بجهله بثواب العشاء لا يبالي بحضورها، فلو عرض له في المسجد عرض ولو كان يسيرًا محتقرًا لشهدها لذلك العرض لا الثواب. ¬
9 - باب فضل كثرة الخطا إلى الجماعة وانتظار الصلاة
وقول أبي الدرداء محمولٌ على أن الأمور العامة بدأ تَغَيُّرُهَا بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (9) باب فضل كثرة الخطا إلى الجماعة وانتظار الصلاة 360 - وعن أبي موسى قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام". 361 - وعن أنس قال: إن بني سَلِمَةَ أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريبًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُعْرُوا المدينة فقال: "ألا تَحْتَسِبُونَ آثاركم". 362 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الملائكة تصلي على _______ 360 - خ (1/ 217) , (10) كتاب الأذان، (31) باب: فضل صلاة الفجر في جماعة، من طريق أبي أسامة، عن بُرَيْد بن عبد اللَّه، عن أبي بردة، عن أبي موسى به، رقم (651). 361 - خ (1/ 218)، (10) كتاب الأذان، (33) باب: احتساب الآثار، علقه البخاري عن ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن حُميد، عن أنس به، رقم (656)، طرفاه في (655، 1887). 362 - خ (1/ 219)، (10) كتاب الأذان، (36) باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (659).
أحدكم ما دام في مُصَلَّاه ما لم يُحْدِثْ، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة". 363 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه قال: "مَنْ غَدا إلى المسجد أو راح أَعَدَّ اللَّه له نُزلًا (¬1) في الجنة كلما غدا أو راح". الغريب: "يُعْرُوا المدينة": يخلون ناحيتهم من المدينة ويتركونها عَرَاء؛ أي: خالية، وذلك أنهم أرادوا أن ينتقلوا عن مواضعهم إلى قرب مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. و"تحتسبون آثاركم": تغتنمون أجر خُطَاكم. و"تصلي على أحدكم": تدعو له. و"يُحْدِث": قد فسره أبو هريرة فيما تقدم بالحَدَثِ، وغيرُه فسره بما يحدثه من معصية. و"غدا": بَكَّر إلى المسجد. و"راح": رجع بعَشِيٍّ؛ يعني: الصبح والعصر، واللَّه أعلم. و"النُّزُل" بضم الزاي: ما يعد للضيف من الكرامة. * * * ¬
10 - باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، ولا صلاة بحضرة الطعام
(10) باب إذا أُقِيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، ولا صلاة بحضرة الطعام 364 - عن عبد اللَّه بن مالك بن بُحَيْنَةَ: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَاثَ به الناس، فقال له: "آلصبحَ أربعًا، آلصبحَ أربعًا". 365 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وُضعَ العَشَاءُ وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشَاءِ". 366 - وعن ابن عمر زيادة: "ولا تعجل حتى تفرغ منه". وفي لفظ آخر (¬1): "إذا كان أحدكم على الطعام، فلا يَعْجَل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة". ¬
11 - باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة وجواز الاستخلاف
367 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قُدِّمَ العَشَاءُ فابدؤوا به قبل أن تُصَلُّوا صلاة المَغْرِبِ، ولا تعجلوا عن عَشائكم". وكان ابن عمر يبدأ بالعَشاء. وقال أبو الدرداء: من فقه المرء إقباله على طعامه حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ (¬1). الغريب: "لَاثَ به الناس": أي: أحاطوا (¬2) به، من قولهم: لُثْتُ العمامة برأسي. والأمر بتقديم العشاء على الصلاة إنما ذلك لمن كان محتاجًا إلى الطعام، بحيث يخاف عليه تشويش قلبه بسببه، لذلك خصه بالمغرب؛ لأن أكثر الناس صُيَّامًا كانوا. واللَّه أعلم. * * * (11) باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة وجواز الاستخلاف 368 - عن أبي موسى قال: مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاشتد مرضه فقال: "مُروا ¬
أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس". قالت عائشة: إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. قال: "مُروا أبا بكر فليصل بالناس" فعادت، فقال: لأمُري أبا بكر فليصلِّ بالناس؛ فإنكن صواحب يوسف"، فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 369 - وعن عائشة قالت: أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر أنْ يصلي بالناس في مرضه، فكان يصلي بهم. قال عروة: فوجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نفسه خِفَّةً فخرج فإذا أبو بكر يؤم الناس، فلما رآه أبو بكر استأخر فأشار إليه أنْ كما أنت. فجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حِذَاءَ أبي بكر إلى جَنْبِهِ. فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والناس يصلون بصلاة أبي بكر. 370 - وعن سَهْلِ بن سعد الساعدي: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصْلِحَ بينهم، فَحَانَتِ الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم. فصلى أبو بكر فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
والناس في الصلاة فتَخَلَّص حتى وقف في الصف فصَفَّقَ الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأشار إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنِ امْكُثْ مكانك فرفع أبو بكر (¬1) يديه فحمد اللَّه عز وجل على ما أمره به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلى، فلما انصرف قال: "يا أبا بكر! ما منعك أنْ تَثْبُتَ إذ أمرتك؟ " فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قُحَافَةَ أنْ يصلي بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مالي أراكم (¬2) أكثرتم التصفيق؟ من رَابَهُ شيء في صلاته فليُسَبّحْ؛ فإنه إذا سَبَّح التُفِتَ إليه، وإنما التصفيق للنساء". في رواية: "فليُسَبِّح الرجال، وليصفِّح النساء" (¬3). الغريب: "رقيق": أي: رقيق القلب، كثير الخشوع والبكاء. و"صواحب": جمع صاحبة، وهو تشبيه لهؤلاء النساء بالنساء اللاتي رُمْنَ فتنة يوسف، على جهة الزجر. و"التصفيق": الضرب بالأصابع في الكف، و"التصفيح": الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى فهما متقاربان. * * * ¬
12 - باب يؤم القوم أقرؤهم، فإن استووا فيها فالأكبر
(12) باب يؤم القوم أقرؤهم، فإن استووا فيها فالأكبر 371 - وعن ابن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأَوَّلون العُصْبَة -موضع بقُبَاءَ- قبل مقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا. 372 - وعن مالك بن الحويرث قال: قدمنا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن شَبَبَةٌ، فَلَبِثْنَا عنده نحوًا من عشرين ليلة، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رحيمًا فقال: "لو رجعتم إلى بلادكم فعلَّمتموهم، مروهم فليصلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذِّنْ لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم". وقال البخاري (¬1): وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان في المصحف. وولد البَغِيِّ، والأعرابي، والغلام الذي لم يَحْتَلِمْ. * * * ¬
13 - باب إمامة المفتون والمبتدع
(13) باب إمامة المفتُون والمبتدع 373 - عن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُصَلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم". 374 - وعن عبيد اللَّه بن عَدِيِّ بن الخِيَار: أنه دخل على عثمان وهو مَحْصُورٌ فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويُصلي لنا إمام فتنة ونتَحَرَّجُ فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم. وقال الزُّبَيْدِي: لا نرى أن يصلى خلف المُخَنَّثِ إلا من ضرورة لابد منها. قلت: يعني المخنث الذي يكون فيه خلقة، لقربه من المرأة وشبهه بها، وأما الذي يتعاطى ذلك: فلا تجوز الصلاة خلفه بوجه، فإنه فاسق أقبح فسق حتى يرجع عن تخنيثه. 375 - وعن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي ذر: "اسمع وأطع، _______ 373 - خ (1/ 230)، (10) كتاب الأذان، (55) باب: إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، من طريق عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به، رقم (694). 374 - خ (1/ 231)، (10) كتاب الأذان، (56) باب: إمامة المفتون والمبتدع، من طريق الأوزاعي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبيد اللَّه بن عدي ابن الخيار به، رقم (695). 375 - خ (1/ 230) في الكتاب والباب السابقين، من طريق شعبة، عن أبي التياح، عن أنس به، رقم (696).
14 - باب إذا صلى الإمام جالسا صلى المأموم جالسا وإن كان صحيحا
ولو لحبشِيٍّ كأن رأسه زَبِيبَةٌ". * * * (14) باب إذا صلى الإمام جالسًا صلى المأموم جالسًا وإن كان صحيحًا 376 - عن عائشة أم المؤمنين: أنها قالت: صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالسًا وصلى وراءه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أنِ اجْلِسُوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤْتَمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا". 377 - وعن أنسٍ: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركب فَرَسًا فصُرِعَ عنه فجُحِشَ شِقُّه الأيمن -وفي رواية (¬1): ساقه الأيمن- فصلَّى صلاة من الصلوات وهو قاعدٌ، فصلينا وراءه قعودًا، فلما انصرف قال: "إنما جعلَ الإمامُ ليؤتَمَّ به، فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون". ¬
15 - باب ما جاء مما يدل على نسخ ذلك
قلت: "جُحِشَ": خُدِش، و"صُرِع": سَقَط، وذلك لعثار، واللَّه أعلم. وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشجع الناس وأفرسهم على الخيل. و"الشِّقُّ": الجانب، وهو بكسر الشين. * * * (15) باب ما جاء مما يدل على نسخ ذلك 378 - عن عائشة قالت: ثَقُلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ " فقلنا: لا يا رسول اللَّه، وإنهم ينتظرونك. قال: "ضعوا لي ماء في المِخْضَبِ". قالت: فقعد (¬1) فاغتسل فذهب ليَنُوءَ فأُغْمِيَ عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟ " قلنا: لا يا رسول اللَّه، هم ينتظرونك. قال: "ضعوا لي الماء في المخضب" قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوءَ فأغمي عليه. ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟ " فقلنا: لا. هم ينتظرونك يا رسول اللَّه. فقال: "ضعوا لي الماء في المخضب" قالت (¬2): فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟ " قلنا (¬3): لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، ¬
والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) لصلاة العشاء الآخرة. فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر -وكان رجلًا رقيقًا-: يا عمر! صَلِّ بالناس. فقال له عمر: أنت أحق بذلك. فصلى أبو بكر تلك الأيام. ثم إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجد من نفسه خِفَّةً وخرج (¬2) بين رجلَين -أحدهما العباس- لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَلَّا (¬3) يتأخر، وقال: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر. قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتمُّ بصلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والناس بصلاة أبي بكر والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعد. وفي رواية (¬4): وأبو بكر يسمع الناس التكبير. قال ابن عباس: والرجل الذي كان مع العباس هو علي بن أبي طالب. قال البخاري (¬5): قال الحميدي: قوله: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون". هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسًا والناس خلفه قيامًا، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخِرِ من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
16 - باب متى يسجد من خلف الإمام، ووعيد من رفع رأسه قبله
الغريب: "المِخْضَب": الإجانة وهي القصرية. و"ينوء": ينهض نهضة المتثاقل. و"عُكُوف": مقيمون في المسجد مُلَازِمُونَ. * * * (16) باب متى يسجد من خلف الإمام، ووعيد من رفع رأسه قَبْلَهُ 379 - عن عبد اللَّه بن يزيد قال: حدثني البَرَاءُ -وهو غير كذوب- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قال: "سَمعَ اللَّهُ لمن حمده" لم يَحْنِ أحدٌ مِنَّا ظهره حتى يقع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ساجدًا، ثم نقع سجودًا بعده. 380 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أما يخشى أحدكم -أو ألا يخشى أحدكم- إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل اللَّه رأسه رأسَ حمار، أو يجعل صورته صورةَ حمار". * * * _______ 379 - خ (1/ 229)، (10) كتاب الأذان، (52) باب: متى يسجد مَنْ خلف الإمام، من طريق يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن يزيد به، رقم (690)، طرفاه في (747، 811). 380 - خ (1/ 230)، (10) كتاب الأذان، (53) باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام، من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة به، رقم (691).
17 - باب لا يلزم الإمام أن ينوي الإمامة، وأمره بالتخفيف، ومراعاة حال من خلفه
(17) باب لا يلزم الإمام أن ينوي الإمامة، وأمره بالتخفيف، ومراعاة حال من خلفه 381 - عن ابن عباس قال: بِتُّ عند خالتي فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذني برأسي، فأقامني عن يمينه. 382 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفِّفْ، فإن فيهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صَلَّى أحدكم لنفسه فليطوِّلْ ما شاء". 383 - وعن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُوجِزُ الصلاة ويكملها. 384 - وعن أبي قتادة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: . . . . _______ 381 - خ (1/ 232)، (10) كتاب الأذان، (59) باب: إذا لم ينو الإمام أن يؤم، ثم جاء قوم فأمهم، من طريق أيوب، عن عبد اللَّه بن سعيد بن جُبير، عن أبيه، عن ابن عباس به، رقم (699). 382 - خ (1/ 233)، (10) كتاب الأذان، (62) باب: إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (703). 383 - خ (1/ 234)، (10) كتاب الأذان، (64) باب: الإيجاز في الصلاة وإكمالها، من طريق عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس به، رقم (706). 384 - خ (1/ 234)، (10) كتاب الأذان، (65) باب: من أخفَّ الصلاة عند بكاء الصبي، من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللَّه بن قتادة، عن أبيه أبي قتادة به، رقم (707)، طرفه في (868). واللفظ الذي عند المصنف هذا هو مؤلف من لفظين عند البخاري، جزء منه عن =
18 - باب الإنكار على الإمام إذا طول بالناس
"إني لأقوم (¬1) في الصلاة أريد أنْ أُطَوِّلَ فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتَجَوَّزُ في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه". 385 - وعن أنس بن مالك قال: ما صليت وراء إمام قط أخفَّ صلاةً ولا أتمَّ من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنْ كان ليسمعُ بكاءَ الصبي فيخفف مخافة أن تُفْتَنَ أُمُّه. * * * (18) باب الإنكار على الإمام إذا طَوَّل بالناس 386 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فانصرف الرجل، فكَأَنَّ معاذًا تناول منه. وفي طريق أخرى (¬1) قال جابر: أقبل رجل بنَاضِحَيْنِ (¬2) وقد جَنَحَ (¬3) الليل، فوافق معاذًا يصلي فترك نَاضِحَيْهِ، وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة (¬4) والنساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فشكا إليه معاذا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معاذ! أَفَتَّانٌ أنت، أو فاتن (¬5) أنت؟ ! " ثلاث مرات (¬6) فلولا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". 387 - وعن أبي مسعود: أن رجلًا قال: واللَّه يا رسول اللَّه إني لأتأخر عن صلاة الغَدَاة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في موعظة أشد غَضَبًا منه يومئذٍ، ثم قال: "إن منكم مُنَفِّرِينَ، ¬
19 - باب فضل الصف الأول، والأمر لإتمام الصفوف وتسويتها، وأين تقوم المرأة؟
فأيكم ما صلى بالناس فليتَجَوَّزْ؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة". * تنبيه: صلاة معاذ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وصلاته بقومه بنية الفَرْضِ، بدليل ما رواه أبو بكر البزار في "مسنده" (¬1) في حديث معاذ هذا، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معاذ! لا تكن فتانًا، إما أنْ تُخَفِّفَ بقومك، وإما أنْ تجعل صلاتك معي"، وظاهره ما ذكرناه. وبدليل قوله عليه السلام (¬2) "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به، فلا تَخْتَلِفُوا عليه"، وأيُّ اختلاف أعظم من الاختلاف في النية، فلا يجوز أن يأتم المُفْتَرِضُ بالمُتَنَفِّلِ، وهو مذهب مالك وربيعة والكوفيين. وقوله: "أَفَتَانٌ أنت"؛ أي: ممتحنٌ للناس وشاق عليهم بتطويل الصلاة. * * * (19) باب فضل الصف الأول، والأمر لإتمام الصفوف وتسويتها، وأين تقوم المرأة؟ 388 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشهداء: الغَرِقُ، والمبطون، والمطعون، والهَدِمُ". ¬
وقال: "لو يَعْلَمُون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَةِ والصبح لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوَا، ولو يعلمون ما في الصف المُقَدَّم لاسْتَهَمُوا عليه" (¬1). 389 - وعن النعمان بن بشير قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَتُسَوُّنَّ صفوفَكُمْ، أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم". 390 - وعن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتَرَاضُّوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري". 391 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام (¬2) الصلاة". 392 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ ¬
به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صَلَّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، وأقيموا الصف؛ فإن إقامة الصف من حُسْنِ الصلاة". 393 - وعن أنس بن مالك: أنه قدم المدينة فقيل له: ما (¬1) أنكرت مِنَّا منذ (¬2) يوم عَهِدْتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف. 394 - وعنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "أقيموا صفوفكم؛ فإني أراكم من وراء ظهري"، وكان أحدنا يَلْزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. 395 - وعن أنس قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيت أُم سُلَيْمٍ فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا. الغريب: "المَبْطُون": الذي به علة من علل البطن يموت بسببها. ¬
20 - باب يجوز الاقتداء بالإمام الذي بينك وبينه سترة إذا أمكن الاقتداء
و"المَطْعُون": هو المصاب بالطاعون، وهو الموت العام وقيل غُدَّة كغدة البعير. و"الهَدِم": الذي يموت تحت الهدم، وهو بكسر الدال. و"الغَرِق": وقع بغير ياءٍ، وأصله أن يكون بالياء. و"التَّهْجِير": المشي للجمعة، والظهر في الهاجرة، ويعني شدة الحر. و"المخالفة بين الوجوه": إما بالتفرق حتى يأخذ كل واحدٍ وجهًا، وإما بالجزاء، فيجازى المستوى بخير، والمخالف بِشَرٍّ. * * * (20) باب يجوز الاقتداء بالإمام الذي بينك وبينه سترة إذا أمكن الاقتداء وقال الحسن: لا بأس أن تصلي وبينك وبينه نهر. وقال أبو مجلز: وإن كان بينهما طريق أو جدار إذا سمع تكبير الإمام. 396 - عن عائشة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شَخْصَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقام ناس يصلون بصلاته، فأصجوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه ناس يُصَلُّون بصلاته، _______ 396 - خ (1/ 239)، (10) كتاب الأذان، (80) باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سُتْرَة، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة به، رقم (729)، أطرافه في (924، 1129، 2011، 2012، 5861)، والتعليق عن الحسن وعن أبي مجلز قبله.
21 - باب تكبيرة الإحرام ورفع اليدين
صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك للناس فقال: "إني خشيت أن تُكْتَبَ عليكم صلاةُ الليل". 397 - وعنها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان له حصير يبسطه بالنهار وَيحْتَجِزُه (¬1) بالليل، فثاب إليه ناس فصلوا وراءه. الغريب: "يحتجزه": يجعله كالحُجْزَةِ، وهي الحائل اللطيف عن شيء، وهي مأخوذة من الحجز، وهو المنع، واللَّه أعلم. * * * (21) باب تكبيرة الإحرام ورفع اليدين 398 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم ¬
به، إذا (¬1) كبر فكبروا"، وذكر نحو ما تقدم (¬2). 399 - وعن أبي قِلَابة: أنه رأى مالك بن الحُوَيْرِث إذا صلى كبَّر ورفع يديه (¬3)، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع (¬4) رفع يديه، وحدَّث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صنع هكذا. 400 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يُكَبِّرُ حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال: "سمع اللَّه لمن حمده" فعل مثله، وقال: "ربنا ولك الحمد"، ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود. وفي رواية: إذا قام من الركعتين رفع يديه (¬5). * * * ¬
22 - باب وضع اليمنى على اليسرى، والخشوع في الصلاة، وما يقول بعد التكبير
(22) باب وضع اليمنى على اليُسْرَى، والخشوع في الصلاة، وما يقول بعد التكبير 401 - عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا أن يَنْمِي ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال إسماعيل: يُنمى ذلك، ولم يقل: يَنْمِي. 402 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هل ترون قبلتي هاهنا، واللَّه لا يخفى عليَّ ركوعكم ولا خشوعكم، وإني لأراكم من وراء ظهري". 403 - وعن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد للَّه رب العالمين. 404 - وعن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة قال: أحسبه قال: هُنَيَّةً، فقلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه! _______ 401 - خ (1/ 242)، (10) كتاب الأذان، (87) باب: وضع اليمنى على اليسرى، من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد به، رقم (740). 402 - خ (1/ 242)، (10) كتاب الأذان، (88) باب: الخشوع في الصلاة، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (741). 403 - خ (2/ 242)، (10) كتاب الأذان، (89) باب: ما يقول بعد التكبير، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس به، رقم (743). 404 - خ (1/ 242 - 243)، (10) كتاب الأذان، (89) باب: ما يقول بعد التكبير، من طريق عمارة ابن القعقاع، عن أبي زُرْعَة، عن أبي هريرة به، رقم (744).
23 - باب الوعيد على رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وكراهة الالتفات فيها، وإن وقع لم يفسدها
إسكاتك بين التكبير وبين القراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنسَ، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبَرَد". الغريب: "الخشوع": التواضع، والاستكانة. وقال مجاهد: هو غض البصر، وخفض الجناح، وقيل: ألا يجاوز بصره مصلاه. و"الإسكاتة": السكوت، مصدر أسكت بمعنى سكت. و"هُنَيَّة": تصغير هَنَة، ويراد بها هنا سويعة، وذلك الدعاء مبالغة في سؤال المغفرة وتكفير الذنوب. وهو تعليم لنا؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر. * * * (23) باب الوعيد على رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وكراهة الالتفات فيها، وإن وقع لم يفسدها 405 - عن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بال أقوام يرفعون _______ 405 - خ (1/ 244)، (10) كتاب الأذان، (92) باب: رفع البصر إلى السماء في الصلاة، من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنس به، رقم (750).
24 - باب القراءة للإمام والمأموم
أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ " فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارهم". 406 - وعن عائشة قالت: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ قال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". وقد تقدم قوله عليه السلام في الخَمِيصَةِ: "كنتُ أنظر إلى عَلَمِهَا وأنا في الصلاة"، وأنه رأى نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي، وأن المسلمين هموا أن يُفْتَتَنُوا في صلاتهم لما خرج عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه، فأشار إليهم أَنْ أتموا صَلَاتَكُمْ. "الاختلاس": أَخْذُ الشيء خطفًا. و"النخامة": البصاق المنعقد. و"يفتتنوا": يشتغلوا. * * * (24) باب القراءة للإمام والمأموم 407 - عن عُبَادَة بن الصامت: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا صلاة لمن _______ 406 - خ (1/ 244 - 245)، (10) كتاب الأذان، (93) باب: الالتفات في الصلاة، من طريق أشعث بن سُلَيْم، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة به، رقم (751)، طرفه في (3291). 407 - خ (1/ 247)، (10) كتاب الأذان، (95) باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، من طريق الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عُبادة بن الصامت به، رقم (756).
لم يقرأ بفاتحة الكتاب". 408 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فَسَلَّم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَرَدَّ فقال (¬1): "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تُصَلِّ"، فرجع فصلى (¬2) كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ارجع فصل؛ فإنك لم تصل" -ثلاثًا- فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلِّمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك (¬3) في صلاتك كلها". 409 - وعن أبي هريرة قال: في كل صلاة يُقْرَأُ، فما أَسْمَعَنَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسمعناكم، وما أخفى عَنَّا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم الكتاب أَجْزَأَتْ، وإن زدت فهو خير. * * * ¬
25 - باب القراءة في الظهر والعصر، والإسرار فيهما
(25) باب القراءة في الظهر والعصر، والإسرار فيهما 410 - عن أبي مَعْمَرٍ: قلت لخَباب بِن الأَرَتِّ: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلت: بأي شيء كنتم تعرفون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته. 411 - وعن أبي قتادة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأُولَيَيْنِ من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يُطَوِّلُ في الأولى ويُقَصِّرُ في الثانية، ويُسْمعُ الآية أحيانًا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويُقَصِّرُ في الثانية. وفي رواية (¬1): كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة، يُسْمعنا (¬2) الآية أحيانًا. ¬
26 - باب القراءة في المغرب والعشاء وما يجهر فيه منهما
وفي رواية (¬1): كان يقرأ في الظهر في الأُولَيَيْنِ بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأُخْرَيَيْنِ بأم الكتاب ويسمعنا الآية، ويُطَوِّلُ في الركعة الأولى ما لا يُطِيل (¬2) في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح. 412 - وعن جابر بن سَمُرَةَ: قال سعد: كنت أصلي بهم صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاتي العشاء لا أَخْرِمُ (¬3) عنها، كنت أركُدُ في الأوليين، وأحذِفُ في الأُخْرَيَيْنِ، فقال عمر: ذلك الظن بك. "أركد": أسكن، و"أحذف": أَقْصُر. * * * (26) باب القراءة في المغرب والعشاء وما يجهر فيه منهما 413 - عن ابن عباس أنه قال: إن أم الفَضْل سمعته وهو يقرأ {وَالْمُرْسَلَاتِ ¬
عُرْفًا} فقالت: يا بني (¬1) لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءتك هذه السورةَ، إنها لآخر ما سمعت (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ بها في المغرب. 414 - وعن مَرْوَانَ بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: مالك تقرأ في المغرب بقِصَارِ المُفَصَّلِ (¬3)، وقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ بطول (¬4) الطولين؟ ! 415 - وعن جُبَيْر بن مُطْعِم قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ في المغرب بالطور. 416 - وعن البراء: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى ¬
27 - باب القراءة في الفجر
الركعتين بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}. في رواية (¬1): فما (¬2) سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو قراءة منه. 417 - وعن أبي رافع: قال: صليت مع أبي هريرة العَتَمة فقرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فسجد، فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت فيها خلف أبي القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. * * * (27) باب القراءة في الفجر 418 - ومن حديث أبي بَرْزَةَ: أنه عليه السلام فين يقرأ في الفجر من الستين إلى المئة في الركعتين أو إحداهما. 419 - وعن ابن عباس: انطلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عَامِدِينَ ¬
إلى سوق (¬1) عُكَاظَ، وقد حِيلَ بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرْسِلَتْ عليهم الشُّهُب، فرجعت الشياطين إلى قومهم. فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرْسِلَتْ علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين تَوَجَّهُوا نحو تِهَامَةَ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بنخلة، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له. فقالوا: هذا واللَّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2]، فأنزل اللَّه على نبِيِّهِ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}، وإنما أوحي إليه قول الجن. 420 - وعنه قال: قرأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أُمِرَ، وسكت فيما أُمِرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ (¬2) أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. * * * ¬
28 - باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة
(28) باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة ويذكر عن عبد اللَّه بن السائب: قرأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المؤمنين في الصبح، حتى إذا جاء ذِكْرُ موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سَعْلَةٌ فركع. وقرأ عمر في الركعة الأولى بمئة وعشرين آية من البقرة، وفي الثانية بسورة من المُفَصَّل. وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما. وقرأ ابن مسعود باربعين آية من الأنفال، وفي الثانية بسورة من المُفَصَّلِ. وقال قتادة -فيمن يقرأ بسورة واحدة في الركعتين، أو يردد سورة واحدة في ركعتين-: كُلٌّ كِتَابُ اللَّه (¬1). 421 - وقال عبيد اللَّه، عن ثابت، عن أنس: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قُبَاء، فكان كُلَّما افتتح سورة يقرأ لهم بها في الصلاة مما ¬
يقرأ به افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه وقالوا (¬1): إنك تفتتح بهذه السورة (¬2)، لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما (¬3) تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أنْ أؤمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبره (¬4) الخبر، فقال: "يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ " فقال: إني أحبها، قال: "حُبُّك إياها أدخلك الجنة". 422 - وعن أبي وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المُفَصَّل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لقد عرفت النظائر التي كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرُنُ بينهن، فذكر عشرين سورة من المُفَصَّل (¬5). * * * ¬
29 - باب ما جاء في التأمين والجهر به، وفضله
(29) باب ما جاء في التأمين والجهر به، وفضله وقال عطاء: آمين دعاء، أَمَّن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد لَلَجَّةً، وكان أبو هريرة ينادي الإمام: لا تَفُتْنِي بآمين. 423 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَمَّن الإمام فأمِّنُوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". قال ابن شهاب: وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "آمين". 424 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قولُهُ قولَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". * * * (30) باب التكبير في كل خفض ورفع 425 - عن مُطَرِّف بن عبد اللَّه قال: صَلَّيْتُ خلف عليِّ بن أبي _______ 423 - خ (2/ 262)، (10) كتاب الأذان، (111) باب: جهر الإمام بالتأمين، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به، رقم (780)، طرفه في (6402). 424 - خ (1/ 254)، (10) كتاب الأذان، (113) باب: جهر الإمام بالتأمين، من طريق مالك، عن سُمَيّ مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، رقم (782)، طرفه في (4475). 425 - خ (1/ 255)، (10) كتاب الأذان، (116) باب: إتمام التكبير في السجود، من =
طالب (¬1) أنا وعِمْرَانُ بن حُصَيْنٍ فكان إذا سجد كَبَّر، وإذا رفع رأسه كَبَّر، وإذا نَهَضَ من الركعتين كَبَّر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمرانُ بن حصين فقال: لقد ذكرني هذا صلاةَ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو لقد (¬2) صلى بنا صلاة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية: أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع (¬3). 426 - وعن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يُكَبِّرُ حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع اللَّه لمن حمده" حين يرفع صُلْبَهُ من الركوع (¬4)، ثم يقول وهو قائم: "ربنا لك الحمد" (¬5) ثم يكبر حين يَهْوِي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يَقْضِيَهَا، ويكبر حين يقوم من الثِّنْتَيْنِ (¬6) بعد الجلوس. ¬
وفي رواية: قال أبو هريرة: إنْ كانت هذه لَصَلَاتُه حتى فارق الدنيا (¬1). 427 - وعنه: أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: إني لأَشْبَهُكُمْ صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 428 - وعن عكرمة: صليت خلف شَيْخٍ بمكة، فكبر ثِنْتَيْنِ وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّك، سُنَّةُ أبي القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي أخرى (¬2): قال رأيتَ رَجُلًا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع، وإذا قام، وإذا وضع فأخبرت ابن عباس قال: أوليس تلك صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا أُمَّ لَكَ؟ (¬3). * * * ¬
31 - باب في كيفية الركوع، وما يقال فيه
(31) باب في كيفية الركوع، وما يقال فيه 429 - وقال أبو حُمَيْدٌ (¬1) في أصحابه: أمكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه من ركبتيه فركع، ثم هَصَرَ (¬2) ظهره. 430 - عن مصعب بن سعد قال: صليت إلى جَنْبِ أبي، وطَبَّقْتُ (¬3) بين كَفَّيَّ، ثم وضعتهما بين فَخِذَيَّ فنهاني وقال: كنا نفعله فنُهِينَا عنه، وأُمِرْنَا أن نضع أيديَنَا على الرُّكَبِ. 431 - وعن زَيْدِ بن وَهْبٍ قال: رأى حذيفةُ رجلًا لا يُتِمُّ الركوع ¬
والسجود، قال: ما صليت، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فَطَرَ اللَّهُ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي أخرى: لو مُتَّ مُتَّ على غير سُنَّةِ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذي لم يتم ركوعه ولا سجوده: "صَلِّ فإنك لم تصل" (¬2). 432 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي". الغريب: "الفِطْرَةُ": يعني بها هنا السُّنَّة -كما قال في الرواية الأخرى-، والفطرة أيضًا: الدين، سمي بذلك؛ لأنه الذي تقتضيه الفطرة السليمة؛ أي: أصل الخِلْقَة. و"هَصَرَ" مخففة الصاد: أمال ظهره فسوَّاه، وأصله من هَصَرْتُ الغُصْنَ إليك: إذا أَمَلْتُهُ. * * * ¬
32 - باب ما يقال عند الرفع من الركوع، وفي القنوت في الصلوات عند النوازل
(32) باب ما يقال عند الرفع من الركوع، وفي القنوت في الصلوات عند النوازل 433 - عن أبي هريرة قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قال: "سمع اللَّه لمن حمده"، قال: "ربنا ولك الحمد"، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ركع وإذا رفع رأسه يكبر، وإذا قام من السجدتين قال: "اللَّه اكبر". 434 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد؛ فإنه من وافق قولُه قولَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". 435 - وعنه قال: لأُقَرِّبَنَّ صلاةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة (¬1) الآخِرَة من صلاة الظهر، وصلاة (¬2) العشاء، وصلاة الصبح بعدما ¬
يقول سمع اللَّه لمن حمده، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار. 436 - وعن أنس قال: كان القنوت في المغرب والفجر. 437 - وعن ابن عمر: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، فأنزل اللَّه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} -إلى قوله: - {ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]. 438 - وعن رفاعة بن رافع الزُّرَقِيّ قال: كنا نصلي يومًا وراء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع اللَّه لمن حمده"، فقال رجل (¬1): ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم؟ " قال: أنا، قال: "رأيت بِضْعَةً وثلاثين مَلَكًا يَبْتَدِرُونهَا أيهم يكتبها أوَّلُ". الغريب: ظاهر موافقة الملائكة أنها في الزمان، ويحتمل في حال الملائكة من الإخلاص والحضور. ¬
33 - باب الطمأنينة في أركان الصلاة والإهواء من الركوع
و"القنوت": أصله التذلل والخشوع، وسمي ذلك الدعاء قنوتًا بما تضمنه من الخشوع والتذلل. والحكمة في نزول بضعة وثلاثين ملكًا؛ لأن تلك الكلمات بضعة وثلاثون حرفًا، فنزل لكل حرف ملك ليكتب ثوابه، أو ليرفع ما كتبه الحفظة من ذلك، واللَّه أعلم. و"أَوَّلُ": مبني على الضم؛ لقطعه عن الإضافة، وقد روي في غير هذا الموضع: "أوَّلَ" بالنصب على الظرف والحال، واللَّه أعلم. * * * (33) باب الطمأنينة في أركان الصلاة والإهواء من الركوع وقال أبو حميد: رفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واستوى حتى يعود كل فَقَارٍ مكانه. 438 م- وعن ثابت قال: كان أنس ينعت لنا صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يصلي فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نسِيَ. 439 - وعن أبي قلابة قال: قام مالك بن الحويرث يُرِينا كيف كان _______ 438 م - خ (1/ 259)، (10) كتاب الأذان، (127) باب: الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، من طريق شعبة، عن ثابت، عن أنس به، رقم (800)، وطرفه في (821). 439 - خ (1/ 256)، (10) كتاب الأذان، (127) باب: الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة به، رقم (802).
34 - باب من ركع خلف الصف ثم دب إليه، ومن دعا في الصلاة لقوم وسماهم
صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك (¬1) في غير وقت الصلاة، فقام فأمكن القيام، ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فأنصت هُنَيَّةً قال: فصلى بنا صلاة شيخنا هذا؛ أبي بُرَيْد، وكان أبو بُرَيْد (¬2) إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة (¬3) استوى قاعدًا ثم نهض. وقد تقدم قول أبي هريرة (¬4) أنه عليه السلام كان يكبر حين يَهْوِي ساجدًا. * * * (34) باب من ركع خلف الصف ثم دَبَّ إليه، ومن دعا في الصلاة لقوم وسماهم 440 - وعن الحسن، عن أبي بَكْرَةَ: أنه انتهى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "زادكَ اللَّهُ حِرْصًا ولا تَعُدْ". ¬
35 - باب في فضل السجود وكيفيته
441 - وعن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين يرفع رأسه يقول: "سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد" يدعو لرجال ويسميهم بأسمائهم، فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمةَ بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشْدُدْ وَطْأتكَ على مُضَرَ، واجعلها عليهم سِنِينَ (¬1) كَسِنِي يوسف"، وأهل المشرق يومئذ من مُضَرَ. الغريب: "أَنْجِ": من النجاة؛ أي: نَجِّ، وهؤلاء المدعو لهم ناس مسلمون بمكة، استضعفهم الكفار فمنعوهم من الهجرة، فدعا لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتخلصوا منهم وتمت لهم هجرتهم. و(سِنُو يوسف): [كذا بالواو] هي السبع الشداد وهي سنو القحط والجَدْبِ. * * * (35) باب في فضل السجود وكيفيته 442 - من حديث أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى إذا أراد اللَّه ¬
رحمةَ مَنْ أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد اللَّه فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم اللَّه على النار أن تأكل أثر السجود". وسيأتي الحديث بكماله إن شاء اللَّه. 443 - وعن عبد اللَّه بن مالك ابن بُحَيْنَة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا صلى فَرَّجَ بين يديه، حتى يبدوَ بياضُ إبطيه. 444 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أن أسجد على سبعة أَعْظُمٍ: على الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين، والركبتين وأطراف القدمين، ولا نَكُفُّ (¬1) الثياب والشَّعر". 445 - وعن أنس بن مالك: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اعتدلوا (¬2) في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب". ¬
36 - باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته، ثم نهض، ومن اعتمد على الأرض، ومن سجد في الطين
446 - وعن البَرَاءِ قال: كان سجودُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وركوعه، وقعوده بين السجدتين قريبًا من السّواء. 447 - وعن أنس قال: لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بنا. قال ثابت: كان أنس يصنع شيئًا لم أَرَكُمْ تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي. الغريب: "آلُو": أُقصر. و"آثار السجود": أي: مواضع آثار السجود، وهي الأعضاء السبعة التي يأتي ذكرها. * * * (36) باب من استوى قاعدًا في وتر من صلاته، ثم نهض، ومن اعتمد على الأرض، ومن سجد في الطين 448 - عن مالك بن الحُوَيْرِثِ الليثي: أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي، فإذا _______ 446 - خ (1/ 265)، (10) كتاب الأذان، (140) باب: المكث بين السجدتين، من طريق مِسْعَر، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء به، رقم (820). 447 - خ (1/ 265)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس به، رقم (821). 448 - خ (1/ 265)، (10) كتاب الأذان، (142) باب: من استوى قاعدًا في وتر من =
37 - باب سنة الجلوس والتشهد وأنهما ليسا بواجبة
كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعدًا (¬1). وفي رواية: وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض، ثم قام (¬2). 449 - وعن أبي سعيد قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت (¬3) الطين في جبهته. * * * (37) باب سُنَّة الجلوس والتشهد وأنهما ليسا بواجبةٍ 450 - عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه: أنَّه أخبره أنه كان يرى عبد اللَّه بن عمر ¬
يَتَرَبَّعُ في الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد اللَّه ابن عمر قال (¬1): إنما سُنَّةُ الصلاة أن تنصب رِجْلَكَ اليمنى وتثني اليسرى. فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رِجْلَيَّ لا تحملاني. قلت: كان ابن عمر فَدَعَتِ اليَهُودُ رجليه في صغره فكان أفدع -أي: زائغ- أرساغ الرجلين من مفاصلهما. 451 - وعن محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرنا صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أبو حُمَيْد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، رأيته إذا كَبَّر جعل يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هَصَرَ ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فَقَارٍ مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مُفْتَرِشٍ ولا قابضهما، واستقبل بأطراف رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قَدَّمَ رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته. 452 - وعن عبد اللَّه بن مالك. . . . . ¬
ابن (¬1) بُحَيْنَةَ قال: صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر، فقام وعليه جلوس، فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين وهو جالس. 453 - وعن شَقِيق بن سَلَمَة قال: قال عبد اللَّه: كنا إذا صلينا خلف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قلنا: السَّلامُ على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن اللَّه هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين -فإنكم إذا قلتموها أصابت كلَّ عبد صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". وفي رواية (¬2): "ثم ليتخيَّر (¬3) من الدعاء أعجبَهُ إليه فيدعو". الغريب: "التحيات": جمع تحية، وهي المُلْكُ. و"الطيبات": أي: الأقوال الطيبة، . . . . . ¬
38 - باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والدعاء قبل السلام
ومنه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]. * * * (38) باب الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدعاء قبل السلام 454 - عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ قال رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قولوا: اللهم صل على محمد، وأزواجه، وذريته، كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد، وأزواجه، وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". 455 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كَعْبُ بن عُجْرَةَ فقال: ألا أُهْدِي لك هدية سمعتها من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقلت: بلى. فأهدها لي. فقال: سألنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن اللَّه علمنا كيف نسُلِّمُ. قال "قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ¬
بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد". 456 - وعن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المَأْثَمِ والمَغْرَمِ" (¬1)، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: "إن الرجل إذا غَرِمَ حَدَّث فكذب، ووعد فأخلف". 457 - وعن أبي بكر الصديق: أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: عَلِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم". * * * ¬
39 - باب التسليم من الصلاة، وإقبال الإمام على الناس إذا سلم
(39) باب التسليم من الصلاة، وإقبال الإمام على الناس إذا سَلَّم 458 - عن أم سلمة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تَسْلِيمَهُ ومكث يسيرًا قبل أن يقوم. قال ابن شهاب: فَأُرَى -واللَّه أعلم- أنَّ مُكْثَهُ لكي يَنْفُذَ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم. 459 - وعن عِتْبَانِ بن مالك قال: صلينا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسَلَّمْنَا حين سَلَّم. 460 - وعن سَمُرَة بن جُنْدَب قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صَلَّى صلاة، أَقْبَلَ علينا بوجهه. 461 - وعن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة _______ 458 - خ (1/ 269 - 270)، (10) كتاب الأذان، (152) باب: التسليم، من طريق الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة به، رقم (837)، طرفاه في (849، 850). 459 - خ (1/ 270)، (10) كتاب الأذان، (153) باب: يُسَلِّم حين يسلم الإمام، من طريق معمر، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عتبان به، رقم (838). 460 - خ (1/ 272)، (10) كتاب الأذان، (156) باب: يستقبل الإمام الناس إذا سَلَّم، من طريق جرير بن حازم، عن أبي رجاء، عن سمرة بن جندب به، رقم (845)، أطرافه في (1143، 1386، 2085، 2791، 3236، 3354، 4674، 6096، 7047). 461 - خ (1/ 272)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق مالك، عن صالح بن =
40 - باب يجوز الانصراف من الصلاة عن اليمين وعن الشمال، وجواز تخطي الإمام الرقاب عند الخروج
الصبح بالحُدَيْبِية على أَثَرِ سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. . . الحديثَ، وسيأتي. * * * (40) باب يجوز الانصراف من الصلاة عن اليمين وعن الشمال، وجواز تخطي الإمام الرقاب عند الخروج وكان أنس يَنْفَتِلُ عن يمينه ويساره، ويعيب على من يتوخى، ومن تعمد الانفتال عن يمينه. 462 - عن الأسود، عن عبد اللَّه قال (¬1): قال عبد اللَّه: لا يجعل أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته، يرى أنَّ حقًّا عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا ينصرف عن يساره. * * * ¬
41 - باب الذكر بعد الصلاة وفضله
(41) باب الذكر بعد الصلاة وفضله 463 - عن ابن عباس: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. 464 - وعن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: ذهب أهل الدُّثُورِ من الأموال بالدرجات العُلَى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يَحُجُّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون. قال: "ألا أحدثكم بأمرٍ إنْ أخذتم به أدركتم من (¬2) سبقكم، ولم يدرككم ¬
42 - باب تحريم الكلام في الصلاة
أحد بعدكم، وكنتم خَيْرَ مَنْ أنتم بين ظهرانيهم (¬1) إلا من عمل مثله، تُسَبِّحونَ وتَحْمَدُون وتُكَبِّرُون خَلْفَ كل صلاةٍ ثلاثة (¬2) وثلاثين" فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبِّح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فرجعت إليه فقال: "تقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، حتى يكونَ منهن كُلِّهن ثلاثٌ وثلاثون". 465 - وعن وَرَّاد كاتب المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منكَ الجدُّ". قال الحسن: جَد (¬3): غِنًى. قلت: و"الدثور": جمع دثر؛ وهو المال الكثير، وأصله في الإبل؛ لأنه من الدثار. * * * (42) باب تحريم الكلام في الصلاة 466 - عن عبد اللَّه بن مسعود: قال: كنا نسلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في ¬
الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: "إن في الصلاة شُغْلًا". 467 - وعن زيد بن أرقم قال: كنا (¬1) نَتَكَلَّمُ في الصلاة على عهد رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يكلم أحدنا صاحبه (¬3) إلى جنبه، حتى نزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (¬4)؛ أي: ساكتين خاشعين (¬5). * * * ¬
11 - كتاب الجمعة
(11) كتاب الجمعة
1 - باب فرض الجمعة وفضلها، لقوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: 9]
(11) كتاب الجمعة (1) باب فرض الجمعة وفضلها، لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] 468 - عن أبي هريرة: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيقول: "نحن الآخرون والسابقون (¬1) يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أُوتُوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فَرَضَ (¬2) اللَّه عليهم، فاخْتَلَفُوا فيه، فهدانا اللَّه له، فالناس لنا تَبَعٌ، اليهودُ غدًا، والنصارى بعد غدٍ". 469 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم ¬
2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة، والطيب، والسواك
الجمعة غُسْلَ الجنابة، ثم راح، فكأنما قرَّب بَدَنَةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أَقْرَنَ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكْرَ". الغريب: "فَاسْعَوا": فامضوا، وقد قرئت كذلك. و"بَيْدَ": بمعنى غير. و"اليهود غدًا": أي: عبادة اليهود غدًا أو تعظيمهم، وهذا كقول العرب: الهلال الليلة، وأصل "راح": رجع بعشيِّ، وأول العشيِّ الزَّوال. و"البَدَنَةُ": واحدة البُدْنِ، وهي الهدايا من الإبل، و"الذِّكْر": الخطبة. * * * (2) باب فضل الغسل يوم الجمعة، والطيب، والسواك 470 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل". _______ = مالك، عن سُمَى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة به، رقم (881). 470 - خ (1/ 280)، (11) كتاب الجمعة، (2) باب: فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء؟ ، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (877)، طرفاه في (894، 919).
471 - وعنه: أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة؛ إذ جاء رجلٌ من المهاجرين الأَوَّلينَ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فناداه عمر: أَيَّةُ ساعةٍ هذه؟ قال: إني شُغِلْتُ فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أَنْ توضأت فقال: والوضوء أيضًا؟ وقد علمت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمر بالغسل. وفي رواية (¬1): قال عمر: ألم تسمعوا رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل". 472 - وعن عمرو بن سليم الأنصاري قال: أشهد على أبي سعيد قال: أشهد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الغُسْلُ يوم الجمعة واجب على كل مُحْتَلِمٍ، وأن يَسْتَنَّ، وأن يمسَّ طِيبًا إن وَجَد". قال عمرو: أما الغسل: فاشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب: فاللَّه أعلم أَوَاجِبٌ هو أم لا؟ ولكن هكذا الحديث. ¬
473 - وعن سلمان الفارسي قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويَتَطَهَّرُ ما استطاع من الطهر (¬1) ويَدَّهِنُ من دُهْنِهِ، أو يمسُّ من طِيبِ بيته، ثم يخرج فلا يُفرِّقُ بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غُفِرَ لَهُ ما بينه وبين (¬2) الجمعة الأخرى". 474 - وعن طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، وإن لم تكونوا جنبًا، وأصيبوا من الطيب". قال ابن عباس: أما الغسل: فنعم، وأما الطيب: فلا أدري. 475 - وعن عبد اللَّه بن عمر: أن عمر بن الخطاب رأى حُلَّةً سِيَرَاءَ عند ¬
باب المسجد فقال: يا رسول اللَّه، لو اشتريت هذه فَلَبِسْتَهَا يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما يلبس هذه مَن لا خلاق له في الآخرة". . . الحديث. 476 - وعن أبي هريرة: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "للَّه (¬1) على كل مسلم حقٌّ أن يغتسل في كل سبعة أيامٍ يومًا". في رواية: "يغسل فيه رأسه وجسده" (¬2). زاد البزار في "مسنده": "وهو يوم الجمعة" (¬3). الغريب: "يَسْتَنُّ": يدلك أسنانه بالسواك. و"الحُلَّة": كل ثوبين غير ملفقين كإزارٍ ورداءٍ. و"سِيَرَاء": مخططة بخطوط تشبه السيور، وكانت حريرًا خالصًا، واللَّه أعلم. و"الخَلَاق": الحظ والنصيب، ويعني أنها من لباس الكفار. * * * ¬
3 - باب الجمعة في القرى والمدن
(3) باب الجمعة في القُرَى والمُدُنِ 477 - عن ابن عباس قال: إن أول جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ -بعد جُمُعَةٍ في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجُوَاثَى من البحرين. 478 - وقال يونس: كتب رُزيق بن حُكَيْم إلى ابن شهاب -وأنا يومئذ معه بوادي القُرَى- هل ترى أن أُجَمِّعَ؛ ورُزَيق عاملٌ على أرضٍ يعملها وفيها جماعة من السودان وغيرهم، ورزيق يومئذ على أَيْلَة -فكتب ابن شهاب- وأنا أسمع يأمره أن يُجَمِّعَ، يخبره أن سالمًا حدثه، أن عبد اللَّه بن عمر يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته". . . الحديث، وسيأتي إن شاء اللَّه. * * * _______ = غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ ، من طريق أبان بن صالح، عن مجاهد، عن طاوس، عن أبي هريرة به، رقم (898). 477 - خ (1/ 284)، (11) كتاب الجمعة، (11) باب: الجمعة في القرى والمدن، من طريق إبراهيم ابن طهمان، عن أي جمرة الضبعي، عن ابن عباس به، رقم (892)، طرفه في (4371). 478 - خ (1/ 284 - 285)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الليث، عن يونس به، رقم (893)، أطرافه في (2409، 2554، 2558، 2751، 5188، 5200، 7138)، وتمامه: "والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، قال: وحسبت أن قد قال: والرجل راعٍ في مال أبيه، ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعِ ومسؤول عن رعيته".
4 - باب في السعي إلى الجمعة، ومن أين يؤتى إليها، والرخصة في التخلف عنها بعذر المطر
(4) باب في السعي إلى الجمعة، ومن أين يؤتى إليها، والرخصة في التخلف عنها بعذر المطر 479 - عن عَبَايَة بن رِفاعة قال: أدركني أَبو عبسٍ وأنا ذاهب إلى الجمعة فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من اغْبَرَّتْ قدماه في سبيل اللَّه حَرَّمه اللَّه على النار". 480 - وعن عائشة قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم والعَوَالِي، فيأتون في العَبَاء (¬1) ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العَرَق فأتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنسانٌ منهم وهو عندي فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو أنكم تطهرتم ليومِكُمْ هذا؟ ". 481 - وعن ابن عباس أنَّه قال لمؤذنه في يوم مَطِيرٍ: إذا قلت: أشهد ¬
5 - باب الأذان يوم الجمعة عند الزوال، وعند جلوس الإمام على المنبر، ولو أذن واحد أجزأ
أن محمدًا رسول اللَّه، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم. فكأن الناس استنكروا فقال (¬1): فعله من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمَةٌ (¬2)، وإني كرهت أن أُحْرِجَكُمْ فتمشوا في الطين والدَّحْضِ. الغريب: "يَنْتَابون": يتعاهدون، وأقرب العوالي على ثلاثة أميال من المدينة. و"العَبَاء": جمع عباءة، وهي الكساء. وعنى بقوله: "مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي" رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. و"عَزْمَة": أي: معزوم عليها في حق من لا عُذْرَ لَهُ. و"أُحْرِجكم": من الحَرَج وهو المشقة. و"الدَّحْض": الزَّلَق، وهو بإسكان الحاء وفتحها. * * * (5) باب الأذان يوم الجمعة عند الزَّوال، وعند جلوس الإمام على المنبر، ولو أَذَّنَ واحدٌ أَجْزَأَ 482 - عن السائب بن يزيد: أنَّ الأَذَان يوم الجمعة كان أوَّله حين ¬
يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر (¬1)، فلما كان في خِلَافَةِ عثمان وكثروا -وفي رواية (¬2): وكثر الناس- أَمَرَ عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأَذَّنَ به على الزَّوْرَاءِ، فثبت الأمر على ذلك، وفي رواية (¬3): الثاني بدل الثالث. وفي رواية (¬4): ولم يكن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُؤَذِّنٌ غير واحد (¬5). كان التأذين يوم الجمعهَ حين يجلس الإمام (¬6) على المنبر. قال البخاري: "الزَّوْرَاءُ": موضع بسوق المدينة. * * * ¬
6 - باب الخطبة على المنبر قائما
(6) باب الخُطْبَةِ على المِنْبَرِ قائمًا 483 - عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب على المنبر فقال: "من جاء إلى الجمعة فليغتسل". 484 - وعن أبي حازم بن دينار: أن رجالًا أتوا سهلًا السَّاعِدِيَّ (¬1) وقد امْتَرَوْا (¬2) في المنبر، مِمَّ عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: واللَّه إني لأعرف مِمَّا هو، ولقد رأيت (¬3) أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل-: "مُري غلامَك النجار أن يعمل لي أعوادم أَجْلِسُ عليهن إذا كلمتُ الناس"، فَأَمَرَتْهُ فعملها من طَرْفَاءِ (¬4) الغابة ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوُضِعَتْ ها هنا، ثم رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى عليها وكبَّر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القَهْقَرى ¬
فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أَيُّها الناس، إنما صَنَعْتُ هذا لتَأْتَمُّوا بي؛ ولتعلموا صلاتي". 485 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كان جِذْعٌ يقوم إليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العِشَارِ، حتَّى نزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضع يده عليه. وفي رواية (¬1): قال جابر: فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتَّى كادت أن تَنْشَقَّ، فنزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى أخذها، فضَمَّها إليه، فجعلت تَئِنُّ أنين الصبي الذي يُسَكَّت، حتَّى استقرت. قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر. 486 - وعن ابن عمر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب قائمًا، ثم يقعد، ثم يقوم كما يفعلون الآن. الغريب: "امْتَرَوْا": تنازعوا واختلفوا. ¬
7 - باب النهي عن أن يقام أحد من مقعده يوم الجمعة، وإقبال الناس على الإمام، والأمر بالإنصات له
و"الطَّرْفَاء": بسكون الراء- شجر من شجر البادية. و"الغابة": موضع معروف بقرب المدينة. و"القَهْقَرَى": الرجوع إلى خلف في المشي. و"العِشَار": جمع عُشَرَاء، وهي الناقة التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر. و"الجِذْع": أصل النخلة المقطوعة. وحنينه من أدلة صحة نبوة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (7) باب النهي عن أن يقام أحد من مقعده يوم الجمعة، وإقبال الناس على الإمام، والأمر بالإنصات له 487 - عن ابن عمر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقام (¬1) الرجل (¬2) من مَقْعَدِه ويجلس فيه. قيل (¬3) لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها. ¬
8 - باب الخطبة وما يقال فيها
488 - وعن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله. 489 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لَغَوْتَ". "اللغو": من الكلام الذي لا يفيد، وقد يُعَبَّرُ به عما لا يجوز، وهو المراد في هذا الحديث. * * * (8) باب الخطبة وما يقال فيها 490 - عن المِسْوَر بن مَخْرَمَة قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسمعته يقول (¬1) ¬
حين تَشَهَّدَ: "أما بعد" (¬1). 491 - وعن ابن عباس قال: صعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المنبر، فكان آخر مجلس جلسه مُتَعَطِّفًا مِلْحفة على منكبيه قد عصب رأسه بعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إليَّ" -فثابوا إليه، ثم قال: "أما بعد: فإن هذا الحيَّ من الأنصار يَقِلُّون ويكثر الناس، فمن ولي شيئًا (¬2) من أمة محمد (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستطاع أنْ يَضُرَّ فيه أحدًا أو ينفع فيه أحدًا، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم". 492 - وعن أَنس قال: بينما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول اللَّه هَلَكَ الكُرَاعُ، هلك الشاء فادع اللَّه أن يسقينا، فمدَّ يديه ودعا. ¬
9 - باب إذا نفر الناس عن الإمام فصلاته، ومن بقي معه جائزة، وركوع من دخل والإمام يخطب
الغريب: "مُتَعَطِّفًا": جاعلها على عطفيه؛ أي: جانبه. و"دَسِمَة": متغيرة تغيرًا يشبه تغير الدسم وهو الدهن وكأنها غير صفيّة. و"الكُرَاع": المواشي على أربع. * * * (9) باب إذا نفر الناس عن الإمام فصلاته، ومن بقي معه جائزة، وركوع من دخل والإمام يخطب 493 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: بينا (¬1) نحن نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ أقبلت عِيرٌ تحمل طعامًا، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا اثنا عشر رجلًا فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. 494 - وعنه قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقال: ¬
10 - باب الساعة التي في يوم الجمعة، والصلاة قبلها وبعدها، والانتشار بعد فعلها
"صليت؟ " قال: لا. قال: "فصل ركعتين". الغريب: "اللهو": هنا طبل أو مِزْمَارٌ ضربه أهل العير إشعارًا بقدومهم. و"انفضُّوا": ذهبوا وتفرقوا. حُكي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال عند ذلك: "لولا الباقون لنزلت عليهم الحجارة". والضمير في {إِلَيْهَا} عائد إلى التجارة؛ لأنها المقصود الأصلي الأهم. * * * (10) باب الساعة التي في يوم الجمعة، والصلاة قبلها وبعدها، والانتشار بعد فعلها 495 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل اللَّه شيئًا إلَّا أعطاه إياه"، وأشار بيده يُقَلِّلُهَا. 496 - وعن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي قبل الظهر ركعتين، _______ = ركعتين خفيفتين، من طريق سفيان، عن عمرو -هو ابن دينار-، عن جابر به، رقم (931). 495 - خ (1/ 295 - 296)، (11) كتاب الجمعة، (37) باب: الساعة التي في يوم الجمعة، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (935)، طرفاه في (5294، 6400). 496 - خ (1/ 296)، (11) كتاب الجمعة، (39) باب: الصلاة بعد الجمعة وقبلها، =
وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين. 497 - وعن سهل قال: كانت فينا امرأةٌ تجعل على أربعاءَ في مزرعة لها سِلْقًا فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السِّلْقِ فتجعله في قِدْرٍ ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السِّلق عَرْقَهُ، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتُقَرِّبُ ذلك الطَّعام إلينا فنَلْعَقُهُ، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. وعنه قال: كنا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الجمعة، ثم تكون القائلة (¬1). وفي رواية: ما كنا نَقِيلُ ولا نتَغَذَّى إلَّا بعد الجمعة (¬2). الغريب: "الأَرْبعاء": جمع ربيع - وهو الجدول، و"العَرق": بفتح العين: العظم ¬
الذي عليه اللحم؛ يعني: تجعل أصل السلق بدل اللحم؛ أي: لم يكن في ذلك لحم، ورواه أَبو ذرٍّ: (عُراقه)، وروي (غَرْقه) بالغين المعجمة؛ أي: مرقه. وليست بشيء. وعند ابن شريح: (تحقل على أربعاء) بالقاف بدل (تجعل)؛ أي: تزرع في الحقل. وإنما كانوا يقيلون ويتغدون بعد الصلاة؛ لأنهم كانوا يُهَجِّرُونَ بالجمعة فكانوا يؤخرّون ما يفعلون في الهاجرة في غير يوم الجمعة، فيفعلونه يوم الجمعة بعد الصلاة، ولا يفهم من هذا أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزَّوال؛ لأنه قد صح عنه عليه السلام أنَّه ما كان يصليها إلَّا بعد الزوال، وقد صح ذلك بعمل أهل المدينة. واللَّه أعلم. * * *
12 - كتاب صلاة الخوف
(12) كتاب صلاة الخوف
1 - باب يقيم الإمام العسكر فريقين، ويصلي بكل طائفة ركعة
(12) كتاب صلاة الخوف (1) باب يقيم الإمام العسكر فريقين، ويصلي بكل طائفة ركعة 498 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا العدو، فصافَفْنَا لهم، فقام (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي لنا. فقامت طائفة معه تصلي (¬2)، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصَلِّ فجاءوا فركع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سَلَّم. فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين. ¬
2 - باب يصلي بهم صلاة واحدة، ويحرس بعضهم بعضا
وفي رواية عن ابن (¬1) عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قيامًا وركبانًا. * * * (2) باب يصلي بهم صلاة واحدة، ويحرس بعضهم بعضًا 499 - عن ابن عباس قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضًا. * * * (3) باب ما قال تؤخر الصلاة إلى أن ينجلي القتال قال أَنس (¬2): حضرت مناهضة حصن تُسْتَر عند إضاءة الفجر -واشتد ¬
4 - باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء
اشتعال القتال- فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصل إلَّا بعد ارتفاع النهار، فصليناها ونحن مع أبي موسى، فَفُتِحَ لنا. قال أَنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها. 500 - وقد تقدم في حديث جابر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَّر العصر يوم الخندق إلى أن غابت الشمس، ثم صلاها، ثم صلى بعدها المغرب. * * * (4) باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً وقال الوليد (¬1): ذكرت للأوزاعي صلاة شُرَحْبِيلَ بن السِّمْطِ وأصحابه على ظهر الدابة فقال: كذلك الأمر عندنا إذا تَخَوَّف الفوت. واحتج الوليد بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصر إلَّا في بني قُرَيْظَةَ". 501 - وعن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لنا لما رجع من الأحزاب "لا يُصَلِّيَن أَحَدٌ العصر إلَّا في بني قُرَيْظَة"، فأدرك بعضهم العصر في الطَّرِيقِ، وقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرَدْ منا ¬
5 - باب يثبت الإمام قائما منتظرا للطائفة الأخرى
ذلك، فَذُكِرَ ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يُعَنِّفْ أحدًا (¬1) منهم. * * * (5) باب يَثْبُتُ الإمام قائمًا منتظرًا للطائفة الأخرى 502 - عن صالح بن خَوَّات عمن صلى (¬2) مع النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف -وفي رواية (¬4): أنَّه سهل بن أبي حثمة- أن طائفة صفّتْ معه وطائفة وُجَاهَ العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأَتَمُّوا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سَلَّم بهم. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف (¬5). * * * ¬
13 - كتاب العيدين
(13) كتاب العيدين
1 - باب التجمل واللعب بالسلاح وإباحة غناء الجواري يوم العيد
(13) كتاب العيدين (1) باب التَّجَمُّل واللعب بالسلاح وإِباحة غناء الجَوَارِي يوم العيد 503 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: أخذ عمر جُبَّةً من إستبرق تباع في السوق فأخذها. فأتى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! ابْتَعْ (¬1) هذه، تَجَمَّلْ بها للعيد والوفود. فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما هذه لباسُ من لا خَلَاقَ له"، فلبث عمر ما شاء اللَّه أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِجُبَّةِ ديباج فأقبل بها عمر فأتى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إنك قلت: "إنما هذه لباسُ من خلاق له"، وأرسلت إليَّ بهذه الجبة؟ فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَبِيعُهَا وتصيب بها حاجتك". ¬
وفي رواية (¬1): وجد عمرُ حُلَّةً إستبرق تباع في السوق فأتى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! ابتعْ هذه الحُلَّة، تجمل (¬2) بها للعيد وللوفود. . . الحديث نحوه. 504 - وعن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعَاث، فاضطجع على الفراش وحَوَّل وجهه، ودخل أَبو بكر فانْتَهَرَنِي وقال: مِزْمَارة (¬3) الشيطان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأقبل عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال "دعهما" فلما غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فخرجتا. وكان يومَ عيدٍ يلعبُ السّودان بالدَّرَقِ (¬4) والحِرَاب -فإما سألت رسول اللَّه (¬5) -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإما قال "تشتهين تَنْظُرِين؟ " فقلت: نعم. فأقامني وراءه، خَدِّي على خَدِّه وهو يقول: "دونكم يا بني أَرْفِدَةَ" حتى إذا مَلِلْتُ. قال: "حَسْبُكِ؟ " قلت: نعم. قال: "فاذهبي". ¬
2 - باب خروج الرجال والنساء والصبيان في العيد إلى المصلى
وفي رواية (¬1) قالت: دخل أَبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تَقَاولَتِ الأنصارُ يوم بعاث، قالت: وليستا بمُغَنِّيَتَيْن، فقال أَبو بكر: أمزامير (¬2) الشيطان في بيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ -وذلك في يوم عيد- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا بكر" إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا". الغريب: "الدِّيبَاج": ما غَلُظَ من ثياب الحرير. و"الإسْتَبْرَق": ما لان منه. و"الخَلَاق": الحظ والنصيب. و"الوفود": جمع وفد وهم الزوار. "بُعَاث": بالعين المهملة، وهو يوم كان فيه بين الأوس والخزرج حرب عظيمة في الجاهلية. و"المَزَامِير": الأصوات، واحدها مزمار ومزمور. * * * (2) باب خروج الرجال والنساء والصبيان في العيد إلى المُصَلَّى 505 - عن أبي سعيد الخدري قال: . . . . ¬
كان النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المُصَلَّى، فأول شيء يبدأ به الصلاةُ. ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس -والناس جُلُوسٌ على صفوفهم- فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف. فقال أَبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خَرَجْتُ مع مروان -وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كَثِيرُ ابن الصَّلْتِ، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجذبت (¬2) بثويه فجذبني (¬3) فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غَيَّرْتُمْ واللَّه، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم -واللَّه- خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. 506 - وعن ابن عباس قال: خَرَجْتُ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فطرٍ أو أضحى، فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن فذكرهن وأمرهن بالصدقة. 507 - وعن حفصة بنت سيرين قالت: كنا نمنع جوارينا أن يَخْرُجْنَ ¬
يوم العيد، فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خَلَفٍ فأتيتها فَحَدَّثَتْ أن زوج أختها غزا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثِنْتَيْ عشرة غزوةً، فكانت أختها معه في ست غزوات. قالت: كنا (¬1) نقوم على المرضى ونداوي الكَلْمَى. فقالت: يا رسول اللَّه" على إحدانا بأس -إذا لم تكن لها جلباب- ألا تخرج فقال: "لِتُلْبِسْهَا صاحبتُهَا من جلبابها فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين". قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها أسمعت في كذا وكذا؟ فقالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا قالت بأبي- ليَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ -أو قال: العواتق وذوات الخدور - شك أيوب- والحُيَّضُ، فيعتزلن (¬2) الحيض المصلى، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين. قالت: فقلت لها الحُيَّضُ؟ قالت: نعم. أليس الحائض تشهد عرفات، وتشهد كذا (¬3) وكذا؟ الغريب: "يقطع بَعْثًا": يخرج من جملة الناس سَرِيَّة أو نحوها. و"العواتق من النساء": المُعْصِرُ، وهي المقاربة للبلوغ. و"الخدور": جمع خدر، وهو الهودج إذا كان فيه امرأة. و(الجلباب): المِلْحَفَة. قاله الجوهري، وفعله جلببت المرأة صاحبتها، جلببةً. ويعني بذلك: تُعِيرُها جلبابًا من جلابيبها إذا كان لها فضل عما تحتاج إليه، واللَّه أعلم. * * * ¬
3 - باب استحباب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وجواز ذلك يوم النحر
(3) باب استحباب الأكل يوم الفطر قبل الغُدُوِّ إلى المصلى، وجواز ذلك يوم النحر 508 - عن أَنس: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكُلُهُنَّ وترًا. 509 - وعن البَرَاءِ بن عازب قال: خطبنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأضحى بعد الصلاة فقال: "مَنْ صلى صلاتنا ونَسَكَ نُسُكَنَا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسُكَ لَهُ". كذا وقع في هذه الرواية، وفي أَخرى (¬1): "ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم". ¬
4 - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم
فقال أَبو بُرْدَةَ بن نِيَار -خال البراء-: يا رسول اللَّه! فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يومُ أكلٍ وشُربٍ، وأحببت أن تكون شاتي أول شاة (¬1) تذبح في بيتي، فذبحت شاتي وتَغَدَّيْتُ قبلَ أن آتي الصلاة فقال: "شاتك شاة لحم" فقال: يا رسول اللَّه! فإن عندنا عناقًا لنا جَذَعَةً أحب إليَّ من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: "نعم، ولن تجزي عن أحدٍ بعدك". الغريب: "نَسَك" هُنَا: ذَبَح نُسُكًا، وهي الأضحية، وأصل النسك: التعبد. و"تُجْزِي": غير مهموز ثلاثيًا -معناه يقضي، فأما أجزأ - رباعيًّا مهموز: - فمعناه: أغنى. * * * (4) باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحَرَمِ 510 - عن سعيد بن جبير: كنت مع ابن عمر حين أصابه سِنَانُ الرمح في أَخْمَصِ قدمه، فَلَزَقَتْ قدمُه بالرِّكَابِ فنزلت فنزعتها -وذلك بِمِنًى- فبلغ الحجاج فجاء (¬2) يعوده فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: ¬
5 - باب لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة، ولا صلاة في المصلى قبلها ولا بعدها، والخطبة قبل الصلاة
أنت أصبتني. قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح في الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم. وفي رواية (¬1): قال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله؛ يعني: الحجاج. "أَخْمَص القدم": مقدَّمَه. * * * (5) باب لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة، ولا صلاة في المُصَلَّى قبلها ولا بعدها، والخطبة قبل الصلاة 511 - عن عطاء: أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له: أنَّه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر، وإنَّما الخطبة بعد الصلاة. 512 - وعنه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. ¬
6 - باب استقبال الإمام الناس في خطبته ووعظه وتعليمه
513 - وعنه قال: شهدت العيد مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة. 514 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في الأضحى والفطر ثم يخطب بعد الصلاة. * * * (6) باب استقبال الإمام الناس في خطبته ووعظه وتعليمه 515 - عن البراء قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا، بوجهه فقال: "إن أول نُسُكِنَا في يوما هذا أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد وافق سُنَّتَنَا، ومن ذبح _______ = طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ولفظه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ومعه بلال، رقم (989). 513 - خ (1/ 304 - 305)، (13) كتاب العيدين، (8) باب: الخطبة بعد العيد، من طريق الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس به، رقم (962). 514 - خ (1/ 305)، (13) كتاب العيدين، (7) باب: المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة، من طريق أَنس، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (957)، طرفه في (963). 515 - خ (1/ 308)، (13) كتاب العيدين، (17) باب: استقبال الإمام الناس في خطبة العيد، من طريق زُيد، عن الشعبي، عن البراء به، رقم (976)، وانظر (509).
قبل ذلك فإنما هو شيء عَجَّله لأهله، ليس من النُّسُك في شيء". . . وذكر نحو ما تقدم. 516 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل، فأتى النساء فذكَّرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبَهُ يُلْقِي فيه النساءُ الصدقة. قال ابن جريج (¬1): قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا، ولكن صدقة يتصدقن حينئذ -تلقي فَتَخَهَا، ويلقين، قلت: أترى حقًا على الإمام ذلك ويذكِّرهن؟ فقال: إنه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه؟ 517 - وعن ابن عباس وذكر نحو ما تقدم من حديثه ثم قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كأني أنظر إليه حين يُجَلِّسُ بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساءَ معه بلال فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] الآية، ثم قال حين فرغ: "آنتُنَّ على ذلك؟ " قالت امرأة واحدة منهن -لم يجبه غيرها-: نعم. -لا يدري حسن من هي- قال: "فتصدقن". فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم (¬2)، لكُنَّ فداءُ أبي وأمي، فيلقين الفَتَخَ والخواتم في ثوب بلال. قال ¬
7 - باب يذبح الإمام وينحر بالمصلى، ويرجع من غير الطريق الذي جاء منه
عبد الرزاق: "الفَتخَ": الخواتيم العظام، كانت في الجاهلية. وفي "الصحاح": الفَتَخَةُ -بالتحريك-: حلقة من فضة لا فَصَّ فيها، فإذا كان فيها فصٌّ فهي الخاتم، والجمع فُتُخٌ وفَتَخَات، وربما جعلتها المرأة في أصابع رجليها. * * * (7) باب يذبح الإمام وينحر بالمُصَلَّى، ويرجع من غير الطَّرِيقِ الذي جاء منه 518 - عن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينحر (¬1) ويذبح بالمصلى. 519 - وعن جُنْدَبٍ قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم النحر، ثم خطب ثم ذبح وقال: "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم اللَّه". ¬
8 - باب فضل العمل في أيام العشر، والتكبير أيام منى
520 - وعن جابر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطَّرِيقِ. * * * (8) باب فضل العمل في أيام العشر، والتكبير أيام منى وقال ابن عباس (¬1): {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (¬2): أيام العَشْرِ، والأيام المعدودات: أيام التشريق وكان ابن عمر وأَبو هريرة يخرجان إلى السوق في الأيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وكبر محمد بن علي خلف النافلة، وكان (¬3) عمر يكبر في قُبَّتِهِ بمنًى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنًى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبر ¬
بمنًى تلك الأيام، وخلف الصلاة، وعلى فرشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه، وتلك الأيام جميعًا. وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد. 521 - وعن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما العمل في أيامٍ (¬1) أفضل منها (¬2) في هذه" (¬3) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد إلَّا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء". * * * ¬
14 - كتاب الوتر
(14) كتاب الوتر
1 - باب الأمر بالوتر وإيقاظ النائم للوتر
(14) كتاب الوتر (1) باب الأمر بالوتر وإيقاظ النائم للوتر 522 - عن ابن عمر: أن رجلًا سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صلاة الليل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". 523 - وفي رواية أخرى: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوا آخر صلاتكم وترًا". 524 - وفي رواية أخرى: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى، _______ 522 - خ (1/ 313)، (14) كتاب الوتر، (1) باب: ما جاء في الوتر، من طريق مالك، عن نافع، وعبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر به، رقم (990). 523 - خ (1/ 315)، (14) كتاب الوتر، (4) باب: ليجعل آخر صلاته وترًا، من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (998). 524 - خ (1/ 313 - 314)، (14) كتاب الوتر، (1) باب: ما جاء في الوتر، من طريق ابن وهب، عن عمرو، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (993).
2 - باب الوتر من آخر الليل أفضل لمن قوي عليه
فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما قد صليت". قال نافع (¬1): وكان ابن عمر يُسَلِّمُ بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته. قال القاسم (¬2): ورأينا أناسًا منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإنَّ كُلًّا لواسعٌ، وأرجو أن لا يكون بشيء منه بأس. 525 - وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت. * * * (2) باب الوتر من آخر الليل أفضل لمن قَوِيَ عليه 526 - عن ابن عباس: أنَّه بات عند ميمونة -وهي خالته- فاضطجعتُ ¬
3 - باب الوتر على الدابة وفي السفر
في عَرْضِ وسادةٍ، واضطجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأهله في طُولهَا، فنام حتى انتصف الليل، أو قريبًا منه، فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ عشر آيات من آل عمران، ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى (¬1)، فصنعتُ مثلَهُ، فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأُذُنِي اليمنى يَفْتِلُهَا، ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذنُ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فَصَلَّى الصبح. 527 - وعن عائشة قالت: كُلَّ الليل أوتر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانتهى وتره إلى السحر. وقال أَبو هريرة (¬2): أوصاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالوتر قبل النوم. * * * (3) باب الوتر على الدابَّة وفي السفر 528 - عن سعيد بن يسار أنَّه قال: كنت مع عبد اللَّه بن عمر بطريق ¬
مكة. فقال سعيد: فلما خشيتُ الصبحَ نزلت فأوترت ثم لحقته. فقال عبد اللَّه ابن عمر: أين كنت؟ فقلت: خشيت الصبح فنزلت فأوترت. فقال عبد اللَّه: أليس لك في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسوة حسنة؟ فقلت: بلى واللَّه. قال: فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يوتر على البعير. 529 - وعن ابن عمر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماءً، صلاة الليل إلَّا الفرائض، ويوتر على راحلته. * * * _______ = مالك، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، عن سعيد بن يسار به، رقم (999)، أطرافه في (1095، 1096، 1098، 1105). 529 - خ (1/ 315)، (14) كتاب الوتر، (6) باب: الوتر في السفر، من طريق جويرية ابن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (1000).
15 - كتاب الاستسقاء
(15) كتاب الاستسقاء
1 - باب الخروج إلى المصلى في صلاة الاستسقاء والسنة فيها
(15) كتاب الاستسقاء (1) باب الخروج إلى المصلى في صلاة الاستسقاء والسُّنَّة فيها 530 - عن عباد بن تميم، عن عمه عبد اللَّه بن زيد الأنصاري: أخبره أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى المصلى يستسقي، واستقبل القبلة، فصلى ركعتين وقلب رداءه -جعل ما على (¬1) اليمين على الشمال. وفي رواية الزهري (¬2) عن عباد عن عمه: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحَوَّلَ رداءه، ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة. ¬
وفي رواية (¬1) عنه: فقام فدعا اللَّه قائمًا، ثم توجه قِبَلَ القِبْلَةِ، وحوَّل رداءه فَأُسْقُوا. قال البخاري (¬2): كان (¬3) ابن عُيَيْنَة يقول: هو صاحب الأذان، ولكنه وَهْمٌ؛ لأن هذا هو عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني، مازن الأنصار. قال البخاري: ابن زيد هذا مازني، والآخر كوفي هو ابن زيد (¬4). 531 - وعن أبي إسحاق -هو السبيعي- قال: خرج عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري، وخرج البراء بن عازب، وزيد بن أرقم (¬5) فاستسقى فقام لهم على رجليه على غير منبر، فاستسقى، ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم. قال أَبو إسحاق: ورأى عبد اللَّه بن يزيد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬
2 - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء
(2) باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء 532 - عن أَنس بن مالك قال: أتى رجلٌ أعرابي من أهل البدو إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه. هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس. فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فما خرجنا من المسجد حتى مُطِرْنَا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! بَشَقَ المسافر ومُنِعَ الطَّرِيقِ. "بَشَقَ (¬2) ": أي: مَل، ذكره معلقًا غير مسند. 533 - وعنه قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلَّا ¬
3 - باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء
في الاستسقاء (¬1)، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه. * * * (3) باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء 534 - عن أَنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة (¬2)، فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول اللَّه! قَحَطَ المطرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وهلكت البهائم، فادعُ اللَّه أن (¬3) يسقينا فقال: "اللهم اسقنا" مرتين، وايمُ اللَّه ما نرى في السماء قَزَعَةً من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب صَاحُوا إليه: تهدمت البيوت، وانقطعت السُّبُل، فادع اللَّه يحبسها عنا، فتبسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا"، وتكشطت (¬4) ¬
4 - باب الدعاء في الصحو عند كثرة المطر
المدينة، فجعلت تمطر حولها وما تمصر (¬1) بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل. * * * (4) باب الدعاء في الصحو عند كثرة المطر 535 - وعن أَنس: أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو (¬2) دار القضاء -ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائم يخطب- فاستقبلَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا ثم قال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل، فادع اللَّه يُغيثنا، فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" قال أَنس: واللَّه ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَةٍ، وما بيننا وبين سَلْعٍ من بيتٍ ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرْسِ، فلما توسطت انتشرت ثم أمطرت. فلا واللَّه، ما رأينا الشمس (¬3) سبتًا. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة -ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمٌ يخطب- فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول اللَّه، هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادع اللَّه يمسكها عَنَّا. قال: ¬
فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّرَابِ (¬1)، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شَرِيكُ: فسألت (¬2) أنسًا: أهو الرجل الأول؛ فقال؟ ما أدري. الغريب: "قَحَط المطر": يَقْحَط قُحُوطًا: إذا احتبس، وحكى الفراء: قَحِطَ بكسر الحاء. و"قَزَعَة": قطعة من السحاب. و"نشأت": ابتدأت. و"تَكَشَّطَت": أي: أقلعت عن المدينة. و"دار القضاء": سميت بذلك؛ لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب، مات وعليه عشرون ألفًا دينًا، فوصَّى إن يُوَفَّى دينه من ماله، فبيعت تلك الدار من معاوية، وماله بالغابة لغيره، وكان هذا الدين مما كتبه على نفسه لبيت المال. و"الإكْلِيل": شبه عصابة تزين بالجوهر، ويسمَّى التاج إكليلًا؛ يعني: أن الماء أحاط بالمدينة كإحاطة هذه العصابة بالرأس. و"الأموال": هنا المواشي والإبل وغيرها. ¬
5 - باب استشفاع المشركين بالمسلمين عند القحط، والتوسل بالأنبياء والصالحين، وانتقام الله بالقحط إذا انتهكت محارمه
و"السُّبُل": جمع سبيل، وهو الطريق، وهلاك المواشي لعدم المرعى، وهلاك الطرق لتعذر المسير فيها من جهة ما يؤكل فيها. و"سَلْع" بفتح السين وسكون اللام: جبل بقرب المدينة. و"سَبْتًا": أي: إلى السبت المقبل، كما يقال جمعة. و"حَوَالَيْنَا": أي: حولنا، وهو ظرف منصوب بفعل مضمر؛ أي: أنزل. و"الآكام": جمع أكَمَةٍ، وهي الرابية، ويجمع آكام بفتح الهمزة وكسرها، وبالوجهين رويته هنا. ويجمع أيضًا أكَمَةٍ، وأكَم وأُكُم. و"الظِّرَاب": الروابي جمع ظرب. و"الرابية": دون التل. * * * (5) باب استشفاع المشركين بالمسلمين عند القحط، والتوسل بالأنبياء والصالحين، وانتقام اللَّه بالقحط إذا انتُهِكَتْ محارِمُه 536 - عن مسروق قال: أتيت ابن مسعود قال: إن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذتهم سَنَةٌ حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام. فجاء (¬1) أَبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك ¬
هلكوا فادع اللَّه، فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] ثم عادوا إلى كفرهم. فذلك قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ} [الدخان: 17] (¬1) يوم بدر. وفي رواية (¬2): فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسُقُوا الغيث. فأطبقت عليهم سبعًا، وشكا الناس كثرة المطر. قال (¬3): "اللهم حوالَيْنَا ولا علينا"، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقُوا الناسُ حولهم. 537 - وعن عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ (¬4) ... ثِمَالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأَرَامِلِ (¬5) وقال (¬6): ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستسقي فما ينزل حتى يَجِيشَ كلُّ ميزابٍ. ¬
6 - باب ما يقال عند المطر، وذكر الرياح والزلازل
وأنشد قول أبي طالب. . . البيت. 538 - وعن أنس: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم إنَّا كُنَّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسْقَوْنَ. * * * (6) باب ما يقال عند المطر، وذكر الرياح والزلازل 539 - عن عائشة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: "صَيِّبًا نافعًا". 540 - وعن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ أنه قال: صلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ (¬1) كانت من الليل، فلما انصرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل اللَّه ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: بنَوْءِ كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب". 541 - وعن ابن عباس: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نصرت بالصَّبَا، وأُهْلِكَتْ عاد بالدَّبُور". 542 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يُقْبَضَ العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهَرْجُ -وهو القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض". 543 - وعن ابن عمر قال (¬1): اللهم بارك في شامنا وفي يمننا. قال: قالوا: وفي نَجْدِنَا (قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. قال: ¬
7 - باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله
قالوا: وفي نَجْدنا) (¬1) قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قَرْنُ الشيطان. * * * (7) باب لا يدري متى يجيء المطر إلا اللَّه 544 - عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللَّه: لا يعلم أحد ما يكون في غَدٍ، ولا يعلم أحدٌ ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر". الغريب: "صَيِّبًا": نازلًا، يقال: صَابَ يَصُوبُ صَوْبًا، فهو صائب وصيِّب. قلبت واوه ياء وأدغمت في الياء، وهو منصوب بفعل مُضْمَرٍ؛ أي: اجعله صَيِّبًا. و"إثر سماء": بعد مطر. و"الحُدَيْبِيَة": ما قربت من مكة، ومن اعتقد أن المطر يكون بخلق الكوكب فهو كافر حقيقة. و"النَّوْءُ": النهوض بثقل. و"الصبَا": الريح الشرقية. ¬
و"الدَّبور": الريح التي تأتي من دُبر قبلة أهل المدينة. و"النجد": المرتفع من الأرض، وقرن الشيطان: الأمم الكفار التي كانوا هناك، ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن مُهيج القتل والشرور التي ظهرت، وتظهر من المشرق. و"تَقَارُب الزمان": هُنا فساد أهله واستواؤهم في الفساد، وقيل: قصرُ الأعمار. * * *
16 - كتاب الكسوف
(16) كتاب الكسوف
1 - باب ما يؤمر به عند الكسوف
(16) كتاب الكسوف (1) باب ما يؤمر به عند الكسوف 545 - عن المُغِيرة بن شعبة: كَسَفَت الشمس على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته. فإذا رأيتم فصلوا وادعو اللَّه". وفي رواية (¬1): "الشمس (¬2) والقمر آيتان من آيات اللَّه لا ينكسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته فإذا رأيتموها (¬3) فادعو اللَّه، وصلوا حتى ينجلي". ¬
546 - وعن أبي موسى قال: خَسَفَت الشمس فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: "هذه الآيات التي يرسل اللَّه لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن يخوِّفُ اللَّه بهما (¬1) عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر (¬2) اللَّه ودعائه واستغفاره". 547 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد أَمَرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعَتَاقَةِ في كسوف الشمس. 548 - ومن حديث عائشة: "فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللَّه وكبروا وصَلُّوا وتَصَدَّقُوا". * * * ¬
2 - باب ما ينادى به لصلاة كسوف الشمس، وكيفيتها
(2) باب ما يُنَادَى به لصلاة كسوف الشمس، وكيفيتها 549 - عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نودي: إنَّ الصلاة جامعة، فركع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين في سجدة، ثم جلس، ثم جُلِّيَ عن الشمس. قال: وقالت عائشة (¬1): ما سجدت سجودًا قط كان أطول منها. 550 - وعن عائشة قالت: خَسَفَت الشمس في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالناس، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام -وهو دون القيام الأول- ثم ركع فأطال الركوع -وهو دون الركوع الأول- ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى (¬2) مثل ما فعل في الركعة (¬3) الأولى، ثم انصرف وقد تجلت (¬4) الشمس، فخطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللَّه، وكبِّروا، ¬
وصلوا، وتصدقوا". ثم قال: "يا أمة محمد! واللَّه ما من أحدٍ أَغْيَرُ من اللَّه أن يزني عبده أو تزني أَمَتُهُ، يا أمةَ محمد! واللَّه (¬1) لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا". وفي رواية (¬2): قالت: خَسَفَتِ الشمسُ في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج إلى المسجد فَصَفَّ الناسُ وراءَهُ، فكبر، فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبَّر فركع ركوعًا طويلًا، ثم قال: "سمع اللَّه لمن حمده"، فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعًا طويلًا، هو (¬3) أدنى من الركوع الأول، ثم قال: "سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعاتٍ في أربع سجدات. وفي رواية (¬4) عنها قالت: جَهَرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة الكسوف (¬5) بقراءة، فإذا فرغ من قراءته كبَّر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: "سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد"، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. ¬
3 - باب من قال يسر فيها، ولا يطول السجود
قال الزهري (¬1): قلت لعروة (¬2): ما صنع أخوك (¬3) عبد اللَّه بن الزبير، ما صلى إلا ركعتين مثل الصبح إذ صلى بالمدينة، قال: أجل، إنه أخطأ السُّنَّةَ. * * * (3) باب من قال يُسِرُّ فيها، ولا يطول السجود 551 - عن عبد اللَّه بن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4)، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا -وهو دون القيام الأول- ثم ركع ركوعًا طويلًا -وهو دون الركوع الأول- ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا -وهو دون القيام الأول- ثم ركع ركوعًا طولًا -وهو دون الركوع الأول- ثم رفع فقام قيامًا طويلًا -وهو دون القيام الأول- ثم ركع ركوعًا طويلًا -وهو دون الركوع ¬
4 - باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف
الأول- ثم سجد، ثم انصرف وقد تَجَلَّتِ الشمس فقال (¬1): "إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا يَخْسِفَان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا اللَّه"، قالوا: يا رسول اللَّه! رأيناك تناولت شيئًا في مقامك، ثم رأيناك كَعْكَعْتَ فقال: "إني رأيت الجنة وتناولت (¬2) عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأُريتُ النار فلم أر منظرًا كاليوم قطُّ أفظعَ، ورأيت أكثر أهلها النساء" فقالوا (¬3): بم يا رسول اللَّه؟ قال: "بكُفْرِهِنَّ". قيل: يكفرن (¬4) باللَّه؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط". * * * (4) باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف 552 - عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة -زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
حين خَسَفَت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي. فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان اللَّه. فقلت: آية؟ فأشارت أنْ نعم. قالت: فقمت حتى تَجَلَّاني الغَشْيُ، فجعلت أصب فوق رأسي الماء، فلما انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمد اللَّه وأثنى عليه. في رواية (¬1): خطب، فحمد (¬2) اللَّه بما هو أهله -ثم قال: "أما بعد: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إليَّ أنكم تُفْتَنُونَ في القبور مثل -أو قريبًا- من فتنة الدَّجَّال -لا أدري أيتهما قالت أسماء- يؤتَى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن-أو الموقن - لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء- فيقول: محمد رسول اللَّه (¬3)، جاءنا بالبينات والهُدَى، فأجبنا وآمنَّا واتبعنا فيقال له: نم صالحًا، قد علمنا (¬4) إن كنت لموقنًا. وأما المنافق أو المرتاب -لا أدري أيّهما قالت أسماء- فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته". * * * ¬
5 - باب من قال: يصلي في كسوف الشمس ركعتان كسائر النوافل
(5) باب من قال: يصلي في كسوف الشمس ركعتان كسائر النوافل 553 - عن أبي بَكْرَةَ قال: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فانكسفت الشمس، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجُرُّ رداءَه، حتى دخل المسجد ودخلنا (¬1)، فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال (¬2): "إنَّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها (¬3) فصلوا وادْعُوا حتى ينكشف ما بكم". في رواية (¬4): وذلك (¬5) أنَّ ابنًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مات، يقال له: إبراهيم. فقال الناس في ذلك (¬6). الغريب: "الكسوف": التَّغَيُّر، و"الخسوف": النقصان. قاله الأَصْمَعِيُّ. فكسوف ¬
الشمس والقمر وخسوفهما تغيرهما ونقصان ضوئهما. وقال بعض اللُّغَوِييِّن: لا يقال في الشمس إلا كَسَفَتْ، ولا في القمر إلا خَسَفَ، وذكر هذا عن عروة. وقال الليث بن سعد: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض -يعني: في الشمس والقمر- والمعروف الأول. وقوله في حديث ابن عمر: "فصلى ركعتين في سجدة": يعني ركعين في ركعة، وأهل الحجاز يسمون الركعة سجدة. و"غَيْرَةُ اللَّه": عبارة عن صيانته المحارم بالردع والزجر عنها، والوعيد الشديد على من استباح شيئًا منها. و"تَكَعْكَعْت": تاخرت يقال: كع وتكعكع بمعنى واحد، ورؤيته عليه السلام لِلْجَنَّةِ والنار على حقيقتهما، فإنه قوَّى إدراكه حتى رآهما حيث هما، كما فعل به حين أبصر بيت المقدس وهو بمكة. و"أفظع": أكره وأصعب. و"يَكْفُرْن الإحسان": يجحدن حقوق الأزواج وإنعامهم. و"العشير": المعاشر، وهو الزوج هنا. و"الغَشْي" بسكون الشين وبكسرها: هو خفيف الإغماء. و"تُفْتَنُون": تمتحنون بالسؤال المذكور. و"المُوقِنُ": الراسخ الإيمان، و"المُرْتَاب": الشاك. وقوله: "سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته" صريحٌ في ذم التقليد المَحْض وتحريمه. * * *
6 - باب ما جاء في سجود القرآن، وأنه ليس بواجب
(6) باب ما جاء في سجود القرآن، وأنه ليس بواجب 554 - عن ابن عمر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ السجدة ونحن عنده، فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته (¬1). 555 - وعن ربيعة بن عبد اللَّه بن الهُدَيْر التَّيْمِيِّ: عما حضر ربيعةُ من عمر بن الخطاب -قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل. حتى إذا جاء السجدةَ نزل فسجد وسجد الناس. حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها. حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنما (¬2) نمرُّ بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد (¬3) عمر. في رواية نافع (¬4): إن اللَّه لم يفرض السجود إلا أن نشاء. * * * ¬
7 - باب مواضع سجد فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-
(7) باب مواضع سجد فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 556 - عن أبي هريرة قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. 557 - وعن ابن عباس قال: "ص" ليس من عزائم السجود، وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسجد فيها. 558 - وعن الأسود، عن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ سورة النجم فسجد فيها (¬1)، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كَفًّا من حَصًى أو تراب، فرفعه إلى وجهه، وقال: يكفيني هذا. قال (¬2) عبد اللَّه: لقد رأيته بعدُ قُتِل كافرًا. 559 - ومن حديث ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد بالنجم، وسجد معه ¬
8 - باب
المسلمون والمشركون، والجن والإنس. 560 - وعن زيد بن ثابت: أنه قرأ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "والنجم" فلم يسجد فيها. 561 - وعن أبي سلمة قال: رأيت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- قرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد بها. فقلت: يا أبا هريرة ألم أرك تسجد؟ قال: لو لم أر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسجد لم أسجد. * * * (8) باب (¬1) قيل لعمران بن حصين: الرجل يسمع السجدة لو يجلس؟ قال: أرأيت لو قعد لها -كأنه لا يوجبه عليه- وقال سلمان: ما لهذا غَدَوْنَا، وقال عثمان: ¬
9 - باب حكم قصر الصلاة في السفر، ومسافته
إنما السجدة على من استمعها. وقال الزهري: لا يسجد إلا أن يكون طاهرًا، فإذا سجدت وأنت في حضرٍ فاستقبل القبلة، وإن كنت راكبًا فلا عليك حيث كان وجهك. وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاصِّ. * * * (9) باب حكم قَصْرِ الصَّلاةِ في السفر، ومسافته 562 - عن عائشة قالت: الصلاة أول ما فُرِضَتْ ركعتين، فأُقِرَّتْ صلاةُ السفر، وأُتِمَّتْ صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان. 563 - وعن ابن عباس قال: أقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تسعة عشر يَقْصُرُ، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا. 564 - وعن أنس قال: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان _______ 562 - خ (1/ 342)، (18) كتاب تقصير الصلاة، (5) باب: يقصر إذا خرج من موضعه، من طريق سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به، رقم (1090). 563 - خ (1/ 340)، (18) كتاب تقصير الصلاة، (1) باب: ما جاء في التقصير، وكم يفيم حتى يقصر، من طريق عاصم وحُصَيْن، عن عكرمة، عن ابن عباس به، رقم (1080)، طرفاه في (4298، 4299). 564 - خ (1/ 340)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق عبد الوارث، عن يحيى ابن أبي إسحاق، عن أنس به، رقم (1081).
10 - باب قصر الصلاة بمنى
يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا عشرًا. 565 - وعن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام، إلا مع ذي مَحْرَمٍ". 566 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلةٍ ليس معها حُرْمَةٌ". وكان ابن (¬1) عمر وابن عباس يَقْصرَانِ ويُفْطِرَانِ في أربعة بُردٍ، وهو ستة عشر فَرْسَخًا (¬2). * * * (10) باب قَصْرِ الصلاةِ بمِنًى 567 - عن نافع عن عبد اللَّه قال: صليت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى ركعتين، ¬
وأبي بكر وعمر ومع عثمان صدرًا من إمارته، ثم أَتَمَّها. 568 - وعن حارثة بن وهب قال: صلى بنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- آمَنَ ما كان بمنًى ركعتين. وفي رواية (¬1): ونحن أكثر ما كنا قَطُّ وآمَنُهُ. 569 - وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى بنا عثمان بن عفان (¬2) بمنًى أربع ركعات. فقيل ذلك لعبد اللَّه بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى ركعتين (¬3)، فليت حظى من أربع رَكَعَاتٍ ركعتان مُتَقَبَّلَتَانِ (¬4). ¬
11 - باب يقصر إذا فارق موضعه، وكم المدة التي إذا نواها المسافر أتم؟
* تنبيه: اختلف في تأويل عائشة وعثمان الذي حملهما على الإتمام في السفر على أقوالٍ ذكرناها في كتابنا المُفْهِم، وأشبهها أنهما تأَوَّلا أن القصر رخصة غير واجب، فأخذا بالأكمل والأتم، وكأنَّ عائشة رجعت عن حديثها الأول. واللَّه أعلم. * * * (11) باب يقصر إذا فارق موضعه، وكم المدة التي إذا نواها المسافر أتم؟ وخرج (¬1) عليٌّ فَقَصَرَ وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة قال: لا، حتى ندخلها. 570 - عن أنس قال: صليت الظهر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة أربعًا، وبذي الحُلَيْفَةِ ركعتين. 571 - وعن العلاء بن الحَضْرَمِيِّ: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاث ¬
12 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر إذا أعجله السير
للمهاجر بعد الصَّدْرِ" (¬1). * * * (12) باب الجمع بين الصلاتين في السفر إذا أعجله السَّيْرُ 572 - عن سالم قال: كان ابن عمر (¬2) يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة. قال سالم: وأَخَّرَ ابن عمر المغرب وكان استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد. فقلت له: الصلاة. فقال: سِرْ، فقلت: الصلاة. فقال: سِرْ، حتى سار ميلين أو ثلاثة، ثم نزل فصلى، ثم قال: هكذا رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي إذا أعجله السَّيْرُ. ¬
وقال عبد اللَّه: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أعجله السَّيْر يؤخر المغرب فيصليها ثلاثًا، ثم يسلم. ثم قلَّ ما يلبث حتى يقيم العشاء، فيصليها ركعتين. ثم يسلم ولا يُسَبِّح بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل. 573 - عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظَهْرِ سَيْرٍ، ويجمع بين المغرب والعشاء. 574 - وعن أنس بن مالك: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين (¬1) المغرب والعشاء في السفر. 575 - وقال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمسُ أَخَّرَ الظهرَ إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. * * * ¬
13 - باب صلاة التطوع على الدواب في السفر حيثما توجهت
(13) باب صلاة التطوع على الدواب في السفر حيثما توجهت 576 - عن عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على الراحلة يسبِّحُ يومئ برأسه قِبَلَ أيّ وَجْهٍ توجَّهَ (¬1). 577 - وعن ابن عمر: أنه كان يصلي على دابته من الليل وهو مسافر، ما يبالي حيث كان توجهه. وقال: كان (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسبّح على الراحلة قِبَلَ أي وَجْهٍ تَوَجَّهَ، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. 578 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي على راحلته نحو المَشْرِقِ، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. ¬
14 - باب من لم يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها، وتطوع في غير ذلك الوقت
579 - وعن أنس بن سيرين قال: اسْتَقْبَلَنَا أنسٌ (¬1) حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر (¬2)، فرأيته يُصَلِّي على حمار ووجهه من ذا الجانب -يعني: عن يسار القبلة- فقلتُ: رأيتك تصلي لغير القبلة. فقال: لولا أني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعله لم أفعله. * * * (14) باب من لم يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها، وتطوع في غير ذلك الوقت 580 - عن ابن عمر قال: صَحِبْتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم أرهُ يُسَبِّح في السفر، وقال اللَّه جل ذكره: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. ¬
15 - باب يصلي المريض قاعدا ومضطجعا وبحسب إمكانه
وفي رواية: صحبت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان -رضي اللَّه عنهم- كذلك (¬1). وقد تقدم في الباب الذي قبل هذا، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وابن عمر كانا يَتَنَفَّلَان في غير ذينك الوقتين في السفر. * * * (15) باب يُصَلّي المريض قاعدًا ومضطجعًا وبحسب إمكانه 581 - عن عمران بن حصين قال: كانت بي بَوَاسِيرُ (¬2)، فسألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة؟ فقال "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ". وفي رواية (¬3): قال: . . . . ¬
16 - باب صلاة النفل قائما، أو قاعدا مع القدرة على ذلك
سألته (¬1) عن صلاة الرجل قاعدًا؛ فقال: "إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد". * تنبيه: "نائمًا": مضطجعًا، وهذا الحديث يحتمل أن يراد به صلاة النافلة، فإنه يجوز أن يصليها قاعدًا مع القدرة على القيام بالإجماع، غير أنه يبعده قوله فيه: "أو نائمًا"؛ فإنه لا يجوز أن يصلي النافلة مضطجعًا مع القدرة على القعود، وأشبه من هذا أن يحمل ذلك على من يشق عليه القيام أو القعود، فرخّص له في ذلك لضعفه عنها، لا لعدم قدرته، لأن العاجز عن ذلك إذا فعل ما يقدر عليه لم يكلّف غير ذلك، فيتم له أجره مكملًا كالصحيح؛ إذ كل واحد فعل ما فرض عليه، وقد بسطنا القول فيها في الكتاب "المُفْهِمِ". * * * (16) باب صلاة النفل قائمًا، أو قاعدًا مع القدرة على ذلك 582 - عن عائشة أم المؤمنين: أنها أَخْبَرَت (¬2) أنها لم تر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
17 - باب الحض على قيام الليل، وكيفيته، وما يقال فيه
يصلي الليل قاعدًا قَطُّ، حتى أَسَنَّ فكان يقرأ قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين أو أربعين آيةً ثم ركع. 583 - وعنها: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالسٌ، فإذا بقي من قراءته نحوٌ من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع (¬1)، ثم سجد، يفعل في الركعة الثانية مثلَ ذلك، فإذا قضى صلاته نظر: فإن كنت يَقْظَى (¬2) تَحَدَّثَ معي، وإن كنت نائمة اضطجع. * * * (17) باب الحضّ على قيام الليل، وكيفيته، وما يقال فيه 584 - عن أم سَلَمة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استيقظ ليلةً فقال: "سبحان اللَّه. ماذا ¬
أُنْزِلَ الليلة من الفتن، ماذا أُنْزِلَ من الخزائن. من يوقظُ صواحبَ الحُجُرات (¬1)؟ يَا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة". 585 - وعن عليِّ بن أبي طالب: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طرقه (¬2) وفاطمة بنت رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة فقال: "ألا تُصَلِّيانِ؟ " فقلت: يا رسول اللَّه، أنفسنا بيد اللَّه، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا (¬4)، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليَّ شيئًا ثم سمعته وهو مُوَلٍّ يضرب فخذه (¬5) وهو يقول: " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] ". 586 - ومن حديث ابن عمر الذي ذكر فيه رؤياه، -وسيأتي- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ اللَّه لو كان يصلي من الليل"، فكان بعدُ ¬
لا ينام من الليل إلا قليلًا. 587 - وعن المغيرة بن شعبة قال: إن كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليقوم -أو ليصلي- حتى تَرِمَ قدماه -أو ساقاه- فيقال له، فيقول: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ ! ". 588 - وعن عبد اللَّه قال: صليت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة، فلم يزل قائمًا حتى هَمَمْتُ بأمرِ سوءٍ، قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 589 - وعن ابن عباس: قال: كان صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث عشرة ركعة؛ يعني بالليل. 590 - وعن عائشة قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر (¬1). ¬
591 - وعنها قالت: ما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: "يا عائشة! إنَّ عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي". الغريب: "الفِتَن": المِحَن التي وقعت بين الصحابة وغيرهم، بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من الاختلاف والتشاجر. و"الخزائن": جمع خزانة، وهي ما يخزن فيها الشيء، ويعني بها -واللَّه أعلم- ما فتح على أصحابه وأمته من الدنيا وزينتها، وقَرَنهَا بالفتن؛ لأنها كما قال في الحديث الآخر (¬1): "إنما أخاف عليكم ما يخرج اللَّه لكم من زينة الدنيا"، وفي أخرى "ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا" (¬2). و"كاسِيةٍ": من الثياب، "عارية": من التقوى، ويحتمل أن يريد به أنها ¬
18 - باب الوقت الأفضل للقيام
لِرِقَّةِ ثيابها لا تستر محاسنها، فيبدو منها للرجال ما لا يحل الاطلاع عليه. واللَّه أعلم. و"لم يَرْجِع": لم يَرُد. و"تَرِمُ قدماه": تنتفخ من طول القيام. * * * (18) باب الوقت الأفضل للقيام 592 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "أحبُّ الصلاة إلى الليل صلاة داود (¬1)، وأحب الصيام إلى اللَّه صيام داود. كان (¬2) ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدُسَهُ. ويصوم يومًا، ويفطر يومًا". 593 - وعن مسروق قال: سألت عائشة: أيّ العمل كان أحبَّ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: الدائم. قلت: متى كان يقوم؛ قالت: إذا سمع الصَّارِخَ. ¬
594 - وعنها قالت: ما أَلْفَاهُ (¬1) السَّحَرَ عندي إلا نائمًا (¬2). 595 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخِرُ، يقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأُعْطِيَهُ؟ من يستغفرني فأغفرَ لَهُ؟ ". 596 - وعن الأسود قال: سألت عائشة: كيف صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل؟ قالت: كان (¬3) ينام أوله، ويقوم آخره، فيصلي، ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أَذَنَ المؤذِّنُ وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج. الغريب: "الصَّارِخ": الدِّيك، ويحتمل أن يريد به الأذان الأول الذي هو أذان بلال، واللَّه أعلم. ¬
19 - باب دعاء التهجد
و"ينزل ربنا": أي: يتنزل، وقد روي كذلك، وهو تنزل لُطْفٍ ورحمة، لا نزول حركة ونقلة. وقيل: ينزل أمر ربنا، أو مَلَك ربنا. كما رواه النسائي (¬1): "إذا كان الثلث الآخر من الليل أمر اللَّه مناديًا ينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له. . . " الحديث. * * * (19) باب دعاء التهجد 597 - عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد، أنت قَيِّمُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد (¬2)، مَلِكَ ¬
السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أَخَّرْتُ، وما أسررت وما أعلنت، أنت المُقَدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، لا إله إلا أنت -أو- لا إله غيرك". وفي رواية: "لا حول ولا قوة إلا باللَّه" (¬2). الغريب: "يَتَهَجَّد": يصلي ليلًا. و"الهجود": النوم والسَّهَر، يقال: هجد وتهجد: إذا نام ليلًا وسهر، فهو مشترك، و"قَيّم"، و"قيوم"، و"قيّام" كلها مبالغة قَائِم، ويعني به أنه تعالى هو الذي يقيم السموات والأرض ومن فيهما، وبه يتقوَّم كل ذلك؛ إذ لا قوام لشيء من ذلك كله إلا به، و"نور السموات والأرض": خالق ما فيهما من الأنوار والهدايات، وغير ذلك مما يقال عليه: نور. و"أسلمت": انْقَدْتُ. و"آمنت": صَدَّقْتُ، و"توكلت": فَوَّضْتُ. وقوله: "فاغفر لي ما قَدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ. . . إلى آخره": تعليم لنا كيف نستغفر، وأما هو: فهو مغفوز له، والأنبياء معصومون مما يناقض مدلول ¬
20 - باب ما يفعله الشيطان في النائم بالليل إذا لم يصل
المعجزة بالعقل والإجماع، ومن الكبائر بالإجماع، واختُلِفَ في الصغائر التي لا تزري بالمناصب هل يصح وقوعها منهم أم لا؟ على قولين قد بينا متمسكات كل منهما في كتابنا "المُفْهِم". و"الحَوْل": الحركة. و"القُوَّةَ": القدرة؛ أي: ليس لنا بشيء من ذلك إلا إذا خلق اللَّه لنا ذلك. 598 - وعن عُبَادة بن الصامت: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ تَعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد اللَّه، وسبحان اللَّه، ولا إله إلا اللَّه (¬1)، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. ثم قال: اللهم اغفر لي -أو دعا- استجيب له، فإن توضأ قبلت صلاته". قوله: "تَعارَّ"؛ أي: هَبَّ من نومه ورفع صوته. * * * (20) باب ما يفعله الشيطان في النائم بالليل إذا لم يُصَلِّ 599 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَعْقِدُ الشيطان على ¬
قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَدٍ، يضرب على مكان (¬1) كل عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر اللَّه انحَلَّتْ عقدة، فإن توضأ انحَلَّت عقدة، فإن صلى انحَلَّت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". 600 - وعن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال: ذكر عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلٌ فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة فقال: "بال الشيطان في أُذُنِهِ". الغريب: "قافية الرأس": مؤخره، وهذا العَقْدُ هو بكلام الشيطان كعقد السواحر، وحاصله أنه يغرُّه ويخدعه بطول الليل حتى ينام، فيحرم قيام الليل. و"بول الشيطان" لا إخَالُه في بقائه في ظاهره، ويحتمل أن يراد به أنه يصرفه عن الصارخ والمُنَبِّهِ، بما يقرُّه في أُذُنِهِ حتى لا ينتبه، فكأنه ألقى في أذنه بوله، فأثقل سمعه بذلك، ويحتمل أن يكون عبارة عن اسْتِرْذَالِهِ له، وجعله أذنه كالمحل الذي يبال فيه. واللَّه أعلم. * * * ¬
21 - باب ما يكره من التشديد في العبادة
(21) باب ما يكره من التشديد في العبادة 601 - عن أنس بن مالك قال: دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المسجد فإذا حبل ممدود بين السَّاريتين فقال: "ما هذا الحَبْلُ؟ " قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فَتَرَتْ تعلَّقت، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا (¬1)، حُلُّوهُ. لِيُصَلِّ أحدكم نَشَاطَهُ، فإذا فتر فليقعد". 602 - وعن عائشة قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من هذه؟ " قلت: فلانة -لا تنام بالليل (¬2) - تذكر (¬3) من صلاتها. قال: "مَهْ، عليكم بما (¬4) تطيقون من الأعمال؛ فإن اللَّه لا يَمَلُّ حتى تَملوا". 603 - ومن حديث عبد اللَّه بن عمر: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألم أُخْبَرْ أنك ¬
22 - باب ما جاء في ركعتي الفجر
تقوم الليل وتصوم النهار؟ " قلت: إني أفعل ذلك. قال: "فإنك إذا فعلتَ ذلك هَجَمَتْ عينُك، ونفِهَتْ نفسُكَ، إنَّ لنَفْسِك حقًّا، ولأهلك حقًّا (¬1) فصُمْ وأفطر، وقم ونَمْ". الغريب: "مَهْ": معناه كُفَّ: و"لا يَمَل": لا يقطع ثوابه حتى ينقطع العامل عن العمل، و"هَجَمَتْ عينك": أي: بالنوم؛ أي: يَغْلِبُهَا، ويحتمل بالضعف والمرض؛ لكثرة السَّهَر. و"نَفِهَتْ نفسك": أي: عييت وتَعِبَتْ. * * * (22) باب ما جاء في ركعتي الفجر 604 - عن عائشة قالت: لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد (¬2) معاهدة منه على ركعتي الفجر. 605 - وعنها قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. ¬
23 - باب ما جاء في الضحى
606 - وعنها قالت؛ كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى (¬1)؛ تعني: ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظة حَدَّثَنِي، وإلا اضطجع حتى يُؤَذَّنَ بالصلاة. 607 - وعنها قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخفف الركعتين اللتين قبل الفجر، حتى إني لأقول: هل قرأ بأم القرآن (¬2). 608 - وعنها قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. * * * (23) باب ما جاء في الضُّحَى 609 - عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: ¬
صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصلاةِ الضحى، ونومٍ على وتر. 610 - وعن عائشة قالت: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبَّح سُبْحَةَ (¬1) الضحى، وإني لأُسَبِّحُهَا (¬2). 611 - وعن مُوَرِّقٍ قال: قلت لابن عمر: تصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: لا إخاله (¬3). 612 - وعن أنس قال: قال رجل من الأنصار -وكان ضخمًا- للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
24 - باب من قال: إن للمكتوبات رواتب، والصلاة قبل صلاة المغرب
إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا فدعاه إلى بيته، ونضح له طَرَفَ حَصيرٍ (¬1) فصلى عليه ركعتين (¬2). قال أنس: ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم. قلت: إنما لم يدوموا على صلاة الضحى؛ ليفرقوا بينها وبين المتأكد من الصلوات؛ كالفرائض والسنن. واللَّه أعلم. * * * (24) باب من قال: إنَّ للمكتوبات رَوَاتب، والصلاة قبل صلاة المغرب 613 - عن ابن عمر قال: صليت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة. فأما المغرب والعشاء: ففي بيته. قال: وحدثتني أختي حفصة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي ركعتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها. ¬
وفي رواية: لا يُدْخَل (¬1). 614 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يَدَعُ أربعًا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة. 615 - وعن عبد اللَّه المَزنِيّ: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلوا قبل صلاة المغرب -قال في الثالثة-: لمن شاء"؛ كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة. 616 - وعن مَرثد بن عبد اللَّه اليزني قال: أتيت عقبة بن عامر الجُهَنِيَّ فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم، يركع ركعتين قبل المغرب، فقال عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشُّغل. * * * ¬
25 - باب الأمر بالتطوع في البيت، وصلاته في جماعة
(25) باب الأمر بالتطوع في البيت، وصلاته في جماعة 617 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قُبُورًا". 618 - وعن محمود بن الرَّبِيع الأنصاري: أنه عَقَلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعَقَلَ مَجَّة مَجَّها في وجهه من بئر كانت في دارهم. فزعم محمودٌ أنه سمع عِتْبَانَ بن مالك الأنصاري (¬1)، وكان ممن شهد بدرًا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إني (¬2) كنت أصلي لقومي ببني سالم، وكان يَحُولُ بيني وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار، فيشق عليَّ اجتيازه قِبَلَ مسجدهم، فجئتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت له: إني أنكرت بصري، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه. فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانًا (¬3) اتخذه مُصَلًّى، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سأفعل"، فغدا ¬
عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر (¬1) بعدما اشتد النهار، فاستئذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَذِنْتُ له، فلم يجلس حتى قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟ " فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكبَّر وصففنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلم، فسلمنا حين سلم، فحبسته على خَزيرٍ يُصْنعُ له، فسمع أهل الدار أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتي، فَثَابَ رجالٌ منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك؟ لا أراه؟ فقال رجل منهم: ذلك (¬2) منافق لا يحب اللَّه ورسوله. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقل ذلك، ألا تَرَاهُ قال: لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه؟ ". فقال: اللَّه ورسوله أعلم، أما نحن: فواللَّه لا نرى (¬3) وُدَّه ولا حديثه إلا إلى المنافقين، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن اللَّه قد حَرَّمَ على النار من قال: لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه". الغريب: "المَجُّ" -بالجيم-: طرح الماء واللعاب من الفم. و"اشتداد النهار": ارتفاعه. و"الخَزِير": بالخاء والزاي المعجمتين: حِسَاءٌ من نخال، ولا يكون إلا بدسم. يقال: خزيرة -بالتاء- وقد روي كذلك. وأما الحَزِيرة -بالحَاءِ المهملة-: فحِسَاءٌ من دقيق. والنار المُحَرَّمَةُ على أهل التوحيد: هي نار الكفار التي لا يموتون فيها ولا يَحْيَوْن؛ لأنه قد صح وعُلِمَ على القطع أن طائفة من أهل الكبائر من ¬
26 - باب فضل مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس، وفضل ما بين القبر والمنبر
المُوَحّدِينَ يدخلون النار فيموتون فيها، ثم يحيون فيخرجون منها، ويدخلون الجنة بالشفاعة. * * * (26) باب فضل مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس، وفضل ما بين القبر والمنبر 619 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) ومسجد الأقصى". 620 - وعنه: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". 621 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بين بيتي ومنبري رَوْضَةٌ من رياض ¬
27 - باب فضل مسجد قباء، وإتيانه
الجنة، ومنبري على حوضي". * * * (27) باب فضل مسجد قُبَاء، وإتيانه 622 - عن نافع: أن ابن عمر (¬1) كان لا يصلي من الضحى إلا في يومين، يوم يَقْدَمُ مكة، فإنه كان يقدمها (¬2) فيجيء فيطوف (¬3)، ثم يصلي ركعتين خلف المقام، ويوم يأتي مسجد قباء، فإنه كان يأتيه كل سبت، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي فيه، وكان (¬4) يحدث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يزوره راكبًا وماشيًا. قال: وكان يقول: إنما أصنع ما رأيت أصحابي يصنعون، ولا أمنع أحدًا أن يصلي في أيِّ ساعة شاء من ليل أو نهار غير ألا تَحَرَّوْا (¬5) طلوع الشمس ولا غروبها. ¬
28 - باب ما يجوز من العمل في الصلاة
وعن ابن عمر (¬1): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا، فيصلي فيه ركعتين. * * * (28) باب ما يجوز من العمل في الصلاة 623 - عن عبد اللَّه بن عباس: أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين (¬2)، وهي خالته- قال: فاضطجعت على عَرْضِ الوِسَادَةِ، واضطجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأهله في طولهَا، فنام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى انتصف الليل أو قَبْلَهُ بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجلس يمسح (¬3) النوم عن وجهه بيديه (¬4)، ثم قرأ (¬5) ¬
العشر آيات خواتم سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى (¬1). قال عبد اللَّه (¬2): فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم قمت إلى جنبه، فوضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي. وفي رواية (¬3): فأخذ بذُؤَابَتِي فجعلني عن يمينه، وأخذ بأُذُنِي اليمنى يَفْتِلُهَا بيده، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذِّن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. 624 - وعن أنس بن مالك: أن المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر (¬4) يصلي بهم ففَجَأَهُم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كشف سِتْرَ حُجْرةِ عائشة (¬5) فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عَقِبَيْهِ، وظن أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهَمَّ المسلمون أن يَفتَتِنُوا في ¬
29 - باب ما يجوز من مس الحصى وبسط الثوب والبصاق في الصلاة
صلاتهم فرحًا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين رَأَوْهُ، فأشار بيده أَنْ أَتِمُّوا، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر، وتوفي ذلك اليوم. "الشَّنُّ": القِربَةُ البَالِيَةُ. و"النُّكُوص": الرجوع إلى خلف. و"يفتتنوا": يشتغلون عنها ذهولًا. * * * (29) باب ما يجوز من مس الحصى وبسط الثوب والبُصَاق في الصلاة 625 - عن مُعَيْقِيب: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الرجل يُسَوِّي التراب حيث يسجد- قال: "إنْ كُنْتَ فاعلًا فواحدة" (¬1). 626 - وعن أنس بن مالك قال: كُنَّا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في شدة الحر، ¬
30 - باب النهي عن التصفيق والاختصار في الصلاة
فإذا لم يستطع أن يُمَكِّنَ وَجْهَهُ من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. 627 - وعن أنس أيضًا، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) قال: "إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يَبْزُقَنَّ بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى". * * * (30) باب النهي عن التصفيق والاختصار في الصلاة 628 - عن سهل بن سعد قال: بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن بني عمرو بن عوف بقُبَاء كان بينهم شيءٌ. فخرج يصلح بينهم في أُنَاسٍ من أصحابه، فحُبِسَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحانت الصلاة فجاء بلالٌ إلى أبي بكر (¬2) فقال: يا أبا بكر! إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حُبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تَؤُمَّ الناس؟ قال: نعم - إنْ شئت، فأقام بلال الصلاة، فتقدم أبو بكر، وكَبَّر للناس، وجاء ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمشي في الصفوف، يَشُقُّها شَقًّا حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيح (¬1). قال: وكان أبو بكر (¬2) لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس الْتَفَتَ، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأشار إليه يأمره أنْ يُصَلِّي، فرفع أبو بكر يديه (¬3) فحمد اللَّه، ثم رجع القَهْقَرَى وراءه، حتى قام في الصف، وتقدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصلى (¬4) للناس، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "يا أيها الناس! ما لكم حين نابكم شيء (¬5) في الصلاة أخذتم بالتصفيح، إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان اللَّه"، ثم التفت إلى أبي بكر فقال: "يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي حين أَشَرْتُ إليك؟ " قال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قُحَافَةَ أن يُصَلِّي بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 629 - وعن أبي هريرة قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصِرًا. وفي رواية: نُهِيَ عن الخَصْرِ في الصلاة (¬6). ¬
31 - باب تفكر المصلي الشيء في الصلاة
الغريب: قيل: "التصفيح": هو التصفيق. كما قال سهل. وقيل: التصفيح: الضرب بإصبعين في أصفحة الكفِّ. و"التصفيق": الضرب بالكف على الكف، و"الاختصار": هو وضع اليد على الخَصْرِ، وهو فعل المختال، وقيل: هو اختصار القراءة في الصلاة والركوع والسجود؛ أي: حذف ذلك، والأول أولى؛ لأنه الأظهر من الرواية الثانية. * * * (31) باب تفكر المصلي الشيء في الصلاة 630 - عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- العصر، فلما سَلَّم قام سريعًا دخل على بَعْضِ نسائه ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته فقال: "ذكرتُ -وأنا في الصلاة (¬1) - تِبْرًا عندنا، فكرهت أن يُمْسِي عندنا، فأمرت بقسمته". * * * ¬
17 - أبواب السهو
(17) أبواب السهو
1 - باب الأمر بسجود السهو
(17) أبواب السهو (1) باب الأمر بسجود السهو 631 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أُذِّنَ بالصلاة أَدْبَرَ الشيطان له ضُرَاطٌ حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثَوَّبَ أدبر، فإذا سكت أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر -ما لم يكن يذكر- حتى لا يدري: كم صلى، فإذا (¬1) فعل ذلك أحدكم (¬2)، فليسجد سجدتين (¬3) ". وفي رواية (¬4): "فإذا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أقبل حتى يَخْطِرَ بين المرء ونفسه، ¬
2 - باب السجود في النقص قبل، وفي الزيادة بعد
يقول: اذكر كذا وكذا -ما لم يكن يذكر- حتى يَظَلَّ الرجلُ إنْ يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثًا أو أربعًا، فليسجد سجدتين وهو جالس". * * * (2) باب السجود في النقص قبلُ، وفي الزيادة بَعْدُ 632 - عن عبد اللَّه بن بُحَيْنَةَ قال: صلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمَهُ كَبَّر قَبْلَ التسليم فسجد سجدتين وهو جالس، وَسَلَّم (¬1). وفي رواية (¬2): قام من اثنتين من الظهر، فلم (¬3) يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سَلَّم بعد ذلك. 633 - وعن عبد اللَّه هو ابن مسعود: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الظهر ¬
3 - باب التسليم قبل تمام الصلاة سهوا لا يفسدها، وجواز الكلام لإصلاحها
خمسًا، فقيل له: أَزِيدَ في الصلاة؟ قال: "وما ذاك؟ " قال: صليتَ خمسًا، فسجد سجدتين بعدما سَلَّم. * * * (3) باب التسليم قبل تمام الصلاة سهوًا لا يفسدها، وجواز الكلام لإصلاحها 634 - عن محمد هو ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: صلى رسول اللَّه (¬1) إحدى صلاتي العَشِيِّ -قال محمد: وأكبر ظَنِّي العصر- ركعتين ثم سَلَّم، ثم قام إلى خَشَبَةٍ في مُقَدَّمِ المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سَرَعَانُ الناس فقالوا: قَصُرَتِ (¬2) الصلاةُ، ورجل يدعوه النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- ذا اليدين، فقال: أَنسَيتَ أم قَصُرَتْ؟ فقال: "لم أَنْسَ، ولم تَقْصُرْ" قال: بلى قد نسيتَ. فصلى ركعتين ثم سَلَّم، ثم (¬4) كَبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر. وفي رواية (¬5): فقال له ذو اليدين: أقصُرَتِ الصلاةُ أم نسيت يا رسول اللَّه؟ ¬
4 - باب من كانت له صلاة فشغل عنها صلاها في وقت آخر
فقال (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَصَدَقَ ذو اليدين؟ " فقال الناس: نعم. فذكر نحو ما تقدم. * * * (4) باب من كانت له صلاة فشغل عنها صَلَّاها في وقت آخر 635 - عن كُرَيْبٍ: أنَّ ابن عباس والمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ وعبد الرحمن ابن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا: اقرأ عليها السلام مِنَّا جميعًا، وَسَلْهَا عن الركعتين بعد صلاة العصر؛ وقل لها: إنَّا أُخْبِرْنَا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عنهما (¬2). وقال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما. قال كريب: فدخلتُ على عائشة (¬3)، فَبَلَّغْتُهَا ما أرسلوني، فقالت: سَلْ أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردُّوني إلى أم سلمة ¬
بمثل ما أرسلوني إلى عائشة. فقالت أم سلمة (¬1): سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عنها، ثم رأيته يصليها حين صلى العصر، ثم دخل (¬2) وعندي نسوة من بني حَرَامٍ من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجانبه وقولي (¬3) له: أم سلمة (¬4) يا رسول اللَّه سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه. ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه. فلما انصرف قال: "يا ابنةَ أبي أُمَيّةَ، سالتِ عن الركعتين بعد العصر، وإنه (أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر) (¬5)، فهما هاتان". * * * ¬
18 - كتاب الجنائز
(18) كتاب الجنائز
1 - باب من مات على التوحيد دخل الجنة
(18) كتاب الجنائز (1) باب من مات على التوحيد دخل الجنة 636 - عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتاني آتٍ من ربي فأخبرني -أو قال: بَشَّرَنِي- أنه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئًا دخل الجنة"، فقلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق". 637 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من مات يشرك باللَّه شيئًا دخل النار"، قال عبد اللَّه: وقلت أنا: من مات لا يشرك باللَّه شيئًا دخل الجنة. * * * _______ 636 - خ (1/ 383)، (23) كتاب الجنائز، (1) باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا اللَّه، من طريق واصل الأحدب، عن المعرور بن سُوَيْد، عن أبي ذر به، رقم (1237)، أطرافه في (1408، 2388، 3222، 5827، 6443، 6444، 7487). 637 - خ (1/ 383)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللَّه به، رقم (1238)، طرفاه في (4497، 6683).
2 - باب الأمر باتباع الجنائز، وعيادة المرضى
(2) باب الأمر باتباع الجنائز، وعيادة المَرْضَى 638 - عن البراء -هو ابن عازب- قال: أَمَرَنَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المرضى، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القَسَمِ، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج (¬1)، والقَسِّيّ (¬2)، والإستبرق (¬3). 639 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "حق المسلم خمس (¬4): ردُّ السلام، وعيادةُ المريض، واتِّبَاعُ الجنائز، وإجابةُ الدعوة، وتشميتُ العاطس". * * * ¬
3 - باب تعاهد المرضى والبكاء والموعظة عندهم
(3) باب تعاهد المرضى والبكاء والموعظة عندهم 640 - عن أنس بن مالك قال: دخلنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أبي سَيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيم (¬1)، فأخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إبراهيمَ فقَبَّلَهُ وشمّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يَجُود بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تَذْرِفَانِ، فقال له عبد الرحمن بن عوف (¬2): وأنت يا رسول اللَّه؟ فقال: "يا ابن عوف! إنها رحمة"، ثم أَتْبَعَهَا بأخرى فقال: "إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بك (¬3) يا إبراهيم لمحزنون". 641 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: اشتكى سعد بن عُبَادة شكوى له، فأتاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه ابن مسعود (¬4)، فلما دخل عليه. . . . . ¬
4 - باب تلقين المحتضر وإن كان كافرا
فوجده في غاشية (¬1)، فقال: "قد قَضَى؟ " قالوا: لا يا رسول اللَّه، فبكى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رأى القوم بكاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكوا، فقال: "ألا تسمعون (¬2)؟ إن اللَّه لا يعذب بدَمْعِ العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه". وكان عمر (¬3) يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة، ويَحْثِي بالتراب. * * * (4) باب تلقين المُحْتَضَرِ وإن كان كافرًا 642 - عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، أنه قال: لما حَضَرَتْ أبا طالب الوفاةُ جاءه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد اللَّه بن أبي ¬
أُمَيَّة (¬1)، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي طالب: "أَيْ عَمّ (¬2)! قل لا إله إلا اللَّه، كلمة أشهد لك بها عند اللَّه" فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أُمَيَّة: يا أبا طالب! أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضُهَا عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَا واللَّه لأَسْتَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عَنْكَ"، فأنزل اللَّه عز وجل (¬3) فيه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية [التوبة: 113] (¬4). 643 - وعن أنسٍ قال: كان غُلَامٌ (¬5) يهوديٌّ يخدُمُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: "أَسْلِمْ" فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم (¬6)، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد للَّه الذي أنقذه من النار" (¬7). * * * ¬
5 - باب ما يكره من النياحة، وشق الجيوب، ولطم الخدود
(5) باب ما يكره من النياحة، وشق الجيوب، ولطم الخدود 644 - عن عائشة قالت: لما جاء قتل زيد بن حارثة وجعفرٍ وعبد اللَّه ابن رواحة، جلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعرف فيه الحزن -وأنا أَطَّلِعُ من شَقِّ الباب- فجاءه (¬1) رجل فقال: يا رسول اللَّه! إن نساء جعفر، وذَكَر بكاءهن، فأمره أن يَنْهَاهُنَّ، فذهب الرجل، ثم أتى فقال: قد نهَيْتُهُنَّ. وذَكَر أنَّهُنَّ (¬2) لم يُطِعْنه، فأمره الثانية أن ينهاهن، فذهب (¬3) ثم أتى فقال: واللَّه لقد غَلَبْنَنِي -أو غَلَبْنَنَا (¬4) - فزعمتْ أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فاحْثُ في أفواههن التراب"، فقلت: أرغم اللَّه أنفك، واللَّه ما أنت بفاعلٍ، وما تركتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من العَنَاءِ. 645 - وعن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس مِنَّا من لطم الخدود، ¬
وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية (¬1) ". 646 - وعن أبي بُرْدَةَ ابن أبي موسى قال: وَجِعَ أبو موسى وجعًا فَغُشِيَ عليه، ورأسه في حِجْرِ امرأةٍ من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: إني بَرِيءٌ ممن بَرِى منه محمد (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-، إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَرِئَ من الصَّالِقَةِ والحالقة، والشاقة. الغريب: حَثْيُ التراب، وحَثْوُه، وهَبْلهُ: صَبُّهُ. و"أَرْغَمَ اللَّهُ أنفه"؛ أي: ألصقه بالرَّغَامِ، وهو التراب. وهو دعاء بأن يسقط على وجهه أو يذل. و"العَنَاء" بالمد: التعب والإعياء. و"الصالقة": الرافعة صوتها بالمصيبة، ويقال بالسين والصاد، وقد قرئ بهما: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19]. و"الحالقة": لشعرها، و"الشاقة": لجيبها. ¬
6 - باب تعذيب الميت ببكاء أهله إذا كان ذلك من سنته أو بوصيته
و"دعوى الجاهلية": هي قولهم عند الهياج والفزع: يا آل فلان، و: يا بني فلان، وإنما المشروع أن ينادي: يا آل المسلمين، وقال عمر (¬1): دعهن يبكين على أبي سليمان -يعني خالد بن الوليد- ما لم يكن نقعٌ أو لقلقة. "التراب": التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت. * * * (6) باب تعذيب الميت ببكاء أهله إذا كان ذلك من سُنَّتِهِ أو بَوصِيَّتِهِ (¬2) 647 - عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مُلَيْكَةَ قال: توفيت بنتٌ (2) لعثمان -رضي اللَّه عنه- بمكة وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وإني لجالس بينهما -أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي- فقال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؛ فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الميت ليعذَّبُ ببكاء أهله عليه"؟ . ¬
فقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: قد كان عمر -رضي اللَّه عنه- يقول بعضَ ذلك، ثم حَدثَ قال: صَدَرْتُ مع عمر -رضي اللَّه عنه- من مكة، حتى إذا كنا بالبَيْدَاءِ إذ هو بِرَكْبٍ تحت ظل سَمُرَةٍ، فقال: اذهب فانظر مَن هؤلاء الرَّكْبُ؟ قال: فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته فقال: ادْعُهُ لي. فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فَالْحَقِ أمير (¬1) المؤمنين، فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: واأخاه واصاحباه، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: يا صهيب! أتبكي وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الميتَ يعذَّبُ ببعض بكاء أهله عليه". قال ابن عباس: فلما مات عمر -رضي اللَّه عنه- حكيت (¬2) ذلك لعائشة -رضي اللَّه عنها-، فقالت: رحم اللَّه عمر، واللَّه ما حدَّث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه"، وقالت: حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عند ذلك: واللَّه {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] قال ابن أبي مُليكة: واللَّه ما قال ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- شيئًا. وفي رواية أخرى (¬3): "إن الميت ليعذب ببكاء الحي". وفي أخرى (¬4): "الميت يعذب في قبره بما نِيحَ عليه". ¬
648 - وعن عائشة قالت: إنما مرّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذَّبُ في قبرها". 649 - وعن المغيرة -هو ابن شعبة- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من نِيحَ عليه يُعَذَّب بما نيح عليه". 650 - وعن النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد اللَّه بن رَوَاحَة، فجعلت أخته عَمْرَةُ تبكي: وَاجَبَلَاهُ، واكذا واكذا. تُعدِّدُ عليه، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئًا إلا قيل لي: آنت كذلك؟ فلما مات لم تَبْكِ عليه. الغريب: البكاء في هذا الحديث هو النياحة كما فسره في حديث المغيرة، لا البكاء الذي هو رحمة، وعند هذا تعلم أنه لا حجة لابن عباس في قوله: واللَّه أضحك وأبكى، فتأمَّلْه. و"صدرت": رجعت. و"البيداء": هي الصحراء المتصلة به (¬1) المدينة، ¬
7 - باب تسجية الميت، والثناء عليه، ورجاء الخير له من غير قطع
وهي الحجارة السود المحيطة بها. و"سَمُرَة": واحدة السَّمُرِ، وهي من شجر البادية. و"الركب": أصحاب الإبل. و"أصيب عمر"؛ أي: طُعِنَ. وقيل: "الوازِرَة" الحاملة، والهاء فيه للمبالغة. و"الوِزْرُ": الحمل الثقيل، وهو كناية عن الذنوب. وليس سكوت ابن عمر عن عائشة شَكًّا في الحديث، ولا وَهَنًا، فإنه قد روي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من طرق عن غيره، وعن غير عمر، وإنما كان توقُّفا في التأويل، أو تركًا للرد على عائشة. وليس بما سمعته عائشة من حديث تعذيب اليهودية مناقضًا لحديث ابن عمر ولا غيره، وأحسنُ مَحَامِلِ حديث عمر وغيره ما نبَّهَ البخاريُّ عليه في ترجمته كما ذكرناه. واللَّه أعلم. * * * (7) باب تسجية الميت، والثناء عليه، ورجاء الخير له من غير قَطْعٍ 651 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: أقبل أبو _______ 651 - خ (1/ 384 - 385)، (23) كتاب الجنائز، (3) باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أُدْرِج في أكفانه، من طريق معمر ويونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة به، رقم (1241، 1242). =
بكر -رضي اللَّه عنه- على فرسه من مسكنه بالسُّنْحِ، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلِّمْ الناس، حتى دخل على عائشة، فتيمَّم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُسَجًّى بِبُرْد حِبَرَةٍ، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يُقَبِّلُهُ، ثم بكى فقال: بأبي أنت (¬1) يا نبي اللَّه، لا يجمع اللَّه عليك مَوْتتَيْنِ، أما الموتة التي كُتِبَتْ عليك فَقَدْ مُتَّها. قال أبو سلمة: فأخبرني ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أنَّ أبا بكر -رضي اللَّه عنه- خرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس. فأبى، فقال: اجلس، فأبى، فتشهد أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فمال الناسُ إليه وتركوا عمر فقال: أما بعد، فمن كان منكم يَعْبُدُ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فإن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ مَاتَ، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيٌّ لا يموت، قال اللَّه عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] (¬2)، واللَّه (¬3) لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أنَّ اللَّه أنزلها (¬4) حتى تلاها أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فَتَلَقَّاهَا منه الناس فما يُسْمَعُ بشر إلا يتلوها. ¬
652 - وعن خارجة (¬1) بن زيد بن ثابت: أنَّ أم العلاء -امرأة من الأنصار بايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرته: أنه اقتُسِمَ المهاجرون قرعةً، فطار (¬2) لنا عثمان بن مَظْعُون، فأنزلناه في أبياتنا، فوَجِعَ وجعه الذي توفِّي فيه، فلما توفي وغُسِّلَ وكُفِّنَ في أثوابه دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: رحمك اللَّه (¬3) أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك اللَّه. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما يدريكِ أن اللَّه أكرمه؟ " فقلت: بأبي أنت يا رسول اللَّه! فمن يكرمه اللَّه؟ فقال: "أما هو فقد جاءه اليقين، واللَّه إني لأرجو (¬4) له الخير، واللَّه ما أدري ما يُفْعَلُ بي" (¬5)، قلت (¬6): فواللَّه لا أزكي على اللَّه أحدًا. الغريب: {خَلَتْ}: ذهبت في الدهر الخالي. ¬
8 - باب الإعلام بموت الميت إذا لم يكن على جهة نعي الجاهلية
وكل مرض عند العرب وَجَعٌ. و"ما يدريكِ": أيُّ شيء يُعْلِمُكِ. وقوله: "ما أدري ما يفعل بي" هذا من قوله تعالى له: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] قال بعضهم: إن ذلك كان قبل أن يعرف أنه مغفور له. وهذا فيه نظر، وأشبهُ منه أنه عليه السلام لم يكن يعرف ما يجري عليه في الدنيا من خير أو شر ونفع أو ضر، وإلا فنحن نعلم قطعًا أنه عليه السلام يعلم قطعًا أنه سيد ولد آدم يوم القيامة وأكرمهم على اللَّه، وأرفع أهل الجنة درجةً (¬1). * * * (8) باب الإعلام بموت الميت إذا لم يكن على جهة نعي الجاهلية 653 - عن ابن عباس قال: مات إنسان كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلًا، فلما أصبح أخبروه فقال: "ما منعكم أن تُعْلِموني؟ " قالوا: كان الليل فكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشقَّ عليك. فأتى قبره فصلى عليه. 654 - وعن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . . . ¬
9 - باب فضل من مات له ولد فاحتسب، والأمر بالصبر عند المصيبة
نعَى النجاشيَّ (¬1) في اليوم الذي مات فيه، وسيأتي بكماله. * * * (9) باب فضل من مات له ولد فاحتسب، والأمر بالصبر عند المصيبة 655 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مؤمن مسلم (¬2) يُتَوَفَّى له ثلاثةٌ (¬3) لم يبلغوا الحِنْثَ (¬4). . . . . ¬
إلا أدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته إياهم (¬1) ". 656 - ومن حديث أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فَيَلِجَ النَّارَ إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ (¬2) ". 657 - وعن أبي سعيد الخدري: أن النساء قلن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اجعل لنا يومًا، فوعظهن فقال: "أَيُّما امرأةٍ مات لها ثلاث (¬3) من الولد، كُنَّ (¬4) لها حجابًا من النار"، فقالت امرأة: واثنان؟ قال: "واثنان". 658 - وعن أنس قال: مرّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بامرأةٍ عند قبر تبكي، فقال: "اتقي اللَّه وَاصْبِرِي". * * * ¬
10 - باب الأمر بغسل الميت وكيفيته
(10) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته 659 - عن أيوب قال: سمعت محمد بن سيرين قال: جاءت أم عطية -امرأةٌ من الأنصار من اللائي بايعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) قدمت البصرة- تُبَادِرُ ابنًا لها، فلم تدركه، فحدثَتْنا قالت: دخل علينا رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن نَغْسِلُ ابنته، فقال: "اغسِلْنَها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك -إن رأيتُنَّ ذلك- بماء وسِدْرٍ، واجعَلْنَ في الآخرة كافورًا، فإذا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي" فلما فرغنا آذَنَّاهُ فألقى (¬3) إلينا حِقْوَهُ فقال "أَشْعِرْنَها إياه" وزعم (¬4) أن الإشعار: الفُفْنَهَا فيه. وكذلك كان ابن سيرين يأمر بالمرأة أن تُشْعَرَ ولا تُؤْزَرَ. وفي رواية (¬5): فلما فرغنا آذناه، فنزع من حِقْوِهِ إزارَهُ وقال: "أشعرنها إياه". ومن حديث حفصة (¬6) بنت سيرين -وتكنى أم الهُذَيْل- عن أم عطية: ¬
أنه عليه السلام قال: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا إن رأيتن ذلك، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها". قالت (¬1): وأنهن جعلن رأس بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة قرون، نَقَضْنَهُ، ثم غَسَلْنَهُ، ثم جعلْنَهُ ثلاثة قرون. ومن حديث هشام (¬2) عن حفصة، عن أم عطية قالت: ضفرنا شعر بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. تعني: ثلاثة قُرُون؛ ناصيتها وقرنَيْهَا. وفي أخرى (¬3): فضَفَرْنَا (¬4) شعرها ثلاثة قرون، فألقيناها (¬5) خلفها. الغريب: "الحِقْوُ": الخَصْرُ، والمراد به هنا: الإزار، كما جاء مفسَّرًا في الحديث، وسمي الإزار حِقْوًا باسم المَحَل الذي يجعل فيه. و"أشْعِرْنها": اجْعَلْنَه على جسدها. و"الشِّعَارُ": هو الثوب الذي يلي الجسد. و"الدِّثَارُ": ما يلبس على الشعار. ¬
11 - باب ما جاء في الكفن والحنوط، وأنه من رأس المال
وقوله: "أو سبعًا إن رأيتن ذلك" قال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة سبع غسلات في غسل الميت. قلت: فعلى هذا الاستثناء يرجع إلى ما قبلها، واللَّه أعلم. * * * (11) باب ما جاء في الكفن والحَنُوط، وأنه من رأس المال 660 - عن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كُفِّنَ في ثلاثة أثوابٍ يمانية بيضٍ سَحُوليَّةٍ من كُرْسُفٍ. ليس فيها قميص ولا عمامة. 661 - وعن ابن عباس قال: بينما رجل واقف بعرفة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ وقع عن راحلته فوقصَتْهُ -أو قال: فأَوْقَصَتْهُ- قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغسلوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنُوهُ في ثوبين، ولا تُحَنِّطُوهُ، ولا تُخَمِّرُوا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة مُلَبِّيًا". وفي أخرى (¬1): "مُلَبّدًا". ¬
662 - وعن ابن عمر: أنَّ عبد اللَّه بن أُبَيٍّ لما تُوُفِّيَ جاء ابنه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال (¬1): أعطني قميصك أكفِّنه فيه، وصَلِّ عليه واستغفر له. فأعطاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قميصه فقال: "آذِنِّي أصلي عليه"، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر -رضي اللَّه عنه- فقال: أليس اللَّه نهاك أن تصلي على المنافقين؟ قال: "أنا بين خِيَرَتَيْنِ، قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] " فصلى عليه، فنزلت: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]. 663 - وعن سَعْدِ بن إبراهيم، عن أبيه: أنَّ عبد الرحمن بن عوف أُتِيَ بطعامٍ -وكان صائمًا- فقال: قُتِلَ مصعب بن عمير وهو خير مِنِّي، كُفِّن في بُرْدَة إن غُطِّي رأسُه بَدَتْ رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه، وأُرَاهُ قال: قتل (¬2) حمزة وهو خير مني. ¬
في رواية (¬1): فلم يوجد ما يكفَّن فيه إلا بُردة، ثم بُسِطَ لنا من الدنيا ما بُسِطَ -أو قال: أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا- وقد خشيت (¬2) أن تكون حسناتُنَا عُجِّلَتْ لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. الغريب: "سَحُوليَّة": منسوبة إلى سَحُول -بفتح السين- قريةٍ باليمن. و"الكُرْسُف": القطن. و"وَقَصَتْهُ راحلتُه": رمته فاندقت عنقه. و"الحَنُوك": ما يطيب به الميت، وهو بفتح الحاء. و"المُلَبِّدُ": هو الذي يصير شعره كاللِّبَدِ بما يُجعل فيه من صمغ أو عسل ونحوه. و"آذِنيّ": أعلمني. وهو ممدود الهمزة مكسور الذال. وقوله: "أنا بين خيرتين"، تَمَسَّكَ بلفظ {أَوْ} دون المعنى؛ لأن معنى الآية: الإيَاسُ من المغفرة لهم. * * * ¬
12 - باب إعداد الكفن. ومن لم يوجد له إلا ثوب واحد كفن فيه
(12) باب إعداد الكفن. ومن لم يوجد له إلا ثوب واحد كُفِّنَ فيه 664 - عن سهل بن سعد: أنَّ امرأةً جاءت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببُرْدةٍ منسوجة فيها حاشيتُهَا -تدرون ما البردة؟ قالوا: الشَّمْلَةُ، قال: نعم- قالت: نسجتُهَا بيدي فجئت لأكْسُوكَهَا، فأخذها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- محتاجًا إليها، فخرج إلينا (¬1) وإنها إزاره، فَحَسَّنَهَا فلان فقال: أكسُنِيها، ما أحسنها! قال القوم: ما أحسنْتَ، لَبِسَها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- محتاجًا إليها ثم سألته، وعلمتَ أنه لا يَرُدُّ، قال: إني واللَّه ما سألته لأَلْبَسها، إنما سألته لتكون كَفَنِي، قال سهل: وكانت (¬2) كفنه. 665 - وعن خَباب هو ابن الأَرَتِّ، قال: هاجرنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نلتمس وجه اللَّه، فوقع أجرنا على اللَّه، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، ¬
13 - باب القيام للجنازة ومتى يقعد؟
منهم مصعب بن عُمَيْر، ومنا من أَيْنَعَتْ له ثمرته فهو يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يوم أحد فلم نجد ما نكفِّنُهُ به إلا بردة، إذا غَطَّيْنَا بها رأسَهُ خرجت رِجْلَاهُ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه. فأمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإِذْخِرِ. الغريب: "أَيْنَعَتْ": طابت، وحان قطافها. و"يَهْدِبُهَا": يأكلها، وأصله من هُدْب الثوب، وهو طرفه المُتَدَلِّي، فكأنَّ آكل الشيء يأخذه هَدْبًا هَدْبًا. * * * (13) باب القيام للجنازة ومتى يقعد؟ 666 - عن عامر بن ربيعة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تُخَلِّفَكُمْ (¬1) أو تُوضَعَ". وفي رواية (¬2): قال: "إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى يُخَلِّفَهَا أو تُخَلِّفَهُ، أو توضع من قبل أن تخلفه". ¬
667 - ومن حديث أبي سعيد المَقْبُرِيّ: قال: كنا في جنازة، فأخذ أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- بيد مروان فجلسا قبل أن تُوضَعَ، فجاء أبو سعيد -رضي اللَّه عنه- فأخذ بيد مروان فقال: قُمْ، فواللَّه لقد عَلِمَ هذا أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهانا عن ذلك، فقال أبو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ. 668 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حُنَيْفٍ وقيس ابن سعد قاعدَيْنِ بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض -أي: من أهل الذمة- فقالا: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّتْ به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي؟ فقال "أليست نفسًا؟ ". 669 - وعن عبد الرحمن بن القاسم: أنَّ القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة، ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة قالت: كان أهل الجاهلية يقومون لها. يقولون إذا رأوها: كُنْتِ في أهلكِ ما أنتِ. مرتين (¬1). ¬
14 - باب الإسراع بالجنازة وحمل الرجال لها وكلام الميت
الغريب: "الجَنَازة" بفتح الجيم: النَّعْش الذي يُحمل عليه الميت، وبكسرها: الميت. وقيل: هما لغتان. وهذا الأمر بالقيام كان في أول الأمر ثم نسُخَ، كما رواه مسلم من حديث عليٍّ أنه قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للجنازة ثم قعد (¬1). * * * (14) باب الإسراع بالجنازة وحمل الرجال لها وكلام الميت 670 - عن أبي سعيد الخدري: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وُضِعَتِ ¬
15 - باب فضل اتباع الرجال الجنائز، وكراهة ذلك للنساء
الجنازةُ، واحْتَمَلَهَا (¬1) الرجالُ على أعناقهم، فإن كانت صالحةً قالت: قَدِّمُوني قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟ يَسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعها إنسان (¬2) لَصَعِقَ". 671 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أسرعوا (¬3) بالجنازة، فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تقدمونها، وإن تك (¬4) سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم". * * * (15) باب فضل اتِّباعِ الرجال الجنائز، وكراهة ذلك للنساء 672 - عن نافع قال: حُدِّثَ ابنُ عُمَر: أن أبا هريرة يقول: من تَبِعَ ¬
جنازة فله قيراط، قال (¬1): أكثر أبو هريرة علينا (¬2)، فَصَدَّقَتْ -يعني عائشةُ- أبا هريرة، وقالت: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوله. فقال ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: لقد فَرَّطْنَا في قَرَارِيط كثيرة. 673 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ شَهِدَ الجنازة حتى يُصَلِّي فله قِيرَاطٌ، ومن شهد حتى تُدفن كان له قيراطان"، فقيل: وما القيراطان؟ قال: "مِثْلُ الجبلين العظيمين". 674 - وعن أم عطية قالت: نُهِينَا عن اتِّبَاعِ الجنائز ولم يُعْزَمْ علينا (¬3). * * * ¬
16 - باب الصلاة على الجنازة، وكيفيتها، وأين يصلى عليها
(16) باب الصلاة على الجنازة، وكيفيتها، وأين يُصلى عليها 675 - عن ابن عباس: أنه صلى على جنازةٍ فقرأ فاتحة الكتاب، فقال: لتعلموا أنها سُنَّةٌ. 676 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نعَى النَّجَاشِيَّ في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المُصَلَّى فَصَفَّ بهم وكبَّر عليه أربع تكبيراتٍ. 677 - ومن حديث جابر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد تُوُفِّيَ اليوم رجلٌ صالح من الحَبَشِ، فَهَلُمَّ فصلُّوا عليه" قال: فصفَفْنَا، فصلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه _______ 675 - خ (1/ 409 - 410)، (23) كتاب الجنائز، (65) باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، من طريق شعبة وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة بن عبد اللَّه ابن عوف، عن ابن عباس به، رقم (1335)، ولفظ القرطبي في "مختصره" هو بالمعنى، وليس هو لفظَ البخاري في "الصحيح". 676 - خ (1/ 409)، (23) كتاب الجنائز، (64) باب التكبير على الجنازة أربعًا، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (1333). 677 - خ (1/ 405 - 406)، (23) كتاب الجنائز، (54) باب الصفوف على الجنازة، من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (1320)، أطرافه في (3877، 3878، 3879). زاد البخاري بعد قوله: "ونحن صفوف"، قال: "قال أبو الزبير عن جابر: كنت في الصف الثاني".
ونحن صفوف، وكنتُ (¬1) في الصف الثاني أو الثالث. ومن حديثه (¬2) قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أَصْحَمَةَ النجاشي، وكبَّر أربعًا. 678 - ومن حديث أبي هريرة؛ أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نعَى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وقال: "استغفروا لأخيكم". 679 - وعن ابن عمر: أنَّ اليهود جاؤوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل منهم وامرأةٍ زنيا، فأَمَرَ بهما فرُجِمَا قريبًا من موضع الجنائز عند المسجد. 680 - وعن سَمُرَة بن جُنْدَبٍ قال: صليت وراء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على امرأة ¬
17 - باب يصلى على الغائب والمقبور إذا لم يصل عليهما
ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها. * * * (17) باب يصلَّى على الغائب والمقبور إذا لم يُصَلَّ عليهما وقد تقدم صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على النجاشي وهو غائب. 681 - وعن ابن عباس: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ بقبرٍ دفن ليلًا فقال: "متى دُفِنَ هذا؟ " فقالوا: البارحة، فقال: "أفلا آذنتموني؟ " قالوا: دفنَّاه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم (¬1). قلت: قد صح (¬2) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه: "لا تُحْدِثوا في شأنه شيئًا حتى يؤذنوه" فلم يفعلوا، وصلوا عليه ودفنوه بغير إذنه، فلم يعتدَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بصلاتهم تلك، فلذلك صلى هو عليه، واللَّه أعلم. * * * ¬
18 - باب الدفن وأحكامه
(18) باب الدفن وأحكامه 682 - عن أبي هريرة قال: أُرْسِلَ ملكُ الموت إلى موسى عليه السلام (¬1)، فلما جاءه صَكَّهُ، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عَبْدٍ لا يريد الموت، فردَّ اللَّهُ عليه عينَهُ فقال: ارجع فقل له يَضَعُ يدَهُ على مَتْنِ ثَوْرٍ، فله بكل ما غَطَّتْ به يَدُهُ بكل شعرة سنة، قال: أَيْ ربِّ! ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن. فَسَأَلَ اللَّهَ أن يُدْنِيَهُ من الأرض المقدسة رَمْيَةً بحَجَرٍ، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبرَهُ إلى جانب الطريق عند الكَثِيبِ الأحمر". 683 - وعن أنس: شهدنا بنتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس على القبر، فرأيت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ فقال: "هل فيكم من أحدٍ لم يُقَارِف الليلةَ؟ " فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فانزل في قبرها"، فنزل في قبرها فقبرها (¬2). قال فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يعني الذَّنْبَ. ¬
684 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجمع بين الرجلين من قَتْلَى أُحُدٍ في ثوب واحد ثم يقول: "أيهما أكثر أَخْذًا للقرآن؟ " فإذا أُشِيرَ له إلى أحدهما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء" (¬1) وأمر بدفنهم بدمائهم (¬2). قال جابر: فكُفِّنَ أبي وعمي في نَمرة واحدة (¬3). * تنبيه: قوله: "صَكَّه"؛ أي: لَطَمَهُ على عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا، وإنما فعل ذلك به لأنه جاء إلى قبضه ولم يُخَيِّرْهُ، وكان موسى قد أُعْلِمَ أنه لا يقبض حتى يُخَيَّرَ، كما قال نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لا يقبض نبيًّا حتى يُخَيَّرَ"، ولذلك لما خَيَّرَهُ مَلَكُ الموت في الرجعة الثانية قال: الآن. هذا أولى ما قيل فيه. و"الكَثِيبُ": كوم الرمل. و"يُقَارِف": يكسب ذنبًا، وأصل القَرْفِ: الكسب. وقيل: معناه: لم يجامع أهله. و"اللَّحْدُ": قبر في جانب الشق إلى القبلة، والشَّقُّ المستقيم يسمى: الضَّرِيحُ. ¬
685 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: أتى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبدَ اللَّه بن أُبَيٍّ بعدما أُدْخِلَ حفرتَهُ، فأَمَرَ به فأُخْرِجَ، فوضعه على رُكْبَتَيْهِ ونَفَثَ عليه من ريقه، وألبسه قميصه -فاللَّه أعلم- وكان كسا عَبَّاسًا قميصًا، قال سفيان (¬1): فَيَرَوْنَ أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَلْبَسَ عبد اللَّه قميصه مكافأة (¬2). 686 - وعن جابر أيضًا قال: دُفِنَ مع أبي رجلٌ، فلم تَطِبْ نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبرٍ على حِدَةٍ. في رواية (¬3): فاستخرجتُه بعد ستة أَشْهُرٍ، فإذا هو كيوم وضعتُهُ (¬4) غَيْرَ أُذُنِهِ. 687 - وعن ابن عباس قال: مر رسوِل اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقبرين يُعَذَّبَانِ، فقال: ¬
19 - باب الميت يسمع خفق النعال، وفي ثناء الناس عليه، والنهي عن سب الموتى
"إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" ثم أخذ جَرِيدَةً فشقها بنِصْفَيْن، ثم غَرَسَ في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول اللَّه! لما صنعت هذا؟ فقال: "لعله (¬1) يخفف عنهما ما لم ييبسا". * * * (19) باب الميت يسمع خَفْقَ النِّعَالِ، وفي ثناء الناس عليه، والنهي عن سب الموتى 688 - عن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العبد إذا وُضعَ في قبره، وتُوُلِّيَ وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قَرع نِعَالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؛ محمد بن عبد اللَّه؟ (¬2) فيقول: أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك اللَّه به مقعدًا من الجنة"، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فيراهما جميعًا". وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثم يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ من حديد ضَرْبَةً بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثَّقَلَيْنِ". ¬
689 - وعنه قال: مُرَّ (¬1) بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَجَبَتْ" (¬2). ثم مَرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء اللَّه في الأرض (¬3) ". وفي رواية (¬4): "أَيُّمَا رَجُلٍ (¬5) شهد له أربعة بخير أدخله اللَّه الجنة"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة"، فقلنا: واثنان؟ قال: "واثنان"، ثم لم نسأله عن الواحد. 690 - وعن عائشة قالت: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا الأموات؛ فإنهم ¬
20 - باب ما جاء في عذاب القبر والتعوذ منه
قد أَفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا" (¬1). * * * (20) باب ما جاء في عذاب القبر والتعوذ منه 691 - عن البَرَاء عن عازب، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قعد المؤمن في قبره (¬2) أُتِيَ، ثم يَشْهَدُ أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم: 27] ". وفي رواية (¬3): قال البراء: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في عذاب القبر. ¬
692 - وعن عائشة: أنَّ يهوديةً دخلت عليها، فذكرتْ عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك اللَّه من عذاب القبر، فسألت عائشةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عذاب القبر فقال: "نعم، عذابُ القَبْر" قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: فما رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدُ صَلَّى صلاةً إلا تعوَّذُ من عذاب القبر. 693 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطيبًا، فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضَجَّ المسلمون ضَجَّةً. 694 - وعن أبي أيوب قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد وَجَبَتِ الشمس (¬1)، فسمع صوتًا فقال: "يَهودُ تُعَذَّبُ في قُبُورِهَا". 695 - وعن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدَّجَّال". * * * ¬
21 - باب ما قيل في أولاد المسلمين والمشركين
(21) باب ما قيل في أولاد المسلمين والمشركين 696 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت له ثلاثةٌ (¬1) لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته إياهم". 697 - وعن ابن عباس وأبي هريرة قالا: سُئِلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذراري المشركين، فقال: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين". 698 - وعن سَمُرَةَ بن جُنْدَب قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى صلاته (¬2) أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " قال: فإن رأى أحدٌ قَصَّها، فيقول ما شاء اللَّه، فسألنا يومًا فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " ¬
قلنا: لا، قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كَلُّوبٌ (¬1) -قال بعض أصحابنا عن موسى: كَلُّوبٌ من حديد- يُدْخِلُه في شِدْقِهِ حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقُه هذا فيعود، فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على ظهره بفِهْرٍ أو صخرة فيَشْدَخُ بها رأسَهُ، فإذا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحجرُ، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت: ما هذا؟ (¬2) قالا: انطلق. فانطلقنا إلى ثُقْبٍ مثل التَّنُّورِ، أعلاه ضيِّقٌ وأسفله واسع، يَتَوَقَّدُ تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عُرَاةٌ، فقلت: ما هذا؟ (¬3) قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على نهَر من دَمٍ فيه رجل قائم، على وسط -وفي رواية: شط (¬4) - النهرِ رجلٌ بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رَمَى الرجلُ بحجر في فيه فردَّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رَمَى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. ¬
حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، فإذا (¬1) رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصَعِدَا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا لم أرَ قَطُّ أحسن منها، فيها رجالٌ شيوخ وشباب، ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا في (¬2) الشجرة، فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشباب. قلت: طَوَّفْتُمَاني الليلة فأخبراني عما رأيت؟ قالا: نعم. الذي رأيته يُشَقُّ شِدْقُه فكذَّاب يحدث بالكِذْبَةِ فتُحْمَلُ عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به (¬3) إلى يوم القيامة. والذي رأيته يُشْدَخُ رأسه فرجل علَّمَهُ اللَّه الفرقان (¬4)، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يُفْعَلُ به إلى يوم القيامة. والذي رأيته في الثقب فهم الزناة. والذي رأيته في النهر آكل الربا. والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم (¬5)، والصبيان حوله فأولاد الناس. والذي يوقد النارَ مالكٌ خازن النار. والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين. وأما هذه الدار فدار الشهداء. ¬
22 - باب صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهل أحد بعد سنين، وأن ذلك كان خاصا بهم
وأنا جبريل وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعتُ رأسي فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمرٌ لم تستكمله، فلو استكملتَ أتيتَ منزلك". الغريب: أصل "الحِنْثَ": الإثم، وهو هنا عبارةٌ عن البلوغ؛ لأنه الحال الذي يتعلق بالمتصف بها الإثم. و"يَلْتَئِمُ": يجتمع ويلتحم. و"الشَّدْخُ": الرَّضُّ مع كسر. و"تَدَهْدُهُ الحجرِ": انحدارُه. و"شَطّ النهر": جانبه وساحله. و"الثقب": الكُوّة، والطريق الضيق في الجبل. * * * (22) باب صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل أحد بعد سنين، وأن ذلك كان خاصًّا بهم 699 - عن عُقْبَة بن عامر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: خرج يومًا فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فَرَطُكم (¬1)، وأنا ¬
شهيد عليكم، إني (¬1) واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد (¬2) أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض (¬3)، وإني واللَّه ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تَنَافَسُوا فيها". الغريب: "الفَرَط" بفتح الراء: السابقُ للماء تَهْيِئَةً للواردين. و"الحوض": مُجْتَمَعُ الماء. وظاهر هذا الحديث أنه صلى على شهداء أُحُدٍ كما يصلي على الموتى بتكبير وقيام وسلام، ويجوز أن يكون دعاء كما يُدْعَى للميت، وعلى هذا لا يكون في الحديث إشكال. 700 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يقول اللَّه: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِيَّهُ (¬4) من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة". 701 - وعن أسامة قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ جاءه رسول إحدى ¬
بناته -وعنده سعد وأُبَيّ بن كعب ومعاذ- أنَّ ابنها يَجُودُ بنَفْسِهِ، فبعث إليها: "للَّه ما أخذ ولله ما أعطى، وكلٌّ بأَجَلٍ، فلتصبر ولتحتسب". زاد في رواية (¬1): فأرسلت إليه تُقْسِمُ عليه، فقام وقمنا معه، فلما قعد رُفِعَ إليه فأَقعده في حِجْرِهِ، ونَفْسُ الصبي تقعقع (¬2) ففاضت عينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال سعد: ما هذا يا رسول اللَّه؟ فقال: "هذه رحمة يَضَعُهَا اللَّه في قلوب من يشاء من عباده. وإنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء". * * * ¬
خدمة السنة النبوية سلسلة مؤلفات الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب (1) اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ - رحمه الله تعالى - تحقيق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب [المجلد الثاني]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة سلسلة مؤلفات الْأُسْتَاذ الدكتور رفعت فوزي عبد الْمطلب (1) اخْتِصَار صَحِيح البُخَارِيّ وَبَيَان غَرِيبه [2]
دار النوادر المؤسس والمالك نور الدين طالب مؤسسة ثقافية علمية تُعنى بالتراث العربي والإسلامي والدارسات الأكاديمية والجامعية المتخصصة بالعلوم الشرعية واللغوية والإنسانية تأسست في دمشق سنة 1422 هـ - 2002 م، وأشهرت سنة 1426 هـ - 2006 م. سوريا - دمشق - الحلبوني ص. ب: 34306 الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م E-mail: [email protected] Website: www.daralnawader.com
19 - كتاب الزكاة
(19) كتاب الزكاة
1 - باب وجوب الزكاة، وحكم مانعها، وبيان الكنز ما هو؟
(19) كتاب الزكاة (1) باب وجوب الزكاة، وحكم مانعها، وبيان الكَنْزِ ما هو؟ 702 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث معاذًا -رضي اللَّه عنه- إلى اليمن فقال: "ادْعُهُمْ إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، فإن هم أطاعوا لذلك فأَعْلِمْهُمْ أن اللَّه قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم صدقةً في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم". 703 - وعن أبي هريرة قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه- _______ 702 - خ (1/ 430)، (24) كتاب الزكاة، (1) باب وجوب الزكاة، وقول اللَّه تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس به، رقم (1395). أطرافه في (1458، 1496، 2448، 4347، 7371، 7372). 703 - خ (1/ 431 - 432) -في الكتاب والباب السابقين- من طريق الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة به. رقم (1399). أطرافه في (1457، 6924، 7284). ورقم (1400). وأطرافه في (1456، 6925، 7285).
وكَفَرَ مَنْ كَفَرَ من العرب. فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه فمن قالها فقد عَصَمَ مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقه، وحسابه على اللَّه"؟ فقال: واللَّه لأقاتلن من فَرَّقَ بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عَنَاقًا كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه (¬1). قال عمر: فواللَّه ما هو إلا أَنْ قد شرح اللَّه صدر أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فعرفت أنه الحق. 704 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من آتاه اللَّه مالًا فلم يُؤَدِّ زكاتَهُ مُثِّلَ لَه مالُه يوم القيامة شُجَاعًا أقرعَ له زبيبتان يُطَوَّقُهُ يوم القيامة، ثم يأخذ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يعني شِدْقَيْهِ- يقول (¬2): أنا مَالُكَ، أنا كنزك" ثم تلا {وَلَا يَحْسَبَنَّ (¬3) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية [آل عمران 180]. 705 - وعن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقال أعرابي: أخبرني قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (¬4): {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ¬
وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] (¬1) قال ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: مَنْ كَنَزَهَا ولم يُؤَدِّ زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت (¬2) جعلها اللَّه طُهرًا للأموال. 706 - وعن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى مَلأٍ من قريش، فجاء رجل خَشِنُ الشعر والثياب والهيئة. حتى قام عليهم فسَلَّم، ثم قال: بَشِّرِ الكَانِزِينَ بِرَضْفِ يُحْمَى عليهم في نار جهنم، ثم يوضع على حَلَمَةِ ثَدْي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفيه (¬3)، ويوضع على نُغْضِ كتفيه (¬4) حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل. ثم وَلَّى، فجلس إلى ساريةِ، وتَبِعْتُهُ وجلست إليه، وأنا لا أدري من هو؟ فقلت له: لا أُرَى القومَ إلا قَدْ كَرِهُوا ما قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيئًا، قال لي خليلي -قال: قلت: ومن خليلك؟ -: "يا أبا ذر" أتبصرُ أُحُدًا؟ " قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أُرَى أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يرسلني في حاجة له، قلت: نعم. قال: "ما أحب أن لي مثل أُحُدٍ ذهبًا أنفقه كلَّه إلا ثلاثة دنانير" وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا واللَّه، لا أسالهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى اللَّه. ¬
2 - باب الحض على الصدقة من الكسب الطيب، وبيان فضلها، ومبادرة الموانع منها
الغريب: "مُثِّل": صُوِّرَ. و"الشُّجَاع": من الحيات، والذي يقوم على ذنبه، ويواثب القائم والفارس. ويجمع: أَشْجِعَة وشُجْعَان. قاله اللحياني. "والأقرع" منها: هو الذي تَقَرَّعَ رأسُه من السم. و"الزَّبِيبَتَان": نابان يخرجان من فيه. قاله الحربي. وقيل: هما أثران في جانبي فمه من السمّ، ويكون مِثْلُهَا في جانبي فم المكثر من الكلام. و"اللَّهْزِمَة": الشِّدْقُ. و"الرَّضْفُ": الحجارة المحماة. و"العَنَاق": الجَذَع من المعز. وقوله: "قلت: ومَن خليلك؟ "، كلام معترِض بين قول أبي ذر: "قال خليلي: يا أبا ذر". ولم يجبه أبو ذر على ذلك القول المُعْتَرِضِ (¬1)، لكن حصل جوابه لَمَّا قال: "فأنا أُرَى أنَّ رسول اللَّه يرسلني". * * * (2) باب الحض على الصدقة من الكسب الطيب، وبيان فضلها، ومبادرة الموانع منها 707 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تَصدق بعَدْلِ تمرة ¬
من كسب طيب -ولا يقبل اللَّه إلا الطَّيب- فإن اللَّه يقبلها (¬1) بيمينه ثم يُرَبيِّهَا لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى يكون مثلَ الجبل". 708 - وعن عَدِيِّ بن حاتم قال: كنت عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاءه رجلان أحدهما يشكو العَيْلَةَ، والآخر يشكو قطع السبيل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما قطعُ السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العيرُ إلى مكة بغير خَفيرٍ، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه، ثم لَيَقِفَنَّ أحدُكم بين يدي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ليس بينه وبينه حِجَابٌ ولا تَرْجُمَان يترجم له، ثم ليقولنَّ له: ألم أُوتِكَ مالًا؟ فليقولن: بلى. ثم ليقولن: ألم أُرْسِل إليك رسولًا؟ فليقولن: بلى. فينظرُ عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتق (¬2) أحدكم النار (¬3) ولو بِشِقِّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة". 709 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "لَيَأْتِيَنَّ على الناس زمانٌ ¬
يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدًا (¬1) يأخذها منه، ويُرَى الرجلُ الواحد يَتْبَعُهُ أربعون امرأةً يَلُذْنَ به، من قلة الرجال وكثرة النساء". 710 - وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ قال "أَنْ تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تخشى الفَقْرَ وتأمُلُ الغِنَى، ولا تُمْهِلْ حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان". الغريب: "عَدْلُ الشيء": مِثْلُه، وهو بفتح العين. و"الكسب الطيب": الحلال. و"العِير": الإبل. و"العَيْلَة": الفقر. و"الخفير": الغفير، وهو الذي يُدْخَل في خفارته؛ أي: عهده. و"يَلُذْن": يتقين ويستترن. و"الحُلْقُوم": الحلق. والضمير في "بلغت" هو للنفس المقبوضة بالموت. * * * ¬
3 - باب أجر الصدقة على حسب نية المتصدق، وإن وقعت بيد من لم يقصد
(3) باب أجر الصدقة على حسب نية المُتَصَدِّقِ، وإن وقعت بيد من لم يقصد 711 - عن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "قال رجل: لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقةٍ. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق (¬1)، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ على سارق" فقال: اللهم لك الحمد (¬2)، لأتصدَّقَنَّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصدِّقَ الليلة على زانية. قال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني. قال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني! فأُتِيَ (¬3) فقيل له: أما صدقتك على سارق، فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه اللَّه". 712 - وعن مَعْنَ بن يزيد قال: بايعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا وأبي وجدي، ¬
4 - باب فضل إخفاء صدقة التطوع، وإذا كانت عن ظهر غنى، وخير الأيدي
وخَطَبَ عليَّ فأنكحني، وخاصمت إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها (¬1)، فأتيته بها. فقال: واللَّه ما إياك أردت، فخاصمتُهُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لك ما نويت يا يزيدُ (¬2)، ولك ما أخذت يا مَعْنُ". * * * (4) باب فضل إخفاء صدقة التطوع، وإذا كانت عن ظَهْرِ غِنًى، وخير الأيدي 713 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سبعة يُظِلُّهم اللَّه في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلى ظلُّهُ، إمام عَدْلٍ، وشاب نشأ في عبادة اللَّه، ورجل قلبُه معلق في المساجد، ورَجُلَانِ تَحابَّا في اللَّه، اجتمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجل دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف اللَّه، ورجل تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللَّه خَالِيًا ففاضت عيناه". ¬
714 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خير الصدقة ما كان عن ظَهْرِ غِنًى، وابدأ بمن تَعُول". 715 - وعن حكيم بن حِزَامٍ: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اليد العليا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه". 716 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال وهو على المنبر -وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة-: "اليد العليا خير من اليد السفلى". واليد العليا هي المنفقة، والسُّفْلَى هي السائلة (¬1). * * * ¬
5 - باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، وأجر الخازن الأمين، والمرأة المتصدقة من مال زوجها غير مفسدة
(5) باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، وأجر الخازن الأمين، والمرأة المتصدقة من مال زوجها غير مُفْسِدَةٍ 717 - عن ابن عباس قال: خرج رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم عيد، فصلَّى ركعتين لم يُصَلِّ قبلُ ولا بعدُ، ثم مال إلى (¬2) النساء وبلال معه (¬3)، فوعظهن وأمرهن أن يتصدَّقْنَ، فجعلت المرأةُ تُلقي القُلْبَ والخُرْصَ (¬4). 718 - وعن أبي موسى قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جاءه السائل أو طُلِبَتْ إليه حاجة قال: "اشفعوا تؤجروا (¬5)، ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما شاء". ¬
6 - باب على كل مسلم صدقة، والدعاء للمتصدق، وعلى الممسك ومثالهما
719 - وعنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخازن المسلم الأمين الذي يُنْفِذُ -وربما قال: "يعطي"- ما أُمر به كاملًا مُوَفَّرًا طيبة (¬1) به نفسُه، فيدفعه إلى الذي أُمِرَ لَهُ به أحدُ المتصدِّقَيْنِ". 720 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غيرَ مفسدةٍ كان لها أجرُها، ولزوجها بما كسب، وللخازن مثلُ ذلك". "القُلْبُ": سِوَارٌ، وقد يكون من عَظْمٍ. * * * (6) باب على كل مسلم صدقة، والدعاء للمُتَصَدِّقِ، وعلى المُمْسِكِ ومثالهما 721 - عن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "على كل مسلم صدقة"، ¬
قالوا (¬1): يا نبي اللَّه! فمن لم يجد؟ فقال (¬2): "يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فمن لم يجد (¬3)؟ قال "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قالوا: فإن لم يجد؟ قال "فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة". 722 - وعن أبي هريرة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط كل منفقٍ خَلَفًا (¬4)، ويقول الآخر: اللهم أعط مُمْسِكًا تلفًا". 723 - وعنه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُبَّتانِ من حديد -في رواية (¬5): "من ثُدِيِّهما إلى تَراقِيهما"- فأما المُنْفِقُ فلا يُنْفِقُ إلا سبغت -أَوْ: وَفَرَتْ- على جلده حتى تُخفي بَنَانَهُ، وتعفوَ أثرَهُ. ¬
7 - باب أفضل الصدقة جهد من مقل، والنهي عن لمز المتصدق
وأما البخيل فلا يريد أن ينفقَ شيئًا إلا لَزِقَتْ كلُّ حَلْقَةٍ مكانها، فهو يُوَسِّعُهَا فلا تتسع" (¬1). الغريب: "سَبَغَتْ": طالت. و"البَنَان": الأصابع. و"تعفو": تمحو أثر مشيه. * * * (7) باب أفضل الصدقة جُهْدٌ مِن مُقِلٍّ، والنهي عن لمز المُتَصَدِّق 724 - عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فتحامل، فيصيب المُدَّ، وإن لبعضهم اليوم مئةَ أَلْفٍ. وفي رواية (¬2) قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نُحامِلُ، فجاء رجل فتَصَدَّق بشيءٍ كثير فقالوا: مُرَائِي. وجاء رجل فتصدق بصَاعٍ فقالوا: إن اللَّه لغَنِيٌّ عن صاع هذا. ننزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ¬
8 - باب ما تجب فيه الزكاة من العين والمواشي والحبوب، وما لا تجب فيه
الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} الآية [التوبة: 79]. 725 - وعن عائشة قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إيَّاها فقَسَمَتْهَا بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت. فدخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علينا، فأخبرته، فقال النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابْتُلِيَ من هذه البنات بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا من النار". الغريب: قوله: "نُحامل"؛ أي: نحمل على ظهورنا. و {يَلْمِزُونَ}: يَعيبون. و"الجُهْد": المشقة. و"المُطَّوِّعين"؛ يعني: المتطوعين، من التطوع بالخير. * * * (8) باب ما تجب فيه الزكاة من العين والمواشي والحبوب، وما لا تجب فيه 726 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس فيما دون ¬
خمسِ ذَوْدٍ من الإبل صدقةٌ، وليس فيما دون خمس أَوَاقٍ من الوَرِقِ صدقة، وليس فيما دون خمسة أَوْسُق من التمر صدقة". 727 - وعن أنس: أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لمَّا وجهه إلى البحرين: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر اللَّه به ورسوله (¬1)، فمن سُئِلَهَا من المسلمين على وجهها فليُعْطِها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمسٍ شاةٌ، إذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لَبُونٍ أنثى، فإذا بلغت ستة (¬2) وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جَذَعَةٌ. فإذا بلغت -يعني: ستة (¬3) وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حِقَّتَانِ طَرُوقتا الجَمَلِ، فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنتُ لَبُونٍ، وكل خمسين حِقَّةٌ. ¬
ومن لم يكن معه إلا أَرْبَعٌ من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة. وفي صدقة الغنم، في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة شَاةٌ. فإذا زادت على عشرين ومئة إلى مئتين شاتان. فإذا زادت على مئتين إلى ثلاث مئة ففيها ثلاث. فإذا زادت على ثلاث مئة ففي كل مئة شاة، فإذا كانت سائمة الرَّجُل ناقصة من أربعين شاةً فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، وفي الرِّقَةِ رُبعُ العُشْرِ، فإن لم تكن إلا تسعين ومئة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. 728 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه، إلا أن يشاء ربها (¬1) ". الغريب: "الذَّوْدُ": ما بين الثنتين إلى التسع من الإناث. قاله أبو عبيد. وقال الأصمعي: ما بين الثلاث إلى العشر. ولا يقال على الواحد ذودٌ في قول أكثر اللغويين، وقد حُكي، واستدل عليه بقولهم: الذود إلى الذود [إبل] (¬2)، وفيه نظر. ¬
9 - باب وسم الإمام إبل الصدقة
و"الأَوْسُق ": جمع وَسْق -بفتح الواو- كفَلْس وأَفْلُس، ويقال بكسرها، وتجمع: أوساق؛ كعَدْل وأَعْدال. والوَسْق ستون صاعًا، والصاع أربعة أَمْداد، والمُدّ رطل وثلث بالعراقي. و"بنت المَخَاضِ": هي التي دخلت في السنة الثانية إلى استكمالها. و"المخاض": الحَمْلُ. و"بنت اللَّبُونِ": هي التي استحقت أن يطرقها الفحل، ويُحمل عليها الحمل، وهي التي دخلت في الرابعة إلى استكمالها. و"الجَذَعَة": هي التي في الخامسة إلى استكمالها، وهي آخر سنٍّ يجب في الزكاة. و"الوَرِق" بكسر الراء: الدراهم، ويقال بإسكانها، وهي أيضًا: الرِّقَةُ -بتخفيف القاف- قال بعض أهل اللغة: يقال على غير الدراهم: وَرِق ولا رِقَة. وقد قال ابن قتيبة: يقال على الفضة مسكوكها وغير مسكوكها. * * * (9) باب وَسْمِ الإمام إبل الصدقة 729 - عن أنس بن مالك قال: غَدَوْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعبد اللَّه بن ¬
10 - باب وجوب الزكاة في البقر، وما لا يؤخذ في الصدقة
أبي طلحة ليحنكه، فوافيته في يده المِيسَمُ (¬1) يَسِمُ إبلَ الصدقة. * * * (10) باب وجوب الزكاة في البقر، وما لا يؤخذ في الصدقة 730 - عن أبي ذر قال: انتهيت إليه قال: "والذي نفسي بيده -أو: "والذي لا إله غيره"، أو كما حلف- ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدِّي حقها إلا أُتِيَ بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بأَخْفَافِهَا وتنطحه بقرونها، كلما جَازَتْ آخرها (¬2) ردت عليه أُولَاها حتى يُقْضَى بين الناس". وقد رواه من طريق أخرى، وصرّح فيها برفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). ¬
731 - ومن حديث أنس: أن أبا بكر كتب له التي أمر اللَّه ورسوله (¬1): "ولا يُخْرَجُ من الصدقة (¬2) هَرِمَةٌ، ولا ذاتُ عَوَادٍ، ولا تَيْسٌ، إلا ما شاء المصدِّق". 732 - ومن حديث أبي بكر: واللَّه لو منعوني عَنَاقًا كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها. 733 - ومن حديث معاذ: أنه عليه السلام قال له: "إيَّاك وكرائمَ أموالِهِمْ، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب". الغريب: "الهَرِمَة": المُسِنَّة. و"العَوار" بفتح العَيْن: العيب. و"العَنَاق" بالفتح: ¬
11 - باب حكم من وجبت عليه سن فوجد عنده غيرها، ولا يجمع بين مفترق
من أولاد المعز، و"الجَذَع": من أولاد الضأن. و"كرائم المال": خِياره. * * * (11) باب حكم من وجبت عليه سِنٌّ فوجد عنده غيرها، ولا يجمع بين مُفْتَرق 734 - من حديث أنس: "ومن بلغت (¬1) عنده من الإبل صدقةُ الجَذَعَة، وليست عنده جَذَعة وعنده حِقَّةٌ، فإنها تقبل منه (¬2) ويَجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهمًا. ومن بلغت عنده صدقةُ الحِقَّة، وليست عنده الحِقَّةُ وعنده الجَذَعَةُ، فإنها تقبل منه الجَذَعَة، ويعطيه المُصدِّقُ عشرين درهمًا أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقَّة، وليس عنده إلا بنتُ لَبُون فإنها تقبل منه بنت لبونٍ ويعطي شاتين أو عشرين دِرْهَمًا، ومن بلغت صدقتُه بنتَ لَبُونٍ، وعنده حقَّة، فإنها تقبل منه الحقَّة، ويعطيه المُصَدِّقُ عشرين درهمًا أو شاتين. ومن بلغت صدقته بنتَ لبونٍ، وليست عنده، وعندَهُ بنتُ مَخَاضٍ، فإنها تُقْبَلُ منه (¬3)، ويعطِي معها عشرينَ درهمًا، أو شاتين". ¬
12 - باب ما يجب فيه العشر، ونصف العشر، وذكر الخرص
في رواية (¬1): "ولا يُجْمَعُ بين مُفْتَرِق (¬2) ولا يُفَرَّقُ بين مجتمع خشية الصدقة". * * * (12) باب (¬3) ما يجب فيه العُشْر، ونصف العشر، وذكر الخَرْصِ 735 - عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فيما سَقَتِ السماءُ والعيون أو كان عَثَرِيًّا العُشر، وما سقي بالنَّضْحِ نصفُ العُشْر". 736 - وعن أبي حميد السَّاعِديِّ قال: غزونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غزوة تبوك، فلما جاء وادي القُرى إذا امرأةٌ في حديقة لها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: "اخرصوا"، وخَرَصَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرةَ أَوْسُقٍ فقال لها: "أَحْصِي ما يخرج منها" وذكر الحديث وسيأتي، وفيه: فجاء عشرة أوسق خَرْص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
13 - باب كراهية المسألة، وفضل الاستعفاف عنها
الغريب: "العَثَرِيُّ" -بالثاء المثلثة- يحتمل أن يقال: هو الذي يَشرب بعروقه، وهو المسمى بالبعل في الرواية الأخرى. وقال أكثرهم: هو الذي يشرب بماء السماء، الذي يكسر حوله الأرض، ويعثر جريه إلى الأصول بتراب. و"النَّضْحُ": الاستقاء بالنواضح وهي الإبل التي يستقى عليها الماء. و"الخَرْصُ" بالفتح: التقدير، وهو المصدر، وبالكسر: اسمُ الشيء المَخْرُوصِ. * * * (13) باب (¬1) كراهية المسألة، وفضل الاستعفاف عنها 737 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعَةُ لَحْمٍ (¬2) ". ¬
738 - وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال". 739 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ ثم يغدو -أحسبه قال: "إلى الجبل"- فيحتطب فيبيع، فيأكل ويتصدق، خَيْرٌ لَهُ من أن يسأل الناس". 740 - وعن أبي سعيد الخدري: أنَّ ناسًا من الأنصار سألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِدَ ما عنده، فقال: "ما يكون عندي من خير فلن أَدَّخِرَهُ عنكم، ومن يَستعففْ يُعِفَّه اللَّه، ومن يستغنِ يُغْنِهِ اللَّه (¬1)، ومن يتصَبَّر يصبِّره اللَّه، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرَا وأوسع من الصبر". 741 - وعن حكيم بن حزام قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاني، ثم ¬
سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم" إنَّ هذا المال خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمن أخذه بِسَخَاوَةِ نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشْرَافِ نفسٍ لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى". قال حكيم: فقلت: يا رسول اللَّه! والذي بعثك بالحق، لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر (¬1) يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله، ثم إن عمر (¬2) دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أُشهِدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أَعْرِضُ عليه حَقَّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يَرْزَأْ حكيمٌ أحدًا من الناس (¬3) بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تُوفي. الغريب: "قيل وقال"؛ يعني به: الخوض في الكلام وكثرته. و"إضاعة المال": إتلافه، وإنفاقه في المعاصي والسَّفَهِ. و"المُزْعَةُ": القطعة المُقَطَّعة، مزعْتُ اللحم: قطعته. و"سخاوة النفس": تساهلُها ورِفْقُها في الأخذ. ¬
14 - باب من أحق بالصدقة؟
و"إشراف النفس": تشوُّقها للأخذ وحرصُها. و"لا أرزأ": لا أَنْقُصُ، وهو مهموز. * * * (14) باب (¬1) من أحق بالصدقة؟ 742 - عن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يغنيه، ولا يُفْطَنُ به فيُتَصَدَّقُ عليه، ولا يقوم فيسألُ الناس". وفي رواية (¬2): "لا يسألُ الناس إلْحَافًا". 743 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَهْطًا وأنا جالس فيهم، قال: فترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا منهم لم يُعْطِهِ، وهو أعجبهم ¬
إليَّ، فقمت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فساررته فقلت: مالك عن فلان؟ واللَّه إني لأراه مؤمنًا؟ قال: "أو مُسْلِمًا" قال: فسكتُّ قليلًا، ثم غلبني ما أعلم فيه فقلت: يا رسول اللَّه! مالك عن فلان؟ واللَّه إني لأراه مؤمنًا. قال "أو مسلمًا" قال: فسكتُّ قليلًا ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يا رسول اللَّه، مالك عن فلان؟ واللَّه إني لأراه مؤمنًا؟ قال "أو مُسْلِمًا، إني لأعطي الرجلَ وغيرُهُ أحبُّ إليَّ منه، خشيةَ أن يُكَبَّ في النار على وَجْهِهِ". وفي رواية: قال: فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال "اقبلْ، أيْ سعد! إني لأعطي الرجل. . . " (¬1). * تنبيه: اختلف الرواة في هذا اللفظ، فعند ابن منظور: "اقبل أي سعد" من القبول، أَمَرهُ به. وعند شريح: "أقبل" على الاستفهام. وكأنها تصحيف، والصواب ما وقع في "كتاب مسلم" (¬2): "أقتالًا أيْ سعد" على المصدر؛ أي: أتقاتلني قتالًا، ويصح فيه مفعول (¬3) واللَّه أعلم. * * * ¬
15 - باب أخذ صدقة التمر عند الصرام ومن باع ثمره بعد وجوب زكاة ماله
(15) باب أخذ صدقة التمر عند الصِّرَامِ ومن باع ثمره بعد وجوب زكاة ماله 744 - عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره، وهذا من تمره، حتى يصير عنده كَوْمًا من تمر، فجعل الحسنُ والحسين (¬1) يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرةً فجعلها (¬2) في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخرجها من فيه فقال: "أما علمت أنَّ آل محمد لا يأكلون صدقة (¬3) ". وفي رواية (¬4): قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "كِخْ كِخْ، اطرحها (¬5)، أما شعرت أَنَّا لا نأكل الصدقة". 745 - وعن ابن عمر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثمرة حتى يبدو ¬
16 - باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز للغني أن يأكل منها، ودعاء الإمام للمتصدق، واستعماله عليها، ومحاسبة العامل
صلاحها، وكان إذا سئل عن صلاحها قال: "حتى تذهب عاهته". قال البخاري (¬1): فلم يحظر البيع بعد الصلاح على أحد، ولم يَخُصَّ من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب. * * * (16) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز للغَنِيِّ أن يأكل منها، ودعاء الإمام للمتصدِّق، واستعماله عليها، ومحاسبة العامل 746 - عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على عائشة (¬2) فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقالت: لا، إلا شيء بعثت به (¬3) نُسَيْبَةُ من الشاة التي بَعَثْتَ بها من الصدقة. فقال: "إنها قد بلغت محلها" (¬4). ¬
17 - باب النهي عن العود في الصدقة، ومن يجوز له شرب ألبانها
747 - وعن أنس: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ بلَحْمٍ تُصَدِّقَ به على بَرِيرَةَ فقال: "هو عليها صدقة، ولنا هدية". 748 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل على آل فلان" فاتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صَلِّ على آل أبي أَوْفَى". 749 - وعن أبي حُمَيْدٍ الساعدي قال: استعمل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا (¬1) من الأَسْدِ على صدقات بني سُلَيْمٍ يدعى ابن اللُّتْبِية فلما جاء حاسبَهُ. * * * (17) باب النهي عن العَوْدِ في الصدقة، ومن يجوز له شرب ألبانها 750 - عن ابن عمر: أنَّ عمر تَصَدَّق بفرسٍ في سبيل اللَّه، فوجده ¬
يباع، فأراد أن يشتريه، ثم أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأذنه (¬1)، فقال: "لا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ". وفي لفظ آخر (¬2): قال عمر: حَمَلْتُ على فَرَسٍ في سبيل اللَّه، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننتُ أنه بائعه (¬3) برُخْصٍ، فسألت النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لا تشتره (¬4)، ولا تَعُدْ في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم؛ فإنَّ العائدَ في صدقته كالعائد في قَيْئهِ". 751 - وعن أنس: أن ناسًا من عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا المدينة، فرخَّص لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأتوا إبلَ الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها. . .، وسيأتي الحديث. "اجْتَوَوْا"؛ أي: لم توافقهم في صحتهم ونحوه. ¬
18 - ما جاء في الركاز والمعدن، وما يجب فيهما
"اسْتَوْخَم": استَوْبَلَ. * * * (18) ما جاء في الرِّكَازِ والمَعْدِنِ، وما يجب فيهما 752 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العَجْمَاءُ جُبَارٌ، والبئر جُبار، والمعدن جُبار، وفي الركاز الخُمُس". تفسير: قال مالك وابن إدريس: "الرِّكاز": دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخُمُسُ، وليس المعدن بركاز. وقال ابن عباس: ليس العَنْبَرُ بركاز بل هو شيء دَسَرَهُ البحر. وقال الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس. وقال أيضًا: ما كان من ركازٍ في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان في أرض السِّلْمِ ففيه الزكاة، وإن وَجَدْتَ اللقطةَ في أرض العدو فعرَّفها فإن كانت من العدو ففيها الخمس. وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مئتين خمسةً. قال البخاري: وقال بعض الناس: المعدن ركاز مثلُ دفن الجاهلية؛ _______ 752 - خ (1/ 465)، (24) كتاب الزكاة، (66) باب في الركاز الخمس، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به، رقم (1499)، طرفه في (2355، 6913).
