اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار

محمد بن القاسم السبتي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين قال العبد المشفق من ذنبه، الراجي عفو الرحيم ربه، محمد بن القاسم بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك الأنصاري المحتد، السبتي الدار والنشأة والمولد من الله عليه بالإنابة، ووفقه في القول والفعل إلى الإصابة، بمنه وكرمه: أحمد الله على كل حال، وأصلي على نبيه سيدنا محمد خاتم الأرسال، وعلى آله وصحبه الذين بذلوا دونه الأنفس والأموال، وأسلم كثيراً. وبعد فهذا جزء جامع لما كان عليه ثغر سبتة من الله على المسلمين بفتحه من قبور أعلام الشرفاء، وجهابذة العلماء، وكبار الأولياء، ونساك الصلحاء، وبلغاء الخطباء، ونبغاء الأدباء، وما يناسب ذلك من معالم الدين وينخرط في سلكه من ذكر المساجد الشريفة السنية، والخزائن المتعددة الفنون العلمية، والزوايا والمداس، والروابط والمحارس، وسوى

الأعيان المدفونون بسبتة

ذلك من الأماكن المنبئة بما يدل على شماخة القطر وكثرة الوارد والسالك وما فيها من المضارب والمصايد، الكثيرة السمك الجمة الفائد، وأنبه على شرف القرية البنيونشية المشهورة في الآفاق بما لها من المحاسن الشاهدة بالفضل والمزية، حسبما جرد من تأليفي (الكواكب الوقادة) و (الأعلام) ليكون سهل المنال قريب المرام، وقدمته هدية لمن التزم واجب شكره، على جميل بره، وسميته (اختصار الأخبار، عما كان بثغر سبتة من سني الآثار) ومن الله أسال التوفيق والإرشاد، وعليه تعالى أتوكل في كل قصد ومراد، لا رب غيره ولا معبود سواه. الأعيان المدفونون بسبتة عدد ما جمعه كتاب (الكواكب الوقادة)، من قبور أولئك الأئمة القادة، رحمة الله عليهم ورضوانه، مما تعرفناه

بمقبرات الثغر المذكور خل ما لم نتعرفه، اثنان وثمانون قبرا، وبعض المزارات يحتوي على قبور عديدة ليست بداخلة في هذا العدد، وسأنبه على ذلك حين ذكرها إن شاء الله. ومن أشهرها بمقبرة التوتة من الميناء شرقي المدينة: قبر الولي أبي زرعة مزار مشهور، حكى الشيخ الصالح المحدث الراوية أحمد العزفي عن شيخه الشيخ الإمام المحدث الأشهر عبد الله بن عبيد الله الحجري أن أبا زرعة هذا هو الذي أدخل القرآن إلى المغرب والدعاء عند قبره مستجاب.

ومن أشهرها بالمقبرة الكبرى التي بسفح جبل الميناء المذكور: قبر الشيخ الأستاذ العلامة المصنف، إمام النحويين، وأسوة الفرضيين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي الأموي العثماني الأشبيلي نزيل سبتة. قبر الرئيس المجاهد المحدث الأديب الماهر سعيد ابن حكم القرشي.

قبر الشيخ الفقيه الحاج التقي الخاشع محمد ابن معلى القيسي السبتي من أهل سبتة. قبر الشيخ الأستاذ المقرئ الشريف الأشرف الصالح المعظم، أحمد الحسني من أهل سبتة. قبر الشيخ الولي الكبير القدر في العلم والعمل والزهد في الدنيا والخشية لله عز وجل يحيى بن محمد ابن رزق من أهل سبتة. قبر الشيخ الولي الزاهد المكاشف أحمد الدقاق من أصهار أسلافنا، والدعاء عند قبره مستجاب. وكان هذا الشيخ من الزهاد في الدنيا وأهلها، ومن زهده أن العشب كان ينبت في صحن الدار التي كان يسكن بها، ومن باب الدار إلى البيت الذي كان يعمره منها طريق ظاهر لأجل

اختلافه عليه، وليس في البيت إلا حصير ووسادة من دوم لا غير، وفقد رضي الله عنه في عشر ذي الحجة فلم يدر أهله أين ذهب، ثم أتى بعد ذلك فسئل فقال ذهبت لقضاء بعض شؤوني، فلما قدم الحاج سبتة أخبروا أن الشيخ حج معهم تلك السنة، فمن ذلك اليوم لزم منزله وانقبض عن الناس إلى أن توفي وأوصى صهره أبا محمد العليلي في مرضه الذي مات منه بأشياء، ثم قال له انصرف وائتني صبيحة غد فإنك تجدني ميتاً، فكان كما قال، وكانت وفاته في حدود عام 748 وازدحم الناس على قبره، وقطعوا الحصير الذي جعل عليه تبركاً به، نفعنا الله بأوليائه. قبر الشيخ الصالح الورع الحاج التقي الناسك، الكثير الخير والصدقة والإيثار المخلص في أقواله وأفعاله، إمام مسجد الحلفاويين من سبتة، أبي العباس بن أبي الخير الأنصاري جدنا من قبل الأم. قبر الشيخ الأديب الفرضي العروضي التاريخي، إبراهيم المعروف بالتلمساني الأنصاري، صاحب رجز الفرائض، ونظم السير.

قبر الشيخ النحوي الأديب الأنبل محمد ابن عبيدة شارح جمل أبي القاسم. قبر الشيخ الراوية المحدث الحاج المرتحل الضابط الناقد قاسم التجيبي السبتي صاحب مستفاد الرحلة. قبر صديقه الشيخ الفقيه الشروطي الأعرف المقيد المصحح للكتب العلمية أبي عبد الله بن العدبس الرعيني. قبر ابنه الشيخ الفقيه القاضي الخطيب البليغ الفذ في عصره أبي الفضل عبد الرحمن. قبر أخيه شقيقه وكبيره الشيخ النحوي العدل المبرز أبي القاسم أحمد. قبر ابن عمهما الشيخ الخطيب، الصالح المنيب، المنقبض عن الناس، المتبرك به المعظم، محمد بن العدبس الملقب بالمحجوب لكونه أقام نحواً من أربعين سنة لا يخرج من منزله إلا لحضور صلاة الفريضة في الجماعة ثم يعود.

قبر الشيخ الفقيه الحاج الولي المعروف بالكرامات والبركات محمد الوادلاوي السعيدي، وقبره مزار مشهور. قبر الشيخ الفقيه المفتي الصالح السديد الورع الجليل القدر المتبرك به، إمام الفريضة بجامع سبتة الأعظم علي ابن وشاش المجكسي رحمه الله. قبر الشيخ الفقيه الإمام القاضي الخطيب الحافظ المتفنن الأعرف أبي محمد بن مسلم الأنصاري القصري. قبر الشيخ المقرئ الصالح الصوفي المتبرك به المعظم محمد ابن عدل الكناني. القبر الشاط سمي بذلك لطوله، يذكر أنه قبر سبت الذي اختط سبتة، وهو مزار معروف البركة على القدم.

