إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل

ابن جماعة، بدر الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة فِي علم التَّوْحِيد علم التَّوْحِيد علم يعْنى بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَالْإِيمَان بِهِ، وَمَعْرِفَة مَا يجب لَهُ سُبْحَانَهُ وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَمَا يجوز سَائِر مَا هُوَ من أَرْكَان الْإِيمَان السِّتَّة وَيلْحق بهَا وَهُوَ أشرف الْعُلُوم وَأَكْرمهَا على الله تَعَالَى لِأَن شرف الْعلم يتبع شرف الْمَعْلُوم لَكِن بِشَرْط أَن لَا يخرج عَن مَدْلُول الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة وَإِجْمَاع الْعُدُول وَفهم الْعُقُول السليمة فِي حُدُود الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وقواعد اللُّغَة الْعَرَبيَّة الأصيلة لقد أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن على الْعَرَب وَغَيرهم بِلِسَان الْعَرَب وأسلوبهم وبيانهم مَعَ إعجازه هُوَ دون كَلَامهم ففهموه وعقلوا مَعَانِيه وَفسّر لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض مَا احتاجوا إِلَى تَفْسِيره مِنْهُ وتحدث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أسلوب الْعَرَب وبيانهم فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم شرحا وبيانا تقريرا وتفسيرا تَخْصِيصًا وتقييدا كَمَا تحدث بمسائل وَأَحْكَام لم تأت فِي كتاب الله تَعَالَى ففهموا ذَلِك مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعقلوه ثمَّ حِين دخل فِي الْإِسْلَام غير الْعَرَب لُغَة وجنسا وخفى عَلَيْهِم بعض أساليب الْقُرْآن الْكَرِيم وأعاريبه ومعاني بعض أَلْفَاظه ومقاصدها وَأخذت سليقة الْعَرَبيَّة فِي الْفساد عِنْد بعض الْعَرَب فَدخل لُغَة الْجمع من الطَّرفَيْنِ اللّحن وَالْخَطَأ ألهم الله تَعَالَى عمر وعليا رَضِي الله عَنْهُمَا بالتوجه إِلَى تَقْرِير قَوَاعِد الْعَرَبيَّة وأعاريبها فَظهر علم النَّحْو ثمَّ ظَهرت سَائِر عُلُوم الْعَرَبيَّة من صرف وبلاغة ورتبت عُلُوم الْعَرَبيَّة واتسعت وتعددت موضوعاتها حَتَّى أضحى علم الْعَرَبيَّة علما لَهُ قَوَاعِده وأصوله وأساليبه وميادينه وأغراضه ومراميه وَله أَهله وأساتذته وَظَهَرت بِقصد خدمَة كِتَابه الْقُرْآن الْكَرِيم خَاصَّة نقط بعض الْحُرُوف وَوَصلهَا وشكلها وَفصل الْآي والتحزيب وَمَا إِلَى ذَلِك فَكَانَت بذلك الْفَائِدَة الْعُظْمَى فِي حفظ اللُّغَة الْعَرَبيَّة وخدمة كتابها الأول والأعظم وَإِن ذَلِك من مَعَاني قَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَالْحَمْد لله

وَحين اتَّصل الْمُسلمُونَ الْعَرَب بِغَيْر الْعَرَب من الشعوب مِمَّن أَسْلمُوا واطمأنت بِالْإِسْلَامِ قُلُوبهم أَو مِمَّن تظاهروا بِالْإِسْلَامِ ليكيدوا لَهُ من الدَّاخِل وصلت إِلَى مسامع الْمُسلمين الْأَوَائِل أُولَئِكَ عقائد ومعارف دينية غير الَّتِي عرفوها فِي الْقُرْآن وَالسّنة ألهم الله تَعَالَى كبار التَّابِعين وأتباعهم التَّوَجُّه إِلَى تَقْرِير قَوَاعِد الْإِسْلَام وأركان الْإِيمَان ومسائلها وبسطها وَضرب الْأَمْثِلَة عَلَيْهَا بِمَا يُوضح ويحقق الْيَقِين عِنْد غير الْعَرَب السَّابِقين خَاصَّة فِي قضايا الإعتقاد ومسائل الْإِيمَان ووفق الله تَعَالَى بعض أُولَئِكَ التَّابِعين لعرض مسَائِل عقائد الآخرين وَبَيَان فَسَادهَا وضلالها من خلال الْقُرْآن وَالسّنة وَالْعقل والفكر السَّلِيم فَظهر علم التَّوْحِيد أَو مَا سمي بِعلم الْكَلَام وكما كَانَت كتابات اللُّغَة الْعَرَبيَّة أول أمرهَا وجيزة ويسيرة ثمَّ توسعت وتعمقت كَذَلِك كَانَ الْأَمر فِي علم التَّوْحِيد وَمَا يُقَال فِي هذَيْن العلمين يُقَال فِي سَائِر الْعُلُوم من التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن من الْفِقْه والْحَدِيث والسيرة والتاريخ فَبعد أَن كتب التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى (الْفِقْه الْأَكْبَر) الَّذِي لَا يزِيد على سِتّ صفحات من أصُول مسَائِل الإعتقاد رَأينَا بعد ذَلِك من توسع فِيهِ - تبعا للْحَاجة - فشرح الْمَوْجُود وأضاف مَا يرَاهُ من البحوث والموضوعات الَّتِي لَهَا علاقَة بِعلم التَّوْحِيد وَبعد أَن كتب الْمُحدث الْفَقِيه الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رسَالَته فِي العقيدة وسماها (بَيَان السّنة وَالْجَمَاعَة) فِي عشر صفحات جَاءَ من يشرحها بعدة بقرون بعشرات من الصفحات ومئاتها وَهَكَذَا ثمَّ توسع وَشرح وأفاض فِي الْكِتَابَة فِي علم التَّوْحِيد الإمامان الجليلان أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو مَنْصُور الماتريدي رحمهمَا الله تَعَالَى وهما - وَإِلَى الْآن - الْعُمْدَة لمن كتب بعدهمَا فِي علم التَّوْحِيد مثل الباقلاني وَالْغَزالِيّ وَالْفَخْر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم قَالَ ابْن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى نسب علم الْكَلَام إِلَى الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ بَين مناهج الْأَوَّلين ولخص موارد الْبَرَاهِين وَلم يحدث فِيهِ بعد السّلف إِلَّا مُجَرّد الألقاب والإصطلاحات وَقد حدث ذَلِك فِي كل فن من فنون الْعلم وَمثل ذَلِك قَوْله

الإِمَام عَليّ الْقَارِي فِي الإِمَام الماتريدي فِي (الثِّمَار الجنية) لَهُ لقد عرض الْقُرْآن الْكَرِيم لعقائد بعض أهل الشَّرَائِع والعقائد السَّابِقَة بأسلوبه الْخَاص وبإيجاز وَبَين فَسَادهَا وبطلانها بأسلوبه الْخَاص وبإيجاز كَذَلِك فخاطب الْمَلَاحِدَة المعطلة الَّذين يُنكرُونَ الْخَالِق قَائِلا أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ. أم خلقُوا السَّمَوَات وَالْأَرْض بل لَا يوقنون وَقد حكى الله تَعَالَى محاورة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قومه ومحاورته الْجَبَّار نمرودا وَكَيف أفحمهم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {فبهت الَّذِي كفر وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} كَمَا حكى سُبْحَانَهُ محاورة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام للظاغية فِرْعَوْن حَتَّى إِذا قَامَت الْحجَّة على فِرْعَوْن وَقَومه وَلم يبْق لَهُ سلَاح سوى الْبَطْش وَأَرَادَ ذَلِك أهلكه الله تَعَالَى وَمن مَعَه فِي الْبَحْر الَّذِي لَا تغرف فِيهِ بطة ثمَّ لَفظه الْبَحْر ليَكُون آيَة على قدرَة الله تَعَالَى وَصدق مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَفَسَاد راي فِرْعَوْن ودعوته وَلما جَاءَ أبي بن خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عظم بَال يفتته وَقَالَ مستهزئا يامحمد أَتَرَى رَبك يحيي هَذَا بعد مَا رم وبلي قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صدق ويقين نعم وَيَبْعَثُك الله وَيُدْخِلك النَّار وَأنزل الله سُبْحَانَهُ خَوَاتِيم سُورَة ياسين وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه قَالَ من يحي الْعِظَام وَهِي رَمِيم. قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم هَذَا وَأَمْثَاله من مسَائِل الِاعْتِقَاد يجب على الْمُسلمين أَن يعرفوه ويعقلوه إِجْمَالا على الْعَامَّة وتفصيلا على أهل الْعلم والدعوة وعَلى أهل الْقَلَم أَن يكتبوا فِيهِ وينشرو بَين النَّاس إِلَّا أَنه قد دخل (علم التَّوْحِيد) بعد الْقرن الثَّالِث مَا عده بعض أهل الْعلم فِي وَقت مَا ضَرُورِيًّا من اساليب عقلية وقضايا منطقية فكرية، وفلسفية فِي بعض مسَائِل

الِاعْتِقَاد وَأَحْكَامه مثل إِثْبَات وجوب وجود الْخَالِق وحدوث مَا سواهُ يواجهون بذلك أساليب أَعدَاء الْإِسْلَام ليحاجوهم ويلزموهم الْحق من بَاب (من فمك أدينك) فأضحى علم التَّوْحِيد فِي ذَلِك الْعَصْر عِنْد بعض أهل الْعلم علما معقد الأسلوب معقد الفكرة تقلب الصفحات العديدة فِيهِ دون أَن تقْرَأ فِيهَا آيَة أَو حَدِيثا وابتعد بذلك عَن أسلوب الْقُرْآن الَّذِي يُخَاطب الْعقل والوجدان مَعًا وَيُقِيم الْحجَّة وَيَدْعُو إِلَى الانضواء تَحت لِوَاء الْإِسْلَام قلبا وقالبا وَكفى بِبَيَان كتاب الله تَعَالَى بَيَانا كَانَ ذَلِك أسلوب الْوَقْت - ولوقت معِين - وَمن جماعات مُعينَة اجْتِهَادًا مِنْهَا ونظرا والمجتهد - أهل الإجتهاد - مثاب أصَاب فِي إجتهاده أَو أَخطَأ فَإِنَّهُ لَا ريب أَن أسلوب الْقُرْآن وَبَيَان الْقُرْآن وأسلوب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يهديان إِلَيْهِ هما أجدى وَأقرب إِلَى الْحجَّة الْإِقْنَاع فِي ذَلِك الْعَصْر وَفِي كل عصر حَتَّى تقوم السَّاعَة وَالْحَمْد لله ذكرت أَن بعض التَّابِعين كتبُوا كتابات وجيزة فِي علم التَّوْحِيد إِذْ لم يرَوا أَن يبينوا سوى الْحق بإيجاز وعَلى قدر الْحَاجة فَمن يَقُول إِن السّلف الصَّالح لم يخوضوا فِي علم التَّوْحِيد وَلم يكتبوا فِيهِ وَإِن ذَلِك بِدعَة ضَلَالَة هم مخطئون لِأَن الْإِسْلَام دين الخلود وَمن مُقْتَضى خلوده - وَهُوَ وَحده الْحق - أَن يُقرر كل حَقِيقَة وَأَن يدْفع كل فكرة ضَالَّة أَو عقيدة فَاسِدَة تنشأ فِي الْمُسلمين أَو نحلة ضَالَّة تجابه عقيدة الْإِسْلَام وعقائده وَأَهله وَيسْعَى أَن يضفي بنوره على قُلُوب النَّاس عَامَّة بِإِذن الله تَعَالَى نعم إِن بعض السّلف كره الْخَوْض فِي محاورة أهل الْأَهْوَاء والضلالات لما فِي ذلكمن نقل أَقْوَالهم ثمَّ تفنيدها وَذَلِكَ مِمَّا يشغل الْقلب وَقد يَظْلمه ويشغل عَن الأهم من الْعُلُوم عِنْدهم - كَمَا نقل من إِنْكَار الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل على الإِمَام الْحَارِث المحاسبي رحمهمَا الله تَعَالَى خوضه فِي مسَائِل الإعتقاد وَالرَّدّ على أهل الضلال - وَأما إِذا حقت الْمَسْأَلَة وتحققت الْحَاجة فهم يَقُولُونَ فِيهَا بعقولهم الْعَظِيمَة من خلال أصُول الدّين لِأَن حفظ العقائد أهم الْعُلُوم وأولاها وَلَقَد سمى الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى علم التَّوْحِيد الْفِقْه الْأَكْبَر وَلَقَد قيل إِن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى كتب رِسَالَة فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك

قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك من أعتقد أَن السّلف الصَّالح رَضِي الله عَنْهُم نهوا عَن معرفَة الْأُصُول وتجنبوها أَو تغافلوا عَنْهَا وأهملوها فقد اعْتقد فيهم عَجزا وأساء بهم ظنا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْعقل وَالدّين عِنْد كل من أنصف من نَفسه أَن الْوَاحِد مِنْهُم يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة الْعَوْل وقضايا الْجد - مِيرَاث - وكمية الْحُدُود وَكَيْفِيَّة الْقصاص بفصول ويباهل عَلَيْهَا ويلاعن ويجافي فِيهَا ويبالغ أَو يذكر على إِزَالَة النَّجَاسَات عشْرين دَلِيلا لنَفسِهِ وللمخالف ويشقق الشّعْر فِي النّظر ثمَّ لَا يعرف ربه الْآمِر خلقه بالتحليل وَالتَّحْرِيم والمكلف عباده للترك والتعظيم فهيهات أَن يكون ذَلِك وَأَنَّهُمْ أهملوا تَحْرِير أدلته وَإِقْرَار أسئلته وأجوبته فَإِن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأيده بِالْآيَاتِ الباهرة والمعجزات الْقَاهِرَة حَتَّى أوضح الشَّرِيعَة وَبَينهَا وعلمهم مواقيتها وعينها فَلم يتْرك لَهُم أصلا من الْأُصُول إِلَّا بناه وشيده وَلَا حكما من الْأَحْكَام إِلَّا أوضحه ومهده لقَوْله سُبْحَانَهُ وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إليم ولعلهم يتفكرون فاطمأنت قُلُوب الصَّحَابَة لما عاينوا من عجائب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشاهدوا من صدق التَّنْزِيل ببدائة الْعُقُول والشريعة غضة طريه متداولة بَينهم فِي مواسمهم ومجالسهم يعْرفُونَ التَّوْحِيد مُشَاهدَة بِالْوَحْي وَالسَّمَاع ويتكلمون فِي أَدِلَّة الوحدانية بالطباع مستغنين عَن تَحْرِير أدلتها وتقويم حجتها وعللها كَمَا أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ تَفْسِير الْقُرْآن ومعاني الشّعْر وَالْبَيَان وترتيب النَّحْو وَالْعرُوض وفتاوي النَّوَافِل والفروض من غير تَحْرِير الْعلَّة وَلَا تَقْوِيم الْأَدِلَّة ثمَّ لما انقرضت أيامهم وتغيرت طباع من بعدهمْ وَكَلَامهم وخالطهم أَقوام من غير جنسهم وَطَالَ بالسلف الصَّالح وَالْعرب العرباء عَهدهم وأشكل عَلَيْهِم تَفْسِير الْقُرْآن ومرن عَلَيْهِم غلط اللِّسَان وَكثر المخالفون فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع واضطروا إِلَى جمع الْعرُوض والنحو وتمييز الْمَرَاسِيل من المسانيد والآحاد من التَّوَاتُر وصنفوا التَّفْسِير وَالتَّعْلِيق وبينوا التدقيق وَالتَّحْقِيق وَلم يقل أحد إِن هَذِه كلهَا بدع ظَهرت وَأَنَّهَا محالات جمعت ودونت بل هُوَ الشَّرْع الصَّحِيح والرأي القويم وَكَذَلِكَ هَذِه الطَّائِفَة - يَعْنِي عُلَمَاء التَّوْحِيد - كثر الله عَددهمْ وقوى عَددهمْ بل هَذِه الْعُلُوم أولى

تجمعها لحُرْمَة علومها فَإِن مَرَاتِب الْعُلُوم تترتب على حسب معلوماتها والصنائع تكرم على قدر مصنوعاتها فَهِيَ من فَرَائض الْأَعْيَان وَغَيرهَا إِمَّا فَرَائض الكفايات أَو كالمندوب وَالْمُسْتَحب فَإِن من جهل صفة من صِفَات معلومه لم يعرف الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَمن لم يعرف الْبَارِي سُبْحَانَهُ على مَا هُوَ بِهِ لم يسْتَحق اسْم الْإِيمَان وَلَا الْخُرُوج يَوْم الْقِيَامَة من النيرَان وَقَالَ الإِمَام الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَنَام فَأَهْوَيْت لِأَن أقبل رجلَيْهِ فَمَنَعَنِي من ذَلِك تكريما لي فاستدبرت فَقبلت عَقِبَيْهِ فَأَوَّلْته الرّفْعَة وَالْبركَة تبقى فِي عَقبي ثمَّ قلت يَا خَلِيل الله مَا تَقول فِي (علم الْكَلَام) فَقَالَ يدْفع بِهِ الشّبَه والأباطيل وَأحب أَن أنبه إِلَى أَمر هام وَهُوَ أَنهم يعنون بِعلم التَّوْحِيد الْوَاجِب على الْمُسلم تَحْصِيله أَنه لَا يجب على الْمُسلم معرفَة مصطلحات علم التَّوْحِيد أَو الْكَلَام من الصَّانِع والهيولي والجوهر وَالْعرض وأمثالها بل الْمَقْصُود أَنه يجب على الْمُكَلف أَن يعرف الصَّانِع المعبود سُبْحَانَهُ بدلائله الَّتِي نصبها على توحيده سُبْحَانَهُ واستحقاقه جلّ جَلَاله نعوت الربوبية وَالْمَقْصُود حُصُول النّظر وَالِاسْتِدْلَال الْمُؤَدِّي إِلَى معرفَة الله تَعَالَى وَإِنَّمَا اسْتعْمل المتكلمون تِلْكَ الْأَلْفَاظ من الْجَوْهَر وَالْعرض على سَبِيل التَّقْرِيب والتسهيل على المتعلمين وَالسَّلَف الصَّالح وَإِن لم يستعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ فَلم يكن فِي معارفهم خلل وَالْخلف الَّذين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن ذَلِك لطريق الْحق مباينة ... وَلَا فِي الدّين بِدعَة كَمَا أَن الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء عَن زمن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله عَلَيْهِم استعملوا أَلْفَاظ الْفُقَهَاء من الْعلَّة والمعلول وَالْقِيَاس ثمَّ لم يكن استعمالهم لذَلِك بِدعَة وَقل مثل ذَلِك فِي الْمُحدثين الَّذين أوجدوا مصطلحات وعناوين مُعينَة فِي رُوَاة الحَدِيث وفنونها من حَيْثُ الْقُوَّة والضعف وَالْقَبُول والرفض وَلم يكن اسْتِعْمَال ذَلِك مِنْهُم بِدعَة مُنكرَة معَاذ الله وَإِنَّمَا هِيَ اصْطِلَاحَات خَاصَّة قَامَت بِكُل فن وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح

السلف الصالح يخوضون في علم التوحيد

وَسُئِلَ الإِمَام عبد الْكَرِيم الْقشيرِي رَحمَه الله تَعَالَى فَقيل لَهُ أَرْبَاب التَّوْحِيد هَل يتفاوتون فِيهِ فَقَالَ إِن فرقت بَين مصل ومصل وَعلمت أَن هَذَا يُصَلِّي وَقَلبه مشحون بالفضلات وَذَاكَ يُصَلِّي وَقَلبه حَاضر فَفرق بَين عَالم وعالم هَذَا لَو طرأت عَلَيْهِ مشكلة لم يُمكنهُ الْخُرُوج مِنْهَا وَهَذَا يُقَاوم كل عَدو لِلْإِسْلَامِ وَيحل كل معضلة تعز فِي مقَام الْخِصَام وَهَذَا هُوَ الْجِهَاد الْأَكْبَر فَإِن الْجِهَاد فِي الظَّاهِر مَعَ أَقوام مُعينين وَهَذَا جِهَاد جَمِيع أَعدَاء الدّين وَهُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم وللخراج فِي الْبلدَانِ قانون مَعْرُوف إِذا أشكل خراج بقْعَة رَجَعَ النَّاس إِلَى ذَلِك القانون وقانون الْعلم بِاللَّه قُلُوب العارفين فرواة الْأَخْبَار خزان الشَّرْع والقراء من الْخَواص وَالْفُقَهَاء حفظَة الشَّرْع وعلماء أصُول الدّين هم الَّذين يعْرفُونَ مَا يجب ويستحيل وَيجوز فِي حق الصَّانِع وهم الأقلون الْيَوْم (رمى الدَّهْر بالفتيان حَتَّى كَأَنَّهُمْ ... بِأَكْنَافِ أَطْرَاف السَّمَاء نُجُوم) (وَقد كُنَّا نعدهم قَلِيلا ... فقد صَارُوا أقل من الْقَلِيل) السّلف الصَّالح يَخُوضُونَ فِي علم التَّوْحِيد حِين أخظ يظْهر فِي أَيَّام الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم شَيْء من التشويش على مسَائِل من علم التَّوْحِيد انبروا لبَيَان الْحق وردع الْبَاطِل وقمعه أ - قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَفْسِيره الْعَظِيم عِنْد قَوْله تَعَالَى وَأما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله الرَّابِع الحكم فِيهِ الْأَدَب البليغ كَمَا فعله عمر بصبيغ وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي وَقد كَانَ الْأَئِمَّة من السّلف يعاقبون من يسْأَل عَن تَفْسِير الْحُرُوف والمشكلات فِي الْقُرْآن لِأَن السَّائِل إِن كَانَ يَبْغِي بسؤاله تخليد الْبِدْعَة وإثارة الْفِتْنَة فَهُوَ حقيق بالنكير وَأعظم التعزيز وَإِن لم يكن ذَلِك قَصده اسْتحق العتب بِمَا اجترم من الذَّنب إِذْ أوجد لِلْمُنَافِقين الْمُلْحِدِينَ فِي

ذَلِك الْوَقْت سَبِيلا إِلَى أَن يقصدوا ضعفة الْمُسلمين بالتشكيك والتضليل فِي تَحْرِيف الْقُرْآن عَن مناهج التَّنْزِيل وحقائق التَّأْوِيل فَمن ذَلِك مَا حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي أَنبأَنَا سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن يزِيد بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن صبيغ بن عسل قدم الْمَدِينَة فَجعل يسْأَل عَن متشابه الْقُرْآن وَعَن أَشْيَاء فَبلغ ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ فَبعث إِلَيْهِ عمر فَأحْضرهُ وَقد أعد لَهُ عراجين من عراجين النّخل فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ عمر من أَنْت قَالَ أَنا عبد الله صبيغ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَأَنا عبد الله عمر ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَضرب رَأسه بعرجون فَشَجَّهُ ثمَّ تَابع ضربه حَتَّى سَالَ دَمه على وَجهه فَقَالَ حَسبك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد ذهب - وَالله - مَا كنت أجد فِي رَأْسِي ب - قَالَ يحيى بن يعمر رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ أول من قَالَ فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبد الْجُهَنِيّ فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَو معتمرين فَقُلْنَا لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر فوفق لنا عبد الله بن عمر دَاخِلا الْمَسْجِد فاكتنفته أَنا وصاحبى أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت يَا ابا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قبلنَا نَاس يقرءُون الْقُرْآن ويتقفرون الْعلم وَذكر من شَأْنهمْ وَأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَن لَا قدر - أَي الله تَعَالَى لم يقدر الْأَشْيَاء أَنَّهَا حِين تكون بإرادته كَيفَ تكون وَأَن الْأَمر أنف - فَقَالَ إِذا لقِيت أُولَئِكَ فَأخْبرهُم أَنِّي بَرِيء مِنْهُم وهم بَرَاءَة مني وَالَّذِي يحلف بِهِ ابْن عمر لَو لأَحَدهم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا قبله الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ ثمَّ ذكر حَدِيث الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالْإِحْسَان وَفِيه (أَن تؤمن بِالْقدرِ) رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن ج - وَظهر فِي عهد عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْخَوَارِج الَّذين يكفرون بالذنب، فَمن مَاتَ مذنبا عِنْدهم فَهُوَ إِلَى النَّار مَعَ الْكَافرين المنكرين وأنكروا شَفَاعَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُسلمين المذنبين قَالَ يزِيد بن صُهَيْب الْفَقِير كَانَ قد شغفني رَأْي من رأى الْخَوَارِج وَكنت رجلا شَابًّا فخرجنا فِي عِصَابَة ذَوي عدد نُرِيد أَن نحج ثمَّ نخرج على النَّاس قَالَ فمررنا

بِالْمَدِينَةِ - على ساكنها الصَّلَاة وَالسَّلَام - فَإِذا جَابر بن عبد الله يحدث الْقَوْم من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس إِلَى سَارِيَة وَإِذ قد ذكر الجهنميون فَقلت لَهُ يَا صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الَّذِي يحدثُونَ وَالله تَعَالَى يَقُول {رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} و {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا} فَمَا هَذَا الَّذِي يَقُولُونَ قَالَ أَي بني أَتَقْرَأُ الْقُرْآن قلت نعم قَالَ سَمِعت بمقام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَحْمُود الَّذِي يَبْعَثهُ الله يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ قلت نعم قَالَ فَإِنَّهُ مقَام مُحَمَّد الْمَحْمُود الَّذِي يخرج الله بِهِ من يخرج من النَّار قَالَ ثمَّ نعت وضع الصِّرَاط وَمر النَّاس عَلَيْهِ قَالَ الرَّاوِي فَأَخَاف أَن لَا أكون حفظت ذَاك غير أَنه قد زعم أَن قوما يخرجُون من النَّار بعد أَن يَكُونُوا فِيهَا كَأَنَّهُمْ عيدَان السماسم قَالَ فَيدْخلُونَ نَهرا من أَنهَار الْجنَّة فيغتسلون فِيهِ فَيخْرجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيس الْبيض قَالَ فرجعنا فَقُلْنَا وَيحكم أَتَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخ يكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فرجعنا فرجعنا فوَاللَّه مَا خرج منا أحد غير رجل وَاحِد وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ الشَّفَاعَة بيّنت فِي كتاب الله تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين وَلم نك نطعم الْمِسْكِين وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} يَعْنِي أَن الشَّفَاعَة تدْرك الْمُسلمين دون الْكَافرين ثمَّ حِين ظهر فِي الْمُسلمين من نفى رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ رَبهم فِي الْجنَّة وَمن زعم أَن الْقُرْآن الَّذِي هُوَ كَلَام الله مَخْلُوق وَمن زعم أَن الْإِنْسَان لَا اخْتِيَار لَهُ وَلَا كسب بل هُوَ كالريشة فِي مهب الرّيح كَمَا ظهر من وصف الله تَعَالَى بِصِفَات من الْجِسْم والطول وَالْعرض والعمق وَمن نفى باسم التنزية بعض صِفَات الله تَعَالَى الثَّابِتَة لَهُ فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَغير ذَلِك فَكَانَ كلما ذَر فِي حَيَاة الْمُسلمين قرن الْفِتْنَة والبدعة قَامَ عُلَمَاء الْمُسلمين يثبتون الْحق ويظهرونه ويردون الْبَاطِل ويقمعونه فأتبع بذلك مَادَّة علم التَّوْحِيد وَكَثُرت مسَائِله قَالَ الونشريسي وَأجْمع السّلف وَالْخلف من أثمة الْهدى على حِكَايَة مقالات

الْكَفَرَة والملحدين فِي كتبهمْ ومجالسهم وبينوها للنَّاس وينقضوا شبهها وَإِن كَانَ وَقع لِأَحْمَد بن حَنْبَل إِنْكَار لبَعض هَذَا على الْحَارِث المحاسبي فقد صنع احْمَد مثله فِي رده على الْجَهْمِية والقائلين بالمخلوق هَذِه الْوُجُوه السَّابِقَة حِكَايَة عَنْهَا فَأَما ذكرهَا على غير هَذَا من حِكَايَة سبه أَو الإزدراء بمنصبه على وَجه الحكايات والأسمار والطرف وَأَحَادِيث النَّاس ومقالاتهم فِي الغث والسمين ومضاحك المجان ونوادر السخفاء والخوض فِي قيل وَقَالَ وَمَا لَا يَعْنِي فَكل هَذَا مَمْنُوع وَبَعضه أَشد فِي الْعقُوبَة من بعض فَهَل يعاب على عُلَمَاء الْمُسلمين الْأَوَائِل أَن كتبُوا فِي علم التَّوْحِيد وبينوا وحققوا ومحصوا وحفظوا عقائد الْمُسلمين سليمَة نقية كلا وَهل يعاب على عُلَمَاء الْمُسلمين أَن يكتبوا على كل حَال فِي علم التَّوْحِيد ويحققوا العقائد والأفكار ليحفظوا عقائد الْمُسلمين كلا ثمَّ كلا أَقُول إِنَّه من الْحق الْوَاجِب الْيَوْم أَيْضا أَن ينبري عُلَمَاء الْمُسلمين ليبينوا الْحق ويمحصوه أَمَام تِلْكَ الأفكار والنحل والمعتقدات المادية والروحية الَّتِي خرج بهَا فِي الْمُسلمين جهال مِنْهُم ومنحرفون ضلال دخلاء عَلَيْهِم أَو كفار مَا رقون يُرِيدُونَ أَن يدخلُوا ذَلِك الْفساد فِي عقائد الْمُسلمين أَو يجعلوها تعيش مَعَ عقائدهم فِي قلب وَاحِد وَذَلِكَ محَال وأنى يجْتَمع النُّور والظلام فِي مَكَان أَو يجْتَمع فِيهِ الْكفْر وَالْإِيمَان قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الْمُحدث مُحَمَّد زاهد الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين من الْمُتَكَلِّمين مَا يجب أَن يسترشد بِهِ القائمون بالدفاع عَن الدّين فِي كل عصر وَمن الْبَين أَن طرق الدفاع عَن عقائد الْإِسْلَام ووسائل الْوِقَايَة من تسرب الْفساد إِلَى الْأَخْلَاق وَالْأَحْكَام مِمَّا يَتَجَدَّد فِي كل عصر تجدّد أساليب الأخصام وَهِي فِي نَفسهَا ثَابِتَة عِنْد حد الشَّرْع لَا تتبدل حقائقها فَيجب على الْمُسلمين فِي جَمِيع أدوار بقائهم أَن يتفرغ مِنْهُم جمَاعَة لتتبع الآراء السائدة فِي طوائف الْبشر والعلوم المنتشرة بَينهم وفحص كل مَا يُمكن أَن يَأْتِي من قبله ضَرَر على الْمُسلمين لَا سِيمَا فِي المعتقد الَّذِي لَا يزَال ينبوع كل خير راسخا رصينا وَيصير منشأ كل فَسَاد إِن اسْتَحَالَ واهنا واهيا فيدرسون هَذِه الآراء

والعلوم دراسة أَصْحَابهَا أَو فَوق دراستهم ليجدوا فِيهَا مَا يدْفَعُونَ بِهِ الشكوك الَّتِي يستثيرها أَعدَاء الدّين بوسائط عصرية حَتَّى إِذا فَوق مقتصد سَهْما مِنْهَا نَحْو التعاليم الإسلامية من مُعْتَقد وَأَحْكَام وأخلاق ردوهَا إِلَى نَحره اعْتِمَادًا على حقائق تِلْكَ الْعُلُوم وتجاربها واستنادا على إبداء نظريات تقضي على نظريات المشككين - وَجل الدّين الإسلامي أَن يصطدم مَعَ حقائق الْعُلُوم - وَأَقَامُوا دون تسرب تلبيساتهم سورا حصينا واقيا وعبأوا حزب الله على أنظمة يتطلبها الزَّمن فِي غير هوادة وَلَا توان ودونوا مَا استخلصوه من تِلْكَ الْعُلُوم من طرائق الدفاع فِي كتب خَاصَّة بأسلوب يعلق بالخاطر وتستسيغه الْعَامَّة لتَكون سدا محكما مدى الدَّهْر دون مفاجأة جوارف الشكوك وَإِن لم يَفْعَلُوا ذَلِك يسهل على الْأَعْدَاء أَن يَجدوا سَبِيلا إِلَى مَوَانِع خصبة بَين الْمُسلمين تنْبت فِيهَا بذور تلبيساتهم بِحَيْثُ يصعب اجتثاث عروقها الفوضوية بل تسري سموم الْإِلْحَاد فِي قُلُوب خَالِيَة تتمكن فِيهَا فَيهْلك الْحَرْث والنسل وقانا الله تَعَالَى شَرّ ذَلِك وأيقظنا من رقدتنا أَقُول وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلَقَد غزت قُلُوب كثير من الْمُسلمين عقائد وأفكار وَنحل ومبادىء وَأَحْكَام وآراء واستولت على بعض تِلْكَ الْقُلُوب الَّتِي زين لَهَا الشَّيْطَان أَن لَا تعَارض بَين تِلْكَ الآراء والعقائد وَبَين الْإِسْلَام وَأَن لَا حرج على الْمُسلم أَن يكون مُسلما وشيوعيا فِي آن ... حَتَّى خرج الْإِسْلَام من تِلْكَ الْقُلُوب وَتمكن فِيهَا الْإِلْحَاد والزندقة معَاذ الله وَإِن على كثير من الْمُسلمين القادرين علما وقلما نَصِيبا من الْمُؤَاخَذَة على مَا آل إِلَيْهِ قُلُوب كثير من الْمُسلمين إِن لم يَقُولُوا وَلم يدرسوا وَلم يكتبوا وينشروا وَمن الْحق أَن يقْرَأ عُلَمَاؤُنَا خَاصَّة ويقرئوا فِي دروسهم ويقولوا ذَلِك فِي خطبهم مِمَّا هُوَ حق وصريح فِي رد الْإِلْحَاد وقمعه وَفِي هَذَا الْعَصْر الْكتب التالية موقف الْعقل وَالْعلم لشيخ الْإِسْلَام مصطفى صبري رَحمَه الله تَعَالَى فِي أَربع مجلدات وقصة الْإِيمَان للشَّيْخ نديم الجسر رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُجَلد وصراع مَعَ الْمَلَاحِدَة حَتَّى الْعظم والعقيدة

الإسلامية كِلَاهُمَا للشَّيْخ البحاثة عبد الرَّحْمَن حبنكة الْمدرس بجامعة أم الْقرى بِمَكَّة المكرمة وكبرى اليقينياتونقض الماديه الجدليه كِلَاهُمَا للشَّيْخ الدكتور مُحَمَّد سعيد رَمَضَان البوطي الْأُسْتَاذ بجامعة دمشق وأمثالها من الْكتب النافعة فَإِن فِيهَا خيرا كثيرا ونورا مُبينًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى نموذج علمي فِي بَيَان بطلَان أكذوبة مَا تزَال تعيش فِي أفكار المثقفين من الْمُسلمين على أَنَّهَا حَقِيقَة علمية معَاذ الله قَالَ الْأُسْتَاذ فيصل تليلاني من كَلَام إِن الإكتشاف العلمي الَّذِي هدم نظرية دارون من أساسها هُوَ اكتشاف وحدات الوراثة الَّتِي أَثْبَتَت اسْتِحَالَة تطور الْكَائِن الْحَيّ وتحوله من نوع إِلَى آخر هُنَاكَ عوامل وراثية فِي خلية كل نوع تحتفظ لَهُ بخصائص نَوعه وتحتم أَن يظل فِي دَائِرَة النَّوْع الَّذِي نَشأ مِنْهُ وَلَا يخرج قطّ عَن نَوعه وَلَا يتطور إِلَى نوع جَدِيد فالقط أَصله قطّ وسيظل قطا على توالي الْقُرُون وَالْكَلب كلب والثور ثَوْر والحصان والقرد وَالْإِنْسَان وكل مَا يُمكن أَن يَقع حسب نظرية الوراثة هُوَ الإرتقاء فِي حُدُود النَّوْع نَفسه دون الإنتقال إِلَى نوع آخر هَذَا الاكتشاف العلمي الَّذِي أعدم نظرية دارون وأقبرها وَقضى عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الفيلسوف برتراندراسل حِين قَالَ فِي كِتَابه (النظرية العلمية) لقد أَخطَأ دارون فِي قوانين الوراثة حَتَّى غيرتها قوانين منْدَل تغييرا كليا وَقَالَ والاس إِن من المستحيل أَن يكون الْإِنْسَان قد تمّ تكوينه على طَريقَة التطور والإرتقاء حَيْثُ إِن الإرتقاء بالانتخاب الطبيعي لَا يصدق على الْإِنْسَان وَقَالَ الدكتور الفسيولوجي إيلي دوستون الداروينية لَا تقوم إِلَّا على حكايات مخترعة لَا تعلو قيمتهَا العلمية على قيمَة حكايات المرضعات لقد رفع مدير مَرْكَز الأبحاث العلمية فِي سان ديجو دَعْوَى قضائية على إدارة مدرسة إبتدائية بِاعْتِبَارِهِ أَبَا لأحد تلاميذها وحجته فِي دَعْوَاهُ أَن الْمدرسَة تقوم بتدريس نظرية دارون فِي النشوء والإرتقاء فِي علم الْأَحْيَاء دون الْمُقَارنَة أَو الْإِشَارَة إِلَى أصل الْخلق الإلهي للكائنات الَّذِي جَاءَ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ... فَمَاذَا يجب أَن يَقُول وَيفْعل الْآبَاء الْمُسلمُونَ وَعِنْدهم الْكتاب الْحق وَالَّذِي فِيهِ {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} وهم يرَوْنَ أَوْلَادهم يدرسون تِلْكَ النظرية وَلَو كَانُوا فِي الْحَرَمَيْنِ