19 - باب فرض صدقة الفطر، ومما يخرج، وعمن يخرج، ومتى يخرج
لأنه يقال: أَرْكَزَ المعدنُ: إذا خرج منه شيء. قيل له: فقد يقال من وهب له الشيء، أو ربح ربحًا كثيرًا، أو كَثُرَ ثَمرُه: أركز، ثم ناقض وقال: لا بأس أن يكتمه ولا يؤدي الخمس (¬1). و"الجُبَار": الذي لا قَوَدَ فيه ولا دية. * * * (19) باب (¬2) فرض صدقة الفطر، ومما يخرج، وعمن يخرج، ومتى يخرج 753 - عن ابن عمر قال: فرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر (¬3)، أو صاعًا من شعير، على العبد وعلى (¬4) الحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة. ¬
وفي رواية (¬1): أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بزكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير. قال عبد اللَّه: فجعل الناس عِدْلَهُ مُدُّيْنِ (¬2) من حنطةٍ. وفي أخرى (¬3): فرض رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- صدقة الفطر، أو قال: رمضان. وذكر نحو ما تقدم، وزاد: وكان (¬5) ابن عمر يعطي التمر، فَاعْوَزَ (¬6) أهلُ المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا. فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير. قال نافع (¬7): حتى إن كان يُعْطِي عن بَنِيَّ. وكان ابن عمر يعطيها الذي يقبلونها، وكانوا يُعْطَوْنَ قبل الفطر بيوم أو يومين. 754 - وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نُخْرِجُ زكاة الفطر صاعًا من ¬
طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أَقِطٍ، أو صاعًا من زبيب. وفي رواية (¬1): كنا نعطيها في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب. فلما جاء معاويةُ وجاءت السَّمْرَاءُ (¬2) فقال (¬3): أُرَى مُدًّا من هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. "الأَقِطُ": لبنٌ أُخْرِجَ زُبْدُهُ، فيجفف فيتكسر ويعود كالنشا المُنَيَّش. * * * ¬
20 - كتاب الصيام
(20) كتاب الصيام
1 - باب فرض الصيام وفضله
(20) كتاب الصيام (1) باب فرض الصيام وفضله 755 - عن طلحة بن عبيد اللَّه: أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثائر الرأس فقال: يا رسول اللَّه، أَخْبِرْنِي ماذا فرض اللَّه عليَّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس، إلا أن تَطَّوَّع شيئًا". فقال: أخبرني بما فرض اللَّه علي من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان، إلا أن تَطَوَّع شيئًا". فقال: أخبرني بما فرض اللَّه علي من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشرائع الإسلام. قال: والذي أكرمك (¬1) لا أتطوع شيئًا ولا أنقص شيئًا مما فرض اللَّه ¬
عليَّ شيئًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلح إن صدق" أو: "دخل الجنة إن صدق". 756 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "الصيام جُنَّةٌ. فلا يرفثْ ولا يجهلْ، وإن امرؤٌ قَاتَلَهُ أو شَاتَمَهُ فليقل: إني صائم -مرتين- والذي نفسي بيده، لَخُلُوفُ فَمِ الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك؛ يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعَشْرِ أمثالها". وفي رواية (¬1): "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. . . "، وذكر نحوه وقال في آخره: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه". 757 - وعن سهل -هو ابن سعد- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه غيرهم، ¬
فإذا دخلوا أغلق (¬1) فلم يدخل منه أحد". 758 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أنفق زوجين في سبيل اللَّه نودي من أبواب الجنة: يا عبدَ اللَّه هذا خيرٌ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعِيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة" فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، ما على من دُعِيَ من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم، وأرجو أن تكون منهم". الغريب: "الفَلَاح": الظَّفَرُ بالمطلوب والنجاة من المكروه، و"الجُنَّةُ": الوقاية والساتر، و"الرَّفَث" في القول: السفه والسخف، و"قاتله": دافعه مدافعة المُقاتِل، و"الخُلُوف" بضم الخاء: رائحة الفم الكريهة. وقوله: "الصيام لي" إضافةُ تخصيصٍ وتشريف، وقيل: إن فائدتها إنه لا يؤخذ الصوم من فاعله عند مقاصَّة القيمة، و"رَيَان": فعلان من الرِّيّ الذي هو ضد العطش، ومؤنثه: ريّا، على فَعلَى. و"الزوجان": شيئان من نوع واحد. * * * ¬
2 - باب الحسبة والنية في الصوم، والحال التي ينبغي للصائم أن يكون عليها، وجواز قول رمضان من غير شهر
(2) باب الحسْبَةِ والنيَّةِ في الصوم، والحال التي ينبغي للصائم أن يكون عليها، وجواز قول رمضان من غير شهر 759 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". 760 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان (¬1) فُتِّحَتْ أبواب السماء -في رواية (¬2): وغلِّقت أبواب جهنم- وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". 761 - عن ابن عباس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود الناس ¬
3 - باب ما يجتنبه الصائم، وما يجوز له فعله
بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل (¬1) يلقاهُ كلَّ ليلةٍ في رمضان حتى يَنْسَلِخَ، يعرض عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل (¬2) كان أجود بالخير من الريح المُرْسَلَةِ (¬3). * * * (3) باب ما يجتنبه الصائم، وما يجوز له فعله 762 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لم يدع قولَ الزُّورِ والعملَ به، فليس للَّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". 763 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَبِّلُ ويباشر وهو صائم ¬
وكان أَمْلَكَكَم لإِرْبِهِ. وفي رواية (¬1): كان يُقَبِّلُها وهو صائم. 764 - وعنها عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "السواك مَطْهَرةٌ للفم، مرضاة للرب". وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه. وقال عليه الصلاة والسلام (¬2): "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء"، ولم يخص الصائم من غيره. وقال ابن عمر (¬3): يستاك أول النهار وآخره، وقال ابن سيرين: لا بأس بالسواك الرَّطْبِ. قيل: له طعم. قال: والماء له طعم، وأنت تمضمض به. 765 - وعن ابن مسعود قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من استطاع الباءة ¬
فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاءٌ". وقال ابن عباس: لا بأس أن يَتَطَعَّمَ القِدْرَ والشيء، وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم، وقال ابن مسعود: إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينًا مترجلًا، وقال أنس: إنَّ ليَ أَبْزَنَ أتقَحَّمُ فيه وأنا صائم. الغريب: "الزُّور": الكذب والباطل. و"المباشرة": التقاء البشرتين، والبشرة: ظاهر الجلد، والأَدَمةُ: باطنه، وأصل القبلة: وضع الفم على الفم. و"الإرْب": الحاجة للنساء، وأصله العضو، ويقال بفتح الهمزة وكسرها، ويجمع: آراب، ويفيد قولها: أن من لم يملك نفسه لا يجوز له أن يقبل وهو صائم. و"المَرْضَاة": الرضا. و"الباءة" ممدود، وهو كناية عن النكاح، ويقال: باءة ومَبَاءة. والمرأة مباءة الرجل؛ أي: محل نكاحه، وأصله: المنزل، وهو من ثبوت الموضع؛ أي: اتخذته منزلًا. و"الوِجَاء" بكسر الواو والمدّ-: رضُّ الأُنْثَيَيْنِ، والخِصَاء: إخراجها. _______ = في (5065، 5066).
4 - باب الصوم والفطر للرؤية، فإن تعذرت كملت عدة شعبان ئلائين، ولا اعتبار بالحساب
و"الأَبزن": كالقصرية، يغتسل فيه، بفتح الهمزة، وقيَّده أبو ذر بكسرها. وقال: وهو فارسي. * * * (4) باب الصوم والفطر للرؤية، فإن تعذّرت كملت عدّة شعبان ئلائين، ولا اعتبار بالحساب وقال عمار بن ياسر (¬1): من صام يوم الشك، فقد عصى أبا القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-. 766 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تَرَوُا الهلالَ، ولا تفطروا حتى تَرَوْه، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له". وفي رواية (¬2): "فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". 767 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". ¬
768 - وعن أم سلمة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- آلى من نسائه شهرًا، فلمّا مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا -أو راح- فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهرًا، فقال "إن الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا". 769 - ونحوه عن أنس، غرِ أنه قال: انفكت رجله فأقام في مَشْرُبَةٍ تسعة وعشرين ليلة، ثم نزل. . .، وذكر نحوه. 770 - وعن ابن عمر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إنَّا أُمَّهٌ أُمِّيَّةٌ، لا نكتب، ولا نَحْسِبُ، الشهر هكذا وهكذا" -يعني: مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. الغريب: "غُمَّ": غطِّي، و"غُبّيَ": خفي، و"اقدروا" مخففًا -بضم الدال وكسرها- بمعنى: حقّقوا مقادير أيام شعبان، كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى. و"المَشْرُبَة": الغُرْفَة، وأصلها: الموضع الذي يشرب فيه، ويقال _______ 768 - خ (2/ 33)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن جريج، عن يحيى بن عبد اللَّه بن صيفي، عن عكرمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة به، رقم (1910)، طرفه في (5202). 769 - خ (2/ 33)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سليمان بن بلال، عن حميد، عن أنس به، رقم (1911). 770 - خ (2/ 33)، (30) كتاب الصوم، (13) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكتب ولا نحسب"، من طريق شعبة، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، عن ابن عمر به، رقم (1913).
5 - باب لا ينقص ثواب الشهر وإن نقص عدد أيامه، والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم
بضم الراء وفتحها. والأُمَّة: هنا الجماعة من الناس، ويعني بها: جماعة العرب، والأُمِّيّ: الذي لا يكتب كأنه بقي على أصل ولادة الأم، وهو الغالب على العرب. * * * (5) باب لا ينقص ثواب الشهر وإن نقص عدد أيامه، والنهي عن أن يتقدّم رمضان بصوم 771 - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شهران لا يَنْقُصَان، شهرا عيدٍ: رمضان وذو الحجة". 772 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يتقدمَنَّ أحدكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلا رجل كان (¬1) يصوم صومه فليصم ذلك اليوم". ¬
6 - باب قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]
"لا ينقصان"؛ قيل: لا يجتمع نقصُهما في سنة واحدة، وقيل: لا ينقص ثوابهما وإن نقص عددهما. * * * (6) باب قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] 773 - عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب محمَّد (¬1) إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صِرْمَةَ الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا, ولكن أنطلق فأطلبُ لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: ¬
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. 774 - وعن عَدِيِّ بن حاتم قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] عَمَدْتُ إلى عِقَالٍ أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليلة فلا يستبينُ لي، فغدوت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار". 775 - وعن سهل بن سعد قال: أنزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل: {مِنَ الْفَجْر}، وكان (¬1) رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه (¬2) الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال (¬3) ¬
7 - باب بركة السحور وتأخيره وإنه مندوب إليه
يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل اللَّه بعدُ: {مِنَ الْفَجْر} فعلموا أنما يعني (¬1) الليلَ والنهار. و{الرَّفَثُ}: هنا كناية عن الجماع، و"العِقَال": ما يُعقل به البعير من حبل وغيره. * * * (7) باب بركة السحور وتأخيره وإنه مندوب إليه 776 - عن أنس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحُورِ بركة". 777 - وعن زيد بن ثابت قال: تَسَحَّرْنَا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خَمْسِينَ آيةً. 778 - وعن سهل بن سعد قال: كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السحور مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
8 - باب الصائم يصبح جنبا أو يأكل أو يشرب ناسيا أو يفطر قبل غروب الشمس
"السَّحُور" بفتح السين: اسم ما يؤكل وقت السَّحر، ويضمها: المصدر وهو الفعل. و"البركة" هنا: زيادة القوة على الصوم. والأمر بالسحور وتأخيرِه على وجه الندب، واللَّه أعلم، وقد تقدم قوله عليه الصلاة والسلام: "إن بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" (¬1). * * * (8) باب الصائم يصبح جنبًا أو يأكل أو يشرب ناسيًا أو يفطر قبل غروب الشمس 779 - عن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان: أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جُنب ¬
من أهله، ثم يغتسل ويصوم، فقال (¬1) مروان لعبد الرحمن (¬2): أقسم باللَّه لتُقَرِّعنَّ بها أبا هريرة -ومروان يومئذ على المدينة- فقال أبو بكر: وكره (¬3) ذلك عبد الرحمن. ثم قُدِّرَ لنا أن نجتمع بذي الحُلَيْفَة -وكانت لأبي هريرة هنالك أرض- فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمرًا, ولولا مروان أقسم عليّ فيه لم أذكره لك، فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس، وهو أعلم (¬4). قال البخاري: وقال همام وابن عبد اللَّه بن عمر عن أبي هريرة: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر بالفطر. والأول أسند. 780 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا نسي فأكل أو شرب فليُتِمَّ صومه، فإنما أطعمه اللَّه وسقاه". وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك، وقال الحسن: إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه. وقال الحسن ومجاهد: إن جامع ناسيًا فلا شيء عليه (¬5). ¬
9 - باب وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان متعمدا
781 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم غَيْمٍ، ثم طلعت الشمس، قيل (¬1) لهشام: فأُمروا بالقضاء؟ قال: [لا] بُدَّ من قضاء. وقال مَعْمَرٌ: سمعت هشامًا يقول (¬2): لا أدري، أَقَضَوْا أم لا؟ * * * (9) باب وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان متعمدًا 782 - عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه! هلكت، قال "مَا لَكَ؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تَجِدُ رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: ¬
10 - باب الحجامة والقيء للصائم
لا، قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ " قال: لا. قال: فمكث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعَرَقٍ فيها تمر -والعَرَقُ المِكْتَلُ- قال: "أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: "خذ هذا فتصدق به"، فقال الرجل: أَعَلَى أفقرَ مني يا رسول اللَّه؟ فواللَّه ما بين لَابَتَيْهَا -يريد الحَرَّتَيْنِ- أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". 783 - ومن حديث عائشة: أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إنه احترق. قال: "ما لك؟ " قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمِكْتَلٍ يُدْعَى العَرَق، فقال: "أين المحترق؟ " قال: أنا، قال: "تصدق بهذا". * * * (10) باب الحجامة والقيء للصائم قال أبو هريرة (¬1): إذا قاء فلا يفطر إنما يُخْرِجُ ولا يُوليُ، ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر، والأول أصح. وقال ابن عباس وعكرمة: الصوم مما دخل وليس مما خرج، وكان ابن ¬
11 - باب الصيام في السفر والإفطار وحكم من أجهده الصيام ومتى يفطر الصائم
عمر يحتجم وهو صائم ثم تركه، وكان يحتجم بالليل، واحتجم أبو موسى ليلًا. ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة احتجموا صيامًا، وقالت أم علقمة: كنا نحتجم عند عائشة فلا ننهى. ويُروى عن الحسن عن غير واحد مرفوعًا: "أفطر الحاجم والمحجوم"، قيل للحسن: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم، ثم قال: اللَّه أعلم. 784 - وسئل أنس بن مالك: كنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ، قال: لا، إلا من أجل الضعف. * * * (11) باب الصيام في السفر والإفطار وحكم من أجهده الصيام ومتى يفطر الصائم 785 - عن ابن أبي أوفى قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فقال لرجل: "أنزل فَاجْدَحْ لي" قال: يا رسول اللَّه! الشمس، قال: "أنزل فاجدح لي"، قال: يا رسول اللَّه! الشمس، قال: "أنزل فاجدح لي" فنزل فَجَدَحَ له، _______ 784 - خ (2/ 42)، (30) كتاب الصوم، (32) باب الحجامة والقيء للصائم، من طريق شعبة، عن ثابت البناني، عن أنس به، رقم (1945). 785 - خ (2/ 42 - 43)، (30) كتاب الصوم، (33) باب الصوم في السفر والإفطار، من طريق سفيان، عن أبي إسحاق الشيباني، عن ابن أبي أوفى به، رقم (1941)، طرفه في (1955، 1956، 1958، 5297).
فشرب ثم رمى بيده هاهنا (¬1)، ثم قال: "إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم". 786 - وفي رواية: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم". وأفطر أبو سعيد حين غاب قرص الشمس (¬2). 787 - عن حمزة بن عمرو الأسلمي، أنه قال: يا رسول اللَّه! إني أَسْرُدُ الصوم -في رواية (¬3): أصوم (¬4) في السفر؟ - وكان كثير الصيام، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". 788 - وعن ابن عباس قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المدينة إلى مكة ¬
-في رواية (¬1): في رمضان- فصام حتى بلغ عُسْفَان -في رواية (¬2): الكَدِيدَ- ثم دعا بماءٍ فرفعه إلى يده ليريه الناس، فأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر (¬3). 789 - وعن أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض أسفاره في يوم حارٍّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم، إلا ما كان من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وابن رواحة. 790 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ¬
12 - باب نسخ الفدية ومتى يقضى رمضان
سفر، فرأى زِحَامَا ورجلًا قد ظلَّل عليه، فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: صائم، فقال: "ليس من البر الصوم في السفر" (¬1). 791 - وعن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع رسول اللَّه (¬2) صلى اللَّه عليه وسلم، فلم يَعِبِ الصائمُ على المفطر، ولا المفطر على الصائم. "الجَدْحُ" بالجيم والحاء المهملة: خلط الماء باللبن، و"المِجْدَحُ": العُوَيْد الذي يخلط به. * * * (12) باب نسخ الفدية ومتى يُقضَى رمضان قال ابن عمر وسَلَمةُ بن الأكوع: نسختها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى قوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. ¬
وقال ابن أبي ليلى (¬1): حدثنا أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّصَ لهم في ذلك، فنسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فأُمِرُوا بالصوم. 792 - وعن عائشة قالت: كان يكونُ عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان. قال يحيى: الشغل من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال ابن عباس: لا بأس أن يُفَرَّقَ لقول اللَّه عز وجل {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. وقال سعيد بن المسيب في صوم العَشْرِ: لا يَصْلُحُ حتى يبدأ برمضان. وقال إبراهيم: إذا فرَّط حتى جاء رمضانُ آخَرُ يصومهما, ولم ير عليه طعامًا. ويذكر عن أبي هريرة مرسلًا وابن عباس: أنه يُطْعِمُ، ولم يذكر اللَّه الإطْعَامَ (¬2). * * * ¬
13 - باب من مات وعليه صيام
(13) باب من مات وعليه صيام وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا أجزأ (¬1). 793 - عن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه". 794 - وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضيه عنها؟ ، قال: "نعم -قال (¬2) - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أن يُقْضَى". وفي رواية (¬3): قالت امرأة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أختي ماتت. وفي أخرى (¬4): إن أمي ماتت وعليها صوم نذر. ¬
14 - باب كراهية الوصال مخافة الضعف، والوقت الذي يجوز الوصال إليه
وفي أخرى (¬1): عليها صوم خمسة عشر يومًا. . .، وذكر نحوه. * * * (14) باب كراهية الوصال مخافة الضعف، والوقت الذي يجوز الوصال إليه 795 - عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تواصلوا" قالوا: إنك تواصل. قال: "لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطْعَمُ وأُسْقَى" أو: "إني أبيت أُطْعَمُ وأُسْقَى". 796 - ونحوه عن ابن عمر، غير أنه قال: "أُطعم وأسقى" ولم يشك. 797 - وعن أبي هريرة قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الوصال في الصوم، ¬
فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول اللَّه! قال "وأيكم مِثْلِي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" فلما أَبَوْا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا ثم يومًا. ثم رأوا الهلال فقال: "لو تأخر لزدتكم" كالمُنَكِّلِ لهم حين أبوا أن ينتهوا. وفي رواية (¬1): قال عليه السلام "إياكم والوصال، إياكم والوصال" قيل: إنك تواصل، قال: "إني أَبِيتُ يُطْعِمُنِي ربي ويسقيني، فَاكْلَفُوا من العمل ما تُطِيقُونَ". 798 - وعن عائشة قالت: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الوصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل. وذكر نحوه. 799 - وعن أبي سعيد الخدري: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تواصلوا، فايكم أراد أن يواصل، فليواصل حتى السَّحَر". ¬
15 - باب من أقسم على أخيه ليفطرن في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له
قوله: "يطعمني ربي ويسقيني": لا يصح حملُه على حقيقة ظاهره، إذ لو كان ذلك لما كان مواصلًا للصيام. فمعناه -واللَّه أعلم-: أن اللَّه يخلق فيه قوة من أطعم وسقى عند رؤية ذلك في المنام، وهذا أولى ما قيل فيه. * * * (15) باب من أقسم على أخيه ليُفْطِرَنَّ في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له 800 - عن عون بن أبي جُحَيْفَة عن أبيه قال: آخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء؛ فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُبْتَذِلَةً (¬1)، فقال لها: ما شأنك؟ ، قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال (¬2): كُلْ. قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. فأكل (¬3)، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: ثم، فنام. ثم ذهب يقوم قال (¬4): ثم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: ¬
16 - باب صوم شعبان، وكيف كان صيام النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا, ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا، فأَعْطِ كل ذي حق حقه، فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذَكَر ذلك له، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدق سلمان". * * * (16) باب صوم شعبان، وكيف كان صيام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ 801 - عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. وفي رواية (¬2): فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن اللَّه لا يَملُّ حتى تملوا" وأحبُّ الصلاة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما دُووِمَ عليه وإن قَلَّتْ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. 802 - وعن ابن عباس قال: ما صام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا كاملًا غير (¬3) ¬
17 - باب ما جاء في صوم الدهر وأفضل الصوم
رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا واللَّه لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا واللَّه لا يصوم. 803 - وعن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظنَّ ألا يفطر منه شيئًا، وكان لا تشاء تراه من الليل مُصَلِّيًّا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته. وفي رواية (¬1): قال أنس: ما كنت أُحِبُّ أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته؛ (ولا من الليل قائمًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته) (¬2)، ولا مَسِسْتُ خَزًّا ولا حريرةً ألين من كف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا شَمِمْتُ مِسْكَةَ ولا عنبرة (¬3) أطيب رائحة من رائحة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (17) باب ما جاء في صوم الدهر وأفضل الصوم 804 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
"يا عبد اللَّه! أَلَمْ أُخْبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ " فقلت: بلى يا رسول اللَّه! قال: "فلا تفعل، صُمْ وأَفْطِر، وقُمْ ونَمْ، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينيك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزَوْرِكَ عليك حقًّا، وإن بِحَسْبِكَ أن تصوم من (¬1) كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشر أمثالها، فإذًا ذلك صيام الدهر كله"، فَتَشَدَّدْتُ فشُدِّدَ عَلَيَّ، قلت: يا رسول اللَّه! إني أجد قوة، قال: "فصم صيام نبي اللَّه داود عليه السلام، لا تزد عليه" قلت: وما كان صيام نبي اللَّه داود عليه السلام؟ قال: "نصف الدهر" فكان عبد اللَّه يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلتُ رخصة رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية (¬3): قال عبد اللَّه بن عمرو: أُخْبِر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني أقول: واللَّه لأصومَنَّ النهار ولأقومن الليل ما عشت. فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر" قلت: إني أُطِيقُ أفضل من ذلك، قال: "فصم يومًا وأفطر يومين" قلت إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فصم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام، ¬
وهو أفضل الصيام"، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أفضل من ذلك". وفي رواية (¬1): قال: "فصم صيام داود عليه السلام" قال: وكيف؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا, ولا يفر إذا لاقى" قال: من لي بهذه يا نبي اللَّه؟ -قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد- قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صام من صام الأبد" مرتين. وفي رواية (¬2): ذكر: "واقرأ القرآن في كل شهر" قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال: "في ثلاث". وفي رواية (¬3): قال: ذُكِرَ له صومي، فدخل عليَّ، فألقيت له وسادة من أَدَمٍ حشوها لِيفٌ، فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال: "أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ " قال: قلت: يا رسول اللَّه! قال: "خمسًا" قلت: يا رسول اللَّه! قال: "سبعًا". قلت: يا رسول اللَّه! قال "تسعًا". قلت: يا رسول اللَّه! قال: "إحدى عشرة" ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صوم فوق صوم داود ¬
18 - باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم آخر الدهر
عليه السلام: شَطْرَ الدهر، صم يومًا وأفطر يومًا". * * * (18) باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم آخر الدهر 805 - عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. 806 - وعن عمران بن حصين، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أنه سأله -أو سأل رجلًا وعمران يسمع- فقال: "يا فلان! أما صُمْتَ سَرَرَ هذا الشهر؟ " -وفي رواية (¬1): "من سرر شعبان؟ "- قال الرجل: لا يا رسول اللَّه، قال: "فإذا أفطرت فصم يومين". "سَرَر الشهر"، وسُرُّه: آخره، وهو حين يستسِرُّ القمر، وربما اسْتَسَرَّ ليلتين، وربما استَسَرَّ ليلة. قلت: وإنما أمره بصوم يومين من شوال ليكونا عوضًا عن آخر يوم ¬
19 - باب ما جاء في صيام يوم الجمعة ويوم عرفة، وهل يخص شيء من الأيام بصوم؟
من شعبان، وكان صيام شعبان شهرين، ولذلك كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصوم فيه ما لا يصوم في غيره كما تقدم. واللَّه أعلم. * * * (19) باب ما جاء في صيام يوم الجمعة ويوم عرفة، وهل يُخَصُّ شيءٌ من الأيام بصومٍ؟ 807 - عن محمد بن عباد قال: سألت جابرًا: أَنَهَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. يعني: أن ينفرد بصومه. 808 - وعن أبي هريرة قال: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يَصُومَنَّ (¬1) أحدُكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده". 809 - وعن جويرية بنت الحارث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال لها: "أصمتِ أمس؟ " قالت: لا، قال "تريدين أن تصومي ¬
غدًا؟ " قالت: لا، قال: "فأفْطِرِي". 810 - وعن أم الفضل بنت الحارث: أن ناسًا تَمَارَوْا عندها يوم عرفة في صوم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقَدَح لَبَنٍ وهو واقف على بعيره فشربه. 811 - وفي رواية: وهو واقف في الموقف، فشرب منه، والناس ينظرون. 812 - وعن علقمة: قلت لعائشة: هل كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخص (¬1) من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، كان عمله دِيمَةً (¬2). وأيكم يُطِيقُ ما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يطيق. * * * ¬
20 - باب ما جاء في صيام يوم عاشوراء
(20) باب ما جاء في صيام يوم عاشوراء 813 - عن الرُّبَيعِّ بنت مُعَوِّذ قالت: أرسل رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- غَدَاةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من أصبح مفطرًا فلْيُتِمَّ بقيةَ يومِهِ، ومن أصبح صائمًا فليصم". قالت: كنا نصومه بعدُ، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللُّعْبَةَ من العِهْنِ (¬2)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك (¬3) حتى نكون عند الإفطار. 814 - وعن سلمة بن الأكوع قال: أَمَرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ في الناس أَنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يومُ عاشوراء. 815 - وعن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، ¬
فلما فُرِضَ رمضانُ ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. 816 - وعن حميد بن عبد الرحمن: أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عامَ حَجَّ على المنبر يقول: يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يَكْتُبِ اللَّهُ عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر". 817 - وعن ابن عباس قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يوم نَجَّى اللَّهُ بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: "أنا أحقُّ بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه. 818 - وعن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تَعُدُّهُ اليهودُ عيدًا، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فصوموه أنتم". 819 - وعن ابن عباس قال: ما رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَحَرَّى _______ 816 - خ (2/ 58)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية بن أبي سفيان به، رقم (2003). 817 - خ (2/ 58 - 59)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق أيوب، عن عبد اللَّه بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس به، رقم (2004)، طرفه في (3397، 3943، 4680، 4737). 818 - خ (2/ 59)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق قيس بن مسلم، عن طارق ابن شهاب، عن أبي موسى به، رقم (2005)، طرفه في (3942). 819 - خ (2/ 59)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن أبي يزيد، عن ابن عباس به، رقم (2006).
21 - باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى، ولا يصوم أيام التشريق إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي
صيامَ يومٍ فضّله على غيره إلا هذا اليوم -يوم عاشوراء- وهذا الشهر. يعني: شهر رمضان. * * * (21) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى، ولا يصوم أيام التشريق إلا المتمتع الذي لا يجد الهَدْيَ 820 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقال: هذان يومان نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نُسُكِكُمْ. 821 - وعن أبي سعيد قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صوم يوم الفطر والنحر، وعن الصَّمَّاءَ، وأن يَحْتَبِيَ الرجل في الثوب الواحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر. 822 - وعن زياد بن جُبَيْر قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: رجل _______ 820 - خ (2/ 56)، (30) كتاب الصوم، (66) باب صوم يوم الفطر، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عُبيد مولى ابن أزهر، عن عمر بن الخطاب به، رقم (1990)، طرفه في (5571). 821 - خ (2/ 57)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق وهيب، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد به، رقم (1991، 1992). 822 - خ (2/ 57)، (30) كتاب الصوم، (67) باب صوم يوم النحر، من طريق معاذ هو ابن معاذ العنبري، عن ابن عون، عن زياد بن جبير، عن ابن عمر به، رقم (1994)، طرفه في (6705، 6706).
22 - باب سنة قيام رمضان، وفضله، وكيفيته
نذر أن يصوم يومًا -أظنه الاثنين (¬1) - فوافق ذلك يوم عيد، فقال ابن عمر: أَمَرَ اللَّهُ بوفاءِ النذر، ونهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صوم هذا اليوم. 823 - وعن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي: كانت عائشة تصوم أيام مني، وكان أبوه يصومها. 824 - وعن عروة، عن عائشة، وعن سالم، عن ابن عمر قالا: لم يُرَخَّصْ في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهَدْي. * * * (22) باب سُنَّة قيام رمضان، وفضله، وكيفيته 825 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". قال ابن شهاب: فتوفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصَدْرًا من خلافة عمر -رضي اللَّه عنهما-. ¬
826 - وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القارئ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ليلًا في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أَوْزَاعٌ متفرِّقُونَ، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهطُ، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد: آخِرَ الليل، وكان الناس يقومون أوله تأَسِّيًا بعمر (¬1). 827 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج ليلةً من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثرُ منهم، فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكَثُر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فصُلِّيَ بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفَجْرَ أقبل على الناس فتشهد ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يَخْفَ عليَّ ركوعكم (¬2)، ولكن (¬3) ¬
خشيت أن تُفْرَضَ عليكم فتعْجِزُوا عنها"، فتوفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمر على ذلك. 828 - ونحوه عن زيد بن ثابت، غير أنه زاد في آخره: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما زال بكم صنيعكم (¬1) حتى خشيت أن يُكْتَبَ عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة". الغريب: "البدعة": تأنيث البِدْع، وهو الشيء المُخْتَرع في اللغة سواء كان حسنًا أو سيئًا، ومنه قوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]. والبدعة في عرف الشرع: عبارة عما يُخترع على غير أصل يشهد له من الشرع، وهي البدعة المذمومة، فأطلق عمر على فعله هنا بدعة على أصل اللغة لا على العُرْفِ، ألا ترى كيف مدحه ابنِ عْمَ، وإنما أطلق ذلك عمر لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- امتنع من اجتماعهم عليه في قيام رمضان للعلة التي ذكرتها عائشة وغيرها، فلما أَمِنَ ذلك عمر أمر بذلك، وعمل به. واللَّه أعلم. * * * ¬
21 - كتاب الاعتكاف وليلة القدر
(21) كتاب الاعتكاف وليلة القدر
1 - باب الاعتكاف من نوافل الخير ويلزم بالنذر
(21) كتاب الاعتكاف وليلة القدر (1) باب الاعتكاف من نوافل الخير ويلزم بالنذر 829 - عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين (¬2). 830 - وعن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعتكف العشر ¬
2 - باب لا اعتكاف إلا في المسجد، ولا يخرج المعتكف إلا لحاجته الضرورية
الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه (¬1)، ثم اعتكف أزواجه من بعده. 831 - وعن عبد اللَّه بن عمر، عن عمر قال: يا رسول اللَّه! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوْفِ بنذرك " فاعتكَفَ ليلة. قوله: "في الجاهلية" ظاهره أنه يعني بها الوقت الذي كان هو على الجاهلية، ويُبعده أن الكافر لا يلزمه ما نذره في حالة كفره، إما لأنهم ليسوا مخاطبين بالفروع، وإما لأن الإِسلام يجُبُّ ما كان قبله على تقدير لزوم ذلك. ويحتمل أن يكون النذر وقع من عمر بعد إسلامه لكن في زمن غلبة الجاهلية وكثرتها، فأخبر عن ذلك، فكأنه أخبر أن ذلك النذر وقع منه في أول الإِسلام وقلَّته وغلبة الجاهلية وكثرتها، وهو تأويل يعضده ما ذكرناه. * * * (2) باب لا اعتكاف إلا في المسجد، ولا يخرج المعتكف إلا لحاجته الضرورية 832 - عن علي بن الحسين: أن صفية زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرته أنها جاءت ¬
إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب (¬1)، فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسَلَّما على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إنما هي صفية بنت حُيَيّ" فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه، وكَبُر عليهما. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا" (¬2). وفي رواية (¬3): "يجري من الإنسان مجرى الدم". 833 - وعن عائشة قالت: كان (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُدْخِلُ (¬5) ¬
3 - باب اعتكاف النساء في المسجد وإن كن مستحاضات، وضرب الأخبية فيه للاعتكاف
إلي رأسَهُ وهو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا. * * * (3) باب اعتكاف النساء في المسجد وإن كن مستحاضات، وضرب الأخبية فيه للاعتكاف 834 - عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنَتْهُ عائشة، فأَذِنَ لها، وسألت حفصةُ عائشةَ أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينبُ بنت جَحْشٍ أمرت ببناء فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبَصُرَ (¬1) بالأَبْنِيَةِ فقال: "ما هذا؟ " قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آلبِرَّ أَرَدْنَ بهذا؟ ما أنا بمعتكف" فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرًا من شوال. 835 - وعن عائشة قالت: اعتكفت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- امرأةٌ مستحاضة ¬
4 - باب فضل ليلة القدر والأمر بتحريها، ومتى يتحرى، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} إلى آخر السورة
من أزواجه، وكانت (¬1) ترى الحُمْرَةَ والصُّفْرَةَ، فربما وضعنا الطَّشْتَ (¬2) تحتها وهي تصلي. * * * (4) باب فضل ليلة القدر والأمر بتحريها، ومتى يُتَحَرَّى، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} إلى آخر السورة قال ابن عُيَيْنَةَ (¬3): ما كان في القرآن: {وَمَا أَدْرَاكَ} فقد أعلمه، وما قال: {وَمَا يُدْرِيكَ} فإنه لم يُعلمه. وقد تقدّم قوله عليه السلام (¬4): "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". 836 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجاور في العشر ¬
الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرَّوْا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". 837 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي في العشر الأواخر، هي في تسع يَمْضِين، أو سبع يَبْقَينَ". 838 - وعن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخبرنا بليلة القدر، فَتَلاحَى رَجُلَان من المسلمين، فقال: "خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان - (وهما كعب بن مالك وعبد اللَّه بن أبي حَدْرَدٍ) (¬1) - فرُفِعَتْ، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في السابعة والتاسعة والخامسة". 839 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإذا دخل العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ (¬2)، وأحيا ليله، وأَيْقَظَ أهله. ¬
840 - وعن ابن عمر: أن رجالًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرَّها في السبع الأواخر". 841 - وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُجَاوِرُ في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس فأمرهم ما شاء اللَّه، ثم قال "كنت أجاور هذه العشر، ثمّ قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فَلْيَثْبُتْ في معتكفه، وقد أُرِيتُ هذه الليلة ثم أُنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتُنِي أسجد في ماء وطين" فاستهلَّت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مُصلَّى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى وعشرين، فَبَصُرَتْ عينِي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1)، فنظرتُ (¬2) إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئٌ طينًا وماءً. ¬
الغريب: الضمير في {أَنْزَلْنَاهُ} عائد على غير مذكور. فقيل: إنه جبريل نزل بالقرآن، وقيل: القرآن نفسه، أنزله فيها إلى بيت العزة في السماء الدنيا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ على جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثلاثٍ وعشرين سنة، وقال الشعبي: افتتحنا إنزاله فيها. و{الْقَدْرِ}: العظمة، قال ابن عباس: كما قال تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام 91، الزمر: 67]؛ أي: ما عظموه حق تعظيمه، وقال مجاهد: {الْقَدْرِ} بمعنى التقدير؛ أي: تقدير الأشياء من أمور السنة، يعني: سوق المقادير إلى المواقيت، وقيل: هو الحظ العظيم الذي يحصل للعامل فيها. قُلتُ: والأحاديث في تعيينها متعارضة، والصحيح أنها في كل رمضان، وأنها مبهمة في العشر الآخر منه؛ ليحافظ الناس على قيامه كله واللَّه أعلم. وقوله: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]: من عَمَلِ ألف شهرٍ. الربيع ومجاهد: من العمل في ألف شهر في غيرها. قتادة: من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. {الْمَلَائِكَةُ}: جمع ملك. فقيل: هم أكثر من عدد الحصى، حُكي عن أبي هريرة. ابن أبي نجيح: الحفظة. كعب: ملائكة لا يراهم أهل السماء إلا تلك الليلة. {وَالرُّوحُ}: جبريل عليه السلام.
قُلت: وخص بالذكر تشريفًا. {مِنْ كُلِّ أَمْر}؛ أي: بكل أمرٍ يُقْضَى في تلك السنة، كقوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]؛ أي: بأمر اللَّه. {سَلَامٌ هِيَ}؛ أي: سلامة وبركة وخير. وقيل: لا تزال الملائكة تُصَلِّي وتسلِّمُ على المُصَلِّينَ فيها إلى طلوع الفجر. واللَّه أعلم. وما ذكرته هو أولى ما يقال فيها. * * *
22 - كتاب الحج
(22) كتاب الحج
1 - باب وجوب الحج وفضله
(22) كتاب الحج (1) باب وجوب الحج وفضله 842 - عن عبد اللَّه بن عباس قال: كان الفضلُ رَدِيفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاءت امرأةٌ من خَثْعَبم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشِّق الآخر، فقالت: يا رسول اللَّه! إن فريضة اللَّه على عباده في الحج، أدركَتْ أبي شيخا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفاحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع. 843 - وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من حَجَّ للَّه فلم يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ، رجع كيوم ولدته أمه". _______ 842 - خ (1/ 469)، (25) كتاب الحج، (1) باب وجوب الحج وفضله، وقول اللَّه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللَّه بن عباس به، رقم (1513)، أطرافه في (1854، 1855، 4399، 6228). 843 - خ (1/ 470 - 471)، (25) كتاب الحج، (4) باب فضل الحج المبرور، من طريق شعبة، عن سَيَّار أبي الحكم، عن أبي حازم، عن أبي هريرة به، رقم (1521)، طرفاه في (1819، 1820).
2 - باب قوله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} [الحج: 27] وتواضع الحاج في مركوبه وملبوسه والتزود
الغريب: "الحج المبرور": المقبول. وقيل: هو الذي تنفق فيه الكريمة، وتُبْقَى فيه الأثيمة. و"الرَّفَث": هو الجماع ومقدماتُه من القُبْلة والمباشرة، وقيل: الكلام المذكِّر للجماع، وقيل: الفُحْش من القول. * * * (2) باب قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وتواضع الحاج في مركوبه وملبوسه والتزود 844 - عن ابن عمر قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحُلَيْفَةِ، ثم يُهِلُّ حين تستوي به قائمة. 845 - وعن ثُمامة بن عبد اللَّه بن أنس قال: حَجَّ أنس على رَحْلٍ ولم يكن شحيحًا، وحدَّث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حج على رحل، وكانت زاملته (¬1). ¬
3 - باب مواقيت الحج والعمرة من المكان
وقال عمر (¬1): شُدُّوا الرِّحَال في الحج فإنه أحد الجهادين. 846 - وعن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يَحُجُّون ولا يَتَزَوَّدُونَ، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سالوا الناس، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]. الغريب: "الرَّحْلُ" للبعير كالسرج للدابة، و"الزَّامِلَةُ": هي الناقة التي يحمل عليها الزاد والقماش، ويعني: أن الرحل كان رثًا كما قد روي. * * * (3) باب مواقيت الحج والعمرة من المكان 847 - عن ابن عباس قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَّت لأهل المدينة ذا ¬
الحُلَيْفَة، ولأهل الشام الجُحْفَةَ، ولأهل نجد قَرْنَ المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، هُنَّ لَهُن ولمن أتى عليهن من غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومَن كان دون ذلك فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة (¬1). وفي رواية أخرى (¬2): فمن كان دونهن فَمُهَلُّه من أهله، وكذاك حتى ¬
أهلُ مكة يهلون منها. 848 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مُهَلّ أهل المدينة من ذي الحُلَيْفَة، وأهل الشام من الجُحفة، وأهل نجد من قَرْن". قال عبد اللَّه: وبلغني: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ويُهلّ أهل اليمن من يَلَمْلَم". في رواية (¬1): ولم أسمعه. 849 - وعنه قال: لما فُتِح هذان المِصْرَان (¬2) أَتَوْا عمرَ فقالوا: يا أمير المؤمنين! إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَدَّ لأهل نجد قَرْنًا وهو جَوْرٌ عن طريقنا (¬3)، وإنَّا إن أردنا قَرْنَ (¬4) شق علينا قال: فانظروا حَذْوَها من طريقكم. فحدَّ لهم ذات عِرْق (¬5). * * * ¬
4 - باب من أين خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته ومن أين رجع وأين أناخ؟
(4) باب من أين خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجته ومن أين رجع وأين أناخ؟ 850 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المُعَرَّس، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة -في رواية: ببطن الوادي- وبات حتى يصبح. 851 - وعن ابن عباس: أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ". 852 - وعن موسى بن عقبة قال: حدثني سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه، ¬
5 - باب ميقات الحج من الزمان
عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه رُؤِيَ وهو في مُعَرَّس بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له: إنك ببطحاء مباركة، وقد أناخ بنا سالم جممَوَخَّى بالمُنَاخِ الذي كان عبد اللَّه يُنيخ يتحرى مُعَرَّس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أسفلُ من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسطٌ من ذلك. * * * (5) باب ميقات الحج من الزمان قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]. وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. وقال ابن عمر (¬1): أشهر الحج: شوالٌ، وذو القَعْدَة، وعَشْرٌ من ذي الحَجَّة. وقال ابن عباس: من السُّنَّةِ ألا يُحْرِم بالحج إلا في أشهر الحج. وكره عثمان أن يحرم من خُرَاسان وكِرْمان. 853 - وعن عائشة قالت: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أشهر الحج ¬
وليالي الحج وحُرُم (¬1) الحج، فنزلنا بِسَرِفَ، قالت: فخرج إلى أصحابه فقال: "مَنْ لم يكن منكم معه هَدْيٌ فَأَحَبَّ أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدى فلا"، قالت: فالآخِذ لها (¬2) والتارك لها من أصحابه، قالت: فأما رسول اللُّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجال من أصحابه، وكانوا (¬3) أهل قوة، وكان معهم الهديُ، فلم يقدروا على العمرة، قالت: فدخل عليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أبكي، فقال: "ما يبكيك يا هَنْتَاهُ؟ (¬4) " قلتُ: سمعت قولك لأصحابك فمُنِعْتُ العمرة، قال: "وما شأنك؟ " قلت: لا أصلي. قال: فلا يضرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب اللَّه عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجك (¬5) فعسى اللَّه أن يرزقكيها، قالت: فخرجنا في حجة (¬6)، حتى قدمنا مِنى فطهرتُ ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت، قالت: ثم خرجت معه من النَّفْرِ الآخر حتى نزل المُحَصَّبَ ونزلنا معه، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: "اخْرُجْ بأختك من الحَرَمِ فلتُهِل بعمرة ثم افْرُغَا، ثم ائتيا هاهنا فإني أنظركما حتى تأتيان" قالت: فخرجنا، حتى إذا فرغتُ، وفرغت من الطواف ثم جئته بسَحَرٍ، فقال: "هل فرغتم؟ " قلت: نعم، فآذن بالرحيل في أصحابه، فارتحل الناس، فمرَّ متوجهًا إلى المدينة، قالت: فقضى اللَّه حجنا وعمرتنا، ولم يكن في ¬
6 - باب التلبية ومتى يهل؟
شيء من ذلك هديٌ ولا صدقة ولا صوم (¬1). * * * (6) باب التلبية ومتى يهل؟ 854 - عن أنس بن مالك قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحُلَيْفَة، فلما ركب راحلته واستوت به أَهَلَّ. 855 - عن عائشة قالت: إني لأعلم كيف كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك. 856 - وعن أنس قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة ونحن معه (¬2) الظهرَ ¬
أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حَمِدَ اللَّهَ وسَبَّح وكبر، ثم أَهَلَّ بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج، قال: ونحر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بَدَنَاتِ بيده قيامًا، وذبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة كبشين أملحين. 857 - وعن ابن عمر قال: أَهَلَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ استوت به راحلته قائمة. 858 - وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا صلى صلاة الغداة بذي الحُلَيْفَةِ أمر براحلته فرُحِلَتْ ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائمًا، ثم يلبي حتى يبلغ الحَرَمَ ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طُوًى بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم (¬1) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل ذلك. المُلْحَةُ من الغنم: أن يكون فيه سواد وبياض، يقال: كبش أملح، وشاة ملحاء، والإهلال: رفع الصوت بالتلبية. * * * ¬
7 - باب كيف تهل الحائض والنفساء
(7) باب كيف تهل الحائض والنفساء 859 - عن عروة، عن عائشة قالت: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجَّةِ الوداع فأهللنا بعُمْرَةٍ، ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان معه هَدْيٌ فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يَحلَّ حتى يَحِلَّ منهما جميعًا" فقَدِمْتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك للنبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "انْقُضِي رأسك وامتشطي، وأَهلِّي بالحج، ودَعى العُمْرةَ" ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: "هذه مكان عمرتك" قالت: فطاف الذين كانوا أَهَلُّوا بالعُمْرَةِ بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا واحدًا بعد أن رجعوا من مِنًى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا. * * * (8) باب من أَهَلَّ في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما أَهَلَّ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 860 - عن عطاء قال: قال جابر: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلِيًّا أن يقيم على ¬
إحرامه، وذكر قول سُرَاقَةَ (¬1). 861 - وعن أنس بن مالك قال: قدم عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه- على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من اليمن، فقال: "بما أهللتَ؟ " قال: بما أَهَلَّ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لولا أَنَّ معي الهديَ لأَحْلَلْتُ". وفي رواية (¬2): قال: "فأَهْدِ وامكث حرامًا كما أنت". 862 - وعن أبي موسى قال: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: "بم أَهْلَلْتَ؟ " قلت: أهللت كإهلال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "هل معك من هَدْيٍ؟ " قلت: لا، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرني فَأَحْلَلْتُ، فأتيت امرأة من قومي. فمَشَطَتْنِي أو غسلت رأسي، فقدم عمر فقال: إنْ نأخذ بكتاب اللَّه فإنه يأمرنا بالتمام، قال اللَّه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ ¬
9 - باب الإفراد والقران والتمتع
وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} [البقرة: 196] وإن نَأْخُذ بسُنةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَحِلّ حتى نَحَرَ الهَدْيَ. * * * (9) باب الإفراد والقِرَان والتمتع 863 - عن الأسود عن عائشة: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نُرَى إلا أنه الحج، فلما قدمنا تَطَوَّفْنَا بالبيت، فأمر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من لم يكن ساق الهدي أن يَحِلَّ، فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يَسُقْنَ فأَحْلَلْنَ، قالت عائشة: فَحِضْتُ (¬1) فلم أطف بالبيت. فلما كانت ليلة الحَصْبَةِ قلت: يا رسول اللَّه! يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة؟ ، قال: "وما طُفْتِ ليالي قدمنا مكة؟ " قلت: لا، قال: "فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة" -قال في رواية (¬2): "ولكنها على قَدْرِ نفقتك أو نَصَبِكِ"- "ثم موعدك كذا وكذا" فقالت صفية: ما أُرَانِي إلا حابِسَتَهُم، قال: "عَقْرى حَلْقَى، أَوَما ¬
طُفْتِ يوم النحر؟ " قلت: بلى، قال "لا بأس انْفِري" قالت عائشة (¬1): فلقيني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُصعِدٌ من مكة وأنا مُنْهَبِطةٌ عليها، أو أنا مُصْعِدَةٌ وهو منهبطٌ منها. 864 - وعنها: أنها قالت: خرجنا مع النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- عام حجة الوداع، فمنا من أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، ومنا من أهلَّ بحج وعمرة، ومنا من أهلَّ بالحج، وأهلَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحج، فأما من أهلَّ بالحج أو جَمَعَ الحجَّ والعمرة لم يَحِلُّوا حتى كان يوم النحر. 865 - وعن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليًّا (¬3)، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يُجمع بينهما، فلما رأى عليٌّ ذلك (¬4) أَهَلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنتُ لأدع سُنَّةَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لقول أَحَدٍ. 866 - وعن ابن عباس قال: كانوا يَرَوْنَ أَنَّ العمرة في أشهر الحج أَفْجَرَ ¬
الفجور في الأرض، ويجعلون المحرَّمَ صَفَرًا، ويقولون: إذا بَرَأَ الدَّبَر (¬1)، وعفا الأثر (¬2)، وانسلخ صَفَر، حلت العمرةُ لمن اعتمر. قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه صبيحة رابعة مُهِلِّين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! أيّ الحِلّ؟ قال: "حِلٌّ كُلّه". 867 - وعن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قالت: يا رسول اللَّه! ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: "إني لَبَّدْتُ رأسي، وقلّدت هَدْيي، فلا أحل حتى أنحر". ¬
868 - وعن شعبة قال: ثنا نصر بن عمران أبو جمرة الضُّبَعي قال: تمتعت فنهاني ناسٌ، فسالت ابن عباس - رضي اللَّه عنهما- فأمرني، فرأيت في المنام كان رجلًا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبَّلة، فأخبرت ابن عباس فقال: سُنَّةُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال لي: أقم عندي وأَجْعَلُ (¬1) لك سهمًا من مالي، قال شعبة: فقلت: لِمَ؟ ، فقال: للرؤيا التي رأيتُ. 869 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنه حَجَّ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم ساق البُدْنَ معه، وقد أَهَلُّوا بالحج مفردم، فقال لهم: "أَحِلُّوا من إحرامكم بطواف البيت، وبين الصفا والمروة، وقَصِّرُوا، ثم أقيموا حلالًا حتى إذا كان يوم التروية فأَهِلُّوا بالحج، واجعلوا التي قَدِمْتُمْ بها مُتعةً" فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سَمَّيْنَا الحج؟ فقال: "افعلوا ما أمرتكم، فلولا أني سُقْتُ الهَدْيَ لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يَحِلُّ مني حرام حتى يبلغ الهديُ مَحِلَّه"، ففعلوا. 870 - وعن عمران هو ابن حصين، قال: تمتعنا على عهد النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
10 - باب قول الله عز وجل: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196]
فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء (¬1). * * * (10) باب قول اللَّه عز وجل: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] 871 - عن عكرمة عن ابن عباس: أنه سُئل عن متعة الحج، فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قَلَّد الهَدْيَ" فطفنا (¬2) بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب، وقال: "من قَلَّد الهَدْيَ فإنه لا يَحِلّ حتى يبلغ الهدي مَحِلَّهُ" ثم أَمَرَنا عشية التروية أن نُهِلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت ويالصفا والمروة، وقد تَمَّ حَجُّنَا وعلينا الهَدْيُ، كما قال اللَّه عز وجلَّ (¬3): {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] إلى ¬
11 - باب الاغتسال عند دخول مكة، ومن أين يدخلها؟ ومن أين يخرج منها؟
أمصاركم، الشاة تَجْزِي، فجمعوا نُسُكَيْن في عام بين الحج والعمرة؛ فإن اللَّه تعالى أنزله في كتابه وسُنَّة نبيه، وأباحه للناس غير أهل مكة، قال اللَّه عز وجل: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وأشهُرُ الحج التي ذَكَر اللَّه تعالى: شوالٌ، وذو القَعْدَةِ، وذو الحَجَّةِ، فمن تمتَّع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم. و{الرَّفَثُ}: المجاع، و"الفسوق": المعاصي، و"الجدال": المِرَاء. * * * (11) باب الاغتسال عند دخول مكة، ومن أين يدخلها؟ ومن أين يخرج منها؟ 872 - عن نافع قال: كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيتُ بذي طُوًى، ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويُحدِّث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفعل ذلك. 873 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل مكة من كَدَاءٍ من الثَّنِيَّة (¬1) العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى. ¬
12 - فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} الآيات [البقرة: 125]
874 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عام الفتح من كَدَاءٍ من (¬1) أعلى قال هشام: وكان عروة يدخل من كلتيهما -من كَداءٍ وكُدًا- وأكثر ما يدخل من كَدَاءٍ، وكانت أقربهما إلى منزله. * تنبيه: "كَداء" بفتح الكاف والمد: المشهور أنها الثنية التي بأعلى مكة، فأما الثنية التي بأسفل مكة، فالمشهورُ فيها "كُدًا" بضم الكاف وفتح الدال والقصر، وقيل فيها: بضم الكاف وفتح الدال وبالتصغير مشددة، قال البخاري: كداء وكُدًا موضعان، قال الخليل: كَدَاء وكُدَيّ جبلان: الأعلى منهما كَدَاء والأسفل كُدَيّ. * * * (12) فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} الآيات [البقرة: 125] 875 - عن عروة، عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "يا عائشة! لولا ¬
أن قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ لأمرت بالبيت فهُدِمَ، فأدخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض، وجَعَلْتُ لها بابين: بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبلغت به أساس إبراهيم" فذلك الذي حمل ابنَ الزبير (¬1) على هدمه، قال يزيد: وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحِجْرِ، وقد رأيت أساسَ إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل، قال جرير (¬2): فأين موضعه؟ قال: أُرِيكَهُ الآن، فدخلت معه الحِجْرَ، فاشار إلى مكان فقال: هاهنا، قال جرير: فَحَزَرْتُ من الحِجْرِ ستة أذرع أو نحوها. وفي رواية (¬3): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "ألم تَرَيْ أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول اللَّه! ألا تَرُدُّهَا على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حِدْثانُ قومك بالكفر لفعلت" قال عبد اللَّه: لَئِن (¬4) كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أُرَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. وفي أخرى (¬5): قالت: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجَدْرِ: أَمِنَ البيت هو؟ قال ¬
13 - باب فضل الحرم وتملك دور مكة، وأن الناس في المسجد الحرام سواء
"نعم"، قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قَصَّرَتْ بهم النفقة"، قلت: فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال: "فعل ذلك قومك ليُدْخِلُوا مَن شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلويهم أن أدخل الجَدْرَ في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض". وفي رواية (¬1): "وجعلتُ له خَلْفًا". الغريب: "المَثَابَةُ": المرجع، "الجَدْر"؛ يعني به: الحِجْر، "خَلْفًا"؛ يعني: بابًا من خلف. * * * (13) باب فضل الحَرَمِ وتَمَلُّك دُورِ مكة، وأن الناس في المسجد الحرام سواء لقوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91] وقوله: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص: 57]، وقوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ (¬2)} الآية [الحج: 25]. ¬
{الْعَاكِفُ}: المقيم، و"البادي": الطارئ. 876 - عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرَّمه اللَّه، لا يُعْضَدُ شَوْكُه، ولا يُنَفَّرُ صيده، ولا يلتقط لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفَهَا". وسيأتي بكماله. 877 - وعن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول اللَّه! أين تنزل في دارك بمكة، قال: "وهل ترك لنا عَقِيل من رِبَاعٍ أو دُورٍ"، وكان عقيل ورث أبا طالب -هو وطالب- ولم يرثه جعفر ولا علي -رضي اللَّه عنهما- شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيلٌ وطالبٌ كافرين، وكان (¬1) عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- يقول: لا يرث المؤمنُ الكافرَ. قال ابن شهاب: وكانوا يتأولون قول اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ¬
14 - باب قول الله عز وجل: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد. . .} [المائدة: 97] الآية. وتحلية الكعبة ومن يهدمها
وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72]. 878 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغَدِ يومَ النَّحْرِ وهو بمنى: "نحن نازلون غَدًا بخَيْفِ بني كِنَانَة حيث تقاسموا على الكفر"، يعني بذلك المُحَصَّب، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب -أو بني المطلب- ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يُسْلِمُوا إليهم النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال الأوزاعي والزهري: وبين (¬1) بني هاشم وبني المطلب. قال البخاري: وهو أشبه (¬2). * * * (14) باب قول اللَّه عز وجل: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ. . .} [المائدة: 97] الآية. وتحلية الكعبة ومن يهدمها 879 - عن أبي سعيد الخدري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال لَيُحَجَّنَّ البيتُ ¬
وليُعْتَمَرَنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج". وفي رواية (¬1) شعبة: "لا تقوم الساعة حتى لا يُحَجَّ البيت". 880 - وعن أبي وائل قال: جَلَسْتُ مع شَيْبَةَ على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر (¬2)، فقال: لقد هممت ألا أَدَعَ فيها صفراء ولا بيضاء (¬3) إلا قسمتها (¬4)، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المَرْآنِ (¬5) أقتدي بهما. 881 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُخَرِّبُ الكعبةَ ¬
15 - باب ما جاء في دخول الكعبة، والصلاة فيها، وتقبيل الحجر
ذو السوَيْقَتَيْنِ من الحبشة". 882 - وعن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "كأني به أسود أَفْحَج يقلعها حَجَرًا حَجَرًا". الغريب: "الصفراء": الذهب، و"البيضاء": الفضة، يعني بهما حِلْيةَ الكعبة، والكنز الذي كان فيها. و"السويقتان": تثنية سُويقة تصغير ساق؛ يعني بذلك قِصَر ساقيه ودقتهما، و"الفَحجُ": تباعُدُ ما بين الركبتين. * * * (15) باب ما جاء في دخول الكعبة، والصلاة فيها، وتقبيل الحَجَر 883 - عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه أنه قال: دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة البيت فأغلقوا عليهم (¬2)، فلما ¬
فتحوا كنت أول من وَلَجَ، فلقيت بلالًا فسألته: هل صلى فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم بين العمودين اليمانيين. 884 - وعن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قِبَل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قِبَل الظَّهر، يمشي، حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَلَ وجهه قريبٌ (¬1) من ثلاثة أَذْرُعٍ فيصلي، يَتَوَخَّى المكان الذي أَخْبَرَهُ بلال أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى فيه، وليس على أحدٍ بأسٌ أن يصلي في أيِّ نواحي البيت شاء. 885 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى قال: اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطاف بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين، ومعه من يَسْتُرُهُ من الناس، فقال له رجل: أدخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكعبة؟ قال: لا. 886 - وعن ابن عباس قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قَدِمَ أَبَى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخْرِجَتْ، فأخرجوا صورةَ إبراهيم وإسماعيل وبأيديهما (¬2) الأزلام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قاتلهم اللَّه، أما ¬
16 - باب أول ما يبدأ به الطائف، وذكر الرمل
واللَّه قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط" فدخل البيت فكبر في نواحيه، ولم يُصَلِّ فيه. 887 - وعن عمر بن الخطاب: أنه جاء إلى الحَجَرِ (¬1) فقَبَّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ. * * * (16) باب أول ما يَبْدَأُ به الطائف، وذِكْرِ الرَّمَلِ 888 - عن ابن عباس: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، فقال المشركون: إنه يَقْدُمُ عليكم وقد وَهَنتهُم (¬2) حُمَّى يثرب، وأمرهم (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَرْمُلوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يَرْمُلُوا الأشواط كلها إلا الإبقاءَ عليهم. ¬
17 - باب ما يلتمس من الأركان، واللمس بالمحجن والإشارة
889 - وعن عمر بن الخطاب قال للركن: واللَّه (¬1) إني لأعلم إنك حَجَر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستلمك (¬2) ما استلمتك. قال (¬3): ما لنا وللرَّمَلِ، إنما كنا رَاءَيْنَا به المشركين وقد أهلكهم اللَّه، ثم قال: شيء صنعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا نحب أن نتركه. 890 - وعن ابن عمر قال: ما تركتُ استلام هذين الركنَيْن في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستلمهما. قال عبيد اللَّه (¬4): قلت لنافع: أكان ابن عمر يمشي بين الركنين؟ قال: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه. * * * (17) باب ما يلتمس من الأركان، واللمس بالمحجن والإشارة 891 - ابن عباس قال: طاف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجةِ الوداع على بعير ¬
يستلم الركن بمِحْجَنٍ (¬1). في رواية (¬2): كلما أتى على (¬3) الركن أشار إليه وكبر (¬4). 892 - وعن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئًا من البيت؟ وكان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: إنه لا يُسْتَلَمُ هذين (¬5) الركنين، فقال: ليس شيء من البيت مهجورًا، وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن. 893 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: لم أر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين. ¬
18 - باب أول ما يبدأ به المحرم إذا قدم مكة الطواف بالبيت، والوضوء للطواف، والركوع له، وستر العورة، وإباحة الكلام فيه
894 - وعنه: أن رَجُلًا سأله عن استلام الحَجَرِ، فقال: رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستلمه ويقَبِّلُهُ. قال: قلت: أرأيتَ إن زُحمتُ، أرأيت إن غُلبت؟ قال: اجعل "أرأيتَ" باليمن، رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستلمه ويقبِّلُه. * * * (18) باب أول ما يبدأ به المُحْرِمُ إذا قدم مكة الطواف بالبيت، والوضوء للطواف، والركوع له، وستر العورة، وإباحة الكلام فيه 895 - عن عروة بن الزبير قال: أخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه توضأ ثم طاف، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- مثله. ثم حججت مع أبي الزبير -رضي اللَّه عنه-، فأول شيء بدأ به الطواف، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه، وقد أخبرتني أمي أنها أَهَلَّتْ هي وأختُهَا والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلُّوا. _______ 894 - خ (1/ 496)، (25) كتاب الحج، (60) باب تقبيل الحجر، من طريق حماد، هو ابن زيد، عن الزبير بن عربي، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (1611). 895 - خ (1/ 496 - 497)، (25) كتاب الحج، (63) باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى الصفا، من طريق ابن وهب، عن عمرو، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن عائشة به، رقم (1614، 1615). حديث (1614): طرفه في (1641). حديث (1615): طرفاه في (1642، 1796).
896 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا طاف في الحج والعمرة أولَ ما يَقْدَمُ سَعَى ثلاثة أطواف ومشى أربعًا (¬1)، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة. وفي رواية (¬2): يَخُبُّ ثلاثة أطواف ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى ببطن المَسِيل إذا طاف بين الصفا والمروة. 897 - وعن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسَيْرٍ -أو بخيطٍ أو بشيء غيرِ ذلك- فقطعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده، ثم قال "قُدْ (¬3) بيده". 898 - وعن أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بعثه في الحَجَّةِ التي ¬
19 - باب الوقوف اليسير لا يقطع الطواف، ويصلي لكل أسبوع ركعتين نافلة
أمَّره عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يُؤَذِّن في الناس: ألَّا يحجَّ (¬1) بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. * * * (19) باب الوقوف اليسير لا يقطع الطواف، ويصلي لكل أسبوع ركعتين نافلة وقال عطاء (¬2) فيمن يطوف فتقام الصلاة أو يدفع عن مكانه: إذا سَلَّم يرجع إلى حيث قطع عليه، فيبني (¬3). ويذكر نحوه عن ابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر -رضي اللَّه عنهم-. وقال نافع (¬4): كان ابن عمر (¬5) يصلي لكل سُبُوعٍ ركعتين، وقال إسماعيل ابن أُمَيَّةُ: قلت للزهري: إن عطاء يقول: تُجْزِئُه المكتوبةُ من ركعتي الطواف، فقال: السُّنَّةُ أفضل، لم يَطُفِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُبوعًا قط إلا صلى ركعتين. ¬
899 - وعن عمرو بن دينار قال: سألتُ ابن عمر: أيقع الرجل على امرأته في العمرة قبل أن يطوف بين الصفا والمروة؟ قال: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فطاف بالبيت سبعًا، ثم صلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. قال: وسألت جابر بن عبد اللَّه، فقال: لا يقرب امرأته حتى يطوف بين الصفا والمروة. قال البخاري (¬1): وصلى عمر خارجًا من الحرم. يعني: ركعتي الطواف. 900 - عن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال وهو بمكة وأراد الخروج -ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت، وأرادت الخروج- فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة للصبح (¬2) فطوفي على بعيرك والناس يُصَلُّون" ففعلتْ ذلك، فلم تُصَلِّ حتى خَرَجَتْ. وقد تقدم من حديث ابن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى خلف المقام (¬3). * * * ¬
20 - باب الطواف بعد الصبح والعصر وطواف المريض راكبا
(20) باب الطواف بعد الصبح والعصر وطواف المريض راكبًا وكان ابن عمر يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس. وطاف عمر بعد صلاة الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طُوًى. 901 - عن عروة، عن عائشة: أنَّ ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المُذَكِّرِ حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: قعدوا حتى كانت الساعة التي يُكْرَهُ فيها الصلاة فقاموا يصلون. 902 - وعن عبد العزيز بن رُفَيْعٍ قال: رأيت عبد اللَّه بن الزبير يطوف بعد الفجر ويصلي ركعتين. قال عبد العزيز: ورأيت عبد اللَّه بن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر، ويخبر أن عائشة حدثته: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يدخل بيتها إلا صلاهما. 903 - وعن أم سلمة قالت: شكوتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" فطُفْتُ ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي إلى _______ 901 - خ (1/ 500)، (25) كتاب الحج، (73) باب الطواف بعد الصبح والعصر، من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن حبيب، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة به، رقم (1628). 902 - خ (1/ 500 - 501)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الحسن بن محمد الزعفراني، عن عبيدة بن حُمَيْد، عن عبد العزيز بن رُفَيعْ به - رقم (1630، 1631). 903 - خ (1/ 501)، (25) كتاب الحج، (74) باب المريض يطوف راكبًا، من طريق مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوافل، عن عروة، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم سلمة به، رقم (1633).
21 - باب سقاية الحاج وما جاء في زمزم
جانب البيت، وهو يقرأ بـ (الطور وكتاب مسطور). * * * (21) باب سقاية الحاج وما جاء في زمزم 904 - عن ابن عمر: استأذن العباس بن عبد المطلب رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منَى من أجل سقايته، فأَذِنَ له. 905 - وعن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضلُ! اذهب إلى أمك فائت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشراب من عندها، فقال: "اسقني" قال: يا رسول اللَّه (¬1)! إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: "اسقني" فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: "اعملوا فإنكم على عمل صالحٍ". ثم قال: "لولا أن تُغْلَبُوا لنزلت حتى أَضَعَ الحَبْلَ على هذه"؛ يعني: عاتقه، وأشار إلى عاتقه. 906 - وعنه قال: سقيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من زمزم فشرب وهو قائم، قال ¬
22 - باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة وأنهما مع شعائر الله
عاصم: فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير. * * * (22) باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة وأنهما مع شعائر اللَّه 907 - عن عروة قال: سألت عائشة (¬1) فقلت لها: أرأيت قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فواللَّه ما على أحدٍ جُنَاحٌ ألا يَطَّوَّفَ بالصفا والمروة، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أَوَّلْتَهَا عليه كانت: لا جناح عليه أن لا يَطَّوف (¬2) بهما، ولكنها أُنْزِلَتْ في الأنصار، كانوا قبل أن يُسْلِمُوا يُهِلُّون لمِنَاةَ الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّلِ، وكان من أَهَلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما سألوا (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، قالوا: يا رسول اللَّه! إن كنا نتحرج أن نطوف بالصفا (¬4) والمروة؟ فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. قالت عائشة (¬5): وقد سَنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الطواف بينهما، فليس لأحد أن ¬
يترك الطواف بينهما، ثم أخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لَعلِمٌ ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يذكوون أن الناس -إلا مَن ذَكَرَتْ عائشة ممن كان يهلُّ بمناة- كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر اللَّه تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول اللَّه! كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن اللَّه أنزل الطواف بالبيت، فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حَرَجٍ أن نطَّوَّف بالصفا والمروة؟ فأنزل اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام؛ من أجل أن اللَّه تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت. وقد تقدم من حديث ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسعى بين الصفا والمروة (¬1). 908 - وعن ابن عباس قال: إنما سعى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبيت وبين الصفا والمروة ليُري المشركين قوة (¬2). * * * ¬
23 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
(23) باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت 909 - عن عائشة أنها قالت: قدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، قالت: فشكوتُ ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "افعلي كما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري". وقد تقدم أن عائشة نَسَكَت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت حتى طهرت، فلما طهرت طافت بالبيت (¬1). * * * (24) باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى، وأين يصلي الظهر يوم التروية وسئل عطاء عن المجاور يلبي بالحج يوم التَّرْوِيَة، فقال: كان (¬2) ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته. وقال عطاء عن جابر (¬3) -رضي اللَّه عنه-: قدمنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأحللنا حتى يوم ¬
25 - باب الصلاة بمنى والتلبية والتكبير إذا غدا منهما
التروية، وجعلنا مكة بظَهْرٍ، لَبَّيْنَا بالحج. وقال أبو الزبير عن جابر: أهللنا من البطحاء. وقال عُبَيْد بن جريج لابن عمر -رضي اللَّه عنها-: رأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تُهِلَّ أنت حتى يوم التروية، فقال: لم أر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته (¬1). 910 - عن عبد العزيز بن رُفَيعْ قال: سالت أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قلت: أخبرني بشيء عقلته من رسول اللَّه (¬2) صلى اللَّه عليه وسلم: أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؛ قال: بمنى. قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح. ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك. * * * (25) باب الصلاة بمنى والتلبية والتكبير إذا غدا منهما 911 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى ركعتين، ¬
26 - باب الوقوف بعرفة وأحكامه
وأبو بكر وعمر وعثمان صدرًا من خلافته. وقد تقدم حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب (¬1). 912 - وعن محمد بن أبي بكر الثقفي: أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فقال: كان يُهِلّ المُهِلُّ (¬2) منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر (¬3) منا فلا ينكر عليه. * * * (26) باب الوقوف بعرفة وأحكامه 913 - عن سالم قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أَلَّا يخالف ابن ¬
عمر في الحج، فجاء ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق الحجاج، فخرج وعليه مِلْحَفَةٌ معصفرة، فقال: مَالَكَ يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنّة. قال: هذه الساعة؟ قال: نعم، قال: فَأَنْظِزيي حتى أُفِيض على رأسي ماءً (¬1) ثم أَخْرُجُ. فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد السنّة فَاقْصُر الخطبة وعَجّل الوقوف، فجعل ينظر إلى عبد اللَّه فلما رأى ذلك عبد اللَّه، قال: صَدَقَ. 914 - وعن أم الفضل بنت الحارث: أن ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه. 915 - وعن سالم: أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير -رضي اللَّه عنهما- سأل عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؛ فقال سالم: إن كنت تريد السُّنَّةَ فهجِّر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبد اللَّه بن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنّة، فقال الزهري: قلت لسالم (¬2): ¬
أَفَعل ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال سالم: وهل يَتَّبِعُون بذلك إلا سُنَّتَهُ؟ 916 - وعن جُبَيْر بن مُطْعِم قال: أضللت بعيرًا لي بعرفة، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واقفًا بعرفة، فقلت: هذا واللَّه من الحُمْس، فما شأنه هاهنا؟ . 917 - وعن هشام بن عروة: قال عروة: كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحُمْس -والحُمْس قريشٌ وما وَلَدَتْ- وكانت الحُمْسُ يَحْتَسِبُون على الناس، يعطى الرجلُ الثياب يطوف فيها، وتعطى المرأة الثياب تطوف فيها، فمن لم يُعطه الحُمْس طاف بالبيت عريانًا، وكانت (¬1) يَفيض جماعة الناس من عرفات ويَفيض الحُمس من جَمْعٍ. قال: وأخبرني أبي عن عائشة (¬2) أن هذه الآية نزلت في الحُمس: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، قال: كانوا يفيضون من جَمْعٍ، فدفعوا إلى عرفات. 918 - وعن عروة بن الزبير قال: سئل أسامة وأنا جالس: ¬
27 - باب النفر من عرفة إلى مزدلفة والجمع والمبيت بها
كيف كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسير في حجة الوداع (¬1)؟ قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسير العَنَق، فإذا وجد فجوة نَصَّ. الغريب: تسمية قريش بالحُمْس: لشجاعتهم وتصلُّبهم في دينهم. و"النَّصّ": ضرب من السير وهو أرفعه، و"العَنَقُ" دونه. و"الفَجْوَة": المتسع من الأرض، و"الإفاضة": التفرق في سرعة. * * * (27) باب النَّفْر من عرفة إلى مزدلفة والجمع والمبيت بها 919 - عن أسامة بن زيد قال: رَدِفْتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عرفات، فلما بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الشِّعْبَ الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصَبَبْتُ عليه الوضوء، فتوضأ وضوءًا خفيفًا، فقلت: الصلاةَ يا رسول اللَّه! قال: "الصلاةُ أمامَك" فركب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أتى المزدلفة، فصلى، ثم رَدِفَ الفضلُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غداة جَمْع. وفي طريق أخرى (¬2) أنه قال: دفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عرفة، فنزل الشِّعْب ¬
بال (¬1)، ثم توضأ، ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاةَ. فقال: "الصلاةُ أمامك"، فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كلُّ إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة، فصلى ولم يصلِّ بينهما. 920 - وعن ابن عمر قال: جمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المغرب والعشاء بجمع كلُّ واحدة منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على إِثْرِ كل واحدة منهما. 921 - وعن أبي أيوب الأنصاري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة. 922 - وعن ابن عباس: أنه دفع مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم عرفة، فسمع النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإبل، فاشار بسوطه إليهم، فقال: "أيها الناس! عليكم بالسكينة، فإن البرَّ ليس بالإيضَاعِ". ¬
28 - باب من أذن وأقام لكل صلاة واحدة من الصلاتين، وأين يصلي الفجر بجمع
والإيضاع: الإسراع، (لأَوْضَعُوا): لأَسْرَعُوا. 923 - وعن نافع قال: كان ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يجمع بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ، غير أنه يمر بالشّعْبِ الذي أخذه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيدخل فيه، فينتَفِضُ ويتوضأ، ولا يصلي حتى يأتي جَمْعًا (¬1). * * * (28) باب من أَذَّن وأقام لكل صلاة واحدة من الصلاتين، وأين يصلي الفجر بجمع 924 - عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حَجَّ عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبًا من ذلك، فأذن (¬2) وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعَشَائِهِ فتعَشَّى، ثم أمر -أُرى (¬3) - فأَذَّن وأقام، ثم صلى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجر قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم. ¬
قال عبد اللَّه: هما صلاتان تُحَوَّلَانِ عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر، قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله. وفي رواية (¬1): قال عبد الرحمن بن يزيد: دخلتُ مع عبد اللَّه إلى مكة، ثم قدمنا جمعًا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما، ثم صلى الفَجْر (¬2)، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع. ثم قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن هاتين الصلاتين حُوِّلَتَا عن وقتهما في هذا المكان، المغرب (¬3) فلا يَقْدَمُ الناس جمعًا حتى يُعْتِمُوا، وصلاة الفجر هذه الساعة"، ثم وقف حتى أسفر ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنَّة. فما أدري أقولُه كان أسرعَ أم دفعُ عثمان (¬4)؛ فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة (¬5). "مُزْدَلِفَة" و"جَمْعٌ" و"المَشْعَرُ الحرام": أسماءٌ لموضع واحدٍ، والناس يخصُّون المشعر الحرام بموضع الوقوف هناك، وهو الظاهر من الحديث. 925 - وعن عمرو بن ميمون قال: شَهِدْتُ عمر صلى بجَمْعٍ الصبح، ¬
29 - باب من قدم ضعفته بليل
ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يُفيضُونَ حتى تطلع الشمس، ويقولون: أَشْرِقْ ثَبِيرُ (¬1). وإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس. * * * (29) باب من قدّم ضَعَفَتَهُ بلَيْلٍ 926 - عن سالم قال: كان عبد اللَّه بن عمر يقدم ضَعَفَةَ أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون اللَّه ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يَدْفَعَ، فمنهم من يَقْدَمُ مِنَى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يقول: أَرْخَصَ في أولئك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 927 - وعن ابن عباس قال: أنا ممن قَدَّمَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة المزدلفة ¬
في ضَعَفَةِ أهله. 928 - وعن عبد اللَّه مولى أسماء، عن أسماء: أنها نزلتْ ليلةَ جَمْعٍ عند المزدلفة، فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بُنيَّ! هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلّت ساعة ثم قالت: يا بني! هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتَحِلُوا، فارتحلنا فمضينا (¬1) حتى رمت الجمرة ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هَنْتَاهُ! ما أُرانا إلا قد غلَّسْنَا. قالت: يا بني! إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَذِنَ للظُّعُنِ. 929 - وعن القاسم، عن عائشة قالت: استأذنتْ سَوْدَةُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة جمع -وكانت ثقيلةً ثَبِطَةً (¬2) - فأَذِنَ لها. وفي رواية (¬3): قبل حَطْمَةِ (¬4) الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدَفْعِهِ، فلأن أكون استأذنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما استأذنته سودة أحبُّ ¬
30 - باب سوق الهدي وركوبه
إليّ من مفروح به. تعني: شيئًا نفيسًا يُفرح به. * * * (30) باب سَوْقِ الهدي وركوبه لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36 - 37]. قال مجاهد (¬1): سميت البدن لِبُدْنِهَا. {الْقَانِعَ}: السائِلُ، {وَالْمُعْتَرَّ}: الذي يعترُّ بالبُدن من غنيٍّ أو فقير (¬2). و{شَعَائِرِ}: استعظام البدن واستحسانها. و {الْعَتِيقِ}: عتقه من الجبابرة. يقال: {وَجَبَتْ}: سقطت إلى الأرض، ومنه: وَجَبَتِ الشمس. هذا تفسير البخاري. 930 - وعن ابن عمر قال: تَمَتَّعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهديَ من ذي الحُلَيْفَةِ، وبدأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، فتمتع الناس مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهَدْيَ، ومنهم من لم يُهْدِ. فلما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة قال للناس: "مَنْ كان منكم أَهْدَى فإنه لا يحل لشيء حَرُم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليُقَصِّرْ وليحلل ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هَدْيًا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله". فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خَبَّ ثلاثة أطواف ومشى أربعًا، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سَلَّمَ فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يَحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حَلَّ من كل شيء حَرُمَ منه. وفَعَلَ مثلَ ما فَعَلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَن أهدى وساق الهدي من الناس. 931 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال: "ارْكَبْهَا" قال: إنها بدنة، قال: "اركبها"، قال: إنها بدنة، قال: "اركبها، ويلك" في الثانية أو في الثالثة. وفي رواية (¬1): قال: فلقد رأيت راكبها يساير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والنعل في عنقها. * * * ¬
31 - باب تقليد الهدي وإشعاره وتجليله
(31) باب تقليد الهَدْي وإشعاره وتجليله 932 - عن عروة بن الزبير عن المِسْوَر بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الحديبية في بضع عشر مئةً من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قَلَّد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الهَدْيَ وأشعره (¬1) وأحرم بالعمرة. 933 - وعن عائشة قالت: فَتَلْتُ قلائدَ هَدْيِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم أَشْعَرَهَا وقلدتها (¬2)، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حَرُمَ عليه شيء كان له حلالًا (¬3). 934 - وعن عمرة بنت عبد الرحمن: أنَّ زياد بن أبي سفيان كتب إلى ¬
عائشة (¬1): أن عبد اللَّه بن عباس (¬2) قال: من أهدى هديًا حَرُمَ عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هَدْيَهُ، قالت عمرة: فقالت عائشة (¬3): ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلت قلائد هدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيدي ثم قَلَّدها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيديه، ثم بعث بها مع أبي، فلم يَحْرُمْ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيءٌ أَحَلَّهُ اللَّه (¬4) له حتى نُحر الهديُ. وفي رواية (¬5): قالت: كنت أفتل القلائد للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقلد الغنم. وفي رواية (¬6): قلائدها من عِهْنٍ (¬7) كان عندي. 935 - وعن علي -رضي اللَّه عنه- قال: أمرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أتصدق بجِلَالِ ¬
البُدْنِ (¬1) التي نحرت وبجلودها. وفي رواية (¬2): أن عليًّا قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يقوم على بُدْنِهِ، وأن يَقْسِمَ بُدْنَهُ كلها؛ لحومها وجلودها وجِلَالَها، ولا يُعْطِي في جزارتها شيئًا؛ يعني: منها. الغريب: "التَّقْلِيد": جعل القلادة في عنق الدابة، و"القِلادة": خيط من صوف أو غيره، و"العِهْن": الصوف الأحمر، و"الإشعار": هو أن تشق في إحدى صَفْحَتَيْ سنام البعير حتى يسيل الدم، وسُمِّيَ إشعارًا لأنه علامة على وجوب حكم الهَدْي في المشعر. 936 - وعن عَمْرَةَ قالت: سمعت عائشة تقول: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لخمسٍ بقين من ذي القَعْدَةِ لا نُرَى إلا الحجَّ، فلما دنونا من مكة أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من لم يكن معه هَدْيٌ إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يَحِلّ، قالت: ¬
32 - باب تحري منحر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكيفية البدن، وحال نحرها
فدُخِلَ علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أزواجه. قال القاسم: أتتك (¬1) بالحديث على وجهه. * * * (32) باب تحري مَنْحَرِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكيفية البُدْن، وحال نحرها 937 - عن نافع: أن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- كان ينحر في المنحر، قال عبيد اللَّه: منحر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي أخرى (¬2): أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- كان يبعث بهديه من جَمْعٍ من آخر الليل حتى يدخل به مَنْحَر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع حُجَّاجٍ فيهم الحُرُّ والمملوك. 938 - وعن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر (¬3) أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قيامًا مُقَيَّدة سنة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
33 - باب ما يؤكل من الهدايا وما لا يؤكل منه
939 - ومن حديث أنس: ونحر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده سبعة بُدْنٍ قيامًا، وضَحَّى بالمدينة بكبشين أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنينِ. * * * (33) باب ما يؤكل من الهدايا وما لا يؤكل منه 940 - عن ابن عمر قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك. وقال عطاء: يأكل ويُطْعِمُ من المتعة. 941 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كنا لا نأكل من لحوم بُدْنِنَا فوق ثلاثِ مِنًى، فرخص لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "كُلُوا وتَزَوَّدُوا"، فأكلنا وتَزَوَّدْنَا، قال: حتى جئنا المدينة (¬1). وقد تقدم قول عائشة: فدُخِلَ علينا يومَ النحر بلحم بقر (¬2). * * * ¬
34 - باب الذبح قبل الحلق
(34) باب الذبح قبل الحلق 942 - عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: زرت قبل أن أرمي، قال: "لا حَرَجَ" قال: حلقتُ قبل أن أذبح، قال: "لا حَرَجَ" قال: ذبحت قبل أن أرمي، قال: "لا حرج". وفي رواية (¬1): قال: سئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه، فقال: "لا حرج، لا حرج". 943 - وعن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقف في حَجَّة الوداع للناس يسألونه (¬2)، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: "اذبح ولا حرج"، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا حَرَج"، فما سُئِلَ عن شيء قُدِّمَ ولا أُخر إلا قال: "افعل ولا حرج". * * * ¬
35 - باب الحلق والتقصير عند الإحلال
(35) باب الحَلْقِ والتقصير عند الإحلال 944 - عن ابن عمر قال: حَلَقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجته. 945 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ" قالوا: والمُقَصِّرِينَ (¬1)، قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه، قال: "والمُقصِّرِينَ". وفي رواية (¬2): قال (¬3) في الرابعة: "والمقصرين". 946 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم اغفر للمُحَلِّقِينَ" قالوا: وللمقصرين (¬4)، ثلاثًا، قال: "وللمقصرين". ¬
36 - باب طواف الزيارة يوم النحر
947 - وعن ابن عباس، عن معاوية قال: قَصَّرْتُ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمِشْقَصٍ (¬1). 948 - وعنه قال: لما (¬2) قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم يَحِلُّوا ويحلقوا ويُقَصِّرُوا (¬3). * * * (36) باب طواف الزيارة يوم النحر وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس: أخر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الليل -يعني: الزيارة- ويذكر عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يزور البيت أيام منى (¬4). ¬
37 - باب الخطبة أيام منى
949 - وعن عائشة قالت: حججنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأفضنا يوم النحر. . .، الحديث. * * * (37) باب الخطبة أيام منى 950 - عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس يوم النحر فقال "أيها الناس! أيُّ يوم هذا؟ " قالوا (¬1): يومٌ حرامٌ، قال: "فأيُّ بلدٍ هذا؟ " قالوا: بلد حرام، قال: "فأيُّ شهر هذا؟ " قالوا: شهر حرام، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرائم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا" فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: "اللهم هل بلَّغت، اللهم هل بلَّغت" -قال ابن عباس (¬2): فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته- "فَلْيُبَلِّغ الشاهدُ الغائبَ، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". ¬
وفي رواية (¬1) قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب بعرفات. 951 - وعن ابن عمر نحو الحديث، وقال: وقف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، وقال: "هذا يوم الحج الأكبر" فطفق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اللهم اشهد" فودَّع الناسَ، قالوا: هذه حجة الوداع. 952 - وعن أبي بَكْرَةَ قال: خَطَبَنَا رسولُ اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم النحر قال: "أتدرون أيُّ يوم هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى، قال: "أيُّ شهرٍ هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "ذو الحجة" (¬3) قلنا: بلى، قال: "أيُّ بلد هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، ¬
38 - باب رمي جمرة العقبة
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليستْ بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى، قال "فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلَّغت؟ " قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد، وليبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". * * * (38) باب رمي جمرة العقبة 953 - عن عبد الرحمن بن يزيد: أنه حج مع ابن مسعود (¬1) فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسَبع حَصَيَاتٍ، وجعل (¬2) البيت عن يساره ومِنًى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وفي رواية (¬3): رمى جمرة العقبة فاسْتَبْطَنَ الوادي، حتى إذا حاذى ¬
39 - باب رمي الجمار الثلاث
بالشجرة اعترضها فرمى بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة ثم قال نحوَ ما تقدم. * * * (39) باب رمي الجمار الثلاث 954 - عن ابن عمر: وسأله وبرة (¬1): متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إِمَامُكَ، قال: فأعدت عليه المسألة، قال: كنا نتَحَيَّنُ إذا (¬2) زالت الشمس رمينا. 955 - وعن ابن عمر: أنه كان يرمي الجمرةَ الدُّنْيَا بسبع حصيات يكبر على إِثْرِ كل حَصَاةٍ، ثم يتقدم حتى يُسْهِلَ (¬3) فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فَيُسْهِل ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو، ويرفع (¬4) يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات ¬
40 - باب من رخص له أن يترك المبيت بمنى، وطواف الوداع
العقبة في بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف ويقول (¬1): هكذا رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله. * * * (40) باب من رخص له أن يترك المبيت بمنى، وطواف الوداع 956 - عن ابن عمر: أن العباس استأذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليبيت بمكة ليالي مِنًى؛ من أجل سقايته، فأذن له. 957 - وعن ابن عباس قال: أُمِرَ الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خَفَّفَ عن الحائض. 958 - وعن عكرمة: أن أهل المدينة سألوا ابن عباس (¬2): عن امرأة طافت ثم حاضت، قال لهم: تَنْفِرُ، قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول ¬
41 - باب نزول الأبطح والمحصب وذي طوى
زيد، قال: إذا قدمتم المدينة فاسألوا (¬1). فقدموا المدينة، فسألوا، فكان فيمن سألوا أم سُلَيْم، فذكرت حديث صفية. 959 - وقال طاوس، عن ابن عباس: أُرخص (¬2) للحائض أن تنفر إذا أفاضت. قال: وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بَعْدُ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص لهن. * * * (41) باب نزول الأَبْطَحِ والمُحَصَّبِ وذي طُوًى 960 - عن أنس بن مالك: حَدَّثَهُ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رَقْدَةً بالمُحَصَّبِ، ثم ركب إلى البيت فطاف به. تقدم من قول أنس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى العصر يوم النَّفْرِ بالأبطح (¬3). ¬
961 - وعن ابن عباس قال: ليس التَّحْصِيب بشيء (¬1)، إنما هو منزل نزله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 962 - وعن نافع: أن ابن عمر (¬2) كان يبيت بذي طُوًى بين الثَّنِيَّتَيْنِ، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة، وكان إذا قدم حاجًا أو معتمرًا لم يُنِخْ ناقتَهُ إلا عند باب المسجد، ثم يدخل، فيأتي الركن الأسود فيبدأ به، ثم يطوف سبعًا، ثلاثًا سعيًا، وأربعًا مشيًا، ثم ينصرف فيصلي سجدتين، ثم ينطلق قبل أن يرجع إلى منزله فيطوف بين الصفا والمروة. وكان إذا صَدَرَ من (¬3) الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحُلَيْفَة التي كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينيخ بها. 963 - وعنه: أنَّ ابن عمر كان يصلي بها -يعني: المُحَصَّب- الظهر ¬
42 - باب التجارة أيام الموسم
والعصر -الحديث- ويذكر ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 964 - وعنه: أن ابن عمر كان إذا أقبل بات بذي طُوًى حتى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مَرَّ بذي طُوًى وبات بها حتى يصبح، وكان يذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفعل ذلك. * * * (42) باب التجارة أيام الموسم 965 - عن ابن عباس: كان ذو المَجَازِ وعُكَاظٌ مَتْجَرَ الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج. * * * (43) باب حُكْم العمرة وفضلها، وفضل عمرة رمضان، ومن اعتمر قبل أن يحج، وكم اعتمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ابن عباس (¬1): ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة. ¬
وقال ابن عباس: إنها لقرينتها في كتاب اللَّه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. 966 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العُمْرَة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". 967 - وعن ابن عمر -وسأله عكرمة بن خالد عن العمرة قبل الحج- قال: لا بأس، قال عكرمة: قال ابن عمر: اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يحج. 968 - وعن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة، ثم قال له: كم اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أربع (¬1) إحداهن في رجب، فكرهنا أن نردَّ عليه. قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: ¬
يا أُمَّاهُ! يا أم المؤمنين! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتمر أربع عمرات، إحداهن في رجب. قالت: يرحم اللَّه أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط. 969 - وعن قتادة قال: سألت أنسًا -رضي اللَّه عنه-: كم اعتمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أربع: عمرة الحديبية في ذي القَعْدَة حيث صدَّه المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجِعِرَّانةَ إذ قسم غنيمة -أُرَاه- حنين، قلت: كم حج؟ قال: واحدة. وفي رواية (¬1): وعمرة مع حجته. 970 - وعن ابن عباس: لما رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من حجته قال لأم سنان الأنصارية: "ما منعك من الحج؟ قالت: أبو فلان -تعني: زوجها- حج على أحدهما (¬2)، والآخَرُ يسقي أرضًا لنا، قال: "فإن عُمْرَة ¬
44 - باب التنعيم ميقات للعمرة
رمضان تقضي حجة" أو "حجة معي (¬1) ". * * * (44) باب التنعيم ميقات للعمرة وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعْمِرْهَا من التنعيم" (¬2). 971 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أهلّ وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هَدْيٌ، غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وطلحة، وكان عَلِيٌّ قدم من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللت بما أَهَلَّ به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَذِنَ أصحابَه أن يجعلوها عمرة، يطوفوا ثم يُقَصِّرُوا وَيحِلُّوا، إلا من معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى مِنًى وذَكَرُ أحدِنا يَقْطُر؟ ! فبلغ ذلك (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أَهْدَيْتُ، ولولا أنَّ معي الهدي لأحللت"، وأن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت، قال: فلما طهرت وطافت قالت: يا رسول اللَّه! أينطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحَجَّةِ، وأن سراقة بن مالك بن جُعْشُم لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعقبة ¬
45 - باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج
وهو يرميها فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول اللَّه؟ قال: "لا، بل للأبد". * * * (45) باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج 972 - عن يَعْلَى بن أمية: أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بالجِعِرَّانةَ وعليه جُبَّةٌ، وعليه أثر الخَلُوقِ -أو قال: صُفْرَةٌ- فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل اللَّه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسُتِرَ بثوب ووَدِدْتُ أني قد رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أُنْزِلَ عليه الوحي، فقال عمر: تعال، أَيَسُرُّك أن تنظر إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أنزل عليه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غَطِيط -وأَحْسَبُه قال: كغَطِيط البَكْرِ- فلما سُرِّيَ عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجُبَّة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأَنْقِ الصفرة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك". * * * (46) باب متى يحل المعتمر، ومن طاف محروسًا 973 - عن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى قال: اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- _______ 972 - خ (1/ 542)، (26) كتاب العمرة، (10) باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، من طريق همام، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه به، رقم (1789). 973 - خ (1/ 542 - 543)، (26) كتاب العمرة، (11) باب متى يحل المعتمر، من =
واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف، وطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما (¬1) معه، وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد، فقال له صاحب لي: أكان دخل الكعبة؟ قال: لا. قال: فحدثنا ما قال لخديجة قال: "بشروا خديجة ببيت في الجنة من قَصَبٍ، لا صخب فيه ولا نَصَب". 974 - وعن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن رجل طاف في عمرته (¬2) ولم يطف بين الصفا والمروة، أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة سبعًا، وقد كان لكم في رسول اللَّه أُسْوَة حسنة. قال: سألنا جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- فقال: لا يَقْرَبَنَّها حتى يَطُوفَ بين الصفا والمروة. 975 - ومن حديث أبي موسى الأشعري قال: قَدِمْتُ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبطحاء وهو مُنْبَطِحٌ (¬3)، فقال له "بم أهللت؟ " قال: قلت: بإهلالٍ كإهلال ¬
47 - باب جامع في الرجوع من السفر وما يقول فيه
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "أَحْسَنْتَ طُفْ بالبيت، وبالصفا والمروة ثم أحل. . . " وذكر نحو ما تقدم (¬1). 976 - وعن أسماء بنت أبي بكر: أنها كانت تقول كلما مرت بالحَجُون: صلى اللَّه على رسوله (¬2)، لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذ خِفَافٌ قليل ظَهْرُنَا، قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مَسَحْنَا البيت أحللنا، ثم أهللنا من العَشِيِّ بالحج. * * * (47) باب جامع في الرجوع من السفر وما يقول فيه 977 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قفل من غَزْوٍ أو حَجٍّ أو عمرة يكبِّر على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: "لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء ¬
قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون. صدق اللَّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". 978 - وعن ابن عباس قال: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة استقبلتنا (¬1) أُغَيْلِمَة بني عبد المطلب فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه. 979 - وعن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَطْرُقُ أهلَهُ؛ كان لا يدخل إلا غُدوةً أو عَشِيَّةً. 980 - وعن جابر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَطْرُقَ أهله ليلًا. 981 - وعن أنس قال: كان النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قَدِمَ من سفرٍ فأبصر دوحات (¬3) ¬
المدينة أَوْضَعَ (¬1) ناقته، وإن كانت دابة حركها. وفي رواية (¬2): من حُبِّها. وفي رواية (¬3): جُدُرَاتِ. 982 - وعن البراء قال: نزلت هذه الآية فينا؛ كان الأنصار إذا حَجُّوا فجاؤوا لم يدخلوا من قِبَلِ أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبَلِ بابه فكأنه عُيِّر بذلك، فنزلت: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]. 983 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "السفر قطعة من العذاب (¬4)، يمنع أَحَدَكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نَهْمَته فَلْيُعَجِّلْ إلى أهله". ¬
48 - باب الإحصار في الحج والعمرة بعدو أو مرض
984 - وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت مع عبد اللَّه بن عمر (¬1) بطريق مكة، فبلغه عن صفية بنت أي عبيد شِدَّةَ وَجَعٍ، فأسرع السير، حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعَتَمة -جمع بينهما- ثم قال: إني رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جَدَّ به السير أخر المغرب وجمع بينهما. * * * (48) باب الإِحْصَارِ في الحج والعمرة بعدوٍ أو مرضٍ وقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. قال عطاء: الإحصار من كل شي يحبسه (¬2). وقد تقدم حديث ابن عمر، وقوله: إن صُدِدْتُ عن البيت صنعنا (¬3) كما ¬
صنعنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الحديبية (¬1). 985 - وعن ابن عباس قال: أُحْصِرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه، حتى اعتمر عامًا قابلًا. 986 - وعن سالم: أنه يقول: أليس حَسْبُكم (¬2) سُنَّةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إِنْ حُبِسَ أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حَلَّ من كل شيء حتى يحج عامًا قابلًا (¬3). قلت: يعني حُبِسَ بمرض (¬4). ¬
49 - باب من قال: ليس على المحصر بدل
987 - وعن ابن عمر قال: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كفار قريش دون البيت، فنحر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُدْنَهُ وحلق رأسه. 988 - وفيه عن المِسْوَر بن مَخْرَمَة. * * * (49) باب من قال: ليس على المُحْصِرِ بَدَلٌ قال ابن عباس (¬1): إنما البدل على من نقض حَجَّهُ بالتلذذ، فاما من حبسه عذرٌ أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع، وإن كان معه هَدْيٌ وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن استطاع أن يبعث به لم يَحِلّ حتى يبلغ الهدي محله. وقال مالك وغيره: ينحر هديه ويَحْلِقُ في أي موضع كان ولا قضاء عليه؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف، وقبل أن يصل الهَدْيُ إلى البيت، ثم لم يُذكر أن ¬
50 - باب قول الله عز وجل: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أحدًا أن يَقْضُوا شيئًا ولا يعودوا له (¬1). وقد تقدم من حديث ابن عمر (¬2). * * * (50) باب قول اللَّه عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] 989 - وعن كعب بن عُجْرَةَ قال: وقف عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحديبية ورأسي يتهافت قُمْلًا، فقال: "يؤذيك هوامُّك؟ " قلت: نعم. قال: "فاحلق رأسك" أو: "احلق" (¬3) قال: فيَّ نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} إلى آخرها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفَرَقٍ (¬4) بين ستة، أو انسُك بما تيسر". وفي لفظ آخر (¬5): "احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة ¬
51 - باب لا يجوز للمحرم أن يصيد ولا أن يدل على الصيد
مساكين، أو انْسُك بشاة". وفي رواية (¬1): أنه عليه السلام قال له: "تجد شاة؟ " فقلت: لا، قال: "فَصُمْ ثلاثةَ أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع"، وهي من رواية عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد اللَّه بن معقل عن كعب، والأولى أشهر واكثر. * * * (51) باب لا يجوز للمحرم أن يصيد ولا أن يدل على الصيد 990 - عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، أن أباه حدثه قال: فانطلقنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يُحْرِمْ (¬2)، ¬
فأُنْبِئْنَا بعدُوّ بغَيْقَةٍ، فتوجهنا نحوهم، فبَصُرَ أصحابي بحمار وَحْش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، فنظرت فرأيته، فحملت عليه الفرس، فطعنته فأَثْبَتُّه، فاستعنتهم فأَبَوْا أن يعينوني، فأكلنا منه. ثم لحقت برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخشينا أن نُقْتَطَعَ، أرفع فرسي شَأْوًا، وأسير عليه شَأْوًا، فلقيت رجلًا من بني غفار في جوف الليل، فقلت له: أين تركت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: تركته بِتَعْهِنَ، وهو قائل السُّقيا، فلحقت برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أتيته، فقلت يا رسول اللَّه! إن أصحابك أرسلوا يقرؤونَ عليك السلام ورحمة اللَّه وبركاته، وإنهم قد خَشُوا أن يقتطعهم العدو دونك، فانظرهم، ففعل. فقلت: يا رسول اللَّه! إنَّا اصَّدْنَا حمار وحش، وإن عندنا فاضلة. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: "كلوا"، وهم مُحْرِمُون. وفي رواية (¬1): وقع سوطه (¬2)، فقالوا: لا نعينك عليه بشيء نحن محرمون (¬3). وفي آخره: "كلوه حلال". وفي رواية (¬4): فقال: "منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " ¬
قالوا: لا، قال: "كلوا ما بقي من لحمها". وفي رواية (¬1): قال أبو قتادة: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقاحة من المدينة على ثلاث. الغريب: "نُقْتَطَعَ" من القطع؛ أي: يحال بيننا وبينه، و"الشَّأْو": الطلق. و"تَعْهِن": بفتح التاء وسكون العين وكسر الهاء هي روايتنا، وهي المشهورة، قال أبو ذر: وقد سمعنا أهل ذلك الماء يقولون: "تَعْهَن" فيفتحون الهاء. قال غيره: وقد سمع من العرب من يقول: "تُعَهن" فيضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء، وهي عين ماء على ميل من السُّقْيَا -بالقاف لا بالفاء- وهو وادي العبادير، على ثلاث مراحل من المدينة، والموضع الذي ذلك الماء فيه يسمى: القاحة -واللَّه أعلم- بالقاف والحاء المهملة. و"قائل": اسم فاعل من القائلة لا من القول. و"غيقة": بالغين المعجمة والقاف بينهما ياء -باثنتين من تحتها- موضع ببلاد غِفار بين مكة والمدينة. * * * ¬
52 - باب إذا خاف المحرم أن يكون الصيد صيد له لم يأكل
(52) باب إذا خاف المحرم أن يكون الصيد صِيدَ له لم يأكل 991 - عن عبد اللَّه بن عباس: عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَة الليثي أنه أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء -أو بودَّان- فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنَّا لم نرده عليك، إلا أنَّا حُرُم". * تنبيه: قال أبو محمد الأصيلي: إنما قبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمار البهزي لأنه كان مكتسبًا بالصيد فحمله على عادته، ورد حمار الصعب لظنه أنه صاده من أجله، أو لتوقعه ذلك، فيكون ترك الأكل منه ورعًا، واللَّه أعلم. * * * (53) باب ما يقتل المُحْرِمُ من الدواب 992 - عن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمْسٌ من الدوابِّ لا حرج علي من قتلهن: الغراب، والحِدَأَة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور". _______ 991 - خ (2/ 10)، (28) كتاب جزاء الصيد، (6) باب إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًّا لم يقبل، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ابن مسعود، عن عبد اللَّه بن عباس، عن الصعب بن جثامة به، رقم (1825)، طرفاه في (2573، 2596). 992 - خ (2/ 11)، (28) كتاب جزاء الصيد، (7) باب ما يقتل المحرم من الدواب، من طريق ابن شهاب، عن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر، عن حفصة به، رقم (1828).
54 - باب لا يعضد شجر الحرم، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده، ولا يحل القتل بمكة
993 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق يُقْتَلْنَ في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". 994 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: بينا (¬1) نحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غار بمنى إذ نزلت (¬2) عليه: {وَالْمُرْسَلَاتِ} وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حَيَّةٌ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقتلوها" فابتدرناها، فذهبَتْ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وُقيت شركم كما وُقيتُمْ شرها". قال أبو عبد اللَّه: إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم وأنهم لم يروا بقتل الحية بأسًا. * * * (54) باب لا يُعْضَد شجر الحرم، ولا يُخْتَلَى خَلاه، ولا يُنَفّر صيده، ولا يحل القتل بمكة 995 - عن أبي شريح العدوي -واسمه خويلد بن عمرو، ¬
وقيل: ابن صخر- أنه قال لعَمْرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الغد (¬1) من يوم الفتح، فسمعَتْه أُذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "إن مكة حرمها اللَّه، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يَعْضِدَ بها شجرة، فإنْ أحدٌ ترخَّصَ لقتال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقولوا له: إن اللَّه أَذِنَ لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب" فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شُرَيْح، إن الحرم لا يُعِيذُ عاصيًا، ولا فَارًّا بدَمٍ، ولا فارًا بخُربَةٍ. 996 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم افتتح مكة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنْفِرْتُم فانفروا، فإن هذا بلد حَرَّمَهُ اللَّه يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يَحِلَّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، لا يُعْضَد شوكه ولا يُنَفَّر صيده ولا يَلْتَقِط لقطته إلا من عَرَّفَهَا، ولا يُخْتَلَى خَلَاهَا" قال العباس: يا رسول اللَّه! إلا الإِذْخِرَ، فإنه ¬
55 - باب ما يجتنبه المحرم من اللباس وغيره
لِقَيْنِهِمْ ولبيوتهم، قال: "إلا الإذخر". الغريب: "العَضْد": القطع، و"المِعْضَد": الآلة التي يقطع بها، و"اسْتُنْفِرْتُم": أمرتم بالنَّفْرِ، وهو الخروج للغزو، و"اللُّقْطَة": الشيء الملتقط، وصوابه بسكون القاف، والمحدثون يقولونها بفتحها، وهو غلط، وإنما اللُّقَطَةُ بالفتح: الآخذ لِلَّقطة؛ على قياس: صُرْعة وصُرَعة. و"الخلا": الرطب من النبات. و"الحشيش": هو اليابس و"الكلأ" بالهمز، يقال على كل منهما، و"الشجر": ما كان على ساقٍ، و"النجم" من النبات: ما لم يكن على ساق، و"الخربة" الرواية المشهورة بالفتح، وضبطه الأصيلي بالضم، وهي الفساد والسرقة، و"الخارب": اللص، وقيل: سارق الإبل خاصة. و"القَيْن": الحداد؛ وقد يقال على الصانع مطلقًا. * * * (55) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس (¬1) وغيره 997 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: قام رجل فقال: يا رسول اللَّه! ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلبسوا القُمُص (¬2)، ¬
56 - باب ما يجوز للمحرم فعله، وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم، ويتداوى بما لم يكن فيه طيب
ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البَرَانِسَ، إلا أن يكون أحدٌ ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا مَسّه زعفران ولا الوَرْسُ، ولا تنتقب المحرمة" (¬1). 998 - وعن عبد اللَّه بن عباس قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب بعرفات: "مَنْ لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم". * * * (56) باب ما يجوز للمحرم فعله، وكَوَى ابنُ عمر ابنه وهو محرم، ويتداوى بما لم يكن فيه طيب 999 - عن ابن عباس قال: احتجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُحْرِمٌ. ¬
باب
1000 - وعن ابن بُحَيْنَةَ قال: احتجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُحْرِمٌ بِلَحْي جمل (¬1) في وسط رأسه. 1001 - وعن البراء: اعتمر رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذي القَعْدَةِ، فأبى أهل مكة أن يَدَعُوهُ يدخل مكة حتى قاضاهم: لا يدخل مكة بسلاح (¬3) إلا في القراب. * * * باب 1002 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو مُحْرِم. قلت: قد صح أن ميمونة قالت: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوج بها وهو حلال. ¬
57 - باب سنة المحرم إذا مات
وقد تُؤُول حديثُ ابن عباس على أنه عليه السلام كان في الحرم حيث تزوج بها. واللَّه أعلم. * * * (57) باب سُنَّةِ المُحْرِمِ إذا مات 1003 - عن ابن عباس قال: بينما (¬1) رجل واقف مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعرفة إذ وقع عن راحلته فوَقَصَتْهُ -أو قال: أَوْقَصَتْهُ (¬2) - فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغسلوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفنوه في ثوبين (¬3)، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه (¬4)؛ فإن اللَّه يبعثه يوم القيامة يلبي". وفي أخرى (¬5): "ولا تُمِسوه طِيبًا". الغريب: "وقَصَتْه": أوقعته فاندقت عنقه. يقال: وُقِصَ الرجلُ فهو موقوص ¬
58 - باب الحج عن الميت وعن المعضوب وعن الصبي
ثلاثيًا، وقد جاء رباعيًا. والأول أفصح. * * * (58) باب الحج عن الميت وعن المعضوب وعن الصبي 1004 - عن ابن عباس: أنَّ امرأة من جُهَيْنَةَ جاءت النبيَّ (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت (¬2): إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفاحج عنها؟ قال: "نعم حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمك ديهنٌ، أكنتِ قاضِيتَه؟ اقضوا اللَّه؛ فاللَّه أحق بالوفاء". هذه رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وقد رواه سليمان بن يسار (¬3) عن ابن عباس فقال: كان الفضلُ رديف رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاءت امرأة من خَثْعَم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَصْرِفُ وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة اللَّه أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا شِبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ ¬
59 - باب الحج للنساء أفضل من الجهاد، وحجهن مع الزوج أو ذي المحرم
قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع. 1005 - وعن السائب بن يزيد قال: حُجَّ بي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا ابن سبع سنين. 1006 - وقال عمر بن عبد العزيز: وكان السائب بن يزيد قد حج به في ثَقَلِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (59) باب الحج للنساء أفضل من الجهاد، وحجهن مع الزوج أو ذي المحرم 1007 - عن عائشة أم المؤمنين قالت: قلت: يا رسول اللَّه! ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: "لكنَّ أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور" قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1008 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا تسافر المرأة إلا مع ذي _______ 1005 - خ (2/ 19)، (28) كتاب جزاء الصيد، (25) باب حج الصبيان، من طريق حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد به، رقم (1858). 1006 - خ (2/ 19)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق القاسم بن مالك، عن الجعيد بن عبد الرحمن، عن عمر بن عبد العزيز به، رقم (1859). 1007 - خ (2/ 19)، (28) كتاب جزاء الصيد، (26) باب حج النساء، من طريق عبد الواحد، عن حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة به، رقم (1861). 1008 - خ (2/ 19)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق حماد بن زيد، عن =
60 - باب من نذر المشي إلى الكعبة لزمه فإن لم يستطع ركب وعليه الهدي
مَحْرَمٍ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها مَحْرَمٌ" فقال رجل: يا رسول اللَّه إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج؟ فقال: "اخرج معها". 1009 - ومن حديث جابر: "لا تسافر المرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها، أو ذو مَحْرَمٍ". وقد أَذِنَ عمر لأزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف (¬1). * * * (60) باب من نذر المشي إلى الكعبة لزمه فإن لم يستطع ركب وعليه الهدي 1010 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى شيخًا يُهَادَى بين ابْنَيْهِ، قال: ¬
61 - باب فضل المدينة وتحريمها
"ما بال هذا؟ " قال: نذر أن يمشي، قال: "إن اللَّه، عن تعذيب هذا نفسَه لَغَنِيٌّ، مُرْهُ (¬1) أن يركب". 1011 - وعن عقبة بن عامر قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت اللَّه، وأمرتني أن أستفتي لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لتمش، ولتركب". 1012 - ومن حديث أبي سعيد الخدري: "لا تُشَدَّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، والمسجد الأقصى". * * * (61) باب فضل المدينة وتحريمها 1013 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "أُمِرْتُ بقريةٍ ¬
تأكل (¬1) القُرَى. يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس (¬2) كما يَنْفِي الكير خَبَثَ الحديد". 1014 - وعن سفيان بن أبي زهير أنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تُفْتَحُ اليمن، فيأتي قوم يَبُسُّونَ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام، فيأتي قوم يَبُسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". 1015 - وعن أبي حُمَيْد: أقبلنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من تبوك حتى أشرفنا ¬
على المدينة فقال: "هذه طابة". 1016 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الإيمان لَيَأْرِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحية إلى جُحْرِهَا". 1017 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "حُرِّمَ ما بين لَابَتَي المدينة على لساني" قال: وأتى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بني حارثة فقال: "أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحَرَمِ" ثم التفت قال: "بل أنتم فيه". 1018 - وعن علي -رضي اللَّه عنه- قال: ما عندنا شيء إلا كِتَاب اللَّه، وهذه الصحيفة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة حَرَمٌ ما بين عَائِر إلى ثور (¬1)، من أحدث فيها حَدَثًا أو آوى مُحْدِثًا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يُقْبَل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ" وسيأتي. ¬
1019 - وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة حَرَمٌ من كذا إلى كذا، لا يُقْطَعُ شَجَرُهَا ولا يُحْدَث فيها حَدَثٌ، من أحدث حدثًا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين". الغريب: "كل القرى"؛ أي: يُجْبَى إليها خراجها، و"يثرب": مأخوذ من الثَّرْب: وهو شحم البطن، أو من الثَّرَب: وهو المؤاخذة والذم، و"يَبُسُّون": يزجرون الإبل بقولهم: بَس بَس، وهو صوتٌ تزجر به الإبل؛ ويقال رباعيًّا وثلاثيًّا، و"يَتَحَمَّلُون": يَحِلُّون، و"طابة": من الطيب، وكأنه صيّره علمًا للمدينة، و"لأَبتَا المدينة": هما الحَرَّتَان الشرقية والغربية، و"النَّقْبُ": الطريق في الجبل، و"يَأْرِزُ": يجتمع، و"عَائر" كذا وقع هنا، وفي "كتاب مسلم": "عَيْر"، قال الزهري: هو جبل بمكة، وقال غيره: ليس بالمدينة "عَيْر" ولا "ثَوْر"، وإنما هما بمكة، وأما "ثور" فكذلك رواه الأصيلي، وكنى غيره عنه بـ "كذا"، وبعضهم ترك موضعه أبيضَ، قال أبو عبيد: كأن الحديث: "من عَيْر إلى أُحُدٍ" (¬1). و"الصَّرْف": الفريضة، و"العَدْل": النافلة، قاله الأصمعي، وقيل غيرُ ذلك. * * * ¬
62 - باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وتنفي الشرار
(62) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وتنفي الشرار 1020 - عن أبي بَكْرَةَ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يدخل المدينة رُعْبُ المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب لكل باب ملكان (¬1) ". 1021 - وعن أنس بن مالك، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس من بلدٍ إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس (¬2) من نقابهما (¬3) إلا عليها (¬4) الملائكة صَافِّينَ يحرسونها، ثم تَرْجُف المدينة بأهلها ثلاث رَجَفَات فيخرج إليه كلُّ كافر ومنافق". 1022 - ومن حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يأتي ¬
الدجال وهو مُحَرَّمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة، ينزل بعضَ السباخ التي بالمدينة" الحديث وسيأتي. 1023 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال". 1024 - وعن جابر: جاء أعرابي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعه على الإسلام، فجاء من الغد محمومًا فقال: أَقِلني، فأَبَى، ثلاث مرارٍ، فقال: "المدينة كالكِير تنفي خَبَثَهَا، ويَنْصَعُ طِيبُهَا" (¬1). 1025 - ومن حديث زيد بن ثابت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنها تنفي الدجال" (¬2). الغريب: "الدجال": هو الكذاب المموِّه بكذبه، و"يَنْصَعُ": يخلص وَينِمّ، ويُروى ¬
63 - باب الدعاء للمدينة وعلى من كاد أهلها والمنع من أن تغزى
"طيبها" بكسر الطاء وفتحها، والكسر أنسب، لينصع. و"تَرْجُف": تضطرب وتتحرك؛ يعني: أهلها. * * * (63) باب الدعاء للمدينة وعلى من كاد أهلها والمنع من أن تغزى 1026 - عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللهم (¬1) اجعل بالمدينة ضِعْفَيْ ما جعلتَ بمكة من البركة". 1027 - وعن سعد قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يكيد أهلَ المدينة أحد إلا انْمَاعَ كما يَنْمَاع الملح في الماء". 1028 - وعن أنس قال: أراد بنو سَلِمَةَ (¬2) أن يتحولوا إلى قرب المسجد، ¬
64 - باب حب النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة والصبر على شدتها
فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُعْرَى المدينة، وقال: "يا بني سَلِمة" ألا تحتسبون آثاركم؟ " (¬1). الغريب: "انماع" هنا: ذاب، وهو هنا كناية عن الهلاك، و"يكيد": يخدع ويسعى في مضرة أهلها، و"تُعْرَى"؛ أي: تُخْلَى عن المساكن التي حولها فتبقى عارية. * * * (64) باب حب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة والصبر على شدتها 1029 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قدم من سفر فنظر إلى جُدُرَاتِ المدينة أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حُبِّهَا. 1030 - وعن عائشة قالت: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وُعِكَ أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئٍ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموت أدنى من شِراك نعله ¬
وكان بلال إذا أقلع عنه الحُمَّى (¬1) يرفع عقيرته ويقول (¬2): ألا ليت شِعْرِي هل أبيتَنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي إذْخِرٌ وجَلِيلُ وهل أَرِدَنْ يومًا مياهَ مَجِنَّةٍ ... وهل يَبْدُونْ لي شامة وطَفِيل وقال (¬3): "اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء"، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صَاعِنا وفي مُدِّنَا، وصَحِّحْهَا لنا، وانقل حُمَّاها إلى الجُحْفَةِ" قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبا أرض اللَّه، قالت: فكان بُطْحَان يجري نَجْلًا. تعني: ماءً آجنًا. 1031 - وعن حفصة بنت عمر قالت: سمعت عمر يقول؛ اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك (¬4). 1032 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بين بيتي ومنبري ¬
65 - باب الاشتراك في الهدي
روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي". الغريب: "أَوْضَعَ ": أسرع، و"وُعِكَ": أصابه الوَعَكُ؛ أي: الحمى، و"العَقِيرةُ" هنا: الصوت، و"الإذخر والجليل": نباتان، و"مِجَنَّة": وادٍ من أودية المدينة، و"الآجِن": الماء المتغير. * * * (65) باب الاشتراك في الهدي 1033 - عن عطاء، عن جابر، وعن طاوسٍ، عن ابن عباس قالا: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه صُبْحَ رابعةٍ من ذي الحجة مُهِلُّون بالحج لا يخلطهم شيء، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحل إلى نسائنا، ففشت في ذلك القالة. قال عطاء: قال جابر: فيروح أحدنا إلى مِنًى وذكره يقطر مَنِيًّا؟ فقال جابر بِكَفِّه، فبلغ ذلك النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقام خطيبًا فقال: "بلغني أن أقوامًا يقولون كذا وكذا، واللَّه لأنا أَبَرُّ وأتقى للَّه منهم، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أنَّ معي الهدي لأحللت" فقام سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم فقال: يا رسول اللَّه! هي لنا أو للأبد؟ قال: "لا للأبد". _______ 1033 - خ (2/ 208 - 209)، (47) كتاب الشركة، (15) باب الاشتراك في الهدي والبدن، من طريق ابن جريج، عن عطاء، وعن طاوس بهما، رقم (2505، 2506).
قال: وجاء علي بن أبي طالب، فقال أحدهما: يقول: لبيك بما أهل به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال الآخر: لبيك بحجة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقيم في إحرامه وأشْرَكَه في الهدي. * * *
23 - كتاب البيوع
(23) كتاب البيوع
1 - باب ما جاء في التجارة، واتخاذ الأسواق، وابتغاء الفضل، وقوله: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]، وقوله: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء: 29]، وقوله: {وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10]
(23) كتاب البيوع (1) باب ما جاء في التجارة، واتخاذ الأسواق، وابتغاء الفضل، وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وقوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وقوله: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] 1034 - عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- (¬1) قال: لقد علم قومي أن حِرْفَتِي لم تكن تَعْجِزُ عن مَئُونَةِ أهلي، وشُغِلْتُ بأمر المسلمين، فسيأكل آلُ أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه. 1035 - ومن حديث أبي موسى: قال عمر: ألهاني الصَّفْقُ بالأسواق ¬
يعني: الخروج إلى التجارة. 1036 - وعن أنس قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعدٌ ذا غِنًى، فقال لعبد الرحمن: أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال: بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، دُلُّوني على السوق، فما رجع حتى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وسمنًا. . .، الحديث وسيأتي. 1037 - وعن ابن عباس قال: كانت عُكَاظ ومَجِنَّة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج. قرأها ابن عباس. * * * _______ = التجارة، من طريق عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي موسى به، وطرفاه في (6245، 7353). 1036 - خ (2/ 73)، (34) كتاب البيوع، (1) باب ما جاء في قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}، من طريق زهير، عن حميد، عن أنس به، رقم (2049)، أطرافه في (2293، 3781، 3937، 5072، 5148، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386). 1037 - خ (2/ 73)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس به، رقم (2050).
2 - باب كراهة التجارة إذا ألهت عن ذكر الله، وخير الكسب
(2) باب كراهة التجارة إذا ألهت عن ذكر اللَّه، وخير الكسب وقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. قال قتادة: كان القوم يتبايعون وَيتَّجِرُون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق اللَّه لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه (¬1). 1038 - وعن جابر قال: أقبلت عِيرٌ ونحن نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَانْفَضَّ الناسُ إلا اثنا عشر رجلًا، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. 1039 - وعن المقدام، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي اللَّه داود كان يأكل من عمل يده". 1040 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان ¬
3 - باب الحلال بين والحرام بين، واتقاء الشبهات وتفسيرها
لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال، أم من الحرام". * * * (3) باب الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّن، واتقاء الشبهات وتفسيرها 1041 - عن النعمان بن بشير قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شُبِّهَ عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى اللَّه، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه". وقال حسان بن أبي سنان (¬1): ما رأيت أهون من الورع، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وسيأتي حديث عقبة بن الحارث الذي قال فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف وقد قيل؟ ". وقوله لسودة زوجته: "احتجبي منه" لِمَا رأى من شبهه بعتبة، وقوله: "لا تأكل، إنما سَمَّيْتَ على كلبك ولم تسم على الآخر". وسيأتي كل ذلك. ¬
4 - باب النفقة من الكسب الطيب، وقوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267]
وقد تقدم اجتنابه عليه السلام للتمرة الساقطة على فراشه مخافة أن تكون من الصدقة. * * * (4) باب النفقة من الكسب الطيب، وقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] 1042 - عن عائشة قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غيرَ مُفْسِدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا يَنْقُصُ بعضهم أجر بعض شيئًا". 1043 - وفي طريق أخرى: "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره، فله (¬1) نصف أجره". * * * ¬
5 - باب إثم آكل الربا وشاهده وكاتبه وقوله تعالى: {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} إلى قوله تعالى: {لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 275 - 279]
(5) باب إثم آكل الربا وشاهده وكاتبه وقوله تعالى: {لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} إلى قوله تعالى: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 275 - 279] 1044 - عن سَمُرَة بن جُنْدَب قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر (¬1) رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحَجَرٍ فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا". 1045 - وعن عون بن أبي جُحَيْفَةَ قال: رأيت أبي اشترى عبدًا حَجَّامًا، ¬
6 - باب ما يمحق بركة الكسب، ووجوب الصدق في البيع
فسألته، فقال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وثمن الدم، ونهى عن الوَاشِمَة والموشومة وآكل الربا ومُوكِلُه، ولعن المُصَوِّر. الغريب: "الواشمة": هي التي تصنع الوشوم؛ وهي شروط في الوجه تغير بالكحل. و"الموشومة": هي التي يُفْعَلُ بها ذلك، و"آكل الربا": آخذه. و"مُوكِلُه": الحامل عليه والمُعِين على أكله، و"المصور": يعني به مصوِّرَ ما لَه روحٌ. * * * (6) باب ما يمحق بركة الكسب، ووجوب الصدق في البيع 1046 - عن حكيم بن حِزَام، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرَّقا -أو قال: حتى يتفرقا- فإن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحِقَت بركة بيعهما". 1047 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول _______ 1046 - خ (2/ 83)، (34) كتاب البيوع، (22) باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن حكيم بن حزام به، رقم (2082). 1047 - خ (2/ 84 - 85)، (34) كتاب البيوع، (26) باب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}، من طريق ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (2087).
"الحلف (¬1) مَنْفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبركة" (¬2). 1048 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى: أن رجلًا أقام سلعة وهو في السوق، فحلف باللَّه: لقد أُعْطِيَ بها ما لم يُعْطَ؛ ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] الآية. قال البخاري (¬3): ويذكر عن العَدَّاء بن خالد قال: كتب لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا ما اشترى محمد رسول اللَّه من العدَّاء بن خالد بيع المسلم المسلم (¬4)، لا داءَ ولا خِبْثَة ولا غائلة". قال قتادة: الغائلة: الزِّنا والسرقة والإباق. قال غيره: والخبثة: اسم للغش وهو بكسر الخاء. * * * ¬
7 - باب أجر إنظار المعسر، والتجاوز عن الموسر
(7) باب أجر إنظار المُعْسِر، والتجاوز عن المُوسر 1049 - عن حذيفة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: عملت (¬1) من الخير شيئًا؟ قال: كنت أُيَسِّر على الموسر وأُنْظِر المعسر، قال (¬2): قال: فتجاوزوا عنه". 1050 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كان تاجر يُدَايِن الناس، فإذا رأى معسرَا قال لفتاه (¬3): تجاوزوا عنه لعل اللَّه أن يتجاوز عنا، فتجاوز اللَّه عنه". * * * (8) باب جواز محاولة الصنائع من الصياغة والخياطة والتجارة 1051 - عن حسين بن علي: أن عليًّا قال: كانت لي شارف من نصيبي ¬
من المَغْنَمِ، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاني شارفًا من الخُمُس، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واعدتُ رجلًا صوَّاغًا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإِذْخِر أردت أن أبيعه من الصَّوَّاغين وأستعين به في وليمة عُرْسِي. 1052 - وعن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه حَرَّمَ مكة، فلم (¬1) تحل لأحدٍ قبلي ولا لأحدٍ بعدي، وإنما أُحِلَّتْ لي ساعة من نهار، لا يُخْتَلَى (¬2) خَلَاهَا، ولا يُعْضَدُ شجرها، ولا يُنَفَّرُ صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلا لمُعَرِّف" (¬3). فقال (¬4) عباس بن عبد المطلب: إلا الإذْخِر لصاغتنا ولسُقُفِ بيوتنا. فقال: "إلا الإذخر". وفي رواية (¬5): "إلا الإذخر فإنه لِقَيْنِهِمْ ولبيوتهم". ¬
1053 - وعن خَباب قال: كنت قَيْنًا (¬1) في الجاهلية، وكان لي على العاصي بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال (¬2): لا أعطيك حتى تكفر بمحمد (¬3)، فقلت: لا أكفر حتى يميتك اللَّه ثم يبعثك (¬4)، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتى مالًا وولدًا فأقضيك، فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] (¬5). 1054 - وعن أنس بن مالك قال: إنَّ خياطا دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك الطعام، فَقَرَّبَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خُبزًا ومرقًا فيه دُبَّاء وقَدِيد، فرأيتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَّبع (¬6) الدُّبَّاء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدُّبَّاء من يومئذ. ¬
9 - باب خيار المجلس وخيار الشرط
1055 - وعن سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ ببُرْدَةٍ -قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجتُ هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- محتاجًا (¬1) إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! اكسنيها، فقال: نعم، فجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه. فقال له القوم: ما أَحْسَنْتَ، سألتها إياه لقد عرفت أنه لا يرد سائلًا، فقال الرجل: واللَّه ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنَه. وقد تقدم قوله عليه السلام للأنصارية: "مُرِي غلامَك النجار يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها". * * * (9) باب خيار المجلس وخيار الشرط 1056 - عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَيِّعَان (¬2) ¬
بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر"، وربما قال: "أو يكون بيع خيار". وفي رواية (¬1) قال: "المتبايعان كلُّ واحدٍ منهما بالخيار على صاحبه إلا بيع الخيار" (¬2). وفي طريق آخر (¬3): "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخيِّر أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا (¬4) ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع". 1057 - وعن سالم بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- مالًا بالوادي بمالٍ له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت ¬
10 - باب التجارة في الصرف ومع اليهود وبالرهن
على عقبي حتى خرجت من بيته خشيت أن يُرادَّني البيع، وكانت السُّنَّةُ أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا. قال عبد اللَّه: فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غَبَنْتُهُ بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليالٍ وساقني إلى المدينة بثلاث ليال (¬1). وقال بخيار المجلس: ابن عمر، وشُرَيْحٌ، والشعبي، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة. * * * (10) باب التجارة في الصرف ومع اليهود وبالرهن 1058 - عن أبي المنهال قال: سألت البَرَاء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصرف، فقال: "إن كان يدًا بيد فلا بأس، وإن كان نسِيئًا فلا يصلح". ¬
11 - باب ما يكره من الخداع في البيع، ومن السخب في الأسواق
1059 - وعن عائشة قالت: اشترى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا من يهودي بنسيئة (¬1) ورَهَنَهُ درعه. * * * (11) باب ما يكره من الخداع في البيع، ومن السخب في الأسواق 1060 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رجلًا ذكر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه يخدع في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خِلَابَة". 1061 - عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في التوراة، قال: ¬
12 - باب إذا اشترى دابة وهو عليها هل يكون ذلك قضاء وما جاء في بيع الإبل الجرب
أَجَلْ، واللَّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي، إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفَظٍّ ولا غليظ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا اللَّه، ويُفْتَحُ بها أعينٌ عُمْيٌ، وآذان صُمٌّ، وقلوب غُلْفٌ. الغريب: "الخِلَابة": الخديعة، و"أَجَلْ"؛ بمعنى: نعم، وهي ساكنة اللام، و"الحِرْز": الحفظ، ويكون الموضع الذي يحرز فيه الشيء. و"الأُمِيّ"؛ الذي لم يكتب، ويراد به العرب، و"الفَظُّ": الجافي في القول. و"الغليظ": القاسي القلب، "السَّخَبُ": ارتفاع الأصوات واختلاطها، بالسين ويقال بالصاد. * * * (12) باب إذا اشترى دابة وهو عليها هل يكون ذلك قضاء وما جاء في بيع الإبل الجرب 1062 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزاة فأبطأ _______ 1062 - خ (2/ 88)، (34) كتاب البيوع، (34) باب شراء الدواب والحمير، وإذا اشترى دابة أو جملًا وهو عليه هل يكون ذلك قبضًا قبل أن ينزل؟ من طريق عبد الوهاب، عن عبيد اللَّه، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (2097).
بي جملي وأعيى، فأتى عليّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "جابر؟ " فقلت: نعم، قال: "ما شأنُك؟ " قلت: أبطأ عليَّ جملي وأعيى فتخلفت، فنزل يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثم قال: "اركب" فركبته، فلقد رأيته أكُفُّهُ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "تَزَوَّجْتَ؟ " قلت: نعم. قال "بِكْرًا أم ثيبًا؟ " قلت: بل ثيبًا. قال: "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ " قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن، قال: "أما إنك قادم، فإذا قدمت فالكَيْسَ الكَيْس". ثم قال: "أتبيع جملك؟ " قلت: نعم. فاشتراه مني بأُوقية. ثم قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد، قال: "آلآن قَدِمْتَ؟ " قلت: نعم، قال: "فدع جملك فادخل فصل ركعتين" فدخلت فصليت، فأمر بلالًا أن يزن له أوقية، فوزن لي بلال فأَرْجَحَ في الميزان، فانطلقت حتى وَلَّيْتُ، فقال: "ادعوا لي جابرًا" قلت: الآن يردُّ عليَّ الجمل، ولم يكن شيء أبغض إليَّ منه، قال: "خذ جملك، ولك ثمنه". 1063 - وعن عمرو -هو ابن دينار- قال: كان هاهنا رجل اسمه نَوَّاس، وكانت عنده إبلٌ هِيمٌ، فذهب ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- فاشترى تلك الإبل من شريك له، فجاء إليه شريكه فقال: بِعْنَا تلك الإبل. فقال: ممن _______ 1063 - خ (2/ 88 - 89)، (34) كتاب البيوع، (36) باب شراء الإبل الهيم أو الأجرب، الهائم المخالف للقصد في كل شيء، من طريق علي بن عبد اللَّه، عن سفيان، عن عمرو به، رقم (2099)، أطرافه في (2858، 5093، 5094، 5753، 5772).
13 - باب أمر المتبايعين بالكيل وأنه على البائع والمعطي، وقوله تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم} [المطففين: 3]
بعتها؟ فقال: من شيخ كذا وكذا. فقال: ويحك، ذاك واللَّه ابن عمر، فجاءه فقال: إن شريكي باعك إبلًا هيمًا ولم يعرفك. قال: فَاسْتَقْها. قال: فلما ذهب يستاقها، فقال: دعها رضينا بقضاء رسول اللَّه": "لا عدوى". الغريب: "المِحْجَنُ": عود في طرفه خُطَّاف، و"الكَيْس الكَيْس": حضّ على الاجتهاد في ابتغاء الولد، وهو منصوب بإضمار فعلٍ، و"الإبل الهِيم": الجُرُب المطلية بالقطران، وهي يشتد عطشها لحرارة الجرب والقطران، "استقها": بمعنى سُقْها؛ أي: احملها. * * * (13) باب أمر المتبايعين بالكيل وأنه على البائع والمعطي، وقوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] أي: كالوا لهم ووزنوا لهم. ويذكر عن عثمان: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا بِعْتَ فكِلْ، وإذا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ". 1064 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: توفي عبد اللَّه بن عمرو بن حَرَامٍ وعليه دين، فاستعنت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على غرمائه أن يضعوا عن دينه، فطلب _______ 1064 - خ (2/ 96 - 97)، (34) كتاب البيوع، (51) باب الكيل على البائع والمعطي، وقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، من طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (2127)، أطرافه في (2395، 2396، 2405، 2601، 2709، 2781، 3580، 4053، 6250).
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم فلم يفعلوا، فقال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهب فَصَنِّفْ تمرك أصنافًا: العجوة على حدة، وعذق زيد على حدة، ثم أَرْسِلْ إليّ"، ففعلت، ثم أرسلت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء فجلس على أعلاه أو في وسطه ثم قال "كِلْ للقوم" فكِلْتُهم حتى أوفيتهم الذي لهم، وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء. وفي رواية: قال: "جُذَّ له فَأَوْفِ له" (¬1) فما (¬2) زال يكيل لي حتى أَدَّى. 1065 - وعن المقدام بن مَعْدِي كَرِبَ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيلوا طعامكم يبارَكْ لكم" (¬3). * * * ¬
14 - باب النهي عن بيع الطعام قبل قبضه وأن يباع جزافا
(14) باب النهي عن بيع الطعام قبل قبضه وأن يباعَ جزافًا 1066 - عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يبيع الرجل طعامًا حتى يستوفيه قال طاوس (¬1): قلت لابن عباس: كيف ذاك؟ قال: ذاك دراهم بدراهم والطعام مُرْجَأ (¬2). وفي رواية (¬3): قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله. 1067 - وعن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه". وفي رواية (¬4): "حتى يستوفيه". ¬
15 - باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وعن النجش وجواز بيع المزايدة
1068 - وعنه قال: لقد رأيتُ الناس في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتبايعون جِزَافًا -يعني: الطعام- يُضْرَبُون أن يبيعوه في مكانهم حتى يُؤْوُه إلى رِحَالِهِمْ. * * * (15) باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وعن النَّجش وجواز بيع المزايدة 1069 - عن عبد اللَّه بن عُمرَ: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَبعْ بعضكم على بيع أخيه". 1070 - عن أبي هريرة قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيع حاضر لبادٍ ولا تَنَاجَشُوا، ولا يَبعِ الرجلُ على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لِتَكْفَأَ ما في إنائها. 1071 - وعن ابن عمر قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النَّجْشِ. _______ 1068 - خ (2/ 99)، (34) كتاب البيوع، (56) باب من رأى إذا اشترى طعامًا جِزَافًا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب في ذلك، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه، عن ابن عمر به، رقم (2137). 1069 - خ (2/ 99)، (34) كتاب البيوع، (58) باب لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (2139)، طرفاه في (3165، 5142). 1070 - خ (2/ 100)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (2140)، أطرافه في (2148، 2150، 2151، 2160، 2723، 5144، 5152، 6601). 1071 - خ (2/ 100)، (34) كتاب البيوع، (60) باب النجش، ومن قال: لا يجوز =
16 - باب النهي عن بيوع كانت الجاهلية تبتاعها
1072 - عن جابر بن عبد اللَّه: أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دُبُرٍ فاحتاج، فأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيْمُ بن عبد اللَّه بكذا وكذا، فدفعه إليه. الغريب: "النَّجْش": الزيادة في ثمن السلعة ليغرّ غيره، ومحمل النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، وعن الخطبة على خطبته، على ما إذا تقاربا وتراكنا، واللَّه أعلم. * * * (16) باب النهي عن بيوع كانت الجاهلية تبتاعها 1073 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع حَبَلِ الحَبَلَةِ، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجَزُور إلى أن تُنْتَجَ الناقة، ثم تُنْتَجَ التي في بطنها. 1074 - وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المنابذة، _______ = ذلك البيع، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (2142)، طرفه في (6963). 1072 - خ (2/ 100)، (34) كتاب البيوع، (59) باب بيع المزايدة، من طريق الحسين المُكْتِب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (2141)، أطرافه في (2230، 2231، 2403، 2415، 2534، 6716، 6947، 7186). 1073 - خ (2/ 100 - 101)، (34) كتاب البيوع، (61) باب بيع الغرر، وحبل الحبلة، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (2143). 1074 - خ (2/ 101)، (34) كتاب البيوع، (62) باب بيع الملامسة، من طريق =
وهي طرح الرجل ثَوْبَهُ بالبيع إلى الرجل قبل أن يُقَلّبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه. 1075 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الملامسة والمنابذة. 1076 - وعن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لبستين وعن بيعتين: الملامسة والمنابذة. الغريب: "حَبَل الحَبَلة": بفتح الباء فيهما، وأصل الحبل في بنات آدم والحمل في غيرهم، قاله أبو عبيد، فأما "الحَبْلة" التي هي الكَرْمَةُ فبسكون الباء وقد تفتح. و"الجزور" بفتح الجيم: ما يجزر من الإبل، والجزيرة من غيرها. و"لبستان": بكسر اللام تثنية لبسة، وهي الهيئة؛ ويعني بهما: الاحتباء في ثوب واحد وليس على فرجه منه شيء، و"اشتمال الصماء": هو أن يلتف في الثوب ولا يَدَعَ ليديه مخرجًا. * * * _______ = عقيل، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبي سعيد به، رقم (2144). 1075 - خ (2/ 101)، (34) كتاب البيوع، (63) باب بيع المنابذة، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (2146). 1076 - خ (2/ 101)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد به، رقم (2147).
17 - باب النهي عن التصرية والتحفيل
(17) باب النهي عن التَّصْرِيَةِ والتَّحْفِيلِ 1077 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بَعْدُ فإنه بخير النَّظَرَيْنِ بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر". وفي رواية (¬1): "وهو بالخيار ثلاثًا" وقال: "صاعًا من طعام". وفي رواية (¬2): "ففي حلبتها صاعٌ من تمر". 1078 - وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: من اشترى شاة مُحَفَّلة فردها فليرد معها صاعًا من تمر. ¬
18 - باب النهي عن بيع الحاضر للبادي وعن تلقي السلع
الغريب: "لا تصروا": الرواية الصحيحة بضم التاء وفتح الصاد على وزن تُزَكُّوا. وعلى تعليله، وهو من التصرية، وهي: جمع الماء في الحوض، فأصله على هذا: تُصَرْيُوا، فاستثقلت الضمة على الياء فقلبت إلى الراء، ثم حذفت لالتقاء الساكنين وإنما ضمن الشارع اللبن المحلوب بالصاع رفعًا للخصومة، وخصه بالتمر لأنه الأيسر عليهم. و"التحفيل": هو التصرية، و"الحَفْل" و"المِحفل": هو الجمع الكثير من الناس. * * * (18) باب النهي عن بيع الحاضر للبادي وعن تَلَقِّي السلع 1079 - عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَلَقَّوا الركبان ولا يبيع حاضر لبادٍ". قيل لابن عباس (¬1): ما قوله: "لا يبيع حاضر لبادٍ"؟ ، قال: لا يكون له سِمْسَارًا. ¬
1080 - وعن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَبع (¬1) بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق (¬2) ". وفي رواية (¬3): قال عبد اللَّه: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نبيعه حتى يُبْلَغ به سوق الطعام. اختلف في هذا النهي: هل هو لحقِّ اللَّه تعالى فيفسخ، وهو الذي أشار إليه البخاري بقوله: إنه مردود وصاحبه آثم. والجمهور على أنه لحقِّ الآدمي بما يدخل عليه من الضرر، ثم اختلف فيمن يرجع عليه الضرر: فقال الشافعي: هو البائع، فيدخل عليه ضرر الغَبْن (¬4) فيكون صاحبه بالخيار، وقال مالك: بل هم أهل السوق فيخير أهل السوق. ¬
19 - باب إلغاء الشرط الفاسد في البيع ولزوم الشرط الصحيح
واختلف في النهي عن بيع الحاضر للبادي على نحو ذلك. * * * (19) باب إلغاء الشرط الفاسد في البيع ولزوم الشرط الصحيح 1081 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية فتعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا. فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء من أعتق". وفي رواية (¬1): ففعلت عائشة، ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه، ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مئة شرط، قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء من أعتق". 1082 - عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحق الشروط أن تُوفُوا به ما استحللتم به الفروج". * * * ¬
20 - باب ذكر الربويات وأصنافها، وذكر الصرف
(20) باب ذكر الرِّبويات وأصنافها، وذكر الصرف 1083 - عن مالك بن أوس: أنه التمس صرفًا بمئة دينار، فدعاني طلحة ابن عبيد اللَّه فتراوضنا، حتى اصْطَرَفَ مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: واللَّه لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ (¬1)، والبُرّ بالبر ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والشعير بالشعير ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر ربًا إلا هاءَ وهاءَ". 1084 - وعن أبي بَكْرَةَ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواءً بسواءٍ، والفضة بالفضة إلا سواءً بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم". 1085 - وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا ¬
21 - باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة
الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثلٍ، ولا تُشِفُّوا (¬1) بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلا مِثْلًا بمثلٍ، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز (¬2) ". * * * (21) باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة 1086 - عن عمرو بن دينار: أن أبا صالح الزيات أخبره: أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم. فقلت له: إن ابن عباس لا يقوله، فقال أبو سعيد: سألته فقلت: أسمعتَه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو وجدته في كتاب اللَّه؟ فقال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مني، ولكن أخبرني أسامة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ربا إلا في النسيئة". قلت: ظاهر هذا أنه يجوز بيع الذهب بالذهب متفاضلًا إذا كان يدًا بيد، وكذلك الفضة، وإلى هذا ذهب ابن عباس وابن عمر وأسامة بن زيد وعبد اللَّه ابن الزبير وزيد بن أرقم. ¬
22 - باب النهي عن بيع المزابنة
وجمهور الصحابة ومن بعدهم على منع ذلك؛ للأحاديث المذكورة قبل هذا الباب، ورأوا أنها ناسخة لحديث أسامة، وقد رجع عن ذلك ابن عباس وابن عمر. * * * (22) باب النهي عن بيع المزابنة 1087 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المزابنة، والمزابنة: بيع الثَّمَرَ بالتَّمْرِ (¬1)، وبيع الزبيب بالكرم كيلًا (¬2). وفي رواية (¬3): "إن زاد فلي، وإن نقص فَعَلَيَّ". 1088 - ومن حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر على رؤوس النخل. ¬
23 - باب ما جاء في العرية
الغريب: "المُزَابَنَةُ": مأخوذة من الزَّبْن وهو الدفع، وكأن كل واحد من المتبايعَيْنِ يدفع الآخر عن حقه، وحاصلها عند الشافعي: بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يحرم الربا في نقده، وخالفه مالك في هذا القيد الآخر فقال: سواء كان ربويًا أو غيره. و"المُحَاقَلَةُ": ماخوذ من الحقل، وهي المزرعة، وتجمع: محاقل، كما قال عليه السلام للأنصار: "ما تصنعون بمحاقلكم"، وفي مُثُلِ العرب: لا تُنْبِتُ البَقْلَة إلا الحَقْلَة، وأولى ما قيل في المحاقلة المنهيِّ عنها: إنها كِرَى الأرض نحو مما تنبتُه. * * * (23) باب ما جاء في العَرِيَّةِ 1089 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرخص في بيع العرايا في خمسة أَوْسُقٍ، أو دون خمسة أوسق. 1090 - وعن سهل بن أبي حَثْمة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثَّمَرِ _______ 1089 - خ (2/ 110)، (34) كتاب البيوع، (83) باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة، من طريق مالك، عن داود، عن أبي سفيان، عن أبي هريرة به، رقم (2190)، طرفه في (2382). 1090 - خ (2/ 110 - 111)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بُشَيْر، عن سهل بن أبي حثمة به، رقم (2191).
بالتَمْرِ، ورخَّصَ في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رُطَبًا. 1091 - وفي رواية: بخَرْصِهَا كيلًا. الغريب: قال البخاري: قال مالك: العَريَّة أن يُعْرِي الرجل النخلة ويتأذى (¬1) بدخوله عليه، فرخص له أن يشتريها منه بتَمْرٍ. وقال ابن إدريس: العَرِيّة لا تكون إلا بالكيل من التَّمْرِ يدًا بيد، لا تكون بالجِزَاف، قال (¬2): ومما يقويه قول سهل بن أبي حَثْمَة: بالأوسق المُوَسَّقَة، وقال سفيان بن حسين: العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها، رخِّص لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر، وقال موسى بن عقبة: العرايا نخلات معلومات يأتيها فيشتريها. قلت: ولم أر خلافًا بين أهل اللغة في أن العَرِيَّةَ اسم للنخلة المعطى ثمره، وقد سَمِّت العرب عطايا خاصةً بأسماء خاصة؛ كالمنيحة: اسم للشاة المعطى لبنها، والأفقار: اسم لما أعير ركوب فقاره، والإخبال: اسم لما ينتفع به من المال، ولهذا فسر مالك وأحمد بن حنبل وإسحق والأوزاعي العرية المذكورة في الحديث بأنها: إعطاء الرجل من جملة حائطه نخلة أو نخلتين عافا، غير أنهم اختلفوا في كثير من شروطها وأحكامها، ¬
24 - باب بيع الثمار قبل بدو صلاحها
استوعبنا ذلك في كتابنا: "المفهم لما أشكل من كتاب مسلم" (¬1). * * * (24) باب بيع الثمار قبل بدو صلاحها 1092 - عن زيد بن ثابت قال: كان الناس في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتبايعون الثمار فإذا جذّ الناس وحَضَرَ تقاضيهم قال المبتاع: إنه أصاب الثمر الدُّمَان، أصابه قُشَامٌ (¬2) -عاهات يَحْتَجُّونَ بها- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: "فإما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر"، كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم. ولم يكن زيد يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثُّرَيَّا فبتبين الأصفر من الأحمر. رواه معلقًا. 1093 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نَهَى البائع والمبتاع. 1094 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تباع الثمرة حتى ¬
25 - باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، كيف يصنع، ومن باع نخلا قد أبرت
تُشْقَحَ، قيل: وما تشقح؟ قال: "تَحْمَارّ وتَصْفَارّ ويؤكل منها". 1095 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهي، فقيل له: وما تُزْهي؟ قال: "حتى تحمرَّ" فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيت إذا منع اللَّه الثمرة، بم (¬1) يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ". * * * (25) باب إذا أراد بيع تمر بتمر (¬2) خير منه، كيف يصنع، ومن باع نخلًا قد أُبِّرَتْ 1096 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتَمْر جَنِيبٍ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَكُلُّ تَمْرِ خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه ¬
26 - باب حمل الناس على العرف الجاري فيما بينهم في النقود والمكايل والموازين
يا رسول اللَّه! إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاث (¬1)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تفعل، بع الجَمْعَ بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا". "الجَمْعُ من التَمْرِ": المجتمع من أصناف مختلفة، و"الجَنِيب": صنف من التمر عالٍ. 1097 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من باع نخلًا قد أُبِّرَتْ فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع". "إِبَار النخل": تلقيحه، وهو أن يجعل في أنثى النخل من فحولها، فتنبت عند ذلك ثمرتها، وفَصِيحُه: أَبَرْت النخل -مخفف الراء- ومضارع ذلك: آبرُ بضم الباء وكسرها، ويقال: أَبَّرْتُ النخلة تأبيرًا، مشدد الباء، يقال: تَأَبَّر الفَسِيل: إذا قَبِلَ الفحل. * * * (26) باب حمل الناس على العرف الجاري فيما بينهم في النقود والمكايل والموازين وقال شُرَيْح للغَزَّالِين: سُنَّتُكُمْ بينكم. 1098 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: قالت هند. . . . . ¬
27 - باب ما جاء في الشفعة وبيع الشريك من شريكه ومعاملة المشركين
أم معاوية (¬1): إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عَلَيَّ جناحٌ أن آخذ من ماله سرًّا؟ قال: "خذي أنت وبنيك بالمعروف" (¬2). 1099 - وعنها: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم (¬3) عليه، ويُصْلِحُ في ماله: إن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف (¬4). * * * (27) باب ما جاء في الشفعة وبيع الشريك من شريكه ومعاملة المشركين 1100 - عن جابر: جَعَلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الشفعة في كل ما لم يُقْسَمْ. ¬
28 - باب تحريم بيع الحر والخنزير والخمر والنجاسات والصور
فإذا وقعت الحدود وصُرِّفَتْ الطرقُ فلا شفعة. وفي رواية (¬1): قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم. . .، وذكر نحوه. 1101 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كُنَّا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم جاء رجل مشرك مُشْعَانٌ طويل بغنم يسوقها، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيعًا أم عطية؟ " -أو قال: "هبة؟ "- قال: لا بل بيع. فاشترى منه شاة. "المُشْعَان": الشَّعِث المُنْتَفِش الشعر. * * * (28) باب تحريم بيع الحُرِّ والخنزير والخمر والنجاسات والصور 1102 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال اللَّه: ثلاثة أنا ¬
خَصْمُهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره". 1103 - وعن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، ليُوشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابنُ مريم حكمًا مُقْسِطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، وَيفِيضُ المالُ حتى لا يقبله أحد". 1104 - وعن ابن عباس قال: بلغ عمر أَنَّ فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل اللَّه فلانًا، ألم يعلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قاتل اللَّه اليهود، حرِّمت عليهم الشحوم فَجَمَلُوها (¬1) فباعوها". 1105 - ومن حديث أبي هريرة: "فباعوها وأكلوا أثمانها". 1106 - وعن عائشة: لما نزلت آيات سورة البقرة من آخرها خرج ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "حُرِّمَتْ التجارة في الخمر". 1107 - وعن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس! إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول (¬1): "من صَوَّرَ صورة فإن اللَّه معذّبه حتى يَنْفُخَ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا"، فربا الرجل ربوة شديدة واصْفَرَّ وجهه، فقال: ويحك إن أَبَيْتَ إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح. الغريب: "المُقْسِط": العادل، و"القَاسِط": الجائر، و"يضع الجزية"؛ قيل: يضربها ويُلزمها للنصارى، وقيل: يضعها؛ أي: لا يقبلها؛ لاستغناء الناس عنها بما أخرجت لهم من الأرض من الأموال، و"قاتل اللَّه اليهود"؛ أي: قتلهم وأهلكهم، وقيل: لعنهم، و"جَمَلُوها": أذابوها، و"الجميل": الشحم المذاب، و"الخمر": ما خامر العقل؛ أي: ستره وغطاه. ولا فرق عندنا بين ¬
29 - باب بيع الحيوان نسيئة إذا اختلفت المنافع، وجواز بيع الرقيق المعيب إذا بين
المعتصَر من العنب وغيره، وَ"رَبَا": انتفخ وزَفَرَ. * * * (29) باب بيع الحيوان نسيئة إذا اختلفت المنافع، وجواز بيع الرقيق المعيب إذا بَيَّنَ واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يرفعها صاحبها بالرَّبَذة، وقال ابن عباس: قد يكون البعير خيرًا من البعيرين، واشترى رافع ابن خديج بعيرًا ببعيرين فأعطاه أحدهما. وقال: آتيك بالأجر غدًا رَهْوًا (¬1) إن شاء اللَّه. وقال ابن المسيب: لا ربا في الحيوان، البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل (¬2). قال أبو محمد الأصيلي: لا يصح عن ابن سيرين قوله: لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهمين نسيئة. 1108 - وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحَدَّ ولا يُثَرِّبْ (¬3)، ثم إن زنت فليجلدها الحد ¬
30 - باب من قال: يلتذ من الحامل والمستبرأة بما دون الوطء
ولا يثرب عليها، وإن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، وإن زنت الثالثة فتبين زناها، فليبعها ولو بحبل من شعر". * * * (30) باب من قال: يلتذ من الحامل والمستبرأة بما دون الوطء ولم ير الحسن بأسًا أن يقبلها أو يباشرها، وقال ابن عمر: إذا وُهِبَت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فليستبرئ رحمها بحيضة، ولا تستبرأ العذراء. وقال عطاء: لا بأس أن يصيب من جاريته الحامل ما دون الفرج، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 30]. 1109 - وعن أنس بن مالك قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر، فلما فتح اللَّه عليه الحصنَ ذُكِرَ له جمالُ صفية بنت حُيَيّ بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسًا، فاصطفاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج بها حتى بلغنا سَدَّ الروحاء حلّت فبنى بها، ثم صنع حَيْسًا في نِطْعٍ صغير، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آذِنْ مَنْ حولك" فكانت تلك وليمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، قال: فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَوِّي لها وراءه بعباءةٍ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب. "يُحَوِّي"؛ أي: يجعل لها حِواءً؛ أي: سترًا يسترها به. * * * _______ 1109 - خ (2/ 122 - 123)، (34) كتاب البيوع، (111) باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرأها؟ من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس بن مالك به، رقم (2235).
31 - باب ما جاء في السلم وشروطه، وجواز أخذ الرهن فيه
(31) باب ما جاء في السَّلَمِ وشروطه، وجواز أخذ الرهن فيه 1110 - عن ابن عباس قال: قَدِمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة وهم يُسلفون في التمر (¬1) السنتين والثلاث، فقال: "من أسلف في شيءٍ فليسلف في كيلٍ معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم". 1111 - وعن محمد بن مجالد (¬2) قال: بعثني عبد اللَّه بن شداد وأبو بردة إلى عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى (¬3)، فقالا: سَلْهُ هل كان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسْلِفُون في الحنطة؟ قال عبد اللَّه: كنا نسُلف نَبِيط أهل الشام (¬4) في الحنطة والشعير والزيت، في كيلٍ معلوم إلى أجل معلوم. قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك. ثم بعثاني إلى ¬
32 - باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، وأي الجارين أحق بها
عبد الرحمن بن أَبْزَى فسألته، فقال: كان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسلفون على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم نسألهم: ألهم حرث أم لا؟ وفي رواية (¬1) قال: كنا نسلف على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتَّمْر. 1112 - وعن عائشة قالت: اشترى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا من يهودي بنسيئة ورهنه درعًا له من حديد. * * * (32) باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، وأيّ الجارين أحق بها قال الحكم: إن أذن له قبل البيع فلا شفعة له. وقال الشعبي: من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها (¬2) فلا شفعة له. 1113 - وعن عمرو بن الشريد قال: وقفتُ على سعد بن أبي وَقَّاص، ¬
33 - باب من ابتاع عقارا فوجد فيه ما ليس من جنسه، هل يكون للمشتري أو للبائع؟ والصلح في ذلك
فجاء المِسْوَرُ بن مَخْرَمَة فوضع يده على إحدى منكبيَّ، إذ جاء أبو رافع مولى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا سعد! ابتع مني بَيْتَيَّ في دارك. فقال سعد: واللَّه ما أبتاعهما (¬1). فقال المِسْوَر: واللَّه لتبتاعنَّهُمَا. فقال سعد: واللَّه لا أزيدك على أربعة آلاف مُنَجَّمَة أو مقطَّعة. قال أبو رافع: لقد أُعْطِيتُ بها خمس مئة دينار، ولولا أني سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الجارُ أحق بسَقَبِهِ" ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أُعْطَى بها خمس مئة دينار، فأعطاها إياه. 1114 - وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إن لي جاربن، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا". "الصَّقَب": المجاورة؛ ويقال بالصاد والسين. * * * (33) باب من ابتاع عقارًا فوجد فيه ما ليس من جنسه، هل يكون للمشتري أو للبائع؟ والصلح في ذلك 1115 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشترى رجلٌ من رجلٍ ¬
عقارًا، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جَرَّةً فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما وتصدقا". * * * _______ = همام، عن أبي هريرة به، رقم (3472).
24 - كتاب الإجارة
(24) كتاب الإجارة
1 - باب جواز الإجارة، ووجوب دفع الأجرة عند استيفاء العمل
(24) كتاب الإجارة (1) باب جواز الإجارةِ، ووجوب دفع الأجرة عند استيفاء العمل 1116 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال اللَّه عز وجل (¬1): ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أَعْطَى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استاجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره". 1117 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بعث اللَّه نبيًّا إلا رَعَى الغنمَ" فقال أصحابه: وأنت؟ قال: "نعم. كنت أرعاها على قَرَارِيط (¬2) لأهل مكة". ¬
2 - باب استئجار المشرك عند الحاجة، وعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود خيبر
قوله: "أعطى بي"؛ أي: أعطى بسببي عهدًا ثم نقضه. * * * (2) باب استئجار المشرك عند الحاجة، وعامل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يهود خيبر 1118 - عن عائشة قالت: استأجر رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل، ثم من بني عبد بن عَدِيّ هاديًا خِرِّيتًا (¬2)، قد غَمَسَ يمينَ حِلْفٍ في آل العاصي بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فَأَمِنَاهُ، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثُور بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالِ ثلاث فارتحلا، وانطلق معهما عامرُ بن فُهَيْرَة، والدليل الديلي -هو عبد اللَّه (¬3) بن أُريقِط- فأخذ بهم (¬4) طريق الساحل. الغريب: "هاديًا": دليلًا، و"خريتًا": ماهرًا حاذقًا بالدلالة، و"غمس حِلْفًا"؛ أي: دخل في جوار آل العاصي. * * * ¬
3 - باب تقدير عمل الأجير بالزمان
(3) باب تقدير عمل الأجير بالزمان 1119 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عُمَّالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود على قيراط قيراط، ثم عملت النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين، فغضب اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: هذاك (¬1) فضلي أوتيه من أشاء". * * * (4) باب المقايلة في الإجارة، ومن ترك أجرته عند مستأجره لم يخرج عن ملكه 1120 - عن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَثَلُ المسلمين واليهود ¬
والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا يومًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا. كَمِّلُوا (¬1) بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملًا، فأبَوْا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا، ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا، حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه. فقال: أكملوا بقية عملكم (¬2)، فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأَبَوْا، فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعَمِلُوا بقيةَ يومِهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مَثَلُهم ومثَلُ ما قبلوا من هذا النور". 1121 - ومن حديث ابن عمر في حديث الثلاثة الذي انحطت على فم غارهم الصخرة. . .، فذكر الحديث وقال فيه: "وقال الثالث: اللهم (¬3) استأجرت أُجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فَثَمَّرْتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: ¬
5 - باب للأجير المشترك أن يأجر نفسه من مشرك
يا عبد اللَّه! أدّ إليَّ أجري، فقلت له: كلُّ ما ترى من أجرك (¬1) من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد اللَّه! لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أهزأ (¬2) بك، فأخذ كله (¬3)، فاستاقه فلم يترك منه شيئًا. . . " الحديث وسيأتي. * * * (5) باب للأجير المشترك أن يُأْجُرَ نفسه من مشرك 1122 - عن مسروق قال: حدثنا خباب قال: كنتُ رجلًا قَيْنًا، فعملت للعاصي بن وائل، فاجتمع لي عنده، فاتيته أتقاضاه فقال: لا واللَّه لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: أما واللَّه حتى تموت، ثم تبعث فلا، قال: وإني لَمَيِّتٌ ثم مبعوث؟ ، قلت: نعم، قال: فإنه سيكون لي ثَمَّ مال وولد فأقضيك، فأنزل اللَّه عز وجل (¬4): {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]. * * * ¬
6 - باب من أجر نفسه ليحمل على ظهره وأجرة السمسار
(6) باب من أجر نفسه ليحمل على ظهره وأجرة السمسار 1123 - عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل فيصيب المُدّ (¬1)، وإن لبعضهم لمئة ألف، قال: ما نراه إلا نفسَهُ. وقد تقدم من قوله عليه السلام: "لا يَبعْ حاضرٌ لبادٍ". وقول ابن عباس: لا يكون له سمسارًا. ولم ير ابن سيرين، وعطاء، وإبراهيم، والحسن، بأجر السمسار بأسًا، وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول: بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك، وقال ابن سيرين: إذا قال: بعه بكذا فما كان من ربح فلك، أو: بيني وبينك، فلا بأس به، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم" (¬2). * * * ¬
7 - باب الأجرة على الرقية بكتاب الله وعلى تعليمه
(7) باب الأجرة على الرُّقْيةِ بكتاب اللَّه وعلى تعليمه قال ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه". وقال الشعبي: لا يشترِطُ المُعَلِّمُ، إلا أن يُعْطَى شيئًا فليقبله، وقال الحكم: لم أسمع أحدًا كره أجر المعلِّم، وأعطَى الحسن عشرة دراهم، ولم ير ابن سيرين بأجرة القسَّام بأسًا، وقال: كان يقال: السُّحت الرشوة في الحكم، وكانوا يعطون على الخَرْصِ. 1124 - وعن أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفْرَةٍ سافروها، حتى نزلوا على حَيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يُضَيِّفُوهُمْ، فلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوا فقالوا: يا أيها الرهط! إن سيدنا لُدِغَ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم واللَّه، إني لأرقي، ولكن واللَّه لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا بِرَاقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفُلُ عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ، قال: فأوفوهم جُعْلَهُم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسِموا. فقال الذي _______ 1124 - خ (2/ 136)، (37) كتاب الإجارة، (16) باب ما يُعْطى في الرقبة على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري به، رقم (2276)، أطرافه في (5007، 5736، 5749).
8 - باب خراج الحجام، والنهي عن عسب الفحل
رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنذكر له الذي كان، فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ ! " ثم قال: "قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا" فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. الغريب: "السُّحْت": المال الحرام؛ سمي به لأنه يُسْحِتُ حسنات آكله. و"القَلَبةُ": الداء. * * * (8) باب خَرَاج الحجام، والنهي عن عَسْبِ الفحل 1125 - عن ابن عباس قال: احتجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهةً (¬1) لم يعطه. 1126 - وعن أنس قال: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلامًا فحجمه (¬2)، فأمر (¬3) له ¬
9 - باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما فقام ورثته مقامه
بصاع أو صاعين، أو مُا أو مُدَّيْن، ولم يكن يظلم أحدًا أجره (¬1)، فكلَّم (¬2) فيه فَخُفّفَ من ضريبته. 1127 - وعن ابن عمر قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عسب الفحل؛ يعني به: النهيَ عن الذي يؤخذ على ضراب الفحل من الجُعْلِ، وهو مُحَرَّمٌ إن وقع على أن تَعُقّ الأنثى (¬3)، وإن كان على أكوام معلومة جاز وتركُه أولى. * * * (9) باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما فقام ورثته مقامه قال ابن سيرين والحسن والحكم وإياس بن معاوية: تُمضَى الإجارة إلى أجلها، وقال ابن عمر: أعطى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر بالشطر، فكان ذلك على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، حتى أجلاهم عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قبض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). * * * ¬
10 - باب في الحوالة والحمل
(10) باب في الحَوَالَة والحمل 1128 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "مَطْلُ (¬1) الغني ظلمٌ، ومن أُتْبعَ على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَع (¬2) ". 1129 - وعن سلمة بن الأكوع قال: كُنَّا جلوسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ أُتيَ بِجَنَازَة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: "هل عليه دين؟ " قالوا: لا. قال: "فهل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. فصلى عليه. ثم أُتِي بجنازة أخرى فقالوا: يا رسول اللَّه! صَلِّ عليها. قال: "هل عليه دين؟ " قيل: نعم. قال: "فهل ترك شيئًا؟ " قالوا: ثلاثة دنانير. فصلى عليها، ثم أُتي بالثالثة فقالوا: صَلِّ عليها. قال "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا: ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول اللَّه ¬
11 - باب الكفالة بالديون وبالوجه والوفاء بالعدة
وعليّ دينه، فصلى عليه. التفسير: "الحوالة": تحويل الحق من ذمة إلى ذمة تبرأ بها الذمة الأولى ما لم يكن غرور من عيب الثانية. وهي مستثناة من الدين بالدين، و"الحَمْلُ": التزام من ليس عليه أن يقوم عن غيره بحق ولا يرجع عليه، كما فعل أبو قتادة. * * * (11) باب الكفالة بالديون وبالوجه والوفاء بالعدة وقد أخذ حمزة بن عمرو (¬1) الأسلمي كفيلًا من رجل وقع على جارية امرأته حتى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده مئة وعَذَرَهُ بالجهالة (¬2). وقال جرير والأشعث لعبد اللَّه بن مسعود في المرتدين: اسْتَتِبْهُمْ وكَفِّلْهم، فتابوا، وكَفَلَهم عشائرهم. وقال حماد: إذا تَكفَّل بنفسٍ فمات فلا شيء عليه. وقال الحكم: يضمن (¬3). ¬
1130 - وعن أبي هريرة: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أُشْهِدُهم، فقال: كفى باللَّه شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى باللَّه كفيلًا. قال: صَدَقْتَ، فدفعها إليه على أجل مُسَمًّى. فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبًا يركبها يَقْدَمُ عليه للأجل الذي أَجَّلَهُ فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فَنَقَرَهَا فأدخل فيها ألف دينار وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثم زَجَّجَ (¬1) موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت (¬2) تَسَلَّفْتُ فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا فقلت: كفى باللَّه كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا فقلت: كفى باللَّه شهيدًا، فرضي بك، وإني جَهَدْتُ أن أجد مَرْكَبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله (¬3) حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: واللَّه ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك (¬4) أني لم أجد مَرْكَبًا قبل الذي جئت فيه، قال: ¬
فإن اللَّه قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فَانْصَرِفْ بالألف دينار راشدًا. أخرجه البخاري معلقًا. 1131 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا" فلم يجئ مال البحرين حتى قُبِضَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عِدَةٌ أو دينٌ فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لي كذا وكذا، فحثى لي حَثيةً، فعددتها، فإذا هي خمس مئة وقال: خذ مثليها. * * * _______ 1131 - خ (2/ 142)، (39) كتاب الكفالة، (3) باب من تكفَّل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع، من طريق سفيان، عن عمرو، عن محمد بن عليّ، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (2296)، أطرافه في (2598، 2683، 3137، 3164، 4383).
25 - كتاب الوكالة والقسمة
(25) كتاب الوكالة والقسمة
(25) كتاب الوكالة والقسمة وقد أشرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليًّا في هدية ثم أمر بقسمتها. 1132 - عن عبد الرحمن بن عوف قال: كاتبت أُمَيَّة بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صَاغِيَتِي بمكة وأحفظه في صاغِيته بالمدينة، فلما ذكرت "الرحمن" قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبته "عبد عمرو". فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأُحْرِزَهُ حين نام الناس، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أميةُ بن خلف، لا نَجَوْتُ إن نجا أميةُ. فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خَلَّفْتُ لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أَبَوْا حتى يتبعونا -وكان رجلًا ثقيلًا- فلما أدركونا قلت: ابرُكْ، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتَجَلَّلُوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه. _______ 1132 - خ (2/ 145 - 146)، (40) كتاب الوكالة، (2) باب: إذا وَكَّل المسلم حربيًّا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز، من طريق يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن بن عوف به، رقم (2301)، طرفه في (3971).
1 - باب في الوكالة على الصرف، وإذا رأى الوكيل شيئا يفسد أصلحه
الغريب: "الصاغية": القرابة، وهي من الصغو الذي هو الميل، و"أُحْرِزه": أجعله في حرزِ؛ يعني به أميّة، أراد أن يُلحقه بالجبل ليتحفظ فيه، و"تجللوه بالسيوف": ضربوه بها حتى صارت عليه كالجُلّ (¬1). * * * (1) باب في الوكالة على الصرف، وإذا رأى الوكيل شيئًا يفسد أصلحه 1133 - عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعمل رجلًا على خيبر، فجاءهم بتمر جَنِيبِ، قال (¬2): "أكُلُّ تَمْر خيبر هكذا؟ " قال (¬3): إِنَّا لنأخذ الصَّاعَ بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعلْ، بم الجمع (¬4) بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا". وقال في الميزان مثل ذلك. ¬
2 - باب التوكيل في قضاء الديون وتفويض الخيرة للوكيل فيما يقع به القضاء
1134 - وعن نافع: أنه سمع ابن كعب بن مالك يحدث عن أبيه: أنه كانت لهم غنم ترعى بسَلْع، فأبصرت جاريةٌ لنا بشاة من غنمنا موتًا، فكسرت حجرًا فذبحتها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1)، فأرسل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من يسأله، وأنه سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك فأمره (¬2) بأكلها. قال عبيد اللَّه: فيعجبني أنها أَمَة وأنها ذَبَحَتْ. * * * (2) باب التوكيل في قضاء الديون وتفويض الخيرة للوكيل فيما يقع به القضاء 1135 - عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سِنٌّ (¬3) من الإبل، ¬
3 - باب إذا ترك الوكيل شيئا أو أقرضه فأجازه الموكل جاز
فجاءه يَتَقَاضَاهُ، فقال: "أعطوه" فطلبوا سنَّه، فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفى اللَّه بك، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن خياركم أحسنكم قضاءً". وفي رواية (¬1): أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتقاضاه فأَغْلَظَ، فهمَّ به أصحابه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالًا"، ثم قال: "أعطوه سِنًّا مثل سِنِّه"، قالوا: يا رسول اللَّه! لا نجد (¬2) إلا أَمْثَلَ من سِنِّهِ، قال: "أعطوه؛ فإن خيركم أحسنكم قضاء". 1136 - ومن حديث جابر بن عبد اللَّه في حديث بيع الجمل من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال فيه: فلما قدمنا المدينة قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"يا بلالُ! اقْضِهِ وزِدْهم" أو: "أقْرِضْه (¬3) ". * * * (3) باب إذا ترك الوكيل شيئًا أو أقرضه فأجازه الموكل جاز 1137 - عن أبي هريرة قال: وَكَّلني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحفظ زكاة رمضان، ¬
فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة، قال: فَخَلَّيْتُ عنه، فأصبحت، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ " قال: قلت: يا رسول اللَّه! شكى حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله، قال: "أَمَا إنه كذبك وسيعود" فعرفت أنه يعود لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه سيعود، فَرَصَدْتُهُ فجاء (¬1) يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال، لا أعود، فرحمته فخلَّيْتُ سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟ " قلت: يا رسول اللَّه! شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته وخليت سبيله. قال: "أما إنه قد كذبك، وسيعود" فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا آخر ثلاثِ مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك اللَّه بها. قلت: ما هُنَّ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من اللَّه حافظ، ولا يقربنَّك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول اللَّه: "ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت: يا رسول اللَّه! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني اللَّه بها فخليت سبيله. قال: "ما هي؟ " قلت: قال لي: إذا أَويتَ إلى فراشك فاقرأ آية ¬
4 - باب الوكالة في الحدود والتحبيس
الكرسي من أولها حتى تختم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال لي: لن يزال عليك من اللَّه حافظ، ولا يقربك شيطان (¬1) حتى تصبح -وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم مَن تخاطب مُذْ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ " قال: لا. قال: "ذاك شيطان". قلت: ذكر البخاري هذا معلقًا لا مسندًا عند جمهور رواته، وقد أسنده القاضي شريح بن محمد في روايته عنه. * * * (4) باب الوكالة في الحدود والتحبيس 1138 - عن عقبة بن الحارث قال: جيء بالنعيمان -أو ابن النعيمان- شاربًا، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان في البيت أن يضربوه، قال: فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد. 1139 - وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاريٍّ بالمدينة ¬
مالًا، وكان أحب أمواله إليه بِيرُحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إن اللَّه تعالى يقول في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة للَّه أرجو بِرّها وذُخْرَها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت. فقال: "بَخٍ، ذلك مال رائح، ذلك مال رائح، قد سمعت ما قلتَ فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين" قال: أَفْعَلُ يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. وقال رَوْحٌ عن مالك: "رابح" بالباء. * * *
26 - كتاب الحرث والمغارسة
(26) كتاب الحرث والمغارسة
1 - باب فضل الزرع والغرس ما لم يصدا عن الجهاد فيكون ذلا
(26) كتاب الحرث والمغارسة (1) باب فضل الزرع والغَرْسِ ما لم يصدَّا عن الجهاد فيكون ذلًّا قال اللَّه تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63 - 64]. 1140 - عن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مسلم يَغْرِسُ غَرْسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". 1141 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يومًا يحدث وعنده رجل من أهل البادية: "أن رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، _______ 1140 - خ (2/ 152)، (41) كتاب الحرث والمزارعة، (1) باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه وقول اللَّه تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}، من طريق أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس به، رقم (2320)، طرفه في (6012). 1141 - خ (2/ 160)، (41) كتاب الحرث والمزارعة، (20) باب (لم يترجم)، من طريق فُلَيْح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به، رقم (2348)، طرفه في (7519).
2 - باب استعمال البقر للحراثة والكلاب لحراستها
فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطَّرف نباتُه واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول اللَّه: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء" فقال الأعرابي: واللَّه لا تجده إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع. فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1142 - وعن أبي أمامة الباهلي -واسمه صُدَيُّ بن عَجْلَان- ورأى سِكَّة (¬1) وشيئًا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يدخل هذا بيتَ قوم إلا أدخله الذُّلَّ". * * * (2) باب استعمال البقر للحراثة والكلاب لحراستها 1143 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينما رجل راكب على بقرة، التفتت إليه فقالت: لم أُخْلَق لهذا، خلقت للحراثة" قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر "وأخذ الذئب شاةً فتبعها الراعي، فقال له الذئب: ¬
3 - باب من قال بجواز المزارعة بالشطر ونحوه
من لها يوم السبع؛ يوم لا راعي لها غيري؟ " قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر". قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم. 1144 - وعن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أمسك كلبًا فإنه ينقص كلَّ يوم من عمله قيراط، إلا كلب غنم أو حرثٍ أو صَيْدٍ". * * * (3) باب مَنْ قال بجواز المزارعة بالشَّطْرِ ونحوه قال قيس بن مسلم، عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيتِ هجرةٍ إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي وسعد بن مالك وعبد اللَّه بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة، وآل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي، وابن سيرين. 1145 - وعن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر أخبره: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عامل خيبر بِشَطْرِ ما يخرج منها من زرع أو ثمر، وكان (¬1) يعطي أزواجه مئة ¬
4 - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وأجازوه صح ذلك ومضى
وسق، ثمانون وسق تَمْرٍ، وعشرون وسق شعير، وقَسَمَ عمر خيبر فخَيَّر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقْطِعَ لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن، فمنهن من اختار الأرض، ومنهن من اختار الوسق، وكانت عائشة اختارت الأرض. * * * (4) باب إذا زَرعَ بمال قومٍ بغير إذنهم وأجازوه صح ذلك ومضى 1146 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: بينما ثلاثةُ نَفَرٍ يمشون أخذهم المطر، فأَوَوْا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرةٌ من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً للَّه فادعوا اللَّه بها لعله يُفَرِّجُها عنكم، قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صِبْيَةٌ صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رُحْتُ عليهم حلبت فبدأت بوَالِدَيَّ أسقيهما قبل بَنِي، وإني استأخرت ذات يوم ولم آت حتى أمسيت فوجدتهما ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فقمت عند رؤسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أسقي الصِّبْيَة، والصبية يَتَضَاغَونَ عند قدميَّ حتى طلع الفجر، فإن كنتَ تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج اللَّه فرأوا السماء، وقال الآخر: اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها فأبت حتى آتيها _______ 1146 - خ (2/ 156)، (41) كتاب الحرث والمزارعة، (13) باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكان في ذلك صلاح لهم، من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (2333).
5 - باب من أحيا أرضا مواتا ملكها
بمئة دينار، فَبَغَيْتُ حتى جمعتها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد اللَّه! اتق اللَّه، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافْرُجْ فُرْجَةً (¬1)، وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ، فلما قضى عمله فقال: أعطني حقي، فعرضت عليه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورُعَاتها، فجاءني فقال: اتق اللَّه، قلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخُذْ، فقال: اتق اللَّه ولا تستهزئ بي، فقال: إني لا أستهزئ بك، فخذ، فأخذه، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج اللَّه! . * * * (5) باب من أحيا أرضًا مواتًا ملكها ورأى عليٌّ ذلك في أرض الخراب بالكوفة. وقال عمر: من أحيا أرضًا ميتة فهي له. ويروى عن عمرو بن عوف عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال في غير حق مسلم: وليس لعِرْقٍ ظالمٍ (¬2) فيه حق. ¬
6 - باب في سنة المساقاة وأنها تجوز بغير أجل
وروي فيه عن جابر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1147 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَعْمَرَ (¬1) أرضًا ليست لأحد فهو أحق". قال عروة: قضى به عمر في خلافته. * * * (6) باب في سُنَّة المُسَاقَاة وأنها تجوز بغير أَجَلٍ 1148 - عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب (¬2) أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما ظَهَرَ على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليها للَّه ولرسوله (¬3) وللمسلمين، وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهودُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
7 - باب ما نهي عنه من كراء الأرض، وأن النهي عن ذلك نهي تنزه، وفي كرائها بالذهب والفضة
ليُقِرَّهم بها أن يَكْفُوا عملها ولهم نصف الثمر. قال لهم (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نقرُّكم بها على ذلك ما شئنا" فقرُّوا بها حتى أجلاهم عمر إلى تَيْمَاء وأَرِيحَاء. حمل البخاري "نقركم على ذلك ما شئنا" على المساقاة، ويحتمل أن يرجع ذلك إلى مدة مقامهم بتلك الأرض وهو الأولى واللَّه أعلم، و"تَيْمَاء" و"أَرِيحَاء": بَلَدانِ بالشام، و"ظهر عليها": غلب عليها. * * * (7) باب ما نهي عنه من كِرَاء الأرض، وأن النهي عن ذلك نهي تنزه، وفي كرائها بالذهب والفضة 1149 - عن رافع بن خَدِيج بن رافع، عن عمه ظُهير بن رافع، قال ظُهِيرٌ: لقد نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أمر كان بنا رافقًا، قلت: ما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو حق. قال: دعاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما تصنعون بمَحَاقِلكم؟ " قلت: نؤجرها على الرَّبِيع وعلى الأوسق من التَمْرِ والشعير. قال: "لا تفعلوا، ازرعوها، أو أَزرِعوها، أو أمسكوها" قال رافع: قلت: سمعًا وطاعة. ¬
1150 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه". 1151 - وعن نافع: أن ابن عمر كان يُكْرِي مَزَارِعَهُ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حُدِّثَ عن رافع بن خديج: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن كراء المزارع، فقال ابن عمر: قد علمتَ أَنَّا كنا نكرِي مزارعنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما على الأربعاء وبشيءٍ من التبن. 1152 - وعن سالم: أن عبد اللَّه بن عمر قال: كنت أعلم في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأرض تُكْرى، ثم خشي عبد اللَّه أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن يعلمه، فترك كراء الأرض. 1153 - وعن طاووس قال: قال ابن عباس: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينه عنه، ولكن قال: "أَنْ يمنح أحدكم أخاه خيرٌ من أن يأخذ شيئًا (¬1) معلومًا". ¬
8 - باب في الشرب وسقي الأرض، وأن الأعلى يشرب قبل الأسفل
1154 - وعن حنظلة بن قيس، عن رافع بن خَدِيج قال: حدثني عَمَّاي أنهم كانوا يُكْرُون الأرض على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يَنْبُتُ على الأربعاء، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك. فقلت لرافع: كيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم. قال الليث: وكان الذي نُهِيَ من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة. الغريب: "المحاقل": جمع حقل على غير قياس؛ كالمَفَاقِر جمع فقر، وهي المزارع، و"الربيع": الجدول، وهي الخارج من النهر، وجمعه: أربعاء، و"يمنح": يعطي بغير شيء. * * * (8) باب في الشِّرْب وسقي الأرض، وأن الأعلى يشرب قبل الأسفل وقول اللَّه تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]. وقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70]. _______ 1154 - خ (2/ 159)، (4) كتاب الحرث والمزارعة، (19) باب كراء الأرض بالذهب والفضة، من طريق الليث، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس، عن رافع بن خديج به رقم (2346، 2347)، طرفه في (4013).
