إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك
الوَنْشَرِيسي
بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجرى بسم الله الرحمن الرحيم {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك تأليف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسى تحقيق أحمد بو طاهر الخطابي خريج دار الحديث الحسنية - الرباط مع دراسة لحياة المؤلف وآثاره وعصره طبع هذا الكتاب بإشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة الرباط - 1400 هـ - 1980 م
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد فإن كتاب "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك". لمؤلفه العلامة الشهير أبي العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي تغمده الله برحمته, الذي نقدمه للقراء الكرام يعتبر بحق من أبرز وأنفس وأثمن وأجمع كتب الفقه المالكي التي اهتمت اهتماما بالغا بدراسة موضوعات قواعد فقه المذهب المالكي فهو ذخيرة علمية تضاف إلى لبنات ذخائر فقهنا الإسلامي الهادف، الذي تزدان بمختلف فروعه مكتباتنا الإسلامية زيادة على أنه قد جمع بين التحقيق والتدقيق والتنقيح والبيان والإحاطة في العمق والشمول لعدد غير قليل من الأصول والنوازل والفروع والقواعد والشروح والتنبيهات الفرضية منها والكلية. فرسم بذلك لهذه المعلمة الفقهية المالكية صورة واضحة المعالم والمنهج مستنبطة من كتاب الله عز وجل أولا، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثانيا. يلمس ذلك القارئ من خلال تتبعه لهذا الكتاب كما يلمس بوضوح وجلاء ما للمغاربة القدامى من تضلع وتمكن في هذا الفن بالذات وسبر لأغواره عبر التاريخ مخلفين كشاهد على
ذلك مجلدات كثيرة تزخر بها مكتباتنا الفقهية العامة منها والخاصة. واعتبارا لما ذكر في هذه العجالة عن الكتاب وأهميته البالغة وقيمة موضوعاته العلمية والفقهية النادرة وأثرها في هذا التراث المتألق في سماء موقعنا الغربي الإسلامي وما أنجبه هذا الغرب الإسلامي من عباقرة شوامخ في هذه الحلبة وفي غيرها ما يزال واسطة عقد القلادة في فقه هذا المذهب المالكي بهذه الديار. من أجل ذلك ارتأت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أن تقدم هذه الدراسة كاملة في كتاب تضعه كباقة فواحة العبير شهية الأخذ والتناول لعشاق هذا الفن الإسلامي هدية بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجري، بعد اتفاقها مع الأستاذ أحمد بو طاهر الخطابي على نشر هذه الدراسة الجامعية التي قدمها لنيل دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية من دار الحديث الحسنية بالرباط - ومنحت لها لجنة المناقشة ميزة "حسن جدا" تقديرا لما بذله الأستاذ من جهود مضنية في إخراج كتاب "الإيضاح". فريد نوعه في الكيف والمضمون والنوع. وتم الطبع تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة الرباط في عام 1400 هـ موافق 1980 م
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد الحمد لله حمدا يليق بجماله وجلاله, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه إن من نعم الله الكبرى على الأمة الإسلامية، تكريمها بالرسالة المحمدية، الخاتمة للشرائع السماوية, الجامعة للمصالح البشرية, الواردة بالأصول الكلية -لطفا منه سبحانه ورحمة بعباده- لتستنبط منها الأحكام الملائمة لكل جيل وبيئة، تاركة المجال فسيحا لذوي المؤهلات الاجتهادية، مواصلة التشريع الفرعي والجزئي لكل نازلة. وإيجاد حلول شرعية لمختلف القضايا المتجددة، في نطاق النصوص الكلية للشريعة السمحة، دون الخروج عن أهدافها العامة، ومقاصدها السامية. وقد طبق -عمليا- خدام الشريعة هذه المنهجية السليمة عبر المراحل التي مر فيها الفقه الاسلامي، الذي بلغ القمة في عهد الأئمة الكبار، انطلاقا من ظهور مدارسه التي تبلورت إلى مذاهب، كل له منهاجه في الاستنباط، وتلاميذه وأتباعه، يمدهم بالرواية والدراية الفقهية, ويدرس النوازل الواقعة، بل منهم من تناول الفرضية منها، والكل يستنطق الينبوع الأساسي للتشريع الإسلامي کتاب الله أولا، وسنة رسول الله -ثانيا، ثم المصادر الأخرى- ثالثا. وهنا اختلفت الآراء إلا أن الاختلاف لم يكن -في الواقع- في ذات الدين، ولا في لب - أ -
أهم المذاهب الفقهية
الشريعة، وإنما اختلاف في فهم نصوصها، وتطبيق كلياتها على الفروع، وأخذ كل بما استقام في نظره، وبما رآه جديرا أن يعتبر كمصدر، فمنهم من وسع في هذا الشأن، ومنهم من اقتصر، ومما لا ريب فيه أن البيئة الطبيعية، والاجتماعية، والسياسية - التي كانت تحيط بكل إمام- لعبت دورا بارزا في اختلاف النظر الى الوقائع، وفي تقدير الأدلة وفهمها وتأويلها مما أدى إلى تعدد المذاهب. أهم المذاهب الفقهية يمكن تقسيم المذاهب الفقهية عموما إلى نوعين سني، وغير سني، وكل نوع يتفرع إلى عدة فروع، ويهمنا منها النوع السني الذي يتفرع بدوره -باعتبار الانتشار والاندثار- إلى ثلاثة فروع أ - فرع نشأ لكنه لم يكتب له البقاء والانتشار، كمذهب محمد بن ابي ليلى (ت 148 هـ)، ومذهب سفيان الثوري (ت 161 هـ)، ومذهب الليث بن سعد (ت 175 هـ)، ومذهب سفيان بن عيينة (ت 198 هـ)، وغيرها من المذاهب التي اندثرت بموت أصحابها. ب - فرع تكون واستمر لوقت محدود, كمذهب عبد الرحمان الأوزاعي (ت 136 هـ)، ومذهب داوود الظاهري (ت 170 هـ). ومذهب محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ). ج - أما الفرع الثالث الذي أسعده الحظ في الاستمرار والانتشار, ووقف التقليد عنده في سائر الأقطار -إلى حد الآن- فينحصر في المذاهب التالية 1 - المذهب الحنفي وإمامه أبو حنيفة النعمان، ولد بالكوفة (80 هـ) وتوفي ببغداد (150 هـ)، وقد انتشر مذهبه بالكوفة والعراق، والشام، ومصر، والجزيرة - ب -
2 - المذهب المالكي
العربية، وشمال إفريقيا، وغيرها من البلدان الَّتِي كان منفردا فيها، إلا أنه سرعان ما نافسته المذاهب الأخرى حينما بزغت، فتقلص في بعضها، واضمحل في بعضها الآخر، ورغم ذلك فلا زال معمولا به في العراق مطلقا، وفي الفتيا والقضاء -فقط- في جل البلدان الَّتِي كانت خاضعة للدولة العثمانية، كمصر، وسوريا، ولبنان ... كما لازال مذهب الأغلبية- في الأمور الدينية- لدى مسلمي تركيا، وباكستان، وأفغانستان، والهند، وروسيا، وغيرها من البلدان الَّتِي لا زال له فيها اتباع- عدا المغرب، رغم أنه من أولى المذاهب الَّتِي دخلت إليه. 2 - المذهب المالكي وإمامه مالك بن أنس، ولد بالمدينة المنورة (93 هـ)، وبها توفي (179 هـ)، وهو مستغن بشهرته عن التعريف به، وقد أورد القاضي عياض في "المدارك"، والسيوطي في "تزيين المسالك"، والزواوي في "مناقب مالك" وغيرهم، من ثناء الأئمة عليه علما، ودينا، وورعا، وثباتا .. ما فيه كفاية. وقد انتشر مذهبه في الحجاز، ومصر، والسودان، والكويت، والبحرين، وتونس، والجزائر، والأندلس، والمغرب الأقصى - البلد الوحيد الذي أضحى فيه بدون منافس، وله أتباع في جل البلدان الإسلامية الأخرى. 3 - المذهب الشافعي وإمامه محمد بن إدريس الشافعي، ولد بغزة (150 هـ) ونشأ بمكة، وربي بهذيل، وتوفي بمصر (204 هـ). وانتشر مذهبه الثاني في مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وباكستان، والهند، واندنيسيا، ولدى السنيين في إيران، واليمن، وغيرها من البلدان الَّتِي لا زال له فيها أتباع - عدا المغرب. - جـ -
4 - المذهب الحنبلي
4 - المذهب الحنبلي وإمامه أحمد بن حنبل، ولد وتوفي ببغداد (164 - 241) وكان إماما في الحديث بدون منازع، وانتشر مذهبه في المشرق عموما، غير أنه مع مر الأيام كاد أن يندثر -حيث لم يبق له حتى في البلدان الَّتِي انتشر فيها غير صدي خافت- لو لم يحيه محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عَشر الهجري، ومنذئذ انتعش، وأصبح له أتباع في بعض البلدان الإسلامية كالحجاز، والشام .... عدا المغرب. من هذا يتضح أن المذاهب الفقهية السنية الَّتِي كتب لها البقاء، كانت -ولا زالت- منتشرة ومتنافسة في جل البلدان الإسلامية، باستثناء المغرب الأقصى الذي تسنم عرشه المذهب المالكي منذ أن تقلده المغاربة، رغم محاولة بعض ملوك الموحدين القضاء عليه- لكن بدون جدوى، الشيء الذي يدعو إلى طرح الأسئلة التالية لماذا انفرد المذهب المالكي بالنفوذ في المغرب؟ وما هي البواعث الَّتِي دفعت أهله إلى التمسك به تمسك الرضيع بأمه؟ وهل ذلك عن اختيار واقتناع بصلاحيته؟ أم فرض عليهم بالقوة- كما يدعي البعض؟ أم أن ذلك كان كنتيجة حتمية لعدم تعرفهم على المذاهب الأخرى؟ وأن المستنطق لتاريخ المغاربة سيجد أنهم كانوا يتسمون بالصلابة في الرأي، والتروي في اتخاذ المواقف الحاسمة، وعدم إقبالهم -بلهفة على كل جديد، وعدم تأثرهم بسرعة بكل وارد -كما هو ملاحظ اليوم- إلا بعد اختبارهم إياه، والتثبت منه بأنه يتلاءم مع مزاجهم، وبيئتهم الاجتماعية والعرفية، والعقلية والنفسية ... وهذا الموقف نفسه وقفوه ازاء الإسلام حيث لم يعتنقوه اعتناقا صادقا، وآمنوا به إيمانا عميقا امتزج بدمهم ولحمهم، إلا في الكرة الثانية عشرة- كما يذكر ذلك ابن أبي زيد القيرواني- حينما تيقنوا أنه ليس له مثيل، - د -
عوامل تمسك المغاربة بمذهب مالك
ومنذئذ لم يرضوا به بديلا، وصاروا يدافعون عنه -ولا زالوا- بكل ما أوتوا من قوة، وكفاهم فخرا أنهم كانوا في طليعة الناشرين له في أوربا وأفريقيا. وإذا كان هذا موقفهم مع الإسلام، فليس بصحيح ما ادعاه ابن حزم من أن المذهب المالكي لم ينتشر في الأندلس والمغرب إلا بالسلطة، ويفند زعمه هذا بالنسبة للمغرب ما قام به بعض ملوك الموحدين، وخاصة يعقوب المنصور من محاولات لمحو المذهب المالكي منه، بإحراق كتبه بالجملة، وإلزام المغاربة بالتخلي عنه رهبة، إلا أن النتيجة كانت عكسية، حيث ازداد المغاربة تمسكا به، نعم قد تكون السلطة سببا مكملا لحماية الإرادة الشعبية من تشكيكها في عقيدتها الأشعرية ووحدتها المذهبية، والعمل على تنقيتها من الطفيلات الشاذة. كما ليس بصحيح -بتاتا- الظن بأن السبب في انتشار مذهب مالك واستمراره بالمغرب يرجع إلى عدم تعرف أهله على المذاهب الأخرى، لأن التاريخ يثبت بكيفية قاطعة، أن كثيرا من المذاهب السنية وغير السنية وفدت على المغرب، وعاشت فيه مدة، وحاولت التمركز فيه قبل وبعد إدخال المذهب المالكي إليه، غير أن المغاربة تخلوا عنها لسبب أو لآخر، وتمسكوا بمذهب مالك، وذلك لعدة عوامل عوامل تمسك المغاربة بمذهب مالك ليس من اليسير في هذه العجالة تقصي كل العوامل والأسباب الَّتِي حفزت المغاربة إلى التشبث بمذهب مالك، لذا سأكتفي بالاشارة إلى البعض منها 1 - نشوء المذهب بالديار المقدسة. 2 - ورود الأثر في صاحب المذهب. 3 - إشادة مختلف الأئمة به. - هـ -
1 - بزوغ المذهب بالبقاع المقدسة
4 - تشابه البيئتين المغربية والحجازية. 5 - طبيعة المذهب نفسه وخصائصه. 1 - بزوغ المذهب بالبقاع المقدسة: من المسلم به أن كل مسلم له ارتباط وثيق -عقيديا وروحيا- بالديار المقدسة منبع الرسالة المحمدية، منذ اعتناقهم الإسلام، وظهور مذهب فقهي سني في دار الهجرة، هدف صاحبه خدمة السنة النبوية بتدوينها وحمايتها من الشوائب، وتوطيء فقهه بها في مسجد الرسول الأكرم، وبجوار قبره -عليه الصلاة والسلام- وتعاقب الوفود من التلاميذ والحجيج باستمرار - على المدينة المنورة، يرتوون ويروون، ثم انتشارهم انتشار الشعاع في شتى الأصقاع، مبلغين أصداء هذا المذهب ومزاياه إلى كثير من بقاع العالم الإسلامي- ومنه المغرب، واقترن طول عمر الإمام، وكثرة العلم، بعظمة المكان ذاته بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله، وهيبة قبره، ومغداه ومرحاه، وأبنائه, وأبناء أصحابه، والأثر والذكر العطر بنوره, بلدة طيبة، وعلم زاخر ... كل ذلك وغيره، أهَّلَ الديار المقدسة - بصفة عامة، والمدينة المنورة بوجه خاص- أن تكون بذاتها وبروحها عاملا مهما لانتشار واستمرار مذهب مالك بالمغرب، وتمسك أهله به، تمسكهم بالعروة الوثقى، وذلك لعدة أسباب، منها: أ- خروج المذهب على يد تلامذة مالك، وادخالهم إياه إلى بلدانهم وغيرها، وكان أول من أدخله إلى شمال افريقيا تلميذ مالك أبو الحسن علي بن زياد التونسي (ت 183 هـ). ب- توافد الحجيج كل سنة على تلك البقاع المقدسة، وإعجابهم بالمذهب الذي وجدوه امتدادا لنهج السلف عقيدة، وعملا. - و -
2 - ورود الأثر في صاحب المذهب
ج- توارد الوفود تلو الوفود من الفقهاء وغيرهم على المغرب من القيروان والأندلس، وخاصة في عهد مولاي إدريس الثاني، وكان أول وفد ورد عليه مكونا من عرب قيس، والأزد، ومذحج، ويحصب وغيرهم، واستقضى منهم عامر بن محمد بن سعيد القيسي، الذي كان من تلامذة مالك، فانتشر مذهب مالك بالمغرب وعم أرجاءه، لا سيما حين أدخلت مدونة سحنون على يد أبي ميمونة دراس بن اسماعيل الجراوي الفاسي شيخ أبي الحسن القابسي، وابن أبي زيد القيرواني وغيرهما. (ت 357 هـ). 2 - ورود الأثر في صاحب المذهب: لعل من أهم العوامل الَّتِي حدت بالمغاربة إلى اتباع مذهب مالك وتفضيله على غيره، - ما وقع من اجماع الأمة على إمامة صاحبه، وما ورد فيه من أثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ -وفي رواية- يَلْتَمِسُونَ الْعِلْمِ، فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ". ورواه أبو موسى الأشعري بلفظ "يَخْرُجُ النَّاسُ مِنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ". وعلق سفيان بن عيينة على هذا الحديث- قائلا "نرى أن المراد بهذا الحديث مالك بن أنس". وعضده كثير من أهل العلم كالقاضي أبي محمد عبد الوهاب الذي قال ما معناه لا يمكن أن ينازعنا في هذا الحديث أحد من أهل المذاهب الأخرى، لكون السلف والخلف كانوا إذا قالوا "عالم المدينة" لا يقصدون بذلك إلا مالك بن أنس. - ز -
3 - إشادة مختلف الأئمة بمالك
3 - إشادة مختلف الأئمة بمالك: وربما كان من العوامل التي جعلت المغاربة يتشبثون بمذهب مالك إشادة مختلف الأئمة بعلم مالك، وورعه ورجاحة عقله، وتعمقه في فهم أسرار الشريعة، و ... فهذا الإمام الشافعي يقول في حقه "مالك أستاذي وعنه أخذت العلم، وما أحد أمّنَّ عليَّ من مالك، وجعلته حجة بيني وبين الله". وقال في حق موطئه "أصح كتاب بعد کتاب الله موطأ مالك". وقال ابن مهدي "ما رأيت أحدا أتمَّ عقلا، ولا أشدَّ تقوى من مالك". و"ما بقي على وجه الأرض آمنُ على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مالك". وقال سفيان بن عيينة "كان مالك سراجا، وحجة في زمانه". وقال أحمد بن حنبل- "مالك سيد من سادات أهل العلم، وهو إمام في الحديث والفقه". 4 - تشابه بيئة البلدين: لقد أورد لنا ابن خلدون تعليلا دقيقا لانتشار مذهب مالك في المغرب والأندلس، منطلقا من حسه الاجتماعي الفياض، قائلا: "إن أهل المغرب والأندلس، كانوا إلى أهل الحجاز أميل، لمناسبة البداوة التي كانت غالبة عليهم، ولم يكونوا يعانون من الحضارة التي لأهل العراق ... ". وبهذا المنظر الخلدوني، يُمكِن أن ندرك أثر البيئة المادية، والمعنوية في تقبل هذا المذهب أو ذاك، فالبداوة، والحضارة، والخصب، والجدب، والغني، والرخاء، والنعيم، والبؤس، والأخلاق، والأعراف، والتقاليد وغيرها من المظاهر البيئية التي يتشابه في جلها البلدان الحجاز - حـ -
5 - طبيعة المذهب نفسه، وخصائصه
والمغرب - كل ذلك كان له أثر فعال، مِمَّا يجعَل أن يسلم تعليل ابن خلدون بدون جدال. 5 - طبيعة المذهب نفسه، وخصائصه: إن النفوس ميالة -إلى اتباع مذهب ما- بطبيعتها، لما يتوفر عليه من يسر ومرونة في أُصوله وقواعده، ومنهجه في الاستنباط، وطريقته في معالجة الحوادث النازلة، ومدى توخيه المصلحة، ودفع المشقة، اللذين هما لباب الدين- مقصدا ومنهجا، ومنهما يفوح شذي السنة الأرج، وما يتراءاه العباد فيها من سهولة وسماحة، امتثالا لغير ما آية من كتاب الله جل علاه {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... } {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ولقول الرسول عليه السلام "إنَّ الدِّيْنَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّيْنَ أَحُدٌ إِلَّا غَلَبَهُ" وقوله "يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُا" الحديث. ومذهب مالك -بدون شك- يتسم بما سلف وبكثير من الخصائص الأخرى، منها: 1 - كونه يعتبر الممثل الأصيل لفقه الفقهاء السبعة، الذي التزمه أهل مدينة الرسول، فهو امتداد طبيعي، عضوي، فكري، وتاريخي لأيام الرسالة واقترانه بفكرة إتباع السنة، وترصده عمل السلف الصالح، ورسوخ ذلك كله في أذهان المغاربة، جعلتهم يقبلون عليه بشغف كبير، استمساکابعامل الأمان، حتى لا يتورطوا في مستحدثات الأمور ومبتدعاتها، ورأوا أن الاتباع منجاة لهم من الوقوع فيما لا تحمد عقباه في دينهم ودنياهم، والإمام الذي وهب نفسه لخدمة السنة المطهرة، جدير أن تهفو الأفئدة لاتباعه، واتخاذه قدوة، وتطمئن إليه الفئة العاجزة عن استنباط الأحكام بنفسها من ينبوع الشريعة الإسلامية. - ط -
2 - سلوكه مسلكا وسطا
2 - سلوكه مسلكا وسطا: أظن أن المغاربة فضلوا المذهب المالكي، وتمسكوا به تمسكا فريدا، لسلوكه مسلكا وسطا لا إفراط فيه ولا تفريط، بحيث لا يعتمد على الرأي والقياس، بقدر ما يعتمد على النصوص، ويتبع ما أجمع عليه أهل المدينة، ويبتعد عن كل ما ليس فيه مصلحة راجحة للعباد وهو بهذا كله ينسجم مع طبيعة المغاربة التي تتشبث بالنقول الثابتة, والنصوص الصريحة، وتنفر من التأويلات البعيدة، والتشديدات المنفرة، والتعقيدات السقيمة، خوفا من الوقوع في الشبهات "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشَبِّهَاتٌ ... " الحديث. 3 - خصوبة مصادره، وتعدد أجواء الاجتهاد فيه لا شك أن أي مذهب تنمو فروعه، وتتسع آفاق التفكير فيه بتعدد أصوله، وخصوبة مصادره، ومدى سعة تفكير الساهرين عليه من بعد إمامهم، وتعدد أجواء الاجتهاد فيه .. ومذهب مالك متوفر على هذا كله, فأصوله كثيرة، وقواعده خصبة، ومناهجه متنوعة، وتلاميذ الإمام ومن بعدهم قد وسعوا تفكيرهم في تطبيق أصول إمامهم في مختلف الميادين، وتفننوا في وضع القواعد وتنويعها، وجمع عدة أحكام تحت كل واحدة منها، وبذلك تركوا لنا ذخائر من التراث الفقهي الأصيل، المبني على القواعد والأصول، لا يقدر بأي ثمن. 4 - التمسك به جمعا للكلمة، وصونا للوحدة: ولعل من أهم الأسباب البارزة التي جعلت المغاربة يتشبثون بمذهب واحد، أنهم أخذوا درسا مِمَّا وقع فيه غيرهم من بعض البلدان الإسلامية، ولا زالوا -مع الأسف- من براثن النزعات الطائفية، والخلافات المذهبية، التي شتتت أوصال البلد الواحد، بل مزقت أواصر الأسرة الواحدة، مع أن الدين واحد، وهدف الأئمة -رضوان الله عليهم- - ي -
واحد، وتصيد الرخص حرام بالإجماع وتفاديا لذلك، اتفقت كلمتهم على اتباع مذهب واحد، ووحدوا صفوفهم عليه، مفضلين العيش في أمان ووئام، تحت لواء الإسلام، ملتزمين الصف الواحد، والرأي الواحد، في كنف العقيدة الأشعرية، والوحدة المذهبية، مرددين مع الشاعر نظرنا في المذاهب ما رأينا ... كمذهب مالك للناظرينا ومذهبه اتباع لا ابتداع ... كما اتبع الكريم الأكرمينا وعندي كل مجتهد مصيب ... ولكن مالك في السابقينا - كـ -
تحقيق "إيضاح المسالك"
تحقيق "إيضاح المسالك": فقد عانيت في البداية ما يعانيه كل باحث مبتدئ في اختيار موضوع البحث، وظلت أمواج الحيرة تقذف بي هنا وهناك مدة، إلى أن أضناني التردد، ووجدتني منساقا إلى تحقيق كتاب "إيضاح المسالك" لعدة أسباب؛ منها: 1 - تحقيق أمل طالما حلمت به، وهو أن أساهم مساهمة رمزية في إحياء ما تركه لنا أمجادنا من ذخائر التراث، ولا سيما في المجال الفقهي، حتى يتسنى للأجيال الصاعدة أن تقف على أصالة التراث الفقهى، وما يزخر به من نظريات وحلول لمختلف القضايا النازلة، بل قد يوجد فيه حلول لقضايا، فرضية ربما لا تخطر على البال. 2 - توقعي أن أجد إجابة -في هذا المخطوط- عن التساؤل الذي كثيرا ما خامرني -وربما ساور غيري-: إذا كان الاختلاف بين المذاهب يبدو له مبرراته -تبعا لاختلافهم في بعض الأصول- فلم الاختلاف في المذهب الواحد- مع أن أصوله واحدة؟ .
3 - أنبنى ضميري حينما رأيت المستشرقين يتهافتون على تحقيق التراث الإسلامي، بينما المنتمون إليه تنكروا له -لسبب أو لآخر- إلا القليل منهم، وهذا عقوق منا لأسلافنا، ولما خلفوه لنا من تراث ثري بكل ما نحتاج إليه في عصرنا الحاضر، علما بأن المستشرقين -جلهم- لا يقدمون على ذلك إلا لحاجة في نفس يعقوب، الرامية إلى تحقيق أهداف خاصة. 4 - تأثري العميق بإرشاد أستاذي الدكتور عبد الواحد وافي، أثناء تقديمى له مشروع بحث غير هذا، وبمجرد ما قرأ عنوان البحث نظر إلي وقال: مالي أراكم تفرون كلكم عن تراثكم الذي أصبح يتلاشى يوما عن يوم! ! فمن الأحسن أن تبحث عن مخطوط ملائم، فأنا رهن الإشارة للإشراف عليه. ومن يومئذ تركت البحث -الذي كنت أنفقت في تهييء مشروعه مدة ليست بقصيرة- جانبا، وقررت أن أبحث عن موضوع فقهي، ربما لميلي إلى الفقه منذ زمن التلمذة، وتصفحت كثيرا من المخطوطات قبل أن أقف على "إيضاح المسالك" وحينما عثرت عليه -صدفة- تفاءلت باسمه، فبادرت إلى تسجيله، وكنت أعتقد أنه سهل كما يوحي بذلك عنوانه، ولكن سرعان ما فوجئت بعقبات متنوعة اعترضت سبيلي كدت أقف معها في البداية -رغم أن نسخ الكتاب متعددة، بيد أن جلها لم تستوف متطلبات المنهجية الحديثة: من صيغ التمليك، واسم ناسخها، وتاريخ نسخها، ومكانه ... إلا أن أحد أساتذتي الكرام -جزاه الله خيرا- كان يستحثني على مواصلة البحث والعمل باستمرار، ولكن كيف أواصل؟ .
خطة البحث
فها هو ذا عصر المؤلف -الذي هو العصر الوطاسي- قد طوته كتب التاريخ طيا، ولا يكاد يذكر إلا لماما. ولا أبالغ إن قلت: إنه حلقة مفقودة -أو كادت- في تاريخ المغرب، والأسف أن بعض مميزات هذا العصر أضيفت- خطأ- إلى العصر الذي يليه- وهو العصر السعدي، وإلى اللحظة التي أحرر فيها هذه السطور لم أقف على أية محاولة جدية تسلط الأضواء عليه. ثم إن موضوع القواعد الفقهية في مذهب مالك -كباقي المذاهب- لم ينل حظه من عناية الباحثين- على كثرة ما كتبوا في أصول الفقه، لذا كانت المراجع فيه جد ضئيلة. ورغم الصعوبات الجمة والمتنوعة -التي واجهتني- فقد اقتحمت الموضوع، وصرت أتردد على المكتبات العامة والخاصة- أتصفح أمهات الفقه، باحثا عن الشوارد التي تضمنتها كل قاعدة من قواعد الإيضاح، واسترشدت بكثير من رجال العلم والبحث والتحقيق، الذين يهدون التائهين -مثلي- في متاهات بحوثهم. خطة البحث: قد جعلت موضوع الرسالة يتكون من جزءين: الجزء الأول: دراسة عن أبي العباس الونشريسي: مؤلف الإيضاح وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: عصر المؤلف. الفصل الثاني: حياته. الفصل الثالث: آثاره.
الفصل الرابع: دراسة تحليلية للكتاب. الفصل الخامس: القواعد وأهميتها. الجزء الثاني: نص المخطوط. فالفصل الأول: تحدثت فيه عن الفترة التي عاشها أبو العباس بتلمسان (¬4) وفاس، وحاولت أن أستشف من أحداث التاريخ الظروف والأسباب التي دفعت السلطة الجزائرية إلى طرد صاحبنا -الونشريسي- ونهب داره وكتبه. وربما وقفت طويلا مع الناحية الفكرية والاجتماعية، وشفيعي في ذلك، أن هذا العصر لم ينل حظه من عناية الدارسين، بل ظل يكتنفه كثير من الغموض، وأبرزت مزايا لهذا العصر- وقد أضيفت-خطأ- إلى العصر الذي يليه -كما أومأت إلى ذلك آنفا. والفصل الثاني: تناولت فيه نشأته وحياته الدراسية والعلمية، وفحصت الراويات والأخبار الواردة في نسبه ومكان ولادته، ونبهت على أخطاء وقع فيها كثير من المؤرخين، سواء منهم القدامى والمحدثون. ¬
وعملت على إبراز شخصيته وصفاته الخلقية والخلقية، ومكانته العلمية، وآراء الناس فيه، وتقويمهم لشخصيته وثقافته. والفصل الثالث: عقدته لآثاره ومؤلفاته، وتتبعت فهارس المخطوطات وكتب التراجم، واستطعت أن أثبت أن له أربعا وعشرين مؤلفا، ولم يكن معروفا منها إلا عدد ضئيل؛ وقد ذكرتها إجمالا، ثم حللت أهمها تحليلا موجزا، وعرفت بالمخطوط والمطبوع منها، وصححت أخطاء لبعض المفهرسين وأصحاب التراجم في أسمائها وعناوينها، وأثبت صورة من خط يد المؤلف وتوقيعه. أما الفصل الرابع: فقد خصصته لدراسة كتاب "إيضاح المسالك" دراسة تحليلية، إذ وثقت عنوان الكتاب، وأثبت تاريخ تأليفه، والباعث على تدوينه، وذكرت مضمونه وفحواه، وحاولت تقييمه، بإبراز أهم محاسنه، وما يوخذ عليه. وفي الفصل الخامس: تناولت فيه القواعد وأثرها في الدراسات الفقهية والتشريع. حيث عرفت فيه بالقاعدة، وأحصيت أنواعها، ولمحت إلى الفرق بين القواعد الأصولية والفقهية، وأعطيت لمحة تاريخية عن تدوينها، والأطوار التي مرت بها، وأبرزت أهميتها في الدراسات الفقهية، وأثرها في التشريع الحديث، وختمت هذه الدراسة بمصادر ومراجع عدت إليها أثناء إعداد هذه الفصول، وقسمتها إلى مخطوطات، ومطبوعات، وصحف ومجلات، وبعض مصادر أجنبية أثبتها آخر الكتاب.
أما الجزء الثاني: فهو نص المخطوط، وقد قدمت له بمقدمة، عرفت فيها بالنسخ الخطية للكتاب، ورسمت مشجرا بينت فيه النسخة (الأم) والفروع التي تفرعت عنها، سواء منها القديم والحديث، وأوضحت المنهج الذي سرت عليه في التحقيق، وهو أنه يرمى إلى توثيق النص، واخراجه كما أراده المؤلف أو قريبا من ذلك. ووضعت حاشيتين: إحداهما للفروق، والأخرى للتعاليق، وذيلت الكتاب بفهارس مفصلة، تلقي أضواء كاشفة عن موضوعاته، وأهم محتوياته. وأرجو أن أكون قد وفقت فيما بذلت، وحققت ما أملت، وعلى الله قصد السبيل والاتكال، في الحال والمآل.
[الفصل الأول: عصر المؤلف]
أبو العباس الونشريسي 1: عصره فالحديث عن حياة أي إنسان، وما خلفه من تراث أو ذكر أو مقام. .. يستلزم الإلمام بمصره، والبيئة التي نشأ فيها، والظروف التي واكبته من البداية إلى النهاية، وأبرز أحداث وقته، ومكونات شخصيته وثقافته، والتيارات الموجهة لتفكيره، والحوافز التي حفزته إلى إنجاز ما أنجزه من إنتاج علمي، أو ما قام به من عمل أو ترحال ... ليتأتى بذلك تحديد مكانه بين أهل زمانه، وإعطاء صورة مكتملة عنه، إلا أن تناول، هذه الجوانب كلها؛ بالنسبة لأبي العباس (أحمد الونشريسي)، تكاد تكون -مع الأسف- من ضرب المستحيل- ما دام المؤرخون وأصحاب التراجم أبوا إلا أن يغضوا الطرف تماما عن جل هذه النواحي لسبب أو لآخر! ! مع أن أبا العباس لم يكن من أولئك المغمورين؛ حتى ينسى أو يتناسى، إذ واجه أحداثا سياسية خطيرة، كان ينبغي الوقوف معها طويلا، بالإضافة إلى تنقلاته، وحياته العلمية الخصبة التي دامت: زهاء ثمانين عاما. ورغم ذلك فعلى ضوء ما هناك من لمحات تاريخية، وإشارات عابرة، يمكن لنا تقسيم العصر الذي عاشه إلى فترتين:
1 - الحياة السياسية في كلا البلدين
- فترة ما بين (834 - 874 هـ) (1431 - 1469 م) - وهي التي قضاها بمسقط رأسه (الجزائر)، وتصور طور طفولته وشبابه من حياته. - وفترة ما بين (874 - 914 هـ) (1469 - 1508 م) - وقد عاشها بالمغرب (فاس) وتمثل طور الكهولة والشيخوخة. ويبدو أن لكل من العصرين، أو الفترتين -على الأصح- أثره الخاص في نفس صاحبنا، سواء من الناحية السياسية، أو الاجتماعية، أو الفكرية؛ لذا سأحاول تسليط بعض الأضواء على هذه النواحي الثلاث: 1 - الحياة السياسية في كلا البلدين: أ- الحالة السياسية بالجزائر: شاءت الأقدار الإلهية أن يرى أبو العباس الونشريسي نور الحياة -والدولة الزيانية الحاكمة-آنذاك- بالجزائر تمر بأحلك فتراتها، وتعاني أشد ما تعاني من الفوضى، والاضطرابات الداخلية، والتمزقات السياسية: نتيجة ضعف جل ملوك هذه الدولة، وانهماكهم في التنافس والتهالك على تسنم العرش الجزائري، الذي أضحى تحت رحمة ملوك الحفصيين منذ أن
تخلت عنه -لظروف قاهرة- دولة بني مرين في حدود (812 - 827 هـ) (¬6). وحاول الزيانيون -غير مرة- التخلص من سيطرتهم، وإبعاد هذا الكابوس الجاثم على صدورهم، وإزالة الخناق المطوق لرقابهم، لكن بدون طائل. فهذا أبو العباس أحمد الزياني الملقب بـ (المعتصم بالله) رغم أن الحفصيين هم الذين ولوه عرش تلمسان (866 - 866 هـ) (¬7) (1431 - 1461 م) (¬8) - فإنه لم يكد يستوي على قدميه حتى ثار ضدهم، وأعلن رفض دعوتهم سنة (837 هـ- 1433 م) (¬9) متخيلا أنهم سيتغاضون عن محاولته الاستقلال عنهم، وأنهم سيعدلون عن سياستهم المتبعة: القتل، أو حبس كل من سولت له نفسه الخروج عن طاعتهم وتعيينهم -في محله- من يخطب باسمهم، ويأتمر بأمرهم.! ! فلم يصدق تخيله. لكون أبي فارس الحفصي بمجرد ما وصله الخبر، زحف بجيش جرار على الجزائر، قاصدا العاصمة (تلمسان) بيد أنه- ¬
من سوء حظه، وحسن حظ خصمه- أنه وافاه أجله قبل الوصول إليها، فاضطر جيشه إلى الرجوع إلى تونس (¬10)، فتنفس أبو العباس (العاقل) الصعداء، وراح ينعم بشيء من الاستقرار، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلا، إذ سرعان ما فوجئ بعصيان أخيه (أبي يحيى) وإعلان الثورة عليه، تسانده بعض القبائل التي سئمت حكم السلطان، فهرع إلى تلمسان مع أنصاره، وحاصرها مدة، وحينما استعصمت عليه اتجه إلى وهران، فاحتلها سنة (840 هـ) (¬11) (1437 م) - بغير قتال، وحاول السلطان- مرارا مطاردته، إلا أن النجاح لم يحالفه في البداية، لصمود أخيه، واستماتة أنصاره، وانشغال السلطان بمقاومة ثورة أخرى شنها عليه أبو زيان محمد (المستعين بالله) الذي زودته حكومة تونس بالجند والعتاد، وتمكن من السيطرة على كثير من الولايات، واتخذ مدينة الجزائر مركزا لإنشاء دولته، وكاد أن يستفحل أمره، لو لم يقض عليه أبو يحيى (صاحب وهران) واستولى على ما كان بيده، وأحس أبو العباس (العاقل) -أكثر من ذي قبل- بالخطر الذي يهدد ملكه، وصمم العزم على القضاء على أخيه (أبي يحيى) قبل أن يقضى عليه، فاحتدمت بينهما حروب منهكة، إلى أن رجحت كفة أبي العباس في النهاية، بالانتصار على أخيه، واستيعادته جميع الولايات إلى حظيرة مملكته، ¬
واعتقد بذلك أنه قضى علي كل الثورات المتلاحقة وأنه سينعم بشيء من الطمأنينة، ولم يكن يتوقع أن أبا ثابت (المتوكل علي الله) (حفيد أخيه) سيقوم بثورة عارمة ضده، وأن نهاية حكمه ستكون علي يده. وفعلا فقد نزل أبو ثابت المتوكل علي العاصمة (تلمسان) كالصاعقة سنة (866 هـ-1461 م) (¬12) وطرد منها السلطان (عم أبيه) ونفاه إلى الأندلس، وفي نفس الوقت أعلن استقلاله عن الدولة الحفصية، (¬13) وما كادت تصل هذه الأنباء إلى تونس، حتى هب سلطانها أبو عمرو عثمان الحفصي بجيش عارم؛ مكتسحا به جل الولايات والقبائل الجزائرية، وبدل أن يحاول أهلها رد زحفه ومقاومته، صاروا يقدمون له التمر والحليب، معلنين بذلك ترحابهم به، وسخطهم علي حكم السلطان أبي ثابت الذي وجد نفسه مهددا بالخطر، وأن حكمه وشيك الانهيار إن لم يتدارك الأمر عن عجل، فلم يجد حيلة تنقده من تلك الورطة خيرا من إيفاده نخبة من كبار العلماء، ليتشفعوا له لدى السلطان الحفصي، فنفذها ونجحت حيلته، ثم قفل السلطان الحفصى راجعا إلى عاصممة ملكه، (¬14) بعد أن عين بعض الولاة والقواد بنفسه، غير أن أبا ثابت لم يأخذ العبرة بهذه الهزيمة، إذ ما لبث أن عاد إلى التمرد، بإعلانه رفض الدعوة الحفصية للمرة الثانية، ¬
سنة (868 هـ 1463 م) (¬15) فقام الجيش الحفصي بحملة تأديبية، واسعة النطاق، أخضع لسلطته كثيرا من الجهات، ثم يمم العاصمة (تلمسان) فأحاط بها إحاطة السوار بالمعصم، فما كان من أبي ثابت إلا الاستسلام، وإهداء بنته لأحد الأمراء الحفصيين كعربون على إخلاصه، وكتابة البيعة -للسلطان الحفصي- بيده، جاء فيها: "شهد على نفسه عبد الله المتوكل عليه، محمد لطف الله به، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأعطى بنته بكرا للمولى أبي زكرياء يحيى بن المولى المسعود دون خطبة ... (¬16) ". هكذا كانت عجلة الأحداث تسير في الجزائر خلال هذه الحقبة، عراك وفتن داخلية، وثورات مضنية متتالية، والتطاحن على الملك والرئاسة -أصبح شيئًا مألوفا- بين الإخوة تارة، وبين الملوك المتجاورين تارة أخرى، والإسبان يخططون في خفاء، لاحتلال القواعد والثغور الإسلامية، والمراكز الاستراتيجية على البحرين: المتوسط والأطلسي، حتى لا تقع النجدة لمسلمي الأندلس، الذين كانوا يعيشون محنتهم الأخيرة، فاحتل الإسبان (فعلا) مدينة بونة (عنابة (¬17)) تمهيدا للسطو على المراكز الأخرى، والبرتغاليون -بدورهم- اشرأبت أعناقهم لأخذ حقهم في الغنيمة، فأخذوا ¬
يستعدون للاستيلاء على ميناء وهران- للمرة الثانية- دون أن يحرك حكام الجزائر- آنئذ- ساكنا للدفاع عن ثغورهم التي صارت تتساقط في يد العدو تباعا، ولا التفتوا إلى تضرعات أهل الأندلس، واستغاثاتهم المتكررة، وربما انتقد أبو العباس الونشريسي- وقد عرف بصراحته وتصلبه في الحق، وغيرته على الإسلام- موقف أبي ثابت السلبي إزاء نداءات الأندلس، وسياسته الفاشلة لعدم تبصره بتصريف الأمور بتعقل وحكمة، فلو عامل السلطان الحفصي بدهاء وحنكة، لما لحقته تلك الهزيمة والإهانة، بل ولاستماله إلى التعاون معه على محاربة العدو الأكبر، الذي كان يعيث فسادا في الأندلس المسلمة، ويستعمل كل الوسائل البشعة لاستئصال أهلها وقلع جذور الإسلام منها، وهاهو ذا بلغت به الجرأة إلى اقتحامه الشواطيء الجزائرية وغيرها- تحديا واستكبارا، وربما غضب الونشريسي لذلك، واستنكر على السلطان مواقفه المزرية جهارا، فحملته أنفة الملوك على طرد صاحبنا من تلمسان، وانتهاب داره. كما يحتمل أن الونشريسي أتهم بالتحريض على مشايعة الملك الحفصي، ومبايعته له، أو على الأقل كان من ضمن الذين رحبوا به أثناء قيامه بحملة تأديبية، معلقين عليه آمالهم أن يعمل على طرد العدو من شواطئهم بعد أن يئسوا وتيقنوا من عجز أبي ثابت وسلبيته إزاء الأندلس، وتوفير الأمن الداخلي، والذود عن حوزة الوطن ... ومن الغريب أن كتب التراجم تمر بهذا الحادث مر الكرام دون أن تذكر أي سبب أو تعليل، بل وحتى إسم السلطان، الذي
ب- الحالة السياسية بالمغرب
صدر عنه ذلك لم تشر إليه، وإنما اكتفت بالقول: "إنه حصلت له كائنة مع السلطان، وتعرضت داره للنهب (¬18) ". وكيفما كان السبب، فقد أصدر الأمر بنفي صاحبنا من تلمسان، ومصادرة أملاكه، فغادرها في غرة محرم سنة (876 هـ- 1469 م (¬19)) قاصدا فاس، فوجد بها أصدقاءه من علمائها الذين رحبوا به أيما ترحاب، وأضفوا عليه من التقدير والتكريم ما أنساه المصاب، وكيف لا؟ وقد عرفوه من خلال كتاباته وفتاواه الكثيرة، إذ كانت تجري بين علماء فاس وتلمسان -من حين لآخر- محاورات علمية، وتساؤلات وإيجابات متبادلة؛ في أعوص المسائل الفقهية وأدقها، وتبادلوا الإجازات بالمراسلة، والونشريسي نفسه يذكر أنه أخذ عن بعض شيوخ فاس بالمكاتبة (¬20). ب- الحالة السياسية بالمغرب: لم يكن الوضع السياسيى بالمغرب-آنذاك- أحسن مما كان عليه بالجزائز بل كان على أسوا حال، فالدولة المرينية القوية التي كانت بالأمس القريب، تصول وتجول، قد أصابها داء الشيخوخة والهرم، الذي يصيب أكثر الأمم -كما يقول ابن خلدون (¬21) - وكان آخر ملوكهم الضعفاء السلطان عبد الحق ¬
الذي سود صحيفة بني مرين بتسليمه دواليب الحكم لليهوديين (هرون، وشاويل) اللذين تعسفا في حكمهما وصبا مختلف ألوان العذاب على الأبرياء بدون شفقة ولا رحمة، فهاج الشعب واستشاط غضبا، ولم يهدأ له بال حتى قتل عبد الحق وبيادقه سنة (869 هـ- 1464 م (¬22)) وبمصرعه انتهى حكم بني مرين نهائيا، بعد أن استمر زهاء مائتي عام. فبويع أبو عبد الله الحفيد محمد بن علي الإدريسي الجوطي، إلا أن تصرفاته أثبتت عدم صلاحيته لهذا الأمر الجسيم، لكون البلاد لم تزد في عهده إلا تدهورا وانحطاطا، فعزل سنة (875 هـ- 1470 م (¬23)) وفي عهده حط الرحيل صاحبنا بفاس، فما كان عليه إلا أن يشارك أهل الحل والعقد حماسهم في تنحية الحفيد. والواقع أن المغرب أصبح -منذ انفلات الزمام من يد قادته المتبصرين- عرضة لنهب الناهبين، وطعمة سائغة للطامعين، فابن الأحمر استولى على ثغور بني مرين بالأندلس، واحتضنها لتسلم إلى الإسبان -بعد حين- والبرتغال دفعتهم مطامعهم التوسعية إلى احتلال أهم شواطيء المغرب على المحيط الأطلسي، بعد أن استولوا على المراكز الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، فاحتلوا سبتة سنة ¬
(818 هـ-1415 م (¬24)) وقصر المجاز (862 هـ-1457 م)، ثم طنجة (869 هـ-1464 م (¬25)) وأنفا (الدار البيضاء) (872 هـ- 1467 م (¬26)) وأصيلة (876 هـ-1471 م). وحاول مؤسس الدولة الوطاسية محمد الشيخ الوطاسي أن يتدارك الموقف باستلائه على فاس سنة (876 هـ- 1471 م (¬27)) وطرد الحفيد منها، والقضاء على الفتن الداخلية وتصديه للجهاد، وكان شجاعا مقداما، وسياسيا ماهرا، غير أن ما وجده من المشاكل المتراكمة المترسبة، وما فاجأه من أحداث جديدة ومتنوعة، كان فوق طاقته، لم تنفع فيه شجاعته، ولا مهارته السياسية .. ، فمن تلك الاحداث: ¬
- فتن داخلية متأججة كثورة عمرو السياف بالجنوب، التي دامت نحو عشرين عاما (¬28). - سطو البرتغال على أهم شواطئ المغرب- كما أسلفت. - سقوط غرناطة آخر معقل من معاقل الإسلام بالأندلس- في أيدي الأسبان سنة (897 هـ-1491 م (¬29)) وتوارد مسلمي الأندلس على المغرب، بعد طردهم بقسوة من ديارهم وأراضيهم (¬30) أفواجا أفواجا. - استيلاء الأسبان على مليلية (902 هـ- 1496 م (¬31)) وحجر بادس (914 هـ- 1508 م (¬32)) - بعد أن خربوا تطوان القديمة (¬33)، وتيجيساس (¬34) وسواهما من المدن الواقعة على البحر الأبيض المتوسط (مقابل عدوة الأندلس) على يد الطاغية الريكي الثالث (¬35). - احتلال البرتغال لمدينة الجديدة: وتخريبهم أسوارها سنة (907 هـ-1502 م (¬36)) كانت هذه الوقائع -وحدها- كافية في تثبيط عزيمة محمد الشيخ وقطع الآمال في طرد ¬
الغزاة الذين أحاطوا به من كل جانب، فضلا عما تحدثه في الأمة من بلبلة الأفكار وإثارة الاضطرابات، وضعف الهمة، وتلاشي العزيمة. ومع ذلك، فقد قاد معركة الجهاد، وأبلى البلاء الحسن في مقارعة العدو (¬37) إلى آخر نفس من حياته (¬38) (910 هـ- 1504 م)، فخلفه ولده محمد الملقب بـ (البرتغالى (¬39))، وكان يتحلى بكثير من سمات أبيه، إلا أنه ابتلي منذ اعتلائه العرش بثورة ابن عمه مسعود بن الناصر- حاكم مكناس- عليه، وظهور مؤسس الدولة السعدية محمد القائم بأمر الله، وزادت البلاد تضعضعا واضطرابا، مما شجع البرتغال على تنفيذ مخططهم الخاص باحتلال المراسي المغربية الباقية، تمهيدا لاحتلال المغرب كله، فاستولوا على العرائش (¬40)، وأكادير (¬41) سنة (910 هـ- 1504 م) بدون مقاومة تذكر. ثم احتلوا آسفي سنة (912 هـ-1506 م (¬42))، وأزمور (914 هـ-1509 م (¬43)) والمعمورة (920 هـ-1515 م (¬44)). وبذل أبو عبد الله محمد البرتغالي، أقصى المستطاع في استرداد الشواطي المغربية، واستخلاصها من مخالب ¬
2 - الحياة الاجتماعية
الاستعمار لكن محاولاته كلها باءت بالفشل، لأسباب عدة منها: أن إمكانيات المغرب -وقتئذ- كانت محدودة، فالعتاد قديم وقليل للغاية، والجيش منهوك القوى في إخماد الفتن الداخلية، ومشتة هنا وهناك، والشعب تسرب إليه اليأس في جمع الكلمة، وتوحيد الخطة في استرجاع مجده الغابر، وتلاشت معنوياته الجهادية تماما إلا عند القليل، وكيف لا؟ وهو يرى تقلص رقعة مملكته، وتتوارى يوما عن يوم، كما يتوارى الفلم على الشاشة، بعد أن كانت تشمل الجزائر وتونس، والأندلس، في كثير من الأحيان (¬45). واستبدل قوة بضعف، وأمنا باضطراب، وعزا بذل، وسبحان الدائم العزة والقوة: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاولُهَا بَينَ النَّاسِ} (¬46). 2 - الحياة الاجتماعية: عاش أبو العباس أحمد الونشريسي مدة طفولته وشبابه في بلد آبائه بالجزائر، ثم حكمت عليه الأقدار -لسبب أو لآخر- أن يغادرها قهرا، ملتجئا إلى فاس، كما أشرت إلى ذلك آنفا، لذا وذاك سألم ببعض صور الحياة العامة في كلا البلدين: ¬
أهل المغرب
أهل المغرب: لا يكاد يختلف سكان المغربين: -الأوسط والأقصى- في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وطبائعهم، ومشاربهم عن بعضهم البعض، إذ ضمتهم راية واحدة في أكثر حقب التاريخ: (¬47). في المعاش والعمران: عرفت فاس (¬48) وتلمسان (¬49) نوعا من الرخاء المادي والاقتصادي، فانتشرت -في العاصمتين- الفنادق، والحمامات، ودور الدباغة، ومصانع الصابون، والقيسريات ودور سك العملة والصناعة (¬50) ... مما يؤكد رخاء البلدين، وازدهار المجتمعين، إلا أنهما شغلا - معظم هذا القرن (التاسع الهجري، والرابع عشر الميلادي) - باضطرابات وفتن داخلية، وحروب غير متكافئة القوى مع العدو، مما جعل نضارة العيش تكتئب، والاقتصاد الداخلي يتدهور فالفلاحة قليلة، والصناعة تكاد تكون معدومة، لعدم توفر الأمن والاستقرار والتجارة الخارجية متقلصة للغاية، نتيجة احتلال المرافئ المغربية الهامة، واحتكار المحتلين للمبادلات التجارية مع الخارج، وتدفق بضاعاتهم ¬
- الروح الدينية
على الداخل بأثمان باهضة، علاوة على ما أخذ المغرب يتحمله من تكاليف حرب دفاعية طويلة المدى (¬51)، ولا سيما حينما رأى المحتل يقضي على المعالم الحضرية المغربية، بتخريبه المدن الواقعة على ساحل المتوسط والأطلسي، (¬52) ويعيد بناءها على الطراز الأجنبي (¬53). - الروح الدينية: كان لسقوط غرناطة -آخر معقل لدولة الإسلام بالأندلس- في أيدي إسبانيا المتعصبة، وتحويل المساجد الإسلامية إلى كنائس مسيحية، وإدخال أهلها قسرا في حظيرة النصرانية، وصب أبشع أساليب التعذيب والتنكيل على من آثر الاحتفاظ بدينه، وما تلا ذلك من مآسي مروعة، تندمل لها القلوب الحية. وتصاعد الحملات الصليبية على أقطار المغرب العربي، وانتصارها في أغلب الأحيان؛ كان لذلك كله- أثره الفعال في نفوس المسلمين عامة، ومسلمي المغرب العربي بصفة خاصة؛ إذ تزعزعت عقيدة الكثيرين منهم، وضعفت فيهم الروح الدينية، وجرفتهم روح الجاهلية، بالتجائهم إلى القبور والأضرحة، وتنجيسهم لها بدم ذبائح النذور والتمسح بجدرانها ... للاستغاثة بها، كأنهم لم يسمعوا قول الله جل علاه: ¬
{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} (¬54) ". وانبث الأدعياء وأهل الضلال والشعوذة، في جهات مختلفة، وكمثال على ذلك ظهور عمرو بن سليمان السياف الذي ادعى ادعاءات، من ضمنها: "أن أحكام الكتاب والسنة ارتفعت، ولم يبق إلا ما يقوله له قلبه (¬55)! {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَال أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيهِ شَيءٌ} ". (¬56). وفي نفس التاريخ أطل من جبل (ونشريس) دعى آخر (¬57)، يضرب على نفس الوتر؛ فانساقت الغوغاء وراء كل ناعق وكفر من كفر، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا} (¬58). وإلى جانب ذلك، ظهرت مدارس للتصوف الإسلامي، وبتعبير أصح، مدارس سلفية بعيدة عن الزيف والتضليل، جعلت وكدها إصلاح المجتمع وانقاذه من أدعياء الزيغ والكفريات، وتطهير العقول من البدع والخزعبلات، وصقل القلوب باتباع الشريعة المحمدية، أمثال مدرسة الجزولي (¬59) - ¬
- الدعوة إلى الإصلاح