فصل

فصل الْكَلَام فِي ذَات الله تَعَالَى وَصِفَاته اتّفق أهل الْعقل والفطرة السليمة من الْجِنّ وَالْإِنْس على وجود الله تَعَالَى بل وجوب وجوده سُبْحَانَهُ وكما دلّ على هَذِه الْحَقِيقَة الْكُبْرَى الْفطْرَة السليمة المودعة فِي النُّفُوس والعقول الْخَالِصَة من الْهوى والمودعة فِي الرؤوس فقد دلّ كَذَلِك البراهيم والحجج الْقَائِمَة فِي الْإِنْسَان من جسم وَنَفس وروح وعقل وعاطفة وَفِي الْحَيَوَان والنبات وَفِي الأَرْض والرمل وَالتُّرَاب وَالْحجر والسهل والجبل وَفِي السَّمَاء من ريَاح وأمطار وليل ونهار فِي جَمِيعهَا آيَات تدل على الْخَالِق الْوَاحِد الْأَحَد سُبْحَانَهُ جَمِيع الْمَخْلُوقَات مهيأة بالفطرة لوظيفة فِي حَيَاتهَا يحفظها ويقيها المهالك مَا استقامت على الْفطْرَة إِلَى مَا شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء فَكل الْأَحْيَاء من حشرات وزواحف وفقاريات وَمن طَائِر يطير بجناحيه فِي الْهَوَاء وَمن حَيَوَان مائي وبرمائي وبري وجبلي مَا من مَخْلُوق من هَذِه الْمَخْلُوقَات إِلَّا وَهِي تنتظم فِي أمة ذَات خَصَائِص وَاحِدَة وَطَرِيقَة فِي الْحَيَاة وَاحِدَة خلقت مفطورة على اتجاه معِين فِي الْحَيَاة ونظمت خلايا تكوينها على شكل لَا يُمكن أَن يخرج بِسَبَبِهَا حَيَوَان من فطرته ونظامه وَلَا نَبَات عَن جنسه وَمَا أودع الله تَعَالَى فِيهِ فَلَنْ يَنْقَلِب كَمَا لم يحصل قطّ القط إِلَى كلب وَلَا السّمك إِلَى حَيَوَان بري وَلَا الثوم بصلا وَلَا الْبَصَر كراثا وَمن يقْرَأ فِي الْإِنْسَان الْإِنْسَان ذَلِك الْمَجْهُول والطب محراب للْإيمَان وَفِي أعماق الْإِنْسَان يجد مَا يُقَوي يقينه فِي الْخَالِق البارىء سُبْحَانَهُ وَمن يقْرَأ مَعَ الله فِي السَّمَاء وَمَعَ الله فِي الأَرْض والجائزة أَو لماذا أومن وَحِكْمَة الْمَخْلُوقَات للْإِمَام الْغَزالِيّ وَالْعلم يزحف تأليف جيمس ستوكلي وآيات الْخَالِق الكونية والنفسية للأستاذ رشيد رشدي العابري وأمثالها يَزُول عَن عقله كل لوثة شُبْهَة فِي وجود الْخَالِق البارىء المصور سُبْحَانَهُ {الَّذِي خلق فسوى} وَلَكِن من سبقت لَهُ الشقاوة فركن إِلَى الْهوى وَلم

يسمع نِدَاء الله تَعَالَى وَلم يعقل آيَات الله تَعَالَى المودعة فِي كل شَيْء لَا يجدي مَعَه دَلِيل وَلَا يثنيه عَن باطله أَيَّة آيَة {وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير فَاعْتَرفُوا بذنبهم فسحقا لأَصْحَاب السعير} الْملك من لَا يُؤمن بِاللَّه تَعَالَى اخْتِيَارا فيفوز بسعادة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يُؤمن بِهِ عملا وضرورة فجسمه وحواسه وقوته وَضَعفه وسقمه وشيخوخته وَمَوته كل ذَلِك يخضع لنظام وَضعه الله تَعَالَى لَهُ وَلَا يُمكن لذَلِك الْإِنْسَان الكنود أَن يخرج على ذَلِك النظام بِحَال وَلَا عجب أَن يَقُول الله تَعَالَى بعد ذَلِك فِي الْإِنْسَان الْكَافِر {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} لَكِن الله تَعَالَى غيب لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَلَا تحيط بِهِ الْعُقُول وَلَوْلَا أَنه سُبْحَانَهُ عرف عباده على نَفسه مَا عرفوه كَمَا هُوَ لقد عرف الله تَعَالَى عباده على نَفسه من خلال أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَلَوْلَا تَعْرِيفه نَفسه بذلك إِلَى خلقه مَا عرفوه سُبْحَانَهُ كَمَا هُوَ لذا كَانَ من الْخَطَأ والخطر والمجازفة وَالْخُرُوج على الْحُدُود أَن يَقُول الْإِنْسَان فِي حق الله تَعَالَى سوى مَا قَالَ عَن نَفسه فَلَا يُسَمِّيه سُبْحَانَهُ بسوى مَا سمى بِهِ نَفسه أَو سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَسْمَاء وَلَا يُسَمِّيه طبيعة وَلَا رَحْمَة وَلَا سَمَاء وَلَا غيبا وَلَا وَالِد وَلَا ولد لَا مهندسا للكون وَلَا عَارِفًا وَلَا يصفه كَذَلِك بسوى مَا وصف بِهِ نَفسه أَو وصف بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصِّفَات وَلَا يصفه بالجرأة والتعلم وَالْحَاجة والتعب والراحة والندم والبكاء وَلَا بالتبدل من حَال إِلَى حَال والانتقال من مَكَان إِلَى مَكَان لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الشورى 11 وَإِذا كَانَ الله تَعَالَى كَمَا قَالَ لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير فَحق على الْمُؤمن أَن يقف عِنْد حُدُود مَا ذكر لَهُ فِي ذَلِك فِي الْقُرْآن وَالسّنة الصَّحِيحَة ويؤمن بِاللَّه تَعَالَى وأسمائه وَصِفَاته دون محاولة تَشْبِيه الله تَعَالَى بخلقه أَو تَشْبِيه اُحْدُ من خلقه بِهِ سُبْحَانَهُ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} سُورَة الْإِخْلَاص ثمَّ يحِيل مَا يَتْلُو من نُصُوص متشابهات فِي صِفَات الله تَعَالَى إِلَى النُّصُوص الواضحات

المحكمات مِنْهَا فَإِنَّهُنَّ {أم الْكتاب} كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ قَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لأحد أَن ينْطق فِي الله تَعَالَى بِشَيْء من ذَاته وَلَكِن يصفه بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَلَا يَقُول فِيهِ شَيْئا بِرَأْيهِ تبَارك الله رب الْعَالمين نَقله القَاضِي أَبُو عَلَاء صاعد بن مُحَمَّد فِي كتاب الِاعْتِقَاد عَن أبي يُوسُف عَن الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى من قَوْله فَائِدَة قَالَ الإِمَام أَبُو مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ الْمُتَوفَّى سنة 429 فِي كِتَابه الْعَظِيم (أصُول الدّين) مَا يَلِي الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة فِي تَرْتِيب أَئِمَّة الدّين فِي علم الْكَلَام أول متكلمي أهل السّنة من الصَّحَابَة عَليّ بن أبي طَالب لمناظرته الْخَوَارِج فِي مسَائِل الْوَعْد والوعيد ومناظرته الْقَدَرِيَّة فِي الْقدر وَالْقَضَاء والمشيئة والاستطاعة ثمَّ عبد الله ابْن عمر فِي كَلَامه على الْقَدَرِيَّة وبراءته مِنْهُم وَمن زعيمهم الْمَعْرُوف بمعبد الجهمي وَادعت الْقَدَرِيَّة أَن عليا كَانَ مِنْهُم وَزَعَمُوا أَن زعيمهم وَاصل بن عَطاء المعتزلي أَخذ مذْهبه من مُحَمَّد وَعبد الله ابْني عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا من بهتهم وَمن الْعَجَائِب أَن يكون ابْنا عَليّ قد علما واصلا رد شَهَادَة عَليّ وَطَلْحَة وَالشَّكّ فِي عَدَالَة عَليّ أفتراهما علماه إبِْطَال شَفَاعَة عَليّ شَفَاعَة صهر الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول متكلمي أهل السّنة من التَّابِعين عمر بن عبد الْعَزِيز وَله رِسَالَة بليغة فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة ثمَّ زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَله كتاب فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة من الْقُرْآن ثمَّ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقد ادَّعَتْهُ الْقَدَرِيَّة فَكيف يَصح لَهَا هَذِه الدَّعْوَى مَعَ رسَالَته إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فِي ذمّ الْقَدَرِيَّة وَمَعَ طرده واصلا عَن مَجْلِسه عِنْد إِظْهَاره بدعته ثمَّ الشّعبِيّ وَكَانَ من أَشد النَّاس على الْقَدَرِيَّة ثمَّ الزُّهْرِيّ وَهُوَ الَّذِي أفتى عبد الْملك بن مَرْوَان بدماء الْقَدَرِيَّة وَمن بعد هَذِه الطَّبَقَة جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق وَله كتاب فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة وَكتاب فِي الرَّد على الْخَوَارِج ورسالة فِي الرَّد على الغلاة من الروافض وَهُوَ الَّذِي قَالَ أَرَادَت الْمُعْتَزلَة أَن توَحد رَبهَا فألحدت وأرادت التَّعْدِيل فنسبت الْبُخْل إِلَى رَبهَا

وَأول متكلميهم من الْفُقَهَاء وأرباب الْمذَاهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَإِن ابا حنيفَة لَهُ كتاب فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة سَمَّاهُ الْفِقْه الْأَكْبَر وَله رِسَالَة أملاها فِي نصْرَة قَول أهل السّنة إِن الإستطاعة مَعَ الْفِعْل وَلكنه قَالَ إِنَّهَا تصلح للضدين وعَلى هَذَا قوم من أَصْحَابنَا وَقَالَ صَاحبه أَبُو يُوسُف فِي الْمُعْتَزلَة إِنَّهُم زنادقة وَللشَّافِعِيّ كِتَابَانِ فِي الْكَلَام أَحدهمَا فِي تَصْحِيح النُّبُوَّة وَالرَّدّ على البراهمة، وَالثَّانِي فِي الرَّد على أهل الْأَهْوَاء وَذكر طرفا من هَذَا النَّوْع فِي كتاب الْقيَاس وَأَشَارَ فِيهِ إِلَى رُجُوعه عَن قبُول شَهَادَة الْمُعْتَزلَة وَأهل الْأَهْوَاء فَأَما المريسي من اصحاب أبي حنيفَة فَإِنَّمَا وَافق الْمُعْتَزلَة فِي خلق الْقُرْآن وأكفرهم فِي خلق الْأَفْعَال ثمَّ من بعد الشَّافِعِي تلامذته الجامعون بَين الْفِقْه وَالْكَلَام كالحارث ابْن أَسد المحاسبي وَأبي عَليّ الْكَرَابِيسِي وحرملة الْبُوَيْطِيّ وَدَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ وعَلى كتاب الْكَرَابِيسِي فِي المقالات معول الْمُتَكَلِّمين فِي معرفَة مَذَاهِب الْخَوَارِج وَسَائِر أهل الْأَهْوَاء وعَلى كتبه فِي الشُّرُوط وَفِي علل الحَدِيث وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل معول الْفُقَهَاء وحفاظ الحَدِيث وعَلى كتب الْحَارِث بن أَسد فِي الْكَلَام وَالْفِقْه والْحَدِيث معول متكلمي أَصْحَابنَا وفقهائهم وصوفيتهم ولداود صَاحب الظَّاهِر كتب كَثِيرَة فِي أصُول الدّين مَعَ كَثْرَة كتبه فِي الْفِقْه وَابْنه أَبُو بكر جَامع بَين الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَالْأَدب وَالشعر وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس بن شُرَيْح أنزع الْجَمَاعَة فِي هَذِه الْعُلُوم وَله نقض كتاب الجاروف على الْقَائِلين بتكافؤ الْأَدِلَّة وَهُوَ أشْبع من نقض ابْن الراوندي عَلَيْهِم فَأَما تصانيفه فِي الْفِقْه فَالله يحصيها وَمن متكلمي أهل السّنة فِي أَيَّام الْمَأْمُون عبد الله بن سعيد التَّمِيمِي الَّذِي دمر علم الْمُعْتَزلَة فِي مجْلِس الْمَأْمُون وَفَضَحَهُمْ ببيانه وآثار بَيَانه فِي كتبه وَهُوَ أَخُو يحيى بن سعيد الْقطَّان وَارِث علم الحَدِيث وَصَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَمن تلامذة عبد الله بن

سعيد عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ الْكِنَانِي الَّذِي فَضَح الْمُعْتَزلَة فِي مجْلِس الْمَأْمُون وتلميذه الْحُسَيْن بن فضل البَجلِيّ صَاحب الْكَلَام وَالْأُصُول وَصَاحب التَّفْسِير والتأويل وعَلى نكته فِي الْقُرْآن معول الْمُفَسّرين وَهُوَ الَّذِي استصحبه عبد الله بن طَاهِر وَالِي خُرَاسَان إِلَى خُرَاسَان فَقَالَ النَّاس إِنَّه قد أخرج علم الْعرَاق كُله إِلَى خُرَاسَان وَمن تلامذة عبد الله بن سعيد أَيْضا الْجُنَيْد شيخ الصُّوفِيَّة وَإِمَام الْمُوَحِّدين وَله فِي التَّوْحِيد رِسَالَة على شَرط الْمُتَكَلِّمين وَعبارَة الصُّوفِيَّة ثمَّ بعْدهَا شيخ النّظر وَإِمَام الْآفَاق فِي الجدل وَالتَّحْقِيق أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْأَشْعَرِيّ الَّذِي صَار شجا فِي حلوق الْقَدَرِيَّة والنجارية والجهمية والجسمية وَالرَّوَافِض والخوارج وَقد مَلأ الدُّنْيَا كتبه وَمَا رزق أحد من الْمُتَكَلِّمين من التبع مَا قد رزق لِأَنَّهُ جَمِيع أهل الحَدِيث وكل من لم يتعزل من أهل الرَّأْي على مذْهبه وَمن تلامذته الْمَشْهُورين أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ وَأَبُو عبد الله بن مُجَاهِد وهما اللَّذَان أثمرا تلامذة هم إِلَى الْيَوْم شموس الزَّمَان وأثمة الْعَصْر كَأبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب قَاضِي قُضَاة الْعرَاق والجزيرة وَفَارِس وكرمان وَسَائِر حُدُود هَذِه النواحي وَأبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن فورك وَأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المهراني وقبلهم أَبُو الْحسن عَليّ بن مهْدي الطَّبَرِيّ صَاحب الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَالْأَدب والنحو والْحَدِيث وَمن آثاره تلميذ مثل أبي عبد الله بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد البزازي صَاحب الجدل والتصانيف فِي كل بَاب من الْكَلَام وَقبل هَذِه الطَّبَقَة شيخ الْعُلُوم على الْخُصُوص والعموم أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ وَفِي زَمَانه كَانَ

إِمَام أهل السّنة ابو الْعَبَّاس القلانسي الَّذِي زَادَت تصانيفه فِي الْكَلَام على مائَة وَخمسين كتابا وتصانيف الثَّقَفِيّ ونقوضه على أهل الْأَهْوَاء زَائِدَة على مائَة كتاب وَقد أدركنا مِنْهُم فِي عصرنا أَبَا عبد الله بن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن الطّيب قَاضِي الْقُضَاة وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن بن فورك وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المهراني وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد البزازي وَعلي منوال هَؤُلَاءِ الَّذين أدركناهم شَيخنَا وَهُوَ لإحياء الْحق كل وعَلى أعدائه غل وَقَالَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام عبد الْعَزِيز عِنْد حَدِيث قلب الْمُؤمن بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن إِن لله مستول عَلَيْهِ بقدرته وتصريفه كَيفَ يَشَاء من كفر وإيمان ... إِلَى أَن قَالَ وَلَيْسَ الْكَلَام فِي هَذَا بِدعَة قبيحة وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيهِ بِدعَة حَسَنَة وَاجِبَة لما ظَهرت الشُّبْهَة وَإِنَّمَا سكت السّلف عَن الْكَلَام فِيهِ إِذْ لم يكن فِي عصرهم من يحمل كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله على مَالا يجوز حمله وَلَو ظَهرت فِي عصرهم شُبْهَة لكذبوهم وأنكروا عَلَيْهِم غَايَة الْإِنْكَار فقد رد الصَّحَابَة وَالسَّلَف على الْقَدَرِيَّة لما أظهرُوا بدعتهم وَلم يَكُونُوا قبل ظُهُورهمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي ذَلِك وَلَا يردون على قَائِله وَلَا نقل عَن أحد من الصَّحَابَة شَيْء من ذَلِك إِذْ لَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ ... وَالله أعلم الفتاوي لَهُ ص 56

فصل

فصل افْتِرَاق أمة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَا لَا بُد أَن يكون وَوَقع مَا قدر الله تَعَالَى وُقُوعه وقضاه وَهُوَ أَن تفترق أمة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة وَهِي الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصحابته رَضِي الله عَنْهُم ونجد أَخْبَار تِلْكَ الْفرق فِي كتاب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ مقالات الإسلاميين وَكتاب الإِمَام عبد القاهر الْبَغْدَادِيّ الْفرق بَين الْفرق والفصل فِي الْملَل والأهواء والنحل لِابْنِ حزم والملل والنحل للشهرستاني وَغَيرهَا وَالَّذِي ندير فِيهِ الحَدِيث هُنَا أَن تِلْكَ الْفرق يُمكن بِشَيْء من التمحل والتنزل أَن تجْعَل طرفين حادين وهما منحرفان ووسط هُوَ الْعدْل وَالْحق الطرفان أَحدهمَا المشبهة والمجسمة الَّذين يشبهون الله تَعَالَى بخلقه وَيدعونَ أَنه جسم كالأجسام أَولا كالأجسام وَالثَّانِي المعطلة ونعني بهم هُنَا الَّذين يعطلون الله تَعَالَى فينفون عَنهُ صِفَات وينسبون إِلَيْهِ النَّقْص وَمِنْهُم طَائِفَة متعقلون يجْعَلُونَ الْعقل حكما وحاكما يردون بعض نُصُوص الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة الصَّحِيحَة المثبتة لصفات الله تَعَالَى بعقولهم وأفكارهم وَالْوسط السَّلِيم الْمُسْتَقيم يُؤمن بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته جَمِيعهَا وينزهه سُبْحَانَهُ عَن المشابهة والجسمية وَيثبت لله تَعَالَى من الصِّفَات مَا أثْبته لنَفسِهِ وأثبته لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا هُوَ الَّذِي بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَعلم أَصْحَابه إِيَّاه وَهُوَ الَّذِي خلف عَلَيْهَا أَصْحَابه ثمَّ

خِيَار التَّابِعين وَالْعُلَمَاء الفاقهين وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة ومدارسهم وأمثالهم من الْعلمَاء الصَّالِحين فِي زمانهم وَبعد زمانهم وَهُوَ وسط صَحِيح حق بَاقٍ إِلَى قرب قيام السَّاعَة بِإِذن الله تَعَالَى والساعة لَا تقوم وَفِي النَّاس مَا يَقُول الله الله كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم وكما قيض الله تَعَالَى للْجمع بَين طرفِي الرَّأْي وَالنَّص نَاصِر السّنة الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَا سمي فِي كتب الْأُصُول بالتوفيق بَين أهل الرَّأْي وَأهل الحَدِيث فقد قيض الله تَعَالَى نَاصِر السّنة الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ لإِظْهَار سلوك الْوسط السَّلِيم الْمُسْتَقيم وَذَلِكَ برد المعطلة من الْمَلَاحِدَة ونفاة الصِّفَات من جِهَة والمشبهة والمجسمة من جِهَة أُخْرَى إِلَى الجادة الْوسط فَأثْبت رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ لله تَعَالَى فِي الْجنَّة جعلنَا الله مِنْهُم وَمَعَهُمْ وَنفى التَّشْبِيه والكيفية وَأثبت كَلَام الله تَعَالَى وَقَالَ إِن كَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق وَإِن فعل العَبْد فِي الْقُرْآن من الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة مَخْلُوق وَأثبت سَائِر صِفَات الله تَعَالَى مَعَ التَّنْزِيه عَن المشابهة لأحد من خلقه أَو مشابهة أحد من خلقه لَهُ سُبْحَانَهُ وأمثال ذَلِك كثير وَلَقَد جمع الله تَعَالَى جُمْهُور الْمُسلمين على توجهه وتوجيهه فَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى آيَة من آيَات الله وَحجَّة من حججه على خلقه قَالَ ابْن حجر الهيثمي رَحمَه الله تَعَالَى نسب علم الْكَلَام إِلَى الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ جمع مناهج الْأَوَّلين ولخص موارد الْبَرَاهِين وَلم يحدث فِيهِ بعد السّلف إِلَّا مُجَرّد الألقاب والإصطلاحات وَقد حدث ذَلِك فِي كل فن من فنون الْعلم وَلَقَد كتب رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان الطَّرِيق الْوسط التآليف العديدة مِنْهَا مَا هِيَ صَحَائِف وَمِنْهَا مَا هِيَ أَجزَاء ومجلدات وَحين خرج من الدُّنْيَا كَانَ قد خلف أَكثر من مائَة وَخمسين كتابا فِي بَيَان عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ورد وَإِبْطَال مَا سواهَا وَالْحَمْد لله وَحقّ أَن يُقَال فِيهِ مَا ذكره ابْن خلكان أَنه نُودي يَوْم وَفَاة الْأَشْعَرِيّ الْيَوْم مَاتَ

الطرف الأول المشبهة والمجسمة

نَاصِر السّنة رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي الله عَنهُ وأرضاه وَكَانَ ذَلِك سنة 323 الطّرف الأول المشبهة والمجسمة وهم الَّذين نسبوا الله تَعَالَى إِلَى الجسمية وأسندوا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ كثيرا مِمَّا يسند إِلَى الْجِسْم معَاذ الله وَقد نقل الإِمَام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَابه الشَّامِل مقالات الإسلاميين عَن بَعضهم كلَاما فِي حق الله تَعَالَى رُبمَا دلّ على التنقيص والاستهزاء بِاللَّه تَعَالَى فضلا عَن التجسيم وَلَا صلَة لَهُ بِالْعلمِ وَلَا بِالدَّلِيلِ فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَاخْتلفت الروافض أَصْحَاب الْإِمَامَة فِي التجسيم وهم سِتّ فرق فالفرقة الأولى الهشامية أَصْحَاب هِشَام بن الحكم الرافضي يَزْعمُونَ أَن معبودهم جسم وَله نِهَايَة وحد طَوِيل عريض عميق طوله مثل عرضه وَعرضه مثل عمقه لَا يُوفى بعضه على بعض ص 31 وَذكر أَبُو الْهُذيْل فِي بعض كتبه أَن هِشَام بن الحكم قَالَ لَهُ إِن ربه جسم ذَاهِب جَاءَ فيتحرك تَارَة ويسكن أُخْرَى وَيقْعد مرّة وَيقوم أُخْرَى وَإنَّهُ طَوِيل عريض عميق لِأَن مالم يكن كَذَلِك دخل فِي حد التلاشي قَالَ فَقلت لَهُ إيما أعظم إلهك أم هَذَا الْجَبَل وأومأت إِلَى أبي قبيس جبل بِمَكَّة المكرمة قَالَ فَقَالَ إِن هَذَا الْجَبَل يُوفي عَلَيْهِ أَي هُوَ أعظم مِنْهُ وَذكر ايضا ابْن الراوندي أَن هِشَام بن الحكم كَانَ يَقُول إِن بَين إلهه وَبَين الْأَجْسَام الْمُشَاهدَة تشابها من جِهَة من الْجِهَات وَلَوْلَا ذَلِك مَا دلّت عَلَيْهِ ص 32 وَزعم الْوراق أَن بعض أَصْحَاب هِشَام أَجَابَهُ مرّة أَن الله عز وَجل على الْعَرْش مماس لَهُ وَأَنه لَا يفضل عَن الْعَرْش وَلَا يفضل الْعَرْش عَنهُ ص 33 وَقَالَ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة أبي عَامر الْعَبدَرِي مُحَمَّد بن سعدون قَالَ ابْن عَسَاكِر بَلغنِي أَنه أَي الْعَبدَرِي قَالَ إِن أهل الْبدع يَعْنِي أهل السّنة يحتجون بقوله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء أَي فِي الإلهية فَأَما الصُّورَة فمثلنا ثمَّ يحْتَج بقوله تَعَالَى {لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن} أَي فِي الْحُرْمَة العبر فِي خبر من غبر وَزعم بَيَان بن سمْعَان التَّمِيمِي أَن معنى قَوْله تَعَالَى (كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه) أَن

الله تَعَالَى يُدْرِكهُ الْهَلَاك وَأَنه لَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا وَجهه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأكْثر مَا أُتِي هَؤُلَاءِ كَانَ من 1 - غفلتهم عَن تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق ومشابهة أحد من الْخلق لَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ جلّ جَلَاله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَأَن مَا نسب الله تَعَالَى إِلَى نَفسه من صِفَات وأفعال فَإِنَّمَا هِيَ على وفْق مُرَاده سُبْحَانَهُ فَإِن كَانَ الْعباد يجهلون حَقِيقَة ذَات الله تَعَالَى فأحر بهم أَن يجهلوا صِفَاته فَعَلَيْهِم أَن يُؤمنُوا ويسلموا ويسكتوا لكِنهمْ غفلوا فشبهوا الْخَالِق بخلقه حَتَّى جِسْمه بَعضهم كَمَا رَأينَا. 2 - وَكَانَ من جِهَة بعض النُّصُوص المكذوبة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل - إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ينزل الله تَعَالَى بَين الآذان وَالْإِقَامَة عَلَيْهِ رِدَاء مَكْتُوب عَلَيْهِ إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا يقف فِي قبْلَة كل مصل مُقبلا عَلَيْهِ إِلَى أَن يفرغ من صلَاته لَا يسْأَل الله عبد تِلْكَ السَّاعَة شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه فَإِذا سلم إلامام فِي صلَاته صعد إِلَى السَّمَاء رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر من حَدِيث أنس من طَرِيق أبي عَليّ الْأَهْوَازِي وَهُوَ الْمُتَّهم بِهِ - رَأَيْت رَبِّي بمنى يَوْم النَّفر على جمل أَوْرَق عَلَيْهِ جُبَّة صوف أَمَام النَّاس أبن عَسَاكِر من حَدِيث لَقِيط بن عَامر من طَرِيق الْأَهْوَازِي أَيْضا وَقَالَ فِيهِ وَفِي الَّذِي قبله كتبهما الْخَطِيب عَن الْأَهْوَازِي تَعَجبا من نكارتهما وهما باطلان - إِذا أَرَادَ الله أَن ينزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ينزل عَن عَرْشه بِذَاتِهِ أَبُو نعيم فِي التَّارِيخ من حَدِيث أنس عَن طَرِيق مُحَمَّد بن عِيسَى الطرسوسي عَن نعيم بن حَمَّاد عَن جرير عَن اللَّيْث بن أبي سليم عَن بشر عَن أنس ونعيم يَأْتِي بالطامات فَلَا يدْرِي الْبلَاء مِنْهُ أَو من الطرسوسي قلت قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب الْعَرْش وَبشر لَا يدْرِي من هُوَ وَلَعَلَّ هَذَا مَوْضُوع

- وروى عبيد بن حنين قَالَ بَيْنَمَا أَنا جَالس فِي الْمَسْجِد إِذْ جَاءَ قَتَادَة بن النُّعْمَان فَجَلَسَ يتحدث ثمَّ قَالَ أَن انْطلق بِنَا إِلَى أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَإِنَّهُ قد أخْبرت أَنه اشْتَكَى فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلنَا على أبي سعيد فوجدناه مُسْتَلْقِيا وَاضِعا رجله الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فسلمنا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا فَرفع قَتَادَة يَده إِلَى رجل أبي سعيد الْخُدْرِيّ وقرصها قرصة شَدِيدَة فَقَالَ أَبُو سعيد سُبْحَانَ الله يَا ابْن آدم أوجعتني قَالَ ذَلِك أردْت لِأَن الله تَعَالَى لما قضى خلقه اسْتلْقى ثمَّ وضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى ثمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد من خلقي أَن يفعل هَذَا قَالَ أَبُو سعيد لَا جرم لَا أَفعلهُ أبدا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ثمَّ قَالَ هَذَا // حَدِيث مُنكر // وَفِيه فليح بن سُلَيْمَان لَا يحْتَج بحَديثه قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل مَا رَأَيْت هَذَا الحَدِيث فِي دواوين الشَّرِيعَة الْمُعْتَمد عَلَيْهَا وَعبيد بن حنين قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ لَا يَصح حَدِيثه وَفِي الحَدِيث عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن قَتَادَة بن النُّعْمَان مَاتَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَعبيد بن حنين مَاتَ سنة خمس وَمِائَة وَله خمس وَسَبْعُونَ سنة فِي قَول الْوَاقِدِيّ فَتكون رِوَايَته عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان مُنْقَطِعَة قَالَ الإِمَام أَحْمد ثمَّ لَو صَحَّ طَرِيقه احْتمل أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث بِهِ عَن بعض أهل الْكتاب من طَرِيق الْإِنْكَار عَلَيْهِم فَلم يفهم قَتَادَة إِنْكَاره قلت يرحم الله أَحْمد بن حَنْبَل مَا كَانَ أعظم عقله وَهُوَ يقرا وَيسمع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يكن حَاطِب ليل لَا يَقُول بِكُل مَا يقْرَأ وَيسمع من الحَدِيث حَتَّى يعرضه على الْأُصُول وَلَقَد ثَبت فِي البُخَارِيّ عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى // صَحِيح البُخَارِيّ // كتاب الصَّلَاة واللباس وَمُسلم فِي اللبَاس وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب وَقَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} ق 38 مَا نَصه قَالَ قَتَادَة والكلبي هَذِه الْآيَة نزلت فِي يهود الْمَدِينَة زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام أَولهَا الْأَحَد وَآخِرهَا يَوْم الْجُمُعَة واستراح يَوْم السبت فجعلوه

يَوْم رَاحَة فأكذبهم الله تَعَالَى فِي ذَلِك قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ بَاب ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي سَموهَا أَخْبَار الصِّفَات الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من سِتِّينَ حَدِيثا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمقَام الْمَحْمُود فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَدَني رَبِّي عز وَجل بالقعود على الْعَرْش هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله وَقَالَ ابْن عمر {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ ذكر الدنو مِنْهُ حَتَّى يمس بعضه وَهَذَا كذب على ابْن عمر قلت هَذَا الْخَبَر وَقَول مُجَاهِد وَسَيَأْتِي ذكره ذكره الذَّهَبِيّ فِي الْعُلُوّ وانْتهى فِيهِ بعد الْكَلَام الطَّوِيل إِلَى تَقْرِير أَنه بَاطِل وَكَذَا فعل مُخْتَصره السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين الألباني وَالْحَمْد لله قلت وَكَانَ الإِمَام مُحَمَّد زاهد الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى قد سبق السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين إِلَى الحكم بِوَضْع الأبيات الْمَذْكُورَة مَعَ خبر مُجَاهِد وتنسب إِلَى الإِمَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي الإقعاد وافترائها عَلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى والأبيات المفتراة هِيَ (حَدِيث الشَّفَاعَة عَن أَحْمد ... إِلَى أَحْمد الْمُصْطَفى مُسْنده) (وَجَاء الحَدِيث بإقعاده ... على الْعَرْش أَيْضا فَلَا نجحده) (أمروا الحَدِيث على وَجهه ... وَلَا تدْخلُوا فِيهِ مَا يُفْسِدهُ) (وَلَا تنكروا أَنه قَاعد ... ولاتنكروا أَنه يقعده) وَقد نَسَبهَا ابْن الْقيم فِي كِتَابه بَدَائِع الْفَوَائِد إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَلم يذكر بطلَان تِلْكَ النِّسْبَة وَكَذَلِكَ فعل صَاحب كتاب مفاهيم يجب أَن تصحح قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} الْإِسْرَاء 79 اختف فِي الْمقَام الْمَحْمُود على اربعة أَقْوَال الأول وَهُوَ أَصَحهَا الشَّفَاعَة للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة قَالَه حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِن

النَّاس يصيرون يَوْم الْقِيَامَة جثا جماعات أمة تتبع نبيها تَقول يَا فلَان اشفع حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام الْمَحْمُود وَذكر الْقُرْطُبِيّ خمس شفاعات للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ القَوْل الثَّانِي إِن الْمقَام الْمَحْمُود إِعْطَاؤُهُ لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة قلت وَهَذَا القَوْل لَا تنافر بَينه وَبَين الأول فَإِنَّهُ يكون بِيَدِهِ لِوَاء الْحَمد ويشفع روى التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نَبِي يَوْمئِذٍ آدم فَمن سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي الجديث القَوْل الثَّالِث مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَن فرقة مِنْهَا مُجَاهِد أَنَّهَا قَالَت الْمقَام الْمَحْمُود هُوَ أَن يجلس الله تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه على كرسيه وروت فِي ذَلِك حَدِيثا هُوَ حَدِيث عَائِشَة وَتقدم أَنه لَا يَصح وعضد الطَّبَرِيّ جَوَاز ذَلِك بشطط من القَوْل وَهُوَ لَا يخرج إِلَّا على تلطف فِي الْمَعْنى وَفِيه بعد وَلَا يُنكر مَعَ ذَلِك أَن يرْوى وَالْعلم يتأوله وَذكر النقاش عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي أَنه قَالَ من أنكر هَذَا الحَدِيث فَهُوَ عندنَا مُتَّهم مَا زَالَ أهل الْعلم يتحدثون بِهَذَا من أنكر جَوَازه على تَأْوِيله قَالَ أَبُو عمر وَمُجاهد وَإِن كَانَ أحد الْأَئِمَّة يتَأَوَّل الْقُرْآن فَإِن لَهُ قَوْلَيْنِ مهجورين عِنْد أهل الْعلم أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ تنْتَظر الثَّوَاب لَيْسَ من النّظر قلت ذكر هَذَا فِي بَاب ابْن شهَاب فِي حَدِيث التَّنْزِيل وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَيْضا فِي هَذِه الْآيَة قَالَ يجلسه على الْعَرْش وَهَذَا تَأْوِيل غير مُسْتَحِيل لِأَن الله تَعَالَى كَانَ قبل خلقه الْأَشْيَاء كلهَا وَالْعرش قَائِما بِذَاتِهِ ثمَّ خلق الْأَشْيَاء من غير حَاجَة إِلَيْهَا بل إِظْهَارًا لقدرته وحكمته وليعرف وجوده وتوحيده وَكَمَال قدرته وَعلمه بِكُل أَفعاله المحكمة وَخلق لنَفسِهِ عرشا اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ من غير أَن صَار مماسا لَهُ أَو كَانَ الْعَرْش لَهُ مَكَانا قيل هُوَ الْآن على الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من قبل أَن يخلق الْمَكَان وَالزَّمَان فعلى هَذَا القَوْل سَوَاء فِي الْجَوَاز أقعد مُحَمَّد على الْعَرْش أَو على الأَرْض لِأَن اسْتِوَاء الله تَعَالَى على الْعَرْش لَيْسَ بِمَعْنى الِانْتِقَال والزوال وتحويل الْأَحْوَال من الْقيام وَالْقعُود وَالْحَال الَّتِي تشغل الْعَرْش بل هُوَ مستو على عَرْشه كَمَا أخبر