1155 - عن عروة: عن عبد اللَّه بن الزبير أنه حدثه: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شِرَاجِ الحرَّةِ التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سَرّحِ الماءَ يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: "اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: أَنْ كان ابنَ عمتك. فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْرِ" فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. قال ابن شهاب (¬1): فَقَدَّرَتِ الأنصارُ والناسُ قولَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسق ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر" وكان ذلك إلى الكعبين. الغريب: "المُزْنِ": السحاب، و"الأُجَاجُ": الملح، و"شِرَاج": جمع شَرْجَة، وهو مسيل الماء إلى الشجر، و"الجَدْر" بفتح الجيم، وهو أصل الجدار. * * * ¬
9 - باب النهي عن منع فضل الماء وإثمه، وفضل سقي الماء
(9) باب النهي عن منع فضل الماء وإثمه، وفضل سقي الماء 1156 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُمْنَعُ فضلُ الماءِ ليُمْنع به الكلأ". 1157 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجلٌ حلف على سلعة لقد أُعْطي بها أكثر مما أَعْطَى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبةٍ بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل مائه، فيقول اللَّه: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك". 1158 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا رجل يمشي بطريق (¬1) اشتد عليه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بَلَغَ هذا مثلَ الذي بلغ بي. فملأ خُفَّهُ ثم أمسكه بِفِيهِ، ¬
10 - باب من حبس بئرا كان حظه منها كحظ واحد من الناس، ومن لم يحبس فهو أحق بمائه
ثم رَقِيَ فسقى الكلب، فشكر اللَّه فغفر له"، قالوا: يا رسول اللَّه! وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: "في كُلِّ كَبِدٍ رطبة أجر". * * * (10) باب من حَبَّسَ بئرًا كان حظه منها كحظ واحد من الناس، ومن لم يحبس فهو أحق بمائه وقال عثمان بن عفان: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يشتري بئر رُومَة فيكون دلوه فيها كَدِلَاءِ المسلمين؟ " فاشتراها عثمان (¬1). 1159 - وعن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يرحمُ اللَّه أم إسماعيل لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تَغْرِفْ من الماء- لكانت عَيْنًا مَعِينًا، وأقبل جُرْهُم فقالوا: أتأذنين أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولَا حَقَّ لكم في الماء. قالوا: نعم". * * * ¬
11 - باب الناس شركاء في الماء والحطب والكلأ ومن حاز شيئا من ذلك ملكه
(11) باب الناس شركاء في الماء والحطب والكلأ ومن حاز شيئًا من ذلك ملكه وقد تقدم قوله عليه السلام (¬1): "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ". 1160 - وعن الزبير بن العوام: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لأَنْ يأخذَ أحدكم أحْبُلًا فيأخذ حُزْمَة من حطب فيبيع فيَكُفَّ اللَّه بها وجهه، خير من أن يسأل الناس أُعْطِي أو مُنِعَ". * * * (12) باب لا حمى إلا للَّه ورسوله وجواز القطائع 1161 - عن ابن عباس: أن الصَّعْبَ بن جَثَّامَةَ قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا حِمَى إلا للَّه ولرسوله (¬2) ". ¬
قال البخاري: بلغنا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمى النَّقِيعَ، وأن عمر حمى السَّرفَ (¬1) والرَّبَذَة. 1162 - وعن أنس: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن فعلتَ فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "إنكم سترون بعدي أثرَةً، فاصبروا حتى تَلْقَوْنِي". الغريب: "النَّقِيع" بالنون: هو موضعٌ معروف؛ سمي بذلك لاستنقاع الماء فيه، وحَمَاه: مَنع الناس من رعيه؛ لأنه اتخذه لإبل الصدقة، وكذلك فعل عمر بالموضعين الآخرين. * * * ¬
27 - كتاب الديون والحجر والتفليس
(27) كتاب الديون والحجر والتفليس
1 - باب جواز أخذ الدين عند الحاجة ونية الأداء عند الأخذ والاستعاذة من الدين
(27) كتاب الديون والحجر والتفليس (1) باب جواز أخذ الدَّين عند الحاجة ونية الأداء عند الأخذ والاستعاذة من الدَّين 1163 - عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل، ورهنه درعًا من حديد. 1164 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أَدَّى اللَّه عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه اللَّه" (¬1). ¬
2 - باب الحجر على المفلس، ومن وجد متاعه عند مفلس فهو أحق به
1165 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من المَأثَمِ والمَغْرَمِ" فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المَغْرَمِ (¬1)؟ قال: "إن الرَّجُلَ إذا غَرِمَ حدث فكذب، ووعد فأخلف". * * * (2) باب الحجر على المُفْلِس، ومن وجد متاعه عند مفلس فهو أحق به 1166 - عن جابر بن عبد اللَّه: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وَسْقًا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن يُنْظِره (¬2)، فكلم جابر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليشفع له (¬3)، فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكَلَّم اليهودي ليأخذ تَمْر نَخْلِه بالذي ¬
له فأبى، فدخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النخل فمشى فيها -في رواية (¬1): فدعا في ثمرها بالبركة- ثم قال لجابر: "جُدَّ له فأوْفِ له الذي له" فجدّه بعد ما رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأوفى له ثلاثين وسقًا، وفضل له سبعة عشر وسقًا، فجاء جابر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل (¬2). في رواية (¬3): فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليباركن فيها. 1167 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان أفلس فهو أحق به من غيره". قال الحسن: إذا أفلس وتبين لم يَجُزْ عتقه ولا بيعه ولا شراؤه. وقال سعيد بن المسيب: قضى عثمان من اقتضى من حقه قبل أن يفلس فهو له، ومن عرف متاعه بعينه فهو أحق به (¬4). 1168 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: أعتق رجلٌ غلامًا له عن دبرٍ، ¬
3 - باب مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته وللإمام أن يؤدي عن المعسر من بيت المال
فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نُعيْم بن عبد اللَّه، فأخذ ثمنه فدفعه إليه. * * * (3) باب مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته وللإمام أن يؤدي عن المعسر من بيت المال قال البخاري: ويذكر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلّ عِرْضَه وعقوبته". قال سفيان: عِرْضُه يقول: مَطَلَنِي (¬1)، وعقوبته الحبس (¬2). 1169 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ". 1170 - وعن أبي هريرة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من مؤمن إلا أنا أَوْلَى ¬
4 - باب لا يعامل السفيه إلا بإذن وليه وقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5]
به في الدنيا والآخرة، اقرؤا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فأيما مؤمن مات وترك مالًا فليرثه عَصَبَتُهُ من كانوا، ومن ترك دَينًا أو ضَيَاعًا (¬1) فليأتني، فأنا مولاه". وفي رواية (¬2): "من ترك مالًا فلورثته ومن ترك كَلًّا فإلينا". "الكَلُّ": الثِّقْلُ، والمراد به هنا: الدَّيْن. * * * (4) باب لا يعامل السفيه إلا بإذن وليه وقوله: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] 1171 - عن المغيرة هو ابن شعبة، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن ¬
5 - باب المصالحة في الديون على الوضع وملازمة الغريم وحبسه
اللَّه حرم عليكم عقوقَ الأمهات، ووَأْدَ البناتِ، ومَنْعًا وهات، وكَرِهَ لكم قيلَ وقال، وكثرةَ السؤالِ، وإضاعة المال". 1172 - وعن ابن عمر قال: قال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني أُخْدَعُ في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خِلَابَةَ" فكان يقوله (¬1). الغريب: "العُقُوق": العصيان، و"العَقُّ" هو القطع، و"وأد البنات": دفنهن أحياء وقتلهن، و"منعًا": يعني به منع ما يجب بذله، و"هات": طلب ما يحرم طلبه، و"إضاعة المال": إتلافه أو إنفاقه فيما لا يجوز، و"الخِلَابة": الخديعة. * * * (5) باب المصالحة في الديون على الوضع وملازمة الغريم وحبسه 1173 - وعن كعب بن مالك: أنه تقاضى ابنَ أبي حَدْرَد دينًا كان له عليه في المَسْجِد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في ¬
بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجْفَ حجرته فنادى: "يا كعب" قال: لبيك يا رسول اللَّه. قال: "ضع من دينك هذا" وأومأ إليه -أي: الشطر- قال: لقد فعلت يا رسول اللَّه، قال: "قم فاقْضِه". وفي رواية (¬1): قال: فلقيه فلَزِمَهُ فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما، فمر بهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "يا كعب" وأشار بيده، كأنه يقول النصف، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفًا. 1174 - وعن أبي هريرة قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فجاءت برجل من بني حنِيفة يقال له: ثُمَامَة بن أثالٍ، فربطوه بسارية من سواري المسجد. 1175 - وعن خَباب قال: كنت قَيْنًا في الجاهلية، وكان لي على العاصي ابن وائل دراهم، فأتيته أتقاضاها، فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا، واللَّه لا أكفر بمحمد حتى يميتك اللَّه ثم يبعثك، قال: فدعني حتى ¬
أموت ثم أبعث فأُوتَى مالًا وولدًا ثم أقضيك، فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]. 1176 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه؛ لعل اللَّه يتجاوز عنا، قال: فلقي اللَّه فتجاوز عنه". * * * _______ 1176 - خ (2/ 500)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (54) باب (غير مترجم)، من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي هريرة به، رقم (3480)، طرفه في (2078).
28 - كتاب اللقطة
(28) كتاب اللقطة
1 - باب إذا عرف رب اللقطة علامتها دفعت إليه ولم يطالب ببينة
(28) كتاب اللقطة (1) باب إذا عرف رب اللقطة علامتها دفعت إليه ولم يطالب ببينة 1177 - عن سُوَيْد بن غَفَلَة قال: لقيت أُبَيَّ بن كعب فقال: وجدت (¬1) صُرَّةً (¬2) مئة دينار، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "عرَّفها حولًا" فعرَّفْتها، فلم أجد من يَعْرِفُها، ثم أتيته فقال: "عرِّفها حولًا" فعرفتها فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، قال: "احفظ وِعَاءَها وعددها وَوِكَاءَهَا، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها" فاستمتعتُ. فلقيته (¬3) بعدُ بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال، أو حولًا واحدًا. * * * ¬
2 - باب حكم ضالة الإبل والغنم
(2) باب حكم ضالة الإبل والغنم 1178 - عن زيد بن خالد الجهني قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عن اللقطة، فقال: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا ووِكَاءَهَا، ثم عَرِّفها سَنَةً، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها" قال: فضالّة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فضالّة الإبل؟ قال: "مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها". وفي رواية (¬1): قال: "فإن لم تُعْرَف اسْتَنْفَقَ بها صاحبها، وكانت وديعة عنده، وإلا فاخلطها بمالك". الغريب: "اللُّقْطة" بسكون القاف: هي الشيء المُلْتَقَطُ، وبفتحها هو المُلْتَقِطُ. والفقهاء يقولون: الأول والثاني بالفتح، ولا يفرقون بينهما، و"استنفق ¬
3 - باب لا تعريف فيما لا بال له من اللقطة، ويستظهر زيادة على الحول فيما له بال
صاحبُها" بالرفع؛ يعني: واجدها. * * * (3) باب لا تعريف فيما لا بال له من اللقطة، ويَسْتَظْهِرُ زيادة على الحول فيما له بال 1179 - عن أنس قال: مَرَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها". 1180 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فارفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها". 1181 - وعن سلمة بن كُهَيْل قال: سمعت سُوَيد بن غَفَلَة قال: كنت مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صُوحَان في غزاةٍ فوجدت سوطًا، فقالا لي: ألقِهِ. قلت: لا، ولكني إن وجدت صاحبه وإلا استمتعتُ به، فلما رجعنا حَجَجْنَا فمررت بالمدينة، فسألت أُبَيَّ بن كعب -رضي اللَّه عنه- فقال: وجدت صُرَّةً على _______ 1179 - خ (2/ 185)، (45) كتاب اللقطة، (6) باب إذا وجد تمرة في الطريق، من طريق سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس به، رقم (2431). 1180 - خ (2/ 185 - 186)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق مَعْمَر، عن همام ابن منبه، عن أبي هريرة به، رقم (2432). 1181 - خ (2/ 187)، (45) كتاب اللقطة، (10) باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق، من طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن سُوَيْد بن غفلة به، رقم (2437).
4 - باب حكم لقطة مكة، ولا تحلب ماشية أحد إلا بإذنه، أو بقرينة تدل على الإذن
عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها مئة دينار، فأتيت بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "عَرِّفها حَوْلًا"، فعرّفتها حولًا، ثم أتيته فقال: "عرفها حولًا"، فعرفتها حولًا، ثم أتيته، فقال: "عرفها حولًا" ثم أتيته (1)، فقال: "عَرفها حولًا"، ثم أتيته (¬1) الرابعة، فقال: "اعْرِف عِدَّتَها ووِكَاءَها، فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها". قال سلمة: فأتيته (¬2) بعدُ بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحد. يعني سلمة: أنه أتى سويد بن غفلة بعد هذه المدة التي شك فيها. * * * (4) باب حكم لقطة مكة، ولا تحلب ماشية أحد إلا بإذنه، أو بقرينة تدل على الإذن 1182 - عن ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يلتقط لقطتها إلا مُعَرِّفٌ". وفي رواية (¬3): "ولا تحل لقطتها إلا لمُنْشِد"، وسيأتي. ¬
1183 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحْلِبَنَّ أحدٌ ماشيةَ امرئٍ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مَشْرُبَته (¬1) فتكسر خِزَانته فيُنْتَقل طعامه؟ فإنما تَخْزُنُ لهم ضروع مواشيهم أَطْعِمَاتِهِم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه". 1184 - وعن البراء، عن أبي بكر قال: انطلقت، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه، فقلت: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش، فسمّاه فعرفته، قلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، فقلت: هل أنت حالبٌ لي؟ قال: نعم، فاعتقلت (¬2) شاة من غنمه، ثم أمرته أن يَنْفُضَ ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، قال (¬3): هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى، فحلب كُثْبَة (¬4) من لبن، وقد جعلت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إِدَاوَةً على فِيهَا خِرْقة، فصببت على اللبن حتى بَرَدَ أسفله، فانتهيت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: اشرب يا رسول اللَّه، فشرب حتى رضيت. * * * ¬
29 - كتاب المظالم والمرافق
(29) كتاب المظالم والمرافق
1 - باب شدة وعيد الظالم ولعنه
(29) كتاب المظالم والمرافق (1) باب شدة وعيد الظالم ولعنه وقوله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} إلى قوله: {عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 42 - 47] وقوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. 1185 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث معاذًا إلى اليمن فقال: "اتق دعوةَ المظلومِ، فإنها ليس بينها وبين اللَّه حجاب". 1186 - وعن عبد اللَّه بن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الظلم ظلمات _______ 1185 - خ (2/ 192)، (46) كتاب المظالم، (9) باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم، من طريق وكيع، عن زكرياء بن إسحاق المكي، عن يحيى بن عبد اللَّه بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس به، رقم (2448). 1186 - خ (2/ 191)، (46) كتاب المظالم، (8) باب الظلم ظلمات يوم القيامة، من طريق عبد العزيز بن الماجشون، عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (2447).
2 - باب القصاص في المظالم، وأخذ الحسنات بها، وإثم من ظلم شيئا من الأرض
يوم القيامة" (¬1). الغريب: "المُهْطِع": المسرع خوفًا وفزعًا، و"المُقْنِع" و"المُقْمِح": رافع رأسه لشدة الهَوْلِ، و"الأفئدة": القلوب، جمع فؤاد. و"هواء": خفيفة مضطربة لشدة الفزع، وقيل: الخالية عن كل شيء إلا مما خافت منه، وأصل "الظلم": وضع الشيء غير موضعه، و"اللعنة": الطرد والبعد عن اللَّه ورحمته. * * * (2) باب القصاص في المظالم، وأخذ الحسنات بها، وإثم من ظلم شيئًا من الأرض 1187 - عن أبي سعيد الخدري، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَلَصَ المؤمنون من النار حُبِسُوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبُوا أُذِنَ لهم بدخول الجنة، فوالذي ¬
نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة أَدَلُّ بمسكنه (¬1) كان في الدنيا". 1188 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيء فَلْتَحَلَّلْهُ منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه". 1189 - وعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "زمن ظلم شيئًا من الأرض (¬2) طُوِّقَهُ من سبع أرضين". 1190 - ومن حديث عائشة: "من ظلم قِيدَ شبرٍ من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين". ¬
3 - باب إذا حالله من ظلمه فلا رجوع له فيه، وللمظلوم إذا وجد مال ظالمه أن يقتص منه
1191 - ومن حديث سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين". * * * (3) باب إذا حَالَلَهُ من ظلمه فلا رجوع له فيه، وللمظلوم إذا وجد مال ظالمه أن يقتص منه 1192 - وعن عائشة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس يستكثر (¬1) منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حِلٍّ، فنزلت هذه الآية. 1193 - وعنها قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول اللَّه! إن أبا سفيان رجل مِسِّيك، فهل عليَّ حَرَجٌ أن أُطْعِمَ من الذي له عيالنا؟ فقال: "لا حَرَجَ عليك أن تطعميهم بالمعروف". ¬
4 - باب إباحة الخصومة في استخراج الحقوق وتحريم اللدد
1194 - وعن عقبة بن عامر قال: قلت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يَقْرُوننا، فما ترى؟ فقال لنا: "إن نزلتم بقوم فأُمِرَ لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم تفعلُوا (¬1) فخذوا منهم حق الضيف" (¬2). الغريب: "البَعْلُ": الزوج، و"النُّشُوز": الرفع عن حقوق الزوجية، أو عن بعضها، و"المِسِّيك" مشدد السين: الكثير المَسْك، وهو المنع والبخل؛ أي: يبخل عليها وعلى أولاده، و"يقروننا": يضيفونا، و"القِرَى": الضيافة. * * * (4) باب إباحة الخصومة في استخراج الحقوق وتحريم اللَّدَدِ 1195 - عن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سمع ¬
خصومة بباب مسجده، فخرج إليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنما أنا بَشَرٌ، وإنه يأتيني الخَصْمُ، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأَحْسِبُ أنه صَدَقَ، وأقضي (¬1) له بذلك، فمن قضيتُ له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها". 1196 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن أبغض الرجال إلى اللَّه الأَلَدُّ الخَصِمُ". الغريب: "الأَلَدُّ الخَصِم": الشديد الخصومة، و"الأَلَدُّ": مأخوذ من اللَّدِيدَيْن، وهما جانبا الفم والعنق، وكأنه سمي بذلك لأنه يلوي فمه وعنقه عند الخصومة، فقد قالوا فيه: خصم أَلْوَى، كما قال امرؤ القيس: ألا رُبَّ خَصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه ... نَصِيحٍ، على تَعْذَالِه، غيرِ مُؤْتَلِ (¬2) ¬
5 - باب لا يظلم المسلم المسلم، ولا يسلمه لمن يظلمه، ونصر المظلوم
وكأنه أصله أن يقال فيه: خصم ألدُّ، كما قالوا: خصم أَلْوَى، لكن لما كثر استعمال الألد عامَلوه معاملة الاسم فوصفوه بالخصم، والأصل ما ذكرناه، واللَّه أعلم. * * * (5) باب لا يظلم المسلم المسلم، ولا يُسْلِمُه لمن يظلمه، ونَصْر المظلوم 1197 - عن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ (¬1)، ومن كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلم كُرْبَةً فرج اللَّه عنه كربة من كُرُبَات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره اللَّه يوم القيامة". 1198 - وعن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" قال: يا رسول اللَّه! هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: ¬
6 - باب الحض على إرفاق الجار بإباحة غرز الخشب
"تأخذ فوق يديه". 1199 - وعن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المؤمن للمؤمن كالبُنْيَان يشد بعضه بعضًا"، وشبك بين أصابعه. وقد تقدم في حديث البراء (¬1): أنه عليه السلام أمر بسَبْعٍ؛ منها: "ونصر المظلوم". * * * (6) باب الحض على إرفاق الجار بإباحة غرز الخشب 1200 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يمنع جارٌ جارَهُ أن يَغْرِزَ خشبة في جداره" ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ واللَّه لأَرْمِيَنَّ بها بين أكتافكم. ["أكتافكم"] بالتاء: جمع كتف الإنسان، وبالنون: جمع كَنَف، وهو الجانب، ويقال: الكنيف. * * * ¬
7 - باب أفنية الدور والجلوس فيها، وعلى الصعدات ويفعل في الطرق ما لا يتأذى المسلمون به
(7) باب أفنية الدور والجلوس فيها، وعلى الصُّعَدَاتِ ويفعل في الطرق ما لا يتأذى المسلمون به قالت عائشة (¬1): ابتنى (¬2) أبو بكر مسجدًا بفناءِ داره يصلي فيه ويقرأ القرآن، فتقصف (¬3) عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم (¬4) يعجبون منه، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة. 1201 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إياكم والجلوس على الطرقات" فقالوا: ما لنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها (¬5). قال (¬6): "فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها" قالوا: وما حق الطريق؟ قال: "غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأَمْرٌ بالمعروف، ونَهْيٌ عن المنكر". ¬
1202 - ومن حديث أنس قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفَضِيخَ، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا ينادي: "ألا إن الخمر قد حُرِّمَتْ"، قال: فجَرَتْ (¬1) في سكك المدينة. . .، الحديث. 1203 - ومن حديث أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا (¬2) رجل بطريق واشتد (¬3) عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثَّرَى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ فسقى الكلب، فشكر اللَّه له فَغَفَر له" قالوا: يا رسول اللَّه! وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: "في كل ذات كبدٍ رَطْبَةٍ أجر". وسيأتي حديث عمر بن الخطاب الطويل. * * * ¬
8 - باب الارتفاق بالسباطة وبسعة الطرق والآطام
(8) باب الارتفاق بالسباطة وبسعة الطرق والآطام 1204 - عن حذيفة قال: لقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو قال: لقد أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا. 1205 - وعن أبي هريرة قال: قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اشتجروا (¬1) في الطريق (¬2) بسبعة أذرع. 1206 - وعن أسامة بن زيد قال: أَشْرَفَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أُطُمٍ من آطام المدينة ثم قال: "هل ترون ما أرى؟ مواقع الفتن (¬3) خلال بيوتكم كمواقع القَطْرِ". ¬
9 - باب من أتلف شيئا مما يرتفق به ضمنه، ولا ضمان فيما لا ينتفع به منها
الغريب: "السُّبَاطة": الزبل المجتمع بأفنية الدور، و"التَّشَاجُر": الاختلاف، و"الأُطُم" بضم الهمزة: الحصن، ويجمع: آطامًا، وهي أيضًا الأجام، و"المواقع": جمع موقع وهي السقط (¬1)، و"خِلَال": بين. * * * (9) باب من أتلف شيئًا مما يرتفق به ضمنه، ولا ضمان فيما لا ينتفع به منها 1207 - عن أنس بن مالك: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقَصْعَةٍ فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام وقال: "كُلُوا" وحبس الرسولَ والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحَبَسَ المكسورة. 1208 - وعن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى ¬
ينزل فيكم ابنُ مريم حكمًا مُقْسِطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير (¬1)، ويضع الجزية، ويَفِيضُ المال حتى لا يقبله أحد". 1209 - وعن سَلَمَةَ بن الأَكْوَع: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى نيرانًا توقد يوم خيبر، قال: "عَلَامَ توقد هذه النيران؟ " قال: الحُمُر الإنسية (¬2)، قال: "اكسروها وأهريقوها". قالوا: ألا نهريقها ونَغْسلها؟ قال: "اغسلوا". وكان ابن أبي أويس يقول: "الحمر الأَنسِية" بنصب الألف والنون. 1210 - وعن عائشة: أنها كانت اتخذت على سَهْوَةٍ (¬3) لها سترًا فيه تماثيل، فهتكه (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاتخذت منه نُمْرُقَتَيْن، فكانتا في ¬
10 - باب إذا هدم حائطا فليبن مثله
البيت يجلس عليها (¬1). وأُتِي شريحٌ في طُنْبور (¬2) كُسِرَ فلم يقض فيه بشيء (¬3). الغريب: "المُقْسِط": العادل، و"القَاسِط": الجائر، و"يضعُ الجزية"؛ قيل: يُلْزِمُها النصارى؛ وقيل: لا يقبلها منهم لكثرة الأموال، و"فَيْضُ المال": كثرتُه، وذلك يكون إذا أخرجت الأرض كنوزها كما جاء في الحديث. * * * (10) باب إذا هدم حائطًا فليَبْنِ مثلَهُ 1211 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كان رجل من بني إسرائيل يقال له: جُرَيْجُ يصلي، فجاءته أمه فدعته، فأبى أن يجيبها، فقال: أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوهَ المومسات، وكان جريج في صومعته، فقالت امرأة: لأَفْتِنَنَّ جريجًا، فتعرضَتْه فكلَّمته، فأبى. فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها، فولدت غلامًا فقالت: هو من جريج، فأتوه وكسروا صومعته، وأنزلوه وسَبُّوه، فتوضأ ¬
11 - باب تحريم النهبى بغير إذن المالك
وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ فقال: الراعي. قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا. إلا من طين". الغريب: "المُومِسَات": جمع مُومِسَة، وهي: الزانية، و"كسروا صومعته"؛ أي: هدموها، وكان جريجٌ عابدًا عالمًا، ألا ترى اشتغاله بالنفل الذي هو الصلاة عن الواجب الذي هو إجابة أمه، واللَّه أعلم. * * * (11) باب تحريم النُّهْبَى بغير إذن المالك 1212 - عن عبد اللَّه بن زيد قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النُّهْبَى والمُثْلَةِ. 1213 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَزْني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين يَنْتَهِبُها وهو مؤمن". _______ 1212 - خ (2/ 200)، (46) كتاب المظالم، (30) باب النهبى بغير إذن صاحبه، من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري به، رقم (2474)، طرفه في (5516). 1213 - خ (2/ 201)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به، رقم (2475)، أطرافه في (5578، 6772، 6810).
وقال أبو عبد اللَّه: تفسيره: يُنْزَعُ منه، يريد الإيمان. الغريب: "النُّهْبَى": اسم لما يؤخذ من الأموال هجمًا وخطفًا من غير قسمة؛ ومنه سمي ما يؤخذ من أموال العدو: نَهبًا، والإيمان المنفيُّ هنا هو الإيمان الكامل أو النافع. * * *
30 - كتاب الشركة والرهون
(30) كتاب الشركة والرهون
1 - باب الشركة في الطعام والعروض، وكيف القسمة، وفي النهد
(30) كتاب الشركة والرهون (1) باب الشركة في الطعام والعُروض، وكيف القسمة، وفي النهد 1214 - عن جابر بن عبد اللَّه أنه قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِل، وأمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاث مئة وأنا فيهم، فرُحْنَا حتى إذا كنا ببعض الطريق فَنِيَ الزَّادُ، فأمر أبو عبيدة بأَزْوَادِ ذلك الجيش، فجُمِعَ ذلك كله، فكان مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فكان يقوتنا كل يوم قليلًا قليلًا حتى فَنِيَ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فَقْدَهَا حين فَنِيَتْ، قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظَّرِب (¬1) فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة (¬2) ليلة، ثم أمر أبو عبيدة ¬
بضلعَيْن من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرُحِّلَتْ، ثم مرت من تحتها فلم تصبهما. 1215 - وعن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: خَفَّتْ أَزْوَادُ القوم وأَمْلَقُوا، فَأتَوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نَحْرِ إبلهم، فلقيهم عمر (¬1) فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نادِ في الناس يأتون بفضل أزواد" فبُسِط لذلك نطعٌ، وجعلوه على النِّطع (¬2)، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعا وبَرَّكَ، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه". 1216 - وعن رافع بن خَدِيج قال: كنا نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- العصر فننحر جَزُورًا، فتقسم عَشْر قِسَمٍ، فنأكل لحمًا نضيجًا قبل أن تغرب الشمس. 1217 - وعن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا (¬3) في الغزو أو قَلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ¬
2 - باب تعديل الحيوان في القسمة، والنهي عن أن يستأثر أحد الشركاء بشيء دونهم
ما كان عندهم في ثوب واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحدٍ بالسوية، فهم مني وأنا منهم". الغريب: "الظَّرِب" (¬1): الجبيل الصغير، وهو بفتح الظاء وكسر الراء، و"رُحِّلَت" مشددة الحاء: جُعل عليها رحلُها، و"احتثى": هو بالحاء المهملة وبالتاء المثلثة؛ يعني: أخذوا بأيديهم حَثْوة حَثْوة، و"النَّهْد": هو أن ينهد كل واحد من الجماعة بما عنده من الطعام، فيجمعه مع غيره ليقسم؛ أي: يتقدم بذلك، ومنه: نهد المرأة. * * * (2) باب تعديل الحيوان في القسمة، والنهي عن أن يستأثر أحد الشركاء بشيء دونهم 1218 - عن رافع بن خَدِيج قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذي الحُلَيْفَة، فأصاب الناسَ جوعٌ، فأصابوا إبلًا وغنمًا، قال: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
في أُخْرَيَاتِ القوم، فعَجلوا وذبحوا ونصبوا القُدُورَ، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقدور فأُكْفِئَتْ، ثم قَسَمَ فعدل عشرةً من الغنم ببعير، فنَدَّ منها بعير فأَعْيَاهُمْ (¬1)، وكان في القوم خيل يسيرة، فأهوى رجل منهم بسهم فحَبَسَهُ اللَّهُ، ثم قال: "إن لهذه البهائم أَوَابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا" فقال جدِّي: إنا نرجو -أو نخاف- العدو غدًا، وليست معنا مُدًى، أفنذبح بالقَصَبِ؟ قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم اللَّه عليه فكلوه، ليس السِّنَّ والظُّفْر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فَعَظْمٌ، وأما الظفر فمُدَى الحبشة". 1219 - وعن جَبَلة بن سُحَيْم قال: كنا بالمدينة وأصابتنا سَنةٌ، فكان ابن الزبير يرزقنا التمر، وكان ابن عمر يمر بنا فيقول: لا تَقْرِنوُا؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن القِرَان إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه. الغريب: "أُكْفِئَت": قُلِبَتْ، قال الكسائي: كَفَأْتُ الإناء وكفيته وأكفيته: إذا قلبته، وأكفأته: إذا أملته، و"الأوابد": الوحش النوافر، و"المُدَى": السكاكين، واحدها مُدْيَة، و"السَّنَة": الجدب هنا، و"القِرَان في التمر": هو أن يأكل تمرتين في مرة واحدة، و"ليس السنّ": بمعنى إلا، وهي من حروف الاستثناء. وقدم تقدم: "لا يُفَرَّقُ بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ¬
3 - باب القسمة بالقرعة عند التشاح، وإذا صحت القسمة فلا رجوع فيها. وقوله تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141]
وما كان من خليطين فإنهما يترادَّان بينهما بالسَّوِيَّة" في كتاب الزكاة. * * * (3) باب القسمة بالقرعة عند التشاحِّ، وإذا صحت القسمة فلا رجوع فيها. وقوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه. وقد أقرع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الستة المماليك فأعتق اثنين بالقرعة. 1220 - وعن النعمان بن بَشِير، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل القائم على حدود اللَّه والواقع فيها كمَثَلِ قَوْمٍ استَهَمُوا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها ويعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خَرْقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم (¬1) وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا جميعًا (¬2) ". 1221 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: إنما جَعَلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الشُّفْعَةَ في ¬
4 - باب الشركة في الذهب والحيوان والعروض والطعام ومشاركة الذمي
كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق فلا شفعة. * * * (4) باب الشركة في الذهب والحيوان والعُروض والطعام ومشاركة الذمي 1222 - عن سليمان بن أبي مُسْلِم قال: سألت أبا المنهال عن الصرف يدًا بيد، قال (¬1): اشتريت أنا وشريك لي شيئًا يدًا بيد ونسيئة، فجاءَنا البراءُ بن عازب، فسألناه فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك فقال: "ما كان يدًا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فرُدُّوه". 1223 - وعن عقبة بن عامر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاه غنمًا فقسمها على صحابته ضحايا، فبقي عَتُودٌ، فذكره لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ضَحِّ به أنت". ¬
1224 - وعن زُهْرَة بن مَعْبَدٍ: أنه كان يخرج به جدُّه عبد اللَّه بن هشام فيشتري الطعام (¬1)، فيلقاه ابن عمر وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم- فيقولان له: أَشْرِكْنَا، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد دعا لك بالبركة، فَيَشْرَكُهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل. 1225 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقال: "من أعتق شِرْكًا (¬2) له في عبدٍ عَتَقَ (¬3) كله إن كان له مال، وإلا ليُسْتَسْعَ العبد غير مشقوق عليه (¬4) ". 1226 - وعن نافع عن عبد اللَّه قال: أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبرَ اليهودَ أن ¬
5 - باب جواز الرهن في الحضر، ورهن الأسلحة عند أهل الذمة
يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. * * * (5) باب جواز الرهن في الحَضَرِ، ورهن الأسلحة عند أهل الذمة 1227 - عن أنس قال: لقد رهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دِرْعَه بشعير، ومشيت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بخُبْزِ شعيرٍ وإهَالَةٍ سَنِخَةٍ، ولقد سمعته يقول: "ما أصبح لآل محمد ولا أمسى إلا صاع"، وإنهم لتسعة (¬1) أبيات. 1228 - ومن حديث عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أَجَلٍ ورهنَهُ دِرْعَهُ. وعنها أنها قالت (¬2): توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير. ¬
6 - باب الرهن مركوب ومحلوب، واختلاف الراهن والمرتهن
وفي رواية (¬1): درعٌ من حديد. 1229 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ لكعب ابن الأشرف؛ فإنه قد آذى اللَّه ورسوله؟ " فقال محمد بن مَسْلَمَة: أنا، فأتاه فقال: أردنا أن تُسْلِفَنَا وَسْقًا أو وَسْقَيْن، فقال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب. وذكر الحديث، قال: ولكنَّا نر هنك اللأمة. . .، وسيأتي الحديث. الغريب: "الإِهَالَة": الوَدَك، و"السَّنِخَةُ": المتغيِّرة الرائحة، و"الَّلأْمَةُ": السلاح. * * * (6) باب الرهن مركوب ومحلوب، واختلاف الراهن والمرتهن وقال مغيرة عن إبراهيم: تُركب الضالة بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وتُحلب بقدر علفها، والرهنُ مثله. 1230 - عن الشعبي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
"الظهر (¬1) يُرْكَب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّرِّ يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة". 1231 - وعن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى أن اليمين على المُدَّعَى عليه. * * * ¬
31 - كتاب العتق والكتابة
(31) كتاب العتق والكتابة
1 - باب ما جاء في العتق وفضله، وأي الرقاب أفضل
(31) كتاب العتق والكتابة (1) باب ما جاء في العتق وفضله، وأيُّ الرقاب أفضل 1232 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما رجلٍ أعتق امرءًا مسلمًا، استَنْقَذَ اللَّه بكل عضو منه عضوًا من النار". قال سعيد بن مَرْجانةَ: فانطلقتُ به إلى علي بن الحسين، فعمد إلى عبدٍ له (¬1) قد أعطاه به عبد اللَّه بن جعفر عشرة آلاف درهم -أو ألف دينار- فأعتقه. 1233 - وعن أبي ذر قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ العمل أفضل؟ قال: "ايمانٌ باللَّه، وجهادٌ في سبيله". قلت: فأيُّ الرقاب ¬
2 - باب حكم من أعتق شركا له في عبد
أفضل؟ قال: "أغلاها ثمنًا وأنفسُها عند أهلها" قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تُعين ضائعًا (¬1)، أو تَصْنعُ لأخرق (¬2) " قال: فإن لم أفعل؟ قال: "تدع الناس من الشر فإنها صدقة تَصَدَّقُ بها على نفسك". * * * (2) باب حكم من أعتق شركًا له في عبدٍ 1234 - مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أعتق شِركًا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوِّمَ عليه العبد قيمة عَدْل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعَتَق عليه العبد، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ". ورواه أيوب (¬3)، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أعتق نصيبًا له في مملوكه أو شِرْكًا له في عبد، فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق". قال نافع: وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق. قال أيوب: لا أدري أشيء قاله ¬
3 - باب من أعتق فليشهد على ذلك
نافع، أو شيء في الحديث؟ قلت: وسياق نافع لذلك الكلام سياق الجازم بأنه من الحديث، فهو أولى من شك أيوب، واللَّه أعلم. وقد تقدم حديث أبي هريرة في الاستسعاء. * * * (3) باب من أعتق فليشهد على ذلك 1235 - عن أبي هريرة: أنه لما أقبل يريد الإسلام ومعه غلامه، ضل كل واحد منهما من صاحبه، فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا هريرة! هذا غلامك قد أتاك" فقال: أمَا إني أشهدك أنه حر، فهو حينئذ يقول (¬1): يا ليلةً مِنْ طُولهَا وعَنَائِهَا ... على أنها من دَارَةِ الكفر نَجَّتِ وفي رواية (¬2): قال أبو هريرة: لما قدمت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .، وذكر ¬
4 - باب استحقاق ولد الأمة، والحكم به لصاحب الفراش
نحوه وقال: قلت: هو حُرٌّ لوجه اللَّه. * * * (4) باب استحقاق ولد الأَمَةِ، والحكم به لصاحب الفراش 1236 - عن عروة بن الزبير: عن عائشة أنها قالت: كان عُتْبَةُ بن أبي وقاص عَهِدَ إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يقيض إليه ابن وليدةِ زَمْعَة، قال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الفتح أخذ سعدٌ ابن وليدةِ زمعة، فأقبل به إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأقبل معه بعبدِ ابن زمعة، فقال سعد: يا رسول اللَّه! هذا ابن أخي عهد إليّ أنه ابنه. فقال عبدُ بن زمعة: يا رسول اللَّه! هذا أخي ابن (¬1) زمعة، وُلِدَ على فراشه، فنظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ابن وليدة زمعة، فإذا هو أشبه الناس به، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو لك يا عبدُ بن زمعة" من أجل أنه ولد على فراش أبيه، فقال (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احتجبي منه يا سودة بنت زمعة" مما رأى من شبهه بُعتبة، وكانت سودة زوجَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية (¬3): "الولد للفراش، وللعاهر الحَجَرُ". ¬
5 - باب بيع المدبر في الدين، والنهي عن بيع الولاء وهبته
الغريب: "العاهِر": الزاني، و"الحجر"؛ يعني به: الرجم، وقيل: الخيبة. * * * (5) باب بيع المُدَبَّر في الدين، والنهي عن بيع الولاء (¬1) وهبته 1237 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: أعتق رجلٌ منا عبدًا له عن دُبرٍ، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- به، فباعه، قال جابر: مات الغلام عام أول. قلت: هذا الحديث محمولٌ عند أصحابنا على أنه عليه السلام باعه في دَيْنٍ سبق التدبير، وَيعْضد هذا التأويل ما ذكره مالك: أن من الأمر المجمَع عليه عندهم أن المُدَبَّر لا يوهب ولا يحرك عن حاله (¬2). 1238 - وعن ابن عمر قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الولاء وَهِبَتِهِ. * * * ¬
6 - باب أخذ الفداء في القريب المشرك ونفوذ عتقه معينا
(6) باب أخذ الفداء في القريب المشرك ونفوذ عتقه معيَّنًا وقال أنس: قال العباس للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فاديت نفسي، وفَادَيْتُ عَقِيلًا. 1239 - وعن أنس بن مالك: أن رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، فقال: "لا تدعون منه درهمًا". 1240 - وعن هشام قال: أخبرني أبي: أَنَّ حكيم بن حِزَامٍ عتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، فلما أسلم حمل على مئة بعير وأعتق مئة رقبة، قال: فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلت (¬1): يا رسول اللَّه! أرأيتَ أشياءَ كنت أصنعها في الجاهلية كنت أتحنَّثُ بها -يعني: أَتَبَرَّرُ بها (¬2) - قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أسلمتَ على ما سَلَفَ لك من خَيْرٍ". * * * ¬
7 - باب فضل من أدب جاريته ثم أعتقها وتزوجها، وفضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق سيده
(7) باب فضل من أَدَّبَ جاريته ثم أعتقها وتزوجها، وفضلِ المملوك الذي يؤدي حق اللَّه وحق سيده 1241 - عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّما رجلٍ كانت له جارية أَدَّبَهَا فأحسن أدبها، وأعتقها وتزوجها، فله أجران، وأَيُّما عَبْدٍ أَدَّى حقَّ اللَّه وحقَّ مواليه، فله أجران". 1242 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "للعبد المملوك الصالح أجران"، والذي نفسي بيده لولا الجهادُ في سبيل اللَّه، والحجُّ، وبرُّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك (¬1). 1243 - وعنه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نِعْمَ (¬2) ما لأحدهم، يُحْسِنُ ¬
8 - باب الأمر بالإحسان للملوك وترك التطاول عليه
عبادة ربه، وينصح لسيده". * * * (8) باب الأمر بالإحسان للملوك وترك التطاول عليه 1244 - وعن المَعْرُورِ بن سُوَيْد قال: رأيت أبا ذَرٍّ الغفاري وعليه حُلَّةٌ وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني سَابَبْتُ رجلًا، فشكاني إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعيَّرته بأُمِّه؟ " ثم قال: "إخوانكم خَوَلُكُمْ، جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ولْيُلْبِسْهُ مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". 1245 - وعن همَّام بن مُنَبِّهٍ: أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- _______ 1244 - خ (2/ 220)، (49) كتاب العتق، (15) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العبيد إخوانكم، فأطعموهم مما تكلون"، وتوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}، من طريق شعبة، عن واصل الأحدب، عن المعرور بن سُوَيْد، عن أبي ذر به، رقم (2545). 1245 - خ (2/ 219)، (49) كتاب العتق، (17) باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي، وقول اللَّه تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وقال: {عَبْدًا مَمْلُوكًا} وقال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قوموا إلى سيدكم" {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}: سيدك. و"من =
9 - باب ما يجب على العبد من مراعاة حق سيده وفي أدبه إذا قصر في ذلك، وحد إن زنا
أنه قال: "لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتِي، ليقل: فتاي وفتاتي وغلامي". 1246 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم خادمُه بطعامه، فإن لم يُجْلِسْه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أُكْلَة أو أكلتين، فإنه وَلِيَ عِلَاجَهُ". * * * (9) باب ما يجب على العبد من مراعاة حق سيده وفي أدبه إذا قصّر في ذلك، وحُدَّ إن زنا 1247 - عن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالأميرُ الذي على الناس راع عليهم ومسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده ومسؤول عنه، ألا فكلكم راع _______ = سيدكم؟ "، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به، رقم (2552). 1246 - خ (2/ 222)، (49) كتاب العتق، (18) باب إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه، من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة به، رقم (2557)، طرفه في (5460). 1247 - خ (2/ 222)، (49) كتاب العتق، (17) باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي، من طريق يحيى، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن عبد اللَّه به، رقم (2554).
10 - باب في الكتابة، ومن قال بوجوبها إذا طلبها العبد القوي على التكسب، وقوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33]
وكلكم مسؤول عن رعيته". وفي رواية (¬1): قال ابن عمر: فسمعت هؤلاء من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأحسب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "والرجل في مال أبيه راع، ومسؤول عن رعيته". * * * (10) باب في الكتابة، ومن قال بوجوبها إذا طلبها العبد القوي على التكسب، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أواجب عليّ إذا علمت له مالًا أن أكاتبه؟ قال: ما أُرَاه إلا واجبًا، وقال عطاء: أخبرني موسى بن أنس: أن سيرين سأل أنسًا المكاتبة، وكان كثير المال، فأبى، فانطلق إلى عمر فقال: كاتِبْه، فأبى، فضربه بالدّرة، ويتلو عمر: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فكاتَبَه (¬2). * * * ¬
11 - باب تنجيم الكتابة، وجواز بيع المكاتب ممن يعتقه، وفسخ الكتابة لذلك
(11) باب تنجيم الكتابة، وجواز بيع المكاتب ممن يعتقه، وفسخِ الكتابة لذلك 1248 - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت بَرِيرَةُ فقالت: إني كَاتَبْتُ (¬1) على تِسْعِ أَوَاقٍ، في كل عام أوقية -وفي رواية (¬2): على خمس- فأعينيني، فقالت عائشة: إنْ أَحَبَّ أهلُك أن أعُدَّها لهم عَدَّةً واحدة وأُعتقَكِ فعلتُ، ويكون (¬3) ولاؤك لي، فذهبت إلى أهلها فَأَبَوْا ذلك عليها، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فسمع بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألني فأخبرتُه، فقال: "خذيها فأعتقيها، واشترطي لهم الولاء؛ فإنما (¬4) الولاء لمن أعتق"، قالت عائشة: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فما بال رجال منكم يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه؟ ، فأيُّما شرطٍ ليس (¬5) في كتاب اللَّه فهو باطل وإن كان مئة شرط، فقضاء اللَّه أَحَقُّ، ¬
وشرطُ اللَّه أوثق، ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق يا فلان والولاء لي، إنما الولاء لمن أَعْتَقَ". وفي رواية (¬1): فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشتريها فأعتقيها وَدَعيهم يشترطوا (¬2) ما شاؤوا" فاشترتها عائشة فأعتقتها، واشترط أهلها الولاء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لمن أعتق، وإن اشترطوا مئة شرط". * * * ¬
32 - كتاب الهبات
(32) كتاب الهبات
1 - باب فضل الهدية، وقبولها وإن قلت، والمكافأة عليها
(32) كتاب الهبات (1) باب فضل الهدية، وقبولها وإن قلَّت، والمكافأة عليها 1249 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يا نساء المسلمات، لا تَحْقِرَنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرسِنَ (¬1) شاةٍ". 1250 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو دُعِيتُ إلى ذِرَاعٍ أو كُرَاعٍ (¬2) لأجبت، ولو أُهدي إليَّ ذراعٌ أو كراع لقبِلْتُ". ¬
2 - باب تبسط الرجل فيما أهدى لصديقه، وأكله منه وإن لم يأذن له
1251 - وعن عائشة: أن الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة يتبعون (¬1) -أو يبتغون بذلك- مرضاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1252 - وعن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أُتِي بطَعَامٍ سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: "كلوا"، ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده فأكل معهم. 1253 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقبل الهدية ويُثِيبُ عليها. * * * (2) باب تبسُّطِ الرجل فيما أهدى لصديقه، وأكلِهِ منه وإن لم يأذن له 1254 - عن القاسم -وهو ابن محمد- عن عائشة: أنها أرادت أن ¬
3 - باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه وما لا يرد من الهدية، ومن أحق بها
تشتري بَرِيرَةَ، وأنهم اشترطوا ولاءها، فذُكِرَ ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشتريها فأَعْتِقِيهَا، فإنما الولاء لمن أعتق" وأُهْدِيَ لها لَحْمٌ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو لها صدقة ولنا هَدِيَّةٌ". 1255 - وعن أنس بن مالك قال: أُتِيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلحم، فقيل: تُصُدِّقَ على بريرة، فقال: "هو لها صدقة، ولنا هَدِيّة". * * * (3) باب مَن أَهدَى إلى صاحبه وتحرَّى بعضَ نسائه وما لا يردُّ من الهدية، ومن أحقُّ بها 1256 - وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن نساء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كنَّ حزبين، فحزبٌ هي فيه وحفصةُ وصفيةُ وسَوْدَةُ، والحزبُ الآخر: أمُّ سلمة وسائر نساء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان المسلمون قد علموا حبَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديةٌ يريد أن يهديها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخرها، حتى إذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها (¬1) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيت عائشة، فكلم حزْبُ أُمِّ سلمة ¬
فقلن لها: كلمي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكلم الناس فيقول: من أراد أن يُهدي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هدية فليُهْدِ له حيث كان من نسائه، فكلمته أمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: كلميه، قال (¬1): فكلمتْهُ حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: كلميه حتى يكلمك، فدار إليها، فكلمته، فقال لها: "لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة" قالت: فقلت (¬2): أتوب إلى اللَّه من أذاك يا رسول اللَّه، ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأرسلَتْ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تقول: إن نساءك يسألنك (¬3) العَدْلَ في بنت أبي بكر، فكلَّمتْه فقال: "يا بُنَيَّة! ألا تحبين ما أحب؟ " فقلت: بلى. فرجعتْ إليهن فأخبرتْهُنَّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت وقالت: إن نساءك يَنْشُدْنَك اللَّهَ العدلَ في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة، فسبَّتها، حتى إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لينظر إلى عائشة: هل تتكلم؟ قال: فتكلمتْ عائشة تَرُدُّ على زينب حتى أسكتتها، قالت: فنظر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عائشة وقال: "إنها بنتُ أبي بكر (¬4) ". ¬
4 - باب النهي عن أن يهب لبعض أولاده دون بعض، وعن الرجوع في الهبة إلا للولد
1257 - وعن ثُمَامَة بن عبد اللَّه قال: كان أنس لا يَرُدُّ الطِّيبَ، قال: وزعم أنس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يَرُدُّ الطِّيبَ. 1258 - وعن عائشة قالت: قلت يا رسول اللَّه: إن لي جارين، فإلى أيهما أُهْدِي؟ ، قال "إلى أقربهما منك بابًا". * * * (4) باب النهي عن أن يهب لبعض أولاده دون بعض، وعن الرجوع في الهبة إلا للولد 1259 - عن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطيّةً، فقالت عَمْرَةُ بنت رَوَاحَةَ: لا أرضى حتى تُشْهِد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أُشهدك يا رسول اللَّه، قال: "أَعْطَيْتَ سائر ولدك مثل هذا؟ " قال: لا، قال "فاتقوا اللَّه واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع، فرد عطيته. _______ 1257 - خ (2/ 232)، (51) كتاب الهبة، (9) باب ما لا يُرَدُّ من الهدية، من طريق عبد الوارث، عن عَزْرة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس به، رقم (2582)، طرفه في (5929). 1258 - خ (2/ 235)، (51) كتاب الهبة، (16) باب بمن يُبْدَأُ بالهدية؟ من طريق شعبة، عن أبي عمران الجَوْني، عن طلحة بن عبد اللَّه -رجل من بني تَيْم بن مُرَّة- عن عائشة به، رقم (2595). 1259 - خ (2/ 233)، (51) كتاب الهبة، (13) باب الإشهاد في الهبة، من طريق أبي عوانة، عن حُصَيْن، عن عامر، عن النعمان بن بشير به، رقم (2587).
5 - باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها أو لغيره
وفي طريق (¬1) أخرى: أنَّ أبا النعمان أتى به إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال: "أَكُلُّ وَلَدِكَ نحلته؟ " قال: لا، قال: "فارجعه". وفي رواية (¬2): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أَشْهدُ على جَوْرٍ". 1260 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه". * * * (5) باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها أو لغيره وقد تقدم قوله عليه السلام: "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه". وقال الزهري فيمن قال لامرأته: هبي لي بعضَ صَدَاقكِ أو كلَّه، ثم لم ¬
يمكث إلا يسيرًا حتى طلقها، فرجعت فيه. قال: يردُّ إليها إن كان خَلَبَها (¬1)، وإن كان أعطته عن طِيْبِ نفس ليس في شيء من أمره خديعة جاز، قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. 1261 - عن عائشة قالت: لما ثَقُلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأَذِنَّ لَهُ. . .، الحديث. 1262 - وعن أسماء ابنة أبي بكر قالت: قلت: يا رسول اللَّه! مالي مالٌ إلا ما أَدْخَلَ عليَّ الزبيرُ، فأتصدَّقُ؟ قال: "تصدقي ولا تُوعِي فيُوعَى عليك" (¬2). وفي أخرى (¬3): قال: "أنفقي ولا تحصي فيحصي اللَّه عليك، ولا تُوعِي ¬
6 - باب من لم يقبل الهدية لعلة، وتحريم الهدايا للولاة
فيوعِي اللَّه عليك". 1263 - وعن كريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أَشَعَرْتَ يا رسول اللَّه أني أعتقت وليدتي؟ قال: "أَوَ فَعَلْتِ؟ " قلت: نعم، قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك". 1264 - وعن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد سفرًا أَقْرَعَ بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تبتغى بذلك رضا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (6) باب من لم يقبل الهدية لعلة، وتحريم الهدايا للولاة قال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هدية، واليوم رِشْوَة. ¬
7 - باب إذا وهب أو وعد ثم مات أحدهما قبل وصول الهدية إليه، وهبة الدين
وقد تقدم قولُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للصَّعْبِ بن جَثَّامة حين أهدى حمار الوحش فرده عليه: "إنَّا لم نردَّه عليك إلا أَنَّا حُرُمٌ". 1265 - وعن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من الأَزْد يدعى ابن الأُتْبِيَّةِ على الصدقة، فلما قَدِمَ قال: هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ لي، قال: "فَهَلَّا جلس في بيت أبيه -أو بيت أمه- فينظر: هل يُهْدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه (¬1) شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغَاءٌ، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر -ثم رفع يده حتى رأينا عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ- اللهم هل بلَّغتُ؟ اللهم هل بلغت؟ " ثلاثًا. * * * (7) باب إذا وهب أو وعد ثم مات أحدهما قبل وصول الهدية إليه، وهِبَة الدَّيْن وقال الحسن: أيهما مات قَبْلُ فهي لورثته إذا قبضها الرسول. ووهب الحسن بن علي لرجل دينه. 1266 - وعن جابر قال: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ جَاءَ مالُ ¬
البحرين أعطيتك هكذا" -ثلاثًا- فلم يقدم حتى توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر أبو بكر مناديًا ينادي: من كان له عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عِدَّةٌ أو ديَنُ فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعدني. فحثى له ثلاثًا. وقال النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان عليه دين فَلْيُعْطِه أو لِيَتَحَلَّلْه منه". 1267 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن أباه قُتِلَ يوم أُحُدٍ شهيدًا، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمته، فسألهم أن يقبلوا ثَمَرَ (¬2) حائطي ويُحَلِّلُوا أبي، فأَبَوْا، فلم يعطهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حائطي ولم يكسره لهم، ولكن قال: "سأَغْدُو عليك" (¬3) فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل فدعا في ثمره بالبركة، فَجَدَدْتُهَا، فقضيتهم حقوقهم، وبقي لنا من ثمرها بقية، ثم جئت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس، فأخبرته بذلك، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر: "اسمع -وهو جالس- يا عمر" فقال: ألا يكون قد علمنا أنك رسول اللَّه؟ واللَّه إنك لرسول اللَّه. * * * ¬
8 - باب هبة الشاء والمهدى له أحق بالهدية من جلسائه
(8) باب هبة الشاء والمهدى له أحق بالهدية من جلسائه وقالت أسماء للقاسم بن محمد وابن أبي عتيق: ورثتُ عن أختي عائشة بالغابة وقد أعطاني معاوية به مئة ألف فهو لكما. 1268 - عن عروة، عن مروان بن الحكم (¬1) والمِسْوَرِ بن مخرمة، أخبراه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين جاءه وفد هَوَازِن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالَهم وسَبْيَهُم، فقال لهم: "أحبُّ الحديث (¬2) إليَّ أصدقُهُ، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السَّبْيَ، وإما المال، وقد كنت اسْتَأْنَيْتُ"، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبيَّن لهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: إنَّا (¬3) نختار سَبْيَنَا، فقام في المسلمين فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: "أَمَّا بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاؤونا تائبين، وإني رأيت أَنْ أردَّ إليهم سبيهم، فمن أحبَّ منكم أن يُطَيِّب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه ¬
من أول ما يَفِيء اللَّه علينا (¬1) "، فقال الناس: طيبنا يا رسول اللَّه (¬2)! فقال لهم: "إنَّا لا ندري من أَذِنَ منكم فيه ومن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفَعَ إلينا عرفاؤكم" فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه بأنهم طيبوا وأذنوا. قال الزهري: فهذا الذي بلغنا من سبي هوازن. 1269 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه أخذ سِنًّا، فجاء صاحبه يتقاضاه، فقالوا له، فقال: "إن لصاحب الحق مقالًا" ثم قضاه أفضل من سِنِّه. فقال: "أفضلكم أحسنُكم قَضَاءً". 1270 - وعن ابن عمر: أنه كان مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، وكان على بَكْرٍ صَعْبٍ لعمر، وكان (¬3) يتقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيقول أبوه: يا عبد اللَّه! لا يتقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدٌ، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بِعْنِيه" فقال عمر: هو لك، فاشتراه، ثم قال: "هو لك يا عبد اللَّه، فاصنع ما شئت" (¬4). ¬
9 - باب قبول الهدية من المشركين والهدية لهم
قال البخاري (¬1): ويذكر عن ابن عباس أن جُلَسَاءَهُ شركاؤه -يعني: في الهدية- ولا يصح. * * * (9) باب قبول الهدية من المشركين والهدية لهم وقال أبو حميد: أهدى ملك أَيْلَةَ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغلة بيضاء، وكساه بُرْدًا، وكتب له (¬2) ببحرهم (¬3). 1271 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثين ومئة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل مع أحد منكم طعام؟ " فإذا مع رجل صاعٌ من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مُشْعَانٌ طويل بغنم يسوقها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيعًا أو عَطِيَّة (¬4)؟ " أو قال: "هبة؟ " قال: بل بيع (¬5). فاشترى منه شاة فصُنِعَتْ، وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِسَواد البطن (¬6) فَشُوِيَ (¬7)، ¬
10 - باب الإعمار، وهبة العقار والعارية
وايم اللَّه ما في الثلاثين والمئة إلا وقد حَزَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاه إياه، وإن كان غائبًا خَبَّأ له، فجعل منها قَصْعَتَيْن، فأكلوا أجمعون، وشَبِعْنَا، وفضلت (¬1) القصعتان، فحملناه على البعير. أو كما قال. الغريب: "مُشْعَان": طويل جدًا فوق الطول، يقال: شعر مُشْعَان: إذا كان مُنْتَفِشًا، و"ببحرهم": بقراهم؛ أي: أقطع ذلك له. و"البحار": القرى، واحدها بَحِيرَة. قاله الهروي وغيره. * * * (10) باب الإعمار، وهبة العقار والعارية 1272 - عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مُلَيْكَة: أن بني صهيب مولى ابن جُدعان (¬2) ادَّعُوا بيتين وحجرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى ذلك صهيبًا، فقال مروان: من يشهد لكما على ذلك؟ فقالوا (¬3): ابن عمر. فدعاه، فشهد لأَعْطَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صهيبًا بيتين وحجرة، فقضى به (¬4) ¬
مروان بشهادته لهم. 1273 - وعن جابر قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعُمْرَى أنها لمن وُهِبَتْ له. 1274 - وعن عبد الواحد بن أيمن (¬1)، عن أبيه، قال: دخلت على عائشة وعليها دِرْعُ قِطْرٍ، ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي فإنها تُزْهَى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما كانت امرأة تُقَيَّنُ بالمدينة إلا أرسلت إليَّ تستعيره. الغريب: "الحجرة": الدار، سميت بذلك لأنها محجورة. و"العُمْرَى": إسكان الدار طول العمر، وأعمرت الرجل الدار؛ أي: جعلتها له كذلك، و"القِطْرُ": ضرب من برود اليمن يقال لها القِطْريَّة، والقِطْرُ: النَّحَاس، قاله الخليل. و"تُزْهَى": تتكبر أن تلبسه، وهو مبني ما لم يسم فاعله. "تُقَيَّن": تزين وتحسن. * * * ¬
11 - باب المنحة وفضلها
(11) باب المنحة وفضلها 1275 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نِعْمَ المَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ؛ الصَّفِيُّ منحة، والشاة الصفيُّ، تغدو بإناء، وتروح بإناء". 1276 - وعن أنس بن مالك قال: لما قَدِمَ المهاجرون المدينة من مكة، وليس بأيديهم شيء (¬1)، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، قاسمهم (¬2) الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام، ويكفوهم العمل والمَؤونَةَ، وكانت أُمُّهُ أم سُلَيْم (¬3) أعطت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عِذَاقًا، فأعطاهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَّ أيمن مولاتَه أمَّ أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما فرغ من قتال أهل خيبر فانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من ¬
12 - باب إذا وجد في الأرض ما ليس من جنسها
ثمارهم، فردّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أُمِّهِ (¬1) عِذاقها، فأعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أم أيمن مكانهن من حائطه. وفي رواية (¬2): مَكَانَهُنَّ من خالصه. الغريب: "المنيحة": هي الناقة والشاة تعطى لتحلب وينتفع بلبنها، هذا أصلها، ثم قد أطلق على كل عطية، حكاه الهروي. و"الصَّفِيّ": الخالصة اللبن الطيبة، و"العَذق" بفتح العين: النخلة، وبكسرها: الكِبَارة، وهي العُرْجُون الذي فيه الثمر، و"العِذَاق": النخلات المجتمعة. * * * (12) باب إذا وجد في الأرض ما ليس من جنسها 1277 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى في عقاره جَرَّةً فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال ¬
الآخر: لي جارية. قال: انكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما وتصدقا". * * *
33 - كتاب الشهادات
(33) كتاب الشهادات
1 - باب لا يشهد إلا العدول، وإثم شهادة الزور
(33) كتاب الشهادات (1) باب لا يشهد إلا العدول، وإثم شهادة الزور وقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. 1278 - وعن عبد اللَّه بن عتبة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن أُنَاسًا كانوا يُؤْخَذُون بالوحي في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم (¬1) بما ظهر لنا من أعمالكم، فمَن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاهُ وقَرَّبْنَاهُ، وليس لنا (¬2) من سريرته شيء، اللَّه يحاسبه (¬3) في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا ¬
لم نَأْمَنْهُ ولم نصدِّقه، وإن قال: إن سريرته حسنة. 1279 - وعن أنس: سُئِلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكبائر فقال: "الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور". 1280 - وعن عبد الرحمن بن أبي بَكْرةَ عن أبيه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول اللَّه! قال: "الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين -وجلس وكان متكئًا- وقول الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. 1281 - وعن عمران بن حُصَيْنٍ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خيركم قَرْني، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم" -قال عمران: لا أدري أَذَكَرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد قرنين أو ثلاثةً. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن بعدكم قومًا يَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، _______ 1279 - خ (2/ 251)، (52) كتاب الشهادات، (10) باب ما قيل في شهادة الزور؛ لقول اللَّه عز وجل: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} وكتمان الشهادة: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} تلووا ألسنتكم بالشهادة، من طريق شعبة، عن عبيد اللَّه ابن أبي بكر بن أنس، عن أنس به، رقم (2653)، طرفاه في (5977، 6871). 1280 - خ (2/ 251 - 252)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق بشر بن المُفَضَّل، عن الجريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه به، رقم (2654)، طرفه في (5976، 6273، 6274، 6919). 1281 - خ (2/ 251)، (52) كتاب الشهادات، (9) باب لا يشهد على شهادة جور إذا أُشْهِدَ، من طريق شعبة، عن أبي جمرة، عن زَهْدَم بن مُضَرِّب، عن عمران بن حصين به، رقم (2651)، طرفه في (3650، 6428، 6695).
2 - باب قبول شهادة القاذف والمحدود إذا تابا، وقول الله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا} [النور: 4 - 5]
ويشهدون ولا يُسْتَشْهَدُونَ، وينذِرون ولا يُوفون (¬1)، ويظهر فيهم السِّمَنُ" (¬2). 1282 - وعن عَبِيدة، عن عبد اللَّه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: "خير الناس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونَهُمْ، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَهُ، ويمينُه شهادتَهُ" قال إبراهيم: كانوا يضربوننا عن (¬3) الشهادة والعهد. * * * (2) باب قبول شهادة القاذف والمحدود إذا تابا، وقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5] وجَلَدَ عمر (¬4) أبا بَكْرَةَ وشِبْلَ بن مَعْبَد ونافعًا بقذف المغيرة، ثم استتابهم وقال: من تاب قبلت شهادته. وأجازه عبد اللَّه بن عتبة وعمر ¬
ابن عبد العزيز وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد والشعبي وعكرمة والزهري ومحارب بن دِثَار وشُرَيْح ومعاوية بن قُرَّة. وقال أبو الزناد: الأمر عندنا بالمدينة إذا رجع القاذف عن قوله واستغفر ربه قبلت شهادته. وقال الشعبي وقتادة: إذا أكذب نفسه جُلدَ وقبلت شهادته. وقال الثوري: إذا جُلِدَ العبدُ، ثم أُعْتِقَ، جازت شهادته، وإن اسْتُقْضِيَ المحدودُ فقضاياه جائزة. وقال بعض الناس: لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب. ثم قال: لا يجوز نكاحٌ بغير شاهدين، فإن تزوج بشهادة مَحْدُودَيْن جاز، وإن تزوج بشهادة عبدين لم يجز. وأجاز شهادة المحدود والعبد والأَمَةِ لرؤية هلال رمضان. 1283 - وعن عُرْوَة بن الزبير: أنَّ امرأةً سرقت في غزوة الفتح، فأتى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم أمر بها فقُطِعَتْ يَدُهَا. قالت عائشة: فحسُنَتْ توبتها وتزوجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * _______ 1283 - خ (2/ 250)، (52) كتاب الشهادات، (8) باب شهادة القاذف والسارق والزاني، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير به، رقم (2648)، أطرافه في (3475، 3732، 3733، 4304، 6787، 6788، 6800).
3 - باب شهادة الأعمى والعبد والمرأة
(3) باب (¬1) شهادة الأعمى والعبد والمرأة وأجاز شهادة الأعمى: القاسم والحسن وابن سيرين والزهري وعطاء والشعبي. وقال الحكم: رُبَّ شيءٍ تَجُوز فيه، وقال الزهري: أرأيتَ ابن عباس، لو شهد على شهادة أكنتَ تَرُدُّه؟ ! وقال سليمان بن يسار: استأذنت على عائشة فعرفَتْ صوتي، قالت: سليمان؟ ادخل فإنك مملوك ما بقي عليك شيء. وأجاز سَمُرَةُ بن جُنْدب شهادة امرأة مُنْتَقِبَةٍ. 1284 - عن عائشة قالت: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يقرأ آية في المسجد، فقال: "رَحِمَهُ اللَّهُ، لقد أذكرني كذا وكذا آية أَسْقَطْتُهُنَّ من سورةِ كذا وكذا". وفي رواية (¬2): قالت عائشة: تهجَّدَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتي، فسمع صوت ¬
عَبَّاد يصلي في المسجد، فقال: "يا عائشة! أصوتُ عَبَّادٍ (¬1) هذا؟ " قلت: نعم، قال: "اللهم ارحم عَبَّادًا". وقد تقدم قول النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ بلالًا ينادي بلَيْلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". وقد تقدم قوله عليه السلام (¬3): "أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ ". وقال أنس (¬4): شهادة العبد جائزة إذا كان عدلًا. وأجازها شُرَيْح وزُرَارَةُ ابن أوفى. وقال ابن سيرين: شهادته جائزة إلا لسيده (¬5). وأجازه الحسن وإبراهيم في الشيء التافه. ¬
4 - باب تعديل النساء بعضهن بعضا
وقال شريح: كلكم بنو عبيد وإماء. 1285 - وعن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى نت أبي إِهَابٍ، قال: فجاءت أَمَةٌ سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فذكرتُ ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعرض عني، قال: فتَنَحَّيْتُ فذكرتُ ذلك له، قال: "كيف وقد زَعَمَتْ أنها أرضعَتْكما" فنهاه عنها (¬1). وفي رواية (¬2): "كيف وقد قيل؟ دعها عنك"، أو نحوه. * * * (4) باب تعديل النساء بعضهن بعضًا 1286 - عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ¬
وعلقمة بن وَقَّاصٍ الليثي وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرَّأها اللَّه منه. قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضُهم أوعى من بعض وأَثْبَتُ له اقتصاصًا، وقد وعيتُ عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يُصَدِّقُ بعضًا، زعموا أن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج سَفَرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غَزَاةٍ غَزَاهَا فخرج سهمي، فخَرَجْتُ معه بعد ما أُنْزِلَ الحجاب، فأنا أُحْمَلُ في هَوْدَجٍ وأُنْزَلُ فيه، فسِرْنَا حتى فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة، آذَنَ ليلةً بالرحيل، فقمت حين آذنوُا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيتُ شأني أقبلت إلى الرَّحْلِ، فالتمست صدري، فإذا عِقْدٌ من جَزْعِ أَظْفارٍ قد انقطع، فرجعت فالتمست عِقْدي فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذي يَرْحَلُون لي فاحتملوا هودجي فرَحَلُوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خِفَافًا لم يَثْقُلْنَ ولم يَغْشَهُنَّ اللحمُ، وإنما يأكُلْنَ العُلْقَةَ من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثِقَلَ الهَوْدَج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عِقْدِي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأَممت منزلي الذي كنت فيه فظنَنْتُ أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المُعَطَّل السُّلَمِي ثم الذكواني من وراء الجيش، _______ = 4025، 4141، 4690، 4749، 4750، 4757، 5212، 6662، 6679، 7369، 7370، 7500، 7545).
فأصبح عند منزلي، فرأى سَوَادَ إنسان نائمٍ فأتاني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته، فوطئ يدها فرَكِبْتُها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُعَرِّسِينَ في نَحْرِ الظهيرة، فهلك مَن هلك، وكان الذي تَوَلَّى الإفك عبد اللَّه بن أُبَيّ بن سَلُول، فقدمنا المدينة فاشْتَكَيتُ بها شهرًا، يُفيضون من قول أصحاب الإفك، وَيَرِيبُنِي في وجعي أني لا أرى من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اللُّطْفَ الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيُسَلِّمُ فيقول: "كيف تِيكُم؟ " لا أشعر بشيء من ذلك حتى نَقَهْتُ، فَرُحْتُ (¬1) أنا وأمُّ مِسْطَح قِبَلَ المَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنا، لا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكُنُفَ قريبًا من بيوتنا، وأمرُنا أمرُ العرب الأُوَل في البَرِّيَّةِ أو التنزُّه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنتُ أبي رُهْمٍ نمشي، فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا فقالت: تَعِسَ مِسْطَح، فقلت لها: بئس ما قلتِ! أَتَسُبِّينَ رجلًا شهد بدرًا؟ فقالت: يا هَنْتَاهُ! ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرَتْنِي بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا على مرضي، فلما رجعتُ إلى بيتي دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسَلَّم فقال: "كيف تِيكُم؟ " فقلت: ائذن لي إلى أَبَوَيَّ -قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قِبَلِهما (¬2) - فأَذِنَ لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيت أَبَوَيَّ، فقلت لأمي: ما يتحدث الناس (¬3) به؟ فقالت: يا بُنَيَّهُ هَوِّنِي على نفسك الشأنَ، فواللَّه لَقَلَّمَا كانت امرأةٌ قَطُّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، ¬
فقلت: سبحان اللَّه! أو قد تحدث (¬1) الناس بهذا -أو في رواية: قالت عائشة: سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت أمها: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم. فخرت مَغْشِيًّا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمَّى بنافِضٍ- قالت: فبت تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليَّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استَلْبَثَ الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم من نفسه من الود لهم، فقال (¬2): يا رسول اللَّه! أهلُكَ، ولا نعلم واللَّه إلا خيرًا، وأمّا عليٌّ (¬3) فقال: يا رسول اللَّه! لم يضيق اللَّه عليك، والنساء سواها كثير، وسَلِ الجاريةَ تَصْدُقْكَ. فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَرِيرَةَ فقال: "يا بريرةُ! هل رأيت منها شيئًا يَرِيبك؟ فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرًا أَغْمِصُهُ عليها (¬4) أكثر من أنها جارية حديثة السِنِّ تنام عن العجين، فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من يومه فَاسْتَعْذَرَ من عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابنِ سَلُولَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "من يعذرني من رجل بلغني أَذَاهُ في أهلي، فواللَّه ما علمت على أهلي إلا خيرًا، وقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول اللَّه! أنا واللَّه (¬5) ¬
أَعْذِرُك منه، إن (¬1) كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج (¬2) أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عُبَادَة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا ولكن احتملتْه الحَمِيَّة- فقال: كذبت؛ لعَمْرُ اللَّه لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أُسَيْدُ بن حضير فقال: كذب (¬3)؛ لعمر اللَّه لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحَيَّانِ الأوسُ والخزرج حتى هموا ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر، فنزل فَخَفَّضَهُمْ حتى سكتوا وسكت. وبكيتُ يومي لا يَرْقَأُ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومًا، حتى ظننت أن البكاءَ فالقٌ كبدي، (فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ) (¬4) استأذنَتِ امرأة من الأنصار، فأَذِنْتُ لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فِيّ (¬5) ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء، قال: فتشهَّد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6) ثم قال: "يا عائشة! إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت أَلْمَمْتِ بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللَّه عليه". ¬
فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته قَلَصَ دمعي حتى ما أُحِسُّ منه قطرةً، وقلت لأبي: أجب عني رسول اللَّه (¬1). قال: واللَّه لا أدري ما أقول لرسول اللَّه؟ فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللَّه (¬2) فيما قال. قالت: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، فقلت: واللَّه (¬3) لقد علمتُ أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، وَوَقَرَ في أنفسكم وصَدَّقْتُمْ به، ولئن قلت لكم إني لبريئة -واللَّه يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ -واللَّه يعلم أني بريئة- لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّه ما أجد لي ولكم مَثَلًا إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ثم تحولْتُ على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني اللَّه، ولكن واللَّه ما ظننت أن يُنْزِل في شأني وَحْيًا، ولأَنَا أحقر في نفسي من أن يُتَكَلَّم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يَرَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم رؤيا تبرئني، فواللَّه ما رَامَ مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنْزِلَ عليه الوحي (¬4)، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحَاءُ حتى إنه ليتحدَّرُ منه مثلُ الجُمَانِ من العَرَقِ في يوم شاتٍ، فلما سُرِّيَ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يضحك، فكان أول كلمةٍ تكلم بها أنْ قال (¬5): "يا عائشة! احْمَدِي اللَّه فقد برأك" (¬6). ¬
فقالت أمي: قومي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: واللَّه لا أقوم (¬1) إليه، ولا أحمد إلا اللَّه، فأنزل اللَّه عز وجل (¬2): {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الآيات. فلما أنزل اللَّه عز وجل (¬3) هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق (¬4) -وكان ينفق على مِسْطَحِ بن أُثاثَة لقرابته منه-: واللَّه لا أُنْفِقُ على مِسْطح شيئًا (¬5) أبدًا بعدما قال (¬6) لعائشة، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] فقال أبو بكر: بلى واللَّه، إني لأُحِبُّ أن يغفر اللَّه لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يُجْرِي عليه. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: "يا زينب! ما علمت؟ " فقالت: يا رسول اللَّه! أَحْمِي سمعي وبصري، واللَّه ما عَلِمْتُ عليها إلا خيرًا. قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها اللَّه بالورع. * تنبيه: قضية الإفك كانت في غزوة المُرَيْسِيع، واختلف في زمانها. فقيل: كانت في شعبان سنة ستٍ من الهجرة، وعلى هذا فيكون ذكر سعد بن ¬
معاذ في القضية وَهْمًا، فإنه مات منصرفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من بني قريظة بلا خلاف، وكذلك قال أبو عمر بن عبد البر قال: وإنما تَرَاجَعَ في ذلك سعد بن عبادة وأُسَيْدُ بن الحُضَيْرِ. قال القاضي عِيَاض: وجدت الطبري ذكر عن الواقدي أن المرَيْسيع سنة خمسٍ، قال: وكانت الخندق وقريظة بعدها، وعلى هذا لا يكون ذكر سعد ابن معاذ وهمًا، واللَّه أعلم. و"المُرَيْسِيع": ماء في ناحية قُدَيْدٍ، مما يلي الساحل، أغار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها على بني المُصْطَلِق وهم غَارُّونَ -أي: غافلون- وأَنْعَامُهُم تسقى على الماء فقتل وأسر. "الهَوْدجَ": القُبة فيها المرأة، وهي الخِدْر. و"آذَنَ": أَعْلَمَ. و"الجَزعْ": بفتح الجيم: الخرز المنظوم. و"أظفار" كذا الرّواية بالألف، والصواب: "ظِفَارِ" بغير أَلفٍ -مكسورة الراء مبنيٌّ. وهي مدينة باليمن فيها ثياب حُمْرٌ، وخَرَزٌ ظِفَاري منسوب إليها. و"العُلْقَة" من الطعام: القليل منه. و"أَمَمْتُ منزلي": قصدتُه مخفَّفةَ الميم. و"سواد النائم": شَخْصُهُ. و"التَّعْريس": النزول من آخر الليل، وقال أبو زيد: هو النزول في أيِّ وقت كان، ويشهد له ما وقع هنا. و"الظهيرة": شدة الحَرِّ، و"نحرها": أولُها. و"يُفِيضُون": يُشِيْعون الحديث. و"يَرِيبُنِي": من الرِّيبة وهو ثلاثي. و"الوجع": المرض. و"نَقَهتُ": أَفَقْتُ، وهو بالفتح، ونفِهْتُ -بكسرها- معناه: فهمت.
5 - باب ما يكره من الإطناب في المدح، وليقل ما يعلم إذا أمنت الفتنة على المادح والممدوح
و"مِسْطَح": اسم رجلٍ، وأصله: عود من أعواد الحناء. و"المناصع": مواضع معروفة. و"المُتَبَرَّز" بفتح الراء: هو موضع التبرز، وأصله من برز: إذا خرج إلى البراز. و"الكُنُف": جمع كنيف، وأصله: الساتر. و"التنزه": التباعُدُ عن الأقذار. و"تعس": انتكس، دَعَتْ عليه. و"يا هَنتَاه": يا امرأه، ويقال للرجل: يا هناه، ولا يستعملان إلا في النداء. و"وضيئة": حسنة. و"لا يَرْقَأُ لي دمعٌ"؛ أي: لا ينقطع. و"قَلَصَ": انقطع، و"يَأْتَلِي": يحلف. و"الورع": الكف عن المحارم. * * * (5) باب ما يكره من الإِطْنَاب في المدح، وليقُلْ ما يعلم إذا أُمِنَتِ الفتنةُ على المادح والممدوح 1287 - عن أبي موسى: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يُثْنِي على رجلٍ ويُطْرِيه في مدحه، فقال: "أهلكتم -أو قطعتم (¬1) - ظهر الرجل". ¬
6 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم
1288 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أثنى رجل على رجل عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ويلك! قطعت عنقه، قطعت عنق صاحبك (¬1) " مرارًا، ثم قال: "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: أَحْسَبُ فلانًا -واللَّه حَسِيبُهُ، ولا أزكِّي على اللَّه أحدًا- أَحْسَبُهُ كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه". وقال أبو جميلة (¬2): وجدتُ مَنْبُوذًا، فلما رآني عمر كأنه يتهمني، قال عَرِيفي: إنه رجل صالح. قال: كذلك اذهب وعلينا نفقته. * * * (6) باب بلوغ الصبيان وشهادتهم وقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]. وقال مغيرة: احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة. وبلوغ النساء إلى المحيض لقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. وقال الحسن بن صالح (¬3): أدركت جاريةً لنا جَدَّةً بنتَ إحدى وعشرين سنة. ¬
7 - باب البينة على من ادعى، واليمين على المدعى عليه
1289 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَرَضَهُ يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنةً، فلم يُجِزْنِي، ثمن عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. قال نافع: فقَدِمْتُ على عمرَ بنِ عبد العزيز وهو خليفة، فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا الحَدُّ (¬1) بين الصغير والكبير، وكتب لعماله (¬2) أن يَفْرِضُوا لمن يبلغ خمسة عشرة سنة. وقد تقدم قول (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم". * * * (7) باب البينة على من ادَّعَى، واليمين على المُدَّعَى عليه وقال ابن عباس (¬4): قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باليمين على المدعى عليه. ¬
8 - باب تغليظ اليمين بالزمان والمكان، وبماذا يحلف، والحكم عند المسارعة لليمين
1290 - وعن أبي وائل قال: قال عبد اللَّه هو ابن مسعود: من حلف على يمينٍ يستحق بها مالًا لقي اللَّه وهو عليه غضبان، ثم أنزل اللَّه عز وجل تصديقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى: {أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. ثم إن الأشعثَ بن قيس خرج إلينا فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ فحدثناه بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ نزلتْ، كان بيني وبين رجل خصومةٌ في شيء، فاختصمنا إلى النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "شاهداك أو يمينه" فقلت له: إذًا يحلف (¬2) ولا يبالي، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف على يمينٍ يستحق بها مالًا وهو فيها فاجر، لقي اللَّه وهو عليه غضبان" (¬3). * * * (8) باب تغليظ اليمين بالزمان والمكان، وبماذا يحلف، والحكم عند المسارعة لليمين وقال عليه السلام (¬4): "ورجل حلف باللَّه كاذبًا بعد العصر". ¬
وقضى مروان (¬1) على زيد بن ثابت باليمين على المنبر، فقال: أحْلِفُ له على مكاني، فجعل زيد يحلف وأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب منه. 1291 - وعن نافع، عن عبد اللَّه: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان حالفًا فليحلف باللَّه أو لِيَصْمُتْ". 1292 - وعن أبي هريرة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرض على قوم اليمينَ وأسرعوا (¬2)، ¬
9 - باب لا تقبل شهادة الكافر ولا خبره
فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُسْهَمَ بينهم في اليمين أيُّهم يَحْلِفُ. * * * (9) باب لا تقبل شهادة الكافر ولا خبره وقال الشَّعْبِي: لا تجوز شهادة أهل المِلَل؛ لقوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. وقال أبو هريرة (¬1) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكتابِ ولا تكذِّبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} [البقرة: 136] ". 1293 - وعن عبد اللَّه بن عَبَّاس قال: يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه (¬2) أحدثُ الأخبار باللَّه؛ تقرؤونه ولم يُشَبْ؟ وقد حدثكم اللَّه أن أهل الكتاب بَدَّلُوا ما كتبَ اللَّهُ وغيَّروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو (¬3) من عند اللَّه ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءَلَتهم؟ ولا واللَّه ما رأينا منهم رجلًا ¬
10 - باب الإصلاح بين الناس وفضله
قَطُّ يسأل (¬1) عن الذي أُنْزِلَ إليكم (¬2). * * * (10) باب الإصلاح بين الناس وفضلِهِ وقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} الآية [النساء: 114]. وقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]. 1294 - عن حُمَيْد بن عبد الرحمن: أنَّ أمه أمَّ كلثوم بنت عقبة أخبرته: أنها سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليس الكاذب (¬3) الذي يصلح بين الناس فيَنْمِي خيرًا ويقول (¬4) خيرًا". ¬
11 - باب إذا اصطلحوا على جور فهو مردود
1295 - وعن سهل بن سعد: أن أهل قُباء اقتتلوا حتى تَرَامَوْا بالحجارة، فأُخْبِرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، فقال: "اذهبوا بنا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ". 1296 - وعن عائشة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] قالت: هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه؛ كِبَرَا أو غيره، فيريد فِرَاقَهَا فتقول: أمسكني واقْسِمْ لي ما شئت، فلا بأس إذا تراضَيَا. الغريب: "يَنْمِي": يتحدث ويرفع. و"النُّشُوز": الدفع عن العدل في الحق، وهو هنا البغض. * * * (11) باب إذا اصطلحوا على جَوْرٍ فهو مردود 1297 - عن عائشة قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحدث في ¬
أمرنا هذا ما ليس منه (¬1) فهو مردود (¬2) ". 1298 - وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: جاء أعرابي فقال: يا رسول اللَّه" اقض بيننا بكتاب اللَّه، فقام خصمه فقال: صَدَقَ، فاقض بيننا بكتاب اللَّه. فقال الأعرابي: إن ابني كان عَسِيفا على هذا، فزنى بامرأته، فقالوا (¬3): على ابنك الرجم، فَفَدَيْتُ (¬4) ابني منه بمئة من الغنم ووليدة. ثم سألت أهل العلم فقالوا: إنما على ابنك مئة جلدة وتَغْرِيبُ عامٍ. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأَقْضِيَنَّ بينكما بكتاب اللَّه، أما الوليدةُ والغنم فَرَدٌّ عليك، وعلى ابنك جَلْدُ مئةٍ وتغريب عام، وأما أنت يا أُنيس -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ على امرأة هذا فارجمها" فغدا عليها أُنَيْسُ فرجمها. وفي رواية (¬5): "فإن اعترفت فارجمها" فغدا عليها، فاعترفت فرجمها. * * * ¬
12 - باب الصلح بين المشركين وكيف يكتب الصلح
(12) باب الصلح بين المشركين وكيف يكتب الصلح 1299 - عن البراء بن عازب قال: اعتمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذي القَعْدَةِ، فأبى أهل مكة أن يَدَعُوهُ يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيامٍ، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، فقالوا: لا نُقِرُّ بِهَا، فلو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك، لكن أنت محمد ابن عبد اللَّه. قال: "أنا رسول اللَّه وأنا محمد ابن عبد اللَّه" ثم قال لِعَلِيٍّ: "امحُ رسول اللَّه" قال: لا، واللَّه لا أمحوك أبدًا. فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتاب فكتب: "هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه، لا يدخل مكة بسلاحٍ إلَّا في القِرَابِ، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يَتبعه، وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه (¬1) أن يقيم بها"، فلما دخلها ومضى الأجلُ أَتَوْا عَلِيًّا فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتبعتهم ابنة حمزة: يا عم يا عم، فتناولها عَلِيٌّ وأخذ (¬2) بيدها، وقال لفاطمة: دُونَكِ ابنة عمك. فحملتها (¬3)، فاختصم فيها عليٌّ وزيد وجعفر، فقال عليُّ: أنا أحقُّ بها وهي ابنة عمي. وقال ¬
13 - باب الصلح بين الخلفاء والأمراء وقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9]
جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعليّ: "أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وخُلُقي" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". * تنبيه: قوله: "فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتاب فكتب" ظاهرٌ قويٌّ في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب بيده، وقد أنكره قوم تمسُّكًا بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]، ولا نكرَةَ فيه؛ فإن الخط المنفي عنه الخط المكتسب عن التَّعَلُّم، وهذا خط خارق للعادة أجراه اللَّه على أنامل نَبِيِّهِ، مع بقائه لا يُحْسِنُ الكتابة المكتسبة، فهذا زيادة في صحة نبوته، واللَّه أعلم. و"قاضاهم": صالحهم. * * * (13) باب الصلح بين الخلفاء والأمراء وقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] 1300 - وعن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل واللَّه _______ 1300 - خ (2/ 269 - 270)، (53) كتاب الصلح، (9) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للحسن بن علي -رضي اللَّه عنهما-: "ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" وقوله جل ذكره: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، من طريق سفيان، عن أبي موسى، عن الحسن به، رقم (2704)، أطرافه في (3629، 3746، 7109).
الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائبَ أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوَلِّي حتى تَقْتُلَ أقرانهَا؟ فقال له معاوية وكان واللَّه خير الرجلين: أَيْ عمرو! إنْ قَتَلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء مَن لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فبعث إليه رجلين (¬1) من قريش من بني عبد شمس: عبدَ الرحمن بن سَمُرة وعبد اللَّه بن عامر بن كُرَيْز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فَأَتَيَاهُ فدخلا عليه فتكلَّما، وقالا له، وطلبا إليه. فقال لهم الحسن بن علي: إنَّا بنو عبد المطلب قد أَصَبْنَا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عَاثَتْ في دمائها، قالا: فإنه يَعْرِضُ عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئًا إلَّا قالا: نحن لك به. فصالحه. قال (¬2) الحسن: ولقد سمعت أبا بَكْرَةَ يقول: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر -والحسن إلى جنبه- وهو يقبل على الناس مَرَّةً وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيدٌ، ولعل اللَّه أن يصلح به، بين فئتين عظيمتين من المسلمين". قال البخاري: قال لي علي بن عبد اللَّه: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. * * * ¬
14 - باب إشارة الإمام بالصلح فإن لم يقبل حكم
(14) باب إشارة الإمام بالصُّلح فإن لم يُقْبَلْ حَكَمَ 1301 - عن عائشة قالت: سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صوتَ خصومٍ عند الباب، عاليةٍ أصواتُهما، وإذا أحدهما يَسْتَوْضعُ الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: واللَّه لا أفعل. فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أين المُتَأَلِّي (¬1) على اللَّه لا يفعل المعروف؟ " فقال: أنا يا رسول اللَّه، فله أيُّ ذلك أَحَبَّ. 1302 - وعن كعب بن مالك: أنَّه كان له على عبد اللَّه بن أبي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيّ مال، فلقيه في زاوية في المسجد (¬2)، فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما، فمرَّ بهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "يا كعب" فأشار بيده، وكأنه يقول: النصف، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفه (¬3). في رواية (¬4): "قم فاقضه". ¬
1303 - وعن عروة بن الزبير: أن الزبير (¬1) كان يُحَدِّثُ أنَّه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شِرَاج الحَرَّةِ (¬2) كان (¬3) يسقيان به كلاهما، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: "اسْقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه! آنْ كان ابن عمتك؟ فتلوَّن وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "اسق، ثم احبس حتى تبلع الجَدْر (¬4) " فاستوعى للزبير (¬5) حينئذ حقه، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعبما له وللأنصاري، فلما أَحْفَظَ الأنصاريُّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استَوْعَى (¬6) للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزبير: واللَّه ما أحسب هذه الآية نزلت إلَّا في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النساء: 65]. * * * ¬
15 - باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث
(15) باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث وقال ابن عباس: لا بأس أن يتخارج الشريكان فيأخذ هذا عينًا وهذا دينًا، فإن تَوِيَ (¬1) لأحدهما لم يرجع. 1304 - عن وَهْب بن كَيْسَان، عن جابر بن عبد اللَّه قال: توفي أبي وعليه دَيْنٌ، فعرضتُ على غُرَمَائِهِ أن يأخذوا الثمرة (¬2) بما عليه فأَبوا (¬3)، ولم يروا أن فيه وفاءً، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: "إذا جَدَدْتَهُ فوضعته في المِرْبَدِ آذَنْتَ (¬4) " فجاء ومعه أَبو بكر وعمر، فجلس عليه فدعا بالبركة ثم قال: "ادْعُ غرماءك فَأَوْفِهِمْ" فما تركتُ أحدًا له على أَبِي دَيْن إلَّا قضيته، وفَضَلَ ثلاثة عشر وَسْقًا: سبعةٌ عَجْوَةٌ وستةٌ لَونٌ (¬5)، أو ستةٌ عجوةٌ وسبعةٌ لَوْنٌ، فوافيتُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المغرب -في رواية (¬6): صلاة العصر، ¬
16 - باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، وفي الأحكام، وبيع المشركين
وفي أخرى (¬1): صلاة الظهر -فذكرت ذلك له، فضحك فقال: "ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما". فقالا له (¬2): لقد علمنا إذ صنع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما صنع أَنْ سيكون ذلك. * * * (16) باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، وفي الأحكام، وبيع المشركين 1305 - عن عروة بن الزبير، عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ ومروان -يُصَدِّقُ كل واحد منهما صاحبه- قالا: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الحديبية، حتى إذا كانوا ببعض الطَّرِيقِ قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن خالد بن الوليد بالغَمِيمِ في خيل لقريش طليعةَ، فخذوا ذات اليمين" فواللَّه ما شعر بهم خالد خى إذا هُمْ بِقَتَرَةِ الجيش، فانطلق يَرْكُضُ نذيرًا لقريش، وسار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يُهْبَطُ عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ فقالوا: خَلأَتِ القَصْوَاءُ، خَلأت القصواء (¬3)، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
"ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني (¬1) خُطَّةً يعظِّمون فيها حرمات اللَّه إلَّا أعطيتهم إيَّاها" ثم زجرها فوثبت، قال: فَعَدَلَ عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ قليل يتبَرَّضُه الناس تَبَرُّضًا، فلم يلبث (¬2) الناس حتى نزحوه، وشُكِيَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العطش، فانتزع سهمًا من كِنَانتَهِ ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يَجِيشُ لهم بالرِّيِّ حتى صَدَرُوا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيْلُ بن وَرْقَاءَ الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة -وكانوا عَيْبَةَ نُصْحِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل تِهَامَةَ- فقال: إني تركت كعب بن لُؤَيّ وعامر بن لؤي نزلوا أَعْدَاد مياه الحديبية معهم العُوذُ المَطَافِيلُ وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت. في رواية (¬3): فقال: "أَشِيرُوا عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذَرَارِيِّ هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت؛ فإن يأتونا كان اللَّه قد قطع عُنقًا من المشركين، وإلَّا تركناهم محروبين"، قال أَبو بكر: يا رسول اللَّه! خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحدِ ولا حرب أحد، فتوجَّهْ له، فمن صدَّنا عنه قاتلناه، قال: "امضوا على اسم اللَّه". فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّا لم نَجِئَ لقتال أحدٍ، ولكنا جئنا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قريشًا قد نَهَكَتْهم الحرب، وأضرَّتْ بهم. فإن شاؤوا مَادَدْتُهُمْ ويخلُّوا بيني ¬
وبين الناس، فإنْ أَظْهَرْ فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلَّا فقد جَمُّوا، وإن هم أَبَوْا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سَالِفَتي، وليُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمره". فقال بُديل: سأبلِّغُهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم أن نَعْرِضَهُ عليكم فَعَلْنَا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته (¬1) يقول: كذا وكذا، فَحَدَّثَهُمْ بما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم! ألستُم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: ألسْتُ (¬2) بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني قد اسْتَنْفَرْتُ أهل عُكَاظٍ فلما بَلَّحُوا عَليَّ جِئْتُكُم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإنَّ هذا قد عَرَضَ (¬3) خطة رشدٍ اقبلوها ودعوني آتيه، فقالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوًا من قوله لبُديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد! أرأيتَ إن استأصلتَ أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني واللَّه لا أرى وجوهًا، وإني لأرى أشوابًا من الناس خليقًا أن يَفرُّوا ويَدَعوك، فقال له أَبو بكر: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أنحن نفرُّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ فقالوا: أَبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده ¬
لولا يدٌ كانت لك عندي لم أَجْزِكَ بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلَّما كلمه أخذ (¬1) بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه السيف وعليه المِغْفَرُ، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ضرب يده بنعل السيف وقال: أَخِّر يدك عن لحية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غُدَر، ألستُ أسعى في غَدْرَتِك -وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا الإسلام فأَقْبَلُ، وأما المالُ فلستُ منه في شيء". ثم إنَّ عروة جعل يرمقُ أصحاب رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- بعينيه، قال: فواللَّه ما تَنَخَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نخامةً إلَّا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، ما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أيْ قومِ! واللَّه لقد وَفَدْتُ على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه إنْ رأيتُ ملكًا قط يعظِّمه أصحابه ما يعظم أصحابُ محمدٍ محمدًا، واللَّه إن تنخَّم نخامة إلَّا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا، وإنه قد عرض عليكم خطة رُشْدٍ فاقبلوها. فقال رجل من بني ¬
كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائْتِهِ، فلما أشرف على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا فلان، وهو من قَوْمٍ يعظمون البُدن فابعثوها له" فبُعِثَتْ له، واستقبله الناس يُلَبُّونَ، فلما رأى ذلك قال: سبحان اللَّه! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البُدْن قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مِكْرَزُ ابن حفص فقال: دعوني آتيه (¬1)، فقال: ائتِه، فلما أشرف عليهم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا مكرز، وهو رجل فاجر" فجعل يكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة: أنَّه لما جاء سهيل (¬2) قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد سَهُلَ لكم من أمركم". قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتُبْ بيننا وبينك كتابًا. فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتاب (¬3)، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتب (¬4): بسم اللَّه الرحمن الرحيم". فقال سهيل: أما الرحمن فواللَّه ما أدري ما هو، اكتب (¬5): باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: واللَّه لا نكتبها إلَّا بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتب: باسمك اللهم"، ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه"، فقال سهيل: واللَّه لو نعلم (¬6) أنك رسول اللَّه ما صَدَدْنَاكَ ¬
عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد اللَّه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه إني لرسول اللَّه وإن كذَّبتموني، اكتب محمد بن عبد اللَّه". وقال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألوني خطة يعظِّمون فيها حُرُمَاتِ اللَّه إلَّا أعطيتهم إياها"، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على أن تخلُّوا بيننا وبين البيت فنطوفه (¬1) " فقال سهيل: واللَّه لا تتحدث العرب أنا أُخذنا ضُغْطَةً، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب، فقال سهيل: وعلى أنَّه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلَّا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان اللَّه! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أَبو جندل بن سهيل بن عمرو يَوْسُفُ في قيوده قد خرج من أسفل مكة رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن تردَّه إليّ. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّا لم نقض الكتابَ بعد" قال: فواللَّه إذًا لا أصالحك على شيء أبدًا. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فآجِزْهُ لي" فقال: ما أنا بمجيزٍ ذلك (¬2)؟ قال: "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل، قال مِكْرَز: بل قد أجزناه لك. قال أَبو جندل: أَيْ معشر المسلمين! أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في اللَّه، فقال (¬3) عمر بن الخطاب: فأتيتُ نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: ألستَ نبي اللَّه حقًّا؟ قال: "بلى"، قال (¬4): ألسنا على الحق وعدوُّنا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا إذًا؟ قال: ¬
"إني رسول اللَّه، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: ألستَ (¬1) كنت تحدثنا أنَّا نأتي (¬2) البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام" قلت: لا، قال: "إنك آتيه ومطوِّفٌ به"، قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر! أليس هذا نبي اللَّه حقًّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدُّونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلمَ نعطي الدَّنيةَ في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل! إنه رسول اللَّه، وليس يعصي ربه، وهو ناصِرُه، فاستمسِكْ بغَرْزِهِ، فواللَّه إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأَخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت (¬3): لا، قال: فإنك آتيه ومطوِّف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالًا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلِقُوا" قال: فواللَّه ما قام منهم أحد (¬4) حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سَلَمَة فذكر ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول اللَّه! أتحبُّ ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلِقَكَ. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَهُ ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غَمًّا. ¬
ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللَّه عز وجل (¬1): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حتى بلغ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطَلَّقَ عُمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أُمَيَّةَ. ثم رجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة، فجاءه أَبو بَصِير -رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهدَ الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم (¬2)، فقال أَبو بَصير لأحد الرجلين: واللَّه إني لأرى سيفك هذا (¬3) جَيِّدًا، فاستله الآخر فقال: أجل واللَّه إنه لجيد، لقد جرَّبتُ به، ثم جربت به (¬4). فقال أَبو بَصير: أرني أنظر إليه. فأمكنه منه، فضربه حتى بَرَد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يَعْدُو، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين رآه: "لقد رأى هذا ذُعْرًا" فلما انتهى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قُتِلَ واللَّه صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أَبو بَصير فقال: يا نبي اللَّه! قد -واللَّه- أوفى اللَّه ذمتك، قد رَدَدْتَني إليهم ثم أنجاني اللَّه منهم. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حربٍ لو كان له أحد" فلما سمع ذلك عرف أنَّه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البَحْر، قال: وينفلت منهم أَبو جَنْدَل (¬5)، فلحق بأبي بَصير، فجعل لا يخرج من ¬
قريش أحد (¬1) قد أسلم إلَّا لحق بأبي بَصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فواللَّه ما يسمعون بعِيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلَّا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تناشده اللَّهَ والرَّحم لَمَّا أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم، فأنزل اللَّه عز وجل (¬2): {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} حتى بلغ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24 - 26]، وكانت حميتهم أنهم لم يُقروا أنَّه نبي اللَّه، ولم يُقروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت. وقال عُقَيْل، عن الزُّهْريِّ قال: قال عروة: فأخبرتني عائشة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمتحنهن، وبلغنا أنَّه لما أنزل اللَّه (¬3) أن يَرُدُّوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين ألَّا يمسكوا بعِصَمِ الكوافر، أنَّ عمر طلق امرأتين -قَرِيبَة بنت أبي أمية، وابنة جَرْوَل الخزاعي، فتزوج قريبةَ معاويةُ، وتزوَّج الأخرى أَبو جهم، فلما أبي الكفار أن يُقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل اللَّه عز وجل (¬4): {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] والعَقِب ما يُؤَدِّي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأَمَرَ أن يُعْطَى من ذَهَبَ له زوج من المسلمين ما أنفق من صَدَاقِ نساء الكفار اللائي هاجرن، وما نعلم أحدًا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها، ويلغنا أن أبا بَصِير بن أسد الثقفي قَدِمَ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُؤْمِنًا مهاجرًا في المدّة فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأله ¬
أبا بصير، فذكر الحديث. الغريب: "الغَمِيم": موضع قريب من مكة، و"قَتَرَةُ الجيش": غبارهم، و"حَلْ": كلمة تزجر بها الإبل، و"خَلأَت": حَرَنَتْ وتصعبت، والخلاء في الإبل كالحِرَان في الدواب. و"الخُطة": الخصلة الجميلة، وهي بضم الحاء، و"الثَّمَدُ": القليل من الماء النابع، و"يَتَرَّضُهُ الناس": يأخذونه قليلًا. و"البَرَضُ": شرب القليل، و"يجيش": يفور فورًا كثير، و"صدروا عنه": رجعوا رواء. و"عيبة نصح رسول اللَّه"؛ يعني: أصحاب سره ونصحه، و"العُوذُ المَطَافِيلُ": الحديثات النَّتاج التي معها أطفالها، وهي أكرم الإبل عندهم. "نهكتهم الحرب": أضعفتهم، و"مَادَدْتَهم": صَالَحْتَهم، و"جَمُّوا"؛ أي: تقوَّوا ونشطوا، و"السَّالِفَة": العُنُق، و"استنفرت": طلبت منهم أن ينفروا، و"بلَّحوا": تأخروا، مأخوذٌ من البَلَح الذي لا تبدو فيه نقطة الإرْطَاب، واللَّه أعلم، و"استأصلت": أهلكت، و"اجتاح" بمعناه. و"النُّخَامة": البصاق الغليظ، و"وفدت": قَدِمت، و"ضُغْطَةً": غلبةً وقهرًا، و"يُرسُف في قيوده": يمشي فيها مشي المقيد المثقَلُ، و"قاضَى": صالح، و"أَجِزْ لي"؛ أي: اتركه لي، فلم يفعل سهيل ولا نفع إجازة مِكْرَز، و"الدَّنِيَّةُ": صفة لمحذوف؛ أي: الحالة الدنية؛ أي: الخسيسة، و"العِصَم": جمع عِصْمَة؛ ويعني بها: عصمةَ النكاح، وأصل العصمة: المنع، و"يعدو": يجري، و"الذُّعْر": الفزع. * * *
17 - باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز
(17) باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمَّى جاز 1306 - عن عامر هو الشعبي، قال: حدثني جابر بن عبد اللَّه: أنَّه كان يسير على جمل قد أَعْيى، فمرّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَضَرَبَهُ فدعا له، فسار سيرًا ليس يسير مثله، ثم قال: "بعنيه بأُوقِيَّةِ"، قلت: لا، قال: "بعنيه بوقية"، فبعته، فاستَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ (¬1) إلى أهلي، فلما قدمنا المدينة (¬2) أتيته بالجمل، ونَقَدَنِي ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل عَلَى أَثَرِي قال: "ما كنتُ لآخُذَ جملك، فخذ جملك ذلك، فهو مالك". وفي رواية (¬3) عن جابر: أَفْقَرَنِي (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهره إلى المدينة. وفي أخرى (¬5): قال: فبعته على أنَّ ليَ فَقَارَ ظَهْرِهِ حتى أَبْلُغَ المدينة. وفي أخرى (¬6): "ولك ظهره حتى ترجع". ¬
18 - باب إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك
قلت: وقد اضطربتِ الرواياتُ في كم كان الثمن، ففي بعضها: أوقية. وفي بعضها: أربعة أَوَاقٍ. وفي بعضها: بأوقية ذهب. وفي بعضها: بأربعة دنانير، وفي بعضها: بعشرين دينارًا. قال البخاري: وقول الشعبي: بأوقية، أكثر. * * * (18) باب إذا اشترط في المزارعة: إذا شئتُ أخرجتك 1307 - عن نافع عن ابن عمر قال: لمَّا فَدَعَ أهلُ خيبر عبد اللَّه بن عمر قام عمر خطيبًا فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: "نُقِرُّكم ما أَقرَّكم اللَّه"، وإن عبد اللَّه بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعُدِيَ عليه من الليل، فَفُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدوٌّ غيرهم، هم عدونا وتُهْمَتُنَا، وقد رأيتُ إجلاءهم. فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحُقَيْق فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرّنا محمد (¬1)، وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيتُ قولَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "كيف بك إذا أُخْرِجْتَ من خيبر تعدو بك قَلُوصُكَ ليلة بعد ليلة؟ " فقال: كان ذلك هُزَيْلَةً من أبي القاسم. فقال: كذبت يا عدو اللَّه. فأجلاهم عمر، وأعطاهم ¬
19 - باب من شرط على نفسه شيئا لزمه، والشروط في الوقف
قيمة ما كان لهم من الثَّمَرِ مالًا وإبلًا وعُروضًا من أقتابٍ وحبال وغير ذلك. الغريب: "فَدْعُ اليد والرجل": خَلْعُهُمَا من الرُّصُغ. و"الإجلاء": الإخراج، وقد يأتي مصدره على الجلاء. و"القلوص": الفَتِيَّةُ من الإبل، كالجارية من النساء. * * * (19) باب من شرط على نفسه شيئًا لزمه، والشروط في الوقف قال شُرَيْح (¬1): من شرط على نفسه طائعًا غير مُكْرَهٍ لزمه. وقال ابن سيرين: إن رجلًا باع طعامًا، فقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع. فلم يَجِئْ، فقال شريح للمشتري: أنت أَخْلَفْتَ، فقضَى عليه. 1308 - وعن ابن عمر: أنَّ عمر بن الخطاب أَصَابَ أَرْضًا بخيبر، فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول اللَّه! إني أَصَبْتُ أرضًا بخيبر لم أصب ¬
مالًا قط أَنْفَس عندي منه، فما تأمرني (¬1) به؟ فقال: إن شئت حَبَسْتَ أصلها، وتصدقت بها. قال: فتصدَّق بها عمر: أنَّه لا يُبَاع ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ. وتصدَّق (¬2) في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل اللَّه، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف ويُطْعِمَ غيرَ مُتَمَوِّلٍ. وفي رواية (¬3): غير مُتَأَثِّل مالًا. الغريب: "القربى": قرابة المتصدِّق، و"الرقاب": أن يشتري من غلتها رقابًا فيعتقون، و"المتمول": الذي يتخذها مالًا؛ أي: ملكا، وكذلك المُتَأَثِّل؛ أي: لا يتملك شيء من رقابها. * * * ¬
34 - كتاب الوصايا
(34) كتاب الوصايا
1 - باب الوصايا
(34) كتاب الوصايا (1) باب الوصايا 1309 - عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيء يوصي فيه يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا ووصيته مكتوبةٌ عنده". 1310 - وعن عمرو بن الحارث خَتَنِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث، قال: ما تَرَكَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أَمَةً ولا شيئًا، إلَّا بغلته البيضاء، وسلاحه، _______ 1309 - خ (2/ 286)، (55) كتاب الوصايا، (1) باب الوصايا، وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وصية الرجل مكتوبة عنده"، وقال اللَّه عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (2738). 1310 - خ (2/ 286)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق زهير بن معاوية الجعفي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث به، رقم (2739)، أطرافه في (2873، 2912، 3098، 4461).
2 - باب الوصية بالثلث لا يتجاوز، والحض على ترك الورثة أغنياء
وأرضًا جعلها صدقةً. 1311 - وعن طلحة بن مُصَرِّف قال: سألت عبدَ اللَّه بن أبي أوفى: هل كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوصى؟ فقال: لا. فقلت: كيف كُتِبَ على الناس الوصية أو أُمِرُوا بالوصية؟ قال: أَوْصَى بكتاب اللَّه. 1312 - وعن الأسود قال: ذكروا عند عائشة أن عليًّا كان وَصِيًّا، فقالت: متى أَوْصَى إليه؟ وقد كنتُ مُسْنِدَتَهُ إلى صدري -أو قالت: حَجْرِي- فدعا بالطَّسْتِ فلقد انْخَنَثْ في حَجْرِي فما شعرت أنَّه (¬1) مات، فمتى أوصى إليه؟ * * * (2) باب الوصية بالثُّلُثِ لا يتجاوز، والحضّ على ترك الورثة أغنياء 1313 - عن سعد بن أبي وَقَّاص قال: جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودُنِي ¬
وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: "يرحم اللَّه ابن عَفْرَاء"، قلت: يا رسول اللَّه! أُوصي بمالي كُلِّه؟ قال: "لا"، قلت: فالشطر؟ قال: "لا"، قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث (¬1)، والثلثُ كثير، إنك (¬2) إنْ تَدَعْ أنت (¬3) ورثتك أغنياء خيرٌ من أنْ تدعهم عَالَةً يتكفَّفُونَ الناسَ في أيديهم، وإنك مهما أنْفَقْتَ من نفقةٍ فإنها صدقة، حتى اللقمةُ ترفعها إلى فِي امرأتِك، وعسى اللَّهَ أن يرفعك فينتفعَ بك ناس، ويُضَرَّ بك آخرون"، ولم يكن له يومئذ إلَّا ابنَةٌ. وفي رواية (¬4): قال: فأوصى الناسُ بالثلث، فجاز ذلك عليهم (¬5). 1314 - وعن ابن عباس قال: لو غَضَّ الناسُ إلى الرُّبُع؛ لأنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الثلث، والثلث كثير" أو: "كبير (¬6) ". * * * ¬
3 - باب لا وصية لوارث وتأويل قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 11].
(3) باب لا وصيّة لوارث وتأويل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. 1315 - عن عطاء عن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصيّة للوالدين، فنسخ اللَّه من ذلك ما أَحَبَّ، فجعل للذكر مثلُ حظ الأُنْثيين، وجعل للأَبويين لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. قال البخاري (¬1): ويذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بالدين قبل الوصية، وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فأداء الأمانة أحق من تطوع الصدقة، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صدقة إِلَّا عن ظهر غِنًى" ويذكر (¬2) أن شُرَيْحًا وعمر بن عبد العزيز وطاوسًا وابن أُذَيْنَة أجازوا إقرار المريض بالدَّيْن، وقال الحسن: أحقُّ ما تَصَدَّق به الرجل آخِرَ يوم من الدنيا وأولَ يوم من الآخرة. وقال إبراهيم والحكم: إذا أبرأَ الوارثَ من الدَّين برئ. ¬
4 - باب الوقف والوصية لأقاربه، ومن الأقارب؟
وأوصى رافع بن خَدِيج ألا تُكْشَف امرأته الفَزَارِيَّة (¬1) عما أُغْلِقَ عليه بابها. وقال الحسن: إذا قال لمملوكه عند الموت: كنت أعتقتك، جاز. وقال الشعبي: إذا قالت المرأة عند موتها: إن زوجي قضاني وقبضت منه، جاز. وقال بعض الناس: لا يجوز؛ لِسُوء الظنِّ به للورثة، ثم استحسن فقال: يجوز إقراره بالوديعة، والبضاعة، والمضاربة، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إيَّاكم والظنَّ، فإن الظنَّ أكذبُ الحديث"، ولا يَحِلُّ مال المسلمين لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آية المنافق: إذا ائتمن خان". وقال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فلم يخصَّ وارثًا ولا غيره. * * * (4) باب الوقف والوصية لأقاربه، ومَنِ الأقارب؟ وقال ثابت (¬2) عن أَنس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي طلحة: "اجعلها لفقراء أقاربك"، فجعلها لحسان وأُبَيِّ بن كعب. قال أَنس: وكانا أقرب إليه مني، وكان قرابةُ حسان وأُبَيّ من أبي طلحة، واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حَرَام بن عمرو بن زيد مناةَ بن عديِّ بن ¬
عمرو بن مالك بن النجار، وحسان بن ثابت بن المنذر بن حَرَام، فيجتمعان إلى حَرَام، وهو الأب الثالث، وحَرَام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو ابن مالك بن النجار، فهو يجامع حسان [و] أبا طلحة وأُبَيًّا إلى ستة آباء؛ إلى عمرو بن مالك. وأُبَيّ (¬1) بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار، فعمرو بن مالك يجمع حسان وأبا طلحة وأُبَيًّا. وقال بعضهم: إذا أَوْصَى لقرابته فهو إلى آبائه في الإسلام. 1316 - وقال ابن عباس: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينادي: "يا بني فِهْر! يا بني عَدِيّ! " لبطون قريش. 1317 - وقال أَبو هريرة: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يا معشر (¬2) قريش -أو كلمةً نحوَها- اشتروا أنفسكم؟ لا أُغْنِي عنكم من اللَّه شيئًا، يا بني عبد مَنَاف! لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا عباس ابن عبد المطلب! لا أُغْنِي عنك من اللَّه شيئًا، ويا صفية عَمّةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! ¬
5 - باب يصح وقف الأرض، وإن لم يتبين حدودها، والإشهاد على الوقف
لا أغني عنك من اللَّه شيئًا، ويا فاطمةُ بنت محمد سليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنك من اللَّه شيئًا". * * * (5) باب يصح وقف الأرض، وإن لم يتبين حدودها، والإشهاد على الوقف 1318 - عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: أنَّه سمع أَنس بن مالك يقول: كان أَبو طلحة أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله (¬1) إليه بَيْرُحَاء مستقبلةَ المسجد، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طَيِّب، قال أَنس: فلما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قال أَبو طلحة فقال: يا رسول اللَّه! إن اللَّه يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أَحَبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاء، وإنها صَدَقةٌ للَّه أرجو بِرَّهَا وذُخْرَهَا عند اللَّه، فضعها حَيْثُ أراك اللَّهُ. فقال: "بَخٍ (¬2)، ذلك مال رابح -أو: رايح، شك ابن مَسْلَمَة- وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أنْ تجعلها في الأقربين". ¬
قال أَبو طلحة: أفعل يا رسول اللَّه، فَقَسَمَهَا أَبو طلحة في أقاربه وبني عمه. وفي رواية (¬1): فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَخٍ، ذلك مال رابح، قبلناه منك ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين"، فتصدق به أَبو طلحة على ذوي رحمه. 1319 - وعن ابن عباس: أن سعدَ بن عُبَادة توفيت أمه (¬2) وهو غائب عنها، فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! إنَّ أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إنْ تَصَدَّقْتُ عنها (¬3)؟ قال: "نعم"، قال: فإني أُشهدك أنَّ حائطي المِخْرَاف صدقة عليها. الغريب: المشهور في "بيرحاء": كسر الباء، وقد فُتحت، ومَدُّ "حاء"، وقد قُصرت، و"المِخْرَاف": بكسر الميم وبآلِفٍ، و"المَخْرِف": بفتح الميم وكسر الراء: البستان؛ سمي بذلك لأن ثماره تُخْرَف؛ أي: تُجنى. ¬
6 - باب يستحب أن يتصدق عمن مات فجأة
و"المِخرَف" بكسر الميم وفتح الراء: الآلة التي يُجْتَنَى فيها. * * * (6) باب يستحب أن يتصدق عمّن مات فَجْأَةً 1320 - عن عائشة: أن رجلًا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أمي افْتُلِتَتْ (¬1) نفسُها، وأُرَاهَا لو تكلمت تَصَدَّقَتْ، أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم، تصدَّقْ عنها". 1321 - وعن ابن عباس: أنَّ سعد بن عُبَادة استفتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: "اقضه عنها". * * * (7) باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين ووَقَفَ أَنس دارًا فكان إذا قدمها نزلها. ¬
وتصدق الزبير بدُوره، وقال للمَرْدُودة من بناته: أن تسكن غير مُضِرَّة ولا مُضَرٍّ بهَا، فإن استغنت بزوجٍ فليس لها حق. وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سُكنى لذوي الحاجات من آل عبد اللَّه. 1322 - وقال أَبو عبد الرحمن: إن عثمان حيث حُوصِر أشرف عليهم وقال: أَنْشُدُكمِ ولا أَنْشُدُ إلَّا أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ألستم تعلمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَفَرَ بئر رُومَة فله الجنَّةَ"، فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنَّه قال: "من جهَّز جيش العُسْرَة فله الجنَّةَ"، فجهزتهم (¬1)؟ قال: فصدَّقوه بما قال. قال عمر في وقفه: لا جناح على مَن وَلِيَه أن يأكل، وقد يليه الواقفُ (وغيره، فهو واسعٌ لكلٍّ) (¬2). وسيأتي قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نورث، ما تركناه صدقة". * * * ¬
35 - كتاب الجهاد والسير
(35) كتاب الجهاد والسير
1 - باب في فضل الجهاد والرباط
(35) كتاب الجهاد والسير (1) باب في فضل الجهاد والرباط وقول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} إلى قوله: [الْعَظِيْمُ} [الصف: 10 - 12] وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} الآية [التوبة: 111] 1323 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلت: يا رسول اللَّه! أيُّ العمل أفضل؟ قال: "الصلاةُ على ميقاتها"، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: "بِرُّ (¬1) الوالدين"، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه" فسكتُّ عن رسول اللَّه، ولو استَزَدْتُهُ لزادني. 1324 - وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: دلَّني ¬
على عمل يَعْدِل الجهاد؟ قال: "لا أجده"، قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم فلا تَفْتُر، وتصومَ ولا تُفْطِر؟ " قال: ومَن يستطيع ذلك؟ قال أَبو هريرة: إنَّ فَرَسَ المجاهد ليَسْتَنُّ (¬1) في طِوَلهِ (¬2)، فيكتبُ له حسنات. 1325 - وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول اللَّه! أيُّ الناس أفضل؟ فقال (¬3): "مؤمن يجاهد في سبيل اللَّه بنفسه وماله" قالوا: ثم مَنْ؟ قال "مؤمن في شِعْبٍ من الشِّعَابِ يتقي اللَّه ويَدَعُ الناس من شره". 1326 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَثَلُ المجاهد في سبيل اللَّه -واللَّه أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم، وتَوَكَّلَ اللَّهُ للمجاهد في سبيله إنْ توفَّاهُ (¬4) أنْ يدخله الجنَّةَ، أو يَرْجِعَهُ سالمًا مع أَجْرٍ أو غنيمة". ¬
2 - باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء ودرجات المجاهدين
1327 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "واعلموا أنَّ الجنَّةَ تحت ظلال السيوف". 1328 - وعن سهل بن سعد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رباطُ يومٍ في سبيل اللَّه خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سَوْطِ أحدكم في الجنَّةَ خير من الدنيا وما فيها". * * * (2) باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء ودرجات المجاهدين 1329 - عن أَنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه يدخل على _______ 1327 - خ (2/ 311)، (56) كتاب الجهاد والسير، (22) باب الجنَّةَ تحت بارقة السيوف، من طريق موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه ابن أبي أوفى به، رقم (2818)، أطرافه في (2823، 2966، 3024، 7237). 1328 - خ (2/ 329)، (56) كتاب الجهاد والسير، (73) باب فضل رباط يوم في سبيل اللَّه، وقول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، من طريق عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي به، رقم (2892)، وزاد: "والروحة يروحها العبد في سبيل اللَّه أو الغَدْوة خير من الدنيا وما عليها"، طرفاه في (3250، 6415). 1329 - خ (2/ 303)، (56) كتاب الجهاد والسير، (3) باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، من طريق مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أَنس بن مالك به، رقم (2788، 2789). الحديث (2788) أطرافه في (2877، 2894، 6282، 7001). الحديث (2789) أطرافه في (2878، 2895، 2924، 7002).
أم حَرَام بنت مِلْحَانَ فتطعمه، وكانت (¬1) أمُّ حرام تحت عُبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأطعمته وجعلت تَفْلِي رأسه، فنام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما أضحكك (¬2) يا رسول اللَّه؟ قال: "ناس من أمتي عُرِضُوا عليَّ غُزَاةً في سبيل اللَّه، يركبون ثَبَجَ هذا البحر مُلُوكًا على الأَسِرَّة -أو: مثل الملوك على الأسرّة، شك إسحاق- قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ادع اللَّه أن يجعلني منهم. فدعا لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: ما (¬3) يضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: "ناس من أمتي عُرِضُوا عليَّ غُزَاةً في سبيل اللَّه"، كما قال في الأولى، قالت (¬4): فقلت: يا رسول اللَّه! ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال "أنت من الأولين" فَرَكِبَتِ البحرَ زمن معاوية بن أبي سفيان، فصُرِعَتْ عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكتْ. في رواية (¬5): فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحرَ مع معاوية. ¬
1330 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من آمن باللَّه ورسوله (¬1)، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًّا على اللَّه أن يدخله الجنَّةَ، جاهد في سبيل اللَّه أو جلس في أرضه التي وُلِدَ فيها"، قالوا: يا رسول اللَّه! أفلا تبشِّر (¬2) الناس؟ قال: "إن في الجنَّةَ مئة درجة أعدَّها اللَّه للمجاهدين في سبيل اللَّه، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم اللَّه فسَلُوهُ الفردوسَ، فإنه أوسط الجنَّةَ، وأعلى الجنَّةَ -أُرَى (¬3): وفوقه عرش الرحمن- ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنَّة". 1331 - وعن جابر بن سَمُرَةَ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيتُ الليلةَ رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أَرَ قط أحسن منها، قالا: أمَّا هذه الدار فدارُ الشهداء". 1332 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَابُ ¬
3 - باب فضل الشهادة وتمنيها
قَوْسِ (¬1) في الجنَّةَ خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب". 1333 - وعن سهل بن سعد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الرَّوْحَةُ والغَدْوَةُ في سبيل اللَّه أفضل من الدنيا وما فيها". الغريب: "ثَبَجُ البحر": أوسطه ومعظمه، و"الفِرْدَوْس": حدائق الأعناب، و"أوسطه": أعلاها وأعدلها. و"قاب القوس": مقداره، وهو أيضًا القاد والقيد. * * * (3) باب فضل الشهادة وتمنيها 1334 - عن أَنس بن مالك، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من عبد يموت له عند اللَّه خير، يَسُرُّهُ أنْ يرجع إلى الدنيا وأنَّ له الدنيا وما فيها، إلَّا الشهيد؛ ¬
لما يَرى من فضل الشهادة، فإنه يَسُرُّه أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل مرة أخرى، ولَرَوْحَةٌ في سبيل اللَّه أو غَدْوَة خير من الدنيا وما فيها، ولقابُ قوس أحدكم في الجنَّةَ أو موضع قِيدٍ -يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من أهل الجنَّةَ اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءَتْ ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنَصِيفُهَا (¬1) على رأسها (¬2) خير من الدنيا وما فيها". 1335 - وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المؤمنين لا تَطِيبُ نفوسهم (¬3) أن يَتَخَلَّفُوا عنِّي، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلَّفْتُ عن سَرِيَّةٍ تغزو (¬4) في سبيل اللَّه، والذي نفسي بيده لوَدِدْتُ أني أُقْتَلُ في سبيل اللَّه، ثم أُحْيَا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل". 1336 - وعن أَنس قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقوامًا من بني سُلَيْم إلى بني ¬
عامر في سبعين رجلًا (¬1)، فلما قدموا قال لهم خالي: أتقدمكم، فإن أَمَّنُونِي حتى أُبَلِّغَ (¬2) عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإلَّا كنتم مني قريبًا. فتقدَّم فأَمَّنُوه، فبينما يحدثهم عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ أَوْمَؤوا إلى رجلٍ منهم فطعنه فأَنْفَذَهُ، فقال: اللَّه أكبر، فُزْتُ وربِّ الكعبة، ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم، إلَّا رجلًا (¬3) أعرج صعد الجبل -قال همام: وأُرَاهُ آخرَ معه- فأخبر جبريلُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم قد لَقُوا ربَّهم، فرضي عنهم وأرضاهم، فكنا نقرأ: أَنْ بَلِّغُوا قومنا أَنْ قد لَقِينا ربَّنا فرضي عنا وأرضانا، ثم نسخ بَعْدُ، فدعا عليهم أربعين صباحًا، على رِعْلٍ وذَكْوان وبني لِحْيَان وعُصَيَّة (¬4) الذين عَصَوا اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1337 - وعن جابر هو ابن عبد اللَّه، قال: جيء بأبي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد مُثِّلَ به، ووضع بين يديه، فذهبتُ اكشف عن وجهه فنهاني قومي، فسَمعَ صوت صائحة (¬5)، فقيل: بنت (¬6) عمرو -أو: أخت عمرو- فقال: "لِمَ تبكين ¬
4 - باب فضل الجرح في سبيل الله والعثرة والغبار ومسحه عن المجاهد
-أو: لا تبكين (¬1) - ما زالتِ الملائكةُ تُظِلُّه بأجنحتها". * * * (4) باب فضل الجُرْحِ في سبيل اللَّه والعَثْرَة والغبار ومسحه عن المجاهد 1338 - عن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ (¬2) أَحَدٌ في سبيل اللَّه -واللَّه أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله- إلَّا جاء يوم القيامة واللَّونُ لون دم (¬3) والريحُ ريح مسك". 1339 - وعن جندب بن سفيان: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في بعض المشاهد قد دَمِيَتْ إصْبَعُهُ، فقال: "هل أَنْتِ إلَّا إصبعٌ دَمِيتِ، وفي سبيل اللَّه ما لقيتِ". 1340 - وعن عَبَايَة بن رِفَاعة بن رافع قال: أخبرني أَبو عَبْسٍ أن ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سبيل اللَّه فتمسَّه النار". 1341 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رجع يوم الخندق ووضع واغتسل، أتاه جبريلُ وقد عَصَبَ رأسَهُ الغُبَارُ، فقال: وضعتَ السلاحَ؟ فواللَّه ما وضعْتُهُ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَأَيْنَ؟ " فقال: هاهنا، وأومأ إلى بني قريظة، قال: فخرج إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1342 - وعن أبي سعيدٍ قال: كنا ننقل لَبِنَ المسجد لَبِنَةً لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمرَّ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومسح عن رأسه الغبار وقال: "وَيْحَ عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنَّةَ (¬1) ويدعونه إلى النار". * * * ¬
5 - باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] الآية
(5) باب قول اللَّه تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] الآية 1343 - عن حميد الطويل، عن أَنس بن مالك قال: غاب عمي أَنس ابن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول اللَّه! غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ المشركينَ، لئنِ اللَّهُ أشهدني قتالَ المشركين لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: أصحابه- وأبرأ مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد ابن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنةَ وربَّ النَّضْرِ، إني أجد ريحها من دون أُحُدٍ. قال سعد: فما استطعتُ يا رسول اللَّه ما صنع. قال أَنس: فوجدنا به بضغا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنةً برُمْحٍ، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِلَ وقد مُثِّلَ به (¬1)، فما عرفه أحد إلَّا أخته ببَنَانِهِ. قال أَنس: كنا نُرَى -أو نَظُنُّ- هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخرها (¬2). وذكر باقي الحديث وسيأتي إن شاء اللَّه. ¬
6 - باب تقديم العمل الصالح والنية الصادقة الخالصة قبل القتال
1344 - وعن زيد بن ثابت أنَّه قال: نَسَخْتُ الصُّحُفَ من المصاحف، ففقدت آيةً من الأحزاب (¬1) كنتُ أسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ بها، فلم أجدها إلَّا مع خُزَيْمَةَ (¬2) الأنصاري الذي جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهادته، شهادةَ رجلين، وهي قوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. الغريب: "نَحْبَهُ"؛ أي: نذره، وأصل النَّحْب: النَّفْس، وكأن هذا الناذرَ نذر قتل نفسه في الجهاد فوَفَّى به. * * * (6) باب تقديم العمل الصالح والنية الصادقة الخالصة قبل القتال وقال أَبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم. 1345 - عن البَرَاء بن عازب قال: أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلٌ مُقَنَعٌّ بالحديد (¬3)، ¬
فقال: يا رسول اللَّه! أقاتِلُ أو أُسْلِمُ؟ قال: "أَسْلِمْ ثم قاتل"، فأسلم ثم قاتل فقُتِلَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَمِلَ قليلًا وأُجِرَ كثيرًا". 1346 - وعن أَنس بن مالك قال: إن أمَّ الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سُرَاقَة- أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت (¬1): يا نبي اللَّه! ألا تحدثني عن حارثة -وكان قد قُتِلَ يوم بدر، أصابه سَهْمٌ غَرْبٌ- فإن كان في الجنَّةَ صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: "يا أم حارثة" إنها جنانٌ في الجنَّةَ، وإنَّ ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى". 1347 - وعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمَغْنَم، والرجل يقاتل للذِّكْرِ، والرجل ليرى (¬2) مكانه، فمن في سبيل اللَّه؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا" (¬3). "سَهْمٌ غَرْبٌ": رويناه بتنوين "سهم" وإسكان الراء على أنَّه نعت لـ "سهم"، وهو السهم الذي لا يُعْرَفُ راميه، ووجدناه في الأصل محذوفَ ¬
7 - باب وجوب النفير والجهاد، والتعوذ من الجبن
التنوين وبفتح الراء، وقيل: إن الغرْب خشبٌ يعمل منه السِّهَام، واللَّه أعلم. * * * (7) باب وجوب النفير والجهاد، والتعوذ من الجبن وقول اللَّه -عزَّ وَجلَّ-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} إلى: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 41 - 42]. وقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} إلى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 - 39]. 1348 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم الفتح: "لا هِجْرَةَ بعد الفَتْحِ، لكن (¬1) جهادٌ ونيَّةٌ، وإذا استُنْفِرْتُمْ فانفروا". 1349 - وعن عمرو بن ميمون الأَوْدِي قال: كان سعد يعلِّمُ بَنِيه هؤلاء الكلمات كما يعلّم المعلم الكتابةَ للغلمان، ويقول: إنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
8 - باب في الرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وكم الشهداء
كان يَتَعَوَّذُ منهن دُبُرَ الصلاة، فقال (¬1): "اللهم إني أعوذ بك من الجُبْنِ، وأعوذ بك أن أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العُمُرِ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر". 1350 - وعن أنس بن مالك: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهَرَمِ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر". الغريب: ابن عباس: "ثُبَاتٍ": سرايا متفرقين، يقال: أحد الثُّبَات: ثُبَةٌ، و"أَرْذَلُ العمر": أَسْوؤه، وذلك بضعف القوى واختلال العقل. * * * (8) باب في الرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وكم الشهداء 1351 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يضحك اللَّه إلى رجلين ¬
يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل اللَّه فيُقْتَلُ، ثم يتوب اللَّه على القاتل فيُسْتَشْهَدُ". 1352 - وعنه قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بخيبر بعدما افتتحوها -في رواية (¬1): وإنَّ حُزْمَ خَيلهم لَلِيفٌ- فقلت: يا رسول اللَّه! أَسْهِمْ لي، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تُسْهِمْ له يا رسول اللَّه، فقال أبو هريرة: هذا قاتل ابن قَوْقَلٍ. فقال ابن سعيد بن العاص: واعَجَبًا لوَبْرٍ تَدَلَّى علينا من قَدُومِ ضَالٍ (¬2) -في رواية (¬3): قال أبان: وأنت بهذا يا وَبْرُ تَحَدَّرَ من رَأْس ضَالٍ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "يا أبان، اجلس"، فلم يَقْسِم لهم- يَنْعَى عَلَيَّ قتل رجل مسلم أكرمه اللَّه على يدي، ولم يُهِنِّي على يديه. قال: فلا أدري أَسْهَمَ له أو لم يسهم له. 1353 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمَبْطُون، والغَرِقُ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل اللَّه". ¬
9 - باب فيمن حبسه العذر وقوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95]
الغريب: "الوَبْرُ": دُوَيْبَّةٌ تشبه السِّنَّوْر، و"تَدَلَّى": انحدر، وقد روي كذلك، وروي: "تردَّى"، وكلُّها بمعنًى واحد، و"قدوم": بفتح القاف وضم الدال مخففة، لا يقال هذا إلَّا كذا، وأما "قدوم" الموضع وآلة النجار، فروي في كلِّ واحد منها التخفيفُ والتشديد. و"ضال": جبل، وقد روي باللام والنون بدل اللام. كما قالوا: فرس رفل ورفن: إذا كان طويل الذَّنَبِ، وهذا كله تحقيرٌ من أبان لأبي هريرة لمَّا قال: "لا تقسم له"، و"ابن قوقل": رجلٌ مسلم قتله أَبَان في حال كفره. و"المَطْعُون": الذي أصابه الطاعون، وهو الموت العام، و"المبطون": الذي يموت بعِلَّةِ البطن كالاستسقاء، و"ذات الجنب"، ونحو ذلك. و"صاحب الهَدْم": الذي يموت تحته من غير تَغْرِيرٍ (¬1). واللَّه أعلم. * * * (9) باب فيمن حبسه العذر وقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] 1354 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في غَزَاةٍ له فقال "إن أقوامًا بالمدينة ¬
خَلْفَنَا ما سلكنا شِعْبًا ولا واديًا إلَّا وهم معنا حبسهم العذر". 1355 - وعن البَرَاء -هو ابن عازب- قال: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زيدًا فجاء بكَتِفٍ فكتبها، وشكى ابن أم مَكْتُومٍ ضرارته فنزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. وفي رواية (¬1): قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للبراء: "ادع لي زيدًا وليَجِئْ باللوح والدّواة والكتف" أو: "الكتف والدَّوَاة. . . " الحديث. 1356 - وعن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا في المسجد، فأقبلتُ حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فجاءه (¬2) ابن أم مكتوم وهو يُمِلُّها عليَّ، فقال: يا رسول اللَّه! لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلًا (¬3) أعمى، ¬
10 - باب الصبر عند القتال، والتحريض عليه، وفضل من جهز غازيا
فأنزل اللَّه (¬1) على رسوله (¬2) وفخذُه على فَخِذِي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خفت أن تُرَضَّ فخذي، ثم سُرّيَ عنه، فأنزل اللَّه: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. 1357 - وعن أبي موسى قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا مَرِضَ العبدُ أو سافر كتَبَ اللَّهُ له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا". * * * (10) باب الصبر عند القتال، والتحريض عليه، وفضل من جَهَّزَ غَازِيًا 1358 - عن سالم أبي النضر: أنَّ عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى كتب فقرأته: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا لقيتموهم فاصبروا". 1359 - وعن أنس قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الخندق، فإذا ¬
المهاجرون والأنصار يحفرون في غَدَاةٍ باردةٍ، ولم (¬1) يكن لهم عبيد يعملون (¬2) لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصَبِ والجُوعِ قال: "اللهم إنَّ العيش عيشُ الآخرة، فاغفر للأنصار والمُهَاجِرَه"، فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وفي طريق أخرى (¬3) عنه: قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم، ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام (¬4) ما بقينا أبدا والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجيبهم: "اللهم إنه لا خير إلَّا خير الآخره، فبارك في الأنصار والمهاجره". 1360 - وعن البراء قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى الترابُ بياض بطنه، وهو يقول: ¬
11 - باب فضل النفقة في سبيل الله، والصوم فيه لمن لا يضعف عن الجهاد
"لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنَا فأنزل السكينة علينا ... وثَبِّتِ الأقدام إن لاقينا إن الأُلَى قد بَغَوْا علينا ... إذا أرادوا فتنة أَبَيْنَا" 1361 - وعن زيد بن خالد الجهني: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ جَهَّزَ غازيًا فقد غزا، ومن خَلَفَ (¬1) غازيًا في سبيل اللَّه بخير فقد غزا". * * * (11) باب فضل النفقة في سبيل اللَّه، والصوم فيه لمن لا يضعف عن الجهاد 1362 - عن أبي سعيد الخدري: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام على المنبر فقال: "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يُفْتَحُ عليكم من بركات الأرض" ثم ذكر زهرة الدنيا، فبدأ بإحداهما وثنَّى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه! أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلنا: يُوحَى إليه، وسكت الناس كأنَّ على رؤوسهم الطير، ثم إنه مسح عن وجهه الرُّحَضَاءَ ¬
فقال: "أين السائل آنِفًا، أَوَ خيرٌ هو؟ -ثلاثًا- إن الخير لا يأتي إلَّا بالخير، وإنه كل ما يُنْبِتُ الربيعُ يَقتلُ أو يُلِمُّ حَبَطًا (¬1)، إلَّا آكلة الخَضِر، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فثَلَطَتْ وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، ونِعْمَ صاحبُ المسلم لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل اللَّه واليتامى والمساكين وابن السبيل (¬2)، ومن لم يأخذها بحقها فهو كالآكل لا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة". 1363 - وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من صام يومًا في سبيل اللَّه بَعَّدَ اللَّه وجهه عن النار سبعين خريفًا". 1364 - وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أجل الغزو، فلما قبض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم أَرَهُ مفطرًا إلَّا يوم فطر أو أضحى. الغريب: "بركات الأرض": خيراتها، و"زهرتها": زينتها وما يُعجِبُ منها، ويعني بإحداهما الكلمة لأولى التي هي: "إنما أخشى عليكم" إلى آخرها، ¬
12 - باب في الخيل والمسابقة بها، وفضلها، وأنها معقود بنواصيها الخير
وبالأخرى: ثم ذَكَرَ زهرةَ الدنيا، و"الرُّحَضَاء": العرق عن تعبٍ ومشقة. و"الحَبَط": انتفاخ الجوف من كثرة الأكل، و"الخَضِر": اسم جنس ما يُسْتَحْلَى من المرعى، و"ثَلَطت": أَلْقَتِ الرّوث، و"رتعت": رعت. وهذان مَثَلان للحريص على المال الممسك، والمقتصد المُنْفِق. * * * (12) باب في الخيل والمسابقة بها، وفضلها، وأنها معقود بنواصيها الخير 1365 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخيلُ لثلاثة: لرجل أجرٌ، ولرجل سِتْرٌ، وعلى رجل وِزْرٌ، فأمّا الذي له أجر، فرجلٌ ربطها في سبيل اللَّه، فأطال لها في مَرْجٍ أو روضةٍ، فما أصابت في طِيَلِهَا ذلك من المرج والروضة كانت لها حسنات، ولو أنها قطعت طِيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ كانت أرواثها وآثَارُهَا حسناتٍ (¬1)، ولو مرت بنهر فشربت منه ولم يُرِدْ أن يسقيها كان ذلك حسناتٍ له، ورجل ربطها (¬2) فخرًا ورياء ¬
ونواءً لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك". وسئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الحُمُر؟ فقال: "ما أُنْزِلَ عليّ فيها إلَّا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] ". 1366 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من احتبس فرسًا في سبيل اللَّه إيمانًا باللَّه وتصديقًا بوعده، فإنَّ شِبَعَهُ ورِيَّهُ ورَوْثَهُ وبوله في ميزانه يوم القيامة". 1367 - وعن ابن عمر قال: أجرى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما ضُمِّرَ من الخيل من الحَفْيَاء إلى ثَنِيَّةِ الوداع، وأَجْرى ما لم يضمَّر من الثنية إلى مسجد بني زُرَيق، قال ابن عمر: وكنت فيمَن أَجْرَى. قال: قال سفيان: من الحفياء (¬1) إلى الثنية (¬2) خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية إلى مسجد بني زريق ميل. ¬
وفي رواية (¬1): سابق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخيل التي قد أُضْمِرَتْ (¬2) فأرسلها من الحفياء، وكان أَمَدُهَا ثنيّةَ الوداع، قال موسى بن عقبة: بين ذلك ستة أميال أو سبعة (¬3). وسابق بين الخيل التي لم تُضَمَّرْ فأرسلها من ثنيّة الوداع، وكان أمدُها مسجد بني زُرَيْق، قال موسى: بين ذلك ميل أو نحوه (¬4). وكان ابن عمر ممن سابق بها. 1368 - عن عُرْوَة بن الجَعْدِ البَارِقِيِّ: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخيل مَعْقُودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمَغْنَمُ" وقد رواه ابن عمر (¬5). 1369 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البركة ¬
13 - باب تسمية الفرس باسم علم، وينفي من الشؤم فيها، والقسم لها
في نواصي الخيل". الغريب: "المرْج": النبات المختلِطُ المختلِفُ، و"الرَّوْضَة": النبات الذي له نَوْرٌ وزَهْرٌ، و"الطِّيَل" بفتح الياء: الحبل الذي تربط به الدابة للرعي. "الفخر": المفاخرة والتكبر. و"الرياء": المرَاءاة، و"النِّواء" بكسر النون: المناوأة، وهي المعاداة والمباعدة. و"الجامعة": العامة، و"الفاذة": المنفردة بمعناها؛ أي: ليس في جميع آي القرآن مثلها. و"تضمير الخيل": هو أن تسمَّنَ ثم تجري حتى تهزل، فيذهب لحمها وتبقى قوتها. ويستفاد من قوله: "الخيلُ معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة": أنَّ الجهاد دائمٌ ماضٍ مع كل إمام برٍّ أو فاجر. * * * (13) باب تسمية الفَرَس باسم عَلَمٍ، وينفي (¬1) من الشؤم فيها، والقَسْمِ لها 1370 - عن ابن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده ¬
قال: كان للنبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- في حائطنا فرس يقال له: اللُّحَيْفُ. 1371 - وعن أنس بن مالك قال: كان بالمدينة فَزَعٌ، فاستعار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَسًا لأبي طلحة يقال له: مَنْدُوبٌ، فركبه وقال: "ما رَأَيْنَا من فَزَعٍ، وإنْ وجدناه لَبَحْرًا". 1372 - ومن حديث أبي قتادة: أنه لما رأى الصيد ركب فرسًا يقال لها الجَرَادَة. . .، وقد تقدم الحديث. 1373 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الشُّؤْمُ في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار". 1374 - وعن سهل بن سعد الساعدي: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن ¬
يكن في شيء (¬1)، ففي المرأة والفرس والمَسْكَن". 1375 - وعن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا. الغريب: "الحائط": بستان النخل. "اللُّحَيْف": رويناه بالحاء المهملة وضم اللام، وفتح الحاء وياء التصغير بعدها، وكأنه تصغير لِحف، وهو جانب الجبل، وصغَّره على نحو: فَلْس وفُلَيْس. وذكره الهروي عن أبي عبيد: "اللَّحِيف" بفتح اللام وكسر الحاء، قال: فَعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ، كأنه يُلْحِف الأرضَ بذَنبِهِ لطوله. و"مندوب": اسم مفعول من نَدَبَ إلى كذا: إذا أَحَضَّهُ عليه، فكأنه لمسارعته لِمَا يراد منه من الجَرْي وغيره نُدب إلى ذلك. و"الفزع" هنا: الذعر والخوف. ويعني "وإن وجدناه لبحرًا"؛ أي: كثير الجري كالبحر. و"الشؤم" و"الطيرة" بمعنًى واحدٍ، وهو أن يجدَ الإنسان من نفسه كراهةً ونُفْرَةً من شيءٍ مّا، يحمله ذلك على مُباعدته واستثقاله، فإن تمكَّن الإنسان ¬
14 - باب غزو النساء في البر والبحر وقتالهن مع الرجال، ومداوتهن لهم، وليس الجهاد عليهن بواجب
من الإعراض فهو أولى، وإن لم يمكنه ذلك وكان المتشاءَمُ به أحدَ الثلاثة المذكورين في الحديث فقد أباح له الشرع مباعدة ذلك، كما قال في الدار: "واتركوها ذميمة" (¬1) هذا أَوْلَى ما قيل في ذلك، واللَّه أعلم. * * * (14) باب غزو النساء في البر والبحر وقتالهن مع الرجال، ومداوتهنّ لهم، وليس الجهاد عليهن بواجب وقد تقدم حديث أم حرام بنت ملحان (¬2). 1376 - ومن حديث عائشة قالت: كان رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يَخْرُجَ أقرع بين نسائه. 1377 - وعن أنس قال: لما كان يوم أُحُدٍ انهزم الناس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُلَيْم وإنهما لمُشَمِّرتان أرى خَدَمَ سُوقهِمَا يَنْقُزَانِ القِرَبَ. وفي رواية (¬1): تنقلان القِرَبَ على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. 1378 - وعن الرُّبَيعِّ بن مُعَوِّذ قالت: كنا نغزو مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنسقي القومَ ونخدُمُهم، ونَرُدُّ الجَرْحَى والقتلى إلى المدينة. 1379 - وعن ثعلبة بن أبي مالك: أن عمر بن الخطاب قسم مُرُوطًا بين نساء من نساء المدينة، فبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فقال له بعضُ مَن عنده: أعط (¬2) هذا بنت (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي عندك -يريد (¬4) أم كلثوم بنت عليٍّ- فقال عمر: أم ¬
سُلَيْط أَحَقُّ -وأم سُلَيْط من نساء الأنصار ممن بايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال عمر: فإنها كانت، تَزْفِرُ لنا القِرَبَ يوم أُحُدٍ. 1380 - وعن عائشة قالت: سأله نساؤه عن الجهاد؟ فقال: "نِعْمَ الجهادُ الحَجُّ". وقال عليه السلام لعائشة (¬1): "جهادُكن الحجُّ". الغريب: "الخدم" هنا: جمع خَدَمةٍ، وهي الخَلْخَال. و"تَنْقُزان": تنقلان، وأصل النقزان: الوثب، يقال: نقز وقفز، ومنه حديث ابن مسعود: وكان يصلي الظهر والجنادب يَنْقُزْنَ من الرَّمْضَاء، حكاه الهروي (¬2). و"المُروط": جمع مِرْطٍ، وهي الأكسية الرفيعة. و"تَزْفِرُ القِرَبَ": تَخِيطُهَا. * * * ¬
15 - باب الغزو بالصبيان الأقرباء، والاستغاثة بالضعفاء والصالحين في الحرب
(15) باب الغزو بالصبيان الأقرباء، والاستغاثة بالضعفاء والصالحين في الحرب 1381 - عن أنس بن مالك: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأبي طلحة: "التمس غلامًا من غِلْمَانكم يخدُمُنِي حتى أخرج إلى خيبر"، فخرج (¬1) أبو طلحة مُرْدِفِي وأنا غلام راهقت الحُلُمَ، فكنت أخدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، والعجز والكسل، والبخل والجُبْن، وضِلَعِ الدِّيْن، وغَلَبة الرجال" ثم قدمنا خيبر، فلما فتح اللَّه عليه الحصن وذُكر (¬2) له جمال صفية بنت حُيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسًا، فاصطفاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه، فخرج بها حتى إذا بلغنا سَدَّ الصَّهْبَاء حلَّت فبنى بها، ثم صنع حَيْسًا في نِطْعٍ صغير، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ"، فكانت تلك وليمةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، قال: فرأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَوِّي لها وراءَهُ بعباءَةٍ ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبَتَهُ فتضع صفية رجلها على ركبتِهِ، حتى تركبَ، فسِرْنَا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أُحُدٍ فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، ثم نظر إلى المدينة فقال: "اللهم إنّي أُحَرِّمُ ما بين لابتَيْهَا بمثل ¬
ما حَرَّم به إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مُدِّهِم وصاعهم". 1382 - وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تُنْصَرُونَ وترزقون إلَّا بضعفائكم" (¬1). وقد تقدم في حديث ابن عباس قولُ هرقل في الضعفاء أنهم أتباع الرُّسُل (¬2). 1383 - وعن أبي سعيد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يأتي زمان يغزو فِئَامٌ من الناس، فيقال: فيكم من صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فيقال: نعم، فيفتح عليهم. ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم مَن صَحِبَ صاحب (¬3) أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فيقال: نعم، فيُفْتَح". ¬
16 - باب لا يقطع على من قتل في المعترك بالشهادة، ووجوب الإخلاص في الجهاد
الغريب: "ضِلَعُ الدِّيْنِ": ثقله ومشقته، و"الحَيْس": ثريدة من أخلاط، قاله الهروي. قال غيره: تمر وسمن وأَقِطٌ، و"يُحَوِّي": يُدِيرُ حَوِيَّةً -وهي كساء- حول السنام ثم يركب الراكب. "يحبنا ونحبه"؛ أي: نحب أهله ويحبونا، ولعله إشارة إلى الشهداء الذين فيه وهذا أولى ما قيل فيه. * * * (16) باب لا يُقْطَع على من قتل في المعترك بالشهادة، ووجوب الإخلاص في الجهاد 1384 - عن سهل بن سَعْد الساعدي: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل لا يَدَعُ لهم شَاذَّةً ولا فَاذَّةً إلَّا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا (¬1): ما أجزأ منا اليوم أَحَدٌ كما أجزأ فلان. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَا إنه من أهل النار"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه. قال: فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أَسْرَعَ ¬
أسْرَعَ معه، قال: فجُرِحَ الرجلُ جُرْحًا شديدًا، فاستعجَلَ الموتَ، فوضع نَصْلَ سَيْفِهِ بالأرض وذُبَابَهُ بين ثَدْيَيْهِ ثم تَحَامَلَ على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول اللَّه. قال: "وما ذاك؟ " قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار، فأعظَمَ الناسُ ذلك، فقلتُ: أنا لكم به، فخرجتُ في طلبه، ثم جرح جُرْحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصلَ سيفه في الأرض، وذُبَابَهُ بين ثَدْيَيْهِ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: "إن الرجل ليعملُ عملَ أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل (¬1) النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة". وفي رواية (¬2): "وإنما الأعمال بالخواتيم". الغريب: "شاذة ولا فاذة": هو نعت لمحذوفٍ؛ أي: نَسَمَة شاذةً، ويحتمل أن تكون للمبالغة كنَسَّابَةٍ وعلَّامة، و"الشاذُّ": الخارج عن الجماعة، و"الفاذُّ": المنفرد. و"أجزأ": مهموزًا لا غير، ومعناه: أغنى. و"نصل السيف": حديدته، و"ذُبَابُهُ": طرفه المحدود. و"آنفًا": الساعة، وهو ممدودٌ، وكان هذا الرجل مرائيًا ومنافقًا، وقيل: اسمه قُزْمان، واللَّه أعلم. * * * ¬
17 - باب التحريض على الرمي، وقول الله -عز وجل-: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60]
(17) باب التحريض على الرَّمْي، وقول اللَّه -عزَّ وَجلَّ-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] وفسرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "ألا إن القوة الرميُ" ثلاثًا. 1385 - عن سلمة بن الأكوع قال: مرَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على نفر من أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان"، قال (¬1): فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما لكم لا ترمون؟ " قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارموا وأنا معكم كلكم". 1386 - وعن حمزة بن أبي أُسَيْد، عن أبيه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر حين صَفَفْنَا لقريش وصَفُّوا لنا: "إذا أكْثَبُوكُمْ فعليكم بالنَّبْلِ". الغريب: "ينتضلون": يترامَوْن بالنضال، وهي السهام. و"أَكْثَبُوكم"؛ أي: ¬
18 - باب إعداد آلات الحرب من المجان والسيف والألوية والدروع والبيض، ولباس الحرير في الغزو، ومن الحكة
صاروا قريبًا منكم. و"الكَثَب": القرب. * * * (18) باب إعداد آلات الحرب من المِجَانِّ والسيف والأَلْوِيةِ والدُّرُوع والبَيْضِ، ولباسِ الحرير في الغزو، ومن الحَكَّة وقد تقدم ذكر حديث عائشة في لعب الحبشة بالدَّرَقِ والحرب في المسجد. 1387 - عن أنس بن مالك: كان أبو طلحة يتَتَرَّسُ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتُرْسٍ واحد، وكان أبو طلحة حسنَ الرَّمْي، فكان إذا رمى تَشَرَّف النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فينظر إلى موضع نَبْلِهِ. وسيأتي قوله عليه السلام: "لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله". وكان قيس بن سعد الأنصاري صاحب لواء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). ¬
وقال نافع بن جبير (¬1): سمعت العباس يقول للزُّبَيْرِ: هاهنا أمرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تَرْكُزَ الراية؟ . 1388 - وعن سهل -هو ابن سعد- قال: لما كُسِرَتْ بَيْضَةُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على رأسه، وأُدْمِيَ وجهُهُ، وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وكان عَلِيٌّ يختلف بالماء في المِجَنِّ، وكانت فاطمة تغسله، فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرةً عَمَدَتْ إلى حَصِيرٍ فأحرقَتْهَا وألصقتها على جرحه، فَرَقَأَ الدمُ. 1389 - وعن أبي أُمَامَةَ -واسمه صُدَيُّ بن عَجْلَان- قال: فتح (¬2) الفتوحَ قَوْمٌ ما كان حلية سُيُوفِهِمْ الذهبَ ولا الفضة، وإنما كانت حِلْيتُهُمُ العَلَابِيَّ والآنُكَ والحديدَ. 1390 - عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا سلاحه، ويغلة ¬
بيضاء، وأرضًا جعلها صدقة. وقد تقدم أنه عليه السلام مات ودرعٌ له من حديد مرهونةٌ. 1391 - عن جابر بن عبد اللَّه: أنه غزا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ نَجْدٍ، فلما قَفَلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم تسليمًا (¬1) - قفل معه، فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العِضاهِ، فنزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتَفَرَّقَ الناس يَسْتَظِلُّونَ بالشجر، فنزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحت سَمُرَةٍ (¬2)، فعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعونا، وإذا عنده أعرابيٌّ، وقال (¬3) "إنَّ هذا اخترط عليَّ بسيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يديه (¬4)، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه" -ثلاثًا- ولم يعاقبه، وجلس. وفي رواية (¬5): "فشام السيف، فها هو ذا جالس". ثم لم يعاقبه. ¬
1392 - وعن أنس: أنَّ عبد الرحمن بن عوف والزبير شَكَوْا (¬1) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعني القمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيتُهُ عليهما في غَزَاةٍ. وفي رواية (¬2): أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَخَّصَ لهما في قميص حرير من حكةٍ بهما. الغريب: "فَرَقَأَ الدَّمُ": انقطع. و"العَلَابِيّ": عقبٌ تشدُّ به أسفل الغِمْدِ وأعلاه، يجعل موضع الحِلْيَة. و"قَفَلَ": رجع. و"العِضَاه": شجر البادية الذي له شوك، و"سَمُرَة": واحدة السَّمُر. و"اخترط السيف": جرَّده من غمده، و"شام السيف"؛ أي: نظر إليه، من شَيْم السحاب، وكأنه -أعني: الأعرابيَّ- انصرف عما هَمَّ به إلى النظر إلى السيف، واللَّه أعلم. * * * ¬
19 - باب قتال الروم واليهود والترك
(19) باب قتال الروم واليهود والتُّرْكِ 1393 - عن عمير بن الأسود العَنْسِي: أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازلٌ في ساحة حِمْصَ، وهو في بناءٍ له ومعه أم حَرَام، قال عميرٌ: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول اللَّه (¬1) يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أَوْجَبُوا" قالت أم حرام: قلت: يا رسول اللَّه، أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم" قالت (¬2): ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم" فقلت: أنا منهم (¬3) يا رسول اللَّه؟ قال: "لا". 1394 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحَجَرُ وراءه اليهوديّ: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله"، ونحوه عن ابن عمر (¬4). ¬
1395 - وعن عمرو بن تَغْلِب قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ من أشراط الساعة أن تقاتلوا قَوْمًا يَنتعِلُونَ الشَّعَرَ، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا عِرَاضَ الوجوه كأن وجوهَهم المِجَانُّ المُطْرَّقَةُ". 1396 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقومُ الساعة حتى تقاتلوا التُّرْكَ، صَغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوجوه، ذُلْفُ الأنوف (¬1)، كأن وجوههم المَجَانُّ المُطْرَقة" (¬2). الغريب: "أوجبوا"؛ أي: المغفرةَ والرحمة لأنفسهم بأعمالهم الصالحة وجهادهم. وقوله عليه السلام لأم حَرَام في الكرة الثانية: "لا"، لأنه قد كان أخبرها بأنها من القوم الأولين، كما قد جاء منصوصًا عليه في حديث مالك. و"أشراط الساعة": علاماتُها، و"المَجَّان": جمع مِجَنٍّ، وهو التُّرْس. و"المُطْرَقة": التي أُطْرِقَتْ بالعقب والجلود، فجُعلت طاقةً فوق ¬
20 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة حالة الحرب، والدعاء لهم بالهداية قبل ذلك
طاقة، ومنه: طارقتُ النعل، و"ذُلْف": جمع أذلف، وهو القصير الأنف، وهو بالذال المنقوطة، يقال: رجل أذلفُ، وامرأةٌ ذلفاءٌ، و"الأُنُوف": جمع أَنْفٍ في الكثرة، وفي القلة: آنُفٌ، و"قيصر": ملك الروم، وهو هنا هِرَقْلُ. * * * (20) باب الدعاء على المشركين بالهزيمة حالة الحرب، والدعاء لهم بالهداية قبل ذلك 1397 - عن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى قال: دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب على المشركين، فقال: "اللهم مُنْزِلَ الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". 1398 - وعن عبد الرحمن بن هُرْمُز قال: قال أبو هريرة: قدم طُفَيْلُ بن عمرو الدَّوْسي وأصحابه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن _______ 1397 - خ (2/ 340)، (56) كتاب الجهاد والسير، (98) باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، من طريق عبد اللَّه، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى به، رقم (2933)، أطرافه في (2965، 3025، 4115، 6392، 7489). 1398 - خ (2/ 340)، (56) كتاب الجهاد والسير، (100) باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم، من طريق شعيب، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به، رقم (2937)، طرفاه في (4392، 6397).
21 - باب دعاء أهل الأديان للدخول في دين الإسلام، والكتاب إليهم بذلك
دَوْسًا عَصَتْ وأَبَتْ فادْعُ اللَّه عليها. فقيل: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فقال: "اللهم اهْدِ دَوْسًا وائْتِ بهم". * * * (21) باب دعاء أهل الأديان للدخول في دين الإسلام، والكتاب إليهم بذلك وقد تقدم كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهرقل (¬1). 1399 - وعن أنس بن مالك قال: لمَّا أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلَّا أن يكون مختومًا، فاتخذ خاتمًا من فِضَّةٍ، كأني (¬2) انظر إلى بياضه في يده، ونَقَشَ فيه: محمد رسول اللَّه. 1400 - وعن عبد اللَّه بن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث بكتابه إلى ¬
22 - باب الحض على الدعوة قبل القتال، وشن الغارة عند الصباح
كسرى، فلما قرأه خَرَّقه. قال سعيد بن المسيب: فدعا عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُمَزَّقُوا كلَّ مُمَزَّقٍ. * * * (22) باب الحَضِّ على الدعوة قبل القتال، وشن الغارة عند الصباح 1401 - عن سهل بن سعد: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول يوم خيبر: "لأُعْطِيَنَّ الراية رجلًا يحبُّه اللَّهُ ورسوله، ويحبُّ اللَّهَ ورسولَه (¬1)، يفتح اللَّه على يديه" فقاموا يرجون لذلك أيهم يُعطَى، فَغَدَوْا وكلهم يرجو أن يُعْطَى، فقال: "أين عليٌّ؟ " فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدُعِيَ له، فبَصَقَ في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال "على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادْعُهُمْ إلى الإسلام، وأخبرهم ¬
بما يجب عليهم، فواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ (¬1) بك رجلًا واحدًا (¬2) خيرٌ لك من حُمُرِ النَّعَمِ". 1402 - وعن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا غزا قومًا لم يُغِر حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار بعدما يصبح، فنزلنا خيبر ليلًا، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمدٌ واللَّه (¬3)، محمدٌ والخميس. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّه أكبر، خَرِبَتْ خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قَوْمٍ فساء صباح المُنْذَرِينَ". الغريب: "النَّعَم": الإبل، و"حُمُرها": أقوا ها وأجلدها وأغبطها. و"المكاتِل": جمع مِكْتَلٍ، وهو الزَّنْبِيل، "الخميس": الجيش، سمي بذلك لأنه مُقَسَّم على خمسة أخماس: ميمنة، وميسرة، ومقدمة، وساقة، وقلب. و"الساحة": الناحية. * * * ¬
23 - باب التورية في الغزو، إلا أراد سفرا بعيدا فليجل للناس قصده، والتوديع عند السفر
(23) باب التَّوْرِية في الغزو، إلَّا أراد سفرًا بعيدًا فليُجَلِّ للناس قصده، والتوديع عند السفر 1403 - عن كعب بن مالك قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلَّ ما يريد غزوةً يغزوها إلَّا وَرَّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك، فغزاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومَفَازًا، واستقبل غزو عَدُوٍّ كثير، فَجَلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أُهْبَةَ عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد. . .، الحديث، وسيأتي بكماله إن شاء اللَّه. 1404 - وعن أبي هريرة قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بَعْثٍ فقال لنا: "إن لقيتم فلانًا وفلانًا -لرجلين من قريش سماهما- فحرِّقوهما بالنار"، ثم قال: ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج، فقال: "إني كنت أمرتكم أن تُحَرِّقُوا فلانًا وفلانًا بالنار، وإن النار لا يعذِّبُ بها إلَّا اللَّه، فإن أخذتموهما فاقتلوهما". تفسير: "فلان وفلان": هما هَبَّار بن الأسود، ونافع بن عبد عمرو، فأما هبارٌ فأسلم وحَسُنَ إسلامه. * * * _______ 1403 - خ (2/ 346)، (56) كتاب الجهاد والسير، (103) باب من أراد غزوةً فَوَرَّى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، من طريق يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك به، رقم (2948). 1404 - خ (2/ 362 - 363)، (56) كتاب الجهاد، (107) باب التوديع، من طريق بُكير، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة به، رقم (2954)، وطرفه في (3016).
24 - باب وجوب بيعه الإمام، والسمع والطاعة له ما لم يؤمر بمعصية
(24) باب وجوب بيعه الإمام، والسمع والطاعة له ما لم يؤمر بمعصية 1405 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة حقٌّ ما لم يؤصر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سَمْعَ ولا طاعة". 1406 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: لقد أتاني اليوم رجلٌ فسألني عن أَمْرٍ ما دَرَيْتُ ما أَرُدُّ عليه، قال: أرأيتَ رجلًا مُؤْدِيًا نشيطًا، يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نُحصيها (¬1)؟ فقلت له: واللَّه ما أدري ما أقول لك، إلَّا أنا كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعسى أن لا يَعْزِمَ علينا في أمرٍ إلَّا مرَّةً حتى نفعله، وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى اللَّه، وإذا شكَّ في نفسه شيء سأل رجلًا فشفاه منه، وأَوْشَكَ ألا تجدوه، والذي لا إله إلَّا هو ما أذكر ما غَبَر (¬2) من الدنيا إلَّا كالثَّغْبِ (¬3) شُرِبَ صَفْوُهُ وبَقِي كَدَرُهُ. ¬
1407 - وعن جُوَيْرِيَة، عن نافع قال: قال ابن عمر: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها. كانت رحمة من اللَّه. فسألت نافعًا: على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصبر. 1408 - وعن عبد اللَّه بن زيد قال: لما كان زمن الحَرَّةِ أتاه آتٍ فقال: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت. فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1409 - وعن سلمة -هو ابن الأكوع- قال: بايعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَدَلْتُ إلى ظل شجرة، فلما خَفَّ الناسُ قال: "يا ابن الأكوع (¬1)! ألا تبايع؟ " قلت (¬2): قد بايعتك يا رسول اللَّه. قال: "وأيضًا"، فبايعته الثانية، فقلت له: يا أبا مسلمٍ! ¬
25 - باب الجعائل والحملان في سبيل الله، والتزود لذلك، وقوله تعالى: {وتزودوا} [البقرة: 197]
على أيِّ شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت. 1410 - وعن مجاشع قال: أتيتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا وأخي فقلت: بايِعْنَا على الهجرة، فقال: "مضت الهجرة لأهلها"، قلت (¬1): علامَ تبايعنا؟ قال: "على الإسلام والجهاد". الغريب: "مؤديًا"؛ أي: كامل الأداة، وهي السلاح. و"غَبَرَ": بقي، وهو من الأضداد. "الثَّغْب": الموضع المطمئنُّ في الجبل يستنقع فيه الماء. و"الصَّفْو": الصافي، و"الكدر": المتغير. * * * (25) باب الجعائل والحُمْلان في سبيل اللَّه، والتزوُّد لذلك، وقوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا} [البقرة: 197] وقال مجاهد: قلت لابن عمر: الغزو، قال: إني أحب أن أُعينك بطائفة ¬
من مالي، قلت: أَوْسَعَ اللَّه عليّ، قال: إن غناك لك، وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه. وقال عمر: إن ناسًا يأخذون من هذا المال ليجاهدوا ثم لا يجاهدون، فمن فَعَلَ فنحن أحقُّ بماله حتى نأخذ منه ما أخذ. وقال طاوس ومجاهد: إذا دُفِعَ لك شيء تخرج به في سبيل اللَّه، فاصنع به ما شئت، وَضَعْهُ عند أهلك (¬1). 1411 - وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب: حَمَلْتُ على فَرَس في سبيل اللَّه، فرأيته يباع، فسألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: آشتريه؟ فقال: "لا تشتره، ولا تَعُدْ في صدقتك". 1412 - وعن سلمة بن الأكوع قال: خَفَّتْ أزواد الناس وأَمْلَقُوا، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نَحْرِ إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل عمر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ناد في الناس يأتون بفَضْلِ أزوادهم"، فدعا وبَرَّك عليه، ثم دعا بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم ¬
قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، وأني رسول اللَّه". 1413 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: خرجنا ونحن ثلاث مئة نحمل زادنا على رقابنا، ففني زادُنَا حتى كان الرجل منا يأكل في كل يوم تمرةً، قال رجل: يا أبا عبد اللَّه! وأين كانت التمرة تقع من الرجل؟ قال: لقد وجَدْنا فَقْدَها حين فقدناها، حتى أتينا البحر، فإذا حوتٌ قذفه البحر، فأكلنا منها (¬1) ثمانية عشر يومًا ما أحببنا (¬2). "أملقوا": افتقروا. * * * ¬
خدمة السنة النبوية سلسلة مؤلفات الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب (1) اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ - رحمه الله تعالى - تحقيق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب [المجلد الثالث]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة سلسلة مؤلفات الْأُسْتَاذ الدكتور رفعت فوزي عبد الْمطلب (1) اخْتِصَار صَحِيح البُخَارِيّ وَبَيَان غَرِيبه [3]
دار النوادر المؤسس والمالك نور الدين طالب مؤسسة ثقافية علمية تُعنى بالتراث العربي والإسلامي والدارسات الأكاديمية والجامعية المتخصصة بالعلوم الشرعية واللغوية والإنسانية تأسست في دمشق سنة 1422 هـ - 2002 م، وأشهرت سنة 1426 هـ - 2006 م. سوريا - دمشق - الحلبوني ص. ب: 34306 الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م E-mail: [email protected] Website: www.daralnawader.com
26 - باب من قال: أن الأجير يسهم له، وإجارة الفرس بجزء مما يغنم عليه
تابع (35) كتاب الجهاد والسير (26) باب من قال: أن الأجير يسهم له، وإجارة الفرس بجزءٍ مما يغنم عليه وقال الحسن وابن سيرين: يسهم للأجير من المغنم. وأخذ عطية بن قيس فرسًا على النصف، فبلغ سهم الفرس أربع مئة دينار، فأخذ مئتين وأعطى صاحبه مئتين. 1414 - عن صفوان بن يَعْلَى، عن أبيه قال: غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غزوة تبوك، فحَمَلتُ على بَكْرٍ -فهو أوثق أعمالي في نفسي- فاستأجرت أجيرًا، فقاتل رجلًا، فعَضَّ أحدهما الآخر، فانتزع يده من فيه، ونزع ثَنِيَّتَهُ، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأهدرها، فقال: "أَيَدْفَعُ يَدَهُ إليك فتقضمها كما يقضم الفحل؟ ". القَضْم: الأكل بمقدم الأسنان. والخَضْم: بالفم كله. * * * _______ 1414 - خ (2/ 351 - 352)، (56) كتاب الجهاد والسير، (125) باب الأجير، من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه به، رقم (2973).
27 - باب النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو، وعن الوحدة في السفر
(27) باب النهي عن السَّفَرِ بالمصحف إلى أرض العدو، وعن الوِحْدَة في السَّفَر 1415 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يُسَافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو. يعني بذلك: المصحف، بدليل قول ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه سافروا في أرض العدو وهم يَعْلَمُون القرآن. وقال مالك: إنما نهى عن ذلك مخافة أن يَنَالَهُ العدو. 1416 - وعن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكبٌ بليل وحده" (¬1). * * * ¬
28 - باب تواضع الإمام بأن يردف خلفه، وجواز ركوب اثنين على حمار
(28) باب تواضع الإمام بأن يُرْدِفَ خلفه، وجواز ركوب اثنين على حمار 1417 - وعن عبد اللَّه -هو ابن عمر-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفًا أسامة بن زيد، ومعه بلال وعثمان بن طلحة من الحَجَبَةِ حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، ففتح ودخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه أسامة وبلال وعثمان، فمكث فيها نهارًا طويلًا، ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد اللَّه بن عمر أول من دخل، فوجد بلالًا وراء الباب قائمًا، فسأله: أين صلى النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه. قال عبد اللَّه بن عمر: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة؟ 1418 - وعن أسامة بن زيد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركب على حمار على إِكَافٍ عليه قطيفة، وأردف أسامة وراءه (¬2). * * * ¬
29 - باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به، وجواز خروجه وحده إذا وقع فزع
(29) باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به، وجواز خروجه وحده إذا وقع فَزَعٌ 1419 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون، من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصاني فقد عصى اللَّه، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جُنَّةٌ؛ يقاتل من وراءه ويُتَّقَى به، فإن أمر بتقوى اللَّه وعَدَل فإن له بذلك أجرًا، وإن قال بغيره فإن عليه منه". 1420 - وعن أنس بن مالك قال: فزع الناس -في رواية (¬1): في المدينة- فركب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال "لم تُرَاعُوا، إنه لبَحْرٌ"، قال: فما سُبِقَ بعد ذلك اليوم. ¬
30 - باب الجهاد بإذن الأبوين، وهل يؤذن في التخلف لمن خرجت امرأته حاجة؟
الغريب: "جُنَّةٌ": وقاية، و"وراء": ظاهرها بمعنى: خلف، وقد استعملت بمعنى أمام؛ كما قال تعالى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79]؛ أي: أمامهم، وهي هنا محتملة للمعنيين. و"الرَّكْضُ": ضرب من السير السريع. وقوله: "إنه لبحر"؛ يعني: أن الفرس وجده كثيرَ الجري، واسع الخطو، وسمي البحر بحرًا لسعته. * * * (30) باب الجهاد بإذن الأبوين، وهل يؤذن في التخلف لمن خرجت امرأته حَاجَّة؟ 1421 - عن عبد اللَّه بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أَحَيُّ وَالِدَاك؟ " قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد". 1422 - وعن ابن عباس: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ، ولا تسافر المرأة إلَّا ومعها مَحْرَمٌ"، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه! _______ 1421 - خ (2/ 359)، (56) كتاب الجهاد والسير، (138) باب الجهاد بإذن الأبوين، من طريق شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس الشاعر، عن عبد اللَّه ابن عمرو به، رقم (3004). 1422 - خ (2/ 359)، (56) كتاب الجهاد والسير، (140) باب من اكتتب في جيش، فخرجت امرأته حاجة، أو كان له عذر هل يؤذن له؟ ، من طريق سفيان، عن عمرو، عن أبي معبد، عن ابن عباس به، رقم (3006).
31 - باب يقتل الجاسوس المشرك، وينظر في المسلم فإن ظهر له عذر ترك
اكتتبت من غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، قال: "اذهب فاحْجُجْ مع امرأتك". * * * (31) باب يُقْتَلُ الجاسوس المشرك، ويُنْظَرُ في المسلم فإن ظهر له عذر تُرِكَ 1423 - عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَيْنٌ من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انْفَتَلَ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اطلبوه واقتلوه"، فقتَلْتُهُ (¬1)، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. 1424 - وعن عليّ -هو ابن أبي طالب- قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا والزبير والمِقدَادُ، وقال: "انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإن بها ظَعِينةً، ومعها كتاب فخذوه منها"، فانطلقنا تُعَادَى بنا خيلنا حتى انتهينا ¬
إلى الروضة؛ فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخْرِجِي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنُلْقِيَنَّ الثياب، فأخرجته من عِقَاصِهَا، فأتينا به رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإذا فيه: من حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ إلى أناسٍ من المشركين (¬1) من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا حاطب ما هذا؟ " قال: لا تعجل عليَّ (¬2)، إني كنت امْرَءًا مُلْصَقًا في قريش، ولم أكن من أَنْفُسِهَا، وكان من (¬3) معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأَحْبَبْتُ إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يَدًا يَحْمُونَ بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال النبي (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد صدقكم"، قال عمر: يا رسول اللَّه! دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل اللَّه (¬5) قد اطَّلَعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". الغريب: "روضة خاخ": بخائين معجمتين، وهو موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلًا. وهذه المرأة يقال لها: سارة مولاة العباس بن عبد المطلب. ¬
32 - باب النهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب، فإن بيتوا في دارهم جاز ذلك
"والظعينة": المرأة في الهودج. و"تعادَى خيلنا": تجري. * * * (32) باب النهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب، فإن بُيِّتُوا في دارهم جَازَ ذلك 1425 - عن ابن عمر: أن امرأة وُجِدَتْ مقتولةً في (¬1) بعض مَغَازِي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنْكَرَ ذلك (¬2)، ونهى عن قتل النساء والصبيان. 1426 - وعن ابن عباس، عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَة قال: مرّ بي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأَبْوَاءِ -أو بِوَدَّانَ- فَسُئِلَ عن أهل الدار يُبَيَّتُونَ (¬3)، فيُصَابُ من نسائهم وذَرَارِيهم؟ قال "هم منهم" -وفي رواية (¬4): "هم من آبائهم"- وسمعته يقول: ¬
33 - باب الإمام يخير في قتل الأسارى، فإن اختار القتل فلا يحرقهم، وقوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء} [محمد: 4] وقد ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمامة بسارية من سواري المسجد
"لا حِمَى إلا للَّه ولرسوله (¬1) ". * * * (33) باب الإمام يُخَيَّر في قتل الأُسَارى، فإن اختار القَتْلَ فلا يحرقهم، وقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وقد ربط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَامَة بساريةٍ من سواري المسجد 1427 - عن أبي هريرة، النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَجِبَ اللَّه من قومٍ يدخلون الجنة في السَّلاسِل" (¬2). 1428 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: لمّا كان يوم بدر أُتِيَ (¬3) بأسارى، ¬
وأُتِيَ بالعبَّاسِ، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له قميصًا، فوجدوا قميص عبد اللَّه بن أبي يَقْدُرُ عليه، فكساه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إياه؛ فلذلك نزع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قميصه الذي ألبسه. قال ابن عُيَيْنَةَ: كانت له عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدٌ فَأَحَبَّ أن يكافئه. 1429 - وعن محمد بن جُبَيْر بن مُطْعِم، عن أبيه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في أُسَارَى بدر: "لو كان المُطْعَمُ بن عَدِيٍّ حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النَتْنَى لتركتهم له". 1430 - وعن عكرمة: أنَّ عليًّا حرَّق قومًا، فبلغ ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُعَذِّبُوا بعذاب اللَّه"، ولقتلتهم كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "من بَدَّلَ دِينَهُ فاقتلوه". 1431 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "قَرَصَتْ نملةٌ نَبِيًّا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى اللَّه إليه أَنْ قَرَصَتْكَ نملةٌ أحرقت أُمَّةً من الأمم تُسَبِّحُ". 1432 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عام الفتح وعلى _______ 1429 - خ، كتاب الجهاد والسير، (6) باب ما منَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الأسارى من غير أن يُخَمِّس، من طريق معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير به. 1430 - خ (2/ 363)، (56) كتاب الجهاد والسير، (149) باب لا يعذّب بعذاب اللَّه، من طريق سفيان، عن أيوب، عن عكرمة به، رقم (3017)، طرفه في (6922). 1431 - خ (2/ 364)، (56) كتاب الجهاد والسير، (153) باب، من طريق ابن شهاب، عن سعيد ابن المسيَّب وأبي سلمة، عن أبي هريرة به، رقم (3019)، طرفه في (3319). 1432 - خ (2/ 370)، (56) كتاب الجهاد والسير، (169) باب قتل الأسير، وقتل =
34 - باب النهي عن تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء، والحرب خدعة، وإعمال الحيلة في قتل العدو
رأسه المِغْفَرُ، فلما نزعه جاء رجل فقال: إنَّ ابن خَطَلٍ متعلقٌ بأستار الكعبة، قال: "اقتلوه". * * * (34) باب النهي عن تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء، والحرب خُدعَة، وإعمال الحِيلَةِ في قتل العدو 1433 - عن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو (¬1) انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس وقال (¬2): "أيها الناس (¬3)! لا تتمنوا (¬4) لقاء العدو، وسَلُوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم مُنْزِلَ الكتاب، ومُجْرِي السحاب (¬5)، وهازم الأحزاب! ¬
اهزمهم وانصرنا عليهم". 1434 - وفي الباب: عن أبي هريرة. 1435 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحرب خَدْعَة". 1436 - ونحوه عن أبي هريرة. 1437 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ لكعبِ ابن الأَشْرَفِ؛ فإنه قد آذى اللَّه ورسوله؟ "، قال محمد بن مَسْلَمَة: أتحب أن أَقْتُلَهُ يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم" -في رواية (¬1): فَأذَنْ لي فأقول قال: "قد فعلت"- قال: فأتاه فقال: إنَّ هذا -يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد عَنَّانا وسألنا الصدقة، قال: ¬
35 - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه. وقال الله -عز وجل-: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46].
وأيضًا واللَّه لَتُمَلُّنَّهُ (¬1). قال (¬2): فإنَّا قد (¬3) اتَّبَعْنَاهُ، فنكره أن ندعَه حتى ننظرَ إلى ما يصير إليه (¬4) أمره، قال: فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله. الغريب: "خَدْعة": فصيحها بفتح الخاء وسكون الدال؛ أي: المصدر؛ أي: ذات خداع، ويروى بضم الخاء وفتح الدال وسكونها، ويجري. هذأ بمجرى هزْأة وهُزَأة، فالسكون للمفعول، والفتح للفاعل. * * * (35) باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه. وقال اللَّه -عز وجل-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]. 1438 - عن سعيد بن أبى بُردة، عن أبيه، عن جده: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث ¬
معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، فقال: "يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا". 1439 - وعن أبي إسحاق -هو السبيعي- قال: سمعت البَرَاء بن عازب يحدث، قال: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرَّجَّالةِ يوم أُحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد اللَّه بن جُبَيْرٍ، فقال: "إن رأيتمونا تَخْطَفُنا الطيرُ، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أُرْسِل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأَوْطَأنَاهُمْ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم"، فهزمهم (¬1)، قال: فأنا واللَّه رأيت النساء يَشْدُدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخيلُهن (¬2) وأَسُوقُهِنَّ رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد اللَّه بن جبير: الغنيمةَ أَيْ قوم (¬3)! ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد اللَّه بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالوا: واللَّه لنأتين الناس، فلنُصِيبَنَّ من الغنيمة، فلما أتوهم صُرِفَتْ وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أُخْرَاهم، فلم يبق مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومئة، سبعين أسيرًا (¬4) وسبعين قتيلًا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن ¬
36 - باب هل يستأسر الرجل عند الغلبة، ووجوب فك الأسير المسلم
أبي قُحَافَة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قُتِلُوا، فما ملك عمر نفسه، فقال: كذبت واللَّه يا عدو اللَّه، إن الذين عَدَدتَ لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يَسُوؤك، قال: يومٌ بيومِ بَدْرٍ والحرب سِجَالٌ، قال (¬1): إنكم ستجدون في القوم مُثْلَةً لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: اعْلُ هُبَل اعْلُ هبل، فقال (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تجيبوه (¬3)؟ " قالوا: يا رسول اللَّه! ما نقول؟ قال: "قولوا: اللَّه أعلى وأَجَلُّ"، قال: إن لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تجيبوه (¬4)؟ " قالوا: يا رسول اللَّه! ما نقول؟ قال: "قولوا له (¬5): اللَّه مولانا ولا مولى لكم". * * * (36) باب هل يستأسر الرجل عند الغلبة، ووجوب فك الأسير المسلم 1440 - عن أبي هريرة قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرةَ رَهْطٍ سرية ¬
عَيْنًا، وأَمَّرَ عليهم عاصمَ بن ثابت الأنصاري جدَّ عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدَأَةِ -وهو بين عُسْفَان ومكة- ذُكِرُوا لحَيٍّ من هُذَيْل يقال لهم: بنو لَحْيَان، فنفروا له قريبًا من مئتي رجل كلهم رَامٍ، فاقْتَصُّوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما راهم عاصم وأصحابه، لَجَؤوا إلى فَدْفَدٍ، وأحاط بهم القوم، فقالوا (¬1): انزلوا فيعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق لا نقَتل (¬2) منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فواللَّه لا أنزل اليوم في ذمة كافرٍ، اللهم أخبر عَنَّا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصمًا في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خُبَيْبُ الأنصاري وابن دَثِنَة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أَطْلَقُوا أوتار قِسِيِّهم فأوثَقُوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، واللَّه لا أصحبكم، إنَّ في هؤلاء (¬3) لأسوة -يريد القتلى- فجَرَّروه (¬4) وعالجوه على أن يصحبهم فأبى (¬5) فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر ¬
ابن ربيعة بن عبد مناف (¬1)، وكان خبيب عندهم أسيرًا، فأخبرني عبيد اللَّه بن عياض: أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها مُوسَى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابنًا في وأنا غافلة حتى أتاه، قالت: فوجدته مُجْلِسَهُ على فخذه، والموسى بيده، ففزعت فَزْعَةً عرفها خبيب في وجهي، قال: تَخْشَيْنَ أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، واللَّه ما رأيت أسيرًا خيرًا (¬2) من خبيب، واللَّه لقد وجدته يومًا يأكل من قِطْفِ عِنَبٍ في يده وإنه لمُوثَق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه اللَّه خبيبًا (¬3)، فلما خرجوا من الحَرَمِ ليقتلوه في الحل، قال لهم (¬4) خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جَزَع لطولتها (¬5)، اللهم أَحْصِهم عَدَدًا. ولست أبالي (¬6) حين أقتل مسلمًا ... على أيِّ شِقٍّ كان للَّه مَصْرَعي وذلك في ذات الإله وإن يَشَأْ ... يُبَارِك على أَوْصَالٍ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سَنَّ الركعتين لكل امرئ مسلم قُتِلَ صَبرًا، فاستجاب اللَّه لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابَه ¬
خبرَهم يوم أُصيبوا، وبعث ناسٌ من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قُتِلَ ليؤتوا بشيء منه يُعرَفُ، وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم يوم بدر، فبعث اللَّه على عاصم مِثلَ الظُّلَّةِ من الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ من رسولهم، فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئًا. 1441 - وعن أبي موسى قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُكُّوا العَانِي -أي الأسير- وأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وعُودُوا المريض". 1442 - وعن أبي جُحَيْفَة قال: قلت لعليٍّ -رضي اللَّه عنه-: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب اللَّه؟ قال: لا والذي فلق الحَبَّة وبَرَأَ النَّسَمَة، ما أعلمه إلا فَهم (¬1) يعطيه اللَّه رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العَقْلُ، وفكاك الأسير، وأن لا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافر. الغريب: "الشِّق": الجانب. و"الشِلْو": بقية الجسم. و"ممزَّع": مُقَطَّع. و"صبرًا": أي: مصبورًا؛ أي: محبوسًا للقتل. "الظُّلَّةُ": السحابة القريبة من الرأس كأنها تظله. "الدَّبْر": الزنانير. و"حمته": منعته. * * * ¬
37 - باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
(37) باب كيف يُعرَضُ الإسلام على الصبي؟ 1443 - عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه: أنه أخبره أن عمر انطلق في رَهْطٍ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَل ابن صَيَّاد، حتى وجدوه يلعب مع الغِلمان عند أُطُمِ بني مَغَالَةَ، وقد قارب يومئذ ابنُ صياد يحتلم، فلم يشعر حتى ضرب النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهرَه بيده، ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتشهد أني رسول اللَّه؟ "، فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأُمِّيين، قال ابن صياد للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتشهد أني رسول اللَّه؟ قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آمنت باللَّه ورسوله" (¬1)، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "ماذا ترى؟ "، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُلِطَ عليك الأَمْرُ"، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني قد خَبَّأتُ لك خَبأً (¬2) "، قال ابن صياد: هو الدُّخُّ، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخْسَأْ، فلن تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، قال عمر: يا رسول اللَّه! ائذن لي أضرب عنقه (¬3)، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن يكن هو فلن (¬4) تُسَلَّطَ عليه، وإن لم يكن هو فلا ¬
خير لك في قتله". قال ابن عمر: انطلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بن كعب يأتيان النخل الذي فيه ابن صياد، حتى إذا دخل النخل طَفِقَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتِلُ أن يسمعَ من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رَمْزَةٌ، فرأت أمُّ ابن صياد (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: أَيْ صافِ -وهو اسمه- فثار ابنُ صياد، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو تركته بَيّنَ". وقال سالم: قال ابن عمر: ثم قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: "إني أنذركموه، وما من نبي إلا قَدْ أَنْذَرَهُ قومَه، لقد أنذره نوح قومَه، ولكن سأقول لكم فيه قولًا لا يقله (¬2) نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وإن اللَّه ليس بأعور". الغريب: "ابن صياد": هذا غلام من اليهود، وكان يتكهن أحيانًا فَيَصْدُق ويَكْذِب، فشاع حديثه، وتحدث الناس أنه الدجال، ولم يبين اللَّه لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا من ذلك، فاشكل أمرُهُ، فأخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسلك طرقًا يختبر حاله بها، كما ذكر في هذا الحديث وفي غيره، وقد أشكل أمره على ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة كما في "كتاب مسلم" وغيره. وقوله عليه السلام: "خُلِّطَ عليك"؛ أي: الشيطان أتى خلط عليه الحق ¬
38 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نصرت بالرعب"، وقول الله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [آل عمران: 151]
بالباطل على عادة الكهان. وقوله عليه السلام: "خَبَّأْتُ لك خَبْأ" قيل: إنه معناه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أضمر له في نفسه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، و (الدُّخُّ) لغة في الدخان. و"يَخْتِل": يَتَحَيَّل. و"القَطِيفَةُ": كساء من صوف غليظ له خَمَل؛ أي: زبير، ووقع هنا "رمزة" براء وزاي، من الرمز، وهو الصوت الخفي هنا الذي يَرمزُ إلى المعنى؛ أي: يشير إليه. وفي "كتاب مسلم": (رمرمة) و (زمزمة) برائين وبزائين، وهما متقاربان في المعنى، ويعني به -واللَّه أعلم-: صوت النائم المُواجَع. * * * (38) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بالرُّعْبِ"، وقول اللَّه تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [آل عمران: 151] وقد تقدم في حديث هرقل (¬1) قول أبي سفيان: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كَبْشَةَ؛ إنه ليخافه مَلِكُ بني الأصفر. ¬
39 - باب إمداد الإمام بالمدد وكتبه للناس، ومن تأمر عند الضرورة من غير تأمير
1444 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بُعِثْتُ بجوامع الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعب، وبَيْنَا أنا نائم أُتِيتُ (¬1) بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي"، قال أبو هريرة: فذهب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنتم تَنْتَثِلُونها. الغريب: "أَمِرَ": علا وكثر. و"أبو كبشة": جدُّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُمِّهِ، واسمه: وهب، وقد تقدم (¬2). و"بنو الأصفر": الروم، نسبوا إلى الأصفر بن الروم. و"جوامع الكلم": هي الكلمات الوجيزة المشتملة على حِكَم كثيرة، وفوائد عظيمة، كما جاء ذلك في الكتاب والسُّنَّة. و"الرعب": الفزع. و"تَنْتَثِلُونها": تستخرجون ما فيها. * * * (39) باب إمداد الإمام بالمدد وكتبه للناس، ومن تأمَّرَ عند الضرورة من غير تَأْمِير 1445 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتاه رِغلٌ وذكوان وعُصَيَّة ¬
وبنو لِحْيَان، وزعموا (¬1) أنهم قد أسلموا واسْتَمَدُّوه على قومهم، فأمَدَّهُمُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبعين من الأنصار -قال أنس: كنا نسميهم القُرَّاءُ، يَخطِبُونَ بالنهار ويُصَلُّون بالليل- فانطلقوا بهم، حتى بلغوا بئرَ مَعُونَة غدروا بهم وقتلوهم، فقنت شهرًا يدعو على رِعْلٍ وذَكْوَان وبني لِحيَان، وقال أنس: أنهم قرؤوا بهم قرانًا: أَلَا بَلِّغُوا عنا (¬2) قومنا بأنا قد لقينا ربنا، فرَضِيَ عَنَّا وأرضانا، ثم رُفعَ ذلك بَعْدُ. 1446 - وعن حذيفة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام" (¬3)، وكتبنا له ألفًا وخمس مئة، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمس مئة؟ فلقد رأيتنا ابْتُلِينَا، حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف (¬4). ¬
40 - باب إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون فهي لهم، وكم يقيم الإمام في العرصة التي غلب عليها؟
1447 - وعن أنس بن مالك قال: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أخذ الراية زيدٌ فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رَوَاحَة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إِمْرَةٍ ففتح اللَّه عليه، فما يسرني (¬1) -أو قال: يَسُرُّهم (¬2) - أنهم عندنا"، وإن عينيه (¬3) لتذرفان. * * * (40) باب إذا أسلم قومٌ في دار الحرب، ولهم مال وأرضون فهي لهم، وكم يقيم الإمام في العَرْصَةِ التي غلَبَ عليها؟ 1448 - عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول اللَّه! أين تنزل غدًا؟ -في حجه (¬4) - قال: "وهل ترك لنا عَقيلٌ منزلًا؟ ! ثم قال: نحن نازلون غدًا ¬
بخِيف بني كِنَانَة المُحَصَّب؛ حيث قَاسَمَتْ قريشٌ على الكفر، وذلك أنَّ بني كِنَانَة حَالفت قريشًا على بني هاشم أَلَّا يُبَايِعُوهم ولا يؤوهم". قال الزهري: والخَيْفُ: الوادي. 1449 - وعن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمر بن الخطاب استعمل مولًى له يُدعَى هُنَيًّا على الحِمَى، فقال: يا هُنَيُّ! اضْمُمْ جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم (¬1)؛ فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ ورَبَّ الغُنَيْمَةِ، وإيَّاي ونَعَمَ ابن عوف، ونعم ابن عفان؛ فإنهما إن تَهْلِكْ ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل (¬2)، وإن ربَّ الصَّرَيْمَة وربَّ الغُنَيْمَةِ إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين (¬3)، أفأتركهم أنا لا أبَالَكَ؟ فالماء والكلأ أيسر عليَّ من الذهب والوَرِق، وايْمُ اللَّه إنَّهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أَحْمِلُ عليه في سبيل اللَّه، ما حَمَيْتُ عليهم من بلادهم شبرًا. ¬
41 - باب إذا غنم المشركون مال مسلم، ثم وجد فهو أحق به
1450 - وعن أنس عن أبي طلحة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه كان إذا ظهر على قومٍ أقام بالعَرصَةِ ثلاث ليال. الغريب: "الحِمَى": ما يُحْمَى من المرعى؛ أي: يُمنعَ من الرعي. و"الصُّرَيْمَة": تصغير الصِّرمَة، وهي القطعة من الإبل. و"الكلأ": مهموزًا الأخضر من الحشيش، والمال هنا الإبل. و"العَرْصَةُ": موضع النزول. * * * (41) باب إذا غنم المشركون مالَ مسلمٍ، ثم وُجِدَ فهو أحق به 1451 - عن نافع: أنَّ عبدًا لابن عمر أَبَقَ فلحق بالروم، فظهر عليه خالد فردَّه على عبد اللَّه، وإن فَرَسًا لابن عمر عَارَ فلحق بالروم فظهر عليه، فردُّوه على عبد اللَّه. 1452 - وعنه، عن ابن عمر: أنه كان على فَرَسٍ يوم لَقِيَ المسلمون _______ 1450 - خ (2/ 377 - 378)، (56) كتاب الجهاد والسير، (185) باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثًا، من طريق روح بن عُبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة به - رقم (3065)، طرفه في (3976). 1451 - خ (2/ 378)، (56) كتاب الجهاد والسير، (187) باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم، من طريق محمد بن بشار، عن يحيى، عن عبيد اللَّه، عن نافع به، رقم (3068)، طرفه في (3067). 1452 - خ (2/ 378)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق زهير، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (3069).