التي تخرج منها نخبة من العلماء السلفيين، كالتباع (¬60) والغزواني (¬61)، ثم مدرسة الشيخ زروق (¬62) -بالمغرب- وأبي عبد الله السنوسي (¬63)، والشيخ إبراهيم التازي التسولي (¬64) بالجزائر. ويعدد الناصري الأمور التي ظهرت في هذا العهد قائلا: " ... منها: ظهور الأولياء، وأهل الصلاح من الملامتية وأرباب الأحوال والجذب -في بلاد الشرق والغرب- لكنه انفتح به للمتسورين على النسبة، وأهل الدعوى، باب متسع الخرق، متعسر الرتق، فاختلط المرعى بالهمل، وأدعى الخصوصية من لا ناقة له فيها ولا جمل، وصعب على جل الناس التمييز بين البهرج والإبريز ... (¬65). - الدعوة إلى الإصلاح: واستتبعت هذه النكسة انحلالا خلقيا، وانحرافا عن الطريق المستقيم، وتشويها لتعاليم الإسلام، فانتشرت البدع والمنكرات، واستشرى الفساد وتفاقم في كثير من الجهات، فتحركت الغيرة الدينية في نفوس العلماء المصلحين، الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الدين الحنيف وتجديد الدعوة السلفية، لتوعية الجماهير الشعبية -رجالا ونساء- بالتعريف بالعقيدة ¬
الإِسلامية الصحيحة، وتوضيح مزاياها في إصلاح المجتمعات الإسلامية بصفة خاصة، والمجتمعات الإنسانية عامة. وربما كان من دواعي هذه الحركة الإصلاحية -أيضًا- بروز ظاهرة التبشير التي واكبت الغزو البرتغالي والإسباني، وبتعبير أصح، الحروب الصليبية التي استهدفت المغرب العربي، (¬66) وجعلت تغزوه ماديا ومعنويا، فتوجس المصلحون خيفة من هذا التبشير، الذي صار يسحر بمغرياته -المتنوعة- الأعمى والبصير. وممن تبنى هذه الدعوة الإصلاحية -بالمغرب- أبو محمد عبد الله الهبطي (ت 963 هـ- 1555 م (¬67)) الذي أعلنها حربا شعواء على الجهل والضلال، بمختلف الوسائل، فألف عدة رسائل، شرح فيها عقيدة المسلم، مجردة عن البراهين والدلائل، وبسطها بسطا يفهمها الكبير والصغير، ولم يكتف بالقلم فقط، بل قام بمحاربة البدع والمنكرات عمليا، وظل ينتقل من بلد لآخر يعلم الناس شؤون دينهم، ويحذرهم من عواقب التفريط في شريعتهم، والبدع التي امتزجت بحياتهم، واقتحمت بيوتاتهم، وأسواقهم ومعاملاتهم، وكل مجالات حياتهم، حتى أنستهم تعاليم شريعتهم "فنفع الله به خلقا كثيرا، وطهر -البلاد- في أكثر الجهات- من رجس البدع والضلالات (¬68) " "لأن ¬
يَهْدِيَ الله بكَ رَجْلًا خَير لَكَ مِنْ أنْ تَكونَ لَكَ حُمْر النَّعم (¬69) ". وفي الجزائر تصدى لأداء هذه الأمانة الإصلاحية أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، عالم تلمسان وإمامها، حيث قام بتأليف عدة مولفات في العقيدة الإسلامية، لم يقتصر نفعها على الجزائر وحدها، بل عم شعاعها سائر الأقطار الإسلامية. وأشهر مؤلفاته في هذا الشأن، العقيدة الكبرى، والصغرى، والوسطى، وصغرى الصغرى، وله عليها شروح عدة (¬70). ومثل هؤلاء الدعاة الذين ليس لهم طمع في زخرف الحياة، ولا هوى في دنيا الناس، ولا رغبة في جزاء، ولا شكور ... مثل هؤلاء خليقون بأن لا ترد لهم دعوة، ولا يضيع لهم نداء، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، متضرعا إليه سبحانه، أن يجود بأمثالهم في هذا الزمان الذي كثر فيه الإلحاد، وطغت فيه الماديات على الروحيات. ¬
- حركة الجهاد
- حركة الجهاد: لقد أذكت الحملات الصليبية: -البرتغالية، والإسبانية- على شواطيء المغرب العربي- روحا نضالية جديدة، وازداد حماس الناس بتصاعد نفي الأندلسيين بالجملة، وتوافدهم عليهم في أفواج متتابعة، فتحركت الغيرة الدينية والوطنية في النفوس، وتنافس رؤساء العشائر والجماعات في إنشاء الثغور واتخاذ رباطات لهم على التناوب، ونشبت كثير من المعارك -في بداية الأمر- على النطاق الشعبي "امتدادا من المغرب الأقصى إلى ليبيا (¬71). ثم ركز العدو حملاته على الشواطيء المغربية قصد احتلالها قبل غيرها، ربما للأسباب التالية: أ- إنه يعرف -مسبقا- أن الشواطيء المغربية، هي التي كانت منطلقا لفتح الأندلس، من لدن الفاتحين الأولين، وربما لذلك قرر أن يقتص من أهلها، ويرد لهم السلف. ب- أن الشواطي المغربية قريبة من شواطئه، الشيء الذي يسهل عليه نقل الجيش والعتاد إليها بسرعة، وشعوره بضعف الجيش المغربي، وانشغاله بإخماد الفتن الداخلية، بين آونة وأخرى. ج- لعله كان يرى أن استيلاءه على الشواطئ المغربية، سيفسح له المجال للاستيلاء على شمال إفريقيا بأسره، ثم يتوغل في إفريقيا كلها. ¬
- دور العلماء في هذه الانتفاضة
د -كما يحتمل أنه كان يتخوف أن تجمع الدول الإسلامية شملها، وتستجيب لنداءات الأندلسيين، وتمدهم بالمساعدة اللازمة، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الشواطئ المغربية، لقربها من شواطئه، كما أسلفت آنفا ... إلى غيرها من الأسباب التي يمكن أن تكون هي الدافعة بالعدو إلى تضييق الخناق على الشواطئ المغربية، وانهاك قوى أهلها مدة طويلة، علهم يسأمون، ويضطرون إلى الاستسلام، إلا أن المغاربة الذين جبلوا على الجهاد والتضحية في سبيل الله والوطن، قاوموا ذلك ببسالة نادرة، ورابط على الثغور- الصغير والكبير، والعالم والجاهل، حتى استنزفوا قوى العدو. وعن هذه الانتفاضة المغربية يقول الناصري: "ولما نزل بأهل المغرب الأقصى ما نزل، من غلبة عدو الدين واستيلائه على ثغور المسلمين، تباروا في جهاده وقتاله، وأعملوا الخيل والرجل في مقارعته ونزاله. (¬72). - دور العلماء في هذه الانتفاضة: أدرك العلماء بصفة عامة والفقهاء بوجه أخص عن عمق ويقين أنهم أصحاب رسالة، وأنهم مكلفون بالدعوة إلى الإسلام بأي وسيلة، وبالدفاع عنه بالنفس والنفيس -ولصد العدوان عليه مهما كان الثمن- مرددين قول الله جل علاه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (¬73) "الآية. ¬
من خلال هذه المعاني اندفع العلماء إلى الجهاد بعزائم قوية، وصاروا يواجهون الشدائد بقلوب ثابتة في ساحة الوغى بعد أن بذلوا ما في وسعهم في الحض على الجهاد والترغيب فيه، وألفوا في ذلك تأليف حماسية رائعة، وتنافس الخطباء والوعاظ في إيقاظ همم الشعب، ونظم الشعراء والأدباء دررا من القصائد. وممن ألف في ذلك وأفاد، وأكثر في نظم القصائد وأجاد: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن يجبش التازي (ت 920 هـ (¬74)). وأبو عبد الله محمد بن يحيى البهلولي (ت 936 هـ (¬75))، وغيرهما ممن بينوا مزايا الاستشهاد في سبيل الإسلام والوطن، ونبهوا العوام أن مناط النجاة -في الإسلام- ليس مجرد الانتساب إليه، بل يجب أن تظهر آثار تعاليمه على معتنقيه في أحرج ساعات الضيق والشدة، ولي أوقات رفاهية النفس ... وضربوا أروع الأمثلة بأنفسهم، فقاتلوا وقتلوا وأسروا وأُسروا، وبذلك أدوا الرسالة المنوطة بهم- رحمهم الله. وفي شأن هؤلاء وغيرهم يقول الناصري: "فكم من رئيس قوم قام لنصرة الدين غيرة واحتسابا، وكم من ولى عصر، أو ¬
3 - الحياة الفكرية
عالم مصر باع نفسه من الله ... حتى لقد استشهد (¬76) منهم أقوام، وأُسر آخرون ... (¬77) ". وعلى ما يظهر فإن أولي العزائم القوية من الفقهاء، استخدموا مختلف الوسائل في الحث على الجهاد، وجلب الناس إلى الاستشهاد، وخوض المعارك مع العدو طوعا أو كرها، وكفى على ذلك دليلا، إعادة الشيخ البهلولي صلاة الجنازة على زوجته، حين عودته- مع أصحابه من إحدى غزواته، فتعجب الناس من فعله، وأكثروا النكير عليه، فأجابهم بأن صلاتكم فاسدة، لكونها كانت بغير إمام، ومن شروط الإمام الذكورة، وإمامكم -ما دام لم يتقلد سيفا في سبيل الله- فهو من جملة النساء (¬78)! 3 - الحياة الفكرية: كان للحملات الصليبية -التي استهدفت المغرب العربي أثناء هذه الحقبة، والاضطرابات الداخلية المتلاحقة؛ التي كان المغرب مسرحا لها -من حين لآخر- أثرها البالغ على الثقافة عموما، والناحية الفكرية بوجه خاص، إذ العلم لا ينمو ويترعرع إلا في ظل الهدوء والاطمئنان، ورغم ذلك احتفظت ¬
فاس وتلمسان بنشاط ملحوظ في بعض مجالات الفكر، وعرفتا انتعاشا رائعا في الإقبال على التعليم والتعلم، ولا سيما في عهد أبي العباس (المعتصم) (834 - 866 هـ)، وأبي ثابت (866 - 890 هـ) - بالجزائز وأبي عبد الله محمد الشيخ الوطاسي (876 - 910 هـ) - بالمغرب، فكلهم كانوا محبين للعلم، مشجعين لأهله بمختلف الوسائل (¬79)، وخاصية منهم محمد الشيخ الذي بذل ما في وسعه لاكتساب رضي العلماء بتقريبهم إليه، بوصفهم أهل الحل والعقد في الأمة، وكرد الجميل لهم على مبايعتهم إياه- حاول توفير الجو الملائم لهم في أداء رسالتهم التعليمية والتوجيهية، فعين أبرزهم في الكراسي العلمية المشهورة، وكان هذا المنصب يوازي الوزارة في الأهمية. وممن حظي بهذه الحظوة أبو العباس أحمد الونشريسي، الذي أسند إليه الكرسي المخصص لتدريس المدونة بالمدرسة المصباحية (¬80)، فكان نبراسا يحتذى في التبليغ والفصاحة والاستحضار واستفاد منه العامة والخاصة، وعندما توفي خلفه نجله عبد الواحد، ثم صار الكرسي إلى الشيخ الحميدي. كما اهتم السلطان (محمد الشيخ) بالخطباء والأئمة، وممن عينهم في أداء هذه المهمة، الإمام أبو عبد الله محمد بن غازي (¬81)، الذي قيل أنه استدعاه (¬82) من مكناس إلى فاس سنة ¬
(891 هـ) وأسند إليه الخطابة بجامع فاس الجديد، ثم الإمامة والخطابة بجامع القرويين، وصار شيخ الجماعة بها. ويدلنا على ما كان في تلمسان من حركة علمية، ما تذكره بعض كتب التراجم من أنها كانت زاهرة بالعلماء، وأن طلاب العلم والمعرفة كانوا يتوافدون عليها باستمرار وكمثال على ذلك نذكر أن أبا الفضل محمد بن محمد بن أبي القاسم المشذالي (¬83) (ت 865 هـ) ارتحل إلى تلمسان في حدود سنة (840 هـ) ليأخذ عن مشايخها، ويغترف من مناهل العرفان بها فأخذ عن ابن مرزوق (الحفيد) التفسير والحديث، والفقه، والأدب، والمنطق، والفلسفة، والهندسة، والطب، . .. وأخذ عن أبي القاسم بن سعيد العقباني الفقه وأصوله ... وعن أبي العباس أحمد بن زاغو التفسير، والفقه، والمعاني، والبيان، والحساب، والفرائض، والهندسة، والتصوف ... وأخذ الأصول عن أبي عبد الله محمد بن النجار المعروف بساطور القياس- لشدة معرفته بهذا الفن، وكان مما قرأه عليه -أيضًا- مختصر ابن الحاجب الأصلي ... كما أخذ عن أبي الربيع البوزيدي الفقه ... وعن أبي يعقوب يوسف- الرياضيات، والفرائض، وأخذ عن أبي الحسن علي بن القاسم علم الهيئة (¬84). وبعد أن أخذ المشذالي عن هؤلاء وسواهم عاد إلى بلده -بجاية- بعلم غزير سنة 844 هـ، ثم دفعه طموحه إلى الرحلة ¬
إلى المشرق، فدخل مصر، والشام، والحجاز، رجال في كثير من البلدان، فأعجب الناس بغزارة علمه، وسعة أفقه، وتتلمذ له الكثير من علماء تلك البلدان، بل صار مضرب الأمثال (¬85). ويصور لنا أبو الحسن علي بن ميمون الغماري (ت 917 هـ (¬86)) الحياة العلمية بفاس تصويرا دقيقا -على هذا العهد- فيقول: " ... ما رأيت مثلها (فاس) ومثل علمائها في حفظ ظاهر الشرع العزيز بالقول والفعل، وغزير الحفظ لنصوص مذهبهم: الإمام مالك (ض)، وحفظ سائر العلوم الظاهرة من: الفقه، والحديث، والتفسير، وحفظ نصوص كل علم، مثل النحو، والفرائض، والحساب، وعلم التوقيت، والتوحيد، والمنطق، والبيان، وسائر العلوم العقلية ... (¬87) ". ويقول في سياق آخر " ... فمذ خرجت من فاس في جمادى الثانية سنة (901 هـ) (1496 م) إلى تاريخ هذا الكتاب (916 هـ- 1511 م) ما رأيت مثلها، ومثل علمائها -فيما أذكر- في سائر مدن المغرب، ولا في تلمسان، ولا في بجاية، ولا تونس، ولا إقليم الشام بأسره، ولا بلاد الحجاز ولا مصر؛ على ما تقرر عندي من العلم اليقين بمشاهدة أناس من أهلها، وبرؤية كتب بعض أرباب الوقت، وأحوالهم، وأشتغالهم في العلم ... دخلت هذه المدينة المباركة (فاسا) فالتزمت علماءها، ¬
وبقيت في المدرسة متجردا نحوا من سبعة أعوام ... (¬88) "ثم يسترسل في وصف خزائن الكتب، وكيفية المطالعة بها، ويقارن بينها وبين ما شاهده في مصر والشام والحجاز وبلاد الترك (¬89). أما ابن الوزان (ليون الإفريقي) (ت 926 هـ (¬90) فيقدم لنا وصفا أكثر وضوحا واستيعابا للحركة الفكرية والعلمية بفاس- أثناء وصفه لها "وبالمدينة مسجد أعظم يسمى (جامع القرويين) توجد بداخله، وعلى طول جدرانه الأربعة- سلسلة من الكراسي العلمية لمختلف الفنون، يتصدرها الفقهاء والأساتذة، لتثقيف الشعب والطلبة في شؤون الدين، والحقوق الواجبة، ومن هذه الدراسة ما يبتدئ يوميا بعد صلاة الصبح لينتهي بعد ساعة من طلوع الشمس؛ وفيها ما يشرع فيه على إِثر ذلك؛ ولا بد في الأستاذ المشرف على هذه الدروس أن يكون مستوعبا للمادة التي وكلت إليه ... وهذا هو توقيت ¬
الدروس في الفصول المعتدلة؛ أما في فصل الحر -والحر في فاس شديد- فإن المجالس العلمية تتحول إلى ندوات ليلية بحيث أنها تبتدئ في المساء وتستغرق طيلة ساعات الليل إلى منتصفه ... وكل طبقة من طبقات العلماء، سواء منهم الذين يشتغلون نهارا، أو ليلا، لهم مخصصات مشرفة ومهمة، لا لحاجتهم وحدها، ولكن للترفيه عليهم أيضًا ... وقد وضعت رهن إشارة عميد الجامعة موارد وهبت في الأصل للضعفاء من الطلبة، من تلك الموارد ما يوزع نقدا، ومنها ما يوزع عينا: مواد غذائية -في الأعياد- كل على قدر تكاليفه العائلية. وقد زود العميد بتعويضات يومية ملائمة، من شأنها أن تساعده على ميزانية الجامع وما يتبعه من فروع أخرى منتشرة في مختلف جهات المدينة ... ففي فاس إحدى عشرة مدرسة داخلية، يقيم فيها الطلاب الذين يردون عليها من مختلف الآفاق، وتعد هذه المدارس من أتقن البناءات فيها وأحكمها، وبخاصة مدرسة السلطان أبي عنان، وفي كل مدرسة من تلك المدارس عدد من الأساتذة في شتى المواد، فيهم من يلقي دروسه صباحا، وفيهم من يفضل إلقاءها مساء، والكل يتقاضى أجور مغرية ... إلى أن يقول: هذه المدينة التي نشأت فيها وتعلمت، تعتبر خلاصة ما بإفريقيا كلها؛ بما تضمه من عيون العلماء، الذين بلغوا الغاية في المعرفة واللياقة ... (¬91). ¬
ومن هذه البيانات الدقيقة، وإزاء هذه الصورة الكاشفة عن خبايا كثيرة، والنبذة المشرقة التي يقدمها لنا هذان العالمان -وهما شاهدا عيان- تتبدد تلك الغيوم القاتمة، التي اعتاد أكثر الباحثين أن يضفوها على الحركة الفكرية لهذا العهد، والضحالة التي يصورونها بها، وربما لهم عذرهم في ذلك لندرة ما سجل عن تاريخ هذا العصر، بكيفية متسلسلة، وإنما هي عبارة عن إشارات وتلميحات خاطفة -هنا وهناك- بحيث لا تكفي لإعطاء صورة مكتملة عن الحركة الفكرية في هذا العهد. والشئ الذي يبدو جليا في هذا العصر -كثرة العلوم وتنوعها، والتي كان لها حظ الأسد هي العلوم الشرعية، وبالأحرى الفقه المالكي منها، والظاهرة التي اتسم بها الشغوفون به- في الغالب الأعم- هي العكوف على ذلك التراث الضخم، والانكباب عليه انكباب الظمآن، لتحصيله وفهمه، وتفهيمه، ثم تناوله بالشرح والإطناب تارة، واختصار ما تسعه صفحات في أقصر عبارة تارة أخرى، ومن حاول الاجتهاد منهم لم يعد اجتهاده ترجيح قول على قول في إطار مذهبه، كما سيتضح ذلك بعد بحول الله. - أشهر فقهاء هذا العصر: ومن الفقهاء البارزين في هذا العهد -بالمغرب الأقصى-: - أبو عبد الله محمد قاسم القوري، شيخ الإسلام، وأحد جهابذة العلم، له فتاوي مشهورة، وشرح مختصر خليل في ثمان
مجلدات ضخمة (ت 872 هـ (¬92)). - أبو محمد عبد الله الورياكلي الفاسي، إمام العصر، بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، كان يقرئ المذاهب الأربعة، إلا أنه كان ينتصر لمذهب مالك، تولى رئاسة العلم بفاس -سنين طويلة- وبها توفي سنة (894 هـ (¬93)). - أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بـ (زروق) كان فقيها مستوعبا، ومحدثا بارعا، وصوفيا مخلصا، له شرحان على الرسالة، وآخر على مختصر خليل، وشرح على إرشاد ابن عسكر، وشرح القرطبية، والوغليسية، والغافقية (ت 899 هـ) (¬94). - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله اليفرني الفاسي، قاضي الجماعة بها، شهر بالمكناسي، تولى قضاء فاس أزيد من ثلاثين سنة لعدله ومهارته الفقهية، وأشهر مؤلفاته "مجالس القضاة والحكام" و "التنبيه والإعلام، فيما أفتاه المفتون، وقضى به القضاة من الأوهام" (ت 917 هـ (¬95)). ¬
أبو الحسن علي بن قاسم التجبي الشهير بالزقاق، مؤلف نظم "المنهج المنتخب، في أصول المذهب"، و "لأمية في أحكام فقهية"، جرى بها عمل فاس (ت 912 هـ (¬96)). - أبو عبد الله محمد بن غازي العثماني المكناسي، ثم الفاسي، شيخ الجماعة بها، انتهت إليه رواية السنة بإفريقيا الشمالية، له "شفاء الغليل، لشرح مختصر خليل" و "تكميل التقييد على المدونة" و "حل مشكلات كلام ابن عرفة" وسواها (ت 919 هـ (¬97)). - أما أبرز الشخصيات العلمية بالمغرب الأوسط -الجزائر- فهي: - أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الشذالي، فقيه بجاية وإمامها والد أبي الفضل الشذالي، السالف الذكر- له فتاوي، نقل بعضها الونشريسي في "المعيار" والمازوني في "الدرر المكنونة" وله تكملة حاشية الوانوغي على المدونة، ومختصر البيان والتحصيل لابن رشد، رتبه على مسائل ابن الحاجب، وجعله شرحا له، رد فيه كل مسألة إلى أصلها، فجاء في غاية الاستيعاب والإتقان، وله: "اختصار أبحاث ابن عرفة" وسواها، (ت 866 هـ (¬98)). ¬
- وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي التلمساني (الشهير بالجلاب) له: فتاوي نقل كثيرا منها في "المعيار و "الدرر المكنونة" (ت 875 هـ (¬99)). - وأبو زكرياء يحيى بن موسى المازوني، توفى بتلسمان سنة (883 هـ (¬100)) له كتاب "الدرر المكنونة، في نوازل مازونة"، نال شهرة فائقة. - وأبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، عالم تلمسان وإمامها، له مؤلفات عدة في العقيدة الإسلامية أشرت إليها آنفا. ومن مؤلفاته في الفقه المالكي: "تعليق على "مختصر ابن الحاجب الفقهي"، ومنظومة في الفرائض، و "المقرب المستوفى" شرح على الحوفية (ت 895 هـ (¬101)). - وأبو العباس أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني، الإمام الحافط المتقن. له تآليف في مسائل القضاء، والفتيا، وفتاوى كثيرة، نقل جلها في "المعيار" (ت- 899 هـ (¬102)). ¬
مميزات العصر الوطاسي
أما منزلة مترجمنا (أبي العباس الونشريسي) - في أعلام عصره، فإنه لا يقل شأنا عن هؤلاء، وأولئك، وربما فاق الكثير منهم في الفقه، وكيف لا؟ - وقد حمل لواء المذهب المالكي- في عهده بدون منازع، وكفى دليلا- شهادة ابن غازي القائل فيه: "لو أن رجلا حلف بطلاق زوجته أن أبا العباس الونشريسي، أحاط بمذهب مالك: أصوله وفروعه، لكان بارا في يمينه (¬103) ". مميزات العصر الوطاسي: والعصر الوطاسي -رغم قصره- يمتاز بمميزات، منها: 1 - ازدهار علوم القراءات في هذا العصر، الذي يعتبر -بحق- عصرها الذهبي، سواء في ذلك الحواضر والبوادي، ومن القراء البارعين في هذا المضمار أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة السماتى الهبطي (ت 930 هـ (¬104)) الذي وضع وقف القرآن، وانتشر بسرعة فائقة، ولا زال عمل الناس به إلى اليوم (¬105). 2 - حركة التأليف في: الجهاد والحض عليه، وأبرز من ألف في هذا الباب، العالم الصوفي المتفنن: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم، المعروف بابن جبيش التازي ¬
(ت 920 هـ (¬106)) ويحمل تأليفه هذا عنوان: "تنبيه الهمم العالية على الصدقة والانتصار للملة الزكية، وقمع الشرذمة الطاغية (¬107) ". قال في حقه صاحب -دوحة الناشر-: (إنه مما ينبغي أن يتناول باليدين، ويكتب -دون المداد- باللجين، أودعه نظما ونثرا (¬108)). 3 - أدب المقاومة، ومن الأدباء المشهورين في هذا الشأن، أبو عبد الله محمد بن يحيى البهلولي (ت 930 هـ (¬109)). 4 - التأليف في: البدع، ونقد المجتمع المغربي- على سائر المستويات، وممن برز في هذا الصدد وأفاد، أبو محمد الهبطي (ت 963 هـ)، وأشهر مؤلفاته: "الألفية السنية، في تنبيه العامة والخاصة، على ما غيروا في الملة الإسلامية"- مع إنظام ورسائل نثرية، كتبها إلى سائر القبائل، يحارب فيها البدع، ويندد بالمبتدعين (¬110)؛ وهي دراسة اجتماعية لها قيمتها التاريخية والعلمية. ¬
5 - نقد الطرق الصوفية بنوع خاص، وألف في ذلك أبو العباس أحمد زروق كتابيه: "عدة المريد الصادق من أسباب المقت، في بيان الطريق القاصد، وذكر حوادث الوقت" و"النصح الأنفع، والجنة للمعتصم من البدع بالسنة (¬111) ". 6 - التأليف في العقيدة الإسلامية، علي مستوى الجماهير الشعبية .. وممن حاز قصب السبق في هذا المجال- أبو عبد الله محمد السنوسي وأبو محمد الهبطي، فلكل منهما. مؤلفات في هذا الشأن أشرت إلى بعضها سابقًا. 7 - دراسة فلسفية في أصول الخلاف في المذهب المالكي (¬112)، وفي طليعة من تصدى لهذا النوع من الدراسة من علماء هذا العصر- مترجمنا، وسيأتي مزيد بيان لهذا الموضوع في الفصل الخامس من هذه الدراسة، بحول الله. ¬
[الفصل الثاني: حياته]
2: حياته اسمه ونسبه: أحمد بن يحيى بن عبد الواحد بن علي الونشريسي (¬1)، كذا ثبت بخط يد المؤلف في بعض كتبه (¬2)، وعليه أكثر الذين ترجموا له، (¬3) وشذ الكتاني في فهرس الفهارس (¬4) بزيادته محمدا ثانيا- بعد محمد (الجد الأول) هكذا: أحمد بن محمد (بن محمد) بن عبد الواحد ... ¬
بلده ومولده
بلده ومولده: ولد أبو العباس الونشريسي في بلده (¬5) (ونشريس): أصله الأول (¬6)، وموطن آبائه وأجداده، ويبدو أنه انتقل مع أسرته إلى (العاصمة) -تلمسان- وهو بعد حدث صغير لم يتجاوز الخامسة أو السادسة من عمره، ولعل الاضطرابات المتكررة التي عرفها جبل ونشريس، وعدم توفر الأمن والطمأنينة فيه، واستيلاء الحفصيين عليه مرات عديدة، وإرغام أهله على طاعتهم في كل مرة، مما دفع بأسرة أبي العباس إلى مغادرة بلدها (ونشريس) بعد أن سئمت الحياة المضطربة فيه، وحطت الرحال بـ (تلمسان) العاصمة الإدارية والعلمية آنذاك، واستقرارها بها نهائيا. ¬
تاريخ ولادته
تاريخ ولادته: لم أهتد إلى السنة التي ولد فيها بالضبط، رغم جهد مضن لكن بدون جدوى، لأن كتب التراجم ضربت عن تاريخ ولادته صفحا، وصمتت عليه صمتا مطبقا، عدا أحمد بابا، فإنه احتفظ لنا بنص عن الشيخ القصار يذكر فيه، أن أبا العباس الونشريسي توفي سنة 914 هـ وعمره نحو الثمانين (¬7) سنة، وذلك يدلنا على أنه ولد في حدود سنة (834 هـ- 1430 م (¬8)). أسرته: نكاد نجهل كل شيء عن حياة أبي العباس في أسرته، فلا نعرف عن والده، أو والدته، أو أي عنصر يتصل بأهله وعشيرته -أي شيء؛ ويبدو أنها لم تكن ذات صلة بجاه، أو علم أو نباهة، فكتب التراجم لا تصف والده، أو أحد أجداده أو أقاربه بعلم ولا رئاسة؛ عدا ما حلى به بعضهم والده -بعد انتقاله إلى جوار ربه- إذ يقول فيه: "إنه الشيخ الفقيه المنعم المبرور المقدس المرحوم أبو زكرياء (¬9) ". وهي أوصاف تجعله من متوسطي الناس، ولا ترقى به إلى مستوى أهل العلم والشهرة، وربما كان في هذه التحلية كثير من المجاملة. أما والدته فلسنا نعرف عن اسمها أو نسبها شيئًا، ¬
وكل ما هناك أن أبا العباس -صاحبنا- يشير في كتابه (الوفيات (¬10)) -إلى أن واضع بن فركون- القاضب العدل -من أقاربه- ولعله يعني أنه من أسرة والدته (أخواله)، فتكون والدته من العائلة الفركونية المغراوية الشهيرة بالعلم والفضل. هذا بالنسبة لأسرته الكبيرة، أما عن أسرته الصغيرة، فيبدو أن انكبابه على تحصيل العلم بشغف كبير، وانغماسه في لذاته، أنسته ملذات الحياة، بحيث لم يحاول إنشاء أسرته إلا بعد أن مضى نحو نصف عمره، إذ لم يتزوج إلا قبل رحلته إلى المغرب ببضع سنوات، ولكن من هاته التي تزوجها؟ ما إسمها؟ وما نسبها؟ وما عدد الأولاد الذين أنجبتهم له؟ تلك أسئلة لا نستطيع الجواب عنها، وكل ما نعرف أن أبا العباس أنجب ولده أبا محمد أو أبا مالك: عبد الواحد -بعد انتقاله إلى فاس- في حدود سنة (880 هـ (¬11))، ولا نعرف له ولدا آخر سواه، ولعله الولد الوحيد للمترجم، وربما سماه عن جده عبد الواحد الونشريسي- على عادة الناس في الحفاظ على أسماء آبائم وأجدادهم. ولم يكن أبو محمد -في حياة أبيه- ذا جد في الطلب، بل كان يؤثر الراحة، فزوجه والده سنة (عشر أو إحدى عشرة ¬
وتسعمائة هجرية) أي قبل وفاته بأربع سنوات، ولما زفت إليه عروسه، أطلق القاضي (آنئذ) - أبو عبد الله المكناسي يده على الشهادة، وقال لأبيه: إنها هدية مني لهذا العروس، وكانت الشهادة -عنده- بالمكان الرفيع، لا يوليها إلا من ومن. . وكان يقول: "من طلبها لي، فكأنما خطب منى إبنتي"! ! . (¬12). وكان أبو محمد هذا عالما أديبا، وفقيها متضلعا، وخطيبا مصقعا، ومنشئا بارعا، فاق أهل زمانه في عقد الشروط والوثائق، وفي المكاتبات السلطانية، لا يكاد يجاريه فيها أحد؛ وخلف والده على كرسي المدونة بالمصباحية، وتولى لضاء فاس ثمان عشرة سنة، وكان من خاصة المقربين للسلطان أبي العباس الوطاسي، لا يبرم أمرا إلا برأيه ومشورته (¬13). وعندما حاصر محمد الشيخ السعدي مدينة فاس، وبذل كل ما في وسعه لدخولها دون جدوى، قيل له: لا سبيل لك إليها، إلا إذا بايعك ابن الونشريسي- يعنون أبا محمد، فبعث إليه سرا ووعده ومناه، إلا أن أبا محمد الذي تأثر بمواقف أبيه الصلبة "ومن يشابه أباه فما ظلم" أجابه بان بيعة هذا السلطان -يعني أبا العباس الوطاسي- في رقبتي، ولا يحل لي خلعها إلا بموجب شرعي- وهو غير موجود ... ولما بلغ محمد الشيخ ذلك، أبى إلا أن يستعمل الدسائس والقوة في تلبية رعبته، فأوعز إلى جماعة من المتلصصين بأن يأتوا به إليه مكبلا، ¬
ومن الصدف أن وجدوا الشيخ عبد الواحد يقرئ صحيح البخاري بجامع القرويين فلم يهب، القاسية قلوبهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تأثروا بها، ولو لم يخشوا على أنفسهم لاقتحموا عليه مجلسه لا محالة، فاضطروا إلى انتظار فراغه منه بفارغ الصبر وعندما خرج باغتوه عند باب المسجد، فاعتصم بإحدى عاضدتيه، فقطعوا يده، وأجهزوا عليه، فتوفي -شهيدا- سنة (¬14) (955 هـ) - رحمة الله عليه. وسنذكره في جملة تلاميذ أبيه. أوليته ودراسته: لقد بذلت جهدا جهيدا علني أعثر على وثيقة واحدة، أو مصدر واحد، يصرح أو يلمح -على الأقل- إلى نشأة أبي العباس وتربيته بين أحضان والديه، أو يعطينا صورة- ولو مقتضبة عن مراحل طفولته، وشبابه، أو صلاته بإخوته، أو اتصالاته بإخوانه وذويه عموما ... لكن لم أهتد إلى ذلك، وحتى المصادر التي حاولت أن تترجم له؛ لم تأت بما يشفي الغليل، ويبعث على الارتياح والاطمئنان، ولا أشارت إلى شيء مفيد في هذا الشأن، وكم كنا نود- لو أنه قدم لنا-بنفسه- ترجمة ذاتية على غرار ما يفعله المحدثون، لكنه فضل الإمساك عن الإشارة إلى نشأته، وأين؟ وكيف، والتزم الصمت عن كل ذكر لماضيه وأهله! ! مما يدفعنى إلى الظن بأنه- ربما- فقد كل شيء في عهد مبكر، فاجتنب ذكر ذلك، كي لا يزداد بذكره ¬
وتذكره ألما، أو أنه لم يجد في مراحل طفولته، أو شبابه، ما يحبب لنفسه الخوض فيه، أو الإشارة إليه. رغم أن العادة تقضي -غالبا- أن الإنسان يشتاق دائما إلى ما مضى من عمره، ويحن بلهفة إلى ذكريات طفولته وشبابه مع أهله وأخلائه، ويتمنى أن لو يعود ذلك الماضي، حتى ولو قضاه في ضيق وحاجة، وكرب وشدة. ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب كما يحتمل أنه لم يتعرض -لماضيه- لا لهذا السبب، ولا لذاك، وإنما لعادة متبعة مألوفة عند المؤلفين القدماء، من تحاشيهم ذكر الأجداد والآباء، ولسان حالهم يردد قول الشاعر: ليس الفتى من يقول كان أبي ... وإنما الفتى من يقول ها أنذا وعلى أي فقد عاش أبو العباس طفولة غامضة، يحتمل أن تكون معذبة، ويحتمل أن تكون سارة منعه الحياء من الخوض فيها- استنكافا أو تواضعا، فاكتفى بالصمت الذي هو أبلغ من كل كلام في بعض الأحيان، وربما كان ذلك سببا في التجائه إلى الدرس والتحصيل، كي يجد فيه تعويضا عن بعض ما فاته من نعم الحياة، فكان له ما أراد. إلا أنه ترك كل من حاول استقصاء حياته -الأولى- حائرا وتائها في متاهات الاحتمالات، معتمدا على الفرضيات والتخمينات، عله يصل إلى الحقيقة أو بعضها، لكن بغير طائل.
وكل ما عرف عنه أنه ولد بونشريس، وغادرها صغيرًا إلى تلمسان وبها نشأ وتعلم، وتردد على الكتاب، فحفظ القرآن وجوده، وأتقن رسمه وضبطه، وربما ألم بشيء من القراءات التي اشتهرت في هذا العهد، إلى جانب قراءة ورش- التي من الشأن أن يبتدئ المتعلم بها في بلاد المغرب. ثم انكب على تحصيل التصانيف وحفظها انكباب الظمآن، حتى حاز قصب السبق بين الأقران. شيوخه: أخذ أبو العباس عن جل شيوخ تلمسان، ذكر بعضهم في فهرسته (¬15) التي أجاز بها تلميذه أبا عبد الله محمد بن عبد الجبار الورتدغيري، (¬16) وأثبت طائفة منهم في كتابه (الوفيات). وأرى من الأنسب والمفيد أن أورد بعضهم -هنا- وأذكرهم حسب ترتيب وفياتهم، مع بطاقة تعريف بهم. 1 - أبو الفضل قاسم بن سعيد العقباني، الحافظ الحجة، بلغ درجة الاجتهاد، وله اختيارات خالف فيها المذهب، ونازعه في كثير منها ابن مرزوق (الحفيد) رحل إلى المشرق سنة (830 هـ) وحضر إملاء ابن حجر، ثم استجازه فأجازه. ¬
ولي قضاء تلمسان مدة، ثم تفرغ للتدريس والإفتاء إلى أن توفي عن سن عالية، سنة (854 هـ-1450 م) (¬17) -وربما كان أول شيخ جلس إليه أبو العباس- وهو بعد في طور الحداثة، وقد تأثر به، ونقل في كتابه (المعيار) كثيرا من أرائه، وفتاواه؛ قال فيه أبو العباس: (شيخنا وشيخ شيوخنا، الإمام المفتي ... ) (¬18). 2 - أبو عبد الله محمد بن علي بن قاسم الأنصاري، شهر بالمري، قال فيه أبو العباس: شيخنا ومفيدنا المقدم (ت 864 - 1459) (¬19). 3 - أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي، شهر بـ (ابن العباس)، من أكابر علماء تلمسان، وأحد أئمتها الأعلام؛ قال فيه أبو العباس: "شيخ المفسرين والنحاة، العالم على الإطلاق، شيخ شيوخنا" (¬20) (ت 871 - 1466). (¬21). ¬
4 - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني (حفيد أبي الفضل) الفقيه العالم الرحالة، قاضي الجماعة بتلمسان، قال فيه أبو العباس: "شيخنا الحاج الإمام القاضي العلامة (¬22) " (ت 871 - 1466). (¬23) 5 - أبو عبد الله محمد بن قاسم القوري شيخ الإسلام بفاس، وقاضي الجماعة بها، كان أبو العباس شديد الاتصال به كتابة، يستشيره في القضايا التي تعرض له، وقد أفاد منه كثيرا؛ قال في حقه: "الشيخ الحافظ شيخنا- مكاتبة" (¬24) (ت 872 - 1467) (¬25). 6 - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى العقيلي شهر بالجلاب، (¬26) قال فيه أبو العباس: "شيخنا المحصل الحافظ (¬27) " (ت 875 - 1470) (¬28). 7 - أبو سالم إبراهيم بن الشيخ الإمام قاسم بن سعيد العقباني، قال فيه أبو العباس: "شيخنا الإمام، القاضي ¬
الفاضل" (¬29) وقد نقل كثيرا من فتاويه في كتابه (المعيار). (ت 880 - 1475) (¬30). 8 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن حرزوزة من آل عبد القيس، قال فيه أبو العباس: "شيخنا (¬31) الفقيه الأصولي، الصالح الخطيب الأكمل" (ت 883 - 1478) (¬32). 9 - أبو العباس أحمد بن زكري المانوي، علامة تلمسان ومفتيها، قال فيه أبو العباس: "الفقيه المحصل، العالم المشارك، المؤلف النظام" (¬33) (ت 899 - 1493) (¬34). 10 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف، العالم المسند الرواية، أخذ عنه أبو العباس الونشريسي مرويات سلفه: الجد، والوالد، والحفيد، وقال في حقه: "شيخنا الفقيه الحافظ الخطيب المصقع (¬35) " (ت 901 - 1496) (¬36). ¬
11 - أبو عبد الله محمد بن عبد الله اليفرني المكناسيي، قاضي الجماعة بفاس مكث قاضيا بها أزيد من ثلاثين سنة - لعدله وسياسته وكفاءته، وقد أعجب به أبو العباس الونشريسي أيما إعجاب، لذا -نراه بعد قدومه على فاس- يحضر مجالسه، وقد نقل في كتابه (المعيار) بعض فتاويه وأحكامه، (ت 917 - 1511) (¬37). 12 - الغرابلي- ذكرته كتب التراجم في جملة شيوخه، (¬38) ولم أقف على ترجمته. 13 - وذكر ابن القاضي في جذوة الاقتباس (¬39) من بين شيوخ أبي العباس -أبا موسى عيسى بن محمد بن محمد بن الإمام- ولعله وهم، فأبو موسى ابن الإمام المشهور توفي قبل مولد أبي العباس بنحو (58) سنة، (¬40) ويحتمل أن يكون أحد حفدته. وهناك جملة من شيوخ أبي العباس أخذ عنهم بالإجازة (¬41). ¬
تلاميذه
تلاميذه: كرس أبو العباس حياته للعلم والتعلم منذ الصغر, وحرص حرصا شديدا علي تحصيل كل ما يقرأ أو يسمع -من شيوخه- حفظا أو تدوينا، إلى أن أتقن وأحكم كثيرا من العلوم الإسلامية، وخاصة الفقه منها، باستيعابه إياه أصولا وفروعا، حتى أضحى فيه إماما مشهورا، مما أهله إِلى أن يتبوأ كرسي تدريس المدونة في أقدم عاصمة علمية -بالمغرب- (فاس) في أزهى وأخصب فتراتها بجهابذة العلماء والفقهاء، كالشيخ القوري وزروق، والحباك، وابن غازي، وغيرهم ممن كانوا لا يشق لهم غبار، ومع ذلك لم يجد بعضهم بدا من الاعتراف بإمامة أبي العباس، في الفقه والنحو وكفي دليلا علي ذلك ما نقله -لنا- بعض من ترجموا له في الفقرات التالية: "إِنه لما قدم علي فاس إنكب علي تدريس المدونة، ومختصر ابن الحاجب الفرعي، وكان مشاركا في فنون العلم، إِلا أنه لما لازم تدريس الفقه، ظن من لا يعرفه، أنه لا يحسن غيره، وكان فصيح اللسان والقلم، حتى كان يقول من يحضره، لو رآه سيبوبه لأخذ النحو من فيه" (¬41). وعلى ما يبدو فإن صاحبنا كان ذا طريقة مغرية في التبليغ والإفادة، وموهبة فائقة في جلب سامعيه إِلي دروسه، مع فصاحة اللسان وقوة الذاكرة، ومن الطبيعي أن من كان هذا شأنه ونهجه -أيام كانت حرية اختيار الأستاذ والمادة موكولة ¬
إِلى ميل الطالب- أن يتهافت الطلاب علي دروسه من كل جانب، ويقع الإقبال عليه، وتتوافد الوفود تلو الوفود، للاقتباس من معارفه الفياضة، فأخذ عنه جم عفير من الطلبة، سنقتصر علي ذكر من لازمه مدة طويلة، ومن أولئك: 1 - الفقيه المحدث أبو عبد الله محمد بن عبد الجبار الورتدغيري، لازم أبا العباس مدة ليست بالقصيرة، ثم التحق بتلمسان بعد أن أجازه بفهرسته، التي ضمنها أسماء شيوخه ومروياتهم، (¬42) ويذكر صاحب فهرس الفهارس أنه ألفها باسمه (¬43). 2 - الفقيه النوازلي، أبو عياد بن فليح اللمطي، قرأ عليه مختصر ابن الحاجب الفرعي ولازمه فيه حتى فهمه، وتفقه عليه، (¬44) (ت 936 هـ 1530 م).) (¬45) 3 - أبو زكرياء يحيي السوسي، لازمه إِلي أن صار فقيها متفننا. (¬46) 4 - الفقيه العابد الصالح، أبو محمد الحسن بن عثمان الجزولي، لازمه إِلى سنة 908 هـ حيث قرر الرحيل، فخرج الشيخ لتوديعه بنفسه (تـ 932 هـ (¬47) 1525 م). ¬
5 - الفقيه أبو محمد عبد السميع المصمودي، من جبل (درن) لازمه في دروس مختصر ابن الحاجب الفقهي، ثم عاد إِلى بلده، وسمع عليه كثيرون. (¬48) 6 - الفقيه الحسيب، سليل العلماء، قاضي فاس، أبو عبد الله محمد بن الفقيه القاضي ناظر القرويين، أبي عبد الله محمد الغرديسي التغلبي، تفقه علي أبي العباس ولازمه إلي أن عاجله الموت بسبب طاعون (¬49) جارف (ت 897 هـ-1491 م) (¬50). 7 - أبو الحسن علي بن هارون المظغري عالم فاس، وفقيهها، وإمامها، وحامل لواء المذهب بها - رواية (تـ 951 - 1544). (¬51) 8 - ولده الإمام الشهيد، أبو محمد عبد الواحد الونشريسي (تـ 955 - 1548) (¬52). 9 - أبو القاسم محمد بن عبد الرحمن الكراسي، قاضي تطوان (تـ 964 - 1556). (¬53) - ويشير الشيخ المنجور في فهرسته (¬54)، إِلي أن هناك تلاميذ مشارقة أخذوا عن أبي العباس الونشريسي، ولعله يعني ¬
أنهم استجازوه فأجازهم، كلما وصلته هو إجازة بعض الشيوخ المشارقة بواسطة الشيخ زروق، كما أشرت إِلي ذلك آنفا. وفاته: أجمعت المصادر التي ترجمت لأبي العباس، علي أنه توفي (¬55) بفاس سنة (914 هـ): وصاحب المعيار زار قبره ... في عام (غيد) فعليه الرحمة (¬56) وبالضبط يوم الثلاثاء، عشري صفر سنة (¬57) (914 - 1508 م). إذا استثنينا ابن عسكر في الدوحة (¬58) الذي لم يستطع تحديد تاريخ وفاته- علي عادته في أكثر الوفيات التي ذكرها، واقتصر علي القول بأنه توفي في العشر الأولى -يعني من القرن العاشر الهجري. ¬
شخصيته وثقافته
ودفن بباب الفتوح (¬59) - قرب ضريح الولي الصالح محمد بن عباد. (¬60) شخصيته وثقافته إذا كان المراد بالشخصية عند علماء النفس: "هو جميع الصفات الجسمانية والوجدانية والعقلية والخلقية في حالة تفاعلها بعضها مع بعض، وتكاملها في شخص معين يعيش في بيئة اجتماعية معينة (¬61) "، فتطبيق هذا للتعرف والتعريف بشخصية أبي العباس الونشريسي، يكاد يكون من ضرب المستحيلات، لكون حل المصادر الموجودة بين أيدينا لم تشر إلي تلك الجوانب، ولا لمراحل حياته -في بيئته الأولى وحتي التي حاولت ذلك فأنها شحيحة لغاية، بحيث لا تكفي لتقديم صورة- ولو شبه متكاملة، ومع ذلك سأحاول- في هذه العجالة القصيرة- أن أستشف بعض الملامح الجسمانية والخلقية ¬
أ- صفاته الجسمية والخلقية
وتحليلها علي ضوء الفقرات القليلة الواردة في بعض المصادر ثم اتبع ذلك بصورة موجزة عن عناصر ثقافته، ومقوماته العلمية. أ- صفاته الجسمية والخلقية: عبثا حاولت العثور علي وثيقة، أو مصدر يصف -لنا- أبا العباس وصفا جسمانيا كي نعرف -علي الأقل- أكان طويل الجسم، أم قصيره، أبدينه أم نحيفه؟ أوسيم الوجه أم غير ذلك؟ - لكن بدون جدوى، وكل ما ذكرته بعض المصادر في هذا الشأن- أنه كان أصلع، (¬62)، ولست أدري ما المغزي من ايراد هذا الوصف فقط؟ دون التعرض لوصف آخر؛ وربما ليوحي لنا بالحكم علي طبيعة -صاحبنا- من خلال هذا الوصف القصير الذي يدل -كما يقول البعض- علي طهارة الضمير، ونقاء السريرة، والتحلي بمكارم الأخلاق ... (¬63) وعلي أي فإذا كنا لا نملك أخبارا مفصلة عن صفاته الجسمية، فباستطاعتنا أن نستخلص من سلوكه وآثاره بعض صفاته الخلقية، التي يتجلي أهمها -في نظري- فيما يلي: - علو الهمة، فقد كان طموحا إلي المعالي، ويتمثل ذلك في إقباله علي الدرس والتحصيل، والتبحر في مختلف أبواب المعرفة، فأكثر الشيوخ الذين أخذ عنهم، وجثا بين أيديهم، يمثلون الطبقة العالية في العلم، وسمو الأخلاق، كأبي الفضل ¬
العقباني، وأبي عبد الله القوري، وابن زكري المانوي، وابن مرزوق العجيسي- الكفيف ... وهو في أبحاثه ودراسته، لا يرضي بالرجوع إلي المصادر الثانوية، والمختصرات الصغيرة، وإنما يعتمد علي الأمهات (¬64) (الينابيع الصافية). ومن أخلاقه -التي تتمثل في سلوكه- الشجاعة الأدبية، فقد كان صليبا في الحق، لا يخشي في الله لومة لائم، (¬65) وقد طردته السلطة الجزائرية، لا لشيء إِلا لكونه لم يرض عن الوضع المتردي الذي كانت عليه البلاد، "فانتهبت داره، وضاعت أسبابه وكتبه، (¬66) فلحق بالمغرب (¬67) (وطنه الثاني). وهنا يتبادر إلي الذهن بعض تساؤلات، لماذا اختار المغرب الأقصي - لهجرته دون سائر الأقطار الإسلامية؟ ولماذا فضل فاسا عن المدن المغربية الأخرى؟ أما يخشي أن يجد مضايقة في المدينة التي كانت تعج بالعلماء؟ أما كان من الأحسن له أن يتجه إلى غيرها- علما بأن المغرب عموما، وفاسا خصوصا، كانت آنئذ في حالة متدهورة للغاية؟ ! . فالإجابة عن هذه الآسئلة تحتمل عدة احتمالات منها: - أن شدة حبه لوطنه وتعلقه به، طغي علي كل شيء، فأرغمه علي التنقل إلي -أقرب المسافة- المغرب الأقصي، ¬
الذي كان بالأمس القريب وطنا لكثير من أهل تلمسان، كما يحتمل أن قلة الزاد، وعدم ميله للمغامرة، كان لهما دورهما في اختيار المغرب، وكونه فضل فاسا علي عيرها، يحتمل لوجود بعض أهل ونشريس بها، ومعرفته السابقة لكثير من علمائها، وتبادله معهم المكاتبات، وبعض المراسلات والاستفتاءات، فحفزه ذلك إلي اختيار فاس ليأنس بهم، وينسوه عربته، وطبعا لم يخش آية مضايقة لأنه كان مؤمنا بمقدرته العلمية، ومهارته الفائقة في المذهب المالكي أصوله وفروعه، ولم يكن من ذلك النوع الذي يتسابق علي الشهرة، وجمع حطام الدنيا عن طريق الإفتاء حتى يقصد مدينة أخرى. ومهما يكن فإنه كان يعرف -مسبقا- أن الحالة في فاس مضطربة، وأن الحياة فيها ليست هادئة، والدليل علي ذلك ما أنشده أثناء سيره إليها من تلمسان: لبلدة فاس حرك السير واسرعا (¬68) ... وأرض تلمسان أرفضن أيما رفض علي أنه لا يرتضي الكل منهما ... ولكن (بعضن الشر أهون من بعض) (¬69) ومنها: ورعه وتدينه المتين، (¬70) وميله إلي الحياة البسيطة، والزهد في ملذات الدنيا، فقد عاش في دويرة صغيرة ¬
ب- ثقافته ومكانته العلمية
للأحباس، (¬71) يلبس الخشن، (¬72) ويرضي بالدون من العيش. (¬73) ويعزف عن البذخ والإسراف، ويمقت الظهور بمظهر البؤس والاستعطاف. ومنها: تواضعه وأدبه الجم، فقد كان يجلس- علي جلالة قدره- في حلقات الدرس لبعض العلماء بفاس، (¬74) وكان يخرج لقضاء بعض حوائجه علي أتان له، يحمل عليها أمتعته وكتبه، (¬75) ولا سيما عندما يخرج إلي ضيعته الصغيرة ولا يري في ذلك غضاضة. وكما يبدو أن أبا العباس نشأ في بيئة تتسم بطابع البد والوقار إلي حد التزمت، فقد عاش ميالا إلي العزلة، بعيدا عن مباهج الحياة، ولذا لم يكن له كبير اتصال بذوي السلطان والجاه، (¬76) إلا لضرورة ملحة، في حين كانت تربطه صلات وثيقة بالعلماء ذوي الخشية. (¬77) ب- ثقافته ومكانته العلمية: ليس بغريب علي من اتخذ العلم مهنته الوحيدة -منذ نعومة أظفاره ومواصلة البحث والتدوين هويته- أن تكون ¬
ثقافته واسعة، ومكانته العلمية فائقة، وخاصة في الميادين الفقهية، وأن يأتي إنتاجه الفكري خصبا وافرا، ويعجب به، ويعترف له كثير من العلماء، منهم ابن غازي الذي زكى فقهه تزكية غريبة، لو صدرت من غيره، لقلنا فيه نوع من المبالغة، لكن ابن غازي لا يطلق الكلام جزافا، وإنما يعني كل ما يقول: "لو أن رجلا حلف بطلاق زوجته علي أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك: أصوله وفروعه، لبر في يمينه، ولا تطلق عليه زوجته، لتبحره وكثرة اطلاعه، وحفظه وإتقانه، وكل من يطالع أجوبته وتواليفه، يقضي بذلك) (¬78). ومن هنا سماه المقري بعالم المغرب، (¬79) وربما سماه حافظ الحفاظ (¬80). وكفاه شرفا، وتنويها بعلمه، وتخليدا لذكره -أن سمي كرسي المدونة (¬81) بفاس- باسمه، وبقي كذلك إِلي أن أدخل علي القرويين نظامه الجديد. وكتب إِليه ابن غازي رسالة مطولة، يجيبه فيها عن مسائل علمية، تتصل بالتاريخ والسير، وكلها تنويه وتقدير -لأبي العباس- سماها: "الإشارات الحسان إلي حبر فاس وتلمسان" (¬82). وأعتقد أن لا حاجة تدعو إلي نقل جميع الآراء التي قيلت في شأنه، وفي تقويم شخصيته وثقافته -وهي كثيرة- ¬
ما دام الكل متفقا على الإطراء والثناء عليه، لذا سأقتصر على نقل رأيين اثنين فيه -علاوة على رأي ابن غازي السالف الذكر-: أحدهما لابن عسكر المصباحي -وهو يمثل رأي معاصريه فيه- إذ يقول: "الشيخ الإمام المصنف الأبرع، الفقيه الأكمل الأرفع، البحر الزاخر، والكوكب الباهر, حجة المغاربة علي أهل الأقاليم، وفخرهم الذي لا يجحده جاهل ولا عالم ... كان رحمه الله- من العلماء الراسخين، والأئمة المحققين، ألف (المعيار المعرب) فبز فيه الأوائل والأواخر، ولقد رأيته مر يوما بالشيخ ابن غازي بجامع القرويين فقال ابن غازي لمن كان حوله: "لو أن رجلا حلف بطلاق زوجته أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك أصوله، وفروعه (¬83) ... إلي آخر النص الآنف الذكر، أما الثاني فهو رأي أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني -وهو من الطبقة المتأخرة- قال في السلوة: ( ... الفقيه الكبير، الحافظ المحصل الشهير, العلامة المشارك القدوة، المنصف الأسوة، حامل لواء المذهب المالكي، علي رأس المائة التاسعة، وإمام المغرب والمشرق (¬84) ... ). تلك بعض ملامع شخصية أبي العباس وثقافته، مستخلصة من شذرات واصفي حياته وسلوكه، وآراء غيره في مكانته ¬
العلمية. وإذا كانت تلك الملامح لم تعطنا صورة مكتملة لشخصيته، فقد ساعدتنا -على الأقل- في تبيان خطوطها العامة، ومعالمها الكبرى.