عَن نَفسه بِلَا كَيفَ وَلَيْسَ إقعاده مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوجبا لَهُ صفة الربوبية أَو مخرجا لَهُ عَن صفة الْعُبُودِيَّة بل هُوَ رفع لمحله وتشريف لَهُ على خلقه وَأما قَوْله فِي الْأَخْبَار مَعَه فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله {إِن الَّذين عِنْد رَبك} آخر الْأَعْرَاف و {رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} التَّحْرِيم 11 و {وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ} آخر العنكبوت وَنَحْو ذَلِك كل ذَلِك عَائِد إِلَى الرُّتْبَة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة لَا إِلَى الْمَكَان أَقُول إِنَّمَا نقلت كَلَام الْقُرْطُبِيّ على طوله فِيمَا نقل عَن مُجَاهِد مَعَ أَنه مَبْنِيّ على أصل بَاطِل لَا يَصح ويعارض الصَّحِيح من الحَدِيث وَقد بلغ التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ من أجل أَن يُقَاس عَلَيْهِ فِيمَا يَصح مِمَّا يجب تَأْوِيله تَنْزِيها لله تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق وَذكر السُّيُوطِيّ فِي كِتَابه تحذير الْخَواص من أَحَادِيث الْقصاص تَحْقِيق الدكتور مُحَمَّد الصَّباح أَن الإِمَام الطَّبَرِيّ بلغه أَن قَاصا جلس فِي بَغْدَاد فروى فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} أَنه يجلسه على عَرْشه فَلَمَّا بلغه ذَلِك احتد على ذَلِك وَبَالغ فِي إِنْكَاره وَقَالَ إِن حَدِيث الْجُلُوس على الْعَرْش محَال ثمَّ أنْشد (سُبْحَانَ من لَيْسَ لَهُ أنيس ... وَلَا لَهُ فِي عَرْشه جليس) والقصة على طرافتها ذكرهَا ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الْبلدَانِ 18 - 57 وَأَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر الْمُحِيط 6 \ 72، 73 ونعوذ بِاللَّه من الخذلان قَالَ ابْن حزم الظَّاهِرِيّ ذهبت طَائِفَة إِلَى القَوْل بِأَن الله تَعَالَى جسم وحجتهم فِي ذَلِك أَنه لَا يقوم فِي الْمَعْقُول إِلَّا جسم أَو غَرَض فَلَمَّا بَطل أَن يكون تَعَالَى عرضا ثَبت أَنه جسم وَقَالُوا إِن الْفِعْل لَا يَصح إِلَّا من جسم وَإِن الْبَارِي تَعَالَى فَاعل فَوَجَبَ أَنه جسم فَأجَاب أما فَسَاد قَوْلهم إِنَّه لَا يقوم فِي الْمَعْقُول إِلَّا جسم أَو عرض فَإِنَّهَا قسْمَة نَاقِصَة وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنه لَا يُوجد فِي الْعَالم إِلَّا جسم أَو عرض وَكِلَاهُمَا يَقْتَضِي بطبيعته وجود مُحدث لَهُ فبالضرورة نعلم أَنه لَو كَانَ مُحدثا جسما أَو عرضا لَكَانَ يَقْتَضِي فَاعِلا فعله ولابد فَوَجَبَ بِالضَّرُورَةِ أَن فَاعل الْجِسْم وَالْعرض لَيْسَ جسما وَلَا عرضا وَهَذَا

برهَان يضْطَر إِلَيْهِ كل ذِي حس بضرورة الْعقل وَلَا بُد وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الْبَارِي تَعَالَى عَن إلحادهم جسما لاقتضى ذَلِك ضَرُورَة أَن يكون لَهُ زمَان وَمَكَان وهما غَيره وَهَذَا إبِْطَال التَّوْحِيد وَإِيجَاب الشّرك مَعَه تَعَالَى لشيئين سواهُ وَإِيجَاب أَشْيَاء مَعَه غير مخلوقة وَهَذَا كفر الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل \ 2 وَقَالَ أَبُو الْفضل التَّمِيمِي رَئِيس الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد أنكر أَحْمد من قَالَ بالجسم وَقَالَ إِن الْأَسْمَاء مَأْخُوذَة من الشَّرِيعَة واللغة وَأهل اللُّغَة وضعُوا هَذَا الِاسْم على ذِي طول وَعرض وسمك وتركيب وَصُورَة وتأليف وَالله سُبْحَانَهُ خَارج عَن ذَلِك وَلم يَجِيء فِي الشَّرِيعَة ذَلِك فَبَطل نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد ص 42 وَقَالَ عبد القاهر الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة من هَذَا الْفَصْل فِي حكم المجسمة والمشبهة كل من شبه ربه بِصُورَة الْإِنْسَان من البيانية والمغيرية والجواربية والهشامية المنسوبة إِلَى هِشَام بن سَالم الجواليقي فَإِنَّمَا يعبد إنْسَانا مثله وَيكون حكمه فِي الذَّبِيحَة وَالنِّكَاح كَحكم عَبدة الْأَوْثَان فِيهَا وَكَذَلِكَ من زعم أَن بعض النَّاس إِلَه أَو أدعى حُلُول روح الْإِلَه فِيهِ على مَذْهَب الحلولية كَمَا قالته الخطابية فِي جَعْفَر الصَّادِق وكما قالته الزرامية فِي أبي مُسلم صَاحب دَعْوَة بني الْعَبَّاس وكما قالته المبيضة فِي الْمقنع فَهُوَ عَابِد وثن وَأما جسمية خُرَاسَان من الكرامية فتكفيرهم وَاجِب لقَولهم إِن الله تَعَالَى لَهُ حد وَنِهَايَة من جِهَة السّفل وَمِنْهَا يماس عَرْشه ولقولهم بِأَن الله تَعَالَى مَحل للحوادث وَإِنَّمَا يرى الشَّيْء بِرُؤْيَة تحدث فيهويدرك مَا يسمعهُ بِإِدْرَاك يحدث تَعَالَى الله عَمَّا يصفونَ وَلَوْلَا حُدُوث الْإِدْرَاك فِيهِ لم يكن مدْركا لصوت وَلَا لمرئي وَقد افسدوا بِإِجَازَة حُلُول الْحَوَادِث فِي ذَات الله تَعَالَى لأَنْفُسِهِمْ دلَالَة الْمُوَحِّدين على حُدُوث الْأَجْسَام بحلول الْحَوَادِث وَإِذا لم يَصح على أصولهم حُدُوث الْعَالم لم يكن لَهُم طَرِيق إِلَى معرفَة صانع الْعَالم فصاروا جاهلين بِهِ وَكَيف يحكم بإيمَانهمْ وهم يَقُولُونَ إِنَّه لَيْسَ فِي قلب أحد إِيمَان وَكَيف يكون مُؤمنا من يَقُول إِن إيمَانه كأيمان الْمُنَافِقين الْكَفَرَة باعتقاد الْكفْر وَسَائِر فرق الْأمة يكفرونهم وهم يرَوْنَ

الطرف الثاني المعطلة

جَمِيع فرق الْأمة من أهل الْجنَّة ويزعمون أَن أهل الْأَهْوَاء بعد الْعقَاب يصيرون إِلَى الْجنَّة وَلَا يَدُوم عقابهم وَجَمِيع مخالفيهم على أَنهم من أهل النَّار فصاروا من هَذِه الْجِهَة شَرّ الْفرق عِنْد الْأَئِمَّة قَالَ ابْن حزم من قَالَ إِن الله تَعَالَى جسم لَا كالأجسام فَلَيْسَ مشبها وَلكنه ألحد فِي اسماء الله تَعَالَى إِذْ سَمَّاهُ عز وَجل بِمَا لم يسم بِهِ نَفسه وَأما من قَالَ إِنَّه تَعَالَى كالأجسام فَهُوَ ملحد فِي أَسْمَائِهِ ومشبه الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل 1 / 120 وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وَهُوَ صَدُوق يخطىء كثيرا من شبه الله تَعَالَى بخلقه كفر وَمن جحد مَا وصف الله نَفسه فقد كفر الطّرف الثَّانِي: المعطلة هم الَّذين زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى لَا يُوصف بِمَا وصف بِهِ نَفسه فِي الْقُرْآن الْكَرِيم أَو وَصفه بِهِ رَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَحِيح السّنة وَأكْثر مَا ذكر هَذَا الزَّعْم الْبَاطِل عِنْد الْمُسَمّى جهم بن صَفْوَان وَقد قتل سنة 130 وَالْحَمْد لله بِسيف الْإِسْلَام وَقد انطفأت فتنته بعد قَتله بِقَلِيل وَأكْثر مَا نجد الاتهام بِهِ عِنْد بعض الْمُتَكَلِّمين بعد فَإِنَّمَا هُوَ نبز قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ جهم ينتحل الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقتل جهم قَتله سلم ابْن أحوز الْمَازِني فِي آخر ملك بني أُميَّة ويحكى أَنه كَانَ يَقُول لَا أَقُول الله سُبْحَانَهُ شَيْء لِأَن ذَلِك تَشْبِيه لَهُ بالأشياء وَكَانَ يَقُول إِن علم الله سُبْحَانَهُ مُحدث فِيمَا يحْكى عَنهُ وَيَقُول بِخلق الْقُرْآن وَإنَّهُ لَا يُقَال إِن الله لم يزل عَالما بالأشياء قبل ان تكون وَقَالَ الشَّيْخ أنور الكشميري رَحمَه الله تَعَالَى جهم بن صَفْوَان رجل مُبْتَدع نَشأ فِي ترمذ فِي أَوَاخِر عهد التَّابِعين قَالَ أَبُو معَاذ الْبَلْخِي كَانَ جهم على معبر ترمذ وَكَانَ كُوفِي الأَصْل فصيحا وَلم يكن لَهُ علم وَلَا مجالسة أهل الْعلم فَقيل لَهُ صف لنا رَبك فَدخل الْبَيْت وَلم يخرج ثمَّ خرج بعد أَيَّام فَقَالَ هَذَا هُوَ الْهَوَاء مَعَ كل شَيْء

وَفِي كل شَيْء وَلَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْء وَقَالَ أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي رَحمَه الله تَعَالَى وَأما الْجَهْمِية فلايختلف أحد مِمَّن صنف فِي المقالات أَنهم ينفون الصِّفَات حَتَّى نسبوا إِلَى التعطيل قَالَ والجهمية أَتبَاع جهم بن صَفْوَان الَّذِي قَالَ بالإجبار والإضطرار إِلَى الْأَعْمَال وَقَالَ لَا فعل لأحد غير الله تَعَالَى وَزعم أَن علم الله تَعَالَى حَادث وَامْتنع عَن وصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ شَيْء أَو عَالم مُرِيد حَتَّى قَالَ لَا أصفه بِوَصْف يجوز إِطْلَاقه على غَيره وَثَبت عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ بَالغ جهم فِي نفي التَّشْبِيه حَتَّى قَالَ إِن الله لَيْسَ بِشَيْء وَفِي كتاب المسايرة لِابْنِ الْهمام عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ لَهُ بعد مَا ناظره أخرج عني يَا كَافِر وَهُوَ الْقَائِل بِفنَاء الْجنَّة وَالنَّار فيض الْبَارِي 4 / 513 وَانْظُر المقالات 626 قلت وَهُوَ أول من قَالَ بوحدة الْوُجُود بَين الْمُسلمين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لله أَسمَاء وصفات لَا يسع أحدا ردهَا وَمن خَالف بعد ثُبُوت الْحجَّة عَلَيْهِ فقد كفر وَأما قبل قيام الْحجَّة فَإِنَّهُ يعْذر بِالْجَهْلِ لِأَن علم ذَلِك لَا يدْرك بِالْعقلِ وَلَا الروية والفكر ذكره أَبُو حَاتِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَنهُ من رِوَايَة يُونُس بن عبد الْأَعْلَى لقد زعم الشقي جهم أَنه يَنْفِي صِفَات عَن الله تَعَالَى أثبتها سُبْحَانَهُ لنَفسِهِ ينزه الله جلّ جَلَاله فَكَانَ بنفيه ذَلِك وبأفكاره الرَّديئَة الْأُخْرَى ضلاله وكفره وارتداده حَتَّى قتل على ذَلِك وَكَانَ على شَيْء من تَعْطِيل الله تَعَالَى عَن بعض صِفَاته طَائِفَة الْمُعْتَزلَة المنتسبين إِلَى

وأصل بن عَطاء الَّذِي عَزله الْحسن الْبَصْرِيّ عَن حلقته أَو اعتزل هُوَ عَنْهَا فقد نفوا صِفَات الْمعَانِي من جِهَة استقلالها كصفات قَائِمَة بِاللَّه تَعَالَى على مَا هُوَ اعْتِقَاد أهل السّنة فَقَالُوا فِي الْإِرَادَة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر إِنَّه مُرِيد بِذَاتِهِ وعالم بِذَاتِهِ إِلَى آخرهَا وَلم يَقُولُوا مُرِيد بِصفة الْإِرَادَة الَّتِي لَيست هِيَ هُوَ وَلَا غَيره وَمن ثمَّ سَمَّاهُ بَعضهم نفاة الصِّفَات وهم لم ينفوا الصِّفَات وَإِنَّمَا نفوا استقلالها كَمَا تقدم وَلذَا لم يكفرهم السّلف الصَّالح أَو أَكْثَرهم فِي هَذَا الشَّأْن وَكَانَ الَّذِي زين لَهُم ذَلِك الْحِرْص على تَوْحِيد الله تَعَالَى وتنزيهه عَن الْعدَد وَالْكَثْرَة فَكَانَ نزغة من نزغات الشَّيْطَان وَإِلَّا فَمن يَقُول إِن تعدد الصِّفَات تدل على تعدد الذَّات أيا كَانَت تِلْكَ الصِّفَات وزين لَهُم ذَلِك وَغَيره اغترارهم بِالْعقلِ وتحكيمه فِي النُّصُوص الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة فِي بعض الْأَحْوَال وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فزعموا أَن الله تَعَالَى لَا يرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجنَّة مَعَ ثُبُوت الرُّؤْيَة بالنصوص الصَّرِيحَة فِي الْكتاب وَالسّنة خوفًا مِنْهُم على التَّنْزِيه والوقوع فِي التَّشْبِيه وَزَعَمُوا أَن العَبْد هُوَ الَّذِي يخلق افعال نَفسه وَزَعَمُوا أَن الْمَقْتُول ميت قبل أَجله وَأَن رزق الله تَعَالَى لعَبْدِهِ هُوَ الْحَلَال فَقَط فَمن يَأْكُل الْحَرَام فَغير الله هُوَ رازقه وَزَعَمُوا أَن الله تَعَالَى فِي كل مَكَان كَمَا زَعَمُوا أَن كَلَام الله تَعَالَى مَخْلُوق وَغير ذَلِك واندفعوا بعد ذَلِك يجادلون ويناقشون وهم قوم أُوتُوا الجدل يردون كثيرا من نُصُوص الصِّفَات اعْتِمَادًا على عُقُولهمْ غافلين عَن أَن الْعُقُول من خلق الله تَعَالَى وَلَا يُمكن أَن يدْرك الْمَخْلُوق خالقه وَصِفَاته وَإِنَّمَا يُؤمن بذلك على مَا ورد وَقد نقل الإِمَام الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَحَادِيث فِي نزُول الله تَعَالَى وَفِي روية الْمُؤمنِينَ لَهُ ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ إِلَى عباد بن الْعَوام قَالَ قدم علينا شريك بن عبد الله مُنْذُ نَحْو من سنة قَالَ فَقلت يَا أَبَا عبد الله إِن عندنَا قوما من الْمُعْتَزلَة يُنكرُونَ هَذِه الْأَحَادِيث قَالَ فَحَدثني بِنَحْوِ من عشرَة أَحَادِيث فِي هَذَا وَقَالَ أما نَحن فقد أَخذنَا ديننَا هَذَا عَن التَّابِعين عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم عَمَّن أخذُوا

لقد ألف عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة رَحمَه الله تَعَالَى توفّي 376 كِتَابه تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث ليرد على بعض أفكار العلاف والنظام من الْمُعْتَزلَة فِي ردهم أَحَادِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصِّفَات فأثبتها أَولا ثمَّ أَولهَا بِمَا يرى أَن الْعقل لَا يحِيل ذَلِك وَلِأَن تَنْزِيه الله تَعَالَى وَعدم مشابهة خلقه أَو مشابهة أحد من خلقه لَهُ سُبْحَانَهُ يُصِيبهُ مَا يكدره فجزاه الله تَعَالَى خيرا وَكَذَلِكَ فعل الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك رَحمَه الله تَعَالَى 406 فَكتب كِتَابه مُشكل الحَدِيث وَبَيَانه لكنه جعله فِي الرَّد عَلَيْهِم وعَلى المشبهة والمجسمة جَزَاء الله تَعَالَى خيرا فدونك مقالات الإسلاميين للْإِمَام الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي نَقله آراء الْمُعْتَزلَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا بَينهم وَالْمُنْفَرد بهَا بَعضهم كَمَا قَالَ عبد القاهر الْبَغْدَادِيّ فِي شَأْن الأديب الجاحظ المعتزلي قَالَ وَزعم الجاحظ أَن الله تَعَالَى لَا يعذب أحدا بالنَّار وَلَا يدْخل أحدا النَّار وَإِنَّمَا النَّار تجذب أَهلهَا إِلَى نَفسهَا بطبعها وتمسكهم على التأييد بطبعها وَهَذَا القَوْل يُوجب انْقِطَاع الرَّغْبَة إِلَى الله تَعَالَى فِي الإنقاذ مِنْهَا لَا أنقذ الله مِنْهَا من قَالَ بذلك أصُول الدّين ص 239 لم يكفر أهل السّنة عَامَّة المجسمة وَلَا عَامَّة الْمُعْتَزلَة وَإِنَّمَا كفرُوا بعض زعمائهم لآرائهم الْمُخَالفَة لِلْإِسْلَامِ ودعوتهم إِلَيْهَا قَالَ الإِمَام الْبَغْدَادِيّ صَاحب الْفرق بَين الْفرق فِي أصُول الدّين لَهُ اعْلَم أَن تَكْفِير كل زعيم من زعماء الْمُعْتَزلَة وَاجِب من وُجُوه أما وَاصل بن عَطاء فَلِأَنَّهُ كفر فِي بَاب الْقدر بِإِثْبَات خالقين لأعمالهم سوى الله تَعَالَى وأحدث القَوْل بالمنزلة بَين المنزلتين بَين منزلتي الْجنَّة للْمُؤْمِنين وَالنَّار للْكَافِرِينَ فِي الْفَاسِق ولهذه الْبِدْعَة طرده الْحسن الْبَصْرِيّ من مَجْلِسه ثمَّ إِنَّه شكّ فِي شَهَادَة عَليّ وَقد قتل مَظْلُوما بِاتِّفَاق أهل السّنة وعدالته وَأَجَازَ أَن يكون هُوَ وَأَصْحَابه من الفسقة وَأَجَازَ أَن يكون الفسقة أَصْحَاب الْجمل فَشك فِي الْفرْقَتَيْنِ وَلذَلِك قَالَ لَو شهد عَليّ وَطَلْحَة عِنْدِي على باقة بقل لم أحكم بِشَهَادَتِهِمَا وَزَاد عَلَيْهِ عَمْرو بن عبيد حَيْثُ رد شَهَادَة عَليّ مَعَ وَاحِد من أَصْحَابه كَأَنَّهُ حكم بِفِسْقِهِ وَمن قَالَ بفسق عَليّ فَهُوَ الْكَافِر الْفَاسِق دونه

اوسط

وَأما زعيمهم الْهُذيْل فَإِنَّهُ قضى بِفنَاء مقدرات الله تَعَالَى حَتَّى لَا يكون بعْدهَا قَادِرًا على شَيْء فَزعم أَن أهل الْجنَّة وَالنَّار ينتهون إِلَى حَال يبقون فِيهَا خمودا ساكنين سكونا دَائِما لَا يقدر الله حِينَئِذٍ على شَيْء من الْأَفْعَال وَلَا يملك لَهُم حِينَئِذٍ ضرا وَلَا نفعا وَكَفاهُ بِدَعْوَاهُ فنَاء مقدرات الله تَعَالَى خزيا مَعَ تَكْذِيبه إِيَّاه فِي قَوْله سُبْحَانَهُ أكلهَا دَائِم أصُول الدّين 238 أما زعيمهم النظام فَهُوَ الَّذِي نفى نِهَايَة الْجُزْء وأبطل بذلك إحصاء الْبَارِي لأجزاء الْعَالم وَعلمه بكمية أَجْزَائِهِ وَزعم أَن الْإِنْسَان هُوَ الرّوح وَأَن أحدا مَا رأى إنْسَانا قطّ وَإِنَّمَا رأى قالبه وَزعم أَن الْأَعْرَاض كلهَا حركات وَأَنَّهَا جنس وَاحِد وَأَن الْإِيمَان من جنس الْكفْر وَأَن فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جنس فعل إِبْلِيس وَقَالَ بالطفرة وَادّعى حشر الْكلاب والخنازير وَسَائِر الْبَهَائِم الهمج إِلَى الْجنَّة وَأنكر وُقُوع الطَّلَاق بالكنايات وَإِن قارنتها نِيَّة الطَّلَاق وَزعم الْمَعْرُوف مِنْهُم بِمَعْمَر أَن الله تَعَالَى مَا خلق لونا وَلَا طعما وَلَا رَائِحَة وَلَا حرارة وَلَا برودة وَلَا يبوسة وَلَا حَيَاة وَلَا موتا وَلَا صِحَة وَلَا سقما وَلَا قدرَة وَلَا عَجزا وَلَا ألما وَلَا لَذَّة وَلَا شَيْئا من الْأَعْرَاض وَإِنَّمَا خلق الْأَجْسَام فَقَط ثمَّ قَالَ وَزعم الجاحظ مِنْهُم أَن لَا فعل للْإنْسَان إِلَّا إِرَادَة وَأَن المعارف كلهَا ضَرُورِيَّة وَمن لم يضْطَر إِلَى معرفَة الله تَعَالَى لم يكن مُكَلّفا وَلَا مُسْتَحقّا للعقاب وَزعم أَيْضا أَن الله لَا يدْخل أحدا النَّار وَإِنَّمَا النَّار تجذب أَهلهَا إِلَى نَفسهَا وتمسكها فِيهَا على التأييد بطبعها وَزعم أَن عَامَّة الدهرية الْمَلَاحِدَة وَسَائِر الْكَفَرَة يصيرون فِي الْآخِرَة تُرَابا لَا يُعَاقب وَاحِد مِنْهُم أصُول الدّين 325 / 327 اوسط هُوَ الْوسط الْعدْل بَين ذَيْنك الطَّرفَيْنِ الحاذين أَعنِي التَّشْبِيه والتجسيم من طرف والتعطيل من طرف آخر هَذَا الْوسط هُوَ الْعدْل بعث بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا إِلَيْهِ وَورثه أمته بعده أَصْحَابه رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَمن جَاءَ بعدهمْ وسلك مسلكهم وَكَانَ مِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وتلامذتهم وَقَامَت على ذَلِك مدارسهم الفكرية والعملية فِي كل مَكَان وَسموا أهل السّنة لأَنهم كَانُوا على مَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي

خلاصة معتقد أهل السنة والجماعة

الِاعْتِقَاد وَكَذَا أَصْحَابه بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسموا أهل الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ عَامَّة النَّاس ومجموعاتهم فِي كل زمَان وَمَكَان وَمَا يزالون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى خُلَاصَة مُعْتَقد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة 1 - إِثْبَات جَمِيع مَا أثبت الله تَعَالَى لنَفسِهِ أَو صَحَّ ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات دون تَحْرِيف أَو تَبْدِيل دون زِيَادَة أَو نُقْصَان دون نفي وإنكار شَيْء مهما كَانَ غَرِيبا عِنْد بعض الْعُقُول أَو كَانَ فَوق مَا تُدْرِكهُ الْعُقُول لِأَن الْعقل عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ آلَة يستعان بِهِ على الْفَهم عَن الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منَاط التَّكْلِيف من الله تَعَالَى وَسبب المسئولية عِنْده وَلَيْسَ من حق الْعقل التشريع أَو الرَّفْض والإبطال لما صَحَّ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ المقبول 2 - التَّفْرِيق بَين الْخَالِق والمخلوق وفْق مَا جَاءَت النُّصُوص الشَّرْعِيَّة بِهِ وتقتضيه الْعُقُول السليمة مثل قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الشورى 11 3 - تَفْوِيض إِدْرَاك حَقِيقَة متشابه الصِّفَات إِلَى الله تَعَالَى وَالتَّسْلِيم بِجَمِيعِ مَا جَاءَت النُّصُوص الصَّحِيحَة إِيمَانًا بذلك وإذعانا وتسليما وفْق مُرَاد الله تَعَالَى وَمُرَاد رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا هُوَ مَذْهَب الْعدْل الصَّوَاب وَالْحَمْد لله وَقد تفرع هَذَا الْمَذْهَب فِي شَأْن صِفَات الله تَعَالَى إِلَى فرعين كريمين هما السّلف وَالْخلف

فصل

فصل السّلف وَالْخلف السّلف هم الْعلمَاء الْعُدُول الوارثون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَقَائِق والمعارف والعقائد وَيُمكن أَن يُقَال هم السَّادة الأخيار إِلَى نِهَايَة الْمِائَة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة الْمُبَارَكَة وانْتهى إِلَيْهِ تَقْرِيبًا دور تدوين الحَدِيث الشريف وَالْكَلَام على رِجَاله وأعني بأولئك السَّادة الأخيار كبار الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء والمحدثين والأصوليين والمفسرين وأمثالهم من عُلَمَاء الْإِسْلَام وتلامذتهم وأتباعهم فِي عصرهم وبعدهم وَعَلِيهِ الْكثير من الْعلمَاء وأتباعهم إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَإِلَى مَا شَاءَ الله تَعَالَى قَول السّلف فِي الصِّفَات السّلف الصَّالح فِي حق صِفَات الله تَعَالَى طَائِفَتَانِ قَالَت الطَّائِفَة الأولى من السّلف الأَصْل الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حق صِفَات الله تَعَالَى وإمراره على مَا جَاءَ وَاعْتِبَار فهمه هُوَ قِرَاءَته وَعدم الْخَوْض فِيهِ بِشَيْء من الْكَلَام قطّ قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ تلميذ الإِمَام أبي حنيفَة الثَّانِي رحمهمَا الله تَعَالَى اتّفق الْفُقَهَاء كلهم من الشرق إِلَى الغرب على الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ من غير تَفْسِير وَلَا تَشْبِيه وَقَالَ مَا وصف الله تَعَالَى بِهِ نَفسه فقراءته تَفْسِيره ذكره اللالكائي فِي شرح السّنة وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى إِسْحَاق بن مُوسَى الْأَنْبَارِي قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول مَا وصف الله تبَارك وَتَعَالَى بِهِ نَفسه فِي كِتَابه فقراءته تَفْسِيره لَيْسَ لأحد أَن يفسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ وَلما سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى عَن حَدِيث الرُّؤْيَة وَالنُّزُول وَنَحْو ذَلِك قَالَ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا كَيفَ وَلَا معنى شرح السّنة للالكائي قَالَ عبد الْملك بن وهب كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى فَدخل عَلَيْهِ رجل

فَقَالَ يَا ابا عبد الله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ استواؤه قَالَ فَأَطْرَقَ مَالك وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَمَا وصف نَفسه وَلَا يُقَال كَيفَ وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت رجل سوء صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ وَفِي لفظ لَهُ رَحْمَة الله تَعَالَى بطرِيق يحيى بن يحيى الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ فَأخْرج وَرُوِيَ ذَلِك عَن ربيعَة الرَّأْي أستاذ مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى فَقَالَ عبد الله بن صَالح ابْن مُسلم سُئِلَ ربيعَة الرَّأْي عَن قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ اسْتَوَى قَالَ الكيف مَجْهُول والاستواء غير مَعْقُول وَيجب عَليّ وَعَلَيْك الْإِيمَان بذلك كُله قَالَ الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ هَذِه نُسْخَة الْكتاب الَّذِي أملاه الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن اسحاق بن أَيُّوب فِي مَذْهَب أهل السّنة فِيمَا جرى بَين مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَبَين أَصْحَابه فَذكرهَا وَذكر فِيهَا {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} بِلَا كَيفَ والْآثَار عَن السّلف فِي هَذَا كَثِيرَة وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة يدل مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وإليها ذهب أَحْمد بن حَنْبَل وَالْحُسَيْن بن الْفضل البَجلِيّ وَمن الْمُتَأَخِّرين أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ ... الخ وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أهل السّنة يَقُولُونَ الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ يجب على الرجل الْإِيمَان بِهِ ويكل الْعلم فِيهِ إِلَى الله عز وَجل وَذكر خبر الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى سُئِلَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَدِيث النُّزُول فَقَالَ ينزل بِلَا كَيفَ كَذَا فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ص 456 قَالَ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان السّنة وَالْجِمَاع وَتقول إِن الله تَعَالَى يغْضب ويرضى وَلَيْسَ كَأحد من صِفَات الورى قَالَ شَارِحه الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الميداني صَاحب اللّبَاب فِي شرح الْكتاب فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنْفَرد بصفاته لذاته فَكَمَا لَا تشبه ذَاته الذوات فصفاته لَا تشبه الصِّفَات لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا يؤولان بِأَن المُرَاد ببغضه وَرضَاهُ إِرَادَة الانتقام ومشيئة الإنعام أَو المُرَاد غايتهما من النقمَة أَو النِّعْمَة قَالَ فَخر الْإِسْلَام الإِمَام الْبَزْدَوِيّ على بن مُحَمَّد صَاحب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ وَيَقَع فِي 30 جُزْءا وَهُوَ مطبوع فِي أُصُوله إِثْبَات الْيَد وَالْوَجْه حق عندنَا لكنه مَعْلُوم بِأَصْلِهِ متشابه بوصفه وَلَا يجوز إبِْطَال الأَصْل بِالْعَجزِ عَن دَرك الْوَصْف وَإِنَّمَا ضلت الْمُعْتَزلَة من هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُم ردوا الْأُصُول لجهلهم بِالصِّفَاتِ على وَجه الْمَعْقُول فصاروا معطلة ثمَّ قَالَ وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة أثبتوا مَا هُوَ الأَصْل الْمَعْلُوم بِالنَّصِّ أَي الْآيَات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فِيمَا هُوَ من الْمُتَشَابه وَهُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يجوزوا الِاشْتِغَال بِطَلَب ذَلِك كَمَا وصف الله تَعَالَى الراسخين فِي الْعلم فَقَالَ يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من كَلَام وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} و {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر لَهُ لَهُ يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه

يغْضب ويرضى وَلَيْسَ كَأحد من صِفَات الورى قَالَ شَارِحه الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الميداني صَاحب اللّبَاب فِي شرح الْكتاب فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنْفَرد بصفاته لذاته فَكَمَا لَا تشبه ذَاته الذوات فصفاته لَا تشبه الصِّفَات لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا يؤولان بِأَن المُرَاد ببغضه وَرضَاهُ إِرَادَة الانتقام ومشيئة الإنعام أَو المُرَاد غايتهما من النقمَة أَو النِّعْمَة قَالَ فَخر الْإِسْلَام الإِمَام الْبَزْدَوِيّ على بن مُحَمَّد صَاحب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ وَيَقَع فِي 30 جُزْءا وَهُوَ مطبوع فِي أُصُوله إِثْبَات الْيَد وَالْوَجْه حق عندنَا لكنه مَعْلُوم بِأَصْلِهِ متشابه بوصفه وَلَا يجوز إبِْطَال الأَصْل بِالْعَجزِ عَن دَرك الْوَصْف وَإِنَّمَا ضلت الْمُعْتَزلَة من هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُم ردوا الْأُصُول لجهلهم بِالصِّفَاتِ على وَجه الْمَعْقُول فصاروا معطلة ثمَّ قَالَ وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة أثبتوا مَا هُوَ الأَصْل الْمَعْلُوم بِالنَّصِّ أَي الْآيَات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فِيمَا هُوَ من الْمُتَشَابه وَهُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يجوزوا الِاشْتِغَال بِطَلَب ذَلِك كَمَا وصف الله تَعَالَى الراسخين فِي الْعلم فَقَالَ يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من كَلَام وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} و {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر لَهُ لَهُ يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي القرآنمن ذكر الْوَجْه

وَالْيَد وَالنَّفس فَهُوَ لَهُ صِفَات بِلَا كَيفَ وَلَا يُقَال إِن يَده قدرته وَنعمته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة وَهُوَ قَول أهل الْقدر والإعتزال لَكِن يَده صفته بِلَا كَيفَ وغضبه وَرضَاهُ صفتان من صِفَاته تَعَالَى بِلَا كَيفَ وَقَالَ الْمُحَقق المتقن الشَّيْخ شُعَيْب الأرنؤوط مُحَقّق سير أَعْلَام النبلاء للذهبي وَشرح السّنة لِلْبَغوِيِّ وَزَاد الْمسير لِابْنِ الْجَوْزِيّ وَغَيرهَا فِي مُقَدّمَة أقاويل الثِّقَات فِي تَأْوِيل الْأَسْمَاء وَالصِّفَات للشَّيْخ مرعي بن يُوسُف الْحَنْبَلِيّ وَلَا بُد لي من التنويه على أَن مَذْهَب السّلف لَا يضرّهُ أَن يكون بعض المنتسبين إِلَيْهِ قد أثبتوا خطأ صِفَات الله تَعَالَى اعْتِمَادًا على أَحَادِيث ضَعِيفَة واهية الْتبس عَلَيْهِم أمرهَا لأَنهم لَيْسُوا من أهل الشَّأْن فَإِن صنيعهم هَذَا لَا علاقَة لَهُ بِصِحَّة وسلامة الْمنْهَج الذى انْتهى اليه السّلف فَمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل مِمَّا هُوَ منشور فِي بعض الْكتب يرد وَلَا يقبل وَيتبع فِي ذَلِك الْقَاعِدَة الْعَامَّة فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره فِي الِاعْتِمَاد على مَا صَحَّ من الْأَحَادِيث ورد مَا سواهُ قلت وَمَا نسب إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَوَى على الْعَرْش} اسْتَقر على الْعَرْش وَقد امْتَلَأَ بِهِ أَو صعد إِلَيْهِ أَو اسْتَوَت عِنْده الْخَلَائق وَمَا إِلَى ذَلِك فَذَلِك من رِوَايَة أبي صَالح وَمُحَمّد بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ كلهم مَتْرُوك عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ لَا يحتجون بِشَيْء من رواياتهم لِكَثْرَة الْمَنَاكِير فِيهَا وَظُهُور الْكَذِب مِنْهُم فِي رواياتهم وَنقل عَن حبيب بن أبي ثَابت كُنَّا نُسَمِّيه دروغ زن يَعْنِي أَبَا صَالح مولى أم هانىء وَذكره بِسَنَدِهِ إِلَى عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يحدث عَن سُفْيَان قَالَ قَالَ الْكَلْبِيّ قَالَ لي ابو صَالح كل مَا حدثتك كذب وَعَن سُفْيَان عَن الْكَلْبِيّ قَالَ قَالَ لي أَبُو صَالح انْظُر كل شَيْء رويت عني عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَلَا تروه وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة قُلْنَا للكلبي بَين لنا مَا سَمِعت من أبي صَالح وَمَا هُوَ قَوْلك فَإِذا الْأَمر عِنْده قَلِيل