ومن أشهرها بمقبرة المنارة: قبر الولي العابد المعروف بالبركة المنقطع إلى الله تعالى المشهور الكرمات والمكاشفات، ريحان الأسود وقد ذكره ابن الزيات في (التشوف) من تأليفه، ويقال أن الدعاء عند قبره مستجاب، وهو من المزارات المشهورة بسبتة. قبر زينب العابدة، والدعاء عند قبرها مستجاب، ويصعد منه النور في بعض الأحيان رحمة الله عليها. قبر الشيخ الفقيه القاضي الخطيب البليغ الصالح الورع المحدث الراوية الناقد بقية المشايخ وآخر المسندين عبد الله بن عبيد الله الحجري. قبر الشيخ الفقيه القاضي المحدث الكاتب الأديب الأبرع محمد ابن الدراج الأنصاري من أهل سبتة. قبر الشيخ الصالح المجتهد الناسك أبي العباس بن الأزرق، ذكره ابن القيم.

قبر الشيخ اللغوي الحافظ الأنبل المتفنن في المعارف أوحد زمانه في ذلك، وإمام عصره، محمد بن عبد المنعم الصنهاجي من أهل سبتة. قبر الشيخ الفقيه الحافظ المفتي الصالح الورع سعيد الأنجري إمام المدرسة الجديدة. قبر تفاحة العابدة السوداء رضي الله عنها. ومن أشهرها بقبر الحافة: قبور الشهداء، مزار مشهور بموضع متسع جامع لعدد كثير، قد حماه الله عز وجل بشوك السدرة، ونباتها هناك متصل بعضه ببعض، ومن أعجب الأشياء أن السدرة ليست بسبتة ولا بأحوازها إلا بهذا الموضع الشريف، فسبحان القادر على ما يشاء لا إله إلا هو. ومن أشهرها بمقبرة زكلو: قبر الشيخ الإمام، العالم المحدث الصالح الأتقى، أحمد العزفي اللخمي صاحب (الدر المنظم، في مولد النبي المعظم)، وقد مر ذكره.

ومن أشهرها بمقبرة مسجد المحلة حيث نزل طارق بن زياد حين الفتح الأول: قبر الشيخ الفقيه القاضي الحافظ المفتي المشهور بالولاية والزهد، محمد بن عبد الله الأموي السبتي من أشياخ القاضي عياض، مزار مشهور. قبور الشهداء بالمسجد المنسوب إليهم. قبر العجوز المسنة المسندة أم المجد مريم بالبقعة المحبسة على دفن من يموت من طلبة مدرسة والدها الشيخ الفقيه المحدث المسند المطلع على الفنون العلمية علي الغافقي المعروف بالشاري، وسيأتي ذكره. ومن أشهرها بالربض الأسفل:

قبر الشيخ الفقيه الخطيب المحدث الحافظ سليمان بن سبع العجميسي مؤلف (شفاء الصدور)، والقبر بصحن جامع التبّانين حيث تقام الجمعة. قبر الشهيد الصالح الشهير أبي عبد الله بن خرزوزة قريباً بالصحن المذكور. ومن أشهرها بمقبرة الشريعة من الربض الأوسط: قبر الشيخ الصالح العابد السالك أبي عبد الله القرموني من أهل سبتة، ويصعد من قبره النور. وبمقبرة الربض البراني داخل سور البحر من الموضع المعروف بمضرب الشبكة: قبر الشيخ الفقيه المشاور الخطيب الزاهد الشهير المعروف البركة الذي تراب ضريحه شفاء لذوي العاهات والزمني، محمد بن مسعود العكي المعروف بابن الكنقز بنون بين الكاف والقاف. قبر الشيخ الفقيه القاضي أبي الحسن ابن القاري. ومن أشهرها في زماننا بالمقبرة المذكورة:

قبر الشيخ الولي الإمام الصوفي العارف عبد الجليل الأوسي الأندلسي نزيل قصر كتامة، والناس ينسبونه إليه، صاحب (شعب الإيمان) مزار مشهور، والدعاء عند قبره مستجاب. قبر الشيخ الولي الزاهد السائح في أقطار الأرض المشهور الحاج يحيى ابن الصائغ الأنصاري من أهل سبتة. قبر الشيخ الفقيه القاضي المدرس الصالح الورع حافظ المغرب في وقته لمذهب مالك بلا مدافعة، علي المتيوي شارح رسالة عبد الله بن أبي زيد.

قبر الشيخ الولي أحمد القنجائري قبر الشيخ المحدث الصالح الكثير الاجتهاد في العبادة الذي لا يستطيع أحد أن يدرك شأوه في ذلك أبي عبد الله ابن أبي صالح التجيبي. قبر الشيخ الصالح المنقطع إلى الله أبي عبد الله بن سنان الأستجي. ومن أشهرها بمقبرة مضرب الشبكة البراني خارج الباب الأحمر، قبور الشرفاء الحسينيين وهم عدد كثير جمعتهم روضة واحدة، وكانوا رضي الله عنهم ونفعنا بمحبتهم أهل علم وصلاح ودين، ومن تلك القبور: قبر الشيخ القاضي الشريف العالم الصالح الأشهر أبي الشرف رفيع الحسيني.

قبر ابنه القاضي الأعدل الأتقى الشريف أبي الحسن. قبر الشيخ الشريف الكبير، الرئيس الشهير، الكاتب الأديب، التاريخي السخي الجواد الفذ في عصره وزمانه، أبي العباس الحسيني. قبر الشاب الحافظ لكتاب الله تعالى، الكثير التلاوة له الحسن الهدي البار بالإخوان المطعم للطعام أبي الشرف رفيع الحسيني. ومن أشهرها بمقبرة أحجار السودان - المقبرة الأولى: قبر الولي الشهير صاحب الكرامات والمكاشفات عبد الملك بن محمد بن بشر القيسي اليجاسني ضريح مشهور، ويصعد منه النور. قبر الشيخ الفقيه الخطيب المصقع المصنف الأديب الكاتب الأبرع، محمد ابن خميس الأنصاري الجزيري نزيل سبتة وخطيب جامعها الأعظم.