[الفصل الثالث: آثاره]
3 - آثاره: عاش أبو العباس نحو ثمانين عاما -وقد عكف خلال هذه الحقبة الطويلة علي الدرس وتحصيل العلوم المختلفة، وخالط شيوخ العلم وأئمة المعرفة- في المغربين- الأوسط والأقصي, كما أفاد من المكتبات التي اطلع عليها في كلا القطرين سواء منها العامة (¬1) والخاصة، (¬2) وأقبل علي تأليف الكتب العديدة، وأكثرها في الفقه المالكي، ويذكر لنا بعض معاصريه وصفا دقيقا عن الحياة الصوفية التي عاشها أبو العباس في محراب التأليف فيقول: "كانت كتبه كلها مورقة غير مسفرة وكانت له عرصة يمشي إليها في كل يوم -ويجعل- (يأخذ) حمارا يحمل عليه أوراق الكتب، في كل كتاب ورقتين أو ثلاثا، فإذا دخل العرصة جرد ثيابه، وبقي في قشابة صوف يحزم عليها بمضمة جلد، ويكشف رأسه، وكان أصلع، ويجعل تلك الأوراق على حدة في صفين، والدواة في حزامه، والقلم في يد، والكاغد في أخرى، وهو يمشي بين الصفين يكتب النقول من كل ورقة، ¬
حتى إذا فرغ من جلبها -على المسألة- قيد ما عنده وما يظهر له من الرد والقبول (¬3) ". ويلاحظ أن الذين ترجموا له لم يذكروا كتبه كلها، فابن عسكر صاحب الدوحة، لم يذكر له إِلا كتابين (¬4) فقط، وإسماعيل باشا البغدادي -في إيضاح المكنون- (¬5) ذكر له ثلاثة كتب، وفي هدية العارفين (¬6) نفس العدد، إلا أنه زاد ونقص والتبس غليه الأمر فجعل أقضية المعيار في التاريخ، و (المعيار) - في الفقه - (¬7) وهما كتاب واحد. وابن القاضي في الجذوة ذكر له خمسة (¬8) كتب، ونقل ذلك مخلوق في (شجرة النور الزكية)، (¬9) وصاحب معجم المؤلفين (¬10) ولم يزيدوا علي ذلك شيئًا. أما أحمد بابا لقد أورد له في (نيل الابتهاج) (¬11) ستة، وعليها اقتصر ابن مريم في (البستان)، (¬12)، والحجوي في (الفكر السامي)، (¬13) والزركلي في (الأعلام) (¬14)، بيد أن هذا ¬
الأخير زاد ونقص، وقد وهم فجعل (القواعد) و (إيضاح المسالك) كتابين، (¬15)، وهما- في الواقع - اسمان لمسمي واحد. وأوصلها البوعزاوي في مقدمة (المعيار) (¬16) إلي ثلاثة عشر, إِلا أنه هو الآخر وقع في نفس الوهم، حيث جعل (القواعد) و (الإيضاح ... ) كتابين، (¬17) وعلي نفس العدد اقتصر صاحب (معجم أعلام الجزائر) (¬18) مع الزيادة والنقصان -وهو بدوره وقع في خطإ فجعل (المعيار) و (نوازل المعيار) - كتابين اثنين (¬19). وأول ما يلفت النظر أن أكر مؤلفاته تحمل عناوين طويلة ومسجوعة. وفيما يلي نستعرض هذه المؤلفات، ثم نفصل القول فيها- ما بين مخطوط ومطبوع: 1 - كتاب "الواعي لمسائل الإنكار والتداعي" أشار إِليه (¬20) في كتابه "إيضاح المسالك"، (¬21) وهو من أولي مؤلفاته علي ما يظهر. 2 - كتاب "الأسئلة والأجوبة" ضمنه أسئلة واستشكالات، كان بعث بها إلي أستاذه أبي عبد الله القَوْري ¬
بفاس سنة (871 هـ) (¬22) فأجابه عنها، ثم جمعها أبو العباس في شكل كتاب، وقد أورد طائفة منها في كتابه (المعيار) , (¬23) وتوجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع رقم: (د-2197)، وتقع في 18 ورقة. 3 - كتاب "الأجوبة" جمع فيها أجوبته، أو جمعت له على الأصح، وأضيفت إليها (54) مسألة كان وجهها إلي فاس أبو عبد الله القلعي، فأحابه عنها أبو العباس الونشريسي، وتعرف بالمسائل القلعية، أشار إليها ابن مريم في البستان، (¬24) وتوجد نسخة من كتاب الأجوبة في الخزانة العامة بالرباط رقم (ك- 684)، وأخري بخزانة تطوان رقم: 654. 4 - "مختصر أحكام البرزلي" وهو من أولي مؤلفات أبي العباس، ونسخه كثيرة بالمكتبات العامة والخاصة، وتوجد بالخزانة العامة بالرباط - منه نسختان رقم: (ق 6581) ورقم: (ك 634) وبالخزانة الملكية نسختان أخريان رقم: (9843) و (8462). 5 - "إيضاح المسالك إلي قواعد الإمام أبي عبد الله مالك". وهذا الكتاب هو الذي قمت بتحقيقه، واخترته موضوع رسالتي هاته. ¬
6 - "نظم الدرر المنثورة، وضم الأقوال الصحيحة المأثورة، في الرد علي من تعقب بعض فصول جوابنا علي نازلة صلح السيفي وأبي مدورة". رسالة في 25 صفحة، كتبها عام (882 هـ) وتوجد نسخة منها بخط يد المؤلف في الخزانة العامة بتطوان رقم (147) وأدرجها في (المعيار). (¬25) 7 - "تنبيه الطالب الدراك، علي توجيه الصلح بين ابن صعد والحباك". رسالة في 16 صفحة، كتبها عام (886 هـ) وقد أدرجها في (المعيار) (¬26). 8 - "عدة البروق، في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق". طبع علي الحجر بفاس، وتوجد نسخة منه بالخزانة الملكية رقم: 1563. 9 - "أسني المتاجر في بيان أحكام من غلب علي وطنه النصارى ولم يهاجر, وما يترتب عليه من العواقب والزواجر". رسالة في 14 صفحة أدرجها في (المعيار) (¬27)، وتوجد نسخة منها بالأسكريال رقم: 1758. 15 - "الولايات" في الخطط الشرعية، طبع بالمطبعة الجديدة بالرباط سنة (1356 - 1937 م). ¬
11 - "الفهرسة" ضمنها شيوخه ومروياته، أجاز بها تلميذه أبا عبد الله محمد بن عبد الجبار الورتدغيري، وألفها باسمه في حدود (809) ذكرها المنجور في فهرسته (¬28)، ووقف عليها صاحب السلوة ونقل منها (¬29). 12 - "تنبيه الحاذق الندس، علي خطأ من سوى بين القرويين والأندلس"- رسالة كتبها عام (911 هـ) وأدرجها في المعيار (¬30). 13 - "إضاءة الحلك في الرد علي من أفتي بتضمين الراعي المشترك". رسالة صغيرة في 8 صفحات طبعت علي الحجر بفاس. 14 - "الوفيات" نشرته أخيرا دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر ضمن كتاب "ألف سنة من الوفيات- لي ثلاثة كتب" لحجي. 15 - تأليف في التعريف بأبي عبد الله المقري- ذكره في النفح (¬31) ولم أقف عليه. 16 - تعليق علي مختصر ابن الحاجب الفقهي- في ثلاثة أسفار ذكره ابن القاضي في "الجذوة" (¬32) وأحمد بابا في ¬
(نيل الابتهاج) (¬33) وابن مريم في "البستان" وقال: إنه وقف علي بعض أسفاره (¬34). 17 - "القصد الواجب، في معرفة اصطلاح ابن الحاجب"- ذكره إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" (¬35) ولم يشر أحد غيره إِليه (¬36). 15 - "الدرر القلائد، وغرر الدرر والفوائد" جمع فيه ما قيده أبو عبد الله المقري علي مختصر ابن الحاجب الفرعي، وزاد عليه ما يناسبه (¬37). 19 - كتاب "الفوائد المهمة" وهي في فنون، توجد نسخة منه مبتورة. الأول- بالخزانة العامة بالرباط- ضمن مجموع رقم: (2197 د) وفيه فوائد جليلة. 20 - "المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب"- في اثني عشر جزءًا، طبع علي الحجر سنتي (1314 - 1315 هـ). 21 - "المنهج الفائق، والمنهل الرائق، والمغني اللائق، بآداب الموثق، وأحكام الوثائق"- لم يكمل، طبع علي الحجر. 22 - "عنية المعاصر والتالي، في شرح وثائق الفشتالي"، طبع علي الحبر. ¬
[الكتاب الأول]
23 - كتاب "حل الربقة، عن أسير الصفقة" - لم يكمله، ذكره ميارة في تأليف له في الصفقة (¬38). 24 - حواشي (¬39) علي تأليف (الإِعلام للقريب والنائي، في بيان خطإِ عمر الجزنائي (¬40)) لبعض تلاميذه (¬41) الفاسيين، ذكره المقري في أزهار الرياض، وأورد جملا منه (¬42). تفصيل في أهم كتبه: بعد أن تعرضت لمؤلفاته علي وجه الإِجمال، أري من الأفيد الرجوع إلي أهمها، لألقي نظرة شبه تفصيلية عنها، حتى يتضح لنا علي الأقل غرض المؤلف من تأليفه، ومضمنه، ومنهجه، ومصادره، وقيمته، وتاريخ تأليفه ... ويأتي في طليعة كتبه المهمة: 1 - "المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب". ¬
غرض الكتاب
هذا العنوان الطويل، اختصرته أكثر كتب التراجم، وأثبته -كاملًا- صاحب "هدية العارفين (¬43) ". و"المعيار" أشهر كتب أبي العباس، وأكثرها ذيوعا وشهرة، وأضخمها مادة وحجما، طبع علي الحبر بفاس في "اثني عشر" جزءًا (¬44)، ونشر المستشرق الفرنسي الأستاذ أميل أمار (EMILE AMAR) شرحا عليه، بالفرنسية، طبع بباريز سنة (1958 م) (¬45). غرض الكتاب: عنوان الكتاب يلمح إلي غرضه، ولذا نجد المؤلف يقول في مقدمته: (جمعت فيه من أجوبة متأخريهم العصريين ومتقدميهم ما يعسر الوقوف علي أكثره في أماكنه، واستخراجه من مكامنه، لتبدده وتفريقه، وانبهام محله وطريقه ... ) (¬46). ¬
أبواب الكتاب
أبواب الكتاب: رتبه علي أبواب الفقه، يبتديء بنوازل الطهارة وينتهي بنوازل الأقضية، والشهادات، والدعاوي والأَيمان، ثم ذيل ذلك بجامع في مسائل متفرقة، في التفسير وعلوم الحديث، والتصوف. منهاجه: يورد المؤلف علي كل نازلة ما ورد فيها من أجوبة الفقهاء، ثم يعقب علي ذلك -في الغالب الأعم- بما يراه من القبول والرد، وهو في ردوده يعود بك إلي المصادر الأولى، ثم يتدرج إلي أن يصل إلي آراء الفقهاء المتأخرين، وما جري به عمل المفتين والحاكمين. مصادره: يعتمد -بالدرجة الأولى- علي كتب النوازل، مثل أجوبة ابن رشد، وابن الحاج، وابن لبابة، وابن زرب، وابن سهل، وابن سراج، والحفار وأبي إسحاق الشاطبي -في الأندلس: وأبي صالح، ومصباح اليالصوتي، وأبي الحسن الصغير والعبدوسي، والقباب والوغليسي، والقوري، والمكناسي، وابن عقاب، وابن مرزوق (الحفيد)، والمشذالي، وأبي الفضل العقباني، والمازوني، والشريف التلمساني- بالمغرب؛ وسحنون، والقابسي، وابن أبي زيد، والسيوري، والتونسي، والمازري، والبرزلي، وابن عرفة- في تونس. وغيرها من المصادر التي اعتمدها المؤلف في
قيمة الكتاب
تأليفه هذا الكتاب الضخم الذي تجاوزت صفحاته أربعة آلاف وخمسمائة صفحة. قيمة الكتاب: يعد كتاب (المعيار) موسوعة فقهية كبري، قل نظيرها في المذهب المالكي جمع فأوعي، وحصل فوعي -علي حد تعبير بعضهم (¬47). وقد نوه بشأنه الكثيرون. (¬48) عدا الشيخ المسناوي، فإنه انتقده بقوله: "مؤلف المعيار يترك التعقيب علي النوازل، ويجمع بين غثها وسمينها من غير تفريق ... ". (¬49) وقال الهلالي: "المعيار هو أجمع ما رأينا من كتب النوازل، لكن فيه بعض الفتاوي ضعيفة ... (¬50) "والحقيقة أن المعيار يحتاج إلي تنقيع في لغته وأسلوبه ومضمونه. تاريخ تأليفه: والمعيار من آخر ما ألف أبو العباس، وجاء في نهاية النسخة المطبوعة من الكتاب: (فرغ منه عام واحد وتسعمائة (¬51) ... ). ¬
الكتاب الثاني
وهو عندي خطأ لأمرين: أ- أحدهما أن الشيخ المسناوي ذكر في بعض أجوبته أن المؤلف عاجله الموت قبل تنقيحه وتحريره (¬52) - (أي المعيار). ب- والثاني ما أشار إِليه المؤلف نفسه في غضون الكتاب عند حديثه عن قضية القرويين والأندلس، حيث قال: ( ... كان كتب إلي قبل هذه السنة، التي هي سنة احدي عشرة وتسعمائة (¬53). وأعتقد أن فراغه من تأليف هذا الكتاب كان في حدود سنة إحدى عشر وتسعمائة (911 هـ)، ولعل أصل العبارة (عام أحد عشرة وتسعمائة) فتحرف إلى (واحد وتسعمائة). وقد اختصره المجلدي. انظر مخطوط غ- ع رقم (ك 882) بالرباط. الكتاب الثاني: " عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق"، ولعل المؤلف اقتبس هذا العنوان من كتاب أبي العلاء الحسن بن محمد البصري (¬54) في الجموع والفروق. ¬
غرض الكتاب
غرض الكتاب: يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلي أن الغرض من تأليفه أن ( ... يستعان به على حل كثير من المتناقضات، الواقعة في المدونة وغيرها من أمهات الروايات) (¬55). أبوابه: حاذي به أبواب الفقه، يبتديء بفروق كتاب الطهارة، وينتهي بفروق كتاب الجراحات. مصادره: من المصادر التي اعتمدها في هذا الكتاب: فروق القرافي، ومحاسن الشريعة للشاشي، والقبس للقاضي ابن العربي، والبيان والتحصيل لابن رشد، والأحكام لعبد الحق، وتبصرة اللخمي، وجامع ابن يونس. قيمة الكتاب: لعل القيمة التي يمتاز بها هذا الكتاب، أنه حاول أن يستوفي جموع وفروق كل باب من أبواب الفقه، في أتم تحرير، وأكمل بيان. ¬
تاريخ تأليفه
تاريخ تأليفه: ألف أبو العباس هذا الكتاب أولًا، ثم ضاع منه، فأعاده ثانية فجاء -كما يقول-: "أبهي من الأول وأبهج"، (¬56) وقد فرغ منه عام (885 هـ). الكتاب الثالث: " المنهج الفائق، والمنهل الرائق، والمغني اللائق، بآداب الموثق، وأحكام الوثائق" (¬57) لم يكمل- كما يقول أحمد بابا في (نيل الابتهاج) (¬58). غرض الكتاب: يقول أبو العباس في المقدمة: (لما رأيت علم الوثائق من أجل ما سطر في قرطاس، وأنفس ما وزن في قسطاس، وأشرف ما به الأموال والأعراض والدما, والفروج تستباح وتحمي ... وضعت مقالة جامعة، في طريقتها المثلي (¬59) نافعة (¬60) ... ) ¬
أبوابه
أبوابه: ضمنه ستة عشر بابا في صناعة التوثيق وأحكام الوثائق، يبتدئ بباب في حكم الكتب والإشهاد، وينتهي بباب فيما لا يسع إِهماله من عيون الفتاوي في أحكام كل باب، وأورد منه، في بابي: النكاح والطلاق فقط -مائتين وأربعين فتوي، استغرقت أكثر من نصف الكتاب، ولو تتبع فتاوي كل باب، لم تسعه مجلدات، ولعل ذلك ما جعله يقف عند هذا الحد من فتاوي الكتاب، وقد استوفاها في كتابه الكبير (المعيار). وربما كان الأنسب أن يستغني عن هذا الباب، بما ذكره في الأبواب السالفة من فقه وأحكام. مصادره: عاد أبو العباس إلي كثير من كتب التوثيق والأحكام، ومن أهمها: وثائق ابن مزين، وابن العطار وابن أبي زمنين، وابن الهندي، وابن مغيث، وابن فتوح، والجزيري، والمتيطيي، والغرناطي، وأحكام ابن سهل، وغرائب الأحكام لأبي المطرف الشعبي، ومختصر ابن عرفة، وتبصرة ابن فرحون. قيمة الكتاب: هذا الكتاب هو عمدة الموثقين الذين أتوا بعده، حتى أن بعضهم نقل أكثر فصوله بالحرف (¬61). ¬
الكتاب الرابع
الكتاب الرابع: " غنية المعاصر والتالي، في شرح وثائق الفشتالي". غرض الكتاب: شرح بعض فصول وثائق الفشتالي، وتحرير مواضع الخلاف فيها، وإكمال ما كان فيها من نقص، مع التنبيه علي ما وقع فيه المؤلف من اوهام، وتوضيح ما كان هناك من إِجمال أو إِبهام. مصادر الكتاب: والمصادر التي اعتمدها المؤلف في هذا الكتاب تكاد تكون هي نفسها التي استقي منها في كتابه "المنهج الفائق" الآنف الذكر، وربما كان الأسبق في التأليف. قيمة الكتاب: فصول مهمة في التوثيق والأحكام، في غاية التحرير والإتقان، قال الوقلاوي في شأنها: "إنها من أفضل ما كتب في الموضوع، ولعل المؤلف اخترمته المنية قبل إتمامه (¬62) ". ¬
الكتاب الخامس
الكتاب الخامس: " مختصر أحكام البرزلي" عني أبو العباس بكتب النوازل، يقرؤها ويلخصها، ومن أهمها: "أحكام البرزالي" وهو في مجلدات، ولا تكاد توجد نسخة كاملة منه إلي الآن. غرض الكتاب: جاء في نهاية الكتاب: "انتهي ما رمته من استخراج بعض الفروع مما لا بد منه، مع زيادة من بعض تواليف أحمد بن إدريس القرافي، وتاريخ الصدفي، وكتاب الشيرازي، وما تلقيته عن الشيخ الإمام ... أبي عبد الله القوري (¬63) ". قيمة الكتاب: كتاب الأَحكام للبرزالي، من المؤلفات التي لها مكانها المرموق في المذهب المالكي، وقد لخصه أبو العباس، وأضاف إِليه إضافات لها أهميتها. تاريخ جمعه: جمعه أبو العباس في حدود سنة (868 هـ) -أي في حياة شيخه أبي عبد الله القوري، بدليل أننا نجده يدعو له بطول البقاء والعمر (¬64). ¬
الكتاب السادس: "الولايات"
الكتاب السادس: "الولايات" غرض الكتاب: التعريف بالخطط الشرعية، ومناصب الحكومة الإسلامية. مضمنه: ضمنه المؤلف سبع عشرة ولاية (¬65): 1) الولاية العظمي. 2) ولاية الوزارة. 3) ولاية القضاء- وتوسع فيها كثيرا. 4) ولاية الشرطة. 5) ولاية الإمارة علي البلاد. 6) ولاية المظالم. 7) ولاية الإمارة علي الجهاد. 8) ولاية الحسبة والسوق. 9) ولاية الرد. 10) ولاية المدينة. 11) ولاية عقود النكاح والفسوخ. 12) ولاية التحكيم. ¬
مصادره
13) ولاية جباية الصدقة. 14) ولاية الخرص 15) ولاية صرف النفقة. 16) ولاية القسم والكتب والترجمة والتقديم. 17) ولاية الحكمين في جزاء الصيد والمحكومين. مصادره: ومن أهم مصادره: الأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب ابن الأمين القرطبي في الموضوع، والبيان والتحصيل لابن رشد، وأحكام ابن سهل، والمتيطية، ومختصر ابن الحاجب، وفروق القرافي. قيمة الكتاب: لعله أوسع تأليف في الموضوع، وقد اعتنى بنشره وترجمته إلي الفرنسية- مع ابداء ملاحظات عليه- المحامي الفرنسي (هنري برانوا) والأستاذ (جود فروة مولبين) العضو بالمعهد الفرنسي بباريز. الكتاب السابع: "الوفيات" ويعرف بـ (وفيات الونشريسي)
غرض الكتاب: ترجم فيه لأعلام القرنين: الثامن، والتاسع للهجرة مبتدئا من عام (701 هـ) حتى عام (912 هـ) وركز أكثر علي رجالات الفكر والدين بالمغرب العربي. منهجه: يقتصر علي المهم في الترجمة، فيذكر الاسم والنسب، واللقب، والمولد، والوفاة وبعض ما يمتاز به المترجم له من صفات، وربما توسع في بعض التراجم، فيشير إلي مؤلفاته وأعماله الإدارية. قيمة الكتاب: أزاح الستار عن كثير من أعلام الفكر الذين عاشوا هذه الفترة بالمغرب الكبير، وهو عمدة الذين أتوا بعده، وقد أفاد منه التنبكتي في نيل الابتهاج، وابن القاضي في (لقط الفرائد) وسواهما. تاريخ تأليفه: لم يحدد المؤلف بالضبط تاريخ كتابته، ولكن الوفيات التي ذكرها فيه لم تتجاوز سنة (912 هـ) فهو مما ألفه في أخريات حياته، وربما أدركته المنية وهو يعمل فيه.
الكتاب الثامن
الكتاب الثامن: " أسنى المتاجر, في بيان أحكام من غلب النصارى علي وطنه ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العاقب والزواجر". كتيب صغير، وأصله فتوي، كتب إِليه في شأنها يسأله أبو عبد الله بن قطية وقد أدرج السؤال والجواب في كتابه "المعيار"، (¬66) ونقل الفتوي مفتي مصر الشيخ عليش في نوازله فقها مسلما (¬67). غرض الكتاب: بيان موقف الإسلام من طائفتين: - إِحداهما هاجرت من دار الكفر إِلي دار الإسلام، لكنها ضاقت عليها سبل العيش، فأرادت الرجوع إلي دار الذل والهوان. - والثانية لم تهاجر -وفي إِمكانها ذلك- وقد آثرت البقاء تحت راية الكفر. مصادره: اعتمد أبو العباس في فتواه هذه، علي الكتاب والسنة وآراء أئمة الفقه. ¬
ومن المصادر التي عاد إليها: أحكام القرآن للقاضي ابن العربي، وعارضة الأحوذي علي صحيح الترمذي له أيضًا، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي، وإكمال المعلم للقاضي عياض، وشرح مسلم للنووي، ومقدمات ابن رشد، ونوازل ابن الحاج، وسواها. تاريخ كتابته: فرغ من كتابته في 19 ذي القعدة عام ستة وتسعين وثمانمائة (896 هـ). قيمته: لهذه الفتوي التي جعلها أبو العباس في شكل كتيب، قيمتها العلمية والتاريخية، وحاول بعض الباحثين المعاصرين أن يقلل من شأنها مصرحا بأنها "فتوى تقليدية، تلتمس الحجج -على الترتيب- من القرآن الكريم، والحديث الشريف، ثم أقوال الفقهاء، وفيي أثناء ذلك تتأول وتفسر كما تريد (¬68) ... ". وهو انتقاد لا يقوم علي أساس. والبحث النزيه يفرض عليه أن يذكر هذه التفسيرات والتأويلات التي حاد بها أبو العباس عن روح النص- في زعمه، وإلا فيبقي مجرد كلام، (¬69). ¬
وقد مر آنفا أن الشيخ عليش مفتي مصر اعتمدها في نوازله، واستشهد بها في مواضع من كتابه، وكفي به حجة. ولنا وقفة قصيرة مع قوله -بعد أن أعطانا عرضا موجزا عن الموريسكوس بالجزيرة الإبيرية-: " ... ولقد ظلت بقايا قليلة من هذه الجماعة محتفظة -رغم القيود والإِرهاب- بدينها، وحروف لغتها حتى أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وربما السابع عشر، ونجم من بينها -رغم كل شيء- رؤساء علي جانب كبير من الشهامة، وكرم الأرومة وثبات الدين ... وهؤلاء هم الذين تصفهم فتوي الشيخ الونشريسي بالكفر والعصيان، ويفتي في أمر إِيمانهم وهو متبحبح في داره في فاس! ! وقد فاته أن ضعفاء الناس أكثر من الأقوياء وأن العاجزين عن الرحلة والهجرة، هم الغالبية العظمي (¬70) .. ". هذا كلام لا يمثل الحقيقة في شيء، ففتوي الونشريسي لم تكن موجهة إلي تلك البقايا القليلة الضعيفة المستضعفة، التي لا حول لها ولا طول -كما زعم الكاتب- بل استثنتها كما استثناها القرآن الكريم بقوله: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْولْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (¬71) ". وموضوع الفتوي -كما هو واضع جلي- تلك الكثرة الكاثرة المتواجدة بغرناطة وما حولها -بعد اتفاق الجماعة- العامة منهم والخاصة- علي التسليم لملك فشتالة في حدود ¬
سنة (896 - 1491)، (¬72) فوقعوا في حيص بيص، لا يدرون ما يفعلون، فوجه إليهم أبو العباس الونشريسي نداء الله، وقد استجاب إِليه الكثير - (¬73) رغم المغريات التي كانت تقدمها إليهم الكنيسة ليدخلوا في حظيرة الكفر وتنصيرهم، ورغم الامتيازات التي كانت تمنحها الدولة للمتنصرة منهم (¬74). وقد توالت الهجرات في فترات من التاريخ، فكانت أول هجرة بعد سقوط غرناطة في حدود سنة (398 - 1492) (¬75)، وكان لها دورها الفعال في تاريخ المغرب البطولي، والحضاري، - ثم تصاعدت الهجرات فكان منها دفعة قوية سنة (902 - 1496) (¬76) توزعت في سائر أنحاء المغرب العربي، ثم تلتها دفعة أخرى عام (970 - 1563) (¬77). والكاتب يعرف هذا جيدا، ولكنه مع ذلك أبى إلا أن يقول -في تعنت وإصرار- "ولقد كان لفتوى الونشريسي وأمثالها أسوأ الأثر علي مصير الجماعات الإسلامية الباقية في الأندلس (¬78) ... ". ¬
وأما قوله: " ... وهو -أي الشيخ الونشريسي- متبحبح في داره في فاس ... " فهذا ليس هو الونشريسي الذي تذكره كتب التراجم بالزهد والورع، والدين المتين، عاش حياة التقشف يركب الحمار ويلبس الخشن، وظل يسكن دويرة للحبس، يؤدي كراءها إلي أن لقي ربه، وكان شديد الشكيمة، بعيدا عن أهل الجاه والسلطة والشهرة، صليبا في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، -وإنما هو ونشريسي آخر- في مخيلة الكاتب، يصوره له وهمه -كما أراد! ! والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... ما لم يروا عنده آثار إحسان
[الفصل الرابع: دراسة تحليلية للكتاب]
4 - دراسة تحليلية لكتاب: إيضاح المسالك إلي قواعد الإمام مالك بعد إلقاء نظرة علي ما تركه لنا المؤلف من تراث، رأيت من اللازم تخصيص هذا الفصل لكتابه "إيضاح المسالك، إلي قواعد الإِمام أبي عبد الله مالك" كي أقدم للقاريء الكريم صورة مقتضبة عن تاريخ تأليف الكتاب، وعرضه، ومنهاجه، ومضمونه، ومصادره، ثم تقييمه، وبه أختم المطاف عن آثار المؤلف -رحمه الله. توثيق عنوان الكتاب: أثبت المؤلف- نفسه- هذا العنوان في كتابه (المنهج الفائق (¬1)) وعليه أكثر النسخ التي عثرت عليها في المكتبات العامة والخاصة، وأورده بهذا الاسم جل من ترجموا للمؤلف. ¬
غرض الكتاب وسبب تأليفه
تاريخ تأليفه: حسبما يبدو أن أبا العباس كتب صورة مختصرة لهذا الكتاب، بتاريخ سبعين وثمانمائة هجرية- وقد احتفظت بهذه الصورة نسخة فريدة- فيما أعلم- بالخزانة العامة بتطوان رقم (619). ثم ظلت يده تعمل فيه بالتنقيح والتحرير مدة، وأهم زيادة أضيفت إِليه هي المسائل والصور الفقهية التي أدرجت تحت كل قاعدة، حتى صار علي الصورة التي عليها الآن، ولهذا نراه اختلفت نسخه ما بين زيادة ونقصان، وهذا ليس ببدع، فجل المؤلفين ساروا علي هذا المنوال في تأليفهم، فلنأخذ مثلًا موطأ الإمام مالك، فإن الباحث إذا ما قارن بين صورته الأولى التي كتبت عنه في البداية، ورواها عنه تلاميذه -وهم كثيرون- والصورة الأخيرة التي سمعها عنه يحيى بن يحيى الليثي- وهي التي اشتهرت روايتها بالمغرب، وشرحها الكثيرون، سيجد- لا محالة- البون الشاسع بين هذه الصورة وتلك. غرض الكتاب وسبب تأليفه: يفهم غرض الكتاب وسبب تأليفه، مما استهله به مؤلفه " ... فإنك سألت أيها الفاضل الشريف، الرفيع القدر الأعلى المنيف ... أن أجمع لك تلخيصا مهذب الفصول، محكم المباني
والأصول، يسهل عليك أمره، ويخف عن الأسماع والقلوب ذكره (¬2) ... ". ومن هذه الفقرات القليلة، يتضح أن المؤلف وضع هذا الكتاب تلبية لرغبة سائله، هادفا منه اختيار مجموعة من القواعد الهامة، وإدراج تحت كل قاعدة منها زمرة من الفروع والمسائل الملائمة لها، وبذلك يكون قد سهل الأمر علي الفقيه المختص، والمهتم بالميادين الفقهية- على السواء، ويكفيهم عناء البحث عن المسائل التي تندرج تحت كل قاعدة. منهاجه: لقد نهج المؤلف نهج التنويع في إيراده للقواعد، وصيغها، والمسائل التي أدرجها تحت جل منها. 1 - تنويعه للقواعد: أورد المؤلف في كتابه "الإيضاح" نوعين من القواعد: نوع عام، ونوع خاص، ولكل منهما فروعه الخاصة، وسيأتي مزيد بيان، في الفصل الخامس بحول الله. 2 - تنويعه لصيغ القواعد: في غالب الأحيان ما يورد القاعدة في صيغة الاستفهام، للدلالة علي الخلاف المذهبي في أصل القاعدة، كقوله -مثلًا-: "الظن هل ينقض بالظن أم لا؟ (¬3) ""الصور الخالية من ¬
المعنى، هل تعتبر أم لا؟ (¬4) ""الشفعة هل هي بيع أو استحقاق؟ (¬5) ". وفي بعض الاحيان يأتي بالقاعدة في صيغة جملة خبرية, إيحاء منه بأن القاعدة مسلمة لا خلاف فيها بين الفقهاء، كـ "الذمة إذا عمرت بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين" (¬6). و "الشك في الزيادة كتحققها (¬7) ". و "الضرورات تبيع المحظورات (¬8). ثم يتبع كل قاعدة بالمسائل والصور الفقهية، التي تقبل الاندراج تحتها، وبتعبير أدق يقوم بتطبيق عملي بالنسبة لكل قاعدة غالبا. 3 - تنويعه في الفروع والصور: تري المؤلف يطوف بالباحث في رحلة ممتعة وشاقة في آن واحد- علي مختلف أبواب الفقه، باحثا عن المسائل التي يدرجها تحت قاعدة ما، لا سيما إذا كانت من القواعد العامة، خذ مثلًا قاعدة "الدوام علي الشيء هل هو كابتدائه أم لا؟ (¬9) ". فإنك ستجد المؤلف يتجول بك في أبواب شتي بدون مراعاة أي ترتيب؛ الإيمان، الصلاة، الطلاق، الحج، العمرة، ¬
البيوع، النكاح، الصيد، الضمان، الغصب، الصيام، الكفارات، الظهار الردة، الزكاة ... الخ. أما إذا كانت القاعدة من القواعد الخاصة، فغالبا ما يقتصر علي تصيد مسائلها وصورها من باب واحد، كقاعدة: "النكاح من باب الأقوات، أو من باب التفكهات؟ (¬10) "فإن جميع الأمثلة التي أوردها كتطبيق علي القاعدة، لم تخرج عن إطار باب النكاح. والشيء الذي يلفت النظر، أن المؤلف يكاد يحصي كل قضية وصورة جري فيها الخلاف المذهبي، من هذا القبيل أو ذاك، وقد يشير إلي الخلاف العالي، وينتهيي في بعض الأحيان- بذكر المذهب الصحيح، والقول الراجع، أو المشهور في المسألة. مضمن الكتاب: ضمن أبو العباس كتابه "الإيضاح"، ثمان عشرة ومائة قاعدة، يبتديء بقاعدة: "الغالب هل هو كالمحقق أم لا (¬11)؟ " وينتهي بقاعدة: "كل ما أدي اثباته إلي نفيه، فنفيه أولي (¬12) ". وبين هذه وتلك اورد المؤلف أربعة أقسام من القواعد (¬13)، أودع في كل منها- غالبا- قضايا متعددة، وفروعا ¬
مختلفة، تصل في مجموعها إلي نحو ألفي مسألة وصورة، جلها خلافية- بالإضافة إلي المقدمة، وتقريظه للإيضاح بنفسه في النهاية، واستطراده بعض التنبيهات، والفوائد والحكايات- رغم صغر حجم الكتاب، وهنا تلعب لغة الرموز والتلميحات دورها الفعال، فيضمنه هذا القدر من الأحكام، الذي قد لا يخطر علي بال، وتتزاحم المسائل، وتتشابك الصور والفروع ... ! ! مصادر الكتاب: اعتمد أبو العباس في تأليفه هذا الكتاب -بالدرجة الأولى- كتب القواعد الفقهية، ثم الأمهات، فسائر دواوين الفقه الهامة، ويمكن ترتيبها حسب إفادته منها- كثرة وقلة -كما يلي: 1 - قواعد المقري. 2 - فروق القرافي. 3 - مختصر ابن الحاجب الفقهي. 4 - التوضيح للشيخ خليل. 5 - شرح ابن عبد السلام لمختصر ابن الحاجب. 6 - مدونة الإمام مالك (رواية سحنون). 7 - مختصر ابن عرفة. 8 - نوادر ابن أبي زيد القيرواني. 9 - البيان والتحصيل لابن رشد. 10 - المقدمات لابن رشد أيضًا. 11 - نوازل البرزلي. 12 - أحكام ابن سهل.
13 - تبصرة اللخمي 14 - تعليق المازري 15 - جامع ابن يونس 16 - المفيد لابن هشام 17 - المتيطية لأبي الحسن المتيطيي. 18 - تعليق أبي عمران الفاسي علي المدونة. 19 - تعليق السيوري. 20 - تقييد أبي الفضل راشد الوليدي. 21 - كتاب "الخصال" لابن زرب 22 - شرح التهذيب للشار مساحي 23 - العارضة للقاضي ابن العربي 24 - أحكام القرآن له أيضًا 25 - تفسير ابن عطية "المحرر الوجيز" 26 - إحكام الفصول .. للباجي 27 - لب الألباب، في مناظرة القباب- للعقباني 28 - منتهي السول والأمل .. (المختصر الأصلي) لابن الحاجب. 29 - المجموعة لابن فتوح 30 - الكافي لابن عبد البر 31 - الواضحة لابن حبيب.
تقييم الكتاب: علي رغم ما تكون بيني وبين (إيضاح المسالك) من علاقة وتعاطف- ولو أنها كانت تتكدر في بعض الأحيان، نظرا لما كان يكلفني به من إرهاق ومتاعب قد لا تحتمل- فإن الواجب العلمي يحتم علي تقييمه ووضعه في الميزان- وطبعا - بعد تجردي من كل عاطفة، أو حزازة إزاءه، حتى يكون التقييم نزيها، والبحث يأخذ توازنه بمحاولة إبراز ما للكتاب من مزايا وخصائص، وما عليه من مآخذ وملاحظ. مزاياه: لا أدعي تقصي كل خصائص الإيضاح ومزاياه، وإنما سأكتفي برصد أهمها فيما يتصل بالمنهج، والمضمون، والأسلوب: من حيث المنهج: 1 - قيامه بالتطبيق العملي (من الكل إِلي الجزء): ولتنفيذ هذه الخطة نجد المؤلف تارة يجعل القواعد هي المدار والمعيار، فيعرض المسائل والصور الفقهية عليها، فما وجده تنطبق عليه قاعدة ما أدرجه تحتها، وإلا أبعده وعرضه علي قاعدة أخرى، وهكذا دواليك. وهذه الطريقة في الواقع- صعبة، بعيدة المنال، لا يسلكها إلا ذووا المهارة الفائقة، والموهبة الخاصة، لمعرفة مظان كل
مسألة، في أبواب الفقه المتعددة والمتنوعة، وتشخيصها أمام عينيه كلها، بحيث تجده يستحضر لقاعدة واحدة- غالبا- مسائل عديدة من أبواب متنوعة، تد تصل في بعضها إِلي نحو ثلاثين مسألة. وهذا يوحي بأن مؤلف الإيضاح كان له باع طويل، واطلاع واسع في مجال الفقه عموما، والفقه المالكي بوجه خاص، وموهبة نادرة، في معرفة مظان كل مسألة مسألة. وطورا آخر يجعل الباب الواحد من أبواب الفقه هو المدار للقاعدة والأمثلة ولا يتعداه، وهذا -غالبا- ما سلكه في القواعد الخاصة -كما أشرت إِلي ذلك آنفا. وخذ مثلًا قاعدة "من أَخر ما وجب له عد مسلفا (¬14) " فإن الأمثلة التي ضمنها لهذه القاعدة تدور في فلك باب الديون. 2 - إدماجه قاعدتين أو أكثر- تنكيتا علي المقري ضمنيا - في قاعدة واحدة، وإدراجه سائر الأمثلة تحتها، عكس صنيع المقري الذي يورد لكل قاعدة أمثلتها الخاصة، حتى تبدو أحيانا وكأنها تكرار، أو شبه متداخلة مع بعضها البعض، كقاعدة "الملحقات بالعقود، هل تعتبر كجزئها، أو إنشاء ثان (¬15) .. " أدمج فيها ثلاث قواعد من قاعد المقري مع أمثلتها. وكذلك ¬
قاعدة "نوادر الصور هل يعطي لها حكم تفسها أو حكم غالبها (¬16)؟ " أدمج فيها قاعدتي: (761) و (864) من قواعد المقري مع أمثلتها، وكثيرا ما يفعل المؤلف هذا أو ذاك-تفاديا من التكرار وهادفا إلي الضبط والتركيز والاختصار. المضمون: قد يعجب القاريء حينما يقارن حجم كتاب (إيضاح المسالك) - بما تضمنه من ثروة فقهية غزيرة تجل عن الوصف، وما حوته كل قاعدة -غالبا- من مسائل وفروع فقهية تفوق الحصر- بشكل لم يسبق ولم يلحق له نظير- فيما أعلم، وإن كان المقري حاول أن يفعل ذلك، إلا أن المسائل التي أدرجها تحت كل قاعدة لا تتعدي الخمس أو السبع- علي الأكثر. أما صاحبنا فلعله كاد يستوعب ويستقرئ كل المسائل والصور التي تندرج تحت قاعدة ما، وبالأحري المسائل الخلافية منها، الشيء الذي يدعوني إلي القول بأن هذا النوع من الدراسة الفقهية وليد، والبحث فيه طريف وجديد- بغض الطرف عن صعوبته، وحق أن ينسب إلي أبي العباس الونشريسي لما بذل فيه من جمع وتنسيق، وهو مجهود جبار لا ينكر. - جمع ونسق المؤلف- في الإيضاح- خلاصة ولب ما تفرق في عشرات أمهات الفقه، بعد أن حقق ودقق جل القواعد ¬
والمسائل - إلى حد بعيد، وحرر الكثير منها أتم تحرير، مما جعل البعض يصف كتاب (الإيضاح) بـ "أنه دراسة محررة لأهم القواعد الفقهية، التي بنى عليها خلاف المذهب المالكي (¬17). ويذكر البعض الآخر أنه "فلسفة فقهية مفيدة (¬18) ... " وهو تقييم له مغزاه وأبعاده، وبعد هذا وذاك، فلا غرابة إن قلت إن "إيضاح المسالك" نادر الوجود عزيز المثال، قد لا يستغني عنه أي فقيه، أو باحث في أسرار الفقه والتشريع. الأسلوب: وبتصفح كتاب (الإيضاح) وتتبع قواعده ومسائله، يدرك القارئ أن أسلوب المؤلف يتنوع بتنوع القواعد وصورها، ففي بعض القواعد ومسائلها سيلمح فيها أسلوب الونشريسي بارزا واضحا، يتمنى أن لو يسترسل على تلك الوتيرة من السلاسة والسجع الغير الممل، المعروف به في كثير من تآليفه وفتاواه وتعاليقه، كتعليقه - مثلًا، على كتاب "مثلى الطريقة، في ذم الوثيقة (¬19) " الذي يقول فيه: ... قد كد نفسه في شيء لا يعني الأفاضل، ولا يعود عليه في القيامة ولا في الدنيا بطائل، وأفنى طائفة من نفيس عمره في التماس مساوئ طائفة بهم تستباح الفروج، وتملك مشيدات الدور والبروج، ¬
وجعلهم أضحوكة لذوي التهتك والمجانة، وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة (¬20) ... ". وسيجد نفس الأسلوب في الإيضاح، وبالأحرى في بدايته ونهايته: "فإنك سألت أيها الفاضل الشريف، الرفيع القدر الأعلى المنيف، وصل الله سعدك، ويمن قصدك، وحرس كنفك، وأعز الأثيل شرفك، وأجمل بمنه صونك وأحسن على ما رمته من التحصيل عوني وعونك (¬21) ... ". وجاء في خاتمة الكتاب: " ... هذا نهاية ما قيدت، مما إليه قصدت، وبه وعدت، وإياه أردت، وفيه اجتهدت، من القواعد المحكمة الكافية، الجليلة النافعة الشافية، جمعتها لك هنا من أماكنها، وأبرزتها من مكامنها، على وفق ما سألت، بل فوق ما أملت (¬22) " ... وربما سيجد هذا الأسلوب مبثوثا بين ثنايا الإيضاح - هنا وهناك - كقوله: "وجرى بيني وبين من نحا منحى ابن بشير - في الجواب من أعيان الفقهاء - نزاع كبير، وبحث أثير، يضيق هذا الملخص عن حمل سطوره، وضم منثوره (¬23) ... " إلا أنه سرعان ما تشعر - فجأة - أن ذلك الأسلوب البارع قد توارى واختفى تماما، وأنك أمام أسلوب من نوع آخر، ولنا معه وقفة بعد قليل. ¬
مأخذنا على الإيضاح
مما يؤكد أن الكتاب فريد نوعه - في منهاجه، ومضمونه، وأسلوبه. وليس معنى هذا أن "إيضاح المسالك" قد خلا من كل هفوة، وارتفع عن كل مأخذ وزلة؟ . إن الحديث اللاحق سيتكفل برصد بعض هناته، ومأخذنا عليه. مأخذنا على الإِيضاح: على الرغم من المرتبة التي احتلها مؤلف الإيضاح في الميادين الفقهية بشهادة كثير من جهابذة فقهاء عصره، كابن غازي، وابن عسكر، وسواهما - فإن (حامل لواء المذهب المالكي في عصره (¬24) ... ) قد انزلق وارتكب هنات في كتابه "الإيضاح"، وهي جلية واضحة للعيان، يمكن رصد أهمها فيما يلي: 1 - في طليعة ما يؤخذ عليه: إهماله النهج التأليفي الصحيح، وأداء الأمانة العلمية - بعدم نسبته النقول إلى أهلها، والسكوت عن مصادرها - غالبًا، إذ تراه يعتمد - في الدرجة الأُولى - على قواعد المقري، ثم فروق القرافي، فمختصر ابن الحاجب، والتوضيح: ومع ذلك لا يشير إليها إلا نادرًا، ولا سيما قواعد المقري التي افتن في النقل منها، فتراه - تارة - ينقل القواعد وأمثلتها بالحرف، كالقواعد التالية مثلًا ¬
"الكفارة هل تتعلق باليمين أو بالحنث (¬25) " "الجهل هل ينتهض عذرا أم لا (¬26)؟ " "الأصل منع المواعدة، بما لا يصح وقوعه في الحال حماية (¬27) "إلى غير ذلك - وهو كثير. وتارة تراه ينقل منها بعض الأمثلة فقط، وأحيانًا أخرى ينقلها مع تصرف بسيط (¬28). وتجده في قاعدة "تقديم الحكم على شرطه، هل يجزئ ويلزم أم لا؟ " يقتبس جميع الأمثلة من فروق القرافي (¬29)، كما أخذ قاعدة: "الترك هل هو كالفعل أم لا؟ " و"الشك في النقصان كتحققه" من مختصر ابن الحاجب دون أمثلتها (¬30). وكذلك قاعدة، التخيير في الجملة، هل يقتضي التخيير في الأبعاض أم لا؟ " (¬31) نقلها من التوضيح دون أمثلتها؛ كل ذلك دون أن يشير - لا من قريب ولا من بعيد إلى المصدر الَّذي اقتبس منه، أو نقل عنه. 2 - وقوعه فيما انتقده - مرارًا - على المقري ضمنيًا - من تكراره للقواعد، ناسيًا أو متناسيًا أنَّه هو بدوره وقع في ذلك، ¬
كما يتضح ذلك جليا، في الأمثلة التالية: أ -"الموجود شرعا، هل هو كالموجود حقيقة أم لا؟ " "الموجود حكما، هل هو كالموجود حقيقة أم لا؟ " (¬32). ب - "المعدوم معنى، هل هو كالمعدوم حسا أم لا؟ " "النهي هل يصير المنهى عنه كالمعدم أم لا؟ " (¬33) ج - "من الأصول المعاملة بنقيض المقصود الفاسد" "من استعجل الشيء قبل أوانه، فإنه يعاقب بحرمانه" (¬34). إلى غيرها من القواعد التي كررها - وكان الأجدر به أن لا يفعل، ولكن سبحان الَّذي لا يغفل ولا ينسى. 3 - لم يوف بما التزم به في مقدمة الكتاب: " ... أجمع لك تلخيصا مهذب الفصول ... " - باستطراده بعض الحكايات - ولو أَنها قليلة، وكان من الأليق الاستغناء عنها. 4 - إغفاله بعض القواعد الهامة، ولا سيما ما كان أصلها أحاديث نبوية مثل: "الأمور بمقاصدها (¬35) " "العادة ¬
محكمة (¬36) " "الحدود تسقط بالشبهات" (¬37) "الضرر يزال (¬38) " "الميسور لا يسقط بالمعسور (¬39) ". إلى غير ذلك من القواعد العامة التي يتفرع عن كل منها قواعد فقهية فرعية وأحكام كثيرة. 5 - إيراده بعض القواعد في صيغ مطولة - عكس ما تعارف عليه الفقهاء من صوغهم للقواعد، في أقصر عبارة، وأوسع دلالة - مثل ما فعل في القواعد الآتية: أ- "المترقبات إذا وقعت، هل يقدر حصولها يوم وجودها؛ كأنها فيما قبل كالعدم؟ أو يقدر أنها لم تزل حاصلة من حين حصلت أسبابها التي أثمرت أحكامها وأسند الحكم إليها (¬40)؟ . ¬
ب - "من عجل ما لم يجب عليه، هل يعد مسلفا ليقتضي من ذمته إذا حل الأجل إلا في المقاصة: - وهو المشهور أو مؤديًا - ولا سلف ولا اقتضاء - وهو المنصور لأنَّه إنما قصد إلى البراءة والقضاء (¬41)؟ ". ج - العوض الواحد إذا قابل محصور المقدار وغير محصوره، هل يفضل عليهما أو يكون للمعلوم، وما فضل للمجهول وإلا وقع مجانا (¬42)؟ ". 6 - اعتماد المؤلف على أكثر من ثلاثين مصدرا فقهيا، والتقاطه عدة أمثلة لقاعدة واحدة - غالبا - من مختلف أبواب الأمهات، ونقله أحيانا نفس العبارات ... جعل الكتاب صعبًا للغاية، أو على الأقل - بالنسبة لمن كان مثلى ذا بضاعة مزجاة في الميادين الفقهية. 7 - كم من واحد ينخدع بالمظاهر والعناوين الجذابة و ... ذلك ما حدث لي بالضبط مع "إيضاح المسالك" إذ لم أشعر - في الواقع - أني خودعت، إلا بعد أن بدأت في التحقيق و ... لذا أوصي القارئ - مقدما - أن لا يغتر بالعنوان، فإنه بعد أن يقرأ الديباجة، والتقديم الموجز، الذي يتسم بسمة المقدمات؛ من: السجع والتشويق والصنعة سيفاجأ بأسلوب معقد، ومسائل صعبة التطبيق، ومنهج وعر المسالك، صعب المرتقى، حتَّى بلغ تطبيقه في بعض القواعد - حد الإعجار مما جعل جل ما تضمنه الكتاب، أقرب إلى الرموز والألغاز منه إلى الإيضاح ¬
والبيان، فصاحبنا لا يعرف الملل، ولا يسأم الترحال المتواصل! ! فتراه يتجول بالباحث في عالم الفقه كلّه - مرة تلو الأخرى - منقبًا بعقله الوقاد في كل باب ودرب، عن الفروع الواردة، والمسائل الشاردة - التماسًا لراحتها من نقاش الفقهاء الحاد، وتشريحها بينهم من جديد! ! - حتَّى إذا ما عثر عليها قادها ليربطها بقاعدة ما - طوعا أو كرها - بسلاسل من الأدلة، وقد يضع عليها علامة الاستفهام، تارة يصرح، وأخرى يلمح إلى مصادرها، والقول الراجح فيها، وفي أغلب الأحيان يلتزم الصمت المطبق "ولست أدري أكان يتعمد ذلك ليختبر كفاءة وذكاء من يحأول تعقب أثره ليتركه يتيه في متاهات مظانها، متصفحا أمهات الفقه - الواحدة تلو الأخرى، أياما وربما أسابيع وشهورًا؟ أو أن طبيعة المسائل وتشتتها هي التي أرغمته أن يتجه هذا الاتجاه الصعب، المنهك للقوى والأعصاب؟ ! ! ورغم هذا كلُّه فلا أعتقد أن هذه المأخذ ستغض من قيمة الكتاب، وتنقص من محاسنه ومزاياه، ما دام قدم لنا ذخيرة فقهية هائلة، لا تقدر بثمن، وطبقها تطبيقا عمليا على القواعد والأصول، ولا يخفى ما للتطبيق العملي من أهمية قصوى، ومزايا لا تحصى - في عصرنا الحاضر وحتى لو لم يكن له من المحاسن إلا هاتان؛ لرجحتا على كل هفوة قيلت فيه، أو يمكن أن تقال، علاوة على أن الخطأ والنسيان، لا ينجو منهما أي إنسان مهما كان: ومن ذا الَّذي ترضى سجاياه كلها .. كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه.