42 - باب تحريم الغلول وإن قل، وقول الله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]
وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد، بعثه أبو بكر فأخذه العدو، فلما هزم العدو رَدَّ خالدٌ فرسَه. قال البخاري: "عَارَ": مشتق من العَير، وهو حمار وَحْشٍ؛ أي: هرب. * * * (42) باب تحريم الغلول وإن قلَّ، وقول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] 1453 - عن أبي هريرة قال: قام فينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر الغُلُول فعَطمَهُ وعَظَّم أمره، وقال: "لا ألفِيَنَّ (¬1) أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغَاءٌ، على رقبته فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، يقول: يا رسول اللَّه! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعيرٌ له رُغَاءٌ، يقول: يا رسول اللَّه! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، وعلى رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول اللَّه! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، أو على رقبته رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيقول: يا رسول اللَّه! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك". ¬
43 - باب المنع من المبادرة إلى ذبح المواشي من الغنيمة إذا أمكنت القسمة وقرت، وجواز أكل الطعام قبل القسمة
1454 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: كان على ثَقَل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل يقال له: كَرْكَرَة، فمات، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو في النار" فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عَبَاءَةً قد غَلَّها. قال البخاري: ولم يذكر عبد اللَّه بن عمرو عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه حَرَّق متاعه، وهذا أَصَحُّ. الغريب: "الغُلُول": ما يؤخذ من الغنيمة بغير قَسْمٍ. و"لا أُلْفِيَنَ": لا أَجِدَنَّ. "والصامت": يعني به: الذهب والفضة، وما أشبههما من جواهر الأرض. و"الثَقَل": بفتح الثاء والقاف العيال، وما يثقل من الأمتعة. * * * (43) باب المنع من المبادرة إلى ذبح المواشي من الغنيمة إذا أمكنت القسمة وقرت، وجواز أكل الطعام قبل القسمة 1455 - عن عَبَايَة بن رِفَاعة، عن جده رافع قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- _______ 1454 - خ (2/ 380)، (56) كتاب الجهاد والسير، (190) باب القليل من الغلول، من طريق سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد اللَّه بن عمرو به، رقم (3074). 1455 - خ (2/ 380)، (56) كتاب الجهاد والسير، (191) باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم، من طريق أبي عوانة، عن سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة، عن جده رافع به، رقم (3075).
بذي الحُلَيْفَة، فأصاب الناسَ جوعٌ، وأصبنا إبلًا وغنمًا، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أُخْرَيَاتِ الناس، فعجلوا فنصبوا القدور، فأمر بالقدور فأُكْفِئَتْ، ثم قَسَمَ فعدل عشرةً من الغنم ببعير، فندَّ منها بعيرٌ وفي القوم خيل يسير (¬1) فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم، فحبسه اللَّه، فقال: "هذه البهائم لها أَوَابِدُ كأوابد الوحشِ، فما ندَّ عليكم فاصنعوا به هكذا"، فقال جَدِّي: إنا نرجو -أو نخاف- أن نلقى العدو غدًا وليس معنا مُدى، أفنذبح بالقَصَب؟ فقال: "ما أنهر الدَّمَ، وذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه فَكُلْ ليس السّنَّ والظُّفْرَ، وسأحدثكم عن ذلك: أما السِّنُّ فعظْمٌ، وأما الظُّفْر فمُدَى الحبشةَ". 1456 - وعن عبد اللَّه بن مُغَفَل قال: كنا مُحَاصِرِينَ قصرَ خيبر، فرمى إنسان بجراب شحم، فَنَزَوْتُ لآخذه، فالتفتُّ فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستحييت منه. الغريب: "الأَوابِد": النوافر جمع آبدَة. "ونَدَّ": امتنع بالهرب. و"هكذا": إشارة إلى رميها. و"المدى": السكاكين. و"أنهر الدم": أساله، و"ليس": استثناء بمعنى إلا. وقوله: "أما السّنّ فعظم. . . إلى آخره"، قد جاء مفسَّرًا في بعض رواياته ¬
44 - باب البشارة بالفتح، واستقبال الغزاة إذا رجعوا
فقال: "أما السّنُّ فَنَهْشٌ، وأما الظُّفْر فخَنْق". و"نزوت": معناه: وثبت. * * * (44) باب البشارة بالفتح، واستقبال الغزاة إذا رجعوا 1457 - وعن جَرِير بن عبد اللَّه قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تريحني من ذي الخَلَصَةِ؟ " -وكان بيتًا فيه خَثْعَمُ يسمي الكعبة (¬1) اليمانية- فانطلقتُ في خمسين ومئة من أَخمس -وكانوا أصحاب خيل- فأخبرت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أني لا أَثْبُتُ على الخيل، فضرب في صدري، حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: "اللهم ثَبِّتْهُ، واجعله هاديًا مَهْدِيًّا"، فانطلق إليها فكسرها وحَرَّقها، فأرسل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبشره، فقال رسول جرير لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي بعثك بالحق (¬2) ما جئتك حتى تركتها كأنها (¬3) جمل أجرب، فبارَك على خيل أَحْمَس ورجالها خمس مراتٍ. في رواية (¬4): بيت في خثعم. ¬
45 - باب ما يقول إذا رجع من الغزو، والابتداء بالصلاة في المسجد والطعام عند القدوم
1458 - وعن ابن أبي مُلَيْكَةَ قال: قال ابن الزبير لابن جعفر: أتذكر إذ تلقينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا وأنت وابن عباس؟ قال: نعم، فَحَمَلَنَا وتركك. 1459 - وعن السائب بن يزيد قال: ذهبنا نتَلَقَّى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع الصبيان إلى ثَنِتةِ الوداع. * * * (45) باب ما يقول إذا رجع من الغزو، والابتداء بالصلاة في المسجد والطعام عند القدوم 1460 - عن عبد اللَّه -هو ابن عمر-: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قَفَلَ كبَّر ثلاثًا، وقال: "آيبون إن شاء اللَّه، تائبون عابدون حامدون، لربنا ساجدون، صدق اللَّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". ¬
1461 - وعن أنس بن مالك قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَقْفَلَهُ من عُسْفَانَ، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على راحلته وقد أردف صفية بنت حُيَيّ، فعثرت ناقته، فصُرِعَا (¬1) جميعًا، فاقتحم أبو طلحة، فقال: يا رسول اللَّه! جعلني اللَّه فداك، قال: "عليك المرأة"، فقلب ثوبًا على وجهه، وأتاها فألقاه عليها، وأصلح لهما مركبهما، فركبا واكتنفنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أشرفنا على المدينة، قال: "آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون"، فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة. 1462 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ، فلما قدمنا المدينة، قال لي: "ادخل المسجد، فصل ركعتين". 1463 - وعن كعب: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قَدِمَ من سفر ضُحًى، دخل المسجد، فصلى ركعتين قبل أن يجلس. 1464 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قدم المدينة نحر ¬
46 - باب قسمة الغنيمة، ومصرف الخمس
جَزُورًا أو بقرةً. 1465 - وعنه أيضا قال: اشترى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعيرًا بأوقيتين ودرهم أو دِرهمَيْن، فلما قدم صِرارًا (¬1) أمر ببقرة فذُبِحَتْ، فأكلوا منها، فلما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، أمرني أن آتي المسجد، فأصلي ركعتين، ووزن ثمن البعير (¬2). * * * (46) باب قسمة الغنيمة، ومصرف الخُمُس 1466 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمر بن الخطاب قال: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قَسمْتُها بين أهلها كما قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر. 1467 - وعن حُسَيْن بن عليٍّ: أنَّ عليًّا -رضي اللَّه عنهما- قال: كانت لي شَارِفٌ من ¬
نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاني شارفًا من الخُمُسِ، فلما أردت أن أَبْتَنِي بفاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَاعَدْتُ رجلًا صَوَّاغًا من بني قينقاع أن يرتحل معي، فنأتي بإذْخِر أردتُ أن أبيعَهُ من الصَّوَّاغِينَ، وأستعين به في وليمة عرسي، فَبَيْنَا أنا أجمع لشارفيَّ متاعًا من الأَقْتَابِ والغَرَائِرِ والحبال، وشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إلى جنب حُجْرَةِ رجلٍ من الأنصار، فرجعت حين جمعتُ ما جمعت؛ فإذا شارفاي قد اجْتُبَّتْ (¬1) أَسْنِمَتُها (¬2)، وبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وأُخِذَ من أكبادهما، فلم أملك عَيْنَيَّ حين رأيت ذلك المنظر منهما، فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعل حمزةُ بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شَرْبٍ من الأنصار، فانطلقت حتى أدخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده زيد ابن حارثة، فعرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهي الذي لقيته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "مالك؟ " فقلت: يا رسول اللَّه! ما رأيت كاليوم قطُّ، عَدَا حمزةُ على ناقتيَّ، فاجْتَبَّ (¬3) أسنمتهما، وبَقَرَ خواصرهما، وها هو (¬4) في بيت معه شَرْب، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي، واتبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا لهم؛ فإذا هم شَربٌ، فطفق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يلوم حمزة فيما فعل؛ فإذا حمزة قد ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عيناه، فنظر حمزة إلى ¬
47 - باب مصرف الفيء وقصة تبوك
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صَعَّد النظر، فنظر إلى ركبته (¬1)، ثم صَعَّدَ النظر، فنظر إلى وجهه (¬2)، ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيدٌ لأبي؟ فعرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قد ثَمِلَ، فنكص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عَقِبَيْهِ القَهْقَرى، وخرجنا معه. الغريب: "الشَّارِف": المُسِنُّ من الإبل. و"اجْتُبَّتْ": قطعت. و"بُقِرَتْ": نُقِرَتْ. و"الأقتاب": جمع قَتَبِ، وهي أداة الرَّحْلِ. و"الشَرْب": بفتح الشين، الجماعة على الشراب. و"طفق": أخذ وجعل. و"ثَمِل": سكران، و"نَكَص": رجع. وكان هذا قبل تحريم الخمر، واللَّه أعلم. * * * (47) باب مصرف الفيء وقصّة تبوك (¬3) 1468 - عن عروة بن الزبير: أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن فاطمة ¬
بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سألتْ أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَقْسِمَ لها ميراثها مما (¬1) ترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما أفاء اللَّه عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نُورَث، ما تركناه صدقة"، فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَهجَرَتْ أبا بكر، فلم تزل مهاجرةً (¬2) له حتى توفيت، وعاشت بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ستة أشهر، قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من خيبر وفَدَكَ وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعمل به إلا عملت به؛ فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة، فدفعها عمرُ إلى عليّ وعباس، وأمّا خيبر وفَدَك فأمسكهما (¬3) عمر، وقال: هما صدقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانت (¬4) لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأَمْرُهما إلى من وَلِي الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم. 1469 - وعن مالك بن أَوْسِ بن الحَدَثَانِ قال: بينما أنا جالس في أهلي حين مَتَعَ النهار؛ إذا رسولُ عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أَجِبْ ¬
أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر؛ فإذا هو جالس على رِمَالِ حصير (¬1)، ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عليه، ثم جلست، فقال: يا مَالِ! إنه قَدِمَ علينا من قومك أهلُ أبياتٍ، وقد أمرت فيهم برَضْخ، فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين! لو أمرت به غيري، قال: فاقبضه أيّها المرء، فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يَرْفَأُ، وقال (¬2): هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟ قال: نعم، فأَذِنَ لهم، فدخلوا فسَلَّمُوا وجلسوا، ثم جلس يَرْفَأُ يسيرًا، ثم قال: هل لك في عليٍّ وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما، فدخلا فسَلَّما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا -وهما يختصمان فيما أفاء اللَّهُ على رسوله من بني النضير- فقال الرهط -عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين! اقْضِ بينهما، وأَرِحْ أحدهما من الآخر، قال عمر: تَيْدَكُم (¬3)، أَنْشُدكم باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نورث، ما تركناه صدقة"؟ يريد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه، قال الرهط: قد كان ذلك، فأقبل عمر على عليّ وعباس، فقال: أَنْشُدُكما باللَّه (¬4) تعلمان أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قال ذلك؟ قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن اللَّه قد خص رسوله في هذا ¬
الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: {وَمَا أَفَاءَ (¬1) اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إلى قوله: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6]، فكانت هذه خالصة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2)، واللَّه ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، قد أعطاكموها (¬3)، وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفق على أهله نفقة سَنَتِهِمْ من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مَجْعَلَ مال اللَّه، فعمل بذلك رسول اللَّه حياته (¬4)، أَنْشُدُكم باللَّه هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم قال لعلي وعباس: أَنْشُدُكما باللَّه (¬5) هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى اللَّهُ نبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى اللَّه أبا بكر، فكنت أنا وفي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما عمل فيها أبو بكر، واللَّه يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكَلِمَتُكُما واحدة، وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا -يريد: عليًّا- يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نُورَثُ، ما تركناه صدقة"، ¬
فلما بدا لي أن أدفعه إليكما، قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أنَّ عليكما عهد اللَّه وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها مذ (¬2) وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فَأَنْشُدُكم باللَّه هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على عليّ وعباس، فقال: أَنْشُدُكما باللَّه هل دفعتها إليكما بذلك؟ قال: نعم، قال: فَتَلْتَمِسان مني قضاء غير ذلك؟ فواللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي بينكما (¬3) قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليَّ؛ فإني أَكْفِيكُماها. الغريب: "الزيغ": الميل، خاف أبو بكر أن يتميل عن الحق إلى غيره. "تَعْرُوه": تنزل وتصيبه. و"مَتَع النهارُ": اشتد حره وارتفع. و"يَا مَالِ": تَرْخِيم مالك. و"الرَّضْخ": ما يعطى بغير تقدير. و"هل لك": فيه حَذفٌ، أي: إذن. و"الفيء": هنا ما غنم بغير قتال، وأصله الرجوع. و"أوجَفْتُم": أسرعتم. و"الرَّكَاب": الإبل. و"اختارها": حازها. و"بثها": فَرَّقها. و"تلتمسان": تطلبان. * * * ¬
48 - باب ما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته
(48) باب ما ترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته 1470 - عن أبي إسحاق -هو السّبيعي- قال: سمعت عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا سلاحه وبغلته البيضاء، وأرضًا تركها صدقة. 1471 - وعن أنس: أن أبا بكر لما استُخْلِفَ بعثه إلى البحرين، وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: (محمد) سطر، و (رسول) سطر، و (اللَّه) سطر. 1472 - وعن عيسى بن طَهْمَانَ قال: أخرج إليَّ أنسٌ نعلَيْن جَرْدَاوتين (¬1) لهما قِبَالَان (¬2)، فحدثني ثابت البُنَانِي بَعْدُ عن أنس: أنهما نعلا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
1473 - وعن أبي بردة قال: أَخْرَجَتْ إلينا عائشة كساءً مُلَبَّدًا، وقالت: في هذا نزُعَ روحُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي رواية (¬1): إزارًا غليظًا مما يُصْنعُ باليمين -وكساءً من هذه التي تدعونها المُلَبَّدَةَ. 1474 - وعن ابن سيرين، عن أنس بن مالك؛ أنَّ قَدَحَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشَّعْبِ سلسلة من فضة. قال عاصم -وهو الراوي عن ابن سيرين-: رأيت القدح، وشربت فيه. 1475 - وعن عليَّ بن حسين: أن المِسْوَر بن مخرمة لقيه حين قدموا المدينة من عند يزيد ابن معاوية مقتل حسين بن علي رحمه اللَّه، فقال له: هل أنت مُعْطِيَّ سيفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايْمُ اللَّه لئن أعطيتنيه لا يُخْلَصُ إليه أبدًا حتى تَبْلُغَ نَفْسِي. . . الحديثَ، وسيأتي إن شاء اللَّه. * * * ¬
49 - باب قول الله -عز وجل-: {فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41]
(49) باب قول اللَّه -عز وجل-: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] قال البخاري: يعني: للرسول قَسْمُ ذلك، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما أنا قاسم وخازن واللَّه يعطي". 1476 - عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: وُلِدَ لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقالت الأنصار: لا نَكْنِيكَ أبا القاسم، ولا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه! ولد في غلام، فسميته القاسم، فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم، ولا نُنْعِمُك عينًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحسنتِ الأنصارُ، تَسَمَّوْا باسمي، ولا تَكَنُّوا بكُنْيتي، فإنما أنا قاسم". 1477 - وعن معاوية قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين، واللَّه المعطي، وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم، حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون". 1478 - وعن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما أُعْطِيكُمْ، _______ 1476 - خ (2/ 392 - 393)، (57) كتاب فرض الخمس، (7) باب قول اللَّه تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}؛ يعني: للرسول قسم ذلك، من طريق سفيان، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (3115)، أطرافه في (3114، 3538، 6186، 6187، 6189، 6196). 1477 - خ (2/ 393)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية به، رقم (3116). 1478 - خ (2/ 393)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق فليح، عن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة به، رقم (3117).
50 - باب تحليل الغنائم وقول الله -عز وجل-: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} [الفتح: 20] الآية
ولا أمنعكم، أنا قاسم أضع حيث أُمِرْتُ". 1479 - وعن خَوْلَة الأنصارية قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنَّ رجالًا يَتَخَوَّضُونَ في مال اللَّه بغير حق (¬1)، فلهم النار يوم القيامة". * * * (50) باب تحليل الغنائم وقول اللَّه -عز وجل-: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] الآية 1480 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يَتْبَعني رجلٌ مَلَكَ بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يَبْنِيَ بها ولَمَّا يَبْنِ بها، ولا أحدٌ بنى بيوتًا ولم يرفع سُقُوفها، ولا أحدٌ اشترى غنمًا أو خَلِفَات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحُبِسَتْ حتى فتح اللَّه عليه، فجمع الغنائم، فجاءت -يعني: النار- لتأكلها، فلم ¬
51 - باب كرامة الغازي المخلص حيا وميتا، وبركة ماله
تَطْعَمْهَا، فقال: إن فيكم غُلُولًا، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يَدُ رَجُلٍ بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأسٍ مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فاكلتها، ثم أَحَلَّ اللَّه لنا الغنائم، ورأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا". الغريب: "الخَلِفَات": جمع خَلِفَةٍ، وهي الناقة التي دنا ولادتها، وكان مقصود هذا النبي أن لا يجاهدَ معه إلا مَن تفرغ عن التعلُّق بهذه الأمور التي يخاف منها فساد النية في الجهاد وكراهته، فيضعف العزم، ويرغب عن تمني الشهادة. وقوله للشمس: "أنت مأمورة"؛ أي: مُسَخَّرة مُصرفة من قولهم: مُهرةُ مأمورة؛ أي: مدربة مذلَّلَة. * * * (51) باب كرامة الغازي المخلص حيًّا وميتًا، وبركة ماله 1481 - عن أبي موسى الأشعري قال: قال أعرابي للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: الرجل _______ 1481 - خ (2/ 395)، (57) كتاب فرض الخمس، (10) باب من قاتل للمغنم، هل ينقص من أجره؟ من طريق غندر، عن شعبة، عن عمرو، عن أبي وائل، عن أبي موسى الأشعري به، رقم (3126).
يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذْكَر، والرجل يقاتل ليُرَى مكانه (¬1)، من في سبيل اللَّه؟ فقال: "مَنْ قاتل لتكونَ كلمةُ اللَّه هي العليا، فهو في سبيل اللَّه". 1482 - وعن عبد اللَّه بن الزبير قال: لمَّا وقف الزبيرُ يوم الجمل، دعاني، فقمت إلى جنبه، فقال: يا بُنَيَّ! إنه لا يُقْتَلُ اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أُرَاني إلا سَأُقْتَلُ اليوم مظلومًا، وإنَّ من أكبر همي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى دَيْنَنَا يُبْقِي (¬2) من مالنا شيئًا؟ فقال: يا بُنَيّ! بِعْ مالَنَا، واقض دَيْنِي (¬3)، وأوْصَى بالثُّلُث، وثُلُثه لبنيه -يعني: بني عبد اللَّه بن الزبير- يقول: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فإن فضل من مالنا فضلٌ بعد قضاء الدَّيْنِ شيء فثُلُثه لوَلَدِك. قال هشام: وكان بعضُ ولد عبد اللَّه وازى بعضَ بني الزبير -خُبَيْب وعَبَّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات -قال عبد اللَّه: فجعل يوصيني بِدَيْنِه ويقول: يا بني! إن عجزتَ عن شيء منه، فاستعن عليه مولايَ، قال: فواللَّه ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت! مَنْ مولاك؟ قال: اللَّه، قال: فواللَّه ما وقعت في كُرْبَةٍ من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير! اقض عنه دينه، فيقضيه، فقُتِلَ ¬
الزبير -رضي اللَّه عنه-، ولم يَدَع دينارًا ولا درهمًا إلا أرَضِين منها الغابةُ، وأحد عشر (¬1) دارًا بالمدينة، ودارًا بالبصرة (¬2)، ودارًا بالكوفة، ودارًا بمصر، وقال (¬3): وإنما كان دَيْنُهُ الذي عليه: أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه (¬4)، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف (¬5)؛ فإني أخشى عليه الضَّيْعَةَ، وما وَلِيَ إمارةً (¬6)، ولا جباية خراج ولا شيئًا، إلا أن يكون في غزوة مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان -رضي اللَّه عنه-، فقال (¬7) عبد اللَّه بن الزبير: فَحَسَبْتُ ما عليه من الدَّيْنِ، فوجدته ألفي ألف ومئتي ألف، قال: فلقي حكيمُ بن حزام عبد اللَّه ابن الزبير، قال: يا ابن أخي! كم على أخي من الدَّيْن؛ فكَتَمه، وقال (¬8): مئة ألف، فقال حكيم: واللَّه ما أرى أموالكم تَسَعُ لهذه، فقال له عبد اللَّه: أفرأيتك إن كانت ألفي ألفٍ ومئتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه، فاستعينوا بي، قال: وكان الزبير اشترى الغابةَ بسبعين ومئة ألفٍ، فباعها عبد اللَّه بألف ألف وست مئة ألف، ثم قام فقال: مَن كان له على الزبير حقٌّ، فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد اللَّه بن جعفر ¬
وكان له على الزبير أربع مئة ألف، فقال لعبد اللَّه: إن شئتم تركتها لكم؟ قال عبد اللَّه: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخِّرون إن أَخَّرتُم؟ فقال عبد اللَّه: لا، قال (¬1): فاقطعوا في قطعة، فقال عبد اللَّه: لك من ههنا إلى ههنا، قال: فباع منها، فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقَدِمَ على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زَمعَةَ، فقال له معاوية: كما قَوّمت الغابة؟ قال: كل سهم مئة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت منها (¬2) سهمًا بمئة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمئة ألف درهم (¬3)، وقال ابن زمعة: قد أخذت سهمًا بمئةِ ألف، فقال معاوية: كم بقي؟ قال (¬4): سهم ونصف سهم (¬5)، قال: قد (¬6) أخذته بخمسين ومئة ألف، قال: فباع (¬7) عبد اللَّه بن جعفر نصيبه من معاوية بست مئة ألف، قال (¬8): فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينهِ، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، فقال (¬9): واللَّه لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: أَلَا مَن كان له على الزبير دينٌ فليأتنا ¬
52 - باب من أسلم من الكفار بعد أن غنم المسلمون ماله لم يرد إليه ماله إلا برضى من صار إليه ماله
فلنقضِه، قال: فجعل كل سَنَةٍ ينادي بالموسم، فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم، قال: وكان للزبير أربع نسوةٍ ورفع الثلث، فأصابتْ كلُّ امرأةٍ ألفَ ألف ومئتي ألف (¬1) (¬2) فجميع ماله خمسون ومئة ألف. * * * (52) باب من أسلم من الكفار بعد أن غنم المسلمون ماله لم يُرَدَّ إليه ماله إلا بِرِضَى من صار إليه مالُه 1483 - وعن عروة: أن مروان بن الحكم والمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ أخبراه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أنْ يَرُدَّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحَبُّ الحديث إليَّ أصدَقُهُ، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السَّبْيَ، وإما المال، وقد كنت استَأْنيتُ بكم" (¬3)، وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- انتظر (¬4) أخراهم بضعَ عشرة ليلة حين ¬
53 - باب من خصه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإسهام مع كونه لم يحضر الوقعة
قفل من الطائف، فلمَّا تبين لهم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غيرُ رادٍّ لهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سَبْيَنَا، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسلمين، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني رأيت أَنْ أَرُدَّ لهم سبْيَهم، من أحبَّ أن يُطَيِّبَ فليفعل، ومن أحب منكم أن يكونَ على حَظِّهِ حتى نُعطيه إياه من أوَّلِ ما يفيء اللَّه علينا فليفعل"، فقال الناس: قد طيبنا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنا لا ندري من أَذِنَ منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عُرَفَاؤكم أمركم"، فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبروه: أنهم قد طَيّبوا وأذنوا (¬1)، فهذا الذي بلغنا عن سَبْي هوازن. * * * (53) باب من خَصَّهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإسهام مع كونه لم يحضر الوقعة 1484 - عن ابن عمر قال: لما (¬2) تَغيَّب عثمان عن بدر؛ ¬
فإنه كان تحته بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت مريضة، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ لك أجرَ رجلٍ ممن شهد بدرًا وسهم (¬1) ". 1485 - وعن أبي بُرْدة، عن أبي موسى قال: بلغنا مَخْرَجُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن باليمين، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأَخَوانِ لي، أنا أصغرهم؛ أحدهما: أبو بُردة، والآخر: أبو رُهْمٍ -إمَّا قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثةٍ- وخمسين رجلًا من قومي (¬2)، فركبنا سفينة، فأَلْقَتْنَا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، وَوَافَقْنَا جعفرَ بن أبي طالب وأصحابَهُ عنده، فقال جعفر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثنا ههنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا، فوافقنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين افْتَتَحَ خيبر، فأسهم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قَسَمَ لأحدٍ غابَ عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قَسَم لهم معهم. * * * ¬
54 - باب السرية الخارجة من الجيش شركاء معه فيما غنموه، والإمام أن ينفل السرية وزيادة على سهمهم
(54) باب السرية الخارجة من الجيش شركاء معه فيما غنموه، والإمام أن ينفل السَّرِية وزيادة على سهمهم 1486 - عن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث سَرِيَّةً فيها عبد اللَّه بن عمر قِبَلَ نَجْدٍ، فغنموا إبلًا كثيرًا، فكانت سُهْمَانُهم اثني عشر بعيرًا -أو أحد عشر بعيرًا- ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا. 1487 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُنَفِّلُ بعضَ مَن يبعث من السرايا لأنفسهم خاصَّة سوى قسم عامَّة الجيش. * * * (55) باب يعطي الإمام للقرابة ولغيرهم من الخمس بالاجتهاد 1488 - عن جُبَيْر بن مُطْعِم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى _______ 1486 - خ (2/ 398)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، رقم (3134)، طرفه في (4338). 1487 - خ (2/ 398 رقم 3135)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه به. 1488 - خ (2/ 400)، (57) كتاب فرض الخمس، (17) باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، وأنه يعطي بعضَ قرابته دون بعض ما قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر، من طريق ابن شهاب، عن ابن المسيَّب، عن جبير بن مطعم به، رقم (3140)، طرفاه في (3502، 4229).
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول اللَّه! أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منكم بمنزلة واحدة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّا (¬1) بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد"، قال جبير: ولم يقسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل، قال (¬2) ابن إسحاق: وعبد شمس (¬3) وهاشم والمطلب إخوة لأُمٍّ، وأُمُّهم عَاتِكَةُ نجت مُرَّة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم. 1489 - وعن نافع: أنَّ عمر بن الخطاب قال: يا رسول اللَّه! إنه كان عليَّ اعتكافُ يومٍ في الجاهلية، فامره أن يَفِي به، قال: وأصاب عمر جاريتين من سَبْي حُنين (¬4) -في رواية: من الخمس (¬5) - فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال: فمَنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على سبي حنين (¬6)، فجعلوا يَسْعَوْنَ في السِّكَكِ، ¬
قال عمر: انظر ما هذا (¬1)؟ قال: فقال (¬2): مَنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على السَّبْي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين. قال نافع: ولم يعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الجِعْرَانة، ولو اعتمر لم يَخْفَ على عبد اللَّه. 1490 - وعن عمرو بن تَغْلِب قال: أعطى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قومًا ومنع آخرين، فكأنهم عَتَبُوا عليه، فقال: "إني أعطي قومًا أخاف ظَلَعَهُمْ (¬3) وجَزَعَهُمْ، وأَكِلُ قومًا (¬4) إلى ما جعل اللَّه في قلوبهم من الخير، منهم عمرو ابن تَغْلب"، فقال عمرو بن تغلب: ما أُحِبُّ أن ليَ بكلمةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حُمُرَ النَّعَمِ. 1491 - وعن أنس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أعطي قريشًا أَتَأَلَّفُهم ¬
عليَّ (¬1)؛ لأنهم حديثُ عَهْد بجاهلية". 1492 - وعنه: أنَّ ناسًا من الأنصار قالوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أفاء اللَّه على رسوله من أموال هوَازِن ما أفاء، فطفق يعطي رجالًا من قريش المئةَ من الإبل -فقالوا: يغفر اللَّه لرسوله (¬2)، يُعْطِي قريشًا ويَدَعُنَا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ ! قال أنس: فَحُدِّثَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قُبّهٍ من أَدَمٍ، ولم يَنعُ معهم أحدًا غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ما كان حديثٌ بلغني عنكم؟ "، فقال فقهاؤهم (¬3): فأما ذوو رأينا يا رسول اللَّه، فلم يقولوا شيئًا، وأما أُنَاسٌ مِنَّا حديثةٌ أَسْنَانهم، فقالوا: يغفر اللَّه لرسول اللَّه يعطي قريشًا ويترك الأنصار وسيوفنا تَقْطُر من دمائهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أعطي (¬4) رجالًا حديثٌ عهدهم بكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ أن يذهب الناسُ بالأموال وترجعون (¬5) إلى رِحَالكم برسول اللَّه (¬6)، فواللَّه ما تَنْقَلِبُونَ به خيرٌ مما ينقلبون به"، قالوا: بلى يا رسول اللَّه قد رضينا، فقال: "إنكم سَتَرَوْنَ بعدي أثَرَةً شديدة، فاصبروا ¬
حتى تلقوا اللَّه ورسوله (¬1) على الحوض"، قال أنس: فلم نصبر. 1493 - وعنه قال: كنت أمشي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه بُردٌ نَجْرَانِي غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجذبه جَذْبَةً شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتِق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أَثَّرَتْ به حاشيةُ الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال اللَّه الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاءٍ. 1494 - وعن جُبَيْر بن مُطْعَمٍ: أنه بينما (¬2) هو مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعه الناس مقبلًا من حُنَيْنٍ، عَلِقَتْ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأعرابُ يسألونه حتى اضطروه إلى سَمُرَةٍ (¬3)، فخطفت رداءه، فوقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العِضَاه (¬4) نَعَمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدونني بخيلًا ولا كَذُوبًا ولا جبانًا". * * * ¬
56 - باب إعطاء المؤلفة قلوبهم
(56) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم 1495 - عن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُنَاسًا في القسمة، فأعطى الأَقْرَعَ بن حابس مئة من الإبل، وأعطى عُيَيْنَة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، وآثرهم (¬1) يومئذٍ في القسمة، قال رجل: واللَّه إن هذه لقِسْمَة ما عُدِل فيها -أو ما أريد (¬2) فيها وجه اللَّه- فقلت: واللَّه لأُخْبِرَنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته فأخبرته، فقال: "فمن يعدِلْ إذا لم يعدل اللَّه ورسوله؟ رحم اللَّه موسى؛ قد أوذي بأكثرَ من هذا فصبر". * * * (57) باب أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس، والمصالحة، وكم الجزية، وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الآية 1496 - وعن بَجَالَةَ قال: كنت كاتبًا لجَزْءِ ¬
ابن معاوية عمِّ الأحنف، فأتانا كتابُ عمر بن الخطاب قبل موته بسَنَةٍ: فَرِّقُوا بين كل ذي مَحْرَم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر. 1497 - وعن عمرو بن عوف الأنصاري -وكان شهد بَدْرًا (¬1) -: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَ أبا عُبَيْدَة بن الجَرَّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو صالح أهل البحرين، وأَمَّر عليهم العلاءَ بن الحَضْرَمِيَّ، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسَمِعَت الأنصارُ بقدوم أبي عبيدة، فوافت (¬2) صلاة الصبح مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما صلى بهم الفجر، انصرفوا فتعرضوا له، فتبسَّم حين رآهم، وقال: "أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟ "؛ قالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: "فأَبْشِروا وأَمِّلُوا ما يسركم، فواللَّه لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبْسَطَ عليكم الدنيا، كما بسطت على مَن قبلكم، فتنافسوا (¬3) كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم". ¬
1498 - وعن جُبَيْر بن حَيَّة قال: بعث عمر بن الخطاب في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهُرْمُزَانُ، فقال: إني مستشيرك في مغازيَّ هذه، قال: نعم، مَثَلُهَا ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين (¬1) مَثَل طائر له رأس، وله جناحان ورجلان (¬2)، فإن كُسِرَ أحد (¬3) الجناحين، نهضت الرِّجْلَان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر، نهضت الرجلان والرأس، فإن شُدِخَ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر (¬4)، والجناح الآخر فارس، فَمُرْ المسلمين فلينفروا إلى كسرى. قال جُبَيْر: فَنَدَبَنَا عمر، واستعمل علينا النعمن بن مُقَرِّن، حتى إذا كنا بأرض العدو، خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفًا، فقام ترجمانه، فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت؟ فقال: ما أنتم؟ فقال (¬5): نحن أناس من العرب كُنَّا في شَقَاءٍ شديدٍ، نمصُّ الجِلْدَ والنَّوَى من الجوع، ونلبس الوبر والشَّعَر، ونعبد الحجر والشجر، ¬
فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرض (¬1) إلينا نبِيًّا من أنفسنا، نعرف أباه وأمَّه، فأمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه وحده أو تؤدوا الجزية، فأخبرنا (¬2) نبينا عن رسالة ربنا: أنه من قُتِلَ منا صار إلى الجنة في نعيم لم يرَ مثله (¬3) قط، ومن بقي منا مَلَكَ رقابكم. فقال النعمان: ربما أشهدك اللَّه مثلها مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يُنَدِّمْك (¬4)، ولم يُخْزِك، ولكني شهدت القتال مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان إذا لم يقاتل في أول النهار، انتظر حتى تَهُبَّ الأرواح (¬5)، وتحضر الصلوات. 1499 - وعن ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم ¬
58 - باب إثم من قتل معاهدا، والوصاة بأهل الذمة، ولا يقر منهم أحد بجزيرة العرب
أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قِبَلِ اليسار. * * * (58) باب إثم من قتل مُعَاهِدًا، والوصاة بأهل الذمة، ولا يقر منهم أحدٌ بجزيرة العرب 1500 - عن عبد اللَّه بن عمرو: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل مُعَاهِدًا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا". 1501 - وعن عمرو بن ميمون عن عمر قال: وأوصيه بذمة اللَّه وذمة رسوله: أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل دونهم (¬1)، ولا يُكَلَّفُوا إلا طاقتهم. 1502 - وعن جويرية بن قدامة التميمي: سمعت عمر بن الخطاب ¬
قلنا: أَوْصِنَا (¬1) يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بذمة اللَّه؛ فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم. وقال عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "أقركم ما أقركم اللَّه به" (¬2). 1503 - وعن أبي هريرة قال: بينما نحن في المسجد خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "انطلقوا إلى يهود"، فخرجنا حتى إذا جئنا بيت المِدْرَاس، فقال: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، واعلموا أن الأرض للَّه ورسوله، وإني أريد أن أُجْلِيَكُمْ من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئًا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض للَّه ورسوله". 1504 - وعن ابن عباس -وسمعه سعيد بن جبير يقول-: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بَلَّ دَمْعُه الحصى، قلت: يا أبا (¬3) عباس! وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
وجعه، فقال: "ائتوني بكتفٍ (¬1) أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده أبدًا"، فتنازعوا -ولا ينبغي عند نبي تنازع- فقالوا: ماله؟ أهجر؟ استفهموه، فقال: "ذروني الذي (¬2) أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، فأمرهم بثلاث، فقال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوَفْدَ بنحو ما كنت أجيزهم"، والثالثة إمّا أن سكت عنها، وإمّا أن قالها فنسيتها. قال سفيان بن عيينة: هذا من قول سليمان بن أبي مسلم (¬3). الغريب: "لم يَرَحْ": لم يشم، يقال: رَاحَ الطيب يراحه إذ وجد ريحه. و"المعاهَد": بفتح الهاء، اسم مفعول، وهو الذي عوهد بعهد؛ أي: صُولح. و"الذمة": العهد. و"أَجْلِيكُم": أخرجكم، يقال: جلا القوم من منازلهم: خرجوا، وأجلاهم الإمام: أخرجهم. و"الكتف": واحد أكتاف الحيوان، وقد يعبر به عن اللوح؛ لأنهم كانوا يكتبون في الأكتاف. وقوله: "أَهجر" بهمزة الاستفهام صوابه، وهو استفهام على جهة الإنكار على من ظنه بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك الوقت لشدة المرض عليه. وهذا الكتاب الذي أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتابته إنما هو -واللَّه أعلم- في النص ¬
59 - باب ما يحذر من الغدر، وإذا غدر المشرك هل يعفى عنه
على خلافة أبي بكر؛ لكنهم لما تنازعوا، واشتد مرضه وألمه، عَدَلَ عن ذلك فعَوِّلًا على ما أصَّلَ في ذلك من استخلافه إيَّاه على الصلاة، ومن قوله: "يأبى اللَّه والمسلمون إلا أبا بكر"، واللَّه أعلم. و"جزيرة العرب" من أقصى اليمن -عدن أَبْيَنَ- إلى رِيفِ العراق، ومن جدَّة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام، قاله الأصمعي، وسميت جزيرة؛ لأنها مجزورة بالبحار: بحر الحبش، وبحر فارس، ودجلة، والفرات، قاله الخليل. * * * (59) باب ما يُحْذَرُ من الغدر، وإذا غدر المشرك هل يُعْفى عنه 1505 - عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبةٍ من أَدَمٍ، فقال: "اعدد ستًّا بين يدي الساعة: مَوْتِي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتَانٌ يوجد فيكم كعُقَاصِ (¬1) الغنم، ثم استفاضة ¬
المال حتى يُعْطَى الرجلُ مئة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هُدْنةٌ تكون بينكم وبين بني الأَصْفَر فيَغْدِرُونَ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا". 1506 - عن أبي هريرة قال: لما فُتِحَتْ خيبرُ أُهْدِيَتْ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاة فيها سمٌّ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لي من كان ههنا من يَهُود"، فجمعوا له، فقال: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صَادِقِيَّ عنه؟ " فقالوا: نعم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أبوكم؟ " فقالوا: فلان، فقال: "كذبتم بل أبوكم فلان"، قالوا: صدقت، قال: "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟ " فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا، كما عرفت في أبينا، فقال لهم: "من أهل النار؟ " قالوا: نكون فيها يسيرًا، ثم تخلفونا فيها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخسؤوا فيها، واللَّه لا نخلفكم فيها أبدًا"، ثم قال "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ " قالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: "فهل (¬1) جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ " قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك. وقال (¬2) يونس: عن ابن شهاب سئل: أعلى مَن سحَرَ من أهل العهد ¬
60 - باب إثم من عاهد ثم غدر. وذمة المسلمين واحدة، وأمان المرأة. وقوله تعالى: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم} [الأنفال: 56]
قتل؟ قال: بلغنا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد صنع له ذلك، فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب. 1507 - وعن أبي هريرة قال: كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارًا ولا درهمًا؟ قيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟ قال: إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق، قالوا: عَمَّ ذلك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّه، وذمة رسوله، فيشد اللَّه عز وجل قلوب أهل الذِّمة، فيمنعون ما في أيديهم. * * * (60) باب إثم من عاهد ثم غدر. وذمة المسلمين واحدة، وأمان المرأة. وقوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ} [الأنفال: 56] وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذم المنافق وذكر خصاله: "إذا عاهد غدر" (¬1). ¬
1508 - عن إبراهيم التَّيْمِيّ، عن أبيه، عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: ما كتبنا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا القرآن وما في هذه الصحيفة. وقد تقدم في الحج، وفيه من الزيادة ههنا: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أَخْفَرَ مسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يُقْبَلُ منه صَرفٌ ولا عَدْلٌ، ومن والى قومًا بغير إذن مواليه، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صَرف ولا عَدل". 1509 - وعن أبي وائل قال: شهدت صِفِّينَ، فسمعت سهل بن حنيف يقول: اتهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جَنْدَل فلو أستطيع أن أَرُدَّ أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لرددته، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأَمْرٍ يفظعنا إلا أَسْهَلْنَ بنا إلى أمرٍ نعرفه غير أمرنا هذا. وفي رواية (¬1): أيها الناس! اتهموا أنفسكم، فإنّا كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الحديبية ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللَّه! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: "بلى"، فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى"، قال: فَعَلَامَ نعطي الدَّنِيَّةَ ¬
في ديننا؟ أنرجع ولم يحكم (¬1) اللَّه بيننا وبينهم؟ فقال: "يا ابن الخطاب! إني رسول اللَّه، ولن يضيعني اللَّه أبدًا" (¬2)، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عمر إلى آخرها، قال عمر: يا رسول اللَّه! أوفَتْحٌ هو؟ قال: "نعم". 1510 - وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لكل غادر لواء يوم القيامة ينصب -وفي رواية (¬3): يُرَى- يوم القيامة يُعْرَفُ به". وقد تقدم من حديث أم هانئ قوله عليه السلام: "قد أَجَرْنَا من أَجَرْتِ". الغريب: "أَخْفَرْتُ الرجل": نقضت عهده. و"خَفَرْته": أجرته. "الصَّرْف": الحيلة. و"العدل": الفِدْيَة، وقيل: الصرف: النافلة. و"العدل": الفريضة. وقوله: "اتهموا رأيكم أو أنفسكم": أمر بالتثبت والتوقف. و"العَاتِق": ما بين المنكب والعنق، وهو الكاهل. و"يُفْظِعُنَا"؛ أي: نجده فظيعًا؛ أي: شديد المرارة، وأَسْهَلْنَ؛ أي: مشين بنا إلى أمر سهل. و"الدَّنِيَّة": الحالة الخسيسة. * * * ¬
61 - باب يطاع الأمراء وتؤدي حقوقهم، ويصبر على أذاهم
(61) باب يطاع الأمراء وتؤدي حقوقهم، ويصبر على أذاهم 1511 - عن ابن مسعود: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "ستكون أَثَرة وأمورٌ تنكرونها"، قالوا: يا رسول اللَّه! فما تأمرنا؟ قال: "تُؤَدُّونَ الحقَّ الذي عليكم، وتسألون اللَّه الذي لكم". 1512 - وعن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ كَرِهَ من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شِبْرًا، مات ميتةً جاهليةً". وفي رواية (¬1): "فإنه من فارق الجماعة شبرًا، فمات إلا مات ميتةً (¬2) جاهلية". 1513 - وعن عُبادة بن الصَّامِتِ قال: دعانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعناه، فقال ¬
فيما أَخَذَ علينا: أن بَايَعَنَا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنَا وعسرنا ويسرنا وأثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازِعَ الأَمْرَ أهله، إلا أن تروا كُفْرًا بَوَاحًا عندكم من اللَّه فيه برهان. 1514 - وعن أُسَيْد بن حُضَيْر: أنَّ رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه! استعملت فلانًا ولم تستعملني؟ قال: "إنكم سَتَرَوْنَ بعدي أثَرَةً، فاصبروا حتى تَلْقَوْني". * * * _______ 1514 - خ (4/ 313)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق محمد بن عرعرة، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أُسَيْد بن حُضَيْر به، رقم (7057).
36 - كتاب بدء الخلق
(36) كتاب بدء الخلق
1 - باب قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27]
(36) كتاب بدء الخلق (1) باب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] قال الربيع بن خُثَيْم والحسن: كله عليه هَيِّن، هَيْن وهَيِّن، كلَيْن ولَيِّن، ومَيْت ومَيِّت. 1515 - عن عمران بن حصين قال: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعَقَلْتُ ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم"، قالوا: قد بَشَّرْتَنَا فأعطنا -مرتين- ثم دخل عليه ناس من (¬1) اليمن، فقال: "اقْبَلُوا من غير إذ البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قد ¬
قبلنا يا رسول اللَّه، قالوا: جئنا لنسألك (¬1) عن هذا الأمر؟ قال: "كان اللَّه ولم يكن شيءٌ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض"، فنادى منادٍ: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت فإذا هي ينقطع دونها السراب (¬2)، فواللَّه لوددت أني كنت تركتها. 1516 - وعن عمر بن الخطاب قال: قام فينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. 1517 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه: "لما قضى اللَّه الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي". * * * ¬
2 - باب في قوله تعالى: {الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12]
(2) باب في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] 1518 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -وكانت بينه وبين أناس خصومة في أرض- فدخل على عائشة فذكر لها ذلك، فقالت: يا أبا سلمة! اجتنب الأرض؛ فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ظَلَم قِيدَ شبر، طُوِّقَهُ من سبع أرضين". 1519 - ومن حديث ابن عمر: "من أخذ شيئًا من الأرض بغير حقه، خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين". 1520 - ومن حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل: خاصمته أَرْوَى -في حق زعمت أنه انتقصه لها- إلى مروان فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئًا؟ أشهد لسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، _______ 1518 - خ (2/ 419)، (59) كتاب بدء الخلق، (2) باب ما جاء في سبع أرضين، وقول اللَّه تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة به، رقم (3195). 1519 - خ (2/ 419)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق عبد اللَّه، عن موسى ابن عقبة، عن سالم، عن أبيه به، رقم (3196). 1520 - خ (2/ 420)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل به، رقم (3198).
3 - باب في قوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك: 5] وقوله: {والشمس تجري لمستقر لها} [يس: 38]
فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين". * * * (3) باب في قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] وقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قال قتادة (¬1): خلق اللَّه هذه النجوم لثلاثٍ: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدي بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. قلت: وما أحسن قولَ أبي الفرج بن عبيد: تَعَلُّم أحكامِ النجوم إضاعةٌ ... لأوقاتِ عُمرٍ تنقضي فتفوت فما يعلم الإنسان ما كَسْبُه غدًا ... ولا يعلم الإنسانُ حين يموت 1521 - وعن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي ذر حين غربت الشمس: "تدري أين تذهب؟ " قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يُقْبَلُ منها، وتستأذن فلا يُؤْذَنُ لها، يقال لها: ¬
4 - باب خلق الملائكة والشياطين، وأن الجن خلقوا قبل الإنسان
ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ". وفي رواية (¬1): عن أبي ذر قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}، قال: "مستقرها تحت العرش". الغريب: "السجود": الخضوع والتذلل. و"استئذان الشمس": إن كانت مما يعقل فحقيقة، وإلا فمن الموكَّلِين بها، أو يكون لسان حال. و"لِمُسْتَقَرِّها": أي: إلى مستقرها، كما يقال: هو يجري لغايته، وإلى غايته، وقد بينه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولولاه لأمكن أن يقال: مستقرها: أي: منازلها في الغروب، أو يقال: هو منتهاها عند انقضاء الدنيا. * * * (4) باب خلق الملائكة والشياطين، وأنَّ الجنَّ خُلِقُوا قبل الإنسان قال اللَّه تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19]، وقال: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)} [الصافات: 150]، وقال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 14 - 15]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ¬
الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26 - 27]، وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97 - 98]. 1522 - عن عروة، عن عائشة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الملائكة تَحَدَّث (¬1) في العَنَانِ -والعنان الغمام- بالأمر يكون في الأرض، فتسمع (¬2) الشياطين الكلمة، فتقُرُّها في أُذُنِ الكاهن كما تقول القارورة (¬3)، فيزيدون معها مئة كذبة". 1523 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل بني آدم يَطْعَنُ الشيطان في جنبه (¬4) بأصبعه (¬5) حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب" (¬6). * * * ¬
5 - باب ما جاء في صفة الجنة، وأنها قد خلقت
(5) باب ما جاء في صفة الجنة، وأنها قد خُلِقَتْ قال اللَّه تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]. 1524 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال اللَّه تبارك وتعالى: أعددت لعبادي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا (¬1) إن شتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ". 1525 - وعنه: أنه قال (¬2): "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم على أشد كوكب إضاءةً، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان، كل واحدة منهما يُرَى مُخُّ ساقها من وراء لحمها من الحسن، يسبحون اللَّه بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُون ولا يَمْتَخِطُون ولا يبصقون، آنيتهم الذهب ¬
والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مَجَامِرِهم الأَلُوَّةُ" (¬1). 1526 - وعن سهل بن سعد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَيَدْخُلَنَّ (¬2) من أمتي سبعون ألفًا -أو سبع مئة ألف- لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر". 1527 - وعن أبي موسى الأشعري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخيمة دُرَّةٌ مُجَوَّفة، طولها في السماء ثلاثون ميلًا، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون". 1528 - وعنه (¬3) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "موضع سَوْطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها". ¬
1529 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة، واقرؤوا إن شئتم: ولَقَابُ قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30]، أو تغرب". 1530 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليتراءَوْن أهل الغُرَفِ من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدُرِّيَّ الغابر في الأُفُقِ من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول اللَّه! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفس محمد بيده، رجال آمنوا باللَّه، وصَدَّقُوا المرسلين". الغريب: "عرضها": أي سَعَتُها. والكلام إغياء؛ إذ لم يُشاهد أكبر منها. و"أُعِدَّتْ": خلقت وهيئت. و"المتقون": المؤمنون. و"قرَّةُ العين": ما يسر بالنظر إليه. و"الألُوَّة": العود الهندي، يقال بضم الهمزة وفتحها. و"الدُّرِّيُّ": الشديد البياض في صفاء، ويقال: بضم الدال وكسرها، وقُرِئَ بهما. و"الغابِر": بالباء بواحدة من تحتها، وهو الباقي، وغبر من الأضداد. * * * _______ 1529 - خ (2/ 434)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق هلال بن عليّ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة به، رقم (3252، 3253). 1530 - خ (2/ 434)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري به، رقم (3256). طرفه في (6556).
6 - باب صفة أهل النار وأنها قد خلقت
(6) باب صفة أهل النار وأنها قد خلقت قال اللَّه تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} [آل عمران: 131] {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية [غافر: 46]. وقد تقدم قوله عليه السلام: "اشتكت النار إلى ربها، فأذن لها بنَفَسَيْنِ" في الأوقات. 1531 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ناركم جُزْءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم"، قيل: يا رسول اللَّه! إن كانت لكافية، قال: "فُصِّلَتْ عليها (¬1) بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل جزئها". 1532 - وعن أسامة -هو ابن زيد- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ في النار، فيدور كما يدور الحمار برَحَاهُ، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان (¬2)! ما شأنك؟ أليس كُنْتَ تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنْكر (¬3)؟ قال: كنت ¬
آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه". الغريب: "فتنْدَلِق": تُزْلَق وتخرج من بطنه. و"الأَقْتاب": الأمعاء. * * *
37 - كتاب أحاديث الأنبياء
(37) كتاب أحاديث الأنبياء
1 - باب خلق آدم وذريته، وقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} [المؤمنون: 12 - 13] الآية
(37) كتاب أحاديث الأنبياء (1) باب خلق آدم وذريته، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 12 - 13] الآية 1533 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خلق اللَّه آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسَلِّمْ على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يُحَيُّونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللَّه، فزادوا ورحمة اللَّه، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق يَنْقُص حتى الآن". 1534 - وعن أنس قال: بلغ عبد اللَّه بن سلام مَقْدَمُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- _______ 1533 - خ (2/ 450)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (1) باب خلق آدم وذريته، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي هريرة به، رقم (3326)، طرفه في (6227). 1534 - خ (2/ 450 - 451)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الفزاري، عن حميد، عن أنس به، رقم (3329).
المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء يكون (¬1) الشَّبَه إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أخواله؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَبَّرَني آنفًا بهن جبريل"، قال: فقال عبد اللَّه: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمّا أول أشراط الساعة فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأمَّا أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأمّا الشبهُ في الولد؛ فإن الرجل إذا غَشِيَ المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبقت (¬2) كان الشبه لها"، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ثم قال: يا رسول اللَّه! إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن عَلِمُوا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك؛ فجاءت اليهود، ودخل عبد اللَّه البيت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّ رجل فيكم عبد اللَّه بن سَلَام؟ "، فقالوا: أَعْلَمُنَا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفرأيتم إن أسلم عبد اللَّه؟ " قالوا: أعاذه اللَّه من ذلك، فخرج عبد اللَّه إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه، فقالوا: شَرُّنا وابن شرنا، ووقعوا فيه. 1535 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: أخبرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يُجْمَعُ في بطن أمه أربعين يومًا، ثم ¬
يكون عَلَقَة مثلَ ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يَبْعَثُ اللَّه إليه مَلَكا بأربعٍ كلماتٍ: فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار". 1536 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللحم، ولولا حواء لم تَخُنْ أنثى زوجها". 1537 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقَتْ من ضلع، وإن أَعْوَجَ شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبت تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء". 1538 - وعن عائشة قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الأرواح أجناد مُجَنَّدَة (¬1)، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". ¬
الغريب: "خلقنا": اخترعنا. "الإنسان": آدم. و"السُّلَالة": خاصة الطين، ورقيقه. و"جعلناه": صيرناه؛ أي: ذريته. و"النُّطْفَة": القَطْرَة. و"القرار": والمستقر واحد، وهو موضع الاستقرار. "مَكِين": أي: تتمكن فيه النطفة. و"العَلَق": الدم؛ لأنه يتعلق بما يجريه. و"المضغة": قدر ما يمضغه الماضغ من اللحم. و"آنفًا": الساعة. و"الأشراط": العلامات. و"تحشر": تجمع وتسوق. و"بُهْتٌ": بضم الهاء، كأنه جمع بهيت، كقضيب وقُضْب، وهو الذي يبهت المقتول له بما يفتريه عليه ويَخْتَلِقُهُ. و"يَخْنَزِ الطعام": تتغير رائحته. و"أَجْنَاد": أصناف. "مُجَنَّدَة": مصنفة. و"تعارف": تناسب. و"ائتلف": اتفق. و"اختلف": تناكر كالهر والفأر. ووقع هنا: "أخيرنا وابن أخيرنا" على الأصل، وفصيحه: "خيرنا وابن خيرنا"؛ أي: أكثرنا خيرًا. وقوله: "يُجْمَع في بطن أمه"؛ أي: المَنِيّ يجمع في هذه المدّة، فإنه يقع في الرحم مبثوثًا، فيصير في هذه المدّة مضغة؛ أي: قدر ما يمضغه الماضغ، واللَّه أعلم (¬1). * * * ¬
2 - باب في قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} الآية [هود: 25]
(2) باب في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} الآية [هود: 25] قال ابن عباس: {بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] ما ظهر لنا، {أَقْلِعِي} [هود: 44]: أمسكي، {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40]: نبع الماء، وقال عكرمة: وجه الأرض. وقال مجاهد: {الْجُودِيِّ} [هود: 44]: جبل بالجزيرة، وسيأتي قوله عليه السلام: "ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال، لقد أنذره قومه نوح"، وقوله في حديث الشفاعة مخبرًا عن القائلين لنوح: "يا نوح! أنت أول الرسل إلى الأرض، وسَمَّاك اللَّه عبدًا شكورًا". 1539 - عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يجيء نوح وأُمَّتُهُ، فيقول اللَّه تعالى: هل بَلَّغْتَ؟ فيقول: نعم أَيْ رب، فيقول لأُمَّته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمته، فتشهد أنه قد بلغ، وهو قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] " والوسط: العدل. * * * _______ 1539 - خ (2/ 453)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (3) باب قول اللَّه عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد به، رقم (3339).
3 - باب في قوله تعالى: {وإن إلياس لمن المرسلين (123)} [الصافات: 123] وقوله: {ورفعناه مكانا عليا (57)} [مريم: 57]
(3) باب في قوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)} [الصافات: 123] وقوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57] يذكر عن ابن مسعود وابن عباس: أنَّ إلياسَ هو إدريس. 1540 - عن أنس، عن أبي ذَرٍّ: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكة"، وذكر حديث الإسراء، وسيأتي إن شاء اللَّه، وفيه: وقال أنس: فلما مر جبريل بادريس قال: مرحبًا بالنبي (¬1) الصالح، والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس. * * * (4) باب في قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود: 50]، قوله {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21]، وقوله {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)} الآية [الحاقة: 6] " الأحقاف": جمع حقف، وهو الكوم من الرمل. و"الصَّرْصَر": الشديد ¬
5 - باب في ذي القرنين ويأجوج ومأجوج، وقوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين} إلى قوله: {نقبا} [الكهف: 83 - 97]
البرودة. "وعاتية": عتية على الخُزَّانِ، قاله ابن عُيَيْنَةَ. و"حسومًا": متتابعة. و"أعجاز نَخْلٍ": أصولها. و"باقية": بقية. 1541 - عن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بالصَّبَا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُور". "الصَّبَا": الريح الشرقية، و"الدَّبُور": الغربية. * * * (5) باب في ذي القرنين ويَأْجُوج ومَأْجُوج، وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إلى قوله: {نَقْبًا} [الكهف: 83 - 97] " زُبَر الحديد": واحدها زُبْرَةٌ، وهي القِطَع. و"الصَّدَفَيْنِ": ابن عباس: الجبلين. "خَرْجًا": أجرًا. "أُفْرِغْ عليه قِطْرًا": أصبب عليه رصاصًا، ويقال: الحديد، ويقال: الصُّفْر، ابن عباس: النحاس. "جعله دكَّاءَ": ألزقه بالأرض، وناقةٌ دكَّاءَ: لا سنام لها، و"الدَّكْدَاك" مثله، حتى صلب وتَلَبَّد. قال قتادة: "وحَدَب": أَكَمَةٌ. وقال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: رأيت السَّدَّ مثل _______ 1541 - خ (2/ 456)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (6) باب قول اللَّه تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}، وقوله: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}. . . إلى قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}، من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس به، رقم (3343).
البُرْدِ المُحَبَّر (¬1)، فقال: "رأيتَهُ؟ ". 1542 - عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها فَزِعًا يقول: "لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج"، وحَلَّقَ بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول اللَّه! أَنهلِك وفينا الصالحون؟ قال "نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ". 1543 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يقول اللَّه عز وجل: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أَخْرِجْ بعثَ النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسع مئة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}، قالوا: يا رسول اللَّه! وأيُّنَا ذلك الواحد؟ قال: "أبشروا، فإن منكم رجلًا، ومن يأجوج ومأجوج ألف"، ثم قال: "والذي ¬
6 - باب في ذكر إبراهيم وإسماعيل وأمه، وقول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125]، وقوله عز وجل: {إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة: 114]
نفسي بيده أرجو (¬1) أن تكونوا رُبع أهل الجنة"، فكبّرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا ثُلُثَ أهل الجنة"، فكبرنا، قال: "أرجو أن تكونوا نصفَ أهلِ الجنة"، فكبرنا، فقال: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثورٍ أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود". الغريب: "الرَّدْمُ": السد؛ لأنه رُدِمَ. و"يأجوج ومأجوج": أُمَّتان عظيمتان، وهم أكثر الأمم، وإنما خص آدم بأن قيل: أخرِجْ بعثَ النار؛ لأن اللَّه تعالى قد جمع له جميع نَسَمِ بنيه المتوالدين منه إلى يوم القيامة، ودليل ذلك: أن نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- قد رأى آدم ليلة الإسراء في سماء الدنيا، وعن يمينه أَسْوِدة أهل اليمين، وعن يساره أَسْوِدَة أهل الشمال. وقوله: "ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض"؛ يعني: في المحشر، وأما في الجنة فهم نصف أهل الجنة، وكل من يدخلها من سائر الأمم النصف الآخر. * * * (6) باب في ذكر إبراهيم وإسماعيل وأمه، وقول اللَّه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، وقوله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] قال أبو ميسرة: الرحيم بلسان الحبشة. ¬
1544 - من حديث ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنكم محشورون عُرَاة حفاة غُرْلًا"، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم. . . " الحديثَ وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. 1545 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يلقى إبراهيم أباه آزرَ يوم القيامة، وعلى وجه آزر قَتَرَةٌ وغَبَرَة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني ألَّا تخزيَني يوم يبعثون، فأي خِزْيٍ أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول اللَّه (¬1): إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم! ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بِذِيخٍ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيُلْقَى في النار". 1546 - وعن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لما رأى الصُّوَر في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمُحِيَتْ، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما ¬
الأزلام، فقال: "قاتلهم اللَّه، واللَّه إنِ استقسما بالأزلام قط". 1547 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اختتن إبراهيم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) وهو ابن ثمانين سنة بالقَدُّوم": مشددة الدال، وفي رواية (¬2): قال أبو الزناد: بالقَدُومِ مخففة. 1548 - وعن أبي هريرة: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهما في ذات اللَّه عز وجل قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، وقال: بينا هو ذاتَ يومٍ وسارة؛ إذ أتى على جَبَّارٍ من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه يسأله (¬3) عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارّة، فقال: يا سارة! ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرته: أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخِذَ، فقال: ادْعِي اللَّه لي ولا أَضُرُّكِ، فدعت اللَّه، فاُطْلِقَ، ثم تناولها ثانية (¬4)، فأُخِذَ مثلها أو أَشَدّ، ¬
فقال: ادْعِي اللَّه لي ولا أضرك، فدعت، فأُطْلِقَ، فدعا بعضَ حَجَبَتِهِ، فقال: إنك لم تأتني بإنسان (¬1)، إنما أتيتني (¬2) بشيطان، فأَخْدَمَهَا هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مَهْيَمْ (¬3)؟ قالت: رَدَّ اللَّهُ كيدَ الكافر -أو الفاجر- في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: تلك أمُّكم يا بني ماء السماء (¬4). 1549 - وعن أبي هريرة قال: أُتِيَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا بلحم، فقال: "إن اللَّه يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيُسْمِعُهم الداعي، ويُنْفِذُهُم البصر، وتدنو الشمس منهم -فذكر حديث الشفاعة- فيأتون إبراهيم، فيقولون: أنت نبي اللَّه، وخليله من أهل الأرض، اشفع إلى ربك -ويقول (¬5): وذكر كذباته- نفسي نفسي نفسي (¬6)، اذهبوا إلى موسى". تابعه أنس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
1550 - وعن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: أول ما اتَّخَذَ النساءُ المِنْطَقَ من قِبَلِ أم إسماعيل؛ اتخذت مِنْطَقًا؛ لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دَوْحَةٍ فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعها هنالك، ووضع عندها جِرَابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قَفَّى إبراهيم منطلقًا، فتَبِعَتْهُ أمُّ إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس (¬1) ولا شيء؟ فقالت ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آللَّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضَيِّعنا -في رواية (¬2): حتى لما بلغوا كَدَاءَ نادته من ورائه: يا إبراهيم! إلى من تتركنا؟ قال: إلى اللَّه، قالت: رضيت، قال: - فرجعت (¬3)، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثَّنِيَّةِ حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، فقال: {رَبَّنَا (¬4) إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}. . . حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ}، وجعلت أم إسماعيل ترضع ¬
إسماعيل، وتَشْرَبُ من ذلك الماء حتى إذا نفَدَ ما في السِّقَاءِ، عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يَتَلَوَّى أو قال يَتَلَبَّطُ (¬1) -وفي رواية (¬2): كأنه ينشغ بالموت- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض إليها (¬3)، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف دِرْعِها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات". قال ابن عباس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلذلك (¬4) سعى الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة، سمعت صوتًا، فقالت: صَهٍ -تريد: نفسها- ثم تسَمَّعَتْ فسمعت (¬5) أيضًا، فقالت: قد أسْمَعْتَ إن كان عندك غواث؛ (فإذا هي بالمَلَكِ) (¬6) عند موضع زمزم، فبحث بعَقِبه -أو قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف". قال ابن عباس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يرحم اللَّه أم إسماعيل؛ لو تركت ¬
زمزم -أو قال- لو لم تغرف من الماء، لكانت زمزم عَيْنًا مَعِينًا" -وفي رواية (¬1): أنها قالت بعد السَّبعْ: لو ذهبت فنظرت ما فعل؛ فإذا هي بصوت، فقالت: أَغِثْ إنْ كان عندك خير؛ فإذا جبريل، قال: فقال بعَقِبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض- قال: فانبثق الماء، فدَهَشت (¬2) أم إسماعيل، فجعلت أم إسماعيل (¬3) تَحْفِر"، قال: فقال أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو تركَتْهُ كان الماء ظاهرًا". قال (¬4): فشربتْ وأرضعتْ ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضَّيْعَة؛ فإنَّ ههنا بيت اللَّه، يبنيه (¬5) هذا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله -وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله (¬6)، فكانت كذلك، حتى مرت بهم رُفْقَةٌ من جُرْهُمْ، أو أهل البيت من جُرْهم مقبلين من طريق كَدَاء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرًا عَائِفًا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جَرِيًّا أو جرييّن؛ فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأم ¬
إسماعيل (¬1) عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أنْ ننزل عندك؟ قالت (¬2): نعم، ولكن لا حَقَّ لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأَلْفَى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تُحِبُّ الأُنْس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأَنْفَسَهُمْ وأعجبهم حيث شب، فلما أدرك زَوَّجُوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تَرِكتهُ، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عَيْشِهِمْ؟ (¬3) فقالت: نحن بِشَر، نحن في ضيق وشدة، وشكت (¬4) إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي (¬5) عليه السلام، وقولي له: يُغيِّر عتبةَ بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاء (¬6) من أحدٍ؟ قالت: نعم، جاءني شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته: أنَّا في جَهْدٍ وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: أمرني (¬7) أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غَيِّر عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ¬
ما شاء اللَّه، ثم أتاهم بعدُ فلم يجده، ودخل (¬1) على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهمتهم (¬2)؟ فقالت: نحن بخير وسَعَةٍ، وأثنت على اللَّه، قال (¬3): ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه -قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه- قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيه يُثَبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتاني شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته: أنَّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبتَ عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء اللَّه، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلًا له تحت دَوْحَة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل! إن اللَّه أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن اللَّه أمرني أن أبنيَ ههنا بيتًا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة وهما ¬
يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. وفي رواية قال: حتى ارتفعَ البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة، ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. الغريب: "غُرْلًا": غير مختونين. والغُرْلَة: ما يقطعه الخاتن، وهي القُلْفَة. و"الذِّيخ": بالذال والخاء المعجمتين من فوقهما- ذَكَر الضَّبْعَان. "يُناولها": بضم الياء؛ أي: يعطيها يده لتواقعه. و"تَنَاوَلَها": بالتاء باثنتين من فوقها، مد يده ليأخذها، واللَّه أعلم. و"المِنْطَقُ": الثوب يشد على الوسط، وربما ينجر على الأرض. و"تُعْفِّي": تخفى وتمحو لأجل غيرة سارة، "قَفَّى": ولاها قفاه، وهي مشددة الفاء. و"كُدَاءَ": الأول موضع بأسفل مكة، وهو بضم الكاف، والقصر كذلك. و"كَدَاء": الثاني ثَنِيّة بأعلى مكة، وهي بفتح الكاف والمد. و"يَنْشَغُ للموت": يشهق وتضيق نفسه. و"المجهود": الذي بلغ منه التعب والجهد. "صه": اسكت، تقول ذلك لنفسها. "فبحث": يحك بجناحه ويمسح. و"تُحَوِّضُه": تُصَيِّرُه كالحوض، وهو مجتمع الماء. "مَعينًا": بفتح الميم، كثيرًا طيبًا. و"عائفًا": طالبًا للماء هنا. و"الدوحة": الشجرة العظيمة. و"أَنْفَسهم": أي: صار نفيسًا فيهم؛ أي: رفيعًا بحيث يتنافس في الوصول إليه.
7 - باب في ذكر صالح وقوله تعالى: {كذب أصحاب الحجر المرسلين} الآيات [الحجر: 80]
و"الجَرِيُّ": بالياء المشددة الرسول المسرع؛ لأنه يجري. * * * (7) باب في ذكر صالح وقوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} الآيات [الحجر: 80] 1551 - عن عبد اللَّه بن زَمْعَة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذكر الذي عَقَرَ الناقة -فقال (¬1): "ابْتَدَرَ لها رجل ذو عِزٍّ ومَنَعَةٍ في قومه كأبي زمعة". 1552 - وعن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما نزل الحِجْر -في رواية (¬2): أرض ثمود الحِجْرَ - في غزوة تبوك- أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يَسْتَقُوا منها، فقالوا: قد عَجَنَّا منها واسْتَقَيْنَا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء. ¬
وفي رواية (¬1): وأن يَعْلِفُوا الإبل العجين، وأنْ يستقوا من البئر التي كانت تَرِدُها الناقة. وفي رواية (¬2): فأمرنا بإلقاء الطعام. 1553 - وعنه: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما مرَّ بالحِجْرِ قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم (¬3) إلا أن تكونوا باكين؛ أنْ يصيبكم ما أصابهم"، ثم تَقَنَّعَ بردائه وهو على الرَّحْلِ. الغريب: "الحِجْر": المحجور عليه؛ أي: المحاط به، ومنه الحجرة، وأصله: البناء المحيط، وقد يقال على الحرام، ومنه: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] وهو بكسر الحاء، وكذلك العقل، والأنثى من الخيل، فأما حَجْرَ اليمامة فهو بفتح الحاء، وهو المنزل فيها. و"أبو زمعة" قيل: اسمه: عبيد، وهو بَلَويّ (¬4) صحابي ممن بايع عند الشجرة، قاله أبو عمر. * * * ¬
8 - باب ذكر يوسف وأيوب عليهما السلام، وقوله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين (7)} [يوسف: 7]
(8) باب ذكر يوسف وأيوب عليهما السلام، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} [يوسف: 7] 1554 - عن أبي هريرة: سُئِلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَنْ أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم للَّه"، قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: "فأكرم الناس يوسف نبي اللَّه ابن نبي اللَّه ابن خليل اللَّه"، قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: "فَعَنْ معادنِ العرب تسألونني؟ الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقِهُوا". 1555 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يرحم اللَّه لوطًا، لقد كان يأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ. ولو لَبِثْتُ في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الداعي لأَجَبْتُهُ". * تنبيه: ظاهره عتبٌ على لوط؛ إذ التفت إلى من يركن إليه من الخلق، ويحتمل أن يكون قوله: "يرحم اللَّه لوطًا" افتتاحًا للكلام بالدعاء له بالرحمة، فإنه قد كان من شأنه أن يقول إذا أراد ذكر نبي: "رحمة اللَّه علينا وعلى فلان"، وحينئذ يكون قوله: "لقد كان يأوي إلى ركن شديد" خبرًا _______ 1554 - خ (2/ 469)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (19) باب قول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}، من طريق أبي أسامة، عن عبيد اللَّه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة به، رقم (3383). 1555 - خ (2/ 470)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق جويرية بن أسماء، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي عبيد، عن أبي هريرة به، رقم (3387).
9 - ذكر موسى عليه السلام
عن قوة اعتماد لوط على اللَّه تعالى، لكنه اعتذر للضيف بذلك القول، واللَّه أعلم. 1556 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينما أيوب يغتسل عُرْيَانًا، خَرَّ عليه رِجْلُ جَرَادٍ (¬1) من ذهب، فجعل يَحْثِي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غِنَى لي عن بركتك" (¬2). * * * (9) ذكر موسى عليه السلام 1557 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليلة أُسْرِيَ بي رأيتُ موسى؛ ¬
وإذا هو رجل ضَرْبٌ رَجِلٌ، كأنه من رِجَال شَنُوءة (¬1)، ورأيت عيسى؛ فإذا هو رجل رَبْعَة أحمر، كأنما خرج من من دِيمَاس، وأنا أشبه ولد إبراهيم (¬2) به، ثمَّ أتيت بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غَوَتْ أُمَّتُكَ". 1558 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الناس يُصْعَقُونَ يوم القيامة، فأكون أول من يُفِيق؛ فإذا أنا بموسى آخذٌ بقائمةٍ من قوائم العَرْشِ، فلا أدري أأفاق قبلي أم جُوزِيَ بصَعْقَةِ الطُّورِ؟ ". وقد تقدم حديث موسى مع الخضر في الإيمان. الغريب: "الدِّيماس": الحَمَّام. "الصَّعْقَة": صيحة منكرة، يكون معها موت ¬
10 - باب في براءة موسى من العيوب واصطفائه ووفاته
أو غشية. و"جُوزِيَ": أي: حوسب بها، فلم يُصْعَق مع الأحياء حين صعقوا، ويفهم منه: أن موسى وإن كان غائبًا عن عالمنا [فـ]ـإنه حيٌّ ممن يمكن أن يصعقَ مع مَن صعق من أحياء الناس في وقت نفخة الصعق، واللَّه أعلم. ويدل على هذا دلالة واضحة الحديث الآتي في وفاة موسى. * * * (10) باب في براءة موسى من العيوب واصطفائه ووفاته 1559 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن موسى كان رجلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى من جلده شيءٌ استحياءً منه، فآذاه مَنْ آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عَيْبٍ بجلده؛ إمَّا بَرَص، وإما آفة، وإما أُدْرَة (¬1)، وإنَّ اللَّه -عز وجل- (¬2) أراد أنْ يبرِّئَهُ مما قالوا بموسى (¬3)، فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه، ثمَّ اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحَجَرَ عَدَا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حَجَرُ، ثوبي ¬
حَجَرُ، حتى انتهى إلى ملأ من (¬1) بني إسرائيل، فرأوه عُرْيَانًا أحسن ما خلق اللَّه، وأبرأه مما يقولون، (¬2) وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفِقَ بالحَجَر ضربًا بعصاه"، فواللَّه إن الحجر لنَدْبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}. 1560 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ قال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاه اللَّه برسالاته وبكلامه، ثمَّ تلومني على أَمْرٍ قُدِّرَ عليَّ قبل أنْ أُخْلَقَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَحَجَّ آدمُ موسى" (¬3). 1561 - وعنه قال: أُرْسِلَ ملكُ الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صَكَّهُ، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، ¬
قال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على مَتْنِ ثور، فله بما غطت (¬1) يده بكل شعرة سنة، قال: أيْ رب! ثمَّ ماذا؟ قال: الموت، قال: فالآن، قال: فسأل اللَّه يُدْنِيهِ من الأرض المقدسة رَمْيَةً بحَجَرٍ، قال أبو هريرة عن (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قَبْرَهُ إلى جانب الطريق عند الكَثِيب الأحمر". * تنبيه: "حَجَرُ": مضموم الراء، على أنَّه منادى مفرد، محذوف حرف النداء على الشاذ؛ كقولهم: أَطْرِق كَرَا (¬3)، وافْتَد مَخْنُوق، والقياس أن لا يحذف حرف النداء مع النكرات ولا مع المبهم. وقوله: "حج آدم موسى"؛ أي: غلبه بالحجة، ووجهها أن موسى قد أعلمه اللَّه في التوراة بقضية آدم، وبأن اللَّه تاب عليه منها، ورفع عنه المعاتبة والمؤاخذة، وأنه قد رده إلى أحسن مما كان قبل، فعتاب موسى لا موقعَ له، فكأنه قال له: كيف تعاتبني وتؤاخذني وقد علمتَ أنَّ اللَّه قد أسقط عني ذلك، وكان بعض العارفين يقول: ذكر الجفاء في محلّ الصفاء جفاء، واللَّه أعلم. وصَكُّ موسى لملك الموت إنما كان؛ لأنه جاء ليقبض روحه ولم ¬
11 - باب ذكر يونس وقوله: {وإن يونس لمن المرسلين} إلى قوله: {وهو مليم} [الصافات: 139 - 142]
يخيِّره، وكان موسى قد علم أنَّ اللَّه لا يقبض نبيًّا حتى يخيره في الحياة وفي الموت كما قال نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لا يقبض نبيًّا حتى يخيّره"، فلما جاء ملك الموت بغير تخيير، فعل موسى معه فعل المؤدب، واللَّه أعلم، وقيل غير ذلك على ما ذكرناه في كتابنا "المُفْهِم"، وما ذكرناه في هذه المواضع المذكورة في هذا التنبيه هو أشبه ما قيل فيها إن شاء اللَّه. * * * (11) باب ذكر يونس وقوله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى قوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 139 - 142] 1562 - عن أبي هريرة قال: بينما يهوديٌّ يعرض سِلْعَةً (¬1) أعطى بها شيئًا كَرِهَهُ، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمع (¬2) رجل من الأنصار، فقام فلَطَمَ وَجْهَهُ، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أَظْهُرِنَا؟ فذهب إليه، فقال: يا أبا القاسم (¬3)! إن لي ذمَّةً وعَهْدًا؛ ¬
فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: "لِمَ لطمت وجهه؟ " فذكره، فغضب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى رُئِيَ في وجهه، ثمَّ قال: "لا تُفَضِّلُوا بين أنبياء اللَّه (¬1)، فإنَّه يُنْفَخُ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللَّه، ثمَّ ينفخ فيه أخرى، فأكون أول مَنْ بُعث؛ فإذا موسى آخذٌ بالعرش، فلا أدري أَحُوسِبَ لصعقه (¬2) يوم الطور، أمْ بُعِثَ قَبْلِي، ولا أقول: إنَّ أحدًا أفضل من يُونُسَ ابن مَتّى". وفي رواية (¬3): عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خير من يونس بن متَّى". وفي رواية (¬4): "لا تُخَيِّرُونِي على موسى -وفيها-: فلا أَدْرِي أكان ممن صُعِقَ فَأفاق قَبْلِي، أو كان ممن استثنى اللَّه؟ ". الغريب: "أبَقَ": فَرَّ مِنْ قومه لما لم يجيبوه. "الفُلْك": السفينة، ويقال على الواحد والجمع بلفظ واحد. ¬
12 - باب ذكر داود وسليمان عليهما السلام
و"المَشْحُون": المملوء. "فسَاهَمَ": قَارَعَ. "من المُدْحَضِين": المغلوبين. "فالتقمه": ابتلعه، وصَيَّره كاللقمة. "مُليم"؛ أي: ما يلام عليه، وهذا أولى من قول مجاهد: مذنب. "من المُسَبِّحين": قيل: من المُصَلِّين، وأولى منه القائلين: سبحانك إني كنت من الظالمين؛ لما روي من ذلك. "فَنَبَذْنَاهُ": ألقيناه كالمنبوذ. "بالعراء": الأرض العَرِيَّة عن النبات. "شجرة من يقطين"؛ أي: من غير ذات أصل؛ من قَطَنَ بالمكان: إذا قام فيه إقامة زائل، وهي القَرْعَة، وسَمَّاها شجرة وإن كانت من جنس ما يقال عليه نجم ونبات؛ لأنها أظلته بأوراقها وسترته فروعها. "أو يزيدون": قيل: للإبهام على السامع، وقيل: بمعنى الواو. * * * (12) باب ذكر داود وسليمان عليهما السلام 1563 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خُفِّفَ على داود (¬1) القرآن، فكان يأمر بدَوَابه فَتُسْرَجُ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده". ¬
1564 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن عِفْرِيتًا من الجِنِّ تَفَلَّتَ عليَّ البارحةَ؛ ليقطع عليَّ صلاتي، فامْكَنِني اللَّه منه فأخذته، فأردت أنْ أَرْبِطَه على سارية من سواري المسجد؛ حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرتُ دعوةَ أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فرددته خَاسِئًا". 1565 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال سليمان بن داود: لأَطُوفَنَّ الليلةَ على تسعين (¬1) امرأةً، تحمل كل امرأة فارسًا، يجاهد في سبيل، فقال له صاحبه: قل (¬2): إن شاء اللَّه، فلم يفعل، فلم تحمل (¬3) شيئًا إلا واحدًا ساقطَ (¬4) أحد شِقَّيْهِ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو قالها لجاهدوا في سبيل اللَّه". 1566 - وعنه: أنَّه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَثَلِي ومَثَلُ الناس كمثل ¬
رجل استوقد نارًا، فجعل الفَرَاشُ وهذه الدواب تقع في النار". قال: "وكانت امرأتان معهما ابناهما، فجاء (¬1) الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأَخْبَرَتَاهُ، فقال: ائتوني بالسكين أشقُّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك اللَّه، هو ابنها، فقضى به للصغرى". قال أبو هريرة: واللَّه إنْ سمعتُ بالسِّكِّين إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المُدْيَةَ. الغريب: "القرآن" الأول بمعنى: القراءة، والثاني: يعني به: الزبور الذي قال اللَّه فيه: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]، والزبر: هو الكتب، والزبور بمعنى: المزبور، وهو المكتوب. ويعني "بالدواب": الخيل المعدة للجهاد، وعمل يد داود كان في الدروع؛ كما قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80]، وقال {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11]. و"العِفْرِيت": من الجن والإنس: المتمرد الشديد الشر، واختلاف داود وسليمان في الحكم يدلّ على تصويب المجتهدين. * * * ¬
13 - باب ذكر لقمان وقوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان: 12]
(13) باب ذكر لُقْمَانَ وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] 1567 - عن علقمة، عن ابن مسعود قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شق ذلك على المُسْلِمينَ، فقالوا: يا رسول اللَّه! وأيُّنَا لا يظلم نفسه؟ فقال: "إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ". * تنبيه: قال ابن المسيّب: كان لقمان أسود نُوبِيًّا، من سودان مصر ذا مَشَافِرَ، وكان خياطًا، وقيل: نجارًا. ابن عباس: كان راعيًا. و"الحكمة": النبوة. عن عكرمة: وقيل: هي الفهم عن اللَّه، والعمل على مقتضاه. وروي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنَّ لقمان لم يكن نبيًّا ولكن عبدًا صمصامة، كثير التفكير، حسن اليقين، أحبَّ اللَّه فأحبَّهُ وخيّر في القوم بين الخلافة والحكمة، فقال: إن كان عزمًا فسمعًا وطاعةً، وإلا فأختار العافية، وأصل الظلم: وضع الشيء غير موضعه، وقد تقدم. * * * _______ 1567 - خ (2/ 484)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (41) باب قول اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ}. . . إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه بن مسعود به، رقم (3429).
14 - باب ذكر زكريا ويحيى عليهما السلام، وقوله تعالى: {يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا} [مريم: 7]
(14) باب ذكر زكريا ويحيى عليهما السلام، وقوله تعالى: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] 1568 - عن مالك بن صَعْصَعَة -في حديث الإسراء، وسيأتي إن شاء اللَّه- أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خَبَّرهم (¬1) عن ليلة أُسْرِيَ به: "ثمَّ صعد حتى أتى السماءَ الثانية فاستفتح، فقيل له: مَنْ هذا؟ (¬2) وذكره (¬3) - فلما خَلَصْتُ؛ فإذا بيحيى (¬4) وعيسى، وهما ابنا خالةٍ، قال: هذا يحيى وعيسى، فسَلِّمْ عليهما، فسلَّمْتُ فَرَدَّا، ثمَّ قالا: مرحبًا بالأخ الصالحِ والنبي الصالح". * * * ¬
15 - باب ذكر عيسى ومريم وآسية وقوله: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} [مريم: 16]
(15) باب ذكر عيسى ومريم وآسِيَة وقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16] 1569 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما من (¬1) بني آدم مولودٌ إلا يَمَسُّه الشيطان حين يولد، فيستهِلُّ صارخًا من مس الشيطان (¬2) غير مريمَ وابنها". ثمَّ يقول أبو هريرة: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]. 1570 - وعن عليٍّ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "خيرُ نسائها ¬
مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة". 1571 - وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَضْلُ عائشة على النساء كفضل الثَّرِيدِ على سائر الطعام، كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يَكْمُل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسيةُ امرأة فرعون". 1572 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "نساء قريش خير نساءٍ ركبن الإبل؛ أَحْنَاهُ على طفلٍ، وأرعاه على زوج في ذات يده". يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنتُ عمران بعيرًا قط. الغريب: الهاء في "نسائها" للدنيا، وهي وإن لم يجر لها ذكر لكنها يفسرها الحال والمشاهدة، ويعني بذلك: أنَّ كل واحدة منهما خير نساء عالمها في وقتها، واللَّه أعلم. و"أحناه": أشفقه وأرحمه. و"أرعاه": أحفظه. * * * _______ = أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}، من طريق النضر، عن هشام، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن عليّ، رقم (3432)، طرفه في (3815). 1571 - خ (2/ 486)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (46) باب قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ}. . . إلى قوله: {يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، من طريق شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى الأشعري به، رقم (3433). 1572 - خ (2/ 486)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة به، رقم (3434)، طرفه في (5082، 5365).
16 - باب في وصف عيسى عليه السلام والتحذير من الغلو فيه وقوله تعالى: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق}. . . إلى قوله: {وكيلا} [النساء: 171]
(16) باب في وصف عيسى عليه السلام والتحذير من الغُلُوِّ فيه وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}. . . إلى قوله: {وَكِيلًا} [النساء: 171] 1573 - عن عبادة بن الصَّامِتِ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من شهد أنْ لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل". وفي رواية (¬1): "أدخله اللَّه من أبواب الجنة الثمانية أيّها شاء". 1574 - وعن عمر بن الخطاب أنَّه قال على المنبر: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
يقول: "لا تُطْرُونِي كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد اللَّه ورسوله". 1575 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا أَوْلَى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لعِلَّات (¬1)، أُمَّهَاتُهم شتى، ودينهم واحد". وفي رواية (¬2): "ليس بيني وبينه نبي". 1576 - وفي حديث الإسراء من حديث أبي هريرة: أنَّه عليه السلام لقي عيسى فنعته؛ فقال: "رَبْعَة أحمر، كأنما خرج من دِيمَاس"؛ يعني: الحَمَّام. 1577 - ومن حديث ابن عمر: قال عليه السلام: "وأَرَاني الليلة عند ¬
الكعبة في المنام؛ فإذا رَجُل آدمُ (¬1) كأحسن ما يُرى من أُدْمِ الرجال، تضرب لَمَّتُه (¬2) بين منكبيه، رَجِلُ (¬3) الشعر يَقْطُر رأسه ماءً، واضعًا يديه على مَنْكِبَيْ رجلين وهو يطوف بالبيت". 1578 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تُحْشَرُون حفاة غُرْلًا، ثمَّ قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، فأول من يُكْسَى إبراهيم، ثمَّ يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي! فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فَارَقْتَهُمْ، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117 - 118] ". قال قبيصة: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر (¬4). ¬
1579 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لَيُوشِكَنَّ أنْ ينزل فيكم ابنُ مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، ثمَّ يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. 1580 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف أنتم إذا نزل ابنُ مريم فيكم، وإمَامُكم منكم". الغريب: "لَيُوشِكَنَّ"؛ أي: لابد من ذلك سريعًا. و"يضع الجزية": قيل: يضربها على من لم يؤمن، وقيل: لا يأخذها لعدم احتياج الناس إليها؛ لما تخرج الأرض من زكاتها، ولما تلقيه من بطنها من الأموال، وإلى هذا أشار بقوله: "ويفيض المال" كما قد جاء مُفَسَّرًا في غير هذا الحديث. {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (إِنْ) بمعنى: ما؛ أي: لا يبقى أحد من النصارى واليهود إلا آمن بعيسى عند نزوله، وقتله الخنزير ووضعه الجزية، هذا أحسن ما قيل فيه. _______ 1579 - خ (2/ 490)، (60) كتاب أحاديث الأنبياء، (49) باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام، من طريق صالح، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة به، رقم (3448). 1580 - خ (2/ 491)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري، عن أبي هريرة به، رقم (3449).
17 - باب في قوله تعالى في عيسى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا} [آل عمران: 46]
و"إمامكم منكم"؛ أي: رجل منكم؛ أي: لا يتأمَّر عليكم ولا يؤمكم، كما قد جاء في "مُسْلِم" أنَّه يقال له: "تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تَكْرِمَةَ اللَّه هذه الأُمَّة". * * * (17) باب في قوله تعالى في عيسى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [آل عمران: 46] 1581 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لم يَتَكَلَّمْ في المَهْدِ إلا ثلاثةٌ: عيسى؛ وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جُرَيْج يصلي، جاءته أُمُّه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت (¬1): اللهم لا تُمِتْهُ حتى تُرِيَهُ وجوه المُومِسَات، وكان جريج في صومعته، فتَعَرَّضت له امرأة، فكلمته (¬2) فأبى، فأتت راعيًا، فأمكنته من نفسها، فولدت غلامًا، فقيل لها: ممن؟ فقالت: من جُرَيج، فأَتَوْهُ فكسروا صومعته، وأنزلوه وسَبُّوه، وتوضأ وصلَّى، ثمَّ أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ فقال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا، إلا من طين، وكانت امرأة ترضع ابنًا ¬
18 - قول الله -عز وجل-: {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13] وما ينهى عنه من دعوى الجاهلية
لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثمَّ أقبل على ثديها يمصه -قال أبو هريرة: كأني انظر إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمصُّ إِصْبَعَه- ثمَّ مُرَّ بأَمَةٍ، فقالت (¬1): اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذلك (¬2)؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأَمَةُ يقال لها: سرقت زنيت، ولم تفعل". الغريب: "المُومِسَاتُ": جمع مومسة، وهي الزانية. و"الشارة": الهيئة الحَسَنَة التي يتعجب منها ويشار إليها. * * * (18) قول اللَّه -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] وما يُنْهَى عنه من دعوى (¬3) الجاهلية 1582 - ابن عباس: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} [الحجرات: 13] قال: ¬
الشعوب: القبائل العظام، والقبائل: البطون. وقال البخاري: الشعوب: النَّسَب البعيد، والقبائل: دون ذلك. 1583 - وعن كُلَيْب بن وائل قال: حدثتني رَبِيتَةُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زينب بنت أبي سلمة، قال: قلت لها: أرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكان من مُضَرَ؟ قالت: فممن كان إلا من مُضَرَ من ولد كِنَانة (¬1)؟ . 1584 - وعن أبي هريرة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الناس تَبَعٌ لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلمهم (¬2)، وكافرهم تبع لكافرهم. . ." الحديثَ، وقد تقدم في العلم. 1585 - وعن ابن عباس: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}: أقرباء محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال (¬3): إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن بطنٌ من قريش إلَّا وله فيه قرابة، فنزلت فيه (¬4): إلا أنْ تَصِلُوا قرابةً بيني وبينكم. ¬
1586 - وعن أبي ذر: أنَّه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليس مِنْ رَجُلٍ ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر (¬1)، ومن ادَّعى قومًا ليس لهم فيهم نسب (¬2)، فليتبوأ مقعده من النار". 1587 - وعن واثلة بن الأَسْقَعِ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ من أعظم الفِرَى أن يَدَّعِيَ الرجل إلى غير أبيه، أو يُرِيَ عينَهُ ما لم تَرَ (¬3)، أو يقولَ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لم يَقُلْ". 1588 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الفَخْرُ والخُيَلَاء في الفَدَّادِين أهل الوَبَر، والسكينة في أهل الغنم، والإيمان يَمَانٍ والحكمة يمانية". ¬
19 - باب في مناقب قريش والأنصار وجهينة ومزينة
قال البخاري: سميت اليمن؛ لأنها عن يمين الكعبة، والشام لأنها عن يسار الكعبة. و"المَشْأَمَة": الميسرة، واليد اليسرى الشُّؤْمَى، والجانب الأيسر الأشأم. الغريب: "الخُيَلَاء": التبختر والتكبر. و"الفدّاد": المتكبر، وأصل الفديد الصوت. و"أهل الوبر": أهل الإبل. و"السكينة": السكون وانكسار النفس، وهو خبر عن الغالب من أحوال المذكورين. * * * (19) باب في مناقب قريش والأنصار وجُهَيْنَة ومُزَيْنَة 1589 - عن الزهري قال: كان (¬1) جُبَيْر بن مُطْعِم يحدث: أنَّه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش: أنَّ عبد اللَّه بن عمرو بن العاص يحدث: أنّه سيكون مَلِكٌ من قَحْطَانَ، فغضب معاوية، فقام: فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثمَّ قال: أما بعد، فإنَّه بلغني أن رجالًا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب اللَّه تعالى (¬2)، ولا تُؤْثَرُ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأولئك جهالكم، فإياكم ¬
والأماني التي تُضِلُّ أهلها؛ فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا يُعادِيهم أحدٌ إلا كَبَّهُ اللَّه على وجهه، ما أقاموا الدِّين". * تنبيه: قلت: هذا الذي أنكره معاوية على عبد اللَّه بن عمرو قد صح من حديث غيره على ما رواه البخاري (¬1) من حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رَجُلٌ من قَحْطَانَ يسوق الناس بعَصَاهُ"، ولا تناقض بين الحديثين؛ لأنَّ خروج هذا القحطاني إنما يكون إذا لم تُقِمْ قريشُ الدين، فيدال عليهم في آخر الزمان، ولعله هو الملك الذي يخرج عليه الدجال، واللَّه أعلم. 1590 - وعن ابن عمر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان". 1591 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأَسْلم وأشجع وغِفَار مَوَالِيَّ، ليس لهم مولًى دون اللَّه ورسوله". * * * ¬
20 - باب مناقب أسلم وغفار
(20) باب مناقب أَسْلَمَ وغِفَارَ 1592 - عن عبد اللَّه -هو ابن عمر-: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال وهو على المنبر: "غِفَارُ غفر اللَّه لها، وأَسْلَم سَالَمَهَا اللَّه، وعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ ورسولَهُ". 1593 - وعن أبي بَكْرَةَ: أنَّ الأَقْرَعَ بن حَابِس قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنما بايعك سُرَّاق (¬1) الحجيج من أسلم وغِفَار ومُزَيْنة -وأحسبه: جُهَيْنَة- قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيت إن كان أسلمُ وغفار ومُزينة -وأحسبه: جهينة- خيرًا من بني تميم ويني عامر وأسد وغَطَفَان خَابُوا وخسروا؟ " قال: نعم، قال (¬2): "والذي نفسي بيده إنهم لأخيرُ منهم". 1594 - وفي طريق أخرى: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَسْلَمَ وغِفَارُ وشيء من مزينة وجُهَيْنَة -أو قال: شيء من جُهينة أو مُزينة- خير عند اللَّه -أو قال: ¬
21 - باب كيف كان ابتداء أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة وظهوره
يوم القيامة- من أسد وتميم، وهوازن، وغطفان". * * * (21) باب كيف كان ابتداء أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة وظهوره 1595 - عن أبي جَمْرَة قال: قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنت رجلًا من غِفَارَ، فبلغنا: أنَّ رجُلًا قد خرج بمكة يزعم: أنَّه نَبِيٌّ، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلمه، وائْتِني بخبره، فانْطَلَقَ فلقيه، ثمَّ رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال: واللَّه لقد رأيت رجلًا يأمر بالخير، وينهى عن الشر، فقلت له: لم تشفني من الخبر، فأخذت جِرابًا وعصا، ثمَّ أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد، قال: فمر بي علي بن أبي طالب (¬1)، فقال: كأنَّ الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم، قال: فانْطَلِقْ إلى المنزل، قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غَدَوْتُ إلى المسجد لأسأل عنه، فليس أحد يخبرني عنه بشيء، قال: فمرّ بي عليٌّ، فقال: أما نَاءَ (¬2) للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: ¬
لا، قال: انطلق معي، قال: فقال: ما أَمْرُكَ، وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كَتَمْتَ عليَّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: قلت (¬1): بلغنا أنَّه قد خرج هاهنا رجلٌ يزعم أنَّه نبي، فأرسلت إليه أخي ليكلمه، فرجع ولم يَشْفِني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال (¬2): أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه، فاتبعني ادْخُلْ حيث أَدْخُلْ (¬3)؛ فإني إنْ رأيتُ أحدًا أخَافُه عليك قمت إلى الحائط (¬4)، كأني أصلح نعلي وامْضِ أنت، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت له: اعرض عليَّ الإِسلام فعرضه، فأسلمت مكاني، فقال لي: "يا أبا ذر! اكتُمْ هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقْبِلْ"، فقلت: والذي بعثك بالحق لأَصْرُخَنَّ بها بين أَظْهُرِهِمْ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معاشر (¬5) قريش! إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا، فضُرِبْتُ لأموتَ، فأدركني العباس فأكبّ علي، ثمَّ أقبل عليهم فقال: ويلكم تقتلون رَجُلًا من غِفَار ومتجركم ومَمَرُّكم على غفار؟ فأقْلَعوا عني، فلما أن أصبحت الغَدَ رجعت، فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فصُنِعَ بي مثل ما صُنع بالأمس، فأدركني العباس فأكبَّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس، قال: فكان هذا ¬
22 - باب في أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكنيته ونسبه
أول إسلام أبي ذر (¬1). قوله: "أما نَاءَ"؛ أي: آن، وهما لغتان بمعنى: حَانَ، واللَّه أعلم. * * * (22) باب في أسماء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكنيته ونسبه 1596 - عن محمد بن جُبَيْر بن مُطْعِم، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لي خمسة أسماء: أنا محمَّد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو اللَّهُ بي الكُفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب". 1597 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تَعْجَبُونَ كيف صرف اللَّهُ عني شَتْمَ قريش ولعنَهُم؟ يشتمون مُذَمَّمًا، ويلعنون مُذَمَّمًا، وأنا محمَّد" (¬2). ¬
1598 - وعن أنسٍ قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم! فالتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "سَمُّوا باسمي، ولا تَكْنُوا (¬1) بِكُنْيَتِي". 1599 - وعن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سموا (¬2) باسمي، ولا تَكْنُوا (¬3) بِكُنْيَتِي". 1600 - وعن عائشة قالت: استأذن حسان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هجاء المشركين، قال "كيف بِنَسَبِي؟ (¬4) "، قال حسان: لأَسلَّنك منهم (¬5) ¬
23 - باب ختم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الأنبياء والنبوة وخص بخاتمها
كما تُسَلُّ الشعرة من العجين. 1601 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بُعِثْتُ من خيرِ قرون بني آدم قرنًا فقرنًا، حتى كنتُ من القَرْنِ الذي كنت منه". * * * (23) باب خُتِم بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنبياء والنبوة وخُص بخَاتَمِها 1602 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلِي ومَثَلُ الأنبياء، كرَجُلٍ بني دارًا، فأجملها (¬1) وأَحْسَنَهَا إلا موضعَ لَبِنَةٍ، فجعل الناس يدخلونها ويتعجَّبُون، ويقولون: لولا موضعَ اللَّبِنَة". 1603 - وعن أبي هريرة: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ مَثَلِي ومَثَل الأنبياء من قَبْلِي كمثل رَجُلٍ بَنَى بيتًا، فأَحْسَنَهُ وأجمله إلا موضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، ¬
فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون منه، ويقولون: هَلَّا وُضِعَتْ هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتم الأنبياء". 1604 - وعن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! إن ابنَ أخي وَجِعٌ (¬1)، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشَرِبْتُ من وَضوئه، ثمَّ قمتُ خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمٍ بين (¬2) كتفيه مثل زِرِّ الحَجَلَةِ. قال محمد بن عبيد اللَّه -وهو شيخ البخاري-: الحَجْلَةُ من حَجَلِ الفَرَسِ الذي بين عينيه. قلت: أنكر المشايخ هذا القول؛ لأنَّ التحجيل في الفرس إنما هو في قوائمه لا بين عينيه، ولا يقال فيه: حَجَل، ولا حَجَلة، وإنما الحَجَلة السِّتْر الذي يستر به، وتجمع حجال، ومنه: قول عليّ: يا عُقُول رَبَّات الحِجَالِ (¬3). ولها أزْرَارٌ يضم بعضها إلى بعض كأزرار القُمُص، فشَبَّهَ الثآليلَ التي كانت في خاتم النبوة بتلك الأزرار، واللَّه أعلم. * * * ¬
24 - باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-
(24) باب صفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 1605 - عن وهب أبي جُحَيْفَةَ السُّوَائِي قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان الحسن (¬1) يشبهه. قال إسماعيل بن أبي خالد: قلت لأبي جُحَيْفَة: صفه لي، فقال: كان أبيضَ قد شَمِطَ، وأمر لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاثة عشرةَ قَلُوصًا، قال: فَقُبِضَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن نقبضها. وفي رواية (¬2) عنه: قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورأيت بَيَاضًا تحتَ شَفَتِهِ السُّفْلَى العَنْفَقَة. 1606 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يَصِفُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: كان رَبْعَةً من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أَزْهَرَ اللون، ليس بأبيض (¬3) ولا آدم، ليس بِجَعْد قَطَط، ولا سَبِط رَجِلٍ، أُنْزِلَ ¬
عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه، وبالمدينة عشر سنين، قُبِضَ (¬1) وليس في رأسه ولحيته عشرون شَعْرَةً بيضاء، قال ربيعة: فرأيت شعرًا من شعره؛ فإذا هو أحمر فسألت؟ فقيل لي (¬2): احْمَرَّ من الطِّيبِ. 1607 - وعن البراء قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسن الناس وجهًا، وأحسنه خَلْقًا، ليس بالطويل البَائِنِ، ولا بالقصير. وفي رواية (¬3): قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرْبُوعًا، بَعِيدَ ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أُذْنَيْهِ، رأيته في حُلَّةٍ حمراء لم أَرَ شيئًا قط أحسن منه. 1608 - وعن أبي إسحاق قال: سُئِلَ البراء: أكان وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل السَّيْف؟ قال: لا بل مثل القمر (¬4). ¬
25 - باب حسن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وما جبل عليه
الغريب: "الشَّمِطُ": مخالطه الشيب. و"القَلُوص" في الإبل: الفتية كالجارية في النساء. و"الشِّعْرُ القَطَط": الشديد الجعودة. و"الطويل البائن": الذاهب فيه طولًا. * * * (25) باب حُسْنِ خلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وما جُبِلَ عليه 1609 - وعن أبي جُحَيْفَةَ قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهَاجِرَةِ بالبطحاء فتوضأ، ثمَّ صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وبين يديه عَنَزَةٌ، تَمُرُّ من ورائها المرأةُ (¬1)، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم، قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي؛ فإذا هي أَبْرَدُ من الثلج، وأطيب رائحة من المِسْكِ. 1610 - وعن ابن عباس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود الناس ¬
بالخير. وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه (¬1) في كل ليلةٍ من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المُرْسَلَة. 1611 - وعن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تَخَلَّفَ عن تبوك قال: فلما سَلَّمْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يَبْرُقُ وجهه من السرور، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر (¬2). 1612 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: لم يكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا، وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا". 1613 - وعن أبي سعيد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشدُّ حياءً من العذراء في خِدْرِهَا. ¬
1614 - وعن أنس بن مالك يُحَدِّثُ عن ليلة أُسْرِيَ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من مسجد الكعبة: جاء (¬1) ثلاثة نَفَرٍ قبل أن يوحى إليه -وهو نائم في مسجد الحرام (¬2) - فقال أولهم: أيُّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، وقال آخرهم: خذوا خَيْرَهُم، فكانت تلك، فلم يَرَهُمْ حتى جاؤوا ليلةً أخرى فيما يَرَى قلبُه، والنبي نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه، وكذا (¬3) الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (¬4)، ثمَّ عرج به إلى السماء. الغريب: "العَنَزَةُ": رمح قصير. و"من ورائها"؛ يعني: أمامها؛ كقوله {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79]. و"أجود ما يكون": يُروى برَفْعِ الدال وفَتحها، مَنْ رَفَعَها أَوْجَهُ؛ لأنه مبتدأ، وخبره "في رمضان"، و"ما": مصدرية تقديره: أجود أكوانه في رمضان. و"الفاحش": المجبول على الفُحْشِ. و"المُتَفَحِّش": الذي يتعاطاه. * * * ¬
26 - باب من علامات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإسلام فمن ذلك نبع الماء من بين أصابعه
(26) باب من علامات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الإِسلام فمن ذلك نَبْعُ الماء من بين أصابعه 1615 - عن عمران بن حصين: أنهم كانوا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَسِيرٍ فأَدْلَجُوا ليلتهم -وذكر الحديث نحو ما تقدم في التيمم، وقال فيه هنا: وجعلني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رَكُوبٍ بين يديه وقد عطشنا عَطَشًا شديدًا، فبينا (¬1) نحن نسير؛ إذا نحن بامرأة سَادِلَةٍ رجليها بين مَزَادَتَيْنِ، فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء، فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يومٌ وليلةٌ، فقلنا: انطلقي إلى رسول اللَّه (¬2)، قالت: وما رسول اللَّه؟ فلم نُمَلِّكها من أمرها حتى استقبلنا (¬3) بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حَدَّثَتْهُ أنها مُؤْتِمَةٌ، فأمر بمزادتيها، فمسح بالعَزْلَاوَيْنِ (¬4)، فشربنا عطاشًا أربعين رجلًا حتى روينا، فملأ ذا كل قِرْبَةٍ معنا وإداوةٍ غير أَنَّا لم نسقِ بَعِيرًا وهي تكاد تَنَضَّر (¬5) من الملْء (¬6) ثمَّ قال "هاتوا ما عندكم"، ¬
فجمع لها من الكِسَرِ والتمر، حتى أتت أهليها (¬1)، قالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى اللَّهُ ذلك الصِّرْمَ بِتِيكَ (¬2) المرأة، فأسلمت وأسلموا. 1616 - وعن قتادة، عن أنس قال: أُتِيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإناء وهو بالزَّوْرَاءِ، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاث مئة أو زُهَاءَ ثلاث مئة. وفي رواية (¬3): فرأيت الماء يَنْبُعُ من تحت أصابعه. وفي رواية (¬4): فجاء رجل من القوم بقَدَحٍ (¬5) من ماءٍ يسيرٍ، فأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتوضأ، ثمَّ مد أصابعه الأربعة (¬6) على القدح، ثمَّ قال: "قوموا فتوضؤوا (¬7) "، فتوضأ القوم، حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين أو نحوه. ¬
وفي رواية (¬1): فأُتِيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمِخْضَب من حجَارةٍ، فوضع كله وصَغُرَ (¬2) المخصب أن يبسط فيه كفّه، فضم أصابعه فوضعها في المخضب، فتوضأ القوم كلهم جميعًا، قلت: كم كانوا؟ قال: كانوا (¬3) ثمانين رجلًا. 1617 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين يديه رَكْوَةٌ، فتوضأ جَهَشَ (¬4) الناس نحوه، فقال (¬5): "ما لكم؟ " قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يديه في الرَّكْوَةِ، فجعل الماء يَثُورُ بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئةَ أَلْفٍ لكفانا، كنا خمس عشرة مئة. 1618 - وعن البراء قال: كنا بالحديبية أربع عشرة مئة والحديبية بئر فَنَزحْنَاهَا، حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ¬
27 - باب في معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبركته في الطعام وغيره
شَفِير البئر، فدعا بماء، فمضمضَ ومَجَّ في البئر، فمكثنا غير بعيد، ثمَّ اسْتَقَيْنَا حتى روينا ورَوَتْ -أو صَدَرَتْ- ركائبنا. الغريب: "أَدْلَجُوا": ساروا ليلتهم. و"جعلني": كذا وقع، وصوابه: عَجَلني؛ أي: أمرني بالعَجَلَةِ. و"الرَّكُوب": بفتح الراء، وهو تذكير رَكُوبَة، وهي ما يُرْكَبُ من الإبل. و"سَادِلة رجليها"؛ أي: مرسلتهما. و"المَزَادَة": القِرْبَة يزاد فيها جلد من غيرها. و"مُؤْتمِة": ذات أيتام. و"تكاد": تقارب. و"تنضّر": كذا وقع هنا، وهو من الضرر؛ يعني: قاربت؛ أي: تنشق، وفي "كتاب مسلم": تَضَرَّجُ (¬1) بمعناه، و"الصِّرْمُ": بكسر الصاد، البيوت المجتمعة. و"زهاء": ممدودًا قدْر. و"المِخْضَب": إناء يبلغ الخضاب إذا أَدْخَلَ اليَدَ فيه، وقد قيل فيه أيضًا: الغُمر؛ لأنه يغمر اليد، واللَّه أعلم. و"جَهَشَ الناس": أسرعوا إلى الماء متهيئين لأخذه. * * * (27) باب في معجزة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبركته في الطعام وغيره 1619 - عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنَّه سمع أنس بن مالك ¬
يقول: قال أبو طلحة لأم سُلَيْم: لقد سمعت صوت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالتْ: نعم، فأخرجت أَقْرَاصًا من شعير، ثمَّ أخرجت خِمَارًا لها، فَلَفَّتِ الخبزَ ببعضه، ثمَّ دَسَّتْهُ تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثمَّ أرسلتني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فذهبت به، فوجدت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آرْسَلَكَ أبو طلحة؟ " فقلت: نعم، قال: "بطعام؟ " قلت: نعم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن معه: "قوموا"، فانطلق فانطلقت (¬1) بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة (¬2) فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أُمَّ سُلَيْم: قد جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: اللَّه ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو طلحة معه، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلُمِّي يا أُمَّ سُلَيْم ما عندك"، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَفُتَّ، وعَصَرَتْ عليه أم سُلَيْم (¬3) عُكَّةً فأَدَمَتْهُ، ثمَّ قال فيه (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما شاء اللَّه أن يقول، ثمَّ قال: "ائْذَنْ لعَشَرَةٍ"، فأَذِنَ لَهُم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: ¬
"ائذن لعشرة"، (فأَذِنَ لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم) (¬1)، فأكل القوم كلهم (¬2) وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلًا. وفي رواية (¬3) والقوم ثمانون، ولم يشك. 1620 - وعن علقمة، عن عبد اللَّه قال: كنا نَعُدُّ الآيات بركةً، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر فَقَلَّ الماءُ، فقال: "اطلبوا فضلة من ماء"، فجاؤوا بإناءٍ فيه ماء قليلٍ، فأدخل يده في الإناء، ثمَّ قال: "حَيَّ على الطَّهُورِ المبارك، والبركة من اللَّه"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يأكل. 1621 - وعن جابر: أنَّ أباه توفي وعليه دَيْنٌ، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: إن أبي ترك عليه دَيْنًا، وليس عندي إلا ما يخرج نَخْلُهُ، ولا يبلغ ما تخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يَفْحُش عليَّ الغرماءُ، فمشى حول ¬
28 - باب حنين الجذع آية للنبي -صلى الله عليه وسلم-
بَيْدَرٍ (¬1) من بيادر التمر فدعا، ثمَّ آخر ثمَّ جلس عليه، فقال: "انزعوه" (¬2) فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطيتهم (¬3). وفي رواية (¬4): أنَّه عليه السلام أطاف حول أعظمها بَيْدَرًا ثلاث مرات، ثمَّ جلس عليه، ثمَّ قال: "ادع أَصْحَابَك"، فما زال يكيل لهم حتى أدَّى اللَّهُ عن والدي أمانته، وأنا راض أن يؤدي اللَّه أمانةَ والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرةٍ، فسَلَّم اللَّهُ البَيَادِرَ كلها، وحتى أَني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كأنها لم تنقص تمرة واحدة. * * * (28) باب حنين الجذع آية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 1622 - عن ابن عمر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُبُ إلى جِذْعٍ، فلما اتخذ المنبر تَحَوَّل إليه، فَحَنَّ الجِذْعُ، فأتاه فمسح يده عليه. ¬
29 - باب إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن كثير من المغيبات فوجدت كما أخبر، فكان ذلك من جملة آياته
1623 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرةٍ أو نخلةٍ، فقالت امرأة من الأنصار -أو رجل-: يا رسول اللَّه! ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: "إنْ شئتم"، فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دُفِعَ إلى المنبر، فصاحت النخلةُ صياح الصبي، ثمَّ نزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فضمه إليه يَئِنُّ أَنِينَ الصبي الذي يُسَكَّنُ، قال: كانت تبكي على ما (¬1) كانت تسمع من الذكر عندها. وفي رواية (¬2) عنه: فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العِشَار (¬3)، حتى جاء النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوضع يده عليها فسكنت. * * * (29) باب إخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كثير من المُغَيَّبات فوجدت كما أخبر، فكان ذلك من جملة آياته 1624 - عن حذيفة: أنَّ عمر بن الخطّاب قال: أيُّكم يحفظ قول ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هاتِ، إنك لجريء، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفِّرُهَا الصلاة والصدقة والأمر وبالمعروف والنهي عن المنكر"، قال: ليست بهذه، ولكن التي تَمُوجُ كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين! لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها بابًا (¬1)، قال: يُفْتَحُ أو يُكْسَرُ؟ (¬2) قال: لا بل يكسر، قال: ذلك أحرى ألَّا يُغْلَقَ، قلنا: عَلِمَ الباب؟ قال: نعم، كما علم أن دُونَ غدٍ الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأَغَالِيطِ، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقًا فسأله، فقال: من الباب؟ فقال: عمر. 1625 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نِعَالَهُم الشَّعَر، وحتى تقاتلوا التُّرْكَ، صِغَار الأعين، حُمر الوجوه، ذُلْفَ الأنوف، كأنَّ وجوههم المِجَانُّ المُطْرَقة، وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر (¬3) حتى يقع فيه، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام، وليأتين على أحدكم زمانٌ لأَنْ يراني أحدهم أحبَّ إليه من أن يكون له مثلُ أهله وماله". ¬
1626 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خُوزًا وكِرْمَانَ من الأعاجم، حُمر الوجوه، فُطْسُ الأنوف، صغار الأعين، وجوههم المَجَانُّ المطرقة، نعالهم الشعر". ومن حديثه (¬1): "بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر، وهو هذا البَارِز". وفي رواية (¬2): "وهم أهل البَارِز (¬3) ". 1627 - وعن عمرو بن تَغْلِبَ (¬4) قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تقاتلكم اليهودُ، فَتُسَلَّطُونَ عليهم، حتى يقول الحَجَرُ: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله". ¬
1628 - وعن أبي سعيد: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زَمَانٌ يغزون، فيقال: فيكم من صَحِبَ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1)؟ فيقولون: نعم، فيُفْتَحُ عليهم، ثمَّ يغزون، فيقال: هل فيكم من صَحِبَ من صحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2)؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم". 1629 - وعن عَدِيِّ بن حاتمٍ قال: بينا أنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه الفاقةَ، ثمَّ أتاه آخر فشكا إليه قطعَ السبيل، فقال: "يا عَدِيُّ! هل رأيت الحِيرةَ؟ " قلت: لم أرها، وقد أُنْبِئْتُ عنها، قال: "فإن طالت بك حياة لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا اللَّه -قلتُ فيما بيني وبين نفسي: فأَيْنَ دُعَّارُ طيئ (¬3) الذين قد سَعَّروا البلاد (¬4) - ولَئِنْ طالت بك حياة لَتُفْتَحَنَّ كنوزُ كسرى"، قلت: كسرى بن هُرمُز؟ قال: "كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخْرِج مِلْءَ كَفِّه من ¬
ذهب أو فضة يَطْلُب من يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، وَلَيَلْقِيَنَّ اللَّهَ أحدُكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه تَرْجُمَان يترجم له، فليقولن (¬1): ألم أبعثْ إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أُعْطِكَ مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلَّا جهنم، وينظر عن يساره، فلا يرى إلا جهنم". قال عديّ: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة". قال عَدِيٌّ: فرأيت الظَّعِينَةَ ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا اللَّه، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لَتَرَوُن ما قال النبيُّ أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يخرج ملء كفه". الغريب: "لَجَرِيء": اسم فاعل من الجَرْأة، وهي الإقدام على الصعب من الأمور، وترك الالتفات إليها، وتفسير حذيفةَ البابَ لعمر فيه إشكال؛ فإن الواقع في الوجود يشهد أنَّ الأَوْلَى بذلك أن يكون عثمان؛ لأنَّ قتله هو السبب الذي فَرَّقَ كلمةَ الناس، وأوقع بينهم تلك الحروب العظيمة، والفتن القاتلة، واللَّه أعلم. "ذُلْفُ الأنوف"؛ أي: صغارها، يقال: رجل أَذْلَف وامرأة ذَلْفَاء. و"المَجَانُّ": جمع مِجَنُّ، وهو التُّرْس والمُطْرَقَةَ المجعول عليها الجلود بعضها على بعض من قولهم: طرَّقْتُ النعل. ¬
30 - باب إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخوارج وقتلهم
و"الظعينة": المرأة في الهَوْدَجِ. و"الدُّعَّارُ": بالعين المهملة، جمع داعر، وهو الشديد الشر من قولهم: عود داعر. وقوله: "نعالهم الشَّعَر"؛ يعني -واللَّه أعلم-: أنهم يصنعون من الشعر حبالًا، ثمَّ يصنعون منها نعالًا وثيابًا يلبسونها كما قد جاء في "كتاب مسلم" (¬1): "يلبسون الشَّعَر". * * * (30) باب إخبار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخوارج وقتلهم 1630 - عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: بينما نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقسم قَسْمًا أتاه ذو الخُرَيْصِرَة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول اللَّه! اعدلْ، فقال: "ويلك، ومن يَعْدِلْ إذا لم أَعْدِلْ، قد خِبْتُ وخَسِرْتُ إن لم أكن أعدل"، فقال عمر: يا رسول اللَّه! ائذن لي فيه أضرب عنقه، فقال "دَعْهُ؛ فإن له أصحابًا يَحْقِرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، يَمْرُقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّةِ، ¬
تنظر إلى نَصْلِهِ فلا يوجد فيه شيء، ثمَّ تنظر (¬1) إلى رِصَافِهِ فلا يوجد فيه شيء، ثمَّ تنظر (¬2) إلى نَضِيِّهِ (¬3)، فلا يوجد فيه شيء، ثمَّ تنظر (¬4) قُذَذَهِ فلا يوجد فيه شيء، سبق الفَرْثَ (¬5) والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عَضُدَيْهِ مثلُ ثَدْيِ المرأة، مثلُ (¬6) البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقَةٍ من الناس"، قال أبو سعيد: فاشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأشهد أنَّ علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتُمِس، فأُتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي نعته. 1631 - وعن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ قال: قال علي -رضي اللَّه عنه-: إذا حدثتكم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَنْ (¬7) أَخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم؛ فإن الحرب خَدْعَةٌ، سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يأتي في آخر الزمان قومٌ حُدَثَاءُ الأسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأحلام، تَقُولُ (¬8) من خير قول البرِيَّة، ¬
31 - باب من كرامات النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال هجرته
يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِيَّةِ، لا يجاوز إيمانهم حَنَاجِرَهُمْ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة". الغريب: "التَّرَاقِي": جمع تَرْقُوَة، وهي عظام أعلى الصدر. و"يَمْرُقُون": يخرجون. و"الرَّمِيَّة": المَرْمِيَّةَ، فعيلة بمعنى مفعولة. و"النَّصْلُ": حديدة السهم. و"الرِّصَاف": مدخل الحديدة في السهم. و"النَّضِيّ": عود السهم. و"القُذَذ": الريش. و"خَدْعَة" بفتح الخاء وسكون الدال، وهي لغة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ أي: ذات خداع، ويُروى بضم الخاء وفتح الدال، أي: تخدع الناس، ويروى بضم الخاء وسكون الدال؛ أي: تُخْدَع هي في نفسها؛ أي: تحتقر في أول أمرها، ثم بعد ذلك يعظم أَمْرُهَا. * * * (31) باب من كرامات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حال هجرته 1632 - عن البَرَاء بن عازب قال: جاء أبو بكر -رضي اللَّه عنه- إلى أبي في منزله، فاشترى منه رَحْلًا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملت معه، وخرج أبي يَنْتَقِدُ ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر! حدثني كيف صنعتما حين سَرَيْتَ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم، أَسْرَيْنَا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة، لها _______ 1632 - خ (2/ 532)، (61) كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، من طريق زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب به، رقم (3615).
ظل لم تأتِ عليها (¬1) الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكانًا بيدي فنام عليه، وبسطت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَروة وقلت (¬2): نم يا رسول اللَّه وأنا أَنْفُضُ لك ما حولك، فنام وخرجت أنفض ما حوله؛ فإذا أنا بِرَاعٍ مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة -أو مكة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلبُ؟ قال: نعم، فأخذ شاةً، فقلت: انْفُضِ الضَّرْعَ من التراب والشَّعَرِ والقَذَى، قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأُخْرى ينفض، فحلب في قَعْبٍ كُثْبَةً من لبن، ومعه إِدَاوَةٌ حملتها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يرتوى منها يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكرهت أنْ أُوقِظه، فَوَافَقْتُهُ حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى بَرَدَ أسفلُه، قلت: اشْرَبْ يا رسول اللَّه، قال: فشرب حتى رضيتُ، ثم قال: "ألمْ يَأن للرحيل؟ " قلت: بلى، قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس، واتبعنا سُرَاقةُ بن مالك، فقلت: أُتِينا يا رسول اللَّه، فقال: "لا تحزن إن اللَّه معنا"، فدعا عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فارْتَطَمَتْ به فرسه إلى بطنها -أُرَى في جَلَدٍ من الأرضِ شك الراوي- فقال: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوا لي، فاللَّهَ لكما أنْ أَرُدَّ عنكما الطلب، فدعا له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنجا، فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: قد (¬3) كفيتكم (¬4) ما هنا، فلا يلقى أحدًا إلا ردَّهُ، قال: وَوَفَى لنا. ¬
1633 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رأيت (¬1) أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلِي أنها (¬2) اليمامة أو البحر (¬3)؛ فإذا هي المدينةُ يَثْرِبُ، ورأيت في رؤياي هذه أني هَزَزْتُ سيفًا فانقطع صدره؛ فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هَزَزْتُهُ أُخْرَى فعاد أحسن ما كان؛ فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا واللَّهُ خيرٌ؛ فإذا هم المؤمنون يوم أُحُدٍ، وإذا الخير ما جاء اللَّه به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا اللَّهُ يومَ بدرٍ". الغريب: "الرَّحْلُ": للبعير كالسرج للفرس. و"الإكاف": للحمار. و"سَرَى": سار بالليل، وأسرى لُغَتان. و"قائم الظهيرة": شدة حرها. و"أنفض": أبحث وأفتش؛ مخافة الأذى. و"القَذَى": أصله ما يقع في العين. و"الكُثْبَة": بضم الكاف القليل، والكثيب: الكُوَيْم من الرمل. و"الإداوة": وعاء من جِلْدٍ. و"يرتوى": يُعِدُّها لما يشرب فيها. "ألم يأن": يحين. "فارتطمت": غاصت قوائمها إلى بطنها. ¬
32 - باب إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يجري لفاطمة والحسن ابنها -رضي الله عنهما- من بعد موته، ونعي جعفر وزيد
و"الجَلَد": الصلب من الأرض. و"اللَّهَ لكما": منصوب على القسم باسقاط حرف القسم، فكأنه قال: أقسمُ باللَّه لكما فحذف فنصب، واللَّه أعلم. * * * (32) باب إخبار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يَجْري لفاطمة والحسن ابنها -رضي اللَّه عنهما- من بعد موته، ونعي جعفر وزيد 1634 - عن عائشة قالت: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاطمة (¬1) في شكواه (¬2) الذي قُبِضَ فيه، فَسَارَّهَا بشيءٍ فبكت، ثم دعا (¬3) بها فسَارَّهَا فضحكت، قالت: فسألتها عن ذلك، فقالت: سَارَّني النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرني: أنه يُقْبَضُ في وجعه الذي توفي فيه، ثم سَارَّني فأخبرني: أني أول أهل بيته أَتْبَعُه (¬4). 1635 - وعن أبي بَكْرَةَ: أَخْرَجَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم الحَسَنَ، فصعد به ¬
33 - باب شهادة أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالصدق، وأنه كان معروفا به، وحفظ الله له من صغره
إلى المنبر، فقال: "إنَّ ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يُصْلحَ به بين فئتين من المسلمين". 1636 - وعن أنس بن مالك: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نعى جَعْفَرًا وزيدًا قبل أن يجيء خبرُهم وعيناه تَذْرِفَانِ. * * * (33) باب شهادة أعداء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له بالصدق، وأنه كان معروفًا به، وحِفْظِ اللَّه له من صغره 1637 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: انطلق سعدُ بن معاذ معتمرًا، فنزل (¬1) على أُمَيَّة بن خلف أَبِي صَفْوَان، وكان أُمَيَّة إذا انطلق إلى الشام فمرَّ بالمدينة، نزل على سعد بن معاذ (¬2)، فقال أمية لسعد: انتظر (¬3) حتى إذا انتصف النهار وغَفَلَ الناسُ، انطلقتَ فطفتَ، فبينا سعد يطوف؛ إذا أبو جهل، فقال: ¬
مَنْ هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف آمنًا (¬1)، وقد آويتم محمدًا وأصحابه؟ فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أُمَيَّة لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم؛ فإنه سيد أهل الوادي، ثم قال سعد: واللَّه لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام، قال: فجعل أُمَيَّةُ يقول لسعد: لا ترفع صوتك، فجعل يمسكه (¬2)، فغضب سعد، فقال: دَعْنَا عنك، فإني سمعت محمدًا (¬3) يزعم أنه قاتلك، قال: إيَّاي؟ قال: نعم، قال: واللَّه ما يكذب محمدٌ إذا حَدَّثَ، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال أخي اليثربي (¬4)؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أنه سمع محمدًا يزعم أنه قاتلي، قالت: فواللَّه ما يكذبُ محمدٌ، قال: فلما خرجوا إلى بدر، وجاء الصَّرِيخُ، قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: فأراد أَلَّا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسِرْ يومًا أو يومين، فسار معهم فقتله اللَّه (¬5). 1638 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: لما بُنِيَتِ الكعبةُ ذهب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعباس يَنْقُلَانِ الحجارة، فقال عباس للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اجعل إزارك على رقبتك؛ ¬
34 - باب انشقاق القمر معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1]
يقيك من الحجارة، فَخَرَّ إلى الأرض، فطمحت عيناه إلى السماء، ثم أفاق فقال: "إزاري إزاري"، فشد عليه إزاره. * * * (34) باب انشقاق القمر معجزة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] 1639 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال انشق القمر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شِقَّتَيْن، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشهدوا". 1640 - وعن قتادة، عن أنس: أنه حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر. في رواية (¬1): قال: انشق القمر فرقتين. ¬
35 - باب إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أحوال الصحابة من بعده، وفضائلهم ومن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه فهو من أصحابه
1641 - وعن ابن عباس: أنَّ القمر انشق في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (35) باب إخبار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أحوال الصحابة من بعده، وفضائلهم ومن صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو رآه فهو من أصحابه 1642 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمانٌ فيغزو فِئَامٌ من الناس، فيقولون: فيكم من صحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فيقولون (¬1): نعم، فيُفْتَحُ لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب أصحاب (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم" (¬3). ¬
36 - باب فضائل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40]
1643 - وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فَلَوْ أنَ أحدكم أنفق مثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغ مُدَّ أحدِهم، ولا (¬1) نصيفه". وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خيرُ أمتي قرني، ثم الذين يلونهم". "الفئام": الجماعات من الناس، بهمز اليَاء، ولا واحد له من لفظه. * * * (36) باب فضائل أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، وقوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] 1644 - وعن أنس بن مالك، عن أبي بكر قال: قلت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا في ¬
الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا (¬1)، فقال: "ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟ (¬2) ". وقد تقدم قوله: "لا تحزنْ إنَّ اللَّه معنا". 1645 - وعن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال (¬3): "إنَّ اللَّه خَيَّرَ عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند اللَّه"، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أَنْ يُخْبِرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عبد خُيِّر، فكان رسول اللَّه هو المُخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ من أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتَّخَذْتُ أبا بكرِ، ولكن أُخُوَّةُ الإسلام ومودته، لا يَبْقَيَنَّ في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر". 1646 - وفي رواية ابن عباس: "ولكن أخي وصاحبي". ¬
وفي رواية (¬1): "ولكن أخوة الإسلام أفضل". 1647 - وعن محمد بن جُبَيْر بن مُطْعِم، عن أبيه قال: أتتِ امرأةٌ إلى (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيتَ إن جئتُ ولم أجدك؟ كأنها تقول الموت؟ قال (¬3): "فإن لم تجديني فَائْتِي أبا بكر". 1648 - وعن أبي الدرداء قال: كنت جالسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطَرَفِ ثوبه حتى أبْدَى عن ركبتيه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا صاحبكم فقد غَامَرَ (¬4) "، فسلم (¬5)، وقال (¬6): إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ، ¬
فأسرعت إليه ثم نَدِمْتُ، فسألته أن يغفر لي، فأبى على، فأقبلت إليك، فقال: "يغفر اللَّه لك يا أبا بكر" ثلاثًا، ثم إنَّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فقال (¬1): أَثَمَّ أبو بكر؟ قالوا (¬2): لا، فأتى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسَلَّم، فجعل وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتغيَّر (¬3) حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول اللَّه! أنا (¬4) كنت أظلمَ -مرتين- فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه بعثني إليكم فقلتم: كذب (¬5)، وقال أبو بكر: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " -مرتين- فما أُوذِيَ بعدها. 1649 - وعن عمرو بن العاصي: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشةُ، فقلت: فمنِ الرجال (¬6)؟ قال: أبوها، قلت: ثم أي (¬7)؟ قال: عمر بن الخطاب (¬8) فَعدَّ رجالًا. ¬
1650 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بَيْنَا (¬1) رَاعٍ في غنمه عَدَا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السَّبُعِ، يوم ليس لها رَاعٍ غيري؟ وبينما رجلٌ يسوق بقرةً قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أُخْلَقْ لهذا، لكني خلقت للحرث"، فقال الناس: سبحان اللَّه! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر" (¬2). 1651 - وعنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بينا أنَا نَائِمٌ رأيتُنِي على قَلِيبٍ عليها دَلْوٌ، فنَزَعْتُ منها ما شاء اللَّه، ثم أخذها ابن أبي قُحَافَةَ، فنزع بها ذَنوبًا أو ذَنُوبين، وفي نَزْعِهِ ضعفٌ، واللَّه يغفر له ضعفه، فاستحالت (¬3) غَرْبًا (¬4)، فأخذها ابن الخطاب، فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا من الناس يَنْزِعُ نَزْعَ عمر، حتى ضرب الناس بِعَطَن". 1652 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من أنفق ¬
زَوْجَيْنِ من شيء من الأشياء في سبيل اللَّه، دُعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد اللَّه! هذا خير، فمن كان من أهلِ الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعِيَ من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام؛ باب (¬1) الرَّيَّان"، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يُدْعَى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يُدْعَى منها كلّها أحدٌ يا رسول اللَّه؟ فقال: "نعم، وأرجو أن تكون منهم". 1653 - وعن محمد بن الحَنَفِيَّةِ قال: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعدَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم مَنْ؟ قال (¬2): عمر، قال (¬3): وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. 1654 - وعن أبي موسى الأشعري: أنه توضأ في بيته ثم خرج فقلت: ¬
لأَلْزَمَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأكُونَنَّ معه يومي هذا، قال: فجئت (¬1) المسجد، فسألت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2)؛ فقالوا: خرج وَجْهَ (¬3) ههنا، فخرجت على إثْرِهِ أسأل عنه، حتى ذكر بئر أَرِيس (¬4)، فجلَسْتُ عند الباب وبابها من جَرِيدٍ، حتى قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حاجته فتوضأ، فقمتُ إليه؛ فإذا هو جالس على بئر أريس، وتَوَسَّط قُفَّها (¬5)، وكشف عن ساقيه وَدَلَّاهُمَا في البئر، فسَلَّمْتُ عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونَنَّ بوابًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6)، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رِسْلِكَ، ثم ذهبتُ، فقلت: يا رسول اللَّه! هذا أبو بكر يستأذن؟ فقال: "ائذَنْ له، وبَشِّره بالجنة"، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معه في القُفِّ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البئر كما صنع رسول اللَّه (¬7) -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكشف عن ساقيه، ثم رجعْتُ فجلستُ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يُرِد اللَّهُ بفلانٍ خيرًا يأتِ به (¬8)؛ فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، ¬
فقلت: على رِسْلِك، ثم جئت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلمت عليه، فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: "ائذن له، وبشره بالجنة"، فقلت (¬1): ادخل ويبشرك (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجنة، فجلس (¬3) مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في القُفِّ عن يساره، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد اللَّه بفلان خيرًا يأت به، فجاء إنسان يحرِّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، وجئت (¬4) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبرته فقال: "ائذن له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"، فجئت فقلت له: ادخل وبَشَّرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القُفَّ قد ملئ، فجلس وِجَاهَه من الشِّقِّ الآخر. قال شريك (¬5): قال سعيد بن المسيب: فأَوَّلْتُهَا قبورَهُمْ اجتمعت ههنا، وانفرد عثمان في رواية. 1655 - وعن ابن عباس قال: إني لواقف في قومٍ ندعوا (¬6) اللَّه لعمر ¬
ابن الخطاب وقد وُضعَ على سريره؛ فإذا رجل من خلفي قد وضع مِرْفَقَه على مَنْكِبي، قال: يرحمك اللَّه (¬1) إن كنتُ لأرجو أن يجعلك اللَّه مع صاحبيك؛ لأني كثيرًا مما كنت أسمعُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كنتُ أنا (¬2) وأبو بكر وعمر، وفعلت أنا (¬3) وأبو بكر وعمر" (¬4)، فإن كنت لأرجو أن يجعلك اللَّه معهما، فالتفت فإذا علي بن أبي طالب (¬5). 1656 - وعن عبد الرحمن بن أي بكر: أنَّ أصحاب الصُّفَّةِ كانوا ناسًا (¬6) فقراء، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال مرة: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس (¬7) " أو كما قال، وأنَّ أبا بكر جاء بثلاثةٍ، وانطلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعشرة، وأبو بكر ثلاثة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال: امرأتي وخادمتي بين بيتنا وبيت أبي بكر (¬8)، ¬
وأن أبا بكر تعشى عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم لبث حتى صلَّى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء اللَّه، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك -أو ضيفك- قال: أَوَعَشَّيْتِيهم (¬1)؟ قالت: أَبَوْا حتى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم، فذهبت (¬2) فاختبأت، فقال: يا غُنْثَر -فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وقال: كلوا، وقال: واللَّه (¬3) لا أطعمه أبدًا، قال: وايمُ اللَّه ما كنا نأخذ من اللقمة إلا رَبَا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر؛ فإذا شيء أو كثر، فقال لامرأته: يا أُختَ بني فِرَاس قالت: لا وقرَّة عيني، لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار، فأكل منها أبو بكر، وقال: إنما كان من (¬4) الشيطان -يعني يمينه- ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبحتْ عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، ففرَّقْنَا (¬5) اثنا عشر رجلًا، مع كل رجل منهم أناس، اللَّه أعلم كم مع كل رجلٍ، غير أنه بُعِثَ معهم، فقال (¬6): أكلوا منها أجمعون (¬7). ¬
37 - باب ثبات أبي بكر -رضي الله عنه- بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومبايعته وجمع كلمة المسلمين ببركته
الغريب: "إن من أمنَّ الناس"؛ أي: كبرهم يدًا وحقَّا. و"الخليل": فعيل من الخُلَّة، وهي الصداقة والمحبة المتمكنة في خلال القلب التي لا تترك فيه لغير الخليل موضعًا. و"غامر"؛ أي: خاض غمرةً؛ أي: شِدَّة. و"السَّبُع": بضم الباء، هو الصحيح، وقد فسره في الحديث. و"نزع": جذب؛ أي: استقى. و"الذَّنوُب": دلو كبيرة. و"الغَرْبُ": اكبر منها. و"العَبْقَرِيّ": القوي على العمل المُحَرِّرة. و"العطن": موضع بروك الإبل بعد الشرب. و"زوجين": أي: صنفين. و"القُفُّ": بضم القاف، موضع مَصب الماء من الدلو. و"القَلِيب": البئر غير المطوية، وهي الرَّكِيّ أيضًا. و"غُنْثَر": بفتح الثاء وضمها، ذباب أزرق شبهه به تصغيرًا. و"جَدَّعَ"؛ أي: قال جدعًا، وأصل الجدع: قطع الأنف والأذن. و"تعرَّفنا"؛ أي: صرنا عُرفاء لما صُيِّرُوا كذلك. * * * (37) باب ثبات أبي بكر -رضي اللَّه عنه- بعد موت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومبايعته وجمع كلمة المسلمين ببركته 1657 - عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مات وأبو بكر _______ 1657 - خ (3/ 11)، (62) كتاب فضائل الصحابة، (5) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كنت متخذًا خليلًا"، من طريق إسماعيل بن عبد اللَّه، عن سليمان بن بلال، =
بالسُّنْحِ -تعني: بالعالية (¬1) - فقام عمر يقول: واللَّه مَا مَات رسول اللَّه (¬2)، قالت: وقال عمر: واللَّه ما (¬3) وقع في نفسي إلا ذلك، وليبعثنه اللَّه، فَلَيُقَطِّعَنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَبَّلَهُ، فقال: بأبي أنت وأمي طِبْتَ حيًّا ومَيِّتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقُك اللَّه الموت (¬4) أبدًا، فقال (¬5): أَيُّها الحالفُ! على رِسْلِكَ، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد اللَّه أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أَلَا مَنْ كان يعبدُ محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيٌّ لا يموت، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]-وفي رواية (¬6): أنَّ عمر قال: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات- قال (¬7): فنَشَجَ الناسُ يبكون، واجتمعت الأنصارُ إلى سعد بن عُبَادة في سقيفة ¬
بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجَرَّاح، فذهب عمرُ يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: واللَّه ما أردتُ بذلك إلا أني هَيَّأْتُ كلامًا قد أعجبني، وخشيت (¬1) أن لا يَبْلُغَه أبو بكر، ثم تكلَّم أبو بكر أبلغ الناس (¬2)، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حَباب بن المنذر: لا، واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا وأعربهم أحسابًا، فبايعوا عمرَ أو أبا عبيدة بن الجراح (¬3)، قال عمر (¬4): بل نبايعك أنت؛ فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله اللَّه. وفي رواية (¬5): أن عائشة قالت: شَخَصَ بصر رسول اللَّه (¬6) -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "في الرفيق الأعلى" (¬7)، وقص الحديث، قالت: فما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع اللَّه بها، لقد خَوَّفَ عمرُ الناسَ، وانَّ فيهم لنفاقًا، فردهم اللَّه بذلك، ثم لقد بَصَّرَ أبو بكر الناس الهُدَى، وعَرَّفَهُم الحق عليهم، وخرجوا ¬
38 - باب من ورع أبي بكر
يَتْلُونَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. . . إلى {الشَّاكِرِينَ}. * * * (38) باب من ورع أبي بكر 1658 - عن عائشة قالت: كان لأبي بَكْرٍ غلامٌ يخرج له الخرَاجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تَكَهَّنْتُ لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِنُ الكهانة إلّا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه. * * * (¬1) (39) باب إسلام عمر -رضي اللَّه عنه- 1659 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: لما أسلَمَ عمرُ اجتمع الناس عند ¬
داره، وقالوا: صَبَأَ عمر، وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قَبَاء من ديباج، فقال: فصبأ عمر (¬1)، فما ذاك فأَنَا له جار؟ قال: فرأيتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عنه، فقلت: من هذا؟ قالوا: العاصي (¬2) بن وائل. 1660 - وعنه قال: ما سَمِعْتُ عمرَ لشيءٍ قط يقول: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس؛ إذ مَرَّ به رجل جميل، فقال (¬3): لقد أخطأ ظَنِّي، أو إنَّ هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد (¬4) كان كاهنهم، عَلَيَّ الرجل، فدُعِيَ لهُ، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استُقْبِلَ به رجلًا (¬5) مسلمًا، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جِنِّيِّتُكَ؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع قالت: ألمْ تَرَ الجن وإِبلَاسَهَا ... ويأسها من بعد إيناسها (¬6) ¬
ولحوقها بالقِلَاص وأحلاسها (¬1) قال عمر: بينما أنا نائم عند آلهتهم؛ إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه، يقول: يا جَلِيحُ (¬2)، أَمْرٌ نَجِيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا اللَّه، فَوَثَبَ القومُ، قلت: لا أبرحُ حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جَلِيح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا اللَّه، فقمت فما لبثنا أَنْ قيل: هذا نبي. 1661 - وعن سعيد بن زيد: قال للقوم: واللَّه لقد رأيتني وعمر مُوثِقي على الإسلام (¬3) أنا وأخته، وما أسلم، ولو أنَّ أحدًا انْقَضَّ (¬4) لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن (¬5) ينقضَّ. * * * ¬
40 - باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي -رضي الله عنه-
(40) باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العَدَوِي -رضي اللَّه عنه- 1662 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيتني دخلت الجنة؛ فإذا أنا بالرُّمَيْصَاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خَشْفَةً فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية -في رواية (¬1): فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر- فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك"، فقال عمر: بأمي وأمي يا رسول اللَّه، أعليك أغار؟ ! 1663 - وعن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينما أنا نائم شَرِبْتُ -يعني: اللبن- حتى أنظر إلى الرِّيّ يخرج في ظُفُرىِ أو أَظْفَارِي، ثم ناولت عمر"، قالوا: فما أَوَّلْتَ؟ قال: "العلم". وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلم أر عبقريًّا يَفْرِي فَرِيَّه". ¬
1664 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده نسوةٌ من قريش يُكَلِّمْنَهُ، ويستكْثِرْنَهُ، عاليةً أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر (¬1)، قُمْنَ فَبَادَرْنَ الحجاب، فأذن له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدخل عمر ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضحك، فقال عمر (¬2): أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يا رسول اللَّه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عجبت من هؤلاء اللاتي كُنَّ عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب"، قال عمر: فأنتَ أحق أن يَهَبْنَ يا رسول اللَّه، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن، أَتَهَبْنَنِي ولا تَهَبْنَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ! فقلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إيهٍ (¬3) يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطانُ سالكًا فَجًّا قط (¬4) إلا سَلَكَ فَجًّا غير فَجِّكَ". ¬
1665 - وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحدًا قطُّ بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من حين قبض كان أجَدَّ وأجود حتى انتهى من عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. 1666 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثُونَ (¬1)، فإن يك في أمتي أَحَدٌ فإنه عُمَر". وفي لفظ آخر (¬2): "لقد كان فيمن (¬3) كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يُكَلَّمُونَ من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحدٌ فعمر". 1667 - وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بينا أنا نائم رأيت الناس عُرِضُوا عليَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يبلغ ¬
الثُّدِيّ، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرِضَ عليَّ عُمر وعليه قميص يَجُرُّه" (¬1)، قالوا: فما أَوَّلْتَهُ يا رسول اللَّه؟ قال: "الدِّين". 1668 - وعن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَة قال: لما طُعِنَ عُمر جعل يألم، فقال له ابن عباس -وكأَنَّه يُجَزِّعُهُ (¬2) -: يا أمير المؤمنين! ولئن كان ذلك (¬3) لقد صبحت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأحْسَنْتَ صُحْبَته، ثم فارقته (¬4) وهو عنك رَاضٍ، ثم صَحِبْتَ أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صاحبت صَحَبَتَهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، قال: أما ذكرت من صحبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضاه، فإنما ذلك (¬5) مَنٌّ مِنَ اللَّه تعالى به عليَّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه، فإنما ذلك (¬6) مَنٌّ مَنَّ اللَّه جل ذكره به عليَّ، وأما ما ترى من جَزَعِي، فهو من أجلك ومن أجل أصحابك، واللَّه ¬
41 - باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي -رضي الله عنه-
لو أن لي طِلاعَ الأرض ذهبًا لافْتَدَيْتُ من عذاب اللَّه عز وجل قبل أن أراه. الغريب: "الخَشْفَة": صوت النعال في المشي، وهي الخشخشة أيضًا، و"يُجَزِّعه": يزيل عنه الجزع، وهو بضم الياء وتشديد الزاي. و"طلاع الأرض": هو ما يطلع عليه منها؛ يعني: وجهها، ويعني بذلك عن الخوف والتقصير في ما يجب عليه من حقوقهم (¬1)، أو من الفتنة لمدحهم، واللَّه أعلم. وفي مناقب عمر أحاديث كثيرة في باب فضائل أبي بكر. * * * (41) باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي -رضي اللَّه عنه- وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يحفر بئر رومة فله الجنة"، فحفرها عثمان، وقال: "من جَهَّزَ جيش العُسرة فله الجنة"، فجهزه عثمان، وقد بشره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجنة على بلوى تصيبه كما تقدم. 1669 - وعن عبيد اللَّه بن عديّ بن الخِيَار: أنَّ المِسْوَرَ بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يَغُوث قالا: ما يمنعك أن تُكَلِّم عثمانَ لأخيه الوليد، فقد أكثر الناس فيه؟ فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة قلت: ¬
إن لي إليك حاجة وهي نصيحة (¬1)، قال: يا أيها المرء! منك -قال معمر (¬2): أعوذ باللَّه منك- فانصرفتُ، فرجعت إليهم (¬3)؛ إذ جاء رسول عثمان فأتيته، فقال: ما نصيحتك؟ فقلت: إن اللَّه سبحانه بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكنتَ ممن استجاب للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورأيت هَدْيَهُ، وقد أكثر الناس في شأن الوليد، قال: أدركتَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قلت: لا، ولكن خَلُصَ إليَّ من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها، قال: أما بعدُ، فإن اللَّه بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحق، فكنتُ ممن استجاب للَّه ولرسوله، وآمنتُ بما بُعِثَ به، وهاجرت الهجرتين كما قلتَ، وصحبتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبايعته، فواللَّه ما عَصَيْتُه ولا غَشَشْتُهُ حتى توفاه اللَّه، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استُخْلِفْتُ، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم؟ قلت: بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟ وأما ما ذكرتَ من شأن الوليد، فسنأخذ فيه بالحق إن شاء اللَّه، ثم دعا عَلِيًّا، فأمره أن يجلده (¬4) فجلده ثمانين. 1670 - وعن أنس قال: صعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُحُدًا ومعه أبو بكر وعمر ¬
وعثمان، فرجفت (¬1)، فقال: "اسْكُنْ أُحُد -أظنه ضربه برِجْلِهِ فقال (¬2) - ليس عليك إلا نبي وصِدِّيق وشهيدان". وفي رواية (¬3): فضربه برجله، وقال: "اثبُت أُحُدُ". 1671 - وعن ابن عمر: كنا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نَتْرُكُ أصحاب رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نُفَاضِلُ بينهم. 1672 - وعن عثمان بن مَوْهَب قال: جاء رجل من أهل مصر يحج (¬5) البيت، فرأى قومًا جلوسًا، فقال: مَنْ هؤلاء القوم؟ فقالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد اللَّه بن عمر، فقال: يا ابن عمر! إني سائلك عن شيءٍ فحدثني (¬6)، هل تعلم أنَّ عثمان فَرَّ يوم أُحُد؟ قال: نعم، قال: ¬
42 - باب مقتل عمر بن الخطاب، والاتفاق على بيعة عثمان -رضي الله عنهما-
هل تعلم أنه تَغَيَّبَ عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: اللَّه كبر، قال ابن عمر: تعالَ أُبَيِّنُ لك، أما فراره يوم أُحُد فأشهد أن اللَّه قد عفا عنه وغفر له، وأما تغيّبه عن بدر فإنه كان (¬1) تحته بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت مريضة، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه"، وأما تغيُّبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عثمان، فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده اليمنى: "هذه يد عثمان"، فضرب بها على يده، فقال: "هذه لعثمان"، فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك. * * * (42) باب مقتل عمر بن الخطاب، والاتفاق على بيعة عثمان -رضي اللَّه عنهما- 1673 - عن عَمرو بن ميمون قال: رأيتُ عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حُنَيْف قال: كيف ¬
فعلتما؟ أتخافا (¬1) أن تكونا قد (¬2) حملتما الأرضَ ما لا تطيق (¬3)؟ قالا: حَمَّلْنَاهَا أمرًا هي له مُطِيقة ما فيها كبيرُ فَضْلٍ، قال: انظرا أنْ تكونا حَمَّلْتُمَا الأرضَ ما لا تطيق؟ قال (¬4): قالا: لا، فقال عمر: إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ تعالى لأدَعَنَّ أراملَ أهل العراق لا يَحْتَجْنَ إلى رجل بعدي أبدًا، قال: فما أتت عليه رابعة حتى أُصِيبَ، قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد اللَّه بن عباس غداةَ أصيب، وكان إذا مَرَّ بين الصَّفَّيْنِ قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهن (¬5) خللًا تَقَدَّمَ فكَبَّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناسُ -فما هو إلا أَنْ كَبَّر فسمعتُه يقول: قَتَلَنِي -أو أكلني- الكلبُ حين طَعَنَهُ العِلْجَ بسكين ذات طرفين، لا يمر على أَحَدٍ يمينًا وشمالًا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنُسًا، فلما ظَنَّ (¬6) العِلْجُ أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرَى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرونَ، غير أنهم فقدوا (¬7) صوتَ عمر وهم يقولون: سبحان اللَّه سبحان ¬
اللَّه (¬1)، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف (¬2) صلاةً خفيفةً، فلما انصرفوا، قال: يا ابن عباس! انظر من قتلني (¬3)، فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع؟ قال: نعم، قال: قاتله اللَّه، لقد أَمَرْتُ به معروفًا، الحمد للَّه الذي لم يجعل مِيتتي على يد رَجُلٍ يَدَّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تُحِبَّان أن تَكْثُرَ العُلُوج بالمدينة -وكان العباس أكثرهم رقيقًا- فقال: إن شئت فعلت -أي: إنْ شئت قَتَلْنَا- فقال: كَذَبْتَ، بعدما تكلموا بلسانكم، وصَلُّوا قبلتكم، وحَجُّوا حجكم، فاحتُمِل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنَّ الناس لم تصبهم مصيبة قبلَ يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأُتِىَ بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أُتِي بلبن فشرب، فخرج من جُرْحِهِ، فعرفوا أنه مَيِّت، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى اللَّه لك من صحبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقَدَمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وُلِّيتَ فعَدَلْتَ، ثم شهادة، قال: وَدِدْتُ أنَّ ذلك كِفَافٌ لا عليَّ ولا لي، فلما أدبر؛ إذا إزاره يَمَسُّ الأرض، قال: رُدُّوا عليَّ الغلام، قال: يا ابنَ أخي! ارفع ثويك؛ فإنه أبقى لثويك، وأتقى لربك، يا عبد اللَّه ابن عمر! انظر ما عليَّ من الدَّيْنِ، فحَسَبُوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوه، قال: إنْ وَفَى له مال آل عمر فَأَدِّهِ من أموالهم، وإلا فسَلْ بني عدي ابن كعب، فإن لم تفِ أموالُهم فَسَلْ في قريش، ولا تَعْدُهم إلى غيرهم، وأَدِّ عَنِّي (¬4) ¬
هذا المال، انطلق إلى عائشة أمّ المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقلُ: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر ابن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسَلَّمَ واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدةً تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يُدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأُوثِرَنَّه اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل هذا عبد اللَّه بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أَذِنَتْ، قال: الحمد للَّه ما كان (¬1) شيء أَهم إليَّ من ذلك، فإذا أنا قُبِضْتُ (¬2)، فاحملوني، ثم سَلِّمْ فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن رَدَّتني ردوني إلى مقابر المسلمين، وجاءت أم المؤمنين حفصة، والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلًا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا: أَوْصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أَحَدٌ (¬3) أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر -أو الرهط- الذين توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمى عليًّا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن، وقال: يَشْهَدُكم عبد اللَّه بن عمر وليس له من الأمر شيء -كهيئة التعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أُمِّرَ، فإني لم أعزله عن (¬4) عجز ولا خيانة، وقال: أوصي ¬
الخليفة (¬1) بعدي بالمهاجرين الأَوَّلين أن يعرفَ لهم حقَّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأنْ يُعْفَى عن مسيئهم، وأُوصيه بأهل الأمصار خيرًا؛ فإنهم رِدْءَ الإسلام، وجُبَاة المال وغيظ العدو أنْ لا يؤخذ منهم إلا فضلَهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرًا، فإنهم أصل العرب ومادَّة الإسلام؛ أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة اللَّه وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُوَفِّي لهم بعهدهم، وأن يقاتل مِنْ ورائهم، ولا يكلّفوا إلا طاقتهم، فلما قُبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسَلَّم عبد اللَّه بن عمر قال: يستأذن عمر ابن الخطاب قالت: أدخلوه، فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: أجمعوا أمركم إلى ثلاثة منكم، قال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى على، فقال طلحة (¬2): قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن (¬3)، فقال عبد الرحمن: أيّكما تَبَرَّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، واللَّه عليه (¬4) والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فَأُسْكِتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ، واللَّهُ عليَّ لا آلو من (¬5) أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، ¬
43 - باب مناقب علي بن أبي طالب أبي الحسن القرشي الهاشمي -رضي الله عنه-
فقال: لك قرابة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والقَدَم في الإسلام ما قد علمت، فاللَّهُ عليك لئن أمَّرتك لتعدلن؟ ولئن أمَّرت عثمان لتسمعن ولتطيعن؟ ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه وبايع له عليٌّ، وولج أهل الدار فبايعوه. * * * (43) باب مناقب علي بن أبي طالب أبي الحسن القرشي الهاشمي -رضي اللَّه عنه- وقال عمر: توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو راض عنه. وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعليٍّ: "أنت مني وأنا منك". 1674 - وعن سهل بن سعد: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح اللَّه على يديه"، قال: فبات الناس يَدُوكون ليلتهم أيهم يُعْطَاها؟ فلما أصبح الناس غَدَوْا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ " فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللَّه، قال: "فأرسلوا إليه"، فأتي (¬1) به، فلما جاء بصق في عينيه فدعا (¬2) له فبرأ حتى كأن لم يكن ¬
به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انفُذْ على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرِ النَّعَمِ". 1675 - ومن حديث أبي سلمة (¬1) قال: كان عليٌّ قد تخلف عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خيبر، وكان به رَمَدٌ، فقال: أنا أتخلَّفُ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج عليٌّ، فلَحِقَ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما كان مساء الليلة التي فتحها اللَّه في صباحها، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأُعْطِيَنَّ الراية -أو ليأخذَنَّ الراية- رجل يحبه اللَّه ورسوله -أو قال: يحب اللَّه ورسوله- يَفْتَحُ اللَّهُ عليه"؛ فإذا عليٌّ (¬2) وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففتح اللَّه عليه. 1676 - وعن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: أنَّ رجلًا جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلان -لأمير المدينة- يذكر عليًّا عند المنبر قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول (¬3): أبو تراب، فضحك، وقال (¬4): واللَّه ¬
ما سماه إلا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما كان له اسم أحب إليه منه، فاستطعمت الحديث سهلًا، فقلت (¬1): يا أبا عباس! كيف (¬2)؟ قال: دخل عليٌّ على فاطمة -رضي اللَّه عنهما-، ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أين ابن عمك؟ " قالت: في المسجد، فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح عن ظهره فيقول: "اجلس أبا تراب" مرتين. 1677 - وعن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان؟ فذكر محاسن عمله (¬3)، قال: لعل ذلك يسوؤك؟ قال: نعم، قال: فأَرْغَمَ اللَّهُ أنفك، ثم سأله عن عليٍّ، فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لعل ذلك يسوؤك؟ قال: أجل، قال: فأرغم اللَّه بأنفك، انطلق فاجْهَدْ على جهدك. 1678 - وعن عَبِيدَة عن عليٍّ قال: اقضوا كما كنتم تقضون؛ فإني أكره الاختلاف حتى يكون للناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي، فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يُروى عن عليّ الكذب. ¬
44 - باب مناقب جعفر بن أبي طالب والزبير بن العوام
1679 - وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعليٍّ: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ". * * * (44) باب مناقب جعفر بن أبي طالب والزبير بن العوام وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لجعفر "أشبهت خَلْقِي وخُلُقِي". وقال ابن عباس في الزبير: هو حَوَارِيُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1680 - عن أبي هريرة: أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنتُ ألزم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِشِبعِ بطني حين (¬1) لا آكل الخمير ولا ألبس الحَبِير (¬2)، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلبَ بي فيُطْعِمَنِي، وكان أخير الناس للمساكين جعفرُ بن أبي طالب، كان ينقلب ¬
بنا، فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّةَ (¬1) التي ليس فيها شيء فيَشُقَّها فنعلق ما فيها. 1681 - وعن الشعبي: أنَّ ابن عمر كان إذا سَلَّم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجَنَاحَيْن. 1682 - وعن مروان بن الحكم قالب: أصاب عثمان بن عفان رُعَافٌ شديد سَنَة الرُّعَاف حتى حبسه عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال (¬2): استَخْلِف، قال: وقالوه؟ قال: نعم، قال: ومن؟ قال: فسكت، فدخل عليه رجل آخر -أحسبه الحارث- فقال: استخلف، فقال عثمان: وقالوه؟ قال: نعم، قال: ومن هو؟ قال: فسكت، قال: فلعلهم قالوا الزبير (¬3)؟ قال: نعم، قال: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمتُ، وإن كان لأحبهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية (¬4) قال عثمان: واللَّه إنكم لتعلمون أنه خيركم، ثلاثًا. ¬
1683 - وعن جابر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ لكل نبي حَوَارِيَّ، وإن حواريَّ الزبير (¬1) ". 1684 - وعن عبد اللَّه بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جُعلت أنا وعمر ابن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه، يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثًا، فلما رجع قلت: يا أبتِ (¬2)! رأيتك تختلف؟ قال: أو هل رأيتني يا بنيَّ؟ قلت: نعم، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ "، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبَوَيه فقال: "فداك أبي وأمي". 1685 - وعن عروة بن الزبير عن أبيه (¬3): أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تَشُدُّ فنشد معك؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضُربها يوم بدر، قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير. ¬
45 - باب مناقب طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-
"الحَوارِيّ": المخلص في المحبة الناصر، وأصله من الحواريّ، وهو الدقيق الأبيض الخالص. * * * (45) باب مناقب طلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنهما- 1686 - وعن أبي عثمان قال: لم يبق مع نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض تلك الأيام (¬1) التي قاتل فيهنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير طلحة وسعد عن حديثهما (¬2). 1687 - وعن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة التي وَقَى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) قد شلَّتْ. ¬
1688 - وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا يقول: جَمَعَ لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبويه (¬1) يوم أُحُد. 1689 - وعنه قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ما أسلم أَحَدٌ إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثتُ سبعة أيامٍ وإني لثُلُثُ الإسلام. 1690 - وعن قيس قال: سمعت سعدًا يقول: إني لأول العرب رَمَى بسهم في سبيل اللَّه، وكنا نغزو مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة، ماله خِلْط (¬2)، ثم أصبحت بنو أسد تعزرُني على الإسلام، لقد خِبْتُ (¬3) إذًا وضلَّ عملي، وكانوا وَشَوْا به إلى عمر قالوا: لا يُحْسِن يصلي. ¬
46 - باب مناقب أبي العاص بن الربيع صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
"تُعَزِّرُني": تعيب عليَّ وتُقَصِّرُ بي. * * * (46) باب مناقب أبي العاص بن الربيع صهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- 1691 - عن المِسْوَر بن مَخْرَمَةَ قال: إن عليًّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمةُ، فأتت رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا عليٌّ ناكحٌ بنتَ أبي جهل، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسمعته حين تشهد يقول: "أما بعد، إني (¬1) أنكحت أبا العاص بن الربيعَ، فَحَدَّثني وصَدَقَنِي، وإن فاطمةَ بَضْعَةٌ مني، وإني اكره أن يسوءها، واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه وبنت عدو اللَّه عند رجل واحد"، فترك عليٌّ الخِطْبَةَ. وفي رواية (¬2) عنه قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر صِهْرًا له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه (¬3) فأحسن، قال: "حَدَّثني فصدقني ووعدني فوفى لي". * * * ¬
47 - باب مناقب زيد بن حارثة وأسامة ابنه -رضي الله عنهما-
(47) باب مناقب زيد بن حارثة وأسامة ابنه -رضي اللَّه عنهما- 1692 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: بعثًا وأَمَّرَ عليهم أسامة ابن زيد فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبلُ (¬1)، وَايمُ اللَّه إن كان لخَلِيقًا (¬2) للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده". 1693 - وعن عائشة: أنَّ قريشًا قد أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . وسيأتي إن شاء اللَّه. 1694 - وعن عبد اللَّه بن دينار: نظر ابن عمر يومًا وهو في المسجد، إلى رجل يسحب ثيابه في ناحية من المسجد، فقال: انظر من هذا، ليت هذا عندي؟ قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن، هذا محمد بن ¬
48 - باب مناقب عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-
أسامة، قال: فطأطأ ابن عمر رأسه، ونقر بيده في الأرض، ثم قال: لو رآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأَحَبَّهُ. 1695 - وعن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد حَدَّثَ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه كان يأخذه والحسن فيقول: "اللهم أحبهما؛ فإني أحبهما". * * * (48) باب مناقب عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- 1696 - عن سالم: عن ابن عمر قال: كان الرجل في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رأى رؤيا قصها على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكنت غلامًا شابًا (¬1) أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأيت في المنام كأنَّ مَلَكَيْنِ أخذاني فذهبا بي إلى النار؛ فإذا هي مطوية كَطَيِّ البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ باللَّه من النار، أعوذ باللَّه من النار، فلقيهما مَلَكٌ آخر، فقال لي: لن تُرَاعَ، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "نِعْمَ ¬
49 - باب مناقب عمار وحذيفة -رضي الله عنهما-
الرَّجُل عبد اللَّه لو كان يصلي من الليل". قال سالم: فكان عبد اللَّه لا ينام من الليل إلا قليلًا. 1697 - وعن ابن عمر: عن أخته حفصة، أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "إن عبد اللَّه رجل صالح". * * * (49) باب مناقب عمار وحُذَيْفَة -رضي اللَّه عنهما- 1698 - عن علقمة قال: قَدِمْتُ الشَّامَ فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يَسِّرْ لي جَلِيسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم؛ فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: مَنْ هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، فقلت: إني دعوت اللَّه أن ييسر لي جليسًا صالحًا، فيسرك لي، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أوليس عندكم ابن أم عبْدٍ صاحب النعلين والوساد والمِطْهَرَةُ؟ وأفيكم (¬1) الذي أجاره اللَّه من الشيطان، قال: يعني: على لسان نبيه (¬2) -يعني: ¬
50 - باب مناقب عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما-
عمارًا؟ أوليس فيكم صاحب سر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي لا يعلم أحدٌ غيره؟ -يعني: حذيفة- ثم قال: كيف يقرأ عبد اللَّه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فقرأت عليه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] فقال: واللَّه لقد أقرأنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فيه إلى فيَّ. * تنبيه: عبد اللَّه بن مسعود هو كان صاحب نعْلَي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومِطْهَرَتَهُ ووسادته كان برسم تهيئة ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (50) باب مناقب عبد اللَّه بن عباس وعبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنهما- 1699 - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضَمَّنِي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "اللهم علمه الحكمة" (¬1). وفي رواية (¬2): "اللهم علمه الكتاب"، وقد تقدمت. ¬
1700 - وعن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، وقال: لا إن من أحبكم إليَّ أحسنكم أخلاقًا". وقال: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد اللَّه بن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة، وأُبَيِّ بن كعب، ومعاذ بن جبل". 1701 - وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: سألنا حُذَيْفَةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدْي من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى نأخذ عنه، فقال: ما أعلم أحدًا أقرب سَمْتًا وهَدْيًا ودَلًّا (¬1) بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ابن أُمِّ عَبْدٍ. 1702 - وعن أبي موسى الأشعري قال: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينًا، وما نرى إلا أن عبد اللَّه بن مسعود رجل من أهل بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لما نرى من دخوله ودخول أُمِّه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
51 - باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-
1703 - وعن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد اللَّه فقال: لقد أخذت من في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِضْعًا وسبعين سورة، واللَّه لقد علم أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أني أعلمهم بكتاب اللَّه، وما أنا خيرهم، قال شقيق: فجلست في الحِلَقِ أسمع ما يقولون، فما سمعت رَادًّا يقول غير ذلك. * * * (51) باب مناقب أبي عبيدة بن الجَرَّاح -رضي اللَّه عنه- 1704 - عن أنس بن مالك: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن لكل أُمَّةٍ أمينًا (¬1)، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح". 1705 - وعن حذيفة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل نَجْرَانَ: "لأَبْعَثَنَّ حق ¬
52 - باب مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما-
أمين" (¬1)، فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة (¬2). * * * (52) باب مناقب الحسن والحسين -رضي اللَّه عنهما- عن أبي هريرة: عانق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحسن. 1706 - وعن أبي بَكْرَةَ قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر والحسن إلى جنبه، وينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول: "إنَّ ابني هذا سيدٌ، ولعل اللَّه أن يصلح به (¬3) بين فئتين عظيمتين من المسلمين". 1707 - وعن أسامة بن زيد: أنه كان يأخذه والحسن ويقول: "اللهم إني أُحِبُّهما فأَحِبَّهما"، أو كما قال. ¬
1708 - وعن أنس بن مالك: أُتِيَ عبيدُ اللَّه بن زياد برأس الحسين (¬1) فجعل في طَسْتٍ، فجَعَلَ ينكتُ، وقال في حسنه شيئًا فقال أنس: كان أشبههم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان مخضوبًا بالوَسْمَةِ (¬2). 1709 - وعن البراء قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والحسن (¬3) على عاتقه يقول: "اللهم إني أُحبُّه فأحبَّه". 1710 - وعن عقبة بن الحارث: رأيت أبا بكرٍ -رضي اللَّه عنه- وحمل الحسن وهو يقول-: بأبي شَبِيهٌ بالنبي، ليس شَبِيهًا (¬4) بعليٍّ -وعليٌّ يضحك. 1711 - وعن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الحسن بن عليٍّ. ¬
53 - باب مناقب عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه
1712 - وعن ابن أبي نُعْم (¬1) قال: سمعت عبد اللَّه بن عُمَرُ سأله عن المُحْرِم -قال شعبة: أحسبه يَقْتُل الذُّباب- فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هما ريحانتاي من الدنيا". * * * (53) باب مناقب عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تعالى عنه 1713 - عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: كان بينهما شيء -يَعْني: عبد اللَّه بن عباس وبين عبد اللَّه بن الزبير- فغدوت على ابن عباس، فقلت: أتريد أنْ تقاتل ابن الزبير؛ فتُحِلَّ ما حَرَّمَ اللَّه؟ ! فقال: معاذ اللَّه! إن اللَّه كتب ابن الزبير وبني أُمَيّة محلين، وإني واللَّه لا أُحِلُّه أبدًا، قال: قال الناس، بَايعْ ابن الزبير، فقلت: وأين بهذا الأمر عنه، أما أبوه فَحَوارِيُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد: الزبير- وأما جده فصاحب الغار -يريد: أبا بكر-، وأمه ذات النطاق -يريد: أسماء- وأما خالته فأم المؤمنين -يريد: عائشة- وأما عمته فزوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد: ¬
خديجة- وأما جَدته عمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد: صفية- ثم عَفِيفٌ في الإسلام، قارئ للقرآن، واللَّه إن وصلوني وصَلُوني من قريب، وإن رَبُّونِي رَبُّونِي (¬1) أكفاء كرام، فآثر التُّوِيْنَات والأُسامات والحُمَيْدات -يريد: أَبْطُنًا من بني أسد ابن تويت وبني أسامة وبني أَسَد إن ابن أبي العاص- برز يمشي القُدَمِيَّةَ -يعني: عبد الملك بن مروان- وأنه لَوَّى ذنبه؛ يعني: ابن الزبير. الغريب: "غَدَوْتُ": بَكَرْتُ. و"مُحِلِّين": مستبيحين القتال في الحرم. و"لا أحله": أستبيحه. وقوله: "وأين بهذا الأمر عنه"؛ يعني: الخلافة، هو أولى بها من غيره بما ذكر من نسبه، وبيته وحُسن حاله. و"واصلوني": قربوني. و"رَبُّوني": تعاهدوني بإصلاح الحال، وإن لم يُقَرِّبوني، وهو من التربية. و"أَكْفَاء": أمثال ونظراء. وقوله: "فآثر التويتات"؛ يعني: أنَّ ابن الزبير أقبل على هذه القبائل الحقيرة فأكرمهم، وأعرض عن ابن عباس مع أنه يعترف بحقه ويعرف بيته ويثني عليه بالحق. و"برز يمشي القُدَمِيَّة"؛ يعني: بذلك عبد الملك؛ أي: خرج وظهر، قال أبو عبيد: يعني به: التبختر، وقال ابن قتيبة: يقال فلان يمشي القُدَمِيَّة والتَّقَدُّمِيَّة؛ أي: يَقْدُم بهمته وأفعاله. ¬
54 - باب مناقب عدي بن حاتم -رضي الله عنه-
وقوله في ابن الزبير: "لَوَّى ذَنَبَهُ"؛ يعني: أنه لم يبرز للمعروف، ولم يُبْدِله صفحته. قلت: يعني: أنه بخل بالمعروف، وقد كان يبخل، واللَّه أعلم. * * * (54) باب مناقب عَدِيِّ بن حاتم -رضي اللَّه عنه- 1714 - عن عمرو بن حُرَيْث، عن عَدِيّ بن حاتم قال: أتينا عمر بن الخطاب في وفدٍ، فجعل يدعو رجلًا رجلًا يسميهم، فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووَفَّيْتَ إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا، فقال عدي: فلا أبالي إذًا. * * * (55) باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر، وسالم مولى أبي حذيفة -رضي اللَّه عنهما- وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سمعتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بين يدي في الجنة". 1715 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، _______ 1714 - خ (3/ 172)، (64) كتاب المغازي، (76) باب قصة وفد طيئ، وحديث عدي بن حاتم، من طريق أبي عوانة، عن عبد الملك، عن عمرو بن حريث، عن عدي بن حاتم به، رقم (4394). 1715 - خ (3/ 32)، (62) كتاب فضائل الصحابة، (23) باب مناقب بلال بن رباح مولى أي بكر -رضي اللَّه عنهما-، من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، =
56 - باب الوصاة بأهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرابته
وأعتق سيدنا، يعني: بلالًا. 1716 - وعن قيس: أنَّ بلالًا قال لأبي بكر: إن كنتَ إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني للَّه، فدعني وعملَ اللَّه. 1717 - وعن مسروق قال: ذُكِرَ عبدُ اللَّه عند عبد اللَّه بن عمرو، فقال: ذاك رجلٌ لأزال أحبه بعدما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد اللَّه بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل"، قال: لا أدري بدأ بأُبَيّ أو بمعاذ. * * * (56) باب الوصاة بأهل بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقرابته 1718 - عن ابن عمر، عن أبي بكر قال: ارْقُبوا (¬1) محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
57 - باب ذكر معاوية وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما-
في أهل بيته. 1719 - وقال أبو بكر في حديثه في ميراث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسيأتي إن شاء اللَّه-: والذي نفسي بيده لقرابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحبُّ إليَّ أن أَصِلَ من قرابتي. * * * (57) باب ذكر معاوية وخالد بن الوليد -رضي اللَّه عنهما- 1720 - عن ابن أبي مُلَيْكَةَ: قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه قد أَوْتَر بواحدة؟ قال: أصاب (¬1)، إنه فقيه. وفي رواية (¬2): قال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1721 - وعن حُمران بن أبان، عن معاوية قال: إنكم لَتُصَلُّون صلاةً، ¬
58 - باب مناقب فاطمة -رضي الله عنها-
لقد صَحِبْنَا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما رأيناه يصليهما (¬1)، ولقد نَهَى عنهما؛ يعني: الركعتين بعد العصر. 1722 - وعن أنس: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيدٌ فأصيب، ثم أخذها (¬2) جعفر فأصيب، ثم أخذها (¬3) ابن رَوَاحَة فأصيب -وعيناه تَذْرِفَان- حتى أخذها سيف من سيوف اللَّه حتى فتح اللَّه عليهم". * * * (58) باب مناقب فاطمة -رضي اللَّه عنها- 1723 - عن عليّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: أنَّ فاطمة شكت ما تلقى من أثر الرحا، فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبْيٌ، فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة، ¬
59 - باب مناقب عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-
فأخبرتها فلما جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النعي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلينا وقد أَخَذْنَا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال: "على مكانكما"، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: "ألا أعلّمكما خيرًا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما، فكبّرا أربعًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". 1724 - وعن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فاطمة بَضْعَةٌ مني، فمن أغضبها أغضبني". وقد تقدم بشارة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنها أول أهل بيته لُحُوقًا به. * * * (59) باب مناقب عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- 1725 - عن أبي سلمة: أنَّ عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا: "يا عائشة (¬1)! هذا جبريل يقرئك السلام"، فقلت: عليه السلام ورحمة اللَّه ¬
وبركاته، ترى ما لا نرى؛ تريد: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1726 - وعن أبي موسى الأشعري: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يَكْمُل من النساء إلا مريم ابنة (¬1) عمران، وآسيةُ امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفَضْلِ الثَّرِيد على سائر الطعام". 1727 - وعن القاسم بن محمد: أن عائشة اشتكت، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين، تَقْدَمِين على فَرَطِ صِدْقٍ (¬2)، على (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى أبي بكر. 1728 - وعن أبي وائل قال: لما بعث عليٌّ عمّارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم (¬4)، خَطَبَ عمارُ فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن ابتلاكم لتتبعوه أم إياها. ¬
60 - باب مناقب الأنصار وإخائهم للمهاجرين، وقوله تعالى: {والذين تبوءوا الدار والإيمان} الآية [الحشر: 9]
1729 - وعنه (¬1) قال: كان الناس يَتَحَرَّون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة (¬2): فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقالوا (¬3): يا أم سلمة! واللَّه إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنَّا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار، قالت: فذكرَتْ ذلك أم سلمة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة، ذكرت له ذلك، فقال: "يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه واللَّه ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها". وقد تقدم قوله: "إنها أحب الناس إليه". * * * (60) باب مناقب الأنصار وإخائهم للمهاجرين، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الآية [الحشر: 9] 1730 - وعن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار ¬
كنتم تُسَمَّوْنَ به أَمْ سمَّاكم اللَّه؟ قال: بل سَمَّانا اللَّه عز وجل (¬1)، كنا ندخل على أنس فيحدثنا بمناقب الأنصار ومشاهدهم، ويقبل على أو على رجل من الأَزْد فيقول: فعل قومك يوم كذا وكذا وكذا وكذا (¬2). 1731 - وعن عائشة قالت: كان يوم بُعَاث يومًا قَدَّمَهُ اللَّه لرسوله، فَقَدِمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد افترق مَلَؤُهم، وقُتِلَتْ سَرَوَاتهم (¬3)، وجُرِحُوا فقدمه لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في دخلوهم في الإسلام. "بُعَاث": موضع على ميلين من المدينة. 1732 - وعن أنس قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة -وأعطى قريشًا- واللَّه إن هذا لَهُوَ العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا تُرَدُّ عليهم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا الأنصار فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ " -وكانوا لا يكذبون- فقالوا: هو الذي بلغك، قال: "أو لا ترضون أن يرجع ¬
الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيوتكم؟ لو سلكت الأنصار واديًا أو شِعْبًا، لسلكتُ وادي الأنصار أو شِعْبَهم". 1733 - وزاد من حديث أبي هريرة: "ولولا الهجرة لكنتُ امرءًا من الأنصار". 1734 - وعن أنس قال: قَدِمَ علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع -وكان كثير المال- فقال سعد: علمت الأنصار أني من أكثرها مالًا سأقسم مالي بينك وبيني (¬1) شَطْرَيْن، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك، فأطلقها حتى إذا حَلَّتْ تزوجتَها، فقال عبد الرحمن: بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، فلم يرجع يومئذ حتى أَفْضَلَ شيئًا من سمن وأقط، فلم يلبث إلا يسيرًا، حتى جاء رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه وَضَر من صُفْرة، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَهْيَمْ" قال: تزوجتُ امرأة من الأنصار، فقال: "ما سُقْتَ إليها؟ " قال: وزن نواة من ذهب -أو نواة من ذهب- فقال: "أَوْلِمْ ولو بِشَاةٍ". * * * ¬
61 - باب وجوب حب الأنصار وأتباعهم منهم
(61) باب وجوب حب الأنصار وأتباعهم منهم 1735 - عن البراء: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يُبْغِضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه اللَّه، ومن أبغضهم أبغضه اللَّه". 1736 - وعن أنس بن مالك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "آية الإيمان حب الأنصار (¬1)، وآية النفاق بُغْض الأنصار". 1737 - وعنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعها صبي لها، فكلمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "والذي نفسي بيده إنكم لمن (¬2) أحب الناس إليَّ" مرتين. ¬
62 - باب خير دور الأنصار
1738 - وعن زيد بن أرقم: قالت الأنصار: يا رسول اللَّه! لكل نبي أتباع، وإنا قد اتَّبَعْنَاك، فادع اللَّه أن يجعل أتباعنا مِنَّا، فدعا به. وفي رواية (¬1): "اللهم اجعل أتباعهم منهم". * * * (62) باب خير دور الأنصار 1739 - عن أنس بن مالك، عن أبي أُسَيْد قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأَشْهَلِ، ثم بنو الحارث بن الخَزْرَج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دُورِ الأنصار خير"، فقال سعد: ما أَرَى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا وقد (¬2) فَضَّل علينا، فقيل: قد فَضَّلكم على كثير. ¬
63 - باب وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار، والوصية بهم، والدعاء لهم
1740 - وعن أبي حُمَيْدٍ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم عبد الأشهل، ثم دار بني الحارث، ثم بني ساعدة، وفي دور الأنصار خيرٌ"، فلحقنا سعد بن عُبَادة، فقال: أبا أُسَيْد! ألم تَرَ أنَّ رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- خيَّر الأنصار، فجعلنا أخيرًا؟ قال: أوليس بِحَسْبِكُم أن تكونوا من الخيار؟ * * * (63) باب وصية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للأنصار، والوصية بهم، والدعاء لهم 1741 - وعن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للأنصار: "إنكم سَتَلْقَوْنَ بعدي أثَرَة، فاصبروا حتى تلقوني، وموعدكم الحوض". 1742 - وفي رواية: أنَّ رجلًا من الأنصار قال: يا رسول اللَّه! ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟ ، قال: "ستلقون بعدي أثَرةً، ¬
فاصبروا حتى تلقوني على الحوض". 1743 - وعنه قال: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصار إلى أن يُقْطِعَ لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تُقْطِعَ لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: "إمَّا لا، فاصبروا حتى تلقوني، فإنكم (¬1) ستصيبكم أثَرَةٌ بعدي". 1744 - وعنه قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نَحْنُ الذِينَ بايعوا محمدَا ... على الجهاد ما بَقِينَا أَبَدَ فأجابهم: اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَه ... فأكرم الأنصار والمهاجره 1745 - وعن سهل بن سعد قال: جاءنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على اكْتَادِنَا (¬2)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ... فاغفر للمهاجرين والأنصار ¬
1746 - وعن أنس بن مالك قال: مرَّ أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منا، فدخَلَ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره بذلك، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد عصب على رأسه بحاشية (¬1) بُرْدٍ، قال: فصعد المنبر -ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشي وعَيَبتي، وقد قَضَوْا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم". 1747 - وعن ابن عباس قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه ملحفة مُتَعَطِّفًا (¬2) بها على منكبيه، وعليه عمامة دَسْمَاء (¬3)، حتى جلس على المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، أيها الناس! فإن الناس يَكْثُرُونَ، وتقل الأنصار، ¬
64 - باب في قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]
حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرًا يَضُرُّ فيه أحدًا أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم". قوله: "كَرِشي وعيبتي"؛ أي: جماعتي الخاصة بي وموضع سِرِّي. والكَرِش الجماعة من الناس، قاله عِيَاض. * * * (64) باب في قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] 1748 - وعن أبي هُريرة: أنَّ رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يَضُمُّ -أو يضيف- هذا؟ "، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: ما عندي إلا قوتُ صبياني، فقال: هَيِّئي طعامك، وأَصْبِحِي سراجك، ونَوِّمي صبيانك إذا أرادوا عَشَاءً، فَهَيَّأت طعامها، وأصبحت سِرَاجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلِح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان فباتا طَاوِيين، فلما أصبح غدا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ضحك اللَّه الليلة -أو عَجِبَ- من أفعالكما" (¬1)، فأنزل اللَّه {وَيُؤْثِرُونَ ¬
65 - باب مناقب سعد بن معاذ -رضي الله عنه-
عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. * * * (65) باب مناقب سعد بن معاذ -رضي اللَّه عنه- 1749 - عن البراء قال: أهديت لرسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- حُلَّةُ حرير، فجعل أصحابه يلمسونها (¬2)، ويعجبون من لينها، فقال: "أتعجبون من لين هذه؟ ! لمناديل سعد بن معاذ خير منها أو أَلْيَن". 1750 - وعن جابر سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ"، فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير؟ فقال: إنه كان بين هذين الحَيَّيْنِ ضغائن، سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ". 1751 - وعن أبي سعيد الخدري: أن ناسًا نزلوا على حكم سعد بن ¬
66 - باب مناقب أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت
معاذ، فأرسل إليه، فجاء على حمار، فلما بلغ قريبًا من المسجد، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قوموا إلى خيركم أو سيدكم (¬1) -قال- سعد (¬2)، إن هؤلاء نزلوا على حكمك"، قال: فإني أحكم فيهم أن تُقْتَل مقاتلِتُهم، وتُسْبَى ذراريهم، قال: "حكمت بحكم اللَّه، أو بحكم الملك". * * * (66) باب مناقب أُسَيْد بن حُضَيْر، وعباد بن بشر، وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت 1752 - عن أنس: أنَّ رجلين خرجا من عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ليلة مظلمة؛ فإذا نوُرٌ بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما؛ يعني: أُسَيْدًا وعبادًا (¬3). 1753 - وعن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُبَيّ: "إن اللَّه أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة: 1] " قال: وسماني؟ ! قال: "نعم"، فبكى. ¬
67 - باب مناقب أبي طلحة -رضي الله عنه-
وفي رواية (¬1): أن نبي الا للَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأُبي بن كعب: "إن اللَّه أمرني أن أقرئك القرآن"، قال: آللَّه سمّاني لك؟ ! قال "نعم"، قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ ! قال "نعم"، فذرفت عيناه. 1754 - وعنه: جمع القرآن (¬2) على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعة كلهم من الأنصار: أُبي ومعاذ بن جبل وأبو زيد، وزيد (¬3)، قال قتادة (¬4): قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. * * * (67) باب مناقب أبي طلحة -رضي اللَّه عنه- 1755 - عن أنس قال: لما كان يوم أُحُد انهزم الناس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
68 - باب مناقب عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-
وأبو طلحة بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُجَوِّبٌ عليه بِجَحَفَةٍ له (¬1)، وكان أبو طلحة رجلًا راميًا شديد القِدِّ (¬2)، يَكْسِرُ يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمرُّ ومعه (¬3) الجعْبَة من النَّبْلِ فيقول: "انثرها لأبي طلحة"، فأشرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي (¬4) أنت وأمي لا تُشْرِف يصيبك سهم من سهام القوم، نَحْرِي دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأُم سُلَيْم وإنهما لمُشَمِّرَتان أرى خَدَم سوقهما، تُنْقُزَانِ القِرَبَ على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين أو ثلاثًا. "تنقزان": تسرعان بالقِرَبِ. * * * (68) باب مناقب عبد اللَّه بن سَلامٍ -رضي اللَّه عنه- 1756 - عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول لأحدٍ ¬
يمشي على الأرض: "إنه من أهل الجنة" إلا عبد اللَّه بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} الآية [الأحقاف: 10]. 1757 - وعن محمد عن قيس بن عباد (¬1) قال: كنت جالسًا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوَّز فيهما، ثم خرج وتبعته، فقلتُ: إنك حين دخلتَ المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أَنْ يقول ما لا يعلم، فسأحدثك (¬2) لمَ ذلك (¬3): رأيت رؤيا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة -ذكر من سعتها وخضرتها- وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عُروةٌ، فقيل لي: ارْقَهْ، فقلت: لا أستطيع، فأتاني مِنْصَفٌ (¬4)، فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة (¬5)، فقيل لي: استمسك، فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "تلك الروضة: الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة ¬
69 - باب مناقب خديجة بنت خويلد وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها
الوثقى (¬1)، فأنت على الإسلام حتى تموت"، وذلك الرجل عبد اللَّه بن سلام. 1758 - وعن أبي موسى قال: أتيت المدينة (¬2)، فلقيت عبد اللَّه بن سَلَام، فقال: ألا تجيء فأطعمك سَوِيقًا وتمرًا وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك في أرض الرِّبَا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق، فَأَهْدَى إليك حِمْل تبن أو شعير (¬3)، أو حِمْلَ قَتٍّ فلا تأخذه فإنه رِبًا. * * * (69) باب مناقب خديجة بنت خويلد وتزوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إياها 1759 - عن علي بن أبي طالب: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة". ¬
1760 - وعن عائشة قالت: ما غِرْتُ على امرأة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما غِرت على خديجة، هلكت قبل أنْ يتزوجني. في رواية (¬1): بثلاثِ سنين، لما كنت أسمعه يذكرها. في رواية (¬2): فربما قلت له: كانه لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: "إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"، وأمره اللَّه أنْ يُبَشِّرَهَا ببَيْتٍ من قَصَبٍ، وإن كان ليذبح الشاة. في رواية (¬3): ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة. وفي لفظ آخر (¬4): فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن. 1761 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوْفَى: بَشَّرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خديجةَ ببيت في الجنة من قَصَب (¬5)، لا صَخَبَ فيه ولا نصَب. ¬
1762 - وعن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومني، وبَشِّرْهَا ببيت في الجنة من قَصَبٍ، لا صَخَب فيه ولا نصب. 1763 - وعن عائشة قالت: استأذنت هالةُ بنت خويلد أخت خديجة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعرف استئذان خديجة (¬1) فارتاع (¬2) لذلك، فقال: "اللهم هالة". قالت: فغِرْتُ فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين (¬3)، هلكت في الدهر، قد أبدلك اللَّه خيرًا منها. الغريب: (القَصَب): قصب الزمرد. و (الصَّخَب): اختلاط الأصوات. و (النَّصَب): التعب والمشقة. * * * ¬
70 - باب مناقب جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-
(¬1) (70) باب مناقب جَرِير بن عبد اللَّه البجلي -رضي اللَّه عنه- 1764 - عن جرير قال: ما حجَبَني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك. 1765 - وعن جرير أيضًا قال: كان في الجاهلية بيت يقال ذو الخَلَصَةِ، وكان يقال له: الكعبة اليمانية والكعبة الشامية -فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل أنت مريحي (¬2) من ذي الخَلَصَةِ؟ " قال: فنفرتُ إليه في خمسين ومئة فارس من أَحْمَسَ، قال: فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمسَ. * * * (71) باب مناقب حذيفةَ بن اليمان -رضي اللَّه عنه- 1766 - وعن عائشة قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمةً ¬
72 - باب مناقب هند بنت عتبة -رضي الله عنها-
بَيِّنَةً، فصاح إبليس: أيْ عبادَ اللَّه! أُخْرَاكُم؟ فرجعت أولاهم على أخراهم، فاجْتَلَدَتْ أخراهم، فنظر حذيفة؛ فإذا هو بأبيه، فنادى: أي عباد اللَّه! أبي أبي، فقال: فواللَّه ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال: حذيفة: غفر اللَّه لكم، قال عروة: فواللَّه ما زالت في حذيفة منها (¬1) بقية (¬2) حتى لقى اللَّه عز وجل. * * * (72) باب مناقب هند بنت عُتْبَة -رضي اللَّه عنها- 1767 - عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عُتبة قالت: يا رسول اللَّه! ما كان على ظهر الأرض من أهل خِبَاءٍ أحبُّ إليَّ أن يُذَلُّوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهلُ خباء أحبَّ إليَّ أن يَعِزُّوا من أهل خبائك، قال: "وأيضًا والذي نفسي بيده" (¬3)، قالت: يا رسول اللَّه! إنَّ أبا ¬
73 - باب ذكر زيد بن عمرو بن نفيل
سفيان رجل مِسِّيك، فهل عليَّ حرج أن أُطْعِمَ من الذي له عيالَنا؟ قال: "لا، إلا بالمعروف (¬1) ". * * * (73) باب ذكر زيد بن عمرو بن نفيل 1768 - عن ابن عمر: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لقي زيد بن عمرو بن نُفَيْل بأسفل بَلْدَح قبل أن ينزلَ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الوحي، فَقُدِّمَتْ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُفْرة فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست بآكلٍ (¬2) مما تذبحون على أنصابكم، ولا بآكلٍ (¬3) إلا ما ذكر اسم اللَّه عليه، وكان يعيب (¬4) على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللَّه، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم اللَّه؟ إنكارًا لذلك وإعظامًا له. وقال ابن عمر (¬5): إنَّ زيد بن عمرو خرج إلى الشام يسأل عن الدين ¬
ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لَعَلِّي أنْ أَدِينَ دينكم فأخبرني؟ فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب اللَّه، قال زيد: ما أَفِرُّ إلا من غضب اللَّه، ولا أحمل من غضب اللَّه شيئًا أبدًا وأَنَّى أستطيعه؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا يعبد إلا اللَّه، فخرج زيد فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك (¬1) من لعنة اللَّه، فقال: ما أَفِرُّ إلا من لعنة اللَّه، ولا أحمل من لعنة اللَّه، ولا من غضبه شيئًا أبدًا، وأَنَّى أستطيع، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا اللَّه، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم (¬2) خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. وقال الليث (¬3): كتب إليَّ هشامُ عن أبيه عن أسماء ابنة (¬4) أبي بكر (¬5) قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة، يقول: يا معشر قريش! ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيى الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤونتها، ¬
74 - باب ذكر أمور كانت في الجاهلية
فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إنْ شئت دفعتُها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها. * * * (74) باب ذكر أمور كانت في الجاهلية 1769 - عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر على امرأة من أَحْمَسَ يقال لها زينب، فرَاها لا تَكَلَّم فقال: ما لها لا تكلَّم؟ قالت: حَجَّتْ مُصْمَتَةً فقال لها: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت، فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش (¬1)؟ قال: إنك لَسَؤول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء (¬2) به اللَّه بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما لكان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك الناس. 1770 - وعن ابن عباس: إنَّ أول قَسَامَةٍ كانت في الجاهلية لَفِينا بني ¬
هاشم، كان رجل من بني هاشم، استأجره رجل من قريش من فَخِذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عُروة جُوَالقِهِ (¬1)، فقال: أغثني بعِقَالٍ أَشُدُّ به عروة جُوَالقي لا تَنْفِرُ الإبل، فأعطاه عقالًا، فشدَّ به واحدًا، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يُعْقَل من بين الإبل؟ قال: ليس له عِقَالٌ، قال: فأين عقاله؟ قال: فَحَذَفَهُ بعصًا كان فيها أَجَلُه، فمرَّ به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما شهدته، قال: هل أنت مُبَلِّغٌ عني رسالة مرَّةً من الدهر؟ قال: نعم، قال: فكتب: إذا أنت شهدت الموسم فنادِ: يا آل قريش! فإذا أجابوك فناد: يا آل بني هاشم! فإن أجابوك فاسأل (¬2) عن أبي طالب، فأخبره: أن فلانًا قتلني في عقال، ومات المُسْتَأجَرُ، فلما قدم الذي استأجره، أتاه أبو طالب، فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنتُ القيام عليه، فوليت دفنه، قال: قد كان أهل ذلك (¬3) منك، فمكث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم، فقال: يا آل قريش! قالوا: هذه قريش، قال: يا آل بني هاشم! قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أخبرني فلان أن أبلغك رسالة: أنَّ فلان قتله في عِقَالٍ فأتاه أبو طالب، فقال (¬4): اختر منا إحدى ثلاث: إن شئتَ أن تؤدي مئة من الإبل؛ فأنت قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم ¬
تقتله (¬1)، فإن (¬2) أبيت قتلناك به، فأتى قومه، فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب! أحب أن تُجِيز (¬3) ابني هذا برجل من الخمسين ولا تُصبِر يمينَهُ (¬4) حيث تُصبَرُ الأَيْمَان، ففعل فأتاه رجل منهم، فقال: يا أبا طالب! أردت خمسين أن يحلفوا مكان مئة من الإبل، يصيب كلَّ رجلٍ بعيران، هذان البعيران، فاقبلهما مني ولا تَصْبِر يميني حيث تُصْبَرُ الأَيْمَان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحَوْلُ ومن الثمانية والأربعين (¬5) عينٌ تَطْرِفُ. 1771 - وعن ابن عباس أنه قال: يا أيها الناس! اسمعوا مني ما أقول لكم، وأَسْمِعُوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال: ابن عباس قال: ابن عباس، من طاف بالبيت فَلْيَطُف من وراء الحِجْرِ، ولا تقولوا: الحَطِيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه (¬6). ¬
1772 - وعن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قِرْدَةٌ اجتمع عليها قِرَدَةٌ، قد زنت فرجموها، فرجمناها معهم. 1773 - وعن ابن عباس قال: من خِلال الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة، ونسي الثالثة. قال سفيان: ويقولون: إنها الاستسقاء بالأنواء (¬1). * * * ¬
38 - كتاب السير والمغازي
(38) كتاب السير والمغازي
1 - باب مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما لقي هو وأصحابه من المشركين، وذكر نسبه
(38) كتاب السير والمغازي (1) باب مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما لقي هو وأصحابه من المشركين، وذكر نَسَبه محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف بن قُصَيٍّ بن كِلَاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنَانةَ ابن خُزَيْمَة بن مُدْرِكَةَ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعد بن عَدنان. 1774 - عن ابن عباس قال: أُنزل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن أربعين، فمكث ثلاث (¬1) عشرة سنة، ثم أُمِر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي (¬2). ¬
1775 - وعن خَباب بن الأَرَتِّ قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدَةٍ (¬1) في ظل الكعبة (¬2)، وقد لَقِينَا من المشركين شدة، فقلت (¬3): ألا تدعو اللَّه وهو مُحْمَرٌّ وجهه (¬4)؟ فقال: "لقد كان مَنْ قبلكم لَيُمشَّط بأمشاط (¬5) الحديد ما دون عِظَامه من لحم أو عَصَب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار (¬6) على مِفْرق رأسه، فَيُشَقُّ باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتِمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا اللَّه، والذئب على غنمه (¬7)، ولكنكم تستعجلون" (¬8). 1776 - وعن عروة بن الزبير قال: . . . . . . ¬
سألت ابن العاص (¬1)، أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال (¬2): بَيْنَا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في حِجْر الكعبة؛ إذ أقبل عُقبة بن أبي مُعَيْط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ منكبه ودفعه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآية [غافر: 28]. والصحيح: (عمرو بن العاص) بدل (ابن العاص)، وقيل: عبد اللَّه بن عمرو. 1777 - وعن عمار بن ياسر قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وما معه إلا خمسة أَعْبُدٍ، وامرأتان، وأبو بكر. 1778 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أراد حُنينًا: "منزلنا غدًا إن شاء اللَّه خيف (¬3) بني كِنَانة؛ حيث تقاسموا على الكفر". ¬
2 - باب نصر أبي طالب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ووفاة أبي طالب
1779 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لما كذبتني قريش قمت في الحِجْر، فجلى اللَّه لي بيت المقدس، فطفقتُ أخبرهم عن آياته، وإني أنظر إليه". * * * (2) باب نصر أبي طالب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ووفاة أبي طالب 1780 - عن العباس بن عبد المطلب: قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أَغْنَيْتَ عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "هو في ضَحْضَاحٍ (¬1) من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". 1781 - وعن أبي سعيد الخدري: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذكر عنده عمه ¬
3 - باب الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان في اليقظة ورؤيا عين
فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعلَ في ضَحْضَاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه". 1782 - وعن سعيد بن المُسَيَّب، عن أبيه: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده أبو جهل، فقال: "أيْ عم! قل: لا إله إلا اللَّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللَّه"، فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أُمية: يا أبا طالب! ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأَسْتَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك" (¬1)، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}. . . إلى: {أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]، ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]. * * * (3) باب الإسراء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه كان في اليقظة ورؤيا عَيْن 1783 - عن مالك بن صَعْصَعَةَ: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حدثهم (¬2) عن ليلة أُسْرِي ¬
به قال (¬1): "بينما أنا في الحَطِيم -وربما قال: في الحِجْر- مضطجعًا، إذ أتاني آتٍ فَقَدَّ -قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: يعني من نحره (¬2) إلى شِعْرَتِه، وقال: من قَصِّهِ إلى شِعْرَتِهِ (¬3)، فاستخرج قلبي، ثم أُتيت بطَسْتٍ من ذهب مملوءة إيمانًا، فغُسِل قلبي، ثم حُشِيَ، ثم أُعيد، ثم أُتيمت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض (¬4)، يضع خَطْوَهُ عند أقصى طَرْفِهِ، فحُملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قال (¬5): ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فَفَتَحَ له (¬6)، فلما خَلَصْتُ فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فَسَلِّمْ عليه، فسلمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صَعِد بي حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، فقيل (¬7): من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فَفَتَحَ، فلما خَلَصْتُ إذا بيحيى (¬8) ¬
وعيسى وهما ابنا الخالة (¬1)، قال: هذا يحيى وعيسى فسلِّمْ عليهما، فسلمت فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صَعِدَ بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، فقيل (¬2): من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء ففُتح، فلما خَلَصْتُ إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلِّمْ عليه، فسلمت عليه، فردَّ ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل (¬3): من هذا؟ قال: جبريل، قال (¬4): ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فَفَتَح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلِّمْ عليه، فسلمت عليه، فردَّ، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمد (¬5) قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنِعْمَ المجيء جاء، فلما خَلَصْتُ، فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلِّمْ عليه، فسلمت عليه، فردَّ ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء السادسة (¬6)، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: ¬
جبريل، قيل: ومن معك (¬1)؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فلما خَلَصْتُ، فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلِّمْ عليه، فسلمتُ عليه، فردَّ ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي؛ لأنَّ غلامًا بُعث بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر (¬2) ممن يدخل من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك (¬3)؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا إبراهيم (¬4) أبوك فسلِّمْ عليه، قال: فسلمت عليه، فردَّ السلام ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رُفِعْتُ إلى (¬5) سِدْرةِ المُنْتهى، فإذا نبِقُهَا مثل قِلَال هَجَر، وإذا ورقها كآذان الفِيَلَةِ، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا (¬6) يا جبريل؟ فقال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع إليَّ (¬7) البيت المعمور (يدخله كل يوم سبعون ألف ملك) (¬8)، ثم أُتيت لإناء من خمر، وإناء ¬
من لبن، وإناء من عسل، فاخترت اللبن (¬1)، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك، ثم فُرِضت عليَّ الصلاة (¬2) خمسين صلاةً، كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بِمَ أُمرتَ (¬3)؟ قال: أُمرتُ بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني واللَّه قد جربت الناس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجعْ إلى ربك، فاسأله التخفيف لأُمتك، فرجعت، فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأُمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت، فأُمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات في كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت ناداني (¬4) مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي". 1784 - وعن ابن عباس: في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ¬
4 - باب وفود الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لمكة، وبيعة العقبة
إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، قال: هي رؤيا عين أُريها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة أُسري به إلى بيت المقدس، قال: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قال: هي شجرة الزَّقُّوم. * * * (4) باب وفود الأنصار إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمكة، وبيعة العقبة 1785 - عن عبد اللَّه بن كعب -وكان (¬1) قائد كعب حين عَمِيَ- قال: سمعت كعب بن مالك يحدِّثُ حين تخلف عن رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك، قال (¬3): لقد شهدت مع رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة العقبة حتى تواثقنا على الإسلام، وما أُحِبُّ أنَّ ليَ بها مَشْهَد بدر، وإن كانت بدر أَذْكَرَ في الناس منها. . . وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. ¬
1786 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: شهد بي خالاي العقبة، قال (¬1) ابن عيينة: أحدهما البَرَاءُ بن مَعْرُورٍ. 1787 - وعن عطاء: قال جابر: أنا وأبي وخالاي من أصحاب العقبة. 1788 - وعن أبي إدريس عائذ اللَّه: أن عبادة بن الصامت من الذين شهدوا بدرًا، مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن أصحاب العقبة (¬2). 1789 - وعن عبادة بن الصامت أنه قال: إني من النُّقَبَاء الذين بايعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: بايعناه على أن لا نشرك باللَّه شيئًا، ولا نسرق، ولا نَزْنِي، ولا نقتل النفس التي حرَّم اللَّه (¬3)، ولا نعصي، فالجنة إن فعلنا ذلك، فإن غَشِينَا من ذلك شيئًا، كان قضاءُ ذلك إلى اللَّه. * * * ¬
5 - باب وفاة خديجة، وتزويج عائشة -رضي الله عنها-
(5) باب وفاة خديجة، وتزويج عائشة -رضي اللَّه عنها- 1790 - عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: توفيت خديجة قبل مَخْرَج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع. وفي طريق أخرى (¬1) أنَّها قالت: تزوجني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فَوَعِكْتُ، فتمرَّق شعري فَوَفَى جُمَيْمَة (¬2)، فأتتني أمي أُم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها ولا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأَنْهِجُ حتى سكن بعض نَفَسِي، ثم أخذتْ شيئًا من ماء، فنضحت به في وجهي (¬3) ورأسي، ثم أدخلتني الدار؛ فإذا ¬
6 - باب الهجرة إلى أرض الحبشة
نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير (¬1)، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يَرُعْني إلَّا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضحًى، فأسلمنني (¬2) إليه، وأنا يومئذٍ بنت تسع (¬3). * * * (6) باب الهجرة إلى أرض الحبشة 1791 - عن عائشة: أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير. . .، قد تقدم. 1792 - وعن أبي موسى قال: بَلَغَنَا مخرجُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن باليمن، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب عنده، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافقنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين افتتح خيبر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكم أهلَ السفينة هجرتان"، وقد تقدم حديث أبي هريرة بموت النجاشي، والصلاة عليه. * * * ¬
باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة وقال عبد اللَّه بن زيد وأبو هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار"، وقال أبو موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيت في المنام أني مهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، وَهَلِي إلى أنَّها اليمامة أهجر (¬1)؛ فإذا هي المدينة يثرب". 1793 - وعن عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: لم أعقل أبويَّ قطّ إلَّا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلَّا يأتينا فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِمَاد لقيه ابن الدَّغِنَةِ -وهو سيد القَارَّةِ- فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال ابن الدَّغِنَّة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخْرج ولا يُخْرج، إنك تَكْسِب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع فارتحل معه ابن الدَّغِنَّة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلًا ¬
يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة (¬1)، وقالوا لابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصلِّ فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به؛ فإنا نخشى أن يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر كذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره، ثم (¬2) بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدًا بفناء داره، وكان يصلِّي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقذَّفُ (¬3) عليه نساءُ المشركين وأبناؤهم يَعْجَبُون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكَّاءً، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدًا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنَّا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فَانْهَهُ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبي إلَّا أن يعلن بذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نُخْفِرَك (¬4)، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر، فقال: لقد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أم تُرجع إلي ذمتي؛ فإنّي لا أحب أن تسمع العرب أني أُخْفِرْتُ ¬
في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإنّي أردُّ إليك جوارك، وأرضى بجوار اللَّه -عز وجل-، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يومئذٍ بمكة. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمسلمين: "إنِّي رأيت دار هجرتكم، ذات نخل، بين لابتين، وهما الحرتان"، فهاجَرَ من هاجر قِبَل المدينة، ورجع عامة من هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قِبَل المدينة، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على رِسْلِك؛ فإنّي أرجو أن يؤذن لي"، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: "نعم"، فحبس أبو بكر نفسه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السَّمُر -وهو الخَبَطُ- أربعة أشهر، قالت عائشة (¬1): فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فدًى له أبي وأمي، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلَّا أمرٌ، قالت: فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستأذن فأُذن له، فدخل، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكر: "أَخْرِجْ مَنْ عندك"، فقال أبو بكر: إنَّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول اللَّه، قال: "فإنّي قد أُذن لي في الخروج"، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول اللَّه؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم"، قال أبو بكر: فَخُذْ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتيَّ هاتين، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بالثمن"، قالت عائشة: فجهَّزْنَاهُمَا أحث (¬2) الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعتين من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فلذلك سميت ذات النطاقين، ثم لحق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر بغار في جبل ثور، ¬
فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما فيه عبد اللَّه بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثَقِيفٌ (¬1) لَقِنٌ (¬2)، فَيُدْلج من عندهما بسَحَرٍ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يُكادان (¬3) به إلَّا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فُهَيْرة مولى أبي بكر مِنْحَة (¬4) من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسْلٍ -وهو لبن منيحتهما ورضيفهما (¬5) - حتى يَنْعِقَ لها عامر (¬6) بغَلَسٍ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل، وهو من بني عبد بن عدي هاديًا خِرِّيتًا -والخريت الماهر بالهداية-، قد غمس حلفًا في (¬7) العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأَمِنَاهُ ودفعًا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فُهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق الساحل (¬8). ¬
1794 - قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي -وهو ابن أخي سُراقة بن جُعْشُمٍ (¬1) -: أن أباه أخبره أنَّه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا رسول كفار قريش يجعلون في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أَسَرَهُ، فبينا (¬2) أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مُدْلِج؛ إذ أقبل رجل منهم حتى قدم علينا ونحن جلوس، فقال: يا سُراقة! إنِّي قد رأيت آنفًا أَسْوِدَةَ بالساحل، أُراه محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأَعْيُننَا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، وأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أَكَمَةٍ، فتحبسها عليَّ، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فخَطَطْتُ بزُجِّهِ الأرض، وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي، فركبتها فرفعتها تُقَرِّبُ بي حتى دنوت منهم، فَعَثَرَتْ بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، واستقسمت بها، أَضُرُّهُم أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة؛ ¬
إذا غبار ساطع (¬1) في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد النَّاس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني (¬2) شيئًا، ولم يسألاني إلَّا أن قال: "أخفِ عنَّا"، فسألته أن يكتب لي كتاب أَمْنٍ، فأمر عامر بن فُهيرة، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقي الزبيرَ في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسى الزبيرُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غَدَاةٍ إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أوَوْا إلى بيوتهم، أَوْفَى رجلٌ من يهود على أُطُمٍ من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه مُبيَّضِينَ يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب! هذا جَدُّكم (¬3) الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو ابن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للنَّاس، وجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صامتًا، وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يَر رسول اللَّه ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- يحيى أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك، فلبث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى، وصلى فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم ركب راحلته، فسار (¬1) معه الناس، حتى بركت عند مسجد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين، وكان مِرْبَدًا للتمر لسُهيل وسهل، غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زُرَارة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين بركت به راحلته: "هذا إن شاء اللَّه المنزل"، ثم دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقبله هبة منهما (¬2)، ثم بناه مسجدًا، وطفق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينقل معهم اللبِن في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحِمَالُ لا حِمالُ خَيْبَر ... هذا أَبَرُّ رَبَّنَا وأَطْهَر وهو يقول (¬3): اللَّهم إنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخره ... فارحم الأنصار والمُهَاجِرَه يتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي، قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات. ¬
1794/ م- وعن أنس بن مالك قال: أقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة وهو مردف أبا بكر -وأبو بكر شيخ يعرف- والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجلُ أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنَّه إنَّما يعني الطريقَ، وإنَّما يعني سبيلَ الخير، فالتفت أبو بكر؛ فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول اللَّه! فارس (¬1) قد لحق بنا، فالتفت نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اللَّهم اصرعه"، فصرعه فرسه، ثم قامت تُحَمْحِمُ، فقال: يا نبي اللَّه! مُرْني بما شئت، قال: "قف مكانك، لا تتركن أحدًا يلحق بنا"، قال: وكان أول النهار جاهدًا على نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان آخر النهار مَسْلَحة له، فنزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار، فجاؤوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنَيْن مُطَاعَيْن، فركب نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر، وحفُّوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي اللَّه، جاء نبي اللَّه (¬2)، فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبي اللَّه، جاء نبي اللَّه، فأقبل يسير، حتى نزل بجانب دار أبي أيوب، فإنَّه ليحدث أهله؛ إذ سمع به عبدُ اللَّه بن سَلَام وهو في نخلٍ لأهله يخترف (¬3) لهم، فَعَجِلَ أن يضع الذي يخترف لهم فيها، ¬
فجاء وهي معه، فسمع من نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم رجع إلى أهله، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أي بيوت أهلنا أقرب؟ "، فقال أبو أيوب: أنا يا نبي اللَّه، هذه داري وهذا بأبي، قال: "فانطلق فهيئ لنا مقيلًا"، قال: قومًا على بركة اللَّه، فلما جاء نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، جاء عبد اللَّه بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول اللَّه، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت؛ فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت، قالوا فيَّ ما ليس فيَّ، فأرسل نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدخلوا عليه، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر اليهود! ، ويلكم، اتقوا اللَّه، فواللَّه الذي لا إله إلَّا هو، إنكم لتعلمون أني رسول اللَّه حقًّا، وأني جئتكم بحق، فأَسْلِمُوا"، قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالها ثلاث مرار، قال: "فأيُّ رجل فيكم عبد اللَّه بن سلام؟ " قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا للَّه، ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قال: حاشا للَّه، ما كان ليسلم، قال "يا ابن سلام (¬1)! أخرج عليهم"، فخرج فقال: يا معشر اليهود! اتقوا اللَّه، فوالذي لا إله إلَّا هو، إنكم لتعلمون أنَّه رسول اللَّه، وأنَّه جاءنا بالحق، فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1795 - وعن أنس، عن أبي بكر قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الغار، ¬
فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي اللَّه! لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: "اسكت يا أبا بكر، اثنان اللَّه ثالثهما". 1796 - وعن أبي سعيد قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأله عن الهجرة، فقال: "ويحك، إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "فتعطي صدقتها؟ " قال: نعم، قال "فهل تمنح منها؟ " قال: نعم، قال "فتحلبها يوم وِرْدِها؟ (¬1) " قال: نعم، قال: "فاعمل من وراء البحار، فإن اللَّه لن يَتِرَكَ من عملك شيئًا". الغريب: وَ"هَل" (¬2): بفتح الهاء، وَهْمِي. "بَرْكَ الغِمَاد": موضع أسيح في الأرض، أذهب فيها لعبادة اللَّه، وقد تقدم القول على قوله: "تصل الرحم. . . "، الكلام إلى آخره في أول الكتاب. و"يتقذَّف عليه": يترامون عليه مزدحمين، وهو معنى: "يتَقَصَّفُ" الذي رواه الأصيلي. "نُخْفِرك": مضموم النون رباعيًا، ننقض جوارك. و"نَخْفِرُك": ثلاثيًا: مفتوح النون، بخيرك. و"الذّمّة": العهد. "على رِسْلك": على رفقك. و"الظَّهِيرة": شدة حر وسط النهار. و"نَحْرُها": أولها. ¬
"أَحَثَّ الجهاز": أسرعه. و"ثَقِفٌ": كيِّس. و"لَقِن": فَهِمٌ للأمور. و"يَدّلِجُ": مشدد، يسير من آخر الليل. و"أدلج": من أوله. و"المِنْحَةُ والمَنِيحَةُ": التي تعطى ليشرب لبنها. و"الرِّسْل": اللبن الحليب. و"الرَّضِيفُ" منه: هو ما ألقي فيه الحجارة المحماة، لتكسر برده، قاله الخطابي. و"يَنْعِقُ بالغنم": يصيح بها يدعوها. و"غَمِسَ حِلْفًا": عقد عهدًا وجوارًا، وسمى ذلك غمسًا؛ لأنهم كانوا يؤكدون أيمانهم بغمسهم أيديهم في طيب أو دم. و"خَفَضْتُ عاليه"؛ أي: أملته، وهززته نشاطًا. و"الأَزْلَام": القِدَاح التي يضربون بها عند عزومهم على الأفعال، وكانت ثلاثة، في أحدها: افعل، وفي الثاني: لا تفعل، والآخر لا شيء فيه، فإذا خرج أعادوا الضرب حتى يخرج افعل، أو لا تفعل. و"تُقَرِّبُ بي"؛ يعني: الفرس. و"سَاخَت": ذهبت غرقًا. و"العُثَان": الغبار، وربما يكون معه إعصار، وهو الدخان. و"لم يرزآني شيئًا": لم يأخذا شيئًا من ذلك، فينقصا فيه. و"قَافِلين": راجعين من سفرهم. و"الأُطُم": حائط القصر، وهو الأُجُم أيضًا. و"يزول بهم السراب"؛ أي يحول ويضطرب. و"جَدُّكُم": سَعْدُكُم. و"طَفِقَ": أخذ وجعل. و"المِرْبَدُ": الموضع الذي يجمع فيه التمر، وهو الجَرِين كالأندر (¬1) للبُرِّ. "فالحِمال": بكسر الحاء، الحِمْل، ويقال على أجرة الحمل، وهو هاهنا محتمل للأمرين. و"مَسْلَحَةٌ"؛ أي: سلاحًا؛ أي: يدافع عنه، كما ¬
7 - باب أول من قدم المدينة من المهاجرين -رضي الله عنهم-
يدافع بالسلاح. و"البِحَار": جمع بحر. و"لن يترِكَ": لن ينقصك. * * * (7) باب أول من قدم المدينة من المهاجرين -رضي اللَّه عنهم- 1797 - عن البَرَاء بن عازب قال: أول من قَدِمَ علينا مُصْعَب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يُقْرِؤونَ للناس (¬1)، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما قدم حتى قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور من المفصَّل. 1798 - وعن عائشة قالت: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وُعِكَ أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبتِ! كيف تجدك؟ ويا بلال! كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئٍ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله ¬
وكان بلال إذا أَقْلَعَ عنه الحمى، يرفع عَقِيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي إِذْخِرٌ وجَلِيلٌ وهل أَرِدَنْ يومًا مياهَ مِجَنَّةٍ ... وهل يبدُوَنْ لي شَامَةٌ وطَفِيل قالت عائشة: فجئت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرته، فقال: "اللَّهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومُدِّهَا، وانقل حُمَّاها فاجعلها في الجُحْفَةِ". 1799 - وعن سهل بن سعد قال: ما عَدُّوا من مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا من وفاته، ما عدّوا إلَّا من مقدمه المدينة. الغريب: "مصبَّح": بفتح الباء، اسم مفعول؛ أي: يصاب الموت في الصباح. و"أدنى": أقرب. و"إذخر وجليل": نباتان ينبتان بمكة. و"مِجنة": موضع خارج مكة فيه ماء. و"شامة وطَفِيل": جبلان خارج مكة. و"عقيرته": صوته، وأصله: أن رجلًا قطعت إحدى رجليه، فرفعها على الأخرى ورفع صوته، فقيل ذلك لكل من رفع صوته. * * * _______ = عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (3926). 1799 - خ (3/ 78)، (63) كتاب مناقب الأنصار، (48) باب التاريخ، ومن أين أَرَّخُوا التاريخ؟ من طريق عبد العزيز هو ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد به، رقم (3934).