وَقَالَ يحيى بن معِين الْكَلْبِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ الإِمَام البُخَارِيّ مُحَمَّد بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ الْكُوفِي صَاحب الْكَلْبِيّ سكتوا عَنهُ وَلَا يكْتب حَدِيثه الْبَتَّةَ قلت وَكَيف يجوز أَن تكون مثل هَذِه الْأَقَاوِيل صَحِيحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ لَا يَرْوِيهَا وَلَا يعرفهَا أحد من أَصْحَابه الْأَثْبَات مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى مَعْرفَتهَا وَمَا تفرد بِهِ الْكَلْبِيّ وَأَمْثَاله يُوجب الْحَد لله تَعَالَى وَالْحَد يُوجب الْحَدث لحَاجَة الْحَد إِلَى حاد خصّه بِهِ والباري قديم لم يزل وَقد علم المشتغلون بالتفسير والْحَدِيث أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ أَكثر من افتري عَلَيْهِ من أقاويل فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ لمكانته رَضِي الله عَنهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعائه لَهُ أَن يفقهه الله فِي الدّين ويعلمه التَّأْوِيل ولكونه ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّك لتجد لَهُ تفاسير عدَّة فِي آيَة وَاحِدَة وتجد فِيهَا تنافرا وتعارضا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَلا لَيْت من يعد رِسَالَة دكتوراة أَن يكْتب فِي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وجوانبه الْعَظِيمَة فِي الْعُلُوم ويمحص تمحيصا مَا رُوِيَ عَنهُ من أَقْوَال فِي التَّفْسِير وَفِي الإعتقاد وَأَحَادِيث فِي ذَلِك وَذَاكَ وَظهر من قَالَ بِغَيْر دَلِيل من الْكتاب وَالسّنة إِن الله تَعَالَى اسْتَوَى بِذَاتِهِ فَوق الْعَرْش بَدَلا من {اسْتَوَى على الْعَرْش} الثَّابِت بِنَصّ الْقُرْآن الْكَرِيم وَإِن الله بَائِن من خلقه قَالَ الإِمَام الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى وَلَفظ بَائِن من خلقه لم يرد فِي كتاب وَلَا سنة وَإِنَّمَا أطلق من أطلق من السّلف بِمَعْنى نفي الممازجة ردا على جهم لَا بِمَعْنى الابتعاد بالمسافة تَعَالَى الله عَن ذَلِك كَمَا صرح بذلك فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَأما لفظ فَوق الْعَرْش فَلم يرد مَرْفُوعا إِلَّا فِي بعض طرق حَدِيث الأوعال من رِوَايَة ابْن مندة فِي التَّوْحِيد وَعبد الله بن عميرَة فِي سَنَده مَجْهُول الْحَال وَلم يدْرك الْأَحْنَف فضلا عَن الْعَبَّاس وَقَالَ السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين الألباني فِي مُقَدّمَة مُخْتَصر كتاب الْعُلُوّ للْإِمَام الذَّهَبِيّ بعد كَلَام وَمن هَذَا الْعرض تبين أَن هَاتين اللفظتين بِذَاتِهِ بَائِن لم تَكُونَا معروفتين فِي عهد الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم قلت وَلَا فِي عهد التَّابِعين

الاعتماد على الحديث الصحيح دون الضعيف في العقائد

وَلَكِن لما ابتدع الجهم وَأَتْبَاعه القَوْل بِأَن الله فِي كل مَكَان اقْتضى ضَرُورَة الْبَيَان أَن يتَلَفَّظ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام بِلَفْظ بَائِن دون أَن يُنكره أحد مِنْهُم أَي من أُولَئِكَ الَّذين أَحدقُوا قلت لقد رأى أُولَئِكَ وَدون دَلِيل أَن سَبِيل الرَّد على الجهم الَّذِي حكم عَلَيْهِ بالْكفْر وَقتل عَلَيْهِ وَالْحَمْد لله هُوَ التَّلَفُّظ بِمَا يُوهم التَّشْبِيه والتجسيم فِي حق الله تَعَالَى والحلول فِي مَكَان فَقَالُوا مستو بِذَاتِهِ وبائن عَن خلقه فدفعوا تَعْطِيل الجهم وتأويله بِشَيْء قريب غير بعيد من حَيْثُ اللَّفْظ من تجسيم مُحَمَّد بن كرام السجسْتانِي حَتَّى ظَهَرُوا كَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاء على الله تَعَالَى يضيفون إِلَيْهِ مَا شَاءُوا من الألقاب حرصا على التَّوْحِيد أَلا ليتهم سكتوا نزهوا وفوضوا كَمَا فعل السّلف وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا وَلَقَد تقدم قَول التَّابِعِيّ الْجَلِيل أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لأحد أَن ينْطق فِي الله تَعَالَى بِشَيْء من ذَاته وَلَكِن يصفه بِمَا وصف سُبْحَانَهُ بِهِ نَفسه وَلَا يَقُول فِيهِ بِرَأْيهِ شَيْئا وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى أجمع الْمُسلمُونَ على منع تَقْدِير صفة مُجْتَهد فِيهَا لله عز وَجل لَا يتَوَصَّل فِيهَا إِلَى قطع بعقل أَو سمع وَأجْمع الْمُحَقِّقُونَ على أَن الظَّوَاهِر يَصح تخصيصها أَو تَركهَا بمالا يقطع بِهِ من أَخْبَار الْآحَاد والأقيسة وَمَا يتْرك بِمَا لَا يقطع بِهِ كَيفَ يقطع بِهِ الِاعْتِمَاد على الحَدِيث الصَّحِيح دون الضَّعِيف فِي العقائد قَالَ ابْن الصّلاح فِي مُقَدّمَة فِي عُلُوم الحَدِيث يجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِي الْأَسَانِيد وَرِوَايَة مَا سوى الْمَوْضُوع من أَنْوَاع الْأَحَادِيث الضعيفة من غير اهتمام بِبَيَان ضعفها فِيمَا سوى صِفَات الله تَعَالَى وَأَحْكَام الشَّرِيعَة من الْحَلَال وَالْحرَام وَغَيرهمَا وَذَلِكَ كالمواعظ والقصص وفضائل الْأَعْمَال وَسَائِر فنون التَّرْغِيب والترهيب وَسَائِر مَالا تعلق لَهُ بِالْأَحْكَامِ والعقائد وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ التَّنْصِيص على التساهل فِي نَحْو

ذَلِك عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأحمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب وَيجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِي الْأَسَانِيد وَرِوَايَة مَا سوى الْمَوْضُوع من الضَّعِيف وَالْعَمَل بِهِ من غير بَيَان ضعفه فِي غير صِفَات الله تَعَالَى وَالْأَحْكَام كالحلال وَالْحرَام وَمَا لَا يتَعَلَّق بالعقائد وَالْأَحْكَام وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْكَلْبِيّ الَّذِي تقدم ذكر حَاله يكْتب عَنهُ هَذِه الْأَحَادِيث يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوهَا فَإِذا جَاءَ الْحَلَال وَالْحرَام أردنَا قوما هَكَذَا يُرِيد أقوى مِنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَإِذا كَانَ لَا يحْتَج بِهِ فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَأولى أَن لَا يحْتَج بِهِ فِي صِفَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا نقموا عَلَيْهِ فِي رِوَايَته عَن أهل الْكتاب ثمَّ عَن ضعفاء النَّاس وتدليسه أساميهم وَقَالَ الإِمَام الكوثري من كَلَام على أَنه قد عرف أَن الْمَوْقُوف لَيْسَ مِمَّا يحْتَج بِهِ فِي صِفَات الله وصفات الله تَعَالَى إِنَّمَا تثبت بِالْكتاب والصحاح والمشاهير من الحَدِيث وَقَالَت الطَّائِفَة الثَّانِيَة من السّلف الصَّالح الأَصْل الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حق صِفَات الله تَعَالَى مَعَ الْإِشَارَة إِلَى الْفَارِق بَين الْخَالِق والمخلوق وَيَقُولُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} الله أعلم بمراده مَعَ التَّنْزِيه أَو لَيْسَ كمثله شَيْء وَبَعض الْأَئِمَّة اعْتبر هَذَا القَوْل هُوَ قَول السّلف الصَّالح عَامَّة قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شَرحه لصحيح مُسلم عِنْد حَدِيث الرُّؤْيَة اعْلَم أَن لأهل الْعلم فِي أَحَادِيث الصِّفَات وآيات الصِّفَات قَوْلَيْنِ أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب مُعظم السّلف أَو كلهم أَنه لَا يتَكَلَّم فِي مَعْنَاهُ بل يَقُولُونَ يجب علينا أَن نؤمن بهَا ونعقتد لَهَا معنى يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وعظمته مَعَ اعتقادنا الْجَازِم أَن الله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَأَنه منزه عَن التجسيم والانتقال والتحيز فِي جِهَة وَعَن سَائِر

صِفَات الْمَخْلُوق وَهَذَا القَوْل هُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من محققيهم وَهُوَ أسلم وَقَالَ فِي مُقَدّمَة الْمَجْمُوع شرح الْمُهَذّب اخْتلفُوا فِي آيَات الصِّفَات وأخبارها هَل يخاض فِيهَا بالتأويل أم لَا فَقَالَ قَائِلُونَ تتأول على مَا يَلِيق بهَا وَهَذَا أشهر المذهبين للمتكلمين وَقَالَ آخَرُونَ لَا تتأول بل يمسك عَن الْكَلَام فِي مَعْنَاهَا أَو يُوكل علمهَا إِلَى الله تَعَالَى ويعتقد مَعَ ذَلِك تَنْزِيه الله تَعَالَى وَانْتِفَاء صِفَات الْحَادِث عَنهُ فَيُقَال مثلا نؤمن بِأَن {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَلَا نعلم حَقِيقَة معنى ذَلِك وَالْمرَاد بِهِ مَعَ أننا نعتقد أَن الله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَأَنه منزه عَن الْحُلُول وسمات الْحُدُوث وَهَذِه طَريقَة السّلف أَو جماهيرهم وَهِي أسلم إِذْ لَا يُطَالب الْإِنْسَان بالخوض فِي ذَلِك فَإِذا اعْتقد التَّنْزِيه لَا حَاجَة إِلَى الْخَوْض فِي ذَلِك والمخاطرة فِيمَا لَا ضَرُورَة بل لَا حَاجَة إِلَيْهِ ... الخ وَجَاء فِي المسامرة شرح المسايرة للكمال بن الْهمام من كَلَام وَقَالَ سلفنا فِي جملَة الْمُتَشَابه نؤمن بِهِ ونفوض تَأْوِيله إِلَى الله مَعَ تنزيهه عَمَّا يُوجب التَّشْبِيه وَالْحَد بِشَرْط أَن لَا يذكر إِلَّا مَا فِي الْقُرْآن وَلَا نبدله بِلَفْظ آخر حَكَاهُ التكساري وَغَيره وَهَذَا مَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي زَاد الْمسير وَأجْمع السّلف على أَن لَا يزِيدُوا على تِلَاوَة الْآيَة فَقَوْلهم لَا يشتق مِنْهُ الإسم يعنون وَالله أعلم أَن لَا يَقُولُوا مستو على الْعَرْش وَلَا يبدلون لَفْظَة على بِلَفْظ فَوق وَنَحْو ذَلِك تمسك سلفنا بقوله تَعَالَى {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} ... الخ ص 32 قَالَ الإِمَام التِّرْمِذِيّ بعد ذكر حَدِيث النُّزُول من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ على الْعَرْش كَمَا وصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه كَذَا قَالَ غير وَاحِد من أهل الْعلم فِي هَذَا الحَدِيث وَمَا يُشبههُ من الصِّفَات قَالَ على الْقَارِي من كَلَام وَالْحَاصِل أَن السّلف وَالْخلف مؤولون لإجماعهم على صرف اللَّفْظ عَن ظَاهره وَلَكِن تَأْوِيل السّلف إجمالي لتفويضهم إِلَى الله تَعَالَى وَتَأْويل الْخلف تفصيلي لاضطرارهم إِلَيْهِ لِكَثْرَة المبتدعين ... الخ

وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد أَمِين الشنقيطي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشي اللَّيْل وَالنَّهَار الأعرف 54 هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة وأمثالها من آيَات الصِّفَات كَقَوْلِه تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَنَحْو ذَلِك اشكلت على كثير من النَّاس إشْكَالًا ضل بِسَبَبِهِ خلق لَا يُحْصى كَثْرَة فَصَارَ قوم إِلَى التعطيل وَقوم إِلَى التَّشْبِيه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علوا كَبِيرا عَن ذَلِك كُله وَالله جلّ وَعلا أوضح هَذَا غَايَة الْإِيضَاح وَلم يتْرك فِيهِ أَي لبس أَو إِشْكَال وَحَاصِل تَحْرِير ذَلِك أَن الله تَعَالَى بَين أَن الْحق فِي آيَات الصِّفَات متركب على أَمريْن أَحدهمَا تَنْزِيه الله تَعَالَى من مشابهة الْحَوَادِث فِي صفاتهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَالثَّانِي الْإِيمَان بِكُل مَا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَا يصف الله تَعَالَى أحد أعلم بِاللَّه من الله {أأنتم أعلم أم الله} وَلَا يصف الله تَعَالَى بعد الله أعلم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي قَالَ تَعَالَى فِيهِ {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} فَمن نفى عَن الله تَعَالَى وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز أَو أثْبته لَهُ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زاعما أَن ذَلِك الْوَصْف يلْزمه مَالا يَلِيق بِاللَّه عز وَجل فقد جعل نَفسه أعلم من الله وَرَسُوله بِمَا يَلِيق بِهِ سُبْحَانَهُ ثمَّ قَالَ وَمن اعْتقد أَن وصف الله تَعَالَى يشابه صِفَات الْخلق فَهُوَ مشبه ملحد ضال وَمن أثبت لله تَعَالَى مَا أثْبته لنَفسِهِ وأثبته لَهُ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ تنزيهه تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق فَهُوَ مُؤمن جَامع بَين الْإِيمَان بِصِفَات الْكَمَال والجلال والتنزيه عَن مشابهة الْخلق سَالم من ورطة التَّشْبِيه والتعطيل وَالْآيَة الَّتِي أوضح الله تَعَالَى بهَا هَذَا هِيَ قَوْله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير فنفى عَن نَفسه عز وَجل مماثلة الْحَوَادِث بقوله لَيْسَ كمثله شَيْء وَأثبت لنَفسِهِ صِفَات الْكَمَال والجلال بقوله {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} فَصرحَ فِي هَذِه الْآيَة بِنَفْي الْمُمَاثلَة مَعَ الاتصاف بِصِفَات الْكَمَال والجلال قَالَ مُحَمَّد بن مَرْزُوق الزَّعْفَرَانِي حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أما الْكَلَام فِي

الخلف

الصِّفَات فَإِن مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السّنَن الصِّحَاح مَذْهَب السّلف إِثْبَاتهَا وإجراؤها على ظواهرها وَنفي التَّشْبِيه عَنْهَا وَقد نفاها قوم فأبطلوا مَا أثْبته الله تَعَالَى وحققها قوم من المشبهة فَخَرجُوا فِي ذَلِك إِلَى ضرب من التَّشْبِيه والتكييف والفصل إِنَّمَا هُوَ سلوك الطَّرِيقَة المتوسطة بَين الْأَمريْنِ وَدين الله بَين الغالي والمقصر عَنهُ وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الْكَلَام فِي الصِّفَات فرع الْكَلَام عَن الذَّات ويحتذى فِي ذَلِك حذوه ومثاله وَإِذا كَانَ الْمَعْلُوم فِي إِثْبَات رب الْعَالمين هُوَ إِثْبَات وجود لَا إِثْبَات كَيْفيَّة فَكَذَلِك إِثْبَات صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات وجود لَا إِثْبَات تَحْدِيد وتكييف فَإِذا قُلْنَا لله يَد وَسمع وبصر فَإِنَّمَا هِيَ صِفَات أثبتها الله تَعَالَى لنَفسِهِ وَلَا نقُول إِن معنى الْيَد الْقُدْرَة وَلَا إِن معنى السّمع وَالْبَصَر الْعلم وَلَا نقُول إِنَّهَا جوارح وَلَا نشبهها بِالْأَيْدِي والأسماع والأبصار الَّتِي هِيَ جوارح وأدوات الْعقل ونقول إِنَّمَا وَجب إِثْبَاتهَا لِأَن التَّوْقِيف ورد بهَا أَي النَّص وَوَجَب نفي التَّشْبِيه عَنْهَا لقَوْله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} الْخلف هم الطَّائِفَة الْكَثِيرَة الْكَبِيرَة من الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء الثِّقَات من الْفُقَهَاء والمحدثين وعلماء أصُول الدّين وَغَيرهم الَّذين جَاءُوا بعد الْمِائَة الثَّالِثَة فَقَالُوا فِي آيَات الصِّفَات وأحاديثها بِمَا يُسمى تَأْوِيلا تفصيليا يعنون تَفْصِيل مَا أجمل السّلف القَوْل فِيهِ من مثل مَعَ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق فَقَالُوا لَعَلَّ الْمَعْنى الْمَقْصُود هُوَ كَذَا وَكَذَا وَفِي هَذَا الْبَاب نقاط هَامة جديرة بالإبانة والإيضاح أ - اتّفقت الطَّائِفَة الثَّانِيَة من السّلف كَمَا نقلنا على مَا يُسمى التَّأْوِيل الإجمالي فِي حق صِفَات الله تَعَالَى ويعنون نِسْبَة مَا نسب الله تَعَالَى إِلَى نَفسه من صِفَات وَصَحَّ نِسْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك إِلَيْهِ مَعَ التَّنْزِيه عَن مشابهة الْخلق ثمَّ جَاءَ بعدهمْ الْخلف الَّذين يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك لَكِن يؤولون تَأْوِيلا تفصيليا مَا كَانَ من الصِّفَات موهما التَّشْبِيه والتجسيم فَقَالُوا مثلا فِي قَوْله تَعَالَى الرَّحْمَن على

الْعَرْش اسْتَوَى) إِن ظَاهر الْآيَة غير مُرَاد لِأَن ذَلِك يَعْنِي حَاجَة الله تَعَالَى إِلَى شَيْء من خلقه وَالله تَعَالَى كَانَ وَلَا عرش وَلَا كرْسِي وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} آيَة الْكُرْسِيّ ثمَّ قَالُوا الاسْتوَاء يَأْتِي فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة بمعان مِنْهَا الْعُلُوّ والصعود والاستيلاء والانتهاء وَغير ذَلِك وَيَقُولُونَ أخيرا إِن الصعُود على الْعَرْش من أجل الْجُلُوس عَلَيْهِ لَيْسَ مرَادا لما فِيهِ من التجسيم الْمُبْطل شرعا وعقلا وَاللَّفْظ يحْتَمل مَعَاني عديدة وَالله أعلم بمراده حَقِيقَة فمآل الْخلف إِلَى التَّسْلِيم وَنسبَة معرفَة المُرَاد إِلَى الله تَعَالَى فِي أَخْبَار الصِّفَات روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ينزل رَبنَا جلّ وَعلا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الْأَخير فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسأنلي فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ ابْن حبَان رَضِي الله عَنهُ صِفَات الله جلّ وَعلا لَا تكيف وَلَا تقاس إِلَى صِفَات المخلوقين فَكَمَا أَن الله جلّ وَعلا مُتَكَلم من غير الة بأسنان ولهوات ولسان وشفة كالمخلوقين جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن مثل هَذَا وأشباهه وَلم يجز أَن يُقَاس كَلَامه إِلَى كلامنا لِأَن كَلَام المخلوقين لَا يُوجد إِلَّا بآلات وَالله جلّ وَعلا يتَكَلَّم كَمَا يَشَاء بِلَا آلَة وَيسمع من غير أذن وصماخين والتواء وغضاريف فِيهَا بل يسمع كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة كَذَلِك ينزل بِلَا آلَة وَلَا تحرّك وَلَا انْتِقَال من مَكَان إِلَى مَكَان وَكَذَلِكَ السّمع وَالْبَصَر فَكَمَا لم يجز أَن يُقَال إِن الله يبصر كبصرنا بالأشفار والحدق وَالْبَيَاض بل يبصر كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة وَكَذَلِكَ ينزل كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة من غير أَن يُقَاس نُزُوله إِلَى نزُول المخلوقين كَمَا يكيف نزولهم جلّ رَبنَا وتقدس من أَن يشبه صِفَاته بِشَيْء من صِفَات المخلوقين وَقَالَ ابْن حزم عِنْد قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} قَول الله تَعَالَى يجب حمله على ظَاهره مَا لم يمْنَع من حمله على ظَاهره نَص آخر أَو إِجْمَاع أَو ضَرُورَة

حس وَقد علمنَا أَن كل مَا كَانَ فِي مَكَان فَإِنَّهُ شاغل لذَلِك الْمَكَان ومالىء لَهُ ومتشكل بشكله وَلَا بُد من أحد أَمريْن ضَرُورَة وَعلمنَا أَن مَا كَانَ فِي مَكَان فَإِنَّهُ متناه بتناهي مَكَانَهُ وَهُوَ ذُو جِهَات سِتّ أَو خمس متناهية فِي مَكَانَهُ وَهَذِه كلهَا صِفَات الْجِسْم ثمَّ قَالَ وأجمعت الْأمة على أَنه لَا يَدْعُو أحد فَيَقُول يَا مستوي ارْحَمْنِي وَلَا يُسَمِّي ابْنه عبد المستوي ثمَّ قَالَ إِن معنى قَوْله تَعَالَى {على الْعَرْش اسْتَوَى} أَنه فعل فعله فِي الْعَرْش وَهُوَ انْتِهَاء خلقه إِلَيْهِ فَلَيْسَ بعد الْعَرْش شَيْء وَالْعرش نِهَايَة جرم الْمَخْلُوقَات الَّذِي لَيْسَ خَلفه خلاء وَلَا ملاء وَمن أنكر أَن يكون للْعَالم نِهَايَة من المساحة وَالزَّمَان وَالْمَكَان فقد لحق بقول الدهرية وَفَارق الْإِسْلَام ب - اتّفق السّلف وَالْخلف الصَّالح على أَن ثمَّة نصوصا يجب تَأْوِيلهَا تَفْصِيلًا من كتاب الله تَعَالَى وصحيح سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حق صِفَات الله تَعَالَى فَالله تَعَالَى يَقُول {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون} {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض فَإِذا هِيَ تمور} {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} {وَالله مَعكُمْ وَلنْ يتركم أَعمالكُم} {إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا} وَهُوَ مَعَهم إِذْ يبيتُونَ مَالا يرضى من القَوْل وَكَانَ الله بِمَا يعْملُونَ محيطا {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} وَيَقُول جلّ جَلَاله لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {ولتصنع على عَيْني} وَيَقُول لنوح عَلَيْهِ السَّلَام واصنع الْفلك بأعيننا ووحينا وَلَا تخاطبني فِي الَّذين ظلمُوا إِنَّهُم

مفرقون) {تجْرِي بأعيننا جَزَاء لمن كَانَ كفر} {واصبر لحكم رَبك فَإنَّك بأعيننا وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم وَمن اللَّيْل فسبحه وإدبار النُّجُوم} وَيَقُول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي أستكبرت أم كنت من الْعَالمين {بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء} {مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهَا مالكون} وَيَقُول جلّ جَلَاله {قد مكر الَّذين من قبلهم فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون} {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين} {كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} فوَاللَّه بِكُل شَيْء عليم {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} فِي أَمْثَالهَا من الْآيَات الْكَرِيمَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يرويهِ عَن ربه كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا الحَدِيث // رَوَاهُ البُخَارِيّ // وَغَيره وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يرويهِ عَن ربه أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَإِذا أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة الحَدِيث // رَوَاهُ البُخَارِيّ // وَغَيره وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال الله تَعَالَى مُقبلا على

العَبْد فِي صلَاته مالم يلْتَفت فَإِذا صرف وَجهه انْصَرف عَنهُ // رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا // وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قبل وَجه أحدكُم إِذا صلى فَلَا يبصق بَين يَدَيْهِ // رَوَاهُ البُخَارِيّ // وَغَيره وَفِي لفظ لَهُ فَإِن الله قبل وَجهه إِذا صلى وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يوطن الرجل الْمَسْجِد للصَّلَاة أَو لذكر الله تَعَالَى إِلَّا تبشبش الله لَهُ كَمَا يتبشبش أهل الْغَائِب إِذا قدم عَلَيْهِم غائبهم رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه 3 / 1010 لقد أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن الْكَرِيم بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين على سنَن الْعَرَب فِي الْبَيَان وَمن أساليب الْعَرَب الْحَقِيقَة وَالْمجَاز والإستعارة والتشبيه وَالْكِنَايَة وَلَا بُد أَن ذَلِك جَار فِي كتاب الله فعلا وَإِن خَالف بَعضهم فِي بعض التسميات فنفى الْمجَاز فِي الْقُرْآن الْكَرِيم بِمَعْنى التَّسْمِيَة بذلك فَالْكل متفقون فِي مثل قَوْله تَعَالَى {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} أَن الْحَقِيقَة غير مُرَادة بل المُرَاد الخضوع وَالطَّاعَة للْوَالِدين فَكيف نفرق بَين هَذِه النُّصُوص الَّتِي يَبْدُو على ظَاهرهَا خلاف وَالله تَعَالَى يَقُول {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} وَبَين مَا عرف من الْأَدِلَّة القطعية ومرده النُّصُوص والآيات وَالْقَوَاعِد الْعَقْلِيَّة من اسْتِحَالَة كَون الله تَعَالَى جسما وأبعاضا أَو تحل فِيهِ الْحَوَادِث أَو يحْتَاج إِلَى شَيْء من خلقه أَو يكون فِي مَكَان وجيز حينا وَفِي مَكَان وحيز حينا آخر وَالله تَعَالَى خلق كل شَيْء خَالق كل شَيْء قَالَ الشَّيْخ الدكتور مُحَمَّد سعيد رَمَضَان حفظه الله تَعَالَى الْجَواب أَن هَذِه النُّصُوص القرآنية هِيَ من الْمُتَشَابه الَّذِي ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم آيَات مِنْهُ وَالْمَقْصُود بالمتشابه كل نَص تجاذبته الِاحْتِمَالَات حول الْمَعْنى المُرَاد مِنْهُ وأوهم بِظَاهِرِهِ مَا قَامَ من الْأَدِلَّة على نَفْيه غير أَن هُنَالك آيَات أُخْرَى تتَعَلَّق بِصِفَات الله تَعَالَى وَلكنهَا محكمات أَي قاطعات فِي دلالاتها لَا تحْتَمل إِلَّا مَعْنَاهَا الْوَاضِح الصَّرِيح كَقَوْلِه تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير و {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد}

وَقد أوضح الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْكَرِيم ضَرُورَة اتِّبَاع الْمُؤمن للنصوص المحكمة فِي كِتَابه وَبِنَاء عقيدته فِي الله بموجبها ووضح النُّصُوص المتشابهة من وَرَائِهَا من حَيْثُ فهمها وَالْوُقُوف على الْمَعْنى المُرَاد بهَا وشدد النكير على من يتجاهل النُّصُوص المحكمة النيرة القاطعة ليلحق بالعبارة المتشابهة الغامضة ويفسرها كَمَا يَشَاء وَذَلِكَ فِي قَوْله عز وَجل هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب وَبِنَاء على ذَلِك فقد اتّفق الْمُسلمُونَ كلهم على تَنْزِيه الله تَعَالَى عَمَّا يَقْتَضِيهِ ظَاهر تِلْكَ النُّصُوص القرآنية من إِثْبَات الْمَكَان والجوارح والأعضاء وطرو الْحَوَادِث عَلَيْهِ تمسكا بالمحكم من النُّصُوص الدَّالَّة على ذَلِك وتنفيذا لأمر الله عز وَجل ولتحذيره من اتِّبَاع الْمُتَشَابه والخوض فِي تَأْوِيله مَعَ ترك الْمُحكم الْوَاضِح وَبعد أَن اتَّفقُوا على ذَلِك وَهَذَا هُوَ الْقدر الَّذِي يجب أَن يَعْتَقِدهُ كل مُسلم اخْتلفُوا فِي موقفهم من تِلْكَ النُّصُوص المتشابهة إِلَى مذهبين أَولهمَا تمسك بِهِ السّلف المتقدمون وَثَانِيهمَا جنح إِلَيْهِ من بعدهمْ من الْمُتَأَخِّرين من منتصف الْقرن الرَّابِع فَذهب السّلف إِلَى عدم الْخَوْض فِي تَأْوِيل وَتَفْسِير تفصيلي لهَذِهِ النُّصُوص والاكتفاء بتنزيه الله تَعَالَى عَن كل نقص ومشابهة للحوادث وسبيل ذَلِك التَّأْوِيل الإجمالي لهَذِهِ النُّصُوص وتحويل الْعلم التفصيلي بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا إِلَى الله عز وَجل أما ترك هَذِه النُّصُوص على ظَاهرهَا دون تَأْوِيل سَوَاء كَانَ إجماليا أَو تفصيليا فَهُوَ غير جَائِز وَهُوَ شَيْء لم يجنح إِلَيْهِ سلف وَلَا خلف كَيفَ وَلَو فعلت ذَلِك لحملت عقلكمعاني متناقضة فِي كثير من هَذِه الصِّفَات فقد أسْند الله تَعَالَى إِلَى نَفسه الْعين بِالْإِفْرَادِ فِي قَوْله {ولتصنع على عَيْني} وَأسْندَ مرّة إِلَى نَفسه الْأَعْين بِالْجمعِ فَقَالَ {واصبر لحكم رَبك فَإنَّك بأعيننا} فَلَو ذهبت تفسر كلا من الأيتين على ظاهرهما دون أَي تَأْوِيل لألزمت الْقُرْآن الْكَرِيم بتناقض هُوَ مِنْهُ بَرِيء

وتقرأ قَول الله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} فَلَو فسرت الْآيَتَيْنِ على ظاهرهما دون أَي تَأْوِيل إجمالي أَو تفصيلي لالزمت كتاب الله تَعَالَى بالتناقض الْوَاضِع إِذْ كَيفَ يكوف مستويا على عَرْشه وَبِدُون تَأْوِيل وَيكون فِي الْوَقْت نَفسه أقرب من حَبل الوريد عرق فِي الْعُنُق بِدُونِ تَأْوِيل وتقرأ قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض فَإِذا هِيَ تمور} وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} فَإِن فسرتهما على ظاهرهما أقحمت التَّنَاقُض أَيْضا فِي كتاب الله جلّ جَلَاله كَمَا هُوَ وَاضح وَلَكِن حِين تنزه الله تَعَالَى حِيَال جَمِيع هَذِه الْآيَات عَن مشابهة مخلوقة فِي أَن يتحيز فِي مَكَان وَتَكون لَهُ أبعاض وأعضاء وَصُورَة وشكل ثمَّ تكل تَفْصِيل الْمَقْصُود بِهَذِهِ النُّصُوص إِلَى الله جلّ جَلَاله تكون قد سلمت من التَّنَاقُض فِي الْفَهم وسلمت الْقُرْآن من توهم أَي تنَاقض فِيهِ وَهَذِه هِيَ طَريقَة السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى أَلا تراهم يَقُولُونَ أمروها بِلَا كَيفَ إِذْ لَوْلَا أَنهم يؤولونها تَأْوِيلا إجماليا بِالْمَعْنَى الَّذِي أوضحنا لما صَحَّ مِنْهُم أَن يَقُولُوا ذلكإذ لماذا يمرونها بِلَا كَيفَ وَدلَالَة اللُّغَة والصياغة الْعَرَبيَّة الْوَاضِحَة تمنع كل لبس أَو جهل سَوَاء فِي أصل الْمَعْنى أَو فِي كيفيته وَلَكنهُمْ أيقنوا أَن الْكَيْفِيَّة لَيست على ظَاهر مَا تدل عَلَيْهِ الصياغة الْعَرَبيَّة واللغة بِسَبَب مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَات المحكمة الْأُخْرَى وَهَذَا تَأْوِيل إجمالي وَاضح إِلَّا أَنهم لم يقحموا أنفسهم فِي تَفْسِير هَذِه النُّصُوص بكيفيات أُخْرَى يلتزمونها وَهَذَا هُوَ التَّوَقُّف عَن التَّأْوِيل التفصيلي فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ دَقِيق وَهُوَ الْحق الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يلتبس عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَمذهب الْخلف الَّذين جَاءُوا من بعدهمْ هُوَ تَأْوِيل هَذِه النُّصُوص بِمَا يَضَعهَا على صِرَاط وَاحِد من الْوِفَاق مَعَ النُّصُوص المحكمة الْأُخْرَى الَّتِي تقطع بتنزيه الله تَعَالَى عَن الْجِهَة وَالْمَكَان والجارحة ففسروا الاسْتوَاء فِي {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} بتسلط الْقُوَّة وَالسُّلْطَان وَهُوَ معنى ثَابت فِي اللُّغَة مَعْرُوف وفسروا الْيَدَيْنِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {لما خلقت بيَدي} {بل يَدَاهُ مبسوطتان} بِالْقُوَّةِ أَو بِالْكَرمِ وَالْعين فِي {ولتصنع على عَيْني} بالعناية وَالرِّعَايَة وفسروا الأصبعين فِي الحَدِيث إِن قُلُوب

الْعباد بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن بالإرادة وَالْقُدْرَة وَقَالُوا فِي حَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته إِن الضَّمِير رَاجع إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام لَا إِلَى ذَات الله تَعَالَى أَي إِن الله تَعَالَى خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام مُنْذُ اللحظة الأولى الَّتِي أوجده فِيهَا على صورته وهيئته الَّتِي كَانَ يتمتع بهَا فِيمَا بعد فَلم يتطور من شكل إِلَى آخر ثمَّ قَالَ إِن مَذْهَب السّلف كَانَ هُوَ الْأَفْضَل فِي زمنهم فَيَقُول حفظه الله تَعَالَى اعْلَم أَن مَذْهَب السّلف فِي عصرهم كَانَ هُوَ الْأَفْضَل والأسلم والأوفق للْإيمَان الفطري المرتكز فِي كل من الْعقل وَالْقلب وَمذهب الْخلف فِي عصرهم أصح وَهُوَ الْمصير الَّذِي لَا يُمكن التَّحَوُّل عَنهُ بِسَبَب مَا قَامَ من الْمذَاهب الفكرية والمناقشات العلمية وبسبب ظُهُور عُلُوم البلاغة الْعَرَبيَّة مقعدة فِي قَوَاعِد من الْمجَاز والتشبيه والاستعارة وَهَكَذَا كَانَ بوسع الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى أَن يَقُول فِي عصره لذَلِك الَّذِي سَأَلَهُ عَن معنى الإستواء فِي الْآيَة الكيف غير مَعْقُول والإستواء غير مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة إِذْ كَانَ الْعَصْر عصر إِيمَان ويقين راسخين بِسَبَب قرب الْعَهْد بعصر النُّبُوَّة وامتداد الْإِشْرَاق إِلَيْهِ وَلَكِن لم يكن للأئمة الَّذين كَانُوا فِي عصر التدوين وازدهار الْعُلُوم واتساع حلقات الْبَحْث وفنون البلاغة أَن يسلمُوا ذَلِك التَّسْلِيم دون أَن يحللوا هَذِه النُّصُوص على ضوء مَا انْتَهوا إِلَيْهِ من فنون البلاغة وَالْمجَاز خُصُوصا أَن فهم الزَّنَادِقَة الَّذين لَا يقنعهم مَنْهَج التَّسْلِيم ويتظاهرون بِالْحَاجةِ إِلَى الْفَهم التفصيلي وَإِن كَانُوا فِي حَقِيقَة الْأَمر لَيْسُوا كَذَلِك والمهم أَن تعلم أَن كلا المذهبين متجهان فِي غَايَة وَاحِدَة لِأَن المَال فيهمَا إِلَى أَن الله عز وَجل لَا يُشبههُ شَيْء من مخلوقاته وَأَنه منزه عَن جَمِيع صِفَات النَّقْص فَالْخِلَاف الَّذِي نرَاهُ بَينهمَا خلاف لَفْظِي وشكلي فَقَط قَالَ الشَّيْخ الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} من أنكر أَن الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى فقد أنكر آيَة من الذّكر الْحَكِيم فيكفر لَكِن الاسْتوَاء الثَّابِت لَهُ سُبْحَانَهُ اسْتِوَاء يَلِيق بجلاله على مُرَاد الله وعَلى مُرَاد رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير خوض فِي الْمَعْنى كَمَا هُوَ مَسْلَك السّلف مِنْهُم ابْن مهْدي ومسلك الْخلف الْحمل على الْملك وَنَحْوه

على مُقْتَضى اللُّغَة وَلَيْسَ فِي ذَلِك إِنْكَار الْآيَة فحاشاهم من ذَلِك وَأما حمله على الْجُلُوس والاستقرار فَهُوَ الزيغ الْمُبين وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن عابدين رحمهمَا الله تَعَالَى فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي اراده الله تَعَالَى وأراده رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَأما الْخلف فَلَمَّا ظَهرت الْبدع والضلالات ارتكبوا تَأْوِيل ذَلِك وَصَرفه عَن ظَاهره مَخَافَة الْكفْر فَاخْتَارُوا بِدعَة التَّأْوِيل يَعْنِي التَّوَسُّع فِيهِ على كفر الْحمل على الظَّاهِر الموهم للتجسيم والتشبيه وَقَالُوا اسْتَوَى بِمَعْنى استولى أَو بِمَعْنى اسْتَوَى عِنْده خلق الْعَرْش وَخلق الْبَعُوضَة أَو اسْتَوَى علمه بِمَا فِي الْعَرْش وَغَيره وَالْيَد بِمَعْنى الْقُدْرَة وَالنُّزُول بِمَعْنى نزُول الرَّحْمَة فَمن يجد من نَفسه قدرَة على صَنِيع السّلف فليمش على سُنَنهمْ وَإِلَّا فَليتبعْ الْخلف وليحترز من المهالك قَالَ الإِمَام الْكَمَال بن الْهمام رَحمَه الله تَعَالَى الأَصْل أَنه على الْعَرْش اسْتَوَى قَالَ الْعَلامَة قَاسم فِي شَرحه مَعَ الحكم بِأَنَّهُ لَيْسَ كاستواء الْأَجْسَام على الْأَجْسَام من التَّمَكُّن والمماسة والمحاذاة بل بِمَعْنى يَلِيق بِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ أعلم بِهِ وَحَاصِله وجوب الْإِيمَان بِأَنَّهُ اسْتَوَى على الْعَرْش مَعَ نفي التَّشْبِيه فَأَما كَون المُرَاد أَنه استيلاؤه على الْعَرْش فَأمر جَائِز الْإِرَادَة إِذْ لَا دَلِيل على أَنه أَرَادَهُ عينا فَالْوَاجِب عينا مَا ذكرنَا من الْإِيمَان بِهِ مَعَ نفي التَّشْبِيه وَإِذا خيف على الْعَامَّة عدم فهم الاسْتوَاء إِذا لم يكن بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء إِلَّا باتصال وَنَحْوه من لَوَازِم الجسمية وَأَن لَا ينفوا أَي لَا ينفوا مَا ذكره من لَوَازِم الجسمية فَلَا بَأْس بِصَرْف فهمهم إِلَى الإستيلاء فَإِنَّهُ قد ثَبت إِطْلَاقه وإرادته لُغَة فِي قَول الشَّاعِر

(قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق ... من غير سيف وَلَا دم مهراق) وَقَوله (فَلَمَّا علونا واستوينا عَلَيْهِم ... جعلناهم مرعى لنسر وطائر) وجار على نَحْو مَا ذكرنَا من الاسْتوَاء على الْعَرْش كل مَا ورد مِمَّا ظَاهره الجسمية فِي الشَّاهِد كالأصبع والقدم وَالْيَد فَإِن الْيَد وَكَذَا الْأصْبع وَغَيره كالنزول صفة لَهُ تَعَالَى لَا بِمَعْنى الْجَارِحَة بل على وَجه يَلِيق بِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أعلم بِهِ وَقد يؤول الْيَد والأصبع عِنْد الْحَاجة بِالْقُدْرَةِ والقهر وَالْيَمِين فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض على التشريف وَالْإِكْرَام لما ذكرنَا من صرف فهم الْعَامَّة عَن الجسمية وَهُوَ مُمكن أَن يُرَاد وَلَا يجْزم بإرادته خُصُوصا على قَول أَصْحَابنَا إِنَّهَا الْأَلْفَاظ من المتشابهات وَحكم الْمُتَشَابه انْقِطَاع رَجَاء معرفَة المُرَاد مِنْهُ فِي هَذِه الدَّار دَار التَّكْلِيف وَإِلَّا لَكَانَ قد علم وَأعلم أَن كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَاد يمِيل إِلَى التَّأْوِيل وَلكنه فِي الرسَالَة النظامية اخْتَار طَرِيق التَّفْوِيض حَيْثُ قَالَ وَالَّذِي نرتضيه رَأيا وندين الله تَعَالَى بِهِ عقدا اتِّبَاع سلف الْأمة فَإِنَّهُم درجوا على ترك التَّعَرُّض لمعانيها وَكَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى اخْتِيَار التَّفْوِيض لتأخر الرسَالَة وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُقَدّمَة الْمَجْمُوع شرح الْمُهَذّب بعد أَن ذكر السّلف وَالْخلف وَهَذِه طَريقَة السّلف أَو جماهيرهم وَهِي أسلم إِذْ لَا يُطَالب الْإِنْسَان بالخوض فِي ذَلِك فَإِذا اعْتقد التَّنْزِيه فَلَا حَاجَة إِلَى الْخَوْض فِي ذَلِك والمخاطرة فِيمَا لَا ضَرُورَة بل لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِ فَإِذا دعت الْحَاجة إِلَى التَّأْوِيل لرد مُبْتَدع وَنَحْوه تأولوا حِينَئِذٍ وعَلى هَذَا يحمل مَا جَاءَ عَن الْعلمَاء فِي هَذَا وَقلت فِي اركان الْإِيمَان لَيْسَ جَمِيع من جَاءَ بعد الْقرن الرَّابِع يرى تَأْوِيل

التأويل

صِفَات الله تَعَالَى تفصيليا بل يرى الْكثير مِنْهُم أَن الْإِمْسَاك عَن الْخَوْض فِي صِفَات الله تَعَالَى أسلم لِأَنَّهُ قَول بِالظَّنِّ وَقد لَا يُصِيب بِهِ صَاحبه الْحق عِنْد الله تَعَالَى ثمَّ تكلّف لما لم نكلف بِهِ من الله تَعَالَى وخوض فِيمَا لم يخض فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واصحابه رضوَان الله عَلَيْهِم نعم قد لَا يكون مفر من التَّأْوِيل التفصيلي عِنْد مناقشة الْعَاميّ وتعليمه إِذْ يعِيش فِي مُجْتَمع مادي أَو مجسم للذات الْعلية أَو مشبه لَهَا بالخلق حينذاك يكون التَّأْوِيل هُوَ الْمُقدم وَحده فَكَأَن التَّأْوِيل التفصيلي علاج والعلاج إِنَّمَا يعْطى فِي حالات مرضية وَإِذا زَالَ الْمَرَض ترك العلاج وَالله أعلم وَمَا أحسن قَول الْمُجَاهِد الشَّهِيد الشَّيْخ مُحَمَّد أديب الكيلاني رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب الْمُتَشَابه من الصِّفَات قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَالْخُلَاصَة أَن من لم يصرف اللَّفْظ الْمُتَشَابه آيَة كَانَ أَو حَدِيثا عَن ظَاهره الموهم للتشبيه أَو الْمحَال فقد ضل وَمن فسره تَفْسِيرا بَعيدا عَن الْحجَّة والبرهان قَائِما على الزيغ والبهتان فقد ضل كالباطنية وكل هَؤُلَاءِ يُقَال فيهم إِنَّهُم {يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة} أما من يصرف الْمُتَشَابه عَن ظَاهره بِالْحجَّةِ القاطعة لَا طلبا للفتنة وَلَكِن منعا لَهَا وتثبيتا للنَّاس على الْمَعْرُوف من دينهم وردا لَهُم إِلَى محكمات الْكتاب الْقَائِمَة فَأُولَئِك هم هادون ومهديون حَقًا وعَلى ذَلِك درج السّلف الْأمة وَخَلفهَا وأئمتها وعلماؤها التَّأْوِيل أصل التَّأْوِيل فِي اللُّغَة الْمرجع والمصير من قَوْلك آل الْأَمر إِلَى كَذَا إِذا صَار اليه وأولته تَأْوِيلا إِذا صيرته إِلَيْهِ هَذَا هُوَ معنى التَّأْوِيل فِي اللُّغَة ثمَّ يُسمى التَّفْسِير تَأْوِيلا قَالَ الله تَعَالَى سأنبئك بِتَأْوِيل مالم تستطع عَلَيْهِ صبرا وَقَالَ تَعَالَى {وَأحسن تَأْوِيلا} وَذَلِكَ أَنه إِخْبَار عَمَّا يرجع إِلَيْهِ اللَّفْظ من الْمَعْنى وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ والتأويل يكون بِمَعْنى التَّفْسِير كَقَوْلِك تَأْوِيل هَذِه الْكَلِمَة على

كَذَا وَيكون بِمَعْنى مَا يؤول الْأَمر إِلَيْهِ واشتقاقه من آل الْأَمر إِلَى كَذَا يؤول إِلَيْهِ أَي صَار وأولته تَأْوِيلا أَي صيرته وَقد حَده بعض الْفُقَهَاء فَقَالُوا هُوَ إبداء احْتِمَال فِي اللَّفْظ مَقْصُود بِدَلِيل خَارج عَنهُ فالتفسير بَيَان اللَّفْظ كَقَوْلِه {لَا ريب فِيهِ} أَي لَا شكّ وَأَصله من الفسر وَهُوَ الْبَيَان يُقَال فسرت الشَّيْء مخففا أفسره بِالْكَسْرِ فسرا والتأويل بَيَان الْمَعْنى كَقَوْلِه لَا شكّ فِيهِ عِنْد الْمُؤمنِينَ أَو لِأَنَّهُ حق فِي نَفسه فَلَا يقبل ذَاته بشك وَإِنَّمَا الشَّك وصف الشاك وكقول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْجد أَبَا لِأَنَّهُ تاول قَول الله عز وَجل {يَا بني آدم} وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد أَبُو زهرَة رَحمَه الله تَعَالَى التَّأْوِيل إِخْرَاج اللَّفْظ عَن ظَاهر مَعْنَاهُ إِلَى معنى آخر سيحتمله وَلَيْسَ هُوَ الظَّاهِر فِيهِ وشروط التَّأْوِيل ثَلَاثَة 1 - أَن يكون اللَّفْظ مُحْتملا وَلَو عَن بعد للمعنى الَّذِي يؤول إِلَيْهِ فَلَا يكون غَرِيبا عَنهُ كل الغرابة 2 - أَن يكون ثمَّة مُوجب للتأويل بِأَن يكون ظَاهر النَّص مُخَالفا لقاعدة مقررة مَعْلُومَة من الدّين بِالضَّرُورَةِ أَي مُخَالفا لنَصّ أقوى مِنْهُ سندا كَأَن يُخَالف الحَدِيث رَأيا وَيكون الحَدِيث قَابلا للتأويل فيؤول بل يرد أَو يكون النَّص مُخَالفا لما هُوَ أقوى مِنْهُ دلَالَة كَأَن يكون اللَّفْظ ظَاهرا فِي الْمَوْضُوع وَالَّذِي يُخَالِفهُ نَص فِي الْمَوْضُوع أَو يكون اللَّفْظ نصا فِي الْمَوْضُوع وَالَّذِي يُخَالِفهُ مُفَسّر فَفِي كل هَذِه الصُّور يؤول 3 - أَن لَا يكون التَّأْوِيل من غير سَنَد بل لَا بُد أَن يكون لَهُ سَنَد ومستمد من الموجبات الْحَاجة إِلَى التَّأْوِيل فِي أَخْبَار الصِّفَات قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله} قَالَ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس رَحمَه الله تَعَالَى متبعو الْمُتَشَابه لَا يخلوا أَن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك فِي الْقُرْآن وإضلال الْعَوام كَمَا فعلته الزَّنَادِقَة

والقرامطة الطاعنون فِي الْقُرْآن أَو طلبا لاعتقاد ظواهر الْمُتَشَابه كَمَا فعلته المجسمة الَّذين جمعُوا مَا فِي الْكتاب وَالسّنة مِمَّا ظَاهره الجسمية حَتَّى اعتقدوا أَن الْبَارِي تَعَالَى جسم مجسم وَصُورَة مصورة ذَات وَجه وَعين وَيَد وجنب وَرجل وأصبع تَعَالَى الله عَن ذَلِك أَو يتبعوه على جِهَة إبداء تأويلاتها وإيضاح مَعَانِيهَا أَو كَمَا فعل صبيغ حِين أَكثر على عمر فِيهِ السُّؤَال فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام الأول لَا شكّ فِي كفرهم وَأَن حكم الله فيهم الْقَتْل من غير اسْتِتَابَة الثَّانِي الصَّحِيح القَوْل بتكفيرهم إِذْ لَا فرق بَينهم وَبَين عبَادَة الْأَصْنَام والصور ويستتابون فَإِن تَابُوا وَإِلَّا قتلوا كَمَا يفعل بِمن ارْتَدَّ الثَّالِث اخْتلفُوا فِي جَوَاز ذَلِك بِنَاء على الْخلاف فِي جَوَاز تَأْوِيلهَا وَقد عرف بِأَن مَذْهَب السّلف ترك التَّعَرُّض لتأويلها مَعَ قطعهم باستحالة ظواهرها فَيَقُولُونَ أمروها كَمَا جَاءَت وَذهب بَعضهم إِلَى إبداء تأويلاتها وَحملهَا على مَا يَصح حمله فِي اللِّسَان عَلَيْهَا من غير قطع بِتَعْيِين مُجمل عَنْهَا الرَّابِع الحكم فِيهِ التَّأْدِيب البليغ كَمَا فعله عمر رَضِي الله عَنهُ بصبيغ وَجه الْحَاجة إِلَى التَّأْوِيل عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة 1 - التَّأْوِيل اتِّبَاع لما أمرنَا بِهِ من التَّسْلِيم بالمتشابه وَالْأَخْذ بالمحكم وَحمل الْمُتَشَابه على الْمُحكم لظُهُور معنى الْمُحكم دون الْمُتَشَابه 2 - التَّأْوِيل حق من أجل أَن لَا يَقع الْمُؤمن فِي متناقضات حِين يقْرَأ من الْآيَات مثلا وأنموذجا من إِضَافَة الْعين إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ والأعين وَالْيَدَيْنِ وَالْأَيْدِي وَأَنه فِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض وَهُوَ مَعَ خلقه أَيْنَمَا كَانُوا إِلَى غير ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا تركنَا النُّصُوص على ظَاهرهَا وقعنا فِي التَّنَاقُض وَهُوَ محَال فِي الْقُرْآن الْكَرِيم {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} وَلَكِن حِين ننزه الله تَعَالَى حِيَال جَمِيع تِلْكَ النُّصُوص

وأشباهها عَن مشابهة خلقه ثمَّ نكل مَعَاني تِلْكَ النُّصُوص إِلَى الله عز وَجل نَكُون قد سلمنَا من التَّنَاقُض فِي الْفَهم وَسلمنَا الْقُرْآن الْكَرِيم من توهم أَي تنَاقض فِيهِ ثمَّ سَوَاء كَانَ ألتأويل إجماليا أَو تفصيليا فَهُوَ المخلص الوحيد من التَّنَاقُض والتخالف فِي صِفَات الله تَعَالَى وَفِي كِتَابه الْعَظِيم 3 - التَّأْوِيل سَوَاء كَانَ إجماليا أَو تفصيليا هُوَ مَسْلَك السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ وهم أعظم النَّاس فهما لِلْإِسْلَامِ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 4 - التَّأْوِيل الْمَقُول بِهِ عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة هُوَ الْأَمر العاصم للعامة خَاصَّة من الْوُقُوع فِي التَّشْبِيه والتجسيم بِإِذن الله تَعَالَى 5 - وَإِنَّمَا يعمد إِلَى التأول التفصيلي كَمَا تقدم عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ 6 - وَمن شُرُوط التَّأْوِيل أَن يكون وفْق أصُول الْعَرَبيَّة واساليب الْبَيَان عِنْد الْعَرَب وَأَن مَا خرج على أصُول الْعَرَبيَّة وأساليب الْبَيَان عِنْد الْعَرَب لَيْسَ تَأْوِيلا مَشْرُوعا وَلَا مَقْبُولًا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد إِن كَانَ التَّأْوِيل قَرِيبا من لِسَان الْعَرَب لم يُنكر أَو بَعيدا توقفنا عَنهُ وآمنا بِمَعْنَاهُ على الْوَجْه الَّذِي اريد بِهِ مَعَ التَّنْزِيه وَمَا كَانَ من هَذِه الْأَلْفَاظ ظَاهرا مفهوما من تخاطب الْعَرَب قُلْنَا بِهِ من غير توقف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله} فنحمله على حق الله تَعَالَى وَمَا يجب لَهُ وَقَالَ عِنْد شرح قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أغير مِنْهُ وَالله إغير مني الحَدِيث المنزهون لله تَعَالَى إِمَّا سَاكِت وَإِمَّا مؤول وَالثَّانِي يَقُول المُرَاد بالغيرة الْمَنْع من الشَّيْء والحماية وهما من لَوَازِم الْغيرَة فأطلقت على سَبِيل الْمجَاز كالملازمة وَغَيرهَا من الْأَوْجه الشائعة فِي لِسَان الْعَرَب

كلمة جَامِعَة هِيَ قَاعِدَة عَامَّة فِي بَاب حكم التَّأْوِيل ومواضعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ القَاضِي ابو بكر الْعَرَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه النافع العواصم من القواصم وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَاب يَعْنِي فِي بَاب الصِّفَات على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا ورد من الْأَلْفَاظ وَهُوَ كَمَال مَحْض لَيْسَ للنقائص والآفات فِيهِ حَظّ فَهَذَا يجب اعْتِقَاده وَالثَّانيَِة مَا ورد وَهُوَ نقص مَحْض فَهَذَا لَيْسَ لله تَعَالَى فِيهِ نصيب فَلَا يُضَاف إِلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ مَحْجُوب عَنهُ فِي الْمَعْنى ضَرُورَة كَقَوْلِه عَبدِي مَرضت فَلم تعدني وَمَا أشبهه الثَّالِثَة مَا يكون كمالا وَلكنه يُوهم تَشْبِيها فَأَما الَّذِي ورد كمالا مَحْضا كالوحدانية وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والحياة والسمع وَالْبَصَر والإحاطة وَالتَّقْدِير وَالتَّدْبِير وَعدم الْمثل والنظير فَلَا كَلَام فِيهِ وَلَا توقف وَأما الَّذِي ورد بالآفات الْمَحْضَة والنقائص كَقَوْلِه تَعَالَى {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} وَقَوله جعت فَلم تطعمني وعطشت فقد علم المحفوظون والملفوظون والعالم وَالْجَاهِل أَن ذَلِك كِنَايَة عَمَّن تتَعَلَّق بِهِ هَذِه النقائض وَلكنه أضافها إِلَى نَفسه الْكَرِيمَة المقدسة تكرمة لوَلِيِّه وتشريفا واستلطافا للقلوب وتليينا وَإِذا جَاءَت الْأَلْفَاظ المحتملة الَّتِي تكون للكمال بِوَجْه وللنقصان بِوَجْه وَجب على كل مُؤمن حصيف أَن يَجْعَلهَا كِنَايَة عَن الْمعَانِي الَّتِي تجوز عَلَيْهِ وينفي مَا لَا يجوز عَلَيْهِ فَقَوله فِي الْيَد والساعد والكف والأصبع عِبَارَات بديعة تدل على معَان شريفة فَإِن الساعد عِنْد الْعَرَب عَلَيْهَا كَانَت تعول فِي الْقُوَّة والبطش والشدة فأضيف الساعد إِلَى الله لِأَن الْأَمر كُله لله كَمَا أضيف إِلَيْهِ الموسى فِي الحَدِيث وَكَذَلِكَ

قراءة في كتاب

قَوْله إِن الصَّدَقَة تقع فِي كف الرَّحْمَن عبر بهَا عَن كف الْمِسْكِين تكرمة لَهُ وَمَا يقلب بالأصابع يكون أيسر وأهون وَيكون أسْرع إِلَى آخِره قِرَاءَة فِي كتاب قَالَ الشَّيْخ عبد الْعَظِيم الزّرْقَانِيّ أستاذ عُلُوم الْقُرْآن وعلوم الحَدِيث فِي كُلية أصُول الدّين من الْأَزْهَر الشريف رَحمَه الله تَعَالَى لقد أسرف بعض النَّاس فِي هَذَا الْعَصْر فخاضوا فِي متشابه الصِّفَات بِغَيْر حق وَأتوا فِي حَدِيثهمْ عَنْهَا وتعليقهم عَلَيْهَا بِمَا لم يَأْذَن بِهِ الله وَلَهُم فِيهَا كَلِمَات غامضة تحْتَمل التَّشْبِيه والتنزيه وتحتمل الْكفْر وَالْإِيمَان حَتَّى باتت هَذِه الْكَلِمَات نَفسهَا من المتشابهات وَمن المؤسف أَنهم يواجهون الْعَامَّة وأشباههم بِهَذَا وَمن المحزن أَنهم ينسبون مَا يَقُولُونَ إِلَى سلفنا الصَّالح ويخيلون للنَّاس أَنهم سلفيون من ذَلِك قَوْلهم إِن الله تَعَالَى يشار إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ الحسية وَله من الْجِهَات السِّت جِهَة فَوق وَيَقُولُونَ إِنَّه اسْتَوَى على عَرْشه بِذَاتِهِ اسْتِوَاء حَقِيقِيًّا بِمَعْنى أَنه اسْتَقر فَوْقه استقرارا حَقِيقِيًّا غير أَنهم يعودون فَيَقُولُونَ لَيْسَ كاستقرارنا وَلَيْسَ على مَا نَعْرِف وَهَكَذَا يتناولون أَمْثَال هَذِه الْآيَة وَلَيْسَ لَهُم مُسْتَندا فِيمَا نعلم إِلَّا التشبث بالظواهر وَقد تجلى لَك مَذْهَب السّلف وَالْخلف فَلَا نطيل بإعادته وَقد علمت أَن حمل المتشابهات فِي الصِّفَات على ظواهرها مَعَ القَوْل بِأَنَّهَا بَاقِيَة على جقيقتها لَيْسَ رايا لأحد من الْمُسلمين وَإِنَّمَا هُوَ رَأْي لبَعض أَصْحَاب الْأَدْيَان الْأُخْرَى كاليهود وَالنَّصَارَى يَعْنِي لأَنهم مجسمة وَأهل النَّحْل الضَّالة كالمشبهة والمجسمة أما نَحن معاشر الْمُسلمين فالعمدة عندنَا فِي أُمُور العقائد هِيَ الْأَدِلَّة القطعية الَّتِي توافرت على أَنه تَعَالَى لَيْسَ جسما وَلَا متحيزا وَلَا متجزئا وَلَا متركبا وَلَا يحْتَاج لأحد وَلَا إِلَى مَكَان وَلَا إِلَى زمَان وَلَا نَحْو ذَلِك

وَلَقَد جَاءَ الْقُرْآن بِهَذَا فِي محكماته إِذْ يَقُول لَيْسَ كمثله شَيْء وَيَقُول {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَيَقُول وَإِن تكفرُوا فَإِن الله غَنِي عَنْكُم وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا يرضه لكم وَيَقُول {يَا أَيهَا النَّاس أَنْتُم الْفُقَرَاء إِلَى الله وَالله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} وَغير هَذَا كثير فِي الْكتاب وَالسّنة فَكل مَا جَاءَ مُخَالفا بِظَاهِرِهِ لتِلْك القطعيات المحكمات فَهُوَ من المتشابهات الَّتِي لَا يجوز اتباعها كَمَا تبين لَك فِيمَا سلف ثمَّ هَؤُلَاءِ المتمسحون بالسلف متناقضون لأَنهم يثبتون تِلْكَ المتشابهات على حقائقها وَلَا ريب أَن حقائقها تَسْتَلْزِم الْحُدُوث وأعراض الْحُدُوث كالجسمية والتجزؤ وَالْحَرَكَة والانتقال وَكلهمْ بعد أَن يثبتوا تِلْكَ المتشابهات على حقائقها ينفون هَذِه اللوازم مَعَ أَن القَوْل بِثُبُوت الملزومات وَنفي لوازمها تنَاقض لَا يرضاه لنَفسِهِ عَاقل فضلا عَن طَالب علم أَو عَالم فَقَوْلهم فِي مَسْأَلَة الاسْتوَاء الآنفة إِن الاسْتوَاء بَاقٍ على حَقِيقَته يُفِيد بِأَنَّهُ الْجُلُوس الْمَعْرُوف المستلزم للجسمية والتحيز وَقَوْلهمْ بعد ذَلِك لَيْسَ هَذَا الاسْتوَاء على مَا نَعْرِف يُفِيد أَنه لَيْسَ الْجُلُوس الْمَعْرُوف المستلزم للجسمية والتحيز فكأنهم يَقُولُونَ إِنَّه مستو غير مستو ومستقر فَوق الْعَرْش غير مُسْتَقر أَو متحيز فَوق الْعَرْش غير متحيز وجسم غير جسم أَو إِن الاسْتوَاء على الْعَرْش لَيْسَ هُوَ الاسْتوَاء على الْعَرْش وَإِن الِاسْتِقْرَار فَوْقه لَيْسَ هُوَ الِاسْتِقْرَار فَوْقه إِلَى غير ذَلِك من الاسفاف والتهافت فَإِن أَرَادوا بقَوْلهمْ الاسْتوَاء على حَقِيقَته أَنه على حَقِيقَته الَّتِي يعلمهَا الله تَعَالَى وَلَا نعلمها نَحن فقد اتفقنا لَكِن يبْقى أَن تعبيرهم هَذَا موهم وَلَا يجوز أَن يصدر من مُؤمن خُصُوصا فِي مقَام التَّعْلِيم والإرشاد وَفِي موقف النقاش وَالْحجاج لِأَن القَوْل بِأَن اللَّفْظ حَقِيقَة أَو مجَاز لَا ينظر فِيهِ إِلَى علم الله تَعَالَى وَمَا هُوَ عِنْده وَلَكِن ينظر فِيهِ إِلَى الْمَعْنى الَّذِي وضع لَهُ اللَّفْظ فِي اللُّغَة والاستواء فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة يدل على مَا هُوَ مُسْتَحِيل على الله فِي ظَاهره فَلَا بُد إِذن من صرفه عَن هَذَا الظَّاهِر وَاللَّفْظ إِذْ صرف عَمَّا وضع لَهُ وَاسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ خرج عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز لَا محَالة مَا دَامَت هُنَاكَ قرينَة مَانِعَة من إِرَادَة الْمَعْنى الْأَصْلِيّ ثمَّ إِن كَلَامهم بِهَذِهِ الصُّورَة فِيهِ تلبيس على الْعَامَّة وفتنة لَهُم فَكيف يواجهونهم بِهِ

الشبهه الأولى ودفعها

ويحملونهم عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك مَا فِيهِ من الإضلال وتمزيق وحدة الْأمة الْأَمر الَّذِي نهى الْقُرْآن عَنهُ وَالَّذِي جعل عمر رَضِي الله عَنهُ يفعل مَا فعل بصبيغ أَو بِابْن صبيغ وَجعل مَالِكًا يَقُول مَا يَقُول وَيفْعل مَا يفعل بِالَّذِي سَأَلَ عَن الاسْتوَاء وَقد مر بك هَذَا وَذَاكَ وَلَو أنصف هَؤُلَاءِ لسكتوا عَن الْآيَات وَالْأَخْبَار المتشابهة واكتفوا بتنزيه الله تَعَالَى عَمَّا توهمه ظواهرها من الْحُدُوث ولوازمه ثمَّ فَوضُوا الْأَمر فِي تعْيين مَعَانِيهَا إِلَى الله تَعَالَى وَحده وَبِذَلِك يكونُونَ سلفيين حَقًا لَكِنَّهَا شُبُهَات عرضت لَهُم فِي هَذَا الْمقَام فشوشت حَالهم وبلبلت أفكارهم فلنعرض عَلَيْك شبهها وَالله يتَوَلَّى هدَانَا وهداهم ويجمعنا جَمِيعًا على مَا يحب ويرضاه آمين الشبهه الأولى وَدفعهَا يَقُولُونَ إِن القَوْل بِأَن الله تَعَالَى لَا جِهَة لَهُ وَأَنه لَيْسَ فوقا وَلَا تحتا وَلَا يَمِينا وَلَا شمالا إِلَى غير ذَلِك يسْتَلْزم أَن الله غير مَوْجُود أَو هُوَ قَول بِأَن الله غير مَوْجُود فَإِن التجرد من الإتصاف بِهَذِهِ المقابلات جملَة أَمر لَا يوسم بِهِ إِلَّا الْمَعْدُوم وَمن لم يتشرف بشرف الْوُجُود وندفع هَذِه الشُّبْهَة بِأُمُور أَولا إِن هَذَا قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَقِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد فَاسد ذَلِك أَن الله تَعَالَى لَيْسَ يشبه خلقه حَتَّى يكون حكمه كحكمهم فِي وجوب أَن يكون فِي جِهَة من الْجِهَات السِّت مَا دَامَ مَوْجُودا فَكيف يُقَاس الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة بِمَا هُوَ مادي ثمَّ كَيفَ يَسْتَوِي الْخَالِق وخلقه فِي جَرَيَان أَحْكَام الْخلق إِن المادي هُوَ الَّذِي يجب أَن يَتَّصِف بِشَيْء من هَذِه المتقابلات وَأَن تكون لَهُ جِهَة من الْجِهَات أما غير المادي فترتفع عَنهُ هَذِه الصِّفَات كلهَا وَلَا يُمكن أَن يكون لَهُ جِهَة من الْجِهَات جَمِيعهَا وَنَظِير ذَلِك لَا بُد أَن يكون لَهُ أحد الوصفين فإمَّا جَاهِل وَإِمَّا عَالم أما الْحجر فَلَا يَتَّصِف بِوَاحِد مِنْهُمَا

ألبته فَلَا يُقَال إِنَّه جَاهِل وَلَا عَالم بل الْعلم وَالْجهل مرتفعان عَنهُ بل هما ممتنعان عَلَيْهِ وَلَا محَالة لِأَن طَبِيعَته تأبى قابليته لكليهما وَهَكَذَا تَنْتفِي المتقابلات كلهَا بِانْتِفَاء قابلية الْمحل لَهَا أيا كَانَت هَذِه المتقابلات وأيا كَانَ هَذَا الْمحل الَّذِي لَيْسَ قَابلا لَهَا فَيمْتَنع مثلا أَن يُوصف الدَّار بِأَنَّهَا سميعة أَو صماء وَأَن تُوصَف الأَرْض بِأَنَّهَا متكلمة أَو خرساء وَأَن تُوصَف السَّمَاء بِأَنَّهَا متزوجة أوأيم وهلم جرا ثَانِيًا نقُول لهَؤُلَاء أَيْن كَانَ الله تَعَالَى قبل أَن يخلق الْعَرْش والفرش وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَقبل أَن يخلق الزَّمَان وَالْمَكَان وَقبل أَن تكون جِهَات سِتّ فَإِن قَالُوا لم يكن لَهُ جِهَة وَلَا مَكَان فَنَقُول قد اعترفتم بِمَا نقُول نَحن بِهِ وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ وَإِن زَعَمُوا أَن الْعَالم قديم بقدم الله تَعَالَى فقد تداووا من دَاء بداء واستجاروا من الرمضاء بالنَّار وَوَجَب أَن ننتقل بهم إِلَى إِثْبَات حُدُوث الْعَالم وَالله هُوَ ولي الْهِدَايَة والتوفيق ثَالِثا نقُول لهَؤُلَاء إِذا كُنْتُم تأخذون بظواهر النُّصُوص على حَقِيقَتهَا فَمَاذَا تَفْعَلُونَ بِمثل قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء} مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} أتقولون إِنَّه فِي السَّمَاء حَقِيقَة أم فِي الأَرْض حَقِيقَة أم فيهمَا حَقِيقَة وَإِذا كَانَ فِي الأَرْض وَحدهَا حَقِيقَة فَكيف يكون لَهُ جِهَة فَوق وَإِذا كَانَ فيهمَا فلماذا يُقَال لَهُ جِهَة فَوق وَلَا يُقَال لَهُ جِهَة تَحت ولماذا يشار إِلَيْهِ فَوق وَلَا يشار إِلَيْهِ تَحت ثمَّ أَلا يعلمُونَ أَن الْجِهَات أُمُور نسبية فَمَا هُوَ فَوق بِالنِّسْبَةِ لنا يكون تحتا بِالنِّسْبَةِ لغيرنا فَأَيْنَ يذهبون رَابِعا نقُول لهَؤُلَاء مَاذَا تَقولُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} بإفراد الْيَد مَعَ قَوْله {لما خلقت بيَدي} بتثنيتها وَمَعَ قَوْله {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} بجمعها فَإِذا كُنْتُم تعلمُونَ النُّصُوص على ظواهرها حَقِيقَة فأخبرونا أَله يَد وَاحِدَة بِنَاء على الْآيَة الأولى أم لَهُ يدان اثْنَتَانِ بِنَاء على الْآيَة الثَّانِيَة أم لَهُ أيد كَثِيرَة أَكثر من ثِنْتَيْنِ بِنَاء على الْآيَة الثَّالِثَة

الشبهة الثانية ودفعها

خَامِسًا نقُول لهَؤُلَاء قد ورد فِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ينزل رَبنَا كل ليله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الْأَخير فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا فَكيف نَأْخُذ بِظَاهِر هَذَا الْخَبَر مَعَ أَن اللَّيْل مُخْتَلف باخْتلَاف الْمَشَارِق والمغارب فَإِذا كَانَ ينزل لأهل كل أفق نزولا حَقِيقِيًّا فِي ثلث ليلهم الْأَخير فَمَتَى يَسْتَوِي على عَرْشه حَقِيقَة كَمَا تَقولُونَ وَمَتى يكون فِي السَّمَاء حَقِيقَة كَمَا تَقولُونَ مَعَ أَن الأَرْض لَا تَخْلُو من اللَّيْل فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا فِي سَاعَة من السَّاعَات كَمَا هُوَ ثَابت مسطور لَا يُمَارِي فِيهِ إِلَّا جهول مأفون سادسا نقُول لهَؤُلَاء مَا قَالَه حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَنَصه نقُول للمتشبث بظواهر الْأَلْفَاظ إِذا كَانَ نُزُوله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ليسمعنا نِدَاء فَمَا أسمعنا نداءه فَأَي فَائِدَة فِي نُزُوله وَلَقَد كَانَ يُمكنهُ أَن ينادينا كَذَلِك وَهُوَ على الْعَرْش أَو على السَّمَاء الْعليا فَلَا بُد أَن يكون ظَاهر النُّزُول غير مُرَاد وَأَن المُرَاد شَيْء آخر غير ظَاهر وَهل هَذَا إِلَّا مثل من اراد وَهُوَ بالمشرق إسماع شخص فِي الْمغرب فَتقدم إِلَى الْمغرب بخطوات مَعْدُودَة وَأخذ يُنَادِيه وَهُوَ يعلم أَنه لَا يسمع نداءه فَيكون نَقله للأقدام عملا بَاطِلا وسعيه نَحْو الغرب عَبَثا صرفا لَا فَائِدَة فِيهِ وَكَيف يسْتَقرّ هَذَا فِي قلب عَاقل الشُّبْهَة الثَّانِيَة وَدفعهَا نقل السُّيُوطِيّ عَن بَعضهم أَنه قَالَ مَا الْحِكْمَة فِي إِنْزَال الْمُتَشَابه مِمَّن أَرَادَ لِعِبَادِهِ الْبَيَان وَالْهدى قُلْنَا إِن كَانَ أَي الْمُتَشَابه مِمَّا يُمكن علمه فَلهُ فَوَائِد مِنْهَا الْحَث للْعُلَمَاء على النّظر الْمُوجب للْعلم بغوامضه والبحث عَن دقائقه فَإِن استدعاء الهمم لمعْرِفَة ذَلِك من أعظم الْقرب وَمِنْهَا ظُهُور التَّفَاضُل وتفاوت الدَّرَجَات إِذْ لَو كَانَ كُله محكما لَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل لاستوت منَازِل الْخلق وَلم يظْهر فضل الْعَالم على غَيره وَإِن كَانَ أَي الْمُتَشَابه مِمَّا لَا يُمكن علمه أَي اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعِلْمِهِ فَلهُ فَوَائِد مِنْهَا ابتلاء الْعباد بِالْوُقُوفِ عِنْده والتوقف فِيهِ والتفويض وَالتَّسْلِيم والتعبد بالاشتغال بِهِ من جِهَة التِّلَاوَة كالمنسوخ وَإِن لم يجز الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لما نزل بلسانهم ولغتهم وعجزوا عَن الْوُقُوف على مَعْنَاهُ مَعَ بلاغتهم