[الفصل الخامس: القواعد وأهميتها]
5: القواعد وأثرها في الدراسات الفقهية والتشريع: يتضمن هذا الفصل؛ تعريف القواعد الفقهية، وأنواعها، والفرق بينها وبين القواعد الأصولية ونبذة تاريخية عنها؛ ودورها في الدراسات الفقهية والتشريع الوضعي. تعريف القاعدة لغة واصطلاحا: القاعدة تجمع على قواعد، وهي لغة أسس الشيء وأصوله، معنويا كان ذلك الشيء أو حسيا، يقال قواعد الإسلام، وقواعد البيت أي دعائم وأسس كل منهما، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ (¬1).}، وقوله جل علاه: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ (¬2).} الآية. وفي الاصطلاح يتنوع مفهومها بتنوع العلوم، ويتعدد اصطلاحها بتعدد المجالات التي يتناولها، فهناك قواعد أصولية، ونحوية، وقانونية، وهندسية. .. وعشرات من العلوم التي لكل منها قواعدها واصطلاحاتها الخاصة، ويهمنا هنا ¬
اصطلاح فقهاء الإسلام الذين عرفوا القاعدة الفقهية بتعاريف عدة، أهمها قول أبي البقاء: "القاعدة اصطلاحا: قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها (¬3) ". وقول تاج الدين السبكي: "القاعدة الأمر الكلي الَّذي ينطبط عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها .. منها ما لا يختص بباب .. ومنها ما يختص (¬4). وعرفها المقري بقوله: "ونعني بالقاعدة، كل كلي هو أخص من الأصول، وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود، وجملة الضوابط الفقهية الخاصة: (¬5) ". وبالتأمل في هذه التعاريف يتضح أن الأول - رغم أنَّه جامع - لكنه غير مانع من دخول، قواعد غير فقهية في التعريف، وكذلك الشأن بالنسبة للتعريف الثاني، مما اضطر صاحبه أن يدخل التقسيم فيه. أما تعريف المقري فلا يصدق إلا على القواعد الفقهية العامة دون الخاصة منها. وعليه، فمن الصعب إيجاد تحديد للقواعد الفقهية - في صيغة واحدة - يشمل العامة والخاص: معًا، وإنما يمكن أن يعرف كل منهما على حدة، لاختلاف خواصهما. ¬
أنواع القواعد
أنواع القواعد: وعلى ضوء التعاريف السالفة، وبتتبع صيغ القواعد المختلفة، وما تضمنتها من أحكام شرعية لفروع كثيرة، بعضها من باب واحد، وبعضها الآخر من أبواب شتى - يمكن أن نستنتج أن القواعد الفقهية نوعان: نوع عام، ونوع خاص. أ - النوع العام هي تلك القواعد الجامعة لأحكام عدة - من أبواب مختلفة - غالبًا - يصح في مضمونها أن يطلق عليها - بلغة العصر - النظريات العامة للفقه الإسلامي لاستيعابها أحكاما لا تحصى - في أقصر عبارة، وأوسع دلالة. وهذا النوع يتفرع إلى فرعين: فرع متفق عليه، وفرع مختلف فيه. فالفرع الأول يراد به تلك القواعد العامة التي اتفق الفقهاء عليها - كقاعدة، وعلى أغلبية أحكام المسائل المدرجة تحتها، لذا كانت صيغها خبرية، مثل، قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح (¬6) "، و"الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية (¬7) "و"الضرورات تبيح المحظورات (¬8) ". ولم يذكر الونشريسي في كتابه "إيضاح المسالك ... " من قواعد هذا الفرع إلا نحو سبع عشرة قاعدة. ¬
أما الفرع الثاني، فأعني به تلك القواعد العامة التي اختلف الفقهاء في شأنها، وفي أحكام القضايا المدرجة أو القابلة للاندراج تحتها، لذا ترد صيغها مقرونة بالاستفهام، كقولهم: "الظن هل ينقض بالظن أم لا (¬9)؟ و "العقد هل يتعدد بتعدد المعقود عليه أم لا (¬10)؟ ، و"مضمن الإقرار هل هو كصريحة أم لا؟ (¬11) ". وجل قواعد إيضاح المسالك من هذا القبيل. ب - النوع الخاص - من القواعد -: أعني به تلك القواعد التي تندرج تحتها أحكام متشابهة لنوازل كثيرة من باب واحد - غالبًا. وقواعد هذا النوع -أيضًا- منها ما اتفق عليه، كقولهم؛ "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور (¬12) "، و"كل ماء لم يتغير أحد أوصافه طهور (¬13) ". و"كل طير مباح الأكل (¬14) ". ومنها ما اختلف فيه، كقولهم: "كل عضو غسل يرتفع حدثه أولًا، إلا بالكمال والفراغ (¬15) " و"كل جزء في الصلاة قائم بنفسه، أو صحة أولها متوقف على صحة آخرها (¬16) ". ¬
ومما تقدم يمكن تقسيم القواعد الفقهية إلى أربعة أقسام: أ - قواعد فقهية عامة مسلمة لا خلاف فيها، يندرج تحتها أحكام لمسائل من أبواب شتى - غالبا. ب - قواعد فقهية عامة، كسابقتها، بيد أنَّه اختلف فيها، وفي أحكام القضايا التي تندرج تحتها، وهي أصول الخلاف في المذهب. ج - قواعد خاصة مسلمة، لا اختلاف فيها، ولا في فروعها - غالبا - وتندرج تحتها أحكام متشابهة من باب واحد غالبا. وهذه القواعد الخاصة يسميها البعض ضوابط، وعرفت عند المتأخرين بالكليات، وألفوا فيها (¬17). د - قواعد خاصة كسابقتها، لكنها اختلف فيها، وفي فروعها، وتجمع أحكاما متشابهة من باب واحد غالبا. ولا يفهم من هذا كلّه أن أحكام القواعد الفقهية أمر مطرد، بل إنها أغلبية، شأنها في ذلك شأن قواعد علوم أخرى، إذ لكل قاعدة شواذها، وربما القواعد الفقهية أكثر من غيرها في هذا الشأن، بحيث قلما تجد قاعدة ليس لها استثناءات في فروع الأحكام التطبيقية، لكون الفقهاء يرون أن تلك المسائل، أو الصور المستثناة من قاعدة ما، هي أليق بالتخريج على قاعدة أخرى، أو أنها تستدي أحكامًا استحسانية خاصة، مثلًا قاعدة "لا ينسب إلى ساكت قول"، استثنى الفقهاء منها عدة مسائل، يكون السكوت فيها كالنطق، كسكوت البكر عند استئمارها، ¬
الفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه
وسكوت الشفيع عن طلب الشفعة حين علم البيع ... لذا تمم البعض القاعدة السالفة بقوله "ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان (¬18) ". الفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه: تعريف أصول الفقه: لقد عرف الأصوليون (أصول الفقه) بتعاريف، منها: قول صاحب المنهاج: "أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا، ومعرفة كيفية الاستفادة منها، ومعرفة حال المستفيد (¬19) "، (19) وقول الخضري: "أصول الفقه هي القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة (¬20) ". ويؤخذ من التعريف الأول أن مدلول أصول الفقه هو معرفة العناصر الثلاثة الواردة فيه، وبعبارة أخرى اعتبر مدلول الأصول (العلم) نفسه لا المعلوم بينما الثاني عكس بجعله مدلول أصول الفقه نفس القواعد والدلائل، وربما لهذا الاعتبار أو ذاك نرى الأصوليين يطلقون "أصول الفقه" على ¬
الأدلة التي يحتج بها في الأحكام، وهي الكتاب، والسنة، والإجماع ... كما يطلقونها على القواعد التي بها يتوصل إلى معرفة الأحكام الشرعية. وإزاء هذا التجاوز يمكن أن يفرق بين (أصول الفقه) و (قواعد أصول الفقه)، بأن أصول الفقه هي تلك المصادر أو المنابع التي هي مناط استنباط الأحكام الشرعية منها، أما قواعد أصول الفقه فهي تلك المناهج والمعايير التي تستخدم لأجل استنباط الأحكام، كالأمر إذا أطلق ينصرف للوجوب، والنهي للتحريم، والنص يقدم على الظاهر، والظاهر على المؤول، والمنطوق على المفهوم، والمبين على المجمل، وغيرها من القواعد التي وضعت لتعرض عليها الأدلة الجزئية، فما انطبقت عليه حكم بقبوله وما لا فلا. أما القواعد الفقهية فقد سبق تعريفها، وهي التي أخذت من كلام إمام من أئمة الاجتهاد، فمثلًا المالكية استنبطوا مذهبهم من كلام إمامهم مالك بن أَنس، ودونه في موطئه أو نقل عنه في المدونة، والنوادر والبيان والتحصيل، وسواها، ونظير ذلك تخريج الأقاويل. وعلى أي فأصول الفقه باعتبارها مصادر للفقه الإسلامي نوعان: نوع مشترك أجمع عليه أئمة المذاهب في الاستنباط منه، هو الكتاب والسنة والإجماع. ونوع خاص اعتمده بعض الأئمة فقط، مثل الاستصلاح والاستحسان ...
أصول مذهب مالك
وكنتيجة حتمية لاختلافهم - في النوع الخاص - تفاوتت الأصول المعتمدة في استنباط الأحكام لدى كل مذهب، فكان المذهب المالكي أكثر اتساعا، كما يتضح ذلك من استعراضها فيما يلي: أصول مذهب مالك: ذكر أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي (ت 765 هـ) - في كتابه (الحلال والحرام) عن شيخه أبي محمد صالح (ت 631 هـ) - أن الأصول التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر: نص الكتاب، وظاهر الكتاب (وهو العموم)، ودليل الكتاب (وهو مفهوم المخالفة (¬21))، ومفهوم الكتاب، (وهو مفهوم الموافقة (¬22))، وتنبيه الكتاب، (وهو التنبيه على العلة)، كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ} (¬23) الآية، فإِنه تنبيه على علة الحكم، فهذه خمسة، ومثلها في السنة النبوية والمجموع عشرة. ثم الإجماع والقياس، والاستحسان، وسد الذرائع، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، فهذه ستة عشر. واختلف في (مراعاة الخلاف) هل يعد من أصوله أم لا؟ فمرة يراعيه، ومرة لا يراعيه (¬24). ¬
وزاد بعضهم العوائد: (العرف)، والأخذ بالأحوط، والبراءة الأصلية، وشرع من قبلنا شرع لنا، والمصالح المرسلة، والاستصحاب، والاستقراء (¬25). وقد أورد جملة منها أبو بكر بن العربي في كتابه (القبس، في شرح موطإِ مالك بن أَنس (¬26)). وناقش بعض الأئمة مالكا في هذه الأصول التي اعتبرها مصادر لفقهه، فتصدى الليث (ت 175 هـ) (¬27) للرد عليه - في رسالته المشهورة (¬28)، كما رد عليه الشافعي، إذ أنَّه أنكر عليه الاستحسان، والقول بالمصالح المرسلة، والقول بعمل أهل المدينة (¬29). وذكر ابن السبكي - في (الطبقات) - أن أصول مذهب مالك تزيد على الخمسمائة - ويعنى بذلك القواعد التي استخرجت من فروعه المذهبية، التي تفرعت عن هذه الأصول الستة عشر، أو النيف والعشرين، علما بأن الإمام مالك، لم ينص - في الواقع - إلا على بعض القواعد القليلة، أما الأغلبية منها، فإنها أخذت من طريقته، وطريقة أصحابه في الاستنباط (¬30). وتعليل الأحكام وإدراج كل زمرة تحت القاعدة التي تلائمها. ¬
تدوين القواعد الفقهية
تدوين القواعد الفقهية من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ ظهور هذه القواعد بدقة، وإثبات أطوار الصيغ المتعاقبه على كل قاعدة، ما دامت لم توضع دفعة واحدة ولا في وقت واحد، وإنما تكونت مفاهيمها، وصيغت نصوصها بالتدرج - عبر عصور ازدهار الفقه الإسلامي ونهضته، على يد جهابذة الفقه من أهل التخريج والترجيح استنباطا من دلالات النصوص الشرعية العامة، ومبادئ أصول الفقه، ومراعاة علل الأحكام، إلى أن اكتسبت صيغتها الأخيرة المأثورة: عن طريق التداول والصقل والتحرير. وكانت تسمى - في البداية - أصولا حسبما يذكر القرافي في الفروق: "إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأن أصولها قسمان: - أحدهما المسمى (أصول الفقه) وأغلب مباحثه قواعد الأحكام ... - والثاني هو القواعد الكلية الفقهية، وهي جليلة لها من فروع الأحكام ما لا يحصى (¬31). ولعل أول محاولة في تدوينها ما قام به أبو طاهر الدباس (¬32) - إمام الحنفية وراء النهر - وهو ممن عاش في القرنين: ¬
الثالث والرابع للهجرة - حيث جمع سبع عشرة قاعدة كلية (¬33)، وصار أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) يضيف إليها إلى أن أوصلها إلى 37 قاعدة، (¬34)، ثم جاء الإمام أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (ش 438 هـ) فدون كتابه (تأسيس النظر) ضمنه طائفة مهمة من القواعد الفقهية العامة والخاصة، مع التفريع على كل منها فوائد جمة، واستطرادات كثيرة، وكان لهذا الكتاب صداه البعيد بالغرب الإسلامي (¬35) ثم جاء ابن نجيم (ت 970 هـ) فألف كتابًا هاما سماه (الأشباه والنظائر) ضمنه كثيرًا من القواعد. وأشهر مؤلفات الشافعية في هذا الباب -كتاب "قواعد الأحكام، في مصالح الأنام" للإمام عز الدين بن عبد السلام (ت 660 هـ) الَّذي يعتبر كتابه من أنفس الكتب في تبيان أسرار التشريع وحكمه، وكتاب "الأشباه والنظائر" للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ت 911 هـ). وأشهر من دون القواعد الفقهية من الحنابلة الفقيه عبد الرحمن بن رجب (ت 795 هـ) الَّذي سمى كتابه (القواعد). ¬
أما بالنسبة للمذهب المالكي، فربما كان أول من كتب في ذلك أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ) الَّذي ضمن كتابه (الفروق) ثمانية وأربعين وخمسمائة قاعدة. كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب، ثم جاء بعده أبو عبد الله محمد بن محمد المقري (ت - 758 هـ)، فألف كتابه "القواعد في أصول مسائل الخلاف" استهله بقوله: " ... قصدت إلى تمهيد ألف ومائتي قاعدة، هي الأصول القريبة لأمهات مسائل الخلاف (¬36) ... ". إلَّا أن جملة منها متداخلة، وهي في صيغها - على العموم - غامضة، تحتاج إلى مجهود جبار لتنقيحها وتحريرها، وفكر وقاد لإبراز محتواها العلمي والفقهي. فجاء أبو العباس الونشريسي، فانتقى أهم القواعد، وضمنها هذا المختصر الَّذي أسماه "إيضاح المسالك، إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك". وجمع تحت كل قاعدة - غالبًا - مجموعة هائلة من المسائل والأحكام، بحيث لو تتبعها الباحث لاستخرج منها - وحدها - مجلدًا ضخما من المسائل الفقهية، وربما حاول أن يضفي عليها شيئًا من الوضوح، إلا أن طبيعة القواعد، والمسائل المدرجة تحت كل قاعدة ومحاولة استيعابها - لم تسمح له بذلك. لهذا كلّه، كان هذا الكتاب فريد نوعه، في مادته، ومنهجه كما أشرت إلى ذلك آنفا. ¬
أثر هذه القواعد في الدراسات الفقهية
أثر هذه القواعد في الدراسات الفقهية لقد لعبت القواعد الفقهية دورا هاما في تنظيم فروع الفقه الإسلامي بصفة عامة، وفي التفقه والتفقيه، واكتساب الملكة العلمية بصفة خاصة: بما تقوم به من تصوير بارع للمبادئ الفقهية، وكشف آفاقها الواسعة، وحصر مسالكها المتشعبة، وضبطها لفروع الأحكام العملية بضوابط وقوانين في شكل مجموعات، على أساس اشتراك كل مجموعة في العلل، أو تجمعها وحدة المناط، سواء اختلفت موضوعاتها وأبوابها أو اتحدت. وما أشبه عمل الأصولي بعمل الفقيه في هذا الشأن، إذ الأصولي يعتبر القواعد الأصولية هي المعايير الصحيحة لاستنباط الأحكام الشرعية من منابعها الأساسية، فكذلك الفقيه يعتبر القواعد الفقهية معيارا لتنظيم فروع الفقه، وجمع أحكامها المتنوعة والمتشعبة في زمر متعددة، بمراعاته وحدة المناط؛ وبذا ضبطت مسائل الفقه ضبطا محكما، بحيث لو لم توجد هذه القواعد لبقيت الأحكام الفقهية فروعًا مشتة، تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها في الأفكار وتبرز فيها العلل الجامعة، وتعين اتجاهاتها التشريعية، وتمهد بينها طريق المقايسة والمجانسة (¬37). ¬
ويكفي في أهمية هذه القواعد ما يذكره القرافي في فروقه إذ يقول: " ... وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع؛ وبقدر الإحاطة بها، يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرق، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها: ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب (¬38) ... ". وعلى وجه الإجمال فإن القواعد الفقهية لها أثر بالغ في الدراسات الفقهية ويتجلى ذلك فيما يلي: 1 - أنها تساعد على التفقه، وفهم أسرار التشريع، واكتساب الملكة العلمية؛ باستقصاء كل صور الفقه التي تستلزم إدراجها تحت قاعدة ما. 2 - أنها تسهل على كل باحث، والمفتي - بصفة أخص - تتبع جزئيات الأحكام واستخراجها من موضوعاتها المختلفة، وحصرها في موضوع واحد، وبذلك يتفادى التناقض في الأحكام المتشابهة. ¬
التشريع الحديث، وأثر القواعد الفقهية فيه
3 - تفسح المجال لدارس الفقه من الارتقاء بدراسة الجزئيات إلى دراسة النظريات العامة بطريقة عملية، بحيث يمكن له تطبيق ذلك على كل القضايا المتجددة في التشريع. التشريع الحديث، وأثر القواعد الفقهية فيه: أ- تعريف التشريع وخصائصه: يراد بالتشريع الحديث: "مجموعة من القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية والتي تقسر الدولة الناس على اتباعها - ولو بالقوة عند الاقتضاء (¬39) ". ويبدو من هذا التعريف أن القواعد الفقهية، والقواعد القانونية يتفقان في ثلاث خصائص: قواعد - تنظيم الروابط الاجتماعية - مصحوبة بجزاء. ولكنهما يختلفان من حيث المصدر والشمول، والغاية، والجزاء ... 1 - من حيث المصدر: فالقواعد الفقهية انبثقت - أساسًا - من تشريع إلهي بحيث من المستحيل أن تجد حكما تضمنته من غير أن يكون مستمدا من كتاب الله، أو سنة رسوله عليه السلام، أو مستلهما من روح الشريعة ومقاصدها ... أما قواعد التشريع الحديث، فإنها منبثقة من عقل الإنسان وقوانين الطبيعة -كما يقولون - لذا كان تشريعًا ناقصًا - كواضعه - ما دام لم يستند إلى تشريع إلهي. ¬
ب - أثر القواعد الفقهية في التشريعات الحديثة
2 - من حيث الشمول: القواعد المستمدة من شرع الله أشمل وأعم وأصلح، لكونها ترمي إلى تهذيب سلوك الإنسان مع خالقه، وسلوكه مع الأفراد والجماعة؛ وترسم طريق الإصلاح والصلاح للإنسان في العاجل والآجل ... بينما قواعد التشريع الحديث لا تهتم إلا بتنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم، وعلاقتهم بالجماعة، وبالمصلحة الدنيوية فقط. 3 - من حيث الغاية: القواعد المستنبطة من تشريع الله غايتها تحقيق العدل والعدالة معا، لذا نراها تخاطب وجدان الإنسان، - في حين قواعد التشريع الحديث هدفها تحقيق العدل فقط: إلى غيرها من الامتيازات التي امتازت بها القواعد الفقهية المستنبطة من الشريعة المحمدية، التي سادت جميع الأقطار الإسلامية، وقامت في ظلها حضارة فريدة، لم تعرفها الإنسانية من قبل؛ - علاوة على ما امتازت به مسطرتها القضائية من التبسيط وعدم التعقيد، وما تميز به قضاؤها من سرعة البت والتنفيذ. ب - أثر القواعد الفقهية في التشريعات الحديثة: لقد استمر التشريع الإسلامي متبوئًا عرش القضاء - في البلدان الإسلامية - خلال قرون طويلة، من غير أن ينافسه قانون سابق، أو لاحق، ولم يتزحزح عن مركزه القيادي، إلا بعد الاحتلالات السياسية والعسكرية للأقطار الإسلامية، ومنذئذ
انسحب التشريع الإسلامي من ميدان القضاء، إلا فيما يسمى بالأحوال الشخصية، وترك المجال فسيحًا - قهرًا - للقانون الفرنسي في بعض البلدان، وللقانون الإنجليزي في بعضها الآخر. ولقد حاولت كثير من الدول الإسلامية - بعد أن من الله عليها بالاستقلال - أن تشرع قانونا يلبي احتياجاتها، وضمنته كثيرًا من الأحكام الفقهية؛ إلا تلك التشريعات جاءت على وتيرة الأسلوب الغربي - غالبًا - بحيث لم تتضمن القواعد الفقهية الإسلامية - كمواد تشريعية إلا نادرا، واستثناء من هذه الحالة، نجد بعض التشريعات الحديثة تضمنت قواعد فقهية بنفس الصيفة التي صاغها بها الفقهاء؛ ولعل أول محاولة - من هذا النوع - بدأت بإصدار مجلة الأحكام العدلية، في عهد الدولة العثمانية سنة (1286 هـ) لكانت شبه قانون مدني، يحتوي على (1851) مادة، تتصدرها (99) قاعدة من القواعد الفقهية، في شكل مواد ذات أرقام متسلسلة كالقوانين الحديثة، ثم صدر مرسوم سنة (1293 هـ) يلزم العمل بها، وتطبيق أحكامها في محاكم الدولة؛ وبذلك أصبحت المجلة قانونًا مدنيا عاما منتخبا من الأحكام الفقهية، (¬40) تتوجه القواعد الفقهية بصيغها المأثورة. ¬
إن الشريعة الإسلامية التي ختم الله بها الشرائع السماوية - ما ضاقت نصوصها - يوما - ولن تضيق عن تلبية حاجات الناس كافة، ولا وقفت عقبة في سبيل تحقيق مصلحة أو عدالة، بل نراها وسعت مصالح الناس على اختلافهم، وكفى دليلا على ذلك أن الدولة الإسلامية استظلت برايتها - في عصورها الذهبية - أمم متباينة الأجناس والأديان، ومختلفة العادات والأعراف والأوطان، ورغم ذلك استطاعت أن تنظم شؤون تلك الأمم على أحسن ما يرام، وأوجدت حلولا لكل نزاع أو خصام، وما حدثنا التاريخ - قط - أن المسلمين اضطروا إلى الالتجاء إلى تشريع غيرهم، بل كانوا كلما فتح الله لهم أرضا؛ إلا وفتع العلماء أبوابا من الاجتهاد والاستنباط، وما عجزوا - قط - عن إيجاد حلول لكل ما استجد من مشاكل الحياة، ولا وجدوا أن الشريعة السمحة - أهملت مصلحة من مصالح العباد. فالتشريع الإسلامي الَّذي أصلح أول الأمة - وجعلها خير أمة أخرجت للناس - كفيل أن يصلح آخرها - إن هي عادت إلى كتاب الله، واستلهمته في وضع قوانينها وأحكامها، وآمنت إيمانا عمليا بقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنِ احْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (¬44) "، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (¬45) ... " وقوله: " {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَينَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (¬46) ... ". ¬
تحقيق الكتاب
تحقيق الكتاب حينما اخترت كتاب "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" -لأبي العباس الونشريسي- موضوعًا جامعي، وجب علي أن أقرأ الكتاب قراءة مقارنة، وكان البحث عن أصول الكتاب المخطوطة وصلتها بالمؤلف، من أولى الخطوات في هذا السبيل، وأعني بالصلة أن تكون النسخة مخطوطة المؤلف، أو مقروءة عليه - تحمل دليلا على هذه القراءة، أو مكتوبة على نسخة مباشرة، أو بواسطة معارضتها عليها - على الأقل. ولكن تحقيق هذه الصلة ليس بالأمر الهين، فالزمان بحوادثه - قد ألحق بالجمهرة من عيون التراث الإسلامي ما لا يجهله كل باحث في هذا الميدان، من ألوان التبديد والإفناء. نسخ الكتاب واختلافها: ورغم ذلك، فإن المكتبات - سواء منها العامة أو الخاصة - حفظت لنا نسخًا عديدة منه ومختلفة، ولكنها - وياللأسف - ليست هناك واحدة منها لها صلة بالنسخة (الأم)، والظاهرة التي تطبع هذه النسخ جميعها، أنها كلما كانت أقدم صدورا عن المؤلف، كانت أوجز وكلما كانت حديثة العهد بالمؤلف، كانت أكثر تفصيلا للمسائل، وأوسع استيعابًا للنوازل. وعلى وجه التقريب، يمكن أن نقسم النسخ التي صدرت عن المؤلف إلى أصول ثلاثة:
1 - أصل قديم الصدور عن المؤلف - وهو موجز. 2 - أصل متوسط يزيد قليلا عن سابقه، وينقص الكثير من التفصيلات عن الَّذي يليه. 3 - ثم حديث العهد بالمؤلف. ويقوم هذا الكتاب على أن هناك أما أولى لهذه النسخ جميعا، وهي التي كتبها المؤلف - وهو بالجزائر - في حدود سنة (870 هـ ـ) ولعلها كانت من ضمن ما ضاع من كتبه حين انتهبت داره (¬48)، وعنها تتفرع سائر الأصول التي تتمثل في مجموعات، يسهل تصور أطوارها - عن أصولها وأمهاتها في الرسم التالي: النسخة الأم: • فرع قديم -> نسخة ت • فرع متوسط -> عقيم • فرع حديث -> [نسخة (الأصل) (د)، نسخة ق، نسخة خ] ¬
والذي يظهر أن الأصل الحديث من هذه الأصول، هو الَّذي بقي بين يدي المؤلف حتَّى الأيام الأخيرة من حياته، فظل التنقيح يلاحقه، وأضاف إليه كثيرًا من المسائل والفروع؛ وبذلك أصبح ناسخًا للأصول التي كانت قبله، معبرًا عن الصورة الأخيرة للكتاب. ومن هنا كان البحث عن الأصول الحديثة - أساسا أوليا لتحقيق هذا الكتاب. أما الأصول القديمة والمتوسطة، فقد نسخها ما جاء بعدها من الأصول: ولذلك أسقطتها من الحساب، حتَّى لا أثقل الكتاب بكثير من الحواشي بدون فائدة. والنسخ التي اعتمدتها في تحقيق هذا الكتاب ثلاث: الأولى: صورة عن نسخة مخطوطة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط رقم (د - 2611) وهي التي اعتبرتها الأصل، لأنَّها مقابلة على نسخة مصححة لأبي محمد عبد الواحد الونشريسي (¬49) (ولد المؤلف)، وقد كتبت في حياته (¬50) وليس فيها أي بتر، عدا تآكل حرف أو حرفين من بعض سطروها الأوائل - في بعض لوحاتها، وقد كتبت بخط مغربي جميل، ودقيق للغاية، استوعبتها ثلاث عشرة لوحة. مقياسها (18× 12) سم، سطورها (37) غالبا، في كل سطر نحو ثلاث وعشرين كلمة. الثانية صورة عن نسخة مخطوطة مودعة بالخزانة العامة بالرباط رقم (76 - ق) وهي التي أرمز لها بحرف (ق) وقد ¬
منهج التحقيق والمصطلحات
كتبت بخط مغربي عادى سنة (963 هـ). وهي في سبع وعشرين لوحة، مقياسها (15 × 15) سم. سطورها ما بين (25 و 27)، وفي كل سطر ما بين (15 و 18) كلمة. الثالثة صورة عن نسخة مخطوطة خاصة، انفردت بزيادات لا توجد بغيرها، وهي التي أرمز لها بحرف (خ). وقد كتبت بخط مغربي واضح - نسبيًا - وعدد لوحاتها أربع وعشرون، ومقياسها (17 × 11) سم، سطورها (25) غالبا، وفي كل سطر ما بين 19 و 22 كلمة. منهج التحقيق والمصطلحات: والمنهج الَّذي اخترته لتحقيق الكتاب يتمثل في - محاولتي - إخراج النص كما أراده المؤلف: أو قريبا من ذلك على الأصل - ومحاولتي - إرجاع كل نص إلى أصله، وذكر القول الراجح، أو المشهور في كل مسألة خلافية - ما وسعنى ذلك. وربما عززت ذلك ببعض الأحاديث والآثار وقد أعطيت للقواعد أرقاما متسلسلة، وضعتها في عناوين جانبية، مفصولة بهلالين عن النص. "" وجعلت أسفل المتن حاشيتين: إحداهما للفروق، وهي خاضعة لحروف (أبجد ... ) وربما أثبت في صلب المتن بعض زيادات انفردت بها إحدى النسخ، أو اقتضاها المقام، وجعلتها بين قوسين (). والحاشية الأخرى خصصتها للتعاليق، ورمزت لها بالأرقام العربية (1 - 2 - 3).
وترجمت للأعلام الواردة في النص تراجم مقتضبة، مكتفيا بالإحالة على مصادرها، لمن أراد الاستيعاب، وبينت أرقام الآيات وسورها. وبالنسبة للمصادر اكتفيت بالإشارة إلى الجزء والصفحة - في التعاليق - ورمزت بحرف (ج) للجزء من كتاب ذي أجزاء متعددة. وبحرف (ص) للصفحة، وأحيانا أكتفي بذكر رقم الجزء، ورقم الصفحة فقط، مفصولا بينهما بخط مائل هكذا مثلًا - (الحطاب 4/ 99). وإذا كان الكتاب طبع على الطبعة الحجرية، فأرمز بحرف (م) للملزمة، وبحرف (ص) للصفحة. أما الكتب المخطوطة، فأذكر بدل الصفحة (الورقة) - في المخطوط - و (اللوحة) في المصور منها. وتفاديًا للتكرار اكتفيت بإثبات عناوين المصادر ومؤلفيها، والمطبعة، ومكان وتاريخ طبعها ... في فهرس مصادر التحقيق. ووضعت فهارس مفصلة آخر الكتاب تلقي أضواء كاشفة عن موضوعاته وأبحاثه. أحمد بو طاهر الخطابي الرباط فاتح صفر 1398 18 يناير 1978
مقدمة المؤلف
"مقدمة المؤلف" "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" بسم الله الرحمن الرحيم صلى (أ) الله على سيدنا ومولانا (ب) محمد، وعلى (ج) إله وصحبه وسلم. قال الشيخ الفقيه الإمام العالمُ العلامة المدرس، أبو العباس: أحمد بن يحيى بنِ محمد بن عبد الواحدِ بنِ علي الونشريسي -رحمه الله-: الحمد لله الَّذي أعلى دين الهدى والحق على كل (¬1) الدين (5)، الحكم العدلِ العلي المبين، والصلاة والسلام الأكملان على سيدنا ومولانا محمدٍ النبي المهيمنِ الأمينِ، خاتمِ الأنبياء والمرسلين، وسيدِ الأمة وكافةِ الخلقِ أجمعين، وعلى آله وأزواجه وذريته المقربين الأكرمين، وأصحابه وحزبِهِ وعِتْرته (¬2) وعشيرته الاقربين (¬3)؛ صلاةً وسلامًا نجدهما يوم الدين. وبعد: _______ (أ) ق (وصلى) ممحوة في خ. (ب) ساقطة في ق. (ج) ساقطة في ق. (د) خ "دين"، وربما كانت أنسب. ¬
فإنك سألتَ أيها الفاضل الشريف، الرفيع القدر الأعلى المنيف؛ وَصَل الله سعدَك، ويَمَّنَ قصْدَك، وحَرسَ كنَفك (¬4)، وأعزَّ الأثيل (¬5) شرفك؛ وأجملَ - بمنه (أ) صَوْنَك، وأحسن على ما رمتَه من التحصيل عوني وعونك؛ -: أن أجمعَ لك تلخيصًا مهذب الفصول، محكمَ المباني والأصول (¬6): يسهل عليك أمره (¬7)، ويخِف على الأسماع والقلوب ذكره؛ فكلَّفتني من ذلك عقبةَ لا يقطعها بازل (¬8)، فكيف بمن عن (ب) سنّه نازل؟ وإذا صادفت الوقت في تقاسم بال، وتمانع أحوال، وتعذُّر آمال؛ وملازمة أفكار وتوفُّر أنكاد (¬9)، تذهب الرأي السديدَ أو تكاد! _______ (أ) ساقطة في خ. (ب) خ (سنه عن سنه) - بزيادة (سنه). ¬
إلى الله منها الشكوى والمفزَع، فعساه يجيب الدعاء ويَسمَع. {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (¬10) "إذا استدعاه، لا إله إلا هو ربي، عليه توكلت وهو حسبي (¬11). لكن المسارعةَ إلى مرضاة شرفِك الواضح الجبين، من الحق الواجب المتحتم المبين: فجمعت لك - هنا (أ) - هذا النزرَ الَّذي سمح به الفكر الموزع، والقلب الكسير (¬12) المجزع (¬13): معتمدا في قبوله وملاحظته بعين الرضى والإغضا (¬14)، وسلوك السنن الأَجمل الأَرضى؛ - على جميلِ أوصافك، وحسنِ إنصافك؛ وسميته بـ (إيضاحَ المسالك إلى قواعد (¬15) الإِمام _______ (أ) ساقطة في ق. ¬
أبي عبد الله مالك" (¬16)، ومن الله أسأل المثوبةَ عليه، والتوفيقَ للأَعمال الصالحة التي تقرب إليه: وهو المسؤولُ أن يجعلنا ممن أحبَّ في ذاته وودَّ وعقد على المصافاة في مرضاته وشدَّ، وسعى في كون صلته طاعة لله وجدّ (¬17)؛ لا إله إلا هو السميع البصيرُ، فنعم المولى ونعم النصير. ¬
(القاعدة الأولى) الغالب هل هو كالمحقق أم لا؟
(القاعدة الأُولى) الغالب هل هو كالمحقق أم لا؟ (¬1) وعليه سؤر ما عاداته استعمال النجاسة (¬2)، ولباس الكافر، وغير المصلي (¬3) (وإرسال الجارح وليس في (أ) يده) (¬4) ومن أدرك الصيد منفوذ (¬5) _______ (أ) ما بين قوسين زيادة من نسخة (خ) وهي من أمثلة ابن الحاجب في مختصره والمقري في قواعده - وهما من المصادر الأُولى التي اعتمدها المؤلف في هذا الكتاب ولذا أثبتها في الصلب، وجعلتها بين هلالين. ¬
المقاتل وظن أنَّه المقصود (¬6)، أو اشترك (¬7) مع معلم (ب) وظن أن المعلم القاتل (¬8)، ومن علق الطلاق بالحيض (¬9) أو الحمل في التنجيز والتأخير. _______ (ب) خ - (مع غير المعلم). ¬
(القاعدة الثانية) المعدوم شرعا هل هو كالمعدوم حسا أم لا؟
(القاعدة الثانية) المعدوم شرعا هل هو كالمعدوم حسا أم لا؟ (¬1) وعليه إذا تجاوز الرعاف الأنامل العليا هل يعتبر في الزائد قدر الدرهم أو أكثر أم لا؟ (¬2) وإذا فقد الحاضر الماء - وقلنا ليس من أهل التيمم (¬3) - قال التونسي (¬4): يجرى على حكم من لم يجد ماء ولا ترابا (¬5)، وإذا قتل محرمًا صيدا فهو ¬
ميتة (¬6)، خلافا للشافعي (¬7)، وإذا حلف ليطأنها فوطئها حائضا (¬8)، أو ليتزوجن فتزوج تزويجا فاسدا، أو ليبيعن العبد أو الأمة فباعهما بيعا فاسدا، أو ألفيت حاملا (¬9)، أو حلف ليأكلن هذا الطعام ففسد ثم أكله (¬10)، أو حلف على فعل معصية من قتل، أو شرب، ثم تجرأ وفعله (¬11)، وإذا جار في القسم فلا يحاسب ¬
ويبتدئ، (¬12) واستقرى (¬13) اللخمي (¬14) خلافا (¬15) (أ)، ولا يحلل وطء الحائض (¬16) ولا يحصن، ولا يوجب رجعة، ولا يكون فيئة - خلافا لعبد الملك (¬17)، وعليه عدم انتقال ضمان المشترى فاسدا إلى المشتري (¬18) - ولو فات المبيع بيده، كوديعة عنده (¬19). _______ (أ) خ (خلافه). ¬
(القاعدة الثالثة) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الموجود شرعا هل هو كالموجود حقيقة أم لا؟
(القاعدة الثالثة) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الموجود شرعا هل هو كالموجود حقيقة أم لا؟ (¬1) وعليه إذا صلى الإمام الراتب وحده، هل لا يعيد ولا يجمع في مسجده لتلك الصلاة أم لا؟ (¬2) وصرف ما في الذمة، (¬3) ثالثها المشهور - إن حل (¬4) أو كان حالا - جاز. ¬
(القاعدة الرابعة) انقلاب الأعيان، هل له تأثير في الأحكام أم لا؟
(القاعدة الرابعة) انقلاب الأعيان، (¬1) هل له تأثير في الأحكام أم لا؟ (¬2) وعليه الخمر إذا تخلل أو تحجر (¬3)، ورماد الميتة، والمزبلة، (¬4) ولبن الجلالة، وبيضها، وعرقها، وبولها، ¬
ولحمها، (¬5) وعرق السكران، ولبن المرأة الشاربة، (¬6) والزرع والبقول تسقى بماء نجس، (¬7) وعسل النحل الآكلة للعسل المتنجس (أ) (¬8) وقطرة الحمام (¬9) - وهي كثيرة جدًّا. _______ (أ) في جميع النسخ (المنجوس) والتصويب من شرح المنحور. ¬
(القاعدة الخامسة) المخالط المغلوب هل تنقلب عينه إلى عين الذي خالطه، أو لا تنقلب، وإنما خفى عن الحس فقط؟
(القاعدة الخامسة) المخالط المغلوب هل تنقلب عينه إلى عين الذي خالطه، أو لا تنقلب، وإنما خفى عن الحس فقط؟ (¬1) وعليه الخلاف في مخالطة النجاسة بقليل (أ) الماء، (¬2) أو بكثير الطعام المائع؛ (¬3) وبالأول (¬4) قال أبو حنيفة، (¬5) وبالثاني (¬6) قال الشافعي (¬7) - رضي الله عنهما. _______ (أ) ق - (لقليل) ولعلها أصوب. ¬
وعليه الخلاف أيضًا في اللبن المخلوط بغيره، إذا كان اللبن مغلوبا وغيره غالبا؛ ومذهب ابن القاسم (¬8) وأبي حنيفة لغوه وعدم انتشار الحرمة به، (¬9) ومذهب أشهب (¬10) والشافعي (¬11) اعتباره ونشر الحرمة به (أ) (ب). (¬12) _______ (أ) ساقطة في (خ). ¬
(القاعدة السادسة) العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها أم لا؟
(القاعدة السادسة) العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها أم لا؟ وعليه الخلاف إِذا زال تغير النجاسة، (¬1) وصحة النكاح بصحة الناكح في المرض قبل الفسخ، (¬2) ولزوم النزول بعد الراحة في ركوب الهدى، (¬3) وإباحة الشبع أو الاقتصار على سد الرمق في المضطر لأكل الميتة، (¬4) وإذا باع الشقص الذي يستشفع به، (¬5) وإذا عتق العبد قبل أن تختار، (¬6) وإذا طلق على الزوج بجنون أو جذام أو برص - ثم برئ في العدة، وإذا ¬
شرط لزومته إن غاب عنها أزيد من ستة أشهر فأمرها بيدها فغاب ثمانية أشهر فلم تقض حتى قدم، وإذا أحضر ضامن الوجه مضمونه بعد الحكم وقبل الغرم، (¬7) وإذا بتَّل في مرضه تبرعا ثم صح، (¬8) وإذا لم يعلم السيد بنكاح عبده حتى باعه، (¬9) أو الزوج بتبرع زوجته بأكثر من الثلث حتى تأيمت، (¬10) وغير ذلك. (تنبيه) لم يختلفوا إذا زال العيب قبل الرد - أَن لا رد، (¬11) كما لم يختلفوا إذا بطلت رائحة الطيب أنه لا يباح بعد الإحرام، لأن حكم المنع قد ثبت فيه - والأصل استصحابه، (¬12) وليس من (أ) هذا الأصل نكاح المحرم والموافق لنداء الجمعة، _______ (أ) ساقطة من (خ). ¬
لأن المنع فيهما لنفس الإحرام والوقت، لا لأمر بان عدمه؛ - قاله ابن رشد، (¬13) وانظر إذا تحمل الأب الصداق عن ابنه في مرضه، وفرعنا على أحد قولي مالك بفساد النكاح، ثم صح الأب؛ هل يجري فيه من الخلاف ما في نكاح المريض إذا صح أم لا؟ في ذلك نظر واضطراب (¬14). ¬
(القاعدة السابعة) الظن هل ينقض بالظن أم لا؟
(القاعدة السابعة) الظن هل يُنقض بالظن أم لا؟ وعليه تغيُّر الاجتهاد في الأواني، والثياب، والقبلة، (¬1) والحُكم، والفتوى (¬2). (تنبيهان): الأول: قال ابن الحاجب (¬3) - في مختصر "منتهى السول والأمل" (¬4) -: لا ينقض الحكم في الاجتهاديات منه ولا من غيره. - باتفاق - للتسلسل، فتفوت مصلحة نصب الحاكم (¬5). ¬
وفي مختصره الفقهي (¬6): فلو حكم قصدا فظهر (أ) أن غيره أصوب، فقال ابن القاسم: "يفسخ الأول، وقال ابن الماجشون، وسحنون (¬7): لا يجوز فسخه، وصوبه الأئمة (¬8) ". فتأمل ما يكون جوابا عن معارضة نقليه (¬9). الثاني: حكم الحاكم، ينقض في أَربعة أشياء: - إذا خالف الإجماع، أو القواعد، أو القياس الجلي، أو النص الصريح (¬10)، _______ (أ) - ق - (فظن). ¬
(القاعدة الثامنة) الواجب الاجتهاد أو الإصابة؟
(القاعدة الثامنة) الواجب الاجتهادُ أو الإصابة؟ (¬1) وعليه الخطأ في القبلة، (¬2) ومساكين الزكاة والكفارة، (¬3) وجزاء الصيد، (¬4) وفدية الأذى، (¬5) وخطأ الخارص، (¬6) ومن ظن فراغ الإمام بعد غسل دم الرعاف فأتم مكانه ¬
ثم أخطأ ظنه، (¬7) ومن تحرى صلاة الإمام وذبحه ثم تبين الخطأ، هل يجزيه ذبحه أم لا؟ . (¬8) وهي قاعدة: (¬9) الحكم بما ظاهره الصواب والحق، وباطنه خطأ وباطل؛ هل يغلب حكم الظاهر على حكم الباطن فتنفذ الأحكام، أو يغلب حكم الباطن على حكم الظاهر فترد الأحكام؟ وعليها ما ذكره في استحقاق المدونة في الموصي ينكشف أنه مملوك بعد نفوذ وصاياه وحكم برقه (¬10). ومن حُكم لموته فجاء حيا، (¬11) أو حُكم بشهادة من اعتقد أنه عدلٌ، ثم ثبت بعد الحكم أنه كان مستجرحًا هل ينقض الحكم أم لا؟ (¬12) وإذا باع القاضي سلع رجل غائب في دين قضاه لمن أثبت الدين على الغائب، ثم أتى الغائب فأثبت ¬
أنه قد قضى الدين؛ هل يأخذ سلعه بغير ثمن أو بثمن؟ (¬13) - وسيأتي من فروع هذه القاعدة مزيد بيان (¬14) - إن شاء الله تعالى. (تنبيه (¬15)) - قيد الشيوخ الخلاف في مسألة الزكاة فيما إذا ظهر أن آخذها غير مستحق، كالغني، والعبد، والكافر؛ - بما (أ) إذا كان دافعها لهم ربها. وأما إن كان المتولي لدفعها لكل واحد من هؤلاء - الإمام، فإنها تجزئ ولا غرم عليه ولا على ربها، لأنها محل اجتهاد، واجتهاده ماض نافذ. _______ (أ) ساقطة في ق. ¬
(القاعدة التاسعة) النسيان الطارئ هل هو كالأصلي أم لا؟
(القاعدة التاسعة) النسيان الطارئ هل هو كالأصلي أم لا؟ وعليه لو رأى نجاسة (في ثوبه) (أ) في الصلاة ثم نسيها، (¬1) وإذا ذكر الموالاة ثم نسيها، (ب) (¬2) ومن أُمر أن يعيد في الوقت فنسى بعد أن ذكر. (القاعدة العاشرة): كل مجتهد في الفروع الظنية مصيب، أو المصيب واحد لا بعينه؟ اختلفوا فيه، ومن ثم أجمعوا (¬3) على إجزاء (ج) صلاة المالكي خلف الشافعي وبالعكس - وإن اختلفا في مسح الرأس وغيره من الفروع. _______ (أ) ق زيادة (في ثوبه) وهي الأنسب. (ب) جملة (وإذا ذكر الموالاة ثم نسيها) ساقطة في - خ -. (ج) كلمة (إجزاء) ساقطة في - خ -. ¬
(تنبيه) - قد تقرر مذهبا أنه لا يجوز تقليد أحد المجتهدين للآخر في مسألة القبلة والأواني، (¬4) وجاز ذلك في أكثر المسائل الفرعية، قيل إن الشافعي -رحمه الله سئل عن هذه المسألة، فقيل له: لم جاز أن يصلي المالكي خلف الشافعي وبالعكس- وإن اختلفا في كثير من المسائل والفروع، ولم يجز لكل واحد من المجتهدين في الكعبة (¬5) والأواني - أن يصلي خلف المجتهد الآخر؟ فسكت ولم يجب عن ذلك؛ وأجاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام (¬6) -رحمه الله تعالى- عن ذلك بأن قال: "الجماعة للصلاة مطلوبة للشارع، فلو قلنا بالامتناع من الائتمام خلف من يخالف في المذهب؛ - لأدى إلى تعطيل (أ) الجماعات إلا في حالة القلة، أو قلة الجماعات؛ وإذا منعنا من ذلك في القبلة ونحوها، لم يخِلّ ذلك بالجماعة كبير خلل، لندرة وقوع مثل هذه المسائل، وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع؛ وهو جواب حسن. قال القاضي أبو الدعائم _______ (أ) ق (تبطيل). ¬
سندُ بنُ عنان المصري (¬7): "إنما صحت صلاة أرباب المذاهب بعضهم خلف بعض، لاعتقادهم أنهم يفعلون ما اختلفوا فيه؛ فالشافعي مثلًا، وإن لم يوجب إلا شعرة واحدة من مسح الرأس، (¬8) فإنه يمسح المجموع، وكذلك الحنفي، وإن لم يوحب الفاتحة إلا في ركعة (¬9) (فإنه يقرأ في كل ركعة) (أ) قال: ولذا قال ابن القاسم: لو علمت أن أحدا يترك القراءة في الأخيرتين ما صليت وراءه. فائدة: قال الشيخ العلامة الضابط الرحال: أبو عبد الله محمد بن رشيد (¬10) -بضم الراء، وفتع الشين المعجمة- في _______ (أ) عبارة: (فإنه يقرأ في كل ركعة) ساقطة في الأصل و (ق). ¬
(رحلته) - وهو كتاب حسن، عزير النفع، جليل الفوائد؛ (¬11) -: لقيت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، (¬12) أول يوم رأيته بالمدرسة الصالحية دخلها لحاجة عرضت له، فسلمت عليه وهو قائم، وقد حف به جمع من طلاب العلم، وعُرضت عليه ورقة سئل فيها عن البسملة في قراءة (أ) فاتحة الكتاب في الصلاة، وكان السائل - فيما ظننته - مالكيا، فمال الشيخ في جوابه إلى قراءتها للمالكي، خروجا من الخلاف في إبطال الصلاة بتركها، وصحتها مع قراءتها، فقلت يا سدي، أذكر في المسألة ما يشهد لاختياركم، فقال: (وما هو؟ ) فقلت ذكر أبو حفص - وأردت أن أقول (الميانشي) (¬13) فغلطت وقلت. ابن شاهين (¬14) - إنه _______ (أ) كلمة (قراءة) ساقطة في (ق) ح. ¬
قال: صليت خلف الإمام أبي عبد الله المازري، فسمعته يقرأ "لبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ... )، ولما خلوت به، قلت له: يا سيدي سمعتك تقرأ في صلاة الفريضة كذا، فقال: أو قد تفطنت لذلك؟ فقلت له: ياسيدي، أنت اليوم إمام في مذهب مالك، ولا بد أن تخبرني؟ فقال لي: اسمع يا عمر، قول واحد في مذهب مالك، أن من قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" - في الفريضة لا تبطل صلاته؛ وقول واحد في مذهب الشافعي، أن من لم يقرأ "لبسم الله الرحمن الرحيم" بطلت صلاته؛ فأنا أفعل ما لا تبطل به صلاتي في مذهب إمامي، وتبطل بتركه في مذهب غيره - لكي أخرج من الخلاف. فتركني شيخنا - رضي الله عنه - حتى استوفيت الحكاية - وهو مصغ لذلك، فلما قطعت كلامي، قال: هذا حسن، إلا أن التاريخ يأبى ما ذكرت (¬15)، فإن ابن شاهين لم يلق المازري، فقلت: إنما أردت الميانشي، فقال: الآن صح ما ذكرته. انتهى (¬16). تنبيه: ظاهر هذه الحكاية يدل على أن التقليد لا يرفع الخلاف، وهو خلاف ما صرح به شهاب الدين (¬17) ¬