8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم" ومرثيته لمن مات بمكة
(8) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم" ومرثيته لمن مات بمكة 1800 - عن سعد بن أبي وقاص قال: عادني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عام حجة الوداع من وجع (¬1) أَشْفَيت منه على الموت، فقلت: يا رسول اللَّه! بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مالِ، ولا يرثني إلَّا ابنة لي واحدة، أفتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا"، قال: أتصدق (¬2) بِشَطْرِه؟ قال: "لا" (¬3)، قال: "الثلث يا سعد، والثلث كثير، إنك أَنْ تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عَالَةً يتكففون الناس، ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلَّا آجرك اللَّه بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك (¬4) "، قلت: يا رسول اللَّه! أُخَلَّفُ بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تُخَلَّفَ، فتعمل عملًا تبتغي به وجه اللَّه إلَّا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك تُخَلَّف حتى ينتفع بك أقوام، ويُضَرَّ بك آخرون، اللَّهم أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعدُ بن خولة" يرثي له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن توفي بمكة. ¬
الغريب: "الوجع": المرض عند العرب. "أَشْفَيْت": أشرفت، يقال: أشفى وأشاف بمعنى. وقوله: "ولا يرثني إلَّا ابنة واحدة" ظاهره: أنَّه ليس له وارث سوى الابنة المذكورة، وقد قيل: كان له ورثة سواها؛ فإنَّه مات عن ثلاثة من الذكور، أحدهم عامر الذي روى هذا الحديث عنه، وتأول من قال هذا قوله: بأنه لا يرثه من النساء إلَّا واحدة، أو بأنه لا يرثه بالسهم إلَّا واحدة، وكل محتمل (¬1)، واللَّه أعلم. و"عَالَةٌ": فقراء. و"يَتَكَفَّفُون": يمدون أكفهم طالبين من أكفّ الناس. و"أُخلَّفُ"؛ يعني: يتركني أصحابي ويرتحلون، فأجابه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه لن يخلَّف بمكة، وأن يعبرها حتى ينتفع به أقوام وسيتضرر به آخرون، كما قد وقع؛ فإنَّه صح من مرضه، ولم يقم بمكة، وأبقاه اللَّه تعالى حتى عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة، وولي العراق، وفتحها اللَّه عليه، فأسلم على يديه خلق كثير، فنفعهم اللَّه به، وقتل وأسر من الكفار كثيرًا، واستضروا به، فوقع ما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان ذلك من جملة صدق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن أعلام نبوته. وقوله: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم"؛ أي: تقبلها منهم، وأبق عليهم حالها وحكمها فلا تنقلهم من موضع هجرتهم الذي هاجروا إليه، إلى المواضع التي هاجروا منها، واللَّه أعلم، وإلى هذا أشار بقوله: "إن الهجرة قد ثبتت لأهلها". ¬
9 - باب مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة
و"البائس": اسم فاعل من بئس يَبْأَسُ: إذا أصابه البؤس، هذا اللفظ للذم والترحم، و"سعد بن خولة": هو رجل من بني عامر بن لؤي من أَنْفُسِهم، وقيل: حليف لهم، وهو زوج سبيعة الأسلمية، وقد اختلف فيه، فقال عيسى ابن دينار وابن مديني: أنَّه لم يهاجر من مكة حتى مات فيها، وعلى هذا فيكون ذلك القول من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على جهة الذم، وقال الأكثر من العلماء: أنَّه هاجر ثم رجع إلى مكة إلى أن مات بها، وعلى هذا فيكون ذلك القول تفجعًا عليه وترحمًا. واللَّه أعلم. وقوله: "يرثي له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-": أن توفي بمكة، قيل: إنه قول سعد ابن أبي وقاص، وقيل: من قول الزهري، واللَّه أعلم. * * * (9) باب مؤاخاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة 1801 - عن أنس (¬1) قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله ¬
10 - باب إسلام عبد الله بن سلام
وماله، فقال عبد الرحمن: بارك اللَّه في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئًا من أقط وسمن، فرآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أيَّام وعليه وَضَرٌ من صُفْرَة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَهْيَمْ يا عبد الرحمن؟ " قال: يا رسول اللَّه! امرأة تزوجت من الأنصار، قال: "فما سقت إليها؟ " قال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوْلِمْ ولو بشاة". الغريب: "الأَقِط": اللبن المجفف. و"وضَرٌ من صُفرة": أثر منها. و"مَهْيَم": استفهام، كأنه قال: ما الخبر. * * * (10) باب إسلام عبد اللَّه بن سلام 1802 - عن أنس: أن عبد اللَّه بن سلام بلغه مَقْدَمُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فأتى (¬1) يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلَّا نبي، ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد يَنْزِعُ إلى أبيه، أو إلى أمه؟ قال: "أخبرني جبريل آنفًا" (¬2)، قال ابن سلام: ذلك (¬3) عدو اليهود من الملائكة، قال: "أما أول أشراط الساعة، فنار تحشرهم ¬
من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وأمَّا الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد"، قال: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وأنك رسول اللَّه، قال: يا رسول اللَّه! إن اليهود بُهْتٌ (¬1)، فاسألهم عني قبل أن يعلموا إسلامي (¬2)، فجاءت اليهود فقال (¬3): "أي رجل فيكم عبد اللَّه بن سلام؟ (¬4) " قالوا: خَيْرُنَا وابن خَيْرِنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه ابن سلام؟ " قالوا: أعاذه اللَّه من ذلك، وأعاد عليهم (¬5)، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد اللَّه فقال: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، قالوا: شَرُّنَا وابن شَرِّنَا، وتَنَقَّصُوه، قال: هذا كنت أخاف يا رسول اللَّه. * * * باب 1803 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود". ¬
11 - باب إسلام سلمان الفارسي -رضي الله عنه-
يعني -واللَّه أعلم-: عشرة معينين كانوا مُقَدَّمِي دينهم، فلو آمنوا لآمن يهود المدينة. * * * (11) باب إسلام سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه- 1804 - عن أبي عثمان: عن سلمان أنَّه تداوله بضعة عَشَرَ من ربٍّ إلى ربٍّ. 1805 - وعنه قال: سمعت سلمان يقول: أنا من رَامَ هُرْمُز (¬1). 1806 - وعنه قال: قال سلمان: فترة بين عيسى ومحمد صَلَّى اللَّه عليهما (¬2) ست مئة سنة. * * * ¬
12 - غزوة العشيرة، وكم غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
(12) غزوة العشيرة، وكم غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ 1807 - عن زيد بن أرقم: وقيل له (¬1): كم غزا رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل (¬3): كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أوَّلُ؟ قال: العُشَيْرة (¬4). قال قتادة: العشير. قال ابن إسحاق: أول ما غزا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأبواء، ثم بُوَاط، ثم العشيرة. الغريب: "العُشَيْر": يقال: بالسين والشين، فبالمعجمة رويته، ويقال: بثبوت الهاء وحذفها، وهو موضع بقرب سكن بني المدلج، بينه وبين المدينة سبعة بُرُد، قد زاد أهل التواريخ والسير (¬5) في عدد غزوات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال ¬
13 - غزوة بدر وقوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ينلبوا}. . . إلى: {فينقلبوا خائبين} [آل عمران: 123 - 127]
محمد بن سعد: إن غزوات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت سبعًا وعشرين، وسراياه ستًّا وأربعين، والتي قاتل فيها بدر وأُحد والمريسيع والخندق وخيبر وقريظة والفتح وحنين والطائف، قال: وهذا الذي اجتمع لنا علمه، قلت: وعلى هذا، فإنما أخبر زيد عما علمه، وما قاله ابن إسحاق في ترتيب الثلاث غزوات هو الصحيح. * * * (13) غزوة بدر وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ينلبوا}. . . إلى: {فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران: 123 - 127] 1808 - عن عبد اللَّه بن مسعود: حدث عن سعد بن معاذ أنَّه (¬1) كان صديقًا لأمية بن خلف، وكان أميَّة إذا مَرَّ بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مَرَّ بمكة نزل على أميَّة، فلما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، انطلق سعد معتمرًا، فنزل على أميَّة بمكة، فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج قريبًا من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل (فقال: يا أبا صفوان! من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ) (¬2) ألا أراك ¬
تطوف آمنًا (¬1)، وقد أويتم الصُبَاةَ، وزعمتم: أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما واللَّه لولا أنك مع أبي صفوان، ما رحت إلى أهلك سالمًا، فقال له سعد -ورفع صوته عليه-: أما واللَّه، لئن منعتني هذا، لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة، فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي، فقال سعد: دعنا عنك يا أمية، فواللَّه لقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنهم قاتلوك" قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعًا شديدًا، فلما رجع أمية إلى أهله، قال: يا أم صفوان! ألم تَرَي إلى ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنَّه قَاتِلِيَّ، فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري، فقال أمية: واللَّه لا أخرج من مكة، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس، فقال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان (¬2)! إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي، تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما (¬3) إذ غلبتني، فواللَّه لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان! جهزيني، فقالت له: يا أبا صفوان! وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي، قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلَّا قريبًا، فلما خرج أُمَيَّة أخذ لا ينزل منزلًا إلَّا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- ببدرٍ. 1809 - وعن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ¬
غزوة غزاها إلَّا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر، ولم يُعَاتَب أحدٌ تخلف عنها، إنَّما خرج النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد عير قريش، حتى جمع اللَّه بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. 1810 - وعن ابن مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأَنْ أكون صاحبه أحبَّ إليَّ مما عُدِلَ به، أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أشرق وجهه وسَرَّه (¬2). 1811 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر: "اللَّهم إنِّي أَنْشُدُكَ عهدك ووعدك، اللَّهم إن شئت لم تعبد"، فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، ¬
14 - باب عدة أصحاب بدر
فخرج وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدُّبُر". 1812 - وعنه قال: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] عن بدر والخارجون إلى بدر. * * * (14) باب عدة أصحاب بدر 1813 - عن البراء بن عازب قال: استُصْغِرْتُ أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيِّقًا على ستِّين، والأنصار نَيِّفٌ وأربعون ومئتان (¬1). 1814 - وعنه قال: حدثني أصحاب محمد (¬2) ممن شهد بدرًا: أنهم كانوا عِدَّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، بضعةَ عشرَ وثلاث مئة، قال البراء: لا واللَّه، ما جاوزه إلَّا مؤمن (¬3). ¬
1815 - وعن ابن مسعود قال: استقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الكعبة، ودعا على نفر من قريش، على شَيْبَة بن ربيعة، وعُتبة بن ربيعة، والوليد بن عُتْبة، وأبي جهل بن هشام، فأشهد باللَّه، لقد رأيتهم صرعى، قد غيَّرتهم الشمس، وكان يومًا حارًا. 1816 - وعنه: أنَّه أتى أبا جهل وبه رَمَقٌ يوم بدر، فقال له (¬1) أبو جهل: هل أعمَدُ (¬2) من رجل قتلتموه. 1817 - وعن أنس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟ " فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى بَرَد، قال: أنت أبو جهل (¬3)؟ فأخذ بلحيته (¬4)، قال: هل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه؟ ¬
15 - باب
1818 - وعن قَيْس بن عُبَاد قال: سمعت أبا ذر يُقْسِم قَسَمًا، أن هذه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة. 1819 - وعن عليّ بن أبي طالب قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال (¬1) قيس بن عباد: وفيهم نزلت (¬2): {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر، وحمزة (¬3) وعليّ، وذكر باقي الستة. * * * (15) باب 1820 - عن عروة بن الزبير قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، ¬
إحداهن في عاتقه، قال: إن كنت لأدخل أصابعي فيهن (¬1)، قال: ضُرِبَ ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك، قال عروة: وقال (¬2) عبد الملك بن مروان حين قُتل عبد اللَّه بن الزبير يا عروة! هل تعرف سيف الزبير؟ قلت: نعم، قال: فما فيه؟ قلت: فيه فَلَّة فُلَّهَا يوم بدر، قال: صدقت، بهن فلول من قِرَاعِ الكتائب، ثم رده على عروة، قال هشام: فأقمناه بيننا ثلاثة آلاف، وأخذه بعضُنا، ولوددت أني كنت أخذته. 1821 - وعن هشام، عن أبيه قال: كان سيف الزبير مُحَلَّى بفضة. قال (¬3): وكان سيف عروة مُحَلى بفضة. 1822 - وعن عروة: أن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا (¬4) للزبير يوم اليرموك: ألا تَشُدُّ فنَشُدُّ معك؟ قال (¬5): إنِّي إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم، وما معه أحد، ¬
16 - باب ذكر من قتل من صناديد قريش يوم بدر، ومن أسر، وكم عددهم
ثم رجع مقبلًا فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة يوم بدر، وقال (¬1) عروة: كنت أدخل أصابعي في الثلاث (¬2) الضربات ألعب، وأنا صغير. قال عروة: وكان معه عبد اللَّه بن الزبير يومئذٍ، وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس ووَكَّل به رجلًا. * * * (16) باب ذكر من قتل من صناديد قريش يوم بدر، ومن أُسِر، وكم عددهم 1823 - وعن أنس بن مالك، عن أبي طلحة: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقُذفوا في طَوِيٍّ من أطواء بدر خبيث مُخْبِث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بَعْرَصَتِهم (¬3) ثلاث ليال، فلما كان ببدر في (¬4) اليوم الثالث أمر براحلته، فشُدَّ عليها رَحْلُها ثم مشى، ¬
واتَّبَعَهُ أصحابُه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلَّا ليقضي (¬1) حاجته، حتى قام على شَفَةِ الرَّكِيِّ فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: "يا فلان بن فلان ويا فلان ابن فلان! أَيَسُرُّكم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله؟ فإنَّا وجدنا (¬2) ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ " قال: فقال عمر: يا رسول اللَّه! ، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". قال قتادة: أحياهم اللَّه حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة ونَدَمًا. 1824 - وعن ابن عباس: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قال: هم واللَّه كفار قريش، ومحمد نعمة اللَّه (¬3)، و {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] قال: النار يوم بدر. 1825 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: وقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على قَلِيبِ بدر فقال: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟ (¬4) " ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول"، ¬
فذكر لعائشة، فقالت: إنما قال (¬1): "إنهم الآن يعلمون (¬2) أن الذي كنت أقول لهم هو الحق"، ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] حتى قرأت الآية. 1826 - وعن جبير بنُ مطْعم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقال في أُسَارَى بدر: "لو كان المُطْعِم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له". 1827 - وعن البراء بن عازب قال: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد (¬3) على الرماة عبد اللَّه بن جُبير، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه أصاب (¬4) من المشركين يوم بدر أربعين ومئة، سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا. قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، والحرب سِجَال. 1828 - وعن عبد الرحمن بن عوف أنَّه قال: إنِّي لفي الصف يوم بدر؛ إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيَان حديثا السن، فكأني لم ¬
آمن مكانهما (¬1)، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عمِّ! أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي! وما تصنع به؟ قال: عاهدت اللَّه إِنْ رأيته أَن أقتله، أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، قال: فما سَرَّني أني كنت بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء. 1829 - وعن عروة بن الزبير قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عُبيدة ابن سعيد بن العاص وهو مُدَجَّج، لا يُرى منه إلَّا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكَرِش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملتُ عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات، قال هشام: فأُخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رِجْلي عليه، ثم تَمَطَّأْتُ، وكان (¬2) الجَهْد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها فسأله (¬3) إياها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاه، فلما قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قبض أبو بكر، سألها إياه عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان (¬4) فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد اللَّه ابن الزبير فكانت عنده حتى قتل. ¬
17 - باب فضل من شهد بدرات من الصحابة والملائكة
الغريب: "الطَّوِيّ": البئر المطوية. و"الرَّكِيّ" و"القَلِيب": البئر غير المَطْوِيَّة. وشَفَة الركيّ (¬1)، وهو حرفها. و"البَوَار": الهلاك. و"السِّجَال": المناوبة بالسَّجْل، وهي دلو كبيرة، لا يرفعها واحد. * * * (17) باب فضل من شهد بدرًات من الصحابة والملائكة 1830 - عن أنس قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه! قد علمت (¬2) منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال: "ويحك -أَوَهَبِلْتِ (¬3)، أَجَنَّةٌ واحدة هي؟ ! إنَّها جِنَان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس". ¬
1831 - وعن عليٍّ قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا مرثد والزبير بن العوام (¬1)، -وكلنا فارس- قال: "انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَة خَاخٍ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين"، فأدركناها تسير على بعير لها؛ حيث قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها والتمسنا (¬2)، فلم نجد كتابًا (¬3)، قلنا: ما كذب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لنجَرِّدَنَّك، فلما رأت الجِدَّ أهوت إلى حُجْزَتهَا -وهي محتجزة بكساء- فأخرجته، فانطلقنا به (¬4) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال عمر: يا رسول اللَّه! قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال (¬5): "ما حملك على ما صنعت؟ " قال: واللَّه ما بي إلَّا أن أكون مؤمنًا (¬6) باللَّه ورسوله (¬7)، أردت أن يكون (¬8) لي عند القوم يد، يدفع اللَّه بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلَّا له هناك من عشيرته من يدفع ¬
اللَّه به من أهله وماله، فقال: "صدق، ولا تقولوا إلا خيرًا" فقال عمر: إنَّه قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: "أليس من أهل بدر؟ " فقال: "لعل اللَّه اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفر لكم" فدمعت عينا عمر، وقال: اللَّه ورسوله أعلم. 1832 - وعن رِفَاعَة بن رافع، عن أبيه: وكان أبوه من أهل بدر، [وكان رفاعة من أهل العقبة، وكان (¬1) يقول لابنه: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة] (¬2)، قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسلمين" أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة. 1833 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب". * * * ¬
18 - باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع
(18) باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع (¬1) محمد بن عبد اللَّه الهاشمي -صلى اللَّه عليه وسلم-، عبد اللَّه بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي، عمر بن الخطاب العدوي، عثمان بن عفَّان القرشي، خَلَّفَهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ابنته وضرب بسهمه، علي بن أبي طالب الهاشمي، إياس بن البكير (¬2)، بلال ابن رباح مولى أبي بكر الصديق القرشي، حمزة بن عبد المطلب الهاشمي، حاطب بن أبي بلتعة حليف قريش، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي، حارثة بن الربيع الأنصاري، قتل يوم بدر، هو حارثة بن سراقة، كان في النظارة، حبيب بن عدي الأنصاري، خُنيس بن حذافة السهي، رفاعة بن رافع الأنصاري، الزبير بن العوام القرشي، زيد بن سهل أبو طلحة الأنصاري، أبو زيد الأنصاري، سعد بن مالك الزهري، سعد بن خولة القرشي، سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل القرشي، سهل بن حنيف الأنصاري، ظُهَيْر بن رافع الأنصاري وأخوه، عبد اللَّه بن مسعود الهذلي، عتبة بن مسعود الهذلي، عبد الرحمن بن عوف الزهري، عُبيدة بن الحارث القرشي، عبادة بن الصامت الأنصاري، عمرو بن عوف حليف بني عامر بن لؤي، عقبة بن عمرو الأنصاري، عامر ابن ربيعة العدوي، عاصم بن ثابت الأنصاري، عُويمر بن ساعدة الأنصاري، عِتْبَان بن مالك الأنصاري، قدامة بن مظعون، قتادة بن النعمان الأنصاري، معاذ بن عمرو بن الجموح، مُعَوِّذ بن عَفْراء وأخوه، مالك بن ربيعة، أبو ¬
19 - حديث عاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي، يزيد بن الدثنة
أُسَيد الأنصاري، مِسْطَح بن أَثَاثة بن عَبَّاد بن المطلب بن عبد مناف، مُرَارَة ابن الربيع الأنصاري، مقداد بن عمرو حليف بني زُهرة، هلال بن أمية الواقفي الأنصاري. * * * (19) حديث عاصم بن ثابت، وخُبيب بن عَدِيٍّ، يزيد بن الدَّثِنَة 1834 - عن أبي هريرة قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرة عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري -جد عاصم بن عمر بن الخطاب- حتى إذا كانوا بالهدأة (¬1) -بين عُسْفَان ومكة- ذُكروا لحيٍّ من هُذيل يقال لهم بنو لِحْيَان، فنفروا لهم بقريب من مئة رامٍ (¬2)، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، واتبعوا (¬3) آثارهم، فلما أحسَّ (¬4) عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم، فقالوا (¬5): انزلوا، فأعطوا ¬
بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم! أمَّا أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللَّهم أخبر عنا نبيك (¬1)، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر بالعهد (¬2) والميثاق، منهم خُبيب يزيد بن الدَّثِنَة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، واللَّه لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة -يريد: القتلى- فجرَّروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فلم يفعل فقتلوه (¬3)، فانطُلِقَ بخبيب يزيد بن الدَّثِنَة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر (بن نوفل خُبيبًا، وكان حبيب هو قتل الحارث بن عامر) (¬4) يوم بدر، فلبث حبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدُّ بها، فأعارته، فدرج بُنَيٌّ لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مُجْلِسَه على فخذه، والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها حبيب، فقال: أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك، قالت: واللَّه ما رأيت أسيرًا خيرًا من حبيب، واللَّه لقد وجدته يومًا يأكل قِطْفًا من عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنَّه لرزق رزقه اللَّه خُبَيْبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خُبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: واللَّه ¬
لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللَّهم (¬1) أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، فقال (¬2): فلست أبالي حين أُقْتَلَ مسلمًا ... على أيّ جنب كان في اللَّه مصرعي وذاك (¬3) في ذات الإله وإن يَشَأْ ... يُبَارِكْ على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثم قام إليه أبو سِرْوَعَة (¬4) عقبة بن الحارث فقتله، فكان (¬5) خُبَيْبٌ هو سَنَّ لكل مسلم قُتل صبرًا الصلاة، فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6) أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حُدِّثُوا أنَّه قتل، أن يُؤْتَوْا بشيء منه يعرف -وكان قتل رجلًا من عظمائهم (¬7) - فبعث اللَّه لعاصم مثل الظُّلَّة من الدَّبْر، فَحَمَتْهُ من رُسُلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا. الغريب: "أَحْصِهم"؛ أي: عُمَّهُمْ بهلاك. و"بَدَدًا": متبددين أينما كانوا، و"الشلو": بقية الجسم. و"ممزع": مقطّع. و"الدَّبْر": الزُّنْبُور الكبير. * * * ¬
20 - خبر علي -رضي الله عنه- عند بنائه بفاطمة -رضي الله عنها-
(20) خبر عليٍّ -رضي اللَّه عنه- عند بنائه بفاطمة -رضي اللَّه عنها- 1835 - عن علي بن الحسين: أن حسين بن علي أخبره، أن عليًا قال: كان لي شَارِف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاني، فما أفاء اللَّه (¬1) من الخُمُس يومئذٍ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة (¬2) بنت رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم-، واعدت رجلًا صَوَّاغًا من (¬4) بني قينقاع أن يرتحل معي، فَآتِي بإذخر (¬5)، فأردت أن أبيعه من الصواغين، فنستعين بذلك على وليمة عُرْسِي (¬6)، فبينما (¬7) أنا أجمع لشارفيَّ من الأقتاب والحبال والغرائر (¬8)، وشارفاي مناختان (¬9) إلى جنب محجرة (¬10) رجل من الأنصار، حتى جمعت ¬
ما جمعت؛ فإذا أنا بِشَارِفَيَّ وقد جُبَّتْ (¬1) أسنمتهما، وبُقِرَتْ خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عينيَّ حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شَرْبٍ من الأنصار عنده قينة وأصحابه. فقالت في غنائها: ألا يا حمزَ للشُّرُف النواء فوثب حمزة فأجبَّ أسنمتهما (¬2)، ويقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما. قال عليُّ: فانطلقتُ حتى أدخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده زيد بن حارثة، فعرف (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي لقيت، فقال: "مالك؟ " قلت: يا رسول اللَّه! ما رأيت كاليوم، عدا حمزة على ناقتيَّ فأجبَّ أسنمتهما، وبَقَرَ خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شِرْب، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بردائه، فارتدى، ثم انطلق يمشي، واتَّبعته أنا يزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يلوم حمزةَ فيما فعل؛ فإذا حمزة ثَمِلٌ، محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صَعَّد النظر، فنظر إلى ركبتيه، ثم صعَّد النظر، فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلَّا عبيدٌ لأبي؟ فعرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه ثَمِلٌ، فنكص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عقبه (¬4) القَهْقَرَى، فخرج وخرجنا معه. ¬
21 - باب
الغريب: "الشَّارِف": الناقة المُسنة، ويجمع شُرف. و"الإِذْخِر": حشيش مكة، وله ريح طيبة. و"الأقتاب": جمع قَتَب، وهو أداة الرَّحْل. و"جُبَّتْ": شُقَّت. و"السنام": أعلى ظهر الناقة. و"بُقِرَت": نقبت. و"الشَّرب": بفتح الشين، المجتمعون على الشرب، وهم الندامى. و"القَيْنَة": المغنية هنا. و"النِّوَاء": السِّمَان. و"طفق": أخذ وجعل. و"الثَّمِلُ": السكران. "نَكَصَ" (¬1): تأخر إلى خلفه. * * * (21) باب 1836 - عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: وقعت الفتنة الأولى، يعني: مقتل عثمان -فلم تُبق من أصحاب بدر أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثَّانية -يعني: الحرة- فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثالثة (¬2)، . . . ¬
22 - حديث بني النضير
فلم ترتفع، وللناس طَبَاخ (¬1)؛ يعني: بالطباخ العقل والقوَّة، وهو بالباء خفيفة، وبالخاء المعجمة. * * * (22) حديث بني النضير قال الزهري، عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وقول اللَّه تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} الآية [الحشر: 2]، وجعله ابن إسحاق بعد بئر مَعُونة وأُحُد. 1837 - عن ابن عمر قال: حاربت قريظة والنضير، فأجلى بنى النضير، وأقر قريظة وَمَنَّ عليهم، حتى حاربتْ قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأموالهم وأولادهم (¬2) بين المسلمين إلَّا بعضهم لحقوا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فآمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم، وهم رهط (¬3) عبد اللَّه بن سَلَام، ويهود بني حارثة، وكل يهودي بالمدينة. ¬
1838 - وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل: سورة النضير. 1839 - وعن أنس بن مالك قال: كان الرجل يجعل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النخلات حتى افتتح قريظة والنضير، فكان بعد ذلك يَرُدُّ عليهم. 1840 - وعن ابن عمر قال: حرَّق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نخل بني النضير، وقطع، وهي البويرة فنزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5]. وفي رواية (¬1) قال: ولها يقول حسان بن ثابت: لَهَان على سَرَاةِ بني لُؤَيٍّ ... حريق بالبُوَيْرَة مستطير فأجابه أبو سفيان بن الحارث: أدام اللَّه ذلك من صنيع ... وحَرَّق في نواحيها السَّعِيرُ ¬
23 - قتل كعب بن الأشرف
ستعلم أَيُّنَا منها بنُزْهٍ ... وتَعْلَم أي أَرْضَيْنَا تَضِيرُ الغريب: "الذين كفروا"؛ يعني: يهود بني النضير حين أجلاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحشرهم إلى الشَّام، وهو أول الحشر، والثاني: حشرهم ليوم القيامة، قاله الحسن وقتادة. و"البُوَيْرَة": موضع ببلادهم. و"اللِّينَةُ": النخلة مطلقًا، وقيل: الكريمة. و"سُرَاة القوم": ساداتهم. و"مُسْتَطِير": منتشر. و"بِنُزْه": ببُعْدٍ. و"تضير": من الضَّيْر، وهو الذل والضَّرَرُ. * * * (23) قتل كعب بن الأشرف 1841 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لكعب ابن الأشرف؟ فإنَّه قد آذى اللَّه ورسوله"، فقام محمد بن مسلمة، فقال: يا رسول اللَّه! أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم"، قال: فائْذَنْ لي أن أقول شيئًا، قال: "قلْ"، فأتاه محمد بن مسلمة، فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صَدَقَةً، وإنه قد عَنَّانا، وإني قد أتيتك أَسْتَسْلِفُكَ، قال: وأيضًا واللَّه لَتُمِلُّنَّهُ، قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه (¬1)، وقد ¬
أردنا أن تسلفنا وسْقًا أو وسقين (¬1). فقال: نعم، قال: ارهنوني، قال: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا، وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا، فيُسَبُّ أحدهم، فيقال: رُهن بوسق أو وسقين هذا عار (¬2)، ولكن (¬3) نرهنك اللأمة -قال سفيان: يعني السلاح- فواعده أن يأتيه، فجاء (¬4) ليلًا ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج في (¬5) هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة (¬6)، قال: وفي رواية: قالت: أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم، فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دُعِيَ إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين -قال في رواية (¬7): أبو عَبْس بن جبر، والحارث بن أوس، وعباد بن بشر- فقال: . . . . ¬
24 - قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال سلام بن أبي الحقيق، كان بخيبر، ويقال: في حصن له بأرض الحجاز
إذا ما جاء (¬1) فإني قائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم، فاضربوه، وقال مرَّة: أُشِمُّكُمْ (¬2)، فنزل إليهم متوشحًا، وهو ينفَحُ منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا -أي: أطيب- قال: عندي (¬3) أعطر نساء العرب، وأجمل العرب، قال: ائذن لي (¬4) أن أَشَمَّ رأسك، قال: نعم، فَشَمَّه، ثم أَشَمَّ أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم، فلما استمكن منه، قال: دونكم فقتلوه، ثم أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه. * * * (24) قتل أبي رافع عبد اللَّه بن أبي الحقيق، ويقال سَلَّام بن أبي الحُقَيْق، كان بخيبر، ويقال: في حصن له بأرض الحجاز 1842 - عن البراء بن عازب قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار، وأمَّر (¬5) عليهم عبد اللَّه بن عَتِيك، وكان أبو رافع يؤذي ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غَرَبَتْ الشمس، وراح الناس بسَرحِهم، قال (¬1) عبد اللَّه لأصحابه: اجلسوا مكانكم؛ فإني منطلق، فمتلطف (¬2) للبواب لَعَلِّي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنَع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد اللَّه! إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فَكَمَنْتُ، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم عَلَّق الأغاليق على وَدٍّ، قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يُسْمَرُ عنده، وكان في عَلَالِيَّ له، فلما ذهب عنه أهل سمرة صَعِدْتُ إليه، فجعلت كما فتحت بابًا، أغلقت على من داخل، قلت: إن القوم نَذِروا (¬3) بي لم يخلصوا إليَّ حتى أقتله. وفي رواية (¬4): ثم عَمَدْتُ إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر، وصَعِدْتُ (¬5) إلى أبي رافع في سلم، والبيت مظلم، قد طُفِئَ سراجه؛ فإذا هو وَسْطَ عياله (¬6)، لا أدري أين هو من البيت، قلت (¬7): أبا رافع! قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه ضربة بالسيف وأنا دَهِش، فما أغنيت ¬
شيئًا، وصاح فخرجت من البيت، ومكث (¬1) غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ قال: لأمك الويل، إن رجلًا في البيت ضربني قبلُ بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته، ولم أقتله، ثم وضعت ضَبِيبَ السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رِجْلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي. وفي رواية: فانفكت (¬2)، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أني قتلته (¬3)، فلما صاح الديك، قام الناعي على السور، فقال: أنعاكم أبا رافع تاجر أهل الشام، فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاءَ، فقد قتل اللَّه أبا رافع فانتهيت، فأتيت (¬4) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحدثته فقال: "ابسط رجلك"، فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنما (¬5) لم أَشْكُ قط. الغريب: "الأغَالِيق" و"الأَقالِيد": المفاتيح. و"الوَدّ": الوتد. و"السَّمَر": الحديث بالليل. و"أثخَنْتُه": أثقلته بالضرب. و"ضَبِيب السيف": ظُبَتُه، وهو حَدُّه، ¬
25 - غزوة أحد وقوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم} [آل عمران: 121] وذكر آيات
ولها ظُبَتَان أي حدان، وهما الغِرَاران أيضًا. و"الناعي": هو المُعْلِم بالموت. * * * (25) غزوة أُحُد وقوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] وذَكرَ آياتٍ 1843 - عن البراء قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جيشًا من الرماة، وأمَّر عليهم عبد اللَّه بن جُبَيْر (¬1) وقال: "لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا"، فلما التقينا (¬2) هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل يرفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمةَ الغنيمةَ، فقال عبد اللَّه: عهد النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- إليَّ أن لا تبرحوا، فابوا، فلما أَبوا صرف اللَّه وجوههم (¬4)، فأصيب سبعون قتيلًا، وأشرف أَبو سفيان، فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه"، قال (¬5): ¬
أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو اللَّه، أبقى اللَّه لك (¬1) ما يخزيك، وقال (¬2) أَبو سفيان: اعلُ هُبَل، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أجيبوه"، قالوا: فما نقول؟ (¬3) قال: "قولوا: اللَّه أعلى وأجلّ"، قال أَبو سفيان: إن (¬4) لنا العزى ولا عُزَّى لكم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: اللَّه مولانا ولا مولى لكم"، قال أَبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سِجَال، وتجدون مُثْلَة لم آمر بها ولم تَسُؤْنِي. 1844 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أُحُد: أرأيت إن قُتلتُ فأين أنا؟ قال: "في الجنَّةَ"، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قُتل. 1845 - وعن أَنس: أن عمه غاب عن بدر، فقال: غبت عن أول قتال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لئن أشهدني اللَّه مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليرين اللَّه ما أُجِدُّ، فلقي يوم أُحُد، فهُزِمَ الناسُ، فقال: اللهم اعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المسلمين- ¬
وأبرأ إليك مما جاء به المشركون، فتقدم بسيفه، فلقي سعد بن معاذ، فقال: أي سعد (¬1)! ، إني أجد ريح الجنَّةَ دون أُحُد، فمضى فقُتل، فما عُرِفَ حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بِضْعٌ وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم. 1846 - وعن زيد بن ثابت: لما خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أُحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة: لا نقاتلهم (¬2)، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88]، وقال: "إنها طيبة تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة". 1847 - وعن جابر قال: نزلت فينا هذه (¬3) الآية: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] في (¬4) بني سَلِمَة وبني حارثة، وما أحب أنَّها لم تنزل، واللَّه يقول: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. 1848 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أُحُد ¬
ومعه رجلان يقاتلان عنه (¬1)، عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رأيتهما قبلُ ولا بعدُ. 1849 - وعنه قال: نَثَلَ (¬2) لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كنانته (¬3) يوم أُحد فقال: "ارم فداك أبي وأمي". 1850 - وعن أنس قال: لما كان يوم أُحد، انهزم الناس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَبو طلحة بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُجَوِّبٌ عليه بِحَجْفَيةٍ، وكان أَبو طلحة راميًا شديد النزع، كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمُرُّ معه بِجُعْبَتِهِ من النبل، فيقول: "انثُرها لأبي طلحة"، قال: ويُشْرِفُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إلى القوم، فيقول أَبو طلحة: بأبي أنت وأمي، لا تشرف فيصيبك (¬4) سهم من سهام القوم، نَحْرِي دون نَحْرِك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُلَيْم وإنهما لمشمرتان، أرى خَدَم سوقهما تَنْقُزَانِ القِرَبَ على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة إمَّا مرتين وإما ثلاثًا. ¬
26 - باب في قوله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد} إلى قوله: {إن الله غفور حليم} [آل عمران: 153 - 155]
1851 - وعن عائشة قالت: لما كان يوم أُحُد هُزِم المشركون، فصرخ إبليس: أي عباد اللَّه! أُخراكم، فَرَجَعَتْ أُولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فَبَصُرَ حذيفة؛ فإذا هو بأبيه (¬1)، فقال: أي عباد اللَّه! أبي أبي، فواللَّه (¬2) ما احْتَجَزُوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم. قال عروة: فواللَّه ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقى اللَّه (¬3) عز وجل (¬4). * * * (26) باب في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 153 - 155] 1852 - عن البراء بن عازب قال: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرَّجَّالة يوم أُحُد ¬
27 - قتل حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-
عبد اللَّه بن جُبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم. 1853 - وعن أَنس، عن أبي طلحة قال: كنت فيمن تغشَّاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه ويسقط وآخذه (¬1). 1854 - وعن أنس: شُجَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد فقال: "كيف يفلح قوم شَجُّوا نبيهم"، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]. * * * (27) قتل حمزة بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنه- 1855 - عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد اللَّه ¬
ابن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص قال لي عبيد اللَّه بن عدي: هل لك في وَحْشِيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حَمِيتٌ (¬1)، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير (¬2)، فسلمنا فرد السلام، قال: وعبيد اللَّه معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلَّا عينيه ورجليه، فقال عبيد اللَّه: يا وحشي! أتعرفني؟ قال: فنظر إليه، ثم قال: لا واللَّه، إلَّا أني أعلم أن عدي بن الخِيَار تزوج امرأة يقال لها: أم قِتَال بنت أبي العيص، فولدت غلامًا بمكة، فكنت أسترضع له، فحملتُ ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فكأني (¬3) نظرت إلى قدميك، قال: فكشف عبيد اللَّه عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طُعمة (¬4) بن عدي بن الخيار ببدر، فقال مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعَمِّي، فأنت حُرٌّ، قال: فلما أن خرج الناس عام عَيْنَيْن -وعينين جبل بحيال أُحد بينه وبينه وادٍ- خرجْت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا (¬5) للقتال، خرج سِبَاعٌ، فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور (¬6)! ¬
أَتُحَادّ اللَّه ورسوله؟ قال: فشد عليه (¬1)، فكان كأمس الذاهب، قال: وكنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثُنَّتِهِ حتى خرجت من بين وركيه، قال: وكان ذلك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رُسُلًا، وقيل (¬2): إنه لا يهيج الرُّسل، فخرجت معهم، حتى قدمت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رآني قال: "أنت وحشي؟ " قلت: نعم، قال: "أنت قتلت حمزة؟ " قلت: وقد كان من الأمر ما بلغك، قال: "فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني"، قال: فخرجت، فلما قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله، فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان؛ فإذا رجل قائم في ثُلْمَةِ جدار، كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار، فضربه بالسيف على هامته. زاد في رواية (¬3) من حديث ابن عمر: فقالت جارية على ظهر بيت: واأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود. الغريب: "معتجرًا بعمامة": معتم بها. و"حيال أحد": قريبًا منه. و"الأورق": ¬
28 - باب ما أصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد من الجراح، ومن قتل يوم أحد من المسلمين
الذي يضرب لونه إلى السواد. و"الثُّنَّة": ما بين السرة إلى العانة. * * * (28) باب ما أصاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد من الجراح، ومن قتل يوم أحد من المسلمين 1856 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشتد غضب اللَّه على قوم فعلوا بنبيه -يشير: إلى رَبَاعيته- اشتد غضب اللَّه على رجل يقتله رسول اللَّه (¬1) في سبيل اللَّه". 1857 - ومن حديث ابن عباس موقوفًا: اشتد غضب اللَّه على من قتله نبي، واشتد غضب اللَّه على من دَمَّى وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1858 - وعن هشام، عن أبيه، عن عائشة: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، ¬
قالت لعروة: يا ابن أختي (¬1)! كان أَبوك (¬2) منهم: الزبير وأَبو بكر، لما أصاب نبي اللَّه (¬3) ما أصاب يوم أحد، فانصرف المشركون (¬4) خاف أن يرجعوا، فقال: "من يذهب في أثرهم؟ "، فانتدب منهم سبعون (¬5)، قال: كان فيهم أَبو بكر والزبير. قال البخاري (¬6): قتل من المسلمين يوم أحد سبعون؛ منهم: حمزة واليمان والنضر بن أَنس ومصعب بن عمير. 1859 - وعن قَتَادة قال: ما نعلم حيًّا من أحياء العرب أكثر شهيدًا أعزّ يوم القيامة من الأنصار. قال: حدَّثنا أَنس (¬7) أنَّه قتل منهم يوم أُحُد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمالة سبعون، قال: وكان بئر معونة على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8)، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر، ويوم مسيلمة الكذاب. ¬
1860 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: لما قُتل أبي جعلت أبكي، وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَوْنِي (¬1)، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَنْهَ، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبكه -أو ما تبكيه (¬2) - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رُفع". 1861 - وعن أبي موسى: أُرى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬3): "رأيت في رؤياي أني هززت سيفًا، وانقطع صدره (¬4)؛ فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أُحُد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان؛ فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح، واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا، واللَّه خيرٌ، فإذا هم المؤمنون يوم أحد". 1862 - وعن أَنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طلع له أحد فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إنَّ إبراهيم حرَّم مكة، وإني حرَّمتُ ما بين لابتيها". * * * ¬
29 - باب غزوة الرجيع وذكوان وبئر معونة وعضل والقارة
(29) باب غزوة الرَّجِيع وذكوان وبئر معونة وعَضَل والقارة 1863 - عن قَتَادة، عن أَنس بن مالك: أن رِعْلًا وذكوان وعُصَيَّة وبني سُليم استمدوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كنا نسميهم القراء في زمانهم، وكانوا يَحْطِبُون (¬1) بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم، وغدروا بهم، فبلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رِعْلٍ وذَكْوَان وعُصَيَّة وبني لِحْيَان. قال أَنس: فقرأنا فيهم قرآنًا، ثم إن ذلك رفع: "بلغوا عنا قومنا، أنَّا لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا". وفي رواية (¬2): قال أَنس: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث خاله -أخًا (¬3) لأم سليم- في سبعين راكبًا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خَيَّر بين ثلاث خصال، ¬
فقال: يكون لك أهل السهل، ولي أهل المَدَر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غَطَفَان بأَلْفٍ وأَلْفٍ، فَطُعِنَ عامر في بيت أم فلان، فقال: غُدَّة كغدة البَكْرِ في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حَرَام أخو أم سُليم وهو (¬1) رجل أعرج ورجل من بني فلان، قال: كونا قريبًا حتى آتيهم، فإن آمنوني كنتم، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فقال: أتُؤْمنوني أبلغ رسالة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل يحدثهم، وأَوْمَؤوا إلى رجل منهم، فأتاه من خلفه فطعنه. قال همام: أحسبه حتى أنفذه بالرمح، قال: اللَّه اكبر، فزتُ ورب الكعبة، فلُحق الرجل، فقتلوا كلهم، غير الأعرج كان في رأس جبل، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- علينا، ثم كان من المنسوخ: إنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على رعل (¬2) وذكوان وبني لِحْيَان وعُصَيَّة، عصوا اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1864 - وقال أَنس: لما طُعن حَرَام بن مِلْحَان -وكان خاله- يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا -فنضحه على وجهه ورأسه- ثم قال: فزت ورب الكعبة. ¬
30 - غزوة الخندق
1865 - وعن عروة قال: لما قتل الذين ببئر معونة، وأُسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ -وأشار (¬1) إلى قتيل- فقال عمرو بن أمية: هذا عامر بن فُهيرة، فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرهم فنعاهم، فقال: "إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم"، وأصيب يومئذ فيهم (¬2) عروة بن أسماء بن الصلت، فسمي عروة به، ومنذر ابن عمرو فسمي به منذرًا (¬3). * * * (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع. 1866 - عن أَنس قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق ¬
حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإسلام ما بقينا أبدًا قال: يقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يحثهم (¬1): اللهم إنه لا خيرَ إلَّا خيرُ الآخره ... فبارك في الأنصار والمُهَاجِرَه قال: يؤتون بملء كف (¬2) من الشعير، فيصنع لهم بإِهَالةٍ سَنِخَةٍ توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بَشِعَةٌ في الحلق، ولها ريح مُنْتِن. 1867 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كُدْيَةٌ (¬3) شديدة، فجاؤوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: هذه كُدْيَةٌ عَرَضَتْ في الخندق، فقال: "أنا نازل"، ثم قام وبطنه معصوب بحَجَرٍ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المِعْوَلَ فضرب (¬4) فعاد كثيبًا أَهْيَل أو أهيم، فقلت: يا رسول اللَّه! ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعَنَاق، فذبحت الشاة (¬5)، ¬
وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البُرمة (¬1)، ثم جئت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والعجين قد انكسر، والبُرْمَةُ بين الأَثَافِيِّ وقد (¬2) كادت تَنْضِجُ، فقال (¬3): طُعَيِّم لي، فقم أنت يا رسول اللَّه ورجل أو رجلان، قال: "كم هو؟ " فذكرت له، قال (¬4): "كثير طَيِّب"، قال "قل لها: لا تَنْزَع البُرْمَةَ ولا الخبز من التنور حتى آتي"، قال (¬5): "قوموا"، فقام المهاجرون والأنصار، (فلما دخل على امرأته، قال: ويحك! جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمهاجرين والأنصار) (¬6) ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال (¬7): "ادخلوا ولا تَضَاغَطُوا"، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمِّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرِّب إلى أصحابه، ثم يَنْزَع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية. قال: "كلي هذا وأهدي، فإن الناس قد أصابتهم مجاعة". وفي طريق أخرى (¬8) قال جابر: فجئت فساررته، فقلت: يا رسول! اللَّه! ذبحنا بهيمة، وطحنت (¬9). . . . ¬
صاعًا من شعير كان عندنا، فقال (¬1): أنت ونفر معك، فصاح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سؤرًا، حَيَّ (¬2) هلا بكم"، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُنْزِلُنَّ بُرمتكم، ولا تخبزن خبزكم حتى أجيء"، فجئت وجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْدُم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت له عجينًا، فبَسَقَ (¬3) فيه وبارك، ثم عمد إلى بُرمتنا، فبسق (¬4) فيها ثم قال: "ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي برمتكم، ولا تنزلوها" وهم ألف، فأقسم باللَّه لأكلوا (¬5) حتى تركوه، وانحرفوا، وإن بُرْمَتَنَا لتغِطُّ كما هي، وإن عجيننا يخبز كما هو. 1868 - وعن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهلكت عادٌ بالدَّبُور". 1869 - وعن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأيته ينقل تراب الخندق حتى وارى عنه (¬1) الغبارُ جلدةَ بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل التراب يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تَصَدَّقْنَا ولاصَلَّيْنَا فأنزلنْ سَكِينة علينا ... وثَبِّت الأقدام إن لَاقَيْنَا إن الأُلَى بَغَوْا علينا (¬2) ... وإن أرادوا فتنة أَبَيْنَا ثم مَدَّ (¬3) صوته بآخرها. 1870 - وعن سليمان بن صُرَد قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول حين أَجْلَى الأحزابُ عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم". 1871 - وعن جابر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم؟ " فقال الزبير: أنا، ثم قال: "من يأتينا بخبر القوم؟ " فقال الزبير: أنا، قال (¬4): "إن لكل نبي حواريًّا، وحواريِّ الزبيرُ". ¬
1872 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الأحزاب، فقال: "اللهم مُنْزِلَ الكتاب، سريع الحساب! اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم". الغريب: "المتون": جمع متن، وهو الظهر. و"الإهَالَةُ": الشحم المُذاب. و"سَنِخَة": منتنة. و"كُيْدَة": كذا وقع في الأصل بتقديم الياء على الدال، وفي الحاشية: كُدْيَةٌ، وعليها هاء، وأظنه أَبو الهيثم، وهذه الرواية هي الصواب، والأولى مقلويها. و"الكَثِيب": كدس الرمل. و"الأهيدٍ: السائل. و"لا تَضَاغَطُوا": لا تزدحموا. و"يُخَمِّر البُرْمَةَ": يغطيها. و"بُهَيْمَة": تصغير بَهْمَة، وهي الصغيرة من أولاد الغنم. و"الداجن": المقيم في البيت. و"زاغت": تحيرت أو ذهبت. و"الحناجر": جمع حَنْجَرَة وهي الحلق. و"حتى وارى": غَطَّى وغيَّب. و"الصَّبا": الريح الشرقية. و"الدَّبُور": الريح الغربية. و"الحواريّ": المخلص في الصحبة والناصر عند الشدة. * * * _______ = المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (4113). 1872 - خ (3/ 118)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الفزاري هو مروان بن معاوية، وعبدة وهو ابن سليمان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى به، رقم (4115).
31 - باب مرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الخندق، ومخرجه إلى بني قريظة
(31) باب مَرْجِع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الخندق، ومَخْرَجِه إلى بني قريظة 1873 - عن عائشة قالت: لما رجع رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: وضعتَ السلاح، واللَّه ما وضعناه، اخرج عليهم (¬2)، قال: "فإلى أين؟ ! قال: ههنا وأشار بيده إلى بني قريظة، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم. 1874 - وعن أَنس قال: كاني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زُقَاق بني غَنْمٍ، موكبَ جبريل صلوات اللَّه عليه (¬3) حين سار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بني قريظة. 1875 - وعن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب: "لا يصلينَّ ¬
أحد العصر إلَّا في بني قريظة"، وقد تقدم في كتاب الصلاة. 1876 - وعن أبي سعيد الخدري قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: "قوموا إلى سيدكم -أو خيركم"، فقال: "هؤلاء نزلوا على حكمك"، فقال: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتَهم، وتُسْبَى ذراريهم، قال: "قضيت بحكم اللَّه -وربما قال- بحكم الملك". 1877 - وعن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش، يقال له: حِبَّان بن العَرِقَة، رماه في الأكحَلِ، فضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح، واللَّه ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأين؟ " فاشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنزلوا على حكمه، فردَّ الحكم إلى سعد، قال: فإني أحكم فيهم أن تُقْتَل المقاتِلَة، وأن تُسْبَى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم، وقالت عائشة: إن سعدًا (¬1) قال: اللهم ¬
إنك تعلم أنَّه ليس أحدٌ أحبَّ إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذَّبوا رسولك، وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش (¬1)، فأبقني لهم (¬2) حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب، فافجرها، واجعل موتي فيها، فانفجرت من ليلته (¬3)، فلم يَرُعْهُمْ -وفي المسجد خيمةٌ من بني غِفَار- إلَّا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة! ما هذا الذي يأتينا من قِبَلِكُمْ؟ فإذا سعد جرحه يغذو دمًا، فمات منها، رحمه اللَّه (¬4). الغريب: "الموكب": جماعة من الخيل. و"يَرُعْهم": من الرَّوْع، وهو الفزع. و"يغذو": يسيل، ويروى يَغُذّ بمعناه، والمسجد الذي جعل فيه سعد وسأل دمه فيه. ليس هو مسجد المدينة، وإنَّما كان موضعًا يُصَلَّى فيه غير مخطوط، واللَّه أعلم، ولم يروَ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خطَّ في بني قريظة مسجدًا حين حاصرهم. * * * ¬
32 - باب غزوة ذات الرقاع
(32) باب غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب خَصفة من بني ثعلبة بن غطفان، فنزل نخلًا، وهي بعد خيبر؛ لأن أبا موسى جاء بعد خيبر. 1787 - عن أبي موسى: أن جابرًا حدثهم: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم يوم محارب وثعلبة. 1879 - وقال ابن عباس: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الخوف (¬1) بذي قَرَد. 1880 - وعن أبي موسى قال: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزاةٍ ونحن ستة نفر، بيننا بعير نَعْتَقِبُه، فنَقِبَتْ أقدامُنا، ونقَبَتْ قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلُفُّ على أرجلنا الخِرَقَ، فسميت غزوة ذات الرقاع. وفي رواية (¬2): غزوة نجد: لما كنا نعصب من الخِرَق على أرجلنا. ¬
وحدَّثَ أَبو موسى بهذا ثم كره ذلك. قال فقال (¬1): ما كنت أصنع أن (¬2) أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. 1881 - وعن جابر قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معلّق بالشجرة، فاخترطه فقال (¬3): تخافني؟ قال (¬4): "لا" قال: فمن يمنعك مني؟ قال: "اللَّه" فتهدَّده أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأقيمت الصلاة، (فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخر، فصلى بالطائفة الأولى ركعتين، وكان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربع ركعات، وللقوم ركعتين) (¬5). وقال أَبو بشر: اسم الرجل (¬6) غورث بن الحارث. * * * ¬
33 - غزوة بني المصطلق من خزاعة، وهي غزوة المريسيع
(33) غزوة بني المصطلق من خزاعة، وهي غزوة المُرَيْسِيع قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، وقال الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع. 1882 - عن أبي سعيد الخدري: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سَبْيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العُزْبَةُ، وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا: نعزل ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أَظْهُرِنا قبل أن نسأله؟ فسألناه عن ذلك، فقال: "ما عليكم ألا (¬1) تفعلوا، ما من نَسَمَةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة إلَّا وهي كائنة". * * * (34) غزوة أَنْمَار 1883 - عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: رأيتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجهًا قِبَل المشرق متطوعًا. ¬
وقد تقدم حديث الإفك من كتاب الشهادات، وذكره هنا من رواية أخرى، وزاد فيه متصلًا بقوله (¬1): فعَصَمَها اللَّهُ بالورع، قالت: وطفقت أختها حَمْنَةُ تحارب لها، فهلكت فيمن هلك، قال ابن شهاب: فهذا الذي يكفيني من هؤلاء الرهط (¬2). ثم قال عروة: قالت عائشة: واللَّه، إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان اللَّه، فوالذي نفسي بيده، ما كشفت عن كَنَفِ أنثى قط، ثم قتل بعد ذلك في سبيل اللَّه. 1884 - وعن الزهري قال (¬3): قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليًّا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكني قد أخبرني رَجُلان من قومك -أَبو سلمة بن عبد الرحمن، وأَبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث- أن عائشة (¬4) قالت لهما: كان عليٌّ مُسَلِّمًا في شأنها، فراجعوه فلم يرجع، وقال: مُسَلِّمًا بلا شك فيه وعليه، وكان في أصل العتيق كذلك (¬5). ¬
1885 - وعن مسروق قال: دخلنا على عائشة، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا يُشَبِّبُ بأبيات له وقال: حَصَانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وتصبح غَرْثَى من لحوم الغَوافِلِ فقالت (¬1) عائشة: لكنك لستَ كذلك، قال مسروق: فقلت لها: لِمَ تأذنين (¬2) له أن يدخل عليك، وقد قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ فقالت (¬3): إنه كان ينافح -أو يهاجي- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. الغريب: الرجل المذكور: هو صفوان بن المعَطِّل السلمي، وكان حَصُورًا لا يأتي النساء، وعن هذا عبَّر بقوله: (ما كشفت كنف أنثى قط). و"حَصَانٌ": عفيفة. و"رزان": ثابتة العقل، متثبتة في أمورها. و"تُزَنُّ": تُتَّهم. و"الغَرْثَى": من الغرث، وهو الجوع، وعبَّر به هنا عن أنَّها لا تتكلم في أحد من النساء مما تُكِلِّم به في حقها، و"الغوافل": جمع غافلة عما رميت به، والذي تولَّى كِبْرَهُ هو عبد اللَّه بن أُبَيّ؛ فإنه هو الذي كان يستوشيه ويجمعه، ويصرح به كما تقدم. * * * ¬
35 - باب غزوة الحديبية، وقول الله -عز وجل-: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. .} الآية [الفتح: 18]
(35) باب غزوة الحديبية، وقول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. .} الآية [الفتح: 18] 1886 - عن البراء بن عازب قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربع عشرة مئة -والحديبية بئر- فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها (¬1) غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا. وفي رواية (¬2): ثم قال: "ائتوني بدلو من مائها"، فأُتي به، فبَسَق (¬3) فدعا، ثم قال: "دعوها ساعة"، فأرْوَوْا أنفسَهُم وركابهم حتى ارتحلوا. ¬
1887 - وعن جابر قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين يديه رِكْوَة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما لكم؟ " قالوا: يا رسول اللَّه! ليس عندنا ماء فتوضأ به، ولا نشرب إلَّا ما في ركوتك، قال: فوضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده في الرِّكْوَة، فجعل الماء يفور بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مئة. 1888 - وعنه قال: قال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض"، وكنا ألفًا وأربع مئة، ولو أُبْصِرُ اليوم لأريتكم مكان الشجرة. 1889 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلاث مئة، وكانت أَسْلَم ثُمن المهاجرين. 1890 - وعن عروة، عن مروان ومسور بن مخرمة قالا: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه، فلما كان بذي الحُلَيْفَة قلَّد الهَدْيَ، وأشعر وأحرم منها. _______ 1887 - خ (3/ 128)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن فضيل، عن حصين، عن سالم، عن جابر به، رقم (4152). 1888 - خ (3/ 128)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن عمرو، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (4154). 1889 - خ (3/ 128)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد اللَّه ابن أبي أوفى به، رقم (4155). 1890 - خ (3/ 128)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن مروان والمسور بن مخرمة به، رقم (4157، 4158).
1891 - وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب (¬1) إلى السوق، فلحقت عمر امرأةٌ شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين! هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، واللَّه ما يُنْضِجُون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضَرع، وخشيت أن كلهم الضَّبُع، وأنا بنت خُفَاف بن إيماء الغِفَارِي وقد شهد أبي الحديبية مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوقف معها عمر فلم يمض (¬2)، ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غَرَارَتَيْن ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يَفْنَى حتى يأتيكم اللَّه بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، واللَّه إني لأرى أبا هذه وأخاها حاصرًا (¬3) حصنًا زمانًا، فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما (¬4) فيه. 1892 - وعن عبَّاد بن تميم قال: لما كان يوم الحَرَّة والناس يبايعون عبد اللَّه (¬5) بن حنظلة، فقال ابن زيد: عَلَام يُبَايع ابنُ حنظلة الناسَ؟ قيل له: ¬
على الموت، قال: لا أبايع على ذلك أحدًا بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان شهد معه الحديبية. 1893 - وعن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلًا، فسأله عمر عن شيء، فلم يجبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر (¬1): ثكلتك أمك يا عمر (¬2)، نَزَرْتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن، فما نشَبْتُ أنْ سمعتُ صارخًا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن ينزل (¬3) فيَّ قرآن، وجئت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلمت عليه قال (¬4): "لقد أُنزلت على الليلة سورة، لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس"، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]. 1894 - وعن نافع قال: إن الناس يتحدثون: أن ابن عمر أسلم قبل ¬
عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد اللَّه إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبايع الناس عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد اللَّه ثم ذهب إلى الفرس، فجاء به إلى عمر يَسْتَلْئِمُ (¬1) للقتال، فأخبره: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهي التي يتحدث الناس: أن ابن عمر أسلم قبل عمر. 1895 - وعن أبي وائل قال: لما قدم سهل بن حُنيف من صِفّين، أتيناه نستخبر (¬2)، فقال: اتهموا الرأي، فلقد رأيتُني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره لرددت، واللَّه ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلَّا أَسْهَلْنَ بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسُدُّ به (¬3) خُصمًا إلَّا انفجر علينا خُصْمٌ، ما ندري كيف نأتي له (¬4). 1896 - وعن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجًّا فمررت ¬
36 - باب قصة عكل وعرينة
بقوم يُصَلُّون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنَّه كان فيمن بايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل، نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعلموها وعلمتموها؟ فأنتم أعلم! وقد تقدم حديث مروان والمِسْوَر بن مخرمة في قصة الحديبية بكماله في كتاب الشروط. الغريب: "فما يُنْضِجُون كراعًا"؛ أي: ما يجدون كراعًا يُنْضِجُونه. و"الضبع": السنة الجَدْبَةُ الشديدة. و"نستفيء": نتفيأ بمعنى أنهم أكلوا من غنائم المذكورين حتى شبعوا. و"الثُّكْل": فقد الولد. و"نَزَرْت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-": أغضبته، خاف أن يكون ذلك. و"الخُصم": بضم الخاء مسيل الماء من المزادة. * * * (36) باب قصة عُكْل وعُرَيْنَة 1897 - عن أَنس: أن ناسًا من عُكْل وعُرَيْنَة قدموا المدينة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يا نبي اللَّه! إنا كنا أهل ضَرْعٍ، _______ 1897 - خ (3/ 133)، (64) كتاب المغازي، (36) باب قصة عكل وعرينة، من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قَتَادة، عن أَنس به، رقم (4192).
37 - غزوة ذي قرد
ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذودٍ وراعٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربون من ألبانها وأَبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحَرَّةِ، كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستاقوا الذُّود، فبلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فَسمَروا أعينهم، وقطعوا أيديَهُم، وتُركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم. وقال قَتَادة: وبلغنا (¬1) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المُثْلة. * * * (37) غزوة ذي قَرَد الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل خيبر بثلاث. 1898 - عن سلمة بن الأكوع قال: خرجت قبل أن يُؤَذَّنَ بالأولى (¬2)، وكانت لقاح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترعى بذي قَرَد، قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن ابن عوف، فقال: أُخذت لقاح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: من أخذها؟ قال: ¬
غَطَفَان. قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه (¬1)، فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم، وقد أخذوا يستقون الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميًا، وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرُّضَّع وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واسْتَلَبْتُ منهم ثلاثين بُرْدَة، قال: وجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والناس، فقلت: يا رسول اللَّه (¬2)! لقد حَمَيْتُ القوم الماء، وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: "يا ابن الأكوع! ، مَلَكْتَ فأَسْجِحْ (¬3) " قال: ثم رجعنا ويردفني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ناقته حتى دخلنا المدينة. الغريب: و"القَرَد": الصوف الرديء المتلبّد. و"الذَّود": من اثنتين إلى التسع من إناث الإبل، وقيل: من الثلاث إلى التسع، ولا يقال على الواحد: ذود في المشهور، وإنَّما يقال على الواحد: بعير، وحكى بعض اللغويئ أنَّه يقال على الواحد ذود. و"اللقاح": النوق ذات اللبن. و"الرُّضع": جمع راضع، كشاهد وشُهَّد، ويعني بذلك: أنهم لئام، من قول العرب: لئيم راضع. و"حميت": منعت. * * * ¬
38 - باب غزوة خيبر
(38) باب غزوة خيبر 1899 - عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خيبر، فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر! ألا تسمعنا من هُنَئاتِكَ -وكان عامرٌ رجلًا شاعرًا- فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فدًى (¬2) لك ما اتقينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وأَلْقِيَنْ سكينة علينا ... (إنا إذا صيح بنا أبينا ويالصياح عوَّلوا علينا) (¬3) فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من هذا السائق؟ " قالوا: عامر بن الأكوع، قال: "يرحمه اللَّه"، قال رجل من القوم: وجبت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به، فأتينا خيبر، فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم أنزل اللَّه تعالى فتحها عليهم، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فُتِحَتْ عليهم، أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟ " قالوا: على لحم، ¬
قال "على أيّ لحم؟ " قالوا: لحم حُمُر الإنسية، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أهرقوها واكسروها"، فقال رجل: يا رسول اللَّه! أونهريقها ونغسلها، قال: "أَوْ ذاك"، فلما تصافّ القوم، كان سيف عامر قصيرًا، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فرجع (¬1) ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر، فمات منها (¬2)، قال: فلما قفلوا، قال سلمة: رآني (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو آخذ بيدي، قال: "مَالَك؟ " قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كذب من قاله، وإن له أجرين -وجمع بين أصبعيه- إنه لَجَاهِدٌ مُجاهِدٌ، قَلَّ عربي مشى بها مثله". 1900 - وعن أَنس قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح قريبًا من خيبر بغَلَسٍ، ثم قال: "اللَّه أكبر خَرِبَتْ خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المُنْذَرِين"، فخرجوا يَسْعَوْنَ في السكك -وفي رواية (¬4): يقولون: محمد واللَّه، محمد والخميس- فقتل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المُقَاتِلَة وسَبَى الذُّرُّيَّة، وكان في السَبْي صفية، فصارت إلى دِحْية الكلبي، ثم صارت إلى رسول (¬5) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل عتقها ¬
صداقها -وفي رواية (¬1): فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نَفْسَها فأعتقها. 1901 - وعن أبي موسى قال: لما غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر -أو قال: لما توجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشرف الناس على وادٍ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير، اللَّه أكبر (¬2)، لا إله إلَّا اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اربَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم"، وأنا خلف دابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلَّا باللَّه، فقال (¬3): "يا عبد اللَّه بن قيس" قلت: لَبَّيكَ يا رسول اللَّه (¬4)، قال: "ألا أدلك على كلمة من كنز الجنَّةَ؟ (¬5) " قلت: بلى يا رسول اللَّه فداك أبي وأمي، قال: "لا حول ولا قوة إلَّا باللَّه". 1902 - وعن أبي هريرة قال: شهدنا خيبر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لرجل ¬
ممن معه يدَّعي الإسلام: "هذا من أهل النار"، فلما حضر القتال، قاتل الرجل أشد القتال، حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة، فأهوى يده (¬1) إلى كِنَانتِهِ، فاستخرج منها سهمًا (¬2)، فنحر بها نفسَه، فاشتد رجال من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللَّه! صَدَّق اللَّه حديثك، انتحر فلان قتل نفسه، قالا قم يا بلال فأذِّن ألا يدخل الجنَّةَ إلَّا مؤمن، إن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر". 1903 - وعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصبتها (¬3) يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها (¬4) حتى الساعة. 1904 - وعن أَنس بن مالك قال: قدمنا خيبر، فلما فتح اللَّه عليه الحصن، ذُكر له جمال صفية بنت حُيَيّ بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسًا، ¬
فاصطفاها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سدَّ الصهباء حلَّت، فبنى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صنع حَيْسًا في نِطع صغير، ثم قال: "ائذن (¬1) من حولك"، فكانت تلك وليمته -صلى اللَّه عليه وسلم- على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحوِّي لها (¬2) وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رِجْلَها على ركبته حتى تركب. وفي رواية (¬3) قال أَنس: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام على صفية بنت حُيي بطريق خيبر ثلاثة أيام، حتى أعرس بها (¬4)، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها خبز (¬5) ولا لحم، وما كان فيها إلَّا أن أمر بلالًا بالأنطاع فبُسِطَتْ، فألقى عليها التمر والأَقِط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا (¬6): إن حَجَبَها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحلت وطأ لها خلفه، ومَدَّ الحجاب. 1905 - وعن أبي بردة (¬7)، عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأَخَوان لي، أنا أصغرهم -أحدهما: أَبو بُرْدَةَ، والآخر أَبو رُهْمِ- إما قال: بضعًا (¬1)، وإما قال: في ثلاثة وخمسين- من قومي (¬2)، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة-: سبقناكم بالهجرة، ودخلتْ أسماء بنت عُمَيْس -وهي فيمن (¬3) قدم معنا- على حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عُميس، قال: آلحبشية هذه؟ آلبحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول اللَّه منكم، فغضبت، وقالت: كلا واللَّه، كنتم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُطْعِمُ جائعكم، ويَعِظُ جاهلكم، وكنا في دار -أو أرض (¬4) - البُعَداء البغضاء بالحبشة، وذلك في اللَّه، وفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَايْمُ اللَّه لا أطْعَمُ طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت للنبي (¬5) -صلى اللَّه عليه وسلم- وأساله، ونحن كنا نؤذَى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأساله، لا أكذب (¬6) ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
قالت: يا نبي اللَّه! إن عمر قال كذا وكذا، قال: "فما قلتِ له؟ " قالت قلت: كذا وكذا - قال: "ليس بأحقَّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان"، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتون (¬1) أرسالًا يسألونني (¬2) عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هُم أفرح به (¬3) ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال أَبو بردة: قالت أسماء: ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. وقال (¬4) أَبو بردة عن أبي موسى: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لأعرف أصوات رُفْقَةَ الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم، إذا لقى الخيل، أو لقي العدو (¬5) قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم (¬6) ". 1906 - وعن أبي هريرة قال: افتتحنا خيبر، . . . ¬
فلم (¬1) نغنم ذهبًا ولا فضة، غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى وادي القُرى، ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم، أهداه له أحد بني الضِّباب، فبينا (¬2) هو يحط رحل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَةَ التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم يصبها (¬4) المقاسم لتشتعل عليه نارًا لا، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِشِرَاكٍ أو شراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شِرَاك أو شراكان من نار". 1907 - وعن عمر بن الخطاب: أنَّه قال: والذي (¬5) نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس بَبَّانًا (¬6) ليس لهم شيء، ما فتحت قرية (¬7) إلَّا قسمتها كما ¬
قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر، ولكني أتركها لهم خِزَانة (¬1) يقتسمونها. الغريب: "ألا تسمعنا من هنيهاتك"؛ أي: من أراجيزك، وهو تصغير هَنَة، وهو كناية عن النكرات. و"الأَكْوَعُ": اعوجاج من قبل الكوع في اليد، و"الوكع" في الرِّجْل، وهو أن يميل إبهامها على أصابعها، واسم "الأكوع": سنان بن عبد اللَّه، وهو أَبو سلمة. و"وجبت"؛ أي: ثبتت الشهادة بسبب دعوة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالرحمة. و"التمتع": الترفه إلى انقطاع مدة. و"المَخْمَصَة": الجوع الشديد. و"الإنسية": يقال: بفتح الهمزة والنون، وبكسرها وسكون النون، والأول من الأنس، وهو الإبصار، والثاني من الإِنْس وهو التأنس، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد، غير أن إحداهما خالفت القياس. و"ذُباب السيف": طرفه المهلك. و"حَبِطَ": بطل. و"لجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ": رواه الحَمَويِّ والمُسْتَمْلِي بفتح الجيم والهاء الأولى وكسر الثانية وفتح الدال فيهما، على الأول فعل ماضٍ، والثاني: جمع مُجْهَد، ورواه الكشميهني والأصيلي بكسر الهاءين وضم الدالين منونان، وبضم الميم على أنهما اسمان، الأول: مرفوع على أنَّه خبر، والثاني: اتباع له، كما قالوا: جَادٌّ مُجِدٌّ على جهة التأكيد، وهو الصواب إن شاء اللَّه تعالى. و"السَّاحَة": الناحية. و"الخَمِيس": الجيش؛ لأنه يقسم على خمسة ¬
39 - باب ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض خيبر، واستعماله عليها
كما تقدم. و"ارْبَعُوا": ارفقوا. و"الشَّاذَّة": الخارجة. و"الفَاذَّة": المنفردة. و"الحَيْس": خليط التمر والسمن والأَقِط. و"أجزأ": مهموزًا، أغنى. و"جزى": غير مهموز، كفى. و"الطيالس": الأكسية، واحدها طَيْلَسَان. و"تنظروهم": تنتظروهم؛ أي: للقتال. و"سهم عَائِر": هو بالعين المهملة، وهو الذي لا يعرف راميه. و"بَبَّان": بباءين يعني شيئًا واحدًا؛ أي: في الأجر من الأرض المقسومة، قال أَبو عبيد: ولا أحسبها عربية، قال غيره: هي حبشية، قال أَبو سعيد الضرير: ليس في كلام العرب بَبَّان، والصحيح ببانًا واحدًا، والعرب إذا ذكرت ما لا يُعرف، قالوا: هذا هَبَّان ابن ببان، والمعنى: لا يسوي بينهم في العطايا. * * * (39) باب ما صنع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أرض خيبر، واستعماله عليها 1908 - عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة (¬1) بنت رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم- مما أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفَدَك وما بقي من خُمس خيبر، فقال أَبو بكر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
قال: "لا نُورَثُ، ما تركنا صدقة"، إنما يأكل آل محمد (¬1) في هذا المال، وإني واللَّه لا أغير شيئًا من صدقة رسول اللَّه على عن حالها التي كانت عليه (¬2) في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فأبى أَبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا، فَوَجَدَتْ فاطمةُ على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلًا، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكر، وصلى عليها، وكان لعليٍّ من الناس وَجْهٌ حياةَ فاطمة، فلما توفيت استنكر عليٌّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا، ولا يأتنا أحد معك، كراهة لمحضر عمر، فقال عمر: لا واللَّه، لا تدخل عليهم وحدك، فقال أَبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ واللَّه لآتينهم، فدخل عليهم أَبو بكر، فتشهد عليٌّ، فقال عليٌّ (¬3): إنا قد عرفنا فضلك فيما أعطاك اللَّه، ولم نَنْفِسْ خيرًا (¬4) ساقه اللَّه إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نصيبًا، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أَبو بكر، قال: والذي نفسي بيده، لَقَرابةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحب إليَّ أن أَصِل من قرابتي، وما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فإني لم آلُ فيها عن الخير (¬5)، ولم أترك أمرًا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصنعه فيها ¬
إلَّا صنعته، فقال عليٌّ لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أَبو بكر الظهر، رقى على المنبر، فتشهد، وذكر شأن عليٍّ، وتخلفه عن البيعة، وعَذَرَه بالذي اعتذر به (¬1)، ثم استغفر، وتشهد عليٌّ، فعظَّم حق أبي بكر، وحدَّث أنَّه لم يحمله على الذي صنع نفًاسةً على أبي بكر، ولا إنكارًا للذي فَضَّله اللَّه به، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر نصيبًا، فَاسْتُبِدَّ به علينا، فوجدنا في أنفسنا، فَسُرَّ بذلك المسلمون، وقالو ا: أصبت، وكان المسلمون إلى عليٍّ قريبًا حين راجع الأمر بالمعروف. 1909 - وعن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر. 1910 - وعن عائشة قالت: لما (¬2) فتحت خيبر، قلنا: الآن نشبع من التمر. 1911 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أخا بني عَدِيّ ¬
40 - غزوة زيد بن حارثة وعمرة القضاء
من الأنصار إلى خيبر، فأمَّره عليها. 1912 - وعن ابن عمر قال: أعطى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر ليهود (¬1)؛ أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شَطْر ما يخرج منها. * * * (40) غزوة زيد بن حارثة وعُمرة القضاء وقد تقدم من حديث ابن عمر (¬2): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَّر أسامة على قوم، فطعنوا في إمارته، فقال: "إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وايْمُ اللَّه، إن كان (¬3) خليقًا للإمارة، وإن كان من أحبّ الناس إليَّ، وإِنَّ هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده". 1913 - وعن البراء قال: لما (¬4) اعتمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذي القَعْدَة، فأبى أهل مكة أن يَدَعُوه يدخل مكة، حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، ¬
فلما كتب الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، قالوا: لا نقرُّ لك بهذا، لو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد اللَّه، (فقال: "أنا رسول اللَّه، وأنا محمد ابن عبد اللَّه") (¬1)، ثم قال لعليِّ ابن أبي طالب: "امْحُ رسولَ اللَّه" قال (¬2): لا واللَّه، لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتاب -وليس يُحْسِنُ يكتب- فكتب: هذا ما قاضى عليه (¬3) محمد بن عبد اللَّه، لا يُدْخِلُ مكة السلاحَ إلَّا السيف (¬4) في القراب، وأن لا يَخْرج من أهلها بأحد (¬5) أراد أن يَتْبَعَهُ، وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا أراد أن يقيم بها، فلما دخلنا ومضى الأجل، أتوا عليًّا، فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عمِّ يا عمِّ! فتناولها عليٌّ (¬6)، وأخذ بيدها، وقال لفاطمة (¬7): دونك بنت (¬8) عمك، احمليها (¬9)، فاختصم فيها عليٌّ وزيد وجعفر، قال عليٌّ: أنا آخذها (¬10)، ¬
41 - غزوة مؤتة من أرض الشام
وهي بنت عمي، وقال جعفر: بنت عمي (¬1) وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي (¬2)، فقضى بها رسول اللَّه (¬3) على لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم"، وقال لعليٍّ: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقِي وخُلُقِي"، وقال لزيد: "أنت أخونا، ومولانا"، قال عليٌّ: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: "إنها بنت أخي (¬4) من الرضاعة". 1914 - وعن ابن أبي أَوْفَى قال: لما اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، سترناه من غلمان المشركين ومنهم؛ أن يؤذوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (41) غزوة مؤتة من أرض الشام 1915 - عن ابن عمر قال: أَمَّر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة مؤتة زيد بن ¬
حارثة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن قُتِلَ زيد فجعفر، وإِن قُتِلَ جعفر فعبد اللَّه ابن رواحة"، قال عبد اللَّه: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية. 1916 - وعن أَنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها (¬1) جعفر فأصيب، ثم أخذها (¬2) ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف اللَّه حتى فتح اللَّه عليهم". 1917 - وعن عائشة قالت: لما قتل (¬3) ابن رواحة وابن حارثة وجعفر ابن أبي طالب، جلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعْرَفُ فيه الحزن، قالت عائشة: وأنا أطَّلع من صائر الباب -يعني (¬4): من شَقِّ الباب- فأتاه رجل فقال: أي ¬
رسول اللَّه! إن نساء جعفر -قالت: فذكر بكاءهن (¬1) - فأمره أن يَنْهَاهُنَّ، قالت: ثم أتى (¬2)، فقال: قد نهيتهُنَّ، فذكر (¬3) أنهن لم يُطِعْنَهُ، قال: فأمر أيضًا، قالت (¬4): فذهب، ثم أتى، فقال: واللَّه لقد غلبننا، فزعمتْ أن رسول اللَّه قال: "فاحْثُ في أفواههن من التراب"، قالت عائشة: فقلت: أَرْغَم اللَّه أنفك، فواللَّه، ما أنت تفعل، وما تركتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من العَنَاء. 1918 - وعن عامر قال: كان ابن عمر إذا حَيَّا ابن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. 1919 - وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلَّا صفيحة يمانية. * * * ¬
42 - بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة
(42) بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أسامة بن زيد إلى الحُرَقَات من جُهَيْنَة 1920 - عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الحُرَقَةِ، وصَبَّحنا القوم، فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غَشِينَاه، قال: لا إله إلَّا اللَّه، وكفَّ الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، (فلما قدمنا بلغ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "يا أسامة" أقتلته) (¬1) بعد أن قال لا إله إلَّا اللَّه؟ " قلت: كان مُتَعَوِّذًا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم اكن أسلمت قبل ذلك اليوم. 1921 - وعن سلمةَ بنِ الأَكْوَع قال: غزوت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مَرَّةً علينا أَبو بكر، ومرة علينا أسامة. * * * ¬
43 - باب غزوة الفتح
(43) باب غزوة الفتح 1922 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج في رمضان من المدينة، ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مَقْدَمِهِ المدينة، فسار هو ومن معه (¬1) من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون، حتى بلغ الكَدِيدَ -وهو ما بين عُسْفَان وقُدَيْد- أفطر وأفطروا. قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآخر فالآخر (¬2). 1923 - عن هشام، عن أبيه: لما سار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الفتح، وبلغ ذلك قريشًا، خرج أَبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مَرَّ الظهران؛ فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أَبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة، فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أَبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا ¬
بهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسلم أَبو سفيان، فلما سار، قال للعباس: "احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين"، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ تمر كتيبةً كتيبةً على أبي سفيان، فمرت كتيبةٌ، فقال: يا عباس! من هذه؟ قال: هذه غِفَارُ، قال: مالي ولغِفَار، ثم مَرَّتْ جُهَيْنَة، قال مثل ذلك، ثم مَرَّتْ سعد بن هُذَيْم، فقال مثل ذلك، ثم مرت سُليم (¬1)، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم يرَ مثلها، فقال (¬2): من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عُبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان" اليوم يوم المَلْحَمَة، اليوم تُسْتَحَلُّ الكعبة، فقال أَبو سفيان: يا عباس! حبَّذا يوم الذِّمار، ثم جاءت كتيبة -وهي أقل الكتائب- فيهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، وراية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع الزبير (¬3)، فلما مر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: "ما قال؟ " قال: كذا وكذا، فقال: "كذب سعد، ولكن هذا يوم يُعَظِّمُ اللَّه فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة"، قال: وأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُركَزَ رايته بالحُجُون. قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ههنا (¬4) أمرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تركز الراية، قال: وأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كَداء، ودخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من كُدًا، فقُتِلَ من خيل خالد بن الوليد يومئذ ¬
رجلان، حُبيش بن الأشعر، وكُرْزُ بن جابر الفهري. 1924 - وعن عبد اللَّه بن مُغَفَّل قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يُرَجِّعُ، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعْتُ كما رَجَّع. 1925 - وعن أسامة بن زيد قال زمن الفتح: يا رسول اللَّه! أين تنزل غدًا؟ قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وهل ترك لنا عَقيلٌ من منزل؟ " ثم قال: "لا يرث الكافرُ المؤمنَ، ولا يرث المؤمنُ الكافرَ" (¬1). 1926 - وعن أبي معمر، عن عبد اللَّه قال: دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة وحول البيت ستون وثلاث منة نُصُب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}. 1927 - وعن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: كنا بماء يمر بنا ¬
الناس (¬1)، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل، ما هذا الرجل؟ (¬2) فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله، أوحى إليه، أوحى إليه كذا (¬3)، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنَّما (¬4) يَقَرُّ في صدري، وكانت العرب تَلَوَّمُ بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم، فهو نبي صادق، فلما كانت وَقْعة أهل الفتح، بادر كل قوم لإسلامهم، وبدر أبي قومه بإسلامه (¬5)، فلما قدم قال: جئتكم واللَّه من عند النبي (¬6) حقًّا، فقال: صَلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا (¬7) في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، فنظروا فلم يكن أحدٌ (¬8) أكثر قرآنًا مني؛ لِمَا كنت أَتَلَقَّى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع (¬9)، وكانت عليّ بُردة، كنت إذا سجدت تقلَّصت عني، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطوا عنا إستَ قارئكم؟ ! فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. ¬
الغريب: "خطم الجبل": بالخاء المنقوطة والجيم، رواية النسفي والقابسي -ويعني: وأنف الجبل- وهو طرفه الناثل منه، وهو المسمى بالكراع، ورواه سائر الرواة: (حطم) بالحاء المهملة. و"الخيل": بالخاء المنقوطة؛ يعني به: مجتمع الخيل الذي تحطم فيه؛ أي: تتضايق حتى كاد بعضها يكسر بعضًا. و"الحطم": الكسر. و"الكتيبة": القطعة من العسكر المنظم، مأخوذ من الكَتْب، وهو الجمع. و"حبذا يوم الذِّمَار"؛ أي: حين الغضب للحرم والأهل؛ أي: الأنصار لمن يمكنه، وقد فات أبا سفيان ذلك لما غُلِبَ. و"الحُجون": موضع بمكة قريب من الصفا. و"كَدا": ثنية بأعلى مكة، بفتح الكاف، والمد والقصر. و"كُدا": بضم الكاف، ثنية بأسفل مكة، هذا هو أصح ما قيل، وقيل في السفلى: كُدَيّ بالتصغير. و"يُقَرُّ في صدري": يقر ويثبت، وإمامة عمرو بن سلمة وهو صبي في الفرائض دليل الشافعي، ولمن يوافقه على جواز إمامة غير البالغ في الفرض، وخالف في ذلك مالك ومن قال بقوله، واعتذروا عن الحديث أن ذلك إنما كان في أول الإسلام؛ لقلة من كان في ذلك المحل من القراء، واللَّه أعلم. * * *
44 - غزوة حنين
(44) غزوة حُنَيْن وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 25 - 27]. 1928 - عن البَرَاء: وجاءه رجل، فقال: يا أبا عُمَارَة! أتولَّيْتَ يوم حنين؟ قال: أما أنا فأشهد (¬1) على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه لم يُوَلِّ، ولكن عَجِلَ سَرعان القوم، فَرَشَقَتْهُمْ هوازِن -وأَبو سفيان بن الحارث آخذٌ برأس بغلته البيضاء- يقول: "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المطلب". وفي رواية (¬2): سئل البراء: أفررتم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم حنين؟ فقال: لكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا (¬3) بالسهام، ولقد رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على بغلته (¬4)، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: "أنا ¬
النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المطلب (¬1) ". وفي رواية (¬2): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بغلته. 1929 - وعن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- عام حُنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل على، فضمني ضمة وجدتُ منها ريحَ الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب (¬4)، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أَمْرُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ثم رجعوا، فجلس (¬5) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "من قتل قتيلًا له عليه بَيِّنَةٌ، فلم سَلَبُه"، فقلت: ومن (¬6) يشهد لي، ثم جلست، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله، فقلت (¬7): ¬
من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله (¬1)، فقمت فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ " فاخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي فأرضه مني، قال أَبو بكر: لا ها اللَّه، إذًا لا يَعْمِدُ إلى أسد من أُسْدِ اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله، فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "صدق، فأَعْطِهِا، فأعطانيه، فابتعَنَا (¬2) به مَخْرَفًا في بني سلمة، فإنه لأول مالٍ تَأْثَّلْتُه في الإسلام. وفي رواية (¬3): قال أَبو قتادة: لما كان يوم حنين، نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلًا من المشركين، وآخر من المشركين يَخْتِله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني، فضمني ضمًّا شديدًا حتى تخوفت، ثم نزل (¬4) فتحلل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون، فانهزمت معهم؛ فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت: ما شأن الناس؟ قال (¬5): أمر اللَّه، ثم تراجع الناس إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أقام بينة على قتيل فله سَلَبُه"، فقلت (¬6): لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحدًا يشهد لي، فجلست، ثم ¬
بدا لي فذكرتُ أمري (¬1) لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي ذكره عندي (¬2)، فأَرْضِهِ منه، فقال أَبو بكر: كلا، لا يعطيه (¬3) أُضَيْبِع من قريش، ويدع أسدًا من أُسْد اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله، قال: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأدَّاه إليَّ، فاشتريت منه مَخَرْفًا (¬4)، فكان أول مال تأثلته. الغريب: "الجولة": الاضطراب والتجلجل. و"حبل العاتق": أعلى الكاهل، وهو الكتف. و"فأرضه مني": أعطه ما يرضى به عِوَضًا عن السَّلَب. "ها اللَّه": يُرْوى ممدودًا ومقصورًا، وهو قسم، والهاء عوض عن الهمزة التي تبدل من الواو في القسم. و"إذًا": منون، وهو حرف جواب يقتضي التعليل، وقد قيده بعضهم (ذا) بغير تنوين، وقال: (ها) إنها (ذا) التي للإشارة، فُصِلَ بينها وبين (ها) التنبيه باسم اللَّه تعالى، وهذا لا يعضده قياس، ولا يشهد له نقل صحيح، و"مِخْرفًا": يروى بكسر الراء وفتحها، وهو الموضع الذي يخترف فيه الثمار. و"تَأَثَّلْتُه"؛ أي: اتخذته أصلًا. و"أُضَيْبع" بالضاد المنقوطة تصغير ضُبَيعْ، حَقَّره بذلك. * * * ¬
45 - غزوة أوطاس
(45) غزوة أوطاس 1930 - عن أبي موسى -هو الأشعري- قال: لما فرغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من حُنَيْن بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دُرَيْد بن الصِّمَّة، فقُتل دريد، وهزم (¬1) أصحابه. قال أَبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرُمِيَ أَبو عامر في ركبته، رماه جُشَمِيٌّ، فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى (¬2)، فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ! ألا تثبت؟ ! فكفَّ، فاختلفنا ضربتين بالسيف، فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل اللَّه صاحبك، قال (¬3): فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزى منه الماء (¬4)، قال: يا ابن أخي! أقرئ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) السلامَ، وقل له: يستغفر لي، واستخلفني أَبو عامر على الناس، فمكث يسيرًا ثم مات، فرجعت، فدخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيته على سرير ¬
46 - غزوة الطائف
مُرْمَلٍ (¬1)، عليه فِراش، قد أَثَّر رِمَالُ السرير في ظهره (¬2) وجنبيه، فأخبرته بخبره (¬3) وخبر أبي عامر، وقال: قل له: يستغفر لي، فدعا بماء فتوضأ، ثم رفع يده، فقال: "اللهم اغفر لعُبَيْدٍ أبي عامر"، ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، ومن الناس" (¬4)، فقلت: وَلِي فاستغفر، فقال: "اللهم اغفر لعبد اللَّه بن قيس ذَنْبَهُ، وأدخله يوم القيامة مُدْخَلًا كريمًا". قال أَبو بردة: إحداهما لأبي عامر (¬5)، والأخرى لأبي موسى. * * * (46) غزوة الطائف 1931 - عن عبد اللَّه بن عمرو (¬6) قال: لما حاصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الطائف، فلم ينل منهم شيئًا، فقال: "اغدُوا على القتال"، فَغَدوْا فأصابهم جراح، ¬
47 - باب قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أفاء الله عليه من أموال هوازن
فقال: "إنا قافلون غدًا (¬1) إن شاء اللَّه"، فأعجبهم، فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال سفيان مرة: فتبسَّم. 1932 - وعن أبي عثمان -وهو النَّهْدي- قال: سمعت سعدًا -وهو أول من رمى بسهم في سبيل اللَّه- وأبا بكرة -وكان تسوَّر حصن الطائف في أناس- فجاءا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالا: سمعنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من ادَّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام". وفي رواية (¬2): أن أبا بكرة نزل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف. * * * (47) باب قَسْم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أفاء اللَّه عليه من أموال هوازن 1933 - عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء اللَّه ¬
على رسوله (¬1) يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئًا، فكان بهم وَجْدٌ إذ لم يصبهم (¬2) ما أصاب الناس، قال: "ما منعكم أن تجيبوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3)، فخطبهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال (¬4): "يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضُلَّالًا فهداكم اللَّه بي، وكنتم متفرقين فألَّفكم اللَّه بي، وكنتم عالة فأغنكم (¬5) اللَّه بي"، كلما قال شيئًا، قالوا (¬6): اللَّه ورسوله أَمَنُّ (¬7)، قال: "لو شئتم لقلتم (¬8): جئتنا (¬9) كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شِعْبًا (¬10)، لَسَلَكْتُ وادي الأنصار وشِعْبَها، الأنصار شِعَار والناس دثار، . . . ¬
إنكم ستلقون بعدي أَثَرَةَ، فاصبروا حتى تَلْقَوْنِي على الحوض". 1934 - وعن أَنس بن مالك قال: قال أناس (¬1) من الأنصار -حين أفاء اللَّه على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، وطفق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطي رجالًا المئة من الإبل، فقالوا: يغفر اللَّه لرسول اللَّه (¬2)، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أَنس: فحدثت (¬3) رسول اللَّه بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أَدَمٍ، ولم يَدْعُ معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ما حديثٌ بلغني عنكم؟ " فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول اللَّه فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس (¬4) منا حديثةٌ أسنانهم، فقالوا: يغفر اللَّه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإني أُعْطِي رجالًا حديثي عهد بكُفْرٍ أتألفهم، أما تَرْضَوْنَ أن يذهب الناس بالأموال، وتذهبون بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رحالكم؟ فواللَّه ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به"، قالوا: يا رسول اللَّه! قد رضينا، فقال لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فتجدون (¬5) ¬
أثَرَةً شديدة (¬1)، فاصبروا حتى تلقوا اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإني على الحوض" (¬2). قال أَنس: فلم يصبروا. 1935 - وعنه قال: لما كانت يوم حُنَيْن أقبلت هوازن وغَطَفان وغيرهم بنَعَمِهم وذراريهم، ومع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرة آلاف ومن الطلقاء (¬3)، فأبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه، فقال: "يا معشر الأنصار"، قالوا: لَبَّيكَ يا رسول اللَّه، أَبْشِر نحن معك، ثم التفت عن يساره، فقال: "يا معشر الأنصار"، قالوا: لَبَّيكَ يا رسول اللَّه، أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: "أنا عبد اللَّه ورسوله"، فانهزم المشركون، وأصاب (¬4) يومئذ غنائم كثيرة، قسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئًا، فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن نُدْعَى، ويُعْطَى الغنيمةُ غيرنا، فبلغه (¬5) ذلك، . . . ¬
48 - باب بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، وسرية عبد الله بن حذيفة وقد تقدمت أحاديثهما
فجمعهم في قبة، وقال (¬1): "يا معشر الأنصار! ما حديث بلغني عنكم؟ "، فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار" ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول اللَّه (¬2)، تحوزونه إلى بيوتكم؟ " قالوا: بلى، قال (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لأخذت شِعْبَ الأنصار". قال (¬4) هشام: قلت: يا أبا حمزة (¬5)! وأنت شاهد ذلك؟ قال: وأين أغيب عنه؟ * * * (48) باب بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة، وسرية عبد اللَّه بن حذيفة وقد تقدمت أحاديثهما بَعْث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قَبْل حَجَّة الوداع. 1936 - عن أبي بُرْدَة قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا موسى ومعاذ بن ¬
جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مِخْلَافٍ، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: "يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا"، في رواية (¬1): "وتطاوعا ولا تختلفا"، فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه، كان قريبًا من صاحبه، أحدث به عهدًا فسَلَّم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته، حتى انتهى إليه وهو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جُمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد اللَّه بن قيس! أَيْمَ (¬2) هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جيء به لذلك، قال (¬3): فأنزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل فقال: يا عبد اللَّه! كيف تقرأ القرآن؟ قال: أَتَفَوَّقُه تفوُّقًا (¬4)، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فاقوم وقد قضيت حزبي (¬5) من النوم، فاقرأ ما كتب اللَّه لي، فاحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. المخلاف: العمل المنفرد عن الآخر، وهي لغة يمانية. * * * ¬
49 - بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- إلى اليمن
(49) بعث عليّ بن أبي طالب وخالد بن الوليد -رضي اللَّه عنهما- إلى اليمن 1937 - عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليًّا بعد ذلك مكانه، فقال: "مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يُعَقِّب (¬1) معك فليعقِّب، ومن شاء فَلْيُقْبِل"، فكنت فيمن عقَّب معه، قال: فغنمت أواقي ذوات عدد. 1938 - وعن عبد اللَّه بن بُريدة، عن أبيه قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليًّا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليًّا، وقد اغتسل (¬2)، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكرت ذلك لك، فقال: ¬
50 - غزوة ذي الخلصة
"يا بريدة أتبغض عليًّا؟ " فقلت: نعم، فقال: "لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك". * * * (50) غزوة ذي الخَلَصَة 1939 - عن قيس، عن جرير قال: قال (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تريحني من ذي الخَلَصة؟ " فقلت: بلى، فانطلقت في خمسين ومئة فارس من أَحْمَس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فضرب يده على صدري (¬2)، وقال: "اللهم ثبته، واجعله هاديًا مهديًّا"، قال: فما وقعت عن فرسٍ بعدُ، قال: وكان ذو الخَلَصة بيتًا باليمن لخَثْعَم ويَجِيلَةَ، فيه نُصُبٌ تُعْبَد، يقال له: الكعبة اليمانية (¬3)، قال: فأتاها فَحَرَّقها بالنار، وكسرها، قال: ولما قدم جرير اليمن كان فيها رَجُلٌ (¬4) يستقسم بالأزلام (¬5)، فقيل له: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ههنا، فإن قَدَر عليك ضرب عنقك، قال: فبينما هو يضرب بها؛ إذ وقف عليه جرير، فقال: لتكسِرَنَّها. ولتشهدُنَّ أن لا إله ¬
إلَّا اللَّه، أو لأضربَنَّ عنقك، قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلًا من أحمس، يكنى أبا أرطاة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبشره بذلك، فلما أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: يا رسول اللَّه! ، والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جَمَلٌ أَجْرَب، قال: فبارك (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خيل أحمس ورجالها، خمس مرات. * * * (50) ذهاب جرير إلى اليمن 1940 - عن قيس، عن جرير قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن، ذا كَلاعٍ وذا عَمْرو، فجعلت أحدثهم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال ذو عمرو (¬2): لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مرَّ على أجله ثلاثًا (¬3)، وأقبلا (¬4) معي حتى إذا كنا ببعض الطَّرِيقِ، رُفع لنا ركب من قِبَل المدينة، فسألتهم، فقالوا: قُبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستُخلِف أَبو بكر، والناس صالحون، فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا، ولعلنا سنعود إن شاء اللَّه، ورجعا إلى اليمن، فأخبرت أبا بكر بحديثهم، قال: أفلا جئت بهم، فلما كان بعدُ قال ¬
51 - غزوة سيف البحر
لي ذو عمرو: يا جرير! إن بك عليّ كرامة، صماني مخبرك خبرًا، إنكم معشر العرب لم تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير فأمَّرتم (¬1) في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكًا، يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضا الملوك. وقوله: " فأَمَّرتم"؛ يعني: أخذتم خياركم فأمَّرتموه. * * * (51) غزوة سِيفِ البحر 1941 - عن جابر بن عبد اللَّه أنَّه قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثًا إلى الساحل (¬2)، فأمَّر (¬3) عليهم أبا عُبيدة وهم ثلاث مئة، فخرجنا فكنا (¬4) ببعض الطَّرِيقِ فَنِيَ الزاد، فأمر أَبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع، فكان مِزْوَدِي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلًا قليلًا حتى فني، فلم تكن تصيبنا (¬5) إلَّا تمرة تمرة، فقلت: ما تغني عنكم تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت، ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حُوت مثل الظَّرِبِ -في رواية: يقال له العنبر- فأكل منه القوم ثمان عشرة ليلة، ثم أمر أَبو عبيدة بضِلَعَيْن من أضلاعه فنُصِبَا ثم أمر ¬
52 - حج أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالناس في سنة تسع
براحلة فرُحِلَتْ، ثم مَرَّت تحتها (¬1) فلم تصبها (¬2). في رواية (¬3): قال جابر: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث مئة راكب، أميرنا أَبو عبيدة بن الجراح، نترصد (¬4) عير قريش، فأقمنا بالساحل نصف شهر، فأصابنا جوعٌ شديد حتى أكلنا الخَبَط، فسُمِّي ذلك الجيش جيش الخبط، فذكر نحوه. وقال جابر: وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر ثم إن أبا عُبيدة نهاه. * * * (52) حج أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بالناس في سنة تسع قد ذكرنا حديثه في التعبير، ووفد بني تميم قد تقدم حديثهم. * غزوة عُيَيْنَةَ بن حِصْن (¬5) بن حذيفة بن بدر بني عنبر بن تميم (¬6): بعثه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأغار وأصاب منهم ناسًا، وسبى منهم نساءً وفد ¬
53 - وفد بني حنيفة وقصة أبي رجاء العطاردي
عبد القيس، وقد تقدم حديثهم في الإيمان. * * * (53) وفد بني حنيفة (¬1) وقصة أبي رجاء العطاردي 1942 - عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل يقول: إن جعل لي الأمر محمد من بعده تبعته، وقدمها في بَشَرٍ كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه ثابت بن قيس بن شَمَّاس، وفي يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللَّه (¬3)، ولىن أدبرت لَيَعْقِرَنَّك اللَّه، وإني لأراك الذي رأيت (¬4) فيك ما أُريت، وهذا ثابت يجيبك عني"، ثم انصرف عنه. قال ابن عباس: فسأل عن قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنك أرى الذي أُريت ¬
فيك (¬1) ما أريت"، فأخبرني أَبو هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا أنا نائم رأيت في يدي سُوَارين من ذهب، فاهمني شأنهما، فأُوحى إليَّ في المنام أنِ انفخهما، فنفختهما فطارا، فأَوَّلتهما كذابَيْن يخرجان بعدي؛ أحدهما: العَنْسِيُّ، والآخر مسيلمة". وفي رواية (¬2): "فأوَّلتهما الكذابَيْن اللذَيْن أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة". 1943 - وعن مهدي بن ميمون قال: سمعت أبا رجاء العُطاردي يقول: كنا نعبد الحَجَرَ، فإذا وجدنا حجرًا هو أكبر (¬3) منه ألقيناه، فأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا، جمعنا جُثْوَةً (¬4) من تراب، ثم جئنا بالشاة، فحلبنا عليه، ثم طُفْنَا به، فإذا دخل شهر رجب، قلنا: مُنَصِّل الأسِنَّة (¬5)، فلا ندع رمحًا ¬
54 - قصة الأسود العنسي
فيه حديدة، ولا سهمًا فيه حديدة إلَّا نزعناه، فالقيناه في (¬1) شهر رجب، وسمعت أبا رجاء يقول: كنت يوم بُعِثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلامًا أرعى إبل (¬2) أهلي، فلما سمعنا بخروجه، فررنا إلى النار، إلى مسيلمة الكذاب. * * * (54) قصة الأسود العَنْسِيّ 1944 - عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة، فنزل في دار بنت الحارث، وكانت تحته ابنة الحارث (¬3) بن كُريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه ثابت بن قيس بن شَمَّاس، الذي (¬4) يقال له: خطيب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضيب، فوقف عليه وكلمه (¬5)، فقال له مسيلمة: إن شئت خَلَّيْنَا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو سألتني هذا القضيب ¬
55 - قصة أهل نجران
ما أعطيتكه، وإني لأراك الذي أُرِيتُ ما أريت"، وذكر ما تقدم في العنسي والسوارين. * * * (55) قصة أهل نجران 1945 - عن حذيفة قال: جاء السيّد والعاقب (¬1) صاحبا نجران إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريدان أن يلاعناه، فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فواللَّه لئن كان نبيًّا فلاعنّاه (¬2) لا نفلح نحن وَلَا عقبُنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلَّا أمينًا، قال (¬3): "لأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمين"، فاستشرف إليها (¬4) أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلما قام قال رسول اللَّه: "هذا أمين هذه الأمة". 1946 - ومن حديث أَنس مرفوعًا: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة ¬
56 - حجة الوداع
أَبو (¬1) عبيدة بن الجرَّاح، هذا أمين هذه الأمة" (¬2). قلت: وقد ذكر البخاري بعد هذا قصة عُمان والبحرين وقدوم الأشعريين وأهل اليمن وقصة دَوْس، وقد تكررت أحاديثها. * * * (56) حجة الوداع قد تقدم أكثر أحاديث هذا الباب في (كتاب الحج). 1947 - وعن ابن عمر قال: كنا نتحدث بحجة الوداع، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهرنا، فلا ندري (¬3) ما حجة الوداع، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، فقال (¬4): "ما بعث اللَّه من نبي إلَّا أنذره (¬5) أمته، أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خَفِيَ عليكم من ¬
57 - غزوة تبوك وهي غزوة العسرة
شأنه، فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور (¬1)، إنه (¬2) أعور اليمنى (¬3)، كأنها عِنَبةٌ طافية (¬4)، ألا إن اللَّه حرَّم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ " قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد -ثلاثًا، ويلكم -أو ويحكم- لا ترجعوا (¬5) بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". وسيأتي في التفسير حديث أبي بكر. * * * (57) غزوة تبوك وهي غزوة العُسْرَة 1948 - عن أبي بُردة، عن أبي موسى قال: أرسلني أصحابي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أساله الحُملان لهم؟ إذ هم معه في جيش العُسْرة -وهي غزوة تبوك- فقلت: يا رسول اللَّه! إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فقال: ¬
"واللَّه لا أحملكم على شيء"، ووافقته وهو غضبان ولا أشعر، ورجعت حزينًا من منع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن مخافة أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجد في نفسه عليَّ، فرجعت إلى أصحابي، فأخبرتهم الذي قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم ألبث إلَّا سُوَيْعَة؛ إذ سمعت بلالًا ينادي: أين عبد اللَّه بن قيس (¬1)؟ فأجبته، فقال: أجب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعوك، فلما أتيته قال: "خذ هذين القَرِينَيْن (وهذين القرينين، وهذين القرينين) (¬2) -بسِتَّة أبعرة ابتاعهم حينئذٍ من سعد- فانطلق بهم إلى أصحابك، فقل: إن اللَّه -أو قال: إن رسول اللَّه (¬3) - يحملكم على هذه فاركبوهن"، فانطلقت إليهم بهن فقلت: إن رسول (¬4) اللَّه يحملكم على هؤلاء، ولكن واللَّه لا أَدَعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا تظنوا أني حدثتكم شيئًا لم يقله (¬5)، فقالوا لي: واللَّه إنك عندنا لمُصَدَّق، ولنفعلنَّ ما أحببت، فانطلق أَبو موسى بنفرٍ منهم، حتى أتوا الذين سمعوا مثل ما حدثهم به أَبو موسى (¬6). 1949 - ومن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى ¬
58 - حديث كعب بن مالك
تبوك، فاستخلف (¬1) عليًّا، فقال: أتُخلِّفُني في الصبيان والنساء؟ قال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلَّا أنَّه ليس بعدي نبيٌّ (¬2) ". * * * (58) حديث كعب بن مالك 1950 - عن عبد اللَّه بن كعب -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة غزاها إلَّا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يُعاتَب أحدٌ (¬3) تخلَّف عنها، إنما خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد عير قريش، حتى جمع اللَّه بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة العقبة حين توافقنا (¬4) على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. ¬
كان من خبري: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة (¬1)، واللَّه ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة (¬2)، ولم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد غزوة إلَّا وَرَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا وعدوًّا كثيرًا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتاهبوا أُهبة عدوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ؛ يريد: الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلَّا ظن أنَّه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحيٌ من اللَّه (¬3)، وغزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمون (¬4) تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معه، فطفقت (¬5) أغدو لكي أتجهز معهم، فارجع ولم أقض شيئًا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي، حتى اشتد بالناس الجِدُّ، فأصبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئًا، فقلت: أتجهر بعده بيوم أو بيومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فَصَلُوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا (¬6)، فلم يزل بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، ¬
وليتني فعلت، فلم يقدّر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطفت (¬1) أحزنني أنني (¬2) لا أرى إلَّا رجلًا مغموصًا عليه النفاق أو رجلًا ممن عذر اللَّه من الضعفاء، ولم يذكرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم في تبوك (¬3): "ما فعل كعب؟ " فقال رجل من بني سَلِمَةَ: يا رسول اللَّه! حبسه بُرْداهُ ونظره في عِطفيه (¬4)، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، واللَّه يا رسول اللَّه ما علمنا عليه إلَّا خيرًا، فسكت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنَّه توجه قافلًا، حضرني همي، وطَفِقْتُ أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سَخَطِه هذا؟ (¬5)، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أَظَلَّ قادمًا، زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب، فأجمعت صِدْقَهُ، وأصبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاء المخلَّفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له -وكانوا بضعة وثمانين رجلًا- فقبل منهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، وَوَكَلَ سرائرهم إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- (¬6)، ¬
فجئته فلما سلّمت عليه تبسَّم تبسُّم المُغْضَب، وقال (¬1): "تعالَ"، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: "ما خلَّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " فقلت: بلى، إني واللَّه لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنْ سأخرج من سَخَطِهِ بعذر، ولقد أُعطيتُ جَدَلًا، ولكني واللَّه لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكنَّ اللَّه أن يسخط عليَّ (¬2)، ولئن حدثتك حديث صدق تَجِدُ عليَّ فيه، لأرجو (¬3) فيه عفو اللَّه، لا واللَّه ما كنت (¬4) قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما هذا فقد صدق، قُمْ (¬5) حتى يقضي اللَّه فيك"، فقمت، وثار رجال من بني سَلِمَةَ، فاتَّبعوني، فقالوا لي: واللَّه ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما اعتذر المخلَّفون (¬6)، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لك، فواللَّه ما زالوا يؤنبوني (¬7) حتى أردت أن أرجع فأكذِّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل (¬8) بهما مثل ما قيل ¬
لك، فقلت: من هما؟ قالوا (¬1): مُرارة بن الربيع العبدي (¬2)، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا رجلين صالحَيْن (¬3)، قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة، فمضَيْتُ حين ذكروهما لي، ونهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كلامنا (¬4) أيها الثلاثة من بين من تخلَّف عنه، فاجتنبنا الناس، فتغيَّروا (¬5) لنا، حتى تَنَكَّرَتْ في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أَشَبَّ القوم وأجلدهم، وكنت (¬6) أخرج، فأشهد الصلاة مع المسلمين، فأطوف (¬7) في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه، فردَّ السلام (¬8) عليَّ أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسوَّرتُ جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليَّ، فسلمت عليه، فواللَّه ما ردَّ عليَّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة! أَنْشُدُك باللَّه، هل تعلمني أني (¬9) ¬
أحب اللَّه ورسوله؟ فسكت، فعدت له فَنَشَدْتُه، فقال: اللَّه ورسوله أعلم (¬1)، ففاضت عيناي، وتوليتُ حتى تسوَّرتُ الجدار، قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة؛ إذا نبطي من أنباط الشام (¬2) ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يَدُلُّنِي (¬3) على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون (¬4) حتى إذا جاءني دفع إليَّ كتابًا من ملك غسَّان؛ فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك اللَّه بِدَار هوانٍ ولا مضيعة، فالْحَقْ بنا نواسك، فقلت لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، فتيممت بها التنور فسَجَرْتُه بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين؛ إذا رسولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال (¬5): إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرك أن تعتزل امرأتك، قلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها (¬6) ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيَّ مثل (¬7) ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أميّة إلى (¬8) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه! ¬
إن هلال بن أمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: "لا، ولكن لا يقربك"، قالت: واللَّه (¬1) ما به من (¬2) حركة إلى شيء، واللَّه ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: واللَّه لا أستاذن فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما يدريني ما يقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استأذنته (¬3)، وأنا رجل شاب، فلبثتُ بعد ذلك عشر ليالٍ، حتى كملت لنا خمسون ليلة، من حين نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبحَ خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اللَّه قد ضاقت عليَّ نفسِي، وضاقت على الأرض بما رَحُبَتْ سمعت صوت صارخٍ أَوْفَى على جبل سَلْعٍ بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر، قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أنْ قد جاء فرج، وآذن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتوبة اللَّه علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشرون (¬4)، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إليَّ فارسًا (¬5)، وسعى (¬6) ساعٍ من أَسْلَم، فأَوْفَى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفَرَسِ، فلما جاءني الذي سمعت ¬
صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ، فكسوته إياهما ببشراه، واللَّه ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، وانطلقت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتلقاني الناس فوجًا فوجًا يُهَنُّوني بالتوبة يقولون: لِيَهْنِكَ (¬1) بتوبة اللَّه عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد؛ فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد اللَّه يهرول، حتى صافحني وهنأني، واللَّه ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلما سلَّمت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك" قال: قلت: أَمِنْ عندك يا رسول اللَّه، أمْ من عند اللَّه؟ قال: "لا، بل من عند اللَّه"، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه، قلت: يا رسول اللَّه! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك"، قلت: فإني أُمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول اللَّه! إن اللَّه إنما نجَّانِي بالصدق، وإن من توبتي أن لا أُحَدِّثَ إلَّا صدقًا ما بقيتُ، فواللَّه ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه اللَّه في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسن مما أبلاني، وما تعمدت (¬2) منذ ذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني اللَّه فيما بقيت، وأنزل اللَّه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {لَقَدْ ¬
تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}. . . إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119]، فواللَّه ما أنعم اللَّه عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نَفْسي من صدقي رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا أكون كَذَبْتُه، وأهلك (¬2) كما هلك الذين كذبوا، فإن اللَّه قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- (¬3): {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ}. . . إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95 - 96]. قال كعب: وكان تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرنا حتى قضى اللَّه فيه، فبذلك قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- (¬4): {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكر اللَّه مما خُلِّفْنَا عن الغزو، وإنما هو (¬5) تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر له فقبل منه. الغريب: "ورَّى": عَرَّضَ. "وَجْهَه": قَصْدَه. "طُفِقْتُ": جعلت وأخذت. "تَفَارَطَ": تقدم. "والغزو": الغَزَاة. "مَغْمُوصًا": متهمًا ومعيبًا. "عِطْفَه": جَانِبَهُ تكبرًا. "أَظَلَّ": أقبل. "زاح": ذهب. "أَجْمَعْتُ": عزمت. "الظَّهْر": ¬
59 - باب
هنا الإبل. "يُوشِكُ": يحق ويسرع. "تَنَكَّرَتْ": تغيرت. * * * (59) باب 1951 - عن أَنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجع من (¬1) غزوة تبوك، فدنا من المدينة فقال: "إن بالمدينة قومًا (¬2)، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلَّا كانوا معكم، حبسهم العذر" (¬3). 1952 - وعن السائب بن يزيد قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك. قد ذكرنا نزول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحِجْر وكتابهُ إلى كسرى وقيصر. * * * ¬
60 - باب مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، وقول الله -عز وجل-: {لنا ربنا إنك} [الممتحنة: 5]
(60) باب مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ووفاته، وقول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ} [الممتحنة: 5] 1953 - عن عروة، قالت عائشة: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطَّعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أَبْهَرِي من ذلك السُّمِّ". 1954 - وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما حُضِر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي البيت رجال، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هلموا أكتب لكم كتابًا، لا تضلوا بعده" فقال بعضهم: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد غلب عليه الوجع (¬1)، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما كثر اللغو (¬2) والاختلاف قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قوموا". قال عبيد اللَّه: فكان ابن عباس يقول: إن الرَّزِيَّة كل الرزيَّة ما حال بين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب؛ لاختلافهم ولغطهم. ¬
1955 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو صحيح يقول: "إنه لن (¬1) يُقْبَض نبيٌّ قط حتى يرى مقعده من الجنَّةَ، ثم يُحَيَّا (¬2) أو يخيَّر"، فلما اشتكى، وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة غُشِيَ عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: "اللهم الرفيق الأعلى"، فقلت: إذًا لا يختارنا، فعرفت أنَّه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح. (قالت: فكان آخر كلمة تكلَّم بها: "اللهم الرفيق الأعلى") (¬3). 1956 - وعنها أنَّها قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستَنُّ به، فأَبَدَّه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصرَهُ، فأخذت السواك، فقضمته ونفضته وطيَّبته، ثم دفعته إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستنَّ به، فما رأيت النبي (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- استن استنانًا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رفع يده أو أصبعه، ثم قال: "الرفيق (¬5). . . ¬
الأعلى (¬1) " ثلاثًا، ثم قضى، فكانت تقول: مات بين حَاقِنَتِي وذَاقِنَتِي. وفي رواية (¬2): أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق". 1957 - وعنها أنَّها قالت: لما ثَقُل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمرَّض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج بين الرجلين يخط (¬3) رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب (¬4)، وبين رجل آخر، قال ابن عباس: الرجل الآخر هو عليُّ بن أبي طالب (¬5). قالت عائشة: إن رسول اللَّه (¬6) -صلى اللَّه عليه وسلم- لما دخل بيتي، واشتد به وجعه، ¬
قال: "أهريقوا (¬1) عليَّ من سَبْع قِرَبٍ لم تُحَلل أو كيتهُنَّ؛ لعلي أعهد إلى الناس"، فأجلسناه في مِخْضَب لحفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم طفقنا نَصُبُّ عليه من تلك القِرَب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج إلى الناس، فصلى بهم وخطبهم. 1958 - وعنها قالت: قال (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن اللَّه اليهود والنصارى (¬3)، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت عائشة: لولا ذلك لأبرز قبره، خشي أن يتخذ مسجدًا. 1959 - وعنها وعن ابن عباس قالا: لما نزل برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، طفق يطرح خَمِيصةً له على وجهه، فإذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك (¬4): "لعنة اللَّه على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يُحَذِّر ما صنعوا. 1960 - وعن ابن عباس: . . . . . ¬
أن علي بن أبي طالب (¬1) خرج من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجعه الذي توفي منه، فقال الناس: يا أبا حسن (¬2)! كيف أصبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: أصبح بحمد اللَّه بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاثٍ عبد العصا (¬3)، وإني واللَّه لأرى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا، فقال عليٌّ: إنا واللَّه، إن (¬4) سألناها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده، وإني واللَّه لا أسألها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 1961 - وعن أَنس بن مالك: أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأَبو بكر يصلي بهم (¬5) لم يفجأهم إلَّا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف في الصلاة، ثم تبسَّم ¬
فضحك (¬1)، فنكص أَبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أَنس: وهَمَّ المسلمون أن يُفْتَنُوا (¬2) في صلاتهم فرحًا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأشار إليهم بيده (¬3) أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. 1962 - وعن عائشة أنها كانت تقول: إن من نعم اللَّه عليَّ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- توفي في بيتي وفي يومي، وبين سَحْرِي ونَحْرِي، وأن اللَّه جمع بين ريقه وريقي (¬4) عند موته، ودخل (¬5) على عبد الرحمن وبيده سواك (¬6) وأنا مسندة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنَّه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فاشار برأسه أَنْ نعَمْ، فناولته فاشتد عليه، فقلت (¬7): أليّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فَلَيَّنْتُهُ، فأخذه (¬8) وبين يديه رَكْوَة أو عُلبة (¬9) فيها ماء، ¬
فجعل يدخل يديه في الماء، فينضح (¬1) بهما وجهه يقول: "لا إله إلَّا اللَّه، إن للموت سكرات"، ثم نصب يده، فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى"، حتى قبض، ومالت يده. 1963 - وعن عائشة قالت: لَدَدْنَاهُ في مرضه، فجعل يشير إلينا، لا تَلُدُّوني (¬2)، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: "ألم أنهكم أن تَلُدُّوني (¬3) "، فقلنا (¬4): كراهية المريض للدواء، فقال: "لا يبقى أحد في البيت إلَّا لُدَّ وأنا أنظر إلَّا العباس؟ فإنه لم يشهدكم". 1964 - وعن أَنس: لما ثقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل يَتَغَشَّاه، فقالت فاطمة (¬5): واكرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت: ¬
يا أبتاه! أجاب ربًّا دعاه، من جنة الفردوس مأواه (¬1)، يا أبتاه! إلى جبريل ينعاه (¬2)، فلما دفن قالت فاطمة (¬3) -رضي اللَّه عنها-: يا أَنس! طابت أنفسكم أن تَحْثُوا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التراب؟ ! 1965 - وعن ابن عباس وعائشة: أن رسول (¬4) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكث (¬5) بمكة عشرًا (¬6) ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرًا. 1966 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- توفي وهو ابن ثلاث وستين. الغريب: "الأَبْهَر": عِرْق إذا انقطع مات صاحبه، وهما أبهران يخرجان من القلب، ثم تتشعب منهما سائر الشرايين، قاله الجوهري وغيره: هو الوَتِين وهو يناط القلب، و"الرفيق الأعلى"؛ يعني به: الملائكة، واللَّه أعلم. ¬
و"أبداه": كذا وجدته في الأصل: (فأبداه) بهمزة مفتوحة وبدال مهملة، وعليه: (صح) معتنى به، ومعناه -واللَّه أعلم- أتبعه بصره، كما قالت في الرواية الأخرى: فرأيته ينظر إليه. و"قَضَمْتُه": مضغته، كما جاء في الرواية الأولى، يقال: قَضِمَتِ الدابة شعيرها تَقْضَمُه بكسر الضاد في الماضي، وفتحها في المضارع. و"الحاقنة": ما سفل من البطن. و"الذَّاقِنَة": ما علا، وقيل: الحاقنة: ما يحقن الطعام من البطن، والذاقنة: نقرة الذقن، حكاه عياض. و"سَحْرِي": صدري. و"نَحْرِي": موضع النحر، وأصل السَحْر: الرئة، فكانها ما بين موضع الرئة والنحر. و"الأوكية": جمع وِكَاء، وهو الخيط الذي يشد به فم القربة. و"بارئًا": اسم فاعل من برأ المريض: إذا أفاق. و"نَكَصَ": رجع متأخرًا، وهو القَهْقَرَى، ويجعل في وسطه. و"اللُّدود": هو الدواء الذي يجعل في أحد جانبي الفم، والوجور: يجعل في وسطه، والسُّعوط: ما عمل في الأنف. * * *
39 - كتاب تفسير القرآن الكريم
(39) كتاب تفسير القرآن الكريم
1 - ما جاء في تفسير فاتحة الكتاب
(39) كتاب تفسير القرآن الكريم (1) ما جاء في تفسير فاتحة الكتاب قال أبو عبيد اللَّه (¬1): وسميت أم الكتاب؛ لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقال غيره: لأنها أصله وعلامته. 1967 - عن أبي سعيد بن المُعَلَّى -واسمه: الحارث بن تبيع بن المُعَلَّى- قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم أجبه، فقلت: يا رسول اللَّه! إني كنت أصلي، فقال: "ألم يقل اللَّه: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]؟ " ثم قال: "لأُعَلِّمَنَّك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، ثم أخذ بيدي، فلما أن أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سور القرآن؟ قال: "الحمد للَّه ¬
2 - سورة البقرة قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31].
رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته" (¬1). الغريب: قال الزَّجاج: "المثاني": من الثناء كالمحامد من الحمد. الحَسَنُ: لأنها تُثَنَّى في الصلاة. شَهْرُ بن حوشب: لأن كثر كلماتها مثنى؛ أي: مردود بعضها على بعض في المعنى، وقيل غير هذا. قلت: وهذا أقربها؛ لأن المثاني صفة للسبع. * * * (2) سورة البقرة قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]. 1968 - عن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث الشفاعة: "فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك اللَّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مقامنا (¬2) هذا. . . " الحديثَ، وسيأتي بكماله. ¬
الغريب: "آدم": مشتق من الأرض؛ السُّدِّي، وقيل: من الأُدُم، وهو الجمع؛ لأنه خلق من جميع أجزاء الأرض والطبائع الأربع (¬1)، وقيل: هو عربي من الأدام، وهو التراب. و"الأسماء": جمع اسم، قال ابن عباس: أسماء ما قضى اللَّه خلقه، وقال الربيع: هي أسماء الملائكة، وقيل: أسماء ذريته، وقيل: أسماء اللَّه عزَّ وَجَلّ، والأقرب أنها أسماء الأشباح وكانت موجودة في تلك الحال؛ بدليل قوله: "هؤلاء"، وهو إشارة إلى جميع موجود، وبدليل قوله: "ثم عوضهم"، وهذا الضمير لمن يعقل، وهو راجع إلى المشار إليه، واللَّه أعلم. وقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] (¬2). 1969 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الذنب أعظم عند اللَّه؟ قال: "أن تجعل للَّه ندًّا وهو خلقك" قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أيّ؟ قال: "وأن تقتل ولدك؛ مخافة (¬3) أن يَطعم معك"، قلت: ¬
ثم أيّ؟ قال: "أن تُزَانِي حليلة جارك". الغريب: "النِّدّ" والنديد: المثل. و"الحليلة": الزوجة والسُّرّيَّةُ، وهي فعيلة بمعني مفعُولة. وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} الآية [البقرة: 58]. 1970 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قيل لبني إسرائيل {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}، فدخلوا يزحفون علي أَسْتَاههم، فبَدَّلوا وقالوا: حِطّة حَبَّة في شعرة". الغريب: "القرية": مجتمع الناس، والقرى والتَّقَرِّى الاجتماع، ابن عباس: هي أريحاء، وبها العمالقة، مجاهد: بيت المقدس، وقيل غير هذا. و"حِطَّة": اسم يحط عنا ذنوبنا، الحسن وابن جُبير: معناه الاستغفار، قيل غير هذا، ورفعه علي أنه خبر مبتدأ؛ أي: مسألتنا حطة، قاله الزجاج، ويجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف. و"الرِّجْز": العذاب. قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} الآية [البقرة: 97]. _______ 1970 - خ (3/ 191)، (65) كتاب التفسير، (5) باب: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}، من طريق ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به، رقم (4479).
قال عكرمة: جَبْر ومِيك وسَرَافٍ: عَبْدُ، إيل: اللَّه (¬1). 1971 - وعن أنس قال: سمع عبد اللَّه بن سلام بِمَقْدَم (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بأرض (¬3) يَخْتَرِف، فأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أوَّل أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: "أخبرني بهن جبريل آنفا"، قال: جبريل؟ قال: "نعم"، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت"، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنك رسول اللَّه، يا رسول اللَّه! إن اليهود قومٌ بُهْتٌ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬4): "أي رجل عبد اللَّه بن سلام (¬5) فيكم؟ " قالوا: خيرنا وابن خيرنا، أو سيدنا (¬6) وابن سيدنا، . . . ¬
قال: "أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه؟ (¬1) " قالوا (¬2): أعاذه اللَّه من ذلك، فخرج عبد اللَّه، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فقالوا: شرنا وابن شرنا، فانتقصوه (¬3)، قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول اللَّه. قوله تعالى: {نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106]. 1972 - عن ابن عباس قال: قال (¬4) عمر: أقرؤنا أُبَيُّ، وأقضانا عليُّ، وإنّا لندع من قول أُبَيّ؛ وذلك أن أُبيًّا يقول: لا أدع شيئًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال اللَّه عزَّ وجَل: {نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (¬5). الغريب: "النسخ" لغة: هو الرفع والإزالة، وفي العُرف: رفع حكم خطاب سابق بخطاب لاحق. و"نُنْسِهَا": بضم النون بغير همز، من النسيان؛ يعني -واللَّه أعلم-: أنه تعالى متى أنسى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- آية أو حكمها، وأقره على النسيان، ولم يذكره، كان ذلك نسخًا لِلْمَنْسِيّ، وأما من قرأها بالفتح والهمز، فذلك من النَّسَأ وهو ¬
التأخير؛ أي: نؤخر نسخها أو إنزالها. و"بخير"؛ أي: أكثر ثوابًا وأخف فعلًا. قوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة: 116]. 1973 - عن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال (¬1) اللَّه عَزَّ وَجَل (¬2): كَذَّبَنِي ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشَتَمَنِي ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شَتْمُه إياي، فقوله: لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا". قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. 1974 - عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث (¬3)، فقلت (¬4): يا رسول اللَّه! لو اتخذت مقام إبراهيم مُصَلَّي؟ وقلت: يا رسول اللَّه! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل اللَّه آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعض نسائه، فدخلتُ عليهن، فقلت: ¬
إِنِ انتهيتُنَّ أو ليبدِّلَنَّ اللَّه رسولَه خيرًا منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، فقالت (¬1): يا عمر! أما في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل اللَّه عزّ وجل {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} الآية [التحريم: 5]. قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ. . .} الآية [البقرة: 127] "القواعد": الأساس، واحدتها قاعدة، والقواعد من النساء: واحدتها قاعد. 1975 - عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألم ترى أن قومك حين (¬2) بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " فقلت: يا رسول اللَّه! ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حِدْثَانُ قومك بالكفر"، فقال عبد اللَّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أري رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر، إلا أنَّ البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]. 1976 - عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ¬
ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللَّه وما أنزل إلينا (¬1). . . " الآية. وقد تقدم في كتاب الصلاة ذكر أحاديث تحويل القِبْلَة. قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} الآية [البقرة: 143]. 1977 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُدْعَى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: منْ يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلَّغ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، فذلك قوله (¬2): {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬3). و"الوَسَط": العَدْل. قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. . .} الآية [البقرة: 158]. "الشعائر": العلامات، واحدها شعيرة. ¬
وقال ابن عباس: الصفوان: الحجارة، ويقال: الحجارة المُلْسُ التي لا تنبت شيئًا، الواحد صفوانة، والصفا للجمع. وقد تقدم في الحج ذكر أحاديث الصفا والمروة. وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية [البقرة: 178]. 1978 - عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كان (¬1) في بني إسرائيل القِصَاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال اللَّه عَزَّ وَجَل (¬2) لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، فالعفو: أن يقبل الدية في العمد {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: يتبع بالمعروف ويؤدى بإحسان (¬3). 1979 - وعن حُميد، عن أنس: أن الرُّبَيِّع عمته كَسَرت ثَنِيَّة جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأَرْشَ فأبوا، فأتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول اللَّه! ¬
أتكسر ثنية الرُّبَيِّع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسرُ ثنيَّتُهَا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أنس! كتاب اللَّه القصاصُ"، فرضي القوم فعفوا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبرَّه". قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} الآيات [البقرة: 183]. قد ذكرت أحاديث صوم عاشوراء في كتاب الصيام. قال عطاء (¬1): يُفْطَر من المرض كله، وقال الحسن وإبراهيم: والمرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما، تفطران ثم تقضيان، وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس بعدما كبر عامًا أو عامين، كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا وأفطر. قال البخاري: قراءة العامة: {يطيقونه}، وهو أكثر. 1980 - وعن ابن عباس: يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، ¬
لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان (¬1) مكان كل يوم مسكينًا. 1981 - وعن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. . . إلى قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. 1982 - عن البراء بن عازب قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَل (¬2): {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ. . .} الآية. 1983 - وعن الشعبي قال: . . . . ¬
باب
أخذ عَدِيُّ بن حاتم (¬1) عقالًا أبيض وعقالًا أسود، حتى كان بعض الليل نظر، فلم يستبن (¬2)، فلما أصبح، قال: يا رسول اللَّه! جعلت تحت وسادتي، قال: "إن وسادك إذن لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك" (¬3). وفي طريق أخري (¬4) عنه: قال: قلت: يا رسول اللَّه! وما الخيط (¬5) الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين"، ثم قال: "لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار". * * * باب 1984 - عن حذيفة: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] قال: نزلت في النفقة، والتهلكة والهلاك واحد. * * * ¬
باب
باب 1985 - عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يُسَمَّوْنَ الحُمْس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. * * * باب 1986 - عن ابن أبي مُلَيْكة قال: قال ابن عباس (¬1) {حَتَّي إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110]: خفيفة، قال: ذهب بها هنالك (¬2)، وتلا: {حَتَّي يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَي نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] ¬
باب
فلقيت عروة بن الزبير، فذكرت له ذلك، قالت عائشة (¬1): مَعَاذَ اللَّه! واللَّه ما وعد اللَّه رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل، حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم، فكانت تقرؤها: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} مُثَقَّلة. * * * باب 1987 - عن نافع، عن ابن عمر: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قال: يأتيها في (¬2). 1988 - عن ابن المنكدر، عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا ¬
باب
جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. * * * باب 1989 - عن الحسن: أن أخت مَعْقِل بن يسار طلقها زوجها، فتركها حتى انقضت عدتها، فخطبها فأبى معقل، فنزلت: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]. * * * باب 1990 - عن ابن أبي مُليكة: قال ابن الزبير: قلت لعثمان بن عفَّان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 240] قال (¬1): قد نسختها الآية ¬
الأخري، فلم تكتبها أو تدعها، قال: ابن أخي (¬1)! لا أغيِّر شيئًا من مكانه. 1991 - وعن مجاهد: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] قال: كان هذه العِدَّة تعتدُّ عند أهل زوجها واجب، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَل (¬2): {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240]، جعل (¬3) اللَّه لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول اللَّه عَزَّ وَجَل (¬4): {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فالعدة كما (¬5) هي واجبة عليها (¬6). وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت، وقال عطاء: إن شاءت (¬7) اعتدت عند أهلها (¬8)، وسكنت في ¬
باب
وصيتها، وإن فحاءت خرجت؛ لقول اللَّه عَزَّ وَجَل (¬1): {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ}. قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السكني، فتعتد حيث شاءت، ولا سُكني لها. * * * باب 1992 - عن عَبِيدَة، عن عليّ -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم الخندق: "حبسونا عن الصلاة الوسطى (¬3)، حتى غابت الشمس، ملأ اللَّه قبورهم وبيوتهم -أو أجوافهم، شك يحيى (¬4) بن سعيد- نارًا". وقد تقدم حديث زيد بن أرقم في كتاب الصلاة، وحديث ابن عمر في صلاة الخوف. * * * ¬
باب
باب 1993 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نحن أحق بالشك من إبراهيم؛ إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. قلت: وهذا من نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- نفي للشك عن إبراهيم؛ لأنه لما أطلق أنه أحق بالشك منه، ولم يشك نبينا، وإبراهيم لم يشك، وإنما سأل مشاهدة كيفية الإحياء، فأجيب لذلك فأُرِيَهَا، هذا أَوْلَى ما قيل فيها، واللَّه أعلم. * * * باب 1994 - عن عُبيد بن عُمير قال: قال (¬1) عمر يومًا (¬2) لأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فيم ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ¬
باب
[البقرة: 266]؟ قالوا: اللَّه ورسوله (¬1) أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء (¬2). قال عمر: يا ابن أخي! قل ولا تَحْقِر نفسك، قال ابن عباس: ضُربت مثلًا لعمل. قال عمر: أيُّما (¬3) عمل؟ قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرَجُلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللَّه (¬4)، ثم بعث اللَّه له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. * * * باب 1995 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه (¬5) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، وإنما (¬6) المسكين الذي ¬
باب
يتعفف، اقرؤا إن شئتم (¬1): {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ". "الإلْحَاف": الإلحاح في السؤال الذي يشمل وجوه الطلب، مأخوذ من اللحاف، ويحتمل أن يكون مقدَّرًا في موضع الحال؛ أي: يسألون عند الحاجة غير مُلحِّين. واللَّه أعلم. * * * باب 1996 - عن عائشة قالت: لما نزلت (¬2) الآيات من آخر سورة البقرة في الربا (¬3)، فقرأها (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس (¬5) في المسجد، ثم حرَّم (¬6) التجارة في الخمر. * * * ¬
باب
باب 1997 - عن ابن عمر: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284]، نسختها الآية التي بعدها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285]. قال ابن عباس (¬1): "إصْرًا": عهدًا. ويقال: "غفرانك": مغفرتك. * * * (3) سورة آل عمران {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قال مجاهد: الحلال والحرام. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يصدِّق بعضه بعضها؛ كقوله (¬2): {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]، وكقوله (¬3): {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، وكقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]. 1998 - وعن عائشة قالت: تلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه الآية {هُوَ الَّذِي ¬
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ (¬1) -إلى- الْأَلْبَابِ} قالت: قال رسول اللَّه: "إذا (¬2) رأيت الذين يتَّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى اللَّه، فاحذروهم". الغريب: أشبه ما قيل في المحكمات، قولُ جعفر بن محمد: هي التي لا تحتمل إلا وجهًا، والمتشابهات عكسه. وعلى هذا فلا يكون المحكم إلا نَصًّا، وأسلم من هذا وأعمُّ أن يقال: ما وضح معناه، فيدخل فيه النص والظاهر، و"المتشابه": ما ترددت فيه الاحتمالات فيرد إلى أمه -أي: أصله- وهو المحكم. و"الزيغ": الميل عن الحق. و"ابتغاء": طلب. و"الفتنة": الضلال. و"التأويل": ما يؤول إليه معنى المتشابه، واللَّه هو الذي يعلمه قطعًا. و"الراسخ في العلم": هو الثابت فيه. والأولى في "الراسخون" أن يرتفع بالابتداء، و"يقولون" خبره؛ لاستحالة مساواة علمهم بالمتشابه بعلم اللَّه تعالى، فإنه يعلمه من كل وجه، ولأن جميع الراسخين يقولون: آمنا به، والعالم بالمتشابهات بعضهم، فكان الأَوْلَى. واللَّه أعلم. و"الألباب": العقول. * * * ¬
باب
باب 1999 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسُّه حين يولد، ويستهلُّ (¬1) صارخًا من مسِّ الشيطان إياه، إلا مريم وابنها". ثم يقول أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]. * * * باب 2000 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف على (¬2) يمين صَبْرٍ ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللَّه وهو عليه غضبان"، فأنزل اللَّه تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ ¬
لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث ابن قيس وقال: ما يقول (¬1) لكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: كذا وكذا. قال: فيَّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي. قال لي (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيِّنتك أو يمينه" قلت: إذن (¬3) يحلف يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فيها فاجر، لقي اللَّه وهو عليه غضبان" (فأنزل اللَّه تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية) (¬4). 2001 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفي: أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف (¬5) لقد أُعْطِيَ فيها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية. 2002 - وعن ابن أبي مُلَيْكة: أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت في (¬6) ¬
باب
حجرة، فخرجت إحداهما وقد أُنْفِذَ بِإشْفَي (¬1) في كفها، فادَّعَتْ على الأخرى، فرفع إلى ابن عباس فقال (¬2): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يعطى الناس بدعواهم لذهبت دماء قوم وأموالهم"، ذكروها باللَّه تعالى، واقرؤوا عليها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْا}، فذكَّروها فاعترفت. فقال ابن عباس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اليمين على المُدَّعَى عليه". الغريب: (عهد اللَّه وميثاقه): الذي أخذه على المكلفين بالقيام بالحق والعدل. و {يَشْتَرُونَ}: يبيعون، وهو من الأضداد. و (الخَلَاق): الحظ والنصيب. و (الصَّبْر): الحبس، ووصف اليمينَ بالصبر؛ لأنها يُصْبَر عليها، أي يحبس. و (الفاجر): الكاذب. * * * باب 2003 - عن ابن عمر: أن اليهود جاؤوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل وامرأة قد زنيا، فقال لهم: "كيف تفعلون فيمن (¬3) زنا منكم؟ ! قالوا: نُحَمِّمُهُمَا ¬
باب
ونضربهما، فقال: "لا تجدون في التوراة الرجم؟ " فقالوا: لا نجد فيها شيئًا. فقال لهم عبد اللَّه بن سلام: كذبتم ائتوا (¬1) بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فَوَضَعَ مِدْرَاسُها الذي يُدَرِّسُهَا منهم كفَّه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده، ولا (¬2) وراءها، ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم. فأمر بهما فَرُجما قريبًا من حيث توضع (¬3) الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يحني عليها يقيها الحجارة. قلت: صوابه: يَجْنَأُ (¬4) -بالجيم والهمزة- وهو الانحناء بالصدر. * * * باب 2004 - وعن أبي هريرة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قال: خير الناس للناس، يأتون (¬5) بهم (¬6) والسلاسل في أعناقهم حتى يدخلون (¬7) في الإسلام. ¬
باب
قلت: فيكون "كنتم" بمعني أنتم، مخاطبة للصحابة، وهو محكيٌّ عن مالك وغيره. وقيل: جمع أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، "وكنتم" في علم اللَّه، أو في اللوح المحفوظ. واللَّه أعلم. * * * باب 2005 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: فينا نزلت: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سَلِمَة، وما نحب -وقال سفيان مرة: وما يسرني- أنها لم تنزل؛ لقول اللَّه عز وجل (¬1) {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. * * * باب 2006 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد أن يدعو على ¬
باب
أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال: إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة ابن هشام، وعَيَّاش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مُضَر، واجعلها سنين كسِنِي يوسف" يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته، في صلاة الفجر: "اللهم العن فلانًا وفلانًا" لأحياء من العرب، حتى أنزل اللَّه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]. قلت: هؤلاء المدعو لهم كانوا أسلموا، فحبسهم أهل مكة عن الهجرة وعذبوهم، فدعا لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تخلصوا منهم، وتمت لهم الهجرة، والذين دعا عليهم هم رِعْل وذَكْوَان وعُصَيَّه الذين قتلوا أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببئر معونة، والسُّنُون أعوام الجدب، فأجيب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك، فقُحِطت قريش، وهي مضر، سبع سنين حتى أكلوا الجلود والعظام، حتى جاءوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستعطفوه، فدعا لهم فَسُقُوا. * * * باب 2007 - عن البراء بن عازب قال: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرَّجَّالة يوم _______ = -من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به- رقم (4560). 2007 - خ (3/ 211)، (65) كتاب التفسير، (10) باب: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}، من طريق زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب به، رقم (4561).
باب
أُحُد عبد اللَّه بن جُبَيْر وأقبلوا منهرين، فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، ولم يبق مع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا (¬1) اثني عشر رجلًا. 2008 - وعن أنس: أن أبا طلحة قال: غَشِيَنَا النعاس ونحن في مصافِّنا يوم أُحُد. قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. 2009 - وعن ابن عباس: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: 173]. * * * باب 2010 - عن عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
ركب على حمار عليه (¬1) قطيفة فَدَكِيَّة، وأردف أسامة. بن زيد وراءه يعود سعد ابن عُبَادَة في بني الحارث بن الخزرج، قبل وقعة بدر، حتى (¬2) من بمجلس فيه عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابنُ سَلُول -وذلك قبل أن يُسْلم عبد اللَّه بن أُبيٍّ- فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود (¬3)، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة، فلما غَشِيَتِ المجلسَ عَجَاجَة الدابة، خَمَّر عبد اللَّه ابن أُبيٍّ أنفه بردائه ثم قال: لا تغبِّروا علينا، فسلَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعاهم إلى الإسلام (¬4)، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللَّه بن أُبي (¬5): أيها المرء! لا (¬6) أحسن مما تقول، إن كان حقًّا، فلا تؤذنا به في مجلسنا، ارجع إلى رَحْلِكَ فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد اللَّه بن رواحة: بلى يا رسول اللَّه، فَاغْشَنَا به في مجالسنا، فإنَّا نحب ذلك، واستب (¬7) المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخفِّضهم حتى سكنوا، ثم ركب رسول (¬8) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دابته (¬9) حتى دخل على سعد بن عُبَادة، ¬
فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيا (¬1) سعد! ألم تسمع ما قال أبو حُباب؟ -يريد عبد اللَّه بن أُبَيٍّ- قال كذا وكذا" قال سعد بن عبادة: يا رسول اللَّه! اعفُ عنه واصفح، فوالذي أَنْزل عليك الكتاب، لقد جاء اللَّه بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرة على أن يتوِّجوه، ويعصِّبوه بالعصابة، فلما أتي (¬2) اللَّه بالحق الذي أعطاك شَرِق، فذلك (¬3) الذي فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الخلاف (¬4) كما أمرهم اللَّه، ويصبرون (¬5) على الأذى. قال اللَّه عَزَّ وَجَل: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا. . .} [آل عمران: 186] الآية. وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109] إلى آخر الآية. وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتأول في العفو ما أمره اللَّه به، حتى أَذِنَ اللَّه فيهم، فلما غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدرًا، فقتل اللَّه به صناديد (¬6) قريش، قال ابن أُبَيٍّ ابن سَلُول ومن معه من المشركين وعَبَدة الأوثان: هذا أمر قد توجه، فبايعوا الرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الإسلام، فأسلموا. ¬
الغريب: "فَدَكِيَّة": عمل فدك، وهي خشنة لها خَمَل؛ أي: زبيرة. و"عَجَاجَة الدابة": غبارها الكثيف. و"البُحيرة": هنا البلدة، وتجمع على بحائر. سميت بذلك لسعتها. و"العصابة": يعني عمامة المُلْك التي كانوا يعصبون بها ملوكهم. و"شَرِق": اغتص، وأصله الاختناق بالماء. 2011 - عن أبي سعيد الخدري: أن رجالًا من المنافقين على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان إذا خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الغزو، تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتذروا (¬1) وحلفوا، وأحبوا أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا. . .} [آل عمران: 188] الآية. 2012 - وعن علقمة بن وقاص قال: إن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امريء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل مُعَذَّبًا، ليعذبون (¬2) أجمعون. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ (¬3) ¬
باب
إنما دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فَأَرَوْه أن قد اسْتَحْمَدُوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا (¬1) من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كذلك حتى قوله {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}. * تنبيه: القراءة المشهورة: "أتَوْا" -من الإتيان، وهو المجيء، وهو مناسب لتفسير أبي سعيد وابن عباس، وقد وقع هنا في الأصل من كلام مروان: "أوتوا، -من الإيتاء-، وهو الإعطاء، وقد رويت قراءة عن سعيد بن جُبَير، وأبي عبد الرحمن السُّلَمِي، وفيها بُعْدٌ، والأُولى أَوْلَى. واللَّه أعلم. * * * باب 2013 - عن كُريب، عن ابن عباس قال: بتُّ في بيت (¬2) ميمونة، فتحدث النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أهله ساعة، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَأَيَاتٍ ¬
4 - سورة النساء
لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، ثم قام فتوضأ واستنَّص، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذَّن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج، فصلى (¬1). وقد تقدم حديث ابن عباس على هذا بمَسَاقٍ آخر. * * * (4) سورة النساء 2014 - عن عروة، عن عائشة: أن رجلًا كانت له يتيمة، فنكحها، وكان لها عَذْق، وكان يمسكها ولم يكن لها من نفسها شيء، فنزلت فيه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العَذْق وفي ماله. 2015 - وعن عروة أيضًا: أنه سأل عائشة عن قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (¬2): {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} فقالت: يا ابن أختي! هذه اليتيمة في حِجْر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه جمالها (¬3) ومالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن ¬
باب
يُقْسِط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا عن ذلك (¬1) أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سُنَّتِهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: فإن (¬2) الناس استفتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد هذه الآية، فأنزل اللَّه {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 127] قالت عائشة: وقول اللَّه (¬3) في آية أخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال (¬4)، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن إذا كُنَّ قليلات المال والجمال. قال البخاري: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}؛ يعني: اثنتين وثلاثًا وأربعًا، ولا تجاوز العرب رُبَاع. * * * باب 2016 - عن عائشة في قوله: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا ¬
باب
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] أنها نزلت في والي (¬1) اليتيم، إذا كان فقيرًا أنه يأكل منه وكان قيامه عليه بمعروف. 2017 - وعن ابن عباس: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} [النساء: 8] قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. * * * باب 2018 - عن جابر قال: عادني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر في بني سَلِمَةَ مَاشِيَيْن، فوجدني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا أعقل شيئًا (¬2)، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم رشَّ عليَّ فأَفَقْتُ فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللَّه؟ فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]. 2019 - وعن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، ¬
باب
فنسخ اللَّه من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، والثلث، وجعل للمرأة الثُّمُن والرُّبُع، وللزوج الشَّطْر والرُّبُع. * * * باب 2020 - عن عكرمة، عن ابن عباس: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19]، قال: كانوا إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بزوجته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يزوّجوها وهم أحق بها من أهلها، فأنزلت هذه الآية في ذلك. * * * باب 2021 - عن ابن عباس: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33] قال: _______ 2020 - خ (3/ 216)، (65) كتاب التفسير، (6) باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}، من طريق أسباط بن محمد، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس به، رقم (4579)، طرفه (6948). 2021 - خ (3/ 216)، (65) كتاب التفسير، (7) باب: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}، من طريق طلحة بن مصرِّف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، رقم (4580).
باب
ورثة, {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجريُّ (¬1) الأنصاريَّ دون ذوي رحمه، للأخوَّة التي آخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت, ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} من النُّصْرَةِ (¬2) والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له. قلت: المولى اسم مُشْتَركٌ يقال على الوارث والناصر والمُعْتَقِ والمُعْتِق، وعلى المالك، وعلى الولي في الدِّين، وعلى الحليف، وهو في الآية للوارث. * * * باب 2022 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: قال (¬3) لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقرأ عليَّ"، قلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: "إني (¬4) أحب أن أسمعه من غيري"، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ ¬
باب
أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال: "أَمْسِك" فإذا عيناه تَذْرِفَان. * * * باب 2023 - عن ابن عباس {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قال: نزلت في عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عَدِيٍّ؛ إذ بعثه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَرِيَّة. * * * باب 2024 - عن عروة قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شَرِيجٍ من الحَرَّةِ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسق يا زبير، ثم أرسل (¬1) إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه وأن (¬2) كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
باب
ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك"، واسْتَوْعَى (¬1) للزبير حقه في صريح الحكم حين أَحْفَظَه الأنصاري، كان (¬2) أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. الغريب: "الشَّرِيج" و"الشَّراج": مسيل ماء السماء. و"الجَدْر": الأصل، وهو بفتح الجيم، وقد تكسر. و"اسْتَوْعَى": استوفى. و"أَحْفَظَهُ": أغضبه. و"شجر بينهم": اختلفوا فيه. * * * باب 2025 - عن عائشة قالت: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما من نبيٍّ يمرض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه، أخذته بُحَّةٌ شديدة، فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} فعلمت أنه خُيِّر. * * * ¬
باب
باب 2026 - عن ابن عباس: وتلا: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] قال: كنت أنا وأمي ممن عذر اللَّه. 2027 - وعن زيد بن ثابت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] رجع ناسٌ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أُحُدٍ، وكان الناس فيهم فرقتين، فرقة تقول (¬1): اقتلهم، وفرقة (¬2) تقول: لا، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}. قال (¬3): "إنها طَيْبة، تنفي الخَبَثَ كما تنفي النارُ خَبَثَ الفضة". * * * باب 2028 - عن سعيد بن جبير قال: . . . . ¬
آية (¬1) اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء. وفي رواية (¬2): قال: هذه آية (¬3) مكية نسختها آية مدنية، التي في (سورة النساء). 2029 - وعنه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] قال ابن عباس: كان رجل في غُنيمَةٍ له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه فأخذوا غُنَيْمته، فأنزل اللَّه في ذلك إلى قوله: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تلك الغنيمة، قال: قرأ ابن عباس {السَّلَامَ}. * * * ¬
باب
باب 2030 - عن زيد بن ثابت: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]، فجاءه ابن أم مكتوم، وهو يُمِلُّها عليَّ، فقال (¬1): يا رسول اللَّه، واللَّه لو أستطيع الجهاد، لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل اللَّه على رسوله (¬2)، وفخذه على فخذي، فثَقُلت عليَّ حتى خِفْت أن تُرضَّ فخذي، ثم سُرِّيَ عنه، فأنزل اللَّه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. 2031 - وعن البراء قال: لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادعوا فُلانًا"، فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، الحَقَّ فقال: "اكتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) وخَلْفَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن أم مكتوم فقال: يا رسول اللَّه، أنا ضرير، فنزلت مكانها {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ". ¬
باب
2032 - وعن ابن عباس: أنه قال: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عن بدر، والخارجون إلى بدر. * * * باب 2033 - عن ابن عباس: أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين، يُكَثِّرُون سواد المشركين على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأتي السهم يُرْمَي به، فيصيب أحدهم فيقتله أو يُضْرَب فيقتل، فأنزل اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الآية. 2034 - وعنه: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 102] قال عبد الرحمن بن عوف: وكان جريحًا. * * * _______ 2032 - خ (3/ 220)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن جريج، عن عبد الكريم، عن مِقْسَم مولى عبد اللَّه بن الحارث، عن ابن عباس به، رقم (4595). 2033 - خ (3/ 220)، (65) كتاب التفسير، (19) باب: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآية، من طريق محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس به، رقم (4596)، طرفه في (7085). 2034 - خ (3/ 221)، (65) كتاب التفسير، (22) باب: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}، من طريق ابن جريج، عن يعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، رقم (4599).
باب
باب 2035 - عن عائشة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] قالت: الرجلُ تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حِلٍّ، فنزلت هذه الآية في ذلك. الغريب: "النشوز": البُغْض. و"البَعْل": الزوج. و"أُحْضِرَت": ألزمت وطُوِّقَت. و"الشُّحّ": الامتناع من بذل ما يغلبه منها وتكلفه. * * * باب 2036 - عن إبراهيم، عن الأسود قال: كنا في حلقة عبد اللَّه، فجاءه حذيفة حتى قام علينا، فسلَّم ثم قال: لقد أُنزل النفاق على قوم خير منكم. قال الأسود: سبحان اللَّه! إن اللَّه يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فتبسم عبد اللَّه، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد اللَّه، فتفرَّق أصحابه، فرماني بالحصا فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من _______ 2035 - خ (3/ 221)، (65) كتاب التفسير، (24) باب: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}، من طريق عبد اللَّه -هو ابن المبارك-، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (4601). 2036 - خ (3/ 221)، (65) كتاب التفسير، (25) باب: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ}، من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد اللَّه به، رقم (4602).