ومن أشهرها بمقبرة أحجار السودان - المقبرة الأخرى: قبر الشيخ الصالح الصوفي العارف ذي المنظومات الربانية والتباينات الحسية الحاج الشهير الشهيد، يوسف المنصفي الأنصاري البلنسي نزيل سبتة. ومن أشهر هذه المزارات بمقبرة الولجة أول قريتنا بزبج: قبور الشرفاء الحسنيين، وهي نحو من اثني عشر قبراً بموضع واحد يصعد منها نور يبلغ عنان السماء مزار مشهور معروف البركة، وكيف لا يكون ذلك. قبر الشيخ الخطيب الصالح الإمام المعلم لكتاب الله تعالى المتبرك به أبي عبد الله بن الحسن. ومن أشهرها بمقبرة الظهر المشرف على السواني من عدوة علي من القرية المذكورة. قبر الشيخ الشريف الصالح المعظم محمد ابن موسى الحسني. وبمقبرة عنصر اللوز من قرية بنيونش جماعة من الشهداء في أربعة قبور استشهدوا يوم دخل النصارى القرية المذكورة، وكانت الدخلة المذكورة ضحى يوم الجمعة 3 شوال عام 818

المساجد

وفي هذا العام يوم الأربعاء منتصف جمادى الأخرى دخل ثغر سبتة وحوزها عنوة، واستولى عليه الطاغية شتت الله شملهم، ومن على المسلمين بعودته للإسلام بمنه وكرمه آمين. ومن قبور الشهداء بمقبرة الجنتل من القرية المذكورة أيضاً ثلاثة قبور استشهد أهلها قبل الخلة المذكورة بسنين. وفيما ذكرناه من مشاهير هؤلاء الفضلاء كفاية، إذ هم عدد كثير رضي الله عنهم أجمعين، ونفعنا بمحبتهم بمنه وفضله آمين. المساجد وعدد المساجد ألف مسجد، من جملة العدد المدرستان: مدرسة الشيخ المحدث الراوية المعتني بالعلم وأهله، المنفق ماله في نشره واقتناء كتبه، أعجوبة زمانه في ذلك ووقته، علي الشاوي الغافقي السبتي المتقدم الذكر،

والمدرسة الجديدة العظيمة البناء المتسعة الزوايا ذات الصنائع العجيبة وأعمدة الرخام وألواحه المتعددة الغالية الثمن التي ابتناها السلطان أبو الحسن مخلد الآثار، الدالة على شماخة الملك وعلو المقدار. وأعظم هذه المساجد وأشرفها على التحقيق، المسجد الجامع العتيق، بلاطاته اثنان وعشرون بلاطاً وبقبلته شماسات من الزجاج الملون بصناعات شتى معقودة بالرصاص، والقنوات الفاصلة بين البلاطات ومجاري القسائم والميازيب من الرصاص كذلك، ودرجات المنبر اثنتا عشرة درجة، صنع في شعبان المكرم سنة 408 وتميز على سائر جوامع بلاد المغرب كلها بالبلاط الأوسط الضخم البناء المرتفع السمك، وبالمقصورة الهائلة الغريبة الشكل، كان صنعها في رجب الفرد عام 428 وبه صحنان: أحد الصحنين أكبر من الآخر، وبكل واحد منهما جبان اثنان، وصومعته قديمة من بناء الأول، وقد استوعبنا وصف هذا الجامع وذكرنا ما ينبغي أن يذكر من تاريخ وخبر في (بغية السامع) من تأليفنا نفعنا الله بالقصد في ذلك.

الخزائن العلمية

الخزائن العلمية وعدد الخزائن العلمية اثنتان وستون خزانة، كان منها في الزمن القديم بدور الأكابر وذوي الأقدار خمس وأربعون خزانة كبني العجوز كان جدهم الذي نوه بهم قد رحل إلى عبد الله بن أبي زيد بالقيروان وأخذ عنه جميع تواليفه وقرأ عليه تفقهاً وغيرهم كالقاضي محمد بن عيسى التميمي من أشياخ القاضي أبي الفضل عياض والفقيه القاضي الزاهد محمد بن عبد الله الأموي وقد مر ذكره في المزارات من أشياخه أيضاً، والفقيه المحدث الحسيب أحمد العزفي اللخمي وسواهم، وكان منها في زماننا سبع عشرة خزانة، تسع بدور الفقهاء والصدور، كبني القاضي الحضرمي، وبني ابن أبي حجة، وأشباههم، وثمان موقفة على طلاب العلم، أقدمها الخزانة الشهيرة ذات الأصول العتيقة، والمؤلفات الغريبة، خزانة الشيخ علي الشاري المذكور التي بالمدرسة المنسوبة إليه التي ابتناها من ماله، وهي أول خزانة وقفت بالمغرب على أهل العلم نفعه الله بها، وأعظمها إحدى خزانتي الجامع العتيق

الربط والزوايا

الكائنة بشرقي صحنه، وبازاء باب الشواشين أحد أبوابه، وكانت في الكثرة بحيث لم يشذ منها فن من الفنون ولا نوع من المعارف أصلاً مع تعدد مصنفات ذلك الفن وكثرة دواوينه، وباقي هذه الخزائن مفترق، منها بالمدرسة الجديدة خزانتان، وبمسجد القفال خزانة واحدة، وبمسجد مقبرة زكلو أخرى، وهو أكبر مساجد سبتة بعد المسجد الجامع الأعظم منها، بلاطات سبعة، وله صحنان وصومعة عجيبة من بناء الفقيه محمد العزفي صاحب سبتة، وخزانة أخرى بجامع الربض الأسفل. الربط والزوايا وعدد الروابط والزوايا سبع وأربعون ما بين زاوية ورابطة محاذية للبحر من جانبي الجنوب والشمال داخل المدينة والأرباض وخارجاً عنها، أضخمها بناء وأعظمها هيكلاً

الرابطة المعروفة برابطة الصيد مربعة الشكل قائمة في الهواء على اثني عشر عموداً منها ثمانية من الرخام، سبعة ساطعة البياض وواحدها حالك السواد، مع بريق كأنه قطعة سبج، ويخرج منه في غالب الأوقات رشح شبه العرق، ويتقوى عند وضع اليد عليه، والأربعة الباقية مبنية بالآجر تحت معاقد أركان القبة، ولكل عمود منها خمسة أركان، واستدار بها ثمانية عشر شرجباً في أربعة بلاطات مشرفة على البحرين معاً، وبابها مبني بالكذان المنجور، وتتصل بها دار للقيم بخدمتها، وإلى جانبها رابطة أخرى على شكلها ومثالها، وفي وسط القبر المعروف بقبر صيدة جارية لأحد أمراء الموحدين، وعلى القبر قطعة من رخام أبيض في طول اثني عشر شبراً، وارتفاع خمسة أشبار أو ما يقرب منها، وبجوانبها الأربعة خمسة أدراج منجورة ظريفة الصنعة.