الشبهة الخامسة ودفعها

وأفهامهم دلّ على أَنه نزل من عِنْد الله وَأَنه هُوَ الَّذِي أعجزهم عَن الْوُقُوف عَلَيْهِ الشُّبْهَة الْخَامِسَة وَدفعهَا يَقُولُونَ إِن النَّاظر فِي موقف السّلف وَالْخلف من الْمُتَشَابه يجْزم بِأَنَّهُم جَمِيعًا مؤولون لأَنهم اشْتَركُوا فِي صرف الْأَلْفَاظ المتشابهات عَن ظواهرها وصرفها عَن ظواهرها تَأْوِيل لَهَا لَا محَالة وَإِذا كَانُوا جَمِيعًا مؤولين فقد وَقَعُوا جَمِيعًا فِيمَا نهى الله عَنهُ وَهُوَ اتِّبَاع المتشابهات بالتأويل إِذْ وصف الله سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ بِأَن فِي قُلُوبهم زيغا فَقَالَ فِي الْآيَة السَّابِقَة {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله} وندفع هَذِه الشُّبْهَة بِأُمُور أَولا بِأَن القَوْل إِن السّلف وَالْخلف مجمعون على تَأْوِيل الْمُتَشَابه قَول لَهُ وَجه من الصِّحَّة لَكِن بِحَسب الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَو مَا يقرب من الْمَعْنى اللّغَوِيّ أما بِحَسب الِاصْطِلَاح السائد فَلَا لِأَن السّلف وَإِن وافقوا الْخلف فِي التَّأْوِيل فقد خالفوهم فِي تعْيين الْمَعْنى المُرَاد بِاللَّفْظِ بعد صرفه عَن ظَاهره وذهبوا إِلَى التَّفْوِيض الْمَحْض بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا التَّعْيِين أما الْخلف فَرَكبُوا متن التَّأْوِيل إِلَى هَذَا التَّعْيِين كَمَا سبق ثَانِيًا إِن القَوْل بِأَن السّلف وَالْخلف جَمِيعًا وَقَعُوا بتصرفهم السَّابِق فِيمَا نهى الله تَعَالَى عَنهُ قَول خاطىء واستدلالهم عَلَيْهِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة اسْتِدْلَال فَاسد لِأَن النَّهْي فِيهَا إِنَّمَا هُوَ عَن التَّأْوِيل الآثم الناشيء عَن الزيغ وَاتِّبَاع الْهوى بِقَرِينَة قَوْله سُبْحَانَهُ وَأما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ أَي ميل عَن الاسْتقَامَة وَالْحجّة إِلَى الْهوى والشهوة أما التَّأْوِيل الْقَائِم على تحكيم الْبَرَاهِين القاطعة وَاتِّبَاع الْهِدَايَة فَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل الَّذِي حظره الله تَعَالَى وَحرمه وَكَيف ينهانا عَنهُ وَقد أمرنَا بِهِ ضمنا بِإِيجَاب رد المتشابهات إِلَى المحكمات إِذْ جعل هَذِه المحكمات هن أم الْكتاب على مَا سبق بَيَانه ثمَّ كَيفَ يكون مثل هَذَا التَّأْوِيل الراشد محرما وَقد دَعَا بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل

ويتلخص من هَذَا أَن الله تَعَالَى أرشدنا فِي هَذِه الْآيَة إِلَى نوع من التَّأْوِيل وَهُوَ مَا يكون بِهِ رد المتشابهات إِلَى المحكمات ثمَّ نَهَانَا عَن نوع آخر مِنْهُ وَهُوَ مَا كَانَ ناشئا عَن الْهوى والشهوة لَا على الْبُرْهَان وَالْحجّة قصدا إِلَى الضَّلَالَة والفتنة وهما لونان مُخْتَلِفَانِ وضربان بعيدان بَينهمَا برزخ لَا يبغيان وَإِذن فَمن لم يصرف لفظ الْمُتَشَابه عَن ظَاهره الموهم للتشبيه أَو الْمحَال فقد ضل كالظاهرية يُرِيد المجسمة والمشبهة وَمن فسر لفظ الْمُتَشَابه تَفْسِيرا بَعيدا عَن الْحجَّة والبرهان قَائِما على الزيغ والبهتان فقد ضل أَيْضا كالباطنية والإسماعيلية وكل هَؤُلَاءِ يُقَال فيهم إِنَّهُم متبعون للمتشابه ابْتِغَاء الْفِتْنَة أما من يؤول الْمُتَشَابه أَي يصرفهُ عَن ظَاهره بِالْحجَّةِ القاطعة لَا طلبا للفتنة وَلَكِن منعا لَهَا وتثبيتا للنَّاس على الْمَعْرُوف من دينهم وردا لَهُم إِلَى محكمات الْكتاب الْقَائِمَة وأعلامه الْوَاضِحَة فَأُولَئِك هم الهادون المهديون حَقًا وعَلى ذَلِك درج سلف الْأمة وَخَلفهَا وأثمتها وعلماؤها روى البُخَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنِّي أجد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تخْتَلف عَليّ قَالَ مَا هُوَ قَالَ {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} وَقَالَ {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} وَقَالَ {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} وَقَالَ وَقَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين قَالَ ابْن عَبَّاس {فَلَا أَنْسَاب بَينهم} فِي النفخة الأولى وَلَا يتساءلون ثمَّ فِي النفخة الثَّانِيَة {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} فَإِن الله تَعَالَى يغْفر لأهل الْإِخْلَاص ذنوبهم فَيَقُول الْمُشْركُونَ تَعَالَوْا نقُول مَا كُنَّا مُشْرِكين فيختم الله على أفوههم فَتَنْطِق جوارحي بأعمالهم فَعِنْدَ ذَلِك لَا يكتمون الله حَدِيثا الخ الحَدِيث وَإِنِّي أنصح القارىء الْكَرِيم بِهَذِهِ الْمُنَاسبَة بِقِرَاءَة الْفِقْه الْأَكْبَر وَشَرحه لأبي الْمُنْتَهى ولعلي القاريء والأسماء وَالصِّفَات للبيهقي وأصول الَّذين لعبد القاهر الْبَغْدَادِيّ والتبصير فِي الدّين للإسفراييني والعقيدة النظامية لإِمَام الْحَرَمَيْنِ والعواصم من القواصم لأبي بكر بن الْعَرَبِيّ والعقيدة الإسلامية للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن حبنكة وكبرى اليقينيات

جماع ابواب إثبات صفات الله عز وجل

للشَّيْخ الدكتور مُحَمَّد سعيد البوطي وأمثالها مِمَّا ذكرت كمراجع فِي هَذِه الْمُقدمَة وَفِي ثنايا التَّعْلِيق على الْكتاب وَالله يتولانا بحفظه وتوفيقه حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ عَنَّا رَاض جماع ابواب إِثْبَات صِفَات الله عز وَجل وأختم هَذَا التَّمْهِيد بَين يَدي إِيضَاح الدَّلِيل فِي قطع حجج أهل التعطيل بِكَلِمَة جَامِعَة للْإِمَام الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه الْجَامِع النافع الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى جماع أَبْوَاب إِثْبَات صِفَات الله عز وَجل وَفِي إِثْبَات أَسْمَائِهِ إِثْبَات صِفَاته لِأَنَّهُ إِذا ثَبت كَونه مَوْجُودا فوصف بِأَنَّهُ حَيّ فقد وصف بِزِيَادَة صفة على الذَّات هِيَ الْحَيَاة فَإِذا وصف بِأَنَّهُ قَادر فقد وصف بِزِيَادَة صفة هِيَ الْقُدْرَة وَإِذا وصف بِأَنَّهُ عَالم فقد وصف بِزِيَادَة صفة هِيَ الْعلم كَمَا إِذا وصف بِأَنَّهُ خَالق فقد وصف بِزِيَادَة هِيَ صفة الْخلق وَإِذا وصف بِأَنَّهُ رَازِق فقد وصف بِزِيَادَة صفة هِيَ الرزق وَإِذا وصف بِأَنَّهُ محيي فقد وصف بِزِيَادَة صفة هِيَ الْإِحْيَاء إِذْ لَوْلَا هَذِه الْمعَانِي لاقتصر فِي أَسْمَائِهِ على مَا ينبىء عَن وجود الذَّات فَقَط ثمصفات الله عز اسْمه قِسْمَانِ أَحدهمَا صِفَات ذَاته هِيَ مَا اسْتَحَقَّه فِيمَا لم يزل وَلَا يزَال وَالْآخر صِفَات فعله وَهِي مَا اسْتَحَقَّه فِيمَا لَا يزَال دون الْأَزَل فَلَا يجوز وَصفه إِلَّا بِمَا دلّ عَلَيْهِ كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أجمع عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة ثمَّ مِنْهُ مَا اقترنت بِهِ دلَالَة الْعقل كالحياة وَالْقُدْرَة وَالْعلم والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَنَحْو ذَلِك من صِفَات ذَاته وكالخلق والرزق والإحياء والإماتة وَالْعَفو والعقوبة وَنَحْو ذَلِك من صِفَات فعله وَمِنْه مَا طَرِيق إثْبَاته وُرُود خبر الصَّادِق بِهِ فَقَط كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالْعين فِي صِفَات ذَاته وكالاستواء على الْعَرْش والإتيان والمجيء وَالنُّزُول وَنَحْو ذَلِك من صِفَات فعله فنثبت هَذِه الصِّفَات لَو ورد الْخَبَر بهَا على وَجه لَا يُوجب التَّشْبِيه ونعتقد فِي

صِفَات ذَاته أَنَّهَا لم تزل مَوْجُودَة بِذَاتِهِ وَلَا تزَال مَوْجُودَة بِهِ وَلَا نقُول فِيهَا إِنَّهَا هُوَ وَلَا غَيره وَلَا هُوَ هِيَ وَلَا غَيرهَا وَللَّه تَعَالَى أَسمَاء وصفات يَسْتَحِقهَا بِذَاتِهِ إِلَّا أَنَّهَا زِيَادَة صفة على الذَّات كوصفنا إِيَّاه بِأَنَّهُ إِلَه عَزِيز مجيد جليل عَظِيم ملك جَبَّار متكبر شَيْء قديم وَالِاسْم والمسمى فِيهَا وَاحِد ونعتقد فِي صِفَات فعله أَنَّهَا بَائِنَة عَنهُ سُبْحَانَهُ وَلَا يحْتَاج فِي فعله إِلَى مُبَاشرَة {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} وَنحن نشِير فِي إِثْبَات صِفَات الله تَعَالَى ذكره إِلَى مَوْضِعه من كتاب الله عز وَجل وَمِنْه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِجْمَاع سلف هَذِه الْأمة على طَرِيق الِاخْتِصَار ليَكُون عونا لمن يتَكَلَّم فِي علم الْأُصُول من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَلم يتبحر فِي معرفَة السّنَن وَمَا يقبل مِنْهَا وَمَا يرد من جِهَة الْإِسْنَاد وَالله يوفقنا لما قصدناه ويعيننا على طلب سَبِيل النجَاة بفضله وَرَحمته

فصل

فصل دعاوى خطيرة لَيْسَ لَهَا دَلِيل شَرْعِي 1 - قَالَ أَحْمد عبد الْحَلِيم إِن القَوْل بحلول الْحَوَادِث بِذَات الله تَعَالَى هُوَ مَذْهَب أَكثر أهل الحَدِيث بل أَقُول أَئِمَّة الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي نقلوه عَن سلف الْأمة وأئمتها وَكثير من الْفُقَهَاء والصوفية وَأَكْثَرهم من طوائف الْأَرْبَعَة الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية من لَا يحصي عدده إِلَّا الله تَعَالَى كَذَا فِي تلبيس الْجَهْمِية وَقَالَ الدكتور أَحْمد عَطِيَّة الغامدي وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْن تَيْمِية وَذكر أَنه مَذْهَب السّلف وَأَنه الْحق الَّذِي يُؤَيّدهُ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ والعقلي هُوَ بِعَيْنِه رَأْي الكرامية وَقَالَ شَارِح العقيدة الطحاوية ابْن أبي الْعِزّ الْحَنَفِيّ التيمى وحلول الْحَوَادِث بالرب تَعَالَى الْمَنْفِيّ عَنهُ فِي علم الْكَلَام المذموم لم يرد نَفْيه وَلَا إثْبَاته فِي كتاب وَلَا سنة قَالَ الْمُحَقق المدقق الشَّيْخ شُعَيْب الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على شرح العقيدة الطحاوية عِنْد الْجُمْلَة السَّابِقَة جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين من أشاعرة وَمَا تريدية ومعتزلة وفلاسفة اتَّفقُوا على منع قيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ تَعَالَى وَجوز قِيَامهَا بِذَاتِهِ الكرامية وَفرقُوا بَين الْحَادِث والمحدث فَالْأول عِنْدهم مَا يقوم بِذَاتِهِ من الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بمشيئته واختياره وَأما الثَّانِي فَهُوَ مَا يخلقه سُبْحَانَهُ مُنْفَصِلا عَنهُ وَقد تَبِعَهُمْ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي تَجْوِيز قيام الْحَوَادِث بِالذَّاتِ والمؤلف هُنَا يُرِيد شَارِح الطحاوية يختصر كَلَامه الْمَبْسُوط فِي منهاج السّنة وَقد غلا رَحمَه الله تَعَالَى فِي مناصرة هَذَا الْمَذْهَب والدفاع عَنهُ ضد مخالفيه من الْمُتَكَلِّمين والفلاسفة وَادّعى أَنه مَذْهَب السّلف مستدلا بقول الإِمَام أَحْمد وَغَيره لم يزل متكلما إِذا شَاءَ بِأَنَّهُ إِذا كَانَ كَلَامه وَهُوَ صفة قَائِمَة بِذَاتِهِ مُتَعَلقا بمشيئته واختياره دلّ ذَلِك على جَوَاز قيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ لِأَن مَا يتَعَلَّق بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَار لَا يكون إِلَّا حَادِثا

وَقد انْتهى بِهِ القَوْل إِلَى أَن كَلَام الله تَعَالَى قديم الْجِنْس حَادث الْأَفْرَاد وَكَذَلِكَ فعله وإرادته وَنَحْو ذَلِك من الصِّفَات غير اللَّازِمَة للذات وَبِمَا أَن القَوْل بذلك يسْتَلْزم التسلسل فقد جوزه فِي الْمَاضِي والمستقبل جَمِيعًا وَادّعى أَن مثل هَذَا التسلسل لَيْسَ مُمْتَنعا وَغير وَاحِد من الْعلمَاء يعدون هَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام من جملَة مَا ند بِهِ عَن الصَّوَاب وينكرونه وَيَقُولُونَ كَيفَ يَقُول بقدم جنس الصِّفَات وَالْأَفْعَال مَعَ حُدُوث آحادها وَهل الْجِنْس شَيْء غير الْأَفْرَاد مُجْتَمعين وَهل يتركب الْكُلِّي إِلَّا من جزئياته فَإِذا كَانَ كل جزئي من جزئياته حَادِثا فَكيف يكون الْكُلِّي قَدِيما وَانْظُر السلفية مرحلة زمنية مباركة للدكتور مُحَمَّد سعيد رَمَضَان البوطي قَالَ الإِمَام الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لَو قَامَت الْحَوَادِث بِهِ سُبْحَانَهُ لم يخل مِنْهَا أَي من الْحَوَادِث وَمَا لم يخل من الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حجر رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح البُخَارِيّ بَاب وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم ذكر قطعتين من آيَتَيْنِ وتلطف فِي ذكر الثَّانِيَة عقب الأولى وَمن توهم من قَوْله فِي الحَدِيث كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله وَكَانَ عَرْشه على المَاء أَن الْعَرْش لم يزل مَعَ الله تَعَالَى وَهَذَا بَاطِل وَكَذَا من زعم من الفلاسفة أَن الْعَرْش هُوَ الْخَالِق الصَّانِع وَرُبمَا تمسك بَعضهم وَهُوَ إِسْحَاق الْهَرَوِيّ بِمَا أخرجه من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنَا هِشَام هُوَ الرَّوْيَانِيّ بالراء الْمُشَدّدَة عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله كَانَ على عَرْشه قبل أَن يخلق شَيْئا فَأول مَا خلق الله الْقَلَم وَهَذِه الْأَدِلَّة مَحْمُولَة على خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهَا فقد أخرج عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} قَالَ هَذَا بَدْء خلقه قبل أَن يخلق السَّمَاء وعرشه ياقوتة حَمْرَاء فَأرْدف المُصَنّف يَعْنِي البُخَارِيّ فِي صَحِيحه يَقُول {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} إِشَارَة إِلَى أَن الْعَرْش

مربوب وكل مربوب مَخْلُوق وَقَالَ فِي شرح حَدِيث أهل الْيمن كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله تقدم فِي بَدْء الْخلق وَلم يكن شَيْء غَيره وَفِي رِوَايَة ابي مُعَاوِيَة كَانَ الله قبل كل شَيْء وَهُوَ بِمَعْنى كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وَهَذَا صَرِيح فِي الرَّد على من أثبت حوادث لَا أول لَهَا من رِوَايَة الْبَاب وَهُوَ من مستشنع الْمسَائِل المنسوبة لِابْنِ تَيْمِية وَقد وقفت فِي كَلَام لَهُ على هَذَا الحَدِيث رجح الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْبَاب على غَيرهَا مَعَ أَن قَضِيَّة الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ تَقْتَضِي حمل هَذِه على الَّتِي فِي بَدْء الْخلق لَا الْعَكْس وَالْجمع يقدم على التَّرْجِيح بالِاتِّفَاقِ ثمَّ قَالَ الطَّيِّبِيّ كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِحَسب حَال مدخولها فَالْمُرَاد بِالْأولِ كَانَ الله الأزلية والقدم وَبِالثَّانِي وَكَانَ عَرْشه على المَاء الْحُدُوث بعد الْعَدَم وَقَالَ أَبُو الْحسن تَقِيّ الدّين عَليّ بن عبد الْكَافِي فِي السَّيْف الصَّقِيل ثمَّ جَاءَ رجل فِي آخر الْمِائَة السَّابِعَة رجل لَهُ فضل ذكاء واطلاع وَلم يجد شَيخا يهديه وَهُوَ على مَذْهَبهم وَهُوَ جسور متجرد لتقرير مذْهبه ويجد أمورا بعيدَة فبجسارته يلتزمها فَقَالَ بِقِيَام الْحَوَادِث بِذَات الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِن سُبْحَانَهُ الله مَا زَالَ فَاعِلا وَإِن التسلسل لَيْسَ بمحال فِيمَا مضى قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري فِي تَعْلِيقه على كَلَام السُّبْكِيّ اتّفقت فرق الْمُسلمين سوى الكرامية وصنوف المجسمة على أَن الله سُبْحَانَهُ منزه من أَن تقوم بِهِ الْحَوَادِث وَأَن تحل بِهِ الْحَوَادِث وَأَن يحل فِي شَيْء من الْحَوَادِث بل ذَلِك مِمَّا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَدَعوى أَن الله تَعَالَى لم يزل فَاعِلا مُتَابعَة مِنْهُ للفلاسفة الْقَائِلين بسلب الِاخْتِيَار عَن الله سُبْحَانَهُ وبصدور الْعَالم مِنْهُ بِالْإِيجَابِ وَنسبَة ذَلِك إِلَى أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا من السّلف كذب صَرِيح وَتقول قَبِيح وَدَعوى أَن تسلسل الْحَوَادِث فِي جَانب الْحَاضِر غير محَال لَا تصدر إِلَّا مِمَّن لَا يعي مَا يَقُول فَمن تصور حوادث لَا أول لَهَا تصور

أَنه مَا من حَادث مُحَقّق إلاوقبله حَادث مُحَقّق وَأَن مَا دخل بِالْفِعْلِ تَحت الْعد والإحصاء غير متناه وَأما من قَالَ بحوادث لَا آخر لَهَا فَهُوَ قَائِل بِأَن حوادث الْمُسْتَقْبل لَا تَنْتَهِي إِلَى حَادث مُحَقّق إِلَّا وَبعده حَادث مُقَدّر فَأَيْنَ دَعْوَى عدم تناهي مَا دخل تَحت الْوُجُود فِي جَانب الْمَاضِي من عدم تناهي مالم يدْخل تَحت الْوُجُود فِي الْمُسْتَقْبل على أَن القَوْل بالقدم النوعي فِي الْعَالم من لَازمه الْبَين عدم تناهي عدد الْأَرْوَاح المكلفة فَأنى يُمكن حشر غير المتناهي من الْأَرْوَاح وأشباحها فِي سطح متناه مَحْدُود وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَيكون الْقَائِل بِعَدَمِ تناهي عدد الْمُكَلّفين قَائِلا بِنَفْي الْحَشْر الجسماني بل بنفى الْحَشْر الروحاني أَيْضا حَيْثُ أَن هَذَا الْقَائِل لَا يعْتَرف بتجرد الرّوح فَيكون أَسْوَأ حَالا من غلاة الفلاسفة النافين للحشر الجسماني. الخ ب - قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالح العثيمين فِي رسَالَته عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونؤمن بِأَن لله تَعَالَى عينين اثْنَتَيْنِ حقيقيتين لقَوْله تَعَالَى {واصنع الْفلك بأعيننا} وَيُؤَيِّدهُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدَّجَّال وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور أهـ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات بَاب مَا جَاءَ فِي إِثْبَات الْعين صفة لَا من حَيْثُ الحدقة قَالَ الله عز وَجل {ولتصنع على عَيْني} وَقَالَ تَعَالَى {فَإنَّك بأعيننا} تبَارك وَتَعَالَى وَقَالَ {واصنع الْفلك بأعيننا} وَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى {تجْرِي بأعيننا} قلت لم ترد صِيغَة تَثْنِيَة الْعين صفة لله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَلَا فِي السّنة الشَّرِيفَة وَقد تقدم لنا أَنه لَا يثبت لله تَعَالَى صفة إِلَّا من خلال آيَة صَرِيحَة أَو حَدِيث صَحِيح أَو إِجْمَاع وأنى ذَلِك وَأما مَا جَاءَ فِي الْإِبَانَة للْإِمَام الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فقد علم أهل الإختصاص أَن الْكتاب قد لعبت بِهِ الْأَيْدِي كثيرا وأضيف إِلَيْهِ وَنقص مِنْهُ مِمَّا يُوجب الرُّجُوع إِلَى كَلَام الْأَشْعَرِيّ فِي كتبه الْأُخْرَى لمعْرِفَة

أَقْوَاله وهاك مثل وَاحِد جَاءَ فِي نُسْخَة الْهِنْد المطبوعة من الْإِبَانَة وَأَن لَهُ عينين بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {تجْرِي بأعيننا} وَجَاء فِي نُسْخَة الجامعة الإسلامية المطبوعة مِنْهُ بتحقيق حَمَّاد الْأنْصَارِيّ وَأَن لَهُ عينا بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {تجْرِي بأعيننا} الْقَمَر 14 وَمَا فِي طبعة الجامعة الإسلامية يُوَافق مَا جَاءَ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات للبيهقي وَهُوَ أشعري من أَئِمَّة الأشاعرة قَالَ الشَّيْخ صَالح وَيُؤَيِّدهُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدَّجَّال وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور قلت الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لَا يخفى عَلَيْكُم إِن الله لَيْسَ بأعور وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عينه وَلِلْحَدِيثِ أَلْفَاظ أُخْرَى فِيهِ قَالَ الإِمَام ابْن حجر فِي شَرحه الحَدِيث آنف الذّكر إِن الْإِشَارَة إِلَى عينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عين الدَّجَّال فَإِنَّهَا كَانَت صَحِيحَة مثل هَذِه ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا النَّقْص وَلم يسْتَطع دفع ذَلِك عَن نَفسه وَقَالَ ابْن بطال احتجت المجسمة بِهَذَا الحَدِيث وَقَالُوا فِي قَوْله وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عينه دلَالَة على أَن عينه كَسَائِر الْأَعْين وَتعقب باستحالة الجسمية عَلَيْهِ لِأَن الْجِسْم حَادث وَهُوَ قديم فَدلَّ على أَن المُرَاد نفي النَّقْص عَنهُ وَقَالَ ابْن الْمُنِير من كَلَام وَقد سُئِلت هَل يجوز لقارىء هَذَا الحَدِيث أَن يصنع كَمَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأفتيت وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَنه إِن حضر عِنْده من يُوَافقهُ على معتقده وَكَانَ يعْتَقد تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن صِفَات الْحُدُوث وَأَرَادَ التأسي مَحْضا جَازَ وَالْأولَى بِهِ التّرْك خشيَة أَن يدْخل على من يرَاهُ شُبْهَة التَّشْبِيه تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَقَالَ ابْن حزم الظَّاهِرِيّ لَا يجوز لأحد أَن يصف الله عز وَجل بِأَن لَهُ عينين لِأَن النَّص لم يَأْتِ بذلك وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْفرج وَعبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ الْحَنْبَلِيّ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى

ولتصنع عَليّ على عَيْني {واصنع الْفلك بأعيننا} أَي بمرأى منا وَإِنَّمَا جمع لِأَن عَادَة الْملك أَن يَقُول أمرنَا ونهينا وَقد ذهب القَاضِي أَبُو يعلى إِلَى أَن الْعين صفة زَائِدَة عَن الذَّات وَقد سبقه أَبُو بكر بن خُزَيْمَة صَاحب كتاب التَّوْحِيد وَفِيه طامات فَقَالَ فِي الْآيَة لربنا عينان ينظر بهما وَقَالَ ابْن حَامِد يجب الْإِيمَان بِأَن لَهُ عينين وَهَذَا ابتداع لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أثبتوا عينين من دَلِيل الْخطاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بأعور وَإِنَّمَا أُرِيد نفي النَّقْص عَنهُ تَعَالَى وَمَتى ثَبت أَنه تَعَالَى لَا يتَجَزَّأ لم يكن لما يتخايل من الصِّفَات وجة قلت وَقَول الشَّيْخ صَالح عينين حقيقيتين قَول مَا جَاءَ بِهِ كتاب وَلَا سنة وَفِيه إِيهَام بالتشبيه والتجسيم تَعَالَى الله جلّ جَلَاله عَن ذَلِك وَلَا يتهم الشَّيْخ صَالح بِلَازِم القَوْل أَنه مشبه قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري من قَالَ لَهُ عينان ينظر بهما فَهُوَ مشبه قَائِل بالجارحة تَعَالَى الله عَن ذَلِك ج - وَقَالَ الشَّيْخ صَالح كَذَلِك ونؤمن بِأَنَّهُ تَعَالَى مَعَ خلقه وَهُوَ فَوق عَرْشه يعلم أَحْوَالهم وَيسمع أَقْوَالهم وَيرى أفعالهم وَيُدبر أُمُورهم ويرزق الْفَقِير وَيجْبر الكسير ويؤتي الْملك من يَشَاء وَينْزع الْملك مِمَّن يَشَاء ويعز من يَشَاء ويذل من يَشَاء بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَمن هَذَا شَأْنه كَانَ مَعَ خلقه حَقِيقَة وَإِن كَانَ فَوْقهم على عَرْشه حَقِيقَة لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا نقُول كَمَا تَقول الحلولية من الْجَهْمِية وَغَيرهم إِن الله مَعَ خلقه فِي الأَرْض أَقُول ورد ذكر الاسْتوَاء فِي الْقُرْآن الْكَرِيم سِتّ مَرَّات بِلَفْظ اسْتَوَى مثل {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الْأَعْرَاف {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه هَكَذَا بِصِيغَة الْمَاضِي وَلم يَجِيء فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَلَا فِي السّنة الشَّرِيفَة تصريف الْفِعْل الْمَاضِي إِلَى مضارع أَو اسْم فَمَا جَاءَ يَسْتَوِي على الْعَرْش أَو مستو على الْعَرْش وَفرق كَبِير

بَين الْفِعْل والإسم فَالْحق أَن لَا ينْسب إِلَى الله تَعَالَى إِلَّا مَا نسبه إِلَى نَفسه أَو نسبه إِلَيْهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا صَحَّ نَقله عَنهُ أَو أَجمعت عَلَيْهِ الْأمة قَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْوَصِيَّة نقر بِأَن الله تَعَالَى على الْعَرْش اسْتَوَى من غير أَن يكون لَهُ حَاجَة واستقرار عَلَيْهِ وَهُوَ حَافظ الْعَرْش وَغير الْعَرْش من غير احْتِيَاج وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَأَما الاسْتوَاء فالمتقدمون من أَصْحَابنَا رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا لَا يفسرونه وَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ كنحو مَذْهَبهم فِي أَمْثَال ذَلِك أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْجَوْهَرِي بِبَغْدَاد ثَنَا إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم ثَنَا مُحَمَّد بن كثير المصِّيصِي قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول كُنَّا والتابعون متوافرون نقُول إِن الله تَعَالَى ذكره فَوق عَرْشه ونؤمن بِمَا وَردت السّنة بِهِ من صِفَاته جلّ وَعلا ... ثمَّ قَالَ بعد كَلَام وَذهب أَبُو الْحسن إِسْمَاعِيل الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ فعل فِي الْعَرْش فعلا سَمَّاهُ اسْتِوَاء كَمَا فعل فِي غَيره فعلا سَمَّاهُ رزقا ونعمة أَو غَيرهَا من أَفعاله ثمَّ لم يكيف الاسْتوَاء إِلَّا أَنه جعله من صِفَات الْفِعْل لقَوْله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَثمّ للتراخى إِنَّمَا يكون فِي الْأَفْعَال وأفعال الله تَعَالَى تُوجد بِلَا مُبَاشرَة مِنْهُ إِيَّاهَا وَلَا حَرَكَة وَقَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر إِلَّا هُوَ مَعَهم أَيْنَمَا كَانُوا ثمَّ ينبئهم بِمَا عمِلُوا يَوْم الْقِيَامَة إِن الله بِكُل شَيْء عليم المجادلة 7 وَلِهَذَا حكى غير وَاحِد الْإِجْمَاع على أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة معية علمه تَعَالَى وَلَا شكّ فِي إِرَادَة ذَلِك وَلَكِن سَمعه أَيْضا مَعَ علمه مُحِيط بهم وبصره نَافِذ فيهم فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مطلع على خلقه لَا يغيب عَنهُ من أُمُورهم شَيْء وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى من سُورَة الْحَدِيد يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا

يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم) أَي بقدرته وسلطانه {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} يبصر أَعمالكُم ويراها وَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا وَقد دجمع فِي هَذِه الْآيَة بَين {اسْتَوَى على الْعَرْش} وَبَين {وَهُوَ مَعكُمْ} وَالْأَخْذ بالظاهرين تنَاقض فَدلَّ على أَنه لَا بُد من التَّأْوِيل والإعراض عَن التَّأْوِيل اعْتِرَاف بالتناقض وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء لم يكن بأقرب إِلَى الله عز وَجل من يُونُس بن مَتى حِين كَانَ فِي بطن الْحُوت وَقَالَ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان السّنة والجماعه وَمن لم يتوق النَّفْي والتشبيه زل وَلم يصب التَّنْزِيه فَإِن رَبنَا جلّ وَعلا مَوْصُوف بِصِفَات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية لَيْسَ بِمَعْنَاهُ أحد من الْبَريَّة تَعَالَى الله عَن الْحُدُود والغايات والأركان والأدوات لَا تحويه الْجِهَات السِّت كَسَائِر المبتدعات أَقُول كَيفَ يجوز مَا قَالَ الشَّيْخ صَالح إِن الله مَعَ خلقه حَقِيقَة وَإِن كَانَ فَوْقهم على عَرْشه حَقِيقَة فَإِنَّهُ لَا يُقَال فِيمَن كَانَ مَعَ غَيره بِالْعلمِ والإحاطة والإنعام إِنَّه مَعَه حَقِيقَة وَقد تقدم نقل ابْن كثير أَن المُرَاد معية علمه تَعَالَى لقد كَانَ حَقًا على الشَّيْخ أَن يُورد النُّصُوص ويمرها كَمَا جَاءَت مَعَ التَّنْزِيه على مَا هُوَ قَول السّلف الصَّالح أَو يؤولها إِذا رأى حَاجَة إِلَى ذَلِك على مَا هُوَ قَول الْخلف أما هَذَا الَّذِي قَالَه من اعْتِبَار معية الْعلم معية حَقِيقِيَّة فشيء لم يسْبق إِلَيْهِ بِنَصّ وَالله أعلم وكما قلت فِي التَّعْلِيق على قَوْله عينين حقيقيتين أَقُول هُنَا لم يرد نَص فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَلَا السّنة الشَّرِيفَة على هَذِه الْكَلِمَة حَقِيقَة فَكيف زَادهَا وَالصِّفَات لَا يتَجَاوَز فِيهَا عَن الْوَارِد وَقَول رجل كَانَ فِي الْقرن السَّابِع فِي الْأَجْوِبَة المصرية لَهُ إِن الله يقبض السَّمَوَات وَالْأَرْض باليدين اللَّتَيْنِ هما اليدان لَيْسَ حجَّة لِأَن الْحجَّة للنَّص وَلَا نَص

وَقَالَ الشَّيْخ صَالح كَذَلِك ونؤمن بِأَن لله تَعَالَى يدين كريمتين عظيمتين قَالَ تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الخ ص 12 قلت وَإِن الله تَعَالَى قد قَالَ أَيْضا أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهُم مالكون يس 71 لَكِن لم يرد فِي كتاب وَلَا سنة وصف الْيَدَيْنِ بعظيمتين فَمن أَيْن للشَّيْخ أَن يضيف هَذِه الصّفة الموهمة للتشبيه ثمَّ كَيفَ لم يسْتَدرك هَذِه الْمسَائِل من قدم للْكتاب إِلَّا أَن يكون فعل ذَلِك ثِقَة بالمؤلف وَلم يقْرَأ مَا كتب وَكم وَقع من مقدمي الْكتب ورطات بِهَذَا السَّبَب وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَجَاء فِي نقد تَفْسِير مهمش على كتاب الله تَعَالَى مَا يثير الدهش أَقُول جَاءَ فِي كَلَام من نقد ذَلِك التَّفْسِير واعتبره مِمَّا يسْتَوْجب مَنعه وَعدم تداوله دينيا عِنْد قَول الْمُفَسّر لقَوْله تَعَالَى {فَإِنِّي قريب} علما وإجبة ص 26 قَالَ النَّاقِد يَنْفِي الْمَكَان عَن الله يَعْنِي النَّاقِد أَن لله تَعَالَى مَكَانا ... وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد تقدم مَعنا قبل أَنه لم يرد فِي الْقُرْآن وَالسّنة زِيَادَة كلمة بِذَاتِهِ عِنْد ذكر الاسْتوَاء على الْعَرْش فَيُقَال {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَلَا يُقَال بِذَاتِهِ لما فِيهِ من إِيهَام التَّشْبِيه والتجسيم تَعَالَى الله جلّ جَلَاله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا كَمَا لَا يُقَال بَائِن عَن خلقه كَمَا تقدم أما الْجُزْء الَّذِي أوردهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ كُنَّا والتابعون متوافرون نقُول إِن الله تَعَالَى ذكره فَوق عَرْشه ... الخ فَلَا تصح نسبته إِلَى الإِمَام الْأَوْزَاعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك لِأَن فِي الْخَبَر مُحَمَّد بن كثير المصِّيصِي قَالَ فِيهِ ابْن حجر فِي التَّقْرِيب صَدُوق كثير الْغَلَط وَضَعفه أَحْمد وَقَالَ البُخَارِيّ لين جدا وَقَالَ أَبُو دَاوُد لم يكن يفهم الحَدِيث وَقَالَ ابْن عدي لَهُ أَحَادِيث لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا أحد وَلَو صَحَّ الْخَبَر بطرِيق أُخْرَى عَن الإِمَام الْأَوْزَاعِيّ فالرجل من أَتبَاع التَّابِعين وَلم ينْسب القَوْل بذلك إِلَى أحد من التَّابِعين فضلا عَن رجل من الصَّحَابَة رضوَان الله

عَلَيْهِم فضلا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما قَول التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث لهبط على الله وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ وَفسّر بعض أهل الْعلم هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا إِنَّمَا هَبَط على علم الله وَقدرته وسلطانه وَقدرته وسلطانه فِي كل مَكَان وَهُوَ على الْعَرْش كَمَا وصف فِي كِتَابه فقد تعقبه ابْن الْعَرَبِيّ فِي شَرحه التِّرْمِذِيّ فَقَالَ إِن علم الله لَا يحل فِي مَكَان وَلَا ينتسب إِلَى جِهَة كَمَا أَنه سُبْحَانَهُ كَذَلِك وَلكنه يعلم كل شَيْء فِي كل مَوضِع وعَلى كل حَال فَمَا كَانَ فَهُوَ بِعلم الله لَا يشذ عَنهُ شَيْء وَلَا يعزب عَن علمه مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم وَالْمَقْصُود من الْخَبَر أَن نِسْبَة الْبَارِي من الْجِهَات إِلَى فَوق كنسبته إِلَى تَحت إِذْ لَا ينْسب إِلَى الْكَوْن فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا بِذَاتِهِ وَمَا يرويهِ سُرَيج بن النُّعْمَان عَن عبد الله بن نَافِع عَن مَالك أَنه كَانَ يَقُول الله فِي السَّمَاء وَعلمه فِي كل مَكَان لَا يثبت قَالَ الإِمَام أَحْمد عبد الله بن نَافِع الصايغ لم يكن صَاحب حَدِيث وَكَانَ ضَعِيفا فِيهِ قَالَ ابْن عدي يروي غرائب عَن مَالك وَقَالَ ابْن فَرِحُونَ كَانَ أَصمّ أُمِّيا لَا يكْتب وبمثل هَذَا السَّنَد لَا ينْسب إِلَى مثل مَالك مثل هَذَا وَقد تَوَاتر عَنهُ عدم الْخَوْض فِي الصِّفَات وَفِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عمل كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْمَدِينَة على مَا فِي شرح السّنة للألكائي وَغَيره