5 - سورة المائدة
ضحكه وقد عرف ما قلتُ، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرًا منكم، ثم تابوا فتاب اللَّه عليهم. 2037 - وعن البراء: آخر سورة نزلت (براءة)، وآخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]. * * * (5) سورة المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة]. ابن عباس: العهود: ما أحلَّ وحرَّم. {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1]: الخنزير. {يَجْرِمَنَّكُمْ} [المائدة: 2]: يحملنكم. {شَنَآنُ} [المائدة: 2]: عداوة. {وَالْمُنْخَنِقَةُ}: تخنق فتموت. {وَالْمَوْقُوذَةُ}: تضرب بالخشب فتموت. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ}: تتردى من الجبل. {وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة: 3]: الشاة تُنْطَح، فما أدركتَ تتحركُ بذنبه أو بعينه فاذبح، وكُلْ. 2038 - وعن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون، _______ 2037 - خ (3/ 222)، (65) كتاب التفسير، (27) باب: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء به، رقم (4605). وفيه: ويستفتونك، ولم يذكر بقية الآية. 2038 - خ (3/ 222)، (65) كتاب التفسير، (2) سورة المائدة، باب: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ =
باب
لو نزلت فينا لاتخذناها عيدًا. فقال عمر: إني لأعلم حيث أُنزلت، وأين أُنزلت، وأين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث (¬1) أنزلت، يوم عرفة، وأنا واللَّه بعرفة. قال سفيان: وأشك كان يوم جمعة، أم لا. {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. * * * باب 2039 - عن القاسم بن محمد، عن عائشة: سقطت قلادة لي بالبيداء، ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونزل، فثنى رأسه في حِجْري راقدًا، أقبل أبو بكر فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شديدة بيده، قال (¬2): حبست الناس في قلادة؟ فبي الموت لمكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أوجعني، ثم إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استيقظ، وحضرت الصلاة (¬3) فالتُمِس الماء فلم يوجد، فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الآية فقال أُسَيْدُ بن حُضَيْر: لقد بارك اللَّه للناس فيكم، يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة لهم. * * * ¬
باب
باب 2040 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال المقداد يوم بدر: يا رسول اللَّه! لا نقول كما قال (¬1) بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، ولكن امضِ ونحن معك، وكأنه (¬2) سُرِّيَ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * باب {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الآية. 2041 - وعن أبي قِلَابة عبد اللَّه بن زيد، عن أنس قال: قدم قوم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلموه فقالوا: قد استَوْخَمْنَا هذه الأرض. فقال: "هذه نعَمٌ لنا ¬
باب
تخرج (¬1)، فاخرجوا فيها واشربوا (¬2) من أبوالها وألبانها" فخرجوا فيها، وشربوا (¬3) من ألبانها وأبوالها، واسْتَصَحُّوا ومالوا على الراعي فقتلوه، واطَّردوا النَّعَم، فما يُسْتَبْطأ من هؤلاء؟ قتلوا النفس، وحاربوا اللَّه ورسوله، وخوَّفوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * باب 2042 - عن أنس بن مالك قال: كَسَرَتِ الرُّبَيِّع -وهي عمة أنس بن مالك- ثَنِيَّةً لجارية (¬4) من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقصاص، فقال أنس بن النضر -عم أنس بن مالك-: لا واللَّه، لا تُكسَرُ ثنيَّتُها يا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أنس، كتابُ اللَّه القصاص"، فرضي القوم وقبلوا الأرش، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من عباد اللَّه مَنْ لو أقسم على اللَّه لأبرَّهُ ". 2043 - وعن عائشة أنها قالت: من حدثك أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- كتم شيئًا ¬
باب
مما أُنزل عليه فقد كذب، واللَّه (¬1) يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآية. * * * باب 2044 - عن عائشة: أُنزلت هذه الآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] في قول الرجل: لا واللَّه، وبلى واللَّه. 2045 - وعنها: أن أباها كان لا يَحْنَثُ في يمين حتى أنزل اللَّه كفارة اليمين. قال أبو بكر: لا أَرى يمينًا، أُرى غيرها خيرًا منها إلا قبلت رخصة اللَّه، وفعلت الذي هو خير. * * * باب 2046 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود-. . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الذي تسمونه الفَضِيخ، فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانًا وفلانًا؛ إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حُرِّمت الخمر. قالوا: أهرق هذه القلالَ يا أنس، قالوا: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. 2049 - وعن جابر قال: صَبَّحَ أناس غداة أُحُد الخمر، فَقُتِلوا من يومهم جميعًا شهداء، وذلك قبل تحريمها. 2050 - وعن ابن عمر قال: سمعت عمر على منبر رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: أما بعد، أيها الناس! إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. 2051 - وعن أنس: إن الخمر التي هُرِيقَتْ الفَضِيخ، وقال (¬2): كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، ونزل (¬3) تحريم الخمر، فأمر مناديًا فنادى. ¬
باب
فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت. قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حُرِّمت. فقال لي: اذهب فأرقها (¬1). قال: فهرقتها، فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خَمْرُهم يومئذ الفَضِيخ، وقال (¬2) بعض القوم: قتل قومٌ وهي في بطونهم، فأنزل اللَّه تعالى (¬3): {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. * * * باب 2052 - عن أنس قال: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبة ما سمعت مثلها قط فقال (¬4): "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا". قال: فغطى أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجوههم لهم حنين (¬5). فقال رجل: من ¬
باب
بي؟ فنزلت (¬1) هذه الآية: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. 2053 - وعن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استهزاءً، فيقول الرجل: مَنْ أبي؟ (¬2) (قال: "أبوك فلان") (¬3) ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} حتى فرغ من الآية كلها. * * * باب 2054 - عن سعيد بن المسيب قال: البَحِيرَة: التي يمنع دَرُّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها (¬4). قال: وقال أبو هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي ¬
يجُرُّ (¬1) قُصْبَه في النار، كان أول من سيَّب السوائب". وقد رواه من حديث عائشة نحوه (¬2). والوَصِيلة: الناقة البكر تُبَكِّر في أول نتاج الإبل بأنثى (¬3)، ثم تُثَنِّي بعدُ بأُنْثَى. وكانوا يسيبونها (¬4) لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى، ليس بينهما ذكر. والحامي (¬5): فحْل الإبل يضرب للضِرَاب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء، وسموه الحامي. وفي رواية: أن سعيدًا رواه عن أبي هريرة، سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه (¬6). وفي رواية: يخبره بهذا (¬7). قلت: "القُصْب" و"الأقتاب": الأمعاء. * * * ¬
باب
باب 2055 - عن ابن عباس: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس، إنكم تحشرون (¬1) حُفاة عُراة غُرْلًا"، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] (¬2) الآية، ألا (¬3) وإن أول الخلائق يُكْسَى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فيقول (¬4): يا رب أصيحابي أصيحابي (¬5). فَيُقَال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] فَيُقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". وفي رواية: قرأ إلى قوله {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] (¬6). * * * ¬
6 - سورة الأنعام
(6) سورة الأنعام بسم اللَّه الرحمن الرحيم. 2056 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قال (¬1): "أعوذ بوجهك" (¬2)، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: "أعوذ بوجهك"، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا أهون". الغريب: {يَلْبِسَكُمْ}: يخلط بعضكم ببعض. و"الشِّيعَ": الفرق المختلفة. * * * باب 2057 - عن مجاهد: أنه سأل ابن عباس: أفي {ص} سجدة؟ قال (¬3): ¬
باب
نعم، ثم تلا: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ -إلى قوله- فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90] ثم قال: هو منهم. وفي رواية (¬1): قال ابن عباس: نبيكم (¬2) ممن أُمِر أن يقتدي بهم. 2058 - وعن جابر بن عبد اللَّه: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬3): "قاتل اللَّه اليهود، لما حَرَّم عليهم شحومها، جَمَلوها، ثم باعوها فأكلوها". * * * باب 2059 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود-، ورفعه -قال-: "لا أحدَ أَغْيَرُ من اللَّه، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيءَ أحبُّ إليه المدحُ من اللَّه، ولذلك مدح نفسه". * * * ¬
باب
باب 2060 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن مَنْ (¬1) عليها، فذلك (¬2) حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} ثم قرأ الآية. * * * (7) سورة الأعراف 2061 - عن ابن عباس قال: لما قدم عُيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحُرِّ بن قيس وكان من النفر الذين يُدْنِيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس (¬3) عمر ومشاورته، كُهُولًا كانوا أو شُبَّانًا. فقال عيينة بن حصن (¬4) لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. ¬
قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن الحُرُّ لعُيينة، فأذن له عمر، فلما دخل (¬1) قال: هِي يا ابن الخطاب، فواللَّه ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم فينا (¬2) بالعدل، فغضب عمر وهَمَّ (¬3) أن يوقع به، فقال له الحُرُّ بنُ قيس (¬4): يا أمير المؤمنين، إن اللَّه (¬5) قال لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] الآية (¬6)، وإن هذا من الجاهلين. واللَّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب اللَّه. 2062 - وعن عبد اللَّه بن الزبير: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قال: ما أنزل اللَّه إلا في أخلاق الناس. وَمَن وفي رواية عنه (¬7) قال: أمر اللَّه نبيه (¬8) أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، أو كما قال. * * * ¬
8 - سورة الأنفال
(8) سورة الأنفال قال ابن عباس: الأنفال: المغانم. نافلة: عطية. 2063 - وعن سعيد بن جُبير قال: قلت لابن عباس (¬1): سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. 2064 - وعنه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] قال: هم نفر من بني عبد الدار. * * * باب 2065 - عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ ¬
باب
أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . .} [الأنفال: 33 - 34] الآية. * * * باب 2066 - عن ابن عمر: أن رجلًا جاءه فقال: يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمع ما ذكر اللَّه في كتابه {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية، فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر اللَّه في كتابه؟ فقال: يا بن أخي! أُعيَّرُ بهذه الآية ولا أقاتل أحبُّ إليَّ من أن أعيَّر بالآية (¬1) التي يقول اللَّه (¬2): {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إلى آخرها. قال: فإن اللَّه يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ كان الإسلام قليلًا، وكان (¬3) الرجل يُفْتَن في دينه، إما يقتلوه (¬4) وإما يوثقوه حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في عليٍّ وعثمان؟ ¬
باب
أما عثمان: فكان قد عفا (¬1) اللَّه عنه، فكرهتم أن يعفو عنه، وأما عليٌّ: فابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخَتَنُه -وأشار بيده- وهذه ابنته، أو بيته (¬2) حيث ترون. وفي رواية (¬3): قال رجل لابن عمر: كيف ترى في قتال الفتنة؟ قال (¬4): وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على المُلْك. * * * باب 2067 - عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ¬
9 - سورة براءة
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفرَّ واحد من عشرة، فجاء التخفيف (¬1) {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]، فلما (¬2) خفف اللَّه عنهم العدد (¬3) نقص من الصبر بقدر ما خَفَّف عنهم. قال ابن شُبْرُمَة (¬4): وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا (¬5). * * * (9) سورة بَرَاءة 2068 - عن حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال: بعثني أبو ¬
باب
بكر (¬1) في تلك الحجة في مؤذنين (¬2) بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان فكان حميد (¬3) يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر، من أجل حديث أبي هريرة. * * * باب 2069 - عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] (¬4) إلا ثلاثة، ¬
باب
ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد تخبرونا (¬1) بما لا ندري، ما بال (¬2) هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أَغْلَاقنا؟ (¬3) قال: أولئك الفُسَّاق. أجل. لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ لو شرب الماء البارد، لما وجد بَرْدَةُ (¬4). * * * باب {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] الآية. 2070 - عن أنس قال: حدثني أبو بكر قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ¬
باب
الغار، فرأيت آثار المشركين. قلت: يا رسول اللَّه! لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال: "ما ظنك باثنين اللَّهُ ثالثهما؟ ". * * * باب 2071 - عن محمد بن أبي بَكْرة، عن أبيه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن (¬1) الزمان قد استدار كهيئته (¬2) يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات -ذو القَعْدَة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جُمَادى وشعبان- أيُّ شهر هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس ذا (¬3) الحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "أيُّ (¬4) بلد هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس البلدة؟ " قلنا: بلى. قال: "فأيُّ يوم هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. ¬
قال (¬1): "أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى. قال: "فإن دماءكم وأموالكم -قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في (¬2) بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم (¬3) عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلَّالًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهدُ الغائب، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض مَنْ سمعه"، ثم قال: "ألا هل بلَّغْتُ، ألا (¬4) هل بلغت". قوله: "إن الزمان استدار" يعني به -واللَّه أعلم- زمان الحج الذي هو ذو الحجة، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- وافق حجه فيه، وهو الزمان الذي شرع اللَّه فيه عمل الحج على إبراهيم عليه السلام، ولم يزل الناس يحجون فيه، إلى أن غيَّرت قريش زمانه بالنسيء الذي كانوا قد ابتدعوه، فإنهم يُديرُونَ الحج في كل سنة شهر، ليحجُّوا، فإذا حجوا في هذه السنة في ذي الحجة، حجوا في السنة الآتية في المحرم، وهكذا حتى ينتهي الدور إلى ذي الحجة، وكانت تلك السنة هي التي يقتضيها دَوْرُهم، فهدى اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الأصل الذي شرعه، وحماه من شرع الجاهلية وتحكماته، كما قد فعل معه هذا في جميع أحواله -صلى اللَّه عليه وسلم-. هذا أولى ما قيل فيه. * * * ¬
خدمة السنة النبوية سلسلة مؤلفات الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب (1) اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ - رحمه الله تعالى - تحقيق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب [المجلد الرابع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة سلسلة مؤلفات الْأُسْتَاذ الدكتور رفعت فوزي عبد الْمطلب (1) اخْتِصَار صَحِيح البُخَارِيّ وَبَيَان غَرِيبه [4]
دار النوادر المؤسس والمالك نور الدين طالب مؤسسة ثقافية علمية تُعنى بالتراث العربي والإسلامي والدارسات الأكاديمية والجامعية المتخصصة بالعلوم الشرعية واللغوية والإنسانية تأسست في دمشق سنة 1422 هـ - 2002 م، وأشهرت سنة 1426 هـ - 2006 م. سوريا - دمشق - الحلبوني ص. ب: 34306 الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م E-mail: [email protected] Website: www.daralnawader.com
باب
تابع (39) كتاب تفسير القرآن الكريم باب 2072 - عن أبي سعيد قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء يقسمه (¬1) بين أربعة، وقال: "أتألّفهم"، فقال رجل: ما عدلتَ، فقال: "يخرج من ضِئْضِئ هذا قوم يمرقون من الدين". 2073 - وعن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: لما أُمرنا بالصدقة كنا نحامل، فجاء أبو عَقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن اللَّه لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخرُ إلا رياءً (¬2)، فنزلت: {الَّذِينَ ¬
باب
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79] الآية. 2074 - وعن أبي مسعود أيضًا قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا (¬1) بالصدقة، فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمُدِّ، وإن لأحدهم اليوم مئة ألف، كأنه يُعرِّض بنفسه. الغريب: "الضِّئْضئ": الأصل، وكذلك السِّنْخُ والجِرْم، فيحتمل أن يريد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ينتمي إلى ذلك الرجل نسبًا ومذهبًا. و"نُحَامِل": نحمل على ظهورنا، يعني الحطب والإذخر ونحوه. و"يَلْمِزُون": يعيبون. * * * باب 2075 - عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللَّه بن أُبَيّ جاء ابنه عبد اللَّه ابن عبد اللَّه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال (¬1): يا رسول اللَّه! أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما خيَّرني اللَّه" فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ (¬2) اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] وسأزيد على السبعين"، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فأنزل اللَّه عز وجل (¬3): {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. قلت: وهذه آكد، وآية فيها وَهْمٌ (¬4)، وهو أن عمر قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ ثم أخبر بعد انفصال القضية بقوله: فأنزل اللَّه عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ}، وقد ذكر بعد ذلك الحديث من رواية ابن عباس عن عمر، ولم يذكر فيها ذلك اللفظ، وكذلك روى من طريق آخر عن ابن عمر. ولفظ حديث ابن عباس (¬5)، عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما مات عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابن سَلُول، دُعِيَ إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ليُصَلِّي عليه، فلما قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَثَبْتُ إليه فقلت: يا رسول اللَّه! أتصَلِّي على ابن أُبَيٍّ وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أَعُدُّ (¬6) عليه قوله، فتبسَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "أَخِّر عني ¬
باب
يا عمر"، فلما أكثرت عليه فقال (¬1): "إني خُيِّرتُ فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها" (¬2)، قال: فصلّى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من (براءة): {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} إلى {وَهُمْ فَاسِقُونَ}، قال: فعجبت بعدُ من جُرأتي على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه ورسوله أعلم. * * * باب 2076 - عن سَمُرة بن جُنْدَب قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "إنه أتاني (¬3) الليلة آتيان ابتعثاني (¬4)، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شَطْرٌ من خَلْقِهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا وقَعُوا (¬5) في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك ¬
باب
منزلك، قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حَسَن وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، فتجاوز (¬1) اللَّه عنهم". * * * باب 2077 - عن سعيد بن المسيَّب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) وعنده أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أمية، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيْ عمّ! قل: لا إله إلا اللَّه أحَاجُّ لك بها عند اللَّه"، فقال أبو جهل وعبد اللَّه ابن أبي أُمَيَّة: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك"، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية (¬3). * * * باب تقدَّم حديث كعب بن مالك الطويل. ¬
2078 - وعن ابن السَّبَّاق واسمه عبيد -حجازي-: أن زيد بن ثابت الأنصاري (¬1) -وكان من كُتَّاب الوحي (¬2) - قال: أرسل إليَّ أبو بكر مَقْتَلَ أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقُرَّاء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني لأرى أن تجمع القرآن (¬3)، قال أبو بكر: فقلت لعمر (¬4): كيف نفعل (¬5) شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال عمر: هو واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح اللَّه لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت: وعمر جالس عنده (¬6) لا يتكلم، فقال أبو بكر: أنت (¬7) رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت (¬8) تكتب الوحي ¬
10 - سورة يونس
لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه، فواللَّه لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال أبو بكر: هو واللَّه خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والاكتاف والعُسُب وصدور الرجال، حتى وجدت من (سورة التوبة) آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحدٍ غيره؛ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} [التوبة: 128] (¬1) إلى آخرها، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه اللَّه، ثم عند عمر حتى توفاه اللَّه، ثم عند حفصة بنت عمر. * * * (10) سورة يُونسُ {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}، فنبت بالماء من كل لون. وقال زيد بن أسلم: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ}: محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال مجاهد: {دَعْوَاهُمْ}: دعاؤهم. {أُحِيطَ بِهِمْ}: دنوا من الهلكة، {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}. وقال مجاهد: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ}: قول الإنسان لولده وماله: اللهم لا تبارك فيه، والعنه. {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: لأهلك من دُعِيَ عليه وأماته. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ¬
11 - سورة هود
الْحُسْنَى}: مثلها، {وَزِيَادَةٌ}: مغفرة ورضوان. وقال غيره: النظر إلى وجه اللَّه تعالى. {الْكِبْرِيَاءُ}: المُلْك. {فَأَتْبَعَهُمْ}: واتَّبعهم واحد. {وَعَدْوًا}: من العدوان. {نُنَجِّيكَ}: نلقيك على نَجْوة من الأرض، وهو النَّشْز: المكان المرتفع. * * * (11) سورة هود قال ابن عباس: {عَصَيْتُ}: شديد. {لَا جَرَمَ}: بلى. وقال غيره: {وَحَاقَ} يحيق: ينزل. {لَيَئُوسٌ} عول من اليأس. وقال مجاهد: {تَبْتَئِسْ}: تحزن. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شكًّا وامتراءً في الحق. {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} من اللَّه إن استطاعوا. 2079 - عن محمد بن عبَّاد، سمع ابن عباس يقرأ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، قلت: يا أبا العباس ما يثنون؟ قال: سألنا عنها فقال: كان ناس (¬1) يستحيون أن يتخلوا فيُفْضُوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيُفْضُوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم. ¬
باب
2080 - وعن ابن عباس: {يَسْتَغْشُونَ}: يُغَطُّون رؤوسهم. 2081 - وعن أبي هريرة: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "قال اللَّه عز وجل: أَنفِق أُنْفِق عليك"، وقال: "يد اللَّه مَلأى لا يَغِيضُها نفقة، سَحَّاءُ الليل والنهار"، وقال: "أرأيتم ما أنفق مُذْ (¬1) خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يَغِضْ ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان، يخفض ويرفع". الغريب: "يَغِيضُهَا": ينقصها. "سَحَّاء": صبًّا. وهو مصدر سَحَّ. و"الميزان": العَدْل. واللَّه تعالى منزه عن الجارحة. و"اليد": تطلق بمعنى القدرة والنعمة. * * * باب 2082 - عن صفوان بن مُحْرِز قال: بينا ابن عمر يطوف، إذ عرض ¬
باب
رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو: يا بن عمر (¬1) - سمعتَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) يقول في النجوى؟ قال (¬3): سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يُدْنىَ المؤمنُ من ربه -قال (¬4) هشام: يدنو المؤمن- حتى يضع عليه كَنفه فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف -مرتين- فيقول: سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون -أو الكُفَّار- فيُنَادى على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة اللَّه على الظالمين". * * * باب 2083 - عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ (¬5): {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. ¬
12 - سورة يوسف
2084 - وعن ابن مسعود: أن رجلًا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فأنزلت: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، قال الرجل: لمن هذه الآية (¬1)؟ قال: "لمن عمل بها" (¬2). الغريب: "طرفي النهار": الصبح والعصر. و"الزُّلَف": جمع زُلْفة، وهي الساعة؛ أي: ساعة بعد ساعة. * * * (12) سورة يوسف قال مجاهد: {مُتَّكَأً}: الأترنج بالحبشية، وقال أيضًا: كل شيء قطع بالسكين. قال البخاري: والمُتَّكأ: ما اتكأت عليه لشراب، أو لحديث، أو لطعام. * * * ¬
باب
باب قال عكرمة: {هَيْتَ لَكَ} بالحورانية: هَلُمَّ، وقال ابن جُبير: تَعَالَهْ. 2085 - وعن ابن مسعود قال: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] وقال (¬1): إنما نقرؤها كما عُلِّمناها. 2086 - وعن ابن مسعود: أن قريشًا لما أبطؤوا على النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإسلام قال: "اللهم اكفنيهم بسبعٍ كسبع يوسف"، فأصابتهم سَنَةٌ حَصَّت كل شيء حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان، قال اللَّه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، قال (¬3): {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة وقد مضى الدخان، ومضت البطشة؟ * * * ¬
باب
باب 2087 - عن عروة، عن عائشة قالت: -وهو يسألها عن قول اللَّه (¬1): {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110]، قال: قلت: أَكُذِبُوا أم كَذَّبُوا؟ - قالت عائشة: كذَّبوا، قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذَّبوهم، فما هو بالظن؟ قالت: أجل لعَمْرِي، لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذِبُوا -مخففة (¬2) - قالت: معاذ اللَّه، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدَّقوهم، وطال (¬3) عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسلُ ممن كذَّبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر اللَّه عند ذلك. * * * (13) سورة الرعد قال ابن عباس (¬4): {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}: مَثَل المشرك مثل الذي ينظر إلى ¬
مثل خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله، وقيل: الذي ينظر إلى ظل خياله في الماء ليقبض عليه (¬1). و {الْمَثُلَاتُ}: واحدها مَثُلَة، وهي الأمثال والأشباه. {مُعَقِّبَاتٌ}: ملائكة حفظة تعقب الأولى منهم الأخرى. {الْمِحَالِ}: العقوبة. {مَتَاعٌ}: ما تمتعت به. {جُفَاءً}: يقال: أجفأت القِدْر، إذا غَلَتْ فعلاها الزَّبَد، ثم تَسْكُن فيذهب الزبد بلا منفعة. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}: أفلم يتبيّن. وقال مجاهد: {مُتَجَاوِرَاتٌ}؛ أي: طَيِّبُهَا وخبيثها السِّبَاخ. {صِنْوَانٌ}: النخلتان أو أكثر في أصل واحد، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: وحدها. {بِمَاءٍ وَاحِدٍ}؛ كصالح بني آدم وخبيثهم، أبوهم واحد. 2088 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا اللَّه (¬2): لا يعلم ما في غدٍ إلا اللَّه، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا اللَّه، ولا يعلم متى يأتي المطر (¬3) إلا اللَّه، ولا تعلم نفس (¬4) بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا اللَّه". * * * ¬
14 - سورة إبراهيم
(14) سورة إبراهيم قال ابن عباس (¬1): {هَادٍ}: داع. وقال مجاهد {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}: رغبتم إليه فيه. {وَلَا خِلَالٌ}: مصدر خاللته خِلالًا، ويجوز أن يكون جمع خُلَّة. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}: أَعْلَمَكُم. {أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}: هذا تمثيل عما أمروا به. {مِنْ وَرَائِهِ}: قدَّامه. {اجْتُثَّتْ}: اسْتُؤْصِلَتْ. * * * باب 2089 - عن البراء بن عازب: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] ". 2090 - وعن عطاء، عن ابن عباس: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ ¬
15 - سورة الحجر
كُفْرًا} [إبراهيم: 28]، قال: هم كفار أهل مكة. * * * (15) سورة الحِجْر قال مجاهد (¬1): {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ}: الحق يرجع إلى اللَّه وعليه طريقه. {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}؛ أي: طريق واضح، والإمام كل ما ائتممت به واقتديت. {لَوْ مَا}: هَلَّا. {سُكِّرَتْ}: غَشِيَتْ. * * * باب 2091 - عن سُفْيَانَ، عن عمرو، عن عكرمة، عن أبي هريرة -ويبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قضى اللَّه بالأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعَانًا لقوله، كأنه سلسلة (¬2) على صَفْوَان، يَنْفُذُهُمْ ذلك (¬3)، {إِذَا فُزِّعَ عَنْ ¬
قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} للذي قال: {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]، فيسمعها مُسْتَرِقُو السمع هكذا (¬1) واحدٌ فوق واحد (¬2) -ووصف سفيان بيده فَفَرَّج (¬3) بين أصابعه (¬4) اليمنى، نصبها بعضًا فوق بعض- فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى رمى (¬5) بها إلى الذي يليه؛ أي (¬6): الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الأرض -وربما قال سفيان: حتى ينتهي إلى الأرض- فتلقى على فم الساحر، فَيَكْذِب معها مئة كَذْبَةٍ، فيصدق. فيقولون: ألم يحدثونا (¬7) في يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقًّا، للكلمة التي سمعت من السماء". الغريب: "خُضْعانًا": متذللين. "الصَّفْوَان": الحَجَر الصَّلْد، وهو تشبيه لأصوات أجنحة الملائكة عند الضرب "وَينْفُذُهُمْ ذلك"؛ أي: يصل إلى جميعهم. و"فُزِّعَ عن قلوبهم"؛ أي: كُشف عنهم ما غمرهم من عظمة اللَّه وإجلاله لكلامه. و"المُسْتَرِق": من السرقة، وهو أخذ الشيء في خفية. * * * ¬
باب
باب 2092 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحاب الحِجْر: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم". * * * باب 2093 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم". 2094 - عن ابن عباس: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 90 - 91]، قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض، اليهود والنصارى. وقال مجاهد: "تقاسموا": تحالفوا. قال سالم: اليقين: الموت. * * * _______ 2092 - خ (3/ 248)، (65) كتاب التفسير، (2) باب {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}، من طريق معن، عن مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (4702). 2093 - خ (3/ 248)، (65) كتاب التفسير، (3) باب {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به، رقم (4704). 2094 - خ (3/ 248)، (65) كتاب التفسير، (4) باب قوله {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}، من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس به، رقم (4706).
16 - سورة النحل
(16) سورة النحل قال ابن عباس: {فِي تَقَلُّبِهِمْ}: اختلافهم. وقال مجاهد {تَمِيدَ}: تَكَفَّأَ. {رُوحُ الْقُدُسِ}: جبريل. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]. قال ابن عباس: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ}: تتهيّأ قال ابن عباس: {تُسِيمُونَ}: تَرْعَوْن. {شَاكِلَتِهِ}: نِيَّته (¬1). {تَخَوُّفٍ}: تَنَقُّص. {سَرَابِيلَ}: قُمُص. {تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} فإنها الدروع. {دَخَلًا بَيْنَكُمْ}: كل شيء لم يصح فهو دَخَل. قال ابن عباس: {وَحَفَدَةً}: من ولد الرجل. {سَكَرًا}: فما حرم شربها. {وَرِزْقًا حَسَنًا}: ما أحل اللَّه. {أَنْكَاثًا}: هي خرقاء كانت إذا أَبْرَمَت غزلها نقضته. وقال ابن مسعود: الأُمَّةَ معلم الخير. {قَانِتًا}: المطيع. * * * باب 2095 - عن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو: "أعوذ باللَّه (¬2) ¬
17 - سورة بني إسرائيل
من البخل والكسل، ومن أرذل العُمُر (¬1)، وعذاب القبر، وفتنة الدجال والممات (¬2) ". * * * (17) سورة بني إسرائيل 2096 - عن ابن مسعود قال في بني إسرائيل والكهف ومريم: إنهن العِتَاق الأُوَل (¬3)، وهُنَّ من تِلَادِي. {فَسَيُنْغِضُونَ}: قال ابن عباس: يَهزؤون، وقال غيره: نغضت ثنيته؛ أي: تحركت. {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}: أخبرناهم أنهم يُفْسِدُون، والقضاء على أوجه: "قضى ربك": أمر، ومنه الحكم: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ}، ومنه الخَلْق، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}. {خِطْئًا}: إثمًا، وهو اسم من خَطئْتُ، والخطأ -مفتوح- مصدر. {تَخْرِقَ}؛ أي: تقطع. {حَصِيرًا}: مَحْبِسًا. {نَجْوَى}: مصدر من ناجيت، فوصفهم بها. والمعنى: يتناجَوْن (¬4). ¬
باب
{وَرُفَاتًا}: حطامًا. {بِخَيْلِكَ}: الفرسان. والرَّجْل الرَّجَّالة، واحدها راجل؛ مثل صاحب وصحب، وتاجر وتَجْر. {حَاصِبًا}: الريح العاصف. والحاصب أيضًا: ما ترمي به الريح، ومنه {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: يرمى بهم فيها، ويقال: حصب في الأرض: ذهب، والحَصَبُ مشتق من الحصباء؛ الحجارة. {تَارَةً}: مَرَّة، وجمعه تِيَرَة وتارات. {لَأَحْتَنِكَنَّ}: لأستأصِلَنَّ، يقال: احتنك ما عند فلان من علم: استقصاه. وقال ابن عباس: كل سلطان في القرآن فهو حجة. {وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}: لم يخف أحدًا. * * * باب قد تقدم حديث الإسراء في (كتاب السِّيَر). {ضِعْفَ الْحَيَاةِ}: عذاب الحياة. {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}: عذاب الممات. {خِلَافَكَ}: وخلفك سواء. {شَاكِلَتِهِ}: ناحيته. {قَبِيلًا}: مقابلة ومعاينة. {خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ}: يقال: أنفق الرجل: أملق. {تَبِيعًا}: ثائرًا. وقال ابن عباس: نصيرًا. {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ}: رزق. {مَثْبُورًا}: ملعونًا. {يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ}: يجريها. {فَجَاسُوا}: فتيمموا. {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ}: للوجوه. 2097 - عن عبد اللَّه هو ابن مسعود: كنا نقول للحي إذا كثروا (¬1): ¬
باب
أَمَر بنو فُلان. * * * باب 2098 - عن أبي هريرة قال: أُتِيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلحم، فرُفِعَ إليه الذراع -وكانت تعجبه- فنَهَسَ منها نهسَةً ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك (¬1)؟ يجمع اللَّه الناس (¬2)؛ الأولين والآخرين في صعيد واحد، يُسمِعهُم الداعي، ويَنْفُذُهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس (¬3): عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي (¬4) غضب اليوم ¬
غضبًا شديدًا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد (¬1) نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، (اذهبوا إلى نوح) (¬2)، فيأتون نوحًا فيقولون: أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك اللَّه عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه (¬3)؟ فيقول: إن ربي عز وجل غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم (¬4)، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم! أنت نبي اللَّه وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا لترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنَّ ربي غضب (¬5) اليوم غضبًا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كَذَبتُ ثلاث كَذَبَات -فذكرهن أبو حيَّان في الحديث- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى! أنت رسول اللَّه، فضلك اللَّه برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا (¬6) إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا، لم يغضب مثله قبله (¬7)، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر ¬
بقتلها، نفسي نفسي نفسي (¬1)، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت الناس في المهد (¬2)، اشفع لنا إلى ربك (¬3)، ألا ترى إلى ما نحن فيه؛ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيأتون محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيقولون: يا محمد! أنت رسول اللَّه، وخاتم الأنبياء، وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؛ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح اللَّه عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا (¬4) لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تُشَفَّع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب (¬5)، فقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المِصْرَاعَيْن من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر (¬6)، أو كما بين مكة وبُصْرَى". * * * ¬
باب
باب 2099 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خُفِّفَ على داود القراءة، وكان يأمر بدوابه فَتُسْرَج، وكان يتم القرآن قبل أن يفرغ". 2100 - عن أبي معمر، عن عبد اللَّه في هذا الحديث: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم الجن، فتمسك (¬1) هؤلاء بدينهم؛ أي: بعبادتهم (¬2). 2101 - وعن ابن عباس: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، قال: هي رؤيا عين (¬3)، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}: ¬
باب
هي (¬1) شجرة الزَّقُّوم. * * * باب 2102 - عن أبي هريرة: وعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فضل صلاة الجميع (¬2) على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر". يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. * * * باب 2103 - عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا، كل ¬
باب
أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان! اشفع، يا فلان (¬1)! اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذلك اليوم يبعثه اللَّه المقام المحمود. وفي رواية (¬2) رفعه ابن عمر إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. جُثًا: جمع جُثْوَة، كعروة وعُرَى. والجاثي: هو البارك خوفًا أو ضعفًا. * * * باب 2104 - عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: بينا أنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عرفة (¬3)، وهو متكئ على عَسِيبٍ، إذ مَرَّ اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رَابَكُم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يرد عليهم شيئًا، فقلت: إنه (¬4) يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. * * * ¬
باب
باب 2105 - عن ابن عباس: في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قال: نزلت ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَخَفٍّ (¬1) بمكة، كان إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن، وإذا سمعه المشركون (¬2)، سَبُّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال اللَّه عز وجل (¬3) لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}؛ أي: بقراءتك (¬4)، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا تُسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. 2106 - وعن عائشة: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (¬5) قالت: أنزل ذلك في الدعاء. * * * ¬
18 - سورة الكهف
(18) سورة الكهف قال مجاهد: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: ذهب وفضة، قال غيره: جماعة الثمر. {وَلَمْ تَظْلِمْ}: لم تنقص. وَأَلَتْ: تنجو. وقال مجاهد: {مَوْئِلًا}: مَحْرِزًا. وقد تقدم حديث الخضر في كتاب العلم. "حُقُب": زمانًا، وجمعه أحقاب. {سَرَبًا}: مذهبًا، يَسْرُب: يَسْلُك. * * * باب 2107 - عن مصعب هو ابن سعد، قال: سألت أبي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] وهم الحَرُورِيَّة؟ قال: لا (¬1)، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، والنصارى (¬2) كفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه، وكان سعد يسميهم الفاسقين. 2108 - وعن أبي هريرة: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: . . . . ¬
19 - سورة كهيعص
"لَيَأْتِي (¬1) الرجل العظيم السمين (¬2) لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة، وقال: اقرؤا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ". * * * (19) سورة كهيعص قال ابن عباس: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} اللَّه يقوله، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، يعني قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} الكفار يومئذ أسمع شيء وأبصره. {لَأَرْجُمَنَّكَ}: لأشتمنك. {وَرِئْيًا}: منظرًا. وقال ابن عيينة: {تَؤُزُّهُمْ}: تزعجهم إلى المعاصي. {إِدًّا}: قولًا عظيمًا. ابن عباس (¬3). و {أَثَاثًا}: مالًا. {رِكْزًا}: صوتًا. 2109 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فيُنَادي منادٍ: يا أهل الجنة! فيَشْرَئِبُّونَ وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ¬
ينادي منادٍ (¬1): يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا مَوْتَ"، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}، وهؤلاء في غَفْلَة أهل الدنيا، {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39]. 2110 - وعن خَباب قال: جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضى (¬2) حقًّا لي عنده، قال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد (¬3)، فقلت: لا، حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم، قال: إن لي هناك مالًا وولدًا أقضيك (¬4)، فنزلت هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]. وفي رواية (¬5): قال خباب: كنت قَيْنًا بمكة، فعملت للعاص بن وائل ¬
20 - سورة طه
سيفًا، فجئت أتقاضاه، وذكر نحوه. * * * (20) سورة طه {أَزْرِي}: ظهري. {لَنَنْسِفَنَّهُ}: لنُذَرِّيَنَّهُ. {فَيُسْحِتَكُمْ}: يُهلككم. {صَفْصَفًا}: المستوي من الأرض. مجاهد: {أَوْزَارًا}: أثقالًا. {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ}: وهو الحُلِيّ الذي استعاروه من آل فرعون. {هَمْسًا}: حِسّ الأقدام. {حَشَرْتَنِي أَعْمَى} عن حُجَتي. ابن عباس {بِقَبَسٍ} (¬1) شكوا في الطريق، وكانوا شَاتِينَ، فقال: إن لم أجد عليها من يهدي الطريق، أتيتكم بنار. ابن عباس {هَضْمًا}: لا يظلم، فيهضم من حسناته. {وَلَا أَمْتًا}: رابية. {ضَنْكًا}: شقاء. {الْمُقَدَّسِ}: المبارك. {طُوًى}: اسم وادٍ. {يَفْرُطَ} عقوبة. {تَنِيَا}: لا تَضْعُفَا. 2111 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "حاجَّ آدمُ موسى (فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم، قال: قال آدم: ¬
21 - سورة الأنبياء عليهم السلام
يا موسى! ) (¬1) أنت الذي اصطفاك اللَّه برسالاته وكلامه (¬2)، أفتلومني على أمر كتبه اللَّه عليَّ قبل أن يخلقني، أو قدره عليَّ قبل أن يَخْلُقني؟ " قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فحج آدمُ موسى". * * * (21) سورة الأنبياء عليهم السلام قال قتادة: {جُذَاذًا}: قِطَعًا. {يُسْحَبُونَ}: يدورون. و {نَفَشَتْ}: رعت ليلًا. و {أُمَّةً وَاحِدَةً}: دينكم دين واحد. {خَامِدِينَ} (¬3): هامدين. {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}: لا يُعْيُون. {عَمِيقٍ}: بعيد. {نُكِسُوا}: ردُّوا. {صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}: الدروع. {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ}: اختلفوا. {ءَاذَنَّكَ}: أعلمناك. {آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ}: أعلمتكم على سواء؛ لم يَغْدِر. قال مجاهد: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}: تُفْهَمُون. {السِّجِلِّ}: الصحيفة. * * * (22) سورة الحج قال ابن عُيينة: {الْمُخْبِتِينَ}: المطمئنين. قال ابن عباس: {إِذَا تَمَنَّى ¬
أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}: إذا تحدث ألقى في حديثه، ويقال: أمنيته قراءته. {إِلَّا أَمَانِيَّ} يَقْرَءون ولا يكتبون. ابن عباس: {بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ}: بحبل إلى سقف البيت، {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}: أُلهموا. 2112 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقول اللَّه تعالى (¬1) يوم القيامة: يا آدم! يقول: لبيك اللهم (¬2) ربنا وسعديك، فَيُنَادى بصوت: إن اللَّه أمرك (¬3) أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يارب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف -أُراه قال- تسع مئة وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سُكَارى وما هم بسُكارى، ولكن عذاب اللَّه شديد"، فشق ذلك على الناس حتى تَغيَّرت وجوههم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، إني (¬4) لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا، ثم قال: "ثلث أهل الجنة" فكبرنا. ثم قال: "شَطْر أهل الجنة" فكبرنا. * * * ¬
باب
باب 2113 - عن ابن عباس: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11]: كان (¬1) الرجل يَقْدَمُ المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا ونتُجَتْ خيله، قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء. * * * (23) سورة المؤمنون قال ابن عيينة: {سَبْعَ طَرَائِقَ}: سبع سماوات. {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}: بعيد بعيد. قال ابن عباس: {لَنَاكِبُونَ}: لعادلون. {كَالِحُونَ}: عابسون. {سُلَالَةٍ}: الولد، والنطفة: السلالة. قال مجاهد: {الْعَادِّينَ}: الملائكة. و {غُثَاءً}: الزَّبَدُ، وما ارتفع عن الماء، وما لا ينتفع به. * * * ¬
24 - سورة النور
(24) سورة النور قال سعد (¬1) بن عياض الثُّمالِي: "المِشْكَاة": الكُوَّة بلسان الحبشة. وقال ابن عباس: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا}: بيَنَّاها، وسمي القرآن لجماعه السور، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قُرن بعضها ببعض سُمِّي قرآنًا، وسمي الفرقان، لأنه يُفَرِّق بين الحق والباطل. (وفَرَّضْنَاها): أنزلنا فيها فرائض مختلفة، ومن قرأ: {فَرَضْنَاهَا}؛ أي: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم. * * * باب 2114 - عن سهل بن سعد: أن عُوَيْمرًا أتى عاصم بن عدي -وكان سيد بني العَجْلَان (¬2) - فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا؟ أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ سل لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فأتى عاصم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! فكَرِهَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسائل، فسأله عويمر فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كره المسائل وعابها، فقال (¬3) عويمر: واللَّه ¬
لا أنتهي حتى أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فجاء عويمر فقال: يا رسول اللَّه! رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك"، فأمرهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمُلاعنة بما سمّى اللَّه في كتابه، فلاعنها، ثم قال: يا رسول اللَّه! إن حَبَسْتُها فلقد ظلمتها، فكانت سُنَّة لمن كان بعدهما في المتلاعِنَيْن، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "انظروا، فإن جاءت به أَسْحَم، أَدْعَج العينين، عظيم الأَلْيَتَيْن، خَدَلَّج الساقين، فلا أَحْسَبُ عويمرًا إلا صدق عليها (¬1)، وإن جاءت به أُحَيْمر، كأنه وَحَرَةٌ، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها". فجاءت به على النعت الذي نعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من تصديق عويمر، فكان بعدُ ينسب إلى أمه. وفي رواية (¬2): كانت حاملًا فأنكر حملها، وكان ابنها يُدْعَى إليها، ثم جرت السُّنة في الميراث أن يرثها وترث منه (¬3). الغريب: "السَّحْمَة": سواد فوق الأُدْمَة، والأُدْمَةُ فوق السُّمرة. و"الدَّعَجُ في العين": شدة سواد، أسودها مع اتساعها. و"الخدلَّج": الممتلئ الساقين، وضده الأحمش، وهو الرفيعها. و"الوَحَرَةُ" بالحاء المهملة: دويبة تلصق بالجسد. * * * ¬
باب
باب 2115 - عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِشَرِيْك بن سَحْمَاء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البينة (¬1) وإلا حَدٌّ (¬2) في ظهرك". (فقال: يا رسول اللَّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "البينة وإلا حدٌّ في ظهرك") (¬3) فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن اللَّه ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} (¬4)، فقرأ حتى (¬5) {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9]، فانصرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "إن اللَّه يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وَقَفُوها وقالوا: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكأت وبكت (¬6) حتى قلنا: . . . . . ¬
باب
ترجع (¬1)، ثم قالت: واللَّه (¬2) لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خَدَلَّج الساقين فهو بشَرِيك بن سحماء"، فجاءت به كذلك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا ما مضى من كتاب اللَّه، لكان لي ولها شأن". 2116 - وعن ابن عمر: أن رجلًا رمى امرأته، فانتفى من ولدها في زمن (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتلاعنا (¬4) كما قال اللَّه عز وجل (¬5)، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرَّق بين المتلاعنَيْن. * * * باب 2117 - عن عروة، عن عائشة: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] قالت: ¬
عبد اللَّه بن أُبيٍّ ابن سَلُول (¬1). وقد تقدم حديث الإفك في كتاب الشهادات. وفي رواية (¬2) قالت: كان الذي يتكلم به مِسْطَح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابن سَلُول، وهو الذي كان يستوشيه منهم ويجمعه، وهو الذي تولَّى كِبْرَه منهم، هو وحَمْنَةُ. 2118 - وعن أم رومان -أم عائشة- أنها قالت: لما رُمِيت عائشة، خرَّت مغشيًّا عليها. 2119 - وعن ابن أبي مُلَيْكَةَ: سمعت عائشة تقرأ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15]. ¬
2120 - وعنه قال: استأذن ابن عباس -قبل (¬1) موتها- على عائشة وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يُثْنِي عليَّ، فقيل: ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تَجِدِينَكِ؟ قالت: بخير إن اتقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء اللَّه (¬2)، زوجة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يَنْكِحْ بكرًا غيرك، ونزل عُذرك من السماء، ودخل ابن الزبير خلافه فقالت: دخل عليَّ (¬3) ابن عباس فأثنى عليَّ، وددت أني كنت نَسْيًا مَنْسِيًّا. 2121 - وعن مسروق قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة، فشبب (¬4) وقال: ¬
باب
حَصَانٌ (¬1) رَزَانٌ (¬2) ما تُزَنُّ (¬3) برِيبَةٍ ... وتُصْبح غَرْثَى (¬4) من لحوم الغوافل (¬5) قالت: لست كذلك (¬6)، قلت: أتَدَعين (¬7) مثل هذا يدخل عليك، وقد أنزل اللَّه {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} (¬8)؟ ! قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: قد كان يرد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬9). * * * باب 2122 - عن عائشة: . . . . . ¬
25 - سورة الفرقان
لما أنزل اللَّه (¬1): {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، شققن مروطهن فاختمرن به (¬2). وفي رواية (¬3): أخذن أُزُرهُنَّ فشققنها من قِبَل الحواشي، فاختمرن بها. قال البخاري: والإزار ههنا للصلاة. * * * (25) سورة الفرقان قال ابن عباس: {هَبَاءً مَنْثُورًا}: ما تُسْفِي الريح. {مَدَّ الظِّلَّ}: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. {خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ}: من فاته عمل من الليل أدركه بالنهار، أو فاته بالنهار أدركه بالليل، وقال الحسن: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} في طاعة اللَّه، وما من شيء أقر لعين مؤمن من أن يرى حبيبه في طاعة اللَّه. {تُمْلَى عَلَيْهِ}: تقرأ عليه. {الرَّسِّ}: المعدن، جمعه رِسَاس. {غَرَامًا}: هلاكًا. ¬
{مَا يَعْبَأُ بِكُمْ}: يقال: ما عبأت به شيئًا لا يعتدّ به. مجاهد: {وَعَتَوْ}: طَغَوْا. {عَاتِيَةٍ}: عتت عن الخزان. ابن عباس: {ثُبُورًا}: ويلًا. {سَعِيرًا} مذكر، والتسعُّر والاضطرام: التوقد الشديد. {سَاكِنًا}: دائمًا. 2123 - عن أنس (¬1) أن رجلًا قال: يا نبي اللَّه! يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: "أليس الذي أمشاه على الرِّجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ " قال قتادة: بلى وعزة ربنا. 2124 - وعن عبد اللَّه هو ابن مسعود قال: سألت -أو سُئل- رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أي الذنب عند اللَّه أكبر؟ قال "أن تجعل للَّه نِدًّا وهو خلقك"، قلت: ثم أيُّ؟ قال: "أن (¬2) تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك"، قلت: ثم أيُّ؟ قال "أن تزاني بحليلة جارك"، قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ¬
باب
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]. 2125 - وعن سعيد بن جُبير: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] قال: لا توية له، وعن قوله (¬1): {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قال: كانت هذه في الجاهلية. 2126 - وعن عبد الرحمن بن أَبْزَى قال: سُئِل ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، وقوله: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عَدَلْنَا باللَّه، وقتلنا النفس التي حرَّم اللَّه إلا بالحق، وأتينا الفواحش، فأنزل اللَّه عز وجل (¬2): {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] الآية. * * * باب 2127 - عن مسروق قال: قال عبد اللَّه: خمسٌ قد مَضَيْن: الدخان، ¬
26 - سورة الشعراء
والقمر، والروم، والبطشة، واللزام. {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]: "لِزَامًا"؛ أي: عذابًا دائمًا، قال أبو عبيدة: هلاكًا. * * * (26) سورة الشعراء {الْأَيْكَةِ}: الغَيْطَة، وهي الشجر. {وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 184] (¬1)؛ أي: خلقهم الأصلي. ابن عباس: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}: كأنكم فرحين مرحين، و {فَارِهِينَ} بمعناه، وقيل: حاذقين. {تَعْثَوْا}: أشد الفساد. {مَوْزُونٍ}: معلوم. {لَشِرْذِمَةٌ}: قليلة. {رِيعٍ}: الارتفاع من الأرض. و {مَصَانِعَ}: جمع مصنع، وكل بناء مصنع. * * * باب 2128 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يلقى إبراهيم أباه فيقول: ¬
باب
يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يُبْعثون، فيقول اللَّه تبارك (¬1) وتعالى: إني حرّمت الجنة على الكافرين". * * * باب 2129 - عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، صَعِدَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصفا، فجعل ينادي "يا بني فِهر! يا بني عِديّ! " لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقِيّ؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، فقال: "إني (¬2) نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. 2130 - وعن أبي هريرة قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أنزل ¬
27 - سورة النمل
اللَّه عز وجل (¬1) {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من اللَّه شيئًا، ويا صفية عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! لا أغني عنك من اللَّه شيئًا (¬2)، يا فاطمة بنت محمد (¬3)! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من اللَّه شيئًا". * * * (27) سورة النمل {الْخَبْءَ}: ما خَبَّأْت. {لَا قِبَلَ}: لا طاقة. {الصَّرْحَ}: كل ملاط اتخذ من القوارير، والصرح: القصر، وهو هنا بِرْكَة ماء ضَرَب عليها سليمان قوارير ألبسها إياه، وجماعته: صروح. ابن عباس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}: سرير كريم؛ حُسن الصنعة وغلاء الثمن. {رَدِفَ لَكُمْ}: اقترب لكم. {جَامِدَهً}: قائمة. {أَوْزِعْنِي}: اجعلني. * * * ¬
28 - سورة القصص
(28) سورة القصص {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}: إلا مُلْكَه. ويقال: إلا ما أريد به وجهه تعالى. {الأَنْبَاءُ}: الحُجج. 2131 - عن ابن عباس: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] قال: إلى مكة. * * * (29) سورة العنكبوت مجاهد: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}: ضَلَلَة، وقال غيره: {الْحَيَوَانُ} والحيّ واحد. {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}: علم اللَّه ذلك إنما هي (بمنزلة: فليَمِيزَ) (¬1) اللَّه، كقوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}. {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}: أوزارًا مع أوزارهم. * * * ¬
30 - سورة {الم (1) غلبت الروم}
(30) سورة {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} 2132 - عن مسروق قال: بينا (¬1) رجل يحدِّث في كِنْدَة، فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ (¬2) المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيتُ (¬3) ابن مسعود -وكان متكئًا- فغضب، فجلس فقال: من عَلِم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: اللَّه أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم (¬4): لا أعلم، فإن اللَّه قال لنبيه عليه السلام: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، وإن قريشًا لما أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اللهم أعني عليهم بسبعٍ كسبع يوسف"، فأخذتهم سَنَةٌ حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد! جئت تأمر (¬5) بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع اللَّه، فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله: {عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15]، أَفَيُكْشَفُ عنهم عذابُ ¬
باب
الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يوم بدر، و {لِزَامًا} [الفرقان: 77] (¬1) يوم بدر {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} إلى {سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 1 - 3]، والروم قد مضى. * * * باب 2133 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو ينصرانه أو يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحِسُّون فيها من جَدْعَاء؟ ، ثم يقول: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]. الغريب: أصل الفطرة الخلقة المبتدأة، ويعني بها -واللَّه أعلم- فطرة التوحيد التي أُخذت على ذرية آدم، وقيل: هي الإسلام، وقيل: هي أهلية الإنسان لقبول الحق إلا أن تصرفه عن ذلك الموانع، وهذا هو أَوْلَاها. * * * ¬
31 - سورة لقمان
(31) سورة لُقمان عن عبد اللَّه: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] الحديث، وقد تقدم هو وحديث جبريل في كتاب الإيمان. * * * (32) سورة السَّجْدَة قال ابن عباس: {الْجُرُزِ}: التي لا تمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا. 2134 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقول اللَّه عَزَّ وَجلَّ (¬1): أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذُخْرًا، بَلْهَ (¬2) ما أُطْلِعْتُمْ عليه"، ثم قرأ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]. الغريب: "ذُخرًا": هو مصدر في موضع الحال؛ أي: مُذَخَّرًا، وهو بالذال المعجمة، و"بَلْهَ": بمعنى دع، فهو اسم من أسماء الأفعال، أو يكون بمعنى ¬
33 - سورة الأحزاب
غَيْر، واللَّه أعلم. * * * (33) سورة الأحزاب 2135 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من مؤمن إلا وأنا أَوْلَى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فأيُّما مؤمن ترك مالًا فلترثه (¬1) عَصَبَتُهُ من كانوا، فإن ترك دَيْنًا أو ضَيَاعًا فليأتني، فأنا مولاه". 2136 - وعن ابن عمر: أن زيد بن حارثة مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]. * * * ¬
باب
باب 2137 - عن أنس بن مالك قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] 2138 - وعن زيد بن ثابت قال: لما نسخت المصحف (¬1) في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب، كنت كثيرًا أسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرؤها، لم أجدها مع أحد (¬2) إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهادته بشهادة رجلين (¬3): {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. * * * باب 2139 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
باب
قالت: لما أُمِرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر أمرًا، فلا عليك أن لا تَعْجَلِي حتى تستأمري أبويك"، قالت: قد (¬1) علم أن أبويَّ لم يكونا يأمرانني بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه عَزَّ وَجلَّ (¬2) قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] "، قالت: فقلت: ففي أيِّ هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ما فعلت. * * * باب 2140 - عن عائشة قالت: كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل اللَّه عَزَّ وَجلَّ (¬3) {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. ¬
باب
2141 - وعنها: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}، قال عروة (¬1): قلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذاك إليَّ فإني لا أريد يا رسول اللَّه أن (¬2) أوثر عليك أحدًا. * * * باب 2142 - عن أنس قال: بُنِي عَلَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأُرسلتُ على الطعام داعيًا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدًا (¬3)، فقلت: يا نبي اللَّه! ما أجد أحدًا أدعوه، قال: "فارفعوا طعامكم"، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه"، فقالت: وعليك السلام ورحمة اللَّه، كيف وجدت أهلك، ¬
بارك اللَّه لك، فَتَقَرَّى (¬1) حُجَرَ نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، وَيقُلْن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا رهط ثلاثة يتحدثون (¬2)، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شديد الحياء، فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة، فما أدري آخْبَرَتْهُ أو أُخْبر أن القوم خرجوا، فرجع حتى إذا وضع رجْلَهُ في أُسْكُفَّةِ الباب داخلة وأخرى خارجة، أرخى الستر بيني وبينه، وأُنزلت آية الحجاب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] (¬3). 2143 - وعن عائشة قالت: خرجتْ سَوْدَةُ بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة! واللَّه ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فَانْكَفَأَتْ راجعة، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتي، وإنه يتعشى في يده عَرْقٌ، فدخلت فقالت: يا رسول اللَّه! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأَوْحى اللَّه إليه، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: "إنه قد أُذِنَ لكن أن تخرجن لحاجتكن". * * * ¬
باب
باب تقدم ذكر الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في كتاب الصلاة. 2144 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن موسى كان رجلًا حَيِّيًّا (¬1)، وذلك قوله (¬2): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: 69] الآية. . . "، وقد تقدم بطوله في كتاب الأنبياء. * * * (34) سورة سبأ {مُعَاجِزِينَ}: مسابقين ومغالبين. {سَبَقُوا}: فاتوا. {لَا يُعْجِزُونَ}: لا يفوتون. {سَيْلَ الْعَرِمِ} ما احْمَرّ، أرسله اللَّه في السد فهدمه وحفر الوادي، فارتفع (عن الجنتين) (¬3)، وغاب عنهما الماء (فيبستا) (¬4)، وكان ذلك الماء الأحمر عذابًا. ¬
35 - سورة الملائكة ويس
وقال عمرو بن شُرَحْبِيلَ: {الْعَرِمِ}: (المُسَنَّاه) (¬1) بلَحْن أهل اليمن. و {الْعَرِمِ}: الوادي. وقال ابن عباس: ({كَالْجَوَابِ}: كالجَوْبَةِ) (¬2) من الأرض. {سَابِغَاتٍ}: الدروع. {أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}: بطاعة اللَّه. {مَثْنَى وَفُرَادَى}: واحدًا واثنين. {التَّنَاوُشُ}: الرد من الآخرة إلى الدنيا. {خَمْطٍ}: الأراك. {وَأَثْلٍ}: الطرفاء. * * * (35) سورة الملائكة ويس {قِطْمِيرٍ}: لفافة النواة. قال ابن عباس: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ}: أشد سواد الغِرْبِيب. وقال مجاهد: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: وكان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل. {مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}: من الأنعام. {فَاكِهُونَ}: معجبون. وقال ابن عباس: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}: مصائبكم. {يَنْسِلُونَ}: يخرجون. 2145 - عن أبي ذر قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قوله تعالى: {وَالشَّمْسَ ¬
36 - سورة والصافات
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]؟ قال: "مستقرها تحت العرش". * * * (36) سورة والصافات قال مجاهد: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}؛ يعني الحق، الكفار تقوله للشياطين (¬1). {يُهْرَعُونَ}: كهيئة الهرولة. {بَيْضٌ مَكْنُونٌ}: اللؤلؤ، المكنون؛ أي: المصون. {يَسْتَسْخِرُونَ}: يسخرون. وقال ابن عباس: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: الملائكة. * * * (37) سورة ص 2146 - عن العوام بن حوشب قال: سألت مجاهدًا عن السجدة في {ص} قال: سئل ابن عباس فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، وكان ابن عباس يسجد فيها. قال مجاهد: {فِى عِزَّةٍ}: معاذِّين؛ أي: مُعَافين. {الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}: ملة قريش. ¬
38 - سورة الزمر
{اخْتِلَاقٌ}: الكذب. {الْأَسْبَابَ}: طرق السماء. {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ}؛ يعني: قريشًا. {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ}: القرون الماضية. {فَوَاقٍ}: رجوع. {قِطَّنَا}: عذابنا. {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}: أحطنا بهم. قال ابن عباس: {الْأَيْدِي}: القوة في العبادة. {الْأَبْصَارُ}: (البصر) (¬1) في أمر اللَّه. * * * (38) سورة الزمر قال مجاهد: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} أي: يُجَرُّ على وجهه في النار. {اشْمَأَزَّتْ}: نفرت. {حَافِّينَ}: مطيفين. 2147 - عن عَبِيدة، عن عبد اللَّه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا محمد! إنَّا نجد أن اللَّه تعالى (¬2) يحمل (¬3) السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَّرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحَبْر، ثم قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] (¬1). 2148 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يقبض اللَّه الأرض، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ". 2149 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬2): "ما بين النفختين أربعون"، قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أَبَيْتُ، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، "ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عَجْبَ ذَنبِه، منه (¬3) يُرَكَّب الخَلْق". * * * ¬
39 - سورة المؤمن
(39) سورة المؤمن كان العلاء (¬1) بن زياد يذكر النار، فقال رجل: لم تقنّط الناس؟ فقال: وأنا أقدر أُقنّط الناس واللَّه يقول: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] ويقول {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43]؟ ولكنكم تحبون أن تُبَشَّروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- مبشّرًا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرًا بالنار لمن عصاه. وقال مجاهد: {إِلَى النَّجَاةِ} [غافر: 41]: الإيمان. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} [غافر: 43]؛ يعني الوثن. 2150 - وعن عروة قال: قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاصي: أخبرني بأشد ما صنعه (¬2) المشركون برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بفناء الكعبة إذ أقبل ابن أبي مُعَيْط (¬3) فأخذ بِمَنْكِبِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4) ولَوَى ثوبه في عنقه، ¬
40 - سورة حم السجدة
فخنقه به (¬1) خَنْقًا شديدًا، وأقبل (¬2) أبو بكر فأخذ بِمَنْكِبه، ودفع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]. * * * (40) سورة حم السجدة 2151 - قال طاوس عن ابن عباس: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}: أعطِيا، {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}: أَعْطَينا. وقال المنهال عن سعيد: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ، قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور: 25]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {وَاللَّهِ (¬3) رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فقد كتموا في هذه الآية، وقال {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {دَحَاهَا} [النازعات: 27 - 30]، فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى {طَائِعِينَ} [فصلت: 9 - 11]، فذكر في ¬
هذه الآية خلق الأرض قبل خلق السماء، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {عَزِيزًا حَكِيمًا}، {سَمِيعًا بَصِيرًا}، فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس (¬1): {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} (¬2) في النفخة الأولى، ثم نفخ (¬3) في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللَّه، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، (ثم في النفخة الآخرة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}) (¬4)، وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} و {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬5)، فإن اللَّه يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرفوا أن اللَّه لا يُكْتَمُ حديثا، وعنده {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] (¬6)، وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسَوَّاهُنَّ في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحاها؛ أي: أخرج (¬7) منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والآكام (¬8) وما بينها (¬9) في يومين آخرين، فذلك قوله: {دَحَاهَا}، ¬
باب
وقوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فجُعِلَتِ الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السموات في يومين، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1)، سمى نفسه ذلك، وذلك قوله؛ أي: لم يزل كذلك (¬2)، فإن اللَّه لم يرد شيئًا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلًّا من عند اللَّه. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: قَدَّرها سواء. {فَهَدَيْنَاهُمْ}: دللناهم على الخير والشر، والهُدَى الذي هو الإرشاد {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}. وقال ابن عباس: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم اللَّه، وخضع لهم عدوهم. {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}: القريب. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}: سوء. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أي: بعملي أنا محقوق بهذا. * * * باب 2152 - عن ابن مسعود: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22] الآية، قال (¬3): رجلان من قريش وخَتَن لهما من ثقيف، ¬
41 - سورة حم عسق
أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش في بيت، فقال بعضهم لبعض: أترون اللَّه يسمع حديثنا (¬1)؟ قال بعضهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لئن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله، فأنزلت {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ. . .} آية. وفي رواية (¬2) وصنف الثلاثة فقال: كثير شحم بطونهم (¬3)، قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن اللَّه يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إنْ جهرنا، ولا يسمع إذا أخفينا، وقال آخر (¬4): إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل اللَّه الآية. * * * (41) سورة حم عسق ابن عباس: {عَقِيمًا}: لا يلد. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}: القرآن. {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}: لا خصومة. {طَرْفٍ خَفِيٍّ}: كليل. * * * ¬
باب
باب 2153 - ابن عباس: وسئل عن قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فقال (¬1): إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: "إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة". * * * (42) سورة حم الزخرف قال مجاهد: {آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}: على إمام. {وَقِيلِهِ يَارَبِّ} تفسيره: أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيله. ابن عباس: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارًا، لجعلت لبيوت الكفار سُقُفًا من فضة، ومعارج من فضة، وهي دَرَج، وسرر فضة. وقال مجاهد: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}؛ أي: تُكَذِّبون بالقرآن ثم لا تُعَاقبون عليه. {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}؛ يعني: الجواري. يقول: جعلتموهن للرحمن ولذا. {كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا}: جعلنا قوم فرعون سلفًا لكفار أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. {مَثَلًا}: عبرة. {يَصِدُّونَ}: ¬
43 - سورة حم الدخان
يضِجُّون. {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أول المؤمنين. {مُبْرِمُونَ}: مُجْمِعُون و {وَزُخْرُفًا}: الذهب. {مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}: يخلف بعضهم بعضًا. {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}: عقوبتهم. * * * (43) سورة حم الدخان قال مجاهد: {رَهْوًا}: طريقًا يبسًا. ابن عباس: {كَالْمُهْلِ}: أسود كمُهْلِ الزيت. {فَاعْتِلُوهُ} فادفعوه. {قَوْمُ تُبَّعٍ}: ملوك اليمن؛ لأن كل واحد يتبع صاحبه. {تَرْجُمُونِ}: القتل. {فَارْتَقِبْ}: انتظر. * * * (44) سورة الجاثية والأحقاف {جَاثِيَةً}: مُسْتَوْفِزين على الرُّكَب. 2154 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال اللَّه تبارك (¬1) ¬
وتعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار". أَثَرَة وأُثرَة وأَثَارَة: بقية من علم. ابن عباس: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} ما كنت أول الرسل. 2155 - عن (¬1) يوسف بن مَاهَك (¬2): كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يُبَايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئًا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه (¬3)، فقال مروان: هذا (¬4) الذي أنزل اللَّه فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17]، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللَّه فينا شيئًا من القرآن، لأن (¬5) اللَّه أنزل عذري. 2156 - وعن عائشة قالت: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحكًا حتى أرى ¬
45 - سورة الذين كفروا
منه لهواته، إنما كان يتبسَّم، قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرِفَ ذلك في وجهه، قالت: يا رسول اللَّه! الناس (¬1) إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟ فقال: "يا عائشة! ما يُؤَمِّنَنِي (¬2) أن يكون فيه عذاب؟ عُذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] ". * * * (45) سورة الذين كفروا {أَوْزَارَهَا}: آثامها حتى لا يبقى إلا مسلم. {عَرَّفَهَا}: (بَيَّنَها) (¬3). وقال ابن عباس: {أَضْغَانَهُمْ}: حسدهم. 2157 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خلق اللَّه الخلق، فلما ¬
46 - سورة الفتح
فرغ منه، قامت الرَّحم فأخذت بِحَقْوِ الرحمن فقال: مَهْ (¬1). قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: أما تَرْضَيْن (¬2) أن أَصِلَ من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى (¬3)، قال: فذلكِ لكِ -ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اقرؤوا إن شئتم (¬4) {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] ". * * * (46) سورة الفتح {شَطْأَهُ}: فَرْخَه، ويقال: شطء الزرع: تنبت الحبة عشرًا وثمانيًا وسبعًا، فيقوى بعضه بعضا، فذاك قوله: {فَآزَرَهُ}: قوَّاه، ولو كانت واحدة، لم تقم على ساق. 2158 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلًا، فسأله عمر (¬5) عن شيء فلم ¬
باب
يجبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر (¬1): ثَكِلَتْكَ أمك يا عمر (¬2)، نزرْتَ (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، فقال عمر (¬4): فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن (¬5)، فما نشَبْتُ (¬6) أن سمعت صارخًا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن ينزل فيَّ قرآنٌ، فجئت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسلمت عليه، فقال: "لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس"، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]. * * * باب 2159 - عن المغيرة هو ابن شعبة، قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تورَّمت ¬
باب
قدماه، فقيل له: قد (¬1) غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ ". 2160 - وعن عائشة: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتَفَطّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا؟ " فلما كثر لحمه صلى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ فركع. * * * باب 2161 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أن هذه الآية التي في القرآن {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)} [الفتح: 8] قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحِرْزًا للأُمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سَمَّيْتُكَ المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صَخَّاب (¬2) ¬
47 - سورة الحجرات
في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم به الملة العوجاء؛ بأن يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فيفتح به أَعْيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا. * * * (47) سورة الحُجُرات قال مجاهد: {لَا تُقَدِّمُوا}: لا تفتاتوا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يقضي اللَّه على لسان نبيّه. {يَلِتْكُمْ}: يَنْقُصْكُم. أَلَتْنَا: نقصنا. {امْتَحَنَ اللَّهُ}: أخلص اللَّه. {وَلَا تَنَابَزُوا}: يدعى بالكفر بعد الإِسلام. * * * باب 2162 - عن ابن أبي مليكة (¬1): كاد الخَيِّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر (¬2)، رفعا أصواتهما عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع (¬3)، وأشار الآخر برجل آخر، ¬
فقال أبو بكر لعمر (¬1): ما أردتَ إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك (¬2)، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل اللَّه عز وجل (¬3) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] (¬4) الآية، فقال ابن الزبير (¬5): فما كان عمر يُسْمِع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه (¬6). 2163 - وعن أنس بن مالك: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد (¬7) ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول اللَّه! أنا أعلم لك عِلْمَه، فأتاه فوجده جالسًا في بيته، مُنَكِّسًا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ قال (¬8): شَرٌّ، كان يرفع صوته فوق صوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد حبط عمله، فهو (¬9) من أهل النار، فأتى الرجلُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
48 - سورة ق
فأخبره أنه قال كذا وكذا، فرجع (¬1) إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: "اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة". وفي رواية (¬2): فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد. وقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس، وذكره نحوه. * * (48) سورة ق قال مجاهد: {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ}: من عظامهم. و {بَاسِقَاتٍ}: الطوال. {فَنَقَّبُوا}: ضربوا. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: رَصَدٌ. {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}: الملكين كاتب وشهيد. {قَرِينُهُ}: الشيطان. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}: لا يحدث نفسه بغيره، {وَهُوَ شَهِيدٌ}: شاهد بالقلب. و {لُغُوبٍ}: النَّصَب. {نَضِيدٌ}: الكُفُرَّى في أكمامه. {الْخُرُوجُ}: من القبور، قاله ابن عباس. * * * ¬
باب
باب 2164 - عن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُلْقَى في النار وتقول: هل من مَزِيد، حتى يضع قدمه فيها (¬1)، فتقول: قَطْ قَطْ". 2165 - ومن حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يقال لجهنم: هل امتلأت؟ فتقول (¬2): هل من مزيد؟ فيضع الرب (¬3) قدمه عليها، فتقول: قَطْ قَطْ". 2166 - وعنه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أُوثِرْتُ بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسَقَطُهم، قال اللَّه (¬4) للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، (وقال للنار: إنما أنتِ عذابٌ أعذب بك من أشاء من عبادي) (¬5)، ¬
باب
ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قَطْ قَطْ، فهنالك تمتلئ، ويُزْوَى بعضها إلى بعض، ولا يظلم اللَّه (¬1) من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن اللَّه ينشئ لها خلقًا". * تنبيه: مذهب السلف في المشكلات أن لا يتعرض لتأويلها، مع القطع باستحالة حملها على ظواهرها، وقد تعرض كثير من العلماء إلى تأويلها وردها إلى مجازات كلام العرب واستعارتها، فمن ذلك أنَّ وضع القدم والرِّجْل في هذا الحديث يمكن حمله على أن المراد بذلك تذليل جهنم عند طغيانها (¬2)، وقولها: هل من مزيد، فيذللها اللَّه تعالى تذليل من يُوضَعُ تحت الرجل، ويؤيده قوله: "فيضع قدمه عليها"، وقيل غير هذا، والتسليم أسلم، واللَّه أعلم. * * * باب 2167 - عن جرير (¬3) بن عبد اللَّه قال: كنا جلوسًا ليلة مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تُضَامُون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل ¬
49 - سورة الذاريات
طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. 2168 - قال ابن عباس: أمره أن يسبّح في أدبار الصلوات (¬1)؛ يعني قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40]. * * * (49) سورة الذاريات قال علي: {وَالذَّارِيَاتِ}: (الرياح، وقال) (¬2) غيره: تذروه تفرِّقه. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ}: يأكل ويشرب في مدخل واحد، ويخرج من موضعين. {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}: جمعت أصابعها فضربت وجهها. {كَالرَّمِيمِ}: نبات الأرض إذا يبس ودِيسَ. {لَمُوسِعُونَ}؛ أي: لذو سعة. {زَوْجَيْنِ}: الذي والأنثى، واختلاف الألوان، حلو وحامض. {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}؛ يعني من اللَّه إليهْ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: وما خلقت أهل السعادة من الفريقين إلا ليوحدون. وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر، و {ذَنُوبًا}: الدلو العظيمة. وقال ¬
50 - سورة والطور
مجاهد: {ذَنُوبًا}: سَجْلًا. {فِي صَرَّةٍ}: صيحة. {فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}: في ضلالهم يتمادَوْن. {مُسَوَّمَةً}: مُعَلَّمة من السيماء. {قُتِلَ الْإِنْسَانُ}: لعن. * * * (50) سورة والطور مجاهد: {وَالطُّورِ}: الجبل بالسريانية. {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور}: الموقَد (¬1). قال الحسن (¬2): سُجّرَت حتى يذهب ماؤها. ابن عباس: {كِسْفًا}: قطعًا. {تَمُورُ}: تدور. {يَتَنَازَعُونَ}: يتعاطَوْن. {الْمَنُونِ}: الموت. 2169 - عن جُبير بن مُطْعِم: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في المغرب بـ {وَالطُّورِ} حتى بلغ (¬3) هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)} [الطور: 35 - 37]، فكاد (¬4) قلبي أن يطير. * * * ¬
51 - سورة والنجم
(51) سورة والنجم مجاهد: {ذُو مِرَّةٍ}: ذو قوة. {ضِيزَى}: عوجاء. {وَأَكْدَى}: قطع عطاءه. {الشِّعْرَى}: هو مِرْزَمُ الجوزاء. {سَامِدُونَ}: البَرْطَمَةُ، هو ضرب من اللهو. عطاء (¬1): يتغنّون بالحِمْيَرية. {أَفَتُمَارُونَهُ}: أفتجادلونه. ومن قرأ {أَفَتُمَارُونَهُ}: أفتحجدون. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ}: بصر محمد، "ولا طغى": ولا جاوز ما رأى. {أَغْنَى وَأَقْنَى}: أعطى فأرضى. * * * باب 2170 - عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أُمَّتَاه! هل رأى محمدٌ (¬2) ربه؟ فقالت: قَفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث؟ من حَدَّثَكَهُن فقد كذب، من حدثك أن محمدًا (¬3) رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ ¬
باب
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ، فقد كذب، ثم قرأت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، ولكنه رأى جبريل (¬1) في صورته مرتين. * * * باب 2171 - عن زِرٍّ، عن عبد اللَّه وابن مسعود وقد سُئل عن قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] (¬2): إنه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى جبريل لي ست مئة جناح. 2172 - وعن علقمة، عن عبد اللَّه قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] قال: رأى رَفْرَفًا أخضر، سد الأُفُقِ (¬3). * * * ¬
باب
باب 2173 - عن عبد اللَّه وابن مسعود، قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة النجم (¬1)، قال: فسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسجد مَنْ خلفه، إلا رجلًا رأيته أخذ كفًّا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرًا، وهو أمية بن خلف. * * * (52) سورة اقتربت {وَدُسُرٍ}: أضلاع السفينة. {فَتَعَاطَى فَعَقَر}: تعاطاها بيده فعقرها. {مُحْتَضَرٌ}: يحضرون الماء. {مُهْطِعِينَ}: مسرعين. {الْمُحْتَظِرِ}: كَحِظَار من الشجر محترق. {وَازْدُجِرَ}: من زجرت. {عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}: ثابت. {الْأَشِرُ}: المرح والتجبّر. * * * باب 2174 - عن ابن مسعود قال (¬2): انشق القمر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
باب
فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "اشهدوا"، ونحوه عن ابن عباس (¬1) وأنس (¬2). * * * باب {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}: قال قتادة: أبقى اللَّه سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة. {كُفِرَ}: فعلنا به وبهم ما فعلنا. {جَزَاءً}: كما صنع بنوح وأصحابه. * * * باب 2175 - عن أبي إسحاق: أنه سمع رجلًا سأل الأسود {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أو {مُذَّكِرٍ} [القمر: 15]؟ قال: سمعت عبد اللَّه يقرؤها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. ¬
باب
وفي رواية (¬1) قال عبد اللَّه: قرأت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِّر}، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. * * * باب 2176 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال -وهو في قُبَّة له يوم بدر-: "اللهم (¬2) أَنْشُدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعبد بعد اليوم أبدًا" فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول اللَّه، فقد ألححت على ربك -وهو يَثِبِ في الدرع- فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45 - 46]. * * * (53) سورة الرحمن عز وجل {الْعَصْفِ}: بَقْل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك. {وَالرَّيْحَانُ}: رِزْقُه. {وَالْحَبُّ}: الذي يؤكل منه. وقال بعضهم: {الْعَصْفِ}: المأكول ¬
باب
من الحب، و {وَالرَّيْحَانُ}: النَّضِيجُ منه الذي لم يؤكل، وقال مجاهد: {الْعَصْفِ}: ورق الحنطة. و {وَالرَّيْحَانُ}: الرزق، الضحاك: {الْعَصْفِ}: التبن. {كَالْفَخَّارِ}: مجاهد: كما يصنع الفخار. مجاهد: {مَارِجٍ}: طرف النار الأحمر، الذي يكون به الدخان. {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ}: مشرقا الصيف والشتاء، ومغربا الصيف والشتاء. {لَا يَبْغِيَانِ}: لا يختلطان. و {الْمُنْشَآتُ}: ما رفع قِلْعُه من السفن، فأما ما لم يرفع قِلْعه فليس بمنشآت. {شُوَاظٌ}: لهب من نار. {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: يهمُّ بالمعصية فيتركها. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؛ أي: نعمة، والخطاب للجن والإنس. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: أبو الدرداء: يغفر ذبنًا ويكشف كربًا، ويرفع قومًا ويضع آخرين. {الْجَلَالِ}: العظمة. {مَارِجٍ}: خالص من النار، يقال: مرج الأمير رعيته: إذا خَلَّاهم يَعْدو بعضهم على بعض، ومَرَجَ أمرُ الناس: اختلط. و {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: مَرَجْتَ دابتك: تَرَكْتَهَا. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}: سنجازيكم، تقول العرب: لأَتَفَرَّغَنَّ لك وما به شُغل. * * * باب 2177 - عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- _______ 2177 - خ (3/ 302)، (65) كتاب التفسير، (55) سورة الرحمن، (1) باب {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد العَمِّيّ، عن أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه به، رقم (4878)، طرفاه في (4880، 7444).
باب
قال: "جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء العزة (¬1) على وجهه" (¬2). * * * باب ابن عباس: "الحَوْرَاء": السوداء الحَدَق. مجاهد: {مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}: محبوسات، قُصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن. {قَاصِرَاتُ}: لا يبغين غير أزواجهن. 2178 - وعن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مُجَوَّفة، عرضها ستون ميلًا، في كل زاوية أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون"، وذكر نحو ما تقدم غير أنه قال: "إلا رداء الكبرياء (¬3) على وجهه في جنة عدن". * * * ¬
54 - سورة الواقعة
(54) سورة الواقعة {رُجَّتِ}: زلزلت. و {بَسًّا}: فُتَّتَ ولُتَّتْ كما يُلَتُّ السويق. {مَخْضُودٍ}: الذي لا شوك له. و {عُرُبًا}: المحببات إلى أزواجهن. {ثُلَّةٌ}: أُمَّةٌ. {يَحْمُومٍ}: دخان أسود. {لَمُغْرَمُونَ}: لملومون. {يُصِرُّونَ}: يُديمون. {مَدِينِينَ}: محاسبين. {وَرَيْحَانٌ}: الرزق. {تَفَكَّهُونَ}: تعجبون. {عُرُبًا} مُثَقَّلَة: واحد عروب؛ مثل صبور وصُبُر، تسميها أهل مكة: العَرِبَة، وأهل المدينة: الغَنِجة، وأهل العراق: الشكلة. {خَافِضَةٌ} لقوم إلى النار، و {رَافِعَةٌ} لقوم إلى الجنة. {مُتْرَفِينَ}: متمتعين. {مَا تُمْنُونَ} من النُّطَفِ في أرحام النساء. {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}: محكم القرآن، ويقال: بمسقط النجوم إذا سقطن، ومواقع وموقع واحد. {مُدْهِنُونَ}: مكذبون؛ مثل قوله: {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}. {فَسَلَامٌ لَكَ}؛ أي: فسلامة. 2179 - عن أبي هريرة -يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرؤا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] ". * * * _______ 2179 - خ (3/ 304)، (65) كتاب التفسير، (56) سورة الواقعة، (1) باب {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (4881).
55 - سورة المجادلة وسورة الحشر
(55) سورة (¬1) المجادلة وسورة الحشر مجاهد: {بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}: جُنَّة وسلام. {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}: ليعلم. {يُحَادُّونَ}: يُشَاقُّون. {كُبِتُوا}: أُخْزِيوا. {اسْتَحْوَذَ}: غلب. {مَوْلَاكُمْ}: أولى بكم. {انْظُرُونَا}: انتظرونا. 2180 - عن سعيد بن جُبير: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لا تبقي (¬2) أحدًا إلا (¬3) ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر، قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير. * * * باب 2181 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَرَّقَ نخل بني النضير وقَطَعَ، ¬
باب
وهي البُوَيْرَة، فأنزل اللَّه عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] الآية. * * * باب 2182 - عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لعن اللَّه الواشمات والمستوشمات (¬1)، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجَاتِ للحُسْن، المغيّرات لخلق اللَّه، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنتَ كيت وكيت، فقال: ما لي (¬2) لا ألعن من لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومَنْ هو في كتاب اللَّه؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها (¬3). ¬
باب
وفي رواية (¬1): "لعن اللَّه الواصلة". الغريب: "الوَاشِمات": العاملات للوشوم، وهي الشروط المكحلة في الوجوه والأيدي. و"المستوشمات": هُنَّ المستدعيات لفعل ذلك. و"المُتَنَمِّصَات": هُنَّ اللوائي يقلعن الشعور النابتة في الوجوه بالمناص، وهو المقلاع من الحديد. و"المُتَفَلِّجَات": هن اللوائي يصنعن بالفلج، وهو تفريق الثنايا. وفي طريق آخر: "الوَاشِرَات": وهن اللواتي الوشر في أسنانهن، وهو الحزُّ في أطراف الأسنان، يتشبهن بالشواب. و"الواصلات": اللواتي يصلن شعورهن بشعر آخر يُكَثِّرْن بذلك شعورهن، وهؤلاء إنما لُعِنَّ لأنهن غَيَّرنَ الخِلَقَ الثابتة؛ كراهية لما خلق اللَّه وفعله، واللَّه أعلم. * * * باب 2183 - عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب (¬2): أوصى ¬
باب
الخليفة بالمهاجرين الأولين أن نعرف (¬1) لهم حقهم، وأوصى الخليفة بالأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبل أن يهاجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَقْبَل من محسنهم ويَعْفوَ عن مسيئهم. * * * باب 2184 - عن أبي هريرة قال: أتى رجلٌ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! أصابني الجَهْد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا رجل يضيفه هذه الليلة رحمه اللَّه؟ " فقام رجل من الأنصار قال: أنا يا رسول اللَّه، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا تدخريه شيئًا، قالت: واللَّه ما عندي إلا قوتُ الصِّبية، قال: فإذا أراد الصبية العَشَاء، فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لقد عجب اللَّه (¬2) -أو ضحك اللَّه (¬3) - من فلان وفلانة"، فأنزل اللَّه تعالى (¬4) {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ ¬
56 - سورة الممتحنة
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. قوله: "عجيب اللَّه"؛ أي: عَظَّم ذلك الصنع تعظيم ما يتعجب منه. "وضحك اللَّه"؛ أي: رضي ذلك، كما يرضى من يضحك بما سَرَّه، واللَّه أعلم. * * * (56) سورة الممتحنة مجاهد: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: لا تعذبنا بأيديهم، فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا. {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: أمر أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بفراق نسائهم كُنَّ كوافر بمكة. قد تقدم حديث حاطب في غزوة بدر. * * * باب 2185 - عن عائشة قالت: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية؛ يقول اللَّه تبارك (¬1) وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا ¬
جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 12]، قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد بايعتك"، كلامًا، لا (¬1) واللَّه ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك". * تنبيه: أحسن ما قيل في قوله: {بِبُهْتَانٍ}: إنه نسبة الولد من الزنا، أو من الملتقط للزوج. و {مَعْرُوفٍ}: هو طاعة اللَّه ورسوله. 2186 - وعن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: بايعنا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقرأ علينا: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]، ونهانا عن النياحة، فقبضِ امرأةٌ يدها قالت (¬2): أسعدتني فلانة (¬3)، أريد أن أَجْزِيَها، فما قال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، فانطلقت ورجعت فبايعها. 2187 - وعن ابن عباس قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان (¬4)، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم ¬
57 - سورة الصف
يخطب بعد، فنزل نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكأني انظر إليه حين يُجَلِّس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ. . .} حتى فرغ من الآية كلها، ثم حين فرغ قال (¬1): "أنتن على ذلك؟ " فقالت (¬2) امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول اللَّه -لا يدري الحَسَنُ مَنْ هي- قال: فتصدقن، وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفَتَخَ والخواتيم في ثوب بلال. "الفَتَخَ": جمع فتخة، وهي خاتم عظيم، فإن كان له فَصٌّ فهو الخاتم. * * * (57) سورة الصفّ مجاهد: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}: من يبتغي إلى اللَّه. ابن عباس: {مَرْصُوصٌ}: ملصق بعضه ببعض، وقال غيره: بالرصاص. قوله: {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]. 2188 - عن جُبَيْر بن مُطْعم قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "إن لي ¬
58 - سورة الجمعة
أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحي (¬1) اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب". * * * (58) سورة الجمعة 2189 - عن أبي هريرة قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل عليه سورة الجمعة {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قال: قالوا (¬2): من هم يا رسول اللَّه؟ فلم يراجعه حتى سأله (¬3) ثلاثًا، وفينا سلمان الفارسي، وضع يده رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على سلمان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثُّرَيَّا، لناله رجال من (¬4) هؤلاء". 2190 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: أقبلت عِيرٌ يوم الجمعة ونحن مع ¬
59 - سورة المنافقين
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فثار الناس إلا اثني عشر (¬1) رجلًا، فأنزل اللَّه تعالى (¬2): {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. * * * (59) سورة المنافقين 2191 - عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي -وفي رواية (¬3): مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر أصاب الناسَ منه شدةٌ، فسمعت عبد اللَّه ابن أُبَيٍّ ابن سلول يقول لأصحابه: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}، {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}، فذكرت ذلك ¬
لعمي، فذكره عمي للنبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعاني فحدثته، فأرسل إلى (¬2) عبد اللَّه بن أُبَيٍّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، وكذبني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصدَّقهم (¬3)، فأصابني غَمٌّ (¬4) لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردتَ إلى أن كَذَّبَكَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومقتك. وفي رواية (¬5): فلامني الأنصار، فأنزل اللَّه عز وجل: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] (¬6)، فأرسل إليَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقرأها وقال: "إن اللَّه قد صدَّقك". وفي رواية (¬7): فدعاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستغفر لهم، فَلَوَّوْا رؤوسهم. 2192 - وعن أنس بن مالك قال: حزنت على من أُصيب بالحَرَّةِ، ¬
فكتب إليَّ زيد بن أرقم -وبلغه شدة حزني- فذكر (¬1) أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار"، وشك عبد اللَّه بن الفضل في أبناء أبناء (¬2) الأنصار، فسأل أنسًا بعضُ من كان عنده فقال: هو الذي يقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، هذا الذي أوفى اللَّه بأُذُنِهِ؛ يعني: لما سمع (¬3). 2193 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كنا في غزاة، فكَسَعَ (¬4) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمعها اللَّه ورسوله (¬5)، قال: "ما هذا؟ " قالوا (¬6): كَسَعَ رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعوها؛ فإنها مُنْتِنَةٌ". ¬
60 - سورة التغابن وسورة الطلاق
قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثر، ثم أكثر المهاجرون بعدُ، فقال عبد اللَّه بن أُبَيٍّ: أوقد فعلوها (¬1)؟ واللَّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر بن الخطاب (¬2): دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق، فقال (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه". * * * (60) سورة التغابن وسورة الطلاق {يَوْمُ التَّغَابُنِ}: غَبْنُ أهل الجنة أهلَ النار. عبد اللَّه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هو الذي إذا أصابته مصيبة رضي وعرف أنها من اللَّه. مجاهد: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}: إن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض؟ فاللاتي قعدن عن الحيض واللاتي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر. مجاهد: {وَبَالَ أَمْرِهَا}: جزاء أمرها. 2194 - عن سالم: . . . . ¬
أن عبد اللَّه بن عمر (¬1) أخبره: أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتَغَيَّظَ فيه، ثم قال: "ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسَّها، فتلك العدة كما أمر اللَّه". 2195 - وعن أبي سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس -وأبو هريرة جالس عنده- قال (¬2): أفتني في امرأة ولدت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة؛ فقال ابن عباس: آخر الأجلين، قلت أنا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطلاق: 4]، قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي؛ يعني: أبا سلمة، فأرسل ابن عباس غلامه كُرَيْبًا إلى أم سلمة يسألها, فقالت: قُتِل زوج سُبَيْعَة الأسلمية وهي حُبْلَى، فوضعت بعد موته بأربعين، فخطبت، فأنكحها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو السنابل فيمن خطبها. 2196 - وعن محمد هو ابن سيرين قال: لقيتُ أبا عطية مالك بن ¬
61 - سورة {لم تحرم}
عامر فسألته، فذهب يحدثني حديث سُبَيْعَة، فقلت: هل سمعت عن عبد اللَّه فيها شيئًا؟ فقال: كنا عند عبد اللَّه فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القُصْرَى بعد الطُّولى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. * * * (61) سورة {لِمَ تُحَرِّمُ} 2197 - عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس قال في الحرام: يُكفِّر (¬1). وقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الممتحنة: 6]. ¬
باب تبتغي مرضات أزواجك
2198 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشرب عسلًا عند زينب بنت (¬1) جحشٍ، ويمكث عندها، فتواطأت (¬2) أنا وحفصة على أَيَّتِنَا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، قال: "لا, ولكني كنت أشرب عسلًا عند زينب بنت (¬3) جحشٍ، فلن أعود له، وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحدًا". "المغافير": جمع مَغْفِر، وهو صمغة العُرْفط، وله ريح كريهة. * * * باب تبتغي مرضات أزواجك (¬4) 2199 - عن ابن عباس قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر ¬
ابن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجًّا، فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين! من اللتان تظاهرتا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: واللَّه إني كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة (¬1). قال: فلا تفعل، ما ظننتَ أن عندي من علم فاسألني، فإن كان عندي علم (¬2) أخبرتك به، قال: ثم قال عمر: واللَّه إنْ كنا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا حتى أنزل اللَّه فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا أنا في أمرٍ أتأمّره إذ قالت لي امرأتي (¬3): لو صنعت كذا وكذا، قال: فقلت لها: مالك ولما ههنا، فيما تكلُّفك في أمرٍ أريده، فقالت في: عجبًا لك يا بن الخطاب، ما تريد أن تُرَاجعَ أنت وإن ابنتك لتراجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يظل يومه غضبان، (فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنية! إنك لتراجعين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يظل يومه غضبان؟ ) (¬4) فقالت حفصة: واللَّه إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذّرك عقوبة اللَّه وغضب رسوله (¬5)، يا بُنية! لا يغرنّك هذه التي أعجبها حُسْنُها حبُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إياها -يريد عائشة- قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها فقالت ¬
أم سلمة: عجبًا لك يا بن الخطاب، دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين أزواجه؟ فأخذتني واللَّه أخذًا كسرتني عن بعض ما كنت أجد، قال (¬1): فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوّف ملكًا من ملوك غسَّان، ذُكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب فقال: افتح افتح، فقلت: جاء الغَسَّانيُّ؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أزواجه، فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي وأخرج (¬2) حتى جئت، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَشْرُبَةٍ له يرقى عليها بعَجَلَةٍ، وغلامٌ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسود على رأس الدَّرَجَة، فقلت (¬3): قل: هذا عمر بن الخطاب، فأَذِن لي، فقصصت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا الحديث، فلما بلغتُ حديث أم سلمة، تبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنه لعلي حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أَدَمٍ، حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظًا مصبورًا، وعند رأسه أهبٌ معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال "ما يبكيك؟ " قلت: يا رسول اللَّه! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول اللَّه، فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا, ولنا الآخرة؟ ". * * * ¬
باب
باب 2200 - عن أنس قال: قال عمر (¬1): اجتمع نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الغَيْرَةِ عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا (¬2)، فنزلت هذه الآية. * * * (62) سورة الملك وسورة {ن وَالْقَلَمِ} {تَفَاوُتٍ}: والتفاوت: الاختلاف. {مَنَاكِبِهَا}: جوانبها. {عَلَى حَرْدٍ}: جِدٌّ في أنفسهم. {يَتَخَافَتُونَ}: يتناجون. {كَالصَّرِيمِ}: كالصبح انصرم من الليل، والليل انصرم من النهار، وهو أيضًا كل رملة انصرمت من معظم الرمل، والصريم أيضًا المصروم؛ مثل قتيل ومقتول. 2201 - وعن ابن عباس: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]: رجل (¬3) ¬
من قريش: له زَنَمَةٌ مثل زنمة (¬1) الشاة. 2202 - وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف مُتَضَعِّف، لو أقسم على اللَّه لأبرَّهُ، ألا أخبركم بأهل النار، كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر". 2203 - وعن أبي سعيد قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً (¬2) وسُمعة، فيذهب يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا". الغريب: "عُتُلٍّ": فاحش في الحديث والقول، عكرمة: قوي في أمره شديد، الحسن: مُصَحَّحُ الجسم، جاف شديد الخصومة. وقيل في زَنِيم: إنه اللئيم، ابن عباس: ظلوم، عكرمة: دَعِيٌّ، وقيل: هو المعروف بالشر، من الزَّنَمَةِ. وقيل: هو الوليد بن عقبة، وكانت له تحت أذنه مثل زنمة التيس. "عن ساق": عن شدة. ¬
63 - سورة الحاقة وسورة سأل سائل
ابن عباس قال: كشفت لكم عن ساقها ... وبدا من الشر القراح وقال الحسن: هو نور عظيم يخرون له سُجَّدًا، ويجعل صدر من لم يسجد للَّه تعالى كضئضئة البقرة، وقيل غير هذا، واللَّه أعلم، والتسليم أسلم. * * * (63) سورة الحاقة وسورة سأل سائل {الْقَاضِيَةَ}: المَوْتَةُ الأولى التي مُتُّها لم أحيا بعدها. {الْوَتِينَ}: نياط القلب. ابن عباس: {طَغَى}: كثر. {بِالطَّاغِيَةِ}: بطغيانهم، ويقال: طغت على الخزان كما طغا الماء على قوم نوح. {وَفَصِيلَتِهِ}: أصغر آبائه القربى. {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}: اليدان والرجلان والأطراف، وجلدة الرأس يقال لها: شواة. {عِزِينَ}: جاؤوا جماعات، واحدتها: عِزَةٌ. * * * (64) سورة نوح {أَطْوَارًا}: طورًا كذا وطورًا كذا، يقال: عدا طوره؛ أي: قدره.
{كُبَّارًا}: وقيل: كُبّار الكبيرُ، والعرب تقول: رجل حَسَّان، جَمَّال، بالتشديد والتخفيف. {دَيَّارًا}: من دور، ولكنه فَيْعَال من الدوران؛ كما قرأ عمر: الحيُّ القَيَّام، وهي من قمت، وقيل: ديار: أحدًا. {إِلَّا تَبَارًا}: إهلاكًا. ابن عباس: {مِدْرَارًا}: يتبع بعضها بعضًا. 2204 - وقال ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب (¬1)، أما وَدّ، فكان لِكَلْب بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأما سُوَاع فكانت لهُذَيْل، وأما يَغُوث فكانت لمراد (¬2)، ثم لبني غُطَيْف بالجُرُف عند سبأ، وأما يَعُوق فكانت لِهَمْدَان، وأما نَسْر فكانت لحِمْيَرِ، لآل ذِي الكَلَاع، وكانت (¬3) أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشياطين إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِخ (¬4) العِلْم، عُبِدَت. * * * ¬
65 - سورة: {قل أوحي إلي}
(65) سورة: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} 2205 - عن ابن عباس قال: انطلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عُكَاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، فأُرسلت عليهم الشُّهُب قالوا: ما حال بينكم (¬1) وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها (¬2)، قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تِهَامة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمَّعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنَّا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرُّشْد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا، وأنزل تبارك وتعالى (¬3) على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1]، إنما أوحى إليه قول الجن. ¬
66 - سورة المزمل وسورة المدثر
وقد تقدم في كتاب الصلاة بأكمل من هذا. * * * (66) سورة المزمّل وسورة المدثر {وَتَبَتَّلْ}: أخلص. وقال الحسن (¬1): {أَنْكَالًا}: قيودًا. وقال ابن عباس: {كَثِيبًا مَهِيلًا}: الرمل السائل. {وَبِيلًا}: شديدًا. {مُنْفَطِرٌ بِهِ}: مثقلة به. {قَسْوَرَةٍ}: ركز الناس وأصواتهم، وكل شديد قسورة وقَسْور. أبو هريرة: والقَسْوَرة الأسد. {مُسْتَنْفِرَةٌ}: مذعورة. وقد تقدم حديث الوحي في أول الكتاب. 2206 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد اللَّه: أي القرآن أنزل أولًا (¬2)؟ فقال: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، فقلت: أُنْبِئت أنه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] (¬3)، فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جاورت من حراء (¬4)، فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت ¬
67 - سورة القيامة
الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة فقلت: دَثِّرُوني، فدثروني (¬1)، وصبوا عليَّ ماءً باردًا، وأنزل اللَّه عليَّ (¬2): {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} إلى قوله {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] قبل أن تفرض الصلاة" (¬3). و"الرُّجْز": الأوثان. * * * (67) سورة القيامة قوله: {سُدًى} قال ابن عباس: هَمَلًا. {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: سوف أتوب، سوف أعمل. {لَا وَزَرَ}: لا حصن. 2207 - عن ابن عباس: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي، حرَّك به لسانه (¬4)، فأنزل اللَّه تعالى (¬5): {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} - {إِنَّ عَلَيْنَا ¬
68 - سورة {هل أتى على الإنسان}
جَمْعَهُ} [القيامة: 16 - 17] (¬1)؛ أي: نجمعه في صدرك (¬2). {وَقُرْآنَهُ}؛ أي: تقرأه. {بَيَانَهُ}؛ أي: تبينه على لسانك. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛ يعني اعمل به. {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}: تَوَعُّد. * * * (68) سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} {هَلْ}: تكون جَحْدًا وتكون خبرًا. {مُسْتَطِيرًا}: ممتد البلاء، يقول: كان شيئًا فلم يكن مذكورًا، وذلك حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح. {أَسْرَهُمْ}: في شدة الخَلْق، وكل شيء شددته من عَبِيط وقَتَبٍ فهو مأسور. و {أَمْشَاجٍ}: الأخلاط، ماء الرجل وماء المرأة. والمَشِيجُ: الخليط. و {قَمْطَرِيرًا}: والقماطير: الشديد، والعصيب أشد ما يكون من الأيام في البلاء. * * * (69) سورة {وَالْمُرْسَلَاتِ} {جِمَالَتٌ}: حِبَال. ¬
2208 - وعن علقمة، عن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزلت (¬2) عليه: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، وإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت حَيَّة (¬3) -في رواية (¬4): فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقتلوها (¬5) "- فابتدرناها، فسبقتنا فدخلت جحرها، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وُقِيَتْ شركم كما وقيتم شرها". 2209 - ابن عباس: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات: 32]: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، فنرفعه للشتاء فنسميه القصر. {جِمَالَتٌ صُفْرٌ}: [المرسلات: 33] حبال السُّفُن، تجمع حتى تكون كأوصاط الرجال. * * * ¬
70 - سورة {عم يتساءلون}
(70) سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} مجاهد: {لَا يَرْجُونَ حِسَابًا}: لا يخافونه. ابن عباس: {وَهَّاجًا}: مضيئًا. {حِسَابًا}: جزاءً كافيًّا. {وَغَسَّاقًا}: غَسَقَتْ عينه، وَيغْسِقُ الجرح: يسيل، وكذا الغَسَّاق والغَسَق واحد. {أَفْوَاجًا}: زمرًا. 2210 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بين النفختين أربعون"، قالوا (¬1): أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ، قالوا (¬2): أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا (¬3): أربعين سنة؟ قال: أبيت. . . الحديث قد تقدم. * * * (71) سورة {وَالنَّازِعَاتِ} مجاهد: {الْآيَةَ الْكُبْرَى}: عصاه ويده. {نَخِرَةً}: والناخرة سواء، وهي البالية، و"الناخرة": العظم المجوف الذي يمر فيه الريح فتنخره. ابن ¬
72 - سورة عبس
عباس {الْحَافِرَةِ}: أَمْرُنا الأوَّلُ إلى الحياة. {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}: متى منتهاها، ومَرْسَى السفينة حيث تنتهي. 2211 - وعن سهل بن سعد: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال بأصبعه (¬1) -هكذا الوسطى (¬2) والتي تلي الإبهام- "بعثت أنا والساعة كهاتين". * * * (72) سورة عَبَس {عَبَسَ وَتَوَلَّى}: كَلَحَ وأعرض. {مُطَهَّرَةٍ}: لا يمسها إلا المطهرون، وهم الملائكة. {سَفَرَةٍ}: الملائكة، واحدهم سافر، سَفَرْت بين القوم: أصلحت بينهم. ابن عباس: يعني كَتَبَة أَسْفَار. {تَصَدَّى}: تغافل عنه. ابن عباس: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}: تغشاها شدة. {مُسْفِرَةٌ}: مشرقة. مجاهد: {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}: لا يقضي أحد ما أُمر به. {تَلَهَّى}: تشاغل. 2212 - عن عائشة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو ¬
73 - سورة التكوير وسورة الانفطار
حافظ له مع السَّفَرَة الكرام، ومثل الذي يقرأه ويتعاهده وهو عليه شديد، فله أجران". * * * (73) سورة التكوير وسورة الانفطار {سُجِّرَتْ}: ذهب ماؤها. وقال مجاهد: {الْمَسْجُورِ}: المملوء. وقال غيره: سجرت: أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرًا واحدًا. {انْكَدَرَتْ}: انتثرت. {الْكُنَّسِ}: تستتر كما يَكْنِس الظبي. و {بِالْخُنَّسِ}: تَخْنِسُ في مُجراها: ترجع. {بِضَنِينٍ}: المتهم، والضنين يَضِنُّ به بِبُخْلٍ. وقال عمر: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}: تزوج نظيره من أهل الجنة والنار، ثم قرأ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}. {عَسْعَسَ}. أدبر. الربيع بن خُثيم: {فُجِّرَتْ}: فاضت. {فَعَدَلَكَ} بالتشديد؛ يعني: فعدّل الخلق، وبالتخفيف؛ يعني: في أي صورة شاء، إما حسن وإما قبيح، وطويل وقصير. * * * (74) سورة {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وسورة الانشقاق المُطفِّف: لا يُوَفِّي. مجاهد: {رَانَ}: ثبت الخطايا. {ثُوِّبَ}: جُوزي.
باب
2213 - عن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: " {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين (6)} [المطففين: 6]، حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه". مجاهد: يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره. {وَسَقَ} جمع. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ أي: ظن أن لا يرجع إلينا. * * * باب 2214 - عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس أَحَدٌ يحاسب إلا هلك"، قالت: قلت: يا رسول اللَّه! جعلني اللَّه فداءك، أليس يقول اللَّه عز وجل: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] (¬1)؟ قال: "ذلك (¬2) العَرْضُ يعرضون، من (¬3) نوقش الحساب هلك". ¬
75 - سورة البروج وسورة الطارق
2215 - ابن عباس {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19] حالًا بعد حال. قال هذا نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (75) سورة البروج وسورة الطارق قال مجاهد: {الْأُخْدُودِ}: الشَّقُّ في الأرض. {فَتَنُوا}: عَذَّبُوا. مجاهد: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}: سحابًا ترجع بالمطر. {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}: تنصدع بالنبات. * * * (76) سورة الغاشية وسورة الفجر ابن عباس: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}: النصارى. مجاهد: {عَيْنٍ آنِيَةٍ}: بلغ إناها وحان شربها، {حَمِيمٍ آنٍ}: بلغ إناه. {ضَرِيعٍ}: نبت يقال لها: الشِّبْرِق، ويسميه أهل الحجاز: الضَّرِيع إذا يبس، وهو سُمٌّ. {بِمُصَيْطِرٍ}: بمسلَّط، وتقرأ بالصاد والسين. ابن عباس: {إِيَابَهُمْ}: مرجعهم. مجاهد: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}: القديمة، والعماد أهل عماد لا يقيمون. {سَوْطَ عَذَابٍ}: كلمة _______ 2215 - خ (3/ 322)، (65) كتاب التفسير، (2) باب {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}، من طريق هشيم، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن مجاهد، عن ابن عباس به، رقم (4940).
77 - سورة البلد
تقولها العرب لكل نوع من العذاب، يدخل فيه السوط. {أَكْلًا لَمًّا}: أشر الأكل. لممته: أتيت على آخره. و {جَمًّا}: الكثير. مجاهد: كل شيء خَلَقَه فهو شَفْع، السماء شفع، والوتر اللَّه. {تَحَاضُّونَ}: تحافظون. ويَحُضُّون: يأمرون بإطعامه. قال الحسن: النفس إذا أراد قبضها اطمأنت إلى اللَّه، واطمأن اللَّه إليها، ورضيت عن اللَّه ورضي اللَّه عنها، فأمر بقبض روحها، وأدخله الجنة، وجعله من عباده الصالحين. {جَابُوا}: نَقَبُوا. جِيبَ القميصَ: قُطِعَ له حبيب، يجوب الفلاة: يقطعها. {لَبِالْمِرْصَادِ}: إليه المصير. {الْمُطْمَئِنَّةُ}: المصدقة بالثواب. * * * (77) سورة البلد مجاهد: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}: بمكة، ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم: {وَوَالِدٍ}: آدم. {وَمَا وَلَدَ}. و {لُبَدًا}: كثيرًا. {النَّجْدَيْنِ}: الخير والشر. {مَسْغَبَةٍ}: مجاعة. {مَتْرَبَةٍ}: الساقطة في التراب. {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: فلم يقتحم العقبة في الدنيا، ثم فسَّر العقبة فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)}. * * * (78) سورة {وَالشَّمْسِ} {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}: مجاهد: عُقْبى أحد. {بِطَغْوَاهَا}: معاصيها.
2216 - عن عبد اللَّه بن زَمْعَة: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب وذكر الناقة والذي عقرها (¬1)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: " {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12]: انبعث لها رجلٌ عزيزٌ (¬2) عارمٌ، منيعٌ في رهطه؛ مثلُ أبي زمعة". وفي رواية (¬3): "عمِّ الزبير بن العوام". وذكر النساء فقال "يَعْمِدُ (¬4) فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يوم" (¬5). ثم وعظهم في (¬6) ضحك الضَّرْطَةِ وقال: "لِمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". * * * ¬
79 - سورة {والليل}
(79) سورة {وَاللَّيْلِ} ابن عباس: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: بالخَلَف. و {تَلَظَّى}: توهج. قرأ عبيد ابن عمير: تتلظى. 2217 - عن الأعمش، عن إبراهيم: قدم أصحاب عبد اللَّه على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم، فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد اللَّه؟ قال: كلنا، قال: فأيكم أحفظ؟ فأشاروا (¬1) إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} [الليل: 1]؟ قال علقمة: (والذَّكرِ والأنثى)، قال: أشهد أني سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، واللَّه لا أتابعهم. 2218 - وعن عليٍّ قال: كنا في جَنَازَة في بقيع الغَرْقَد، فأتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فجعل يَنْكُتُ بِمِخْصَرَته ثم قال: "ما منكم من أحد -أو ما من نفس منفوسة- إلا كتب مكانها ¬
من الجنة والنار، وإلا قد كتب (¬1) شقية أو سعيدة"، قال رجل: يا رسول اللَّه! أفلا نتَّكِلُ على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل (¬2) أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة -وفي رواية (¬3): "اعملوا فكل مُيَسَّر لما خُلق له"-[قال]: "أما (¬4) أهل السعادة فسيصيرون (¬5) إلى عمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسيصرِون (¬6) لعمل أهل الشقاوة" (¬7)، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} الآية إلى قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 9] (¬8). * * * ¬
80 - سورة {والضحى}
(80) سورة {وَالضُّحَى} قال مجاهد: {سَجَى}: استوى، وقال غيره: أظلم وسكن. {عَائِلًا}: ذا عيال. قلت: كذا قال، والصواب: فقيرًا من المال ومن العيال، فعيل، يقال: عال الرجل: إذا افتقر، وأعال: إذا كثر عياله. 2219 - عن (¬1) جُندَب بن سفيان قال: اشتكى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد! إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثًا، فأنزل اللَّه عز وجل {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى: 1 - 3]. * * * (81) سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} وسورة التين قال مجاهد: {وِزْرَكَ}: في الجاهلية. {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}: أثقل. {مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: قال ابن عيينة: مع ذلك العسر يسرٌ آخر؛ كقوله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا ¬
82 - سورة {اقرأ}
إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، ولن يغلب عُسر يُسْرَيْن. {فَانْصَبْ} في حاجتك إلى ربك. مجاهد: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}: الذي يأكل الناس. {فَمَا يُكَذِّبُكَ}: فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم؛ كأنه قال: ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب. * * * (82) سورة {اقْرَأْ} قال الحسن: اكتب في المصحف في أول الإمام: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، واجعل بين السورتين خَطًّا. مجاهد: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}: عشيرته. {الزَّبَانِيَةَ}: الملائكة. {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}: المرجع. {لَنَسْفَعًا}: قال: لنأخذَنَّ سفعته بيده أخذته. وقد تقدم حديث عائشة وجابر في أول الكتاب. 2220 - عن عكرمة قال: قال ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة، لأطأنَّ على عنقه، فبلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لو فعله لأخذته الملائكة". * * * _______ 2220 - خ (3/ 328)، (65) كتاب التفسير، (4) باب {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس به، رقم (4958).
83 - سورة القدر، وسورة {لم يكن}
(83) سورة القدر، وسورة {لَمْ يَكُنِ} {أَنْزَلْنَاهُ}: الهاء كناية عن القرآن. {أَنْزَلْنَاهُ}: مُخْرَجَ الجميع، والمُنَزِّلُ هو اللَّه، والعرب تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجمع؛ ليكون أثبت وأوكد. {مَطْلَعِ}: هو الطلوع. والمطلع: هو الموضع الذي يطلع منه. {مُنْفَكِّينَ}: زائلين. {الْقَيِّمَةِ}: القائمة. {دِينُ الْقَيِّمَةِ}: أضاف الدين إلى المؤنث. وقد تقدم حديث أُبَيٍّ. * * * (84) سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ} وسورة العاديات وسورة القارعة يقال: أوْحى لها، وأوحى إليها، ووحي إليها واحد. وقد تقدم حديث أبي هريرة في الخيل في الجهاد. مجاهد: {لَكَنُود}: الكفور. {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: فرفعن به غُبارًا. {لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}: من أجل حب الخير لشديد، لبخيل، يقال للبخيل: شديد. {وَحُصِّلَ}: مُيِّز. {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كغوغاء الجراد، يركب بعضه بعضًا. {كَالْعِهْنِ}: كألوان العهن. * * *
85 - سورة {ألهاكم} إلى سورة {أرأيت}
(85) سورة {أَلْهَاكُمُ} إلى سورة {أَرَأَيْتَ} ابن عباس: {التَّكَاثُرُ}: من الأموال والأولاد. {وَالْعَصْرِ}: الدهر، أقسم به. {الْحُطَمَةِ}: اسم النار؛ مثل سَقَر ولَظَى. {ألَمْ تَرَ}: ألم تعلم. {أَبَابِيلَ}: متتابعة مجتمعة. ابن عباس: {سِجِّيلٍ}: من سَنْكِ وَكِل بالفارسية، ومعناها: من طين وماء. مجاهد: {قُرَيْشٍ}: أَلِفُوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف. {وَآمَنَهُم} من كل عدوهم في حرمهم. ابن عيينة: {لِإِيلَافِ}: لنعمتي على قريش. مجاهد: {يَدُعُّ}: يدفع عن حقه، وهو من دَعَعْتُ. {سَاهُونَ}: لاهون. {الْمَاعُونَ}: المعروف كله. وقال بعض العرب: الماعون الماء. عكرمة: أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع. * * * (86) سورة الكوثر ابن عباس: {شَانِئَكَ}: عدوك. 2221 - وعن أنس قال: لما عُرج بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السماء، قال: "أتيتُ على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مُجَوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ _______ 2221 - خ (3/ 331)، (65) كتاب التفسير، (108) سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، (1) باب، من طريق آدم، عن شيبان، عن قتادة، عن أنس به، رقم (4964).
87 - سورة الكافرين وسورة النصر
قال: هذا الكوثر". 2222 - وعن عائشة -وسُئلت عن الكوثر- فقالت (¬1): نهر أعطيه نبيكم (¬2)، شاطئاه عليه دُرٌّ مجوّف، آنيته كعدد النجوم. 2223 - وعن ابن عباس: أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه اللَّه إياه. قال سعيد بن جُبير: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه اللَّه إياه. * * * (87) سورة الكافرين وسورة النصر {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يقول: الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري. {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: وهم الذين قال: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 64]. ¬
2224 - عن عائشة قالت (¬1): ما صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد (¬2) أن نزلت (¬3) سورة إذا جاء نصر اللَّه والفتح إلا يقول (¬4): "سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي". 2225 - وعنها قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده "سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن. 2226 - عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لِمَ تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ علمتم (¬5)، . . . ¬
88 - سورة {تبت} إلى آخر القرآن
فدعاه (¬1) ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت (¬2) أنه دعاني يومئذٍ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول اللَّه عز وجل (¬3): {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا جاء نصر اللَّه وفتح علينا (¬4)، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا بن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول. * * * (88) سورة {تَبَّتْ} إلى آخر القرآن قد تقدم حديث ابن عباس في الشعراء. مجاهد: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: تمشي بالنميمة. {مِنْ مَسَد}: ليف المَقْل، وهي السلسلة التي في النار. {أَحَدٌ}؛ أي: واحد. {اللَّهُ الصَّمَدُ}: والعرب تسمي أشرافها الصمد، وقال أبو وائل: هو السيِّد الذي انتهى سؤدده. ¬
2227 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "قال اللَّه عز وجل (¬1): كَذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، قوله (¬2): لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله (¬3): اتخذ اللَّه ولدًا، وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد (¬4)، ولم يكن له كفوًا أحد". كُفُؤًا وكُفُيًا وكُفُوًا واحد (¬5). مجاهد: {غَاسِقٍ}: الليل. {إِذَا وَقَبَ}: غروب الشمس، يقال: هذا أبين من فَلَق وفَرَق الصبح. {وَقَبَ}: دخل في كل شيء وأظلم. 2228 - عن زِرٍّ قال: سألت أُبَيّ بن كعب عن المعوذتين (¬6)، قلت: ¬
يا أبا المنذر (¬1)! إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا (¬2)، فقال (¬3): سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قيل لي (¬4)، فقلت: فنحن (¬5) نقول كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ابن عباس (¬6): إذا وُلِد خَنَسَهُ الشيطان، فإذا ذكر اللَّه ذهب، وإذا لم يذكر ثبت على قلبه. * * * ¬
40 - كتاب فضائل القرآن
(40) كتاب فضائل القرآن
1 - كيف نزول الوحي، وأول ما نزل
(40) كتاب فضائل القرآن (1) كيف نزول الوحي، وأول ما نزل 2229 - عن عائشة وابن عباس قالا: لبث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرًا (¬1). 2230 - وعن أسامة بن زيد: أن جبريل أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأم سلمة: "من هذا؟ "-أو كما قال- قالت: هذا دِحْيَةُ، فلما قام (¬2) واللَّه ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبر (¬1) بخبر جبريل. 2231 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات (¬2) ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه اللَّه إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". قلت: يعني -واللَّه أعلم- أن معجزات الأنبياء قبله لما أظهرها اللَّه على أيديهم، وآمن بها من شاء أن يؤمن من أممهم، انقرضت بانقراض أعمار أنبيائهم، ولم يبق منها إلا الإخبار عنها، بخلاف القرآن، فإنه باق إلى آخر الدنيا، مُشَاهَدًا إعجازه، قائمًا حجته، المتقدمون والمتأخرون فيه سواء، فكثر الناظرون فيه والمؤمنون، فكثر أتباع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لذلك. 2232 - وعن أنس بن مالك: أن اللَّه (¬3) تابع على رسوله (¬4) الوحي حتى توفاه (¬5) أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدُ. ¬
2 - باب نزول القرآن بلسان قريش والعرب، وجمع القرآن
وقد تقدم حديث يَعْلَى بن أمية في الحج، وفيه بيان ما كان يصيب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند الوحي. * * * (2) باب نزول القرآن بلسان قريش والعَرَب، وجمع القرآن 2233 - عن عُبيد بن السَّبَّاق: أن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر -رضي اللَّه عنه- مَقْتَلَ (¬1) أهل اليمامة، فإذا عمر (¬2) عنده، قال أبو بكر (¬3): إن عمر أتاني فقال: إن المقتل (¬4) قد اسْتَحَرَّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر المقتل (¬5) بالقُرَّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب ¬
عاقل، ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه، فواللَّه لو كلَّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر (¬1)، فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللِّخَافِ وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره؛ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] (¬2)، حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللَّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر (¬3). 2234 - وعن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن الزبير، ¬
وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاث: إذا اختلفتم أنتم وزيد ابن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه أنزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا المصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل (¬1) إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن تحرق، قال (¬2) زيد بن ثابت: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، فالحقناها في سورتها في المصحف. الغريب: "استحرَّ": اشتد وكثر. "اللِّخَاف" بالخاء المعجمة: صفائح الحجارة الرقاق. و"العُسُب": جمع عسيب النخلة. والذي أفزع حذيفة ما سمع من اختلاف ألفاظ القرآن، فإنه كان أبيح للعرب أن يقرأ كل حيٍّ بلغتهم: فاسعوا إلى ذكر اللَّه، وامضوا، ونحوه. واللَّه أعلم. * * * ¬
3 - باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
(3) باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 2235 - عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف". 2236 - وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان (¬1)، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبَّرت حتى سلَّم، فَلَبَّبْتُهُ بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: كذبت، فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أقرأنيها على غير ما قرأتَ، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة (¬2) الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرْسِلْه، اقرأ يا هشام" ¬
4 - باب تأليف القرآن
فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هكذا (¬1) أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة (¬2) التي أقرأني، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "هكذا (¬3) أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه". * * * (4) باب تأليف القرآن 2237 - عن يوسف بن مَاهَك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين (¬4)، إذ جاءها عراقيٌّ فقال: أيُّ الكفن خير؟ قالت: ويحك وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين! أريني مصحفك، قالت: لِمَ؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يُقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيّهُ قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصَّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا، لقد نزل بمكة ¬
على محمد (¬1) وإني لجارية ألعب {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آي السور. 2238 - وعن ابن مسعود قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العِتَاقِ الأُوَل، وهُنَّ من تِلَادى. 2239 - وعنه قال: لقد علمت (¬2) النظائر التي كان رسول (¬3) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأهن اثنتين (¬4) اثنتين في كل ركعة، . . . ¬
5 - باب الأمر بأخذ القرآن عن الأعلم، وعرض الشيخ القرآن على التلميذ، ومن جمع القرآن من الأنصار
فقام عبد اللَّه ودخل معه علقمة (¬1)، فسأله شقيق فقال: عشرون سورة من المفصّل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان، وعم يتساءلون. * * * (5) باب الأمْر بأخذ القرآن عن الأعلم، وعرض الشيخ القرآن على التلميذ، ومن جمع القرآن من الأنصار 2240 - عن عبد اللَّه بن عمرو -وذكر عبد اللَّه بن مسعود- فقال: لا أظل أحبه، سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "خذوا القرآن من أربعة: من سالم، وعبد اللَّه، ومعاذ (¬2)، وأُبيّ بن كعب". 2241 - وقال مسروق: عن عائشة أنها قالت: أَسَرَّ (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "أن ¬
جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، فإنه عارضني (¬1) العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي". 2242 - وعن أبي هريرة قال: كان يعرض على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه. 2243 - وعن مسروق قال: قال عبد اللَّه (¬2): والذي (¬3) لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب اللَّه إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب اللَّه إلا أنا أعلم فيما (¬4) أنزلت، ولو أعلم أحدًا (أعلم مني) (¬5) في كتاب اللَّه (¬6) تبلغه الإبل، لركبت إليه. ¬
2244 - وعن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. وفي رواية (¬1): قال أنس: مات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه. 2245 - وعن ابن عباس قال: قال عمر: أُبَيٌّ أقرأنا، وإنَّا لندع من لحن أُبَيّ، وأُبي يقول: أخذته من في (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا أتركه لشيء، قال اللَّه عز وجل (¬3): {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] (¬4). قلت: يعني بلحن أُبَيّ لغته الفصيحة، من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولعل بعضكم ألحن بحُجته فأقضي له"؛ أي: أفصح. * * * ¬
6 - باب فضل فاتحة الكتاب وسورة البقرة.
(6) باب فضل فاتحة الكتاب وسورة البقرة. وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنها أعظم سورة في القرآن" 2246 - وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سَلِيمٌ، وإنَّ نفرنا غَيَبٌ، فهل منكم راقٍ؟ فقام معها رجل ما كنا نَأْبِنُه برقيه، فقرأ (¬1) فبرأ (¬2)، فأمر له (¬3) بثلاثين شاة، وسقانا لبنًا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية، أوَكنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم القرآن (¬4)، قلنا: لا تحدثوا شيئًا حتى نأتي -أو نسأل- رسول (¬5) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قدمنا المدينة، ذكرناه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "وما كان يُدْرِيه أنها رقية؟ اقسموا (¬6) واضربوا لي بسهم". 2247 - وعن أبي مسعود قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قرأ بالآيتين ¬
7 - فضل سورة الكهف
اللتين (¬1) من آخر سورة البقرة في ليلة، كفتاه". 2248 - وعن أبي هريرة قال: وكلني النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقص الحديث- فقال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي، لم يزل عليك (¬3) من اللَّه حافظ (¬4) حتى تصبح، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "لقد صَدَقَك وهو كذوب". * * * (7) فضل سورة الكهف 2249 - عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنَيْنِ، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ¬
8 - فضل سورة الفتح
يَنْفِر، فلما أصبح أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: "تلك السكينة نزلت للقرآن" (¬1). * * * (8) فضل سورة الفتح 2250 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه. . . الحديث. وقد تقدم في عُمرة الحديبية. * * * (9) باب تتنزل الملائكة للصوت الطيب بالقرآن 2251 - عن محمد بن إبراهيم، . . . ¬
عن أُسَيْد بن حُضَير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت (¬1) فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منه (¬2)، فأشفق أن تصيبه، ولما أخذه فرفع رأسه (¬3) إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدَّث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال (¬4): "اقرأ ابن حُضَيْر (¬5)، اقرأ ابن حُضَيْر" (¬6)، قال: فأشفقت يا رسول اللَّه أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفتُ إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُّلَّة فيها أمثال المصابيح فرجعت حتى لا أراها. قال "وتدري ما ذاك؟ " قال: لا. قال "تلك الملائكة نزلت (¬7) لصوتك، ولو قرأت لأصبحتْ تنظر الناس إليها، ولا (¬8) تتوارى عنهم". * * * ¬
10 - باب فضل {قل هو الله أحد} والمعوذتين
(10) باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين 2252 - عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له -وكأنَّ الرجل يَتَقَالُّها- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، إنها تعدل (¬1) ثلث القرآن". 2253 - وعنه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه (¬2): "أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث (¬3) القرآن في ليلة؟ " فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول اللَّه؟ فقال: "اللَّه الواحد الصمد، ثلث القرآن". 2254 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ¬
11 - باب فضل القرآن والرضا به، والاستغناء به عما سواه
جمع كفيه ثم نفث فيهما. فقرأ (¬1) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، ويقرأ بها (¬2) على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. * * * (11) باب فضل القرآن والرضا به، والاستغناء به عما سواه 2255 - عن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن -في رواية (¬3): ويعمل به- كالأُتْرُجةِ، طعمها طيب، وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن -في رواية (¬4): ويعمل به- كالتمرة، طعمها طيب ¬
ولا ريح فيها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مُرٌّ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مُرٌّ، ولا ريح لها". 2256 - وعن طلحة قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى: أوصى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: لا؟ فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يؤمر (¬1)؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه. 2257 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لم يأذَنِ اللَّه لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن"، وقال صاحب له: يريد أن (¬2) يجهر به. وفي رواية (¬3): "ما أذن اللَّه لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن". قال سفيان: تفسيره يستغني به. * * * ¬
12 - باب يغبط صاحب القرآن العامل به؛ لأنه خير الناس وأفضلهم
(12) باب يُغْبَطُ صاحب القرآن العامل به؛ لأنه خير الناس وأفضلهم 2258 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه الكتاب وقام به آناء الليل، ورجل (أعطاه اللَّه مالًا فهو يتصدق به آناء الليل وآناء النهار) (¬1) ". 2259 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه اللَّه القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت ما (¬2) يعمل، ورجل آتاه اللَّه مالًا، فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي (¬3) فعملت مثل ما يعمل". * * * ¬
13 - باب الأمر باستذكار القرآن، وتعاهده، وذم من فرط حتى نسيه
(13) باب الأمر باستذكار القرآن، وتعاهده، وذم من فَرَّط حتى نَسِيَهُ 2260 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن (¬1) أطلقها ذهبت". 2261 - وعن عبد اللَّه هو ابن مسعود، قال: قال (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بئس ما لأحدكم (¬3) أن يقول: نسِيتُ آية كَيْت وكَيْت، بل نُسِّي، واستذكروا القرآن؛ فإنه أشد تفصّيًا من صدور الرجال من النَّعَمِ". 2262 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفضيًا من الإبل في عُقُلِهَا". * * * ¬
14 - باب لا يذم على نسيان شيء من القرآن من غير تفريط.
(14) باب لا يُذَمُّ على نسيان شيء من القرآن من غير تفريط. قال اللَّه تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6 - 7] 2263 - عن عائشة قالت: سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يقرأ في المسجد في سورة بالليل، قال: "رحمه (¬1) اللَّه، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أُنْسِيتها من سورة كذا وكذا". وفي لفظ آخر (¬2): "لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا". * * * (15) باب القراءة على الراحلة، والترجيع، وتعليم الصغار القرآن 2264 - عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة ¬
16 - باب مد القراءة وتحسين الصوت بها
وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح قراءة لينة، وهو يُرَجِّع. 2265 - وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمعت المحكم على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصَّل. * * * (16) باب مَدِّ القراءة وتحسين الصوت بها 2266 - عن قتادة قال: سألت (¬1) أنس بن مالك: كيف كانت قراءة رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: كان (¬3) يَمُدّ مدًّا. ثم قرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، يمد بالرحمن ويمد بالرحيم. ¬
17 - باب في كم يقرأ القرآن، وقوله: {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20]
2267 - وعن أبي موسى: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "يا أبا موسى لقد أُوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داود (¬1) ". * * * (17) باب في كم يقرأ القرآن، وقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] 2268 - عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأةً ذات حَسَب، فكان يتعاهد كَنَّته (¬2) فيَسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا، ولم يَغْشَ (¬3) لنا كَنَفًا منذ أتيناه، فلما طال عليه ذلك، ¬
ذكر ذلك (¬1) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "الْقِنِي به"، فلقيته به (¬2)، قال (¬3): "كيف تصوم؟ " قال: كل (¬4) يوم، قال: "كيف تختم (¬5)؟ " قال (¬6): كل ليلة، قال "صُمْ من (¬7) كل (¬8) شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام في الجمعة"، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "أفطر يومين وصم يومًا"، قلت (¬9): أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصوم؛ صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة"، فليتني قبلت رخصة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السُّبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار؛ ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوّى، أفطر أيامًا وأحصى، وصام مثلهن؛ كراهة (¬10) أن يترك شيئًا فارق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه. ¬
18 - باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم
وقال (¬1) بعضهم: في ثلاث أو في خمس أو في سبع (¬2)، وأكثرهم على سبع. وفي رواية (¬3): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "في سبع ولا تزد" (¬4). * * * (18) باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم 2269 - عن جُنْدَب بن عبد اللَّه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه (¬5)، فقوموا عنه". 2270 - وعن النَزَّال بن سَبْرَة، عن عبد اللَّه: أنه سمع رجلًا يقرأ آيةً ¬
سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ (¬1) خلافها، فأخذتُ بيده، فانطلقت به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "كلاكما محسن فاقرأا -أكبر علمي قال-: فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم اللَّه" (¬2). * * * ¬
41 - كتاب النكاح
(41) كتاب النكاح
1 - باب الترغيب في النكاح والأمر به لمن استطاع
(41) كتاب النكاح (1) باب الترغيب في النكاح والأمر به لمن استطاع 2271 - عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد غفر اللَّه ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، فقال (¬1) أحدهم: أما أنا (¬2) فأصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أصوم النهار ولا أفطر (¬3)، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج (¬4) أبدًا، فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم (¬5) ¬
فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". 2272 - وعن علقمة قال: كنت مع عبد اللَّه فلقيه عثمان بمنى فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن لي إليك حاجة فَخَلّوا (¬1)، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن أزوجك بِكْرًا تذكرك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبدُ اللَّه أن ليس له حاجة إلى هذا، أشار إليَّ فقال: يا علقمة! فانتهيت إليه وهو يقول: لئن (¬2) قلت ذلك، لقد قال لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء". 2273 - وعن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الشباب! من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء". ¬
2 - باب ما خص النبي -صلى الله عليه وسلم- من كثرة النساء بعدله فيهن وقوته عليهن، وما أبيح لغيره من ذلك لعجزه عن ذلك
الغريب: "الباءة": كناية عن النكاح، وأصله المنزل المتخذ للكون فيه، ومنه قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، ويقال: باءة ومباءة، ممدودًا مهموزًا. و"الوِجَاء": رَضُّ الأنثيين، والخَصْي: نزعهما. * * * (2) باب ما خُصَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من كثرة النساء بعدله فيهن وقوته عليهن، وما أُبيح لغيره من ذلك لعجزه عن ذلك 2274 - وعن عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جَنَازة ميمونة بسَرِفَ، فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها، وارفقوا، فإنه كان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تسع، كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة. 2275 - وعن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة. 2276 - وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ _______ 2274 - خ (3/ 355)، (67) كتاب النكاح، (4) باب كثرة النساء، من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به، رقم (5067). 2275 - خ (3/ 355) في الكتاب والباب السابقين، من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس به، رقم (5068). 2276 - خ (3/ 355) في الكتاب والباب السابقين، من طريق أبي عوانة، عن رقبة، =
قلت: لا، قال: فتزوَّج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً. 2277 - وعن عروة: أنه سأل عائشة عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء: 3]، قالت: يا بن أختي، هي (¬1) اليتيمة تكون في حِجْر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، يريد أن يتزوجها بأدنى من سُنَّة صداقها، فنُهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق، وأُمروا بنكاح سواهن (¬2) من النساء. وفي رواية (¬3) قالت: وإذا مرغوبًا (¬4) عنها في قلة المال والجمال، تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: وكما (¬5) يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى ¬
4 - باب ما يكره من التبتل والخصي والأمر باستعفاف غير الواجد
من الصداق. قال ابن عباس (¬1): ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وأخته وابنته. * * * (4) باب ما يكره من التبتل والخصي والأمر باستعفاف غير الواجد 2278 - عن سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عثمان ابن مظعون التَّبَتُّل، ولو أذن له لاختصينا. 2279 - وعن عبد اللَّه قال: كنا نغزو مع رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا ثم رخص (¬2) لنا أن ننكح المرأة بالثوب مُدَّة (¬3)، ¬
5 - باب الترغيب في نكاح الأبكار
ثم قرأ علينا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] (¬1) الآية. 2280 - وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول اللَّه! إني رجل شاب، وإني أخاف على نفسي العَنَتَ، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني ثم قلت ذلك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "يا أبا هريرة! جفَّ القلم بما أنت لاقٍ، فاختصِ على ذلك أو ذَرْ". * تنبيه: الخصي المذكور في هذه الأحاديث لا يراد به إخراج خصية الرجل؛ لأن ذلك محرم؛ لأنه غرر بالنفس وقطع للنسل، وإنما المقصود أن يفعل الرجل بنفسه ما يزيل عن نفسه شهوة النساء من المعالجة حتى يصير كالمختصي، واللَّه أعلم. * * * (5) باب الترغيب في نكاح الأبكار وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لجابر: "هَلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك" وسيأتي، وقد قال عثمان لعبد اللَّه: "ألا نزوجك بكرًا؟ ". ¬
6 - باب الثيب أيسر مؤنة وأكثر معونة
2281 - وعن عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه! أرأيتَ لو نزلتَ واديًا وفيه شجرة قد أكُل منها، ووجدتَ شجرة (¬1) لم يُؤكل منها، في أيها كنت تُرتع بعيرك؟ قال: "في التي لم يُرتع منها"؛ يَعني: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يتزوج بكرًا غيرها. 2282 - وعنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُرِيتُكِ في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سَرَقَةٍ من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من اللَّه (¬2) يُمْضِه". * * * (6) باب الثيب أيسر مؤنة وأكثر معونة 2283 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قفلنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوة، فتعجَّلتُ ¬
على بعير لي قَطُوف، فلحقني راكب من خلفي فَنَخَس بعنزة (¬1) كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ من الإبل، فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ما يعجلك؟ " قلت: كنت حديث عهد بعُرْسٍ، قال: "بكرًا (¬2) أم ثيبًا؟ " قلت: ثيبًا، قال: "فَهَلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك"، قال: فلما ذهبنا لندخل، قال: "أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا؛ أي: عشاء؛ لكي تمتشط الشَّعِثَة، وتَسْتَحِدَّ المُغِيبة (¬3) ". وقد تقدم في البيوع في حديث جابر (¬4) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ " قال: إنَّ لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن. . . الحديث. وفي رواية (¬5): "بارك اللَّه لك"، أو قال خيرًا. * * * ¬
7 - باب فضل من أعتق أمته وتزوجها، ومن جعل عتقها صداقها
(7) باب فضل من أعتق أمته وتزوجها، ومن جعل عتقها صداقها 2284 - عن أبي بُرْدَة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّما رجل كانت عنده وليدة فعلَّمها فأحسن تعليمَها، وأدَّبها فأحسن تأديبَها، ثم أعتقها وتزوجها = فله أجران، وأَيُّمَا رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن -يعني بي- فله أجران، وأَيُّمَا مملوك أدى حق مواليه وحق ربه، فله أجران". قال الشعبي: خذها بغير شيء، قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة. وفي رواية (¬1): "أعتقها ثم أصدقها". 2285 - وعن أنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها. * * * ¬
8 - باب تزويج المعسر، وعقد النكاح على منافع عند تعذر العين
(8) باب تزويج المُعْسِر، وعقد النكاح على منافع عند تعذر العين 2286 - عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! جئتُ أَهَبُ لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَصَعَّد النظر فيها وصَوَّبَهُ، ثم طأطأ لها رأسه (¬1)، فلما رأت أنه (¬2) لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول اللَّه! إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها، فقال: "هل (¬3) عندك من شيء؟ " فقال: لا، واللَّه يا رسول اللَّه، قال (¬4): "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟ " فذهب ثم رجع فقال: لا واللَّه ما وجدت شيئًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انظر ولو خاتمًا من حديد"، فذهب ثم رجع، فقال: لا واللَّه يا رسول اللَّه ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري (¬5) ¬
9 - باب مقاصد الرجال في النساء، والكفاءة المعتبرة في الدين
فلها نصفه -قال سهل: ماله رداء- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تصنع بإزارك؟ وإن لَبِسْتَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لَبِسَتْهُ لم يكن عليك منه شيء"، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مولِّيًا، فأمر به فدُعي، فلما جاء قال: "ما معك من القرآن؟ " قال: معي سورة كذا وسورة كذا -عَدَّدَها- فقال: "تقرأهن عن ظهر قلبك" قال: نعم، قال: "اذهب فقد مَلَّكْتُكَهَا بما معك من القرآن". * * * (9) باب مقاصد الرجال في النساء، والكفاءة المعتبرة في الدين 2287 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تُنْكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك". 2288 - وعن أبي حازم، عن سهل قال: مرَّ رجل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حَرِيٌّ إن خطب أن يُنْكَح، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّع، وإن قال أن يسمع (¬1)، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين ¬
10 - باب ما يتقى من فتنة المرأة وشؤمها
فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حَرِيٌّ إن خطب أن لا يُنكَح، وإن شفع أن لا يُشفَّع، وإن قال أن لا يُسمَع (¬1)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا". * * * (10) باب ما يتقى من فتنة المرأة وشؤمها وقوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14]. 2289 - عن أسامة بن زيد: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". 2290 - وعن سهل بن سعد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن كان (¬2) في شيء، ففي الفرس والمرأة والمسكن". ¬
11 - باب ما تحرم بالرضاعة
2291 - وعن ابن عمر قال: ذكروا الشؤم عند رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس" (¬2). * * * (11) باب ما تحرم بالرضاعة وقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. 2292 - عن عائشة زوج النبي: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة (¬3)، فقلت: يا رسول اللَّه! هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول (¬4) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أُرَاه فلانًا" -لعم حفصة من ¬
الرضاعة- قالت عائشة: لو كان فلانٌ حيًّا -لعمها من الرضاعة- دخل علىَّ؟ فقال: "نعم، الرضاعة تُحرِّم ما تُحَرِّمُ الولادة". 2293 - وعن ابن عباس قال: قيل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا تتزوج ابنة حمزة؟ قال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة". 2294 - وعن عروة بن الزبير: أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول اللَّه! انكحْ أختي بنت أبي سفيان، فقال: "أوتحبين ذلك؟ " فقلت: نعم، لستُ لك بِمُخْلِية (¬1)، وأَحَبُّ من يشاركني في خير أختي، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن ذلك لا يحل لي"، قلت: فإنَّا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: "بنت أبي سلمة (¬2)؟ " قلت: نعم، فقال: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حَجْرِي ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تَعْرِضْنَ عليَّ بناتكن ولا أخواتكن". قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت ¬
12 - باب لبن الفحل ولا رضاع محرم بعد الحولين، وشهادة المرضعة
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما مات أبو لهب أُرِيَهُ بعض أهله بِشَرِّ حِيبَةٍ، قال له: ماذا لقيت؟ فقال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة. الغريب: تروى هذه الكلمة: "خيبة" بالخاء المعجمة؛ أي: خاب من كل خير ووصل إلى كل شر، ووجدته في الأصل: "حيبة" بكسر الحاء المهملة، وفسر فيه بأنه سوء الحال، قال: وهو المعروف من كلام العرب، ووجدته في "المشارق": بشر حمية بالحاء والميم، وقال: كذا للمستملي والحموي، ومعناه: سوء الحال، ولا أظن هذا إلا تصحيف (حيبة)، وقال أيضًا: ويقال فيه: الحوبة. وقوله: "سقيت في هذه": قيل: هي إشارة إلى نُقْرَةِ إبهامه، كأنه يقلل ما ناله من الماء، واللَّه أعلم. * * * (12) باب لبن الفحل ولا رضاع مُحَرَّمٌ بعد الحولين، وشهادة المرضعة 2295 - عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القُعَيْس جاء ليستأذن (¬1) عليها -وهو عمها من الرضاعة- بعد أن نزل الحجاب، فأَبَيْتُ أن آذن له، فلما جاء ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرته بالذي صنعت، فأمرني أن آذن له. 2296 - وعنها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن من (¬1) إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المَجَاعَة". 2297 - وعن عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة، فجاءت (¬2) امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: تزوجت فلانة (¬3)، فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي (¬4): قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته من قِبَلِ وجهه، قلت: إنها كاذبة، قال: "كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك". * * * ¬
13 - باب ما يحل من النساء وما يحرم
(13) باب ما يحل من النساء وما يَحْرُم قال اللَّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 23 - 24]، وقال: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، قال ابن عباس (¬1): حُرِّمَ من النسب سبع، ومن الصِّهْر سبع، ثم قرأ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}. وجمع عبد اللَّه بن جعفر بين بنت علي وامرأة علي، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وكرهه جابر بن زيد للقطيعة، وليس فيه تحريم؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. قال ابن عباس: إذا زنى بأخت امرأته، لم تحرم عليه امرأته، وقيل عنه: إنها تحرم، والأول المشهور عنه، ويروى عن عمران بن حصين، وجابر بن زيد، والحسن، وأبي هريرة، وعروة، والزهري. وقال ابن عباس: الدخول والمسيس واللماس هو الجماع (¬2). * * * ¬
14 - باب لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها
(14) باب لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها 2298 - عن الشعبي، عن جابر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُنْكَح المرأة على عمتها أو خالتها. 2299 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها". وفي طريق آخر (¬1): قال الزهري: فنرى خالة أبيها بتلك المنزلة؛ لأن عروة حدثني عن عائشة قالت: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب. * * * (15) باب النهي عن الشِّغَار ونكاح المتعة 2300 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الشِّغَار. ¬
والشِّغَار: أن يزوِّج الرجلُ ابنتَه على أن يزوِّجه الآخرُ ابنتَه ليس بينهما صداق. 2301 - وعن علي بن أبي طالب قال لابن عباس: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المتعة وعن لحوم الحُمُرِ الأهلية زمن خيبر. 2302 - وعن أبي جَمْرَةَ قال: سمعت ابن عباس يُسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم. 2303 - وعن جابر بن عبد اللَّه وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش فأتانا رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال (¬2): إنه قد أُذِن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا. 2304 - وعن سلمة بن الأكوع: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّمَا رجل وامرأة ¬
16 - باب عرض المرأة نفسها، والرجل وليته على الرجل الصالح
توافقا، فعِشْرَةُ ما بينهما ثلاث ليال، فإن أَحَبَّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا"، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال أبو عبد اللَّه: وقد بَيَّنَهُ عليٌّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه منسوخ. * * * (16) باب عرض المرأة نفسها، والرجل وَلِيَّتَهُ على الرجل الصالح 2305 - عن عروة، عن عائشة قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي (¬1) وهبن أنفسهن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51]، قلت: يا رسول اللَّه! ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. 2306 - وعن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب: حين يَأَّيَّمَتْ حفصة من خُنَيْس بن حذافة السهمي -وكان من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتوفي بالمدينة- فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، ¬
17 - باب {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة: 235] الآية. والنظر إلى المخطوبة
فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، قلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئًا، فكنت (¬1) أَوْجَدَ عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدتَ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا، قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أني كنت علمت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو تركها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبلتها. * * * (17) باب {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] الآية. والنظر إلى المخطوبة قال ابن عباس (¬2): إني أريد التزويج، ولوددت أني يتيسر لي امرأة صالحة، وقال القاسم: يقول: إنها عليّ كريمة، وإني فيك لراغب، وإن اللَّه لسائق إليك خيرًا، أو نحو هذا. ¬
18 - باب لا نكاح إلا بولي؛ لقوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} [البقرة: 232] يدخل فيه الثيب والبكر وقال: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32]
وقال عطاء: يُعَرِّض ولا يبوح، يقول: إن لي حاجة، وأبشري، وأنت بحمد اللَّه نافقة، وتقول: قد أسمع ما تقول، ولا تَعِدْ شيئًا، ولا يواعد وليها بغير علمها، ولو واعدت رجلًا في عدتها ثم نكحها بعدُ لم يفرق بينهما، وقال الحسن: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}: الزنا، ويذكر عن ابن عباس: {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}: حتى تنقضي العدة. وقد تقدم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صَعَّدَ النظر وصَوَّبَهُ في الواهبة نفسها. * * * (18) باب لا نكاح إلا بولي؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 232] يدخل فيه الثيب والبكر وقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] 2307 - عن الحسن قال: حدثني معقل بن يسار، نزلت فيه: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، قال: زوجت أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وقربتك (¬1) وأكرمتك فطلقتها، ثم جئت ¬
تخطبها؟ لا واللَّه لا تعود إليك أبدًا، وكانت المرأة (¬1) تريد أن ترجع إليه، وأنزل اللَّه عز وجل (¬2) هذه الآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، فقلت: الآن أفعل يا رسول اللَّه. قال: فزوجها إياه. 2308 - وعن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فَيُصْدِقُها ثم ينكحها. ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان واستبضعي (¬3) منه، فيعتزلها (¬4) زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم ¬
19 - باب إذا كان الولي هو الخاطب، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، إذا كانا كفوين وتقاربا
الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل. والنكاح الرابع (¬1): يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة، لا تمنع مَن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جُمِعُوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالْتَاطَتْهُ (¬2) به ودُعي ابنه، ولا يمتنع من ذلك. فلما بُعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) بالحق، هدم نكاح الجاهلية كلَّه إلا نكاح الناس اليوم. * * * (19) باب (¬4) إذا كان الولي هو الخاطب، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، إذا كانا كفوين وتقاربا وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولى الناس بها، فأمر رجلًا فزوجه. ¬
وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إليَّ؟ فقالت: نعم، فقال: قد تزوجتك، وقال عطاء: لِيُشْهِدْ أني قد نكحتُكِ، أو ليأمر رجلًا من عشيرتها، وقال سهل: قالت امرأة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أهب لك نفسي، فقال رجل: يا رسول اللَّه! إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها. 2309 - وعن نافع: أن ابن عمر كان يقول: نهى رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطُب الرجل على خِطْبَة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب. 2310 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إيَّاكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا (¬2)، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانًا، ولا يخطب الرجل على خِطْبة أخيه حتى ينكِح أو يترك". * * * ¬
20 - باب ينكح الرجل أبكار بناته بغير إذن، ولا تنكح اليتيمة ولا الثيب إلا بإذنها
(20) باب ينكح الرجل أبكار بناته بغير إذن، ولا تنكح اليتيمة ولا الثيب إلا بإذنها 2311 - عن عروة: عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدْخِلَتْ عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسع. 2312 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُنْكَح البكر (¬1) حتى تُسْتَأذن"، قالوا: يا رسول اللَّه! وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". 2313 - وعن خنساء بنت خِدَام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرد نكاحه. ¬
21 - باب الدف في النكاح، والوليمة والأمر بها
2314 - وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه! أَيُسْتَأْمَرْن في أَبْضَاعِهن؟ قال: "نعم"، قلت: فإن البكر تُسْتَأْمَر فتستحي فتسكت، قال: "سكوتها إذنها". * * * (21) باب الدُّف في النكاح، والوليمة والأمر بها 2315 - عن الرُّبَيّع بنت مُعَوِّذ بن عَفْرَاء قالت: جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فدخل (¬1) حين بُني عليَّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويَنْدُبْن من قتل من آبائي يوم بدر، قالت (¬2) إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: "دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين". 2316 - وعن أنس قال: لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على ¬
الأنصار، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال: أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتيَّ قال: بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، فخرج إلى السوق واشترى فأصاب شيئًا من أَقِط وسمن فتزوج فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أولم ولو بشاة". 2317 - وعن أنس قال: ما أولم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أَوْلَمَ بشاة. 2318 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها (¬1) صداقها، وأولم عليها بحيس. 2319 - وعن صفية بنت شيبة قالت: أَوْلَمَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على بعض نسائه بمُدٍّ (¬2) من شعير. * * * ¬
22 - باب الأمر بإباحة الوليمة ومن لم يجبها فقد عصى
(22) باب الأمر بإباحة (¬1) الوليمة ومن لم يجبها فقد عصى 2320 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة، فليأتها". 2321 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فُكُّوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعُودُوا المريض". 2322 - وعن أبي هريرة أنه كان يقول: شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله (¬2). * * * ¬
23 - باب إجابة الدعوة ولو قلت
(23) باب إجابة الدعوة ولو قَلَّتْ 2323 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو دُعِيتُ إلى كُرَاعٍ (¬1) لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذراع لقبلت". 2324 - وعن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم لها"، قال: وكان عبد اللَّه يأتي الدعوة في العُرْس وغير العرس وهو صائم. * * * (24) باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس وخدمة المرأة الرجال فيه إذا لم يطلع منها على ما يُكْرَه 2325 - عن أنس بن مالك قال: أبصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نساءً وصبيانًا مقبلين ¬
من عرس، فقام مُمْتَنًّا، فقال: "اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ". 2326 - وعن سهل بن سعد قال: لما أعرس (¬1) أبو أُسَيْد الساعدي، دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قَرَّبَهُ إليهم، إلا امرأته أم أسيد بَلَّتْ ثمرات في تَوْر من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الطعام، أَمَاثَتْهُ له، فسقته تُتْحِفُه (¬2) بذلك. الغريب: "مُمْتَنًّا": كذا الرواية، واختلف في معناه، وأحسن ما قيل فيه ما قاله أبو مروان بن سراج: يحتمل وجهين: أحدهما: أنه من الامتنان، كأن من قام له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والتزمه بذلك فلا مِنَّةَ أعظم من هذه. قلت: وعلى هذا يدل قوله: "أنتم أحب الناس إليَّ". وثانيها: أنه من المنة، وهي القوة والشدة؛ أي: قام إليهم مسرعًا مشتدًا في ذلك فرحًا بهم، واللَّه أعلم. ¬
25 - باب وجوب الصداق في النكاح، والوفاء بالشروط الجائزة
و"أَمَاثَتْه": أذابت التمر في الماء ومَرَسَتْهُ. * * * (25) باب وجوب الصَّدَاق في النكاح، والوفاء بالشروط الجائزة قال اللَّه تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وقال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، وقال: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التمس ولو خاتمًا من حديد". 2327 - عن عقبة بن عامر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أحق ما وَفَيْتُم (¬1) من الشروط أن تُوفُوا ما استحللتم به الفروج". 2328 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها؛ فإنما لها ما قُدِّر لها". * * * ¬
26 - باب البناء في السفر وبغير مركب ولا نار في شمع ولا غيره واتخاذ الأنماط واللهو
(26) باب البناء في السفر وبغير مَرْكَب ولا نار في شمع ولا غيره واتخاذ الأنماط واللهو 2329 - عن أنس قال: أقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثًا بين (¬1) خيبر والمدينة يُبْنَى عليه بصفية بنت حُيَي، فدعوت المسلمين إلى وليمة، فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع فألقي فيها من الأَقِط والسمن (¬2)، وكانت وليمته، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وَطَّأَ لها خلفه، ومد الحجاب بينها وبين الناس. 2330 - وعن عائشة قالت: تزوجني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فلم يَرعْنِي إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضَحْوَة (¬3). 2331 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل اتخذتم ¬
27 - باب الهدية للعروس
أنماطًا؟ " قلت: يا رسول اللَّه! وأين لنا أنماط؟ قال: "إنها ستكون". 2332 - وعن عائشة: أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة! ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو". الغريب: "الأنماط": جمع نَمَطٍ: وهو ما يُسْتَرُ به مِخْدَعٌ أو سَهْوَة، وليس أنه يستر به الحيطان؛ لأنه كرهه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهتكه، وقال: ما أمرنا أن نكسوا الحجارة والطين، واللهو؛ يعني به: الدُّفُّ ونحوه. * * * (27) باب الهَدِية للعروس 2333 - عن أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا مر بَجَنَبَاتِ أم سُلَيْم دخل عليها، فسلم عليها، ثم قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عروسًا بزينب، فقالت لي _______ = من طريق سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (5161). 2332 - خ (3/ 377)، (67) كتاب النكاح، (63) باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها، ودعائهن بالبركة، من طريق إسرائيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، رقم (5162). 2333 - خ (3/ 378)، (67) كتاب النكاح، (64) باب الهدية للعروس، من طريق إبراهيم هو ابن طهمان، عن أبي عثمان -واسمه الجعد- عن أنس بن مالك به، رقم (5163).
28 - باب ما يقال للمتزوج، وما يقول عند الجماع
أم سليم: لو أهدينا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هدية، فقلت لها: افعلي، فَعَمَدَتْ إلى تمر وسمن وأَقِطٍ فاتخذت حَيْسَةً في بُرْمَة فارسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي: "ضعها"، ثم أمرني فقال: "ادع لي رجالًا -سماهم- وادع لي من لقيت"، قال: ففعلت الذي أمرني، فرجعتُ فإذا البيتُ غاص بأهله، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء اللَّه (¬1)، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ويقول لهم: "اذكروا اسم اللَّه، وليأكل كل رجل مما يليه"، قال: حتى تَصَدَّعُوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدثون، قال: وجعلت أَغْتَمُّ، ثم خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحو الحجرات وخرجت في إثره، فقلت: إنهم قد ذهبوا، فرجع فدخل البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة، وهو يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] الآية. قال أنس: إنه خدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر سنين. * * * (28) باب ما يقال للمتزوج، وما يقول عند الجماع 2334 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أَثَر ¬
29 - باب يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة
صُفْرَة، قال: "ما هذا؟ " قال: تزوجت (¬1) امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: "بارك اللَّه لك، أَوْلِمْ ولو بشاةٍ". 2335 - وعن عائشة قالت: تزوجني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر. 2336 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما لو أن أحدكم (¬2) يقول حين يأتي أهله: باسم اللَّه، اللهم جَنِّبني الشيطان وجَنِّبِ الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّرَ بينهما في ذلك ولد، لم يضره شيطان أبدًا". * * * (29) باب يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة ورأى أبو مسعود صورة (¬3) في البيت فرجع، ودعا ابن عمر أبا أيوب، ¬
30 - باب الوصية بالنساء ومداراتهن
فرأى في البيت سترًا على الجدار، فقال ابن عمر (¬1): غلبنا عليه النساء، وقال (¬2): من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، واللَّه لا أطعم لك طعامًا، فرجع. 2337 - وعن عائشة: أنها أخبرته أنها اشترت نُمْرُقَةً فيها تصاوير، فلما رآها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول اللَّه! أتوب إلى اللَّه وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بال هذه النُّمْرُقة؟ " قالت: فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتَوَسَّدَهَا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا يدخله (¬3) الملائكة". * * * (30) باب الوصية بالنساء ومداراتهن 2338 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن باللَّه واليوم ¬
31 - باب حسن المعاشرة مع الأهل
الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خلقن من ضِلَعٍ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا". 2339 - وعن ابن عمر قال: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نساءنا على عهد رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ هيبةً أن ينزل فينا شيء، فلما توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تكلمنا وانبسطنا. * * * (31) باب حسن المعاشرة مع الأهل 2340 - عن عروة، عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، قالت الأولى: زوجي ¬
لحم جمل غَثّ، على رأس جبل، لا سَهْلٌ فيرتقَى، ولا سمين فيُنْتَقَى (¬1)، قالت الثانية: زوجي لا أَبُثُّ خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عُجَرَهُ وبُجَرَهُ، قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق، إن أنطق أُطَلَّقْ، وإن أسكُت أُعَلَّق، قالت الرابعة: زوجي، كَلَيْلِ تِهامة، لا حَرٌّ ولا قَرٌّ، ولا مَخَافَةَ ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فَهِد، وإن خرج أسِد، ولا يَسْأَل عما عَهِد، قالت السادسة: زوجي. إن أكل لَفَّ، وإن شرب اشْتَفَّ، وإن اضطجع التفَّ، ولا يولج الكَفَّ؛ ليعلم البَثَّ، قالت السابعة: زوجي عيَاياء -أو غياياء- طَباقاء، كل داء له داء، شَجَّكِ أو فَلَّكِ أو جمع كُلًّا لك، قالت الثامنة: زوجي المس مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنَب، قالت التاسعة: زوجي رفيع العِمَاد، طويل النِّجَادِ، عظيم الرَّمَاد، قريب البيت من الناد، قالت العاشرة: زوجي مالِكٌ، وما مالك؟ مالكٌ خيرٌ من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا (¬2) سمعن صوت المِزْهَر أَيْقَنَّ أنهن هوالك، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زَرْع، وما أبو زرع (¬3)؟ أنَاسَ من حُلِيٍّ أذنيَّ، وملأ من شَحْمٍ عَضُدِيَّ، وبَجَحَنِي فبجحَتْ إليَّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بِشِقٍّ، فجعلني في أهل صَهِيل وأَطِيطٍ ودائسٍ ومُنَقٍّ، فعنده أقول فلا أُقَبَّح، وأرقد فأَتَصَبَّح، وأشرب فأتقَنَّح -أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عُكُومُها رَداح، وبيتها فَسَاح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مَضْجِعُه كَمَسَلِّ شَطْبَة، وتشبعه ذراع ¬
الجَفْرَة، بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها وغيظ جارتها، جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تَبُثُّ حديثنا تبثيثًا، ولا تُنَقِّثُ مِيرتنا تنقِيثًا، ولا تملأ بيتنا تعشيشًا، قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تُمْخَض، فلقي امرأةً معها وَلَدان كالفهدين (¬1)، يلعبان من تحت خصرها بِرُمَّانَتَيْن، فطلقني ونكحها، فنكحتُ بعده رجلًا سَرِيًا، رَكِبَ شَرِيًّا، وأخذ خَطِّيًا، وأراح عليَّ نعَمًا ثريًا، وأعطاني من كل رائحة زوجًا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، قالت: فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ آنية (¬2) أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كنتُ لك كأبي زرع لأم زرع". وفي رواية (¬3): لا تغَشِّشُ بيتنا تَغْشيشًا (¬4) بالغين المعجمة، وقال البخاري: وقال بعضهم: فأتقمح بالميم، وهذا أصح. * تنبيه: الصحيح أن المرفوع من هذا الحديث للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله لعائشة: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" لا غير، وقد رفعه كله للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سعيد بن سلمة المديني (¬5)، وهو وهم عند أئمة الحديث، واللَّه أعلم. ¬
الغريب: قول الأولى: "لحم جمل غَثٍّ": يروى بخفض الثاء نعتًا للجمل (¬1). و"الغث": الشديد الهزال والمستكره، والوغث من الجبال: الصعب المرتقى. الذي توحل فيه الأقدام فلا تكاد تخلص منه. و"ينتقل": من الانتقال؛ أي: لا ينقل أحد هذا الجمل لهزاله، ومن رواه "ينتقي"؛ أي: ليس لعظامه نِقْيٌّ، وهو المخ، الخطابي: وصفت زوجها بسوء الخلق، وقلة الخير، ومنع الرَّفْدِ، وسوء المعاشرة. وقول الثانية: "لا أَبُثُّ خبره"؛ أي: لا أظهر حديثه، وهو بالباء، بواحدة. ويقال: أَنُثُّ بالنون، بمعنى: أنشره، تخاف من ذلك أن يتركها. و"العُجَرُ" و"البُجَرُ": جمع عُجْرة وبُجْرة، تريد عيوبه الخفية، وأصل العُجَر: العُقَد التي تكون في الظَّهْر، والبُجَر: العُقَد التي تكون في البُجْرة، وهي السرة وما تحتها. وقول الثالثة: "العَشَنَّق": الطويل المستكره الطول، ويقال عليه العَشَنَّق؛ يعني: ليس فيه أكثر من الطول، ثم أخبرت أنها معه في وجلة، إن نطقت ¬
بعيوبه طلقها، وإن سكتت علَّقها؛ أي: تركها كالمعلقة التي ليست أَيَّمًا ولا ذات زوج. وقول الرابعة: "كلَيْلِ تِهَامَةَ لا حَرٌّ ولا قَرٌّ": هو مدح له بالاعتدال، ليس فيه شيء يتأذى به والقَرُّ: البرد، وهو بضم القاف، والسآمة: الملل، والمشهور بناء ما بعد (لا) معها على الفتح من غير تنوين، وقد رواه أبو عبيد بالضم والتنوين على الخبر، وكلٌّ جائز. وقول الخامسة: "فَهِد"؛ أي: نام نوم الفهد، وقيل معناه: إنه إذا دخل وثب عليها وثوب الفهد، و"أَسِد"؛ أي: فَعَل فِعْل الأسد؛ أي: هو شجاع، ولا "يَسْأل عما عَهِد": أي: لا يبحث عَمَّا له من مال وطعام، ويحتمل ذلك عن كرم نفس، ويحتمل عن غفلة منه، فيكون ذمًّا. وقول السادسة: "إن أكل لَفَّ"؛ أي: يأكل كل ما يجد أكلًا كثيرًا، و"اشْتَفَّ"؛ أي: شرب جميع ما في الإناء، من الشفافة، وهي البقية، وهذا وصف ذم. وقولها: "إذا اضطجع التَفَّ"؛ أي: ينام وحده ملتفًا في ثوبه نأيًا وإعراضًا عنها، وإليه يشير قولها: و"لا يولِج الكَفَّ لِيَعْلَم البَثّ"؛ أي: لا يدخل يده تحت ثوبها؛ ليعلم ما تجده من ألم إعراضه، وإما أن يكون فشلًا منه وعجزًا، وهذا كله ذم. وقول السابعة: "عَياياء طَباقاء": فالمشهور بالعين المهملة، وهو العِنِّين، في "الصحاح" ويقال: جمل عياياء: إذا لم يهتد للضِّرَاب، ورجل عياياء: إذا أعيا بالأمر، و (طباقاء) في معناه، وهو الذي تنطبق عليه الأمور، وقيل: هو الذي ينطبق صدره على صدر المرأة حين الوقاع، و (أو) للشك وقع من
بعض الرواة، و"غياياء" بالغين المعجمة بمعنى المهملة، وقد أنكره أبو عبيد. وقوله: "شَجَّكَ أو فَلَّكَ أو جمع كُلًّا لك": الشجاج في الرأس، والفلول: آثار في الجسد من الضرب، مأخوذ من فَلَّ السيف فُلُولًا: إذا انثلم، وقيل معناه: كسر أسنانها، و (أو) هنا للتقسيم؛ أي: في وقت الضرب في الرأس وأخرى في الجسد يجمع كل ذلك عليها. وقول الثامنة: "ريح زَرْنَب": هو نبات طيب الرائحة، و"مَسُّ أرنب": تعني أنه ناعم الجسد لينه، ويحتمل أن تريد أنه سهل الخلق حَسَنُ المعاشرة. وقول التاسعة: "طَوِيلُ العِمَاد": تعني به عمود البيت؛ أي: بيته عال مرتفع للطارق والسائل، و"النِّجَاد": حَمَّالة السيف، تريد أنه طويل القامة، و"عظيم الرماد"؛ أي، : ناره تقري الأضياف لا تُطْفَأ، رماد ناره كثير عظيم. و"النَّادِ": من الندى، والمنتدى: مجلس القوم الأشراف؛ تعني: أنه سيدهم، فهم يجتمعون في أمورهم إليه فيجالسهم، ولا يحجب عنهم ولا يتنكر. وقول العاشرة: "مالك وما مالك؟ " تعظيم لزوجها، كما قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27]، وفي ذلك إشارة إلى تعظيمها إيّاه؛ أي: هو خير وأجل من وصفي له بذلك، واختلف في معنى قولها: "قليلات المسارح كثيرات المبارك"، فقيل: كان يُمسكها ولا يُسرحها؛ مخافةَ ضيف يَرِد عليه، وقيل: إنها تكون كثيرة إذا بركت، فينحر أكثرها للضيف، فلا يبقى منها إلا قليل، و"المِزْهر" بكسر الميم: عود للغناء؛ تعني به: أنه كان متلقي الأضياف بالغناء والفرح مبالغةً في إكرامهم، فتنحر الإبل عند ذلك،
وقيل: إنه يجتمع مع ضيافته على اللهو والشرب فينحرها لهم، وكلا القولين مدح. وقول الحادية عشر: "أَنَاسَ من حُلِيٍّ أذنيَّ"؛ أي: حلَّاني قُرْطةً وشنوفًا تْنُوس بأذني؛ أي: تتحرك، والنَّوْس: حركة كل شيء متدل. و"بَجَحَنِي": فرحني ورفعني، "فَبَجَحَتْ إليَّ نفسي"، أي: فرحت وعظمت، وتاؤها ساكنة للفرق، وبفتح الجيم، وقد رويت: (فبجحتُ) بضم الجيم والتاء وسكون الحاء؛ أي: عظمت عند نفسي، و"شق": الأعرف كسر الشين، فقيل معناه: المشقة؛ كما قال تعالى: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7]، وقيل: هو شق جبل؛ أي: غنمهم قليلة، و"الدَّائِس": من داس الطعام يدُوسه دياسةً، والمدوس: ما يداس به. و"مُنَقٍّ" بضم الميم وفتح النون: اسم فاعل، من نقَّى الطعام؛ يعني أن له زرعًا يداس ويُنَقَّى، و"أتصبح"؛ أي: أديم النوم إلى الصباح، و"أتقَنَّح" بالنون: أَتَرَوَّى من الشراب حتى أَمَجَّه، ومن رواه بالميم فمعناه أنها ترفع رأسها بعد الري؛ كما تفعل الإبل بعد الشرب، يقال: بعير قامح وإبل قماح، و"العُكُوم" جمع عِكْم، وهو العِدْل، و"رَدَاح": مملوءة من الأمتعة؛ أي: هي كثيرة الثياب والمتاع، والرَّدَاح من النساء: العظيمة الكِفْل، وفَسَاح: فاسح؛ أي: واسع، ويجوز أن تريد به واسع الخير والعطاء، ومَضْجَعُه: مرقده؛ أي: موضع رقاده كالموضع التي تُسَلّ منه الشَّطْبَةُ، وهي إحدى القضبان التي تنسج منه الحُصُر، وقيل: السيف؛ أي: ليس بجافٍ، بل خفيف رقيق لقلة لحمه، و"الجَفْرَة": الأنثى من ولد المعز؛ أي: أكله قليل، تُنبِّه على أنه يأكل قليلًا كرمًا وقناعة وإيثارًا لمن ينزل به، ولذلك لم يَسْمَن، وهذا كله مما يمدح الرجال به، و"مِلْءُ كسائها"؛ أي:
ممتلئة الجسم، و"صِفْر ردائها"؛ أي: خالية مواضع أعالي الرداء بحمله أسفله، وقد روي "ملء إزارها"، وأشبه من هذا ما قاله القاضي: إنها أرادت امتلاء منكبها، وقيام نهدها، فيروضان (¬1) الرداء عن أعالي جيدها، كما قال: أَبَتِ الرَّوَادِفُ والثُّدِيُّ لقُمْصِها ... مسَّ البطونِ، وأن تَمَسَّ ظُهورا و"جارتها": ضَرَّتها؛ أي: يغيظها ما ترى عليها من الجمال والخير حسدًا. و"عقر جارتها" بفتح العين المهملة: وهو الهلاك. و"لا تَبُثُّ": تُفْشِي، و"تُشَنَّع"، ويروى بالنون، وهو في معناه، و"لا تُنَقَّثُ ميرتنا"؛ أي: لا تسرع بإخراج طعامنا، وصفَتْها بالأمانة والثبت. و"تَعْشِيشًا" بالعين المهملة؛ أي: لا تترك بيتنا كعُشِّ الطائر، بل تنظفه وتكنسه، وتزيل كناسته، وقد روي: "تغشيشًا" بالغين المعجمة؛ أي: لا تخوننا ولا تَغُشُّنا. و"الأوطاب": جمع وطب: قربة اللبن، وقولها: "يلعبان من تحت خصرها برُمَّانتين"؛ تعني: ثدييها، فهي ناهد، فولداها تحتهما يلعبان بهما فرخا بهما وسرورًا بحُسْنِهما. و"سَرِيًّا": سيدًا، وهو كقوله تعالى: {تَحْتَكِ سَرِيًّا}، وسراة كل شيء: خياره. و"شَريًّا"؛ أي: فرسًا سريعًا، وقيل: خيارًا، وخطِيًّا: رمحًا جيدًا، منسوب إلى الخط، وهو موضع بالبحر تعمل فيه الرماح. و"ثريًا": كثيرًا كالثَّرى، وهو التراب. وقولها: "وأعطاني من كل رائحة": (رائحة) اسم فاعل من راح إذا رجع بعَشِيٍّ؛ يعني: أنه أعطاها من المواشي التي تروح عليهم -وهي، الإبل والغنم والبقر- صنفًا، والزَّوْجُ الصنف؛ كما قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [الواقعة: 7]؛ أي: أصنافًا، وقد يراد بالزوج اثنان، ¬
32 - باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا تأذن في بيته، ولا تصوم وهو شاهد إلا بإذنه
فيقال: فرد وزوج، ومن رواها: "ذابحة" بالذال المعجمة من الذبح، فأراد بها من كل شيء يذبح. وقولها: "فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع": هذا تحقير منها لكل ما أعطاها بالنسبة إلى ما أعطاها أبو زرع، وسبب ذلك أن أبا زرع هو الحبيب الأول. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع"؛ أي: أنَا لَكِ، كما قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]، ويمكن بقاؤها على ظاهرها؛ أي: كنت لك في علم اللَّه، أو أراد به الدوام؛ كقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}، واللَّه عز وجل أعلم. * * * (32) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا تأذن في بيته، ولا تصوم وهو شاهد إلا بإذنه 2341 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح". 2342 - وعنه: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا باتت المرأة هاجرة (¬1) فراش زوجهما، ¬
33 - باب لا يجلد الرجل امرأته، ولا تطيع المرأة زوجها في معصية
لعنتها الملائكة حتى ترجع". 2343 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يُؤَدَّى إليه شطره". * * * (33) باب لا يجلد الرجل امرأته، ولا تطيع المرأة زوجها في معصية 2344 - عن عبد اللَّه بن زمعة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم". 2345 - وعن عائشة: أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فَتَمَعَّطَ شعرُ رأسِهَا، فجاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال: "لا، إنه قد لُعِنَ المُوصِلَاتُ". _______ 2343 - خ (3/ 387 - 388)، (67) كتاب النكاح، (86) باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحدا إلا بإذنه، من طريق شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (5195). 2344 - خ (3/ 390)، (67) كتاب النكاح، (93) باب ما يكره من ضرب النساء، وقول اللَّه تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} أي: ضربًا غير مبرح، من طريق سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن زمعة به، رقم (5204). 2345 - خ (3/ 390)، (67) كتاب النكاح، (94) باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية، من طريق الحسن بن مسلم، عن صفية، عن عائشة به، رقم (5205).
34 - باب العزل عن النساء، والقرعة بين الزوجات إذا أراد سفرا
الغريب: "تَمَعَّطَ" بالعين المهملة: تمزَّق وسقط. و"الموصلات": التي توصل شعرها، وقد روي: الموصولات، وهو الصواب. * * * (34) باب العزل عن النساء، والقرعة بين الزوجات إذا أراد سفرًا 2346 - عن عطاء، عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والقرآن ينزل. 2347 - وعن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سَبْيًا، فكنا نعزل، فسألنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬1): "وإنكم لتفعلون؟ ! " قالها ثلاثًا، "ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة". 2348 - وعن القاسم، عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرج أقرع بين ¬
35 - باب القسم بين النساء، وللبكر سبع وللثيب ثلاث
نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان بالليل سار مع عائشة، فقالت حفص: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى، فركبت، فجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجلها (¬1) في الإذخر وتقول: يا رب (¬2)! سَلِّطْ عليّ عقربًا أو حيَّه تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئًا. * * * (35) باب القسم بين النساء، وللبكر سبع وللثيب ثلاث وقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] الآية. 2349 - وعن أبي قلابة، عن أنس قال: من السُّنَّةِ إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقَسَم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم، قال ¬
أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 2350 - وعن عروة، عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: "أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ " يريد يوم عائشة، فأذِنَّ له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي، فقبضه اللَّه وإن رأسه لَبَيْنَ نَحْرِي وسَحْرِي، وخالط ريقي ريقَهُ (¬1). 2351 - وعن أنس بن مالك: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. 2352 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن. . . الحديث. * * * ¬
36 - باب خدمة المرأة بيت زوجها ولو كانت شريفة
(36) باب خدمة المرأة بيت زوجها ولو كانت شريفة 2353 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض مال (¬1) ولا مملوك ولا شيءٌ غيرُ ناضح وفرسه (¬2)، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وأَخْرِزُ القرب (¬3)، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صِدْقٍ، وكنت أنقل النَّوَى من أرض الزبير التي أقطعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على رأسي، وهو مني (¬4) على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: "إخ (¬5) إخ"؛ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك، فقال: واللَّه ¬
37 - باب مسامحة المرأة فيما تجد من الغيرة، ومدافعة الرجل عن وليته وما يؤدي بها إلى المضرة في دينها
لحملك النوى عليَّ أشد من ركوبك معه (¬1)، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. * * * (37) باب مسامحة المرأة فيما تجد من الغيرة، ومدافعة الرجل عن وليته وما يؤدي بها إلى المضرة في دينها 2354 - عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليّ غضْبَى"، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: "أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غَضْبَى قلت: لا ورب إبراهيم"، قالت: فقلت: واللَّه (¬2) يا رسول اللَّه ما أهجر إلا اسمك. 2355 - وعن المِسْوَر بن مخرمة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ¬
38 - باب النهي عن الدخول على المغيبات وعن دخول المخنثين على النساء
على المنبر يقول (¬1): "إن بني هاشم (¬2) بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن (¬3)، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يُطَلّقَ ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بَضْعَةٌ مني يُرِيبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها". * * * (38) باب النهي عن الدخول على المُغِيبات وعن دخول المُخَنِّثين على النساء 2356 - عقبة بن عامر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إيّاكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه! أفرأيت الحَمْوَ؟ قال: "الحَمْوُ الموت" (¬4). 2357 - وعن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ¬
39 - باب لا تمنع المرأة من الخروج للمسجد وإلى حاجتها
عندها -وفي البيت مُخَنَّث- فقال المخنث لأخي أم سلمة عبد اللَّه بن أمية: إنْ فتح اللَّه عليكم الطائف غدًا، أدلكم علي بنت غيلان (¬1)؛ فإنها تُقْبِلُ بأربع وتُدْبِر بثمان، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَدْخُلَنَّ هذا عليكم". قلت: يعني: عُكَن (¬2) المرأة، فإنها إذا سمنت تَكَسَّرَ عليها من خلفها ثمانيًا ومن قدامها أربعًا. * * * (39) باب لا تمنع المرأة من الخروج للمسجد وإلى حاجتها 2358 - عن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها". وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسودة: "إن اللَّه أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن". * * * ¬
40 - باب لا يطرق الرجل أهله ليلا والحض على طلب الولد
(40) باب لا يطرق الرجل أهله ليلًا والحض على طلب الولد 2359 - عن جابر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أطال أحدكم الغَيْبَةَ، فلا يَطْرُق أهله ليلًا". 2360 - وعنه قال: كنت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة، فلما قفلنا تَعَجَّلْتُ على بعير قَطُوفٍ، فلحقني راكب من خلفي، فالتفت فإذا أنا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "ما يُعْجِلُك؟ " قلت: إني حديث عهد بعُرْسٍ، وذكر نحو ما تقدم، ثم قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: "أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا؛ أي: عِشَاءً؛ لكي تمتشط الشَّعِثَةُ، وتَسْتَحِدَّ المَغِيبَة". وقال (¬1): "فعليك بالكَيْسِ الكيس". الغريب: الطَّارِق: هو الآتي ليلًا، ومحل النهي: أن يَتَخَوَّنهم ويتهمهم من غير ¬
باب
ريبة. والكَيْس: يعني به الجِدَّ في طلب الولد بالمبادرة بالنكاح، وبوضع النطفة في مقرها. * * * باب 2361 - عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتنعتها (¬1) لزوجها كأنه ينظر إليها". 2362 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسأل المرأة طلاق أختها (¬2) لتستفرغ صحفتها ولِتَنكِح؛ فإن لها (¬3) ما قُدِّرَ لها". * * * ¬
42 - كتاب الطلاق
(42) كتاب الطلاق
1 - باب سنة الطلاق وقوله عز وجل: {ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} [الطلاق: 1]
(42) كتاب الطلاق (1) باب سنة الطلاق وقوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] 2363 - وعن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل عمر بن الخطاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرْهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم (¬1) إن شاء أمسك بَعْدُ وإن شاء طَلَّقَ قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر اللَّه أن تُطَلَّقَ لها النساءُ". 2364 - وعن يونس بن جُبَيْر قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته ¬
2 - باب الطلاق بالكناية
وهي حائض؟ قال (¬1): تعرف ابن عمر؟ إن ابن (¬2) عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فأمره أن يراجعها، فإذا طهرت فإن أراد أن يطلقها فليطلقها، قلت: فهل عَدَّ ذلك طلاقًا؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق؟ وفي رواية (¬3) عن ابن عمر: فحسبت عليَّ تطليقة. * تنبيه: يعني أنه لو عجز عن النطق بالرجعة أو ذهب عقله عنها، لم يكن ذلك مخلًّا بالطلقة، وأنها واقعة من كل بُدٍّ، فكأن هذا كان عنده مَعْلومًا. تقييدهُ: بفتح التاء والميم مبنيًا للفاعل [اسْتَحْمَق]، ولا يجوز أن يبني للمفعول؛ لأنه غير متعد. * * * (2) باب الطلاق بالكناية 2365 - قال الأوزاعي: سألت الزهري: أي أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استعاذت ¬
منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة أن ابنةَ الجَوْنِ لما أدخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك فقال (¬1): "لقد عُذْتِ بعظيم، الحقي بأهلك". 2366 - وعن أبي أُسَيْد قال: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشَّوْط، حتى انتهينا إلى حائطين، فجلسنا بينهما، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجلسوا ههنا"، ودخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد أُتِي بالجَوْنِيَّة، فأنزلت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها -حاضنة لها- فلما دخل عليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هبي لي نفسك"، قال: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ فأهوى بيده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ باللَّه منك، قال: "قد عُذْتِ بمعاذ"، ثم خرج علينا، فقال: "يا أبا أُسَيْد! اكسها رازقيَّتين وألحقها بأهلها". وفي رواية (¬2) عنه: عن سهل قالا: تزوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ¬
3 - باب ما يحل المطلقة ثلاثا
ويكسوها ثوبين رازقيَّين. الرازقية: هي ثياب من الكتان بيض طوال. * * * (3) باب ما يحل المطلقة ثلاثًا 2367 - عن عروة: أن عائشة أخبرته: أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! إن رِفاعة طلقني فبت طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزَّبِير القُرَظِي، وإنما معه مثل الهُدْبَةِ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عُسَيْلته". وعنها (¬1): أنَّ رجلًا طلَّق امرأته ثلاثًا فتزوجت فطلَّقَ، فسئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتحل للأول؟ قال: "لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول". * * * ¬
4 - باب التخيير، وإذا اختارت المخيرة زوجها لم يكن ذلك طلاقا، وقوله عز وجل: {قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها. . .} الآية [الأحزاب: 28]
(4) باب التخيير، وإذا اختارت المخيرة زوجها لم يكن ذلك طلاقًا، وقوله عز وجل: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا. . .} الآية [الأحزاب: 28] 2368 - عن عائشة قالت: خَيَّرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاخترنا اللَّه ورسوله، فلم يَعُدَّ ذلك علينا شيئًا. وفي رواية (¬1): أفكان ذلك طلاقًا؟ قال مسروق: لا أبالي خَيَّرْتُها (¬2) واحدة أو مئة بعد أن تختارني. * * * (5) باب من قال لامرأته: أنت عليَّ حرام، وقوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] قال الحسن: له نيته، وقال أهل العلم: إذا طلق ثلاثًا فقد حرمت عليه، ¬
فسمَّوْه حرامًا بالطلاق والفراق، وليس هذا كالذي يحرم الطعام، كأنه لا يقال للطعام الحِلِّ: حرام، ويقال للمطلقة: حرام، وقال في المطلقة ثلاثًا: لا تحل له (¬1) حتى تنكح زوجًا غيره. وقال (¬2) نافع: كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثًا قال: قد (¬3) طلقتُ مرة أو مرتين، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرني بهذا، فإن طلقها (¬4) ثلاثًا حرمت عليه (¬5) حتى تنكح زوجًا غيره، وقد تقدم حديث امرأة رِفَاعَة. 2369 - وعن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب العسل والحلوى، فكان (¬6) إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر مما كان يحتبس، فغرتُ، فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عُكَّة فسقت ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منه شربة، فقلت: أما واللَّه لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي له: أكلت معافير؛ فإنه سيقول لك كذا (¬1)، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي (¬2): جَرَسَتْ نحلُه العُرفُطَ، وسأقول ذلك، ثم قولي (¬3) أنت يا صفية ذلك (¬4)، قالت: تقول سودة: فواللَّه ما هو إلا أَنْ قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فَرَقًا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول اللَّه! أكلت مغافير؟ قال: "لا"، قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل"، فقلت: جرست نحلُه العُرفطَ، فلما دار إليَّ قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول اللَّه! ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه"، قالت: تقول سودة: واللَّه لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي. الغريب: "المغافير": جمع مغفور، وهو صمغة العرب، وهو شجر، وهذه الصمغة حلوة كريهة الريح، و"جرست": أكلت، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يكره أن يوجد منه رائحة كريهة. * * * ¬
6 - باب ما ذكر في طلاق المكره والمجنون والسكران أو الغضبان
(6) باب (¬1) ما ذكر في طلاق المُكْرَه والمجنون والسكران أو الغضبان قال عثمان: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز، وقال عقبة بن عامر: لا يجوز طلاق المُوَسْوِس، وقال عطاء: إذا بدأ بالطلاق له شرطه، وقال نافع: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت بعدُ بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء، وقال الزهري فيمن قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق، قلنا: يسأل عما قال وعقد عليه قلبَه حين حلف بذلك اليمين، فإن كان سمى أجلًا وأراده وعقد عليه حين حلف، فجعل ذلك في دينه وأمانته، وقال إبراهيم: إن قال: لا حاجة لي فيها نيتُه، وطلاق كل قوم بلسانهم، وقال قتادة: إذا قال: إذا حملت فأنت طالق ثلاثًا، يغشاها عند كل طهر مرة، فإن استبان حملها بعد ذلك، فقد بانت منه، قال: إذا قال: الحقي بأهلك: نيته، وقال ابن عباس: الطلاق عن وَطَر، والعتاق ما أُريد به وجه اللَّه، وقال الزهري: إن قال: ما أنت بامرأتي نيتُه. وإن نوى طلاقًا فهو ما نوى. وقال علي بن أبي طالب: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يُفِيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ. وقال على: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه، وقال قتادة: إذا طلق في نفسه فليس بشيء. ¬
7 - باب الخلع وكيف الطلاق فيه وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود} [البقرة: 229]
2370 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به (¬1) أو تتكلم". وسيأتي قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمقر على نفسه بالزنا: "هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم. * * * (7) باب الخلع وكيف الطلاق فيه وقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ} [البقرة: 229] وأجاز عمر الخلع دون السلطان، وأجاز عمار الخلع دون عِقَاصِ رأسها، قال طاوس: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء: لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. 2371 - وعن ابن عباس قال: . . . . ¬
8 - باب خيار الأمة تحت العبد إذا أعتقت
جاءت امرأة (¬1) ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالت: يا رسول اللَّه! ما أَنْقِمُ على ثابت بن قيس في دين ولا خُلُق، إلا أني أخاف الكفر -وفي رواية (¬3): ولكني لا أطيقه- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تردين (¬4) عليه حديقته؟ " فقالت: نعم، فردت عليه وأمره بفراقها. وفي رواية (¬5): أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة". * * * (8) باب خيار الأَمَةِ تحت العبد إذا أعتقت 2372 - عن ابن عباس: أَنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا. ¬
9 - باب من قال: لا يجوز نكاح الكتابيات
وفي رواية (¬1): لبني فلان، يقال له: مُغِيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس! ألا تعجب من حُبِّ مغيث بريرة ومن بغض بَرِيرَة مغيثًا؟ " فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو رَاجَعْتِهِ" قالت: يا رسول اللَّه تأمرني؟ قال: "إنما أشفع"، قالت: فلا حاجة لي فيه. وقد تقدم حديث بريرة بكامله في العتق. * * * (9) باب من قال: لا يجوز نكاح الكتابيات 2373 - عن نافع: أنَّ ابن عمر كان إذا سُئِل عن نكاح النصرانية واليهودية، قال: إن اللَّه حَرَّم نكاح (¬2) المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد اللَّه. * * * ¬
10 - باب عدة من أسلم من المشركات
(10) باب عِدَّةِ من أسلم من المشركات 2374 - وقال عطاء: عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، فكان (¬1) إذا هاجرت امرأة من الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حَلَّ لها النكاحُ، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح رُدَّتْ إليه، وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حُرَّان، ولهما ما للمهاجرين، ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد (¬2)، وإن هاجر عبدٌ أو أَمَة للمشركين أهل العهد، لم يردُّوا ورُدَّتْ أثمانهم. وقال عطاء (¬3) عن ابن عباس: كانت قريبةُ ابنة أبي أمية عند عمر بن الخطاب، فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وكانت أم الحكم بنت أبي سفيان تحت عِيَاض بن غنْمٍ الفِهْرِيِّ فطلقها، فتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي. * * * ¬
11 - باب إذا أسلمت المشركة والنصرانية تحت الذمي أو الحربي
(11) باب إذا أسلمت المشركة والنصرانية تحت الذِّمِّيّ أو الحربي عن ابن عباس (¬1): إذا أسلَمَت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه، وقال داود عن إبراهيم الصاغ: سئل عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة، أهي امرأته؟ قال: لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق، وقال مجاهد: إذا أسلما في العدة يتزوجها، وقال اللَّه: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. وقال الحسن وقتادة في المجوسيين أسلما: هما على نكاحهما، فإذا سبق أحدهما الآخر وأبى الآخر بانت، ولا سبيل له عليها. وقال ابن جرير: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين، أيعاض زوجها منها لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]؟ قال: لا، إنما كان ذلك بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين أهل العهد، وقال مجاهد: هذا كله في صلح بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين قريش (¬2). وقد تقدم حديث عائشة في مبايعة النساء. * * * ¬
12 - باب قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا} [البقرة: 226]: رجعوا
(12) باب قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226]: رجعوا 2375 - عن أنس بن مالك قال: آلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نسائه -وفي رواية (¬1): شهرًا- وكانت انْفَكَّتْ رجله، فأقام في مَشْرُبَةٍ له تسعًا وعشرين ثم نزل، فقالوا: يا رسول اللَّه! آليت شهرًا، قال: "الشهر تسع وعشرون". 2376 - وعن نافع: أن ابن عمر (¬2) كان يقول في الإيلاء الذي سَمَّى اللَّه (¬3): لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق ¬
13 - باب حكم المفقود في أهله وماله
كما أمر اللَّه (¬1). وقال ابن عمر (¬2): إذا مضت أربعةُ أشهرٍ يُوقَفُ حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلِّق، ويذكر ذلك عن عثمان، وعلي، وأبو الدرداء، وعائشة، واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (13) باب حكم المفقود في أهله وماله قال ابن المسيب (¬3): إذا فقد في الصف عند القتال، تربص امرأتُه سنةً. واشترى ابن مسعود جارية، فالتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد، فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فله وعليَّ، وقال: هكذا افْعَلُوا (¬4) في اللقطة، وقال ابن عباس نحوه، وقال الزهري في الأسير يعلم مكانهُ: لا تتزوج امرأته، ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خبره فَسُنَّتُه ¬
14 - باب الظهار وقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {ستين مسكينا} [المجادلة: 1 - 4]
سنة المفقود. وذكر في هذا الباب حديثَ زيد بن خالد في اللُّقَطَة، ومقصودُه منه قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وكل الشجر حتى يلقاها ربها"، وقد تقدم ذكره في اللقطة. * * * (14) باب الظهار وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى قوله: {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 1 - 4] وقال مالك (¬1): إنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر، وقال مالك: وصيام العبد شهران، وقال الحسن بن الحر: ظهار الحر والعبد من الحرة والأمة سواء. وقال عكرمة: إن ظاهر من أَمَتِهِ فليس بشيء، إنما الظهار من النساء. وفي العربية: {لِمَا قَالُوا}؛ أي: فيما قالوا، أو في بعض ما قالوا، وهذا أولى؛ لأن اللَّه تعالى لم يَدُلَّ على المنكر وقول الزور. * * * ¬
15 - باب الإشارة في الطلاق وفي الرموز
(15) باب الإشارة في الطلاق وفي الرموز وقال ابن عمر (¬1): قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يعذب اللَّه بدمع العين ولكن يعذب بهذا"، وأشار إلى لسانه. وقال كعب بن مالك: أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليَّ خذِ النصفَ. وقال أنس: أومأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده إلى أبي بكر أن تقدَّم، وقال ابن عباس: أومأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا حَرَج. وذكر في الباب، أحاديث مسندة في هذا المعنى وقد تكررت. * * * (16) باب اللعان وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى قوله: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9]، فإذا قذف الآخر من امرأته بكناية أو إشارة أو إيماء معروف، فهو كالمتكلم؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أجاز الإشارة في الفرائض، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم، وقال اللَّه تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]، وقال الضحاك: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41]: إلا إشارة. ¬
17 - باب إذا عرض بنفي الولد
وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان، ثم زعم: إن طَلَّقوا بكتاب أو إشارة أو إيماء جاز، وليس بين الطلاق والقذف فرق. فإن قال: القذف لا يكون إلا بالكلام، قيل له: كذلك الطلاق لا يكون إلا بكلام، وإلا بطل الطلاق والقذف، وكذلك العتق، وكذلك الأصم يلاعن، وقال الشعبي وقتادة: إذا قال: أنت طالق وأشار بأصابعه، تبينُ منه بإشارته، وقال إبراهيم: الأخرس إن كتب الطلاق بيده لزمه، وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز. * * * (17) باب إذا عَرَّض بنفي الولد 2377 - عن أبي هريرة: أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! وُلِدَ لي غلام أسود، فقال: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟ " قال: حُمر، قال: "هل فيها من أَوْرَق؟ " قال: نعم، قال: "فَأنَّى ذلك؟ " قال: لعله نزعة عِرْق، قال: "فلعل ابنك هذا نزعة". * * * _______ 2377 - خ (3/ 413)، (68) كتاب الطلاق، (26) باب إذا عَرَّض بنفي الولد، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (5305)، طرفاه في (6847، 7314).