المحارس

ومن الزوايا الزاوية الكبرى التي ابتناها السلطان الأشهر أبو عنان بن أبي الحسن بخارج باب فاس أحد أبواب أفراك وأعدها هناك للغرباء ولمن اضطر إلى المبيت بها من التجار وغيرهم، مليحة البناء كثيرة الزخرفة والتنميق متسعة الساحة متعددة المساكن، وصومعتها من أبدع الصوامع بسبتة صنعة وأتمها إحكاماً، ولم تتخلص بعد إلى الآن. المحارس وعدد المحارس ثمانية عشر محرساً من المدينة إلى اثني عشر ميلاً من خارجها من ناحيتي البحرين، وما وراء ذلك إلى بلاد الريف وإلى طنجة ولم يدخل تحت هذا العدد، منها الطالع الكبير الفذ النظير: طالع سبتة الذي بأعلا جبل ميناءها المعروف عند الناس بالناظور الذي ابتنى المرابطون هنالك للناظر الراتب به حصناً، وبه قلهرة كبيرة، وبداخل القلهرة مسجد، وكان ذلك على يد القاضي أبي الفضل عياض رحمة الله عليهم أجمعين، وهذا الطالع من أعجب الطلائع

الأزقة

لكونه يكشف البرين ويشرف على العدوتين إلى بادس من بر الريف، وإلى طرف القسيس شرقاً من مالقة، وإلى ما وراء طريف غرباً إلى طرف شنيل من بر الأندلس، فلا يخفى عليه من الزقاق شيء ولكونه تحت أسوار وأبواب داخل المدينة وفي حكم أهلها إذا تقع فتنة أو يحصل حصار. الأزقة وعدد الأزقة مائتا زقاق وخمسون زقاقاً سوى ما دثر منها، وهي أزقة الخندق الكبير الذي كان يعرف في القديم بخندق أيمن ويعرف اليوم بخندق الدجاج وجلها يشتمل على أزقة كثيرة من أشرفها الزقاق الأعظم زقاق ابن عيسى وهو القاضي محمد التميمي وقد تقدم ذكره، وهو زقاق الأكابر عند أهل سبتة، وبه يضربون المثل بينهم، متسع الساحة يحتوي على أزقة ودروب وقصور ملوكية ومصانع هائلة، وهو فاصل بين شطري المدينة، وفيه أربعة وعشرون حماماً، حمامان مبرزان، وباقي العدد بدور السادة من

الحمامات

الشرفاء وبني العزفي وغيرهم من أعلام الفقهاء وأكابر التجار، وجل هذه الأزقة معروفة بأسماء من سكنها من العلماء كزقاق ابن عيسى هذا، وزقاق عياض، وهو القاضي، وزقاق أبي عبد الله القاضي الزاهد من أشياخ القاضي عياض وقد تقدم ذكره، وزقاق ابن يربوع، وزقاق العزفي هو أبو العباس وسواهم كأبي علي ابن الشراد والقاسم ابن الشماط، وكل زقاق من العدد المذكور تنغلق عليه دروب، وعلى تلك الدروب بيات تجري عليهم الجرايات إلى غير ذلك. الحمامات وعدد الحمامات المبرزة للناس اثنان وعشرون حماماً أعظمها هيكلاً وأشهرها ذكراً حمام القائد، وهو القائد أبو علي ناصح الذي كان بناؤه على يديه رحمة الله عليه، وهذا الحمام بلغ الغاية في الكبر، يسع المئين من الناس، مرتفع السمك طيب الهواء، قائم على أعمدة الرخام، مفروشة بألواحه الساطعة البياض، والمسلخ متسع الساحة له بابان اثنان، وسقفه قبة مرتبة متقنة على أربع حنيات، وبالصحن صهريج كبير مرتفع عن الأرض، وفي وسط الصهريج سارية

مجوفة فوقها طيفور من الرخام الموصوف يصعد الماء في جوف السارية إلى أن يفور في الطيفور، وفيضه يملأ الصهريج، وقد استوعبنا وصفه في (الأعلام). ومن الحمامات ذات الرخام سواه بسبتة حمام ابن عيسى، وهو أحد الحمامين المبرزين بزقاق ابن عيسى المذكور، وحمام اليانشتي، وحمام عيود بناحية الميناء، وهو نظير حمام القائد في الضخامة والهيكل، وبمسالخها طيافير من الرخام على سوار مجوفة أيضاً في وسط الصهاريج على نحو ما وصفناه. وبالقصبة عشرة حمامات سوى العدد المذكور، أبدعها حمام القصر. هذا وبكل دار من ديار سبتة حمام ومسجد إلا القليل، ولقد كان بمنزلنا حمامان اثنان ومسجد، طهر الله تلك المنازل من دنس عباد الأوثان والأصنام، وأعاد إليها بمنه وفضله ملة الإسلام.

الأسواق

الأسواق وعدد الأسواق مائة وأربعة وسبعون سوقاً، تخص منها المدينة بمائة واثنين وأربعين سوقاً، والأرباض الثلاثة العامرة باثنين وثلاثين، ومن أشرفها قدراً وأجملها مرأى سوق العطارين الأعظم، وسماط العدول الموثقين المتصل به حيث المدرسة الجديدة وكلاهما بجوفي الجامع الأعظم، والقيسارية خلف ذلك، ومن أسواق المأكول والمطعوم والفواكه والأدام وغير ذلك السوق الكبير، وسوق مقبرة زكلو من الجانب الشرقي من المدينة، ومن الأسواق المعلومة لتجارة الآنية الصفرية القوية الصبغة العجيبة الصنعة بسبتة دون غيرها سوق السقاطين، وما أدراك ما سوق السقاطين: رفاهية متجر، وكثرة أنواع، وحسن ترتيب ووضع، وقد بسطنا القول فيه في (الأعلام) ويحق له ذلك. الحوانيت وعدد الحوانيت أربعة وعشرون ألفاً، وكانت في الزمن القديم أكثر من هذا العدد حسبما بينا ذلك في (الأعلام) أيضاً.