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَرْجَمَة مؤلف إِيضَاح الدَّلِيل فِي قطع حجج أهل التعطيل قَاضِي الْمُسلمين الْفَقِيه الْمُحدث الْخَطِيب المفوه العابد الزَّاهِد والتقي الْوَرع أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن جمَاعَة شهر بَين أهل الْعلم قَدِيما وحديثا باسم بدر الدّين بن جمَاعَة ولد بِمَدِينَة أبي الْفِدَاء حماه فِي ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة كَذَا قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر الكامنة وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ طلبه الْعلم لقد بكر رَحمَه الله تَعَالَى فِي طلب الْعلم فقد سمع وَهُوَ فِي الْحَادِيَة عشر من عمره الحَدِيث الشريف على يَد أَبِيه الَّذِي كَانَ من عُلَمَاء الحَدِيث وَكَانَ مشهودا لَهُ الْوَرع وَالصَّلَاح وَقد غرس الْوَالِد فِي وَلَده بِفضل الله تَعَالَى حب الشَّرِيعَة والتفقه فِيهَا والزهد فِي الدُّنْيَا ومتاعها فشب على ذَلِك وشاب حَتَّى قضى وَسمع الحَدِيث من شيخ الشُّيُوخ بحماه زين الدّين أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عبد الْقوي بن عزون وَغَيرهمَا ثمَّ انْتقل إِلَى دمشق حَيْثُ درس الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو والمعاني على شيخ الْعَرَبيَّة فِيهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ الحَدِيث عَن أَصْحَاب البوصيري فِيهَا وَأخذ أَكثر علومه هُنَاكَ عَن القَاضِي تَقِيّ الدّين بن رزين قِيَامه بالتدريس وَبعد أَن أتقن التَّحْصِيل العلمي ونال مِنْهُ مَا قسم الله لَهُ قَامَ بالتدريس الَّذِي هُوَ وَظِيفَة أَنْبيَاء الله تَعَالَى وَرُسُله وَقد نبغ فِي التدريس مَعَ الصدْق وَحسن الْخلق فَتعلق بِهِ طلابه قَالَ ابْن حجر فَصَارَ المربي المحبوب من تلامذته لحسن تَرْبِيَته لَهُم من غير عنف وَلَا تخجيل وَتخرج عَلَيْهِ فِي الحَدِيث خَاصَّة جمَاعَة أَصْبحُوا بعد من كبار الْعلمَاء كَالْإِمَامِ الذَّهَبِيّ وَالْإِمَام ابْن جَابر الْوَادي آشي وَالْإِمَام عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ والحافظ ابْن كثير والحافظ ابْن الْقيم وَغَيرهم ولَايَته الْقَضَاء تولى قَضَاء الْقُدس فرج الله كربته ورد بِالْمُسْلِمين غربته سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَجمع لَهُ الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وإمامته وَكَانَ رَحمَه الله يخْطب

من إنشائه وَيُؤَدِّي الْخطْبَة بفصاحة ويقرا فِي الْمِحْرَاب طيبا اجْتمع لَهُ من الوجاهة وَطول الْعُمر ودوام الْعِزّ مَا لم يتَّفق لغيره ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة فِي الديار المصرية وَلما وصل مصر أفطر عِنْد الْوَزير وَبَالغ فِي خدمته وَسَار فِي موكبة يَوْم الْخَمِيس السَّابِع عشر إِلَى القلعة وَدخل بَين القصرين وَأعْطِي خطابه الْأَزْهَر وَولي بعد ذَلِك قَضَاء دمشق وخطابة الْمَسْجِد الْأمَوِي وَبَقِي فِيهَا سِنِين وَلما كَبرت سنة وَضعف بدنه وَثقل سَمعه استقال من الْقَضَاء سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَقبلت استقالته فَانْقَطع بمنزله يسمع الْعلم عَلَيْهِ ويتبرك بِهِ إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الْعشْرين من جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَله أَربع وَتسْعُونَ سنة وَشهر وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بالقرافة قَرِيبا من الإِمَام الشَّافِعِي رحمهمَا الله تَعَالَى ثَنَاء الْعلمَاء عَلَيْهِ قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه قَاضِي قُضَاة الْإِسْلَام الْخَطِيب الْمُفَسّر لَهُ تعاليق فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالْأُصُول وَغير ذَلِك وَله مُشَاركَة حَسَنَة فِي عُلُوم الْإِسْلَام مَعَ دين وَتعبد وتصوف وأوصاف جميلَة وَأَحْكَام محمودة إِلَخ وَقَالَ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات حَاكم الإقليمين مصر وشاما وناظم عقد الفخار الَّذِي لَا يسامى متحل بالعفاف إِلَّا من مِقْدَار الكفاف مُحدث فَقِيه ذُو عقل لَا تقوم أساطين الْحُكَمَاء بِمَا جمع فِيهِ وَقَالَ ابْن جَابر وَمَا علم عَلَيْهِ فِي جَمِيع ولَايَته إِلَّا خيرا مَعَ أَنَّهَا نَحْو الْخمسين عَاما حليته قَالَ الذَّهَبِيّ من كَلَام وافر الْعقل حسن الْهَدْي متين الدّيانَة ذَا تعبد وأوراد مليح الْهَيْئَة أَبيض مستدير اللِّحْيَة نقي الشيبة جميل البزة رَقِيق الصَّوْت سَاكِنا وقورا وَحج مرَارًا رَحمَه الله تَعَالَى وجزاه عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خيرا كثيرا كثيرا

مصنفاته

مصنفاته صنف رَحمَه الله تَعَالَى كتبا عديدة فِي فنون عدَّة فِي التَّفْسِير وعلوم الحَدِيث وَالْفِقْه والتاريخ وَغَيرهَا من الْفُنُون تشهد لَهُ بمكانته العلمية بَين عُلَمَاء الْمُسلمين فَكتب فِي التَّفْسِير الْفَوَائِد اللائحة من سُورَة الْفَاتِحَة كشف الْمعَانِي عَن متشابه المثاني غرر الْبَيَان لمبهمات الْقُرْآن وَغَيرهَا وَكتب فِي عُلُوم الحَدِيث المنهل الوردى فِي مُخْتَصر عُلُوم الحَدِيث النَّبَوِيّ والفوائد الغزيرة فِي أَحَادِيث بَرِيرَة ومناسبات تراجم البُخَارِيّ وَقد طبع فِي الْهِنْد حَدِيثا بتعليق مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَكتب فِي علم التَّوْحِيد كتَابنَا هَذَا قَالَ إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ فِي هَدْيه العارفين وَله التِّبْيَان فِي مبهمات الْقُرْآن التَّنْزِيه فِي إبِْطَال حجج التَّشْبِيه وَالرَّدّ على المشبهة فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَغَيرهَا وَكتب فِي الْفِقْه مُسْتَند الأجناد فِي آلَات الْجِهَاد كشف الْغُمَّة فِي أَحْكَام أهل الذِّمَّة وَكتب فِي الْآدَاب والأخلاق تذكرة السَّامع والمتكلم فِي آدَاب الْعَالم والمتعلم أنس المذكرة فِيمَا يستحسن فِي المذاكرة وَغَيرهَا وَجل مَا نقلته عَن مصنفات ابْن جمَاعَة رَحمَه الله تَعَالَى هُنَا استفدته من مُقَدّمَة تَحْرِير الْأَحْكَام فِي تَدْبِير أهل الْإِسْلَام للْمُصَنف رَحمَه الله تَعَالَى

مقدمة الكتاب

مُقَدّمَة الْكتاب للْمُصَنف

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة قَاضِي الْمُسلمين بدر الدّين بن جمَاعَة الْحَمد لله الَّذِي حجب الْعُقُول عَن إِدْرَاك ذَاته وَدلّ على وجوده بمصنوعاته وأفعاله وَصِفَاته وَجل عَن شبه التعطيل وشوائب التَّشْبِيه وَتَعَالَى عَن النظير والمثيل والشبيه لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} وَأفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام على نبيه مُحَمَّد أشرف الْأَنَام وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَام وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان على الدَّوَام أما بعد فَإِن الذب عَن الدّين لمن تمكن مِنْهُ فرض وَاجِب وَالرَّدّ على أهل الْبدع أَمر لازب مَعَ أَنه لَا يقدر على الْحمل على الإعتقاد إِلَّا الرب الَّذِي بِيَدِهِ تصاريف قُلُوب الْعباد وَغَايَة المنتصب لإِقَامَة الدَّلِيل بَيَان إبِْطَال حجج أهل التَّشْبِيه والتعطيل {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} وَلما شاع فِي الْخَاصَّة مَذْهَب الْمُعْتَزلَة الْمُؤَدِّي إِلَى التعطيل وَفِي الْعَامَّة مَذْهَب التَّشْبِيه الْمُؤَدِّي إِلَى التجسيم والحلول انتصب أهل الْعلم من أهل الْحق للرَّدّ على المذهبين وَبَيَان الْحق الْمُبين المباين للقولين فَأَما مَذْهَب الاعتزال فقد مُحي فِي بِلَادنَا رسمه وَلم يبْق فِيهَا إِلَّا ذكره وَأما مَذْهَب التَّشْبِيه فَإِن جماعات من الأعوام الْعَامَّة المجانيين للْعُلَمَاء الْأَعْلَام

أَحْسنُوا الظَّن فِي بعض من ينْسب ذَلِك إِلَيْهِم فاعتمدوا فِي تَقْلِيد دينهم عَلَيْهِم إِذا كَانَ هَذَا الْمَذْهَب أقرب إِلَى ذهن الْعَاميّ وفهمه {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ} وَقد ذكرت فِي هَذَا الْمُخْتَصر مَعَاني مَا تمسكوا بِهِ من الْآيَات الْكَرِيمَة وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة والحسنة والسقيمة وَمَا يجب رد مَعَانِيهَا إِلَيْهِ وَيتَعَيَّن حملهَا عَلَيْهِ مِمَّا يَلِيق بِجلَال عَظمته وَكَمَال صِفَاته وقديم عزته على مَا تَقْتَضِيه لُغَة الْعَرَب الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَمَفْهُوم ذَلِك بَين عِنْد أهل اللِّسَان قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} فَأرْسل سيدنَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيد الْمُرْسلين بِلِسَان قومه الْعَرَبِيّ الْمُبين وَنزل بِهِ الْقُرْآن ونيط بِهِ عُقُود الْإِيمَان وَبِه وَردت أَدِلَّة الْأَحْكَام وَبَيَان الْحَلَال وَالْحرَام وخوطبوا على مَا يعرفونه من لغاتهم ويفهمونه من مخاطباتهم من حقائقها ومجازاتها ومفصلاتها ومضمراتها وإشاراتها واستعاراتها وكناياتها ونصوصها وظواهرها وعمومها وخصوصها ومطلقها ومقيدها فَلم يحتاجوا عِنْد نزُول الْكتاب إِلَيْهِم وورود السّنة عَلَيْهِم إِلَى سُؤال عَن مَدْلُول الْأَلْفَاظ لمعرفتهم بمعناها وَلَا بحث عَن محلهَا لفهم مقتضاها وَلذَلِك لما نزل {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} لم يشكوا أَنه الْجِمَاع {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط} لم يشكوا أَنه الْبُخْل والجود {وأنزلنا الْحَدِيد} لم يشكوا أَن معنى الْإِنْزَال فِيهِ الْخلق وَكَذَا أنزل لكم

من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج) فَكَذَلِك لم يشكوا أَن مَالا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى لم يرد فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَوَى على الْعَرْش} وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم وَنَحْوه من الْآيَات وَمن السّنة ينزل رَبنَا كل يَوْم إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض الْقلب بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن فَإِن الله قبل وَجهه كل ذَلِك وَنَحْوه لم يشكوا أَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الرب تبَارك وَتَعَالَى غير مُرَاد وَأَن المُرَاد بذلك الْمعَانِي اللائقة بجلاله تَعَالَى من مجازات الْأَلْفَاظ وتأويلها لما فَهموا مِنْهُ لم يسْأَلُوا عَنهُ وَلَو لم يفهموا مِنْهُ مَا يَلِيق بِجلَال الرب تَعَالَى لسألوا عَنهُ وَبَحَثُوا وَكَيف لَا وَقد سَأَلُوا عَن الْمَحِيض وأموال الْيَتَامَى والأهلة والإنفاق وَلبس الْإِيمَان بالظلم وَصَلَاة الْمُصَلِّين إِلَى بَيت الْمُقَدّس من المتوفين قبل تَحْويل الْقبْلَة فَكيف يتركون السُّؤَال عَن صِفَات الرب الْعلية عِنْد عدم فهم مَا ورد فِيهَا مَعَ أَن معرفَة الله تَعَالَى أصل الْإِيمَان ومنبع الْعرْفَان وَلَكِن لما انْتَشَر الْإِسْلَام فِي الأَرْض وَدخل فِيهِ من لَا يعرف تصاريف لِسَان الْعَرَب من الْأَعَاجِم والأنباط والتبس عَلَيْهِم اللِّسَان الْعَرَبِيّ بالعرفي لعدم علمهمْ بتصاريفه من حَقِيقَة ومجاز وكناية واستعارة وَحذف وإضمار وَغير ذَلِك وَقع من وَقع فِي التجسيم وَطَائِفَة فِي التعطيل وَتَفَرَّقَتْ الآراء فِي الْكَلَام على الذَّات وَالصِّفَات كَمَا أخبر الصَّادِق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فرق الْأمة الكائنة بعده

فَاحْتَاجَ أهل الْحق إِلَى الرَّد على مَا ابتدعوه وَإِقَامَة الْحجَج على مَا تقولوه وانقسموا إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا أهل التَّأْوِيل وهم الَّذين تجردوا للرَّدّ على المبتدعة من المجسمة والمعطلة وَنَحْوهم من الْمُعْتَزلَة والمشبهة والخوارج لما أظهر كل مِنْهُم بدعته ودعا إِلَيْهَا فَقَامَ أهل الْحق بنصرته وَدفع عَنهُ الدَّافِع بِإِبْطَال بدعته وردوا تِلْكَ الْآيَات المحتملة وَالْأَحَادِيث إِلَى مَا يَلِيق بِجلَال الله من الْمعَانِي بِلِسَان الْعَرَب وأدلة الْعقل وَالنَّقْل ليحق الله الْحق بكلماته وَيبْطل الْبَاطِل بحججه ودلالاته وَالْقسم الثَّانِي الْقَائِلُونَ بالْقَوْل الْمَعْرُوف بقول السّلف وَهُوَ الْقطع بِأَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى غير مُرَاد وَالسُّكُوت عَن تعْيين المُرَاد من الْمعَانِي اللائقة بِجلَال الله تَعَالَى إِذا كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لمعاني تلِيق بِجلَال الله تَعَالَى فالصنفان قاطعان بِأَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى من صِفَات الْمُحدثين غير مُرَاد وكل مِنْهُمَا على الْحق وَقد رجح قوم من الأكابر الْأَعْلَام قَول السّلف لِأَنَّهُ أسلم وَقوم مِنْهُم قَول أهل

التَّأْوِيل للْحَاجة إِلَيْهِ وَالله أعلم وَمن انتحل قَول السّلف وَقَالَ بتشبيه أَو تكييف أَو حمل اللَّفْظ على ظَاهره مِمَّا يتعالى الله عَنهُ من صِفَات الْمُحدثين فَهُوَ كَاذِب فِي انتحاله بَرِيء من قَول السّلف واعتداله وَإِذا ثَبت أَن الله تَعَالَى خاطبنا بلغَة الْعَرَب وَأَن مَا لَا يَلِيق بجلاله غير مُرَاد فَنَقُول إِن اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمُتَعَلّق بِالذَّاتِ المقدسة أَو الصِّفَات الْعلية إِمَّا أَن يحْتَمل مَعَاني عدَّة أَو لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا فَإِن لم يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا يَلِيق بجلاله تَعَالَى

كَالْعلمِ تعين حمله عَلَيْهِ وَإِن احْتمل مَعَاني تلِيق بجلاله تَعَالَى فَهَذَا مَحل الْكَلَام بَين قَول السّلف والتأويل كَمَا تقدم وَقد رَجَعَ قوم التَّأْوِيل لوجوه الأول: أَنا إِذا ركعنا الْأَلْسِنَة عَن الْخَوْض فِيهِ وَلم نتبين مَعْنَاهُ فَكيف بكف الْقُلُوب عَن عرُوض الوساوس وَالشَّكّ وَسبق الْوَهم إِلَى مَالا يَلِيق بِهِ تَعَالَى الثَّانِي أَن انبلاج الصُّدُور بِظُهُور الْمَعْنى وَالْعلم بِهِ أولى من تَركه بصدد عرُوض الوساوس وَالشَّكّ وَمن ذَا الَّذِي يملك الْقلب مَعَ كَثْرَة تقلبه الثَّالِث أَن الِاشْتِغَال بِالنّظرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الصَّوَاب وَالْعلم أولى من الْوُقُوف مَعَ الْجَهْل مَعَ الْقُدْرَة على نَفْيه الرَّابِع أَن السُّكُوت عَن الْجَواب إِن اكْتفي بِهِ فِي حق الْمُؤمن الْمُسلم الْمُوفق والعامي فَلَا يَكْتَفِي بِهِ فِي جَوَاب المنازع من مُبْتَدع أَو كَافِر أَو مصمم على التَّشْبِيه والتجسيم الْخَامِس أَن السُّكُوت مُنَاقض لقَوْله تَعَالَى {هَذَا بَيَان للنَّاس} وَقد جَاءَكُم

برهَان من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور) و {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} وليدبروا آيَاته وليتذكر أولو الْأَلْبَاب و {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين} و {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم وَلذَلِك لَا تكَاد تَجِد آيَة من الْآيَات الْمُشْتَملَة على مَا يتَوَهَّم مِنْهُ صفة المخلوقين إِلَّا مقرونة بِمَا يشْعر بالتنزيه أَو تَفْسِير المُرَاد بِهِ إِمَّا مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا كَقَوْلِه تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَكَقَوْلِه تَعَالَى {مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} و {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش مَا لكم من دونه من ولي} و {بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء} و {يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث} وَنَحْو ذَلِك من الْآيَات الْكَرِيمَة وَلَو خَاطب الله تَعَالَى الْخلق فِيمَا يتَعَلَّق بِذَاتِهِ المقدسة وَصِفَاته الْكَرِيمَة بِمَا لَا يفهم لَهُ معنى لَكَانَ منافيا لقَوْله تَعَالَى {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} {هَذَا بَيَان للنَّاس وَهدى} {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} {تِلْكَ آيَات الْكتاب وَقُرْآن مُبين} وَبِهَذَا يرد قَول من قَالَ إِن الْوَجْه عبارَة عَن صفة لَا نَدْرِي مَا هِيَ وَكَذَلِكَ الْيَد والضحك وَالْحيَاء وَغير ذَلِك من الصِّفَات وَكَذَلِكَ قَول من يَقُول وَجه لَا كوجهنا وَيَد لَا كيدنا ونزول لَا كنزولنا وَشبه ذَلِك فَيُقَال لَهُم هَذِه الْمعَانِي الْمُسَمَّاة إِن لم تكن مَعْلُومَة وَلَا معقولة لِلْخلقِ وَلَا لَهَا مَوضِع فِي اللُّغَة اسْتَحَالَ خطاب الله الْخلق بهَا لِأَنَّهُ يكون خطابا بِلَفْظ مهمل لَا معنى

لَهُ وَفِي ذَلِك مَا يتعالى الله عَنهُ أَو كخطاب عَرَبِيّ بِلَفْظ تركي لَا يعقل مَعْنَاهُ بل هَذَا أبعد مِنْهُ لِأَن سامع اللَّفْظ التركي يُمكن مراجعتهم فِي مَعْنَاهُ عِنْدهم وَهَذَا على قَول هَؤُلَاءِ لَا يُمكن أَن يعلم مَعْنَاهُ إِلَّا الله فَيكون خطابا بِمَا يحير السَّامع وَلَا يفِيدهُ شَيْئا وَيلْزم مِنْهُ مَالا يخفى على الْعُقَلَاء مَا يتقدس خطاب الله عَنهُ فَإِذا حملناه على معنى صَحِيح يَلِيق بجلاله لُغَة وعقلا ونقلا انْشَرَحَ الصَّدْر وَاسْتقر على علم وَسلم من عرُوض الوساوس والشكوك كَمَا تقدم وَلذَلِك نقُول لَو أَنه تَعَالَى لَو لم يخلق لنا سمعنَا وبصرا وعلما وقدرة لما فهمنا خطابه لقَوْله تَعَالَى سميع بَصِير عليم قدير فخاطبنا بِمَا نفهم مَعْنَاهُ من إِدْرَاك المسموعات والمبصرات والمعلومات وَنَحْو ذَلِك مَعَ قيام الدَّلِيل على تنزيهه من التَّشْبِيه بالمخلوقين فقد بَان بِمَا ذكرنَا أَن حَقِيقَة مَذْهَب السّلف السُّكُوت عَن تعْيين المُرَاد من الْمعَانِي اللائقة بجلاله من ذَلِك اللَّفْظ الْمُحْتَمل لِأَن المُرَاد معَان لَا تفهم وَلَا تعقل وَلَا وضع لَهُ لفظ يدل عَلَيْهِ لُغَة بل عبر عَنهُ بِلَفْظ يُوهم غَيره أَو لَا يفهم لَهُ معنى وكل ذَلِك أَمْثَال لما ذَكرْنَاهُ من أَن الْقُرْآن وَالسّنة بَيَان وَهدى فَمن اعْتقد مَذْهَب السّلف الْمَذْكُور أَو مَذْهَب التَّأْوِيل الْحق فَهُوَ على هدى وَمن اعْتقد ظَاهرا لَا يَلِيق بجلاله تَعَالَى أَو مَا لَا يفهم مَعْنَاهُ أصلا فمبتدع فَإِن قيل فَمَا تَقول فِي الْحُرُوف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور قلت الْجَواب عَنهُ من أوجه

الأول أَنَّهَا مَحْمُولَة على مَا قَالَه ابْن عَبَّاس حبر الْأمة وترجمان الْقُرْآن وَهُوَ إِن كل حرف دَال على كلمة فَمَعْنَى {الم} أَنا الله أعلم وَأفضل وَذَلِكَ مَعْرُوف من لُغَة الْعَرَب قَالَ (قلت لَهَا قضي فَقَالَت قَاف ... لَا تحسبي أَنا نَسِينَا الألطاف) وَقَالَ آخر (نادوهم إِلَّا ألجموا أَلا تا ... قَالُوا جَمِيعًا كلهم ألافا) فَمَعْنَى الأول أَلا تَرْكَبُونَ وَالثَّانِي فاركبوا وَقَالَ آخر (بِالْخَيرِ خير وَإِن شرا فا ... وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَن تا) معنى الأول فَمثله وَالثَّانِي يُريدهُ الثَّانِي بَيَان أَن الْقُرْآن كَلِمَاته من حُرُوف كلماتهم فليأتوا بِمثلِهِ إِن منعُوا الإعجاز فِيهِ وَأتوا بِنصْف الْحُرُوف الَّتِي مِنْهَا يتركب أَكثر الْكَلَام تَنْبِيها على الْبَاقِي وَالْمرَاد الْجَمِيع قَالَ الشَّاعِر (لما رَأَيْت أَنَّهَا فِي حطى ... أخذت مِنْهَا بقرون شمط)

أَرَادَ فِي أبجد هوز حطي إِلَى آخرهَا الثَّالِث أَنَّهَا أَسمَاء السُّور كَمَا جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي ذَلِك أَنَّهَا أَعْلَام عَلَيْهَا الرَّابِع أَنَّهَا أَقسَام أقسم الله بهَا لشرفها بتركيب كَلِمَات كِتَابه مِنْهَا وَلذَلِك ذكر نصفهَا الَّذِي هُوَ أغلب فِي الْكَلَام الْخَامِس أَنَّهَا أَمَارَات لأهل الْكتاب على نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ينزل عَلَيْهِ كتابا فِيهِ حُرُوف مُفْردَة السَّادِس أَنَّهَا نزلت كَذَلِك لتستغرب فَيكون أدعى إِلَى سماعهم لِلْقُرْآنِ السَّابِع عَن أبي الْعَالِيَة أَن المُرَاد بهَا حِسَاب الْجمل ليدله على مغيبات تكون وكل ذَلِك مُحْتَمل للغة وَالله أعلم وَاعْلَم أَن فرق الْمُسلمين وَإِن تباينوا فِي الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بِالذَّاتِ وَالصِّفَات متفقون على تَأْوِيل بعض الْآيَات وَالْأَخْبَار فَمن الْآيَات {بل يَدَاهُ مبسوطتان} {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك} لم يقل أحد إِن المُرَاد بهَا الْجَوَارِح {وَنحن أقرب إِلَيْهِ} {واسجد واقترب} {فَإِنِّي قريب} لم يقل إِن المُرَاد قرب الْمسَافَة وَمِنْهَا {وَهُوَ مَعكُمْ} {إِنَّنِي مَعَكُمَا} . لم

يقل أحد إِن الْمَعِيَّة هَهُنَا المقاربة بِالذَّاتِ وَنَحْو ذَلِك من الْآيَات الْمُتَّفق على تَأْوِيلهَا فَأَما الَّذِي يجوز التَّأْوِيل فِي بعض دون بعض هَل هُوَ إِلَّا تحكم وَتجوز لذَلِك هَكَذَا وَمن الْأَخْبَار قلب الْمُؤمن بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن رَوَاهُ مُسلم فَإِن كل عَاقل يعلم أَنه لَيْسَ لله تَعَالَى فِي كل صدر مُؤمن أصبعان وَأَن ذَلِك مؤول قطعا بِمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهَا كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَإِن تقرب مني شبْرًا تقربت مِنْهُ ذِرَاعا وَإِن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة وَكَذَلِكَ قَوْله مَرضت فَلم تعدني واستطعمتك فَلم تطعمني واستكسوتك فَلم تكسني أَنا جلس من ذَكرنِي الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي كل ذَلِك لَا يشك عَاقل لَا يرتاب أَن ظَاهر ذَلِك غير مُرَاد وَمن خالجه عقله بِخِلَاف مَا قُلْنَاهُ فَغير مُسْتَحقّ لخطاب أورد جَوَاب وَكَذَلِكَ الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي أرضه وَكَذَلِكَ دَعْوَى قدم الْقُرْآن مَعَ كَونه حرفا وصوتا فَإِن الْقدَم والحرف وَالصَّوْت لَا يَجْتَمِعَانِ لما علم من حد الْقَدِيم والحادث وَكَيف يعقل اجْتِمَاع الصَّوْت بِالْبَاء وَالسِّين وَالْمِيم فضلا عَمَّا زَاد على ذَلِك فِي آن وَاحِد وَمن لَا يقفون يقف الْعقل الَّذِي جعله الله تَعَالَى دَلِيلا عَلَيْهِ وعَلى صِفَاته

كَيفَ يقفوا يقف وَيقدم عَلَيْهِ ضَعِيف الحَدِيث الْمَنْقُول وموضوعاته لم يسْتَحق كلَاما بل جَوَابه سَلاما وَسَيَأْتِي الْكَلَام على مَعَاني مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة وَالْأَحَادِيث الضعيفة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الكلام على ما في الكتاب العزيز من الآيات وتأويلها

الْكَلَام على مَا فِي الْكتاب الْعَزِيز من الْآيَات وتأويلها بِمَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى من الصِّفَات الْآيَة الأولى قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} ورد فِي خمس آيَات وَفِي سادس فِي طه (الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى) فَنَقُول قد تقدم أَن الْقُرْآن نزل بلغَة الْعَرَب ومعاني كَلَامهم وَمَا كَانُوا يتعقلونه فِي خطابهم أما الْعَرْش لُغَة فَهُوَ سَرِير الْملك وسقف الْبَيْت وَمِنْه قَوْلهم ثل عرش فلَان أَي زَالَ سُلْطَانه وجاهه وَيُقَال لسقف الْبَيْت عَرْشه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {معروشات وَغير معروشات} وَالْعرش سقف الْعَالم بأسره وَالله أعلم

وسنبين فِيمَا يَأْتِي أَن إِرَادَة حَقِيقَة السرير فِي الْآيَات محَال وَأما الاسْتوَاء فَلهُ فِي اللُّغَة معَان الأول تَمام الشَّيْء وَمِنْه {فَإِذا سويته} {ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ} وَمِنْه {بلغ أشده واستوى} الثَّانِي الْقَصْد وَمِنْه {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} أَي قصد خلقهَا الثَّالِث الِاعْتِدَال وَمِنْه {هَل يستويان مثلا} {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق} الْآيَة الرَّابِع الْقَهْر والاستيلاء وَمِنْه قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق

وَقَول الآخر وأضحى على مَا ملكوه قد اسْتَوَى وَاتفقَ السّلف وَأهل التَّأْوِيل على أَن مَا لَا يَلِيق من ذَلِك بِجلَال الرب تَعَالَى غير مُرَاد كالقعود والاعتدال وَاخْتلفُوا فِي تعْيين مَا يَلِيق بجلاله من الْمعَانِي المحتملة كالقصد والاستيلاء فَسكت السّلف عَنهُ وأوله المؤولون على الِاسْتِيلَاء والقهر لتعالي الرب عَن سمات الْأَجْسَام من الْحَاجة إِلَى الحيز وَالْمَكَان وَكَذَلِكَ لَا يُوصف بحركة أَو سُكُون أَو اجْتِمَاع وافتراق لِأَن ذَلِك كُله من سمات المحدثات وعروض الْأَعْرَاض والرب تَعَالَى مقدس عَنهُ فَقَوله تَعَالَى {اسْتَوَى} بتعين فِيهِ معنى الِاسْتِيلَاء والقهر لَا الْقعُود والاستقرار إِذْ لَو كَانَ وجوده تَعَالَى مكانيا أَو زمانيا للَزِمَ قدم الزَّمَان وَالْمَكَان أَو تقدمهما عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِل فقد صَحَّ فِي الحَدِيث كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وللزم حَاجته إِلَى الْمَكَان وَهُوَ تَعَالَى الْغَنِيّ الْمُطلق المستغني عَمَّا سواهُ كَانَ الله وَلَا زمَان

وَلَا مَكَان وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ وللزم كَونه محدودا مُقَدرا وكل مَحْدُود ومقدر جسم وكل جسم مركب مُحْتَاج إِلَى أَجْزَائِهِ ويتقدس من لَهُ الْغنى الْمُطلق عَن الْحَاجة وَلِأَن مَكَان الِاسْتِقْرَار لَو قدر حَادث مَخْلُوق فَكيف يحْتَاج إِلَيْهِ من أوجده بعد عَدمه وَهُوَ الْقَدِيم الأزلى قبله فَإِن قيل نفي الْجِهَة عَن الْمَوْجُود يُوجب نَفْيه لِاسْتِحَالَة مَوْجُود فِي غير جِهَة

قُلْنَا الْمَوْجُود قِسْمَانِ مَوْجُود لَا يتَصَرَّف فِيهِ الْوَهم والحس والخيال والانفصال وموجود يتَصَرَّف ذَلِك فِيهِ ويقبله فَالْأول مَمْنُوع لاستحالته والرب لَا يتَصَرَّف فِيهِ ذَلِك إِذْ لَيْسَ بجسم وَلَا عرض وَلَا جَوْهَر فصح وجوده عقلا من غير جِهَة وَلَا حيّز كَمَا دلّ الدَّلِيل الْعقلِيّ فِيهِ فَوَجَبَ تَصْدِيقه عقلا وكما دلّ الدَّلِيل الْعقلِيّ على وجوده مَعَ نفي الجسمية والعرضية مَعَ بعد الْفَهم الْحسي لَهُ فَكَذَلِك دلّ على نفي الْجِهَة والحيز مَعَ بعد فهم الْحس لَهُ وَقد اتّفق أَكثر الْعُقَلَاء على وُجُوه مَا لَيْسَ فِي حيّز كالمعقول والنفوس والهيولي وعَلى وجود مَا لَا يتصوره الذِّهْن كحقيقة نفس الْحَرَارَة والبرودة فَإِنَّهَا مَوْجُودَة قطعا وَلَا يتَصَوَّر الذِّهْن حَقِيقَتهَا وَلم يقل أحد إِنَّهُم ادعوا مستحيلا أَو مُخَالفا للضَّرُورَة فَإِن قيل قصَّة الْمِعْرَاج تدل على الْجِهَة والحيز قُلْنَا قصَّة الْمِعْرَاج أُرِيد بهَا وَالله أعلم أَن يرِيه الله تَعَالَى أَنْوَاع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته فِي الْعَالم الْعلوِي والسفلي تكميلا لصفاته وتحقيقا لمشاهداته لآياته وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {لنريه من آيَاتنَا} وَسَيَأْتِي الْبسط فِي هَذَا فِي جَوَاب الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قيل {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} وَهَذَا ظَاهر فِي الْجِهَة وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} وَقَوله {ثمَّ يعرج إِلَيْهِ} الْآيَة

قُلْنَا لَيْسَ المُرَاد بالغاية هُنَا غَايَة الْمَكَان بل غَايَة انْتِهَاء الْأُمُور إِلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور} وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله وَقَول إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} {وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ} {تُوبُوا إِلَيْهِ} وَهُوَ كثير فَالْمُرَاد الِانْتِهَاء إِلَى مَا أعده لِعِبَادِهِ وَالْمَلَائِكَة من الثَّوَاب والكرامة والمنزلة فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} قُلْنَا يَأْتِي ذَلِك فِي مَكَانَهُ من آيَات الْقُرْآن فَإِن قيل إِنَّمَا يُقَال استولى لمن لم يكن مستوليا قبل أَو لمن كَانَ لَهُ مُنَازع فِيمَا استولى عَلَيْهِ أَو عَاجز ثمَّ قدر قُلْنَا المُرَاد بِهَذَا الِاسْتِيلَاء الْقُدْرَة التَّامَّة الخالية من معَارض وَلَيْسَ لَفْظَة ثمَّ

هُنَا لترتيب ذَلِك بل هِيَ من بَاب تَرْتِيب الْأَخْبَار وَعطف بَعْضهَا على بعض فَإِن قيل فالاستيلاء حَاصِل بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع الْمَخْلُوقَات فَمَا فَائِدَة تَخْصِيصه بالعرش قُلْنَا خص بِالذكر لِأَنَّهُ أعظم الْمَخْلُوقَات إِجْمَاعًا كَمَا خصّه بقوله {رب الْعَرْش الْعَظِيم} وَهُوَ رب كل شَيْء فَإِذا استولى على الْعَرْش الْمُحِيط بِكُل شَيْء استولى على الْكل قطعا إِذا ثَبت ذَلِك فَمن جعل الاسْتوَاء فِي حَقه مَا يفهم من صِفَات الْمُحدثين وَقَالَ اسْتَوَى بِذَاتِهِ أَو قَالَ اسْتَوَى حَقِيقَة فقد ابتدع بِهَذِهِ الزِّيَادَة الَّتِي لم تثبت فِي السّنة وَلَا عَن أحد من الْأَئِمَّة المقتدى بهم وَزَاد بعض الْحَنَابِلَة الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ الاسْتوَاء مماسة الذَّات وَأَنه على عَرْشه مَا ملأَهُ وَأَنه لَا بُد لذاته من نِهَايَة يعلمهَا وَقَالَ آخر يخْتَص بمَكَان دون مَكَان ومكانه وجود ذَاته على عَرْشه قَالَ وَالْأَشْبَه أَنه مماس للعرش والكرسي مَوضِع قَدَمَيْهِ

وَهَذَا مِنْهُم افتراء عَظِيم تَعَالَى الله عَنهُ وَجَهل بِعلم هَيْئَة الْعَالم فَإِن المماسة توجب الجسمية والقدمين يُوجب التَّشْبِيه وَالْإِمَام أَحْمد بَرِيء من ذَلِك فَإِن الْمَنْقُول عَنهُ أَنه كَانَ لَا يَقُول بالجهة للباري تَعَالَى وَكَانَ يَقُول الاسْتوَاء صفة مسلمة وَهُوَ قَول بعض السّلف رَضِي الله عَنْهُم الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} وَقَوله تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} اعْلَم أَن لَفْظَة فَوق فِي كَلَام الْعَرَب تسْتَعْمل بِمَعْنى الحيز العالي وتستعمل بِمَعْنى الْقُدْرَة وَبِمَعْنى الرُّتْبَة الْعلية فَمن فوقية الْقُدْرَة {يَد الله فَوق أَيْديهم} {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} فَإِن قرينَة ذكر الْقَهْر يدل على ذَلِك وَمن فوقية الرُّتْبَة {وَفَوق كل ذِي علم عليم} لم يقل أحد إِن المُرَاد فوقية الْمَكَان بل فوقية الْقَهْر