18 - باب كيفية اللعان
(18) باب كيفية اللعان 2378 - عن سهل بن سعد الساعدي: أن عويمر (¬1) العَجْلَاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال (¬2): يا عاصم! أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل عاصم عن ذلك (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسألة وعابها حتى كَثُرَ على عاصم ما سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر فقال: يا عاصم! ماذا قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كَرِهَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: واللَّه لا أنتهي حتى أسأله عنها، وأقبل (¬4) عويمر حتى جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسط الناس، فقال: يا رسول اللَّه! أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أنزل اللَّه فيك وفي صاحبتك، فاذهب فائت بها"، فتلاعنا (¬5) وأنا مع الناس ¬
عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). قال ابن شهاب: وكانت (¬2) سنة المتلاعنين. وفي رواية (¬3): فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد قضى (¬4) فيك وفي امرأتك"، قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا، قال: كذبت عليها يا رسول اللَّه إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ذلك (¬5) تفريق بين كل متلاعِنَيْن". قال ابن شهاب (¬6): فكانت السنة أن يفرّق بين المتلاعنين، وكانت حاملًا، وكان ابنها يدعى لأمه، قال: ثم جرت السُّنَّة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض اللَّه لها (¬7). وفي رواية (¬8): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن جاءت به أحمر قصيرًا كأنه وَحَرة، ¬
فلا أُراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين، فلا أُرَاه إلا قد صدق عليها"، فجاءت به على المكروه من ذلك. 2379 - وعزا ابن عباس: أنه ذُكر التلاعن عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال عاصم ابن عدي في ذلك قولًا ثم انصرف، فجاءه رجل من قومه يشكو إليه أنه قد وجد مع أهله رجلًا، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا الأمر (¬1) إلا بقولي (¬2)، فذهب به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مُصْفَرًّا، قليل اللحم، سَبْطَ الشَّعْرِ، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله آدم خَدْلًا كثير اللحم -وفي رواية (¬3): جَعْدًا قَطِطًا- فقال رسول (¬4) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم بَيِّنْ"، فوضعت (¬5) شبيهًا بالذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما. قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو رجمت ¬
19 - باب التفريق بين المتلاعنين، وإلحاق الولد بأمه
أحدًا بغير بينة رجمت هذه"، فقال ابن عباس: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء. الغريب: "الوَحَرَةُ" بالحاء المهملة، وهي دويبة حمراء تلصق بالأرض، و"الأَعْيَن": الواسع العينين، و"الآدَمُ": الشديد الأُدْمَةِ، وهي سمرة بحمرة. و"الخَدْلُ": الكثير لحم الساقين، يقال: رجل خَدْل وامرأة خدلاء، و"القَطِط": الشديد الجعودة؛ كشعر السودان. * * * (19) باب التفريق بين المتلاعنين، وإلحاق الولد بأمه 2380 - عن ابن عمر قال: فَرَّقَ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أخوي بني العجلان، وقال: "اللَّه يعلم أَنَّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا فَفَرَّق بينهما. وفي رواية (¬1): "حسابكما على اللَّه، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها" ¬
قال: مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صَدَقْتَ عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك (¬1) أبعد لك". 2381 - وعنه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها، فَفَرَّق بينهما، وألحق الولد بالمرأة. * * * ¬
43 - كتاب العدة
(43) كتاب العدة
1 - باب قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} [الطلاق: 4]
(43) كتاب العدة (1) باب قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] قال مجاهد: إن لم يعلموا يحضن أم لا يحضن، واللآئي قعدن عن الحيض واللائي لم يحضن بعد أن تمر ثلاثة أشهر، {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. 2382 - عن أبي (¬1) سلمة بن عبد الرحمن: أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن امرأة من أسلم يقال لها: سُبَيْعَة كانت تحت زوجها توفي عنها وهي حُبْلَى، فخطبها أبو السنابل بن بَعْكَك ¬
2 - قصة فاطمة بنت قيس
فأبت أن تنكحه، فقال: واللَّه، ما يصلح أن تنكحي (¬1) حتى تَعْتَدِّي آخر الأجلين، فمكثت قريبًا من عشر ليال ثم جاءت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "انكحي". 2383 - وعن المِسْوَر بن مخرمة: أن سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِية نُفِسَتْ بعد وفاة زوجها بليالٍ، فجاءت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها فنكت. وقال إبراهيم فيمن تزوج في العدة فحاضت عند ثلاث حيض: بانت من الأول ولا تحتسب به لمن بعده، وقال الزهري: تحتسب، وهذا أحب إلى سفيان، وقال مَعْمَر: ويقال: أقرأت المرأة: إذا دنا حيضها، وأقرأت: إذا دنا طهرها، ويقال: ما قَرأَت بِسَلًى قط: إذا لم تجمع ولدًا في بطنها. * * * (2) قصة فاطمة بنت قيس 2384 - عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار: أن يحيى بن سعيد ¬
ابن العاص طلَّق بنت عبد الرحمن بن الحكم وهو أمير المدينة (¬1)، فانتقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة: اتق اللَّه وارددها إلى بيتها، قال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمن ابن الحكم غلبني، وقال القاسم بن محمد: أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان (¬2): إن كان بك الشر (¬3) فحسبك ما بين هذين من الشر (¬4). 2385 - وعن عائشة أنها قالت: ما لفاطمة؟ ألا تتقي اللَّه؟ يَعني في قولها: "لا سكنى ولا نفقة". ¬
3 - باب عدة المتوفى عنها زوجها وإحدادها فيه
2386 - وعن عروة بن الزبير أنه قال لعائشة: ألم تري إلى فلانة (¬1) بنت الحكم طلقها زوجها البَتَّةَ فخرجت، فقالت: بئس ما صنعت، قال: ألم تسمعي قول فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث. وفي رواية (¬2) عنه قال: عابت عائشة أشد العيب، وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وَحْشٍ فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) لها. * * * (3) باب عِدَّةِ المتوفى عنها زوجها وإحدادها فيه 2387 - عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة: أنها أخبرته عن الأحاديث الثلاثة: قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ¬
توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صُفْرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت فوق ثلاث ليالٍ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". قالت زينب: فدخلتُ على زينب بنت جحش حين توفي أخوها، فدعت بطيبٍ فمست منه، ثم قالت: أما واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت (¬1) فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". قالت زينب: وسمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فقالت: يا رسول اللَّه! ) (¬2) إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا" مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: "لا" ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبَعْرَةِ على رأس الحَوْلِ". قال حميد: قلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حِفْشًا ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار، أو شاة، أو طائر، ¬
4 - باب ما تنهى عنه المحد من الكحل وما يجوز لها من اللباس والطيب
فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلَّا مات، ثم تَخرُج فتُعطى بعرة فترمي بها، ثم تُراجع بعدُ ما شاءت من طيب أو غيره، وسئل مالك ما تَفْتَضُّ؟ قال: تمسح به جلدها. الغريب: "الحِفْش": البيت الصغير الرديء، و"تفتض": هو بالفاء والضاد المعجمة، وقد فسره مالك بأنها كانت تمسح به جلدها. وقال ابن وهب: تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه: تمسح به ثم تفتض؛ أي: تغتسل بالماء العذب حتى تصير كالفضة، قال الأزهري: ورواه الشافعي فقال: هي بالقاف والصاد المهملة والباء بواحدة، والقبص: الأخذ بأطراف الأصابع. * * * (4) باب ما تنهى عنه المُحِدُّ من الكحل وما يجوز لها من اللباس والطيب 2388 - عن أم عطية قالت: قال لي النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة ¬
تؤمن باللَّه واليوم الآخر تحد فوق ثلاث ليال إلا على زوج، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عَصْبٍ". وفي رواية (¬1) قالت أم عطية: كنا ننُهى أن نُحِدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحل ولا نتطيب، ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب. وفي رواية (¬2): قالت أم عطية: كنا نُنْهَى أن نُحِدَّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحل ولا نتطيب، ولا نلبس ثوبًا مَصْبُوغًا إلا ثوب عصب، وقد رُخِّص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من حيضتها (¬3) في نبذَةٍ من كُسْت أَظْفَار، وكُنَّا ننهى عن اتباع الجنائز. وفي رواية (¬4): ولا تمس طيبًا إلا أدنى طهرها إذا طهرت نبذة من قُسط وأظفار. قال البخاري: القُسط والكست مثل الكافور والقافور. الغريب: "العَصْب": برود اليمن، يُعْصَبُ غزلها ثم ينسج ويوشى. و"النبذة": ¬
5 - باب مهر البغي والنكاح الفاسد
الشيء اليسير، ودخلت الهاء لأنه بمعنى القطعة، والقسط والأظفار يجوز أن يتبخر بهما وليسا من مؤنث الطيب، وقال الداودي: تسحقُ القسطَ وتلقيه في الماء آخر غسلها، والأول هو المعروف. * * * (5) باب مهر البَغِيّ والنكاح الفاسد وقال الحسن: إذا تزوج مُحَرَّمة وهو لا يشعر، فُرِّق بينهما ولها ما أخذت، وليس لها غيره، ثم قال بَعْدُ: لها صداقها. 2389 - وعن أبي مسعود قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وحُلوان الكاهن، ومَهْرِ البَغِيِّ. الغريب: "الكلب": هنا هو غير المنتفع به، منها التي أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتلها، و"حلوان الكاهن": ما يأخذ على تكهنه، وهو ادعاؤه الغيب، و"البَغِيّ": الزانية. * * * _______ 2389 - خ (3/ 422)، (68) كتاب الطلاق، (51) باب مهر البغي والنكاح الفاسد، من طريق سفيان، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود به، رقم (5346).
44 - كتاب النفقات
(44) كتاب النفقات
1 - فضل النفقة على الأهل، وقول الله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219]
(44) كتاب النفقات (1) فضل النفقة على الأهل، وقول اللَّه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] قال الحسن: العفو الفَضْل. 2390 - وعن أبي مسعود الأنصاري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أنفق المسلم على أهله نفقة وهو يحتسبها، كانت له صدقة". 2391 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال اللَّه: أَنْفِقْ يا بن آدم أُنْفِقْ عليك". _______ 2390 - خ (3/ 424)، (69) كتاب النفقات، (1) باب فضل النفقة على الأهل، وقول اللَّه عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، من طريق شعبة، عن عديّ بن ثابت، عن عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري، عن أبي مسعود الأنصاري به، رقم (5351). 2391 - خ (3/ 424) في الكتاب والباب السابقين، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به، رقم (5352).
2 - باب الابتداء بالنفقة على الأهم فالأهم
2392 - وعنه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الساعي على الأرملة والمساكين (¬1) كالمجاهد في سبيل اللَّه، أو القائم الليل والصائم النهار". وقد تقدم في حديث سعد قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإنك مهما أنفقت من نفقةٍ فإنها صدقة، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك". * * * (2) باب الابتداء بالنفقة على الأهم فالأهم 2393 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". تقول المرأة: إمَّا أن تطعمني وإمَّا أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تَدَعُنِي؟ قالوا (¬2): يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. وفي رواية مرفوعًا (¬3): . . . . ¬
3 - باب حبس الرجل قوت سنة على أهله
"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول". * * * (3) باب حبس الرجل قوت سنة على أهله 2394 - عن عمر بن الخطاب: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. وقد قدمت في كتاب الوصايا (¬1) الحديث الطويل الذي قال فيه عمر ابن الخطاب: فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ الباقي فيجعل كله مجعل مال اللَّه. * * * (4) باب {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} إلى قوله: {بَصِيرٌ} [البقرة: 233]، وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقال: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، وقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الآية وقال يونس عن الزهري: نهى أن تُضَارَّ والدة بولدها، وذلك أن تقول ¬
5 - باب عمل المرأة في بيت زوجها، وصبرها على ذلك والتسلي بالأذكار وخدمة الرجل في بيته
الوالدة: لست مرضعته وهي أمثل له غذاءً، وأشفق عليه، وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفقة ما جعل اللَّه عليه، وليس للمولود له أن يضارَّ بولده ووالدته، فيمنعها أن ترضعه؛ ضرارًا بها إلى غيرها، فلا جناح عليهما أن يسترضعا عن طيب بنفس الوالدة والوالد، وإن أرادا فصالًا فلا جناح عليهما بعد أن يكون ذلك عن تراض منهما وتشاور، و {وَفِصَالُهُ}: فطامه. * * * (5) باب عمل المرأة في بيت زوجها، وصبرها على ذلك والتسلي بالأذكار وخدمة الرجل في بيته 2395 - عن علي بن أبي طالب: أن فاطمة أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تشتكي (¬1) إليه ما تلقى في بيتها من الرَّحَى، وبلغها أنه جاء رقيق فلم تصادقه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: "على مكانكما"، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدمه (¬2) على بطني، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما، فَسَبِّحَا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". ¬
6 - باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه، ونفقة المعسر
وفي رواية (¬1): قال علي: فما تركتهن بعدُ (¬2)، قيل: ولا ليلة صِفِّين؟ قال: ولا ليلة صفين. 2396 - وعن الأسود بن يزيد: سألت عائشة (¬3) ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج. * * * (6) باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه، ونفقة المُعْسِر 2397 - عن عائشة: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول اللَّه! إن أبا سفيان رجل شَحِيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو ¬
7 - باب خدمة المرأة زوجها في ذات يده، وأجرها في نفقتها على أولاده
لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". وقد تقدم في الصيام (¬1) قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُكَفِّر حين قال له: واللَّه ما بين لابتيها أفقر من أهل بيتي، فأعطاه عرق التمر، قال: "أطعمه أهلك". * * * (7) باب خدمة المرأة زوجها في ذات يده، وأجرها في نفقتها على أولاده 2398 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده". 2399 - وعن أم سلمة: قلت: يا رسول اللَّه! هل لي من أجر في بني ¬
8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك كلا أو ضياعا فإلي"
أبي سلمة أن أنفق عليهم؟ ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنّما هم بني، قال: "نعم، لك أجر ما أنفقتِ عليهم". * * * (8) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ترك كَلًّا أو ضياعًا فإليَّ" 2400 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْنُ فيسأل: "هل ترك لدينه قضاء (¬1)؟ " فإن حُدِّثَ أنه ترك وفاءً صلى عليه (¬2)، وإلا قال للمسلمين: "صَلُّوا على صاحبكم"، فلما فتح اللَّه عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته". * * * ¬
45 - كتاب الأطعمة
(45) كتاب الأطعمة
1 - باب الأمر بإطعام الجائع، وأجر من جوع نفسه في الله تعالى
(45) كتاب الأطعمة (1) باب الأمر بإطعام الجائع، وأجر من جَوَّع نفسه في اللَّه تعالى 2401 - عن أبي موسى الأشعري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكُّوا العاني"، قال سفيان: العاني: الأسير. 2402 - وعن أبي هريرة قال: ما شبع آل محمد (¬1) من طعام ثلاثة أيامٍ حتى قُبِضَ. ¬
2 - باب التسمية على الطعام والأكل مما يلي باليمين
2403 - وعنه قال: أصابني جَهدٌ شديد، فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية من كتاب اللَّه، فدخل داره وفتحها عليَّ، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجَهْدِ (¬1)، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائم على رأسي، فقال: "يا أبا هريرة! " فقلت: لبَّيك رسول اللَّه وسَعْدَيْك، فأخذ بيدي فأقامني، وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رَحْلِهِ فأمر لي بعُسٍّ من لبن فشربت منه، ثم قال: "عُد فاشرب يا أبا هِر"، فعُدْتُ فشربتُ، ثم قال: "عُد"، فعدت فشربت، حتى استوى بطني فصار كالقِدْح، قال: فلقيت عمر وذكرت له الذي كان من أمري، وقلت له: تولَّى ذلك من كان أحق به منك يا عمر، واللَّه لقد استقرأتك الآية ولأنا أقرأ لها منك، قال عمر: واللَّه لأن أكون أدخلتُك أحبُّ إليَّ من أن يكون لي مثل حمر النعم. * * * (2) باب التسمية على الطعام والأكل مما يلي باليمين 2404 - عن وهب بن كَيْسَان: أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت ¬
3 - باب إذا اختلف الطعام، أكل من حيث شاء
غلافا في حِجْرِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا غلام! سمِّ اللَّه، وَكُلْ بيمينك، وكُل مما يليك"، فما زالت تلك طِعْمَتِي بَعْدُ. 2405 - وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيمن ما استطاع في طُهُوره، وتَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِه. وفي رواية (¬1): في شأنه كله. * * * (3) باب إذا اختلف الطعام، أكل من حيث شاء 2406 - عن أنس بن مالك قال: إن خياطًا دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. في رواية (¬2): فقَرَّبَ خبز شعيرٍ ومَرَقًا فيه دُبَّاء وقَدِيد، . . . ¬
4 - باب جواز الشبع إذا لم يعد بضرر في دين أو بدن
فرأيته (¬1) يتتبع الدباء من حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدُّبَّاء من يومئذ (¬2). * * * (4) باب جواز الشبع إذا لم يعد بضرر في دين أو بدن وقد تقدم في النبوات من حديث أنس في طعام أبي طلحة أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الثمانين رجلًا أكلوا حتى شبعوا. 2407 - وعن عبد الرحمن بن أبي مُلَيْكَة (¬3): كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثين ومئة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل مع أحد منكم طعام؟ " فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مُشْعَانٌ (¬4) طويل بغنم يسوقها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبَيْعٌ أم عطية، أو قال: هبة؟ " قال: لا، بل بيع، قال: فاشترى منه شاة، فصنعت، فأمرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) بسواد البطن يُشْوَى، وَايْمُ اللَّه، ¬
5 - باب الترفه بالأطعمة الشهية، والآلات الفاخرة، والاكتفاء بما يتسر
ما في الثلاثين (¬1) ومئة إلا قد حَزَّ له حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاه إياه، وإن كان غائبًا خبأها له، ثم جعل فيها قصعتين، فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين، فحملته على البعير، أو كما قال. 2408 - وعن عائشة: توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين شبعنا من الأسودين التمر والماء. الغريب: "مُشْعَان": شعث الرأس، يقال فيه: اشعانَ شعرُه اشعينانًا، فهو مشعان. و"حَزَّ له"؛ أي: قطع له بالسكين، والحُزَّةُ: القطعة، وهي الفلذة. * * * (5) باب التَّرَفُّه بالأطعمة الشهية، والآلات الفاخرة، والاكتفاء بما يتَّسر 2409 - عن قتادة قال: كنا عند أنس -وعنده خَبَّاز له- فقال: "ما أكل ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبزًا (¬1) مُرَقَّقًا، ولا شاة مسموطة (¬2) حتى لقي اللَّه". 2410 - وعنه قال: ما علمت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكل على سُكُرُّجَّة قط، ولا خُبِزَ له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط، قيل لقتادة: فعلامَ كانوا يأكلون؟ قال: على السُّفَر (¬3). 2411 - وعن وهب بن كَيْسَان قال: كان أهل الشامُ يعيِّرون ابنَ الزبير؛ يقولون: يا بن ذات النطاقين، فقالت له أسماء: يا بُنَيَّ، إنهم يعيِّرونك بالنطاقين، فهل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأحدهما، وجعلت في سفرته آخر، قال: وكان (¬4) أهل الشام إذا عيّروه بالنطاقين يقول: إيهًا والإله. ¬
6 - باب أكل الضب على المائدة
تلك شكاة ظاهر عنك عارها (¬1) * * * (6) باب أكل الضبّ على المائدة 2412 - عن سهل بن حُنَيْف الأنصاري (¬2): أن ابن عباس أخبره أن خالد ابن الوليد -الذي يقال له: سيف اللَّه- أخبره أنَّه دخل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ميمونة -وهي خالته وخالة ابن عباس- فوجد عندها ضَبًّا مَحْنُوذًا، قد قدمت به أختها حُفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضبَّ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان قلَّما يُقَدِّم يده لطعام حتى يُحَدَّثَ به ويسمَّى، فأهوى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده إلى الضبّ، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما قدمتنَّ له، هو الضب يا رسول اللَّه! فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده عن الضبِّ، فقال خالد ابن الوليد: أَحَرامٌ الضب يا رسول اللَّه؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه"، فقال خالد: فاجتررته فأكلته، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إليَّ. ¬
7 - باب طعام الاثنين كافي الثلاثة، والمؤمن يأكل في معى واحد
وعنه (¬1): أن أم حُفَيْد بنت الحارث بن حَزْن -خالة ابن عباس- أهدت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمنًا وأقطًا وأَضُبًّا، فدعا بهن فأكلن على مائدة، وتركهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كالمتقذر لهن، ولو كان حرامًا ما أكلن على مائدة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا أمر بأكلهن. 2413 - وعن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الضبُّ لست آكله ولا أحرمه". * * * (7) باب طعام الاثنين كافي الثلاثة، والمؤمن يأكل في مِعًى واحد 2414 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة". 2415 - وعن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل ¬
8 - باب لا يأكل متكئا، وينهس اللحم، ويقطعه بالسكين، والأكل مع الخادم
معه، فأدخلت رجلًا يأكل معه فأكل كثيرًا، فقال: يا نافع! لا تدخل عليَّ هذا، سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "المؤمن يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". 2416 - وعن عمرو قال: كان أَبو نهيك رجلًا أكولًا، فقال له ابن عمر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء"، قال: فأنا أؤمن باللَّه ورسوله. 2417 - وعن أبي هريرة: أن رجلًا كان يأكل كثيرًا فأسلم، فكان يأكل أكلًا قليلًا، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن المؤمن يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". * * * (8) باب لا يأكل متكئًا، ويَنْهَسُ (¬1) اللحم، ويقطعه بالسكين، والأكل مع الخادم 2418 - عن أبي جُحَيْفَةَ قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لرجل عنده: ¬
"لا آكل وأنا متكئ". 2419 - وعن ابن عباس: تَعَرَّقَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتفًا، ثم قام فصلى ولم يتوضأ. وفي رواية (¬1): انتشل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عِرْقًا من قدر، فأكل ثم صلى، ولم يتوضأ. 2420 - وعن عمرو بن أمية: أنَّه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحْتَزُّ من كتف شاة في يده، فدُعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ. 2421 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يُجْلِسُه معه، فليناوله أُكْلَة أو أُكْلَتَين، أو لقمة أو لقمتين، ¬
9 - باب ما عاب النبي -صلى الله عليه وسلم- طعاما، وشدة ما كانوا عليه من العيش وخشونته
فإنه ولي حَرَّه (¬1) وعلاجه". * * * (9) باب ما عاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا، وشدة ما كانوا عليه من العيش وخشونته 2422 - عن أبي هريرة قال: ما عاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. 2423 - وعنه قال: قَسَّم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا بين أصحابه تمرًا، فأعطى كل إنسان سبع تمرات، إحداهن حَشَفة، فلم تكن فيهن تمرة أعجب إليَّ منها، شدت في مضاغي. 2424 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: رأيتني سابع سبعة مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
ما لنا طعام إلَّا ورق الحُبْلَة -أو الحَبَلة- حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تُعَزِّرُنِي على الإسلام، خسرت إذن وَضَلَّ سعيي. 2425 - وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد قلت: هل أكل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النَّقِيَّ؟ فقال سهل: ما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النَّقِيَّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُنْخُلًا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: قلت: وكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه ثم ننفخه (¬1)، فيطير ما طار، وما بقي ثَرَّيْنَاه فأكلناه. 2426 - وعن أبي هريرة: أنَّه مر بقوم بين أيديهم شاة مَصْلِيَّةٌ فدعوه، فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير (¬2). 2427 - وعن عائشة قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من ¬
10 - باب فضل التلبينة والثريد
طعام ثلاث ليالٍ تباعًا حتى قُبض. الغريب: "مَضَاغي" بالغيم المعجمة: من المضغ. و"الحُبْلَة" بضم الحاء وسكون الباء: ورق السَّمُر، وبفتحها: ورق الكروم. و"تعزرني" بالزاي والراء: تؤذيني وتعاتبني. و"النَّقِيّ": الحَوَارِيّ. و"ثَرَّيْنَاه": بللناه بالماء. و"المَصْلِيَّةُ": المشوية. * * * (10) باب فضل التلبينة والثريد 2428 - عن عائشة: أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرؤن إلَّا أهلها وخاصتها = أمرت ببُرمة من تلبينة فطبخت، ثم صنع ثريد، فصبت التلبينة (¬1) عليها، ثم قالت: كُلْنَ؛ فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "التلبينة مَجَمَّة (¬2) لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن". ¬
11 - باب حب النبي -صلى الله عليه وسلم- الحلوى والعسل، وأكل القثاء بالرطب والعجوة
وقد تقدم في المناقب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطَّعام" (¬1). * * * (11) باب حبّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحلوى والعسل، وأكل القثاء بالرطب والعجوة 2429 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب الحلواء والعسل. 2430 - وعن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل الرُّطَبَ بالقِثَّاء. 2431 - وعن عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تصبَّح كل يوم سبع تمرات عجوةً، لم يضره في ذلك اليوم سمّ ولا سحر". * * * ¬
12 - باب النهي عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة
(12) باب النهي عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة 2432 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنهم كانوا عند حذيفة، فاستقى فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رمى به (¬1) وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه قال (¬2): لم أفعل هذا، ولكني سمعت رسول (¬3) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صِحَافِها، فإنها لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة". * * * (13) باب صاحب الدعوة مخيَّر فيمن تبع الدعوة 2433 - عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان من الأنصار رجل يقال ¬
14 - باب التحلق عشرة عشرة، والنهي عن القران في التمر
له: أَبو شعيب، وكان له غلام لَحَّام، فقال: اصنع لي طعامًا أدعو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خامس خمسة، (فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خامس خمسة) (¬1)، فتبعهم رجل، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجل تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته" قال: بل أذنت له. * * * (14) باب التحلُّق عشرة عشرة، والنهي عن القِرَان في التمر 2434 - وعن أَنس: أن أمه عمدت (¬2) إلى مُدٍّ من شعير جَشَّتْهُ، وجعلت خَطِيفَة (¬3) وعصرت عُكَّة عندها، ثم بعثتني إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته وهو في أصحابه فدعوته، قال: "ومن معي؟ " فجئت فقلت: إنه يقول: "ومن معي؟ " ¬
فخرج إليه أَبو طلحة فقال: يا رسول اللَّه! إنما هو شيء صنعته أم سُلَيْم، فدخل فجيء به، وقال: "أَدْخِلْ عليَّ عشرة"، فدخلوا (¬1) فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: "أَدْخِلْ عليَّ عشرة"، فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: "أدخلْ عليَّ عشرة"، حتى عدَّ أربعين، ثم أكل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قام، فجعلت أنظر هل نقص منها شيء؟ ! 2435 - وعن شعبة بن سحيم قال: أصابنا عام سَنَةٍ (¬2)، فرُزِقْنَا تمرًا (¬3)، وكان ابن عمر يمر بنا وكنا (¬4) نأكل ويقول: لا تقارنوا؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الإقران (¬5)، ثم يقول: إلَّا أن يستأذن الرجل أخاه. قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر، وقال ابن المبارك (¬6): لا بأس أن ¬
15 - باب أكل الجمار والكباث
يناول بعضهم بعضًا، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى. * * * (15) باب أكل الجُمَّار والكَبَاث 2436 - عن ابن عمر قال: بينا نحن عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلوس، إذ أُتِي بجُمَّار نخلة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم"، فظننت أنَّه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول اللَّه، ثم التفتُّ فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكتُّ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي النخلة". 2437 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَرِّ الظَهْرَان نجني الكَبَاث، فقال: "عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيب (¬1) "، فقيل: أكنت ترعى الغنم؟ قال: "نعم، وهل من نبي إلَّا رعاها؟ ". الغريب: "الجُمَّار": قلب النخلة، و"الكَبَاث" بفتح الكاف: هو ثمر الأراك، ¬
16 - باب لعق الأصابع والمضمضة من الطعام والتمندل
والأسود منه أطيبه؛ لانتهائه، ويسمى أيضًا: البَرِير. * * * (16) باب لعق الأصابع والمضمضة من الطعام والتمندل وقد تقدم من حديث النعمان (¬1): أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أكل سويقًا فتمضمض، وتمضمض من كان أكل معه. 2438 - وعن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أكل أحدكم، فلا يمسح يده حتى يَلْعَقَها أو يُلْعِقَهَا". 2439 - وعن جابر بن عبد اللَّه وسئل عن الوضوء مما مسته (¬2) النار فقال: لا، قد كنا زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نجد مثل ذلك من الطعام إلَّا قليلًا، فإذا نحن وجدناه، لم يكن لنا مناديل إلَّا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ. * * * ¬
17 - باب ما يقول إذا فرغ من طعامه، وفضل الطاعم الشاكر
(17) باب ما يقول إذا فرغ من طعامه، وفضل الطاعم الشاكر 2440 - عن أبي أمامة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رفع مائدته قال: "الحمد، كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مَكْفِيّ ولا مُوَدَّع (¬1) ولا مستغنًى عنه ربنا". وعنه (¬2): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا فرغ من طعامه -قال مرة: إذا رفع مائدته- قال: "الحمد للَّه، الذي كفانا وآوانا (¬3)، غير مكفي ولا مكفور". 2441 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر". ذكره البخاري معلقًا في ترجمة. * * * ¬
18 - باب يقدم الصائم عشاءه على عشائه
(18) باب يقدم الصائم عشاءه على عشائه 2442 - عن أنس بن مالك: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وضع العَشَاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعَشَاء". ونحوه عن ابن عمر (¬1). وقال نافع (¬2): إن ابن عمر تعشى مرة وهو يسمع قراءة الإمام. * * * (19) باب جواز ادِّخار ما لا يفسد من الطعام واللحم 2443 - عن عبد الرحمن بن عابس (¬3)، عن أبيه قال: قلت لعائشة: ¬
أنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تؤكل من لحم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلَّا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يَطْعَم الغني والفقير، وإن كنا لنرفع الكُرَاع فنأكله بعد خمس عشرة، قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكت، قالت: ما شبع آل محمد (¬1) من خبز مأدوم (¬2) ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه. 2444 - وعن جابر قال: كنا نتزوَّد لحوم الهَدْي على عهد رسول (¬3) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة. * * * ¬
46 - كتاب العقيقة
(46) كتاب العقيقة
1 - باب تسمية المولود عندما يولد، وتحنيكه
(46) كتاب العقيقة (1) باب تسمية المولود عندما يولد، وتحنيكه 2445 - عن أبي موسى قال: ولد لي غُلام فأتيت به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسماه إبراهيم، وحَنَّكَه (¬1) بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ، وكان أكبر ولد أبي موسى. 2446 - وعن عائشة قالت: أُتِي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بصبيّ يُحَنِّكُه فبال عليه، فأتبعه الماء. 2447 - وعن أسماء بنت أبي بكر: أنها حملت بعبد اللَّه بن الزبير بمكة، ¬
قالت: فخرجت وأنا مُتِمٌّ (¬1)، فأتيت المدينة فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضعته في حَجْرِه، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له فيها، وبرَّك عليه (¬2)، وكان أول مولود ولد في الإسلام، وفرحوا (¬3) به فرحًا شديدًا؛ لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم. 2448 - وعن أَنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أَبو طلحة فقُبض الصبي، فلما رجع أَبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان، فقرَّبت إليه العَشَاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي (¬4)، فلما أصبح أَبو طلحة أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فقال: "أَعَرَّسْتُمُ الليلة؟ " قال: نعم، قال: "اللهم بارك لهما" (¬5)، فولدت غلامًا، قال لي أَبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أمعه شيء؟ " قالوا: نعم، تمرات، فأخذها ¬
2 - باب إماطة الأذى عن المولود والعقيقة
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي وحَنَّكَهُ به، وسماه عبد اللَّه. * * * (2) باب إماطة الأذى عن المولود والعقيقة 2449 - عن سلمان بن عامر الضّبيّ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مع الغلام عقيقته، فَهَرِيقوا (¬1) عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى". 2450 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا فَرَع ولا عتيرة". والفَرَعُ: أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب. * * * ¬
47 - كتاب الصيد
(47) كتاب الصيد
1 - باب التسمية على الصيد، والصيد لمعلم الحيوان، ويحدد السلاح
(47) كتاب الصيد (1) باب التسمية على الصيد، والصيد لمعلم الحيوان، ويُحَدِّد السلاح 2451 - 2452 - عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول اللَّه! إنَّا نرسل الكلاب المُعَلَّمة، قال: "كُلْ ما أمسكن عليك"، قلت: وإن قَتَلْنَ؟ قال: "وإن قتلن"، قلت: إنا (¬1) نرمي بالمِعْراض (¬2). قال: "كُلْ ما خرق، وما أصاب بعرضه فلا تأكل". ¬
في رواية (¬1): قال: "إذا أصبت بحده فكُلْ، وإذا (¬2) أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ، فلا تأكل". وفي رواية (¬3): "إذا أرسلت كلبك وسميت فكُلْ"، قلت: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل؛ فإنه لم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه"، قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر؟ قال: "لا تأكل؛ فإنك إنما سَمَّيْتَ على كلبك ولم تُسَمِّ على الآخر". وفي رواية (¬4): وسألته عن صيد الكلب فقال: "ما أمسك عليك فَكُلْ، فإنَّ أخذَ الكلب ذكاةٌ". * * * ¬
2 - باب النهي عن الخذف والبندقة
(2) باب النهي عن الخَذْفِ والبُنْدُقَةِ وقال ابن عمر في المقتولة بالبندقة (¬1): تلك الموقوذة، وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن، وكره الحسن رمي البندقة (¬2) في القرى والأمصار، ولا يرى بأسًا فيما سواه. 2453 - عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل: أنَّه رأى رجلًا يخذف (¬3) فقال له: لا تخذف؛ فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الخَذْف -أو كان يكره الخَذْف- وقال: "إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين"، ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدثك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه نهى عن الخَذْف -أو كره الخذف- وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا. * * * ¬
3 - باب الصيد بالقوس
(3) باب الصيد بالقوس 2454 - عن أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ قال: قلت: يا نبي اللَّه! إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمُعَلَّم وبكلبي المُعَلَّم؟ فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذَكَرْتَ من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك وذكرت اسم اللَّه فكُلْ، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم اللَّه فكُلْ، وما صدت بكلبك غير المُعَلَّم فأدركت ذكاته فكُلْ". * * * (4) باب الصيد إذا غاب عن الصائد يومين أو ثلاثة، وإذا أكل الكلب منه 2455 - عن عديِّ بن حاتم: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكُلْ، وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، _______ 2454 - خ (3/ 452)، (72) كتاب الذبائح والصيد، (4) باب صيد القوس، من طريق ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة الخشني به، رقم (5478). 2455 - خ (3/ 453)، (72) كتاب الذبائح والصيد، (8) باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، من طريق ثابت بن يزيد، عن عاصم، عن الشعبي، عن عدي ابن حاتم به، رقم (5484).
وإذا خالط كلابًا لم يذكر اسم اللَّه عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل؛ فإنما (¬1) لا تدري أَيّهَا قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلَّا أثر سهمك فَكُلْ، وإن وقع في الماء فلا تأكل". وفي رواية (¬2): أن عَدِيًّا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: نرمي (¬3) الصيد فنقتفي (¬4) أثره اليومين والثلاثة ثم نجده (¬5) ميتًا، وفيه سهمه؟ قال: "يأكل إن شاء". قال ابن عباس (¬6)؟ إن أكل الكلب فقد أفسده، وإنما أمسك على نفسه، واللَّه يقول: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] فيُضْرَبُ ويُعلَّم حتى يترك، وكرهه ابن عمر. وقد تقدم (¬7) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعَدِيِّ بن حاتم: "إذا أرسلت كلبك وسميت فكُلْ". قلت: فإن أكل؟ قال: "لا تأكل؛ فإنه لم يمسك عليك، ¬
5 - باب الاصطياد وذكاة الوحش الممتنع، وأكل الأرنب والجراد
وإنما أمسك على نفسه". * * * (5) باب الاصطياد وذكاة الوحش الممتنع، وأكل الأرنب والجراد وقد تقدم في الحج (¬1) حديث أبي قتادة حيث شَدَّ على الحمار فقتله، فسألوا عن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنما هي طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوها اللَّه". 2456 - وعن أَنس قال: أَنْفَجْنَا أرنبًا بمَرِّ الظَّهْرَان، فسَعَوا عليها حتى لَغِبُوا، فسعيت عليها حتى أخذْتُها، فجئت بها إلى أبي طلحة، فبعث إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بوركَيْهَا أو فخذيها فقبله. الغريب: "أَنْفَجْنَا" بالجيم: أَثَرْنَا واستخرجنا. و"سَعَوْا": جَرَوْا. و"لَغِبُوا": تعبوا، وكذا رواه الكشميهني. 2457 - وعن ابن أبي أوفى قال: غزونا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
6 - باب قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]
سبع غزوات (¬1) نأكل الجراد معه (¬2). * * * (6) باب قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] قال عمر (¬3): صيده ما اصطيد، وطعامه ما رَمَى، وقال أَبو بكر: الطافي حلال. وقال ابن عباس: طعامه ميتته إلَّا ما قذرت منه (¬4)، والجِرِّى: لا يأكله اليهود ونحن ناكله. وقال شريح -صاحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل شيء في البحر مذبوح. وقال البخاري في "تاريخه" (¬5): شريح هذا له صحبة، حجازي، ويقال: شريح، وأَبو شريح، والأول أكثر. وقال عطاء: أما الصيد فأرى أن يذبحه. قال ابن جريج: قلت لعطاء: ¬
صيد الأنهار وقِلات السَّيْل (¬1) أصيد بحر (¬2)؟ قال: نعم، ثم تلا: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12]. وركب الحسن على سرْجٍ من جلود كلاب الماء. قال الشعبي: لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم، ولم ير الحسن بالسُّلَحْفَاة بأسًا. وقال ابن عباس: "كُلْ ما صاد (¬3) من البحر يهودي أو نصراني (¬4) أو مجوسي. . . وقال أَبو الدرداء في المُري: (ذَبَح الخمرَ النِّينانُ والشمس) (¬5). وقد تقدم في كتاب السِّيَر (¬6) حديث أبي عُبَيْدَة، وفيه ذكر الدابة التي رماها البحر -التي تُدْعى العنبر- فأكلوها، ثم أخبروا بذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ¬
"رزقًا أخرجه اللَّه، فأطعمونا إن كان معكم"، فأتى به فأكله. الغريب: "الطَّافِي": غير مهموز -وهو المرتفع على الماء ميتًا. و"الجِرِّي": هو ضرب من السمك يشبه الحيات، قاله الخطابي، وقال غيره: إنه نوع عريض الوسط، دقيق الطرفين. قلت: ويقال فيه: الجريث، وقد رواه بعض رواة البخاري كذلك، و"قلات السيل": جمع قُلَّة، وهي حفرة في جحر يجتمع فيه ماء المطر، و"الأُجَاج": الشديد الملوحة، و"النينان": جمع نون، وهو نوع من الحيتان، وظاهر قول أبي الدرداء أن الخمر إذا طرح فيها السمك وصارت مُريًا أنها طهرت وحلَّت، وهو أحد القولين عندنا في النجاسة إذا تغيرت أعراضها، ويحتمل أن يريد به الخمر المحترمة التي تراد للخلِّ. واللَّه أعلم. * * *
48 - كتاب الذبائح
(48) كتاب الذبائح
1 - باب التسمية وماذا يذبح؟
(48) كتاب الذبائح (1) باب التسمية وماذا يذبح؟ قال ابن عباس (¬1): من نسي فلا بأس، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] والناسي لا يسمي فاسقًا. 2458 - عن رافع بن خَدِيج قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذي الحُلَيْفَة، فأصاب الناسَ جوعٌ، فأصبنا إبلًا وغنمًا، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أُخْريات الناس، فَعَجِلُوا فنصبوا القدور، فَدُفِعَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم، فأمر بالقدور فأُكْفِئَتْ، ثم قسم فَعَدَلَ عَشْرةً من الغنم ببعير، فنَدَّ منها بعير، وكان في القوم خيل يسيرة، فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل منهم بسهم فحبسه اللَّه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما نَدَّ عليكم فاصنعوا به هكذا". ¬
وقال رافع (¬1): إنا لنرجو -أو نخاف- أن نلقى العدو غدًا، وليس معنا مُدًى، أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أَنْهَر الدم وذكر اسم اللَّه فَكُلْ، ليس السِّنَّ والظُّفْرَ، وسأخبرك (¬2) عنه، أما السن فعَظْم، وأما الظفر فَمُدى الحبشة". قال ابن عباس (¬3): ما أعجزك من البهائم مما في يدك فهو كالصيد، وفي بعير تردّى في بئر فذَكِّهِ من حيث قدرت. ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة. الغريب: "فَنَدَّ": فنفر وَفَرَّ. و"الأوابد": المُنْفِرَات من الوحش. و"أَنْهَرَ": أسال؛ أي: صَيَّره كالنهر. وقد روي: "أما السِّنُّ فَنَهْشٌ، وأما الظُّفْر فَخَنْقٌ"، وهو تفسير لهذا، واللَّه أعلم. 2459 - وعن كعب بن مالك: أن جارية لهم كانت ترعى غنمًا بسَلْعٍ، فأبصرت بشاة من غنمها موتًا، فكسرت حجرًا فذبحتها (¬4)، فقال لأهله: ¬
2 - باب ذبائح الأعراب وأهل الكتاب
لا تأكلوا حتى آتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) أو أرسل إليه من يسأله، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-أو بعث إليه من (¬2) يسأله، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأكلها. * * * (2) باب ذبائح الأعراب وأهل الكتاب 2460 - عن عائشة: أن قومًا قالوا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن قومًا يأتوننا باللحم (¬3) لا ندري أذُكِرَ اسم اللَّه عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه أنتم وكلوا"، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. قال الزهري (¬4): لا بأس بذبيحة نصارى العرب، فإن سمعته يُسمِّي لغير اللَّه فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحل اللَّه أكله وعلم كفرهم. ¬
3 - باب النحر والذبح
ويذكر عن عليٍّ نحوه. وقال الحسن: لا بأس بذبيحة الأقلف. وقال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم. 2461 - وعن عبد اللَّه بن مُغَفَّل قال: كنا محاصرين قصر خيبر، فرمى إنسان جراب فيه شحم فبدرت (¬1) لآخذه، ثم التفت (¬2) فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستحييت منه. * * * (3) باب النحر والذبح وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] قال ابن جريج (¬3) عن عطاء: لا ذبح ولا نحر إلَّا في المنحر والمذبح. قلت: أيجزى" ما يذبح أن أنحره؟ قال: نعم، ذكر اللَّه ذبح البقرة، فإن ذبحت شيئًا يُنْحَر جاز، والنحر أحب إليَّ، والذبح: قطع الأوداج، قلت: فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع؟ قال: لا إِخالُ، أخبرني نافع، أن ابن عمر نهى ¬
4 - باب النهي عن صبر البهائم للقتل، وعن المثلة والنهبى
عن النَّخْع، يقول: يقطع ما دون العظم ثم يدع حتى يموت. وقال سعيد: عن ابن عباس: الذكاة في الحَلْق واللَّبَّة. وقال ابن عمر وابن عباس وأنس: إذا قطع الرأس فلا بأس. 2462 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا فأكلناه. وفي رواية (¬1): قالت: ذبحنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه. * * * (4) باب النهي عن صَبْرِ البهائم للقتل، وعن المُثْلَة والنُّهْبَى 2463 - عن هشام بن زيد قال: دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب، فرأى غلمانًا أو فتيانًا نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أَنس: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
أن تصبر البهائم. 2464 - وعن ابن عمر: أنَّه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلَّها، ثم أقبل بها وبالغلام (¬1) فقال: ازجروا غلمانكم عن أن يَصْبِرُوا (¬2) هذا الطير للقتل؛ فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى (¬3) أن تُصْبَر بهيمة أو غيرها للقتل. 2465 - وعن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عمر، فمروا بفتية -أو بنفرٍ- نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال (¬4) ابن عمر: مَنْ فعل هذا؟ إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن من فعل هذا، قال (¬5): ولعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من مَثَّل بالحيوان. 2466 - وعن عبد اللَّه بن يزيد وابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
5 - باب أكل الدجاج
أنَّه نهى عن النُّهْبَى والمُثْلَة. الغريب: "صَبْرُ البهائم": حبسها لترمَى فتقتل بذلك، ويقال على ما صُبِرَ من الطير: مُجَثَّمَةٌ. و"التمثيل": هو فقأ العين، وجدع الأنف والأذن ونحوه. و"النُّهْبَى": اسم لما يؤخذ من الأموال خطفًا من غير قَسْم. * * * (5) باب أكل الدجاج 2467 - عن زَهْدَم الجَرْمِي قال: كنا عند أبي موسى الأشعري -وكان بينه (¬1) وبين هذا الحيّ من جَرْمٍ إخاء- فأتى بطعام فيه لحم دجاج، وفي القوم رجل جَالِسٌ أحمر، فلم يَدْنُ من طعامه، قال: ادْنُ فقد رأيت ¬
6 - باب النهي عن لحوم الحمر الإنسية والسباع
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل منه، قال: إني رأيته أكل (¬1) شيئًا فقذرته، فحلفت لا آكله، فقال: ادْنُ أخبرك -أو أحدثك- إني أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في نفر من الأشعريين، فوافقته وهو غضبان (¬2) يقسم نَعَمًا من نعَم الصدقة، فاستحملناه، فحلف أن لا يحملنا، فقال: "ما عندي ما أحملكم عليه"، ثم أُتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنهب من إبل، فقال: "أين الأشعريون؟ " فأعطانا خمس ذَودٍ غُرَّ الذُّرَى، فلبثنا غير بعيد، فقلت لأصحابي: نسي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3)، فواللَّه لئن تغفَّلنا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمينه لا نفلح أبدًا، فرجعنا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلنا: يا رسول اللَّه! إنا استحملناك فحلفت أن لا تحملنا، وظننا أنك نسيت يمينك، فقال: "إن اللَّه هو حملكم، وإني واللَّه إن شاء اللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلَّا أتيت الذي هو خير وتحللتها". * * * (6) باب النهي عن لحوم الحُمُر الإنسية والسباع 2468 - عن ابن عمر: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر. ¬
2469 - وعن عليّ هو ابن أبي طالب قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المتعة يوم خيبر (¬1)، وعن لحوم (¬2) الحمر الإنسية. 2470 - وعن جابر بن عبد اللَّه: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل. 2471 - وعن أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ قال: حرَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية. 2472 - وعنه: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع. * * * ¬
7 - باب جلود الميتة والفأرة تقع في السمن
(7) باب جلود الميتة والفأرة تقع في السمن 2473 - عن عبد اللَّه بن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ بشاةٍ ميتة فقال: "هلَّا استمتعتم بإهابها"، قالوا: إنها ميتة، قال: "إنما حَرُمَ أكلها". وفي رواية أخرى (¬1): مَرَّ بعنز ميتة، فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ ". 2474 - وعن ابن عباس: عن ميمونة، أن فأرة وقعت في السمن فماتت، فسئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها فقال: "ألقوها وما حولها وكلوه". * * * ¬
49 - كتاب الأضاحي
(49) كتاب الأضاحي
1 - باب سنة الأضحية، ومتى تذبح، والسن التي تجزئ فيها؟
(49) كتاب الأضاحي (1) باب سُنَّة الأُضْحِيَة، ومتى تذبح، والسنّ التي تجزئ فيها؟ قال ابن عمر (¬1): هي سُنَّة ومعروف. 2475 - عن الشعبي، عن البراء قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قَبْلُ فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النُّسُك في شيء"، فقام أَبو بُردة (¬2) -وقد ذبح- فقال: إن عندي جَذَعَةٌ، قال: "اذبحها، ولن تجزي عن أحد بعدك". 2476 - وعن أَنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ذبح قبل الصلاة ¬
2 - باب قسم الإمام الضحايا بين الناس، وأضحية الرجل عن نسائه
فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسُكُه، وأصاب سُنَّة المسلمين". * * * (2) باب قَسْمِ الإمام الضحايا بين الناس، وأضحية الرجل عن نسائه 2477 - عن عقبة بن عامر الجهني قال: قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أصحابه ضحايا، فصارت لِعُقْبَة جذعة، (فقلت: يا رسول اللَّه! صارت لي جذعة) (¬1)، قال: "ضحِّ بها". وفي رواية (¬2): عَتُود. 2478 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها وحاضت بسَرِفَ قبل ¬
3 - باب يضحي الإمام بالمصلى، والضحية بكبشين، وتسمين الأضحية
أن تدخل مكة، وهي تبكي، فقال: "مالك؟ أنفست؟ " قالت: نعم، قال: "إن هذا أمر كتبه اللَّه على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت"، فلما كان (¬1) بمنى أتيت بلحم (¬2)، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضَحَّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر. * * * (3) باب يضحي الإمام بالمصلّى، والضحية بكبشين، وتسمين الأضحية 2479 - عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذبح وينحر بالمصلى. وقال نافع (¬3): وكان عبد اللَّه ينحر في المنحر. ¬
2480 - وعن أنس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يضحي بكبشين (¬1). 2481 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده. في رواية (¬2): فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما، يسمي ويُكَبِّر (¬3). 2482 - وعن أبي أمامة بن سهل قال: كنا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسَمِّنُون. * * * ¬
4 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة في الجذع من المعز: "ضح بها ولن تجزئ عن أحد بعدك"
(4) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بردة في الجذع من المَعِز: "ضح بها ولن تجزئ عن أحد بعدك" 2483 - عن البراء قال: ضحَّى خالي أبو بردة (¬1) قبل الصلاة، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شاتك شاة لحم"، فقال: يا رسول اللَّه! إن عندي داجنًا جذعة من المعز، قال: "اذبحها، ولا تصلح لغيرك"، ثم قال: "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سُنَّة المسلمين". وفي رواية (¬2) قال: ذبح أبو بُردة قبل الصلاة، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبدلها"، قال: ليس عندي إلا جذعة (¬3) هي خير من مُسِنّة، قال: "اجعلها مكانها، ولن تَجْزِيَ عن أحد بعدك". وفي رواية (¬4): قال: فإن عندي جذعة هي خير من مُسِنَّتين، أذبحها؟ ¬
5 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها
قال: "نعم، ثم لا تَجْزِيَ عن أحدٍ بعدك". * تنبيه: حديث عقبة المتقدم معارِضٌ لحديث أبي بُردةَ هذا، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أجاز له الأضحية بعتود، وهو الجذع من المعز، وكذلك قال علماؤنا: أن حديث عقبة منسوخ بحديث أبي بردة، بدليل الإجماع على عدم إجزاء الجذع من المعز. قلت: ويحتمل أن يقال إن الجذعة في حديث عقبة من الضأن، ويجوز للراوي تسميته عتودًا لاستوائهما في الوقت والحال، ولو سلَّمنا أنه من المعز فيكون قد دخل في أول الثني، فاستصحب اسم العتود عليه للقرب، ويدل على صحة هذا التأويل ما حكاه القاضي عياض عن أهل اللغة: أن العتود: الجديُ الذي يبلغ السِّفاد. قال ابن الأعرابي: المعز والإبل والبقر لا تضرب فحولها إلا بعد أن تُثْني. وحملُ الحديث على هذا أولى، واللَّه أعلم. * * * (5) باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها 2484 - عن جابر قال: كنا نتزوَّد لحوم الأضاحي على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة. _______ 2484 - خ (4/ 9)، (73) كتاب الأضاحي، (16) باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها، من طريق سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (5567).
وفي رواية (¬1): لحوم الهَدْي. 2485 - وعن أبي سعيد: أنه كان غائبًا فقَدِمَ، فقُدِّمَ إليه لحم، وقالوا: هذا من لحم ضحايانا. فقال: أخِّروه، لا أذوقه. قال: ثم قمت حتى آتي أخي أبا قتادة -وكان أخًا لأمه، وكان بدريًّا- فذكرتُ ذلك له، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر. 2486 - وعن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ضَحَّى منكم فلا يُصْبِحَنَّ بعد ثالثة في (¬2) بيته منه شيء"، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول اللَّه! ما نفعل (¬3) كما فعلنا في العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادَّخِروا، فإن ذلك العام كان بالناس جَهْدٌ فأردت أن تُعينوا فيها". 2487 - وعن عائشة قالت: الضحية كنا نُمَلِّحُ به (¬4)، فَنَقْدَمُ به إلى ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، فقال: "لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام" وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يُطْعِمَ منه (¬1). 2488 - وعن أبي عبيد مولى ابن أَزهرَ قال: شهدت العيد مع علي ابن أبي طالب، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاكم أن تأكلوا لحم نسككم فوق ثلاث. 2489 - وعن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلوا من الأضاحي ثلاثًا" وكان عبد اللَّه يأكل بالزيت حتى (¬2) ينفر من مِنًى، من أجل لحوم الهَدْي. * * * ¬
50 - كتاب الأشربة
(50) كتاب الأشربة
1 - باب تحريم الخمر، وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90]
(50) كتاب الأشربة (1) باب تحريم الخمر، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] 2490 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِي ليلة أُسْرِي به بإيلياء بقَدَحَيْن من خمر ولبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد للَّه الذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمتك. وقد تقدم من حديث مالك بن صعصعة (¬1): أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ ليلة الإسراء بثلاثة أقداح، وزاد: قدحًا من عسل. 2491 - وعن أنس قال: سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثًا لا يحدثكم ¬
2 - باب الخمر من العنب وغيره
به غيري، قال: "من أشراط الساعة أن يظهر الجهل، ويَقِلَّ العلم، ويظهر الزنا، وتُشرب الخمر، ويَقِلَّ الرجال، وتكثر النساء حتى يكون خمسون (¬1) امرأة قَيِّمُهُنَّ واحد". * * * (2) باب الخمر من العنب وغيره 2492 - عن ابن عمر قال: لقد حُرِّمت الخمر، وما بالمدينة منها شيء. 2493 - وعن أنس قال: حُرِّمت علينا الخمر حين حُرّمت وما نجد (¬2) خمر الأعناب إلا قليلًا، وعامة خمرنا البُسْر والتمر. 2494 - وعن ابن عمر قال: قام عمر على المنبر فقال: أما بعد، نزل ¬
تحريم الخمر، وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحِنْطَة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. 2495 - وعن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: كنت أسقي أبا عُبيدة وأبا طلحة وأُبيّ بن كعب من فَضِيخٍ زَهْوٍ من تمر (¬1)، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرّمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها (¬2). قال أنس (¬3): والخمر يومئذ البُسْر والتمر. 2496 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . . ¬
3 - باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه
سُئل عن البِتع (¬1) فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام". وفي رواية (¬2): قالت: وهو نبيذ العسل، وكان أهل المدينة يشربونه. * * * (3) باب ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسميه بغير اسمه 2497 - عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعري قال: قال لي أبو عامر -أو أبو مالك- الأشعري واللَّه ما كَذَبَنِي، سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليكونَنَّ من أمتي أقوام يستَحِلُّون الحِرَ والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب عَلَمٍ بسارحة (¬3) لهم، يأتيهم -يعني الفقير (¬4) - لحاجة فيقولون (¬5): ارجع إلينا غدًا، فيُبَيِّتُهُم اللَّهُ، ويضع العَلَم، ويَمْسَخُ آخرين قردة وخنازير إلى ¬
يوم القيامة". قلت: معظم رواة البخاري يذكرون هذا الحديث معلقًا تحت الترجمة المذكورة فيقول: وقال هشام بن عمار. وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال: قال البخاري: حدثنا الحسن بن إدريس، قال: نا هشام. وعلى هذا فيكون الحديث صحيحًا على شرط البخاري، واللَّه أعلم. الغريب: "الحِرَ" بالحاء والراء المهملتين وتخفيفهما: هو الفرج، وهو هنا كناية عن الزنا. و"المعازف": آلات الغناء واللهو. و"العَلَم" بفتح اللام: الجبل. و"السَّارِحَة": الشاة التي تَسْرَح في المرعى. 2498 - وعن أبي الجويرية قال: سألت ابن عباس عن البَاذَق (¬1)، قال: سبق محمدٌ (¬2) البَاذَق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث. * * * ¬
4 - باب ترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في الانتباذ في الأوعية والظروف بعد النهي
(4) باب ترخيص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الانتباذ في الأوعية والظروف بعد النهي 2499 - عن جابر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لابد لنا منها، قال: "فلا إذًا". 2500 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: لما نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأسقية، قيل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس كلٌّ يجد سِقَاء. فرخص في (¬1) الجَرِّ غير المُزَفَّتْ. * تنبيه: كذا وقع هذا اللفظ هنا فيما رأيناه من النسخ: "نهى عن الأسقية"، وإنما صوابه: "نهى عن الظروف إلا في الأسقية" لما قد جاء مفصَّلًا في حديث وفد عبد القيس وغيره ومما يدل عليه باقي الحديث، فتأمله. 2501 - وعن عليٍّ قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدُّبَّاء والمُزَفَّت. ¬
5 - باب شرب اللبن وشوبه بالماء، وتخمير الإناء، ومناولة الشراب
ونحوه عن عائشة (¬1). 2502 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجَرِّ الأخضر (¬2) قلت: أَيُشْرَبُ في الأبيض؟ قال: لا (¬3). * * * (5) باب شرب اللبن وشَوْبِه بالماء، وتخمير الإناء، ومناولة الشراب 2503 - عن جابر قال: جاء أبو حميد -رجل من الأنصار- من النقيع ¬
بإناء من لبن إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا خَمَّرْته، ولو أن تَعْرُضَ عليه عودًا؟ ". 2504 - وعن أنس بن مالك: أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشرب (¬1) لبنًا، وأتى داره فحلبت شاة، فَشُبْتُ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من البئر، فتناول القَدَح فشرب، وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي، فأعطى الأعرابي ثم قال: "الأيمن فالأيمن". 2505 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شَنَّةٍ وإلا كَرَعْنَا" قال: والرجل يحوّل الماء في حائطه، فقال الرجل (¬2): يا رسول اللَّه! عندي ماء بائت، فانْطَلِقْ إلى العريش. قال: فانطلق بهما، فسكب في قدح، ثم حلب عليه من داجنٍ له. قال: فشرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم شرب الرجل الذي جاء معه. الغريب: "الشَّنَّةُ": القِرْبَة البالية، وهي أكثر تبريدًا للماء من الجديدة. ¬
6 - باب الشرب قائما، واستئذان الأصغر في إعطاء الأكبر
و"كَرَعْنَا": شربنا بأفواهنا من غير يد ولا إناء. من "الصحاح". * * * (6) باب الشرب قائمًا، واستئذان الأصغر في إعطاء الأكبر 2506 - عن النَّزَّال بن سَبْرَة، عن علي بن أبي طالب: أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رَحْبَةِ الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أُتِيَ بماء فشرب، ثم غسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صنع ما صنعتُ. 2507 - وعن ابن عباس قال: شرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا من زمزم. 2508 - وعن سهل بن سعد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ " فقال الغلام: واللَّه يا رسول اللَّه! لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحدًا. قال: _______ 2506 - خ (4/ 18)، (74) كتاب الأشربة، (16) باب الشرب قائمًا، من طريق شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة به، رقم (5616)، طرفه في (5615). 2507 - خ (4/ 18)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس به، رقم (5617). 2508 - خ (4/ 19)، (74) كتاب الأشربة، (19) باب هل يستأذن الرجل مَنْ عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر؛ من طريق مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل ابن سعد به، رقم (5620).
7 - باب تغطية إناء الطعام والشراب والتسمية عند ذلك
فَتَلَّهُ (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يده. * * * (7) باب تغطية إناء الطعام والشراب والتسمية عند ذلك 2509 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان جُنْحُ الليل -أو أَمْسَيْتُم- فكُفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم، وأغلقوا (¬2) الأبواب واذكروا اسم اللَّه، فإن الشياطين لا تفتح (¬3) بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكِئُوا (¬4) قِرَبَكُمْ واذكروا اسم اللَّه، وخَمِّروا آنيتكم واذكروا اسم اللَّه، ولو أن تَعْرُضُوا عليه شيئًا، وأطفئوا مصابيحكم". وفي رواية (¬5): "وخَمِّرُوا الطعام والشراب". * * * ¬
8 - باب النهي عن اختناث الأسقية، والشرب من فم السقاء، والتنفس في الإناء، وكم يتنفس في الشرب
(8) باب النهي عن اخْتِنَاث الأَسْقِية، والشرب من فم السِّقَاء، والتنفس في الإناء، وكم يتنفَّس في الشرب 2510 - عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ، يعني: أن تُكْسَرَ أفواهُها ويشرب منها. 2511 - وعن أبي هريرة: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُشْرَب مِن في السِّقاءِ. 2512 - وعن أبي قتادة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تَمَسَّح أحدكم فلا يتمسَّح بيمينه". 2513 - وعن أنس: أنه كان يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثًا، وزعم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتنفس ثلاثًا. * * * _______ 2510 - خ (4/ 20)، (74) كتاب الأشربة، (23) باب اختناث الأسقية، من طريق الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي سعيد الخدري به، رقم (5625)، طرفه في (5626). 2511 - خ (4/ 20)، (74) كتاب الأشربة، (24) باب الشرب من فم السقاء، من طريق أيوب، عن عكرمة، عن أبي هريرة به، رقم (5628). 2512 - خ (4/ 20)، (74) كتاب الأشربة، (25) باب النهي عن التنفس في الإناء، من طريق شيبان، عن يحيى، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه به، رقم (5630). 2513 - خ (4/ 20)، (74) كتاب الأشربة، (26) باب الشرب بنفسين أو ثلاثة، من طريق عَزْرَة بن ثابت، عن ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس به، رقم (5631).
9 - باب النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة
(9) باب النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضَّة 2514 - عن حذيفة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبسوا الحرير والديباج، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة". 2515 - وعن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يُجَرْجِرُ (¬1) في بطنه نار جهنم". 2516 - وعن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبع ونهانا عن سبعٍ؛ أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشْمِيت العاطس، هاجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المُقْسِم. ¬
10 - باب كيفية قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- والتبرك بالشرب منه
ونهانا عن خواتم (¬1) الذهب، وعن الشرب في الفضة -أو قال: آنية الفضة (¬2) - وعن المياثر، والقَسِّيِّ، وعن لُبْسِ الحرير والديباج والإستبرق. الغريب: "المياثر": جمع مِيثَرَة -غير مهموز- وهي مُقَيْعِد يجعل على السَّرْجِ، والغالب منها أن تكون من حرير. وهي حُمْرٌ. وقيل: هي من جلود السباع، وسيأتي. وما ذُكِرَ بَعْدُ أنواعٌ من الحرير. * * * (10) باب كيفية قدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والتبرك بالشرب منه 2517 - عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند أنس بن مالك، فكان (¬3) قد انصدع فسَلْسَلَهُ بفضة، قال: وهو قدح جيد، عريض، من نُضَار (¬4). قال: قال أنس: لقد سقيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا القدح أكثر ¬
من كذا وكذا. وقال ابن سيرين (¬1): إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرنَّ شيئًا صنعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتركه. وقال أبو بردة (¬2): قال لي عبد اللَّه بن سَلَامٍ: ألا أسقيك في قدحٍ شرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه. * تنبيه: وجدتُ في بعض نسخ كتاب البخاري -وهي نسخة جيدةٌ عتيقة-: قال أبو عبد اللَّه: قد رأيتُ هذا القدح بالبصرة، وشربتُ فيه، وقد اشتُرِي من ميراث النضر بن أنس بثمان مئة ألف. * * * ¬
51 - كتاب المرضى
(51) كتاب المرضى
1 - باب ما جاء في كفارة المرض، وقول الله عز وجل: {من يعمل سوءا يجز} [النساء: 123]
(51) كتاب المرضى (1) باب ما جاء في كفارة المرض، وقول اللَّه عز وجل: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ} [النساء: 123] 2518 - عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر اللَّه بها عنه، حتى الشوكة يُشَاكُها" (¬1). 2519 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمّ ولا حَزَن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكةَ يُشَاكُهَا إلا كَفَّر اللَّه بها من خطاياه". ¬
2520 - وعن عبد اللَّه بن كعب، عن أبيه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَثَلُ المؤمن كالخامة (¬1) من الزرع، تُفَيّئُها الريح مرة وتَعْدِلُها مرة، ومثلُ المنافق كالأَرْزَةِ (¬2)، لا تزال حتى يكون انْجِعَافُهَا (¬3) مرة واحدة". 2521 - وعن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ المؤمن كمثل الخامة من الزرع، من حيث أتتها الريح كَفَأَتْها، فإذا اعتدلت تَكَفَّأُ بالبلاء، والفاجر كالأَرْزَةِ صَمَّاء معتدلة حتى يقصمها اللَّه إذا شاء". ¬
2 - باب مضاعفة الأجر لمن اشتد ألمه
2522 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يرد اللَّه به خيرًا يُصِبْ منه" (¬1). * * * (2) باب مضاعفة الأجر لمن اشتد ألمه 2523 - عن عائشة قالت: ما رأيت أحدًا الوجع عليه أشد (¬2) من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 2524 - وعن الحارث بن سُوَيْد، عن عبد اللَّه: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه وهو يُوعَكُ وَعَكًا شديدًا، فقلت: إنك لَتُوعَكُ وَعْكًا شديدًا. قال: "إني أُوْعَكُ كما يُوْعَكُ رجلان منكم"، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: "أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذًى شوكةً فما فوقها إلا كفَّر اللَّه بها سيئاته، ¬
3 - باب عيادة المريض والمغمى عليه
كما تَحُطُّ الشجرة ورقها". * * * (3) باب عيادة المريض والمُغْمَى عليه 2525 - عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكُّوا العاني". 2526 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: مرضتُ مرضًا، فأتاني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي عليّ، فتوضأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم صب وضوءه عليَّ، فأفقت فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث. * * * (4) باب فضل من ابْتُلِيَ بصَرعٍ أو عَمِي إذا صبر 2527 - عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أُريكَ _______ 2525 - خ (4/ 24)، (75) كتاب المرضى، (4) باب وجوب عيادة المريض، من طريق أبي عوانة، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى الأشعري به، رقم (5649). 2526 - خ (4/ 25)، (75) كتاب المرضى، (5) باب عيادة المغمى عليه، من طريق سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه به، رقم (5651). 2527 - خ (4/ 25)، (75) كتاب المرضى، (6) باب فضل من يصرع من الريح، من طريق عمران بن أبي بكر، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس به، رقم (5652).
5 - باب عيادة النساء الرجال
امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني أُصْرعُ، وإني أَتكشَّفُ، فادع اللَّه لي، قال: "إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ اللَّه تعالى أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشَّف، فادع اللَّه (¬1) أن لا أتكشف، فدعا لها. وقال ابن جريج: أخبرني عطاء: أنه رأى أم زُفَر تلك، امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. 2528 - وعن أنس قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّه قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتَيْه (¬2) ثم صبر، عوَّضتُه منهما الجنة"، يريد: عينيه. * * * (5) باب عيادة النساء الرجال 2529 - عن عائشة قالت: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وُعِك أبو ¬
6 - باب عيادة الصبيان والمشرك
بكر وبلال، قالت (¬1): فدخلتُ عليهما فقلت (¬2): يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال! كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموت أدنى من شِرَاك نَعْلِهِ وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى (¬3) يقول: ألا ليت شِعْرِي هل أبيتنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي إذخر وجَليلُ وهل أَرِدَنْ يومًا مياهَ مَجَنَّةٍ ... وهل تَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطفيلُ قالت عائشة: فجئت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرته، فقال: "اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصححها وبارك لنا في مُدِّها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفَة". * * * (6) باب عيادة الصبيان والمشرك 2530 - عن أسامة بن زيد: أن ابنةً للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسلت إليه، وهو مع ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسعد وأبي بن كعب (¬1): نَحْسِبُ أن ابنتي قد حُضِرَتْ فاشهدنا، فأرسل إليها السلامَ ويقول: "إن للَّه ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأَجَلٍ (¬2) مُسَمَّى فلتصبر ولتحتسب"، فأرسلت تُقسم عليه، فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقمنا (¬3)، فوُضع الصبي في حِجْر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونفسُه تَقَعْقَعُ، ففاضت عينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له سعد: ما هذا يا رسول اللَّه؟ قال: "هذه رحمة وضعها اللَّه في قلب من شاء من عباده، ولا يرحم اللَّه من عباده إلا الرحماء". 2531 - عن أنس: أن غلامًا ليهود كان يخدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمرض، فأتاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعوده فقال: "أَسْلِمْ"، فأَسْلَمَ (¬4). * * * ¬
7 - باب وضع اليد على المريض، والدعاء له
(7) باب وضع اليد على المريض، والدعاء له 2532 - عن عائشة بنت سعد: أن أباها قال: تشكيتُ بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني، فقلت: يا نبي اللَّه! إني أترك مالًا، وإني لا أترك إلا ابنة (¬1) واحدة، أفأوصي (¬2) بثُلُثَي مالي وأترك الثلث؟ فقال: "لا"، قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: "لا"، قلت: فأوصي بالثلث وأترك (¬3) الثلثين؟ قال: "الثلث، والثلث كثير". ثم وضع يده على جبهته ثم مسح وجهي وبطني (¬4)، ثم قال: "اللهم اشف سعدًا، وأتمم له هجرته"، فما زلت أجدُ بَرْدَه على كبدي -فيما يخيَّل إليَّ- حتى الساعة. 2533 - وعن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على أعرابي يعوده، قال: "لا بأس (¬5)، طَهُورٌ إن شاء اللَّه "، . . . ¬
8 - باب يرخص للمريض أن يقول إني وجع
قال: طهور (¬1)؟ كلا بل هي حُمَّى تفور -أو تثور- على شيخ كبير، تُزِيرُهُ القبور. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فنَعَمْ إذًا". * * * (8) باب يُرَخَّص للمريض أن يقول إني وجِعٌ 2534 - عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذاك لو كان وأنا حيٌّ فأستغفر لك، وأدعو لك" فقالت عائشة: واثُكْلتاه (¬2)، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، فلو (¬3) كان ذاك لظللتَ آخر يومك مُعَرِّسًا ببعض أزواجك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بل أنا وارأساه، لقد هممتُ -أو أردتُ- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون"، ثم قلتُ: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون. * * * ¬
9 - باب يبشر المريض ويدعا له، ويتوضأ له، ويرش بفضل الوضوء
(9) باب يُبَشَّرُ المريض ويُدْعَا له، ويتوضأ له، ويرش بفضل الوضوء 2535 - عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه! إن ابن أختي وَجِعٌ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وَضُوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم (¬1) بين كتفيه مثل زِرِّ الحَجَلةِ. 2536 - وعن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا (¬2) أتى مريضًا، أو أُتِيَ به (¬3)، قال (¬4): "أَذْهِبِ الباسَ، رَبَّ الناس، اشْفِ أنت (¬5) الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمًا". 2537 - وعن جابر قال: دخل عليَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا مريض، ¬
10 - باب نهي المريض عن تمني الموت
فتوضأ وصَبَّ (¬1) عليَّ -أو قال: "صبُّوا عليه" فعقلتُ، فقلت: لا يرثني إلا كلالة، فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض. * * * (10) باب نهي المريض عن تمني الموت 2538 - عن أنس: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يتمنَّيَنَّ أحدكم الموت من ضُرٍّ أصابه، فإن كان لابد (¬2) فليقل: اللهم أَحْيِنِي إذا كانت (¬3) الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي". 2539 - وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خَبَّابٍ نعوده -وقد اكتوى سبع كيَّات- فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مَضَوْا لم ¬
تنقصهم (¬1) الدنيا، وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلا التراب، ولولا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا (¬2) التراب. 2540 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "لن يُدْخِلَ أحدًا عملُه الجنة"، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: "ولا أنا (¬3)، إلا أن يتغمَّدني اللَّه بفضل ورحمة، فسدِّدوا وقَارِبوا، ولا يتمنَّ (¬4) أحدكم الموت، إما مُحْسِنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَسْتَعْتِب". * * * ¬
52 - كتاب الطب
(52) كتاب الطب
1 - باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، والشفاء في ثلاث
(52) كتاب الطب (1) باب ما أنزل اللَّه داءً إلا أنزل له شفاء، والشفاء في ثلاث 2541 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أنزل اللَّه داءً إلا أنزل له شفاء". 2542 - وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الشفاء في ثلاثة: في شَرْطَةٍ بِمِحْجَم، أو شربةِ عسل، أو كيَّةٍ بنار، وأنا أنهى (¬1) أمتي عن الكيّ". 2543 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن كان ¬
2 - باب التداوي بالعسل وأبوال الإبل
في شيء من أدويتكم (¬1) خير، ففي شرطة مِحْجَمٍ، أو شربة عسل، أو لَذْعَة بنار توافق الداء، وما أحبُّ أن أكتوي". * تنبيه: النهيُ عن الكي لشدة ألمه؛ ولأنه لا يعذِّبُ به إلا اللَّه، ولِمَا يُخاف أن يتراقى (¬2) إليه، واللَّه أعلم. و"شرطة بمحجم"، يعني به: الإخراج للدم، وخصَّه بشرطة المحجم لأن ذاك كان غالبَ إخراجهم للدم بالحجامة، وفي معنى ذلك إخراجُه بالفصاد وقطع العروق، واللَّه أعلم. * * * (2) باب التداوي بالعسل وأبوال الإبل 2544 - عن أبي سعيد هو الخدري: أن رجلًا أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسْقِهِ عسلًا"، ثم أتاه الثانية، فقال: "اسقه ¬
3 - باب التداوي بالحبة السوداء
عسلًا"، ثم أتاه الثالثة، فقال: "اسقه عسلًا"، ثم أتاه فقال: قد فعلتُ، فقال: "صَدَقَ اللَّه، وكَذَبَ بطنُ أخيك، اسقه عسلًا"، فسقاه فبرأ. 2545 - وعن أنس: أن ناسًا كان بهم سَقَمٌ، قالوا: يا رسول اللَّه! آونا وأطعمنا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستاقوا ذوده. وسيأتي الحديث إن شاء اللَّه. * * * (3) باب التداوي بالحبة السوداء 2546 - عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أَبْجَر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الحُبيبة السوداء، فخذوا منها خمسًا أو سبعًا فاسْحَقوها، ثم اقْطُروها في أنفه بقطرات زيت، في هذا الجانب وفي هذا الجانب؛ فإن عائشة (¬1) حدثتني أنها سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "في هذه الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السَّام" قلت: وما السام؟ قال: "الموت". ¬
4 - باب السعوط بالقسط الهندي والبحري
2547 - وعن أبي هريرة: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن هذه الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السام". قال ابن شهاب: والسام: الموت. والحبة السوداء: الشُّونيزُ. قلت: وهو بضم الشين، وقيل: بالفتح، وقال ابن الأعرابي: وهو الشِّنيز، بالكسر. كذا تقوله العرب. وقال الحربي: إنه الخردل. وقيل: هي ثمرة البُطْم، وهو المسمى بالضِّرْوِ. وما قاله ابن شهاب أولى؛ لأنه لم يوجد في غير الشونيز من المنافع ما وجد فيه، وقد ذكر الأطباء فيه نحوًا من عشرين منفعةً، على ما ذكرناه في "المُفْهِم" (¬1). * * * (4) باب السَّعُوط بالقُسْط الهِنْدِي والبحري وهو الكُسْت، مثل: الكافور والقافور، ومثل: كُشِطَتْ وقُشِطت: نُزِعَتْ، وقرأ عبد اللَّه: (قُشِطَتْ) (¬2). ¬
2548 - عن أم قيس بنت مِحْصَن قالت: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "عليكم بالعود الهندي، فإن فيه سبعةَ أَشفية، يُسْعَطُ (¬1) به من العُذْرَةِ، ويُلَدُّ به من ذات الجنب". ودخلتُ على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنٍ لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فَرَشَّ عليه. 2549 - وعن أنس: أنه سئل عن أجر الحجَّام، فقال: احتجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حجمه أبو طَيْبة، وأعطاه صاعين (¬2) طعام، وكَلَّم مواليَه فخففوا عنه، وقال: "إن أَمْثَلَ ما تداويتم به الحجامةَ والقُسْطَ البحري"، وقال: "لا تعذبوا أولادكم (¬3) من العُذْرَة، وعليكم بالقُسْط". الغريب: "السَّعُوط": الدواء يجعل في الأنف. و"اللَّدُود": ما يجعل في أحد جانبي الفم. و"العُذْرَة": وجع الحلق. و"الغَمْز": العض؛ يعني به: رفع ¬
5 - باب التداوي بالحجامة في الرأس من الصداع
لَهَاة الصبي بالأصابع، واللَّه أعلم. * * * (5) باب التداوي بالحجامة في الرأس من الصداع 2550 - عن ابن عباس قال: احتجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رأسه -وفي رواية (¬1): في وسط رأسه- وهو (¬2) محرم من وجع كان به -في رواية: شقيقة (¬3) - بماء يقال (¬4) له: لَحْيُ جَمَل، من طريق مكة. ¬
6 - باب ما يسترقى منه، وهو العين والحمة
2551 - وعن عاصم بن عمر بن قتادة: أن جابر بن عبد اللَّه (¬1) عاد المُقَنَّع، ثم قال: لا أبرح حتى يحتجم، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن فيه شفاءً". * * * (6) باب ما يُسترقَى منه، وهو العين والحُمَة 2552 - عن عامر، عن عِمْران بن حُصَيْنٍ قال: لا رُقيةَ إلا من عين أو حُمَةٍ، فذكرته لسعيد بن جبير فقال: حدثنا ابن عباس: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُرِضَت عليَّ الأمم، فجعل النبي والنبيَّان يمرون معهم الرهطُ، والنبي ليس معه أحد، حتى رُفِعَ لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر هاهنا وهاهنا -في آفاق السماء- فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، يدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير حساب" ثم دخل ولم يُبَيِّنْ لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنوا باللَّه واتبعنا رسوله، فنحن هُمْ، ¬
7 - باب لمن تأذت نفسه بالمجذوم الفرار منه، ولا عدوى ولا هامة
أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنَّا وُلدنا في الجاهلية، فبلغ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج فقال: "هم الذين لا يَسْتَرْقُون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون" وذكر باقي الحديث. يعني بذلك واللَّه أعلم: مَن صَحَّ له حالُ التوكل على اللَّه، ولا يلتفت بقلبه شيئًا من هذه الأشياء، كما قال الصِّدِّيقُ الأكبر -رضي اللَّه عنه- حين مَرِضَ وقيل له: ألا ندعو لك طبيبًا؟ فقال: قد رآني الطبيب، فقيل: ماذا قال لك؟ قال: قال: إني فعَّالٌ لما أُريد. * * * (7) باب لمن تَأَذَّتْ نفسه بالمجذوم الفرار منه، ولا عدوى ولا هامة 2553 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة (¬1). وفِرَّ من المجذوم كما تَفِرّ من الأسد". وفي رواية (¬2): فقال أعرابي: يا رسول اللَّه! فما بال إبلي ¬
8 - باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين
تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي (¬1) البعير الأجرب فيدخل بينها فَيُجْرِبُها. قال (¬2): "فمن أعدى الأول؟ ". الغريب: "الصَّفَر": ذوات البطن. و"الهَامَةَ": الصَّدَى، وهو من صوت الجبل، وقيل: هو طائر يخرج من رأس القتيل الذي لا يؤخذ بثأره، وقيل: هو من خرافات العرب. والأمرُ بالفرار من المجذوم إنما هو لمن تَنْفِر منه، وتتأذى بذلك، بدليل أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أكل مع مجذوم وقال: "بسم اللَّه، توكلًا على اللَّه". ذكره الترمذي (¬3). * * * (8) باب الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين 2554 - عن سعيد بن زيد: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الكَمْأَةُ من المنِّ، ¬
9 - باب النهي عن الدغر، والأمر باستعمال القسط لذلك
وماؤها شفاءٌ للعين (¬1) ". "الكَمْأَة": هي جدري الأرض، هي عُقَدٌ توجد في جوف الأرض لا أصل لها ولا فرع. * * * (9) باب النهي عن الدغر، والأمر باستعمال القسط لذلك 2555 - عن أم قيس بنت محصن الأسدية -أسد خزيمة، وكانت من المهاجرات الأُوَل اللاتي بايعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي أخت عكاشة- أخبرته: أنها أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنٍ لها قد أَعْلَقَتْ عليه من العُذْرَة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَامَ تَدْغَرْنَ أولادكتن بهذا العِلَاق، عليكن بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية: منها ذات الجنب. وفي رواية (¬2): ويُسْعَطُ من العُذْرَة، ويُلَدُّ من ذات الجنب"، قال سفيان (¬3): فسمعت الزهري يقول: بيَنَ لنا اثنين ولم يبيِّن لنا خمسةً. ¬
10 - باب الحمى من فيح جهنم
قال علي بن عبد اللَّه (¬1): قلت لسفيان: فإن معمرًا يقول: أعلقْتُ عليه؟ قال: لم نحفظ، إنما قال: أعلقْتُ عنه، حفظْته من الزهري. ووصف سفيان الغلامَ يحنك بالأصبع، وأدخل سفيان في حنكه، إنما يعني رَفْعَ حنكه بأصبعه، فلم يقل: أَعْلِقُوا عنه شيئًا. الغريب: "الدَّغْر": الدفع والرفع. و"الإعلاق": رفع لَهَاةِ الصبي، وهي لحمةُ الحلق. و"العِلَاق"؛ يعني به: الإعلاق، وكأنه ذهب به مذهب الاسم، والإعلاق المصدر، وهو الصواب. وإنما نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك لأنه تعذيب للصبي، وقد يزيده ذلك في مرض الحلق. واللَّه أعلم. * * * (10) باب الحُمَّى من فيح جهنم 2556 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء". ونحوه عن عائشة (¬2)، . . . ¬
11 - باب ما يذكر في الطاعون
ورافع بن خَدِيج (¬1). وكان عبد اللَّه يقول: اكشف عنا الرجز. 2557 - وعن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء ابنة أبي بكر (¬2) كانت إذا أُتِيَتْ بالمرأة قد حُمَّتْ تدعو لها، أخذت (¬3) الماء فَصَبَّتْهُ بينها وبين جنبيها (¬4)، وقالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا أن نبردها بالماء. * * * (11) باب ما يذكر في الطاعون 2558 - عن أسامة بن زيد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا سمعتم بالطاعون ¬
بأرض (¬1) فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منها (¬2) ". 2559 - وعن عبد اللَّه بن عباس: أن عمر بن الخطاب (¬3) خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسَرْغَ، لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فقال ابن عباس: فقال عمر: ادعُ ليَ المهاجرين الأَوَّلين. فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجْتَ (¬4) لأمر، ولا نرى أن نرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا نرى أن تُقْدِمَهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني. فقال (¬5): ادعُ لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادعُ لي من كان هنا (¬6) من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تُقْدِمُهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مُصَبِّحٌ على ظهر، ¬
12 - باب أجر الصبر على الطاعون، وأنه شهادة
فأصبحوا عليه، قال (¬1) أبو عبيدة: أَفِرارًا مِنْ قدر اللَّه؟ قال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عُبَيْدَة! نفِرُّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه، أرأيت لو كان (¬2) لك إبل هبطت واديًا له عُدوتان، إحداهما خَصِبَة والأخرى جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخَصِبة رعيتها بقدر اللَّه، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر اللَّه؟ قال: فجاء عبد الرحمن -وكان متغيبًا في بعض حاجته- فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" فحمد اللَّهَ عمرُ، ثم انصرف. * * * (12) باب أجر الصبر على الطاعون، وأنه شهادة 2560 - عن عائشة: أنها سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرها النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه كان عذابًا يبعثه اللَّه على من يشاء، فجعله اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده ويصبر (¬4)، يعلم أنه لم يصيبه إلا ما كتب اللَّه له إلا كان له مثل أجر شهيد". ¬
13 - باب الرقى بفاتحة الكتاب والمعوذات، وأخذ الأجرة على ذلك
2561 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الطاعون شهادة" (¬1). 2562 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المَبْطُون شهيد، والمَطْعُون شهيد". * * * (13) باب الرُّقَى بفاتحة الكتاب والمعوِّذات، وأخذ الأجرة على ذلك 2563 - عن أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرُّوا (¬2) ¬
على حيٍّ من أحياء العرب، فلم يَقْرُوهم، فبينا (¬1) هم كذلك لُدغ (¬2) سيد أولئك، فقالوا: هل معكم دواءٌ (¬3) أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تَقْرُونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلًا. فجعلوا لهم قطيعًا من الشَّاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ. فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألوه فضحك وقال: "ما أدراك أنها رُقْيَة؟ خذوها واضربوا لي بسهم". 2564 - وعن ابن عباس: أن نفرًا من أصحاب رسول اللَّه (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- مروا بماءٍ فيه لديغ -أو سَلِيم- فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم راقٍ؟ (¬5) إن في الماء رجلًا لَدِيغًا -أو سَلِيمًا- فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شَاءٍ فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، وكرهوا (¬6) ذلك وقالوا: أخذت على كتاب اللَّه أجرًا؟ ! حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه! نأخذ على كتاب اللَّه أجرًا؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحقَّ ما أخذتم عليه ¬
14 - باب العين حق والرقية منه، ومن الحية والعقرب
أجرًا كتاب اللَّه". * * * (14) باب العين حق والرُّقْيَةُ منه، ومن الحية والعقرب 2565 - عن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العين حق" ونهى عن الوَشْم. 2566 - وعن عائشة قالت: أمرني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو أَمَرَ- أن يُسْتَرْقَى من العين. 2567 - وعن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى في بيتها جارية في وجهها سَفْعَة (¬1)، فقال: "اسْتَرْقُوا لها، فإنَّ بها النَّظْرة". * * * ¬
15 - باب رقي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن وغيره، والنفث في الرقية
(15) باب رقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقرآن وغيره، والنَّفْثِ في الرقية 2568 - عن ثابت: أنه قال لأنس: يا أبا حمزة! اشتكيتُ. فقال أنس: ألا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: بلى. قال: اللهم رَبَّ الناس، مُذْهِبَ الباس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سَقَمًا. 2569 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُعَوِّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس، أذهب الباس، واشف (¬1) أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمًا". وفي رواية (¬2): "بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت". 2570 - وعنها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول للمريض: "بسم اللَّه، تُرْبَةُ ¬
أرضنا، وريقة (¬1) بعضنا، يُشْفَى سقيمنا". وفي رواية (¬2): كان يقول في الرقية: "تربة أرضنا، ورِيقَة بعضنا، يُشْفَى سَقِيمُنا، بإذن ربنا" (¬3). 2571 - وعنها قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقُلْ هو اللَّه أحد والمعوذتين (¬4) جميعًا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك (¬5). قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أوى (¬6) إلى فراشه. 2572 - وعنها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَنْفُثُ على نفسه في المرض الذي ¬
16 - باب النهي عن الطيرة والتشاؤم والكهانة، واستحباب الفأل
مات فيه (¬1) بالمعوذات، فلما ثَقُل كنت (¬2) أَنْفُثُ عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها. * * * (16) باب النهي عن الطِّيَرة والتشاؤم والكهانة، واستحباب الفأل 2573 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا عدوى ولا طِيَرَةَ (¬3)، والشؤمُ في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة". وفي رواية (¬4): "إنما الشؤم"، وذكرها في ثلاثة، غير أنه قال: "والفرس" بدل "الدابة". 2574 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا طِيَرَة، ¬
وخيُرها الفألُ" قالوا: وما الفألُ؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم". 2575 - وفي رواية: "لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ويعجبني الفألُ الصالح، الكلمةُ الحسنة". 2576 - وعن عائشة قالت: سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ناسٌ (¬1) عن الكُهَّان، فقال: "ليس بشيء"، قالوا (¬2): يا رسول اللَّه! إنهم يحدثونا (¬3) أحيانًا بشيء فيكون حقًّا؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تلك الكلمة من الحق يَخْطَفُها الجنيُّ فَيُقِرُّها في أُذُن وليه، فيخلطون معها مئة كَذْبَة". * * * ¬
17 - باب ما جاء في السحر والسعي في إبطاله بالدعاء وغيره، وقوله تعالى: {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} الآية [يونس: 81]
(17) باب ما جاء في السِّحْر والسَّعْي في إبطاله بالدعاء وغيره، وقوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} الآية [يونس: 81] وقال قتادة (¬1): قلت لسعيد بن المسيَّب: رجل به طِبٌّ، أو يُؤَخَّذُ عن امرأته، أَيُحَل عنه وينشَّر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس فلم يُنْهَ عنه. 2577 - وعن عائشة قالت: سُحِرَ رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى إنه ليخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله. وفي رواية (¬3): حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا اللَّه ودعاه ثم قال: "أَشَعَرْتِ يا عائشةُ أن اللَّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ " قلت: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: "جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مَطْبُوب. قال: ومَن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي ¬
-رجل (¬1) من بني زُرَيْق- قال: في ماذا؟ قال: في مُشْطٍ ومُشَاطة، وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قال: فأين هو؟ قال: في بئر أَرْوَان (¬2) -وفي رواية (¬3): تحت راعوفة (¬4) في بئر أروان (¬5) - قال: فذهب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأناس (¬6) من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: "واللَّه لكأن ماءها نقاعة الحِنَّاء، ولكأَنَّ نخلها رؤوس الشياطين" قلت: يا رسول اللَّه! أفأخرجته؟ قال: "لا، أما أنا فقد عافاني اللَّه وشفاني، وخشيت أن أوثر على الناس شرًّا (¬7) "، فأمر (¬8) بها فدُفِنَتْ. الغريب: "المَطْبُوب": المسحور. و"طَبَّه": سَحَره. و"المُشْط": أحد الأمشاط التي يمشَّط بها الرأس. و"المُشَاطَة": ما يقع من الشَّعَر إذا مُشِّط، ورُوي: "مُشَاقَة" من مُشَاقَةِ الكَتَّان. و"الجُفّ" بالفاء: الوعاء الذي يكون فيه الطَّلْع، ¬
18 - باب في العجوة شفاء من السحر والسم
ومَن رواه بالباء فإنما يريد به داخل الجف وأسفله. * * * (18) باب في العجوة شفاء من السحر والسُّمّ 2578 - عن سعد -هو ابن أبي وقاص- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من اصْطَبَحَ (¬1) كل يوم تمرات عجوة -في رواية (¬2): سبع تمرات- لم يضره سُمٌّ ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل". * * * (19) باب ما جاء أن السموم لا تضر بذواتها، وقد سُمَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يضره ذلك 2579 - عن أبي هريرة قال: لما فُتِحَتْ خيبر أُهْدِيَتْ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
شاة فيها سمٌّ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لي مَن كان هنا (¬1) من اليهود"، فَجُمِعُوا له، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقون (¬2) عنه"؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أبوكم؟ " قالوا: أبونا فلان، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كذبتم، بل أبوكم فلان" قالوا: صدقتَ وبررتَ، فقال: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ " فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفتَ كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أهل النار؟ " فقالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تَخْلُفونا (¬3) فيها. فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخْسَؤوا فيها، واللَّه لا نَخْلُفُكُمْ فيها أبدًا"، ثم قال لهم: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ " فقالوا: نعم. فقال: "هل جَعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ " فقالوا: نعم، فقال: "ما حملكم على ذلك؟ " فقالوا: أردنا إن كنت كاذبًا أن (¬4) نستريح منك، وإن كنت صادقًا (¬5) لم يضرك. * * * ¬
20 - باب تحريم شرب السم والدواء الخبيث
(20) باب تحريم شرب السُّمِّ والدواء الخبيث 2580 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيها (¬1)، خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تَحسَّى سُمًّا فقتل نفسه، فسمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدتُه في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا". * * * (21) باب التداوي بشرب ألبان الأُتُن والإبل، ويُغْمس الذباب إذا وقع في الطعام عن يونس (¬2)، عن ابن شهاب قال: وسألته: هل نتَوضَّأ أو نشَرب ألبان الأُتُنِ، أو مرارةَ السَّبُعِ وأبوالَ الإبل؟ (¬3) قال: قد كان المسلمون يتداوون ¬
بها فلا يَرَوْنَ بذلك بأسًا (¬1)، وأما مرارة السبع، قال ابن شهاب: حدثني (¬2) أبو إدريس الخولاني: أن أبا ثعلبة أخبره: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن أكل كلِّ ذي ناب من السِّباع. قال ابن شهاب: ولم أسمعه حتى أتيتُ الشام (¬3). 2581 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كلَّه ثم لْيَطْرَحْه، فإن في أحد (¬4) جناحيه شفاء، وفي الآخر دَاءً" (¬5). * * * ¬
53 - كتاب اللباس
(53) كتاب اللباس
1 - باب إباحة الزينة وأكل الطيبات إذا سلم ذلك من الآفات
(53) كتاب اللباس (1) باب إباحة الزينة وأكل الطيبات إذا سَلِمَ ذلك من الآفات قال اللَّه تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الآية [الأعراف: 32]، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا في غير إسراف ولا مَخِيلَةٍ"، وقال ابن عباس: كُلْ ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سَرَف أو مَخِيلة * * * (2) باب جَرِّ الثوب خُيَلاء، وحكم من جرَّه على غير ذلك، وإلى أين ينتهي بالإزار 2582 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة". _______ 2582 - خ (4/ 53)، (77) كتاب اللباس، (2) باب من جرَّ إزاره من غير خيلاء، من طريق موسى ابن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه به، رقم (5784).
فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه! إن أحد شقي إزاري يَسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لستَ ممن يصنعه خيلاء". 2583 - وعن أبي بَكْرَةَ قال: خسفتِ الشمسُ ونحن عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام يجر ثوبه مستعجلًا. . .، الحديث، وقد تقدَّم. 2584 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" (¬1). 2585 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ينظر اللَّه يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بَطَرًا". 2586 - وعنه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بينما رجل يمشي في حُلَّةٍ تعجبه نفسه (¬2)، إذ خَسَفَ اللَّه به فهو يَتَجَلْجَلُ (¬3) إلى يوم القيامة". ¬
3 - باب إباحة لبس القمص والعمائم والسراويلات لغير المحرم، ولبس الأردية والصوف والقباء
ونحوه عن ابن عمر (¬1). * * * (3) باب إباحة لُبْسِ القُمُص والعمائم والسراويلات لغير المحرم، ولُبْسِ الأردية والصوف والقَبَاء قد تقدم من حديث علي بن أبي طالب (¬2)، أنه لمَّا شَكَى للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما فعل حمزة في ناقتيه قال: فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بردائه فارتدى، ثم انطلق. وقد تقدم من حديث ابن عمر (¬3): أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه! ما يلبس المُحْرِمُ من الثياب؛ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يلبس المحرم القميص ولا السَّراويل ولا البرانس -وفي رواية: ولا العمائم- ولا الخُفَّيْن. . . " الحديث. ومن حديث المغيرة بن شعبة (¬4): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لبس في السفر جبة من صوف شاميةً، ضيقة الكُمَّيْن. . .، الحديث، وقد تقدم. ومن حديث المِسْوَر بن مَخْرَمةَ (¬5) أنه قال: قَسَمَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقْبِيَةً، ولم يعط مَخْرَمَة منها شيئًا، فقال مخرمة: يا بُنَيَّ! انطلق بنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
4 - باب لباس البرود والحبرة والشملة
فانطلقت معه، فقال: ادخل فادْعُه لي، فدعوته له، فخرج إليه وعليه قَباءٌ، فقال: "خَبَّأْتُ هذا لك"، قال: فنظر إليه، فقال (¬1): "رضي مخرمةُ". * * * (4) باب لباس البُرُود والحِبَرَة والشَّمْلَة وقال سَمُرة: شكونا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو متوسِّد بُرْدَةً له. 2587 - وعن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه بُردٌ نَجْراني غليظُ الحاشية، فأدركه أعرابي فَجَبَذَهُ من ورائه (¬3) جَبْذَةً شديدة حتى نظرتُ إلى صفحة عاتق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أثَّرت بها حاشية البُرْدَةِ من شدة جَبْذَتِه، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال اللَّه الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. 2588 - وعن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة -قال سهل: ¬
هل تدري (¬1) ما البُرْدَة؟ قال: نعم، هي الشَّمْلَة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجتُ هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محتاجًا (¬2)، فخرج علينا وإنها إزاره (¬3)، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول اللَّه" اكسُنيها. قال: "نعم"، فجلس ما شاء اللَّه في المجلس، ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنتَ، سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يَرُدُّ سائلًا، فقال الرجل: واللَّه ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنَه. 2589 - وعن قتادة، عن أنس قال: قلتُ له: أيُّ الثياب كان أحبَّ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4) أن يلبسها (¬5)؟ قال: الحِبَرَةُ. ومن حديث ابن عباس (¬6) أنه قال: لما نزل برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طفق يطرح ¬
5 - باب النهي عن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في ثوب واحد، ومن كره الطيالسة
خميصة له على وجهه، فإذا اغْتَمَّ كشفها. . .، الحديث، وقد تقدم. 2590 - وعن أبي بُرْدَة قال: أَخْرَجَتْ إلينا عائشة كِسَاءً وإزارًا غليظًا، قالت (¬1): قبض روح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذين. * * * (5) باب النهي عن اشْتِمَال الصَّمَّاء، وعن الاحتباء في ثوب واحد، ومن كره الطيالسة 2591 - عن أبي هريرة: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الملامسة والمنابذة، وعن صلائين: بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب، وأن يَحْتَبي بالثوب الواحد، ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السماء، وأن يشتمل الصَّمَّاء (¬2). ¬
6 - باب لباس الثياب الملونة للصغار والنساء
2592 - وعن ابن عمر قال: نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة، فقال: كأنكم الساعة يهود خيبر. * * * (6) باب لباس الثياب الملونة للصغار والنساء 2593 - عن أم خالد بنت خالد: أُتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: "مَنْ تَرَوْنَ أن نكسو هذه؟ " فسكت القوم، فقال: "ائتوني بأم خالد" فأُتِي بها تُحْمَلُ، فأخذ الخميصة بيده فألبسها فقال (¬1): "أَبْلِي وأَخْلِقي"، وكان فيها عَلَم أخضر أو أصفر، فقال: "يا أم خالد، هذا سَنَاهُ"، وسناهْ بالحبشية -في رواية (¬2) - يعني: حسنًا. وعنها قالت (¬3): أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبي وعليَّ قميص أصفر، فقال ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَنَهْ سَنَهْ" -قال عبد اللَّه: وهي بالحبشية: حسنة- قالت: فذهبتُ ألعب بخاتم النبوة، فزَبَرَنِي أبي، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: دعها (¬1). ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبْلِي وأخْلِقي" ثلاث مرَّات، فبقيتْ حتى ذَكَرَ. 2594 - وعن عكرمة: أن رِفَاعَة طلَّق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن ابن الزَّبِير القرظي، قالت عائشة: وعليها خِمَارٌ أخضر، فشكت إليها وأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فلما جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والنساء يَنْصُرُ بعضهن بعضًا -فقالت عائشة: ما رأيتَ ما يَلْقَى المؤمناتُ، لَجِلْدُهَا أشد خُضْرَةً من ثوبها. وسَمِعَ (¬2) أنها قد أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: واللَّه ما بي إليه مِن ذَنْبٍ إلا أن ما معه ليس بأغنى عنّي من هذه، وأخذت هُدْبَةً من ثوبها، فقال: كَذَبَتْ واللَّه يا رسول اللَّه، إني لأَنْفُضُها نَفْضَ الأَدِيم، ولكنها ناشز، تريد رفاعة. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن كان ذلك لم تَحِلِّي له -أو: لم تصلحي له- حتى يذوق من عُسَيْلَتِك" قال: وأَبْصَرَ معه ابنين له، فقال: "بَنُوكَ هؤلاء؟ " قال: نعم، قال: "هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟ فواللَّه لهم أشبهُ به من الغراب بالغراب". * * * ¬
7 - باب لبس الحرير، وقدر ما يجوز منه للرجال
(7) باب لبس الحرير، وقَدْر ما يجوز منه للرجال 2595 - وعن أبي عثمان النَّهْدِي قال: أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة ابن فرقد بأذْرَبِيجَانَ: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام، قال: فيما علمناه أنه يعني الأعلام (¬1). وفي رواية (¬2): قال عمر: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُلْبَسُ الحرير في الدنيا، إلا لم يُلْبَس في الآخرة (¬3) ". 2596 - وعن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لبس الحرير في الدنيا، لم (¬4) يلبسه في الآخرة". ¬
8 - باب لبس الحرير، وما يرخص للرجال للحكة
ونحوه عن أنس (¬1). * * * (8) باب لبس الحرير، وما يُرَخَّصُ للرجال للحَكَّةِ 2597 - عن البراء قال: أُهْدِيَ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثوب حرير، فجعلنا نلمسه ونتعجب منه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتعجبون من هذا؟ " قلنا: نعم. قال: "مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا". 2598 - وعن أنس قال: رَخَّص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما. * * * ¬
9 - باب النهي عن افتراش الحرير، وعن لبس القسي، وعن الميثرة
(9) باب النهي عن افتراش الحرير، وعن لبس القَسِّي، وعن المِيثَرَة 2599 - عن حذيفة قال: نهانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نشرب في آنية الفضة والذهب (¬1)، وأن كل فيها، وعن لُبْس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. 2600 - وعن البراء بن عازب قال: نهانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المياثر الحُمْر، وعن القَسِّي. قال عاصم، عن أبي بُرْدَة: قلنا لعليٍّ (¬2): ما القَسِّيَّة؟ قال: ثياب أتتنا من الشام أو مصر، مُضَلَّعة بالحرير (¬3)، وفيها أشكال الأترج (¬4)، والمِيثَرَةُ كانت النساء تصنعُه لبعولتهن مِثْلَ القطائف (¬5). ¬
10 - باب جواز لباس النساء الحرير
وفي رواية (¬1): والمِيثَرَةُ جلود السباع. * * * (10) باب جواز لباس النساء الحرير 2601 - عن عليّ بن أبي طالب قال: كساني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حُلَّةً سِيَراء، فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي. 2602 - و [عن] عبد اللَّه بن عمر: أن عمر (¬2) رأى حُلَّةً سِيَرَاء تُباع، فقال: يا رسول اللَّه! لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك، والجمعة؟ قال: "إنما يلبس هذه من لا خَلَاق له"، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث بعد ذلك حُلَّة (¬3) سِيَرَاء حرير (¬4)، كساه إياه، فقال عمر: كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها (¬5)؟ ! ¬
11 - باب لباس النعال السبتية، وأحكام التنعل
فقال: "إنما بعثت إليك لتبيعها، أو لتكسوها" (¬1). 2603 - وعن أنس بن مالك: أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُرْدَ حرير سِيَرَاء. الغريب: قد تقدم أن الحُلَّة عند العرب: كلُّ ثوبين لم يكونا مُلَفَّقَيْن حريرًا كان أو غيره. و"السِّيَرَاء": التي فيها خطوطٌ أمثالُ السُّيُور. * * * (11) باب لباس النعال السِّبْتِيَّة، وأحكام التَّنَعُّلِ قد تقدم من حديث ابن عمر (¬2): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يلبس النعال السِّبْتِيَّة، وهي التي ليس فيها شعر، وكان يصبغ بالصُّفْرة. 2604 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ ¬
باليمنى (¬1)، وإذا انتزع فليبدأ باليُسْرَى (¬2)؛ لتكون (¬3) اليمنى أولهما تُنْعَلُ وآخرهما تُنْزَعُ". 2605 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَمْشِ أحدكم في نعل واحدة، ليُحْفِهما (¬4) جميعًا، أو لِيَنْتَعِلْهما (¬5) جميعًا". 2606 - وعن أنس: أن نعال (¬6) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لها (¬7) قِبَالَان (¬8). 2607 - وعن عيسى بن طهمان قال: أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين ¬
12 - باب اتخاذ الخواتيم، ومن ماذا نتخذ؟
لهما قِبَالَان. وقال (¬1) ثابت البُنَانيُّ: هذا نعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (12) باب اتخاذ الخواتيم، ومِنْ ماذا نتخذ؟ 2608 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اتخذ خاتمًا من ذهب، وجعل فَصَّهُ مما يلي كفَّه، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى بها وقال: "لا ألبسه أبدًا" -وفي رواية (¬2): قال: "واللَّه، لا ألبسه أبدًا"- ثم اتخذ خاتمًا من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة، فقال (¬3) ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أَرِيس. وفي رواية (¬4): قال أنس: فلما كان عثمان، جلس على بئر أَرِيس، ¬
فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فلم نجده. 2609 - وعن ابن شهاب، قال أنس بن مالك: إنه رأى في يد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمًا من وَرِقٍ يومًا واحدًا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق فلبسوها (¬1)، فطرح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم. * تنبيه: هذا الحديث -وإن كان سنده من الصحة بحيث هو- ولكن في متنه وهم، وهو وضع الوَرِق موضع الذهب، فإن الخاتم الذي طرحه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فطرح الناسُ خواتيمهم عنده إنما كان ذهبًا، كما رواه ابن عمر فوق هذا، واللَّه أعلم. 2610 - وعن أنس: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان خاتمه من فضة، وكان فَصُّه منه. وقد تقدم في حديث سهل (¬2): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للخاطب: "التمس ولو خاتمًا من حديد". * * * ¬
13 - باب السبب الذي لأجله اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاتم ونقشه
(13) باب السبب الذي لأجله اتخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الخاتم ونقشه 2611 - عن أنس قال: لما أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكتب إلى الروم، فقيل (¬1) له: إنهم لا يقرؤون كتابك (¬2) إلا أن يكون مختومًا، فاتخذ خاتمًا من فضة، ونَقْشُه: محمد رسول اللَّه، فكأنما أنظر إلى بياضه في يده. وفي رواية (¬3): لا يقبلون كتابًا إلا عليه خاتم. وعنه قال (¬4): اصطنع (¬5) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمًا فقال: "إنَّا اتخذنا خاتمًا ونَقَشْنَا فيه نقشًا، فلا يَنْقُشَنّ أحد عَلَى نقشه" (¬6). وعنه قال (¬7): كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول ¬
14 - باب اتخاذ خواتم الذهب والسخاب
سطر، واللَّه سطر. * * * (14) باب اتخاذ خواتم الذهب والسِّخاب قال البخاري: وكان على عائشة خواتيم الذهب. 2612 - وعن ابن عباس قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم عيد فصلى ركعتين، لم يُصَلِّ (¬1) قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساءَ ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي قُرْطَها. في آخر (¬2): تَصَدَّقُ بخُرْصِها وسِخَابها وفَتَخِهَا (¬3). * * * ¬
15 - باب لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وإخراجهم من البيوت
(15) باب لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وإخراجهم من البيوت 2613 - عن ابن عباس قال: لعن النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وفي طريق آخر (¬2): لعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم"، قال: فأخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلانة، وأخرج فلانًا (¬3). 2614 - وعن زينب بنت أبي سلمة: أن أم سلمة أخبرتها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عندها وفي البيت مُخَنَّث، فقال لعبد اللَّه أخي أم سلمة: يا عبد اللَّه! إنْ فتح اللَّه غدًا لكم (¬4) الطائف فإني أَدُلُّك على بنت غَيْلَانَ، فإنها تُقْبِلُ بأربعٍ وتُدْبِرُ بثمانٍ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يدخلنَّ هؤلاء عليكم". ¬
16 - باب خصال الفطرة
قلت: يعني بذلك العُكَن، وهي الطيُّ التي تكون في جانبي البطن من السِّمَن، يريد المخنَّث: أن هذه المرأة إذا أقبلت كان لها من كل جانب من جوانب بطنها عُكْنتَان، وإذا أدبرت كان لها من خلفها ثمان. * * * (16) باب خصال الفِطْرَةِ 2615 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من الفطرة حلق العانة، وتقليم الأظفار، وقص الشارب". 2616 - وعن أبي هريرة: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الفطرة خمس: الخِتَان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬1). 2617 - وعن ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين، وَفِّرُوا ¬
17 - باب الشيب والخضاب
اللِّحَى، وأعفوا الشوارب"، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فَضَلَ أخذه. وعنه (¬1) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللِّحَى". * * * (17) باب الشيب والخضاب 2618 - عن ثابت قال: سئل أنس عن خضاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إنه لم يبلغ الخضاب (¬2)، لو شئت أن أعدَّ شَمَطَات (¬3) في لحيته. 2619 - وعن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء -وقبض إسرائيل ثلاث أصابع- من فِضَّةٍ فيه (¬4) شعر من ¬
18 - باب تلبيد الشعر، وفرقه، وسدله، واتخاذ الذوائب
شعر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان إذا أصاب الإنسانَ عين أو شيء بعث إليها مِخْضَبَهُ- فَاطَّلَعْتُ في الجُلْجُل (¬1) فرأيت شَعَراتٍ حُمْرًا. وعنه (¬2) قال: دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعرات من شعر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مخضوبًا. 2620 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اليهود والنصارى لا يخضبون (¬3) فخالفوهم". * * * (18) باب تَلْبِيد الشَّعر، وفَرْقِه، وسَدْلِه، واتخاذ الذَّوَائِب 2621 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: سمعت عمر (¬4) يقول: من ضَفَر ¬
فلْيَحْلِقْ، ولا تَشَبَّهُوا بالتَّلْبِيد، كان ابن عمر يقول: لقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُلَبِّدًا. 2622 - وعن ابن عباس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (¬1)، وكان أهل الكتاب يَسْدِلُون أشعارهم، وكان المشركون يَفْرُقُون رؤوسهم، فسَدَل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ناصيته، ثم فَرَق بعدُ. وقد تقدم في حديث (¬2) ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ بذؤابته فأداره حتى جعله عن يمينه. 2623 - وعن أنس قال: كان شعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجِلًا، ليس بالسَّبِطِ ولا الجَعْد، بين أذنيه وعاتقه. وعنه (¬3): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يضرب شعرُه منكبيه. * * * ¬
19 - باب التطيب بالمسك والذريرة
(19) باب التَّطَيُّب بالمسك والذريرة قد تقدم من حديث عائشة (¬1): أنها كانت تطيِّبُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يُحْرِم وقبل أن يطوف بالبيت بالمسك وبالطيب، وذكرت هنا أنها طيبته بذريرة. وهذا كلُّه صحيح لا تناقُضَ فيه ولا اضطراب، فإنها جمعت كل ذلك فطيَّبَته به. وقد تقدم من حديث (¬2) أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَخُلُوف فَمِ الصائم أطيبُ عند اللَّه من ريح المِسْكِ". * * * (20) باب لَعْن الواشمات، والمتنمِّصَات، والمتفَلِّجات للحُسْنِ 2624 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: لعن اللَّه الوَاشِمَاتِ والمُسْتَوْشِمَاتِ والمُتَنَمِّصَاتِ والمتفلِّجات للحُسْن، المغيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّه، ¬
21 - باب لعن الواصلة والمستوصلة
ما لي لا ألعن مَن لعنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في كتاب اللَّه؟ قالت أم يعقوب: واللَّه لقد قرأت ما بين اللَّوْحَيْن فما وجدته؟ قال: واللَّه لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. الغريب: "الوَاشِمَةُ": هي التي تصنع الوَشْمَ، قال نافع: الوشم في اللِّثَة. قلت: هو تغييرها بالكحل بعد الشَّرط. و"المُسْتَوْشِمَةُ": هي المستدعية لذلك. و"المُتَنَمِّصَة": هي التي تقلع ما يُخْلَقُ في جبهتها من الشَّعْر بالمِنْمَاص. و"المُتَفَلِّجَة": هي التي تفرق بين الأسنان المتصلة. و"الوَاشِرَة": تصنع في أطراف الأسنان حُزَزًا تشبيهًا بالشوَابِّ. * * * (21) باب لعن الواصلة والمستوصلة 2625 - عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج، وهو على المنبر يقول (¬1) -فتناول قُصَّةً من شعر كانت بيد ¬
حَرَسِيٍّ-: أين علماؤكم؟ سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه، ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم". 2626 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لعن اللَّه الواصلة والمُسْتَوْصِلَة، والوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ". ونحوه عن ابن (¬1) عمر. 2627 - وعن عائشة: أن جارية من الأنصار تزوَّجت، وأنها مرضت، فتَمَعَّطَ (¬2) شعرها، فأرادوا أن يَصِلُوها، فسألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لعن اللَّه الواصلة والمستوصلة". 2628 - وعن أسماء بنت أبي بكر: أن امرأة جاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
22 - باب لعن المصورين، وتوعدهم بالعذاب، وتحريم اتخاذ الصور
فقالت: إني أنكحت ابنتي، ثم أصابها شكوى، فتمزق شعرها وزوجُها يستحيي، أفأصل رأسها؟ فسبَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الواصلة والمستوصلة. * * * (22) باب لعن المصورين، وتوعدهم بالعذاب، وتحريم اتخاذ الصُّوَر 2629 - وعن عون بن أبي جُحَيْفَة، عن أبيه: أنه اشترى غلامًا حَجَّامًا فقال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البَغِيِّ، ولعن آكل الربا ومُوكِلَهُ، والوَاشِمَة والمسْتَوْشِمَة، والمصوِّر. 2630 - وعن ابن عباس قال: سمعت محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من صَوَّر صورة في الدنيا كُلِّفَ يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ". 2631 - وقال ابن عباس، عن أبي طلحة: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تدخل _______ 2629 - خ (4/ 83)، (77) كتاب اللباس، (96) باب من لعن المصوّر، من طريق محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن عون بن أبي جحيفة به، رقم (5962). 2630 - خ (4/ 83)، (77) كتاب اللباس، (97) باب من صور صورة كُلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ، من طربق سعيد هو ابن أبي عروية، عن النضر ابن أنس بن مالك، عن ابن عباس به، رقم (5963). 2631 - خ (4/ 81)، (77) كتاب اللباس، (88) باب التصاوير، من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس به، رقم (5949).
23 - باب تغيير ما وجد منها، ولو كان نقشا في حائط، أو رقما في ستر
الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير". 2632 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أشد الناس عذابًا (¬1) المصوِّرون". 2633 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن الذين يصنعون هذه الصور يُعَذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم". * * * (23) باب تغيير ما وجد منها، ولو كان نقشًا في حائط، أو رَقْمًا في سِتْرٍ 2634 - عن أبي زُرْعَة قال: دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة، فرأى في أعلاها مصوِّرًا يصوِّر، فقال (¬2): سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ومن أظلم ¬
ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حَبَّةً، وليخلقوا ذَرَّةً"، ثم دعا بتَوْرٍ فغسل يديه حتى بلغ إبطه. فقلت: يا أبا هريرة! أشيءٌ سمعته من النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: "منتهى الحِلْيَة". 2635 - وعن عائشة قالت: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من سَفَرٍ وقد سترت بِقِرَامٍ (¬2) -وفي رواية (¬3): دُرْنُوكًا- على سَهْوَةٍ لي، فيه تماثيل، فلما رآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هتكه وقال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضَاهون خلق اللَّه (¬4) " قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين. 2636 - وعنها: أنها اشترت نُمْرُقَةً فيها تصاوير، فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالباب فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى اللَّه، ماذا أذنبت؟ قال: "ما هذه النمرقة؟ " فقلت: لتجلسَ عليها وتَوَسَّدَها، قال: "إن أصحاب هذه الصور يُعَذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصُّوَر" (¬5). ¬
24 - باب من قال: يجوز ما كان من الصور رقما في ثوب
الغريب: السَّهْوَة: بيت صغير يشبه المِخْدَع، وقال الأصمعي: هي شِبْهُ الطاق. وقد بيَّن المراد في هذا الحديث بعضُ الرواة لحديث عائشة فقال: كان قرامٌ لعائشة سترت به جانب بيتها. و"القِرَامُ" و"النَّمَطُ" و"الدُّرْنُوك": أسماء شيء واحد، وهو الستر الذي كان فيه التماثيل، وهي خيل ذوات أجنحة، وكانت -واللَّه أعلم- مما يعمله أهل اليمن بالأصبغة. فأما النمرقة: فهي الوسادة، وتجمع: نمارق. قلت: وهذه الأحاديث كلها تدل على منع الصور كلها ما كان منها ذا جِرْم أو نقشًا أو رَقْمًا، وهو مذهب الزهري، ولغيره فيها تفصيلٌ ذكرناه في "المُفْهِم" (¬1). * * * (24) باب من قال: يجوز ما كان من الصُّوَر رقمًا في ثوب 2637 - عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه (¬2) قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا ¬
25 - باب الإرداف على الدواب ما تحمله
فيه صورة" قال بُسْر: ثم اشتكى زيد فَعُدْنَاه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلتُ لعبيد اللَّه (¬1) رَبِيب ميمونة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد اللَّه: ألم تسمعه حين قال: "إلا رَقْم (¬2) في ثوب". * * * (25) باب الإرداف على الدواب ما تحمَّله 2638 - عن أسامة بن زيد قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة فَدَكِيَّة، وأردف أسامة وراءه. 2639 - وعن ابن عباس قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة استقبله أُغَيْلِمَةُ بني عبد المطلب، فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه. 2640 - وعن أيوب: ذُكِرَ الأَشَرُّ -أي: من الثلاثة- عند عكرمة (¬3)، ¬
26 - باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى إذا لم تنكشف عورة
فقال: قال ابن عباس: أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد حمل قُثَم بين يديه، والفضل خلفه -أو قُثَم خلفه والفضل بين يديه- فأيهم أشرُّ وأيهم أَخْيَرُ (¬1)؟ ! 2641 - وعن أنس بن مالك: أقبلنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من خيبر، وإني لَرَدِيف أبي طلحة، وهو يسير، وبعض نساء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رديف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ عثرت الناقة فقلت: المرأةَ. فنزلتُ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنها أمكم" فشدَدْتُ الرَّحْلَ، وركب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلما دنا -أو رأى المدينة- قال: "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون". * * * (26) باب الاستلقاء ووضع الرِّجْل على الأخرى إذا لم تنكشف عورة 2642 - عن عباد بن تميم، عن عمه: أنه أبصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يضطجع في المسجد، رافعًا إحدى رجليه على الأخرى. * * * ¬
54 - كتاب الأدب
(54) كتاب الأدب
1 - باب الوصية ببر الوالدين، وفضل ذلك، وتأكد بر الأم، وأنه أفضل من الجهاد
(54) كتاب الأدب (1) باب الوصية ببر الوالدين، وفضل ذلك، وتأكد بر الأم، وأنه أفضل من الجهاد وقال اللَّه تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} الآية [العنكبوت: 8]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. 2643 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ العمل أحب إلى اللَّه -عز وجل-؟ قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أيّ؟ قال: "بر الوالدين" قال: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه" قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني. 2644 - وعن أبي هريرة قال: . . . . _______ 2643 - خ (4/ 86)، (87) كتاب الأدب، (1) باب البر والصلة وقول اللَّه تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}، من طريق شعبة، عن الوليد بن عيزار، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبد اللَّه هو ابن مسعود به، رقم (5970). 2644 - خ (4/ 86)، (78) كتاب الأدب، (2) باب من أحق الناس بحسن الصحبة، من طريق جرير، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة، عن =
2 - باب عقوق الوالدين وتعريضهما للسب من الكبائر
جاء رجل إلى النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! من أحقُّ الناس (¬2) بحُسن صحابتي؟ قال: "أمُّك"، قال: ثم مَنْ؟ قال: "أمُّك"، قال: ثم مَنْ؟ قال: "أمُّك"، قال: ثم مَنْ؟ قال: "أبوك" (¬3). 2645 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أجاهد؟ قال: "ألك (¬4) أبوان؟ " قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد". وقد تقدَّم حديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار (¬5). * * * (2) باب عقوق الوالدين وتعريضهما للسبِّ من الكبائر 2646 - عن المغيرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: "إن اللَّه حرَّم عليكم عقوق ¬
الأمهات، ومَنْعَ وهات (¬1)، ووَأْد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". 2647 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " فقلنا (¬2): بلى يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال (¬3): "الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين"، وكان متكئًا فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور"، فما زال يقولها حتى قلنا: ليته سكت (¬4). 2648 - وعن أنس بن مالك قال: ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكبائر -أو سئل عن الكبائر- فقال: "الشرك باللَّه، وقتل النفس، وعقوق الوالدين"، فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قال: "قول الزور" أو قال: "شهادة الزور (¬5) ". * * * ¬
3 - باب صلة الأم والأخ المشركين
(3) باب صلة الأم والأخ المشركَيْن 2649 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي -وهي راغبة (¬1) - في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَصِلُهَا؟ قال: "نعم". قال ابن عُيينة: فأنزل اللَّه عز وجل (¬2) فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]. وعنها قالت (¬3): قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومُدَّتِهم؛ إذ عاهدوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبيها، فاستفتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت (¬4): إن أمي قدمت وهي راغبة؟ قال: "نعم، صِلِي أمَّك". وقد تقدم من حديث عمر (¬5) في الحُلَّةِ التي قال له فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لم أُعْطِكَهَا لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها" فأرسل بها عمر إلى ¬
4 - باب فضل صلة الأرحام، وبسط رزق الواصل، وإثم القاطع، ومن أحق باسم الواصل
أخ له من أهل مكة قبل أن يُسْلِم. * * * (4) باب فضل صلة الأرحام، وبسط رزق الواصل، وإثم القاطع، ومن أحق باسم الواصل 2650 - عن أبي أيوب الأنصاري: أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه! أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال (¬1) القوم: ما له، ما له؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أربٌ ما له؟ " فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تعبد اللَّه لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، ذَرْهَا" فقال (¬2): كأنه كان على راحلته. 2651 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من سَرَّهُ أن يُبْسَطَ له في رزقه، وأن يُنْسَأَ له (¬3) في أثره، فليصل رَحِمَهُ". ¬
2652 - وعن جبير بن مطعم: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة قاطع". 2653 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه خَلَق الخَلْقَ، حتى إذا فرغ من خَلْقِهِ قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما تَرْضَيْنَ أن أَصِلَ من وَصلَكِ، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاقرؤا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] ". 2654 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: "الرحم شُجْنَةٌ من الرحمن، فقال اللَّه: من وَصلَكِ وَصَلْتُهُ، ومَن قطعك قطعتُه". ونحوه عن عائشة (¬1). ¬
5 - باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم أجر على ذلك
2655 - وعن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَتْ رحمه وَصَلَهَا". الغريب: "أَربٌ": يروى بكسر الراء وفتحها، والباء مرفوعة في الوجهين منونةٌ. فبكسرها تكون اسم فاعل كحَذِرٍ وفَطِنٍ، وبفتحها تكون مصدرًا. والأرب: الحاجة، ويقال على العقل. فعلى الكسر يكون معناه أن السائل عرضت له حاجة لهذا السؤال. و"ما له": على الوجهين استفهام على جهة الإنكار والردِّ عليهم لما قالوا: "ما له، ما له". وقد روى هذه اللفظة بفتح حروفها كلها بغير تنوين، جَعَلَها فعلًا ماضيًا بمعنى احتاج، قاله ابن الأعرابي، واللَّه أعلم. * * * (5) باب من وَصَل رحمه في الشرك ثم أسلم أُجِرَ على ذلك 2656 - وعن عروة بن الزبير: أن حَكِيمَ بن حِزَام أخبره أنه قال: _______ 2655 - خ (4/ 90)، (78) كتاب الأدب، (15) باب ليس الواصل بالمكافئ، من طريق سفيان، عن الأعمش والحسن بن عمرو وفِطر، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو -قال سفيان: لم يرفعه الأعمش إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورفعه الحسن وفطر- به، رقم (5991). 2656 - خ (4/ 90)، (78) كتاب الأدب، (16) باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم، من طريق شعيب، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن حكيم بن حزام به، رقم (5992).
6 - باب رحمة الولد، وتقبيله ومعانقته، والصبر على البنات
يا رسول اللَّه! أرأيت أمورًا كنت أتَحَنَّثُ بها في الجاهلية من صِلَة وعَتَاقَةٍ وصدقة، هل (¬1) لي فيها أجر؟ قال حكيم: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير". قال ابن إسحاق: التَحَنُّث: التَبَرُّر. * * * (6) باب رحمة الولد، وتقبيله ومعانقته، والصبر على البنات 2657 - عن أبي هريرة قال: قَبَّل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - الحسنَ بن عليٍّ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس (¬2)، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلْتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قال: "من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم". 2658 - وعن عائشة قالت: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: تُقَبِّلُون الصبيان، فما نقُبِّلُهُمْ. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوَ أَمْلِكُ لك إن نزع اللَّه من قلبك الرحمة؟ ". ¬
7 - باب سعة رحمة الله بجميع عباده، وأن لله مئة رحمة
2659 - وعنها قالت: جاءتني امرأة ومعها (¬1) ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فقَسَمَتْهَا بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فحدثته فقال: "من بُلِيَ من هذه البنات بشيءٍ (¬2) فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار". * * * (7) باب سعة رحمة اللَّه بجميع عباده، وأن للَّه مئة رحمة 2660 - عن عمر بن الخطاب: قُدِمَ على النبي-صلى اللَّه عليه وسلم- بِسَبْيٍ، فإذا امرأة من السَّبْي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيًّا في السَّبْي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ " قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: "اللَّه أرحم (¬4) بعباده من هذه بولدها". ¬
8 - باب وضع الصبي على الفخذ، وضمه سرورا به
2661 - وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "جعل اللَّه الرحمة في مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه". 2662 - وعن أبي هريرة قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا. فلما سَلَّم النبي-صلى اللَّه عليه وسلم- قال للأعرابي: "لقد حَجَّرْتَ واسعًا"، يريد: رحمة اللَّه. * * * (8) باب وضع الصبي على الفخذ، وضمّه سرورًا به 2663 - عن أبي عثمان النَّهْدِي، عن أسامة بن زيد قال: كان _______ 2661 - خ (4/ 91 - 92)، (78) كتاب الأدب، (19) باب جعل اللَّه الرحمة في مئة جزء، من طريق شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (600)، طرفه في (6469). 2662 - خ (4/ 93)، (78) كتاب الأدب، (27) باب رحمة الناس والبهائم، من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به، رقم (6010). 2663 - خ (4/ 92)، (78) كتاب الأدب، (22) باب وضع الصبي على الفخذ، من طريق المعتمر ابن سليمان، عن أبيه، عن أبي تميمة، عن أبي عثمان، عن أسامة ابن زيد به، رقم (6003).
9 - باب فضل كفالة اليتيم، والسعي على الأرملة والمسكين
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن (¬1) على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول: "اللهم ارحمهما؛ فإني أرحمهما". * * * (9) باب فضل كفالة اليتيم، والسعي على الأرملة والمسكين 2664 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللَّه، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل". 2665 - وعن سهل بن سعد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. * * * ¬
10 - باب مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم، والوصية بالجار، ووجوب صرف البوائق عنه
(10) باب مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم، والوصية بالجار، ووجوب صرف البوائق عنه 2666 - عن النعمان بن بَشِير قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه (¬1) تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمَّى". 2667 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُوَرِّثُهُ". ومثله عن ابن (¬2) عمر. 2668 - وعن أبي شُرَيْح: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "واللَّه لا يؤمن، واللَّه ¬
11 - باب أحق الجارين بالبر أقربهما بابا، وكل معروف صدقة
لا يؤمن، واللَّه لا يؤمن" قيل: يا رسول اللَّه! ومَنْ (¬1)؟ قال: "الذي لا يأمن جارُه بوائقَه"، وقد رُوِي عن أبي هريرة (¬2). 2669 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره". * * * (11) باب أحق الجارين بالبرِّ أقربهما بَابًا، وكل معروفٍ صدقة 2670 - عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إن لي جارَيْن، فإلى أيهما أُهْدِي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا". ¬
12 - باب طيب الكلام، والرفق في الأمور
2671 - وعن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلُّ معروف صدقة". 2672 - وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على كل مسلم صدقة"، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه فينفع نفسه، فيتصدَّق" (¬1)، قالوا: فإن لم يستطع؟ أو لم يفعل؟ قال: "فيُعِيْنُ ذا الحاجة الملهوف"، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فيأمر بالخير -أو قال- بالمعروف"، قال: فإن لم يفعل؟ قال: "فيمسك عن الشر؛ فإنه له صدقة". * * * (12) باب طِيبِ الكلام، والرفق في الأمور وقال أبو هريرة: الكلمة الطيبة صدقة. 2673 - وعن عدي بن حاتم قال: ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النار فتعوَّذ منها وأشاح ¬
13 - باب تعاون المسلمين وتشافعهم بعضهم في بعض، وقوله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} [النساء: 85]
بوجهه، ثم ذكر النار فتعوَّذ منها وأشاح بوجهه، ثم قال (¬1): "اتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، فإن لم يجد (¬2) فبكلمة طيبة". 2674 - وعن عائشة قالت: دخل رهط من اليهود على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: السَّام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة، قالت: فقال النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مهلًا يا عائشة، إن اللَّه يحب الرفق في الأمر كله" فقلت: يا رسول اللَّه! أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد قلت: عليكم". * * * (13) باب تعاون المسلمين وتشافعهم بعضهم في بعض، وقوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] 2675 - عن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان ¬
14 - باب اجتناب الفحش والتفاحش، والحض على الإحسان ومكارم الأخلاق
يشُدُّ بعضه بعضًا" (¬1). وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جاءه رجل يسأل، أو طالب حاجة، أقبل علينا بوجهه فقال: "اشفعوا، فلتؤجروا، ولْيَقْضِ اللَّه على لسان نبيه ما شاء". * * * (14) باب اجتناب الفُحْشِ والتَّفَاحُشِ، والحض على الإحسان ومكارم الأخلاق 2676 - عن مسروق قال: دخلنا على عبد اللَّه بن عمرو حين قدم مع معاوية إلى الكوفة، فذكر رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لم يكن فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا. وقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ مِن أَخْيَرِكم أَحْسَنَكم خُلقًا". 2677 - وعن عائشة: أن يهود أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: السام عليك (¬2)، قالت عائشة: عليكم، ولعنكم اللَّه وغضب عليكم (¬3). . . . ¬
فقال (¬1): "مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياكِ والعَنَت (¬2) والفُحْش" قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: "أولم تسمعين ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيَّ". 2678 - وعن أنس بن مالك قال: لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبَّابًا ولا فَحَّاشًا ولا لعَّانًا، كان يقول لأحدنا عند المَعْتَبَةِ: "ماله، تَرِبَتْ جبهته (¬3) ". 2679 - وعن عائشة: أن رجلًا استأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة"، أو: "بئس (¬4) ابن العشيرة" فلما جلس تَطَلَّق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهه وانبسط له، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول اللَّه! حين رأيتَ الرجل قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة! متى عَهِدْتِني فَحَّاشًا؟ إن شر الناس عند اللَّه منزلة ¬
يوم القيامة من تركه الناس اتِّقَاء شره" (¬1). وقال ابن عباس (¬2): كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان. وقال أبو ذر لمَّا بلغه مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأخيه (¬3): اركب إلى هذا الوادي، فاسمع من قوله، فرجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق. وقال أبو سفيان في حديثه مع هرقل (¬4): إنه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. * * * ¬
15 - باب ما ينهى عنه من السباب واللعن
(15) باب ما يُنْهَى عنه من السباب واللَّعْن 2680 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم: "سِباب المسلم فسوق وقتاله كُفْر". 2681 - وعن أبي ذر: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفِسْق (¬1)، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك". 2682 - وعن سليمان بن صُرَد -رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: استَبَّ رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغيَّر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد" فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: تعوَّذ باللَّه من الشيطان، فقال: أترى بي بأسًا؟ (¬2). . . . ¬
16 - باب ما ينهى عنه من النميمة والغيبة، ومن تجوز غيبته، وما جاء في ذي الوجهين
أمجنونٌ أنا؟ اذهب (¬1). * * * (16) باب ما ينهى عنه من النَّمِيمَة والغِيبَةِ، ومن تجوز غيبته، وما جاء في ذي الوجهين وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في صاحبي القبرين (¬2): "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أحدهما يمشي بالنميمة، والثاني لا يستتر من بوله". 2683 - وعن همام قال: كنا مع حذيفة فقيل له: إن رجلًا يرفع الحديث إلى عثمان، فقال له حذيفة (¬3): سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة قَتَّاتٌ". وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للرجل: "بئس أخو العشيرة -أو ابن العشيرة" ثم ¬
17 - باب كراهة المدح على جهة الإطراء، وجوازه على غير ذلك إذا أمنت الفتنة
ألان له القول (¬1)؟ 2684 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تجد من شر (¬2) الناس يوم القيامة عند اللَّه ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". * * * (17) باب كراهة المدح على جهة الإطراء، وجوازه على غير ذلك إذا أُمِنَتِ الفتنة 2685 - عن أبي موسى قال: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلًا يثني على رجل ويُطْرِيه في المِدْحَة، فقال: "أهلكتم -أو: قطعتم- ظَهْر الرجل". 2686 - وعن أبي بَكْرَة: أن رجلًا ذُكر عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأثنى عليه رجل خيرًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ويحك، قطعت عنق صاحبك -يقوله ¬
18 - باب ما ينهى عنه من التحاسد والتهاجر والتباغض
مرارًا- إن كان أحدكم مادحًا أخاه (¬1) لا مَحَالَة فليقل: أَحْسَبُه كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، وحَسِيبه اللَّه (¬2)، ولا يُزَكِّي على اللَّه أحدًا". وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "خير دور الأنصار بني (¬4) النجار". وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكر -حين قال له: يا رسول اللَّه! إن إزاري يسقط- فقال: "إنك لَسْتَ منهم" (¬5). * * * (18) باب ما يُنْهَى عنه من التحاسد والتهاجر والتباغض وقد تقدم من حديث (¬6) أبي هريرة، قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إياكم والظن، فإن الظن ¬
19 - باب ستر المؤمن على نفسه، وما يجوز من الظن
أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللَّه إخوانًا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاثة أيام". * * * (19) باب ستر المؤمن على نفسه، وما يجوز من الظن 2687 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كل أمتي مُعَافى إلا المجاهرون (¬1)، وإن من الخيانة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره اللَّه، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر اللَّه عنه". 2688 - وعن صفوان بن مُحْرِز: أن رجلًا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في النجوى؟ قال: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كَنَفَهُ عليه فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا؟ فيقول: نعم، فيقرره (¬2)، ثم يقول: إني ¬
20 - باب لا هجرة بعد ثلاث، إلا أن يكون الهجران لأجل معصية، فلا يحل أن يرفع حتى يتوب العاصي
سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفر لك اليوم". * * * (20) باب لا هجرة بعد ثلاث، إلا أن يكون الهجران لأجل معصية، فلا يحل أن يرفع حتى يتوب العاصي 2689 - عن عوف بن الطفيل -وهو ابن أخي عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمها- أن عائشة حُدِّثَتْ أن عبد اللَّه بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: واللَّه لتنتهين عائشة، أو لأَحْجُرَنَّ عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو للَّه عليّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدًا. فاستشفع ابن الزبير لها (¬1) حين طالت الهجرة. فقالت: لا واللَّه لا أشفع فيه أبدًا، ولا أحنث (¬2) في نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلَّم المِسْوَر بن مَخْرَمَة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث -وهما من بني زُهْرَة- وقال لهما: أَنْشُدُكما باللَّه لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المِسْوَر بن مخرمة وعبد الرحمن مشتملَيْن بأَرْدِيَتِهِمَا حتى استأذنا ¬
21 - باب التزاور وتكراره
على عائشة، فقالا: السلام عليكِ ورحمة اللَّه وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم. ولا تعلم أن معنا (¬1) ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة فَطَفِق (¬2) يناشدها ويبكي، وطفق المِسْوَرُ وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمت (¬3) وقبلت منه، ويقولان: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عما قد عملت من الهجرة، وأن (¬4) لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تُذَكِّرُهما وتبكي وتقول: إني نذرت، والنذر شديد. فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك وتبكي (¬5) حتى تبلَّ دموعها خمارها. * * * (21) باب التزاور وتكراره 2690 - عن عائشة قالت: لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدِّين، ¬
22 - باب الإخاء في الله تعالى، والحلف الشرعي
ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طَرَفَي النهار، بُكْرَةً وعشيًّا، فبينا (¬1) نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قال: "إني أُذِنَ (¬2) لي في الخروج". 2691 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زار أهل بيت من الأنصار، فَطَعِمَ عندهم طعامًا، فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت فَنُضحَ له على بساط، فصلى عليه ودعا لهم. * * * (22) باب الإخاء في اللَّه تعالى، والحِلْف الشرعي وقال أبو جُحَيْفَةَ: آخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء. وقال عبد الرحمن بن عوف: لما قدم المدينة آخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيني وبين سعد بن الربيع. ¬
23 - باب الحض على الصدق والهدي، والنهي عن الكذب
2692 - عن أنس قال: قدم (¬1) علينا عبد الرحمن، فآخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوْلِمْ ولو بشاةٍ". 2693 - وعن عاصم قال: قلت لأنس بن مالك: أَبَلَغَكَ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا حلف في الإسلام؟ " فقال: قد حالف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين قريش والأنصار (¬2). * * * (23) باب الحض على الصدق والهدي، والنهي عن الكذب وقول اللَّه عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. 2694 - عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الصدق ¬
يهدي إلى البِرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصْدُقَ حتى يكون صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند اللَّه كذَّابًا". 2695 - وعن سَمُرَة بن جُنْدُبٍ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيت الليلة (¬1) رجلين أتياني قالا: الذي رأيته يُشَقُّ شِدْقُهُ فكذاب يكذب بالكَذْبَةِ فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيُصنع به إلى يوم القيامة". 2696 - وعن حذيفة قال: إن أشبه الناس دَلًّا وسَمْتًا وهَدْيًا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لابنُ أم عبد، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، لا يُدْرَى ما يَصْنعُ في أهله إذا خلا. 2697 - وعن عبد اللَّه قال: إن أحسن الحديث كتاب اللَّه، وإن (¬2) أحسن الهدي هديُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬
24 - باب الصبر على الأذى، وترك المواجهة بالعتاب
(24) باب الصبر على الأذى، وترك المواجهة بالعتاب 2698 - عن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس أحدٌ -أو قال: ليس شيءٌ (¬1) - أصبر على أذَّىَ سمعه من اللَّه، إنهم لَيَدْعُون له ولدًا، وإنه يعافيهم (¬2) ويرزقهم". 2699 - وعن عبد اللَّه قال: قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا (¬3) كبعض ما كان يقسم، فقال رجل من الأنصار: واللَّه إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، قلت: أما لأقولن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته وهو في أصحابه فساررته، فشق ذلك على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتغيَّر وجهه، وغضب، حتى وَدِدْتُ أني (¬4) لم أكن أخبرته، ثم قال: "لقد أُوذِيَ موسى بأكثر من هذا (¬5) فصبر". ¬
25 - باب إثم من كفر أخاه المسلم بغير تأويل، ومن لم ير إكفار من قال ذلك متأولا
2700 - وعن عائشة قالت: صنع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا فترخص فيه، فَتَنَزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخطب فحمد اللَّه ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فواللَّه إني لأعلمهم باللَّه، وأشدُّهم له خشية". * * * (25) باب إثم من كفَّر أخاه المسلم بغير تأويل، ومن لم يَرَ إكفار من قال ذلك متأوِّلًا 2701 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما". ومثله عن ابن عمر (¬1). ¬
باب ما يجوز في الغضب في الله، وما يحذر من الغضب لغير ذلك
ومن حديث حاطب بن أبي بَلْتَعَة (¬1): حين قال له عمر: إنه نافق. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما يدريك، لَعَلَّ اللَّه اطَّلَعَ على (¬2) أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم (¬3) ". * * * باب ما يجوز في الغضب في اللَّه، وما يحذر من الغضب لغير ذلك قد تقدم من حديث عائشة (¬4): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رأى القِرَام الذي فيه الصور غضب حتى تَلَوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه. ومن حديث أبي مسعود (¬5): حين طوَّل معاذ الصلاة على قومه، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غضب عليه حتى قال أبو مسعود: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ. ومن حديث عبد اللَّه (¬6): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى في قبلة المسجد نُخَامَةً فحكَّها ¬
26 - باب في الحياء، وذم من لا يستحيي
بيده فتغيَّظَ. ونحو هذا كثير في وقائع تكررت. 2702 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". 2703 - وعنه: أن رجلًا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أوصني، قال: "لا تغضب" فَرَدَّ (¬1) مرارًا، قال: "لا تغضب". * * * (26) باب في الحياء، وذم من لا يستحيي 2704 - عن عمران بن حُصَيْن قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحياء لا يأتي ¬
إلا بخير"، فقال بُشَيْر بن كعب: مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقارًا، وإن من الحيتاء سكينة، فقال له عمران بن حصين (¬1): أحدثك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتحدثني عن صحيفتك؟ . وقد تقدم من حديث أبي سعيد الخدري (¬2): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أشد حياءً من العذراء في خِدْرِهَا. 2705 - وعن عبد اللَّه بن عمر: مر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على رجل وهو يعاتِبُ (¬3) في الحياء يقول: إنك تستحيي (¬4)، حتى كأنه يقول: قد أَضَرَّ بِكَ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعه؛ فإن الحياء من الإيمان". 2706 - وعن أبي مسعود قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". وقد تقدم قول أم سُلَيْم (¬5): إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة ¬
27 - باب الأمر بالتيسير على الناس، وترك التعسير عليهم
من غسل إذا احتلمت؟ 2707 - وعن أنس قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تعرض عليه نفسها، فقالت: هل لك فيَّ حاجة؟ (¬1) فقالت ابنته: ما أقلَّ حياءها، فقال: "هي خير منك، عرضت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسها". * * * (27) باب الأمر بالتيسير على الناس، وترك التعسير عليهم 2708 - عن أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّروا، وسَكِّنُوا ولا تنفِّروا". 2709 - وعن عائشة قالت: ما خُيِّرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم ¬
28 - باب الانبساط إلى الناس ومداراتهم ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه في شيء (¬1) إلا أن تنتهك حُرمة اللَّه فينتقم للَّه (¬2) بها. * * * (28) باب الانبساط إلى الناس ومداراتهم ولا يلدغ المؤمن من جُحْر مرتين 2710 - وعن أنس بن مالك قال: إنْ كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَيْرُ؟ ". 2711 - وعن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل يَنْقَمِعْنَ منه، فَيُسَرِّبُهن إليَّ فيلعبن معي. وقد تقدم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من حديث عائشة (¬3): "إن شَرَّ الناس منزلةً عند اللَّه من تركه الناس اتقاء فحشه". ¬
29 - باب الضيافة وإكرام الضيف، وقوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: "وإن لزورك عليك حقا"
وقوله لمَخْرَمَةَ (¬1): "خَبَّأْتُ هذا لك، خبأت هذا لك"، وهو يريه محاسن القباء. 2712 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يُلْدَغ المؤمن من جُحْرٍ واحد مرتين". وقال معاوية (¬2): لا حِلْمَ إلا لذي تجربة (¬3). * * * (29) باب الضيافة وإكرام الضيف، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] وقوله في حديث عبد اللَّه بن عمرو (¬4): "وإن لزَوْرِكَ عليك حقًّا" 2713 - عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي شريح الكعبي: أن ¬
30 - باب لا ينبغي للضيف أن يكلف المضيف الحضور معه للأكل
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يومٌ وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يَثْوِيَ عنده حتى يحرجه". 2714 - وعن عقبة بن عامر أنه قال: قلنا: يا رسول اللَّه! إنك تبعثنا فننزل بقَوْم فلا يقروننا فما ترى (¬1)؟ فقال (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم". * * * (30) باب لا ينبغي للضيف أن يكلف المضيف الحضور معه للأكل 2715 - عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: جاء أبو بكر بضيف له ¬
-أو أضياف له- فأمسى عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما جاء قالت له (¬1) أمي: احتبست عن ضيفك -أو أضيافك- الليلة، قال: ما عشيتيهم؟ (¬2) فقالت: عرضنا عليهم (¬3) فأبوا. فغضب أبو بكر، فسبَّ وجدَّع وحلف لا يَطْعَمُه، فاختبأت أنا، فقال: يا غُنْثَر! فحلفت المرأة لا تَطْعَمُه حتى يَطْعَمَه، فحلف الضيف أو الضيفان لا يَطْعَمَهُ حتى يَطْعَمُوه (¬4)، فقال أبو بكر: كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام فأكل فأكلوا (¬5)، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا رَبَتْ (¬6) من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقُرَّةُ عيني إنها الآن لأكثر قبل أن نأكل. فأكلوا، وبعث بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر أنه أكل منها. قوله: "يا غُنْثَر": الرواية الصحيحة فيه بالغين المعجمة؛ بفتحها وضمها، وذكر عن الخطابي: بالعين المهملة المفتوحة، وبالتاء باثنتين من فوقها، وفسَّره بالذباب الأزرق الأخضر. والصحيح الأول، قال عياض: ومعناه: يا لئيم، يا دنيء، تحقيرًا له، وتشبيهًا بالذباب. وقيل: معناه: يا جاهل. ومنه قول ¬
31 - باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء، وما يكره من أن يكون الغالب على الإنسان الشعر، وقوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون} [الشعراء: 224] إلى آخر السورة
عثمان: هؤلاء رعاعٌ غُنْثَر؛ أي: جهلة. * * * (31) باب ما يجوز من الشعر والرَّجَز والحُدَاء، وما يكره من أن يكون الغالب على الإنسان الشعر، وقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] إلى آخر السورة قال ابن عباس: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225]: في كل لغوٍ يخوضون. 2716 - عن أبيّ بن كعب: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن من الشعر حكمة". 2717 - وعن جُنْدَب قال: بينما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمشي إذ أصابه حَجَرٌ، فعثر فَدَمِيَتْ أصبعه، فقال: "هل أنت إلا إصْبَعٌ دَمِيتِ وفي سبيل اللَّه ما لقيت". 2718 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصدقُ كلمة قالها الشاعر _______ 2716 - خ (4/ 118)، (78) كتاب الأدب، (90) باب ما يجوز من الشعر والرَّجز والحداء وما يكره منه وقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ] إلى قوله: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، من طريق مروان بن الحكم، عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، عن أُبَيّ بن كعب به، رقم (6145). 2717 - خ (4/ 118)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق سفيان، عن الأسود ابن قيس، عن جندب به، رقم (6146). 2718 - خ (4/ 118)، في الموضع السابق، من طريق ابن مهدي، عن سفيان، عن عبد الملك، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، رقم (6147).
كلمة لبيد: أَلَا كُلُّ شيء ما خَلا اللَّه باطلُ، وكاد أُمَيَّة بن أبي الصلت أن يُسْلِم". 2719 - وعن أنس بن مالك قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على بعض نسائه ومعهن أم سُلَيْم، فقال: "ويحك يا أَنْجَشَةُ! رُويدَكَ سَوْقَكَ (¬1) بالقوارير". قال أبو قلابة: فتكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعِبْتُمُوهَا عليه، قوله: "سَوْقَكَ بالقوارير". 2720 - وعن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لأَنْ يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يَرِيَهُ (¬2) خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا". ونحوه عن أبي هريرة (¬3). وقوله: "يريه"؛ أي: يغسل جوفه، وهو من وَرَى يَرِي، كـ: وَعَدَ يَعِدُ. ¬
32 - باب تأييد من مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وهجى المشركين مناضلة عنه -صلى الله عليه وسلم-
و"رويدك سَوْقَكَ": رِفْقَكَ. * * * (32) باب تأييد من مدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهجى المشركين مناضلةً عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- 2721 - عن عائشة قالت: استأذن حسان بن ثابت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هجاء المشركين، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فكيف بنسبي؟ " فقال حسان: لأَسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشَّعْرة من العجين. 2722 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع حسان ابن ثابت الأنصاري يَستشهِدُ أبا هريرة، فيقول: يا أبا هريرة! نشًدْتُكَ اللَّه هل سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يا حسان! أجب عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، اللهم أيِّده بروح القُدُسِ" قال أبو هريرة: نعم. 2723 - وعن البراء: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لحسان: "اهجهم وهاجهم (¬1)، وجبريل معك". ¬
33 - باب كلمات تجري على الألسنة لا يراد بها حالة الإطلاق ما وضعت له في أصلها
2724 - وعن الهيثم بن أبي سنان: أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكُرُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أخًا لكم لا يقول الرفث -يعني بذلك ابن رَوَاحَةَ- قال: وفينا رسولُ اللَّه يَتْلُو كتابَه ... إذا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ من الفجر سَاطِعُ أرانا الهُدَى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنَاتٌ أن ما قال واقع يَبِيْتُ يُجَافي جَنْبَهُ عن فِراشِه ... إذا اسْتَثْقَلَت بالكافرين المَضَاجِعُ * * * (33) باب كلمات تجري على الألسنة لا يراد بها حالة الإطلاق ما وُضِعَتْ له في أصلها فمن ذلك قوله عليه السلام لعائشة: "تربت يمينك" ولصفية: "عَقْرَى حَلْقَى"، وقوله لسائق البدنة: "اركبها، ويلك". وقوله للمادح: "ويلك، قطعت عنق أخيك"، وقوله للذي وقع على امرأته في نهار رمضان: "ويحك"، وقوله للذي سأله عن الهجرة: "ويحك، إن شأنها شديد"، وقوله: "ويلكم -أو ويحكم- لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا"، وقوله للذي سأله عن الساعة: "ويلك، ما أعددت لها؟ " تكررت هذه الأحاديث (¬1). * * * ¬
34 - باب علامة الحب في الله، وقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]
(34) باب علامة الحب في اللَّه، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] 2725 - وعن عبد اللَّه بن مسعود: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولَمَّا يلحق بهم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المرء مع من أحبَّ". * * * (35) باب قول الرجل مرحبًا، وفداك أبي وأمي، وجعلني اللَّه فداءك قالت عائشة: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لفاطمة: "مرحبًا بابنتي"، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "مرحبًا بأم هانئ"، ولوفد عبد القيس: "مرحبًا بالوفد" (¬2). 2726 - وعن عليٍّ قال: ما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْدِي أحدًا غير سعد، ¬
36 - باب قوله عليه السلام: "تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي"
سمعته يقول: "ارم، فداك أبي وأمي"، أظنه يوم أُحُد. 2727 - وقال أبو طلحة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين عثرت به وبصفية الناقة فَصُرِعا: يا نبي اللَّه! جعلني اللَّه فداءك، هل أصابك من شيء؟ قال: "لا". * * * (36) باب قوله عليه السلام: "تَسَمَّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي" 2728 - عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَسَمَّوْا باسمي ولا تَكَنَّوا بِكُنْيَتِي". 2729 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: وُلِدَ لرجل منا غلام فأسماه (¬1) ¬
37 - باب تحويل الاسم بما هو أحسن منه
القاسم، فقلنا (¬1): لا نكنيك بأبي القاسم، ولا نُنْعِمُكَ عينًا. فأتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: "اسْمُ ابنك (¬2) عبد الرحمن". * * * (37) باب تحويل الاسم بما هو أحسن منه 2730 - عن سعيد بن المسيَّب، عن أبيه: أن أباه جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ما اسمك؟ " قال: حَزْنٌ، قال: "أنت سهل" قال: لا أغيِّر اسمًا سَمَّانِيهِ أبي. قال ابن المسيَّب: فما زالت الحُزُونة فينا بعد. 2731 - وعن سهل -هو ابن سعد- قال: أتي بالمنذر بن أبي أُسَيْد إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ولد، فوضعه على فخذه، وأبو أُسَيْد جالس، فلها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء بين يديه، فأمر أبو أُسَيْد بابنه فاحْتُمِلَ من فخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستفاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أين الصبيُّ؟ " فقال أبو أُسَيْد: أَقْلَبْنَاهُ يا رسول اللَّه. قال: "ما اسمه؟ " قال: فلان، قال: "لكن أسمه المنذر" فسمَّاه يومئذ المنذر. ¬
38 - باب من سمى بأسماء الأنبياء
2732 - وعن أبي هريرة: أن زينب كان اسمها بَرَّة، فقيل: تُزكِّي نفسها، فسماها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: زينب. * * * (38) باب من سَمَّى بأسماء الأنبياء 2733 - عن ابن أبي أوفى -وقيل له: أرأيت (¬1) إبراهيم ابن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: مات صغيرًا، ولو قُضِيَ أن يكون بعد محمد (¬2) نبي، عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده. 2734 - وعن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء لما مات إبراهيم (¬3) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن له مُرْضِعًا في الجنة". ¬
39 - باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه، والكناية بأبي تراب
2735 - وعن أبي موسى قال: وُلِدَ لي غلام، فأتيت به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسماه إبراهيم، فحنّكَهُ بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ، وكان أكبر ولد أبي موسى. * * * (39) باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه، والكناية بأبي تراب عن أبي هريرة (¬1): قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا هِرّ. . . ". 2736 - وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشَ! هذا جبريل يُقْرِئُكِ السلام". 2737 - وقال عليه السلام لأنجشة: "يا أَنْجَشَ! رُويدَك سَوْقَكَ بالقوارير". ¬
40 - باب أبغض الأسماء إلى الله تعالى، وتكنية المشرك
2738 - وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب وهو يمسح التراب عن ظهره: "اجلس يا أبا تراب". * * * (40) باب أبغض الأسماء إلى اللَّه تعالى، وتكنية المشرك 2739 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَخْنَى الأسماء عند اللَّه يوم القيامة (¬1) رجل تَسَمَّى ملك الأملاك". وعنه (¬2) في رواية قال: "أخنعُ الأسماء عند اللَّه (¬3) رجل تسمى ملك الأملاك". قال سفيان: تفسيره: شاهَنْشاه. ¬
2740 - وعن عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركب على حمار عليه قطيفة فَدَكِيَّةٌ، وأسامة وراءه، يعود سعد ابن عُبَادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسار (¬1) حتى إذا مَرَّ (¬2) بمجلس عبد اللَّه بن أُبَيّ ابن سلول -وذلك قبل أن يُسْلم عبد اللَّه بن أُبَيّ- فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد اللَّه بن رَوَاحَة، فلما غشيت المجلس عَجَاجَةُ الدابة خَمَّر ابن أُبَيّ أنفَهُ بردائه وقال: لا تُغَبِّرُوا علينا. فسلَّم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3)، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللَّه، وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد اللَّه بن أُبَيّ (¬4): أيها المرء! لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا، فلا تؤذينا (¬5) به في مجالسنا، فمن جاءك فاقصص عليه. قال عبد اللَّه بن رواحة: بلى يا رسول اللَّه! اغْشَنَا (¬6) في مجالسنا، وإنَّا (¬7) نحب ذلك، فاسْتَبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون، فلم يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُخَفِّضُهُمْ حتى سكتوا، ثم ركب ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيْ سعد! ألم تسمع ما قال أبو حُباب -يريد عبد اللَّه بن أُبَيّ- قال كذا وكذا" فقال سعد بن عبادة: يا رسول اللَّه (¬1)! بأبي أنت اعفُ عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللَّه بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرَةِ (¬2) على أن يُتَوِّجُوهُ، ويُعَصِّبوه بعصابة، فلما ردَّ اللَّه ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك فَعَلَ به ما رأيت. فعفا عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه يَعْفُون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللَّه، ويصبرون على الأذى، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (¬3): {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 186] الآية. وقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَدَّ (¬4) كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109] فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتأوَّل في العفو عنهم ما أمره اللَّه (¬5)، حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدرًا، فقتل اللَّه بها مَن قتل من صناديد الكفار وسادة قريش، وقفل (¬6) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه منصورين غانمين، معهم أُسَارى من صناديد الكفار وسادة قريش، قال ابنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ ومَن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد تَوَجَّه، فَبَايِعُوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
41 - باب النكت في الأرض وفي الماء والطين
فَبَايَعُوا (¬1) على الإسلام فأسلَموا. * * * (41) باب النَّكْت في الأرض وفي الماء والطين 2741 - عن أبي موسى: أنه كان مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حائط من حوائط (¬2) المدينة، وفي يد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عود يضرب به بين الماء والطين، فجاء رجل يستفتح، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "افتح (¬3)، وبَشِّرهُ بالجنة"، فذهبت فإذا أبو بكر، ففتحت له وبَشَّرْتُهُ. ثم استفتح رجل آخر، فقال: "افتح له، وبَشِّرْه بالجنة"، فإذا عمر، ففتحت له وبَشَّرْتُهُ بالجنة، ثم استفتح رجل آخر -وكان متكئًا فجلس- فقال: "افتح له، وبشره (¬4) بالجنة على بلوى تصيبه، أو تكون" فذهبت فإذا عثمان، فقمت (¬5) ففتحت له، وبشرته بالجنة، وأخبرته (¬6) بالذي قال، ¬
42 - باب العطاس والتثاؤب
فقال: اللَّه المستعان. 2742 - وعن علي قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنازة، فجعل ينكت في الأرض بعُودٍ وقال (¬1): "ليس منكم من أحدٍ إلا وقد فُرِغَ من مقعده من الجنة والنار" قالوا (¬2): نَتَّكِلُ؟ قال: "اعملوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية [الليل: 5] ". * * * (42) باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُب 2743 - عن أنس قال: عطس رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشَمَّتَ أحدهما ولم يشمِّت الآخر، فقيل له، فقال: "هذا حَمِدَ اللَّه، وهذا لم يَحْمَد اللَّه". 2744 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه يحب العطاس ¬
ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد اللَّه فحق على كل مسلم سمعه أن يُشَمِّتَه، وأما التئاؤبُ فإنما هو من الشيطان، فليردّه ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان". 2745 - وعنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا عَطَسَ أحدكم فليقل: الحمد للَّه، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك اللَّه، فإذا قال: يرحمك اللَّه، فليقل: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم". * * * _______ = وما يكره من الثثاؤب، من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة به، رقم (6223). 2745 - خ (4/ 133)، (78) كتاب الأدب، (126) باب إذا عطس كيف يشمت؟ من طريق عبد اللَّه بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، رقم (6224).
55 - كتاب الإستئذان
(55) كتاب الإستئذان
1 - باب مبدأ السلام
(55) كتاب الإستئذان (1) باب مبدأ السلام 2746 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خلق اللَّه آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه اللَّه (¬1)، قال: اذهب فسلِّم على أولئك -نفرٍ من الملائكة جلوس- فاستَمِعْ ما يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللَّه، فزادوه: ورحمة اللَّه، فكل من يدخل -يعني: الجنة- على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن". * * * ¬
2 - باب في قوله تعالى: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم} إلى قوله: {وما تكتمون} [النور: 27 - 29]
(2) باب في قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} إلى قوله: {وَمَا تَكْتُمُونَ} [النور: 27 - 29] وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العَجَم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك. وقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وقال قتادة: عما لا يحل لهم، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] خائنة الأعين: النظر إلى ما نهى عنه. وقال الزهري في النظر إلى التي لم تخطب من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهنَّ ممن يشتهي النظر إليه وإن كانت صغيرة. وكره عطاء النظر إلى الجواري اللائي يُبَعْنَ بمكة، إلا أن يريد أن يشتري (¬1). 2747 - وعن عبد اللَّه بن عباس قال: أردف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الفضل ابن عباس يوم النحر خلفه على عَجُزِ راحلته، وكان الفضل رجلًا وضيئًا، فوقف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خَثْعَم (¬2) تستفتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
3 - باب تسليم الراكب على الماشي، والقليل على الكثير
فطفق الفضل ينظر إليها وتنظر إليه -أعجبه حُسْنُها- فالتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعَدَلَ وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول اللَّه! إن فريضة اللَّه في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: "نعم". * * * (3) باب تسليم الراكب على الماشي، والقليل على الكثير 2748 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يسلِّم الصغير على الكبير، والمارُّ على القاعد، والقليلُ على الكثير". وفي رواية (¬1): "يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". * * * ¬
4 - باب التسليم والاستئذان ثلاثا
(4) باب التسليم والاستئذان ثلاثًا قد تقدم في كتاب العلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسلم ثلاثًا (¬1). 2749 - وعن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنتُ على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت، قال (¬2): ما منعك؛ قلت: استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن فرجعت، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع"، فقال: واللَّه لتقيمنَّ عليه بيِّنةً، أمنكم أحد سمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال أُبَيّ بن كعب: واللَّه لا يقوم معك إلا أصغر القوم، وكنت (¬3) أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرتُ عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك. * * * ¬
5 - باب التسليم على الصبيان، وتسليم الرجال على النساء في غير ريبة
(5) باب التسليم على الصبيان، وتسليم الرجال على النساء في غير رِيبَةٍ قد تقدم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسلِّم على الصبيان (¬1). 2750 - وعن سهل بن سعد قال: كنا نفرح بيوم الجمعة (¬2)، قلت (¬3): ولِمَ؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بُضَاعة -قال ابن مسلمة: نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السِّلْق فتطرحه في قِدْرٍ، وتُكَرْكر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلِّم عليها فتقدمه إلينا، فنفرح من أجله، وما كنا نَقِيلُ ولا نتغذى إلا بعد الجمعة. * * * (6) باب كراهية قول المستأذن: أنا، وكيف يُبَلَّغُ سلام الغائب 2751 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: أتيتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في دَيْنٍ كان على ¬
7 - باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى سيدكم" والمصافحة والأخذ باليد
أبي، فدققت الباب، فقال: "مَنْ ذا؟ " فقلت: أنا. فقال: "أنا، أنا" كأنه كرهها. 2752 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة حدثته، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "إن جبريل يقرأ عليك السلام" قالت: وعليه السلام ورحمة اللَّه. * * * (7) باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قوموا إلى سيدكم" والمصافحة والأخذ باليد عن أبي سعيد: أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه فجاء فقال: "قوموا إلى سيدكم" أو: "قال: خيركم" وذكر الحديث، وقد تقدم (¬1). وقال كعب بن مالك (¬2): دخلت المسجد، فإذا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام إليَّ طلحة بن عُبيد اللَّه يُهَرْوِلُ حتى صافحني وهنَّأني. ¬
8 - باب قول الرجل: كيف أصبحت؟ ولا يقم الرجل من مجلسه
2753 - وعن عبد اللَّه بن هشام قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو آخذٌ بيد عمر (¬1). 2754 - وعن قتادة: قلت لأنس بن مالك (¬2): أكانت المصافحة في أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم. * * * (8) باب قول الرجل: كيف أصبحت؟ ولا يُقِمْ الرجل من مجلسه عن ابن عباس: أن عليَّ بن أبي طالب خرج من عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: أصبح بحمد اللَّه بارئًا. . .، الحديث، وقد تقدم (¬3). 2755 - وعن ابن عمر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: . . . . ¬
9 - باب اتخاذ الوسادة والسواك
"لا يُقِمِ (¬1) الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه". وفي رواية (¬2): "ولكن تفسَّحوا وتوسَّعُوا". * * * (9) باب اتخاذ الوسادة والسواك 2756 - عن إبراهيم قال: ذهب علقمة إلى الشام، فأتى المسجدَ فصلى ركعتين، فقال: اللهم ارزقني جليسًا، فقعد إلى أبي الدرداء فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة، فقال (¬3): أليس فيكم صاحب السِّرِّ الذي (¬4) لا يعلمه غيره؟ يعني: حذيفة، أليس فيكم -أو: كان فيكم- الذي أجاره اللَّه على لسان رسوله (¬5) من الشيطان؟ -يعني: عَمَّارًا- أَوَلَيْسَ فيكم صاحب السواك والوساد؟ ¬
10 - باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، وكتمان السر، وقوله تعالى: {إذا تناجيتم} الآية [المجادلة: 9]
-يعني: ابن مسعود- كيف كان عبد اللَّه يقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} قال: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَ}. فقال: مازال هؤلاء حتى كادوا يشكِّكونني، لقد سمعتها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * (10) باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، وكتمان السِّرِّ، وقوله تعالى: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} الآية [المجادلة: 9] 2757 - عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث". 2758 - وعن عبد اللَّه بن مسعود: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى الرجلان (¬1) دون الآخر حتى يختلطوا بالناس؛ من (¬2) أجل أن يحزنه". 2759 - وعن أنس قال: أقيمت الصلاة ورجلٌ يناجي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما ¬
11 - باب لا تترك النار في البيوت عند النوم
زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قام فصلى. 2760 - وعنه قال: أَسَرَّ إليَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سِرًّا، فما أخبرت به أحدًا بعده، ولقد سألتني أم سُلَيْم فما أخبرتُها به. * * * (11) باب لا تُتْرَك النار في البيوت عند النوم 2761 - عن سالم، عن أبيه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون". 2762 - وعن أبي موسى قال: احترق بيت في المدينة على أهله من الليل، فحُدِّثَ بشأنهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "إن هذه النار إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم". _______ = {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}، من طريق شعبة، عن عبد العزيز، عن أنس به، رقم (6292)، وفيه: "يناجي رسول اللَّه". 2760 - خ (4/ 149 - 150)، (79) كتاب الاستئذان، (46) باب حفظ السّرِّ، من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس بن مالك به، رقم (6289). 2761 - خ (4/ 150)، (79) كتاب الاستئذان، (49) باب لا تترك النار في البيت عند النوم، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه به، رقم (6293). 2762 - خ (4/ 150)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق أبي أسامة، عن بريد ابن عبد اللَّه، عن أبي بردة، عن أبي موسى به، رقم (6294).
12 - باب الختان ولو بعد الكبر، ونتف الإبط
2763 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمِّرُوا الآنية، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفُويسقة (¬1) ربما جَرَّتِ الفتيلة فأحرقت أهل البيت". وفي رواية (¬2): "خمِّروا الطعام والشراب ولو بعُودٍ". * * * (12) باب الخِتَانِ ولو بعد الكِبَر، ونتف الإبط 2764 - عن أبي هريرة قال (¬3): الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار. 2765 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة، ¬
13 - باب ما جاء في كراهة تطويل البناء والزيادة فيه على الحاجة
واختتن بالقَدُوم". مخففة (¬1)، وهو موضع. 2766 - وعن سعيد بن جبير قال: سُئِلَ ابن عباس: مِثْلُ مَنْ أنت حين قُبِضَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أنا يومئذ مختون -وفي رواية (¬2): وأنا ختين- قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك. * * * (13) باب ما جاء في كراهة تطويل البناء والزيادة فيه على الحاجة وقد تقدم أن من أشراط الساعة أن يتطاول رُعَاة البَهْمِ في البنيان (¬3). 2767 - وعن ابن عمر قال: رأيتني مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بنيت بيدي بيتًا يُكِنُّني ¬
من المطر، ويظلني من الشمس، ما أعانني عليه أحد من خلق اللَّه تعالى (¬1). 2768 - وقال ابن عمر: ما وضعتُ (¬2) لَبِنَةً على لبنة، ولا غَرَسْتُ نخلة منذ قبض رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال سفيان: فذكرته لبعض أهله، قال: واللَّه لقد بنى (¬4). قال سُفْيَان. قلت: فلعله قال قبل أن يبني. * * * ¬
خدمة السنة النبوية سلسلة مؤلفات الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب (1) اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه تأليف الإمام أبي العباس القرطبي ضياء الدين أحمد بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المولود بالأندلس سنة 578 هـ والمتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ - رحمه الله تعالى - تحقيق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب [المجلد الخامس]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة سلسلة مؤلفات الْأُسْتَاذ الدكتور رفعت فوزي عبد الْمطلب (1) اخْتِصَار صَحِيح البُخَارِيّ وَبَيَان غَرِيبه [5]
دار النوادر المؤسس والمالك نور الدين طالب مؤسسة ثقافية علمية تُعنى بالتراث العربي والإسلامي والدارسات الأكاديمية والجامعية المتخصصة بالعلوم الشرعية واللغوية والإنسانية تأسست في دمشق سنة 1422 هـ - 2002 م، وأشهرت سنة 1426 هـ - 2006 م. سوريا - دمشق - الحلبوني ص. ب: 34306 الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م E-mail: [email protected] Website: www.daralnawader.com
56 - كتاب الدعوات والأذكار
(56) كتاب الدعوات والأذكار
(56) كتاب الدعوات والأذكار وقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] 2769 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لكل نبيٍّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة". ونحوه عن أنس (¬1). 2770 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ينزلُ ربُّنا (¬2) كلَّ ليلة ¬
1 - باب ملازمة الاستغفار وفضله
إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول (¬1): من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفرَ له". * * * (1) باب ملازمة الاستغفار وفضله 2771 - عن أبي هريرة: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "واللَّه، إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة". 2772 - وعن شداد بن أوس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها من النهار ¬
2 - باب النوم على طهارة، وما يقول عنده، ووضع اليد تحت الخد
مُوقِنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن (¬1) فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة". * * * (2) باب النوم على طهارة، وما يقول عنده، ووضع اليد تحت الخَدِّ 2773 - عن البراء بن عازب قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتيت ضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبةً ورغبةً (¬2) إليك، لا ملجأ ولا مَنْجى (¬3) إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مُتَّ مُتَّ على الفطرة، واجعلْهنَّ آخر ما تقول"، فقلت -أَستذكرهنَّ-: وبرسولك الذي أرسلت. قال: "لا. وبنبيك الذي أرسلت". 2774 - وعن حذيفة قال: . . . . ¬
3 - باب الدعاء إذا انتبه من الليل
كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أخذ مضجعه (¬1)، وضع يده تحت خده ثم يقول: "اللهم باسمك أموت وأحيا"، وإذا استيقظ قال: "الحمد للَّه الذي أَحْيَانا بعدما أماتنا وإليه النشور". * * * (3) باب الدعاء إذا انتبه من الليل 2775 - وعن ابن عباس قال: بِتُّ عند ميمونة، فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتى حاجته، فغسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القِرْبَةَ، فأطلق شِنَاقَها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، لم يكثر وقد أبلغ، فصلى، فتمطيت (¬2) كراهية أن يرى أن أرقبه (¬3)، فتوضأت، فقام يصلي فقمت عن يساره، فأخذ بأُذُني فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاته ثلاثة عشر (¬4) ركعة، ثم اضطجع فنام حتى ¬
4 - باب ما يقول إذا أصبح، والدعاء في الصلاة
نَفَخَ، وكان إذا نام نفخ، فَآذَنَهُ بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ، وكان يقول في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا (¬1)، وتحتي نورًا، وأمامي نُورًا، وخَلْفِي نورًا، واجعل لي نورًا" قال كُرَيْب: وسبع في التابوت - فلقيت رجلًا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر: عَصَبِي، ولحمي، ودمي، وشَعْرِي، وبَشَري، وذكر خصلتين. * تنبيه: يعني في التابوت: الجسد. وذكر خمسًا وسكت عن خصلتين، ذكرهما مسلمٌ وهما: اللسان والنفس. واللَّه أعلم. وقال أبو الفرج الجوزي: إنه يعني بالتابوت: الصندوق، أي هذه السبع مكتوبة عنده في الصندوق، أي: لم يحفظها في ذلك الوقت، وهي عنده في الصندوق. وفيه بُعْدٌ، والأول أَوْلَى. وهذه الأنوار المعنية هنا، هي -واللَّه أعلم- الهداية الشاملة لهذه الأركان والأعضاء، والسداد بالتوفيق والعلم، واللَّه أعلم. * * * (4) باب ما يقول إذا أصبح، والدعاء في الصَّلاة قد تقدم حديث شداد (¬2) وحديث حُذَيْفَة (¬3). ¬
5 - باب ما يكره من السجع في الدعاء
2776 - وعن أبي بكر الصديق: أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم". * * * (5) باب ما يُكْره من السجع في الدعاء 2777 - عن ابن عباس قال لعكرمة: حَدِّثِ الناسَ كل جمعة مرة، فإن أَبَيْتَ فمرتين، فإن اكثرت فثلاث مرات، ولا تُمِلَّ الناسَ هذا القرآن، ولا أُلْفِيَنَّك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقصَّ عليهم فتقطع عليهم حديثهم، وانظر السجع (¬1) في الدعاء فاجتنبه؛ فإني عهدت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون ذلك (¬2). * * * ¬
6 - باب ليعزم المسألة ولا يستعجل، ويرفع يديه
(6) باب ليعزم المسألة ولا يستعجل، ويرفع يديه 2778 - وعن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت؛ فإنه لا مُسْتَكْرِهَ له" (¬1). 2779 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مُكْرِهَ له". 2780 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، فيقول (¬2): دعوت فلم يُسْتَجَبْ لي". وقال أبو موسى: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه. ¬
7 - باب الدعاء عند الكرب، والتعوذ من جهد البلاء
وقال ابن عمر (¬1): رفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". 2781 - وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: رفع يديه حتى رأيتُ بياض إبطيه. * * * (7) باب الدعاء عند الكرب، والتعوذ من جَهْد البَلَاءِ 2782 - وعن ابن عباس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو عند الكرب: "لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه ربُّ السموات والأرض رب العرش العظيم". وفي رواية (¬2): "لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رب ¬
8 - باب النهي عن الدعاء بالموت
العرش العظيم، لا إله إلا اللَّه رب السموات والأرض رب العرش الكريم (¬1) ". 2783 - وعن أبي هريرة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعوَّذ من جَهْد البلاء (¬2)، ودَرَكِ الشقاء، وسوء القضاء (¬3)، وشماتة الأعداء"، قال سفيان: الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن هي؟ * * * (8) باب النهي عن الدعاء بالموت 2784 - عن قيس أنه قال: أتيت خَبَّابًا -وقد اكتوى سبعًا في بطنه- فسمعته يقول: لولا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. ¬
9 - باب الدعاء للصبيان، ومسح رؤوسهم
2785 - وعن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدٌ (¬1) منكم الموت لضُرٍّ نزل به، فإن كان لابد متمنيًا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتَوَفَّنِي إذا كانت الوفاة خيرًا لي". * * * (9) باب الدعاء للصبيان، ومسح رؤوسهم وقال أبو موسى (¬2): ولد لي، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبركة. وقد تقدم حديث (¬3) السائب بن يزيد. 2786 - وعن أبي عقيل: أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام من السوق -أو إلى السوق- فيشتري الطعام، فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان: أَشْرِكْنَا، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد دعا لك بالبركة. . . . . ¬
10 - باب التعوذ من الفتن والشدائد والحزن
فَيُشْرِكُهم (¬1)، فربما أصاب الراحلة كما هي، فيبعث بها إلى المنزل. وقد تقدم قول عائشة (¬2): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم ويُحَنّكهم. * * * (10) باب التعوذ من الفتن والشدائد والحزن 2787 - عن أنس قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أَحْفَوْه المسألة فغضب، فصعِدَ المنبر فقال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم"، فجعلت أنظر يمينًا وشمالًا، فإذا كل رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي، فإذا رجل كان إذا لَاحَى الرجال يُدْعَى إلى غير أبيه (¬3)، فقال: يا رسول اللَّه! مَنْ أَبِي؟ قال: "أبوك حُذَافَة (¬4) "، ثم أنشأ عمر فقال: رضينا باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد (¬5) رسولًا، نعوذ باللَّه من الفتن. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما رأيتُ في ¬
الخير والشر كاليوم قط، صُوِّر لي (¬1) الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط". وعنه قال: كنت أخدُم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلما نزل، فكنت أسمعه كثيرًا أن يقول. "اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن، والعجز والكسل، والبخل والجُبْن، وضِلَع الدَّيْن وغلبة الرجال"، وذكر الحديث (¬2). وقد تقدم. 2788 - وعنه قال: كان النبي (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهَرَم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". 2789 - وعن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهَرَم، والمَأْثَم والمَغْرَم، ومن فتنة القبر (¬4)، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغِنَى والفقر (¬5)، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبَرَد، ونَقِّ قلبي من الخطايا كما نقَيْتَ الثوب ¬
11 - باب الدعاء عند الاستخارة
الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب". 2790 - وعن سعد بن أبي وقاص: كان يأمر بهؤلاء الخمس كلمات، ويحدثهنَّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك (¬1) مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العُمُر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر". * * * (11) باب الدعاء عند الاستخارة 2791 - عن جابر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن: "إذا همَّ بالأمر (¬2) فليركع ركعتين (¬3) ثم يقول: اللهم ¬
12 - باب الذكر والدعاء إذا علا عقبة أو هبط واديا
إني أَسْتَخِيرُك بعلمك وأَسْتَقْدِرُكَ بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم هذا (¬1) الأمر خيرًا (¬2) لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدُره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رَضِّنِي به. ويسمِّي حاجته". 2792 - وعن أبي موسى قال: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعُبَيْد أبي عامر"، ورأيت بياض إبطيه، فقال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس". * * * (12) باب الذِّكْر والدعاء إذا علا عَقَبَةً أو هَبَطَ واديًا 2793 - عن أبي موسى قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فكنا إذا ¬
دعونا (¬1) كبَّرنا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْبَعُوا (¬2) على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أَصَمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا"، ثم أتى عليَّ وأنا أقول (¬3): لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فقال: "يا عبد اللَّه بن قيس! قل: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فإنها كنز من كنوز الجنة -أو قال: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ - (¬4) لا حول ولا قوة إلا باللَّه". 2794 - وعن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قَفَلَ من غزو أو حج أو عمرة، يُكَبِّر على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: "لا إله إلا اللَّه، وحده لا شريك له، له المُلْكُ وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون، لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". * * * ¬
13 - باب الدعاء على من يئس من هدايته من الكفار، ولمن رجي منهم ذلك
(13) باب الدعاء على مَنْ يُئِسَ مِنْ هدايته مِنَ الكُفَّار، ولمن رجي منهم ذلك 2795 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قال: "سمع اللَّه من حمده" في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قَنَتَ: "اللهم أَنجِ عيَّاش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أَنج سلمة بن هشام، اللهم أَنْجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشْدُدْ وطأتك على مُضَر، اللهم اجعلها عليهم سنين كَسِنِي يوسف". 2796 - وعن أبي هريرة قال: قدم الطُّفَيْل بن عمرو على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إن دَوْسًا قد عَصَتْ وأَبَتْ، فادعُ اللَّه عليها. فظن الناس أن (¬1) يَدْعُوَ عليهم فقال: "اللهم اهْدِ دَوْسًا، وَائْتِ بهم". * * * ¬
14 - باب التنصل من الذنوب والاستغفار منها، وذكر تفاصيل أنواعها
(14) باب التَّنَصُّل من الذنوب والاستغفار منها، وذكر تفاصيل أنواعها 2797 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ وما أعلنتُ، أنت المُقَدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير". * * * (15) باب فضل التهليل والتسبيح والتحميد 2798 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له المُلْكُ وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مئة مرة، كانت له عَدْلَ عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومُحِيَتْ عنه مئة سيئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمْسِي، _______ 2797 - خ (4/ 171)، (80) كتاب الدعوات، (60) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت"، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي موسى، عن أبيه به، رقم (6398)، طرفه في (6399). 2798 - خ (4/ 172)، (80) كتاب الدعوات، (64) باب فضل التهليل، من طريق مالك، عن سُمَيّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، رقم (6403).
ولم يأت أَحَدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه". 2799 - وعن أبي أيوب: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قال عشرًا (¬1)، كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل". وقد رواه عن ابن مسعود (¬2) قوله. ورواه أيضًا عن أبي أيوب الأنصاري (¬3) قوله. 2800 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قال: سبحان اللَّه وبحمده في يوم مئة مرة، حُطَّتْ عنه خطاياه، وإن كانت مثل زَبَدِ البحر". 2801 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ¬
16 - باب فضل مجالس الذكر، والذاكر
ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان اللَّه العظيم، سبحان اللَّه وبحمده". * * * (16) باب فضل مجالس الذكر، والذاكر 2802 - عن أبي موسى قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر (¬1)، مثل الحيِّ والميت". 2803 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن للَّه ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللَّه تَنَادَوْا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فَيَحُفُونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم (¬2) -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون (¬3): يُسَبِّحُونك، ¬
ويُكَبِّرُونَك، ويَحْمَدُونك، ويُمَجِّدُونك. قال: فيقول: فهل رَأَوْنِي؟ قال: فيقولون: لا، واللَّه ما رَأَوْكَ. فيقول (¬1): كيف لو رَأَوْني. قال: يقولون: لو رَأَوْكَ كانوا أشدَّ لك عبادة، وأشد لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، قال: فيقول: فما يسألونني؟ (¬2) قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، واللَّه يا رب ما رأوها. قال: يقول (¬3): فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حِرْصًا، وأشد لها طلبًا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممَّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: هل رأوها؟ قال: يقولون (¬4): لا واللَّه يا رب، ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم (¬5) رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول مَلَكٌ من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجةٍ. قال: هم الجُلَساء لا يشقى جليسُهم". * * * ¬
17 - باب
(17) باب 2804 - عن أبي هريرة: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اللهم، أَيُّما (¬1) مؤمن سَبَبْتُهُ فاجعل ذلك له قُرْبَةً إليك يوم القيامة". * * * (18) باب فضل حفظ أسماء اللَّه تعالى 2805 - عن أبي هريرة -روايةً- قال: "للَّه تسعة وتسعون اسمًا، مئة إلا ¬
واحدة (¬1)، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وِتْر يحب الوِتْرَ". "لا يحفظها": يعني عددًا وفهمًا. وأحسن ما قيل في قوله: "يحب الوتر": أنه التوحيد؛ أي: أنَّ اللَّه تعالى واحدٌ ويحب أن يُوَحَّد. * * * ¬
57 - كتاب الرقاق
(57) كتاب الرقاق
1 - باب لا عيش إلا عيش الآخرة، وحقارة الدنيا
(57) كتاب الرقاق (1) باب لا عيش إلا عيش الآخرة، وحقارة الدنيا 2806 - وعن سهل بن سعد الساعدي: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالخندق (¬1) وهو يحفر، ونحن ننقل التراب، وبَصُر بنا فقال: اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة ... فاغفر للانصار والمهاجرة 2807 - وعنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "موضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولَغدوة في سبيل اللَّه أو رَوْحة خير ¬
2 - باب الزهد في الدنيا، وقصر الأمل
من الدنيا وما فيها". * * * (2) باب الزهد في الدنيا، وقِصَر الأمل قال اللَّه تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77] وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3]. وقال علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (¬1): ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل. 2808 - وعن ابن عمر قال: أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَنْكِبِي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. 2809 - وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: خط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خطًّا مربعًا، وخطّ ¬
3 - باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه. ونعمتان مغبون فيهما
خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخط خُططًا صغارًا إلى هذا الخط (¬1) في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال (¬2): "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به- وهذا الذي هو خارجٌ أملُه، وهذا الخُطُطُ الصغار الأعراض، فإنْ أخطأه هذا نهَشَه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا". 2810 - وعن أنس قال: خطَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خُطوطًا فقال: "هذا الأمل، وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب". * * * (3) باب من بَلَغ ستين سنة فقد أعذر اللَّه إليه. ونعمتان مغبون فيهما 2811 - عن أبي هريرة: . . . . ¬
عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أعذر اللَّه إلى امرئ أَخَّر أجله حتى بَلَّغَهُ ستين سنة". 2812 - وعنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين، حُبّ الدنيا وطول الأمل". 2813 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب المال وطول العمر". 2814 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". * * * _______ = إليه في العمر، لقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، من طريق مَعْن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة به، رقم (6419). 2812 - خ (4/ 176)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، رقم (6420). 2813 - خ (4/ 177)، في الموضع السابق، من طريق هشام، عن قتادة، عن أنس به، رقم (6421). 2814 - خ (4/ 175)، (81) كتاب الرقاق، (1) باب ما جاء في الرقاق، وأنْ لا عيش إلا عيش الآخرة، من طريق عبد اللَّه بن سعيد هو ابن أبي هند، عن أبيه، عن ابن عباس به، رقم (6412).