التربيعات

التربيعات وعدد التربيعات المعلومة للحرارين والقزازين خاصة إذ هناك تربيعات غيرها داخلات في حكم الأسواق إحدى وثلاثون تربيعة مفترقات بالممرات والأسواق خلال الأطرزة من أول المدينة إلى آخرها، أعظمها التربيعة التي بأسفل زقاق خطاب سامية في الهواء كأنها معقل أو قلعة على ثلاث طباق وفي صحنها مسجد. المنجرات وعدد المنجرات المعدة لعمل القسي أربعون منجرة، منها عشرون بالممر الأعظم، وعشرون بمنازل المعلمين والصناع كبني القنطري وبني العاقل وبني ابن غالب وغيرهم، وكان منها في زماننا خمس عشرة منجرة، وأدركنا جماعة من أشياخ الصناع المنجريين بسبتة منهم الشيخ الشريف المعظم

الفنادق

محمد بن عبد الله الحسني، والشيخ الوجيه محمد الحسني ابنه، والشيخ المسن الصوفي المشهور بالتقدم في الصناعة في زمانه محمد المعروف بالعقدة، والشيخ الحسيب عبد الله ابن الدليل، والشيخ المتقدم الحسن الذات، الكثير المواعين والأدوات، أبو الحسن العبادي، في آخرين، ومن أنبل أشباههم الشاب المهذب الفاضل أوحد العصر وأعجوبة الزمان في المعرفة والأحكام، أبو عبد الله الشماني رحم الله جميعهم بمنه. الفنادق وعدد الفنادق حسبما استفاض على ألسنة أهل البلد ثلاثمائة وستون فندقاً، أعظمها بناء وأوسعها ساحة الفندق الكبير المعد لاختزان الزرع، وهذا الفندق من بناء محمد (أبي القاسم) العزفي ومن آثاره الغريبة بسبتة، يحتوي على اثنين وخمسين مخزناً ما بين هري وبيت، تسع تلك المخازن من قفزان الزرع الآلاف العديدة التي لا تبلغ الحصر، ومن ضخامته أن له بابين: باب إلى صحنه والآخر إلى الشوارع المحملة الدائرة بالطبقة الثانية لكون الأرض مرتفعة من تلك الجهة تدخل على البابين الجمال بأحمالها مع الارتفاع والاتساع الكبير، فإذا أبصر الرائي ما يدخل منها على الباب الأعلى

الأفران

ودورانها في تلك الشوارع بأقتابها وغرائر الزرع المحملة عليها هاله ذلك وتعجب منه. ويليه في الكبر من الفنادق المعدة لسكنى الناس من التجار وغيرهم الفندق المعروف بفندق غانم يشتمل على ثلاث طبقات وثمانين بيتاً وتسع مصريات، وهو قديم البناء أظنه من بناء المرابطين، وبابه مناسب لهيكلة. وأبدعها صنعة فندق الواهرني، جمع هذا الفندق صنائع الجص والنجارة، وعلى بابه عقاب غريب الشكل مفقود النظير وقد بالغنا في وصفه في (الأعلام) فأنظره هنالك، وجملة من هذه الفنادق مشتملة على العدد الكثير من سواري الرخام وأعمدته. الأفران وعدد الأفران فيما يذكر أيضا أهل سبتة ويدور على السنة الناس كثيراً ثلاثمائة وستون فرنا كالفنادق، وشماخة البلد وعظمته يقطع بصحة ذلك، أكبرها الفرن الذي بأعلى زقاق ابن يربوع وهو من بناء بني العزفي، متسع الساحة، كبير البيت، مع حسن البناء ونظافته. السقايات وعدد السقايات خمس وعشرون سقاية، أبدعها صنعة ووضعا السقاية التي بطرف العطارين وأول سماط العدول

الميضآت

وبازاء باب الشواشين من أبواب الجامع ذات العنابيب النحاسية والألواح الرخامية والزخرفة والتنميق، وقد مضى وصفها في (الأعلام). ومن السقايات المعدة لسقي الدواب من الخيل وغيرها سقاية جب الميناء العظيم الهيكل المشهور الذي ابتناه الفقيه الرئيس محمد العزفي المذكور وخلده أثراً غريباً بعده رحمه الله تعالى صهريجان مشتركان يمد أحدهما الآخر قد أحكم الأسفل والأعلى منهما فرشاً بألواح الصخر المنجور أتم إحكام وأكمله. ومن ذلك سقاية القبة بالربض البراني صهريج مستطيل متصل ببئر قريبة التناول طيبة الماء، وعليها قبة على أربعة أعمدة وإلى جانبها آبار متعددة للسبيل وربما تبلغ الثمانين. الميضآت وعدد الميضآت اثنتا عشرة ميضأة منها الميضأة الكبرى، ميضأة الجامع الأعظم بازاء باب الزلاقة أحد أبواب

ديار الإشراف

بحر أبي السول بها عدة بيوت، وبوسطها صهريج كبير، وأبدعها صناعة وأحكمها بناء ميضأة المدرسة الجديدة تحتوي على بيوت ثمانية ومطهرة كبيرة وفي كل منها نقير من الرخام يصب فيها ميزاب من النحاس، وفرش الجميع ألواح منجورة من الصخر، وبوسطها صهريج مفروش بالزليج الملون، وقبتها مونقة ومن بعضها صنائعها نور البابونج يخاله الناظر إليه خلقة من إحكام الصناعة، ويجلب الماء إلى ذلك كله بالدواليب. ديار الإشراف وعدد ديار الإشراف أربعة، دار الإشراف على عمالة الديوان أمام فنادق تجار النصارى حيث

المطامير

الرحبة العظمى، وفنادقهم سبعة، أربعة على صف واحد وثلاثة مفترقة، ودار الإشراف على سكة المسلمين بقصبة المدينة، ودار الإشراف على سد الأمتعة وحلها وهي المعروفة بالقاعة حيث تجار العطر، ودار الإشراف على البناء والنجارة وما يرجع إليها. المطامير وعدد المطامير المعدة لخزن الزرع أربعون ألفاً مفترقة بالديار وببعض الحوانيت ما عدا مخازن الفندق الكبير المتقدم الذكر والأهراء التي بالقصبة، ويمكث الزرع في هذه المطامير الستين سنة والسبعين سنة ولا يلحقه تغير لطيب البقعة واعتدال الهواء وكونها جبلية، فسبتة في ذلك شبيهة بقاعدة طليطلة من بر الأندلس أعادهما الله للإسلام، وأحسنها ما كان في أعالي البلد كطالعة الميناء وفي أسناد الربى، الأولى منها ربوة ظهر الغدير حذاء سمع الطير، والسابعة جنة اليانشتي شرقي العرقوب، وهي سبعة من جهة الجنوب.