في قواعده، (¬18) وابن عبد السلام (¬19) في شرحه، وذكر حافط المغرب القاضي أبو الفضل راشد (¬20) - في بعض ما قيد في المسألة - قولين: أحدهما أن أحد الخصمين إذا التزم قوك مالك في نفي حكم أو إثباته، أو في نفي ضمان عن أحد الخصمين، وثبوته على الآخر وفي الحادثة قولان: (أحدهما) (أ) أن تراضيهما بذلك، كقول مجمع عليه قد التزماه، وليس لأحدهما نزوع عن ذلك. والثاني، أن الخلاف لا يرفعه من ذلك إلا الحاكم إذا نزع أحدهما وعزاه إلى محمد بن عمر بن لبابة. (¬21) _______ (أ) (أحدهما هذه الزيادة يقتضيها المقام، ولا توجد في أية نسخة من النسخ. لذا جملتها بين قوسين. ¬
وما للمتيطي (¬22) في النكاح والسلم، وغير موضع من هذا النمط معلوم. والقول بمراعاة الخلاف قد عابه جماعة من الفقهاء، ومنهم اللخمي، وعياض، (¬23) وغيرهما من المحققين؛ حتى قال عياض: القول بمراعاة الخلاف (¬24) لا يعضده القياس. وللشيخ المحقق أبي عبد الله بن عرفة (¬25) -رحمه الله- في القول بمراعاة الخلاف جواب كبير يطول بنا جلبه. وأجاب الشيخ شهاب الدين -رحمه الله- عن مسألة الشافعي بجواب ينبني على قاعدة - وهي: أن قضاء القاضي متى خالف ¬
إجماعا، أو قياسا جليا، أو نصا صريحا، أو القواعدة فإنا ننقضه (¬26) كما سلف تقريره (¬27). فإذا كنا لا نقر حكما تأكّد بقضاء القاضي، فأولى أن لا نقره إذا لم يتأكد؛ فعلى هذا لا يجوز التقليد في حكم هو بهذه المثابة لأنا لا نقره شرعا، وما ليس بشرع لا يجوز التقليد فيه؛ فعلى هذه القاعدة كل من اعتقدنا أنه خالف الإجماع، لا يجوز تقليده؛ فإذا كانت القاعدة هذه، حصل الفرق باعتبارها، وبيانه بذكر أربع مسائل. تأمل تمامه في الفرق السادس والسبعين (¬28). تنبيه: قد نظم بعض النبلاء المواضع الأربعة التي ينقض فيها حكم الحاكم فقال: إذا قضى حاكم يوما بأربعة ... فالحكم منتقض من بعد إبرام خلاف نص وإجماع وقاعدة ... ثم قياس جلي دون (أ) إبهام _______ (أ) الأصل (قدك إفهام) خ (دون إبرام). (ق) (دون إبهام) وهي الصواب. ¬
(القاعدة الحادية عشرة) العصيان هل ينافي الترخص أم لا؟ (أ)
(القاعدة الحادية عشرة) العصيان هل ينافي الترخص أم لا؟ (أ) وعليه تيمم العاصي بسفره وقصره وفطره وتناوله الميتة، (¬1) ومسح المحرم العاصي بلبسه (¬2). _______ (أ) - (تأخير). ¬
(القاعدة الثانية عشرة) الدوام على الشيء هل هو كابتدائه أم لا؟
(القاعدة الثانية عشرة) الدوام على الشيء هل هو كابتدائه أم لا؟ (¬1) وعليه خلاف القابسي، (¬2) وابن أبي زيد (¬3) فيمن أحدث قبل تمام غسله، (¬4) ثم غسل ما مر من أعضاء وضوئه ولم يجدد نية؛ (¬5) وإذا حلف لا دخل الدار - وهو فيها، أو لا ركب ¬
الدابةَ وهو عليها، أو لا لِبس الثوب وهو لابسه؛ (¬6) أو اقتدى مريض بمثله فصح المقتدي، (¬7) أو قال إذا حملت فأنت طالق - وهي حامل، (¬8) أو فاته الوقوف بعرفة بخطإ في العدد، أو مرض، أو عدم دليل، أو رفيق، أو مركوب؛ فأراد التحلل بأفعال العمرة فتراخى إلى أشهر الحج من قابل، فإنه لا يتحلل؛ فإن تحلل فقال ابن القاسم: يمضي، وقال أيضًا: لا يمضي تحلله، وهما على القاعدة: فعلى أن الدوام كالابتداء فلا يمضي تحلله، وعلى أن لا، فيمضي. (¬9) أو اشترى زوج أمه، أو زوجة أبيه، ولزوم النزول عن الهدى بعد الراحة، (¬10) ووجود الطول بعد نكاح الأمة، (¬11) والماء بعد التيمم، (¬12) ¬
والإحرام بعد الصيد، (¬13) وكالحدث، فلا يبنى عند الجمهور (¬14)، والخبث في قول المالكية المشهور؛ (¬15) وضمان المغصوب هل يضمن بأرفع القيم؟ كما يقوله ابن وهب، (¬16) وأشهب، وابن الماجشون - بناء على أنه في كل حين كالمبتدئ للغصب، فهو ضامن في كل وقت ضمانا جديدا؛ أو إنما يضمن يوم الغصب كما يقوله المشهور - بناء على أن الدوام ليس كالابتداء؟ . ومن أسلم - وتحته مجوسية أو أمة كتابية (¬17). . (تنبيه) لم يجعلوا الدوام كالإنشاء في البناء في الرعاف، لأنه رخصة؛ (¬18) ولا في طرو اليسر بعد صوم أيام من كفارة الظهار؛ (¬19) وجعلوه كالإنشاء فيمن ألقت الريح الطيب ¬
عليه وتراخى في إزالته وهو محرم، (¬20) وفيمن رأى مصحفا في نجاسة ولم يرفعه مختارا في أنه ردة. (¬21) وانظر إذا أخذ العبد الزكاة ولم تزل بيده إلى أن عتق وبقيت عنده بعد العتق، هل تجزيه - بناء على أن الدوام كالابتداء، أولا؟ (¬22). وإذا عجل الزكاة قبل الحول بكثير، وبقيت إلى حلول الحول؛ (¬23) وقالوا في الفقير يأخذها ثم يستغني: إنه لا يردها - نظرا إلى أن الدوام ليس كالابتداء، (¬24). وقالوا في الغارم يأخذها لقضاء دينه ثم يستغني قبل أدائه -: إشكال. (¬25) قال اللخمي: ولو قيل تنزع (أ) منه، لكان له وجه (¬26). _______ (أ) خ (تنتزع). ¬
(القاعدة الثالثة عشرة) الأصغر هل يندرج في الأكبر أم لا؟
(القاعدة الثالثة عشرة) الأصغر هل يندرج في الأكبر أم لا؟ (¬1) وعليه إجزاء غسل الرأس عن مسحه (¬2)، والغسل عن الوضوء، (¬3) وإخراج بعير عن خمسة أبعرة، (¬4) واندراج عهدة الثلاث ¬
في السنة، (¬5) والعمرة في الحج للقارن، (¬6) ودية الأعضاء في النفس، ومن لزمته حدود وقتل، (¬7) ومن شفع الإقامة غلطا. قال المازري عن بعض أصحابنا - وعزاه ابن يونس لأصبغ؛ بالإجزاء، والمشهور لا، (¬8) وإذا أبان الرأس في الذبح، (¬9) وإخراج زكاة الفطر بالمد الأكبر. ¬
(تنبيه): وليس من هذه المسائل من فرضه التيمم، فتجشم المشقة واغتسل بالماء؛ ولا من فرضه الفطر فصام، ولا من فرضه الإيماء فسجد (¬10) على الجبهة؛ خلافا لبعض الأئمة واعتل بأنه كان منهيا عن ذلك، والمنهي عنه لا يجزئ عن المأمور. ¬
(القاعدة الرابعة عشرة) ما قرب من الشيء هل (أ) له حكمه أم لا؟
(القاعدة الرابعة عشرة) ما قرب من الشيء هل (أ) له حكمه أم لا؟ (¬1) وعليه العفو عما قرب من محل الاستجمارا (¬2) وتقدم العقد على الإذن بالزمن اليسير، (¬3) ولزوم طلاق المراهق وحده وقتله، واعتبار إسلامه وإسهامه، وصحة إنكاحه وليته لقربه من البلوغ، وتسلف أحد المصطرفين بخلاف تسلفهما معا _______ (أ) خ - يعطى حكمه. ¬
لطول الأمر فيه غالبا. (¬4) وتقديم الزكاة قبل الحول بيسير، (¬5) والنية قبل محلها في الوضوء، (¬6) والصلاة بيسير (¬7) ¬
وإفادتة المبيع بالثنيا (¬8) والعهدة والخيار (أ) (¬9) بعد زمنهما بيسير، (¬10) وتعدي المكتري المسافة بالشيء اليسير، (¬11) وإذا _______ (أ) خ - (والخيار والعهدة). ¬
أرسل بقرب الحرم على صيد فقتله قبل أن يدخل الحرم، (¬12) وتأخر (أ) رأس مال السلم اليومين (ب) والثلاثة (¬13) والمعين إليها، (¬14) والمكتري يدعي دفع الكراء بعد انقضاء الوجيبة بيسير، (¬15) والشريك في الزرع يدعي الدفع لشريكه بعد رفع الإصابة بيسير، والصانع يدعي بقرب دفع المصنوع إلى ربه كاليومين ونحوهما أنه لم يقبض الأجرة، (¬16) والوكيل يدعي _______ (أ) خ - (تأخير). (ب) خ - زيادة (اليوم). ¬
الدفع لموكله بحدثان الوكالة، (¬17) والوصي يدعي الدفع للوارث بعد الإطلاق بالزمن اليسير (¬18) وإذا أسلم الوكيل السلعة للموكل؛ ثم زعم بالقرب من زمن تسليم السلعة للموكل أنه زاد فيها زيادة تلزم الآمر (¬19) فإنه يقبل منه، وإن ادعاه بعد طول لم يقبل منه، وإذا زاد الوكيل في الثمن زيادة يسيرة (أ) فأنه لازم للآمر، بخلاف إذا نقص اليسير من الثمن في البيع؛ _______ (أ) ساقطة من (ق). ¬
والفرق أن الشراء لا يتأتى غالبا بما يحده الآمر حتى لا يزيد عليه شيئًا، وغرضه تحصيل المشتري، ولا يحصل إلا بتمكين الوكيل من زيادة يسيرة بخلاف البيع فإنه لا يلزم الموكل لكونه يتأتى بما حد (أ) له، أو يرد على الموكل ما وكله على بيعه، وقيل النقصان اليسير من الثمن كالزيادة فيه، (¬20) وإذا ابتاع الوكيل سلعة مبيعة عيبا خفيفا يغتفر مثله، فالشراء لازم لموكله إذا كان نظرا وفرصة، (¬21) ويحمل عن الشفيع ما حط للمبتاع إذا كان يشبه حطيطه البيع (¬22). _______ (أ) (ق) حده. (ب) في هامش .. خ: باع. ¬
واستحقاق اليسير من المقوم لا يوجب الفسخ، بخلاف الكثير (¬23)، ويغتفر قطع اليسير من ذنب الأضحية وأذنها (¬24). وإذا صالح على الإنكار ثم استحق ما أخذ المدعي بقرب الصلح فإنه ينتقض، ويرجع على دعواه؛ وإن طال، رجع بقيمته إن كان مقوما، وبمثله إن كان مثليا (¬25) والمرأة تعطي لزوجها (أ) مالا على أن لا يتزوج عليها، أو على أن لا يطلقها، ثم يتزوج، أو يطلقها بالقرب. _______ (أ) ق - "زوجها". ¬
(القاعدة الخامسة عشرة) الأمر هل يقتضي التكرار أم لا؟
(القاعدة الخامسة عشرة) الأمر هل يقتضي التكرار أم لا؟ (¬1) وعليه إذا تعدد الولوغ هل يتعدد الغسل بتعدده أم لا؟ (¬2) وإذا تعدد المؤذنون هل تتعدد الحكاية بتعددهم أم لا؟ والمشهور فيهما نفي التعدد، وإذا تكرر دخول المسجد (¬3) وقراءة السجدة (¬4). ¬
(القاعدة السادسة عشرة) إذا تعارض الأصل والغالب، هل يؤخذ بالأصل أو الغالب؟
(القاعدة السادسة عشرة) إذا تعارض الأصل والغالب، هل يؤخذ بالأصل أو الغالب؟ (¬1) فيه قولان، وعليه في المذهب فروع ومسائل، منها: - الخلاف بين مالك، وابن حبيب في دعوى المبتاع الجهل بالعيب الظاهر، فمالك قبل دعوى المبتاع بيمين، وابن حبيب والموثقون لم يقبلوها إذا كان العيب في موضع ظاهر لا يخفى غالبا (¬2). تنبيه: قال القرافي: هذا ليس على اطلاقه، بل أجمعت الأمة (أ) على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدين _______ (أ) ق - (الأيمة). ¬
ونحوه، فإن القول قول المدعى عليه، وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله، ومن الغالب عليه أن لا يدعى إلا ماله، فهذا الغالب ملغى إجماعا. واتفق الناس على تقديم الغالب وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت، فإن الغالب صدقها، والأصل براءة ذمة المشهود عليه، وألغي الأصل ها هنا بالإجماع عكس الأول، فليس الخلاف على الإطلاق (¬3). ¬
(القاعدة السابعة عشرة) كل عضو غسل يرتفع حدثه أولا إلا بالكمال (أ) والفراغ
(القاعدة السابعة عشرة) كل عضو غسل يرتفع حدثه أولًا إلا بالكمال (أ) والفراغ (¬1) وعليه تفريق النية على الأعضاء، (¬2) ولا بس أحد (ب) الخفين قبل غسل الأخرى عند قوم (¬3). تنبيهات: الأول استشكل ابن راشد (¬4) تصوير مسألة _______ (أ) - خ "بالإكمال". (ب) -خ - (إحدى) وفي الأصل ساقطة. ¬
(أ) تفريق النية على الأعضاء، وذكر عن بعض أشياخه أنه كان ينكر القاعدة التي يبنى عليها خلاف المسألة، ويقول: لا أصل لها. ابن عبد السلام: (¬5) ولا معنى لإنكاره له (ب) بعد نقل جماعة كثيرة، والمسائل الدالة عليه. ابن عمران: (¬6) وما زال الحذاق من الشيوخ يبنون عليه، وتظهر فائدته في مسائل؛ وذلك كاف في ثبوت الخلاف في مثله، وكثير من الأصول في المذهب لا تجد الخلاف منصوصا في أصلها، مع كونهم يذكرون الخلاف ويبنون عليه؛ وذلك مثل (ج) قولهم في عقد الخيار هل هو منحل حتى ينعقد أو بالعكس (¬7). _______ (أ) - ساقطة في (ق). (ب) - خ - (لها). (ج) - ساقطة في (خ). ¬
الثاني أنكر ابن العربي (¬8) وجود القول بأن كل عضو يطهر بانفراده، قال: وإنما تقوَّله الشافعية، (¬9) وهو مع ذلك أصل فاسد، فإنه يلزم عليه أن يجوز مس المصحف لمن غسل وجهه ويديه - وهو خلاف الإجماع، (¬10) وأجاب ابن عرفة - رحمه الله - بأنه لا يلزم، لأنا وإن قلنا بإن كل عضو يطهر ¬
بانفراده، فإنا إنما نعرف ذلك بإكمال الوضوء؛ فإتمام الوضوء كاشف بأن العضو قد طهر، ولا يمس المصحف قبل تبين الكاشف. قال بعض (¬11) حذاق تلامذته: ولا يخفى عليك ما في الجواب من التكلف، ثم هو غير سديد؛ فإن القائل بذلك يرى أن العضو بنفس الفراغ منه طهُر دون انتظار شيء، ولذا أجروا عليه صحة تفريق النية على الأعضاء، واحتجوا له بحديث: إذَا توَضَّأَ الْعَبْدُ فَغَسَلَ وَجْههُ خَرَجَت الْخَطَايا مِنْ وَجهه" (¬12) - الحديث الخ. قالوا: لأن خروج الخطايا من العضو إنما يكون بعد طهارته في نفسه، دون نظر إلى شيء، ويلزم على ما ذكر أن لا يَصدق أن الخطايا خرجت بغسل الوجه. قال: وأَبين من جوابه أن المشترط في مس المصحف طهارة الشخص لا طهارة العضو لقوله تعالى: " {لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ} " (¬13) فالعضو قد طهر بالفراغ منه. ¬
ولا يمس المصحف حتى يطهر الشخص وبنحو هذا أجاب ابن عطية، (¬14) وشهاب الدين (¬15) - والله أعلم. الثالث: استبعد ابن عبد السلام القول بأن الحدث لا يرتفع إلا بالإكمال قال: وهذا يوجب أن بقية الأعضاء لا حدث عليها حتى إنه يجوز للمحدث أن يمس المصحف بغير أعضاء الوضوء، إذ الحدث وارتفاعه إنما يكون فيها وعنها. وألزم عليه أيضًا عدم تأثير (أ) الحدث في الطهارة إلا بعد الفراغ منها، لأنه إذا لم تحصل الطهارة فلا معنى لنقضها، فإذن من توضأ ثم بال بعد غسل الرجل اليمنى لم يلزمه غير غسل الرجل اليسرى، وذلك شيء لا يقال به. _______ (أ) - ق - (تاثر). ¬
(القاعدة الثامنة عشرة) الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطى له حكم مباديه أو حكم محاذيه؟
(القاعدة الثامنة عشرة) الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطى له حكم مباديه أو حكم محاذيه؟ (¬1) وعليه الخلاف في وجوب غسل ما طال من اللحية، والأظفار، وشعر الرأس، (¬2) ونجاسة أعلى القرن، والسن، والظلف، (أ) (¬3) وناب الفيل، (ب) ومسح باطن الأذنين، لأنهما - _______ (أ) (خ) زيادة (والظفر). (ب) (خ) زيادة عبارة (وأكل ما على اللحم من عقد). ¬
في أصلهما كالوردة، وميتة ما تطول حياته في البر من البحر، (¬4) والملح يذوب في الماء، (¬5) وشجرة الحرم يُصاد (ج) ما على غصنها الذي في الحل، وفي عكسه يجب الجزاء باتفاق. (¬6) _______ (ج) (خ) زيادة (لمن) وخ - (يصطاد). ¬
(القاعدة التاسعة عشرة) من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك هل يعطى (أ) حكم من ملك أم لا؟ وهو المعبر عنه: بمن ملك أن (ب) يملك هل يعد مالكا أم لا؟
(القاعدة التاسعة عشرة) من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك هل يُعطى (أ) حكم من ملك أم لا؟ (¬1) وهو المعبر عنه: بمن ملك أن (ب) يملك هل يعد مالكا أم لا؟ وعليه فروع، كمن يقبل التداوي، أو يقدر على التسري في الإسلاس، (¬2) ومن وهب له الماء - وقد تيمم، (¬3) وأَخذ الزكاةَ لمن لا مال له ويقدر على التكسب، (¬4) أو أُجرى عليه _______ (أ) - خ - زيادة (له). (ب) - ق - (أن) ساقطة. ¬
نفقة، (¬5) والمشهور عدم اشتراط القدرة في جواز (أ) أخذها، (¬6) ومن ابتاع عشرة ثياب فاستحق منها ثمانية، فأراد أن يتمسك المشتري بالاثنين الباقيين منها، فإنه منع ذلك في المدونة، وأجازه في واضحة ابن حبيب. (¬7) والخلاف فيها على من ملك أن يملك هل يعد كالمالك أو لا يعد إلا إذا اختار أحد الوجهين اللذين خير بينهما فإن تمسك بالثوبين الباقيين بعد _______ (أ) - خ - (وجوب). ¬
علمه بمقدار ما ينوبهما من الثمن جاز باتفاق القولين (¬8). ومن سرق من الغنيمة قبل القسم، (¬9) وكذلك عامل القراض وجد في حقه سبب يقتضي المطالبة بالقسمة وإعطاء نصيبه من الربح، فهل يعد مالكا بالظهور أم لا (أ) يملك إلا بالقسمة؟ وهو المشهور قولان في المذهب، (¬10) وكذلك إذا باع أحد الشريكين تحقق للشريك سبب يقتضي المطالبة بأن يملك الشقص المبيع بالشفعة. قال القرافي: "ولم أر خلافا في أنه غير مالك" (¬11). تنبيه: قال ابن رشد: وكان شيخنا القرافي ينكر هذه القاعدة ويقول: أرأيت من كانت عنده (ب) خمر وهو يقدر على شربها، وكذلك السرقة (¬12). _______ (أ) - ق - (أو). (ب) - خ - (له). ¬
قال في الفرق الحادي والعشرين والمائة: (¬13) وبيان بطلانها أن الإنسان ملك (¬14) أن يملك أَربعين شاة (فهل) (أ) يتخيل أحد أن (¬15) يعدَّ مالكا (¬16) قبل شرائها حتى تجب عليها الزكاة (¬17) - على أحد القولين، وإذا كان الآن قادرا على أن يتزوج فهل يجري في وجوب الصداق والنفقة عليه قولان - قبل أن يخطب المرأة، (¬18) ولأنه (¬19) ملك أن يملك خادما ودابة، (ب) فهل يقول له أحد أنه يعد مالكا لهما الآن فتجب عليه نفقتهما (¬20) على قول من الأقوال الشاذة أو الجادة؟ ، بل هذا لا يتخيله من عنده أدنى مسكة من العقل والفقه، وكذلك الإنسان ملك (¬21) أن يشترى أقاربه فهل يعده أحد من الفقهاء مالكا لقريبه فيعتق عليه قبل شرائه - على أحد القولين في هذه القاعدة - على زعم من اعتقدها؟ ، بل هذا كله _______ (أ) - ق - زيادة (فهل). (ب) - ق - (أو). ¬
باطل بالضرورة، (¬22) ولا يمكن أن يجعل هذا من قواعد الشريعة - البتة، بل القاعدة التي يمكن أن تجعل قاعدة شرعية - ويجرى الخلاف في بعض فروعها لا في كلها - أن من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك هل يُعطى حكم من ملك أم لا؟ (¬23) - انتهى. تنبيه: لم يجعلوا من فروع القاعدة جبر الغرماء المفلس على انتزاع مال مدبره، ومستولدته، ومعتقه إلى أجل، وما وهب لولده، (¬24) وإن ملك انتزاع ذلك واعتصاره؛ لأن الغرماء لم يعاملوه على أن يلزموه انتزاع ذلك. كما لا يلزمه قبول ما بذل له من المعروف كسلف ووصية وهبة وصدقة، (¬25) وكذلك لم يختلف المذهب فيمن قال لعبده أنت حر - إن شئت - أن له أن يرق نفسه ولا يختار الحرية. ¬
(القاعدة العشرون) الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط
(القاعدة العشرون) الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط ومن ثم وجب الوضوء على من تيقن الطهارة وشك في الحدث، (1) وامتنع القصاص من الأب في قتل ابنه. (2) _______ (1) في المسألة خمسة أقوال، والمشهور وجوب الوضوء. ابن الحاجب: اللوحة (8 - ب): "ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، ففيها فليعد وضوءه .. وقال اللخمي خمسة" -يعني أقوالا خمسة. وانظر التوضيح ج 1 - ورقة 18 - ب. وفروق القرافي ج -1 - ص: 111. وفي التمهيد لابن عبد البر ج - 5 - ص: 26 - 27 قول مالك (من شك في الحدث بعد يقينه بالوضوء فعليه (الوضوء) - لم يتابعه على هذا القول أحد من أهل الفقه - علمته - إلا أصحابه ومن قلدهم في ذلك، وقد خالفه عبد الله بن نافع ... وأجمع العلماء أن من أيقن في الحدث وشك في الوضوء، أن شكه لا يفيد فائدة ... " - انظره. (2) المدونة: ج -6 - ص: 306 "قال مالك: شبه العمد لا أعرفه، إنما هو عمد أو خطأ، ولا تغلظ الدية إلا في فعل المدلجي بابنه، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها، أو بغيرها مما يقاد من غير الوالد فيه، فإِن الأب يدرأ عنه القود، وتغلظ عليه الدية. وذكر ابن هشام في (المفيد) أن الأصل في ذلك قضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المدلجي إذ حذف ابنه بالسيف - أدبا وغضبا - فمات من جرحه .... ". انظر شرح ابن الناظم على التحفة ج 2 - ورقة 165 - أ.
(القاعدة الواحدة والعشرون) الشك في المانع لا أثر له
(القاعدة الواحدة والعشرون) الشك في المانع لا أثر له (¬1) ومن ثم لم يلزم الطلاق، (¬2) والعتاق والظهار وحرمة الرضاع (¬3). ¬
(القاعدة الثانية والعشرون) التقدير بأولى المشتركتين أم (أ) بالأخيرة؟
(القاعدة الثانية والعشرون) التقدير بأولى المشتركتين أم (أ) بالأخَيرة؟ وعليه إذا قدم المسافر، (¬1) أو طهرت الحائض لأربع قبل الفجر (¬2). (القاعدة الثالثة والعشرون) نية عدد الركعات هل تعتبر أم لا؟ وعليه لو نوى القصر فأتم (ب) وعكسه، (¬3)، ومن ظن الظهر جمعة وعكسه (¬4). _______ (أ) -ق - (أو). (ب) - خ - (وأتم). ¬
(القاعدة الرابعة والعشرون) نية الأداء هل تنوب عن نية القضاء وعكسه أم لا؟
(القاعدة الرابعة والعشرون) نية الأداء هل تنوب عن نية القضاء وعكسه أم لا؟ (¬1) وعلى الأول مسألة الأسير إذا التبست عليه الشهور فصام شعبان يعتقد أنه رمضان، (¬2) هل يجزئ شعبان السنة الثانية عن رمضان السنة الأولى أم لا؟ (¬3). ¬
ومن استيقط بعد طلوع الشمس، ولم يعلم بطلوعها فصلى الصبح أداءً، ثم تبين له الطلوع، (¬4) وعلى الثاني (¬5) من صام رمضان عن رمضان (¬6). تنبيه: حكى بعض الشيوخ أن نية الأداء والقضاء في الصلاة لا تشترط اتفاقا، فإذا نوى القضاء في الأداء (أ) أو العكس، ففي البطلان قولان (¬7). _______ (أ) - خ - (الأداء في القضاء). ¬
(القاعدة الخامسة والعشرون) الشك في النقصان كتحققه
(القاعدة الخامسة والعشرون) الشك في النقصان كتحققه (¬1) ومن ثم لو شك أصلى ثلاثا أم أربعا، أتى برابعة، (¬2) أو شك في بعض أشواط (¬3) الطواف أو السعي (¬4) أو شك هل أتى ¬
بالثالثة في الوضوء أم لا؟ (¬5). وفيها (أ) بين الشيوخ تنازع، (¬6) وهل ظن الكمال (ب) كذلك أم لا؟ (ج) (¬7). _______ (أ) خ - (ففيها). (ب) ق - (هذا الكمال). (ج) خ - (أو). ¬
(القاعدة السادسة والعشرون) وهي قاعدة: الذمة إذا عمرت بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين
(القاعدة السادسة والعشرون) وهي قاعدة (¬1): الذمة إذا عمرت بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين ومنها الشك (¬2) في إخراج ما عليه من الزكاة، (¬3) والكفارة، والهدى، وقضاء رمضان، (¬4) والواجب غير المعين ¬
بخلاف المعين (¬5) - على المشهور ومن شك في قضاء ما عليه من الدين، وفي تحليف ربه إذ ذاك (أ) قولان (¬6). _______ (أ) - خ - زيادة (هل يحلف رب الدين إذا شك المدين في القضاء). (¬6) ¬
(القاعدة السابعة والعشرون) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الشك في الزيادة كتحققها (أ)
(القاعدة السابعة والعشرون) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الشك في الزيادة كتحققها (أ) ومنها الشك في حصول التفاضل في عقود الربا، (¬1) والشك في عدد الطلاق، ومذهب الكتاب (¬2) لزوم الثلاث، (¬3) وقيل واحدة رجعية - بناء على أنه تحقق التحريم، وحل الرجعة مشكوك، أو تحقق ملك الثلاث، وسقوط اثنتين مشكوك (¬4). _______ (أ) في سائر النسخ (كتحققه) - وهو تصحيف ظاهر. ¬
(القاعدة الثامنة والعشرون) التخيير في الجملة هل يقتضي التخيير في الأبعاض أم لا؟
(القاعدة الثامنة والعشرون) التخيير في الجملة هل يقتضي التخيير في الأبعاض (¬1) أم لا؟ (¬2) وعليه تبعيض (¬3) الكفارة، وإذا افتتح النفل قائما، ثم شاء الجلوس وفيها قولان لابن القاسم، وأشهب بخلاف العكس (¬4). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة التاسعة والعشرون) كل جزء من الصلاة قائم بنفسه أو صحة أولها متوقفة على صحة آخرها
(القاعدة التاسعة والعشرون) كل جزء من الصلاة قائم بنفسه أو صحة أولها متوقفة على صحة آخرها اختلفوا فيه والأول قول الشافعي، (¬1) وعليه طرو (¬2) العتق في الصلاة لمنكشفة الرأس، (¬3) والنجاسة على المصلي، (¬4) وأمكن السِّتر أو النزع بسرعة: (¬5) هل تقطع أم لا؟ ، (أ) _______ (أ) ق - (أولًا). ¬
وكذلك العريان يجد ثوبا؛ (¬6) وأما لو بلغها (¬7) فقولان (¬8) أيضًا على حكم النسخ، هل يلزم بالوقوع، أو بالبلاغ؛ (¬9) وعليه تصرف الوكيل، والقاضي وأمام الجمعة، وستأتي (¬10). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الثلاثون) الترك هل هو كالفعل أم لا؟
(القاعدة الثلاثون) الترك هل هو كالفعل (¬1) أم لا؟ (¬2) وعليه فروع، كمن مر بصيد وقد رماه آخر، وأمكنته الذكاة وتركها حتى مات، هل يضمن المار أم لا؟ (¬3) ومن قدر على تخليص نفس أو مال؛ ولو بشهادة أو وثيقة أو مواساة واجبة كالشربة، والخيط للجائفة، (¬4) وإرسال فضل الماء، وإعطاء ما يقيم به حائطه من عمد وآجر؛ (¬5) والولي القريب إذا رجع عليه بصداق المرأة لعيبها فألفي فقيرا، ففي إغرامها إياه قولان، (¬6) وما إذا ترك المرتهن كراء الدار ولم يكرها _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حتى حل الأجل، ولكرائها خطب وبال. وما إذا عطل الوصي ربع اليتيم عن الكراء مع إمكانه، أو ترك جنات (أ) محجوره وكرومه، وأرضه حتى تبورت ويبست. وما إذا دفعت إليه دابة وعلفها وقيل له اعلفها واسقها حتى أرجع من سفري فتركها بلا علف حتى ماتت فهل يضمن أم لا؟ قال ابن سهل (¬7): نعم. وفي نوادر الشيخ (¬8) لا (¬9) وقد تجري على الغرور القولي، (¬10) وانظر مسألة السجان والقيد والقفص والسارق والدواب في اللقطة (ب). _______ (أ) خ - (جنة). (ب) (واللقطة). ¬
تنبيه: ولا يختلف في وجوب الضمان إِذا قطع له وثيقة بحق قد ثبت، (أ) وأما إذا لم تثبت (ب) الوثيقة فلا يغرم سوى قيمة الرق قال الشيوخ، (¬11) ودون تلك المسائل أن يقتل شاهدي حق، ولذلك احتمل دون الخلاف فيكون متعديا على السبب، فيضعف الضمان، وهو جار على قاعدة: التعدي على السبب هل هو كالتعدي على المسبب (¬12) أم لا؟ (، ) وعليها في المذهب - مسائل (¬13). _______ (أ) ق - زيادة (له). (ب) خ - (كالمتعدي). (ج) ق - (أو ... ). ¬
(القاعدة الواحدة والثلاثون) النظر إلى المقصود، أو إلى الموجود؟
(القاعدة الواحدة والثلاثون) النظر إلى المقصود، أو إلى الموجود؟ وعليه لو ظن عدم فراغ الإِمام بعد غسل دم الرعاف فصلى مكانه ثم أخطأ ظنه؛ (¬1) أو أَرسل المحرم كلبه على أسد فقتل صيدا، ففي الجزاء قولان؛ (¬2) فمن نظر إلى المقصود أسقط، ومن نظر إلى الموجود - وهو الإرسال - أوجب؛ (¬3) أو تزوج من يظنها معتدة فإذا هي بريئة، (¬4) أو تزوج إمراة زوجها غائب - وهذا الزوج لم يعلم بموت الزوج الغائب، فلم يفسخ نكاحه حتى ثبت أن الزوج الغائب مات وانقضت (أ) عدة الزوجة قبل عقد هذا الثاني نكاحها، هل يمضي النكاح لما صادف محله أو لا؟ (¬5). _______ (أ) خ - (أو). ¬
أو تزوج بخمر فإذا هي خل، نظرا إلى ما دخل عليه أو انكشف الأمر به (¬6)، وكمن دخل خلف من يصلي (أ) الظهر، فإذا به يصلي العصر؛ (¬7) أو صام يوم الشك، فإذا هو من رمضان؛ (¬8) أو افتتح الصلاة متيقنا للطهارة، ثم شك في الصلاة وتمادى عليها، ثم تبين أنه متطهر؛ أو افتتح بتكبيرة الإحرام ثم شك فيها وتمادى (ب) حتى أكمل، ثم تبين أنه أصاب؛ أو قام إلى خامسة في الرباعية عمدا فإذا به قد فسدت عليه ركعة يجب قضاؤها، أو سلم شاكا في إكمال صلاته ثم تبين الكمال. أو شك في دخول الوقت، ثم تبين أنه الوقت، أو حلف على ما لا يتيقنه، ثم تبين الصدق، ومن أفطر يوم ثلاثين من رمضان متعمدا منتهكا، ثم تبين أنه العيد، هل عليه كفارة أم لا _______ (أ) خ - (يظنه). (ب) خ - (أو). ¬
والقولان حكاهما ابن القصار (¬9) وانظر من استهلك لرجل زرعا لم يبد صلاحه، فغرم قيمته على الغرر ثم بعد ذلك نزل ما أذهب زرع جميع البلد أن الغرم لازم، ومن صلى للقبلة بغير اجتهاد ثم صادف (¬10). وهي قاعدة فساد الصحة بالنية (¬11). وعليها لو اشترى عنبا على أن يعصره خمرا، أَو أكرى دارا ممن يبيع فيها الخمر، فصرفه إلى غير الخمر من زبيب أو خل، أو لم يبع حتى انقضت المدة (¬12). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ومسألة ناصح، ومرزوق، (¬13) وحفصة وعمرة، (¬14) ومسألة لو مرت برجل إمرأة في ظلام ليل، (أ) فوضع يده عليها ظانا أنها زوجته فقال لها: أنتِ طالق إن وطئتكِ الليلةَ - فوطئها - فإذا هي غير امرأته، في لزوم الطلاق قولان. _______ (أ) ق - (الليل). ¬
(القاعدة الثانية والثلاثون) المترقبات إذا وقعت، هل يقدر حصولها يوم وجودها وكأنها فيما قبل كالعدم، أو يقدر أنها لم تزل حاصلة من حين حصلت أسبابها التي أثمرت أحكامها، واستند الحكم إليها
(القاعدة الثانية والثلاثون) المترقبات إذا وقعت، هل يقدر حصولها يوم وجودها وكأنها فيما قبل كالعدم، أو يقدر أنها لم تزل حاصلة من حين حصلت أسبابها التي أثمرت أحكامها، واستند الحكم إليها (¬1) - وهي: قاعدة "التقدير والانعطاف". وعليها بيع الخيار إذا أمضى - كأنه لم يزل الإمضاء من حين العقد - في أحد القولين؛ (¬2) والرد بالعيب، كأن العقد لم يزل منقوضا (¬3): وإجازة الورثة الوصية كأنها لم تزل جائزة (¬4) - على الخلاف في هاتين. وتقدير الربح مع أصله - في أول الحول، أو يوم الشراء. في باب الزكاة، (¬5) وصيام التطوع بنية قبل الزوال من اليوم المصوم، فإنه ينعقد الصوم بها عند الشافعي، وأبي _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حنيفة، وتنعطف النية على ما قبل وقتها من اليوم، (¬6) وعليها لو خاصم مستحق الأرض في الإبان، وحكم له بعد ذهابه في كون الكراء للأَول، أَو للمستحق. (¬7) ومن أعتق عبده في سفره ثم قدم فأنكره، وقدم من شهد عليه فحكم عليه، هل يقدر الحكم يوم أعتق أو الآن وقع. تنبيه: قال المازري في مسألة الاستحقاق (¬8) قد يقال: إن مدافعة المستحق إِن كانت بتأويل ووجه شبهة، فإِنه يحسن القضاء بإسقاط حقه في الكراء. وإن كانت المخاصمة له بباطل واضح فإن الكراء يكون له. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وقد حضرت مجلس الشيخ أَبي الحسن اللخمي -رحمه الله - وقد استفتاه القاضي في امرأة دعت زوجها للدخول فأنكر النكاح فأثبتته عليه، فأفتاه بأنه يعتبر مدافعته لها في النكاح هل كان من الزوج بتأويل وشبهة، فلا يطالب بالنفقة أيام الخصام، أو دافعها بباطل واضح فيكون كالغاصب لها حقها في النفقة، فيقضى لها بذلك، وهذا نحو مما أشرنا إليه نحن في هذه المسألة.
(القاعد الثالثة والثلاثون) وعكس هذه القاعدة: قاعدة الظهور والانكشاف
(القاعد الثالثة والثلاثون) وعكس هذه القاعدة: قاعدة الظهور والانكشاف وعليها لو قال لزوجته أنتِ طالق يوم يقدم فلان فقدم نصف النهار فإذا قدم تبين حينئذ أَن الطلاق كان قد وقع في أول اليوم، وانكشف ما كان مستورا، وعلم ما كان مجهولا، فتجري أحكام الطلاق من أول اليوم على حقائقها، (¬1) واسترجاع النفقة المدفوعة إلى المرأة - بناء على ثبوت الحمل وإذا ظهر بعد ذلك أنه كان ريحا على المشهور (¬2). ووجوب رد قسمة ميراث المفقود في أرض الإسلام - في الأجل أو قبله - بعد ما أنفق أولاده على أَنفسهم من ماله. قال مالك فيها: بوجوب رد النفقة، وخولف (¬3). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ومن قال: آخر امرأة أتزوجها طالق، فإنه يكف عن كل امرأة يتزوجها حتى يتزوج أخرى لانكشاف صحة العصمة، لأنها ليست بآخر امرأة، فإذا مات عن امرأة لم يتزوج بعدها غيرها صار الترك والموت كاشفين كونهما آخر امرأة، فاسدنا الآن هذا الوصف إلى حال عقد نكاحها (¬4). وعليها أيضًا من ضمن عن رجل دينا فأدى الغريم إلى غريمه عنه عرضا وسقط ضمان الضامن، ثم استحق العرض من يد الغريم، ولم يوجد المضمون، أو وجد عديما. قال فضل (¬5): نزلت بقرطبة وأُفتيت فيها بأن لا رجوع للغريم على الضامن، لأن الدين إنما لحق بعد انحلال الضامن عن الضمان كالعبد إذا باع سلعة ثم أعتقه سيده، واستحقت السلعة ووقع الحكم بخلاف ذلك فأغرم الضامن. ومنها إذا فلس (أ) الغائب ثم قدم مليا، هل تبقى الديون إلى أجلها أو حكم مضى (¬6). _______ (أ) خ - (أفلس). ¬
ومنها إذا أُحضر ضامن الوجه مضمونه بعد الحكم بغرمه وقبل أن يغرم (¬7). ومنها إذا آلى العبد فوقف شهرين، وأبى أن يفئ فطلق عليه، ثم ثبت أنه حر؛ قال فيها أبو عمران (¬8): الذي يظهر لي أن الطلاق ينتقض، (أ) لأنه ممن أجله أربعة أشهر. ومنها لو غرم الصانع قيمة المصنوع لدعواه الضياع ثم يوجد (ب). صرح ابن هشام (¬9) عن الكافي (¬10). وغيره عن ابن وضاح (¬11) أنه حكم مضى. _______ (أ) ق - (ينقض). (ب) خ - (وجد). ¬
ومنها العبد يهلك فلا يدرى أفي العهدة أو بعدها فترادا الثمن، ثم يأتي العبد. قال ابن رشد (¬12) إن حكم عليهما بذلك حاكم وجب أن يرد العبد للمبتاع لانكشاف خطإ الحاكم وهو مما لا اختلاف فيه. ومنها إذا تعدى المكتري والمستعير المسافة بالدابة فضلت، ثم. وجدت بعد أخذ القيمة (¬13). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الرابعة والثلاثون) درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
(القاعدة الرابعة والثلاثون) درء المفاسد مقدم (¬1) على جلب المصالح (¬2) ومن ثم كرهت الغسلة الثالثة إن شك فيها، (¬3) وصوم يوم عرفة إن شك فيه؛ هل هو العيد أم لا؟ ورجح المكروه على المندوب، كإعطاء فقير من القرابة لا تلزمه (أ) نفقته وليس في عياله - من الزكاة (¬4) وكره مالك قراءة السجدة في الفريضة، لأنها تشوش على المأموم، فكرهها للإمام ثم للمنفرد حسما _______ (أ) خ (تلزم). ¬
للباب، (¬5) والحق الجواز للحديث (¬6) كالشافعي، وكره الانفراد بقيام رمضان إذا أفضى إلى تعطيل إظهاره، أو تشويش خاطره، (¬7) ونهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم لئلا يعظم تعظيم أهل الكتاب للسبت، وأجازه مالك قال الداودي (¬8): لم يبلغه الحديث، (¬9) وكره ترك العمل فيه لذلك؛ وكره إتباع رمضان _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
بست من شوال (¬10) - وإن صح فيه الخبر (¬11) - لتوقع ما وقع بعد طول الزمان من إيصال العجم الصيام والقيام، (أ) وكل ما يصنع في رمضان إلى آخرها (ب) واعتقاد جهلتهم أنها سنة؛ كذا ذكره الشيخ شهاب الدين (¬12) عن زكي الدين عبد العظيم المحدث (¬13). تنبيه: قال الشيخ شهاب الدين -رحمه الله- شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات، لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم == (أ) خ - (القيام والصيام). (ب) ق - (آخره). ¬
الجمعة ويسجد، . ويعتقدون أَن تلك ركعة أخرى واجبة، وسد هذه الذرائع متعين في الدين، وكان مالك - رحمة الله - شديد المبالغة فيها. انتهى (¬14). قال بعض الشيوخ: ومضى عمل الشيوخ بالجامع الأعظم من تونس على قراءتها في صبح الجمعة - ولا أكثر من جماعته! ! وذلك لأجل التخليط لتقرير العادة بذلك، حتى صار ترك قراءتها موجبا للتخليط. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الخامسة والثلاثون) الجهل هل ينتهض عذرا أم لا؟
(القاعدة الخامسة والثلاثون) الجهل هل ينتهض عذرا أم لا؟ (¬1) اختلفوا فيه، وعليه الخلاف في إلحاقه بالناسي في العبادات، (¬2) ومن ابتدأ صيام الظهار جاهلا بمر أيام الأضحى في أثنائه، فعلى العذر أفطرها وقضاها متتابعة. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وعلى أَن لا فلا، (¬3) والحق إن وجب العلم (¬4) ولم يشق مشقة فادحة لم يعذر (¬5) وإِلا فيعذر؛ لأن الله (أ) امر من يعلم بأن لا يكتم، (¬6) ومن لا يعلم بأن يسأل (¬7). _______ (أ) ق - زيادة (تعالى). ¬
(القاعدة السادسة والثلاثون) تقديم الحكم على شرطه هل يجزئ ويلزم أم لا؟ .
(القاعدة السادسة والثلاثون) تقديم الحكم على شرطه هل يجزئ ويلزم أم لا؟ (¬1). وعليه إخراج الزكاة قبل الحول بيسير، (¬2) والكفارة بين اليمين والحنث (¬3) وإسقاط الشفعة قبل البيع، والقصاص قبل _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
الموت، (أ) ونفقة المستقبل، ورد الإيصاء في حياة الموصي، وإسقاط المفوضة الصداق قبل التسمية والدخول. (تنبيه): لم يختلف (ب) في عدم إجزاء الصلاة قبل الوقت لأن وقتها سبب. _______ (أ) خ - (الموتة). (ب) خ - (يختلفوا). ¬
(القاعدة السابعة والثلاثون): الكفارة هل تتعلق باليمين أو بالحنث؟
(القاعدة السابعة والثلاثون): الكفارة هل تتعلق باليمين أو بالحنث؟ وعليه من حلف بظهار ثم ظاهر ظهارا مطلقا، فإن كان قد حنث في اليمين بالظهار قبل الظهار فكفارة واحدة، لأنه وصفها بما هي به موصوفة، وإن لم يحنث فقولان (¬1) - على الأصل والقاعدة. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الثامنة والثلاثون) الاستثناء هل هو رفع للكفارة أو حل لليمين من أصله؟
(القاعدة الثامنة والثلاثون) الاستثناء هل هو رفع للكفارة أو حل لليمين من أصله؟ اختلفوا فيه: ابن القاسم: رفعٌ, وعبد الملك: حلّ. وعليه من حلف لا وطئ امرأته واستثنى، فقال ابن القاسم في المدونة: هو مولٍ وله أن يطأ (¬1) - ولا كفارة عليه، وقال غيره: ليس بمول. قال الشرمساحي (¬2) - في شرح التهذيب: قول ابن _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
القاسم هو بناء على أن الاستثناء رافع للكفارة، وقول الغير بناء على أنه حل لليمين، والآخر (أ) أحسن. أما في قول ابن القاسم فلان كونه موليا فرع عن انعقاد اليمين، والاستثناء رفع للكفارة. وأما في قول الغير فلان كونه ليس بمول هو فرع عن انحلال اليمين بالاستثناء. قال بعض الشيوخ: وكان الشيوخ يعدون هذا الإجراء من محاسن الشرمساحي، وقال بعضهم: تظهر فائدته أيضًا فيما إذا حلف واستثنى، ثم حلف أنه ما حلف، فعلى أنه حل لا يحنث، وعلى أنه رفع للكفارة يحنث؛ وقبل هذا البناء حذاق الشيوخ. (تنبيه): قول الفاكهاني (¬3): ولم يظهر لي الآن أين تظهر ثمرة الخلاف، وابن عبد السلام لا يكاد يظهر لهذا الخلاف في اليمين - بالله - فائدة إلا بتكلف ليس بظاهر، لظهور فائدته دون تكلف. _______ (أ) خ - (والأخير). ¬
(القاعدة التاسعة والثلاثون) الملك إذا دار بين أن يبطل بالجملة أو من وجه، هل الثاني أولى، أو لا؟
(القاعدة التاسعة والثلاثون) الملك إذا دار بين أن يبطل بالجملة أو من وجه، هل الثاني أولى، أو لا؟ (¬1) فيه خلاف، وعليه المضطر إلى الطعام إذا وجب عليه أكل طعام الغير، وجب رفع يد مالكه عنه، هل تلزمه قيمة أم لا؟ (¬2). وإجبار الجار على إرسال فضل مائه على جاره الذي انهدمت بيره وله زرع يخاف عليه، والثمن أقرب إِلى الأصل وأجمع بين القاعدتين؛ ومن ثم قال أشهب: لو قدر الربح قبل الحصول اجتمع تقديران، والتقدير على خلاف الأصل. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وإذا أدى عن غيره دينا صدق في التبرع على الأصح. وإذا قال أعتقتك على مال، وقال العبد بغير شيء، فقال في الكتاب (¬3) قول العبد. وقال أشهب: (قول) (أ) السيد، كما لو قال أنت حر وعليك كذا، بخلاف الزوجة، (¬4) ولهذا رجح بيع الحبس والتعويض به عند القيام بضرر الشركة على إبطاله رأسا خلافا للخم، وهما قولان معروفان (¬5). _______ (أ) زيادة من نسخة خ. ¬
(القاعدة الأربعون) إمكان الأداء هل هو شرط في الأداء أو في الوجوب؟
(القاعدة الأربعون) إمكان الأَداء هل هو شرط في الأداء (¬1) أو في الوجوب؟ اختلفوا فيه، وعليه تعلق الزكاة بالذمة إذا (تلفت) (أ) بعد الحول وقبل الإمكان، (¬2) والمشهور لا تتعلق، وثالثها تعلقها بالباقي فقط، وإن كان دون النصاب (¬3). _______ (أ) في الأصل و (خ) (تلف) ولعل الصواب ما في نسخة (ق). ¬
(القاعدة الواحدة والأربعون) الفقراء هل هم كالشركاء أم لا؟
(القاعدة الواحدة والأربعون) الفقراء هل هم كالشركاء أم لا (¬1)؟ وعليه إذا باع الثمار بعد الوجوب فأفلس، فقيل يؤخذ من المشتري مقدار الزكاة كمن وجد ماله، أو يتبع البائع بذلك فقط، (¬2) وإذا ضاع جزء من النصاب قبل التمكن من الأداء (¬3) كما مرفوق هذا (¬4). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الثانية والأربعون) إذا تقابل مكروهان أو محظورن أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما
(القاعدة الثانية والأربعون) إذا تقابل مكروهان أو محظورن أو ضرران (¬1) ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما (¬2) وقد يختلف في بعضها كالعراة في الضوء، قيل يجلسون ويومئون، وقيل يقومون ويغضون؛ (¬3) وكإمام الخوف في الحضر يصلي بإحدى الطائفتين، قيل ينتظر الثانية - جالسا استصحابا - وقيل قائما، لأنه فرض، ويقبل الطول؛ ثم اختلفوا هل يقرأ، أو يسبح والأصل القراءة، (¬4) وكبقر الميت رجاء _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
الولد والمال النفيس، (¬5) وكأكل المضطر ميتة الآدمي، (¬6) وكإنفاذ المالكية ما سوى ابن عبد الحكم (¬7) والمغيرة (¬8) وابن مسلمة (¬9) ورواية حمديس (¬10) عن مالك، _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
واختيار ابن لبابة، (¬11) وقول الشافعي، وأكثر العلماء والأئمة - نكاح الثاني في مسألة الوليين بالدخول، (¬12) وكإنفاذهم به ما فسد لصداقه بصداق المثل، (¬13) وما عقد بالولاية العامة أو الخاصة، وليست بولاية إِجبار وبالطول، وكونه صوابا ونظرا، (¬14) أو ينتقل حكما كفوات البيع الفاسد بالقيمة. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الثالثة والأربعون) الحياة المستعارة هل هي كالعدم أم لا؟
(القاعدة الثالثة والأربعون) الحياة المستعارة هل هي كالعدم أم لا؟ (¬1) وعليه من أنفذت مقاتله في المعترك هل يصلى عليه أم لا؟ (¬2) وأكل ما بلغ بالتردى ونحوه ذلك المبلغ، (¬3) ومن أنفذ مقاتل رجل، ثم أجهز (عليه) (أ) آخر: ففي تعيين ذي القصاص من ذي العقوبة قولان لابن القاسم (¬4). _______ (أ) كذا في (خ) وساقطة في الأصل و (ق). ¬
تنبيه: إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه (¬5)، فأنفذ رجل مقتل علج وأجهز عليه آخر، فسلبه للأول دون الثاني - قاله (¬6) سحنون، ولا يتخرج كونه للثاني من أحد قولي ابن القاسم لصيرورته بالإنفاذ أسيرا، ولا سلب في قتل الأسير، بل يتخرج عليهما حرمانهما معا - والله أعلم. ¬
(القاعدة الرابعة والأربعون) رمضان هل هو عبادة واحدة أو عبادات؟ .