4 - باب ما يحذر من زهرة الدنيا، والتنافس فيها
(4) باب ما يُحْذَرُ من زهرة الدنيا، والتنافس فيها 2815 - عن عُقْبَةَ بن عامر: أنَّ (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يومًا فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فَرَطٌ لكم (¬2)، وأنا شهيد عليكم، وإني واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض (¬3)، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف أن (¬4) تنافسوا فيها". 2816 - وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج اللَّه لكم من بركات الأرض"، قيل: ما بركات الأرض؟ (¬5) قال: "زهرة الدنيا"، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت ¬
5 - باب ذم الحرص على الدنيا
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى ظننت أنه يُنْزَلُ عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه. قال (¬1): "أين السائل؟ " قال: أنا. قال أبو سعيد: لقد حمدناه حين طلع ذلك (¬2). قال: "لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خَضِرَةٌ حلوة، وإنَّ كل ما أنبت الربيع يقتل حَبَطًا أو يُلِمُّ، إلا آكلةَ الخَضِرَة، أكلت حتى إذا امتدت خاصِرتاها استقبلت الشمس فاجْتَرتْ وثَلَطَتْ وبالت، ثم عادت فأكلت، وإن هذا المال حلوة، مَنْ أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعْمَ المعونة هو، ومَنْ أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع". الغريب: "الفَرَط": المتقدم إلى الماء، والجمع فراط. و"زهرة الدنيا": زينتها. و"الخير": هنا المال، وقد يقال على مقابل الشر. و"الخَضِرَة": ما يستطاب من الثمر والفواكه. و"الحَبَط": انتفاخ الجوف. و"اجتَزَتْ": أخرجت الجرة فمضغتها. و"ثَلَطَتْ": ألقت الروث. * * * (5) باب ذم الحرص على الدنيا 2817 - عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَعِسَ عَبْدُ ¬
الدينارِ والدرهمِ والقَطِيفَة والخَمِيصَة، إن أُعْطِيَ رَضِيَ، وإن لم يعطَ لم يرضَ". 2818 - وعن ابن عباس قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللَّه على من تاب". قال ابن عباس (¬1): فلا أدري أمِنَ القرآن هو أم لا؟ ونحوه عن أنس (¬2)، غير أنه قال: "وادٍ (¬3) من ذهب". ونحوه عن سهل بن سعد (¬4). ¬
2819 - وعن حكيم بن حِزام قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "إن هذا المال (¬1) خَضِرة حلوة، فمن أخذه بِطِيب نَفْسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه (¬2)، واليد العليا خير من اليد السفلى". 2820 - وعن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيكم مالُ وارثه أَحَبُّ إليه من ماله؟ " قالوا: يا رسول اللَّه! ما منا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه (¬3). قال: "فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أَخَّر". * * * ¬
6 - باب المكثرون هم المقلون وقوله عز وجل: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} الآية [هود: 15]
(6) باب المُكْثرون هم المُقِلُّون وقوله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية [هود: 15] 2821 - عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمشي وحده ليس معه إنسان، فظننت (¬1) أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: "من هذا؟ "، قلت: أبو ذر، جعلني اللَّه فداءك. قال: "يا أبا ذر تعاله" (¬2)، قال: فمشيت معه ساعة، فقال (¬3): "إن المكثرين هم المُقلّون (¬4)، إلا من أعطاه اللَّه خيرًا، فنفخ (¬5) يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرًا"، قال: فمشيت معه، فقال (¬6): "اجلس هاهنا ¬
حتى أرجع إليك"، قال: فانطلق في الحَرَّة حتى لا أراه، فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل يقول: "وإن سرق وإن زنى"، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبى اللَّه! جعلني اللَّه فداءك، مَنْ تُكَلَّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدًا يرجع إليك شيئًا. قال: "ذاك جبريل (¬1)، عَرَضَ لي في جانب الحرة قال: بشِّر أمتك أنه من مات لا يشرك باللَّه شيئًا دخل الجنة. قلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم (وإن سرق وإن زنى. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر") (¬2). وعنه (¬3) قال: كنت أمشي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حرّة المدينة، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فقال: "يا أبا ذر! " فقلت (¬4): لبيك يا رسول اللَّه. قال: "ما يسرني أن عندي مثل أُحُدٍ ذهبًا تمضي عليَّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيء (¬5) أَرصُده لدَيْني (¬6)، ¬
7 - باب يذهب الصالحون الأول فالأول، والغنى غنى النفس
إلا أقول (¬1) به في عباد اللَّه هكذا وهكذا وهكذا"، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثم مشى، ثم قال: "إن الأكثرين هم المقلُّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم"، ثم قال لي: "مكانك لا تَبرح حتى آتيَك"، ثم انطلق في سواد الليل. . . وذكر نحو ما تقدم. 2822 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كان لي مثل أُحُد ذهبًا، ما يسرني أن لا تمر عليَّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيء، إلا شيء (¬2) أَرصُده لِدَيْنٍ". * * * (7) باب يذهب الصالحون الأوَّلُ فالأوّل، والغِنَى غنى النَّفْسِ 2823 - عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مِرداس الأسلمي قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حُفَالة ¬
8 - باب فضل الفقر
كحفالة (¬1) الشعير أو التمر لا يباليهم اللَّه بالة (¬2) ". 2824 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ (¬3)، ولكن الغنى غنى النفس". * * * (8) باب فضل الفَقْرِ 2825 - عن عمران بن حُصين: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اطَّلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". 2826 - وعن أنس قال: لم يأكل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على خِوَانٍ ¬
9 - باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه
حتى مات، وما أكل خُبزًا مُرَقَّقًا حتى مات. 2827 - وعن عائشة قالت: لقد توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وما في رَفِّي من شيء يأكله ذو كَبِد إلا شَطْرَ شعير في رَفٍّ لي فأكلت منه حتى طال عليّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. * * * (9) باب كيف كان عَيْش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه 2828 - عن مجاهد: أن أبا هريرة كان يقول: واللَّه الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشُدُّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليُشْبِعَني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مَرَّ عمر (¬1)، فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم- فتبسَّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في ¬
وجهي. ثم قال: "أبا هريرة" (¬1)، قلت: لبيك يا رسول اللَّه (¬2). قال: "الحَقْ" ومضى، فاتَبَعْتُه (¬3)، فدخل، فأسْتَأذنُ، فَأذِنَ لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح، فقال: "مِنْ أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان -أو فلانة- قال: "أبا هِرّ"، قلت: لبيك يا رسول اللَّه. قال: "الحَقْ أهل (¬4) الصُّفَةِ فادعهم لي"، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفَّة، كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شَرْبَةً أتقوَّى بها، فإذا جاؤوا أمرني، وكنت (¬5) أنا أعطيهم، وما عسى أنْ يبلُغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله (¬6) بُدٌّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فَأَذِنَ لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: "يا أبا هريرة" (¬7)، قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: "فَخُذْ (¬8) فأعطهم"، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يَرْوَى، . . . ¬
ثم يَرُدُّ عليَّ القدح فأعطيه الرجل (¬1)، فيشرب حتى يَرْوى، ثم يرد عليَّ القدح، فانتهيت (¬2) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد رَوَى القومُ كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسَّم، قال: "أبا هرّ"، قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: "بقيتُ أنا وأنت"، قلت: صدقت يا رسول اللَّه، قال: "اقعد فاشرب"، فقعدت فشربت، قال: "اشرب" فشربت، فما زال يقول: "اشرب" حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مَسلكًا، قال: "فأرني" فأعطيته القدح، فحمد اللَّه وسَمَّى وشرب الفَضْلَة. 2829 - وعن سعد -هو ابن أبي وقاص- أنه قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل اللَّه عز وجل (¬3)، ورأيتُنا وما لنا طعام (¬4) إلا ورق الحُبْلَة، وهذا الشمُر، وإنَّ أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ماله خِلْط، ثم أَصْبَحَتْ بنو أسد تُعَزِّرُنِي على الإسلام، خِبْتُ إذن وضَلَّ سَعْيي. 2830 - وعن قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخَبَّازه قائم فقال: ¬
10 - باب القصد، والمداومة على العمل
كلوا، فما أعلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رغيفًا مُرَقَّقًا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سَمِيطًا بعينه قط. 2831 - وعن عائشة قالت: كان يأتي علينا الشهر، وما نُوقدُ فيه نارًا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحم (¬1). 2832 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم ارزق آل محمد قُوتًا". * * * (10) باب القَصْدِ، والمداومة على العمل 2833 - عن مسروق قال: سألت عائشة: أيّ العمل كان أحب إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: الدائم. قلت: فأيُّ حينٍ كان يقوم؟ قالت: يقوم إذا ¬
سمع الصَّارخ. 2834 - وعنها: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَدِّدُوا وقاربوا، واعلموا أن لن يُدْخِل أَحَدَكُمْ عملُه الجنة". في رواية (¬1): قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ - قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه بمغفرة ورحمة - وإن أحب الأعمال إلى اللَّه أدومها وإن قلّ". وفي رواية (¬2): "اكلَفُوا من العمل ما تطيقون". 2835 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لن يُنْجِي أحدًا منكم عملُه"، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلْجَةِ (¬3)، والقصدَ القصدَ (¬4) تبلغوا". * * * ¬
11 - باب في الرجاء والخوف والتوكل
(11) باب في الرجاء والخوف والتوكل قال سفيان: ما في القرآن آية أشد عليَّ من: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68]. 2836 - عن أبي هريرة: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّه خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند اللَّه من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند اللَّه من العذاب لم يأمن النار". وقال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. وقال الربيع بن خُثَيْم: مِنْ كل ما ضاق على الناس. 2837 - وعن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، هم الذين لا يَسْترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". _______ 2836 - خ (4/ 185 - 186)، (81) كتاب الرقاق، (19) باب الرجاء مع الخوف، من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة به، رقم (6469). 2837 - خ (4/ 186)، (81) كتاب الرقاق، (21) باب {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، من طريق شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، رقم (6472).
12 - باب حفظ اللسان، وما يكره من قيل وقال وقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
يعني بذلك: يتركون ذلك كله اتكالًا على اللَّه، ورضًا بما يُجْرِيه. واللَّه أعلم. * * * (12) باب حفظ اللسان، وما يكره من قيل وقال وقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. 2838 - عن سهل بن سعد: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رجليه، أضمن له الجنة". 2839 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصْمُت" (¬1). 2840 - وعنه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان ¬
13 - باب الخوف من الله تعالى، والبكاء من خشيته
اللَّه، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه اللَّه بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة، مِنْ سخط اللَّه، لا يلقي لها بالًا، يَهوي بها في جهنم". وفي رواية (¬1): "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يَزِلُّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" (¬2). 2841 - وعن المغيرة بن شعبة: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عند انصرافه من الصلاة: "لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، وكان (¬3) ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومَنع وهَات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات. * * * (13) باب الخوف من اللَّه تعالى، والبكاء من خشيته وقد تقدم في حديث السبعة (¬4) الذين يظلهم اللَّه في ظله، ¬
يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل ذَكَر اللَّه خاليًا ففاضت عيناه". 2842 - وعن حذيفة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كان رجل ممن كان قبلكم يُسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مُتُّ، فحرِّقوني (¬1) فذروني في البحر، في يومٍ صائف، ففعلوا به، فجمعه اللَّه ثم قال: ما حَمَلك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني (¬2) إلا مخافتُك، فغفَر له". 2843 - وعن أبي سعيد الخدري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر رجلًا فيمن كان سلف أو قبلكم، آتاه اللَّه مالًا، قال (¬3): "فلما حُضِرَ قال لبنيه: أيُّ أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أبٍ، قال: فإنه لم يَبْتَئِرْ عند اللَّه خيرًا -فسَّرها قتادة: لم يَدَّخر- وإن يَقْدَمْ على اللَّه يعذبه، فانظروا فإذا مُتُّ (¬4)، فأحرقوني حتى إذا صرت فحمًا فاسحقوني -أو قال: فَاسْهَكُوني-، ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، وأخذ مواثيقهم على ذلك، وتوفي، ففعلوا (¬5)، فقال اللَّه: ¬
14 - باب الانتهاء والحذر عن المعاصي
كن، فإذا رجل قائم، قال (¬1): أيْ عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك -أو فَرَقٌ منك-، فما تلافاه أَنْ رَحِمَه اللَّه (¬2) ". * * * (14) باب الانتهاء والحذر عن المعاصي 2844 - عن أبي موسى قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلي ومَثَلُ ما بعثني اللَّه به، كمثل رجل أتى قومَا فقال: رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العُريان، فالنَّجاءَ النجاءَ، فأطاعته طائفة، فَأَدْلَجُوا على مهلهم فَنَجَوْا، وكذَّبته طائفة فصبَّحهم العدو (¬3) فاجتاحهم". 2845 - وعن أبي هريرة: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقَعْن فيها، فجعل يَزَعُهُنَّ ويَغْلِبنَهُ، فَيَتَقَحَّمْنَ ¬
15 - باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"، وحجبت النار بالشهوات، وقرب الجنة والنار
فيها، فأنا آخذٌ بحُجَزِكم عن النار وأنتم تَقَحَّمون فيها". الغريب: "النَّجَاءَ": السرعة، وهو ممدود."النَّذِير": هو المُحَذِّر من الشر. و"العُرْيَان": الذي يلقي ثيابه عند فجاءة العدو. و"أدلجوا": ساروا من الليل. و"الحُجَز": جمع حُجْزَة: السراويل. "يتقحَّمْن": ينفلتن ويقعن. * * * (15) باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا"، وحُجِبَت النار بالشهوات، وقُرب الجنة والنار 2846 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا". ونحوه عن أنس (¬1). 2847 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "حُجبت النار ¬
16 - باب ما يتقى من محقرات الذنوب، والأعمال بالخواتيم
بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره". 2848 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله، والنار مثل ذلك". * * * (16) باب ما يتقى من مُحَقَّرَات الذنوب، والأعمال بالخواتيم 2849 - عن أنس بن مالك قال: إنكم لتعملون أعمالًا هي أَدقُّ في أعينكم من الشَّعْر، إِنْ كنا نعدُّها على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المُوبقات. يعني: المُهْلكات. 2850 - وعن سهل بن سعد الساعدي قال: نظر رسول اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رجل يقاتل المشركين، وكان من أعظم المسلمين غَنَاءً عنهم، فقال: "من ¬
17 - باب العزلة راحة من خلطاء السوء
أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا"، فتبعه رجل، فلم يَزَلْ على ذلك حتى جُرح، فاستعجل الموت، فقال بِذُباب سيفه (¬1)، فوضعه بين ثَدْيَيْهِ فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة" (¬2). في رواية (¬3): "وإنما الأعمال بالخواتيم". * * * (17) باب العزلة راحة من خُلطاء السوء 2851 - عن أبي سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! أيُّ الناس خير؟ قال: "رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شِعْبٍ من الشعاب يعبد ربه، ويَدعُ الناسَ من شره". ¬
18 - باب ما يتقى من رفع الأمانة، وكيف ترفع؟
2852 - وعن أبي سعيد -أيضًا- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يأتي على الناس زمان، خير مال المسلم غنمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبال ومواقع القَطْر، يفِر بدينه من الفتن". * * * (18) باب ما يُتَّقى من رفع الأمانة، وكيف ترفع؟ 2853 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة"، قال: كيف إضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: "إذا أُسْنِد الأمر (¬1) إلى غير أهله فانتظر الساعة". 2854 - وعن حذيفة قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثين، رأيت ¬
أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْرِ قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم عَلِمُوا من السُّنَّة، وحَدَّثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النَّوْمَةَ فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوَكْتِ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه (¬1) فيبقى أثرها مثل المَجْلِ، كجَمْرِ دحرجته على رِجْلك فنَفِطَ، فتراه مُنْتَبِرًا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد (¬2) يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمان، ولا أبالي أيَّكم بايعت (¬3)، لئن كان مسلمًا رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا رده عليَّ ساعيه، فاما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا. الغريب: "الجَذْر": الأصل من كل شيء، ويقال بكسر الجيم وفتحها. و"الوَكْت": بالكاف: الأثر الخفي. ومنه: بُسْر مُوكَت: إذا بدت فيه نقطة من الإرطاب. و"المَجْل": بالجيم: أثر العمل في الكفّ، يقال منه: مَجَلَتْ يده تَمْجُل: إذا صارت فيها نفاخات من العمل. وقوله: "بايعت": من البيع، لا من المبايعة، واللَّه أعلم. ¬
19 - باب التحذير من الرياء والسمعة، وأن يرفع شيء من الدنيا
2855 - وعن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الناس كالإبل المئة لا تجد فيها راحلة". "الراحلة": الناقة القوية على الارتحال والحمل. * * * (19) باب التحذير من الرياء والسُّمعة، وأن يرفع شيءٌ من الدنيا 2856 - عن جُنْدُب قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن سَمَّع سمَّع اللَّه به، ومن يُراءي يراءي اللَّه به". 2857 - وعن أنس قال: كانت ناقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تسمى العَضْبَاء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قَعُودٍ فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سُبقت العضباء (ناقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬1) فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ حقًّا على اللَّه أن لا يرفع شيئًا من الدنيا، إلا وضعه". * * * ¬
20 - باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وطلوع الشمس من مغربها
(20) باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وطلوع الشمس من مغربها 2858 - عن سهل -هو ابن سعد- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويشير بأصبعيه هكذا (¬1)، فيمدُّهما. ونحوه عن أنس (¬2) وأبي هريرة (¬3). 2859 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬4): "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك ¬
21 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
حينأ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية [الأنعام: 158] (¬1)، ولتقُومَنَّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبيهما (¬2) فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقْحتَه فلا يَطْعَمُه، ولتقومن الساعة وهو يَلِيطُ حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أُكْلَتَهُ إلى فيه فلا يَطْعَمُها". * * * (21) باب من أحب لقاء اللَّه أحبَّ اللَّه لقاءه 2860 - عن عبادة بن الصامت، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه"، فقالت (¬3) عائشة -أو بعض أزواج (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّا لنكره الموت، قال: "ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضر (¬5) الموت بُشِّر برضوان اللَّه وكرامته، فليس شيءٌ أحبَّ إليه مما أمامه، ¬
22 - باب في سكرات الموت، وموت كل إنسان ساعته
فأحب لقاء اللَّه فأحب (¬1) اللَّه لقاءه، وإن الكافر إن حُضِرَ بُشِّر بعذاب اللَّه وعقوبته، فليس شيء أَكره إليه مما أمامه، فكره لقاء اللَّه، فكره (¬2) اللَّه لقاءه". 2861 - وعن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أحبَّ لقاء اللَّه أحبَّ اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه". ونحوه عن عائشة (¬3). * * * (22) باب في سَكَراتِ الموت، وموت كل إنسان ساعته 2862 - عن عائشة: كانت تقول: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت بين يديه رَكْوَة أو عُلْبَة فيها ماء (¬4)، فجعل يُدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: ¬
23 - باب الموتى؛ مستريح ومستراح منه، وما يتبع الميت
"لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات"، ثم نصَب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى" حتى قُبض ومالت يده. قال أبو عبد اللَّه: العلبة من الخشب، والركوة من الأَدَم. 2863 - وعنها قالت: كان رجلان من الأعراب جفاة يأتون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيسألونه متى الساعة، فكان ينظرُ إلى أَصغرهم فيقول: "إِنْ يَعشْ هذا لا يدركه الهَرَمُ حتى تقوم (¬1) ساعتكم" (¬2)، قال هشام: يعني موتهم. * * * (23) باب الموتى؛ مستريح ومُسْتَراح منه، وما يتبع الميت 2864 - عن أبي قتادة بن رِبْعِيّ الأنصاري: أنه كان يحدث: أن ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرَّ عليه بجنازة، فقال: "مستريح ومستراح منه" (¬1)، قالوا: يا رسول اللَّه! ما المستريح، وما المستراح منه؟ قال: "العبد المؤمن يستريح من نَصَب الدنيا وأذاها إلى رحمة اللَّه (¬2)، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب". 2865 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهلُه وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله". 2866 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا مات أحدكم عُرض عليه مقعده غُدْوَة وعشية، إما النار وإما الجنة، فقال: هذا مقعدك حتى تُبعث إليه". 2867 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أَفْضَوْا إلى ما قدّموا". * * * ¬
24 - باب النفخ في الصور
(24) باب النفخ في الصُّور قال مجاهد: الصور: كهيئة البوق. زَجْرَة: صيحة. وقال ابن عباس: الناقور: الصور. الرَّاجِفة: النفخة الأولى. والرَّادِفة: النفخة الثانية. 2868 - وعن أبي هريرة قال: اسْتَبَّ رجلان، رجلٌ من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، قال: فغضب المسلم عند ذلك، فلَطَم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1)، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يُصْعَقُون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى صَعِقَ فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللَّه" (¬2). وقد تقدم القول على هذا الحديث في النبوءات. * * * ¬
25 - باب كيفية أرض المحشر، وكيف الحشر
(25) باب كيفية أرض المحشر، وكيف الحشر تقدم في التفسير (¬1). 2869 - عن أبي سعيد الخدري: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تكون الأرض يوم القيامة خُبْزَة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يَكْفأ أحدُكم خبزته في السفر، نزلًا لأهل الجنة"، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنُزُل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: "بلى"، قال: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنظر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: "ألا أخبركم بإدامهم؟ "، قال: "إدامهم بالام ونون" قالوا: ما هذا؟ قال: "ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفًا". 2870 - وعن سهل بن سعد قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقُرْصَةِ النَّقِيِّ (¬2) "، قال سهل، أو ¬
غيره: ليس فيها مَعْلَمٌ لأحد. 2871 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين، وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تَقِيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح حيث أصبحوا (¬1)، وتُمسي حيث أَمْسَوْا (¬2) ". 2872 - وعن أنس بن مالك: أن رجلًا قال: يا نبي اللَّه! يحشر (¬3) الكافر على وجهه؟ قال: "أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ " قال قتادة: بلى وعزة ربنا. 2873 - وعن ابن عباس قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -في رواية (¬4): ¬
يخطب على المنبر-: "إنكم ملاقو اللَّه حُفاةً عراة مشاة غُرْلًا (¬1) ". قال سفيان: هذا مما نَعُدُّ أن ابن عباس سمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية (¬2) عنه قال: قام فينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب فقال: "إنكم محشورون حفاة، عُراة، غُرْلًا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الآية [الأنبياء: 104]، وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم (¬3)، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي (¬4)، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله {الْحَكِيمُ} [المائدة: 117]، قال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم". 2874 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تحشرون عُراة حُفاة غُرلًا"، قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه! الرجال والنساء، ينظر بعضهم إلى ¬
26 - باب مقدار أهل الجنة وأهل النار
بعض؟ فقال: "الأمر أشد من أنْ يهمهم ذلك". * * * (26) باب مقدار أهل الجنة وأهل النار 2875 - عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قُبَّة فقال: "أترضون أن تكونوا رُبع أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال: "أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال: "والذي (¬1) نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف (¬2) أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نَفْسٌ" مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر". 2876 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أول من يُدعى يوم القيامة ¬
27 - باب {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} [الحج: 1]
آدم (¬1) فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أَخْرجْ بَعْثَ جهنم من ذريتك، فيقول: كم أُخْرج (¬2)؟ فيقول: أخرج من كل مئة تسعةً وتسعين"، فقالوا: يا رسول اللَّه! إذا أُخذ منا من كل مئة تسعة وتسعون، فماذا يبقى منّا؟ قال: "إِنْ أمتي في الأمم إلا كالشعرة (¬3) البيضاء في الثور الأسود". * * * (27) باب {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] 2877 - عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قال: "يقوم أحدكم في رَشْحه إلى أنصاف أذنيه". 2878 - وعن أبي سعيد قال: . . . . ¬
28 - باب: أين يبلغ عرق الناس يوم القيامة؟
(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬1): "يقول اللَّه عز وجل (¬2): يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، قال: يقول: أَخرِجْ بَعْثَ النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فذلك (¬3) حين يَشيب الصغير، وتضع كل ذات حَمْلٍ حملها، وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكن عذاب اللَّه شديد"، فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول اللَّه! أينا ذلك الرجل؟ فقال: "أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل"، ثم قال: "والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة" (¬4)، فَحَمِدْنَا اللَّه وكبرنا، ثم قال: "والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شَطْرَ أهل الجنة، إنَ مَثَلَكُم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرَّقْمَة في ذراع الحمار". * * * (28) باب: أين يبلغ عَرَقُ الناس يوم القيامة؟ 2879 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَعْرَقُ الناس يوم القيامة ¬
29 - باب القصاص يوم القيامة، ومن نوقش الحساب عذب
حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا ويُلجمهم حتى يبلغ آذانهم". * * * (29) باب القصاص يوم القيامة، ومن نوقش الحساب عُذِّبَ 2880 - عن شقيق (¬1)، قال: سمعت عبد اللَّه: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أول ما يُقْضَى بين الناس في الدماء". 2881 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كانت عنده مَظْلَمَة لأخيه فليتحلَّلْه منها، فإنه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فان لم تكن حسنات أُخِذَ من سيئات أخيه فطُرِحت عليه". 2882 - وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَخْلُص المؤمنون من النار، فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم ¬
30 - باب مكالمة الله الخلق يوم القيامة مشافهة، وكم يدخل الجنة بغير حساب؟
من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أَهْدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا". 2883 - وعن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من نوقش الحساب عُذِّبَ"، قالت: قلت: أليس يقول اللَّه (¬1): {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قال: "ذلك العَرْض". وفي رواية (¬2): "وليس أحدٌ يُنَاقَشُ الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب". * * * (30) باب مكالمة اللَّه الخلق يوم القيامة مشافهة، وكم يدخل الجنة بغير حساب؟ 2884 - عن عدي بن حاتم قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا ¬
سيكلمه اللَّه يوم القيامة، ليس بينه وبينه تَرْجُمان، ثم ينظر فلا يرى شيئًا قُدَّامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار، ولو بِشِقِّ تمرة". 2885 - وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُرضت عليَّ الأمم، فأجد النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي معه العشرة (¬1)، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل! هؤلاء أمتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفًا قدَّامهم، لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولِمَ؟ قال: كانوا لا يَكْتَوون ولا يَسْتَرقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقام إليه عُكَّاشة بن مِحْصَن فقال: ادعُ اللَّه أن يجعلني منهم، قال: "اللهم اجعله منهم"، ثم قام إليه رجل آخر قال: ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة" (¬2). قلت: هذا الحديث رواه البخاري فقال: حدثني أَسِيد بن زيد، ويكنى أبا محمد، يعرف بالجمال -بالجيم-، انفرد به البخاري، وهو ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره، وإنما أَدخل البخاري حديثه على معنى الاعتبار، نقلته من ¬
31 - باب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل الموقف، ولأهل الكبائر من أمته
حواشٍ على الأصل. وفي الباب عن أبي هريرة (¬1)، وسهل بن سعد (¬2) * * * (31) باب شفاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل الموقف، ولأهل الكبائر من أمته 2886 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يجمع اللَّه الناس يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت الذي خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر ملائكته فسجدوا (¬3)، فاشفع لنا عند ربنا، فيقول: لستُ هُنَاكم، ويَذكُر خطيئته، ائتوا (¬4) نوحًا أول رسول بعثه اللَّه، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا إبراهيم الذي اتخذه اللَّه خليلًا، فيأتونه، فيقول: لست ¬
هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا موسى الذي كلمه اللَّه، فيأتونه فيذكر خطيئته (¬1)، ائتوا عيسى، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ائتوا محمدًا (¬2) فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأستأذن على ربي، فإذا رأيته وقعت (¬3) ساجدًا، فَيَدَعُنِي ما شاء، ثم يقال لي: ارفع رأسك، وسَلْ تُعْطَهْ، وقُلْ يُسْمَعْ، واشفع تشفَّع، فأرفع رأسي فأحمَدُ ربي بتحميدٍ يُعَلِّمُنِي، ثم أشفع، فَيُحِدُّ لي حَدًّا، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدًا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى لا يبقى (¬4) في النار إلا مَنْ حبسه القرآن". وكان قتادة يقول عند هذا: أي وجب عليه الخلود. 2887 - وعن عمران بن حُصين، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيسميهم أهلُ الجنة الجَهَنَّميين". ونحوه عن ابن عمر (¬5)، غير أنه قال: "بعدما مسَّهم منها سَفَعٌ". ¬
2888 - وعن أبي هريرة أنه قال: قلت يا رسول اللَّه! مَنْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: "لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك؛ لِمَا رأيتُ مِنْ حرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا اللَّه خالصًا من قلبه" (¬1). 2889 - وعن عمرو، عن جابر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير"، قلت: ما الثعارير؟ قال: الضَّغَابيس. وكان قد سقط فَمُه. 2890 - وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، يقول اللَّه عز وجل (¬2): من كان في قلبه مثقال حبّة من خَرْدلٍ من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتُحِشُوا، وصاروا (¬3) حُمَمًا، فَيُلْقَوْن في نهر الحياة فينبُتون كما تَنبُت الحِبَّة في حَمِيل ¬
32 - باب صفة الجنة، ومن أكثر أهلها، وصفة النار، ومن أكثر أهلها
السيل (¬1)، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألم تروا (¬2) أنها تخرج صفراء ملتوية". الغريب: "الضغابيس": صغار القثاء، قاله ابن الأعرابي، وقال أبو عُبيد: هي شبه قثاء صغير تؤكل -يعني الضغابيس-، وهي الشعارير أيضًا -بالشين-، وقال الأصمعي: الضغابيس: نبت ينبت في أصول الشَّمَّام يشبه الهليون، يُسْلق ويؤكل بالخل والزيت. وقال أيضًا: الضغابيس: نبت ضعيف، يشبه الضعيف من الرجال. قلت: وهذا أشبه ما قيل فيه وأقرب من التشبيه المذكور في الحديث. وواحد الضغابيس: ضُغْبُوس، وواحد الثعارير: ثعرور، ويقال فيها أيضًا: طراثيث، وواحدها: طرثوث. واللَّه أعلم. * * * (32) باب صفة الجنة، ومَنْ أكثرُ أهلها، وصفة النار، ومَنْ أكثر أهلها 2891 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقول اللَّه عز وجل ¬
لأهل الجنة (¬1): يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك وسعديك (¬2)، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أُعْطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". 2892 - وعن أبي حازم، عن سهل بن سعد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا -أو سبع مئة ألف- لا يدري أبو حازم أيهما قال - متماسكون، آخذ بعضهم بعضًا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر". 2893 - وعن سهل بن سعد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليَتَرَاءَوْنَ الغُرَفَ في الجنة، كما تتراءون الكوكبَ في السماء". زاد من حديث أبي سعيد (¬3): "كما تراءَوْن الكوكب الغابر في الأفق الغربي والشرقي". ¬
2894 - وعن أنس قال: أصيب حارثة يوم بدر، وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! قد عرفتَ منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال: "ويحك -أَوَهَبِلْتِ- أَوَجنةٌ واحدة هي؟ إنها جنات (¬1) كثيرة، وإنه لفي جنة الفردوس". 2895 - وعن عمران، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اطَّلَعْتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". 2896 - وعن أسامة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قمتُ على باب الجنة، وكان عامة مَنْ دخلها الفقراء، واطلعت على النار فكان عامة من دخلها النساء". 2897 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بين مَنْكِبَي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المُسْرِع". ¬
33 - باب الصراط جسر جهنم
وقد تقدم حديث ذبح الموت في (التفسير) (¬1). 2898 - وعن النعمان بن بَشِير (¬2) قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، رجل في أَخْمَصِ (¬3) قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المِرْجَل بالقُمْقم". * * * (33) باب الصراط جسر جهنم 2899 - عن أبي هريرة قال: قال أناس (¬4): يا رسول اللَّه! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تُضَارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه، قال: "هل تُضَارُّون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ " ¬
قالوا: لا يا رسول اللَّه، قال: "فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك. يجمع اللَّه الناس فيقول: مَنْ كان يعبد شيئًا فليتبعه، فيتبع منْ كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم اللَّه عزَّ وجل (¬1) في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: (نعوذ باللَّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم اللَّه في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون) (¬2): أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم -قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فأكون أول من يُجِيز، ودعاء الرسل -صلى اللَّه عليه وسلم- يومئذٍ: اللَّهم سلِّم سلِّم، وفيه (¬3) كلاليب مثل شوك السَّعْدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ "، (قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "فإنَّها مثل شوك السَّعْدَان؟ ) (¬4) غير أنَّه لا يعلم قدر عظمها إلَّا اللَّه، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم المُوبَقُ بعمله، ومنهم المُخَرْدَل، ثم ينجوا حتى إذا فرغ اللَّه من العباد (¬5)، وأراد أن يُخرج مِنَ النار مَنْ أراد ممن كان يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السُّجود، وحرم اللَّه على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السُّجود، فيخرجونهم قد امْتُحِشُوا، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحِبَّةِ في حَمِيل السيل، ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار فيقول: يا رب، قد قَشَبَنِي رِيحُها وأحرقني ¬
ذَكَاؤُهَا، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو اللَّه، فيقول: لعلك إن أعطيتُك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزَّتك، لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب! قرِّبني إلى باب الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غَيْرَه، ويلك يا ابن آدم، ما أغْدَرَك. فلا يزال يدعو، فيقول: لعلي إن أعطيتك ذلك أن (¬1) تسألنِي غيره؟ فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غيره، فيعطي اللَّهَ من عهود (¬2) ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء اللَّه أن يسكت، ثم يقول: يا رب! أدخلني الجنة، فيقول: أولستَ (¬3) قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك. فيقول: يا رب! أتجعلني (¬4) أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له (¬5): تَمَنَّ من كذا، فيتمنى حتى يقال (¬6) له: تمنَّ من كذا، فيتمنى حتى تنقطع به الأماني، فيقول (¬7): هذا لك ومثله معه". قال أبو هريرة: وذلك الرجل هو (¬8) آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، ¬
قال (¬1): وأبو سعيد جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئًا من حديثه حتى انتهى إلى قوله: "هذا لك ومثله معه"، قال أبو سعيد: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "هذا لك وعشرة أمثاله"، قال أبو هريرة: حفظتُ: "ومثله معه". الغريب: "الطواغيت": جمع طاغوت، وهو كل معبود سوى اللَّه تعالى. وقوله: "فيأتيهم اللَّه في غير الصورة التي يعرفون" معناه -واللَّه أعلم-: أن اللَّه تعالى يظهر لهم صورة هائلة امتحانًا لهم، وكما قال مسلم في هذا الحرف: "فيأتيهم اللَّه في صورة غير التي يعرفون"؛ أي بصورة؛ بالفاء بمعنى الباء، كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}؛ أي: بِظُلَل. وهذا محتمل، والتسليم أسلم. واللَّه بمراد رسوله أعلم. و"السَّعْدَان": نبت له شوك، وهي مَرْعَى حَسَن، إذا أكلته الإبل سَمِنَت. و"الموبق": المهلك. و"المُخَرْدل": الذي تخدشه الكلاليب، أي تقطعه. و"امْتُحِشُوا": احترقوا وتغيروا. و"قَشَبَنِي": أيبسني. "ذَكَاؤُها": شدتها ووهجها. وضحك اللَّه تعالى: رحمته وإحسانه. و"غضبه": عقابه وانتقامه. * * * ¬
34 - باب في الحوض، وقول الله -عز وجل-: {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1]
(34) باب في الحوض، وقول اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] 2900 - عن عبد اللَّه: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أنا فَرَطكم على الحوض، وليُرْفَعَنَّ معي رجال منكم، ثم ليختلجُنَّ (¬1) دوني، فأقول: يا رب! أُصَيْحابي (¬2)، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". 2901 - وعن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أمامكم حوضي، كما بين جَرْبَاء وأَذْرُح". 2902 - وعن عبد اللَّه بن عمرو (¬3) قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حوضي مسيرة ¬
شهر، وماؤه (¬1) أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكِيزانه كنجوم السماء، من يشرب (¬2) منه فلا يظمأ أبدًا". 2903 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ قَدْرَ حوضي كما بين إيلياء (¬3) وصنعاء من اليمن، وإن فيه الأباريق (¬4) كعدد نجوم السماء". 2904 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا (¬5) بنهر حافتاه قِباب الدرِّ المُجَوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه -أو طينه- مسك أَذْفَر"، شك هُدْبَةُ. 2905 - وعن سهل بن سعد قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي فَرَطُكم على ¬
الحوض، من مَرَّ عليّ يشرب (¬1)، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، لَيَرِدَنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يُحال بيني وبينهم". ومن حديث أبي سعيد (¬2): "فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سُحْقًا سُحْقًا لمن غيَّر بعدي". 2906 - وعن أبي هريرة: أنَّه كان يحدِّثُ: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَرِدُ عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُحَلَّؤُونَ (¬3) عن الحوض، فأقول: يا رب! أصحابي، فيُقال: إنك لا علم عندك (¬4) بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدُّوا على أدبارهم القَهْقَرى". وفي رواية (¬5) للزهري (¬6): "فيُجْلَوْن". ¬
وعن أبي هريرة (¬1) -أيضًا-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا أنا نائم، إذا (¬2) زُمْرة، حتى إذا عرفتهم وعرفوني، خرج رجل بيني وبينهم (¬3) فقال: هَلُمَّ، فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار واللَّه، قلت: ما شأنهم؟ (¬4) قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة عرفتهم (¬5)، خرج رجل بيني وبينهم (¬6) فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار واللَّه، قلت: ما شأنهم؟ قال: ارتدوا (¬7) على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يَخلُص منهم مثل هَمَل النَّعَم" (¬8). 2907 - وعن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذكر الحوض ¬
فقال: "كما بين المدينة وصنعاء". 2908 - ومن حديث المُستَورد: "الآنية فيه مثل الكواكب". 2909 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي على الحوض حتى انظر من يَرِدُ عليَّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب! منّي ومن أمتي، فيقال: هل شَعَرْتَ ما عملوا بعدك، واللَّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم". وكان ابن أبي مُلَيْكَة يقول: اللَّهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نُفتن عن ديننا. الغريب: "ليختلجنَّ من دوني": من عندي. و"جَرْبَاء" و"أَذْرَح": قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيَّام. قاله السَّمرقندي. وهذا مخالف لقوله: "كما بين المدينة وصنعاء" ولقوله: "كما بين أَيْلَة وصنعاء"، ويرتفع هذا: بأن هذه الأقوال صدرت على جهة الإغياء في بُعد أقطار الحوض، وخاطب -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل كل جهة بما يعرفون من المواضع، وهو تمثيل وتقريب لكل أحد بما يعرفه من تلك المواضع، واللَّه أعلم. _______ 2908 - خ (4/ 207)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، عن المستورد به، رقم (6592). 2909 - خ (4/ 207)، (81) كتاب الرقاق، (53) باب في الحوض، وقول اللَّه تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، من طريق نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر به، رقم (6593)، طرفه في (7048).
و"الكوثر": بمعنى الكثرة، وعَدَلَ عنها للمبالغة. و"سُحقًا سُحقًا": بُعدًا بعدًا. و"يحلؤون": بالحاء والهمزة هو الصحيح، ومعناه: يُطردون عن الماء. و"يجلون": بالجيم بمعناه. و"النَّعَم": الإبل. و"هَمَلُهَا": مهملها، وهي التي لا راعي لها. و"عقب الرحل": آخِرُه، ومن ذلك: رجع على عقبه: انصرف عن وجهه وأَقبل على ما وراءه. * * *
58 - كتاب القدر
(58) كتاب القدر
1 - باب وجوب الإيمان بالقدر
(58) كتاب القدر وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]. (1) باب وجوب الإيمان بالقدر قد تقدم في حديث جبريل (¬1): "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره". وقال أبو هريرة (¬2): قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جَفَّ القَلمُ بما أنت لاقٍ". ¬
وقال ابن عباس: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]: سبقت لهم السعادة. 2910 - وعن عمران بن حُصين قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! أيَعْرَفُ أهل الجنة من أهل النار؟ قال: "نعم"، قال: فلِمَ يعمل العاملون؟ قال: "كلٌّ يعمل لما خُلق له" أو: "لما يُسرَ له". 2911 - وعن عبد اللَّه -هو ابن مسعود - قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث اللَّه ملكًا فيؤمر بأربع: برزقه، وأجله، وشقي أو سعيد (¬1)، فواللَّه إن أحدكم -أو الرجل- يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع (¬2) -أو ذراع- فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع -أو ذراع (¬3) - فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها". ¬
2 - باب الأعمال بالخواتيم
2912 - وعن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وَكَّلَ اللَّه بالرَّحمِ مَلَكًا، فيقول: أي ربِّ نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد اللَّه أن يقضي خلقها قال: يا رب أَذَكَر أم أنثى (¬1)؟ أَشَقِيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه". * * * (2) باب الأعمال بالخواتيم 2913 - عن سهل بن سعد: أن رجلًا من أعظم المسلمين غَناءً عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنظر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى هذا" فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جُرح، فاستعجل الموت، فجعل ذباب (¬2) سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مسرعًا فقال: أشهد أنك رسول اللَّه، فقال: "وما ذاك؟ " قال: قلتَ لفلان: "من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه"، وكان من أعظمنا غَناءً ¬
3 - باب "اعملوا، كل ميسر لما خلق له، والمعصوم من عصم"
عن المسلمين، فعرفتُ أنَّه لا يموت على ذلك، فلما جُرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم". * * * (3) باب "اعملوا، كُلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له، والمعصوم من عُصِم" 2914 - عن عليٍّ قال: كُنَّا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) ومعه عود ينكت في الأرض، قال (¬2): "ما منكم من أحد إلَّا قد (¬3) كُتب مقعده من النار أو من الجنة"، فقال رجل من القوم: ألا نتَّكلُ يا رسول اللَّه؟ قال: "لا، اعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية [الليل: 5]. 2915 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما استُخْلِف ¬
4 - باب تحاج آدم وموسى، ولا معطي لما منع الله
خليفة إلَّا له بطانتان، بطانةٌ تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم مَن عَصَمَ اللَّه". * * * (4) باب تحاجِّ آدمَ وموسى، ولا مُعْطِي لما منع اللَّه 2916 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "احتج آدم وموسى، فقال (¬1) موسى: يا آدم! أنت أبونا، خيَّبْتَنَا وأخرجتنا من الجنة. فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك اللَّه بكلامه، وخَطَّ لك بيده، أتلومُني على أمر قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلق (¬2) بأربعين سنة؟ فحجّ آدم موسى، فحج آدم موسى" ثلاثًا. 2917 - وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول خلف الصَّلاة: "لا إله إلَّا اللَّه وحده لا شريك له، اللَّهم لا مانع لما أعطيت، ¬
5 - باب تقليب القلوب، والتعوذ من درك الشقاء، وسوء القضاء
ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ". * * * (5) باب تقليب القلوب، والتعوذ من درك الشقاء، وسوء القضاء 2918 - عن عبد اللَّه قال: كثيرًا ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحلف: "لا ومقلِّبِ القلوب". 2919 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تعوَّذوا باللَّه من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء". * * * (6) باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] 2920 - عن عائشة: أنها سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الطاعون، فقال: _______ 2918 - خ (4/ 213)، (82) كتاب القدر، (14) باب يحول بين المرء وقلبه، من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر به، رقم (6617). 2919 - خ (4/ 212)، (82) كتاب القدر، (13) باب من تعوذ باللَّه من درك الشقاء، وسوء القضاء، وقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}، من طريق سفيان، عن سُمَي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، رقم (6616). 2920 - خ (4/ 213)، (82) كتاب القدر، (15) باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}: قضى، من طريق داود بن أبي الفرات، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن =
"كان عذابًا يبعثه اللَّه على من يشاء، فجعله اللَّه رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلدة (¬1) يكون فيه، يمكث فيه، لا يخرج من البلدة (¬2) صابرًا محتسبًا، يعلم أنَّه لا يصيبه إلَّا ما كتب اللَّه له، إلَّا كان له مثل أجر شهيد" (¬3). 2921 - وعن البراء بن عازب قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق ينقل التراب (¬4) معنا وهو يقول: واللَّهِ لولا اللَّهُ ما اهْتَدَيْنا ... ولا صُمْنا ولا صَلَّيْنا فأنزِلنْ سكينةً علينا ... وثَبِّت الأقدام إنْ لاقَيْنَا والمشركون قد بَغَوْا علينا ... وإذا أرادوا فتنة أَبَيْنَا * * * ¬
59 - كتاب الأيمان والنذور
(59) كتاب الأيمان والنذور
1 - باب قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [البقرة: 225] وجواز الكفارة قبل الحنث
(59) كتاب الأيمان والنذور (1) باب قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وجواز الكفارة قبل الحِنْثِ 2922 - عن عائشة: أن أبا بكر (¬1) لم يكن يحنث في يمين قط، حتى أنزل اللَّه كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمين فرأيتُ غيرها خيرًا منها إلَّا أتيتُ الذي هو خيرٌ، وكفَّرْتُ عن يميني. 2923 - عن عبد الرحمن بن سَمُرَة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
"يا عبد الرحمن (¬1)! لا تسأل الإمارة؛ فإنَّك إن أُوتيتها عن مسألة وُكِلَت إليها، وإن أُوتيتها من غير مسألة أُعنت عليها، وإذا حلفتَ على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينكُ وَائْتِ الذي هو خير". 2924 - وعن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من الأشعريين نستحملُه (¬2)، فقال: "واللَّه لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه"، ثم لبثنا (¬3) ما شاء اللَّه أن نلبث، ثم أُتي بثلاث ذود غُرٌّ الذُّرَى، فحملنا عليها، فلما انطلقنا قلنا -أو قال بعضنا-: واللَّه لا يُبَارَك لنا، أتينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نستحمله، فحلف أن لا يحملنا، ثم حملنا، فارجعوا بنا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنذكِّره، فأتيناه فقال: "ما أنا حملتكم، بل اللَّه حملكم، وإني واللَّه -إن شاء اللَّه- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلَّا كفّرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير"، أو: "أتيت الذي هو خير، وكفرتُ عن يميني". الغريب: "نَسْتَحْمِلُه": نسأله ما نتحمل عليه؛ أي: نرتحل ظَهْرَه. و"غُرّ الذُّرَى"؛ أي: بأسنمتها بياض، فأصلُ الغرة: بياض في الجبهة، وقد استُعير هنا، وذروة الشيء: أعلاه، وهي هنا السَّنَام. * * * ¬
2 - باب ترك اللجاج في اليمين أفضل مع الكفارة
(2) باب ترك اللَّجَاجِ في اليمين أفضل مع الكفارة 2925 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة". وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه لأَنْ يَلِجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثَمُ له عند اللَّه من أن يُعْطِيَ كفارته التي افترض اللَّه عليه". وعنه (¬1): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من استلجَّ (¬2) في أهله بيمين فهو أعظم إثمًا ليس (¬3) "؛ يعني الكفارة". * تنبيه: وجدنا هذا اللفظ في بعض الأمهات: "تُغْنِي" بالتاء المضمومة وبالغين المعجمة، وهذا ليس بشيء، ووجدناه في الأصل المعتمد عليه بالتاء المفتوحة وبالعين المهملة، وعليه علامةُ أبي محمد الأصيلي، وفيه بُعْد، ووجدناه بالياء باثنتين من تحتها، وهو أقرب. ¬
3 - باب كيف كانت يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبماذا كان يحلف؟
وعند ابن السكن: "يعني ليس بالكفارة" وهذا عندي أشبهُها إذا كانت "ليس" استثناءً بمعنى: إلَّا؛ أي: إذا أَلَجَّ بيمينه كان أعظم، إلَّا أن يكفِّر، واللَّه أعلم. * * * (3) باب كيف كانت يمين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبماذا كان يحلف؟ قد تقدم من حديث (¬1) ابن عمر: أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحلف: "ومقلّب القلوب". ومن حديث أبي هريرة وسعد وزيد بن خالد (¬2): أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقسم بـ "والذي نفسي بيده"، و: "الذي نفس محمد بيده". ومن حديث عائشة (¬3): "واللَّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا". 2926 - وعن أبي ذر قال: انتهيت إليه وهو يقول في ظل الكعبة: "هم الأخسرون ورب الكعبة، هم الأخسرون ورب الكعبة" فقلت: ما شأني، ¬
4 - باب الاستثناء بمشيئة الله في اليمين بأسماء الله تعالى
أَيَرى منّي شيئًا، ما شأني؟ فجلست (¬1) وهو يقول، فما استطعت أن أسكت، ويغشاني ما شاء اللَّه، فقلت: مَنْ هُمْ بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه؟ قال: "هم (¬2) الأكثرون أموالًا، إلَّا من قال هكذا وهكذا". 2927 - وعن ابن عمر قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثًا، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته (¬3)، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن كنتم تطعنون في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، واللَّه (¬4) إن كان خليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ (وإنَّ هذا لمن أحب الناس إليَّ) (¬5) بعده". قلت: معنى: "وايم اللَّه": بقاء اللَّه، أو حياته. * * * (4) باب الاستثناء بمشيئة اللَّه في اليمين بأسماء اللَّه تعالى وقد تقدم من حديث أبي موسى (¬6) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه، إن شاء اللَّه، ¬
5 - باب "لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"
لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلَّا كفرت عن يميني". 2928 - وعن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال سليمان: لأطوفَنَّ الليلة على سبعين (¬1) امرأة، كلهن تأتي بفارس مجاهد في سبيل اللَّه، (فقال له صاحبه: قل: إن شاء اللَّه) (¬2)، فلم يقل: إن شاء اللَّه، فطاف عليهن جميعًا فلم تحمل منهن إلَّا امرأة واحدة، جاءت بِشِقّ رجل، وَايْمُ الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء، لجاهدوا في سبيل اللَّه فرسانًا أجمعون". * * * (5) باب "لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حَالِفًا فليحلف باللَّه أو لِيَصْمُتْ" 2929 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: "ألا إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآباءكم، من كان حالفًا فليحلف باللَّه أو ليصمت". ¬
6 - باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت، وإثم من حلف بملة سوى الإسلام
زاد في رواية (¬1): قال عمر: فواللَّه ما حلفت بها منذ سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاكرًا، ولا آثِرًا. يعني: ولا مُخبرًا. * * * (6) باب لا يحلف باللات والعُزَّى ولا بالطواغيت، وإثم من حلف بملّة سوى الإسلام 2930 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حلف فقال في حَلِفِه باللات والعُزَّى، فليقل: لا إله إلا اللَّه، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق". 2931 - وعن ثابت بن الضحاك قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به في نار جهنم، ولَعْنُ المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله". * * * ¬
7 - باب إبرار المقسم إذا لم يكن هناك مانع شرعي
(7) باب إبرار المُقْسِم إذا لم يكن هناك مانع شرعي 2932 - عن البراء بن عازب قال: أمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإبرار المُقْسِم. وقال ابن عباس (¬1): قال أبو بكر: فواللَّه يا رسول اللَّه لَتُحَدِّثَنِّي بالذي أخطأت في الرؤيا، قال: "لا تقسم". * * * (8) باب لغو اليمين، ومن حَنَثَ ناسيًا وقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] وقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وقوله: {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال: نعم، وقد فعلت. 2933 - عن عروة، عن عائشة: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] قالت: أنزلت في قوله: لا واللَّه، وبلى واللَّه. ¬
9 - باب قول الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية [آل عمران: 77]، وإثم اليمين الغموس
2934 - وعن أبي هريرة -يرفعه- قال: "إن اللَّه تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به، أو تَكَلَّم". * * * (9) باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية [آل عمران: 77]، وإثم اليمين الغَمُوس عن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللَّه وهو عليه غضبان" (¬1). وقد تقدم في التفسير. 2935 - وعن عبد اللَّه بن عمرو: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الكبائر: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النَّفس، واليمين الغَموس". * * * ¬
10 - باب من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر ما ليس بطاعة لم يلزمه ولا تلزمه كفارة، وقوله تعالى: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} [البقرة: 270]
(10) باب من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه، ومن نذر ما ليس بطاعة لم يلزمه ولا تلزمه كفارة، وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] 2936 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه". 2937 - وعن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانًا بخزامة في أنفه، فقطعها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده ثم أمره أن يقوده بيده. 2938 - وعنه قال: بينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرْهُ فليتكلم وليستظل وليقعد ولْيُتِمَّ صومَه". قلت: فأمره أن يتم ما كان فيه طاعة، ويترك ما ليس للَّه بطاعة، ولم يأمره بكفارة لترك ذلك، ولو كان ذلك واجبًا كما يقول بعض الناس لما أخَّر _______ 2936 - خ (4/ 229)، (83) كتاب الأيمان والنذور، (31) باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، من طريق مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة به، رقم (6700). 2937 - خ (4/ 229)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن جريج، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس به، رقم (6703). 2938 - خ (4/ 229)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق وهيب، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس به، رقم (6704).
11 - باب من نذر أن يصوم أياما فيوافوا النحر أو الفطر
البيان عن وقت الحاجة. * * * (11) باب من نذر أن يصوم أيامًا فيوافوا النحر أو الفطر 2939 - وعن زياد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر، فسأله رجل فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشتُ، فوافقتُ هذا اليوم، يوم النحر. فقال: أَمَرَ اللَّه بوفاء النذر، ونُهينا أن نصوم يوم النحر، فأعاد عليه، فقال مِثْلَه لا يزيد عليه، (فقال ابن عمر (¬1): لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة، لم يكن يصوم يوم الفطر والأضحى، ولا يرى صيامهما) (¬2). * * * ¬
12 - باب من نذر شيئا من الطاعات في الجاهلية، ثم أسلم، ومن مات وعليه نذر
(12) باب من نذر شيئًا من الطاعات في الجاهلية، ثم أسلم، ومن مات وعليه نذر 2940 - عن ابن عمر: أن عمن قال: يا رسول اللَّه! إنِّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوفِ بنذرك". 2941 - وعن ابن عباس: أن سعد بن عُبادة الأنصاري استفتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نذرٍ كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه أن يقضيه عنها، فكانت سُنَّة بعد. وأمر ابن عمر (¬1) امرأة جعلت أمُّها على نفسها صلاةً بقباء، فقال: صلِّي عنها. * * * ¬
60 - كتاب الكفارات
(60) كتاب الكفارات
1 - باب كفارات الأيمان وقوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89]
(60) كتاب الكفارات (1) باب كفارات الأيمان وقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة (¬1): ما كان في القرآن: "أَوْ. . . أَوْ"، فصاحبه بالخيار، وقد خيَّر النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كعبًا في الفدية. * * * (2) باب يعطي في الكفارة عشرة مساكين، أقرباء كانوا أو بُعَداء، وبيان أن ذلك بصاع المدينة، ومُدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو ما توارثه أهل المدينة قرنًا بعد قرن 2942 - وعن الجعد بن عبد الرحمن، . . . ¬
عن السائب بن يزيد (¬1) قال: كان الصاع على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُدًّا وثلثًا بمُدّكم اليوم، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز. 2943 - وعن نافع قال: كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمُدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمُدّ (¬2) الأوَّل، وفي كفارة اليمين بمُدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال أبو قتيبة: قال لنا مالك: مُدُّنا أعظم من مُدّكم، ولا نرى الفضل إلَّا في مُدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال لي مالك: لو جاءكم أمير فضرب مُدًّا أصغر من مُدِّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبأي (¬3) شيء كنتم تعطون؟ قلت: كُنَّا نعطي بمدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مُدّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ 2944 - وعن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللَّهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومُدّهم". ¬
3 - باب أي الرقاب تعتق؟ وعتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا
قلت: يعني المدينة. * * * (3) باب أيّ الرقاب تعتق؟ وعتق المُدَبَّر وأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا 2945 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أعتق رقبة مسلمة أعتق اللَّه بكلِّ عضو منه عضوًا من النار (حتى فَرْجَهُ بفرجه) (¬1) ". 2946 - وعن جابر: أن رجلًا من الأنصار دَبَّر مملوكًا له، ولم يكن له مال غيره، فبلغ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من يشتريه منه" فاشتراه نُعَيْم بن النَّخَّام بثمان مئة درهم. قال جابر: عبدًا (¬2) قبطيًّا مات عام أول. قلت: هذه الترجمة تصرح بخلاف مذهب مالك، فإنَّه ¬
4 - باب لا يستغفل الحالف، ويذكر بيمينه
لا يجيز في الكفارة عتق شيء مما ذكرناه. * * * (4) باب لا يُسْتَغْفَلُ الحالفُ، ويذكر بيمينه عن زَهْدَم الجَرْمِي (¬1) قال: كُنَّا عند أبي موسى، وكان بيننا وبين هذا الحي من جَرْم إخاء ومعروف قال: فقُدِّم طعامه، وقال: وقُدِّم في طعامه لحم دجاج، قال: وفي القوم رجل من بني تيم اللَّه أحمر كأنه مَوْلًى، قال: فلم يَدْنُ. فقال له أبو موسى: ادْنُ، فإني قد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل منه، قال: إنِّي رأيته يأكل شيئًا فقذرته (¬2)، فحلفت أن لا أطعمه أبدًا. قال (¬3): ادْنُ أخبرك عن ذلك، أتينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من الأشعريين نستحمله وهو يقسم نَعَمًا من نعَم الصدقة -قال أيوب: أحسبه قال: وهو غضبان- قال: "واللَّه لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه" (¬4) قال: فانطلقنا، فأُتي رسول اللَّه بنَهب إبل، فقيل: "أين هؤلاء الأشعريون؛ أين هؤلاء الأشعريون؟ " فأتينا، فأمر لنا بخمس ذَود غُرٌّ الذُّرَى، قال: فاندفعنا، فقلت لأصحابي: أثينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نستحمله فحلف أن لا يحملنا، ثم ¬
أرسل (¬1) إلينا فحملنا، نسي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمينه، واللَّه لئن تغفَّلنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نفلح أبدًا (¬2)، ارجعوا بنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلنذكره يمينه، فرجعنا فقلنا: يا رسول اللَّه! أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا، ثم حملتنا فظننا -أو فعرفنا- أنك نسيت يمينك، قال: "انطلقوا، إنما حملكم اللَّه، وإني واللَّه -إن شاء اللَّه- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلَّا أتيتُ الذي هو خير وتحللتها". وقد تقدم هذا الحديث، وشرح غريبه في أول كتاب (¬3) الأَيْمَان. * * * ¬
61 - كتاب الفرائض
(61) كتاب الفرائض
1 - باب تعليم الفرائض، وقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} إلى قوله {والله عليم حليم} [النساء: 11 - 12]
(61) كتاب الفرائض (1) باب تعليم الفرائض، وقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 11 - 12] وقال عقبة بن عامر (¬1): تعلموا قبل الظَّانِّين. يعني: الذي يتكلمون بالظن. وعن أبي هريرة (¬2) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث". وقد تقدم بكماله. 2947 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: مرضت فعادني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو ¬
2 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا نورث، ما تركنا صدقة"
بكر، وهما ماشيان فأتاني وقد أُغْمِيَ عليَّ، فتوضأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فصبَّ على وَضُوءَه، فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث (¬1). * * * (2) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نُورَثُ، ما تركنا صدقة" 2948 - عن عائشة: أن فاطمة والعباس (¬2) أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهما حينئذٍ يطلبان أرضَيْهما من فَدَك، وسهمه (¬3) من خيبر. فقال أبو بكر (¬4): سمعت من (¬5) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا نُورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال" قال أبو بكر: واللَّه لا أدع أمرًا ¬
رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصنعه فيه إلَّا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت. 2949 - وعن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال: انطلقت حتى أدخل على عمر، فأتاه حاجبه يَرْفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد؟ قال: نعم، فأَذِنَ لهم، ثم قال: هل لك في عليّ والعباس؟ قال: نعم، قال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا، قال: أَنْشُدُكم اللَّه (¬1) الذي تقوم السماء والأرض بإذنه (¬2)، هل تعلمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، يريد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه، فقال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل على عليٍّ وعباس فقال: هل تعلمان أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد (¬3) قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن اللَّه كان قد خصَّ رسوله (¬4) في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، فقال -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إلى قوله: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فكانت خاصة (¬5) لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فواللَّه ما اختارها (¬6) دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد ¬
أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفق على أهله من هذا المال نفقة سَنَتِهِ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مَجْعَل مال اللَّه، فعمل بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حياته، أنشدكم باللَّه، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. قال (¬1) لعليّ وعباس: أنشدكما باللَّه، هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم. فتوفى اللَّه نبيه (¬2)، فقال أبو بكر: أنا وَليُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقبضها فعمل بما عمل (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم توفى اللَّه أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول اللَّه (¬4)، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول اللَّه (¬5) وأبو بكر، ثم جئتماني وَكَلِمَتُكُما واحدة، وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتاني هذا (¬6) يسألني نصيب امرأته عن أبيها. فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، أفتلتمسان (¬7) مني قضاءً غير ذلك؟ ! فواللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إليَّ فأنا أكفيكماها. * * * ¬
3 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك مالا فلأهله، وألحقوا الفرائض بأهلها"
(3) باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ترك مالًا فلأهله، وألحقوا الفرائض بأهلها" 2950 - عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين، ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته". 2951 - وعن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأَوْلى رجل ذكر". * * * (4) باب ميراث الولد عن أبيه وأمه، وميراث البنات وقال زيد بن ثابت (¬1): إذا ترك رجل (¬2) وامرأة بنتًا فلها النصف، ¬
وإن كانتا اثنتين أو أكثر فلهن الثلثان، وإن كان معهن ذكر بُدئ بِمَن شَرَكَهُمْ، فيُعطى فريضته، فما بقي فللذكر مثل حظ الأنثيين. 2952 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت بمكة مرضًا أشفيت (¬1) منه على الموت، فأتاني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني، فقلت: يا رسول اللَّه! إن لي مالًا كثيرًا، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثُلثي مالي؟ قال: "لا". قال (¬2): فالشَّطْر؟ قال: "لا"، قال: قلت: الثلث (¬3)؟ قال: "الثلث (¬4)، والثلث كثير، إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة إلا أُجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى فِي امرأتك". قلت: يا رسول اللَّه! أُخَلَّفُ عن هجرتي؟ قال (¬5): "لن تخلَّف بعدي فتعمل عملًا تريد به وجه اللَّه إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أَنْ تُخلَّف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويُضَرَّ بك آخرون، ولكنِ البائسُ سعدُ بن خَوْلَة"، يَرْثِي له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن مات بمكة. 2953 - وعن الأسود بن يزيد قال: أتانا معاذ بن جبل باليمن مُعَلِّمًا ¬
5 - باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، وميراث ابنة الابن مع الابنة
وأميرًا، فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف، والأخت النصف. * * * (5) باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، وميراث ابنة الابن مع الابنة قال زيد (¬1): ولد الأبناء بمنزلة الولد إذا لم يكن دونهم ولد ذكر (¬2)، ذَكَرُهم كَذَكَرِهم، وأنثاهم كأنثاهم، يرثون كما يرثون، وَيَحْجُبُون كما يَحجبون، ولا يرث ولد الابن مع الابن. 2954 - وعن هُزَيْل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن بنت، وبنت ابن، وأختٍ، فقال: للبنت (¬3) النصفُ، وللأخت النصفُ، وائت ابن مسعود ¬
فسيتابعني، فأُتي (¬1) ابن مسعود وأُخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، للابنة النصف، ولابنة الابن السُدُس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحَبْر فيكم. وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير (¬2): الجَدّ أبٌ. وقرأ ابن عباس: {يَابَنِي آدَمَ}، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ولم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحابُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون. وقال ابن عباس: يرثني ابن ابني دون إخوتي، ولا أرث أنا ابن ابني؟ ويذكر عن عمر وعليّ وابن مسعود أقاويل مختلفة. 2955 - وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: أما الذي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل" أو قال: "خيرٌ"، فإنه أنزله أبًا، أو قال: قضاه أبًا. * * * ¬
6 - باب ميراث الزوج أو الزوجة مع الولد أو غيره
(6) باب ميراث الزوج أو الزوجة مع الولد أو غيره 2956 - عن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ اللَّه من ذلك ما أحبَّ، فجعل للذكر مثلُ حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكلِّ واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثُمُن والرُّبُع، وللزوج الشَّطْر والربع. 2957 - وعن أبي هريرة أنه قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنين المرأة من بني لَحْيَان سقط ميتًا بغُرَّةٍ، عبدٍ أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى لها بالغُرَّةِ توفيت، فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن ميراثها لبنيها (¬1) وزوجها، وأن العَقْل لعصبتها (¬2). * * * ¬
7 - باب الأخوات مع البنات عصبة، وميراث الكلالة
(7) باب الأخوات مع البنات عَصَبة، وميراث الكلالة 2958 - عن إبراهيم، عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النصف للابنة، والنصف للأخت. وفي رواية (¬1): قضى فينا، ولم يذكر: على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 2959 - وعن البراء قال: آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]. * * * (8) باب ابني عمٍّ، أحدهما أخ لأمّ، والآخر زوج وقال علي (¬2): للزوج النصف، وللأخ للأم السُّدُس، وما بقي ¬
9 - باب ذوي الأرحام
بينهما نصفين. 2960 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وترك مالًا، فماله لموالي العصبة، ومن ترك كَلًّا أو ضياعًا فأنا وليُّه، فلأُدْعَى له". "الكَلّ": العيال. * * * (9) باب ذوي الأرحام 2961 - عن ابن عباس: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون رَحِمِهِ؛ للأُخُوَّة التي آخى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: نسختها: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}. * * * _______ = عن أبي إسحاق، عن البراء به، رقم (6744). 2960 - خ (4/ 240)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، رقم (6745). 2961 - خ (4/ 240)، (85) كتاب الفرائض، (16) باب ذوي الأرحام، من طريق إدريس، هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، عن طلحة هو ابن مُصَرِّف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، رقم (6747).
10 - باب الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط والسائبة
(10) باب الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط والسائبة وقال عمر: اللقيط حرٌّ (¬1). 2962 - وقال هُزَيْل عن عبد اللَّه: إن أهل الإسلام لا يُسيِّبُون، وإنَّ أهل الجاهلية كانوا يسيِّبون. 2963 - وعن الأسود، عن عائشة قالت: اشتريت بَرِيرَة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "الولاء لمن أعتق" وأُهْدِيَ لها شاة (¬3) فقال: "هو لها صدقة، ولنا هدية". قال الحكم والأسود (¬4): وكان زوجها حرًّا. ¬
11 - باب لا ولاء على من أسلم على يديه، ولا لامرأة إلا ما أعتقت، أو ما أعتق من أعتقت
قال البخاري: وقول الحكم والأسود مرسل، وقال ابن عباس: رأيته عبدًا. وفي رواية (¬1): فاشترتها فأعتقتها، قال: وخُيِّرَتْ فاختارت نفسها، وقالت: لو أُعطيت كذا وكذا ما كنت معه. 2964 - وعن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما الولاء لمن أعتق". 2965 - وعن ابن عمر قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الولاء، وعن هبته. * * * (11) باب لا ولاءَ على مَنْ أسلم على يديه، ولا لامرأة إلا ما أعتقت، أو ما أعتق من أعتقت وكان الحسن (¬2) لا يرى لمن أسلم على يديه ولاء. ويذكر عن تميم الداري قال: هو أولى الناس بمحياه ومماته. ¬
12 - باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، وتحريم الانتفاء من النسب والولاء
واختلفوا في صحة هذا الخبر. 2966 - وعن الأسود، عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لمن أعطى الوَرِق وَوَلِيَ النعمة" (¬1). وقد تقدم من حديث ابن عمر (¬2) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الولاء لمن أعتق". * * * (12) باب لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ، وتحريم الانتفاء من النَّسَب والولاء 2967 - عن أسامة بن زيد: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". ¬
13 - باب إذا ادعت المرأة ابنا؟
2968 - وعن سعد قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من ادَّعَى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام". ورواه أيضًا من حديث أبي بَكْرَة (¬1). 2969 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كُفْرٌ". * * * (13) باب إذا ادَّعتِ المرأة ابنًا؟ 2970 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب ¬
بابنك، فقالت (¬1) الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما لداود (¬2) فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود (¬3) فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكِّين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك اللَّه، هو ابنها، فقضى للصغرى". قال أبو هريرة: واللَّه إِنْ سَمِعْتُ بالسكين قط إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المُدْيَة. * * * ¬
62 - كتاب الحدود
(62) كتاب الحدود
1 - باب انتزاع نور الإيمان من الزاني والسارق والشارب والمنتهب
(62) كتاب الحدود (1) باب انتزاع نور الإيمان من الزاني والسارق والشارب والمنتهب 2971 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبة يرفع الناسُ إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن". قال ابن عباس (¬1): ينزع منه نور الإيمان. * * * ¬
2 - باب الحد في الخمر، وكيف هو؟ وكم هو؟
(2) باب الحدّ في الخمر، وكيف هو؟ وكم هو؟ 2972 - عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين. 2973 - وعن عُقبة بن الحارث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ بالنعمان -أو بابن النعيمان (¬1) - وهو سكران، فشق عليه، فأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال، فكنت فيمن ضربه بالنعال. 2974 - وعن أبي هريرة: أُتِيَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: "اضربوه"، قال أبو هريرة (¬2): فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: "لا تقولوا هكذا، ¬
لا تعينوا عليه الشيطان". 2975 - وعن السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإمرة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عَتَوْا وفسقوا جلد ثمانين. 2976 - وعن عمير بن سعيد النخعي قال: سمعت علي بن أبي طالب قال: ما كنت لأقيم حدًّا على أحد فيموت فأَجِدُ في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيْتُهُ (¬1)، وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسُنَّهُ (¬2). * * * ¬
3 - باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وإباحة لعن السارق إذا لم يسم
(3) باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وإباحة لعن السارق إذا لم يُسَمَّ 2977 - عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأُتِي به يومًا فأمر به فَجُلِدَ، قال (¬1) رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله". 2978 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعن اللَّه السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحَبْل فتقطع يده". قال الأعمش: كانوا يرون أنه بَيْضُ الحديد، والحَبْل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم. * * * ¬
4 - باب ظهر المؤمن حمى، إلا في حد أو حق، والحدود كفارة
(4) باب ظَهْرِ المؤمن حِمًى، إلا في حَدٍّ أو حقّ، والحدود كفارة 2979 - عن عبد اللَّه قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع: "لا أيُ شهر تعلمونه أعظم حُرمة؟ " قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: "ألا أيُّ بلد تعلمونه أعظم حُرمة؟ " قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: "أيُّ يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: يومنا (¬1) هذا. قال: "فإن اللَّه (¬2) قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت" ثلاثًا، كل ذلك يُجيبونه: ألا نعم، قال: "ويحكم -أو: ويلكم- لا ترجعوا (¬3) بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". وعن عبادة بن الصامت -وقد تقدم حديثه في الإيمان (¬4) - وفيه: "من أصاب شيئًا من ذلك فعوقب فهو كفارة". قال أبو عبد اللَّه (¬5): إذا تاب السارق وقطعت يده قبلت شهادته، ¬
5 - باب وجوب القيام بحدود الله على الشريف والوضيع، والانتقام لحرمات الله، وتحريم الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام
وكذلك (¬1) الحدود. * * * (5) باب وجوب القيام بحدود اللَّه على الشريف والوضيع، والانتقام لحرمات اللَّه، وتحريم الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام 2980 - عن (¬2) عائشة قالت: ما خُيِّرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإن كان الإثم كان أبعدهما منه، واللَّه ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات اللَّه، فينتقم للَّه. 2981 - وعن عائشة: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، قالوا (¬3): من يكلم (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن ¬
6 - باب في كم تقطع يد السارق، ومن أين تقطع؟
زيد (¬1) حِبّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود اللَّه؟ " ثم قام فخطب فقال: "أيها الناس! إنما ضل -في رواية (¬2): هلك- من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، ماذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وَايْمُ اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها". * * * (6) باب في كم تقطع يد السارق، ومن أين تقطع؟ وقطع عليٌّ من الكف (¬3). وقال قتادة في امرأة سرقت فقطعت شمالها: ليس إلا ذاك (¬4). 2982 - عمرة، عن عائشة قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تقطع يد السارق ¬
في ربع دينار فصاعدًا" (¬1). 2983 - عن عروة قال: أخبرتني عائشة: أن يد السارق لم تقطع على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا في ثمن مِجَنٍّ جَحَفَة أو تُرْسٍ، كل واحد منهما ذو ثمن (¬2). 2984 - وعن ابن عمر قال: قطع رسول اللَّه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- يد سارق في مِجَنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم. وفي رواية (¬4): قيمته. * * * ¬
7 - باب في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية [المائدة: 33]
(7) باب في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة: 33] 2985 - عن أنس بن مالك: أن رهطًا من عُكْل -أو قال: من عُرَيْنَة، ولا أعلمه إلا قال: من عُكْلٍ- قدموا المدينة -وفي رواية (¬1): فاسلموا، فَاجْتَوَوْا المدينة- فأمر لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِلِقَاحٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من ألبانها وأبوالها (¬2)، فشربوا حتى إذا برئوا -في رواية (¬3): صَحُّوا وسَمِنُوا- قتلوا الراعي واستاقوا النَّعَم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غُدْوَةً، فبعث الطلب في آثارهم (¬4)، فما ¬
8 - باب رجم الزاني المحصن
ارتفع النهار حتى أُتِيَ بهم، فقطع (¬1) أيديهم وأرجلهم، وسَمَر أعينهم، فألقوا في الحَرَّة يَستسقون فلا يُسْقَوْن. قال أبو قِلَابَة: هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا اللَّه ورسوله. وفي رواية (¬2): وسَمَل أعينهم، ثم لم يَحْسِمْهُمْ حتى ماتوا. وفي رواية (¬3): فأمر بمسامير فأُحميت فكحلهم. * * * (8) باب رجم الزاني المُحْصَن 2986 - عن الشيباني قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى عن الرجم، فقال: رجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت (¬4): أَقَبْل النُّور أم بعده؟ قال: لا أدري. ¬
9 - باب إقامة حد الرجم على من زنى من أهل الذمة
2987 - وعن جابر: أن رجلًا من أَسْلَمَ جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبِكَ جنون؟ " قال: لا، قال: "أَحْصَنْتَ؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم بالمُصَلَّى، فلما أَذْلَقَتْهُ الحجارة فَرَّ، فأُدْرِك فرُجم بالمُصَلَّى، قال له (¬1) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرًا وصلَّى عليه. انفرد معمر عن الزهري بقوله: وصلى عليه، ولم يروه غيره، ذكره البخاري (¬2). * * * (9) باب إقامة حدِّ الرجم على مَنْ زنى مِنْ أهل الذمة 2988 - عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقالوا: نفضحهم ¬
10 - باب بيان الطرق التي يترتب عليها حد الزنى
ويُجْلَدُون. قال عبد اللَّه ابن سَلَام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سَلَام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قلت: "يحْني" بالحاء رواية الحموي، ويالجيم للسرخسي والكُشميهني، وصوابه: "يَجْنأ" بالجيم والهمزة. * * * (10) باب بيان الطرق التي يترتب عليها حد الزنى 2989 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد قال: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام رجل فقال: أَنْشُدك اللَّه (¬1) إلا قضيت بيننا بكتاب اللَّه، فقام خصمه -وكان أفقه منه- فقال: اقض بيننا بكتاب اللَّه، وائذن لي. قال: "قُلْ"، قال: إن ابني (¬2) كان عسيفًا على هذا، فزنا بامرأته، فافتديت منه بمئة شاة وخادم، ثم سألتُ رجالًا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلدَ مئة وتغريبَ عام، وعلى ¬
11 - باب رجم الحبلى في الزنا
امرأته الرجم. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه (¬1)، المئة شاة والخادم رَدٌّ عليك (¬2)، وعلى ابنك جلدُ مئة وتغريبُ عام، وَاغْدُ يا أُنَيْس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" فغدا عليها فاعترفت فرجمها. 2990 - وعن ابن عباس قال: قال عمر: لقد خشيتُ أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أُحْصِن، إذا قامت البينة، أو كان الحَبَلَ (¬3) أو الاعتراف، ألا وقد رجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجمنا بعده. * * * (11) باب رجم الحُبلَى في الزنا 2991 - عن ابن عباس قال: كنت أُقرئ رجالًا من المهاجرين منهم ¬
عبد الرحمن بن عوف، فبينا (¬1) أنا في منزله بمنًى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجَّها، إذ رجع إليَّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلًا أتى أمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان، يقول: لو قد مات عمر، لقد بايعتُ فلانًا، فواللَّه ما كانت بيعة أبي بكر إلا فَلْتَة (¬2)، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء اللَّه لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم (¬3). قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم هم الذين يغلبون على قُرْبك حين تقوم (¬4) في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها (¬5) عنك كلُّ مُطيِّرٍ، وأنْ لا يَعُوها وأن لا يضعوها على مواضعها، فَأَمْهِل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسُّنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنًا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما واللَّه -إن شاء اللَّه- لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلتُ الرواح حين زالت (¬6) الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو ¬
ابن نفُيْل جالسًا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلًا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفُيْل: ليقولن العشية مقالة لم يَقُلها منذ استخلف، فأنكر عليَّ وقال: ما عَسَيْتَ أن يقول ما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة، قُدِّر (¬1) لي أن أقولها لعلها (¬2) بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها، فَلْيُحَدِّث (¬3) بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها، فلا أُحِلُّ لأحد أن يكذب عليَّ، إن اللَّه بعث محمدًا وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، فالرجم في كتاب اللَّه حق على من زنى إذا أُحْصِنَ من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحَبَل أو الاعتراف، ثم إنَّا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللَّه: "أن لا ترغبوا عن آباءكم؛ فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آباءكم، وإنَّ (¬4) كفرًا بكم أن ترغبوا عن آباءكم". ألا ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُطْرُوني كما أُطْرِي عيسى بن مريم، وقولوا: عبد اللَّه ورسوله". ¬
ثم إنه بلغني أن قائلًا منكم يقول: واللَّه، لو (¬1) مات عمر بايعت فلانًا، فلا يغترنَّ امرؤٌ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن اللَّه وقى شرها، فليس (¬2) فيكم من تُقْطَع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلًا منكم (¬3) من غير مشورة من المسلمين فلا يُبَايَع هو ولا الذي بايعه، تَغِرَّةً أن يقتلا، وإنه كان من خبرنا حين توفَى اللَّهُ نبيَّهُ، أَن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني سَاعِدَة، وخالف عنا عليٌّ والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر! انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا (¬4): نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: واللَّه لنأتينَّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مُزَمَّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا (¬5): هذا سعد بن عُبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يُوعَكُ، فلما جلسنا قليلًا تشهَّد خطيبهم فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار اللَّه، وكتيبة الإسلام، وأنتم معاشر المهاجرين رهط، وقد دفَّت دافَّةٌ من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يَحْضُنُونا من ¬
الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بَعْضَ الحَدِّ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رِسْلِكَ، فكرهت أن أُغضبه، فتكلم أبو بكر -وكان (¬1) هو أحلم مني وأوقر- واللَّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعْرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش. هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهم (¬2) شئتم، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان واللَّه أن أُقَدَّم فتضرب عنقي لا يُقَرِّبني ذلك من إثم، أحب إلى من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسوِّل لي (¬3) نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جُزَيلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب، منا أمير ومنكم أمير يا معاشر (¬4) قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فَرِقْتُ من الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزَوْنَا على سعد بن عُبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، قلت: قتل اللَّه سعد بن عبادة. قال عمر: وإنَّا واللَّه ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلًا منهم بعدنا، فإما بايعناهم ¬
على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع (¬1) على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع (¬2) هو ولا الذي بايعه، تَغِرَّة أن يقتلا. الغريب: "رعَاعُ الناس": جُهَّالهم. و"غَوْغَاؤهم": عامتهم وأخلاطهم. و"أحصن": نكح نكاحًا، ووطئ فيه وطأ مباحًا. و"تُطْرُوني": من الإطراء، وهو الغلو في المدح بالباطل أو بما لا يليق بالممدوح، كما فعلت النصارى بالمسيح واليهود بالعزير. "مُزَمَّل": مُلَفَّف. و"يُوعَك": بالحمى والرِّعْدَة، وكان ذلك به -واللَّه أعلم- لهول ذلك المقام وشدته عليهم. و"دَفَّت دافّة"؛ أي: نزلت بنا دافةٌ، وهم أهل البادية الفقراء، مأخوذ من الدفيف، وهو سيرُ الضعيف. و"يَخْتَزِلُونا": يجذبوننا من أصلنا. و"يَحْضُنُونا": من الحضانة، وكأنه من المقلوب؛ أي: يحضنون الأمر دوننا، واللَّه أعلم. وَ"زوَّرْتُ": رويت وحَسَّنْتُ. و"على رِسْلِك": رِفْقَكَ. و"أوسط العرب": أعدلها نسبًا وأشرفها دارًا. و"تسوِّل": تزيِّن. و"جُذَيْل": تصغير جَذْل، وهو الأصل، ويراد به هنا الجذع الذي تربط إليه الإبل وتنضم إليه تحتك به، ولذلك وصفه بالمحكَّك؛ أي: أملس لكثرة ذلك. و"العُذَيْق ": تصغير عِذْق -بكسر العين في المكبَّر- وهو الكناسة، ¬
12 - باب تجلد الأمة إذا زنت، ولا تنفى ولا يثرب عليها
وهو عرجون النخل المذلل المحسَّن ليجتنى. و"تَغِرَّة": هو بالتاء باثنتين من فوقها وبالغين، وهي مأخوذة من الغرر مخافة أن يقتلا، واللَّه أعلم. * * * (12) باب تجلد الأَمَةُ إذا زنت، ولا تُنْفَى ولا يُثَرَّب عليها 2992 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِل عن الأمة إذا زنت ولم تُحْصَن، قال: "إن (¬1) زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بحبل (¬2) من شَعَرِ". 2993 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا زنت الأمة فتبيَّن زناها فليجلدها، ولا يثرِّب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرّب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر". ¬
13 - باب كم التعزير والأدب، ومن قذف مملوكه لم يحد في الدنيا
قوله: "ولم تُحْصَن"؛ أي: لم تتزوج؛ لأنها إذا تزوجت لم يُقِمْ عليها الحد إلا الإمام؛ لحقِّ الزوج، هذا قول مالك. و"لا يُثَرِّب": لا يوبِّخ ولا يعنِّف. * * * (13) باب كم التعزير والأدب، ومن قذف مملوكه لم يُحَدَّ في الدنيا 2994 - عن عبد الرحمن بن جابر (¬1) بن عبد اللَّه، عن أبي بُرْدَة -واسمه مالك بن نيار- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يُجْلَدُ فوق عشرة أسواط إلا في حَدٍّ من حدود اللَّه". وفي رواية (¬2): "لا عقوبة فوق عشرة أسواط (¬3). . . " الحديث. ¬
2995 - وعن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلد الحدَّ يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال". * * * _______ 2995 - خ (4/ 262)، (86) كتاب الحدود، (45) باب قذف العبيد، من طريق فضيل ابن غزوان، عن ابن أبي نعم، عن أبي هريرة به، رقم (6858).
63 - كتاب الديات
(63) كتاب الديات
(63) كتاب الديات وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُ} الآية [النساء: 93] 2996 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يزال (¬1) الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا". وعنه قال (¬2): من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلِّه. 2997 - وعن عبيد اللَّه بن عدي: أن المقداد بن عمرو الكِنْدِي حليف بنى زهرة، . . . ¬
1 - باب {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة: 32]
وكان (¬1) شهد بدرًا مع رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: يا رسول اللَّه! إني لقيت كافرًا فاقتتلنا، فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة وقال: أسلمت للَّه، أأقتله (¬3) بعد أن قالها؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقتله"، قال: يا رسول اللَّه! فإنه طرح إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها، أأقتله (¬4)؟ قال: "لا تقتله، فإنْ قتلته (¬5) فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال". وقال حبيب بن أبي عمرة (¬6)، عن سعيد، عن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمقداد: "إذا كان رجل مؤمن يخفي (¬7) إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت (¬8) تخفي إيمانك بمكة من قبل". * * * (1) باب {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] قال ابن عباس (¬9): من حرَّم قتلها إلا بحق، فكأنما أحيا الناس جميعًا. ¬
2 - باب قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية [البقرة: 178]
2998 - عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أكبر الكبائر الإشراك باللَّه، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور" أو قال: "وشهادة الزور". 2999 - وعن الحسن، عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، قلت: يا رسول اللَّه! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". * * * (2) باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية [البقرة: 178] وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس. . . " الحديث (¬1). ¬
3 - باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين
3000 - وعن أنس: أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح لها، فقتلها بحجر -وفي رواية (¬1): رَضَّ رأسها بين حجرين (¬2) - فجيء بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رَمَقٌ، فقال: "أقتلك فلان؟ " فأشارت برأسها أنْ لا، ثم قال في الثانية، فأشارت برأسها أنْ لا، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أنْ نعم، فقتله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحجرين (¬3). وفي رواية (¬4): فلم يزل به حتى أقرَّ به، فَرَضَّ رأسه بالحجارة. "الأوضاح": الحُلِيّ. و"رَضَّ رأسه": شَدَخَهُ. * * * (3) باب من قُتِلَ له قتيل فهو بخير النَظَرَيْنِ 3001 - عن أبي هريرة: أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلًا من بني ¬
ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلَّط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحلَّ لأحد قبلي، ولا تحلُّ لأحد بعدي، ألا وإنها أُحِلَّت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُخْتَلَى شوكها، ولا يُعْضَد شجرها، ولا يَلْتَقِطُ ساقطَتها إلا مُنْشِد، ومن قُتِل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُودَى، وإما أن يُقَاد" فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه، فقال: اكتب لي يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتبوا لأبي شاه" ثم قام رجل من قريش فقال: يا رسول اللَّه! إلا الإِذْخِر، فإنا (¬1) نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إلا الإذخر". 3002 - وعن ابن عباس قال: كانت في بني إسرائيل قِصَاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال اللَّه لهذه الأمة: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] قال ابن عباس: فالعفو أن يقبل الدية في العمد، قال: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أن يطلب بمعروف ويؤدّيَ بإحسان. * * * ¬
4 - باب إثم من طلب دم امرئ بغير حق، والعفو في قتل الخطأ
(4) باب إثم من طلب دم امرئٍ بغير حق، والعفو في قتل الخطأ 3003 - عن ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬1): "أبغض الناس إلى اللَّه ثلاثة: مُلْحِدٌ (¬2) في الحرم، ومبتغٍ (¬3) في الإسلام سُنَّة الجاهلية، ومُطَّلِبُ دم (¬4) امرئ بغير حق ليهريق دمه". 3004 - وعن عائشة قالت: لما كان يوم أُحُد هُزم المشركون -قال: وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف، هكذا في رواية (¬5) أخرى- ¬
6 - باب القصاص بين الرجال والنساء في النفس والجراح
فصاح إبليس: أَيْ عباد اللَّه! أخراكم، فرجعت أولاهم (¬1)، فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أيْ عباد اللَّه! أبي أبي، فواللَّه ما احتجزوا حتى قتلوه، قال حذيفة: غفر اللَّه لكم. قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق باللَّه. * * * (6) باب القصَاص بين الرجال والنساء في النفس والجراح قال البخاري (¬2): وقال أهل العلم: يُقتل الرجل بالمرأة، ويذكر عن عمر: يقاد للمرأة من الرجل في كل عَمْدٍ يبلغ نفسَه فما دونها من الجراح. وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه. 3005 - وعن أنس: أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثَنِيَّتَهَا، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر بالقصاص. * تنبيه: كذا وقعت الرواية هنا: "ابنة النضر"، والصواب: "أخت النضر ¬
7 - باب إذا اعترف الشاهد بالخطأ غرم ما أتلف بشهادته، وقتل الغيلة، والقود فيما دون الجراح
ابن أنس" وهي الرُّبَيِّع ابنة أنس (¬1). واللَّه أعلم. * * * (7) باب إذا اعترف الشاهد بالخطأ غرم ما أتلف بشهادته، وقَتْلِ الغِيلَة، والقَوَدِ فيما دون الجراح قال مُطَرِّف (¬2)، عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعه (¬3) عليٌّ، ثم جاءا بآخر فقالا: أخطأنا، فأبطل شهادتهما، وأُخذا بدية الأول، وقال: لو أعلم (¬4) أنكما تعمدتما لقطعتكما. 3006 - وعن نافع، عن ابن عمر (¬5): أن غلامًا قُتل غِيلةً، فقال عمر: ¬
8 - باب من اطلع في بيت أحد بغير إذنه، ومن عض يد رجل فسقطت ثناياه
لو اشترك في دمه أهل صنعاء لقتلتهم به. وقال مغيرة بن حكيم (¬1)، عن أبيه: أن أربعة قتلوا صبيُّا، فقال عمر. . . مثله (¬2). وأقاد أبو بكر وعليٌّ وابن الزبير وسويد بن مُقَرِّن من لطمةٍ. وأقاد عمر من ضربة بالدِّرَّةِ (¬3)، وأقاد عليٌّ من ثلاثة أسواط، واقتص شريح من سوط وخُمُوشٍ. وقد اقتص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن لَدَّهُ في مرضه، كما تقدم من حديث (¬4) عائشة. * * * (8) باب من اطَّلع في بيت أحد بغير إذنه، ومن عَضَّ يد رَجُل فسقطت ثناياه 3007 - عن أبي هريرة: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لو اطَّلع في بيتك أحد، ولم تأذن له حذفته بحصاة، ففقأتَ عينه، ما كان عليك من جناح". ¬
9 - باب دية الأصابع
3008 - وعن أنس: أن رجلًا اطَّلع في بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسَدَّد إليه مِشْقَصًا. 3009 - وعن عمران بن حصين: أن رجلًا عضَّ يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه فاختصموا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أَيَعَضُّ أحدكم أخاه كما يَعَضُّ الفحل، لا دية له". ونحوه عن يَعْلَى بن أُمَيَّة (¬1). * * * (9) باب دية الأصابع 3010 - عن عكرمة، عن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هذه وهذه ¬
10 - باب القسامة، وما جاء فيها
سواء"، يعني: الخِنْصِرَ والإبهامَ. وفي رواية (¬1): قال ابن عباس: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه. * * * (10) باب القَسَامة، وما جاء فيها وقال الأشعث بن قيس (¬2): قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شاهداك أو يمينه". وقال ابن أبي مليكة: لَمْ يَقُدْ بها معاوية، وكتب عمر بن عبد العزيز (إلى عَدِيّ) (¬3) بن أرطاة وكان أَمَّره على البصرة في قتيل وُجد عند بيت من بيوت السَّمَّانِين: إن وجد أصحابُه بينةً، وإلا فلا تظلم الناس، فإن هذا لا يقضي فيه إلى يوم القيامة. 3011 - وعن بُشير بن يسار: زعم أن رجلًا من الأنصار يقال له: سهل ابن أبي حَثْمَةَ أخبره أن نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، فوجدوا ¬
أحدهم قتيلًا وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا. قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلًا. فانطلقوا إلى رسول (¬1) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه! انطلقنا إلى خيبر، فوجدنا أحدنا قتيلًا، فقال: "الكُبْرَ، الكُبْر" (¬2) فقال لهم: "تأتوني (¬3) بالبينة على من قتله. قالوا (¬4): ما لنا بينة. قال: "فيحلفون" قالوا: لا نرضى بأَيْمان اليهود فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُطَلَّ دمه، فوداه مئة من إبل الصدقة. 3012 - وعن أبي رجاء -من آل أبي قلابة- قال: حدثني أبو قلابة (¬5) أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثم أذن لهم فدخلوا. فقال: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول القسامة القَوَدُ بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء. قال (¬6): ما تقول يا أبا قلابة؟ -ونصبني للناس- فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل مُحْصَنٍ بدمشق أنه قد زنى، ولم يروه، أكنتَ ترجمه؟ قال: ¬
لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم (¬1) شهدوا على رجل منهم بحِمْصَ أنه قد سرق، كنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فواللَّه ما قتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل يقتل بجَرِيرة نفسه فَيُقْتَل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب اللَّه ورسوله وارتد عن الإسلام. فقال القوم: أوليس قد حدَّث أنس بن مالك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في السرق -أو قطع من سرق (¬2) وسَمَّرَ الأعين، ثم نبذهم في الشمس؟ فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس، حدثني أنس أن نفرًا من عُكْلٍ ثمانية قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاسْتَوْخَمُوا الأرض، فَسَقَمَتْ أجسادهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلا تخرجون مع راعينا في إبله (¬3) فتصيبون من أبوالها وألبانها" قالوا: بلى. فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها فصحُّوا، فقتلوا راعي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَطْرَدوا النَّعَمَ، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأرسل في آثارهم فأُدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَّر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء، ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا، وسرقوا. فقال عنبسة بن سعيد: واللَّه إنْ سمعت كاليوم قط. فقلت: أتردَّ عليَّ حديثي يا عنبسة؟ فقال: لا، ولكن جئت بالحديث على وجهه، واللَّه لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم. ¬
قلت: وقد كان في هذا سُنَّة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، دخل عليه نفر من الأنصار يتحدثون عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فَقُتِلَ فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحَّط في الدم (¬1) فرجعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه! صاحبنا كان يتحدث معنا، فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهُم فقال: "من تظنون -أو (¬2) من ترون قتله؟ " قالوا: نرى أن اليهود قتلته، فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال: "أنتم قتلتم هذا؟ " قالوا: لا. قال: "أترضون نَفَلَ خمسين من اليهود ما قتلوه؟ " قالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يَنْفِلُون (¬3). قال: "أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ " قالوا: ما كنا لنحلف، فَوَدَاه من عنده قلت: وقد كانت هُذَيْل خَلَعُوا خَلِيعًا لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن (¬4)، فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل وأخذت اليماني، فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا. فقال: إنهم قد خلعوه. فقال: تقسم خمسون من هُذيل ما خلعوا، فأتوا (¬5) فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلًا، وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم، فافتدى بيمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلًا آخر فدفعه إلى أخي المقتول يده بيده (¬6). ¬
11 - باب حكم جنين المرأة والعاقلة
قال (¬1): فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء، فدخلوا إلى غار في الجبل، فانْهَجَم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعًا، وأفلت القرينان فاتَّبَعَهُمَا حجر فكسر رِجلَ أخي المقتول فعاش حولًا ثم مات. فقلت: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلًا بالقسامة ثم ندم بعدما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا، فَمُحُوا من الديوان، وصيرهم (¬2) إلى الشام. الغريب: "يتشحط": يتلطخ ويضطرب. و"نَفَلُ الخمسين": بفتح الفاء وهو الصواب: أَيْمانُ خمسين منهم. قال عياض: وسميت القسامة نَفَلًا؛ لأن الدم ينْفَل بها؛ أي: انتفى، ومنه انتفل من ولده؛ أي: جحده، و"الخليع": هو الذي خلعه أهله فتبرؤوا منه حتى لا يُطْلَبوا بشيء من جناياته. * * * (11) باب حكم جنين المرأة والعاقلة 3013 - عن الشعبي قال: سمعت أبا جُحَيْفَة قال: سألت عليًّا: هل ¬
عندكم شيء مما (¬1) ليس في القرآن، وقال مرة: ليس (¬2) عند الناس؟ فقال: والذي فَلَقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النسمة، ما عندنا إلَّا ما في القرآن، إلَّا فهمًا يعطى رجلًا في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العَقْل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. 3014 - وعن عروة: أن عمر نَشَد الناس من سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في السِّقْط؟ فقال المغيرة: أنا سمعته قضى فيه بغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ. فقال: ائت من يشهد معك على هذا. فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثل هذا. وفي رواية (¬3) عن عروة: أنَّه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر أنَّه استشارهم في إملاص المرأة مثله. 3015 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في جنين امرأة من ¬
12 - باب من استعان صبيا أو عبدا
بني لَحْيَان بغُرَّةٍ عبدٍ أو أَمَةٍ، ثم إن المرأة التي قضى فيها (¬1) بالغُرَّة توفيت، فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عَصَبَتِهَا. وفي رواية (¬2) قال: اقتتلت امرأتان من هُذَيْل، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقضى أن دية جنينها غُرَّةٌ عبدٌ أو وليدةٌ، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها. * تنبيه: الضمير في "عاقلتها" عائد على القاتلة، وكذا جاء مُفَسَّرًا في رواية أخرى. و"الإملاص": الإزلاق. و"التفلُّت" و"الملاص": هو الجنين المُزْلَق. * * * (12) باب من استعان صبيًّا أو عبدًا ويذكر أن أم سلمة (¬3) بعثت إلى معلم الكُتَّابِ: ابعث لي غلمانًا يَنْفُشُونَ صوفًا، ولا تبعث إلى حُرًّا. ¬
3016 - وعن أَنس: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أخذ أَبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إن أَنَسًا غلام كَيِّسٌ فليخدمك، قال: فخدمته في الحضر والسفر. . . الحديث، وقد تقدم. 3017 - وعن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العَجْمَاء جَرْحُهَا جُبَار، والبئر جُبار، والمعدن جُبار، وفي الركاز الخُمُس". وقال ابن سيرين (¬1): لا يُضَمِّنُون من النَّفْحَة (¬2)، ويضمنون من رد العِنَان (¬3). وقال حماد: لا تُضْمَنُ النفحة إلَّا أن يَنْخُسَ إنسان الدابة. وقال شُرَيْح: لا تضمن ما عاقبت، أن يضربها (¬4)، فتضرب برجلها. وقال الحكم ¬
13 - باب إثم من قتل ذميا بغير جرم، ولا يقتل مسلم بكافر
وحماد (¬1): إذا ساق المُكَاري حمارًا عليه امرأة فَتَخِرُّ، لا شيء عليه. وقال الشعبي: إذا ساق الدابة فأتبعها (¬2) فهو ضامن لما أصابت، وان كان خلفها مترسلًا لم يضمن. * * * (13) باب إثم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم، ولا يقتل مسلم بكافر 3018 - عن عبد اللَّه بن عمرو: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل نفسًا مُعَاهِدًا، لم يَرُحْ رائحة الجنَّةَ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". وقد تقدم حديث أبي جُحَيْفة (¬3): "لا يقتل مسلم بكافر". * * * ¬
64 - كتاب المرتدين واستتابتهم
(64) كتاب المرتدين واستتابتهم
1 - باب الردة
(64) كتاب المرتدين واستتابتهم (1) باب الرِّدَّةِ الردة محبطة للأعمال الدينية، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]، و {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]. 3019 - وعن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخِذَ بالأول والآخر". * تنبيه: يعني بالإحسان في الإسلام، الإخلاص فيه حين دخوله، والدوام على ذلك إلى حين وفاته، والإساءة فيه ضد ذلك، فإنه إن لم يحسن بباطنه في إسلامه كان منافقًا، ولا ينهدم عنه ما عمل في الجاهلية من الكبائر _______ 3019 - خ (4/ 278)، (88) كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، (1) باب إثم من أشرك باللَّه في الدنيا والآخرة، قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، من طريق سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به، رقم (6921).
2 - باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم
بالنفاق، بل بالإسلام الخالص، فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره المتقدم، فيكون مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وكذلك إن ارتد ومات عليها أحبطت ردته عمله، فيلقى اللَّه كافرًا، أعاذنا اللَّه من النفاق وأهله. * * * (2) باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم وقال (¬1) ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة، وقال اللَّه تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89]. 3020 - وعن عكرمة قال: أُتِي عليٌّ -رضي اللَّه عنه- بزنادقة، فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تعذبوا بعذاب اللَّه"، ولقتلتهم لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه". 3021 - وعن أبي موسى قال: أقبلت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، ¬
3 - باب (قتل من أبى) قبول الفرائض أو بعضها
فكلاهما سأل، فقال: "يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس" قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكاني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت. فقال لي: "لن -أَوْ لَا- نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن" ثم أتبعه معاذَ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء اللَّه ورسوله -ثلاث مرار (¬1) - فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا: فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي. * * * (3) باب (قتل من أَبى) (¬2) قبول الفرائض أو بعضها 3022 - وعن أبي هريرة قال: لما توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واستخلف أَبو بكر وكفر من كفر قال عمر: يا أبا بكر! كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلَّا اللَّه، فمن قال: لا إله إلَّا اللَّه ¬
4 - باب قتال الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة، وقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [التوبة: 115]
فقد عصم مني ماله ونفسه إلَّا بحقه، وحسابه على اللَّه"؟ قال أَبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عَنَاقًا كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فواللَّه، ما هو إلَّا أن رأيت أن اللَّه قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنَّه الحق. * * * (4) باب قتال الخوارج والملحدين بعد إقامة الحُجَّة، وقول اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وكان ابن عمر يراهم شرار خلق اللَّه فقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين (¬1). وقد تقدم حديث عليٍّ (¬2). ¬
3023 - وعن أبي سلمة وعطاء بن يسار: أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحَرُورِيَّة، أسمعت نبي اللَّه (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: لا أدري ما الحرورية؟ سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يخرج في هذه الأمة -ولم يقل: منها- قوم تَحْقِرُونَ (¬2) صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم -أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّمِيَّة، ينظر الرامي إلى سهمه، إلى نَضِيِّه (¬3)، إلى رِصَافِهِ، فيتمارى في الفُوقة هل بها من الرَّمِيَّةِ (¬4) شيءٌ". 3024 - وعن حديث سهل بن حُنَيْف قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -وأهوى بيده قبل العراق-: "يخرج منه قوم يقرؤون القرآن، ولا يجاوز تراقيهُم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرَّمِيَّة. . . ". ¬
5 - باب من ترك قتال الخوارج للتألف، وأن لا ينفر الناس عنه، وما جاء في المتأولين
وقد تقدم غريب هذا الحديث في كتاب النبوات. * * * (5) باب من ترك قتال الخوارج للتألُّف، وأن لا ينفر الناس عنه، وما جاء في المتأوّلين ذكر في هذين البابين أحاديث تقدم ذكرها (¬1). * * * ¬
65 - كتاب الإكراه
(65) كتاب الإكراه
(65) كتاب الإكراه وقول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]. وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]. فعذر المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر اللَّه به، والمُكْرَه لا يكون إلَّا مستضعفًا غير ممتنع من فعل ما أمر به، وقال الحسن: التقية إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس: فيمن يكرهه اللصوص فَيُطَلِّق ليس بشيء، وبه قال ابن عمر، وابن الزبير، والشعبي، والحسن، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأعمال بالنية" (¬1). وقد تقدم حديث لأبي هريرة في دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعيَّاش بن أبي ربيعة وأصحابه في كتاب الصلاة (¬2). ¬
1 - باب مدح من صبر على الضرر والأذى، ولا ينطلق بكلمة الكفر
(1) باب مدح من صبر على الضرر والأذى، ولا ينطلق بكلمة الكفر عن أَنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان. . . " الحديث، وقد تقدم (¬1). وعن خباب بن الأَرَتِّ قال: شكونا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَة له في ظل الكعبة، فقلت: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان مَنْ قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه. . . " الحديث، وقد تقدم (¬2). * * * (2) باب لا يجوز نكاح المُكْرَه، وقول اللَّه تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] 3025 - عن خنساء بنت خِدَام الأنصارية: أن أباها زوَّجها، وهي ثيب ¬
3 - باب إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها، لقوله تعالى: {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}
فكرهت ذلك، فأتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردَّ نكاحها. وقد تقدم، وتقدم أيضًا حديث ابن عباس (¬1) في تفسير قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]، يقال: كَرْهًا وكُرْهًا -بفتح الكاف وضمها- بمعنى واحد. * * * (3) باب إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حَدَّ عليها، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3026 - وقال نافع: إن صفية بنت أبي عُبيد أخبرته أن عبدًا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس، فاستكرهها حتى افتضها، فجلده عمر الحَدَّ ونفاه، ولم يجلد الوليدة من أجل أنَّه استكرهها. ¬
4 - باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه، إذا خاف عليه القتل ونحوه
وقال الزهري في الأمة البكر يَفْتَرِعُها الحُرُّ: يقيم ذلك الحكم من الأَمة العذراء بقدر ثمنها، ويجلد، وليس في الأمة الثيب في قضاء الأئمة غُرْم، ولكن عليه الحد، وقد تقدم حديث إبراهيم وزوجته سارة (¬1). * * * (4) باب يمين الرجل لصاحبه أنَّه أخوه، إذا خاف عليه القتل ونحوه وكذلك كل مُكره يخاف، فإنه يَذُبُّ عنه الظالم، ويقاتل دونه، ولا يخذله، فإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص، وإن قيل له: لتشربن الخمر أو لتأكُلَنَّ الميتة أو لتبيعن عبدك، أو تَقَرَّ بدين، أو تهب هبة، أو تحل عقدة، أو لَنَقْتُلَنَّ أباك أو أخاك، أو ما أشبه ذلك (¬2) لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، (¬3) لا يظلمه ولا يُسْلِمه، من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته" رواه ابن عمر (¬4)، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
3027 - وعن أَنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فقال رجل: يا رسول اللَّه! أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا فكيف (¬1) أنصره؟ قال: "تَحْجِزُه أو تمنعه من الظلم، فذلك (¬2) نصره". * * * ¬
66 - كتاب الحيل
(66) كتاب الحيل
1 - باب من ترك الحيل الذي تفضي إلى تغيير الشرائع، وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيره
(66) كتاب الحيل (1) باب من ترك الحيل الذي تفضي إلى تغيير الشرائع، وأن لكل امرئٍ ما نوى في الأَيْمَان وغيره وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإنما لكل امرئٍ ما نوى" (¬1). وقوله: "لا يفرِّق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق؛ خشية الصدقة" (¬2). 3028 - عن طلحة بن عبيد اللَّه: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثائر الرأس، فقال: يا رسول اللَّه! أخبرني ماذا فرض اللَّه عليَّ من الصلوات (¬3)؟ ¬
قال: "الصلوات الخمس إلَّا أن تَطَّوَّع شيئًا"، فقال: أخبرني بماذا فرض (¬1) اللَّه عليَّ من الصيام؟ قال: "شهر رمضان، إلَّا أن تَطَّوَّع شيئًا"، قال: أخبرني بما فرض اللَّه عليَّ من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشرائع الإسلام، وقال (¬2): والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض اللَّه على شيئًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنَّةَ إن صدق". قال البخاري: وقال بعض الناس: في عشرين ومئة حِقَّتان، فإن أهلكها متعمدًا، أو وهبها، أو احتال فيها فرارًا من الزكاة، فلا شيء عليه (¬3). 3029 - وأورد بعد هذا القول من حديث أبي هريرة (¬4): قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع، يفر منه صاحبه ويطلبه (¬5)، ويقول: أنا كنزك، قال: واللَّه لا يزال (¬6) يطلبه حتى تُسَلَّط يده فيلقمها فاه". 3030 - وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "إذا ما رَبُّ الغنم لم يعط حقها، تُسَلَّط عليه يوم القيامة فتخبط وجهه بأخفافها". ¬
2 - باب الحيلة في النكاح
وقال بعض الناس في رجل له إبل يخاف (¬1) أن تجب عليه الصدقة، فباعها بإبل مثلها أو بغنم أو ببقر أو بدراهم؛ فرارًا من الصدقة بيوم؛ احتيالًا: فلا شيء عليه، وهو يقول: إن زكَّى إبله قبل أن يحول الحَوْل بيوم أو بسَنَةٍ أجزأت (¬2) عنه. قال: وقال بعض الناس (¬3): إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه، فإن وهبها قبل الحول أو باعها؛ فرارًا أو احتيالًا لأسقاط الزكاة، فلا شيء عليه، وكذلك إن أتلفها فماتت، فلا شيء عليه في ماله. * * * (2) باب الحيلة في النكاح وقد تقدم حديث ابن عمر في نهيه عن الشغار في النكاح (¬4). وقال بعض الناس (¬5): إن احتال حتى تزوَّج على الشغار فهو جائز، والشرط باطل. ¬
3 - باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، فقضى بقيمتها، ثم وجدها صاحبها فهي له، ورد القيمة، ولا تكون القيمة ثمنا وحكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن
3031 - وعن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وقيل له: إن ابن عباس لا يَرَى بمتعة النساء بأسًا، فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية. وقال بعض الناس: إن احتال حتى تمتع فالنكاح فاسد، وقال بعضهم: النكاح جائز والشرط باطل. * * * (3) باب (¬1) إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، فقضى بقيمتها (¬2)، ثم وجدها صاحبها فهي له، ورَدَّ (¬3) القيمة، ولا تكون القيمة ثمنًا وحكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن وقال بعض الناس: الجارية للغاصب لأخذه القيمة (¬4)، وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها، فغصبها فَاعْتَلَّ بأنها ماتت، ¬
4 - باب ما ذكر من حيل بعض الناس الفاسدة في النكاح
فيأخذ (¬1) ربها قيمتها، فتطيب للغاصب جارية غيره. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أموالكم عليكم حرام"، "ولكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به" (¬2). 3032 - وعن أم سلمة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما أنا بشر مثلكم (¬3)، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذْه، وإنما أقطع له قطعة من النار". * * * (4) باب ما ذكر من حيل بعض الناس الفاسدة في النكاح قال البخاري (¬4): قال بعض الناس: إذا لم تُسْتأذن البكر ولم تُزَوَّج، فاحتال رجل فأقام شاهدي زور أنَّه تزوجها برضاها، فأثبت القاضي نكاحها، والزوج يعلم أن الشهادة باطلة، فلا بأس أن يطأها، وهو تزويج صحيح. ¬
وذكر حديث خنساء بن خِدَام، وقد تقدم في النكاح (¬1). وقال بعض الناس (¬2): إن احتال انسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها، فأثبت القاضي نكاحها اياه، والزوج يعلم أنَّه لم يَتَزَوَّج (¬3) بها قط، فإنه يسعه هذا النكاح، ولا بأس له بالمقام معها (¬4). وقال بعض الناس (¬5) أيضًا: إن هوى إنسان (¬6) جارية ثيبًا (¬7) أو بكرًا فأبت، واحتال (¬8) فجاء بشاهدي زور على أنَّه تزوجها، فأدركت فرضيت اليتيمة، فقبل القاضي شهادة (¬9) الزور، والزوج يعلم بطلان ذلك، حلَّ له الوطء. وذكر حديث عائشة باستئذان الثيب وصمات البكر، وقد تقدم (¬10). * * * ¬
5 - باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، ومن الاحتيال في الفرار من الطاعون
(5) باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، ومن الاحتيال في الفرار من الطاعون وقد تقدم حديث عائشة مع حفصة في العسل في التفسير (¬1)، وحديث عمر في الوباء في كتاب الطب (¬2). * * * (6) باب الاحتيال بالهبة والشفعة في إسقاط الزكاة وقال بعض الناس (¬3): إن وُهِبَ هبة ألف درهم أو كثر حتى مكثت عنده سنين، واحتال في ذلك، ثم رجع الواهب فيها = فلا زكاة على واحد منهما، فخالف الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهبة (¬4) وأسقط الزكاة. وذكر بعده حديث جابر في الشفعة، وقد تقدم في البيوع (¬5). ¬
وقال: قال بعض الناس (¬1): الشفعة للجوار، ثم عمد إلى ما شدده فأبطله. وقال: إن اشترى دارًا فخاف أن يأخذ الجار بالشفعة، فاشترى سهمًا من مئة سهم، ثم اشترى الباقي، وكان للجار الشفعة في السهم الأول ولا شفعة له في باقي الدار، وله أن يحتال في ذلك. 3033 - وعن عمرو بن الشريد (¬2) قال: جاء المِسْوَر بن مخرمة فوضع (¬3) يده على منكبي، فانطلقت معه إلى سعد، فقال أَبو رافع للمِسْوَر: ألا تأمر هذا أن يشتري مني بيتي الذي في داره (¬4)؟ فقال: لا أزيده على أربع مئة، إما مقطعة وإما مُنَجَّمة (¬5). قال: أُعْطِيت خمس مئة نقدًا فمنعته، ولولا أني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الجار أحق بِصَقَبِه (¬6) " ما بعتكه، أو قال: ما أعطيتكه. وقال بعض الناس: إذا أراد أن يقطع الشفعة، فله أن يحتال حتى يبطل ¬
7 - باب احتيال العامل ليهدى إليه
الشفعة، فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها (¬1)، ويدفعها إليه، ويعوضه المشتري ألف درهم، فلا يكون للشفيع فيها شفعة. وقال بعض الناس (¬2): إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة، وهب لابنه الصغير، ولا يكون عليه يمين. * * * (7) باب احتيال العامل ليُهْدَى إليه 3034 - عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا على صدقات بني سُلَيْم، يدعى ابن اللُّتْبِيَّةِ، فلما جاء حاسبه فقال: هذا لكم (¬3) وهذا هَدِيَّة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فهلَّا جلست في بيت أبيك أو أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا"؟ ثم خطبنا فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولَّاني اللَّه، فيأتي فيقول: هذا مَالُكُم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه ¬
هديته؟ واللَّه لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلَّا لقي اللَّه يحمله يوم القيامة، فلا أعرفَنَّ أحدًا منكم لقي اللَّه يحمل بعيرًا له رُغاء، أو بقرة (¬1) لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر، ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت" بَصُرَ عيني، وسَمِعَ أذني. وقال بعض الناس (¬2): إن اشترى دارًا بعشرين ألف درهم، فلا بأس أن يحتال حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم، وينقده تسعة ألف درهم، وتسع مئة وتسعة وتسعين (¬3)، وبنقده دينارًا بما بقي من العشرين الألف، فإن طلب الشفيع أَخَذَها (¬4) بعشرين ألف درهم، وإلَّا فلا سبيل له على الدار. وإن اسْتُحِقَّت الدار رجع المشتري على البائع بما دفع إليه، وهي تسعة آلاف درهم وتسع مئة وتسعة وتسعين درهمًا ودينارًا؛ لأن البيع حين أستحق انتقض الصَّرف في الدينار، فان وجد بهذه الدار عيبًا ولم تستحق، فإنه يردها عليه بعشرين ألفًا، قال: فأجاز هذه الخدع (¬5) بين المسلمين، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيع المسلم لا داء، ولا خِبْثَةَ، ولا غَائِلَة (¬6) ". ¬
وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للذي ذكر أنَّه يخاع في البيوع (¬1): "إذا بايعت فقل: لا خلابة". * * * ¬
67 - كتاب التعبير
(67) كتاب التعبير
1 - باب الرؤيا
(67) كتاب التعبير قد تقدم في أول الكتاب (¬1) قول عائشة: إن أول ما بدئ به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرؤية الصادقة في النوم. (1) باب الرؤيا الرؤية الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة. 3035 - وعن أَنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". ¬
2 - باب الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، وما الذي يعمل إذا رأى ما يحب أو ما يكره
3036 - من حديث عُبادة بن الصامت وأبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رؤيا المؤمن جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". * * * (2) باب الرؤيا الصالحة من اللَّه، والحلم من الشيطان، وما الذي يعمل إذا رأى ما يُحب أو ما يكره 3037 - عن أبي قتادة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرؤيا الصالحة من اللَّه، والْحُلُم من الشيطان، فإذا حَلَمَ أحدكم فليتعوذ منه، وليبصق عن شماله، فإنها لا تضره". وفي رواية: "فلينفث عن شماله ثلاثًا، وليتعوذ من الشيطان؛ تضره، وإن الشيطان. . . . _______ 3036 - خ (4/ 296 - 297)، (91) كتاب التعبير، (4) باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، من طريق غندر، عن شعبة، عن قتادة، عن أَنس ابن مالك، عن عبادة بن الصامت به، رقم (6987). ذاك حديث عبادة، وأما حديث أبي هريرة فتخريجه: خ (4/ 297)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة بنفس لفظ عبادة، رقم (6988)، وطرفه في (7017). 3037 - خ (4/ 296)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي قتادة به، رقم (6986).
3 - باب المبشرات، ومن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-
لا يتراءى بي" (¬1). 3038 - وعن أبي سعيد الخدري: أنَّه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا رأى أحدكم الرؤيا (¬2) يحبها، فإنما هي من اللَّه، فليحمد اللَّه عليها، وليتحدث بها (¬3)، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره". * * * (3) باب المُبَشِّرات، ومن رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 3039 - وعن أبى هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لم يبق من ¬
4 - باب رؤيا الليل والنهار سواء
النبوة إلا المبشرات"، قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة". 3040 - وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي، (فإن الشيطان لا يتخيل بي) (¬1) ". 3041 - ومن حديث أبي قتادة: "من رآني فقد رأى الحق". 3042 - ومن حديث أبي سعيد: "من رآني فقد رأى الحق". * * * (4) باب رؤيا الليل والنهار سواء وقال ابن عون (¬2): عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل. ¬
5 - باب رؤيا النساء كرؤيا الرجال
3043 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُعطيت مفاتيح الكلم، ونُصِرت بالرعب، وبينا أنا نائم البارحة، إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، ووضعت (¬1) في يدي". قال أَبو هريرة: فذهب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنتم تنتشلونها (¬2). وقد تقدم في الجهاد (¬3) حديث أم حَرَام، وفيه: أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها يومًا فنام عندها، فاستيقظ فضحك، فقالت له: ما يضحكك؟ فقال: "ناس من أمتي عُرِضُوا عَليَّ غُزَاة في سبيل اللَّه. . . ". * * * (5) باب رؤيا النساء كرؤيا الرجال 3044 - وعن أم العلاء -امرأة من الأنصار بايعتْ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها (¬4) ¬
6 - باب تأويل شرب اللبن، ولبس القميص في المنام
أخبرت: أنهم اقتسموا المهاجرين قُرعة، فطار لنا (¬1) عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوَجِعَ وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي غُسِّل وكفِّن في أثوابه، دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه، قالت: فقلت: رحمة اللَّه عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما يدريك أن اللَّه أكرمه؟ " فقلت: بأبي أنت يا رسول اللَّه، فمن يكرمه اللَّه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما هو فقد جاءه -واللَّه- اليقين (¬2)، واللَّه إني لأرجو له الخير، واللَّه ما أدري -وأنا رسول اللَّه- ما يُفْعَل بي (¬3) "، فقالت: واللَّه، لا أزكي بعده أحدًا أبدًا، قالت: وأحزنني (¬4) فنمتُ، فرأيت لعثمان عينًا تجري، فأخبرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ذلك عمله". * * * (6) باب تأويل شرب اللبن، ولبس القميص في المنام 3045 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بينا أنا نائم أُتيت بقدح ¬
7 - باب قد يقع المرئي في اليقظة على الصورة المرئية في النوم
لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يخرج من أظفاري (¬1) -وفي رواية (¬2): في (¬3) أظفاري- فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، فقال مَنْ حوله: فما أوّلت ذلك؟ قال: "العلم". وقد تقدم حديث أبي سعيد الخدري في رؤيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس وعليهم القُمُص وعلى عمر قميص يجرُّه (¬4)، في مناقب عمر. وقد تقدم حديث رؤيا عبد اللَّه بن سَلَام في المناقب (¬5). * * * (7) باب قد يقع المَرْئي في اليقظة على الصورة المرئية في النوم 3046 - عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُريتك قبل أن أتزوجك ¬
8 - باب تأويل القيد، وأقسام الرؤيا
مرتين، رأيت الملك يحملك في سَرِقَةِ من حرير، فقلت له: اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت: إنْ يكن هذا من عند اللَّه يُمْضِه، ثم أُريتك يحملك في سرقة من حرير، فقلت له (¬1): اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند اللَّه يُمْضِهِ". * تنبيه: "السَّرَقَةُ": واحدة السَّرَق، وهي شقائق الحرير أبيض، ومدخل الشَرْطِ لإمكان أن تقع الرؤيا على ظاهرها أولًا، لا في كونها حقًا. * * * (8) باب تأويل القَيْدِ، وأقسام الرؤيا 3047 - عن محمد بن سيرين: أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اقترب الزمان لم تَكَدْ رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من (ستة وأربعين جزءًا) (¬2) من أجزاء النبوة، وما كان (¬3) من النبوة فإنه لا يكذب". قال محمد: وأنا أقول هذه، قال: وكان يقال: "الرؤيا ثلاث: حديث ¬
9 - باب تأويل سواري الذهب، وإذا رأى بقرا تذبح، ومعنى السيف
النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من اللَّه، ومن (¬1) رأى شيئًا فكرهه فلا يَقُصَّهُ على أحد، وليقُمْ فليصل"، قال: وكان يكره الغُلَّ في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين. * تنبيه: "اقتراب الزمان": اعتدال الليل والنهار، وهو أشبه ما قيل فيه. و"لم تكد": لم تقارب؛ أي: لا تكون رؤيا المؤمن إلَّا صادقة. * * * (9) باب تأويل سواري الذهب، وإذا رأى بَقَرًا تذبح، ومعنى السيف 3048 - عن أبي هريرة: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون"، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي سوارين (¬2) من ذهب، فَكَبُرا عليَّ وأَهَمَّاني، فأوحي إلى أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأوّلتهما الكذَّابَيْن اللَذيْن أنا بينهما، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة (¬3) ". ¬
10 - باب عذاب من كذب في حلمه
3049 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رأيت في رؤياي أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أُحُد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين". عن أبي موسى -أُراه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهْلِي إلى أنها اليمامة أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت فيها بقرًا واللَّهُ خَيْرٌ، فإذا هم المؤمنون يوم أُحُد، وإذا الخير ما جاء اللَّه به من الخير، وثواب الصدق الذي آتانا اللَّه به يوم بدر (¬1). * * * (10) باب عذاب من كذب في حلمه 3050 - عن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من تحلَّم بحُلُمٍ لم يره، ¬
11 - باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها
كُلِّفَ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه، صُبَّ (في أذنه الآنُك) (¬1) يوم القيامة، ومن صوَّر صورة عُذِّب وكلِّف أن ينفخ فيها، وليس بنافخٍ". 3051 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ من أَفْرَى الفِرى أن يُرِيَ عينيه ما لم تَرَ". * * * (11) باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها 3052 - عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن قال: لقد كنت أرى الرؤيا فَتُمْرِضُنِي حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الرؤيا الحَسَنة من اللَّه، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدِّث به إلَّا من يحب، وإذا رأى ما يكره، فليتعوذ باللَّه من شرها ومن ¬
12 - باب من لا يرى الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب
شر الشيطان، وليَتْفُلْ ثلاثًا، ولا يحدِّث بها أحدًا؛ فإنها لن تضرَّه". * * * (12) باب من لا يرى الرؤيا لأوَّل عابر إذا لم يُصِبْ 3053 - عن ابن عباس قال: إن رجلًا أتى النبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظُلَّةً تَنْطُفُ السمن والعسل، فأرى الناس يتكفَّفُون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فَعَلَوْتَ، ثم أخذ به رجل آخر (فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر) (¬2) فانقطع، ثم وصل (¬3)، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمي لتدعني (¬4) فأعبرها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اعبُرْ" (¬5)، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي يَنْطُفُ من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تَنْطُفُ، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فَيُعْلِيك ¬
اللَّه، ثم يأخذه به رجل آخر من بعدك يعلو به (¬1)، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر (¬2) فينقطع به، ثم يُوصَل به (¬3) فيعلو به، فأخبرني يا رسول اللَّه (¬4)، أصبت أم أخطأت؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا"، فقال: واللَّه يا رسول اللَّه لَتُحَدِّثنِّي بالذي أخطأت، قال: "لا تقسم". الغريب: "الظُّلَّة": السحابة المُظِلَّة. و"تَنْطُفُ": تقطر. و"يَتَكَفَّفُون": يأخذون بأكفهم. و"السبب": الحبل، والآخذون بالسبب الخلفاء، والذي انقطع به ووصل له عمر بن الخطاب؛ لأنه أوصل بأهل الشورى بعثمان، واللَّه أعلم بما خفي على أبي بكر من ذلك حتى نسبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الخطأ. * * * ¬
68 - كتاب الفتن
(68) كتاب الفتن
1 - باب وقوع الفتن والأمر باتقائها، لقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25]
(68) كتاب الفتن (1) باب وقوع الفتن والأمر باتقائها، لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] 3054 - عن زينب بنت جحش أنها قالت: استيقظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من النوم محمرًا وجهه يقول (¬1): "لا إله إلَّا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه" -وعقد سفيان تسعين أو مئة- قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كَثُر الخَبَثُ". 3055 - وعن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أُطُمٍ من آطام ¬
المدينة، فقال: "هل ترون ما أرى؟ " قالوا: لا، قال: "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كموقع القَطْرِ". 3056 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويُلْقَى الشُّحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهَرْجُ"، قالوا: يا رسول اللَّه! أيما هو؟ قال: "القتلُ، القتلُ". 3057 - وعن شقيق قال: كنت مع عبد اللَّه وأبي موسى فقالا: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن بين يَدَي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل، ويُرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهَرْجُ، والهرج القتل". الغريب: "الرَّدْم": السد المردوم بالحجارة وغيرها. و"يأجوج ومأجوج": قبيلتان عظيمتان فيها السد. و"الخَبَث": الزنا والفساد، ورؤيته للفتن معلومة معروفة بها وتحقيقه إياها. و"الأُطُم": الحائط المرتفع، ويجمع على آطام، وكذلك الأجم. و"خلال": بمعنى بين، وهو ظرف. و"تقارب الزمان" هنا: تقارب أهله في الشر والفساد، حتى لا يبقى من يقول: اللَّه، اللَّه، واللَّه أعلم. * * * _______ 3056 - خ (4/ 314)، (92) كتاب الفتن، (5) باب ظهور الفتن، من طريق عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة به، رقم (7061). 3057 - خ (4/ 314)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق الأعمش، عن شقيق به، رقم (7062، 7063). الحديث (7062)، طرفه في (7066). والحديث (7063)، طرفه في (7064، 7065).
2 - باب يهلك الناس أغيلمة من قريش، ولا يأتي زمان إلا بعده شر منه
(2) باب يُهْلِكُ الناس أُغَيْلمة من قريش، ولا يأتي زمان إلَّا بعده شر منه 3058 - عن عمرو بن سعيد قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: "هَلَكَةُ أمتي على يد غِلْمَةٍ من قريش"، فقال مروان: لعنة اللَّه عليهم غِلْمَة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. قال عمر بن يحيى (¬1): فكنت أخرج مع جدي -يعني عمرو بن سعيد (¬2) - إلى بني مروان حين مَلَكُوا بالشام، فإذا أراهم (¬3) غلمانًا أحداثًا، قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا: أنت أعلم. 3059 - (عن الزبير بن عدي) (¬4) قال: أتينا أنس بن مالك فشكوا (¬5) إليه ¬
3 - باب النهي عن حمل السلاح على المسلم [. . .] في قتاله
ما يلقون من الحجَّاج، فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلَّا الذي (¬1) بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3060 - وعن أم سلمة -زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة فزع (¬2) يقول: "سبحان اللَّه، ماذا أنزل اللَّه من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه- لكي يصلين، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". "الخزائن": جمع خزانة، ويعني بها هنا المكان، واللَّه أعلم. * * * (3) باب النهي عن حمل السلاح على المسلم [. . .] (¬3) في قتاله 3061 - عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حمل علينا السلاح ¬
فليس منا"، ونحوه عن أبي موسى (¬1). 3062 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُشِرْ (¬2) أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان يَنْزِغ (¬3) في يده، فيقع في حفرة من النار". 3063 - وعن ابن عمر: أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا ترجعوا (¬4) بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". ¬
ونحوه عن ابن عباس (¬1)، غير أنه قال: "لا ترتدوا بعدي كفارًا". 3064 - وعن جرير قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع: "استنصت الناس"، ثم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". 3065 - وعن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بَكْرَة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2): "إذا تواجه المسلمان (¬3) بسيفيهما فكلاهما في النار (¬4) " قيل: فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه". قال أيوب ويونس بن عُبيد: إنما روى هذا الحديث الحسنُ، عن أحنف ابن قيس، عن أبي بَكْرَة. * * * ¬
4 - باب التعوذ من الفتن خير من القيام فيها، وكيف الأمر إذا لم يكن جماعة، والنهي عن تكثير سواد الفتن
(4) باب التعوذ من الفتن خير من القيام فيها، وكيف الأمر إذا لم يكن جماعة، والنهي عن تكثير سواد الفتن 3066 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي (¬1) خير من الساعي، من تَشَرَّف لها تستشرفه، فمن وجد مَلْجَأً أو مَعاذًا فليَعُذْ به". 3067 - وعن أبي الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة فأخبرته، فنهاني أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثِّرون سواد المشركين على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيأتي السهم فيرمى (¬2) فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضربه فيقتله، فأنزل اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]. * * * ¬
5 - باب إذا بقي في حثالة من الناس تأكد عليه التحرز من الفتن
(5) باب إذا بقي في حُثَالة من الناس تأكد عليه التحرز من الفتن 3068 - عن حذيفة قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السُّنَّةِ، وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه (¬1)، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل أثر المَجْل، كجَمْرٍ دحرجته على رِجْلك فنفض (¬2)، فتراه مُنْتَبِرًا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون لا يكاد (¬3) أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أَجْلَدَه وما في قلبه مثقال حبة من خَرْدَلٍ من إيمان"، ولقد أتى عليَّ زمان وما أبالي (¬4) أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا ردَّه عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانيًّا ردَّه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلَّا فلانًا وفلانًا. الغريب: "الجَذْر": الأصل من كل شيء، وهو بالذال المعجمة. و"الوَكْتُ": أثر ¬
6 - باب التعوذ من الفتن، والفرار عندها
بياض في العين، وأول نَقْط الرُّطَب، يقال: بُسر مُوَكَّت: إذا بدت فيه نقطة من الإرطاب. و"المَجْلُ" بالجيم: ما ينعقد في اليد من العمل. و"المُنْتَبِرُ": المنتفخ والمرتفع، ومنه المنبر. و"الظُّرف": حسن المنطق وحلاوته. و"الساعي": واحد السعاة، وهم العمال على الجزية وغيرها. وعليَّ: بمعنى عني. وقد وقع في بعض نسخ مسلم كذلك. * * * (6) باب التعوذ من الفتن، والفرار عندها 3069 - عن أنس قال: سألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أَحْفَوْهُ بالمسألة، فصعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم على المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيء إلَّا بينته لكم"، فجعلت أنظر يمينًا وشمالًا فإذا كل رجل لَاثٍ (¬1) رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لَاحَى يُدْعَى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي اللَّه! مَنْ أبي؟ قال: أبوك حُذَافة، ثم أنشأ عمر فقال: رضينا باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، نعوذ باللَّه من شر الفتن (¬2)، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما رأيت في الخير والشر كاليوم ¬
قط، إنه صُوِّرت لي الجنة والنار حتى رأيتها (¬1) دون الحائط"، قال: فكان قتادة (¬2) يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. 3070 - وعن سلمة بن الأكوع: أنه دخل على الحجاج، فقال: يا بن الأكوع، أَرْتَدَدْتَ على عقبك، تَعَرَّبْتَ (¬3)؟ قال: لا، ولكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذن لي في البَدْوِ. وعن يزيد بن (¬4) أبي عُبيد قال: لما قتل عثمان بن عَفَّان -رضي اللَّه عنه- (¬5) خرج سلمة بن الأكوع إلى الرَّبَذَةِ، وتزوَّج هناك امرأة، وولدت له أولادًا، فلم يزل هناك حتى قبل أن يموت بليالي، فنزل المدينة. 3071 - وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يوشك ¬
7 - باب ظهور الفتن من المشرق
أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يَتْبع بها شَعَفَ (¬1) الجبال، ومواقع القطر، يفرُّ بدينه من الفتن". * * * (7) باب ظهور الفتن من المشرق 3072 - عن ابن عمر: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مستقبل المشرق- يقول: "ألا إن الفتنة ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان". 3073 - وعن نافع: عن ابن عمر (¬2) قال: ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬3): "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يَمَنِنا"، قالوا: يا رسول اللَّه! وفي نَجْدِنَا؟ (قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالوا: يا رسول اللَّه! وفي نجدنا؟ ) (¬4) فأظنه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن ¬
8 - باب الفتنة التي تموج كموج البحر
الشيطان" (¬1). 3074 - وعن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد اللَّه بن عمر فرَجَوْتُ أن يحدثنا حديثًا حسنًا، فبادرنا (¬2) إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! حدثنا عن القتال في الفتنة، واللَّه يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] قال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس بقتالكم (¬3) على المُلْك. * * * (8) باب الفتنة التي تموج كموج البحر وقال ابن عيينة (¬4): عن خَلَف بن حَوْشَب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا ¬
بهذه الأبيات عند الفتن (¬1): الحرب أول ما تكون فتيَّة ... تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت وشَبَّ ضرامُهَا ... ولَّت عجوزًا غير ذات حَليلٍ شمطاءُ يُنْكَرُ لَوْنُها وتغيَّرت ... مكروهة للشمِّ والتقبيل 3075 - وعن حذيفة قال: بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفِّرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج موج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال عمر: أَيُكْسَر أم يفتح؟ قال: بل يكسر، قال عمر: إذن لا يغلق أبدًا، قلت: أجل، قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، وكذلك (¬2) أنِّي حدثته حديثًا ليس بالأغاليط، فَهِبْنَا أن نسأله مَنِ الباب، فَأَمَرْنَا مسروقًا فسأله فقال: مَنِ البابُ؟ قال: عمر. 3076 - وعن أبي مريم عبد اللَّه بن زياد الأسدي قال: لما سار طلحة ¬
والزبير وعائشة إلى البصرة، بعث عليٌّ عمارَ بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا بالكوفة، فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة (¬1) قد سارت إلى البصرة، وواللَّه إنها لزوجة نبيكم (¬2) في الدنيا والآخرة، ولكن اللَّه (¬3) ابتلاكم ليعلم، إياه تطيعون أم هي؟ 3077 - وعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حين بعثه عليٌّ إلى أهل الكوفة (¬4) يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت (¬5) أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمتَ، فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتُ (¬6) أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حُلَّةً حُلَّةً، ثم راحوا (¬7) إلى المسجد. وفي رواية (¬8): فقال أبو مسعود -وكان موسرًا-: يا غلام! هاتِ حُلَّتين، ¬
9 - باب قول الحق وترك المداهنة ولو كان في زمان الفتنة
فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارًا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة. وقد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحسن: "إنَّ ابني هذا سيد" في المناقب (¬1). * * * (9) باب قول الحق وترك المداهنة ولو كان في زمان الفتنة 3078 - عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة"، وإنَّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع اللَّه ورسوله، وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن يُبَايَعُ رجل على بيع اللَّه ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه ولا بايم في هذا الأمر إلَّا كانت الفيصل بيني وبينكم (¬2). 3079 - وعن عوف بن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان ¬
بالشام، وثب ابن الزبير بمكة، ووثب القُرَّاء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي بَرْزَةَ الأسلمي، حتى دخلنا عليه (في داره وهو) (¬1) جالس في ظُلَّةٍ عُلِّيَّةٍ له من قصب، فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه بالحديث، فقال: يا أبا برزة، ألا ترى ما وقع الناس فيه (¬2)؟ فأول شيء سمعته تكلَّم به: إني احتسبت على اللَّه أني أصبحت ساخطًا على (¬3) أحياء قريش، (إنكم يا) (¬4) معشر العرب، كنتم على الحال الذي قد (¬5) علمتم من الذلة والقِلة والضلالة (¬6)، وإن اللَّه أنقذكم بالإسلام وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت دينكم، إن ذاك (¬7) الذي بالشام، واللَّه إن يقاتل إلَّا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم، واللَّه إن يقاتلون إلَّا على الدنيا. (وإن ذاك الذي بمكة واللَّه إن يقاتل إلَّا على الدنيا) (¬8). 3080 - وعن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم أشر منهم على ¬
10 - باب الأمور التي لا تقوم الساعة حتى تظهر
عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانوا يومئذٍ يُسِرُّون واليوم يجهرون. وفي طريق أخرى (¬1) عنه: إنما كان النفاق على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان. * * * (10) باب الأمور التي لا تقوم الساعة حتى تظهر 3081 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أَلْياتُ نساء دَوْس على ذي الخَلَصَة". ذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. 3082 - وعنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل (¬2) من قحطان، يسوق الناس بعَصَاهُ". ¬
3083 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بأرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل بِبُصْرَى (¬1) ". 3084 - وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: " (لا تقوم الساعة) (¬2) حتى تقتتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما (¬3) واحدة، وحتى يبعث دَجَّالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهَرْجُ وهو القتل، وحتى يكثر فيهم المال فيفيض، حتى يُهِمَّ ربَّ المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا إِرْبَ لي فيه (¬4)، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل (¬5) بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا (¬6) إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها ¬
11 - باب ذكر الدجال وصفته، وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة
خيرًا، لتقومَنَّ (¬1) الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقْحَتِه فلا يَطْعَمُه، ولتقومن الساعة وهو يُلِيطُ حوضه فلا يَسْقِي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أُكلته إلى فيه فلا يَطْعَمُهَا". قال البخاري (¬2): قال أنس، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الغريب: "يَحْسِر": يكشف. "دعواهما واحدة": يعني أنهم مسلمون، وكل منهم تنادي يا للمسلمين. و"يتقارب الزمان": يعني -واللَّه أعلم- يتقارب أهله في الفساد والشر. وكما قال: "لا تقوم الساعة إلَّا على شرار الخلق". و"لا إِرْبَ": لا حاجة، و"اللِّقْحَة" بكسر اللام: الناقة ذات اللبن. و"الأُكلة" بضم الهمزة: اللقمة. * * * (11) باب ذكر الدجال وصفته، وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة 3085 - عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدجال ¬
أكثر (¬1) ما سألته، وأنه قال لي: "ما يضرك منه؟ " قلت: إنهم (¬2) يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال: "بل هو أهون على اللَّه من ذلك". 3086 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأُنْذِرُكُمُوه، وما من نبي إلَّا وقد أنذره قومه، ولكن (¬3) سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وإن ربكم (¬4) ليس بأعور". 3087 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا أنا نائم أطوف بالكوفة، فإذا رجل آدم، سَبْطُ الشعر، يَنْطُف -أو يُهْرَاق- رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل جَسيم، أحمر، جَعْد الرأس، أعور العين، كأن عينه عِنَبَةٌ طافية، قالوا: هذا الدجال، أقرب الناس شبهًا به ابن قَطَن، رجل من خزاعة". ¬
3088 - وعن حذيفة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الدجال: "إن معه ماءً ونارًا، فناره ماء بارد، وماؤه نار"، قال أبو مسعود (¬1): أنا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3089 - وعن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بُعِث نبي إلَّا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر". 3090 - وعن أبي سعيد قال: حدثنا النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان فيما حدثنا (¬3) به أنه قال: "يأتي الدجال، وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل نِقَابَ المدينة، فينزل بعض السِّبَاخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس، أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: واللَّه، ¬
12 - باب يأجوج ومأجوج وإذا أصاب الناس عذاب بعثوا على أعمالهم
ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يُسَلَّط عليه". 3091 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال". ونحوه عن أنس (¬1). "طافئة": روي بالهمز وبغيره، بالهمز يعني: لا نور لها، وبغير الهمز يعني: أنها بارزة. * * * (12) باب يأجوج ومأجوج وإذا أصاب الناس عذاب بعثوا على أعمالهم 3092 - عن زينب بنت جحش: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل يومًا (¬2) فزعًا يقول: "لا إله إلَّا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ¬
ومأجوج مثل هذه"، وحلَّق بأصبعه (¬1) الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش فقلت: يا رسول اللَّه! أَفَنَهْلِك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث". 3093 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أنزل اللَّه بقوم عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم (¬2)، ثم بعثوا على أعمالهم". * * * ¬
69 - كتاب الأحكام
(69) كتاب الأحكام
1 - باب قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]
(69) كتاب الأحكام (1) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] 3094 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصاني فقد عصى اللَّه، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني". 3095 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم (¬1) عبدٌ حَبَشِيّ. . . . . ¬
2 - باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية
كأن في رأسه زَبِيبَة (¬1) ". * * * (2) باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية 3096 - عن ابن عباس -يرويه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلَّا مات ميتة جاهلية". 3097 - وعن عبد اللَّه -هو ابن عمر-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره (¬2)، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". 3098 - وعن أبي عبد الرحمن، عن علي قال: بعث ¬
3 - باب ما يكره من الحرص على الإمارة، ومن سألها وكل إليها، ومن لم يسألها أعين عليها
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية، وأمَّر عليهم رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: عزمت (¬1) عليكم لما جمعتم حطبًا وأوقدتم نارًا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبًا فأوقدوا (¬2) نارًا، فلما هَمُّوا بالدخول فيها (¬3) فقام بعضهم ينظر إلى بعض، قال بعضهم (¬4): إنما تبعنا رسول (¬5) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرارًا من النار، أفندخلها؟ فبينا هم كذلك إذ خَمَدَت النار، وسكن غضبه، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا، إنما الطاعة في المعروف". * * * (3) باب ما يُكره من الحرص على الإمارة، ومن سألها وُكِلَ إليها، ومن لم يسألها أُعِينَ عليها 3099 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنكم ستحرصون على ¬
الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المُرْضِعَة، وبئست الفاطمة (¬1) ". 3100 - وعن أبي موسى الأشعري قال: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: أمِّرنا يا رسول اللَّه، وقال الآخر مثله، فقال: "إنَّا لا نولِّي هذا من سأله، ولا من حَرَصَ عليه". 3101 - وعن عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها (¬2) عن مسألة وُكِلْتَ إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفِّر عن يمينك، وائتِ الذي هو خير (¬3) ". * * * ¬
4 - باب إثم من لم ينصح لرعيته، ومن شق عليهم، والدعاء عليه
(4) باب إثم من لم ينصح لرعيته، ومن شق عليهم، والدعاء عليه 3102 - عن الحسن: أن عبيد اللَّه (¬1) بن زياد عاد مَعْقِلَ بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: "ما من عبد يسترعيه اللَّه رعية فلم يَحُطْها بالنصيحة (¬2) لم يجد رائحة الجنة". وفي رواية أخرى عنه (¬3): "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين يموت وهو غاش لهم إلَّا حرَّم اللَّه عليه الجنة". 3103 - وعن طريف بن أبي تميم (¬4) قال: شهدت (¬5) صفوان وجُنْدُبًا ¬
5 - باب القضاء والفتيا في الطريق، والأولى بالحاكم أن لا يتخذ بوابا
وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا؟ قال: سمعته يقول؟ "من سَمَّع سَمَّع اللَّه به يوم القيامة، ومن شَاقَّ شَقَّ اللَّه عليه يوم القيامة"، فقالوا: أوصنا، فقال: إن أول ما يَنْتِنُ من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلَّا طيبًا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحول (¬1) بينه وبين الجنة ملءُ (¬2) كفٍّ من دم هراقه فليفعل. * * * (5) باب القضاء والفُتْيا في الطريق، والأَوْلى بالحاكم أن لا يتخذ بوابًا وقضى يحيى بن يَعْمَر في الطريق (¬3)، وقضى الشعبي على باب داره. 3104 - عن أنس بن مالك قال: بينما أنا والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خارجان من المسجد فلقينا رجل عند سُدَّةِ المسجد، فقال: يا رسول اللَّه! متى الساعة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أعددتَ لها؟ " وكأن (¬4) الرجل استكان، ثم قال: يا رسول اللَّه! ¬
6 - باب للقاضي أن يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه، ولا يقضي وهو غضبان
ما أعددت (¬1) كبير صيام ولا صلاة (¬2)، ولكني أحب اللَّه ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت". 3105 - وعن أنس بن مالك: أنه قال لامرأة من أهله: تعرفين فلانة؟ قالت: نعم، قال: فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ بها وهي تبكي عند قبر، فقال: "اتقي اللَّه واصبري"، فقالت: إليك عني، فإنك خِلْوٌ من مصيبتي، قال: فجاوزها ومضى، ومَرَّ (¬3) بها رجل فقال: ما قال لك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ (قالت: ما عرفته، قال: إنه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬4)، قال: فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابًا، فقالت: يا رسول اللَّه! واللَّه ما عرفتك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الصبر عند أول صدمة". * * * (6) باب للقاضي أن يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه، ولا يقضي وهو غضبان 3106 - عن أنس بن مالك: أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنزلة صاحب الشُّرَط من الأمير. 3107 - وعن أبي موسى: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه وأتبعه بمعاذ. 3108 - وعنه: أن رجلًا أسلم ثم تهوَّد، فأتى معاذ بن جبل وهو عند أبي موسى، فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهوَّد، قال: لا أجلس حتى أقتله، قضاء اللَّه ورسوله (¬1). 3109 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه -وكان بِسِجِسْتَان- بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان؛ فإني سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يقضِيَن حكَمٌ بين اثنين وهو غضبان". * * * ¬
7 - باب من رأى أن للقاضي أن يحكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهم
(7) باب من رأى أن للقاضي أن يحكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتُّهَم 3110 - عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول اللَّه! واللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خِبَاء أحب إليّ أن يَذِلُّوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليَّ أن يَعِزُّوا من أهل خبائك، ثم قالت: إن أبا سفيان رجل مِسِّيك، فهل عليَّ من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال لها: "لا حرج عليك أن تطعميهم من معروف". * * * (8) باب الشهادة على الخط المختوم، وكتاب القاضي إلى القاضي قال البخاري (¬1): وقال بعض الناس: كتاب الحاكم جائز ¬
إلَّا في الحدود، ثم قال: إن كان القتل، خطأ فهو جائز؛ لأن هذا مال بزعمه، (وإنما صار مالًا بعد أن ثبت) (¬1) القتل، والخطأ والعمد واحد. وكتب عمر بن عبد العزيز في سِنٍّ كُسِرت. وقال إبراهيم: كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم. وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي. وروي (¬2) عن ابن عمر نحوه. وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي: شهدت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة، وإياس ابن معاوية، والحسن، وثمامة بن عبد اللَّه بن أنس، وبلال بن أبي بُردة، وعبد اللَّه بن بُرَيْدَة الأسلمي، وعامر بن عبيدة (¬3)، وعباد بن منصور يجيزون كُتب القضاء بغير محضر من الشهود، قال (¬4): فإن قال الذي حُقَّ (¬5) عليه بالكتاب إنه زور، قيل له: اذهب فالتمس المخرج من ذلك. وأول من سأل على كتاب القاضي البينة (¬6) ابن أبي ليلى، وسَوَّار بن عبد اللَّه. ¬
9 - باب متى يستوجب الرجل القضاء
وقال لي أبو نعيم (¬1): نا (¬2) عبيد اللَّه بن محرز، جئت بكتاب من موسى ابن أنس قاضي البصرة وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذا وكذا، وهو بالكوفة، فجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازه، وكره الحسن وأبو قلابة أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها؛ لأنه لا يدري لعل فيها جورًا، وقد كتب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أهل خيبر: "إما أن تَدُوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بالحرب". وقال الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر: إن عرفتها فاشهد، وإلا (¬3) فلا تشهد. وقد تقدم حديث أنس (¬4) أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد أن يكتب إلى الروم، فقالوا: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلَّا مختومًا، فاتخذ خاتمًا من فضة ونقش فيه محمد رسول اللَّه. * * * (9) باب متى يستوجب الرجل القضاء وقال الحسن (¬5): أخذ اللَّه على الحكام ألا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا ¬
10 - باب رزق الحاكم والعاملين عليها
الناس، ولا يشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا، ثم قرأ: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]، وقرأ: {أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقرأ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78 - 79]. فَحَمِدَ سليمانَ ولم يَلُمْ داود، ولولا ما ذكر اللَّه من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده. وقال (¬1) عمر بن عبد العزيز: خمس إذا أخطأ القاضي منهن خطة كانت فيه وصمة: أن يكون فَهِمًا، حليمًا، عفيفًا، صليبًا، عالمًا، سؤولًا عن العلم. * * * (10) باب رزق الحاكم والعاملين عليها وقالت عائشة (¬2): يأكل الوصي بقدر عمالته، وأكل أبو بكر وعمر. ¬
11 - باب القضاء واللعان في المسجد، وإن تعين حد أقيم خارجه
3111 - وعن عبد اللَّه بن السَّعْدي: أنه قدم على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا، فإذا أُعطيت العمالة كرهتها؟ قلت (¬1): بلى، قال عمر: فما تريد (¬2) إلى ذلك؟ فقلت (¬3): إن لي أفراسًا وأعبدًا، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال لي (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذه فَتَمَوَّلْه وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مُشْرِف ولا سائل فخذه، ومَا لَا فلا تتبع نفسك" (¬5). * * * (11) باب القضاء واللعان في المسجد، وإن تعيَّن حَدٌّ أقيم خارجه لاعن عمر عند منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين ¬
عند المنبر، وقضى (¬1) شريح والشعبي ويحيى بن يَعْمَر في المسجد، وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجًا من المسجد (¬2). 3112 - وعن سهل بن سعد: أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، وقال عمر: أخرجاه من المسجد وضربه (¬3)، ويذكر عن عليٍّ نحوه (¬4). 3113 - وقال جابر بن عبد اللَّه: كنت فيمن رجم ماعزًا بالمصلى. * * * ¬
12 - باب موعظة الإمام في حالة الحكم، وأن حكمه لا يغير الباطن عما هو عليه
(12) باب موعظة الإمام في حالة الحكم، وأن حكمه لا يغيِّر الباطن عما هو عليه 3114 - عن أم سلمة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال؟ "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار". وفي رواية (¬1): "فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض أقضي (¬2) له بذلك وأحسب أنه صادق". * * * ¬
13 - باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء، أو قبل ذلك للخصم
(13) باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء (¬1)، أو قبل ذلك للخصم وقال شريح (¬2) القاضي -وسأله إنسان الشهادة- قال (¬3): ائت الأمير حتى أشهد، وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلًا على حد زنا أو سرقة وأنت أمير؟ فقال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: صدقت (¬4)، وقال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه، لكتبت آية الرجم بيدي. وأقر ماعز (¬5) بالزنا أربعًا فأمر برجمه، ولم يذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أشهد من حضره. وقال حماد: إذا أقر مَرَّةً عند الحاكم رجم، وقال الحَكَمُ: أربعًا. وذكر هنا حديث أبي قتادة في السَّلَب للقاتل، وقد تقدم (¬6). ¬
وقال أهل الحجاز (¬1): الحاكم لا يقضي بعلمه، شهد بذلك في ولايته أو قبلها، ولو أقر خصم عنده لآخر بحق في مجلس القضاء، فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما إقراره. وقال بعض أهل العراق: ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به، وما كان في غيره لم يقض إلَّا بشاهدين (¬2). وقال آخرون منهم: بل يقضي به؛ لأنه مؤتمن، وإنه يراد من الشهادة معرفة الحق، فعِلْمُه أكبر من الشهادة. وقال بعضهم: يقضي بعلمه في الأموال، ولا يقضي في غيرها. وقال القاسم: لا ينبغي للحاكم أن يمضي قضاءً بعلمه دون علم غيره، مع أن علمه أكبر من شهادة غيره، ولكن فيه تعرض (¬3) لتهمة نفسه عند المسلمين، وإيقاع (¬4) لهم في الظنون. وقد كره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الظن وقال: "إنما (هذه صفية) (¬5) ". * * * ¬
14 - باب وصية الأمير ولاته بترك الخلاف، والتيسير على الرعية، وإجابة الدعوة
(14) باب وصية الأمير ولاته بترك الخلاف، والتيسير على الرعية، وإجابة (¬1) الدعوة 3115 - عن سعيد بن أبي بردة قال: سمعت أبي قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا"، فقال أبو موسى: إنه يصنع بأرضنا البِتْع، فقال: "كل مسكر حرام". تقدم ذكره في الجهاد (¬2). * * * (15) باب هدايا العمال 3116 - عن أبي حُميد الساعدي قال: استعمل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من بني ¬
16 - باب يكون للناس عرفاء أهل صدق وأمانة يعرفون الإمام بأحوال الناس
أسد يقال له: ابن الأُتْبِيَّة على صدقات بني سُلَيْم (¬1)، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهْدِي لي، فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر (¬2)، فحمد اللَّه، وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلَّا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغَاء، أو بقرة لها (¬3) خوار، أو شاة تَيْعَر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ألا هل بلغت" ثلاثًا. * * * (16) باب يكون للناس عرفاء أهل صدق وأمانة يعرفون الإمام (¬4) بأحوال الناس 3117 - عن عروة بن الزبير: أن مروان بن الحكم والمِسْوَر بن مخرمة أخبره أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن (¬5): ¬
17 - باب ما يكره من إطراء السلاطين والحكام بالمدحة
"إني لا أدري مَنْ أَذِنَ منكم (¬1) ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع لنا عرفاؤكم أمركم"، فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، فرجعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه أن الناس قد طيَّبوا وأذنوا. * * * (17) باب ما يكره من إطراء السلاطين والحكام بالمِدْحَة 3118 - عن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه: قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال: كنا نعدُّ هذا نفاقًا. 3119 - وعن أبي هريرة: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن شرار الناس ذو الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". * * * ¬
18 - باب من لم يكترث فطعن من لم يعلم، وإثم الخصم الألد
(18) باب من لم يكترث فطعن من لم يعلم، وإثم الخصم الأَلَدّ 3120 - عن ابن عمر قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثًا، وأمَّر عليهم أسامة ابن زيد، فطُعن في إمارته، فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم طعنتم (¬1) في إمارة أبيه من قبله، وَايْمُ اللَّه، إن كان لخليقًا للإمارة (¬2)، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده". 3121 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبغض الرجال إلى اللَّه الألدُّ الخَصِمُ". * * * (19) باب إذا قضى الحاكم بجَوْرٍ أو خلاف النص فهو رَدٌّ 3122 - عن ابن عمر قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى بني ¬
20 - باب لابد للحاكم من كاتب عاقل أمين ومترجم، ويكفي واحد
جُذَيمة، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كلَّ رجل منا أن يقتل أسيره، فقلت: واللَّه، لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، فذكرنا ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" (¬1)، مرتين. * * * (20) باب لابد للحاكم من كاتب عاقل أمين ومترجم، ويكفي واحد وقد تقدم في باب جمع القرآن (¬2) قول أبي بكر لزيد بن ثابت: إنك شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3123 - وقال خارجة بن زيد بن ثابت: (عن زيد بن ثابت) (¬3): إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتبه، ¬
21 - باب كتاب الحاكم إلى عماله وإلى أمنائه، وله أن يبعث واحدا لينفذ الحكم، ولكل وال بطانتان
وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه. وقال عمر -وعنده عليٌّ وعبد الرحمن وعثمان-: ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمن بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبها الذي صنع بها. وقال أبو جَمْرة: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس. وقال بعض الناس: لابد للحاكم من مترجمين. قلت: والأحاديث المذكورة أعلاه ترد عليه، والترجمة من باب الخبر لا من باب الشهادة، واللَّه أعلم. * * * (21) باب كتاب الحاكم إلى عُمَّاله وإلى أمنائه، وله أن يبعث واحدًا لينفذ الحكم، ولكل والٍ بطانتان وقد تقدم من حديث سهل: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى اليهود في قتل عبد اللَّه أخي حُويِّصة ومحيِّصة (¬1). وحديث زيد بن خالد في الذي قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واغُدْ يا أُنَيْس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، في الحدود (¬2). ¬
22 - باب كيف بايع الإمام الناس، وهل يكتب له بالبيعة؟
3124 - وعن أبي سعيد الخدري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بعث اللَّه من نبي وما استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم (¬1) من عصم اللَّه". * * * (22) باب كيف بايع الإمام الناس، وهل يكتب له بالبيعة؟ 3125 - عن عبد اللَّه بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد اللَّه عبد الملك أمير المؤمنين على سُنَّة اللَّه ورسوله ما استطعت، وإن بَنِيَّ قد أقروا بذلك. وقد تقدم من حديث جرير (¬2) قال: بايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على السمع والطاعة، فلقنني: "فيما استطعت"، والنصح لكل مسلم. ¬
3126 - وعن المِسْوَر بن مَخْرَمَةَ: أن الرهط الذين ولَّاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم في هذا (¬1) الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولَّوا عبد الرحمن أمرهم، مَالَ (¬2) الناس على عبد الرحمن، حتى ما أرى أحدًا من الناس يتبع أولئك الرهط، ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت تلك (¬3) الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان، قال المِسْوَر: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائمًا، فواللَّه ما اكتحلت هذه الليالي (¬4) الثلاث بكثير نوم، انطلق فادعُ إليَّ (¬5) الزبير وسعدًا، فدعوتهما له، فَسَارَّهُمَا (¬6)، ثم دعاني فقال: ادع لي عليًّا، فدعوته، فناجاه حتى ابْهَارَّ الليل، ثم قام عليٌّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من عليٍّ شيئًا، ثم قال: ادع لي عثمان (¬7)، فناجاه حتى فَرَّق بينهما المؤذن بالصبح، فلما ¬
23 - باب بيعة الصغير والنساء
صلى الناس الصبح، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرًا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد -وكانوا وافوا تلك الحَجَّة مع عمر- فلما اجتمعوا تشهَّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد، يا عليُّ! فإني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يَعْدِلُون بعثمان، فلا تَجْعَلَنَّ (¬1) على نفسك سبيلًا، فقال: أبايعك على سنة اللَّه وسنة رسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه (¬2) المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون. * * * (23) باب بيعة الصغير والنساء 3127 - عن عبد اللَّه بن هشام -وكان قد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذهبت به أمه زينب بنت (¬3) حميد إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه! بايعه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو صغير"، فمسح برأسه ودعا له، وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. ¬
24 - باب في الاستخلاف
3128 - وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبايع النساء بالكلام (وبهذه الآية: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]، قالت: وما مست يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يد امرأة إلا امرأة يملكها) (¬1). 3129 - وعن أم عطية قالت: بايعنا رسول اللَّه (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- فقرأ علينا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: فلانة أسعدتني، وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئًا، فذهبت ثم رجعت، فما وَفَّتِ امرأة إلا أم سُلَيْم وأم العلاء وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ (¬3). * * * (24) باب في الاستخلاف 3130 - عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه! فقال ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذاك لو كان وأنا حيٌّ، فأستغفر لك وأدعو لك"، فقالت عائشة: واثُكْلَيَاهُ! واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك مُعَرِّسًا ببعض أزواجك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بل أنا وارأساه! لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد (¬1)، أن يقول القائلون أو يتمنى المُتَمَنُّون، ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع المؤمنون ويأبى اللَّه (¬2) ". 3131 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف، فقد (¬3) استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب، وددت أني نجوت منها كَفَافًا، لا لي ولا عليَّ، لا أتحملها حيًّا وميتًا. 3132 - وعن أنس بن مالك: أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر -وذلك الغد من يوم توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتشهد وأبو بكر صامت ¬
لا يتكلم- قال: قد كنت أرجو أن يعيش رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يَدْبُرَنَا -يريد بذلك أن يكون آخرهم- فإن يك محمد (¬1) قد مات، فإن اللَّه (¬2) جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به بما (¬3) هدى اللَّه محمدًا (¬4)، وإن أبا بكر صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثاني اثنين، وإنه أولى المسلمين (¬5) بأموركم، فقدموا (¬6) فبايعوه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر. 3133 - وعن جبير بن مُطْعِم قال: أتت امرأة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7) فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت (¬8): يا رسول اللَّه! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ -كأنها تريد الموت- قال: "إن لم تجديني فائتي أبا بكر". * * * ¬
25 - باب
(25) باب 3134 - وعن جابر بن سَمُرة قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يكون اثنا عشر أميرًا (¬1)، كلهم من قريش". * * * ¬
70 - كتاب التمني
(70) كتاب التمني
(70) كتاب التمني أحاديثه كلها متكررة، وليس في تراجمه ما يخفى، وكذلك كتاب الآحاد. * * *
71 - كتاب الاعتصام
(71) كتاب الاعتصام
(71) كتاب الاعتصام قد تقدم من حديث أنس (¬1) خطبة عمر بن الخطاب الغد من مبايعة أبي بكر على منبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي قال فيها: أما بعد، فاختار اللَّه لنبيه ما عنده على ما عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى اللَّه به رسوله، فخذوا به تهتدوا، وإنما هدى اللَّه به رسوله. 3135 - وعن أبي المنهال: أنه سمع أبا بَرْزَةَ يقول: إن اللَّه يغنيكم بالإسلام وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال البخاري: وقع هنا - يغنيكم - وإنما هو - نعَشَكم (¬2). وقال ابن عون (¬3): ثلاث أُحبهن لنفسي ولإخواني: هذه السُّنة أن يتعلموها ¬
1 - باب مثل من اقتدى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واتبع سنته ومثل من عصاه
ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه، ويَدَعُوا الناس إلا من خير. 3136 - وعن مُرَّة الهمداني قال: قال عبد اللَّه: إن أحسن الحديث كتاب اللَّه، وأحسن الهَدْي هَدْيُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين. 3137 - وعن همام، عن حذيفة: يا معشر القراء! استقيموا، فقد سُبِقْتُم سبقًا بعيدًا، وإن (¬1) أخذتم (يمينًا) (¬2) وشمالًا فقد ضَلَلْتُم ضلالًا بعيدًا. * * * (1) باب مثل من اقتدى بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واتَّبع سُنَّته ومثل من عصاه 3138 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: "جاءت ملائكة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، ¬
فقالوا: إن لصاحبكم [هذا] مَثَلًا، قال: فاضربوا له مثلًا، (فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان) (¬1) فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا، وجعل مأدبة (¬2)، وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: الدار (¬3) الجنة، والداعي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن أطاع محمدًا فقد أطاع اللَّه، ومن عصى محمدًا فقد عصى اللَّه، محمد فَرَّقَ بين الناس". 3139 - وعن أبي موسى: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما مَثَلِي ومثل ما بعثني اللَّه به كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العُرْيَان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فَنَجَوْا، وكذبت طائفة (¬4) فأصبحوا مكانهم، فصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتَّبَعَ ما جئت به، ومثل من عصاني وكَذَّبَ ما جئت به من الحق". * * * ¬
2 - باب ما يكره من التعمق والغلو والبدع في الدين
(2) باب ما يكره من التعمق والغلوِّ والبدع في الدين لقوله تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث تحريم المدينة: "فمن أحدث فيها حدثًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين"، وقد تقدم (¬1). 3140 - وعن عائشة قالت: صنع رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا ترخص فيه، فتنزه (¬3) عنه قوم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فحمد اللَّه (¬4) ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فواللَّه إني لأعلمكم (¬5) باللَّه وأشدكم (¬6) له خشية". * * * ¬
3 - باب ما يكره من ذم الرأي والقياس الفاسد، ولا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بالحق
(3) باب ما يكره من ذم الرأي والقياس الفاسد، ولا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بالحق 3141 - عن عبد اللَّه بن عمرو قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّه لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، لكن ينزعه (¬1) منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جُهَّال يستفتون فيفتون برأيهم، فَيَضِلُّون ويُضِلُّون". 3142 - وعن المغيرة بن شعبة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرون" (¬2). 3143 - وعن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من يُرِد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، ويعطي اللَّه، ولن ¬
4 - باب إثم من دعا إلى ضلال أو سن سنة، لقوله عز وجل: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} [النحل: 25]
يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي (¬1) أمر اللَّه". * * * (4) باب إثم من دعا إلى ضلال أو سَنَّ سُنَّة، لقوله عز وجل: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] 3144 - عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها"، وربما قال سفيان: "من دمها؛ لأنه سَنَّ القتل أولًا". 3145 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع"، فقيل: يا رسول اللَّه! كفارس والروم؟ فقال: "ومَنِ الناسُ إلا أولئك؟ " (¬2). ¬
5 - باب وجوب قبول خبر الواحد العدل، رجلا كان أو امرأة في الأحكام الشرعية
3146 - وعن أبي سعيد الخدري: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لتتبعن سَنَن من قبلكم (¬1) شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْر ضبٍّ تبعتموهم"؛ قلنا: يا رسول اللَّه! اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ ". * * * (5) باب وجوب قبول خبر الواحد العدل، رجلًا كان أو امرأة في الأحكام الشرعية لقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لمالك بن الحويرث ومن كان معه: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم الصلاة وعلموهم"، ولقوله في وفد عبد القيس لما ذكر لهم ما يحتاجون إليه من أمورهم في دينهم، قال: "احفظوهن وأبلغوا من وراءكم"، ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واغْدُ يا أُنَيْسُ على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، ونحوه كثير (¬2). 3147 - وعن عبد اللَّه بن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث بكتابه إلى ¬
6 - باب ترك النكير من النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة، لا من غيره
كسرى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزَّقَه، فحسبت أن ابن المسيَّب قال: فدعا عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُمَزَّقوا كل مُمَزَّق. قلت: كذا وقع هذا الحديث في الأمهات، ولم يذكر فيه دحية بعد قوله: بعث، والصواب إثباته، وقد ذكره البخاري فيما ذكره الكشميهني مُعَلَّقًا. وقال ابن عباس: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دحية الكلبي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى، وأن يدفعه إلى قيصر (¬1)، وهو الصواب، واللَّه أعلم. * * * (6) باب ترك النكير من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة، لا من غيره 3148 - عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد اللَّه يحلف باللَّه أن ابن صياد الدجال، قلت: تحلف باللَّه، قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند رسول (¬2) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، (فلم ينكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬3). * * * ¬
7 - باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء
(7) باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء 3149 - قال حميد بن عبد الرحمن: أنه سمع معاوية يحدث رهطًا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل (¬1) الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (¬2). 3150 - وعن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة: 136] ". 3151 - وعن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) أحدث، تقرؤونه محضًا لم يشب، وقد حدثكم أن ¬
8 - باب المشاورة في الأمر لأهل العلم والأمانة والرأي
أهل الكتاب بدَّلوا كتاب اللَّه وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند اللَّه ليشتروا به ثمنًا قليلًا، لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا واللَّه ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أُنْزل إليكم. * * * (8) باب المشاورة في الأمر لأهل العلم والأمانة والرأي لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] والمشاورة قبل العزم، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وقد شاور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه يوم بدر (¬1)، وكان الأئمة بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة؛ ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب والسُّنة، لم يَتَعَدَّوْه إلى غيره اقتداءً بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3152 - وعن عروة، عن عائشة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: "ما تشيرون عليَّ في قوم يَسُبُّون أهلي، ما علمت عليهم من سوء قط"؟ * * * ¬
9 - باب نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التحريم إلا ما عرفت إباحته، وأمره على الوجوب إلا ما علم خلافه
(9) باب نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن التحريم إلا ما عُرفت إباحته، وأمره على الوجوب إلا ما علم خلافه وقد تقدم قول أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعْزَم علينا (¬1). 3153 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: أهللنا أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحج خالصًا، ليس معه عمرة، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فلما قدمنا، أمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نحلَّ، وقال: "أحلوا، وأصيبوا من النساء"، قال عطاء: قال جابر: ثم لم يعزم عليهم، ولكن أحلهُنَّ لهم، فبلغه أنَّا نقول: لمَّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نحل إلى نساءنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيَّ، قال: ويقول جابر بيده هكذا وحركها، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "قد علمتم أني أتقاكم للَّه وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تَحِلّون فَحِلُّوا، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت"، فحللنا وسمعنا وأطعنا. 3154 - وعن عبد اللَّه المُزَنيِّ: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلوا قبل صلاة ¬
10 - باب كراهية الاختلاف
المغرب -قال في الثالثة- لمن يشاء"؛ كراهية (¬1) أن يتخذها الناس سُنَّة. * * * (10) باب كراهية الاختلاف قد تقدم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، وإذا اختلفتم، فقوموا عنه". 3155 - عن عبد اللَّه بن عباس قال: لما حُضِرَ رسول (¬3) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- قال: "هَلُمَّ أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده"، قال عمر: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب اللَّه، واختلف أهل (¬4) البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قَرّبُوا يكتب لكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتابًا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما كثر اللغط والاختلاف عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قوموا عني". * * * ¬
72 - كتاب التوحيد
(72) كتاب التوحيد
1 - باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد، لقوله تعالى: {ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} الآية [البقرة: 21]
(72) كتاب التوحيد (1) باب دعاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التوحيد، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} الآية [البقرة: 21] وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا اللَّه، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن اللَّه فرض عليهم خمس صلوات. . . " الحديث، وقد تقدم (¬1). 3156 - وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معاذ! أتدري ما حق اللَّه على العباد؟ " قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدري ما حقهم على اللَّه (¬2)؟ " قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: ¬
2 - باب قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] ولا يسمى إلا بما سمى به نفسه
"أن لا يعذبهم". * * * (2) باب قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] ولا يُسَمَّى إلا بما سَمَّى به نفسه 3157 - عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة". البخاري: أحصيناه حفظناه. 3158 - وعن سالم: عن (¬1) عبد اللَّه قال: أكثر ما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحلف: "لا ومُقَلِّب القلوب". وقال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ. . .} [الحشر: 23] إلى آخر السورة. وقد تقدم حديث ابن مسعود (¬2): "إن اللَّه هو السلام"، وأخبر اللَّه عن ¬
3 - باب ما سمى الله تعالى به من وجه ونفس وذات وعين ويد وروح في كتابه وفي سنة نبيه
نفسه بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. وقال الأعمش (¬1)، عن تميم، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمد للَّه الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل اللَّه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، تدعون سميعًا بصيرًا"، وقد تقدم (¬2). * * * (3) باب ما سمى اللَّه تعالى به من وجه ونَفْس وذات وعين ويد وروح في كتابه وفي سُنَّة نبيه فقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]، وقال: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، وقال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، ومع ذلك فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقال: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وقال: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [ص: 72]. ¬
3159 - وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لما خلق اللَّه الخلق، كتب في كتابه -وهو (يكتب على نفسه، وهو) (¬1) وضع عنده على العرش-: إن رحمتي تغلب غضبي". وقد تقدم قول خُبَيْب (¬2): وذلك في ذات الإله وإنْ يَشَأْ ... يُبَارِك على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّع 3160 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقول اللَّه عز وجل (¬3): أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلى ذراعًا تقربت منه باعًا (¬4)، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". ¬
4 - باب: لله تعالى من المحامد ما لم يطلع عليها أحد في هذه الدار، ويستطيع على ما شاء منها نبيه المختار
وفي حديث آدم (¬1): أن الناس يقولون له يوم القيامة: "أنت الذي خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه". * * * (4) باب: للَّه تعالى من المحامد ما لم يطلع عليها أحد في هذه الدار، ويستطيع على ما شاء منها نبيه المختار وقد تقدم من حديث أبي هريرة في كتاب التفسير (¬2) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فآتي تحت العرش (¬3)، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح على من محامده وحسن الثناءعليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي". 3161 - وعن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يجمع اللَّه المؤمنون يوم القيامة كذلك، فيقولون: لو استشفعت إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتوا آدم. . . " الحديث، وسيأتي فيه: "فأحمد ربي بمحامد علَّمنيها ربي". * * * ¬
5 - باب في قوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19]، فسمى نفسه شيئا، وفي قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7] {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129]
(5) باب في قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19]، فسمى نفسه شيئًا، وفي قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] قد تقدم حديث عمران بن حصين في كتاب بدء الخلق (¬1): "إن اللَّه تعالى كان ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء". ومن حديث أبي هريرة (¬2) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يمين اللَّه ملأى، لَا يَغِيضُها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يَنْقُص ما بيمينه وعرشه على الماء" (¬3). * * * (6) باب قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] قد تقدم من حديث. . . ¬
7 - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22 - 23]
أبي هريرة (¬1): "يتعاقبون فيكم (¬2) ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم. . . " الحديث. ومن حديثه أيضًا (¬3): "من تصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يصعد إلى اللَّه إلا الطيب. . . " الحديث. * * * (7) باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] 3162 - وعن جرير بن عبد اللَّه قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا (¬4) نظر إلى القمر ليلة البدر قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل ¬
غروبها (¬1) فافعلوا". 3163 - وعن أبي سعيد الخدري: قلنا: يا رسول اللَّه! هل نرى ربنا (¬2)؟ قال: "هل تُضَارُّون في رؤية الشمس (¬3) إذا كانت صحوًا؟ " قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم (¬4) إلا كما تضارون في رؤيتها (¬5) -ثم قال- ينادي منادٍ: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أهل الصليب مع صليبهم، وأهل الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة (¬6) مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد اللَّه من بر وفاجر وغُبَّرَات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرًا ابن اللَّه (¬7)، فيقال: كذبتم، لم يكن للَّه صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن اللَّه، فيقال: كذبتم، لم يكن للَّه صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: ¬
اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد اللَّه من بر وفاجر، فيقال لهم: ما يجلسكم (¬1) وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال (¬2): هل بينكم وبينه آية تعرفونها؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد للَّه رياءً وسمعة، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا، ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهر (¬3) جهنم". قلنا: يا رسول اللَّه! وما الجسر؟ قال: "مَدْحَضَةٌ، مَزِلَّةٌ، عليه خَطَاطِيف وكَلَالِيب، وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لها شوكة عُقَيْفَة (¬4) تكون بنجد، يقال له: السعدان، المؤمن عليها كالطَّرْفِ، وكَالْبَرقِ، وكالريح، وكأجاويد الخيل والرَّكَاب، فناجٍ مُسَلَّم، وناج مخدوش (¬5)، ومكدوس (¬6) في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، فإذا (¬7) رأوا أنهم قد نجوا وبقي إخوانهم يقولون: ¬
ربنا! إخواننا (¬1) كانوا يصلون (¬2) ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول اللَّه (¬3): اذهبوا فمن وجدتم (في قلبه) (¬4) مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم اللَّه صورهم على النار، وبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه (¬5)، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا". قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرؤوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]، "فيشفعون النبيون (¬6) والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقوام قد امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْن في نهر بأفواه الجنة يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحِبَّةُ في حَمِيل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، فما كان من هذه إلى الشمس كان أخضر (¬7)، وما كان إلى (¬8) الظل كان أبيض، فيخرجون ¬
كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتم، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه". الغريب: "تُضَامُون": بضم التاء والميم، ويروى: تَضَامُّون بفتح التاء والميم مشددة، من الضم؛ أي: تتضامون وتزدحمون، وكذلك في ذلك رواية: "يضامون"، روايةً ومعنًى، غير أن المؤمنين يرون اللَّه تعالى بأعين رؤية واضحة جلية، لا يزاحم غيره كما يُفْعَلُ عند رؤية (¬1) الأهلة، فهو تشبيه لحال الرائي لا بحال المرئي. "الطواغيت": جمع طاغوت، وهو كل معبود من دون اللَّه. وقوله: "فيأتيهم الجبار في الصورة التي يعرفون"، هذه من المواضع المُشْكِلَة، والأمور المتشابهة في الشريعة -الكتاب والسُّنة- التي درج الحكم باستحالة ظواهرها على اللَّه، فإنها من نعوت الأجسام وصفات المحدثات، غير أنهم لم يتعرضوا لتأويلها، ووكلوه إلى اللَّه وقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]. وقالوا: أمِرُّوها على ما جاءت، وقد ذهب كثير من العلماء إلى حمل ألفاظها على ما يقتضيه الكلام العربي من الاستعارات والتوسعات، فمن ذلك: أن "في" بمعنى الباء في "بصورة"، كما قال: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]؛ أي: بظلل من الغمام، ومعنى هذا -واللَّه أعلم-: أن اللَّه تعالى ¬
8 - باب كلام الله تعالى مع نبيه ومع المؤمنين يوم القيامة من غير حجاب يحجبهم به
يُظْهرُ لهم هذه الصورة الهائلة امتحانًا لأهل المحشر، فيقولون المؤمنون العالمون بصفات اللَّه لهذه الصورة: نعوذ باللَّه منك، حتى يأتينا ربنا؛ أي: حتى يتجلى بصفاته المعبَّر عنها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأما من كان مجسِّمًا فيعترف لهذه الصورة بالإلهية، فإذا تجلَّى الحق للمؤمنين بصفاته التي يعرفون سجدوا للَّه تعالى، وأما أهل الزيغ كلما أرادوا أن يسجدوا خرُّوا على أقفائهم، وتعود ظهورهم كالأطباق، واللَّه أعلم. والتسليم أسلم. و"السَّعْدَان": شوك يتعلق بالداخل فيه، له محاجن، و"المُوثَق": المهلك. و"المخردل": المُقَطَّع؛ أي: قطعًا. و"امْتُحِشُوا": هو بفتح الحاء، بمعنى: احترقوا وتغيروا. و"الحَبْرَة": النعمة. و"ضحك اللَّه": رضاه عن المضحوك، ويظهر نعمه عليه، وهو من باب قولهم: تضحك الأرض من بكاء الغمام. و"غُبَّرَات أهل الكتاب"؛ أي: بقاياهم، وكأنهم -واللَّه أعلم- الموعودون من اليهود والنصارى. * * * (8) باب كلام اللَّه تعالى مع نبيه ومع المؤمنين يوم القيامة من غير حجاب يحجبهم به 3164 - عن قتادة، عن أنس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يحبس المؤمنون يوم _______ 3164 - خ (4/ 392 - 393)، (97) كتاب التوحيد، (24) باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، من طريق حجاج بن منهال، عن همام بن يحيى، =
القيامة حتى يُهِمُّوا بذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك اللَّه بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، وعلَّمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب؛ أكله من الشجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحًا أول نبي بعثه اللَّه في الأرض (¬1)، فيأتون نوحًا فيقول: لست هناكم، وبذكر خطيئته التي أصاب، سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات كذبهن، ولكن ائتوا موسى، عبدًا آتاه اللَّه التوراة، وكلمه وقرَّبه نجِيًّا، قال: فيأتون موسى، فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، قَتْلُهُ النفس، ولكن ائتوا عيسى، عبد اللَّه ورسوله، وروح منه (¬2) وكلمته، قال: فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدًا (¬3)، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فاستأذن على ربي (¬4) في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفَّع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناءٍ وتحميد يعلمنيه، ثم ¬
أشفع (¬1)، فيحد لي حدًّا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وسمعته أيضًا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيحد لي حدًّا، فأخرج وأدخلهم الجنة، قال قتادة: وسمعته أيضًا (¬2) يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفَّع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدًّا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرجهم (¬3) من النار وأدخلهم الجنة، حتى لا يبقى (¬4) في النار إلا من حبسه القرآن"؛ أي: قد (¬5) وجب عليه الخلود، قال: ثم تلا هذه الآية: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، قال: "وهذا المقام المحمود (¬6) الذي وعده نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-". ¬
9 - باب لله تعالى مشيئة وإرادة
3165 - وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تَرْجُمان ولا حجاب يحجبه". * * * (9) باب للَّه تعالى مشيئة وإرادة لقوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]، ولقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29]، ولقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، ولقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. 3166 - وعن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب! ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار ذلك (¬1)، فقال للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي، أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها، قال: ¬
فأما الجنة، فإن اللَّه لا يظلم من خلقه أحدًا، وإنه ينشئ للنار من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد، (ويلقون فيها وتقول: هل من مزيد) (¬1) ثلاثًا، حتى يضع قدمه فيها (¬2) فتمتلئ، ويَرد بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط". 3167 - وعنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يَفِيءُ وَرَقُهُ، من حيث أتتها (¬3) الريح تُكَفِّئُهَا، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يُكَفَّأُ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأَرْزَةِ، صَمَّاء معتدلة حتى يقصمها اللَّه إذا شاء"، وقد تقدم. قد تقدم أيضًا (¬4) أن اللَّه تعالى أنزل على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند موت أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. * تنبيه: قيل في قوله: "حتى يضع قدمه فيها"؛ أي: عليها، استعارة عن تذليلها؛ أي: ذلَّلها عند طغيانها، كما يذل مَن وضع عليه القدم، واللَّه أعلم، والتسليم أسلم. * * * ¬
10 - باب في قوله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم} [سبأ: 23]، ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟
(10) باب في قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23]، ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟ وقال مسروق (¬1)، عن عبد اللَّه: إذا تكلم اللَّه بالوحي سمع أهل السموات، حتى إذا فُزِّع (¬2) عن قلوبهم، وسكن الصوت، عرفوا أنه الحق، ونادوا (¬3): ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. ويذكر عن جابر بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أُنيس: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يحشر اللَّه العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب: أنا الملك، أنا الدَّيَّان". * تنبيه: هذان الحديثان غير صحيحين، كلاهما مُعَلَّق مقطوع، والأول موقوف، فلا يعتمد عليهما في كون اللَّه متكلمًا بصوت، فإن كلامه الذي هو صفته مُنَزَّهٌ عن الحروف والأصوات التي يعبر عنه بالحروف والأصوات، كما دلَّتْ عليه الأدلة القاطعة. ¬
11 - باب وكلم الله موسى تكليما، وتكلم الله مع نبينا من غير واسطة، فقد سمع ما سمع موسى صلوات الله عليهما
3168 - وعن أبي هريرة -يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قضى اللَّه الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان". قال عليٌّ: وقال سفيان (¬1): صفوان يَنْفُذُهم ذلك: "فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا (للذي قال) (¬2): الحق وهو العليُّ الكبير". * * * (11) باب وكلَّم اللَّه موسى تكليمًا، وتكلم اللَّه مع نبينا من غير واسطة، فقد سمع ما سمع موسى صلوات اللَّه عليهما وقد تقدم قول آدم لموسى (¬3): "أنت موسى الذي اصطفاك اللَّه برسالته وبكلامه". 3169 - عن شَرِيك بن عبد اللَّه، عن أنس قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
يقول -ليلة أُسْرِي برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مسجد الكعبة-: إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيّهُمْ هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم (¬1): خذوا خيرهم -وكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه (¬2)، وتنام عينه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى حملوه، فوضعوه (¬3) عند زمزم (¬4)، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لَبَّتِهِ، حتى فرغ عن صدره (¬5) وجوفه (¬6)، ثم أتى بطست من ذهب (¬7) مَحْشُوًّا إيمانًا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده؛ يعني عروق حلقه، ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء (¬8)، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد ¬
بُعِثَ؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا (¬1) به وأهلًا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد اللَّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلِّم عليه، فسَلَّم عليه، وردَّ عليه آدم وقال: مرحبًا وأهلًا يا بُنَيَّ! نِعْمَ الابنُ أنت، فإذا هو في السماء الدنيا، فإذا هو (¬2) بنَهْرَيْن يَطَّرِدَان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو (¬3) بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مِسْكٌ أذفر، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبَّأ لك ربك. ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد (¬4)، قالوا: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به وأهلًا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء (¬5) الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء (الخامسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى) (¬6) السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا ¬
له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سَمَّاهم، فوعيت منهم، إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بتفضيل كلام اللَّه (¬1)، فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع عليَّ أحدًا، ثم علا به فوق ذلك مما لا يعلمه إلا اللَّه حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب (¬2) قوسين أو أدنى، فأوحى اللَّه فيما يوحي إليه خمسين (¬3) صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد! ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إليَّ خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جبريل (كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل) (¬4) أَنْ نعم، إن شئت، فعلا به إلى الجبار تعالى، فقال وهو مكانه: يا رب! خفِّف عنا؛ فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردُّه موسى إلى ريه حتى صارت خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: واللَّه يا محمد لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، وأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأسماعًا وأبصارًا (¬5)، فارجع فليخفف ¬
عنك ربك، كلُّ ذلك يلتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب! إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم (¬1) وأبدانهم، فَخَفِّفْ عَنَّا، فقال الجبار: يا محمد! قال: لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل القول لَدَيّ مما (¬2) فرضته عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلتَ؟ فقال: خفَّف عنا، أعطاني بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد واللَّه رادوت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا موسى! قد -واللَّه- استحييت من ربي مما أختلف (¬3) إليه، قال: فاهبط باسم اللَّه، قال: فاستيقظ وهو في المسجد الحرام (¬4). * تنبيه: هذه الرواية لهذا الحديث هي من رواية شَرِيك عن أنس، وقد خلط فيها ما شاء، وذكر ألفاظًا منكرة، وقدَّم وأَخَّر، ووضع الأنبياء في غير مواضعهم من السموات، وقد خالفه الثقات الحفاظ عن أنس، وقد رواه قتادة عن أنس وأتى به مُخَلَّصًا من ذلك مرتَّبًا (¬5) على ما تقدَّم في المعراج، وكذلك رواه مسلم من حديث ثابت، عن أنس مخلصًا على نحو ¬
12 - باب في قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة: 22] وقوله: {وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين} [فصلت: 9]
رواية قتادة، فلتتمسك برواية هذين الإمامين عن أنس، ولا تعوِّل على ما فيها؛ أعني: رواية شريك، واللَّه أعلم (¬1). * * * (12) باب في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] وقوله: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت: 9] 3170 - عن عبد اللَّه بن مسعود قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الذنب أعظم عند اللَّه؟ قال: "أن تجعل للَّه نِدًّا وهو خلقك"، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أيُّ؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك"، قلت: ثم أيُّ؟ قال: "أن تزاني حليلة (¬2) جارك". * * * ¬
13 - باب {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة: 67]
(13) باب {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] قال الزهري (¬1): على اللَّه الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. 3171 - وعن عائشة قالت: من حدثك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتم شيئًا من الوحي فلا تصدقه، إن اللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (¬2) الآية. * * * (14) باب في رواية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ربه تعالى 3172 - عن أبي هريرة: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يرويه عن ربكم- قال: "لكل ¬
15 - باب في قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20]، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17]؛ أي: هيأناه، ومنه: "كل ميسر لما خلق له"؛ أي: مهيأ
عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به، ولَخُلُوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من رائحة (¬1) المسك". 3173 - وعن ابن عباس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه- قال: "لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا (¬2) خير من يونس بن مَتَّى"، ونسبه إلى أبيه. وعن أنس: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يروبه عن ربه عز وجل- قال: "إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا، تقربتُ إليه ذراعًا. . . " الحديث على ما تقدم ذكره (¬3). * * * (15) باب في قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17]؛ أي: هيَّأناه، ومنه: "كل مُيَسَّر لما خلق له"؛ أي: مُهَيَّأ 3174 - وعن المِسْوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري: أنهما ¬
سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرِئنِيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبَّرت حتى سَلَّم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ فقال: أقرأنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: كذبت، أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنِيها، فقال: "أَرْسِلْهُ، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كذا أُنزلت"، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقرأ يا عمر"، فقرأت (الذي أقرأني) (¬1)، فقال: "كذلك أُنزلت"، (ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2): "هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه". 3175 - وعن عمران بن حصين قال: قلت: يا رسول اللَّه! فيم يعمل العاملون؟ قال: "كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له". وعن عليٍّ نحوه (¬3). * * * ¬
16 - باب قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] وقوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49]
(16) باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلى {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. وقال ابن عيينة (¬1): بيَّن اللَّه الخلق من الأمر بقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، وقد سمَّى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الإيمان والجهاد عملًا كما تقدم في حديث أبي ذر (¬2). وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للأشعريين: "ما أنا حملتكم، ولكن اللَّه حملكم"، وقد تقدم (¬3). قلت: وأوضح من هذا كله قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29]، فنسب لخلقه فعلًا ونفى عنهم الاستقلال به، وهو المطلوب منها، واللَّه الموفق. * * * ¬
17 - باب قوله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] وأن أعمال العبد وأقوالهم توزن
(17) باب قوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] وأن أعمال العبد وأقوالهم توزن وقال مجاهد (¬1): القسطاس: العدل بالرومية، ويقال: القِسْط مصدر المُقْسِط، وهو العادل، وأما القاسط فهو الجائرُ. 3176 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم". * تنبيه: الموزون الصحائف المكتوب فيها الإيمان، كما نصَّ عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما خرَّجه الترمذي في كتابه في حديث السِّجِلَّات (¬2). كمل الكتاب المبارك بحمد اللَّه وحُسن عونه، وصلى اللَّه على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وصحبه من بعده. * * * ¬