الطواحين

الطواحين وعدد الطواحين مائة وثلاث، من أعظمها الطاحونة التي بالمسامريين ضخمة الأبنية، واسعة الأقنية، كثيرة المدارات، تحتوي على مخازن وقاعات ومساكن، وتليها في الكبر طاحونة أبي السعد الحضرمي، وطاحونة مقبرة زكلو، وطاحونة أبي الحسن الشماع، وبغربي البلد طاحونة الزياتين، وطاحونة الحلفاويين، وطاحونة الكمادين، وجميع هذه الطواحين بمياهها فيها لا تفتقر ولا تحتاج إلى شراء ماء من سقاء ولا من غيره أصلاً، وكذلك جميع مساكن سبتة حيثما كانت بأقطار المدينة حتى ذلك موجود في المصريات والعليات المحملة، وقد أشرنا إلى ذلك في (الأعلام). الأرباض وعدد الأرباض في الحقيقة ستة: الثلاثة العامرة المتصلة بالبلد، والربض البراني حيث الحارة

الأبواب

والكسابون الذي هدم سوره السلطان أبو سعيد من حافة الغدار إلى مضرب الشبكة، وأفراك المدينة المحاذية له حيث القصر الملوكي الذي أعده ملوك بني مرين هنالك لنزولهم، والميناء من الجانب الشرقي، دورها ستة أميال، كل ذلك تحت أسوار وأبراج، إلا ما كان لغير الشرق أمام المجرى الزقاقية لأجل تلك الصفوف التي هناك يسكنها أهل الزمام وبها زوايا وجنات وشعاري ومجاشر وغير ذلك، ومنها يحتطب أهل سبتة حال الاضطراب والنزول. الأبواب وعدد الأبواب خمسون باباً منها الباب الأعظم الشهير الضخم الهيكل الذي لا يلفى له نظير المعروف بالباب الجديد، وهذا الباب من مفردات سبتة ومن آثار الملوك بها، اكتنفته قلهرة عظيمة البناء هائلة المنظر سامية في الجو، وقد استقلت على عشر قبات وأربعة عشر قوساً، وبابه الأوسط بين قلهرتين

اثنتين بارزتين من القلهرة العظمى، والباب في السعة والارتفاع قد أربى على الغاية، وجاوز الحد والنهاية، وقوسه وفياصله قد أحكم بناؤها بالكذان، بأعجب صنعة وأبدع إتقان. ويذكر أنه على شكل باب مدينة همذان، وقد استوفينا وصفه في (الأعلام) فقف عليه. وعدد أبواب الغدر والخنيزرات وأبواب الستارات ومسالك السلوقيات ستة عشر باباً، وأبواب البربض البراني الذي هدم سوره أبو سعيد المتقدم الذكر خمسة، وأبواب أفراك ثلاثة أكبرها باب فاس الذي بناه السلطان أبو الحسن بانيه على شكل باب السبع من البلد الجديد الذي به كرسي مملكته وعلى مثاله رحمه الله، جملة ذلك أربعة وسبعون باباً وجميعها ملبس بالحديد إلا اليسير.

الحفائر

الحفائر وعدد الحفائر أربعة: الحفير الكبير المحيط بالربض البراني المذكور، والحفير الفاصل بينه وبين الأرباض الثلاثة من الشطابين إلى مضرب الشبكة، والحفير الهائل المعروف بالمنهاج حسبما نص عليه البكري الفاصل بين الأرباض والمدينة وهو الذي عليه القنطرتان: قنطرة باب المشاطين وقنطرة باب الفرج، والرابع الحفير الفاصل بين جنة اليانشتي من الميناء وبين ما يلي ذلك من البلد بين العرقوب إلى باب الحلويين. المصليات وعدد المصليات ستة، أشرفها وأسناها المصلى الكبير مصلى المدينة، ومما اتصف به هذا المصلى كونه خارجاً عن المدينة داخلاً في حكمها، فوجه خروجه أنه خلف السور في براح متصل بأرض عظيمة الاتساع مشتملة على جنات ودمن ومجاشر وجبال وخنادق وشعاري وسوى ذلك، دور الجميع ستة أميال، فصار المصلى في حكم الصحراء على السنة في ذلك، ووجه دخوله هو أن البراح الموصوف بما اتصل به منقطع في وسط البحر فلا يلحق أحداً في هذا المصلى خوف من عدو

المرامي

عاد ولا يتعطل من إقامة الصلاة في أيام الفتن والقتال، ولا في حالة الحصر والنزول بخلاف غيره. ومنها بأعلى حافة الغدار المصلى الملوكي المتسع المستوي الأرض المشرف على البحر هناك المختص بسكان أفراك من الأمراء والأجناد وغيرهم، به كان يصلي السلطان أبو الحسن بجيشه رحمه الله تعالى. وباقيها لأهل الأرباض والقصبة ولمن بربوة أبي الفضل إحدى ربا المنارة من الزماميين الحارسين بها نهاراً. المرامي وعدد المرامي المعبر عنها بالجلسات وأماكن السبق والمعلومات للرماة أربعة وأربعون مرمى، بالميناء تسع جلسات، جلسة الحفير بازاء باب الحلويين المتقدم الذكر المخصوصة بالقاضي وصدور الفقهاء من العدول وغيرهم، إذ الرمي طبع لأهل سبتة طبعوا عليه، فلا تلفي منهم شريفاً ولا مشروفاً ولا كبيراً ولا صغيراً إلا وله بصر بالرمي وتقدم فيه، ومعظم رميهم بالقوس العقارة، وهو من جملة الأشياء التي تميزوا بها، ومن هذه الجلسة إلا الهدف مجال للرماة من مائة وعشرين خطوة وهو القدر المتوسط، ويعبرون عن الخطوة بالباع، ومقدار ذلك في اصطلاحهم ثلاثة أقدام، ومن ذلك جلسة مدى رميها من أربعمائة خطوة، وجلسة من أربعمائة

وخمسين، وجلسة من سبعمائة، وهي من أبعد المرامي وعلى حسب القوس في الشدة واللين، ومرمى عاشر بوسط المصلى، وهو بانفراده للقوس العربية، وبالمنارة من داخل البلد اثنا عشر، منها سبعة من ألف وخمسمائة خطوة وهي الغاية، ومن الجلسات جلسة من أربعمائة وعشرين، وجلسة أخرى من أربعمائة، ومن أبدعها جلسة بظهر خارج المعلب يرمي منها إلى ثلاث نواحي، ناحية مداها ثمانون خطوة، وأخرى مائة وخمسون، وأخرى مائة وتسعون، وأربعة مرامي خاصة بالقوس العربية أيضاً، فجملة ما يلي المنارة إذاً ستة عشر مرمى، وبالقصبة جلسة واحدة برحبة الزجاج منها من ثمانين خطوة، وبالأرباض الثلاثة سبع جلسات من ثمانمائة، وبالربض البراني جلسة من مائة خطوة وسبقة من ثلاثمائة وخمس وسبعين، وبخندق القمل خارج الباب الأحمر جلستان اثنتان وسبقة من ألف باع ومائتين، وبجوف أبراك جلسة من أربعمائة في أرض مستوية، وبخارج باب فاس من أبواب أفراك المذكور سبقتان، سبقة من ألف باع ومائتين كذلك، وسبقة أخرى من ألف باع، وقد مضى في (الأعلام) وصف أماكن هذه المرامي ومن أين يبتدأ بالرمي وإلى حيث ينتهي فيه، وذكر المنجرات قد تقدم.