(القاعدة الرابعة والأربعون) رمضان هل هو عبادة واحدة أو عبادات؟ (¬1). اختلفوا فيه؛ وعليه تجديد النية أو الاكتفاء بها في أول ليلة، (¬2) ولا منافاة بين الاتحاد والتكرير عند بعض كبراء (¬3) الشيوخ. _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الخامسة والأربعون) النزع هل هو وطء أم لا؟
(القاعدة الخامسة والأربعون) النزع هل هو وطء أم لا؟ (¬1) وعليه الفطر به؛ ومن قال: إن وطئتكِ فأنتِ طالق (¬2) ثلاثا، هل يمكّن من الوطء أم لا؟ لأنها تحرم بالإيلاج أو به وبالإنزال معا على الأخذ بأول الاسم أو آخره (¬3). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة السادسة والأربعون) المشبه لا يقوى قوة المشبه به
(القاعدة السادسة والأربعون) المشبه لا يقوى قوة المشبه به فمن ثم كان المشهور - مذهب مالك: أن لا جزاء في صيد المدينة (¬1). (القاعدة السابعة والأربعون) إذا تعارض القصد واللفظ أيهما يقدم؟ - اختلفوا فيه. وعليه من نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم نهارا، قيل يقضي، لأن المقصود صيام يوم شكرا، وقيل لا، (¬1) وبابها _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
الإيمان، والظهار كمن ظاهر قاصدا للطلاق ففي اللازم (أ) منهما قولان (¬2). أما إن لم يقصد شيئًا فعلى الخلاف في لزوم اليمين المجرد (ب). _______ (أ) خ - ق - (اللزوم). (ب) ساقطة في (خ). ¬
(القاعدة الثامنة والأربعون) اللفظ المحتمل إذا لم يقترن بالقصد هل يحمل على الأقل أو على الأكثر؟ فيه خلاف
(القاعدة الثامنة والأربعون) اللفظ المحتمل إذا لم يقترن بالقصد هل يحمل على الأقل أو على الأكثر (¬1)؟ فيه خلاف وعليه من نذر شهرا أو نصف شهر، (¬2) ومن احتمل لفظه التمليك أو التوكيل؛ (أ) وفائدته: أن له العزل في التوكيل، وليس له ذلك في التمليك، لأن لها فيه حقا، وكالحرام هل _______ (أ) - خ - (التوكيل أو التمليك). ¬
يحمل على بائنه أو على الثلاث. وقال عبد العزيز (¬3) وخلية، لأنها تفيد التحريم، (¬4) وكمن حلف ليتزوجن، هل يبر بالعقد، أو لا يبر إلا بالدخول - وهو المشهور (¬5)؟ . _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة التاسعة والأربعون) الحكم بالإسهام هل علق على القتال، أو على كون المحكوم له معدا لذلك؟
(القاعدة التاسعة والأربعون) الحكم بالإسهام هل علق على القتال، أو على كون المحكوم له معدا لذلك؟ (¬1) وعليه هل يسهم للعبد، والمرأة إن قاتلا أم لا؟ (¬2) (القاعدة الخمسون) الغنيمة هل تملك بالفتح أو بالقسمة على الغانمين؟ (¬1) وعليه من لحق بالجيش قبل القسمة. أو أسلم، أو عتق، (أ) أو بلغ، (¬2). _______ (أ) - خ - (أعتق). ¬
(القاعدة الواحدة والخمسون) إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود
(القاعدة الواحدة والخمسون) إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود (¬1) فمن الأول الغرر اليسير في البيع لتعذر الاحتراز منه، (¬2) وكل ما يعفى عنه من النجاسات، والأحداث وغيرها. (أ) (¬3) ومنفوذ المقاتل فإنه لا يرث من مات بعده بل هو للموروث (¬4). _______ (أ) - خ - (وغيرهما). ¬
ومن الثاني تقدير ملك الدية قبل زهوق الروح حتى تورث، فإنها إنما تجب بالزهوق، والمحل حينئذ لا يقبل الملك، ولم (أ) يملكها في الحياة، لأنه مالك لنفسه حينئذ، فلا يجمع له بين العوض والمعوض (منه) (ب) فيقدر الشرع ملكه لها قبل موته بالزمن الفرد ليصع التوريث فيتعين التقدير، (¬5) وتقدير ملك المعتق عنه عن العتق بالزمن الفرد ليكون (ج) الولاء له. (¬6). وتقدير دوران الحول على الربح (¬7) والسخال، (¬8) وكالحكم للإمام بحكم الجماعة إذا صلى وحده، (¬9) وكالجماعة _______ (أ) - ق - (ولا). (ب) - ق - زيادة (منه) والمعنى يقتضيها، ولذا أثبتها في الصلب. (ج) - خ - (فيكون) بالفاء المعجمة. ¬
تقتل قتيلا فانها تقتل به- وكأن كل واحد منهم باشر القتل، (¬10) وكالجنين ما دام في البطن لا يقسم مال (¬11) موروثه - إعطاء للمعدوم حكم الموجود وتسمى بقاعدة التقديرات الشرعية (¬12). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة الثانية والخمسون) الاتباع هل يعطى لها حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها؟
(القاعدة الثانية والخمسون) الاتباع هل يُعطى لها حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها؟ (¬1) وعليه المالان: أحدهما مدار والآخر غير مدار - وهما غير متساويين، (¬2) وبيع المصحف، والخاتم، والثوب الذي لو سبك خرج منه عين، واستعمال الذهب في خاتم الرجال، والسيف المحلى إذا كانت حلية الجميع تبعا، فإنه جائز بصنف التبع نقدا - على المشهور؛ خلافًا لابن عبد الحكم، وممتنع به نسيئة - على المشهور خلافا لسحنون، وكان يستحب فيه النقد، ويمضي التأجيل بالعقد (¬3). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ومن بذل صداقا ظانا أن للمرأة مالا، وانكشف الغيب بخلافه (¬4)؛ فإن قلنا بالأول فله الفسخ لفوات مقصود عين الانتفاع، وإن قلنا بالثاني أمكن أن يقال لا قسط لها من الثمن، فيسقط مقابله، أولها قسط، فيحط عنه بقدر ما فاته من المقصود - قياسا على الاستحقاق في البياعات. - أن المستحق (أن) (أ) كان تبعا فلا يفسخ العقد في الجميع - وفيه خلاف، وبيع الحلي المتبوع بصنف التابع، وفيه عن مالك روايتان (¬5). والخنثى إذا بال من المحلين، هل ينظر إلى الأكثر فيحكم له به، أو لا؟ ، أجراه ابن يونس على هذا الأصل (¬6). والأجرة على الإمامة تمنع مفردة، وتجوز مع الأذان في مشهور مذهب مالك (¬7). وما يسقى من الزرع والثمار _______ (أ) (ساقطة من الأصل). ¬
بالوجهين (¬8) وتفاوتا، وبياض المساقاة مع السواد، (¬9) وإذا ثبت أكثر الغرس أو أقله، فللأقل حكم الأكثر، فإن ثبت أكثره، فللغارس فيما ثبت وفيما لم يثبت، وإن ثبت أقله فلا شيء للغارس في الجميع؛ وقيل له سهمه في الثابت- وإن قل، وإذا أطعم بعض الغرس فإن كان أكثر سقط عنه العمل، وإلا فلا، وله ما أطعم دون رب الأرض، وقيل بينهما (¬10). وإذا جد (¬11) المساقي (أ) بعض الحائط فإن كان أكثره فلا سقي عليه، وإلا فعليه. وإذا كان بالحائط، أنواع مختلفة حل بيع بعضها- وهو الأقل، جازت مساقاة جميعها، وإن كثر لم تجز فيه ولا في غيره، وإن كان بعض العاقلة بالبادية وبعضها (ب) بالحاضرة فإنه يضاف الأقل منها إلى الأكثر عند عبد المالك (ج) وأشهب (¬12). _______ (أ) في الأصل (المساقا) وهو تصحيف. (ب) - خ - (بعضهم). (ج) - خ- زيادة غير. وفي (ق) عند ابن الحكم. ¬
وإذا حبس أو تصدق على الأصاغر فإن حاز الأكثر صح الجميع، وإن حاز الأقل بطل الجميع، وإن حاز النصف صح ما حيز، وبطل ما لم يحز (¬13). وإذا استحق الأكثر (¬14) أو وجد به عيب رد الجميع، وإن كان بالأقل (ج) فليس له رد ما لم يستحق وما ليس فيه عيب. وإذا اجتمع الضأن والمعز فإن الزكاة من أكثرهما عند سحنون، ولابن القاسم تفصيل (¬15). والشاة في الشنق (¬16) من جل غنم البلد، (¬17) والفطرة والكفارة من جل عيش البلد والحلي المنظوم بالجوهر وما أبر بعضه من الثمار (¬18) وبيع شاة فيها لبن _______ (ج) - خ - (الأقل). ¬
بلبن إلى أجل، والمختار أن تأخر اللبن فهو مزابنة بخلاف ما إذا تقدم. ويجوز العسل بالنحل إذا كان لا عسل في النحل، فبعض هذه المسائل تجوز تابعة تغليبا لحكم المتبوع، ولا تجوز مستقلة، ومنها اشتراط خلفة القصيل، والثمرة والزرع، ومال العبد، (¬19) وهي أيضًا من قاعدة الأقل (¬20) يتبع الأكثر. ¬
(القاعدة الثالثة والخمسون) الأتباع هل لها قسط من الأثمان (أ) أم لا؟
(القاعدة الثالثة والخمسون) الأتباع هل لها قسط من الأثمان (أ) أم لا؟ (¬1) وعليه الرهن، والحميل، (¬2) وحلية المصحف، والخاتم، والسيف، واشتراط خلفة القصيل والثمرة (ب) والزرع، ومال _______ (أ) - ق - (الثمن) ولعلها أصوب. (ب) - ق - (التمرة). ¬
العبد (¬3) والدالية، والسدرة (¬4) (أ) والإمامة مع الآذان، (¬5) وتظهر الثمرة (¬6) في الغرر والاستحقاق والعيب والجائحة (¬7) والعطلة (¬8). _______ (أ) - خ - (الشجرة). ¬
(القاعدة الرابعة والخمسون) نوادر الصور هل يعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها؟
(القاعدة الرابعة والخمسون) نوادر الصور هل يُعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها؟ (¬1) وعليه نفقة الزَّمِنِ بعد بلوغه، (¬2) فعلى المراعاة لا تنقطع، وعلى أن لا تنقطع. وعليه أيضًا أجراء ابن بشير (¬3) الربا في الفلوس ثالثها يكره؛ ورد إجراء اللخمي، إياه على أنه في العين غير معلل، أو العلة الثمنية (¬4) والقيمة - بقول أشهب: إن ¬
القائسين مجمعون على التعليل- وإن اختلفوا في عين العلة. وعليه أيضًا الخلاف في العنب الذي لا يزبب، والرطب الذي لا يثمر، ووجوب غسل النفساء إذا ولدت بغير دم) (¬5). (تنبيه): قالوا: إذا عم الجراد المسالك فلا جزاء (¬6) (أ). _______ (أ) عبارة (الجراد المسالك فلا جزاء) ساقطة في نسخة (خ). ¬
(القاعدة الخامسة والخمسون) الملحقات بالعقود هل تعد كجزئها أو إنشاء ثان؟ - فيه خلاف
(القاعدة الخامسة والخمسون) الملحقات بالعقود هل تعد كجزئها أو إنشاء ثان؟ (¬1) - فيه خلاف وعليها (أ) فروع ومسائل، كمن أسلم في مائة قفيز فزاد مثلها قبل الأجل، فإن إلحقناه جاز، وهو مذهب المدونة، (¬2) وإن قطعناه امتنع، لأنه (ب) هدية مديان- وهو مذهب سحنون: وجه مذهب المدونة بأنه رفع التهمة بالكثرة. وكابتياع خلفة القصيل والثمرة، والزرع، ومال العبد- بعد الأصل والرقبة؛ (¬3) وكالزيادة في الصرف، وثمن السلعة، وصداق المرأة- بعد العقد؛ _______ (أ) - ق - (وعليه). (ب) في الأصل ممحوة، وفي (خ) (كأنه). ¬
وكاشتراط ضمان المبيع الغائب على الصفة عقب العقد على من ليس عليه من بائع، أو مبتاع حيث يجوز؛ (¬4) وكما لو أوجب الخيار للمبتاع بعد البت- باعتبار تعلق الضمان أمن البائع أم من المبتاع؟ (أ) فيه قولان، أَصلهما ما أصل؛ (¬5) وكاشتراء (ب) الثمرة بعد (بدو) (ج) صلاحها، ثم الأصل هل في الثمرة جائحة -وهو المنصوص أولًا- تخريجا على الأصل والقاعدة؟ (¬6). _______ (أ) - خ - (المشترى). (ب) - خ - (وكاشتراط). (ج) (بدو) ساقطة في الأصل و (ق). ¬
تنبيه: لم يطردوا هذه القاعدة في مسائل كثيرة كشروط النكاح، (¬7) ونفقة الربيب، (¬8) وبيع الدور المطبلة، (¬9) والأملاك الموظفة، (أ) (¬10)، والأمتاع والثنيا، وتسليف أحد الشريكين صاحبه بعد العقد والشروع، أو تطوعه بزيادة في العمل أو في المال أو فيهما بعده، (¬11) والطوع بعيوب المبيع بعد العقد، وبنقد الثمن في الخيار والعهدة، والمواضعة والمبيع الغائب (ب) على صفة صاحبه، وبيع الحيوان والعروض البعيدة الغيبة على الصفة، ومسائل الجعل والإجارة على حرازة زرع، واشتراط تأخير دابة معينة لتركب بعد شهر، وكراء الأرض غير المأمونة كأرض الأندلس والمغرب. (¬12) وكذلك الجنات والأرحى والأرض المبيعة على التكسير، ومقتضى القول إن الملحق بالعقد يعد كجزئه فساد هذه العقود، كما هي إشارة صاحب التوضيح في مسألة الشركة. _______ (أ) - خ - (الموضفة) بالضاد. (ب) كلمة (الغائب) ساقطة في (خ). ¬
ومقتضى ذلك القول أيضًا دخول طرق البراءة وأقوالها العديدة التي في الطوع بعيوب المبيع. نعم أشار بعض أصحاب النوازل إلى عدم اللزوم فيها تخريجا على إسقاط الشيء قبل وجوبه، ومن نمطه في المذهب المالكي كثير. وقد مر تقرير بعضه في هذا الملخص (أ) واستوفينا ما ورد من (ب) ذلك في كتاب (ج) الطلاق من كتابنا المترجم بـ "الواعي لمسائل الأحكام والتداعي" (د). تنبيه: في صحة تخريج هذا الشيخ على إسقاط الشيء قبل وجوبه نظر، لأن المخرج هنا وهو الطوع بالعيوب تمنع (¬13) أن يكون (هـ) من باب إسقاط الشيء قبل وجوبه، بل هو من باب إسقاط الشيء بعد وجوبه، وقبل العلم به فهو أقوى فتأمله. وقد نحا القاضي أبو الوليد بن رشد -رحمه الله- إلى هذا المعنى في نظيرة هذه - والله أعلم. _______ (أ) - ق - (المختص). (ب) - خ - (من) ساقطة. (ج) - خ - (كتابنا). (د) في -خ- زيادة "ومقتضى ذلك القول أيضًا فساد النكاح بالطوع بالامتناع. ونفقة الربيب وفساد البيع بالثنيا وأداء الوظيف" وقد جاءت هذه الزيادة قبل قوله (تنبيه). (هـ) عبارة (لأن المخرج هنا .... يكون ساقطة في نسخة (خ). ¬
(القاعدة السادسة والخمسون) العقد هل يتعدد بتعدد المعقود عليه أم لا؟
(القاعدة السادسة والخمسون) العقد هل يتعدد بتعدد المعقود عليه أم لا؟ (¬1) فيه خلاف، وعليه الصفقة إذا جمعت حلالا وحراما، (¬2) ومقارنة البيع للصرف أو النكاح، أو الجعل أو القراض، أو المساقاة أو الشركة، وأما القرض فإجماع: (أ) فمن نظر إلى الاتحاد منع، لاختلاف أحكام المعقود عليه: ومن التفت إلى التعددي جاز (¬3). _______ (أ) - ق - (بإجماع). ¬
والمختار إن كان مناب الحلال معلوما بأول وهلة صح القول بالجواز، وإلا امتنع- لأنه انعقد على غرر (¬4). وأما لو أعراه عرايا من حوائط في شراء أكثر من عرية؛ (¬5) ثالثها إن كانت بلفظ واحد لم يجز، والأولان على الأصل والقاعدة. تنبيه: حصل بعض مشايخ المذهب في الصفقة إذا جمعت حلالا وحراما تسعة (أ) أقوال: الأول- فسخ الجميع. الثاني- فسخ (ب) ما قابل الحرام، وصحة ما قابل الحلال. الثالث- يتبع الأقل الأكثر. الرابع- الفرق بين أن يعلما معا بالفساد فيبطل جميعها، أو لا فيبطل ما قابل الحرام، ويصح ما قابل الحلال. الخامس- الفرق بين ما يصح تملكه فلا يبطل إلا ما قابل الحرام، وبين ما لا يجوز تملكه فيبطل جميعه. _______ (أ) - ق - (سبعة) بالباء الموحدة وهو تصحيف ظاهر. (ب) - خ - (يفسخ). ¬
السادس: الفرق بين أن يسميا لكل سلعة ثمنا فيبطل ما قابل الحرام، أو لا فيبطل جميعها. السابع- الفرق بين أن تكون السلعة لمالك واحد فيبطل جميعها، أو لمالكين، فيبطل ما قابل الحرام ويمضى ما قابل الحلال؛ وبه قال اللخمى -رحمه الله-. الثامن - (أ) إن كان مناب الحلال معلوما لأول وهلة، صح ما قابل الحلال، وإلا فلا. التاسع- إن كان لحق الله بطلت كلها، وإن كانت لحق المخلوق بطل الحرام فقط. _______ (أ) الثامن والتاسع ساقطان في نسخة (ق).
(القاعدة السابعة والخمسون) الكفارة هل تفتقر إلى نية (أ) أو لا؟
(القاعدة السابعة والخمسون) الكفارة هل تفتقر (¬1) إلى نية (أ) أو لا؟ (¬2) وعليه إجزاء عتق الغير عنه، ومن فرق بين أن يكون بإذنه أولًا؟ فعلى توهم استقرار الملك أولًا، ثم العتق بعده، أو عدم استقراره، لأنه لم يملكه إلا إلى حرية؛ كالقولين فيمن اشترى بشرط العتق جاهلا. وفيمن قال إن اشتريته فهو حر عن ظهاري، بخلاف العالم أر المعلق لقصدهما إلى الحرية لا عن ظهار (¬3). _______ (أ) - خ - (أم لا). ¬
(القاعدة الثامنة والخمسون) لا يثبت الفرع والأصل باطل، ولا يحصل المسبب والسبب غير حاصل
(القاعدة الثامنة والخمسون) لا يثبت الفرع والأصل باطل، (¬1) ولا يحصل المسبب والسبب غير حاصل ومن ثم قال أشهب -وهو الصحيح- فيمن أقر بزوجة في صحته ثم مات وليس بطارئ، أو أقر بوارث وليس له وارث معروف: لا ميراث. وقال ابن القاسم: بالميراث، ورآه إقرارا بالمال. ¬
(القاعدة التاسعة والخمسون) بيت المال هل هو وارث أو مرد (أ) للأموال الضائعة؟
(القاعدة التاسعة والخمسون) بيت المال هل هو وارث أو مرد (أ) للأموال الضائعة؟ (¬1) وعليه نفوذ الوصية بجميع المال- وهي رواية الطابثي (¬2) عن مالك، ورد ما زاد على الثلث وهو المعروف، (¬3) وإذا أقر بوارث وليس له وارث معروف (¬4). تنبيهه: قد لا يختلف في كون بيت المال وارثا كميراث السائبة والمعتق من الزكاة (¬5). _______ (أ) - خ - (جائز). ¬
(القاعدة الستون) النسخ هل يثبت حكمه بالنزول أو بالوصول؟
(القاعدة الستون) النسخ هل يثبت حكمه بالنزول أو بالوصول؟ (¬1) وعليه تصرف الوكيل بعد الموت أو العزل؛ (¬2) وتجر عامل القراض بعد موت ربه وقبل علمه إذا خسر، هل يضمن أم لا؟ (¬3) وقدوم وال على آخر في خطبة الجمعة، (¬4) ومن طرأ عليها (أ) العلم بعتق في الصلاة وهي منكشفة الرأس، (¬5) وإذا _______ (أ) - خ - (عليه). ¬
وكلت وكليلين فزوجاها فدخل الثاني ولم يعلم: فإن قلنا بالأول فللأول، لانفساخ وكالة الثاني بالعقد، وإن قلنا بالثاني فللثاني، وهو المشهور لقضاء عمر، (¬6) ومعاوية، (¬7) من غير نكير، وإن كان إمضاء نكاح محصنة، وفسخ عقد مسلم بغير موحب؛ وقال ابن عبد الحكم: السابق بالعقد أولى، (¬8) والبيع كذلك، خلافا للمغيرة- لعدم حرمته، والحق ردهما. ¬
تنبيه: ليس الكراء كالبيع في هذا بل هو للأول على كل حال، لأنه لا يدخل في ضمان من قبضه، - قاله ابن دحون، (¬9) وصححه ابن رشد في رسم نذر من سماع ابن القاسم من كتاب "البضائع والوكالات"، وإليه مال المازري رحمه الله، وعلله بأن ما يأتي من المنافع التي يطلب المكتري الأول أخذها لم تخلق ولم تقبض، وبأن ضمان المنافع من رب الدار وضمان السلعة المقبوضة في البيع من قابضها. قال المازري (¬10) -رحمه الله- لكن نزل هذا السُّؤَال وأنا حاضر في مجلس الشيخ أبي الحسن المعروف باللخمي -رحمه الله- فأفتى بكون الساكن أَولى، وإن تأخر عقده، ورأى سكناه شبهة على ما يقتضيه المشهور من المذهب عنده. وذكر أن بعض أصحابه خالفه في هذا، لأجل ما ذكرناه من فقد الضمان للمنافع، بخلاف الأعيان التي تضمن بالقبض، مع كون القبض لما سيخلق من المنافع غير حاصل الآن. ¬
وذكر أن الشيخ أبا القاسم السيورى (¬11) -رحمه الله- ورد (أ) جوابه بموافقة ما ذهب إليه طردا لأصل المذهب. ورأى أن سكنى الساكن حيازة، وقبض يوجب ترجيح جانبه، كما يترجع بقبض الأعيان. _______ (أ) - خ (رد). ¬
(القاعدة الواحدة والستون) المخاطب هل يدخل تحت عموم الخطاب أم لا؟
(القاعدة الواحدة والستون) المخاطب هل يدخل تحت عموم الخطاب أم لا؟ وعليه عزل الوكيل عن نفسه، ومن في ولايته، أو يُتهم عليه، (¬1) والوصي يشتري من مال يتيمه (¬2) وهي قاعدة: (اليد الواحدة هل تكون قابضة دافعة، أم لا (¬3). ¬
وقاعدة: (¬4) اعتبار جهتي الواحد فيقدر اثنين (¬5). فلذلك يتولى طرفي العقد في النكاح والبيع، (¬6) ويرث الأب مع البنت بالفرض والتعصيب، (¬7) ويشفع من نفسه (¬8) - وعلى هذا فيؤخذ من الشخص الواحد باعتبار غناه، ويرد عليه باعتبار فقره (¬9) أو يترك له، ويقدر الأخذ والترك كالمقاصة- على الخلاف في العمل في هذه القاعدة (¬10). ¬
(القاعدة الثانية والستون) تبدل النية مع بقاء اليد على حالها هل يتبدل الحكم بتبدلها أم لا؟
(القاعدة الثانية والستون) تبدل النية مع بقاء اليد على حالها هل يتبدل الحكم بتبدلها أم لا؟ (¬1) وعليه من نوى تسلف الوديعة أو اللقطة أو القراض -ليصرفها ولم يحركها، والوكيل يمسك المال عن موكله- تعديا ولم يحركه. وعليه الخلاف في صرف الوديعة، فإن قلنا بالتبادل، جاز - لأنه قبض الآن لنفسه، وإن قلنا بنفيه امتنع، للتأخير (أ) حتى يقبض لنفسه (¬2). وعليه الخلاف في ضمان السلعة المشتراة شراء فاسدا إذا هلكت بيد المشتري، وقد كانت في أمانته قبل. _______ (أ) - خ - (التأخير). ¬
وعليه لو أسلف الوصي اليتيم من عنده مالا وقبض سلعة من سلع اليتيم من نفسه، واعتقد بقاءها في يده رهنا فيما أسلفه؛ فابن القاسم لا يراه حوزا (أ) - لأنه لا يحوز من نفسه لنفسه، ولم يحصل له إلا بنية تبدلت. وأشهب يراه حوزا إذا أشهد؛ وعليه الخلاف في بيع الطعام المقبوض على تصديق المسلم إليه، بخلاف بيع النقد فإنه فيه جائز، والقرض فإنه ممنوع (¬3). _______ (أ) في الأصل (حوز) بالرفع وهو تصحيف ظاهر. ¬
(القاعدة الثالثة والستون) يد الوكيل هل هي كيد الموكل أم لا؟ (1)
(القاعدة الثالثة والستون) يد الوكيل هل هي كيد الموكل أم لا؟ (1) وعليه الوكالة (¬2) على قبض الصرف ويذهب, بخلاف الحوالة فإنه يقتضي لنفسه، والحمالة. والمشهور إذا تولى الوكيل قبض الصرف دون عقده بحضرة الموكل (¬3) صح. _______ (أ) المقري- القاعدة (868) - اللوحة (57 - أ): "اختلفوا في يد الوكيل، هل هي كيد الموكل أو لا؟ ". ¬
(القاعدة الرابعة والستون) الأمر هل يخرج ما في الذمة إلى الأمانة فيرتفع الضمان أم لا؟
(القاعدة الرابعة والستون) الأمر هل يخرج ما في الذمة إلى الأمانة فيرتفع الضمان أم لا؟ (¬1) وعليه من أمر أن يصرف دينا عليه، ويعمل به قراضا- وهو لا يجوز، (¬2) فإن فعل ثم ضاع، فعلى القاعدة. ومن قال -لمن أسلم إليه في طعام-: كله في غرائرك، فقال: أكلته وضاع ولم تقم بينة (¬3). ¬
(القاعدة الخامسة والستون) الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية
(القاعدة الخامسة والستون) الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية (¬1) ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة، (¬2) وعلى بيع الطعام قبل قبضه، (¬3) ووقت نداء الجمعة (¬4) وعلى ما ليس عندك، ¬
وفي الصرف مشهورها المنع، (¬5) وثالثها الكراهة، وشهرت أيضًا لجوازه في الحال، وشبهت بعقد فيه تأخير، وفسرت به المدونة (¬6). (تنبيه): قال اللخمي: المواعدة في بيع الطعام قبل قبضه كالصرف، وقد اختلف فيها (¬7) فيه (أ) (¬8). ابن رشد فتكون فيها ثلاثة أقوال (¬9) - وليس كما قال: والفرق أنها في الصرف إنما يتخيل فيها وقوع عقد فيه تأخير. _______ (أ) (فيه) ساقطة من (خ). ¬
وهي في الطعام قبل قبضه كالمواعدة على النكاح في العدة، وإنما منعت فيهما لأن إبرام العقد محرم فيهما فجعلت المواعدة حريما له وليس إبرام (أ) العقد في الصرف بمحرم, فتجعل المواعدة حريما له (ب). وقد ذكر هذا الفرق لمن يعتني بالفقه فلم يفهمه- وهو ظاهر. _______ (أ) - خ - (بإبرام). (ب) - خ - (لهما). ¬
(القاعدة السادسة والستون) الصور الخيالية من المعنى هل تعتبر أم لا؟
(القاعدة السادسة والستون) الصور الخيالية من المعنى هل تعتبر أم لا؟ (¬1) وعليه الذهب المستهلك في الثياب، بحيث لو أحرقت (أ) لم يخرج منها شيء، هل يمنع من بيعها بالذهب أم لا؟ (¬2) وكالربا بين السيد وعبده، لأنه في المعنى انتزع منه شيئًا، أو وهبه شيئًا، والمشهور المنع فيهما (¬3). _______ (أ) - خ - (احترقت). ¬
(القاعدة السابعة والستون) المعدوم معنى هل هو كالمعدوم حقيقة أم لا؟
(القاعدة السابعة والستون) المعدوم معنى هل هو كالمعدوم حقيقة أم لا؟ (¬1) وعليه من وجد في الصرف رصاصا، أو نحاسا، هل له الرضى به ويكون كالزائف، (¬2) أو يكون كالعدم فيفسخ الصرف لتأخير البعض- قولان، ومن وجد رأس مال السلم نحاسا، أو رصاصا، أبدله ولا ينتقض. قال سحنون: معناه أنه مغشوش لا محض نحاس، وقيل على ظاهره (¬3) وهي مسألة السلم منها (¬4). ¬
(القاعدة الثامنة والستون) الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟
(القاعدة الثامنة والستون) الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ (¬1) وعليه صحة أنكحتهم وفسادها، فعلى الأول تحل الكتابية بوطء الكافر، وعلى الثاني لا، (¬2) وإذا عقد على أم وابنتها ثم أسلم- ولم يصبهما، هل يفسخ أو يختار (¬3) وإذا تزوجهما (أ) _______ (أ) - ق - (تزوجها بخمر وقبضتها). ¬
بخمر ثم أسلما ولم يدخل، فالمشهور أن لهما (أ) شيئًا، بناء على الخطاب، فقيل صداق المثل، وقيل: قيمة الخمر، وقيل: ربع دينار، والشاذ لا شيء لها (¬4). وعليه إكراء الدابة منهم (¬5) ليركبوها لأعيادهم، وبيع شاة منهم (¬6) لعيدهم؛ فعلى الخطاب، فهم عاصون بإقامة عيد لأنفسهم، فيكون المسلم عاصيا في إعانته لهم على معصيتهم، وعلى أن لا فلا، وعليهما حمل المسلم أمه الذمية إلى الكنيسة، ولزوم الإحداد وعدة الوفاة من المسلم، (¬7) وطلاقه وعتقه؛ والعتق بالمثلة، (¬8) وغرم من أتلف له خمرا أو خنزيرا، (¬9) _______ (أ) - خ - (لها). ¬
وإباحة (أ) وطئها لزوجها المسلم (¬10) يقدم في نهار رمضان وجبرها على الاغتسال لزوجها المسلم، وتمكين المستأمن من بيع خمر لذمي (ب). (تنبيه): قال ابن العربي: لا خلاف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون، (ج) وقد بين الله في قوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (¬11) ... " فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن، وأنهم دخلوا في الخطاب فيها ونعمت، وإن كان خبرا عما أنزل الله على موسى في التوراة، وأنهم بدلوا وحرفوا، (د) وعصوا وخالفوا، (هـ) فهل تجوز لنا معاملتهم، والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أو لا؟ ، فظنت طائفة أن معاملتهم لا تجور وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد، والصحيع جواز معاملتهم مع رباهم، واقتحام ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة، - (و) قال (ز) الله تعالى: " ... {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (¬12) ". _______ (أ) - خ - (أ). (ب) - خ - (الذمي). (ج) - خ- زيادة (بفروع الشريعة). (د) - خ - (أو حرفوا). (هـ) ناقصة في (خ). (و) - خ - (سنة وقرآنا). (ز) - خ - (فقال). ¬
وهذا نص (¬13) وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله، (¬14) والحاسم لذلك الشك (أ) والخلاف، اتفاق الأمة على جواز التجارة مع أهل الحرب، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم تاجرًا إليهم، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم، والتجارة معهم، فإن قيل: كان ذلك قبل النبوة. قلنا: إنه لم يتدين قبل النبوة بحرام، ثبت ذلك تواترا، ولا اعتذر (ب) عنه إذ بعث، ولا منع منه إذ نبيء، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته، فقد كانوا يسافرون في فك الأسارى، وذلك واجب، وفي الصلح، كما أرسل عثمان وغيره، وقد يجب، وقد يكون ندبا. فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح (ج) (¬15). _______ (أ) ساقطة في (خ). (ب) - خ - (اعتذر) وهو الثابت في نسخ الأحكام، وفي الأصل و (ق) (اعتذار) ولعله تصحيف. (ج) - خ - (انتهى) وهذه الزيادة من قوله "تنبيه قال ابن العربي .. فمباح" ساقطة في نسخة (ق). ¬
(القاعدة التاسعة والستون) النكاح من باب الأقوات، أو من باب التفكهات؟
(القاعدة التاسعة والستون) النكاح من باب الأقوات، أو من باب التفكهات؟ (¬1) وعليه تزويج الوالد على ولده إن احتاج، (¬2) والمملوك، على المالك، وعليه أيضًا دخول الزوجة في قوله كل ما أعيش فيه حرام. (¬3) وفي تزويج الابن أمه نظر، (أ) لأن فرق ما بينها وبين الأب.- العار الذي يلحق الأبن بها دونه (ب). _______ (أ) - خ - (وقد). (ب) - ق - (يلحق الأب دونه). ¬
(تنبيه): تردد الأدباء والكتاب فيمن تزوجت أمه هل يهنأ، أو يعزى، فرأى بعضهم أن التعزية جفاء والتهنئة استهزاء، فكتبوا أما بعد: فإن أحكام الله تعالى تجرى على غير مراد المخلوقين، والله تعالى يختار لعباده، فخار الله لك فيما أراد من ذلك والسلام (¬4). ¬
(القاعدة السبعون): من فعل فعلا لو رفع إلى الحاكم (أ) لم يفعل سواه، هل يكون فعله بمنزلة الحكم أم لا؟
(القاعدة السبعون): من فعل فعلا لو رفع إلى الحاكم (أ) لم يفعل سواه، هل يكون فعله بمنزلة الحكم أم لا؟ (¬1) فيه قولان (¬2)، وعليهما من أسلم في طعام سلَما فاسدا مختَلَفا في فساده، فأراد أن يأخذ عنه من صنفه فإن ذلك لا يجوز، ما لم يحكم حاكم بالفساد، فإن قررا ذلك بينهما وأشهدا به فقولان عليهما؛ وكذلك إن أراد أن يؤخره برأس المال، فإن كان السَّلَم مجمعا على فساده وحكم الحاكم بفسخه جاز, فإن قررا (ب) ذلك بينهما وأشهدا به فعلى القاعدة. _______ (أ) - خ - (حاكم). (ب) - ق - (ترادا). ¬
(القاعدة الواحدة والسبعون): العوض الواحد إذا قابل محصور المقدار وغير محصوره هل يفض عليهما أو يكون للمعلوم، وما فضل للمجهول، وإلا، وقع مجانا
(القاعدة الواحدة والسبعون): العوض الواحد إذا قابل محصور المقدار وغير محصوره هل يفض عليهما أو يكون للمعلوم، وما فضل للمجهول، وإلا، وقع مجانا (¬1) وعليه من صالح عن موضحتي (¬2) العمد والخطإ، قال ابن القاسم: بينهما. وقال ابن نافع: (¬3) للخطإ، ومن خالع على آبق ويزيد ألفا، فعلى الأول يرد الألف، ويرد نصف العبد. ¬
وعلى الثاني يرد الألف (أ)، ويرد ما في مقابلتها من العبد والزائد إن كان له بالخلع، وإلا كان كمن خالع مجانا (¬4). (تنبيه): قال ابن شاس (¬5) في هذه المسألة: وأما على مقتضى قول ابن القاسم في قسمة المأخوذ بين الموضحتين، فيكون نصف العبد هنا في مقابلة نصف الألف فيفسخ البيع فيه، ويرد نصف الألف إلى آخره. قال القاضي أبو عبد الله المقري (¬6) -رحمه الله تعالى ورضي عنه- في قواعده _______ (أ) جملة ويرد نصف العبد، وعلى الثاني يرد الألف ساقطة من (خ). ¬
الفقهية: الصواب حذف نصف في الموضعين، كما جود اختصاره ابن الحاجب (¬7). والعجب من القرافي مر على ما في الجواهر ولم ينتبه (أ) إليه بابن الحاجب، ولا بمن قبلهما كاللخمي، وابن بشير، وهو دليل على أنه ربما نقل ما لا تأمل (¬8) انتهى. ورأيت له رحمه الله- على هذا الموضع من قول (ب) ابن الحاجب: ردت الزيادة ما نصه: يعني جملة الألف. وفي الجواهر ترد نصف الألف، ولا معنى له على القولين جميعا، وما أرى لفظة النصف إلا زلة وقعت له فثبتت (ج)، إذ حكاية اللخمي وابن بشير موافقة لحكاية المؤلف، ولله دره حيث قلد الجواهر فنقلها على حسب ما وجدها ولم يتفطن لها. انتهى. _______ (أ) - خ - (يتنبه). (ب) كلمة (قول) ساقطة في (ق). (ج) - ق - (فتثبت). ¬
وعلى هذا الأصل قول ابن الماجشون- في النكاح والبيع: يجعل الثمن للسلعة، فإن بقي ربع دينار صح النكاح عند قوم (¬9). ¬
(القاعدة الثانية والسبعون) الطول هل (أ) هو المال، أو وجود الحرة في العصمة؟
(القاعدة الثانية والسبعون) الطول هل (أ) هو المال، أو وجود الحرة في العصمة؟ (¬1) وعليه لو حلف ليتزوجن على زوجته، فتزوج أمَة في بره، قولان مبنيان على كون الحرة طولا، فلو تزوج غير كفء، فعلى تعارض اللفظ والقصد، (¬2) فإن لم يدخل، فعلى الأقل والأكثر، (¬3) وعلى أن النكاح هل هو حقيقة في العقد أم لا؟ (¬4). _______ (أ) ساقطة في (خ). ¬
(القاعدة الثالثة والسبعون) المهر هل يتقرر جميعه بالعقد أم لا؟
(القاعدة الثالثة والسبعون) المهر هل يتقرر جميعه بالعقد أم لا؟ ثالثها يتقرر النصف، ثم يتكمل بالدخول أو الموت (¬1)، وعليه الخلاف في غلته، والخلاف في ضمانه إذا قامت البينة بعد الطلاق على تلفه، هل عليها غرم النصف (¬2) أولًا؟ (أ) والخلاف في نكاحه أمَة الصداق، وحده إذا وطئها قبل الدخول، وقطعه إذا سرق شورته قبله، والخلاف إذا استحق نصف ماشية بعينها بالطلاق في كونه كالخليط، أو كالفائدة (¬3)، ورجوع شهود الطلاق قبل البناء، هل يغرمون النصف أم لا؟ . _______ (أ) في الأصل (أولًا) بالتنوين وهو تصحيف. ¬
تنبيه: لا خلاف أن على المرأة قبل البناء زكاة الفطر على رقيق الصداق وزكاة الشجر، والمعين من الماشية، وإن لم تقبضه، وزكاة العين إن (أ) قبضته، لأن ضمان هذه الأشياء إن هلكت قبل البناء منها، وله الدخول بها (ب) من غير شيء؛ كان الصداق بيدها أو بيده، ولها البيع والهبة والصدقة، والإعتاق- ما لم يزد (ج) على ثلث مالها، ولها غلته. والمنصوص أن لا شيء لها بالفسخ قبل البناء بملك أحدهما صاحبه، أوردته، ولا خلاف أن الضمان منهما بعد الطلاق فيما لا يغاب عليه إن كان بيد الزوج، وفي كون ضمانه منها أو منهما (د) إن كان بيدها قولان، وفي ضمان ما يغاب عليه إن قامت البينة -قولان لأشهب وابن القاسم- بناء على أن الضمان للتهمة أو للأصالة، واختلف ابن القاسم وعبد الملك في الرجوع عليها بالغلة بعد الطلاق خاصة. فابن القاسم يوجبه بناء على أنه بالطلاق تبين بقاء ملكه على نصفه، وعبد الملك لا يوجبه بناء على أنه رجع بعد أن ملكته (¬4). _______ (أ) - خ - (وإن). (ب) (من) ساقطة في (خ). (ج) - ق - (تزد). (د) - خ - (منهما ومنها). ¬
(القاعدة الرابعة والسبعون) الطوارئ هل تراعى أم لا؟ ثالثها تراعى القريبة فقط
(القاعدة الرابعة والسبعون) الطوارئ هل تراعى أم لا؟ ثالثها تراعى القريبة فقط (¬1) وعليه توقع عدم المناجزة في اجتماع البيع والصرف محاذرة (أ) الاستحقاق الناقض للصرف لا للبيع، (¬2) واقتضاء المحمولة من السمراء لارتفاعها في وقت الزراعة، وإبدال الناقص الرديء بالكامل الجيد لنفاقه في بعض البلاد ورخائه في بعض الأزمان؟ (¬3) وتزويج العبد ابنة سيده، كرهه مالك _______ (أ) - خ - (بحاذرة). ¬
خشية أن ترثه فيؤول الأمر إلى فسخ النكاح، بخلاف الابن أمة (أ) أبيه لبقاء الوطء له. ورد بأن النكاح يفسخ والشركة تمنع -قال ابن محرز (¬4): وإنما تعليل الكراهة في الإبنة لأنه (ب) ليس من مكارم الأخلاق، (¬5) وقد يشق عليها، كما كره الفارهة للوغد، (¬6) وكره من جهة الدناءة أن يزوج أم ولده، والمختارة نفسها على الشاذ، لأنه قد يعتق. والمرتد لأنه قد يتوب، ولم يعتبره في المشهور لأنه من بعيد الطواريء. _______ (أ) - خ- زيادة (في) أمة. (ب) - خ - (أنه). ¬
(القاعدة الخامسة والسبعون) اشتراط ما يوجب الحكم خلافه مما لا يقتضي فسادا هل يعتبر أم لا؟
(القاعدة الخامسة والسبعون) اشتراط ما يوجب الحكم خلافه مما لا يقتضي فسادا هل يعتبر أم لا؟ (¬1) وعليه اشتراط الرجعة في الخلع، فقيل بائن للعوض، وقيل رجعية للشرط؛ (¬2) ومن اشترط أن لا رجوع له في الوصية، (¬3) ومن اشترط الاعتصار في الصدقة أو التزم عدمه في الهبة، ومن اشترط الضمان فيما لا يغاب عليه من العواري ¬
والرهان، ونفيه فيما يغاب عليه منهما؛ ومن اشترط الضمان في الوديعة والقراض والمستأجر، ومن اشترط أن لا قيام بجائحة. (تنبيه): نص الفقهاء -رضي الله عنهم- على أن التزام ما يخالف سنة العقود شرعا من ضمان أو عدمه ساقط على المشهور وكالوديعة على الضمان، والاكتراء كذلك. وحمل القاضي محمد بن يبقى بن زرب (¬4) -رحمه الله- ما قالوه على ما إذا كان الالتزام عند العقد حتى يكون ذلك على الوجه المناقض للشرع فيجب حينئذ أن يبقى الحكم تابعا للمشروع. قال ابن زرب: فلو تبرع بالضمان وطاع به بعد تمام الاكتراء، لجاز (أ) ذلك. قيل له فيجب على هذا القول الضمان في مال القراض إذا طاع به قابضه بالتزام الضمان. فقال إذا التزم الضمان طائعا بعد أن شرع في العمل فما يبعد (ب) أن يلزمه. _______ (أ) - خ - (لحاز) بالحاء المهملة. (ب) - خ - (بعيد). ¬
ونقل ابن عتاب (¬5) عن شيخه أبي المطرف بن بشير أنه أملى عقدا بدفع الوصي مال السفيه (أ) قراضا إلى رجل على جزء معلوم، وإن العامل طاع بالتزام ضمان المال وغرمه. وصحح ابن عتاب مذهبه في ذلك، ونصره بحجج بسطها، وأدلة قررها، ومسائل استدل بها، وقال بقوله فيها، واعترض غيره من الشيوخ ذلك وأنكره، وقال: التزامه غير جائز، وفي سماع ابن القاسم ما يشهد لصحة الاعتراض على ابن بشر، وفي رسم الجواب من سماع ابن القاسم ما يؤيد صحة قوله. انظر أحكام ابن سهل (¬6). _______ أ) - خ - (للسفيه). ¬
(القاعدة السادسة والسبعون) اشتراط ما يفيد هل يجب الوفاء به أم لا؟
(القاعدة السادسة والسبعون) اشتراط ما يفيد هل يجب الوفاء به أم لا؟ (¬1) وعليه لو وكله على البيع بعشرة فباع باثني عشر، أو قال بع نسيئة فباع نقدا، هل له الرد أم لا؟ والحق أن لا رد للعادة، إلا أن يتبين غرض في النسيئة؛ (¬2) ومن خالعته على ثلاث فطلق واحدة، والمذهب أن لا كلام لها. وصحح ابن بشير تخريج اللخمي الخلاف على القاعدة، (¬3) واختار بعضهم (¬4) أنه شرط يفيد تقية غلبة الشفاعة لها في مراجعته على كراهة منها (¬5)، وتعيين الدنانير والدراهم بالتعيين (¬6) واشتراط المتحمل له على حميل الوجه أن يحضر له غريمه ببلد سماه، ¬
فأحضره بغيره من البلاد مما تأخذه فيه الأحكام، ولا مضرة تلحق المحتمل له في أخذه هناك (¬7). واشتراط المكري داره على المكتري أن لا يسكن داره إلا بعدد معلوم فأراد المكتري الزيادة في العدد، فهل يمكن من ذلك إذا لم يلحق صاحب الدار منه ضرر أم لا؟ ، واشتراط المتحمل له على الحميل إحضار الغريم ببلد تأخذه فيه الأحكام فخرب ذلك البلد وصار مما لا تجري فيه الأحكام، فأحضر الحميل الغريم في البلد، هل يبرأ الحميل، لأنه وفي بما اشترط له (أ) عليه، أو لا يبرأ - لأن المقصود حين الاشتراط التمكن من أخذ الحق من الغريم. وإذا صار البلد المشترط لا تجرى فيه الأحكام بطل المقصود بالحمالة، فلا تسقط (¬8)، وإذا أراد من أسلم إليه في _______ (أ) (له) ساقط في (خ). ¬
ثمر (أ) حائط بعينه، أو نسل حيوان بعينه أن يعطي الثمر (ب) والنسل من غيرهما على الصفة، وإذا باع على حميل بعينه غائب فلم يرض الحميل، ورضى المشتري أن يأتي بحميل مثل الأول، هل يلزم البائع قبوله إذا كان مثله في الثقة والوفاء وقلة اللدد، أو لا؟ وإذا باع على رهن بعينه غائب فهلك الرهن في غيبته، فهل للمبتاع أن يأتي برهن سواه ويلزمه البائع أم لا؟ (ج) والمشهور ومذهب (د) المدونة فيهما (¬9) أن لا، وهما على القاعدة. ومن اشترى عبدًا أميا فألفاه كاتبا، أو جاهلا فألفاه عالما، أو أمة على أنها ثيب فألفاها بكرا، أو أنها نصرانية فوجدها (هـ) مسلمة؛ قال الإمام أبو عبد الله المازري -رحمه الله- إلا أن يعتل المشتري بأنه إنما اشترط كونها نصرانية لكونه أراد أن يزوج عبدا له نصرانيا منها، فإن هذا إذا علم منه صحة عذره كان له الرد، وكذلك إن اعتذر أنه سبقت منه يمين أن لا يملك مسلمة (¬10). _______ (أ) - ق - (تمر). (ب) - ق - (التمر). (ج) - ق - (البيع أو لا؟ ). (د) - خ - (مذهب) بدون واو العطف. هـ - خ - (أولًا) وهو تصحيف (هـ) - (فألفاها). ¬
(تنبيه) قيل للشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن (¬11) إن النصرانية عند أهل صقلية أغلى ثمنا من المسلمة، فقال: إذا اشترط كونها نصرانية فوجدها مسلمة - والأمر كذلك عندهم - فإن له الرد. وأنا استعظم أن أجعل الإسلام عيبا. ¬
(القاعدة السابعة والسبعون) البتة هل تتبغض أم لا؟
(القاعدة السابعة والسبعون) البتة هل تتبغض أم لا؟ (¬1) وعليه صحة الاستثناء، واختلاف الحكمين إذا قضى أحدهما بواحدة، والآخر بالبتة، هل تلزمه واحدة أولًا؟ (أ)، وإذا شهد واحد بواحدة وآخر بالبتة، هل تلزمه واحدة ويحلف على البتات، أو يحلف على تكذيب كل واحد منهما، ولا يلزمه شيء قولان - على الأصل والقاعدة (ب). _______ (أ) (ق) (الواحدة أم لا؟ ) (ب) في نسخة (خ) زيادة "والقيمة هل هي بيع أم لا؟ وعليه تقويم طعام من بيع، وجواز أخذ العوض في اختلاط الأضاحي بعد الذبح أو جزئها". وهي قاعدة خاصة ولم أثبت هذه الزيادة في الصلب، لأنها غير موجودة في نظم ولده. ¬
(القاعدة الثامنة والسبعون) النظر إلى الجزاف هل هو قبض أم لا؟
(القاعدة الثامنة والسبعون) النظر إلى الجزاف (¬1) هل هو قبض أم لا؟ وعليه في بيعه قبل قبضه قولان. (القاعدة التاسعة والسبعون) بيع الخيار هل هو منحل أو منبرم (¬2)؟ فعلى الأول يصح النكاح والصرف، إذ لا عقد يخاف من جريان الأحكام فيه، وعلى الثاني فلا، إذ لا تجرى فيه أحكام النكاح من الموارثة ونحوها، ويكون متراخيا في الصرف. وعليه لو باع المسلم عبده الكافر من كافر على أن الخيار ¬
للبائع، ثم أسلم العبد في مدة الخيار هل يجوز للمسلم امضاء البيع أم لا؟ قولان، بناء على أنه منبرم فيجور أو منحل فلا يجور لأنه كابتداء بيع. وعليه إذا اشترى أباه بالخيار له، هل يعتق عليه، وهو قول أصبغ وابن حبيب عمن رضي أولًا؟ - وهو مذهب المدونة قولان. (تنبيه): اتفقوا على أن ما حدث في أيام الخيار من غلة، كلبن وبيض وثمرة (أ) ونحو ذلك للبائع، (¬3) كما اتفقوا على أَن الضمان منه، (¬4) والنفقة وصدقة الفطر عليه، وكذلك اتفقوا على أن لا شفعة في الخيار إلا بعد الإمضاء. ابن عبد السلام: ولا فرق على المذهب في الخيار بين أن يكون للبائع أو للمشتري أو أجنبي، وخالف جماعة إذا كان الخيار لغير البائع (ب). _______ (أ) - خ - (وتمرة) بالتاء. (ب) - خ - (للبائع). ¬
(القاعدة الثمانون) الخيار الحكمي هل هو كالشرطي أم لا؟ (1)
(القاعدة الثمانون) الخيار الحكمي هل هو كالشرطي أم لا؟ (1) وعليه العبد والمحجور يتزوجان بغير إذن الحاجز ثم يجيز ومسألة الصرف في الخلخالين يباعان بعين ثم يستحقان، للمستحق إمضاء البيع ما لم يفترق المتبايعان (2). وقال أشهب: القياس؛ الفسخ، وإن تفرقا فللمستحق الإمضاء - إن قلنا بانبرام عقد الخيار وإن قلنا بانحلاله لم يكن له الإمضاء، وهكذا يجري (أ) الأمر في اشتراط حضور الخلخالين. قال ابن محرز إن كانت الإجازة كابتداء بيع، اشترط رضي المشتري، وإن كان ذلك تتميما لما تقدم، لم يشترط حضور الخلخالين، فالمسألة معترضة. _______ (أ) - خ - (يجزى) بالزاى وهو تصحيف واضح. _______ (1) المقري - القاعدة (583) - اللوحة (38 - ب): "اختلفوا في كون الخيار الحكمي كالشرطي أولًا؟ فإذا كان في النكاح خيار بسبب سابق على العقد، فالمشهور أنه يفسخ بطلاق، بناء على النفي، أو على أن الخيار منعقد، والشاذ بغير طلاق، بناء على أنه منحل، والمشهور أن للسيد إمضاء نكاح العبد بناء عليهما أيضًا، وكيل لا، لأنه منحل؛ بخلاف الأمة على المشهور لحق الله عزَّ وجلَّ، ومن ثم قيل: إن ولت غيرها فله الإجازة. (2) المرجع السابق.
قال ابن بشير: العذر عن حضور الخلخالين عد الإمضاء كالابتداء وعن عدم اشتراط رضي المشتري عد المصرف (أ) كالوكيل على الصرف، إذ لا مضرة على المشتري في الإمضاء لدخوله على ذلك (¬3). (تنبيه): ناقض اللخمي والمازري، وأبو الطاهر (¬4) قول أشهب في مسألة الخلخالين بقوله في العبد يتزوج حرة (ب) بغير إذن سيده أو المحجور (ج) بغير إذن وليه، ويدخل بها ثم _______ (أ) الأصل (المعرف) - ق - (المشتري) - خ - المصرف ولعلها الصواب. (ب) ساقطة في (خ). (ج) - خ - (والمحجور). ¬
توجد تزني - أن رجمها موقوف على إجازة السيد والولي - النكاح، فإن أجازه كانت محصنة ورجمت، وإن لم يجزه، لم ترجم، وحدت حد البكر. وأجاب الشيخ أبو الطاهر عن أشهب بما معناه، أن المناجزة المطلوبة في باب الصرف أضيق منها في باب النكاح، فلذا جعل الخيار الحكمي في الصرف: كالشرطي لضيقه (أ) بخلاف النكاح. وأجاب الشيخ الفقيه القاضي العلامة المحصل الأدرى: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عقاب الجذامي التونسي (¬5) - رحمه الله ورضي عنه وأرضاه - ومن خطه نقلت - لما سأله الجواب عن المناقضة المذكورة، وعن عدة مسائل شيخ شيوخنا الشيخ الفقيه المحصل الحافظ: أبو الربيع سليمان بن الحسن البوزيدي (¬6) تغمده الله (ب) برضوانه: بأن إجازة _______ (أ) - خ - (يضيقه). (ب) - خ - (تغمده برضوانه). ¬
السيد نكاح العبد من باب رفع المانع لحصول المقتضى - وهو أركان (أ) النكاح بجملتها، وإنما بقي إذن السيد - وعدم إذنه مانع. وأما إجازة المستحق فهي من باب المقتضى، لأن أحد العاقدين - وهو المالك للخلخالين - مفقود من العقد الأول، والعاقد غير المالك للخالين مفقود من العقد الأول والعاقد غير المالك، فلم تكمل أركان البيع، فهو من باب عدم بمقتضى؛ وقد علمت أن وجود المانع مع قيام المقتضى أخف من فقدان المقتضى؛ فلذلك ضعف الخيار في الأول فلم يتنزل منزلة الشرطي، وقوى في الثاني فتنزل منزلة الشرطي - والله أعلم. قال المؤلف -غفر الله له -: وجرى بيني وبين من نحا منحى ابن بشير في الجواب من أعيان الفقهاء نزاع كبير، وبحث أثير، يضيق هذا الملخص عن حمل سطوره، وضيم منثوره، ولعلنا نثبته في غير هذا التقييد - إن شاء الله تعالى. _______ (أ) - ق - (أن كان).
(القاعدة الواحدة والثمانون) إجازة الورثة هل هو تقرير أو إنشاء عطية
(القاعدة الواحدة والثمانون) إجازة الورثة هل هو (¬1) تقرير أو إنشاء عطية (¬2) فيه خلاف؛ وعليه إجازة الورثة الوصية للوارث، أو الزائد على الثلث، فعلى التنفيذ لا يفتقر إلى قبض، وعلى أنه ابتداء عطية فيفتقر إلى القبض قبل الحجر (¬3)، وهي قاعدة المترقبات إذا وقعت، هل يقدر وقوعها يوم الأسباب التي اقتضت أحكامها - وإن تأخرت الأحكام عنها - أم لا؟ (¬4) وعليها بيع الخيار إذا أمضى (أ) -كما مر تقريره (¬5). _______ (أ) - خ - (مضى). ¬
(تنبيه): نص أبو عمران (¬6) على أن للغرماء منع المفلس من إجازة الوصية للوارث، وبأكثر من الثلث، (¬7) ولم يحك فيه خلافًا وهو بين على القول بأن الإجاز إنشاء عطية - وهو المشهور (¬8) والجاري على أنه تقرر أن لا يمنعوه - والله أعلم. ¬
(القاعدة الثانية والثمانون) من الأصول: المعاملة بنقيض المقصود الفاسد
(القاعدة الثانية والثمانون) من الأصول: المعاملة بنقيض المقصود الفاسد (¬1) وعليه حرمان القاتل عمدا من الميراث، وتوريث المبتوتة في المرض المخوف، وجبر الثيب بالزنى إذا قصدت به رفع الإجبار، (¬2) وابتياع الزوجة زوجها قاصدة حل النكاح، (¬3) وقاصدة الإحناث على قول أشهب، (¬4) والوصية للوارث وبأكثر من الثلث (¬5) وقاصد الإفاتة في البيع الفاسد بالبيع الصحيح على طريق عياض لا اللخمي، (¬6) وقاصد الفساد في البيع ¬
الصحيح كمن اشترى قصيلا (¬7) فاستغلاه (أ) فأبى البائع من الإقالة فتركه حتى تحبب على رأي ابن يونس (¬8): ومن هرب برأس المال فيتأخر (ب) (¬9)، ومن أقال في السلم فهرب قبل قبض رأس مال السلم قاصدا فسخ الإقالة، (¬10) ومن أبدل ماشية فرارا من الزكاة، (¬11) ومن ارتحل من البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها - فرارا منها، فإنه يلحقه حكمها حيثما - كان عند ابن القاسم وغيره. _______ (أ) - ق - فاستقاله ولعلها الصواب. (ب) - ق - (ليتأخر وفي - خ - (فتأخر). ¬
وإذا اشترى قوم قلادة ذهب على النقد وفيها لؤلؤ (أ) فلم (ب) ينقدوا حتى فصلت وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب، فلما وضعوا أرادوا نقض البيع لتأخير النقد. قال ابن المواز (¬12) عن ابن القاسم: لا يفسد ذلك لأنه باع على النقد، ولم يرض بتأخيرهم، إنما هو رجل مغلوب، وجودها سحنون. ومن تصدق عليه بصدقة فقام بطلبها فمنعه المتصدق من قبضها فخاصمه فيها فلم يقبضها حتى مات المتصدق أو فلس، فإنه يقضى لربها بعد الفلس والموت إذا أثبتها بالبينة المرضية، (¬13) وسارق النصاب في كرات (ج) وهو يقدر على إخراجه من الحرز في دفعة واحدة (¬14)، والتي ترتد معتزية (د) (¬15) فسخ ¬
النكاح في رواية علي، (¬16) وبه أفتى الحوفي (¬17) حين نزلت ببجاية، وبه قال يحيي بن يحيي (¬18) في نقل ابن كوثر (¬19) عنه، ونصه: وإذا تنصرت المرأة راجية بذلك فراق زوجها لكراهتها فيه، ضربت ضربا وجيعا، ثم ردت إليه - أحبت أو كرهت، وإنما تفارقه وتملك نفسها إذا ارتدت كراهية في الإسلام، وحرصا على الدين الذي دخلت فيه، فلما استتيبت رجعت إلى الإسلام، فحينئذ يكون زوجها خاطبا من الخطاب، وتفعل في نفسها ما شاءت، وتأخذ صداقها كله عند محله - إذا ¬
كان ذلك بعد الدخول. وخالف يحيى بن عمر (¬20) وقال: الردة تزيل العصمة كيف كانت، وتوقف فيها ابن زرب؛ والذي يرتد في مرضه - وقد علم أنه قصد الفرار بماله من الورثة لبغض معروف، على دليل المدونة، واجبار المطلق في الحيض على الرجعة (أ) (¬21). وهي قاعدة: _______ (أ) في (خ) زيادة (ومنع المطلق في الحيض من الطلاق في الطهر الذي يليه، لأنه استعجل الطلاق، حيث لا يجوز. فمنع منه حيث يجوز) ولم أثبت هذه الزيادة في الصلب. لأن ولده لم يذكرها في نظمه - وهو الحجة في هذا الباب. ¬
من استعجل الشيء قبل أوانه فإنه يعاقب بحرمانه (¬22). وعليها تأبيد تحريم المتزوجة في العدة، (¬23) والمخلقة (¬24) على رأي ابن ميسر، (¬25) واختيار الشيوخ وحرمان المدبر القاتل سيده (أ) عمدا من العتق والموصى له يقتل الموصي (ب). _______ (أ) - خ - (لسيده). (ب) - خ - (الوصى). ¬
(تنبيه): خالفوا هذا الأصل في المتصدق بكل المال لإسقاط فرض الحج، ومنشئ السفر في رمضان للإفطار ومؤخر الصلاة إلى السفر للتقصير، أو إلى الحيض للسقوط، ومؤخر قبض الدين فرارا من الزكاة، وبائع الماشية بعد الحول فرارا من زكاة عينها، (¬5) وصائغ الدنانير والدراهم حليا لإسقاطها، وذات الزوج تقصد بعطية الثلث فدون الإضرار - وفيها ثلاثة أقوال، وانظر إذا قتل السيد أمته، أو زوج أمته، أو المرأة نفسها أو زوجها قبل البناء، فالمنصوص تكميل الصداق، لأن التهمة فيه أضعف، وكذلك أم الولد تقتل سيدها، فلا تبطل بذلك حريتها، وكذلك الطالب بالدين إذا قتل مطلوبه قبل حلول أجل دينه، فإنه يحل بموته، ولا يتهم بتعجيله؛ (أ) وكذلك السيد يقتل مكاتبه فإن الكتابة تحل بموته؛ وكذلك من أعتق عبده إلى موت دابة فقتلها العبد، فقالوا تعمر الدابة ويعتق العبد بعد ذلك. وانظر على هذه لو أعتقه إلى موت فلان لقتل العبد فلانًا، وكذلك أن أوصى لعبد رجل، أو لولده، (ب) أو زوجته، فقتله _______ (أ) - خ - (تعجيل) بدون باء. (ب) ق - (ولده). ¬
السيد أو الأب، أو الزوج، قالوا لأنه لا يتهم أحد أن يقتل من أوصى لأبيه، أو لابنه، أو لغيره، أو لزوجته، لعل أن يعطيه منه شيئًا.
(القاعدة الثالثة والثمانون) الموزون إذا دخلته صنعة هل يقضى فيه بالمثل أو بالقيمة؟
(القاعدة الثالثة والثمانون) الموزون إذا دخلته صنعة هل يقضى فيه بالمثل أو بالقيمة؟ (¬1) اختلفوا فيه، وهي من تعارض حكم المادة والصورة المباحة، فمالك والشافعي يقدمان الصورة فيجعلانه كالعرض، والحنفية وبعض المالكية يقدمان المادة فيجعلانه كالتبر، وعليه إذا بيع الحلي أو الغزل بيعا فاسدا، فقد اختلف المالكية هل تفيته الحوالة أم لا كالمثلى (¬2)؟ . وكذلك إذا استهلك هل يقضى فيه بالمثل أم بالقيمة - على هذه القاعدة (¬3). ¬
وكذلك إذا استحق - وكان ثمنا، هل ينفسخ البيع أو لا؟ (أ). وهذا كله في الصورة المباحة، وأما الممنوعة لقد مر أن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا (¬4). (تنبيه): الأصل (ب) أن من أتلف مثليا فعليه مثله إلا في المصرة (¬5) لأجل اختلاط لبن البائع بلبن المشتري، وعدم تمييز (ج). المقدار وفي الجزاف (¬6) وغاصب الماء في المعاطش ومحل عزته، (د) ومتسلفه في موضع غلائه (هـ) - على الشاذ المنصور والأصل أن من أتلف مقوما فعليه قيمته إلا في مسألة الحلي المتقدمة على قول مالك وأشهب، والغزل - على ما سلف من الخلاف، والجدار ومن دفن في قبر متعديا - على رأى سحنون (¬7). _______ (أ) - في (أم لا). (ب) في (خ) (والأصل) بالواو. (ج) في (خ) (تميز). (د) عبارة (ومحل عزته) ساقطة في (خ). (هـ) في الأصل (غلا به) وفي (خ) (غلاثه). ¬
(تنبيهان): الأول م قام غير واحد من المحققين كابن سهل، والباجي، وابن رشد، من مسألتى جلد البعير والشاة، اللتين في التجارة والصناع (أ) وغيرها من مسائل المدونة - القضاء بالمثل في العروض (ب) كمسألة الرفو في كتاب الغصب، (¬8) ومسألة المخدمة في كتاب أمهات (¬9) الأولاد: من أخدم "أمته رجلا سنين ثم وطئها فحملت منه، كانت له أم ولد في ملائه، وتؤخذ (ج) منه مكانها أمة تخدم في مثل خدمتها، وقيل تؤخذ منه قيمتها فيؤاجر منها خادم، وبهذا الرأي -أعني القضاء بالمثل في المقوم (د) - كان يحكم آخر المجتهدين بفاس القاضي أبو يحيى أبو بكر بن خلف المواق (¬10) - فيما _______ (أ) - خ - (الضياع). (ب) - خ - (العرض). (ج) - خ - (يوخذ). (د) - عبارة (المقوم) ساقطة في (خ). ¬
حكى الشيخ أبو الحسن الصغير، (¬11) عن أبي محمد صالح (¬12) عن شيخه أبي محمد بن تاعزيزت، (أ) وصرح القاضي أبو الوليد الباجي (¬13) -رحمه الله تعالى- بأنها رواية عن مالك. وفي صحة الاعتراض عليه - عند الحذاق - نظر لأنه ثقة راسخ القدم. الثاني (ب) قال بعضهم (¬14): الأصل قضاء ما في الذمة بمثله، فإن تعذر أو تعسر، رجع إلى القيمة، وهذا أصل مذهب _______ (أ) - خ - تاغريزت) وفي - ق - (عزيرت). (ب) - ق - (قول). ¬
مالك في ضمان ما سوى المكيلات والموزونات والمعدودات بالقيمة، أعني التعذر أو التعسر وتأول حديث القصعة، (¬15) وهو معترض بالقرض، وبثبوته في الذمة سلما، فإن انقطع اعتباره كالفلوس بترك التعامل بها، فمشهور مذهبه القضاء (أ) بالمثل والشاذ القيمة. _______ (أ) كلمة (القضاء) ساقطة في (خ). ¬
(القاعدة الرابعة والثمانون) ما في الذمة هل هو كالحال أم لا؟
(القاعدة الرابعة والثمانون) ما في الذمة هل هو كالحال أم لا؟ (¬1) اختلفوا فيه، وعليه صرف الدين المؤجل، والمشهور المنع، وزكاة دين المدين (أ) المؤجل هل بالقيمة وهو المشهور أو بالعدد وهو الشاذ (¬2) وعليه ما إذا كان له دين - وعليه دين، هل يجعل ما عليه في عدد ماله فيزكى ما بيده من العين، أو يجعله في قيمته. وعليه إذا (ب) أخذ شقصا عن دين هل الشفعة فيه بالقيمة أو بالعدد (¬3). _______ (أ) - خ - (المدير) - بالراء. (ب) - ق - (أن) - بدل إذا. ¬
(القاعدة الخامسة والثمانون) ما في الذمة هل يتعين أم لا؟
(القاعدة الخامسة والثمانون) ما في الذمة هل يتعين أم لا؟ (¬1) وعليه براءة ذمة الغريم الذي أخذ منه دين لرجل آخر غصبا، وعدم براءته قولان لمتأخري فقهاء تونس؛ وعلى تعيينه أفتى ابن عرفة (¬2) حين سئل عمن في ذمته دينار - ثمن ثوب، ودينار ثمن طعام لرجل واحد، هل يصح أخذ الطعام عن ثمن الثوب ويكون متميزا بشحصه كما تميز بنوعه أم لا؟ قال: نعم كقول المدونة في عدم دخول أحد الشريكين فيما اقتضى من دينهما مقسوما في ذمة رجل (¬3). ¬
(تنبيه): لم يحفظ القاضي الإمام أبو عثمان العقباني (¬4) -رحمه الله- خلافا في أن ما في الذمة لا يتعين، فقال (أ) في "لباب اللباب" في مناظرته مع القباب (¬5): "الدين يتعلق بالذمة، والغصب يتعلق بعين الشيء المغصوب , ولا مزاحمة بينهما؛ ولذلك لم يقل أحد: إن من عليه دين يبرأ بغصب الغاصب له، ولو صرح الغاصب بأن يقول: إنما غصبت ذلك الدين، بل ينصرف الغصب إلى عين ما غصب، ويبقى الدين في الذمة. انتهى. _______ (أ) - ق - (قال). ¬
وما قاله العقباني -رحمه الله- هو الذي يظهر من الفرق السابع والثمانين من قواعد (¬6) شهاب الدين القرافي (¬7) - رحمه الله - ومثله في قواعد القاضي (أ) أبي عبد الله المقري (¬8) -رحمه الله- ولفظه "المعين لا يستقر في الذمة، وما تقرر في الذمة لا يكون معينا" (¬9). _______ (أ) كلمة (القاضي) ساقطة في (ق). ¬
(القاعدة السادسة والثمانون) الموجود حكما هل هو كالموجود حقيقة أو لا؟
(القاعدة السادسة والثمانون) الموجود حكما هل هو كالموجود حقيقة أو لا؟ (¬1) وعليه صرف ما في الذمة كما مر (¬2). ¬
(القاعدة السابعة والثمانون) البيع هل هو العقد فقط؟ أم العقد والتقابض عن تعاوض؟
(القاعدة السابعة والثمانون) البيع هل هو العقد فقط؟ أم العقد والتقابض (¬1) عن تعاوض؟ وعليه ضمان ما في المكيل بعد التقدير، وقبل مضي مقدار التمكين، أهو من البائع، أم من المشتري؟ (¬2) وإذا هلك بعد العقد وقبل القبض، فعلى أن البيع التعاقد، فالضمان من المبتاع، وعلى أنه التقابض عن تعاوض، فالضمان من البائع (¬3). وعليه ما إذا غصب شيئًا ثم باعه وقبض ثمنه ثم افتقر، وقد أجاز المستحق البيع؛ فعلى أن البيع التعاقد والتقابض معا، لا يكون له على المبتاع ثمن، وعلى أن البيع التعاقد فقط، فقد أجاز البيع دون القبض، فله أن يأحذ من المبتاع الثمن ثانية (أ) (¬4). _______ (أ) عبارة (فله أن يأخذ من المبتاع الثمن ثانية) ساقطة من (ق). ¬
تنبيه: قال المازري (¬5) -رحمه الله تعالى- ويبعد أن يعتقد أحد من أهل - المذهب أن حقيقة البيع هو التقابض عن تعاوض. ابن عبد السلام (¬6): وهذا القول قد أنكر وجوده في المذهب بعض كبار الشيوخ وحفاظهم، ويبنى (أ) على هذا الإنكار تخطئة ما يثبته الموثقون وغيرهم من الحكم على البائع بإنزال المشترى في الربع المبيع، وتطواف الشهود عليه؟ وقال: لو كان هذا لازما للبائع، لما كان ذلك حق تولية، فيكون ضمان الدار المبيعة من بائعها حتى يقبضها المشتري. وأثبت بعضهم هذا القول في المذهب ورأى أن القول بإنزال المشتري مبني عليه (¬7). وبالجملة فهو قول مختلف في ثبوته بين الشيوخ، وأصول المذهب تأباه. _______ (أ) في الأصل (ويبني) وفي - خ - (وبناء) ولعل الصواب ما في نسخة (ق) (وبنى) بدليل ما بعده (قال). ¬
ابن رشد (8) في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع: شراء الرجل من الرجل الدار أو (أ) الأرض لا يخلو من أربعة أوجه: - أحدها: أن يكون المبتاع مقرا للبائع باليد والملك. - والثاني: أن يقر له بالملك، ولا يقر له باليد. - والثالث: أن يقر له باليد ولا يقر له بالملك. - والرابع: أن لا يقر له بيد ولا ملك. فأما إذا كان مقرا له باليد والملك، فلا يلزمه أن يحوزه ما باع منه، ويسلمه إليه، وينزله فيه، وإن (ب) دفعه دافع عن النزول في ذلك أو استحقه منه مستحق بعد النزول فيه، في مصيبة نزلت به في قول سحنون. والصواب أنه يلزمه (ج) أن ينزله فيما باع منه ويسلمه إليه بمنزلة إذا كان مقرا له بالملك، غير مقر له باليد - مخافة أن ينهض لينزل فيه فيمنعه وكيله فيه، أو أمينه عليه من النزول فيه، ويقول له: لا أدري صدق ما تدعيه من شرائه، فإن نزل فيه وصار بيده على الوجهين فاستحقه منه مستحق كانت _______ (أ) في - خ - (أو) وهو الأنسب. (ب) في - ق - (وإذا). (ج) ساقطة في (خ). _______ (8) تقدمت ترجمته في ص: 225 رقم 12.
مصيبة نزلت به على قول سحنون، وعلى ما في سماع عيسى (¬9) عن ابن القاسم من كتاب "الاستحقاق"؛ وخلاف قول أشهب في المجموعة. (¬10) وقد قيل: إنه خلاف ما يقوم من سماع عبد الملك (¬11) في كتاب (الكفالة والحوالة) في قول ابن وهب، وأشهب، وليس ذلك - عندي - بصحيح. وأما إذا كان مقرا له باليد غير مقر له بالملك، فعلى مذهب سحنون لا يلزم البائع أن يحوزه ما باع منه. والصواب أن ذلك يلزمه - على ما ذكرناه - للعلة التي وصفناها، فإن استحق من يده شيء من ذلك وجلب له الرجوع بذلك على البائع. وأما إذا كان غير مقر له باليد ولا بالملك، فلا اختلاف أنه يلزمه أن يحوزه ما باع منه وينزله فيه مخافة أن ينهض لقبض ذلك والنزول ليه، فيمنعه منه (أ) مانع؛ فإن استحق من _______ (أ) (منه) ساقطة في (خ). ¬
يده شيء من ذلك وجب له به الرجوع على البائع أيضًا، وضمان ما يطرأ على ذلك بعد العقد - وإن كان قبل القبض في الوجوه كلها: من غضب، أو غرق أو هدم، أو حرق، (أ) وما أشبه ذلك - من المبتاع، إلا على القول بان السلعة المبيعة في ضمان البائع، وإن كان قبض الثمن وطال الأمر ما لم يقبضها المبتاع، أو يدعوه (ب) البائع إلى قبضها فيأبى - وهو قول أشهب. فللخروج من هذا الاختلاف (ج)، يقول الموثقون في وثائقهم: ونزل المبتاع فيما ابتاع، وأبرأ البائع من درك الإنزال، لأنه بنزوله فيما ابتاع يسقط الضمان عن البائع باتفاق، ولكل واحد من المتبايعين حق في الإنزال على صاحبه. إذا دعا إليه وجب أن يحكم له به عليه البائع، ليسقط عنه الضمان المختلف في لزومه إياه، والمبتاع ليجد السبيل إلى الرجوع عليه بما يستحق من يده. انتهى (¬12). وتأمل الكلام على الإنزال، وصفته في أحكام ابن سهل، وكتب الموثقين، كالمجموعة والمتيطية (¬13) وغيرهما. _______ (أ) - ق - (حرز أو) وهو تصحيف. (ب) - ق - (يدعو). (ج) - خ - (الخلاف). ¬
(القاعدة الثامنة والثمانون) من أخر ما وجب له عد مسلفا
(القاعدة الثامنة والثمانون) من أخر ما وجب له عد مسلفا (¬1) ومن ثم لم يجز أن يأمره بصرفه، ولا أن يسلمه لئلا يكون تأخيرا بمنفعة، وإن أسلمه إلى نفسه، ففسخ دين في دين (¬2). ¬
(القاعدة التاسعة والثمانون) من جعل ما لم يجب عليه هل يعد مسلفا ليقتضي من ذمته إذا حل الأجل إلا في المقاصة - وهو المشهور، أو مؤديا - ولا سلف ولا اقتضاء وهو المنصور لأنه إنما قصد إلى البراءة والقضاء؟
(القاعدة التاسعة والثمانون) من جعل ما لم يجب عليه هل يعد مسلفا ليقتضي من ذمته إذا حل الأجل إلا في المقاصة - وهو المشهور، أو مؤديا - ولا سلف ولا اقتضاء وهو المنصور لأنه إنما قصد إلى البراءة والقضاء؟ (¬1) وعليه صرف المؤجل، ومسألة الفرس في بيوع الآجال أن يسلم فرسا في عشرة أثواب إلى أجل، ثم يشتريه بخمسة منها ويسترد معه خمسة. قال في المدونة (¬2): لا يجوز، لأنه إن كان يساوي دون الخمسة يدخله ضع وتعجل، أو فوقها (فحط الضمان)، ولأنه بيع بخمسة، والخمسة الأخرى سلف من المعجل يأخذها (أ) من ذمته (¬3). _______ (أ) - خ - (يأخذه). ¬
(القاعدة التسعون) المستثنى هل هو مبيع أو مبقى؟
(القاعدة التسعون) المستثنى هل هو مبيع أو مبقى؟ (¬1) وعليه لو باع شجرا واستثنى ثمرتها، هل يمنع من بيع المستثنى قبل قبضه أو لا؟ (أ) - قولان لمالك، ونصَرَ ابن عبد الحكم، والأبهري (ب) (¬2) - الجوازَ، ولا ضمان هاهنا على المشتري (¬3) باتفاق. ومن استثنى من الثمرة كلا فاجيح بما يعتبر هل يوضع من المستثنى (ج) بقدره أم لا؟ - قولان. ¬
روى ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم أنه يحط، وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ - بناء على أنه مشترى، وروى ابن وهب أنه لا يحط - بناء على أنه مبقى، وكأنه إنما باع من حائطه ما بقي بعدما استثنى، لأن الذي استثناه أبقاه على ملكه، وإذا أكرى داره أو أرضه - وفيها شجر، فاستثنى رب الأرض أو الدار منها شجرا بأعيانها لنفسه، وأدخل ما عداه في الكراء؟ منعه ابن العطار، (¬4) وأجازه ابن أبي زمنين (¬5) - بناء على أن المستثنى مبيع أو مبقى، وإذا مات ما استثنى (أ) منه معينا، (ب) هل يضمن المشتري أم لا؟ (¬6) - قولان على القاعدة، _______ (أ) - خ - (اشترى). (ب) - ق - (معين) وهو أصح. ¬
فعلى أنه مبقى لا ضمان، وعلى أنه مبيع فالضمان، ولابن القاسم القولان. وإذا باع دارا واستثنى سكناها سنة فانهدمت، أو باع دابة واستثنى ركوبها يومين فهلكت، قال مالك: لا ضمان للسكنى والركوب، وقال أصبغ (¬7) بالضمان - بناء على القاعدة. (تنبيه): قال الشيخ أبو القاسم بن محرز: (¬8): قول ابن القاسم هو الصواب، ولا معنى لقول أصبغ، ومذهب أصبغ يدل على أن المستثنى - عنده - على ملك المشتري، وهذا مما يعلم بطلانه ضرورة، وذلك أن المشتري ما ملك قط المستثنى، ولا بيع منه، إنما بيع منه ما سواه، فكيف يقال أنه ملكه، وإنه باعه حتى تكون عليه فيه عهدة؟ هذا لا ينبغي لمن له تحصيل أن يذهب إليه، وهذا - عندنا - وهم من أصبغ -رحمه الله، ولو كان المستثنى يستوفى على ملك المشتري، للزم في الصبرة إذا استثنى البائع منها كيلا مثله، أن يكون ضمان ذلك ¬
الكيل (أ) من المشتري حتى يوفيه البائع، هذا مما لا يقول به أحد (¬9). وأما مسألة مالك في الذي استثنى من ثمرته التي باع كيلا، وكراهيته في أحد قوليه: أن يبيع ما استثنى حتى يكال له ويستوفيه، فإنما كرهه خوف الالتباس، لئلا (ب) يراه من (ج) يعقد فيه بيعا لم يكتله، فيتوهم أنه يشتريه من المشتري، ولا يعلم أصل المعاملة كيف كانت، ولعله ممن يقتدى به فكرهه لذلك. تنبيه ثان: قال ابن رشد -رحمه الله-: لم يختلف قول مالك -رحمه الله- ولا قول أحد من أصحابه - فيما علمت - أنه لا يجوز بيع الأمة ولا بيع شيء من الحيوان، واستثناء ما في بطنه، لأنهم رأوا البائع مبتاعا للجنين بما وضع من قيمة الأم بمكان (د) استثناء الجنين، فكأنه على مذهبه ومذهبهم بالثمن (هـ) الذي سمى، وبالجنين الذي استثنى؛ وإن كان قد اختلف قوله وأقوالهم في المستثنى هل هو مبقى على ملك البائع، أو هو بمنزلة المشترى في غير مسألة، فيأتي على _______ (أ) خ وق (المكيل) (ب) خ (لأنه). (ج) خ (من) ساقطة وعطف بالواو. (د) - خ - (لمكان). (هـ) - ق - زيادة (بيع). ¬
القول في المستثنى أنه مبقى (ج) على ملك البائع - إجازة بيع الحامل واستثناء ما في بطنها، وعلى هذا أجازه من أجازه من أهل العلم، فمنهم الأوزاعي، (¬10) والحسن، (¬11) واحمد بن حنبل، (¬12) وإسحاق (¬13) بن راهويه، وداوود، (¬14) وروى ذلك _______ (ج) - خ - زيادة (هل هو). ¬
عن عبد الله بن عمر (¬15) - رضي الله عنه - فإذا باع الرجل الحامل واستثنى ما في بطنها؛ فهو على مذهب مالك وأصحابه بائع للأمة، ومبتاع لما في بطنها في صفقة واحدة؛ فوجب أن تكون البيعتان فاسدتين انتهى (¬16). فتأمله مع ما لابن محرز، ولعل اتفاق المالكية على المنع في هذه حجة على ابن محرز فيما تعقبه (أ) على أصبغ. _______ (أ) - خ - (يعقبه). ¬
(القاعدة الواحدة والتسعون) الإقالة هل هي حل للبيع الأول أو ابتداء بيع ثان؟
(القاعدة الواحدة والتسعون) الإِقالة هل هي حل للبيع الأول أو ابتداء بيع ثان؟ (¬1) وعليه لو باع تمرا (أ) بعد زهوه ثم أقال منه بعد يبسه، فإن كانت حلا جار لأنه على عين الشيء، وليس من بيع طعام (ب) واقتضاء غيره، وإن كانت ابتداء امتنع لأنه كاقتضاء طعام ثان من ثمن طعام، فلو فلس المشتري لجاز أخذ اليابس اتفاقا لبعد التهمة، (¬2) وعليه جوزاها في ذي الطبل، والوظيف، (¬3) وبالمنع قال ابن العطار (ج) وبالجواز قال ابن سعيد الهندي (¬4). _______ (أ) - خ - (ثمرا) بالثاء المثلثة. (ب) خ وق (الطعام). (ج) خ وق زيادة (وابن زرب). ¬
وعليه أيضًا ثبوت العهدة وعدمها، فعلى أنها كابتداء بيع فالعهدة، وعلى أن لا فلا؛ ولم يرتض (أ) الإمام أبو عبد الله المازري -رحمه الله- القول بوجوب العهدة في الإقالة - على القول بأنها كابتداء بيع، معتلا بأن هذا بيع قصد فيه إلى المعروف، فلم يلحق بالعقود المقصود فيها (ب) المعاوضة على جهة المكايسة. (تنبيه) الإقالة عندنا - بيع من البيوع، إلا في ثلاث مسائل (¬5): - الإقالة في المرابحة. - والإقالة في الطعام. - والإقالة في الشفعة. _______ (أ) - خ - (يرض). (ب) - خ - (بها). ¬
(القاعدة الثانية والتسعون) الرد بالعيب هل هو نقض للبيع من أصله أو كابتداء بيع؟
(القاعدة الثانية والتسعون) الرد بالعيب هل هو نقض للبيع من أصله أو كابتداء بيع؟ (¬1) وعليه من اشترى أمة على المواضعة، (¬2) ثم ردها بعيب بعد خروحها من المواضعة، هل يجب على المشتري أيضًا مواضعتها كما وجب له ذلك على البائع أم لا؟ (¬3). ومن اشترى عبدا كافرا من كافر، ثم أسلم العبد فاطلع على عيب به، هل له الرد على بائعه الكافر أم لا؟ - قولان على القاعدة. ¬
ابن القاسم: نعم، أشهب وعبد الملك: لا - واختاره ابن حبيب (¬4). ومن رد بعيب ثم تلف قبل القبض، ففي ضمانه قولان؛ فعلى أنه حل للبيع من أصله، يكون الضمان من البائع؛ وعلى أنه كابتداء بيع، يعود الأمر إلى اعتبار تعلق الضمان بمجرد العقد للبيع، أو بمجرد العقد مع اعتبار مضي إمكان التسليم بعده؛ إلى غير هذا مما قيل فيه. وعليه أيضًا رد السمسار الجعل، فعلى أنه نقض للبيع من أصله يرد - وهو مذهب المدونة (¬5)، وعلى أنه كابتداء بيع لا يرد؛ ومن باع سلعة من أهل الذمة في غير قطره، ثم ردت عليه بعيب، في إعطائه العشر قولان - بناء عليهما. وما في تفليس العتبية: إذا أوصى بخيار أمة في عتقها وبيعها، فاختارت البيع فبيعت، ثم ردت بعيب فأرادت الرجوع للعتق؛ هل لها (أ) ذلك أم لا؟ . ابن وهب نعم، وغيره لا - بناء على القاعدة. _______ (أ) - خ - (ولهما). ¬
وعليه الماشية ترد بعيب في بناء ربها على ما تقدم أو استقباله - قولان (¬6). وعليه إن حلف بعتق عبده إن كلم فلانًا ثم باعه، ثم كلمه، ثم رد بعيب، هل يحنث بالكلام الواقع منه قبل أن يرد عليه أم لا؟ - قولان على القاعدة. وعليه إذا حاص البائع الغرماء في الفلس لفوات السلعة، ثم ردت بعيب. (¬7). وعليه لو خالعها فتبين أن به عيب خيار، ففي رجوعها عليه - قولان - على القاعدة (أ). تنبيه: ضعف كون الرد بالعيب كابتداء بيع بأنه لو كان كذلك لتوقف على رضي البائع، ولوجبت الشفعة للشريك إذا رد المشترى بالعيب والعهدة فيه - إذا رد به، ولا يجب الجميع _______ (أ) في نسخة (ق) زيادة (وعليه إذا لم يقم الشفيع بالشفعة حتى رد المبتاع الشقص بعيب فعلى أنه بيع. فله الأخذ. وعلى أنه فسخ فلا). وهذه الزيادة لم يذكرها ولد المؤلف في نظمه. ولذا لم أثبتها في الصلب. ¬
باتفاق؛ وإن (أ) قيل إن الرد بالعيب كابتداء بيع على طريق ابن دحون، (¬8) لا على طريق ابن رشد في حكايته الخلاف على القاعدة في العهدتين معا -أعني عهدة الثلاث، وعهدة السنة؛ (ب) (¬9) ولكن قال المازري: هذا - وإن قيل فهو بيع أوجبه الشرع بغير اختيار من رجع إليه المبيع، فخرج عن العقود الاختيارية المقصود فيها المكايسة، واستشكل القول بأنه نقض للبيع من أصله، باتفاقهم على أنه كابتداء بيع فيمن ابتاع أمة بعبد فأعتق الأمة، ثم رد العبد بعيب - أنه لا يكون له نقض العتق، وإنما له قيمة الأمة، وبتطابق فقهاء الأمصار كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وغيرهم - على أنه لا يرد الغلة، حتى إن كثيرا من العلماء ينكر وجود الخلاف؛ فقد قال الأبهري: لا خلاف بين أهل العلم - أن الاغتلال للمشتري، ولا يرده إذا رد بالعيب (¬10). وقال ابن الجهم: (¬11) إذا آجر العبد _______ (أ) - خ - (ولو). (ب) عبارة (على طريق ابن دحون. لا على طريق ابن رشد .... السنة) ساقطة في (ق). ¬
بأجرة كثيرة، أو زوج الأمة بصداق كثير أو قليل، ثم رد بالعيب فإنه لا يرد ما أخذ من إجارة أو صداق، قال: ولا خلاف بين الناس في هذا. وهكذا ذكر ابن داوود (¬12) أنه لا خلاف بين العلماء في هذا أيضًا: ولم يخالف في ذلك إلا شريح، (¬13) وعبيد (¬14) الله بن الحسن العنبري في حكاية الجوزي (¬15) ونقل المازري. (تنبيه): للمشتري الغلة في خمس مواضع: - الرد كالعيب، والبيع الفاسد، والاستحقاق، والشفعة، والتفليس. قال المؤلف -غفر الله له: وقد نظمتها فقلت: ولا يرد مشتر (أ) غلة ما ... قد اشتراه فاحفظنه واعلما في الرد بالعيب والاستحقاق ... وفاسد البيع بلا شقاق _______ (أ) في (ق) (المشتري). ¬
وفلس وشفعة - يا طالب ... مكملين عدة المطالب (¬16) ففي المقدمات (¬17) ذا مذكور ... وفي خليل مثله مشهور (¬18) واختلف المشهور بماذا تكون الغلة للمشتري في هذه المواضيع إن (أ) لم تفارق الأصول فاحفظها كما ضبطها بعضهم بهذه الحروف: (تجد عفازا (ب) شسيا) فالتاء من تجد للتفليس، والجيم، للجداد، فالمشهور أنها لا تكون للمشتري في التفليس إلا بالجداد، والعين والفاء من (عفاز) للرد بالعيب والبيع الفاسد، والزاي للزهو، فالمشهور أنها لا ترد مع اصولها إذا أزهت، ولم تجد، ولا يبست في الرد بالعيب، وفي البيع الفاسد، والشين والسين من (شسيا) للشفعة والاستحقاق، والياء لليبس، فالمشهور أنها ترد مع أصولها وإن أزهت ما لم تيبس في الشفعة والاستحقاق. _______ (أ) في (ق) (إذا). (ب) في (خ) (عفز). ¬
(القاعدة الثالثة والتسعون) رد البيع الفاسد هل هو نقض له من أصله أو من حين رده؟
(القاعدة الثالثة والتسعون) رد البيع الفاسد هل هو نقض له من أصله أو من حين رده؟ (¬1) وعليه فطرة العبد يمضي عليه يوم الفطر عند المشتري، أهي (أ) منه أم من البائع؟ وفروعه كثيرة (¬2). _______ (أ) - خ - (أهو). ¬
(القاعدة الرابعة والتسعون) البيع المجمع على فساده هل ينقل شبهة الملك لقصد المتبايعين أم لا؟ - لكونه على خلاف الشرع اختلفوا فيه
(القاعدة الرابعة والتسعون) البيع المجمع على فساده هل ينقل شبهة الملك لقصد المتبايعين أم لا؟ - لكونه على خلاف الشرع (¬1) اختلفوا فيه وعليه هل يفوت بالتغيير وفوات العين أو في (أ)؟ (¬2) ومنهم من يحكيه في البيع الفاسد مطلقا. _______ (أ) - خ - (أم لا). ¬
(القاعدة الخامسة والتسعون) من خير بين شيئين فاختار أحدهما هل يعد كالمتنقل أو لا؟ (أ) وكأنه ما اختار قط غير ذلك الشيء؟
(القاعدة الخامسة والتسعون) من خير بين شيئين فاختار أحدهما هل يعد كالمتنقل أو لا؟ (أ) وكأنه ما اختار قط غير ذلك الشيء؟ (¬1) وعليه من أسلم على أختين ولم يطأهما فاختار إحداهما، فإن كان كالمتنقل لزمه نصف صداق الأخرى، لأنه كالمطلق، وإلا، لم يلزمه شيء. ومن غصب جارية ثم اشتراها - وهي غائبة، فإن قلنا بالأول، فلا تشترى إلا بما تشترى به قيمتها - وهو قول أشهب. وإن قلنا بالثاني لم تراع القيمة، وهو ظاهر (¬2) الكتاب. (¬3) ومن سرق شاة لذبحها فوجبت على السارق قيمتها لربها، فإنه لا يجوز لربها أخذ شاة حية عن هذه القيمة، لأنه لما قدر على أخذ عين اللحم فعدل عنه إلى أخذ شاة، صار كبيع لحم بحيوان من جنسه - بناء على الانتقال، وإن حق _______ (أ) - ق - (أم لا؟ ). ¬
المغصوب منه تعلق بعين ما أتلفه الغاصب، ولو بنينا على عدم الانتقال، وفرضنا أن حقه سقط في العين - وإنما وجبت له القيمة له لم يمنع (4). ومن أسلم على عشر لم يكن بنى بكل واحدة منهن، فاختار أربعا، هل للبواقي نصف الصداق أم لا؟ (5). _______ (4) ابن رشد في أجوبته - اللوحة (63 - ب)، عاطفا على الأشياء المغصوبة "أن كانت لا زالت قائمة بعينها عند أخذها فإنها ترد إلى ربها ... وكذلك أيضًا لو أفاته الغاصب إفاتة لا تقطع تخيير صاحبه في هذه، مثل أن تكون شاة فيذبحها ... أو ثوبا فيخيطه أو ما أشبه ذلك، ولو أفاته إفاتة - تلزمه بها القيمة، أو المثل فيما له المثل ... ". ابن الحاجب اللوحة (132 - ب) "وإذا ذبح الشاة ضمن قيمتها وقال محمد إذا لم يشوها فلربها أخذها مع أرشها". المواق نقلا عن الجلاب "من غصب شاة لذبحها ضمن قيمتها، وكان له أكلها، وسمع يحيى بن القاسم من ذبح لرجل شاة، فيلزمه غرم قيمتها، لا يجوز لربها أن يأخذ فيها شيئًا من الحيوان الذي لا يجوز أن يباع بلحمها ... ". وانظر شرح الحطاب لدى قول خليل " ... وضمن بالاستيلاء، وإلا فتردد ... أو ذبح شاة" ج - 5 - 276. والزرقاني ج - 6 ص: 178 - 179. (5) ابن الحاجب - اللوحة (77 - ب) "وإذا أسلم على عشر، اختار أربعا - أوائل كن أو أواخر، فإن كان لم يدخل بواحدة منهن فلا مهر للبواقي، وقال ابن المواز: لكل واحدة خمس صداقها، لأنه لو فارق الجميع لزمه صداقان. وقال ابن حبيب نصف صداقها، لأنه في الأخبار كالمطلق ... ". ولعله يشير بـ "الأخبار" إلى حديث غيلان الذي أسلم، وله عشر نسوة أسلمن معه، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم في أمرهن، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أمْسِك أرْبعًا، وَفارِقْ سَائِرَهن". انظر التوضيح ج - 1 - ورقة 33. وفي الفقر (71) ج - 2 - ص 91 من فروق القرافي، أن أبا حنيفة قال: "إن عقد عليهن عقودا مرتبة، لم يجز له أن يختار من المؤخرات لفساد عقودهن؛ بعد أربع عقود، فإن الخامسة وما فوقها باطل، والخيار في الباطل لا يجوز ... وقال الشافعي ومالك: الحكم في ذلك سواء، وله الخيار في الحالين، لأنه - عليه السلام - أطلق القول في هذه القضية ... ".
ومن غصب حليا فتغيب عنده واختار المغصوب منه القيمة، في جواز المصارفة عليها قولان، فعلى الانتقال لا يجوز صرف واحد منهما، وعلى أن لا فيجوز - وهو المشهور (¬6). ومن اشترى على اللزوم - تمر (أ) نخلة يختارها من نخلات. ومن وكله رجل على أن يسلم له في طعام أو غيره فوكل غيره على ذلك فإنه لا يلزم الموكل ما فعله الوكيل الثاني لكونه لم يلتزم ما عقد عليه إلا إذا فعله من أذن له فيه، وهو لم يأذن لوكيل الوكيل، فإذا قلنا للموكل الخيار في نقض ما فعله الوكيل الثاني فله النقض، والإجازة إذا شعر به قبل دفع رأس المال أو بعد دفعه ولم يغب عليه من هو في يديه ممن أسلم إليه، ولو لم يشعر به إلا بعد أن غاب عليه المسلم إليه، فهل للموكل الإجازة أم لا؟ منع ذلك في الكتاب (¬7)، ورآه كفسخ دين في دين: وقيل يجوز، والقولان على الأصل والقاعدة (ب). _______ (أ) كذا في (ق) (تمر) وفي (الأصل و (خ) (ثمر) والأول أنسب. (ب) كلمة (القاعدة) ساقطة في (خ). ¬
تنبيه: قال ابن عطية (¬8) عند قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالةَ بِالْهُدَى}: قيل الشراء هنا استعارة وتشبيه، لما تركوا الهدى وهو معرض لهم، ووقعوا بذلك في الضلالة، واختاروها، شبهوا بمن اشترى، فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم إذا كان لهم أخذه، وبهذا المعنى تعلق مالك في منع أن يشترى الرجل ما تختلف آحاد جنسه، ولا يجوز فيه التفاضل. انتهى (¬9). _______ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(القاعدة السادسة والتسعون) قبض الأوائل هل هو كقبض الأواخر أم لا؟ . وقد يعبر عنها: بقبض أول متصل الأجزاء، هل هو قبض لجميعه أو لا (أ)؟
(القاعدة السادسة والتسعون) قبض الأوائل هل هو كقبض الأواخر أم لا؟ . وقد يعبر عنها: بقبض أول متصل الأجزاء، هل هو قبض لجميعه (¬1) أو لا (أ)؟ وعليه من أخذ عن دينه دابة يركبها إلى موضع ما، أو عبدا يخدمه إلى أجل ما، أو دارا يسكنها إلى أجل ما، أو ما تأخر جداده من الثمار والبقول. قال ابن القاسم - وهو المشهور -: بالمنع، (¬2) وقال أشهب وهو المنصور، واختيار ابن المواز -: بالجواز. وقال به ابن القاسم مرة، واختلف فيه قول مالك. وعليه من أجر نفسه لثلاث سنين بستين دينارا فقبضها ومر له حول، هل يزكي الستين كلها بمضي حول واحد، لأن _______ (أ) - خ - (أم لا). ¬
بقية الثلاث كالمقبوض (أ) أو لا؟ (¬3). وعليه لو مات المكتري قبل حلول أجل الكراء، هل يحل الكراء بموته قبل استيفاء السكنى أم لا؟ إلا أنه يلزم على طرده - أن المكتري إذا شرع في السكنى، أو الركوب أن يجب عليه نقد الكراء - على قول أشهب - أن لم يكن عرف ولا شرط، ولا نعلم من يقوله. ومن اكترى دابة مضمونة وشرع في ركوبها، جاز تأخير النقد على القول بأن قبض الأوائل قبض للأواخر، وعلى أن لا، فلا، لأنه ابتداء دين بدين (¬4). وكذلك إن (ب) هلكت المعينة في بعض الطريق، واتفقا على دابة أخرى - وقد انتقد الكراء - لم يجز عند ابن القاسم، لأنه دين في دين، إذ بقية الكراء قد صار دينا على رب الدابة، فلا يصلح أن يدفع فيه كراء دابة؛ وجاز عند أشهب، وإن _______ (أ) - خ - (كقبض). (ب) في (ق): (إذا). ¬
لم ينتقد جاز باتفاق - إذا علما ما يخص ما بقى من المسافة (¬5). (تنبيهان): الأول قول ابن القاسم بالمنع، في هذه مقيد بما إذا لم يكن في مفازة، وأما أن كان فيها، أو في محل لا يجد الكراء فيه، فإنه يجوز للضرورة. قال ابن حبيب (¬6): كما يجوز للمضطر أكل الميتة، انظر رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب (جامع البيوع). ¬
الثاني: كان الشيخ أبو محمد عبد الحميد الصائغ (¬7) - رحمه الله - يشير إلى التردد في إجراء من اكترى دارا مدة معلومة من مشتريها، فأتى مستحق فاستحقها بعد أن مضى بعض مدة الكراء - على هذا الأصل في كراء ما بقي من المدة. هل يكون للمشتري المكرى (أ) المستحق من يديه، أو للمستحق، لأجل أنه إذا أكرى المشتري الدار، وانتقد الكراء - وهي مأمونة صارت بقية السنة كالمقبوض، كما قالوا في أرض النيل إذا رويت (¬8) أن المنافع كالمقبوضة، وإذا كانت بقية السنة في الدار المأمونة كالمقبوضة منافعها، صار ذلك كما لو أتى المستحق وقد انتقضت جميع السنة؛ قال الإمام أبو عبد الله المازري -رحمه الله-: وهذا الذي تردد فيه بعيد، كما تقتضيه جميع (ب) روايات المذهب في أحكام الاستحقاق، لأن ذلك إنما يتصور فيه قبض ما لم يوجد في أعوام (ج) أخر، مثل لو اكترى (د) داره خمس سنين بخمسين دينارا، هل _______ (أ) ساقطة في (خ). (ب) كلمة (جميع) ساقطة في (خ). (ج) في الأصل و (ق) (أحكام). وفي (خ) (أعوام) ولعلها الصواب. (د) - خ - (أكرى). ¬
يزكي الخمسين كلها إذا مضى حول واحد، لأن بقية الخمس سنين كالمقبوض، ولا خلاف أن السنين كلها لو انقضت لوجبت زكاة الخمسين دينارا، أو يقال: لا تلزمه (أ) زكاة الخمسين دينارا، لجواز أن تنهدم الدار فيجب رد بعض ما انتقد من الكراء، ففي مثل هذا يحسن الخلاف فيما بين المكتري والمكري (¬9). وأما المستحق فلم يختلف فيه أنه من يوم الاستحقاق ملك المنافع التي توجد فيها بعد، وإذا لم يختلف في ملكه لها، لم يختلف في استحقاقه لما قابلها من النقد والكراء. _______ (أ) كذا في نسختى: ق وخ. وفي الأصل (ولا يقال تلزمه) وهو تصحيف ظاهر. ¬
(القاعدة السابعة والتسعون) الضرورات تبيح المحظورات (6)
(القاعدة السابعة والتسعون) الضرورات تبيح المحظورات (6) ومن ثم جاز للمضطر أكل الميتة، وشرب الخمر للغصة، ومال الغير، (2) واختلف في إباحتها للربا ونحوه كالمسافر يأتي إلى دار الضرب بتبر فيدفعه وأجرة العمل ويحسب ما نقص، ثم يأخذ في مقابلة (أ) الباقي مسكوكا، وكمسألة دار الاشقالة، (3) والسفاتج، (4) والسائس بالسالم في المسغبة، والدقيق والكعك للحاج بمثله في بلد آخر. (5) قال مالك: يتسلف ولا يشترط، والأخضر في وقت الحصاد، باليابس في المجاعات، وبيع النجاسات، ثالثها المشهور يجوز ما اختلف _______ (أ) في - خ - (مقابله). _______ (1) المقري - القاعدة (893) - اللوحة (56 - أ): من الأقوال الجمهورية: "الضرورات تبيح المحظورات". وهذه القاعدة من القواعد الأصولية الفقهية الهامة التي تنبني عليها أحكام كثيرة. انظر كتاب "الأشباه والنظائر" لشيخ زين بن نجيم ص: 43. (2) المقري في القاعدة السالفة - "وأصل ذلك ثابت في الميتة والخمر والغصة ... ". (3) دار الوزن. من شقل الدراهم وزنها. (4) السفاتج، جمع سفتجة، وهي أن تعطي مالا لرجل، فيعطيك خطا يمكنك من استرداد ذلك المال من عميل له قلب مكان آخر. وانظر شرح المواق - ج - 4 - ص: 318 - لدى قول خليل: " ... بخلاف تبر يعطيه المسافر، وأجرته دار الضرب ليأخذ زينته ... ". (5) هي نفس عبارة المقري في القاعدة الآنفة الذكر.