المقاصر

المقاصر وعدد المقاصر خمسة وعشرون مقصراً وكلها تحت الأسوار والأبراج والأبواب، منها بالميناء ستة عشر، واحد بجانب القبلة وهو مقصر عش الغراب كان في الزمان القديم، وخمسة عشر بالجانب الجوفي من قالة الدنيفي إلى الموضع المعروف بماء يقطر، وهي من أحسن المقاصر وأعجبها اتساعاً وأماناً وقلة لازم، كل مقصر منها يحتوي على مقصرين اثنين: مقصر داخل السور ومقصر خارج عنه، ولكل مقصر برج من أبراج السور خاص به تحط فيه الأمتعة ليلاً وتنشر نهاراً إلى أن تتم قصارتها وتتخلص فلا يخاف عليها طول تلك المدة من لص، ولا تكلف بحملها بالغداة والعشي ومئونة كما في سائر البلاد، ومنها بساحة الحافة من داخل البلد ستة مقاصر، ولها أيضاً أبراج لصيانة الأمتعة على نحو ما تقدم، وبالأرباض ثلاثة مقاصر خاصة بأهلها، وكان بقريتنا بزيج مقصر كبير خارج من العدد على ساحل من سواحلها حصباؤه كالدر نصوعاً وبريقاً، وعدد

المقبرات

المقاصر الغزلية تسعة عشر مقصراً متصلة بمقاصر الحافة المذكورة من جهة الشرق والغرب وأماكنها ستة من جملتها قالة البسابس، وقالة الصندل، وقالة العين حيث قبور الشهداء هنالك. المقبرات وعدد المقبرات بداخل المدينة وخارجها ثلاث عشرة: مقبرة التوتة شرقي الميناء، مقبرة الميناء بسفح الجبل، مقبرة المنارة تحتوي على ست مقبرات أولها مقبرة ظهر الملعل، وآخرها مقبرة بئر النقطة في مدى طويل، مقبرة ابن الرامي، مقبرة الخوائم، مقبرة زكلو، مقبرة مسجد المحلة، مقبرة البلد القديم الذي اختطه سبت، مقبرة الشريعة من الربض الأوسط، مقبرة الحارة، مقبرة مضرب الشبكة، مقبرة مضرب الشبكة الثانية، مقبرة أحجار السودان الأولى والثانية. المراسي وعدد المراسي من طرف قب منت شرقي جون فراطة من البحر الجنوبي المعروف ببحر أبي السول إلى حجر الطفل القريب من قصر الجواز من البحر الشمالي المعروف ببحر الرملة ثلاثون مرسى، منها مرسى المدينة المعروف بحفرة مختار من بحر الرملة المذكور وهو من المراسي الجيدة بالليح والقرب والجرج؟ ويخاف فيها من الريح البراني، سيما عند

المضارب والمصايد

دار الصناعة حيث مضرب الشبكة إلا إذا وافق الرأس الحفرة المذكورة وهي أمام باب الحلفاويين، وعلم الاهتداء أن يسامت مجاز جزيرة الرملة وينفتح له دون ساتر يستره، فإذا كان كذلك فقد وافقها، والقاع منها إذ ذاك على ثماني قامات، رمل كله، فذلك الموضع مرسي بكل هواء برانيا كان أو غيره، وهو من أشرف مراسي المدينة، فاعلم ذلك، وباقي المراسي مفسر في (الأعلام). المضارب والمصايد وعدد المضارب المعلومة لحوت البحر وغيره بالبحرين معاً تسعة مضارب، أعظمها فائدة مضرب أويات، وكلها مفيدة، ومنها ما هو بداخل المدينة ومنها ما هو خارج عنها. وعدد ما وقفنا عليه من المصايد سوى ما لم نقف عليه مائتان اثنتان وتسعة وتسعون مصيداً مفترقة من طرف قب منت من بحر أبي السول المذكور إلى مرسى موسى بل إلى مجشر فرديوة من أرض مصمودة من بحر الرملة المشار

قرية بنيونش

إليه، وقد بينا في (الأعلام) ما يقع الانتفاع به منها من ذكر العلامات والمياه وعلى كم يصاد في كل مصيد منها، فقف على ذلك فإنه حسن في بابه، انتهى. قرية بنيونش ولنذكر الآن ما جمعته قرية بنيونش المشهورة في الآفاق، التي أربت على القرى وفاقت شعب بوان من أقصى العراق. فعدد العيون والأنهار التي بها ستة وثمانون، أرفعها قدراً وأشهرها في النفع ذكراً أمزار، وعدد الحمامات بالأربعة المبرزة للناس مائة وستة وعشرون حماما منها خمسة وعشرون بخندق رحمة بالقرية المتصلة بها المنسحب عليها ذيل حرمتها في رفع الوظيف والتحرير من المغرم، وعدد الأرحي الطاحنة بمياه تلك الأنهار خمسون، وعدد بيوتها تسعة وثلاثون، منها أحد عشر بيتاً في كل بيت رحيان ثنتان فجاء من ذلك العدد المذكور، وعدد المنازل خمسة وعشرون، أشرفها المنزل المعروف بمقبرة الشيوخ المحتوي على الجنات والبساتين النبيهة القدر الملوكية، وعدد المساجد تسعة عشر، أربعة بخندق رحمة المذكور وباقي العدد بالقرية، ومن جملتها المسجد الذي تجمع فيه صلاة الجمعة، بلاطات هذا الجامع ثلاثة، وله صحنان اثنان، ومنبره حسن الصنعة، ومراقيه ستة، وتاريخ بنائه منقوش

في لوح من الرخام الأبيض بازاء بابه الشرقي، وجرية نهر عنصر اللوز وهو من الأنهار المعدودة في أنهار القرية إلى جانب الجامع مما يلي قبلته، وعدد الحوانيت خمسة وعشرون حانوتاً، ويذكر أنها كانت أكثر من هذا العدد والله أعلم، وعدد الأفران ستة عشر فرناً مفترقة في أزقة المنازل، وليس بها من الفنادق إلا فندق واحد بساحل القطارة خارج السور هناك، وإليه تنتهي جرية نهر أمزار المذكور، ثم يفترق ذات اليمين وذات الشمال، وبالقرية مصانع ملوكية وأبراج هائلة أبوابها مصفحة بالحديد، بها قبات وطيافر رخامية ومحنشات وصهاريج ومياه خلال ذلك تطرد، ومن أعظم ذلك وأهوله برج السويحلة المشهور الغريب الشكل والنظير، في أعلاه قصر يصعد الماء إليه بالحيل الهندسية حتى يعمه، ومسالكها وطرقها تحت أسوار وأبراج وأبواب، منها بجهة البحر أربعة أبواب، وللبر باب ومسلكان، أحد المسلكين بين الجبلين، والآخر على العين الحمراء لا بناء عليهما لمنعتهما. والقرية في كثرة الفواكه الصيفية والخريفية واختلاف أصنافها وتعدد أرهاطها وأنواعها بحيث توسق منها الأجفان وتسافر إلى المغرب وبلاد الأندلس. فمن الخريفية العنب انتهى إلى خمسة وستين بين رهط ونوع، التين انتهى إلى ثمانية وعشرين نوعاً، التفاح انتهى إلى خمسة عشر نوعاً، الخوخ أنواعه ستة، السفرجل أنواعه