في نجاسته، (¬6) لا ما أجمع عليه؛ ومن ثم قيل: المشتري أعذر فيها من البائع، وأصله القياس على الرخص المباحة للضرورة كالقرض، والقراض، والجعل، والعرية، والشركة، والمساقاة (¬7). ¬
(القاعدة الثامنة والتسعون) المبهمات مترددات بين الصحة والفساد، هل تحمل على الصحة أو الفساد؟
(القاعدة الثامنة والتسعون) المبهمات (¬1) مترددات بين الصحة والفساد، هل تحمل على الصحة أو الفساد؟ وعليه من اكترى كراء مضمونا، وليس العرق التقديم ولا شرطاه، فابن القاسم يفسده، وعبد الملك (¬2) والمدنيون يصححونه. ومن اشترى الثمار قبل بدو الصلاح ولم يشترط القطع ولا التبقية، فظاهر المدونة الصحة، (¬3) وقال العراقيون بالفساد. ومن ابتاع ثيابا، (أ) وسمى لكل واحد ثمنا، ولم يشترط الرجوع عند العيب والاستحقاق بالقيمة ولا بالتسمية، قال ابن القاسم - ورواه عن مالك، وقاله سحنون وأصبغ: التسمية لغو، والبيع صحيح. _______ (أ) - خ - (أثوابا). ¬
وروى ابن القاسم أيضًا أن التسمية مراعاة والبيع فاسد. ومن باع سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة، أو آجره على أن يتجر له بهذه المائة سنة، أو يرعى له غنما بعينها سنة، ولم يشترط الخلف ولا عدمه، فابن القاسم يمنع - على أصله في المبهم، وابن الماجشون وأشهب، وابن حبيب، وأصبغ، وسحنون (أ) يجيزون، والحكم يوجب الخلف عندهم. ومن استؤجر على حمل طعام إلى بلد كذا بنصفه - ولم يشترط نقده في الحال، ولا تأخيره (¬4). _______ (أ) عبارة (أصبغ وسحنون) ساقطة في (خ). ¬
(القاعدة التاسعة والتسعون) الدعوى هل تتبعض أم لا؟
(القاعدة التاسعة والتسعون) الدعوى هل تتبعض أم لا؟ (¬1) وعليه من (أ) أقر بالطلاق وادعى أنه على شيء وأنكرته، فقيل يلزم الطلاق بعد أن تحلف على ما قاله، وقيل القول قوله فيحلف ويستحق. (¬2) ومن قال: طلقت وأنا مجنون، أو صغير. قال ابن القاسم: لا يلزم، إذا (ب) علم أنه مجنون، وألزمه اللخمي وسحنون - وأصله تبعيض الدعوى. ومن وجدا في بيت فقالا نحن زوجان وهما غير طارئين (¬3). ومن قال: أعتقتك على مال، وقال العبد بغير شيء، فقال في الكتاب (¬4) قول العبد، وقال أشهب: السيد، كما لو قال: أنت حر وعليك كذا بخلاف الزوجة (¬5). _______ (أ) - خ - (إن). (ب) - ق - (إن). ¬
(القاعدة المائة) النهي هل يصير المنهى عنه كالعدم أم لا؟
(القاعدة المائة) النهي هل يصير المنهى عنه كالعدم أم لا؟ وعليه لو حلف ليتزوجن، فنكع نكاحا فاسدا في بره قولان، وقد تقدمت فروعه (¬1). (القاعدة الواحدة والمائة) إذا اجتمع ضراران أسقط الأصغر للأكبر (¬2) ومن ثم جبر الحق (أ) المحتكر على البيع، (¬3) وجار المسجد إذا ضاق، وجار الطريق، والساقية إذا أفسدهما السيل، وبيع الماء لمن به عطش، أو خاف على زرعه ومعه الثمن، وصاحب الفدان في قرن الجبل إذا احتاج الناس إليه. _______ (أ) - خ - (الحر). ¬
وصاحب الجارية والفرس يطلبهما السلطان، (¬4) فإن لم يفعل جبر (أ) الناس (¬5) وخلع الحكمين، والأسير الكافر يطلب شراءه من ربه من له أسير مسلم بيد العدو ليفديه به، أو شرط عليه الأسير في (ب) الفداء فامتنع من هو بيده. ومن تغليب أحد الضررين ثور وقع بين غصنين، أو دينار وقع في محبرة (ج) رجل، أو دجاجة لقطت فصا، فيجبر صاحب القليل منهم على البيع لصاحب الكثير (¬6) وانظر مسألة الخوابي، والازيار (¬7) والجملين، والسنور والجدار وكذلك السفينة إذا خافوا غرقها، فإنه يرمى منها ما ثقل من المتاع ويغرم أهل السفينة ما رموا به على قيمة ما معهم من المتاع؛ (¬8) وأصل _______ (أ) في نسختي: ق - و - خ (جبر) وفي الأصل (خير) بالياء ولعله تصحيف. (ب) (في) ساقطة في (خ). (ج) في (خ) (مجمرة). ¬
الشريعة قضاء العامة على الخاصة، كما في هذه المسائل. ولهذا قال المالكية تباع الدواب العادية في (أ) الزرع بموضع لا زرع فيه تتقى عليه، فإن تعذر تقدم إلى أصحابها أن يضمنوا ما أصابت ليلا أو نهارا، وإلا، فليلا - لأن عليهم حفظها (ب)، لا نهارا، (ج) لأن الغالب على أرباب الحوائط حفظها بالنهار، (¬9) وانظر (د) المعيان، (¬10) والساحر والضارب على المخطوط (¬11). _______ (أ) - خ العادية (به) في، ولعل زيادة به تحريف. (ب) - خ - (حفظهما) (ج) (لا) ساقطة في (خ). (د) - ق - (انظر). ¬
(القاعدة الثانية والمائة) السكوت على الشيء هل هو إقرار به أم لا؟ وهل هو إذن فيه أم لا؟
(القاعدة الثانية والمائة) السكوت على الشيء هل هو إقرار به أم لا؟ وهل هو إذن فيه أم لا؟ (¬1) اختلفوا (أ) فيه. ومن فروعه سقوط الفخار من يد مقلبه إذا أخذه بغير إذن ربه، وتركه وهو ينظر إليه ويراه، هل يضمن أو لا؟ أو يضمن إن عنف، أو أخذها من غير مأخذها (¬2) ومنها سقوط المكيال بعد (ب) امتلائه من يد المبتاع، وقد قال بغير إذن البائع، وقلنا الكيل عليه - وهو حاضر ساكت (¬3). ومنها إذا _______ (أ) - خ - (واختلفوا). (ب) -خ - (بغير). ¬
غرس في أرض شخص أو بنى فيها، أو غرس على مائه - وهو ساكت ثم أراد المنع، فإن قلنا سكوته كالإذن، جرى الأمر في ذلك على العارية المبهمة في الجدار والعرصة، وإن قلنا (أ) ليس بإذن، فله ذلك بعد أن يحلف، وفروعه في المذهب كثيرة. قال ابن أبي زيد: وقد جعل أصحابنا السكوت كالإقرار في أمور: منها أن يقول: قد راجعت (ب) فتسكت، ثم تدعى من الغد أن عدتها كانت قد (ج) انقضت فلا قول لها. ومنها من حاز شيئًا يعرف لغيره فباعه - وهو يدعيه لنفسه والآخر عالم ساكت لا ينكر بيعه - لذلك يقطع دعواه. ومنها أن يأتي ببينة إلى رجل فيقول اشهدوا لي أن عنده كذا وكذا وهو ساكت فذلك يلزمه. ومنها مسألة الإيمان والنذور فيمن حلف لزوجته أن لا يأذن لها إلا في عيادة مريض فخرجت بغير إذنه لم يحنث، قالوا: إلا أن يسكت بعد ما رآها فإنه يحنث. ومنها مسألة كتاب اللعان في الذي يرى حمل زوجته فلم ينكره ثم ينفيه بعد ذلك حد ولا يلاعن. ومنها مسألة كتاب كراء الدور والأرضين في الذي زرع أرض رجل بغير إذنه وهو عالم ولم ينكر ذلك عليه. _______ - (أ) - ق - (وإذا قلنا). - (ب) - خ - (راجعتك). - (ج) - خ و - ق - (قد) ساقطة.
ومنها إذا تجر العبد بمعرفة مولاه وعلمه، ولا يغير ذلك ولا ينكره. ومنها إذا علم الأب والوصي بنكاح من إلى نظرهم وسكتوا. ومنها إذا سكت الغرماء عن عتق الغريم وطال ذلك، أو سكتوا حتى قسم الورثة تركة الغريم ولا مانع. ومنها مسألة الابن الصامت. (تنبيه): قال ابن رشد - في كتاب الدعوى والصلح من البيان -: لا خلاف أن السكوت ليس برضى، لأن الإنسان قد يسكت مع كونه غير راض، وإنما اختلف في السكوت هل هو إذن أم لا؟ ورجح كونه ليس بإذن بقوله (أ) - عليه السلام - في البكر: "إذنُها صُمَاتهَا (¬4) " فدل ذلك على أن ذلك خاص بها. أبو محمد صالح (¬5): ولا (ب) يختلف في السكوت الكثير، وإنما الخلاف في السكوت القريب. ابن عبد السلام الذي تدل عليه مسائل المذهب أن كل ما يدل على ما في نفس الإنسان من غير النطق فإنه يقوم مقام النطق، نعم يقع الخلاف في المذهب في فروع هل حصل فيها دلالة أم لا؟ . _______ (أ) - ق - (لقوله). (ب) - خ - (ولم). ¬
(القاعدة الثالثة والمائة) الكتابة هل هي شراء رقبة أو شراء خدمة؟ (1)
(القاعدة الثالثة والمائة) الكتابة هل هي شراء رقبة أَو شراء خدمة؟ (1) وعليه الخلاف في زكاة فطره، (2) وإجباره على النكاح، (3) واستبرائها إذا عجزت وكانت تتصرف. وعليه من حلف بحرية عبده ليضربنه ثم لم يضربه حتى كاتبه هل يبر أم لا؟ . ابن القاسم: يبر، أشهب: لا. وعليه من ظاهر من مكاتبته ثم عجزت، فإن قلنا بالأول، فقد رجعت على ملك مستأنف فلا يلزمه الظهار، وإن قلنا بالثاني لزمه، (4) وعليه الخلاف أيضًا في غلة المكاتب إذا كان _______ (1) المقري القاعدة (771) - اللوحة (49 - ب): "اختلف المالكية في الكتابة أهي شراء رقبة أم شراء خدمة؟ " (2) ابن الحاجب: (اللوحة 41 - أ): "وتجب على سيد المكاتب على المشهور". (3) ابن الحاجب: "وجبر المالك أمة وعبدا بلا أضرار". ابن عبد السلام: مراده بالمالك الجنس فيدخل فيه الذكر والأنثى، والحر والعبد، ومن فيه عقد حرية إذا كان له النظر في ماله وهو المكاتب. انظر الحطاب ج - 3/ 424. (4) خليل: 137: "لا مكاتبة ولو عجزت على الأصح". وانظر المواق ج -4 - ص: 115 والخرشي مع حاشية العدوي ج 4 - ص: 166.
للتجارة هل تلزمه فيه الزكاة أم لا؟ (¬5) ومن أعتق أمة مكاتبه ثم عجز هل تعتق بذلك العتق الأول، أو تفتقر إلى استئناف عتق آخر. (¬6) وعليه إذا أوصى بعتق عبده، أو أوصى به لرجل، ثم كاتبه، ثم عجز في حياة السيد هل تعود الوصية فيه أم لا؟ - قولان على القاعدة. وعليه لو اشترى أحد الزوجين كتابة الآخر هل يفسخ النكاح قبل العجز (أ) أم لا؟ - بناء على أنه ملك رقبة أم لا؟ فإن عجز انفسخ اتفاقا. وعليه من كاتب عبدا صار إليه في المقاسم أو ابتاعه من دار الحرب - وعلم أنه لمسلم، وقلنا إن لربه أن يأخذه، فهل يحاسب بما أخذ من الكتابة أم لا؟ ، فإن قلنا أن الكتابة شراء رقبة كان للمستحق أن يحاسب المشتري بقدر ما أخذ من الكتابة، وإن قلنا أنها شراء خدمة لم يحاسب فيما أخذ، ولم يكن للمستحق أن يأخذه إلا بعد دفع الثمن، وعليه مكاتبة الكافر المسلم (¬7)، وعليه أيضا إذا عجز - وكان قبل الكتابة _______ (أ) - ق - (الفسخ) هو تصحيف. ¬
مأذونا له، هل يبقى على ما كان عليه من الإذن أو يعود محجورا عليه، وهل يعود منتزع المال أم لا؟ (¬8). (تنبيه) لم يختلفوا - فيما علمت - فيمن قال: إن كلمت فلانًا فعبدي حر، فكاتبه، ثم كلم فلانًا أنه يعتق عليه، وهو نص العتق الأول من الكتاب، (¬9) والجاري على أن الكتابة شراء رقبة أن لا عتق، كما لو باعه ثم كلم فلانًا، إلا أن يعرف بالاحتياط للعتق، ومراعاة للقول بأن الكتابة شراء خدمة. وانظر إذا مثل بعبد (¬10) مكاتبه ثم عجز بعد أن أدى السنين أرش الجناية للمكاتب. وانظر إذا وطئ أمة مكاتبه قبل العجز هل يحد أم لا؟ . ¬
(القاعدة الرابعة والمائة) الكتابة هل هي من ناحية العتق، أو من ناحية البيع؟
(القاعدة الرابعة والمائة) الكتابة هل هي من ناحية العتق، أو من ناحية البيع؟ وعليه كتابة المأذون، (¬1) والمديان، (¬2) والمريض، (¬3) والمكاتب، (¬4) والأب، (¬5) والوصى، فعلى أنها من ناحية العتق فلا تجوز كتابة واحد منهم، وعلى أنها من ناحية البيع فتجوز، (أ) ولم يختلفوا في عدم جواز مكاتبة أحد المتفاوضين عبدا لتجارة، (¬6) ورأوها من ناحية العتق، والجاري على أنها بيع - الجواز واللزوم (¬7). وعليه لزوم كتابة الذمي عبده (¬8)، فعلى العتق لا تلزم، وعلى البيع تلزم. _______ (أ) -خ - (فيجوز). ¬
(تنبيه): قال الشيخ أبو الحسن اللخمي -رحمه الله-: أما إن كانت الكتابة على الخراج أو ما قاربه، فهي من ناحية العتق، والعتق بابه باب الهبات، وما لم يخرج على (أ) عوض فله الرجوع عنه، ولا يجبر على الوفاء به؛ وإن كان (ب) أكثر من الخراج بالشئ الكثير، كانت من ناحية البياعات والمعاوضات، فيحكم بينهم إذا امتنع السيد من الوفاء، كما يحكم في البيع. _______ (أ) - ق - (عن). (ب) - ق - (كانت).
(القاعدة الخامسة والمائة) القسمة هل هي تمييز حق أو بيع؟
(القاعدة الخامسة والمائة) القسمة هل هي تمييز حق أو بيع؟ (¬1) وعليه إذا اشترى أحد (أ) الورثة قدر ماله من الحلى وكتبه على نفسه وتفاصلوا، فإن قلنا بالتمييز جاز، وإن قلنا بالبيع امتنع لتراخي المحاسبة. قال في الكتاب: ولأنه لو تلف بقية المال لرجع على المشتري فيما أخذ (¬2)، وعليه أيضا قسم الورثة أضحية موروثهم أو انتفاعهم (ب) بها شركة، (¬3) وجواز قسمها رواية مطرف، وابن الماجشون، عن مالك؛ _______ (أ) - خ - (واحد). (ب) - خ - (وانتفاعهم). ¬
وعيسى عن ابن القاسم، ومنعه في كتاب محمد (¬4). وعليه أيضًا قسمة الشريكين ما ملكاه (أ) من معدن الذهب، أو الفضة (ب) كيلا، فإن قلنا هي بيع من البيوع فيحاذر فيه الوقوع في الربا، لأنه قد يصفو لأحدهما من الذهب أكثر مما يصفو للآخر أو أقل، وإن كلنا بأنها تمييز حق فيتساهل في ذلك. _______ (أ) - ق - (صنعاه). (ب) - خ - (والفضة). ¬
(القاعدة السادسة والمائة) الشفعة هل هي بيع أو استحقاق؟
(القاعدة السادسة والمائة) الشفعة هل هي بيع أو استحقاق؟ اختلفوا فيه - والمشهور الأول، وعليه من ابتاع شقصا من دار وعروضا صفقة، والشخص جل الصفقة، هل للمبتاع رد العرض على البائع إذا أخذ الشفيع بالشفعة لاستحقاق جل صفقته، بناء على أنها استحقاق، أولًا - لأنها بيع مبتدأ؛ (¬1) وعليه أيضًا هل يشفع قبل معرفة ما ينوب الشقص من الثمن أم لا؟ فعلى أنها بيع لا، وعلى أنها استحقاق نعم. وهذا (أ) اختيار اللخمي، والأول اختيار عبد الحق (¬2). وعليه لو اختلعت لزوجها بشقص هل للشفيع الشفعة قبل معرفة القيمة أم لا؟ (¬3). _______ (أ) خ - (هذا) بدون واو. ¬
وعليه من ابتاع دارا ثم استحق شقص منها بعد أن نقضها المبتاع، وباع النقض، هل يفوت النقض بالبيع، ويأخذ الشفيع الشفعة بما ينوبها من الثمن أو لا تفوت الأنقاض بالبيع، وللشفيع أخذها بالشفعة من يد مشتريها من مشتري الدار الناقض لها، ؟ لعلى أنها بيع تفوت الأنقاض بالبيع، وعلى أنها استحقاق لا تفوت بالبيع (¬4). وعليه من ابتاع شقصا قد بذره البائع هل يدخل البذر في الشفعة - وهو الأصح، أم في (أ)؟ وكذا أن بذره المبتاع ولم ينبت، فعلى أنها بيع فللشفيع، وعلى أنها استحقاق فللمبتاع، وعليه الوصى إذا ترك الأخذ بالشفعة لمن إلى نظره - والأخذ نظر (¬5). (تنبيه) قالوا: ولا يلزم المفلس أن يشفع (¬6) وإن كان في الأخذ بالشفعة، ربح لأنه تكسب وتجر، وهو غير لازم، ولأنه تلزمه العهدة بالشفعة، والجاري على أنها استحقاق اللزوم فانظره. _______ (أ) ق. د (أو لا؟ ). ¬
(القاعدة السابعة والمائة) المصنوع هل يكون قابضا للصنعة، وإن لم يقبضه وبه أو لا يستقل بقبض الصنعة إلا بقبض ربه؟
(القاعدة السابعة والمائة) المصنوع هل يكون قابضا للصنعة، وإن لم يقبضه وبه أو لا يستقل بقبض الصنعة إلا بقبض ربه؟ وعليه خلاف ابن المواز، وابن القاسم في وجوب الأجرة إذا ثبت ضياع المصنوع (¬1). ¬
(القاعدة الثامنة والمائة) الأصل بقاء ما كان على ما كان
(القاعدة الثامنة والمائة) الأصل بقاء ما كان على ما كان (¬1) فإذا اختلفا في القبض، فالقول قول البائع في الثمن، والمبتاع في المثمون، إلا أن يبين بنحو البقل واللحم مما العادة فيه سرعة القبض، فإن القول قوله - عند مالك - في دفع الثمن، فإن قبض ولم يبين فقولان للمالكية، أو يأتي من الزمان ما لا يمكن الصبر إليه، أو ما ينكر مثله في ذلك البيع، فالقول قول المشتري في دفع الثمن عندهم أيضا: ويرجع في قبض المثمون إلى العادة، وإذا اختلفا في انقضاء الأجل وانقطاع الخيار فالقول قول مشترطه، إلا بقول أو فعل يدل على إسقاطه، فإن احتمل فالأصل البقاء (¬2). وكذلك إذا اختلف البائع والمبتاع في مضى أمد العهدة فإن فيه قولين: - أحدهما تصديق البائع، لأن المشتري يحاول نقض بيع قد انعقد. ¬
- والآخر أن القول قول المشتري - استصحابا للأصل - وهو كون الضمان من البائع (¬3). وكذلك لو باع عبدا فتبرأ في العقد من الإباق (¬4) ففيه قولان: - أحدهما أن إثبات خروجه سالما من العهدة على - البائع - استصحابا لحال الضمان، وهي رواية ابن نافع عن مالك في المدونة (¬5). - والثاني أن على المشتري إثبات (أ) أنه قد هلك في العهدة، وبه أخذ ابن القاسم (¬6). وكذلك لو اختلف المتبايعان في عبد بالخيار: هل مات في أيام الخيار أو بعد ذهابها، ففيه أيضًا قولان: سببهما استصحاب حال كون البيع منعقدا، أو استصحاب حال ثبوت الضمان؛ وكذلك لو اختلفا في تاريخ انعقاد البيع وتداعيا في _______ (أ) كلمة (إثبات) ساقطة من (خ). ¬
قدم البيع وحدوثه - أن القول قول البائع - استصحابا لكون البيع منعقدا، فلا ينتقض بالدعوى؛ وكذلك لو زعم المشتري على رؤية متقدمة - أن المبيع تغير عن حالته الأولى إلى ما هو أدون، فقال ابن القاسم: القول قول البائع، وقال أشهب: قول المشتري (¬7) - بناء على أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، أو الأصل براءة ذمة المشتري من الثمن. ¬
(القاعدة التاسعة والمائة) المعرى هل يملك العرية بنفس العطية أو عند كمالها؟
(القاعدة التاسعة والمائة) المعرى هل يملك العرية بنفس العطية أو عند كمالها (¬1)؟ وعليه من عليه (أ) السقي والزكاة، والأصل كونها على ملك المعطي (¬2) إلا أن تثبت (ب) عادة فتكون على المعطى (¬3). _______ (أ) عبارة (من عليه) ساقطة في (خ). (ب) -خ - (يثبت). ¬
(القاعدة العاشرة والمائة) من ملك ظاهر الأرض هل يملك باطنها أم لا؟
(القاعدة العاشرة والمائة) من ملك ظاهر الأرض هل يملك باطنها أم لا (¬1)؟ وهو المشهور - وعليه الركاز والحجارة المدفونة، والزرع الكامن (¬2) بخلاف المخلوقة فإنها تندرج في لفظ الأرض، والزرع الظاهر فإنه لا يندرج كمأبور (¬3) الثمار (¬4). ¬
(تنبيه) من ملك أرضا ملك أعلاه - ما أمكن، ولم يخرج عنه إلا إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مسندة الأسفل، لأن الأفنية (أ) هي بقية الموات الذي كان قابلا للإحياء، وإنما منع الإحياء فيه لضرورة السلوك، وربط الدواب وغير ذلك؛ ولا ضرورة في الهوى فيبقى على حاله مباحا في السكة (ب) النافذة. _______ (أ) - خ - (الأبنية). (ب) - ق - (السكك).
(القاعدة الحادية عشرة والمائة) العادة هل هي كالشاهد، أو كالشاهدين؟
(القاعدة الحادية عشرة والمائة) العادة هل هي كالشاهد، أو كالشاهدين (¬1)؟ وعليه من أنكح ابنه البالغ - وهو ساكت حتى إذا فرغ أنكر بحدثان ذلك، فاستحلف أنه لم يرض فنكل، فإن قلنا كالشاهدين لزمه النكاح، وعليه نصف الصداق وإلا لم يلزمه وعليه أيضًا لزوم اليمين لمن قضى له من الزوجين بما يعرف أنه له (¬2). ومن قضى له بالجدار للقمط (¬3) والعقود، والوكاء، والطاقات، ومغارز الخشب، ووجوه الحيطان، ومعرفة العفاص، (¬4) والوكاء (¬5) في اللقطة وإرخاء الستر (¬6) - مع التنازع في المسيس (¬7). ¬
والرهن مع الاختلاف في قدر الدين، (¬8) وتعلق المرأة بالرجل - وهي تدمي، هل لها صداق، أو لا صداق لها (¬9) - وإن كان أشر من عبد الله الأزرق في زمانه، ؟ (¬10) ثم هل بيمين، أو بغير يمين - قولان على القاعدة؟ . واليد مع مجرد الدعوى، أو مع تكافؤ البينات، ونكول المدعى عليه، وبنى هذا أيضًا على الخلاف في النكول هل هو كالإقرار أم لا؟ (¬11). (تنبيه): قال بعضهم (¬12): العادة عند مالك كالشرط، تقيد المطلق، وتخصص العام، وخالفه غيره. فإن ناقضت أصلا ¬
شرعيا كغلبة الفساد، مع أصل الصحة فقولان، وقد تختلف فيختلف لذلك، ككفارة المولى، والعبد، والفقير، لاختلاف الأقاليم في كونه معرة (¬13) أو في (أ)؟ . _______ (أ) - خ - (أم لا). ¬
(القاعدة الثانية عشرة والمائة) زيادة العدالة هل هي كالشاهد أو كالشاهدين؟
(القاعدة الثانية عشرة والمائة) زيادة العدالة هل هي كالشاهد أو كالشاهدين؟ وعليه القضاء بالأعدل في النكاح، وفيما ليس بمال (¬1). (القاعدة الثالثة عشرة والمائة) الجزء المشاع هل يتعين أم لا (¬2)؟ وعليه من حلف بحرية شقص له في عبد - إن فعل كذا، ثم باع شقصه من غير شريكه، ثم اشترى شقص شريكه، ثم فعل ذلك هل يعتق عليه أم لا (¬3)؟ ومن غلبت عليه الخوارج، (¬4) فأخذوا زكاته، أو خراجه، هل يؤخذ منه ثانيا أم لا". ¬
ومن باع نصف عبد يملك جميعه، ثم استحق نصفه، هل يجري الاستحقاق فيما بيع وفيما بقي؟ (أ) أو إنما يقع الاستحقاق في الباقي - والبيع منعقد في النصف المبيع؟ (¬5) ومن غصب جزءًا مشاعا هل يتعين ذلك الجزء بالغصب، أو الغصب طرأ على الجميع؟ وكذلك من ارتهن جزءًا مشاعا (ب) أو وهب له، أو تصدق به عليه، ولم يرفع الراهن ولا الواهب، ولا المتصدق - يده، هل يصح حوزه أم لا؟ . ومن ساق إلى زوجه نصف أملاكه مشاعا، (ثم باع جزءًا منها مشاعا) (ج)، أفتى ابن القطان (¬6) بأن البيع شائع في الجميع، وإن للمرأة أن ترجع في نصف المبيع. وأفتى ابن عتاب (¬7) أن كان الذي باع الزوج على ملكه النصف فأقل فلا كلام لها إلا في الشفعة، وإن كان أكثر من النصف - مثل أن يبيع ثلاثة أرباع، فلها الرجوع في الزائد على نصف المبيع، وما كان فعلى هذا الترتيب. ¬
(تنبيه): على هذا الخلاف، جاء جواب الشيخ أبي محمد بن أبي زيد -رحمه الله وعفر له- قال في غرائب الأحكام": (¬8) سئل ابن أبي زيد عن دار بين رجلين مشاعة، فعدا على أحدهما غاصب قاهر فغصبه نصيبه مشاعا، هل للآخر أن يكرى نصيبه أو يبيعه أو يقاسم فيه؟ فأجاب: إنه لا سبيل إلى القسم فيه - ما دام الأمر ممتنعا في الأحكام، وله أن يبيع نصيبه أو يكريه؛ وقد اختلف في الكراء والثمن هل للمغصوب منه فيه مدخل؟ فقيل: إنه يدخل معه فيه إذا لم يتميز نصيب المغضوب، وقيل: لا مدخل له معه - إذ غرض الغاصب هذا دون هذا - وهذا أشبه بالقياس. (تنبيه): ثان: لم يزل نكير (أ) الشيوخ يشتد على الشيخ أبي الحسن الصغير في قوله لم أقف على نص في مسألة الغاصب إلا (ب) ما يستقرأ من هذه النظائر، فإنها في أسئلة (ج) القفصي وذكر فيها قولين، وإن الصحيح لا يمتاز، والقياس عند أبي محمد الامتياز، وبعد وقوفك على هذا لا يخفى عليك ما على الشيخ أبي الحسن -رحمه الله- من درك القصور - والله أعلم. _______ (أ) - خ - (تنكير). (ب) - خ - (ولا). (ج) في الأصل وخ (أسؤلة). ¬
(القاعدة الرابعة عشرة والمائة) مضمن الإقرار هل هو كصريحه أم لا؟
(القاعدة الرابعة عشرة والمائة) مضمن الإقرار هل هو كصريحه أم لا؟ وعليه من أنكر أمانة ثم ادعى ضياعها أو ردها لما قامت عليه البينة، ثالثها يقبل في الضياع دون الرد، (¬1) ومن أنكر شيئًا في الذمة، (أ) أو أنكر الدعوى في الربع، أو ما (ب) يفضى إلى الحدود، ثم رجع عن إنكاره - لأمر ادعاه، وأقام عليه بينة، ثالثها يقبل منه في الحدود دون غيرها، ورابعها وفي الأصول دون الديون وغيرها من المنقولات، ومن شهد أن شريكه في العبد أعتق حصته (¬2) والشريك موسر، هل يكون نصيب الشاهد حرا - لأنه أقر أن ما له على الشريك المعتق - قيمة (ج)، _______ (أ) في - خ - (ثم). (ب) في - خ - (فيما). (ج) - خ - (إلا القيمة). ¬
أو لا يكون حرا؟ قولان في المدونة (¬3) وهما على القاعدة. ومن أقر أو شهد أن أباه أعتق هذا العبد في صحته، أو في مرضه - والثلث يحمله، والورثة منكرون لم تجز شهادته، ولا إقراره، ولا يقوم عليه إذا لم يعتق، وجميعه رقيق؛ وهل له استخدامه في يومه (أ) أو لا؟ قولان (¬4) على القاعدة. والشريكان في العبد يحلف أحدهما بحريتها إن كان دخل المسجد، ويحلف الآخر لقد دخل. فإن قلنا مضمن الإقرار كصريحه عتق عليهما - إن كانا موسرين، لأن كل واحد منهما يقطع بحنث صاحبه، وإنما له عليه قيمة حصته، وإن قلنا أن مضمن الإقرار ليس كصريحه فلا عتق وهو المشهور (¬5) في هذه. _______ (أ) - خ - (أم لا). ¬
(القاعدة الخامسة عشرة والمائة) الأرض هل هي مستهلكة (أ) أو مربية؟
(القاعدة الخامسة عشرة والمائة) الأرض هل هي مستهلكة (أ) أو مربية؟ وعليه كراؤها بما تنبت غير الخشب وبالطعام مطلقا (¬1). (القاعدة السادسة عشرة والمائة) الحكم هل يتناول الظاهر والباطن، أم لا (ب) يتناول إلا الظاهر فقط؟ - وهو الصحيح (¬2) وعليه إذا قضى للمطلقة بالنفقة (ج) لظن الحمل، ثم تبين أن لا حمل، في نقض (¬3) القضاء قولان (¬4). _______ (أ) - خ - (أم). (ب) - ق - (أو). (ج) - خ - زيادة (للمطلقة). ¬
وعليه من أوصي له بنفقة عمره، فدفعت له نفقة سبعين سنة بالتعمير، ثم زاد عليها عمره؛ في نقض القضاء ورجوعه علي الورثة أو أهل الوصايا، قولان لأشهب وابن القاسم. وعليه لو كان (أ) مال السيد مأمونا أضعاف قيمة المدبر، والموصي بعتقه، وقلنا بحريتهما بنفس الموت من غير نظر في الثلث، ثم أجيح المال بعد ذلك؛ ففي إمضاء العتق ونقضه قولان لابن القاسم وأشهب. وعليه إذا أسلم عبد النصراني -وسيده بعيد الغيبة- فباعه السلطان، ثم قدم فأثبت أنه أسلم قبله، (¬5) فقال في الكتاب ينقض البيع، وإن عتق نقض عتقه. ومن ابتاع أمة ولم يعلم بعيبها حتى كاتبها فأخذ قيمة العيب ثم عجزت، قال بعض القرويين ذلك حكم مضي. وعليه إذا ابتاع عبدا ثم باعه بمثل الثمن فأكثر، ثم رجع إليه بشراء أو ميراث أو هبة- وهو بحاله لم يتغير، فأراد رده بالعيب علي بائعه وقد كان حكم عليه قبل أن يرجع إليه- أن لا يرجع بشيء لخروجه من يده بالبيع بمثل الثمن فأكثر (¬6). _______ (أ) كلمة (مال) ساقطة في (خ). ¬
وعليه إذا ابتاع عبدا ثم باع نصفه من أجنبي، ثم علم بالعيب فاختار البائع أن يفرم نصف قيمة العيب؛ (أ) ثم بعد غرمه لنصف (ب) القيمة، رجع العبد إلي يد المشتري؛ هل للبائع أن يقول: إنما غرمت لك نصف قيمة العيب لتبعيض العبد- والآن قد صار في يدك جميعه، فإن شئت فرد إلي جميعه- وخذ ثمنك، أو احبس ورد علي نصف قيمة العيب التي أخذت مني؟ وللمشتري أيضا أن يفعل ذلك- وإن أباه البائع، أو حكم مضي ليس لأحدهما نقضه، في ذلك قولان (¬7). وعليه من ابتاع عبدا بالبراءة من الإباق، فأبق في الثلاث، وقلنا ضمانه من البائع حتى يخرج من الثلاث سالما، فترادا الثمن بعد الاستيفاء، (ج) ثم وجد العبد، هل يرجع إلي ما كشف الغيب، ويلزم المشتري ولا ينتقض (د) البيع، أو يلزم البائع؟ -وقد انتقض البيع- قولان للخمي ومحمد (¬8) - وهما علي القاعدة، وقاعدة إذا جري الحكم علي موجب التوقع، هل يرتفع بالوقوع لأنه تحقيق، والتوقع كالإيقاف أو لا؟ لأنه نفذ، قولان للمالكية. _______ (أ) - خ - (العبد). (ب) - ق - (نصف). (ج) في (خ) الاستثناء. (د) - ق - (ينقض). ¬
وعليها (أ) الزرع يغرم قيمته ثم يعود، والسن يغرم عقلها (ب) ثم تنبت، والعين يغرم قيمتها ثم تبرأ (¬9)، والدابة يتعدي بها المكتري فتضل فيغرم قيمتها ثم توجد. وعليه لو انقطع ماء الرحي المكتراة ففاسخه الكراء، وهو يرى أنه لا يعود عن قرب، فعاد، هل يمضي الفسخ، كحكم مضي، أو ترجع الإجازة علي حالها، واستحسن اللخمي أن تعود للخطأ في التقدير، وقد مرت نظائرها أول الكتاب. _______ (أ) - خ - (وعليهما) - (ق) (وعليه). (ب) - خ - (قلعها). ¬
(القاعدة السابعة عشرة والمائة) الانتشار هل هو دليل للاختيار أم لا؟
(القاعدة السابعة عشرة والمائة) الانتشار هل هو دليل للاختيار أم لا (¬1)؟ وعليه الخلاف في حد المكره (¬2) علي الزنا، ثالثها إن انتشر حد، بخلاف المكرهة (¬3). ¬
(القاعدة الثامنة عشرة والمائة) كل ما أدي إثباته إلي نفيه فنفيه أولي؟
(القاعدة الثامنة عشرة والمائة) كل ما أدي إثباته إلي نفيه فنفيه أولي (¬1)؟ ومن ثم إذا جعل رقبة العبد صداقا لزوجته فسد النكاح، لأن صحة كونه صداقا يلزم منه ملكها له، ويلزم منه فسخ النكاح، ويلزم من فسخه ارتفاع الصداق، لأنه قبل البناء، ويلزم منه عدم كونه صداقا، (¬2) وإذا زوج عبده من حرة بصداق ضمنه لها، ثم باع منها العبد بالصداق قبل الدخول، فإنه لا يصح البيع؛ لأنه لو صح لملكت زوجها، ولو ملكته لفسخ النكاح: ولو فسخ لسقط مهرها، وإذا سقط المهر بطل البيع (¬3)، وإذا أعتق عبديه فادعاهما غيره فشهد له العبدان، قال مالك: لا تقبل شهادتهما، لأنه لو قبلناها لصارا (أ) رقيقين، وبالرق تبطل الشهادة، فلو صحت لبطلت فتبطل، (¬4) وإذا زوج أمته وقبض صداقها وتصرف فيه ثم أعتقها قبل البناء، فلا خيار لها _______ (أ) - خ - (صار). ¬
لأن ثبوت الخيار يرفعه، إذ لو اختارت لسقط الصداق، وإذا سقط بطل عتقها بصيرورة السيد مدينا، وإذا بطل عتقها بطل خيارها (¬5). وإذا عدله رجلان فلا يجوز له تجريحه لأحدهما مع غيره بجرحة قديمة قبل تعديله، لأن في ذلك إبطال تعديله. وإذا توفي وله أمة حامل وعبدان، وورثه عاصب فيعتق العاصب العبدين، وتلد الأمة ابنا ذكرا، فشهد (أ) العبدان -بعد عتقهما- أن الأمة كانت حاملا من سيدها المتوفى، فإن شهادتهما لا تجوز، لأن في إجازة شهادتهما إبطال عتقهما. وإذا اشتري اثنان عقارا دفعة واحدة، فلا شفعة لأحدهما علي صاحبه، لأنها لو وجبت لأحدهما لوجبت للآخر، ولو وجبت لهما لزم أن لا تجب لهما (¬6). وإذا شهد رجل مع آخر علي عتق عبد فعتق وقبلت شهادته، وشهد ذلك الرجل مرة أخرى، فردت شهادته بجرحة، فشهد العبد المعتق فيه بالجرحة، فلا تقبل شهادته، لأنه إن (ب) قبلت شهادته ثبتت جرحة الشاهد، فإذا ثبتت، بطل عتق العبد، وإذا بطل، سقطت شهادته، وإذا سقطت، لم يصح تجريحه للشاهد، وإذا لم يصح تجريحه ثبتت شهادته، وإذا ثبتت صح عتق العبد، وإذا صح عتقه، صحت شهادته، وإذا صحت، صح تجريحه- ودارت المسألة أبدا. _______ (أ) - خ - (فيشهد). (ب) - ق - (إذا). ¬
وإذا قال: متى طلقتك فأنت طالق- قبله ثلاثا، (¬7) وهي الملقبة بالسريجية (¬8) قال تاج الدين: وقد كثرت. فيها التصانيف، واشتهر أشكالها من زمن زيد بن ثابت (¬9) - رضي الله عنه، وقيل الشافعي، وقيل المزني، (¬10) وقيل ابن سريج (¬11)، وأخطأ من ظنها من مولدات ابن الحداد (¬12) - وإن كانت ¬
تعريف وبيان
في فروعه، (¬13) فليس كل ما في فروعه مما ولده، وإنما نسبت لابن سريج (¬14) لقوله هو ودهماء الشافعية: لا يلزمه شيء، لأنه لو وقع، مشروطه- وهو تقديم الثلاث، ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه، لأن الثلاث تمنع ما بعدها، (¬15) ومذهبنا أن قوله: قبله لغو، فيقع عليه المباشر وتمام الثلاث من المعلق، (أ) قال الأستاذ الطرطوشي (¬16): وهو الذي نختاره (¬17). تعريف وبيان: ابن سريج هذا هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج الشافعي المذهب، يلقب بـ (الباز الأشهب)؛ (¬18) _______ (أ) في خ (المعلق من الثلاث). ¬
قال ابن خلكان (¬19): فهرسة كتبه تشتمل علي أربعمائة مصنف، قام بنصرة المذهب الشافعي، وعنه (أ) انتشر مذهب الشافعي في جميع آفاق الأرض. قال أبو حامد الإسفرايني: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه. وقال الشيخ فتح الدين- في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ (¬20) مَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الأُمَّة دِينَها (¬21). _______ (أ) - خ - (وعنه) وفي الأصل و (ق): (عنه) ونسخة (خ) أنسب. ¬
بعث (أ) الله علي رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، (¬22) وعلي الثانية (ب) الشافعي، (¬23) وعلي رأس المائة الثالثة أبا العباس بن سريج (¬24)، وعلي رأس المائة الرابعة أبا حامد الإِسفرايني (¬25)، وعلي رأس المائة الخامسة أبا حامد الغزالي، (¬26) _______ (أ) - ق - (فبعث). (ب) - خ- وعلي (المائة). ¬
وعلى رأس المائة السادسة الإمام فخر الدين الرازي، (¬27) وعلى رأس المائة السابعة، الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. قال ابن خلكان: وكان الشيخ أبو العباس بن سريج -رحمه الله تعالى- يناظر أبا بكر محمد بن داود بن علي (أ) الظاهري قال له أبو بكر يوما أبلعني ريقي، (¬28) قال: (ب) أبلعتك دجلة. وقال له يوما: امهلني ساعة. قال: أمهلتك إلي أن تقوم الساعة. وقال له يوما: أجيئك من الرِّجل فتجيئني (ج) من الرأس، فقال له: هكذا عادة البقر إذا حفيت أظلافها دهنت قرونها (¬29). واجتمعا يوما في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في الإيلاء، فقال له ابن سريج: أنت بقولك من كثرت لحظاته، _______ (أ) - خ - (محمد بن علي بن داوود) (ب) - ق- خ - (له) أبلعتك بزيادة له. (ج) - ق - (لتجئني). ¬
دامت حسراته؛ - أبصر منك بالكلام في الإِيلاء. فقال له أبو بكر: لئن قلت ذلك، فإني أقول: أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محراما وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... يصب على الصخر الأصم تهدما وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي ردد لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما إن أرى حبا صحيحا مسالما فقال له ابن سريج: ولم تفتخر علي (أ)، ؟ ولو شئت -أنا أيضًا- لقلت: ومسامر (¬30) بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته صبا (ب) (¬31) بحسن حديثه وعتابه ... وأكرر الألحاظ (¬32) في وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولي بخاتم ربه وبراته (¬33) (ج) فقال أبو بكر يحفظ الوزير هذا عليه، حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولي بخاتم ربه وبراته (د). فقال أبو العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك: "انزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محراما _______ (أ) في هامش نسخة- خ- علي (بهذا وأنا القائل) ولو. (ب) - ق - (أصب). (ج) - ق - (وبرآته). (د) في الأصل (وبراءته) والصواب ما أثبته. ¬
فضحك الوزير، وقال: لقد جمعتما ظرفا ولطفا، وعلما وفهما (¬34). وتوفي أبو بكر هذا -رحمه الله- سنة سبع (¬35) وتسعين ومائتين، (¬36) وعمره اثنان وأربعون سنة؛ ولما بلغت وفاته ابن سريج، كان يكتب في كراس فرمي بيده، وقال: مات من كنت أتعب نفسي وأجهدها في الاشتغال بمناظرته ومقاومته. ولما مات أبو أبي بكر (أ) داوود بن علي الظاهري الإصبهاني (¬37) -رحمه الله- وجلس في حلقته ولده أبو بكر هذا، وكان علي مذهب أبيه، استصغره أصحاب أبيه فدسوا إليه من يسأَله عن حد السكر، ومتي يكون الإنسان سكرانا (¬38) فقال: إذا عزبت عنه الهموم، (ب) وباح بسره المكتوم، واختل كلامه المنظوم، ومشيه المعلوم، ... فعلموا موضعه من العلم، _______ (أ) في- ق - (أبو بكر داوود) وفي- خ - (أبو بكر بن داود). (ب) في- خ - (الفهوم). ¬
واستحسنوا ذلك منه. وكان داوود بن علي - فيما ذكره القاضي ابن خلكان من العلم والدين، والزهد، والورع بمكان، ذكر أنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر (¬39)! ! ! وذكر ابن سيد الناس (¬40) أن البردعي (أ) سار الي الحج، فلما وصل إلى بغداد (ب) وجد داوود الظاهري في مجلسه- وهو يقول: أجمعنا علي أن بيع أم الولد- قبل حملها- جائز، فكذلك بعد وضعها أخذا بالاستصحاب، فقال له البرذعي: أجمعنا علي أن بيعها حالة العلوق لا يجوز فكذلك بعده- أخذا بالاستصحاب، فانقطع، قال: فخرجت وأنا استخير الله تعالى لتعليم العلم، وترك الحج لغلبة مذهب داوود علي غيره. فرأيت (ج) في المنام قارئا يقرأ قوله تعالى: " {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (¬41). _______ (أ) في- ق - (البردعي) بالدال المهملة. (ب) في- ق- و- خ- "بعذاذ" بالذالين المعجمتين. والجاري علي الألسن "بغدا" بدالين مهملتين. (ج) في- خ- و- ق- زيادة عبارة (في تلك الليلة). ¬
فلما استيقضت فإذا بصارخ: ألَا إن داوود الظاهري قد مات! ! ، فجلست للناس وتركت الحج. وقال بعض من قيد علي رسالة الشيخ أبي محمد (¬42): زعم بعضهم الإجماع علي المنع من بيع أم الولد، وقدح فيه بعضهم؛ وكذلك بيعها حاملا من سيدها علي ما حكاه البرذعي (أ) في احتجاجه السابق علي داوود، وقدح فيه أيضًا بعضهم علي قول من يجيز بيع الحامل ويستثني جنينها. قال المؤلف - عفا الله عنه -: رأيت في فصل استصحاب الحال من كتاب: "إحكام الفصول، في أحكام الأصول" (¬43) - للقاضي الحافظ أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد (ب) بن أيوب الباجي -رحمه الله تعالى- عن داوود بن علي الظاهري وأتباعه، ومحمد (¬44) بن سحنون، وأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي- جواز الإِقدام علي بيعها، وبه تندفع عندي حكاية من زعم (ج) الإجماع والله تعالى أعلم. _______ (أ) في (خ) (البراذعي). (ب) في (خ) و (ق) (سعيد) - وهو تصحيف. (ج) عبارة (من زعم) ساقطة في (خ). ¬
وإذا (أ) قلنا بمشهور المذهب، ومعروفه ووقع بيع أم الولد فإنه يفسخ وليتحفظ (ب) منه عليها لئلا يعود الي بيعها، ولا يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها، وتعذر التحفظ أعتقت عليه، (¬45) كقول مالك ليمن (ج) باع زوجته أنه لا يكون بيعها طلاقا، وتطلق عليه إن خيف عليه لذلك (د). وفي مدارك القاضي أبي الفضل عياض (¬46) ومن نوادر ما أفتي به أبو عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المعروف بابن المكوي (¬47) في امرأة حرة بقرطبة لها ابنة (هـ) مملوكة صبية باعها مولاها من رجل خرج بها من قرطبة، وشكت أمها _______ (أ) في- ق - (وإن). (ب) في ق- خ - (ويتحفظ). (ج) في- خ - (من). (د) في- خ (ذلك). (هـ) في- خ- ق - (بنت). ¬
ذلك، أن يمنع من إخراجها، وتباع علي مشتريها، وخالفه في ذلك القاضي ابن زرب (48) وغيره من فقهاء وقته، وأخذ ابن أبي عامر (49) بقول ابن المكوي (50). وذكر الشيخ أبو عبد الله السطيي (51) -رحمه الله تعالى- أنه وقف علي حاشية في رسالة الشيخ ابيي محمد بخط من يعتد به أن علي بن زياد أمضي بيعها بعد الوقوع. (تنبيه): والبرذعي (52) -بسكون الراء- هو أبو سعيد أحمد بن الحسين البرذعي الحنفي الخراساني تلميذ أبي علي _______ (48) تقدمت ترجمته. انظر 307 رقم 4. (49) المنصور محمد بن عبد الله أمير الأندلس في دولة المؤيد الأموي، وأحد الشجعان الدهاة الذين أعادوا للإسلام اعتباره بجزيرة الأندلس، وعظمت مكانته في القلوب غزا بلاد الإفرنج (56) غزوة، لم ينهزم له فيها جيش، ولم تنكس له راية (ت 392 هـ). ألف في سيرته ابن حيان المؤرخ الأندلسي، ومن الكتاب المحدثين عبد السلام الرفاعي، وانظر في ترجمته: تاريخ قضاة الأندلس ص: 80، ونفح الطيب 1/ 189، وابن خلدون 4/ 147، وابن الأثير 9/ 61، وبغية الملتمس ص: 105، وغزوات العرب ص: 192، والبيان المغرب 2/ 301، والمغرب في حلي المغرب 1/ 194، والوافي بالوفيات 3/ 312. (50) انظر القصة بتمامها في ترتيب المدارك 4/ 639. (51) أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي، حافظ المغرب، وشيخ الفتوي، وإمام مذهب مالك (ت 750 هـ)، له تعليق على المدونة، وشرح علي الحوفية، وآخر علي جواهر ابن شاس. انظر في ترجمته: نيل الابتهاج ص: 243، وجذوة الاقتباس ص: 142، وشجرة النور ص: 221. (52) ذكره المؤلف (البرذعي) - بالذال المعجمة، وترجم له في الجواهر المضية ج 1 ص: 66. وقال: إنه البردعي- بالدال المهملة، نسبة إلى برذعة، بلدة في أقصى بلاد أذربيجان، وذكرها في معجم البلدان ج- 1 - ص: 379 (برذعة) بالذال المعجمة، قال: وقد رواه أبو سعيد بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع، بلد في أقصي أذربيجان، قال حمزة (برذعة) معرب برده دار.
الدقاق، ذكره ابن سيد الناس الأندلسي وغيره، (¬53) واشتد نكير بعض الأشياخ على الزناتي (¬54) شارح المدونة، وصاحب الحلل- في قوله: إنه أبو سعيد البراذعي، وخطأه- وإنه لجدير بالتخطئة والإنكار- لأن أبا سعيد البراذعي لم يكن في عصر داوود، وإنما كان في الرابع من القرون (¬55). والظاهري -رحمه الله تعالى- توفي ببغداذ، وبها نشأ سنة سبعين ومائتين في ذي القعدة، وقيل في شهر رمضان، ومولده بالكوفة سنة اثنتين، وقيل سنة إحدي ومائتين (¬56). قال العبد المتوكل علي المبديء المعيد، جامع هذا الملخص الجامع المفيد، الذي لا محيص لأعيان النجباء (أ) عنه ولا محيد؛ عبيد مولاه وشاكره علي الذي أولاه، أحمد بن _______ (أ) - خ - (النجباء الأعيان). ¬
يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي -منحه الله هداه، وألزمه تقواه- هذا نهاية ما قيدت، مما إليه قصدت، وبه وعدت، وإياه (أ) أردت، وفيه اجتهدت؛ من القواعد المحكمة الكافية، الجليلة النافعة الشافية؛ جمعتها لك هنا من أماكنها، وأبرزتها من مكامنها؛ علي وفق ما سألت، بل فوق (ب) ما أملت؛ والله سبحانه يدخلنا بفضله وطوله -في سعة رحمته، ويوسعنا- بمنه وكرمه- فضل عفوه ومغفرته؛ وهو المسؤول سبحانه وتعالى أن يصل أخوتكم الكريمة في ذاته، وابتغاء مرضاته؛ وصلى الله علي سيدنا ومولانا محمد، وعلي آله وأصحابه، وأزواجه (ج) وذرياته صلاة وسلاما نجدهما يوم شفاعته (¬57). _______ (أ) خ - (إليه) (ب) - خ - (وفوق) (ج) (وأزواجه) ساقطة في (ق). ¬
قال المؤلف -عفا الله عنه، وغفر له، وأَنجح في سبيل رضاه (أ) أمله- ومما قلت (ب) في هذا الكتاب- نفعنا الله به يوم (ج) المآب-: عليك بإيضاح المسالك أولا ... فقد ضم أنفاسا نفائس واعتلى وبرز في مجلى الجمال وحيدها (د) ... وأحرز اشتات المحاسن واجتلى وأوضح أشكالا جليلا فما تري ... غموضا وقل كل المناهج ذللا وهذب ألقاب القواعد كلها ... ورتب أنواع المباني وفصلا وقرب ما قد كان ينبو عن الورى ... وقيد ما قد كان في الكتب مسجلا جنى من ثمار العلم ما قد رأيته ... وحاز من السحر الحلال حلاحلا (¬58) عليك بحفظ ما حواه فإنه ... جليل مبين (هـ) قد أبان وحصلا وتدعو لعبد مذنب متذلل ... عبيد الإله نجل يحيى على الولا وصلّ وسلم ثم صل وسلمن ... على خير رسل الله ثمت من تلا (¬59) _______ (أ) في- ق - (رضي الله). (ب) في- ق - (قيدت) وفي (ج) (قلته). (ج) في- خ - (في يوم). (د) في- خ - (وجيدها) بالجيم المعجمة. (هـ) في نسختي: خ وق (مفيد) وهو أنسب. ¬
ولما وقف الطالبان النجيبان، الفقيهان، النبيهان، الفاضلان، الوجيهان، الخيران، الكوكبان النيران، الشاعران المفلقان، الصاحبان الرفيقان، الأعطفان الشقيقان ... أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الجذامي الشهير بالبردعي، وأبو جعفر أحمد الأَغرناطي الشهير بالأندلسي؛ أعلي الله مقدارهما، وشرف مآثرهما السنية وآثارهما؛ علي ما قلت وقيدت فوقه من الأبيات، زوداها بتخميس من أجل المحاسن والعطيات، فقال الأول- وكل منا يقول علي قدر وسعه، ورقة شمائله وطبعه. وبعد أن أورد التخميسين -قال: "ولما وقف فقيه تازا، وفاضلها الذي لا يوازي؛ الفقيه الإمام، العالم العلامة العلم؛ الصالح البركة الكامل، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الشهير بابن يجبش؛ علي هذه الأبيات، كتب إلي- أعزه الله مخمسا لها ... ". وقد أوردت النسختان هذه التخميسات جميعها، عدا تخميس ابن خروف الذي انفردت به نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم (كـ: 696) وهي من النسخ الجيدة، وكنت آثرت أن أجعلها من بين الأصول المعتمدة في تحقيق الكتاب، لكن عند مقابلتها مع النسختين: الأصل و (ق) ألفيتها لا تزيد عليهما شيئًا، على أن تاريخ نسخها متأخر عنهما جدا؛ ولذا لم أعتمد عليها ولم أشر إليها في مقدمة التحقيق، والله الموفق، والهادي إلى أقَوم طريق.
شكر وتقدير
شكر وتقدير بمشاعر فياضة بالثناء، أتقدم بالشكر والامتنان، المفعمين بالتقدير والاحترام، إلى أستاذي مولاي مصطفي العلوي علي تفضله بالإشراف علي هذه المحاولة العلمية، وعلي ما أسداه لي من توجيهات قيمة، وإرشادات سديدة، داعين الله له بالسعادة الأبدية. واعترافا بالجميل، يفرض علي الواجب العلمي أن أقف وقفة إعجاب وتقدير، لأقدم شكري الجزيل إلي البحاثين الجليلين: الأستاذ سعيد أعراب، والأستاذ محمد المنوني- عن كرمهما العلمي، وسمو أخلاقهما المثالي، فكلاهما أخذت من وقته الثمين الشيء الكثير، وخاصة العلامة السيد سعيد أعراب الذي لا استطيع إحصاء كم مرة أزعجته بالضغط علي جرس داره، وفي كل مرة كنت أتوقع أنه سيخرج إلي ممتعضا بيد أنه -والحق يقال- كان دائما يخرج والابتسامة الصادقة لا تفارق محياه. ويأذن لي بالدخول إلي مكتبته العامرة بالنفائس النادرة، ويفتح لي فكره الوقاد، ولا أغادر معبده العلمي إلا بعد أن أجد -عنده- الحلول لمختلف المشاكل التي أوقفتني عن المضي في بحثي المتواضع. أما الأستاذ المنوني فقد أمدني بكثير من المعلومات، لا سيما فيما يخص الدراسة، حيث دلني على مصادر ومراجع -ربما- لم أكن لأَهتدي إليها لولا توجيهه، فجزاهما الله عني وعن كل قاصدهما أحسن الجزاء، وأمد الله لنا في عمرهما للاستفادة من خبرتهما العلمية.
كما لا يفوتني أن أعرب عن وافر امتناني للأساتذة: الشيخ أحمد بن تاويت، والدكتور رشدي فكار، وصديقي السيد محمد القري، وإلى كل من أفادني، أو أمدني بأي نوع من المساعدة لإِخراج هذا المجهود المتواضع الذي تطلب مني إنجازه ما ينيف عن ألف يوم وليلة، لأقدمه إلى عشاق لآلئ الفقه الإِسلامي، مبتهلا إليه سبحانه أن ينفعنا به "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم". صدق الله العظيم.