أربعةن المشتهى نوع واحد وليس بالمغرب منها شيء، العناب نوعان، الرمان انتهى إلى ستة عشر نوعاً، اللوز أنواعه أربعة أحدها المر، وفي اتخاذ العصي من خشبة خواص، الجوز أنواعه بهذه القرية البنيونشية وبغيرها من قرى سبتة تسعة أنواع، وهو من الغلات العظيمة الفائدة، الجلوز نوع واحد والموجود منه في حيز الغلة الشاه بلوط وهو القسطل، هذا الصنف أخو الجوز في عظم الفائدة وكثرته، وهو في سائر القرى أكثر من أن يوصف أو ينتهي فيه إلى غاية، وأنواعه متعددة، أعرف منها ثمانية عشر نوعاً لكثرته بأملاكنا من قريتنا بزبج، الزيتون أنواعه ثلاثة وليس بالكثير، الخروب نوعان طيب ورديء، الصنوبر أنواعه ثلاثة وربما ترجع إلى نوعين، النخل موجود وليس بصالح في هذه الأوطان الجوفية. ومن الصيفية المشماش انتهى إلى سبعة عشر نوعاً، وهو أقصى ما يوجد في هذا الصنف، عيون البقر انتهت إلى أربعة عشر نوعاً، الأجاص ونعني به الكمثرى انتهى إلى ستة وثلاثين ما بين رهط ونوع، التوت نوعان أسود وأبيض، والأبيض قليل، ولا يوجد بسبتة ولا بنظرها إلا بالرياض المتصل بمنزل الأمير أبي طالب العزفي من داخل المدينة

دون غيره، باكر التين وهو الباكور عند الناس، وأنواع التين قد تقدمت، القراسيا وهو حب الملوك أنواعه ثلاثة وهو قليل ولا اعتناء لأهل سبتة بغرسه إذ عندهم ما هو أعظم فائدة منه. ومما يجيء في فصل الشتاء الترنج وهو نوعان حلو وحامض، فالحلو كثير بهذه القرية وبغيرها، والحامض غير موجود بسبتة وليس بحوزها منه إلا شيء يسير بأرض مجكسة، وفيه خاصية تحل الجوهر وتصيره كالمني، ومن الحوامض الليم وفيه نوعان ويحمل بطنين، الليمون نوع مفرد، النارنج أنواع، الزنبوع نوع واحد، وكل ذلك كثير موجود بالقرية وبسواها من القرى ذات الأودية والأنهار، وقصب السكر خاص بقرية بنيونش وفيه أنواع ثلاثة، والموز كثير بداخل المدينة ولا يختص بفصل. ومن المشمومات الريحان ثلاثة أنواع مشرقي وصعتري وجبلي، الياسمين نوع مفرد، النسرؤين كذلك، الخيري خمسة أنواع، البهار نوعان، السوسان نوع واحد، الورد ثلاثة أنواع، النوار القرنفلي نوعان، البنفسج نوعان، النعنع نوعان، الترنجان نوع واحد، المرددوش نوع واحد، زهر النارنج كذلك. والقرية مرتفعة محجوبة من جانب الجنوب بالجبال مفتوحة للبحر تهب عليها منه ريح الشمال، قد وافقت قول الأطباء في طيب الهواء والماء والاعتدال. هذا وبالقطر قرى متعددة عظيمة الخصب جمة الفائدة، المشهور منها بالغلة الخريفية وإن كان جميع ما تقدم ذكره

من الأصناف والأنواع موجوداً فيها، قرية أبي قورس، وقرية أويات، وقرية بني مصالة ووادي عين القشر، ووادي عليان، ووادي فرايم، وما أشبه ذلك من القرى الوادية، والمشهورة بالغلة الصيفية المتناهية في الكثرة قريتنا البزنجية وشبهها من قرى الساحل، والأرحى الطاحنة بهذه القرى لمدينة ثلاث وأربعون رحى، منها بقرية أويات اثنتان وعشرون رحى، وبقرية بني مصالة اثنتا عشرة، وبوادي عليان رحى واحدة، وبمرسى موسى القرية المشهورة بكثرة التين الطيب النادر في رقة القشر ولذاذة المطعم وتخير النوع سبع أرحي على نهرها العظيم الجرية، ومن هناك اجتاز موسى ابن نصير. وبوادي المقصرة من القرية البزنجية واحدة. ولا يليق بالاختصار أن نطول بذكر المحارث والمزارع والمجاشر والعمائر المتصلة من هذه القرى إلى أقصى الريف شرقا وإلى قصر كتامة أول بلاد الهبط غرباً وما بها هنالك من المواشي والسمن والعسل والشمع والفواكه أخضرها ويابسها وما يتخلل تلك الأماكن من الأودية والنهار وضروب الشجر وشعاري الأرز والبلوط والطخش والبقس وما أشبهه من مكارم الخشب وأنواعه ومعادن الحديد والقار وسوى ذلك مما يعود نفعه على الثغر ويستعان به على

الانشاء وما يرجع إلى الأمور الجهادية، وكل ذلك في حوزه وراجع إليه وقلّ أن يوجد هذا مجتمعا في قطر سواه. فانظر ما كان عليه هذا الثغر الشامخ وما أصيب به المسلمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والله أسأل أن يمن بارتجاعه ويعيده كما كان، ويمكن من نحور أعدائه الذابل والسنان، بمنه وفضله، وكرمه وطوله، إنه منعم منان. انتهى الغرض المقصود والحمد لله مقرب كل نازح ومنيل كل مرغوب ومسؤول، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي المصطفى الرسول، وعلى آله وصحابته ما اختلف الإشراق والأفول. وفرغ الذي ألفه من جمعه ونظمه ضحى يوم الاثنين غرة شهر ربيع الأول المبارك من عام خمسة وعشرين وثمانمائة.

§1/1