والقدرية والرتبة وَإِذا بَطل بِمَا قدمْنَاهُ مَا سنذكر من إبِْطَال الْجِهَة فِي حق الرب تَعَالَى تعين أَن المُرَاد فوقية الْقَهْر وَالْقُدْرَة والرتبة وَلذَلِك قرنه بِذكر الْقَهْر كَمَا قدمنَا وَيدل على مَا قُلْنَاهُ أَن فوقية الْمَكَان من حَيْثُ هِيَ لَا تَقْتَضِي فَضِيلَة لَهُ فكم من غُلَام أَو عبد كَائِن فَوق مسكن سَيّده وَلَا يُقَال الْغُلَام فَوق السُّلْطَان أَو السَّيِّد على وَجه الْمَدْح إِذا قصد الْمَكَان لم يكن فِيهِ مدحه بل الْفَوْقِيَّة الممدوحة فوقية الْقَهْر وَالْغَلَبَة والرتبة وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخَاف الْخَائِف من هُوَ أَعلَى مِنْهُ رُتْبَة ومنزلة وأقدر عَلَيْهِ مِنْهُ فَمَعْنَاه يخَافُونَ رَبهم الْقَادِر عَلَيْهِم القاهر لَهُم وَحَقِيقَته يخَافُونَ عَذَاب رَبهم لِأَن حَقِيقَة الذَّات المقدسة لَا تخَاف وَإِنَّمَا الْمخوف فِي الْحَقِيقَة عَذَابه وبطشه وإنتقامه وَإِذا ثَبت ذَلِك فَلَا جِهَة وَله وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون {من فَوْقهم} مُتَعَلقا بِعَذَاب رَبهم الْمُقدر وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} الْآيَة فقد بَان بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن المُرَاد بالفوقية فِي الْآيَات الْقَهْر وَالْقُدْرَة والرتبة أَو فوقية جِهَة الْعَذَاب لَا فوقية الْمَكَان لَهُ

الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} الْكَلَام على وَصفه بذلك على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْفَوْقِيَّة وَهُوَ أَن المُرَاد علو السلطنة والرتبة والقهر لَا علو الْجِهَة وكما صَحَّ التَّجَوُّز فِي الْمَعِيَّة فِي قَوْله تَعَالَى وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} {إِلَّا هُوَ مَعَهم} {وَالله مَعكُمْ} فَكَذَلِك صَحَّ التَّجَوُّز فِي الْعُلُوّ والفوقية بعلو الرُّتْبَة والسلطنة وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُم الأعلون} {لَا تخف إِنَّك أَنْت الْأَعْلَى} وَكلمَة الله هِيَ

الْعليا) وَنَحْو ذَلِك لم يرد بذلك من ذَلِك علو الْجِهَة بل علو الرُّتْبَة والمنزلة قطعا الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} {ورافعك إِلَيّ} اعْلَم أَنه قد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آيَة الاسْتوَاء ونزيد هَهُنَا أَنه إِذا ثَبت اسْتِحَالَة الْجِهَة فِي حَقه تَعَالَى وَجب تَأْوِيل هَذِه الْآيَات وَأَن المُرَاد يصعد ويعرج إِلَى مَحل أمره وإرادته أَو أَن المُرَاد بالمعارج الرتب والدرجات كَمَا ورد فِي دَرَجَات الْجنَّة وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الدَّرَجَات الَّتِي هِيَ مراقي من سفل إِلَى علو الرُّتْبَة والمنازل عِنْده تَعَالَى وَفِي

إفاضات النعم فِي الْجنَّة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ورافعك إِلَيّ} وَقَوله {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} إِلَى مَحل كرامته كَمَا يُقَال رفع السُّلْطَان فلَانا إِلَيْهِ لَيْسَ المُرَاد مَكَانا وَلَا جِهَة علو بل قرب رُتْبَة ومنزلة الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين عِنْد رَبك} {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} {عِنْد مليك مقتدر} {ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} ورد ذَلِك فِي الحَدِيث كثيرا كَقَوْلِه أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي أَنا عِنْد المنكسرة قُلُوبهم من أَجلي كل ذَلِك لَيْسَ المُرَاد بِهِ عندية الْجِهَة بل عندية الشّرف والكرامة والإعانة والجبر واللطف لَا عندية الحيز وَالْمَكَان فَإِن كَون الرب تَعَالَى عِنْد الْإِنْسَان بِاعْتِبَار الْجِهَة وَالْمَكَان محَال بِالْإِجْمَاع وَسَيَأْتِي شَرحه فِي الحَدِيث إِن شَاءَ الله

الْآيَة السَّادِسَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} {ونزلناه تَنْزِيلا} {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} {قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَتمسك بِهِ الْحَنْبَلِيّ فِي ثوب الْجِهَة وَلَيْسَ بِدَلِيل لَهُ بل لما كَانَ الْإِنْزَال من جِهَة اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ فِي السَّمَاء عبر عَنهُ بالإنزال وَالنُّزُول وَهُوَ لَازم للخصم لِأَن الْقُرْآن عِنْده حرف وَصَوت والحروف والأصوات لَا تقبل النُّزُول والانتقال وَأَيْضًا فَإِن الْفِعْل قد يُضَاف إِلَى الْأَمر بِهِ كَمَا يُضَاف إِلَى فَاعله فَيُقَال نَادِي السُّلْطَان فِي النَّاس وَلم يُبَاشر ذَلِك بِنَفسِهِ بل أَمر بِهِ وَمثله قَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس} فأضاف الْفِعْل إِلَى نَفسه وَقد قَالَ (توفته رسلنَا) وَقَالَ {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت} فَلَمَّا كَانَ هُوَ الْآمِر بِهِ نسبه إِلَيْهِ وَمِنْه {وَإِنَّا لَهُ كاتبون} وَقَالَ {كراما كاتبين} وَقَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر} وَقَالَ {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} وَمثله كثير وَمِنْه ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطا فِي قسم الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض}

وَقَوله تَعَالَى {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} اعْلَم أَن الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقَاطِع والنقلي الشَّائِع يدلان على أَن الْآيَات الْمَذْكُورَة لَيست على ظَاهرهَا لوجوه الأول أَن لَفظه فِي للظرفية وَتَعَالَى الله أَن يكون مظروفا لخلق من خلقه وَأَيْضًا فقد قَالَ {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} وَالْجمع بَينهمَا متناقض الثَّانِي أعلم أَن الْخصم يعْتَقد أَن الرب تَعَالَى على الْعَرْش وَالْآيَة تضَاد ذَلِك لِأَن من هُوَ فِي السَّمَاء لَيْسَ هُوَ على مَا هُوَ أَعلَى مِنْهَا بطبقات وآلاف سِنِين

وَكَذَلِكَ لَا يَصح أَن يُقَال لمن هُوَ فَوق سطح يسع لدار عَظِيمَة فِي وَسطهَا من أَسْفَل بَيت صَغِير إِنَّه فِي ذَلِك الْبَيْت مَعَ أَن نِسْبَة الْعَرْش إِلَى السَّمَاء أَضْعَاف أَضْعَاف ذَلِك السَّطْح بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الْبَيْت وَأَيْضًا فَإِن بعض الْخُصُوم يَقُول إِنَّه على الْعَرْش وَقد قَامَ الدَّلِيل الْقَاطِع عِنْد الْعُقَلَاء أَن نِسْبَة السَّمَاء إِلَى الْعَرْش وعظمته قَلِيل جدا فَكيف تسع مَعَ لطفها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْش من هُوَ ملْء الْعَرْش مَعَ عَظمته فَإِنَّهُ يلْزم إِمَّا اتساع السَّمَاء أَو تضاؤل الذَّات تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا الثَّالِث اعْلَم أَن السَّمَوَات كرية لقِيَام الدَّلِيل الْحسي والنقلي على ذَلِك فَإِن كَانَ فِي وَجههَا عنْدكُمْ فقد جعلتموه كفلك مِنْهَا وَإِن كَانَ فِي جِهَة الْبَعْض فترجيح من غير مُرَجّح فَإِن قيل المُرَاد بالسماء الْجِنْس لَا الْمُسَمّى الْجَمِيع قُلْنَا يلْزم التَّنَاقُض لِأَن الْعَرْش خَارج السَّمَوَات وقلتم إِنَّه على الْعَرْش وَأَيْضًا يلْزم التجزيء أَو كَونه متحيز دَاخِلا فِي حيزين كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات} وَالْكل محَال تَعَالَى الله عَن ذَلِك

إِذا ثَبت ذَلِك تعين أَن المُرَاد إِمَّا مَلَائِكَة فِي السَّمَاء مسلطون على من شَاءَ الله من الْكفَّار لِأَن اللَّفْظَة تحتمله أَو أَن المخاطبين كَانُوا يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَاد المجسمة فَقيل لَهُم بِحَسب مَا كَانُوا يعتقدونه فِي زعمهم أَو أَن المُرَاد التَّعْظِيم وعلو الرُّتْبَة وَالْقُدْرَة أَي من فِي السَّمَاء ملكوته وسلطانه وَمَلَائِكَته فَيكون المُرَاد بالسماء الْعُلُوّ والرفعة فَإِن قيل فِي هَاهُنَا بِمَعْنى على كَقَوْلِه تَعَالَى {فِي جُذُوع النّخل} قُلْنَا هَذَا مَرْدُود لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن ذَلِك خلاف الأَصْل وموضوع اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وممنوع عِنْد الْمُحَقِّقين من نحاة الْبَصْرَة بل هُوَ على بَابه لتمكنهم على الْجُذُوع تمكن المظروف من ظرفه لآنهم لم يَكُونُوا مستعلين عَلَيْهَا بل كَانُوا مَعهَا الثَّانِي لَو أُرِيد معنى على كَانَ لَفظه أفخم وَأعظم فَإِن قَوْله من على السَّمَاء أفخم وَأعظم من قَوْله {من فِي السَّمَاء} وَسَيَأْتِي الْكَلَام على حَدِيث الْجَارِيَة فِي قسم الحَدِيث إِن شَاءَ الله مَبْسُوطا الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام}

وَقَوله تَعَالَى {أَو يَأْتِي رَبك} وَقَوله تَعَالَى {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} اعْلَم أَن الْمَجِيء والذهاب والإتيان بِالذَّاتِ على الله تَعَالَى محَال لِأَنَّهُ من صِفَات الْحَوَادِث المحدودة للإنتقال من حيّز إِلَى حيّز وَلذَلِك اسْتدلَّ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام على نفي الإهية الْكَوَاكِب بأفولهن وَصدقه الله تَعَالَى فِي استدلاله وَصَححهُ بقوله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} إِذا ثَبت هَذَا تعين تَأْوِيل ذَلِك وتأويله من وُجُوه الأول وَهُوَ أظهر أَن فِي الْكَلَام مُضَافا مُقَدرا تَقْدِيره إِلَّا أَن يَأْتِيهم أَمر الله وَهُوَ مجَاز كثير مُسْتَعْمل وَمِنْه {إِن تنصرُوا الله ينصركم} أَي دين الله أَو نَبِي الله

أَو الْيَاء الله وَمِنْه {يخادعون الله} و {يحادون الله} {واسأل الْقرْيَة} وَهُوَ كثير فَيدل على مَا أولناه قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي أَمر رَبك} فَتكون هَذِه الْآيَة مفسرة لِلْآيَةِ الْأُخْرَى وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا قَوْله بعد هَذَا {وَقضي الْأَمر} وَلَيْسَ مَعنا أَمر مَعْهُود إِلَّا الْمُقدر الَّذِي ذكره فَيكون حرف التَّعْرِيف لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} الْوَجْه الثَّانِي أَن الْآيَة سيقت للتنديد وَلَو أُرِيد حَقِيقَة الذَّات لم يكن للتنديد معنى لإن إِتْيَانه يكون رَحْمَة ونعمة فَقَوله أَولا {فَإِن زللتم} إِلَى آخِره دَلِيل على التنديد فَيكون الْمُقدر أَمر الله تَعَالَى أَو عَذَابه أَو قَضَاؤُهُ قَالَ الإِمَام أَحْمد بن

حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى وَغَيره من الْأَئِمَّة المُرَاد قدرته وَأمره الْوَجْه الثَّالِث أَن تكون فِي بِمَعْنى الْبَاء لِأَنَّهُمَا يتعاقبان كثيرا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده} أَي بِالْقُرْآنِ وَجَلَست بِالْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِد وَجئْت فِي حَاجَتك وبحاجتك فَيكون المُرَاد أَن يَأْتِيهم الله بظلل من الْغَمَام الْوَجْه الرَّابِع قَالَه بَعضهم أَن الْخطاب مَعَ الْيَهُود وَفِيهِمْ طَائِفَة يَعْتَقِدُونَ التجسيم وَأَن الله يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلل من الْغَمَام كحالة خطابه لمُوسَى فِي اعْتِقَادهم فألزمهم الْحجَّة أَي هَل ينظرُونَ إِلَّا مَا يعتقدونه من مَجِيء الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَهُوَ نَحْو مَا تقدم فِي قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء} الْآيَة ومثاله أَن يَقُول الْإِنْسَان لتهديد الْمُخَاطب الظَّان قدوم السُّلْطَان غدْوَة غده أأمنت مبيت عَدوك فلَان غَدا وَهُوَ يعلم أَنه لَا يقدم من الْغَد وَإِنَّمَا قصد خطابه بِمَا يَعْتَقِدهُ

الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُونَ وَجهه} {وَيبقى وَجه رَبك} كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه {يُرِيدُونَ وَجه الله} وَمَا ورد فِيهِ اعْلَم أَنه أطلق الْوَجْه فِي هَذِه الْآيَات وَالْمرَاد بِهِ الذَّات المقدسة وَعبر عَنْهَا بِالْوَجْهِ على عَادَة الْعَرَب الَّذين نزل الْقُرْآن بلغتهم يَقُول أحدهم فعلت لوجهك أَي لَك

وَإِنَّمَا كنى عَن الذَّات بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ هُوَ المرئي الظَّاهِر من الْإِنْسَان غَالِبا وَبِه يتَمَيَّز الْإِنْسَان عَن غَيره وَلِأَن الرَّأْس وَالْوَجْه مَوضِع الْفَهم وَالْعقل والحس الْمَقْصُود من الذَّات وَلِأَن الْوَجْه مَخْصُوص بمزيد الْحسن وَالْجمال وَيظْهر عَلَيْهِ مَا فِي الْقلب من رَضِي وَغَضب فَأطلق على الذَّات مجَازًا وَقد يعبر بِالْوَجْهِ عَن الرِّضَا وَسبب الْكِنَايَة بِهِ عَنهُ أَن الْإِنْسَان إِذا رَضِي بالشَّيْء وَمَال إِلَيْهِ أقبل بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ وَإِذا كرهه أعرض عَنهُ فكنى بِالْوَجْهِ عَن الرِّضَا إِذا أثبت ذَلِك تعين صرف الْوَجْه إِلَى الذَّات فِي قَوْله {وَيبقى وَجه رَبك} وكل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه وَلَا يجوز إِرَادَة ظَاهره حَقِيقَة لوجوه الأول أَن الْمَوْصُوف بِالْبَقَاءِ عِنْد فنَاء الْخلق إِنَّمَا الذَّات المقدسة لَا مُجَرّد الْوَجْه لِأَنَّهُ لَو أُرِيد ذَلِك لزم مِنْهُ هَلَاك مَا سوى الْوَجْه تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس الْوَجْه الثَّانِي قَوْله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} لَو أُرِيد الْوَجْه نَفسه لزم وجوده فِي جَوَانِب الأَرْض وَيلْزم حُصُول ذَات وَاحِدَة فِي أَمَاكِن كَثِيرَة مُتَفَرِّقَة متباعدة وَهُوَ محَال اتِّفَاقًا وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي قسم الحَدِيث أبسط من هَذَا الْوَجْه الثَّالِث أَنه وصف الْوَجْه بِذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام والموصوف بذلك هُوَ الله تَعَالَى بِدَلِيل قَوْله {تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} فَإِنَّهُ صفة للرب

وبدليل مَا ورد فِي الدُّعَاء يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام فَدلَّ فِي تِلْكَ الْآيَة على أَنه وصف للذات لَا للْوَجْه خَاصَّة لِأَن الْقُرْآن يُفَسر بعضه بَعْضًا وَقَوله تَعَالَى {يُرِيدُونَ وَجهه} و {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} فَالْمُرَاد بذلك وَالله أعلم تَحْصِيل رِضَاهُ تَعَالَى كَمَا تقدم لِأَن الْإِرَادَة فِي قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُونَ وَجهه} لَا تتَعَلَّق بِحُصُول نفس الذَّات بمجردها وَلَا نفس ظَاهر الْوَجْه بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا تتَعَلَّق بِحُصُول مُرَاد يحصل لَهُم دُخُوله فِي الْوُجُود وَذَلِكَ فِي الذَّات أَو الْوَجْه الْقَدِيم الأزلي محَال فَدلَّ على أَن المُرَاد حُصُول شَيْء مِنْهُ وَهُوَ رِضَاهُ عَنْهُم وَعبر فِيهِ بِالْوَجْهِ كَمَا تقدم أَن الراضي يقبل بِوَجْه على من رضيه وَقيل المُرَاد بِالْوَجْهِ الْقَصْد وَمِنْه قَول الشَّاعِر رب الْعباد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} أَي لرضاه كَمَا تقدم أَن المُرَاد حُصُول رِضَاهُ فَإِن قيل إِضَافَة الْوَجْه إِلَى الرب يشْعر بِأَن الْمُضَاف غير الْمُضَاف إِلَيْهِ قُلْنَا الْجَواب لما تقدم من امْتنَاع ذَلِك للإلزامات الْمَذْكُورَة وَقَول من قَالَ المُرَاد صفة لَا يعقل مَعْنَاهَا مَرْدُود بِمَا قدمْنَاهُ أَن الْقُرْآن كتاب مُبين وَبَيَان للنَّاس وَهدى وَأَنه بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين وَالْوَجْه فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة إِمَّا الْعُضْو وَقدمنَا أَنه محَال أَو الذَّات أَو الرِّضَا كَمَا ذكرنَا فَمن ادّعى مرَادا لَا يعقل لُغَة وَلَا عرفا فَلَا دَلِيل عَلَيْهِ لَا عقلا وَلَا نقلا فَلَا يعرج على قَوْله لَا تنظر إِلَى من قَالَ وَانْظُر إِلَى مَا قَالَ الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى {لما خلقت بيَدي} يَد الله فَوق

أَيْديهم) {بل يَدَاهُ مبسوطتان} بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء

{بِيَدِك الْخَيْر} اعْلَم أَن الْيَد لُغَة حَقِيقَة فِي الْجَارِحَة الْمَعْرُوفَة وتستعمل مجَازًا فِي معَان مُتعَدِّدَة كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِذا ثَبت بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن الْجَوَارِح لما فِيهِ من التجزىء الْمُؤَدِّي إِلَى التَّرْكِيب وَجب حمل اللَّفْظ على مَا يَلِيق بجلاله تَعَالَى من الْمعَانِي المستعملة بَين أهل اللِّسَان وَهِي النِّعْمَة وَالْقُدْرَة وَالْإِحْسَان أما النِّعْمَة فكقولهم لفُلَان عِنْدِي يَد لَا أُطِيق شكرها وَلفُلَان عَليّ أياد يعجز عَن شكرها وَالْمرَاد نعم وإحسان يُرِيدُونَ التَّجَوُّز واستعماله أَن الْيَد آلَة الْإِعْطَاء غَالِبا فأطلقت على النِّعْمَة بِإِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب وَأما الْقُدْرَة فكقولهم هَذِه الْبَلدة فِي يَد السُّلْطَان وَيُقَال امري بِيَدِك وَفُلَان بِيَدِهِ الْأَمر وَالنَّهْي وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} وَالْمرَاد فِي ذَلِك كُله الْقُدْرَة والتمكن من التَّصَرُّف إِذْ لَيْسَ الْبَلَد وَالْأَمر وَالنَّهْي وعقدة النِّكَاح فِي حَقِيقَة يَد السُّلْطَان وَالْوَلِيّ الَّتِي هِيَ عَفْو فَتعين ان المُرَاد قدرته وتصرفه وَقد تسْتَعْمل الْيَد مثله للتَّأْكِيد فِي التَّقَدُّم كَقَوْلِه تَعَالَى {بَين يَدي رَحمته} و

{قدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} وَلَا يَد للرحمة والنجوى إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول قَوْله تَعَالَى {لما خلقت بيَدي} فَلهُ ثَلَاثَة أجوبة أَحدهَا أَن المُرَاد مزِيد الْعِنَايَة بِنِعْمَة عَلَيْهِ فِي خلقه وإيجاده وتكريمه كَمَا يُقَال خُذ هَذَا الْأَمر بكلتا يَديك وَأخذت وصيتك بكلتا يَدي وَلَا شكّ أَن الاعتناء بِخلق آدم حَاصِل بإيجاده وَجعله خَليفَة فِي الأَرْض وتعليمه الْأَسْمَاء وإسكانه الْجنَّة وَسُجُود الْمَلَائِكَة لَهُ فَلذَلِك خصّه بِمَا يدل لُغَة على مزِيد الاعتناء الْجَواب الثَّانِي أَن المُرَاد بيَدي الْقُدْرَة لِأَن غَالب قدرَة الْإِنْسَان فِي تَصَرُّفَاته بِيَدِهِ وثنيت الْيَد مُبَالغَة فِي عظم الْقُدْرَة فَإِنَّهَا باليدين أَكثر مِنْهَا بالواحدة الثَّالِث أَن يكون ذكر الْيَدَيْنِ صلَة لقصد التَّخْصِيص بِهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ لما خلقت أَنا دون غَيْرِي وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِمَا قدمت يداك} أَي بِمَا قدمت أَنْت وَمِنْه قَوْلهم يداك أوكتا أَي أَنْت فعلت وَأما قَوْله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} فقد قَالَ الْحسن وَغَيره أَي منته وإحسانه وَأما قَوْله تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان} فَلَا يشك عَاقل أَن المُرَاد بذلك ... ... لِأَنَّهُ ورد ردا على الْيَهُود فِي قَوْلهم يَد الله

مغلولة) وَلَا يشك عَاقل أَنهم لم يقصدوا بذلك الْفِعْل الْمَعْرُوف وَإِنَّمَا قصدُوا إمْسَاك نعمه عَنْهُم وحبسها بإمساك الْمَطَر وَنَحْو ذَلِك فَرد عَلَيْهِم بقوله {بل يَدَاهُ مبسوطتان} أَي بِالْخَيرِ وإفاضة النعم لمن شَاءَ وَلذَلِك قَالَ {ينْفق كَيفَ يَشَاء} فَبين المُرَاد بِهِ وَأما إِرَادَة بسط الْجَوَارِح الْمَعْرُوف حَقِيقَة فَلَا يتوهمه عَاقل فضلا عَن اعْتِقَاده فَإِن قيل إِن كَانَ المُرَاد بخلقت بيَدي الْقَدَرِيَّة لم يكن لآدَم مزية لِأَن الْخلق كلهم بقدرته قُلْنَا المُرَاد مزيته بالخلق فِي الْإِكْرَام بالأنواع الَّتِي ذَكرنَاهَا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا عملت أَيْدِينَا} فَلَيْسَ لَهَا مزية على غَيرهَا بِاعْتِبَار الْخلق وَحده بل بإعتبار مَا جعل فِي خلقهَا من الْمَنَافِع المعدومة فِي غَيرهَا فَإِن قيل فالقدرة شَيْء وَاحِد لَا يثنى وَلَا يجمع وَقد ثنيت وجمعت قُلْنَا هَذَا غير مَمْنُوع فقد نطقت الْعَرَب بذلك بقَوْلهمْ مَالك بذلك يدان

وَفِي الحَدِيث عَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مَا لأحد يدان بقتالهم فثنوا عِنْد قصد الْمُبَالغَة وَمِنْه {بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} و {بَين يَدي رَحمته} وَأَيْضًا فقد جَاءَ {يَد الله} وَجَاء {يَدَاهُ مبسوطتان} وَجَاء {بِأَيْدِينَا} فَلَو لم يحمل على الْقُدْرَة وَحمل على الظَّاهِر لزم من تَصْوِير ذَلِك مَا يتعالى الله عَنهُ وَقَول بَعضهم إِن الْيَدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {خلقت بيَدي} صفتان قائمتان بِذَات الرب تَعَالَى وَالْمُسلم يعقل مَعْنَاهَا فقد تقدم الْجَواب عَنهُ وَالرَّدّ عَلَيْهِ الْآيَة الْحَادِيَة عشر قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} وَقَوله

تَعَالَى {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} وَقَوله تَعَالَى {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} وَقد تقدم أَن إِرَادَة الْجَوَارِح محَال فَتعين أَن المُرَاد بِالْيَمِينِ الْأَخْذ الْأَقْوَى لِأَن الْيَد الْيُمْنَى والجانب الْأَيْمن أقوى بطشا من الْيُسْرَى والأيسر غَالِبا وَهَذَا أَمر محسوس وشائع فِي لِسَان الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر (إِذا مَا رَأْيه رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ) أَي أَخذهَا بِقُوَّة وحزم وَيكون المُرَاد بالطي إذهابها كَمَا يُقَال طوى فلَان مَا كَانَ فِيهِ وطوى حَدِيثه أَي أذهبه وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} هُوَ حَال إِمَّا من الْآخِذ إِشَارَة إِلَى قُوَّة الْبَطْش وَالْأَخْذ وَإِمَّا حَال من الْمَأْخُوذ فَالْمُرَاد شدَّة الْقُوَّة عَلَيْهِ كمن يَسُوق إنْسَانا مَغْلُوبًا مَعَه خذا بِيَمِينِهِ الَّتِي هِيَ أقوى جانبيه قهرا لَهُ وَغَلَبَة عَلَيْهِ وَقيل سمي الْحلف يَمِينا لِأَنَّهُ يقوى الْعَزْم على المحلوق عَلَيْهِ ويؤكده وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا ورد فِي الحَدِيث من ذَلِك وَأما قَوْله تَعَالَى {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} فَمَعْنَاه أَن قوته وَقدرته

عَلَيْهَا وعَلى إذهابها كقوة أحدكُم وَقدرته وتمكنه على مَا فِي قَبضته وَلذَلِك أعقبه بالتنزيه عَن توهم الْجَارِحَة بقوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ} فَمَعْنَاه أَن الأَرْض فِي تصرفه وَملكه كَمَا يُقَال الْبَلدة فِي قَبْضَة السُّلْطَان وَالْمَال فِي قَبْضَة فلَان وَالدَّار فِي قَبضته لم يرد بذلك الْكَوْن فِي الْكَفّ وَعطف الأنامل عَلَيْهِ قطعا بل الْقُدْرَة والإستيلاء فَإِن قيل فَهِيَ فِي الدُّنْيَا كَذَلِك فَلم خص يَوْم الْقِيَامَة قُلْنَا لانفراده بِالْملكِ والاستيلاء فِي ذَلِك الْيَوْم كَقَوْلِه تَعَالَى {مَالك يَوْم الدّين} وَهُوَ مَالك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْآيَة الثَّانِيَة عشر قَوْله تَعَالَى {ولتصنع على عَيْني} {واصنع الْفلك بأعيننا} {تجْرِي بأعيننا} {فَإنَّك بأعيننا}

اعْلَم أَنه إِذا ثَبت تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن الْجِهَة والجوارح كَمَا تقدم وَجب تَأْوِيل هَذِه الْآيَات بِمَا يَلِيق بجلاله تَعَالَى فَالْمُرَاد وَالله أعلم مزِيد الاعتناء والحراسة وَأَن ذَلِك بمرأى منا قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الْعَرَب تجمع الْوَاحِد إِمَّا لتعظيمه كَقَوْلِه أمرنَا ونهينا وَمِنْه إِنَّا نَحن نحي الْمَوْتَى {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم} أَو لإِقَامَة الْجمع مقَام الْوَاحِد كَقَوْل الْقَائِل سكنت فِي دُورنَا وَآذَيْت غلماننا وسرنا فِي السفن وَإِن كَانَت الدَّار والغلام والسفينة وَاحِدًا وَلَو حملت الْآيَات الْوَارِدَة على ظَاهرهَا لاستقبحت تِلْكَ الْعُيُون تَعَالَى الله وتقدس عَن ذَلِك وللزم أَن يكون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام متلصقا بِالْعينِ وَعَلَيْهَا وَلزِمَ أَن تكون الْأَعْين آلَة لعمل الْفلك وَأَن تكون الْعين ظرفا للرسول عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ لَا يَقُوله عَاقل فَوَجَبَ الْمصير إِلَى تَأْوِيله وَصَرفه عَن ظَاهره إِلَى مَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وَوجه التَّجَوُّز بِالْعينِ عَن شدَّة الاعتناء أَن المعتني بالشَّيْء لمحبة أَو حَاجَة يكثر النّظر فِيهِ فَجعلت الْعين الَّتِي هِيَ آلَة النّظر كِنَايَة عَن مزِيد الاعتناء وَمن جعل الْعين عبارَة عَن صفة لَا يعرف مَا هِيَ إِلَّا الله وَلَا معنى لَهَا فِي اللُّغَة فمردود كَمَا تقدم وَلَا يعول عَلَيْهِ الْآيَة الثَّالِثَة عشر قَوْله تَعَالَى {واصطنعتك لنَفْسي} الْآيَة كتب

ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة) {ويحذركم الله نَفسه} {وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} اعْلَم أَن النَّفس فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة تطلق على معَان الأول ذَات الشَّيْء وَحَقِيقَته كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} وَيَقُول الْإِنْسَان لغيره نَفسِي أحب إِلَى مِنْك أَي ذاتي وحقيقتي الثَّانِي قد تطلق على الدَّم وَمِنْه نِفَاس الْمَرْأَة وَمِنْه قَول الْفُقَهَاء مَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة أَي دم سَائل

الثَّالِث قد تطلق على الرّوح الَّتِي بهَا الْحَيَاة وَمن قَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} وَمِنْه سمي النَّفس نفسا الرَّابِع قد يُطلق على الْعقل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} وَإِنَّمَا يفقد فِي النّوم الْعقل فَقَط دون سَائِر الْأَحْوَال الْخَامِس قد يُطلق على الضَّمِير كَقَوْل الْقَائِل فِي نَفسِي أعمل كَذَا أَي فِي ضميري يفهم عَنهُ أَن مَا عدا الأول محَال على الله تَعَالَى فَتعين أَن المُرَاد الأول وَهُوَ الذَّات والحقيقة وَالْمرَاد بقوله تَعَالَى {واصطنعتك لنَفْسي} الْمُبَالغَة فِي الِاخْتِصَاص والتقريب وَقَوله {وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} أَي معلومك مُبَالغَة أَي فِي سَعَة علمه وَقَوله تَعَالَى {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} مُبَالغَة فِي الْإِحْسَان بهَا وشمولها {ويحذركم الله نَفسه} مُبَالغَة فِي التخويف والوعيد وَكَذَلِكَ فِي كل مَكَان مَا يَلِيق بِهِ وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا ورد فِي الحَدِيث فِي قسمه الْآيَة الرَّابِعَة عشر قَوْله تَعَالَى {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله} قد تقدم أَن الجسمية فِي حَقه تَعَالَى محَال فَوَجَبَ تَأْوِيل الْجنب الْمَذْكُور هُنَا وَأَن

المُرَاد بِهِ طَاعَته وَأمره لِأَن اسْتِعْمَال ذَلِك فيهمَا مَعْهُود شايع فِي كَلَام الْعَرَب وَعرف النَّاس قَالَ مُجَاهِد يَعْنِي مَا ضيعت فِي أَمر الله وَيُقَال فلَان يهمل جَانب فلَان وَرمى فلَان جنب فلَان أَي لَا يطيعه وَلَا يتعهده ذَلِك لِأَن الْجنب الْمَعْهُود لَا يَقع فِيهِ تَفْرِيط وَلَا يعقل مَعْنَاهُ فِيهِ بل إِنَّمَا يَقع التَّفْرِيط فِي طَاعَة الْأَمر وَفِي حق وَاجِب أَي بِتَرْكِهِ وَقد أنْشد ثَعْلَب فِيهِ خليلي كفا وَاذْكُر الله فِي جَنْبي وَوجه التَّجَوُّز عَن الطَّاعَة أَن تَارِك الْحق مُخَالف الْأَمر الْآيَة الْخَامِسَة عشر قَوْله تَعَالَى {يَوْم يكْشف عَن سَاق} وَقد ورد مثله

فِي الحَدِيث الصَّحِيح من رِوَايَات عدَّة اعْلَم أَن نِسْبَة السَّاق الْمَعْرُوف إِلَى الله تَعَالَى محَال تَعَالَى عَن نِسْبَة الْأَعْضَاء والتجزي إِلَيْهِ وَإِذا ثَبت استحالته فِي حق الله تَعَالَى وَجب تَأْوِيله بِمَا يَسْتَعْمِلهُ فِيهِ أهل اللُّغَة بِمَا يَلِيق بِجلَال الرب تَعَالَى قَالَ ابْن عَبَّاس وَخلق من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم إِن المُرَاد بالساق هُنَا الشدَّة أَي شدَّة أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَمَا يلقاه أهل الْموقف وَسُئِلَ مرّة عَن الْآيَة فَقَالَ أما سَمِعْتُمْ قَول الشَّاعِر قَامَت الْحَرْب على سَاق إِذا خَفِي عَلَيْكُم شَيْء فِي الْقُرْآن فابتغوه فِي الشّعْر فَإِنَّهُ ديوَان الْعَرَب وَقَالَ مرّة يكْشف عَن سَاق عَن أَمر شَدِيد وَعَن بعض أَئِمَّة التَّفْسِير قَالَ عَن سَاق أَي عَن أَمر شَدِيد وَأنْشد (قد جدت الْحَرْب بكم فجدوا ... وكشفت عَن سَاقهَا فشدوا) وَقَالَ بَعضهم يجوز أَن يكْشف الله عَن سَاق لبَعض مخلوقاته وَيجْعَل ذَلِك سَببا

لبَيَان حكمه فِي أهل الْإِيمَان وَأهل النِّفَاق وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا الحَدِيث مِمَّا تهيب القَوْل فِيهِ بعض شُيُوخنَا على نَحْو مَذْهَبهم فِي التَّوَقُّف وَهَذَا تقدم الْجَواب عَنهُ وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير أَي يكْشف عَن أَمر عَظِيم وَاسْتِعْمَال السَّاق فِي ذَلِك مجَاز شَائِع مُسْتَعْمل وَمِنْه قَوْلهم قَامَت الْحَرْب على سَاق إِذا اشتدت على اهلها وأصل التَّجَوُّز بذلك أَن من قصد من الْعَرَب معاناة أَمر عَظِيم شمر عَن سَاقه ليسهل عَلَيْهِ مِنْهَا قَصده وَلَا يثبط عَن التَّمَكُّن مِنْهُ وَلذَلِك جَاءَ بِصِيغَة مَا لم يسم فَاعله وَلم يقل يكْشف عَن سَاقه وَمَا رُوِيَ فِي بعض طرق الحَدِيث عَن سَاقه فَلَو ثَبت ذَلِك كَانَت إِضَافَته إِضَافَة خلق وَملك لَا إِضَافَة جارحة أَي عِنْد شدته الَّتِي أوجدها فِي تِلْكَ الْحَالة فأضيفموجدها وَمن قَالَ إِن السَّاق لَا يعقل مَعْنَاهَا مَرْدُود عَلَيْهِ بِمَا تقدم وَصرح بعض إِلَى الْحَنَابِلَة فِيهِ بالتجسيم وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أهل مذْهبه وَالْإِمَام أَحْمد بَرِيء مِنْهُ مَعَ أَن الْوُقُوف عِنْد ظَاهره كَمَا زَعمه المجسمة يلْزم عَلَيْهِ اتِّخَاذ السَّاق وَهُوَ نقص تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس الْآيَة السَّادِسَة عشر قَوْله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد}

{وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم} {فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع} {إِن رَبِّي قريب مُجيب} إِذا ثَبت تَنْزِيه الرب تَعَالَى عَن الحيز والجهة والقرب الْحسي والبعد الْعرفِيّ وَجب تَأْوِيل ذَلِك على مَا يَلِيق بجلاله وَهُوَ قرب علمه وَرَحمته ولطفه وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى إِن رحمت الله قريب من الْمُحْسِنِينَ أَو قرب الْمنزلَة عِنْده كَمَا يُقَال السُّلْطَان قريب من فلَان إِذا كَانَت لَهُ عِنْده منزله رفيعة وَالسَّيِّد قريب من غلمانه إِذا كَانَ يتنازل مَعَهم فِي مخاطبتهم وملاطفتهم وَلَيْسَ المُرَاد هَهُنَا قرب مَسَافَة وَلَا مَكَان وَإِذا كَانَ ذَلِك مُسْتَعْملا فِي لِسَان الْعَرَب وَالْعرْف وَجب حمله عَلَيْهِ لِاسْتِحَالَة ظَاهر الْمسَافَة فِي حق الرب تَعَالَى الْآيَة السَّابِعَة عشر قَوْله تَعَالَى {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون}

اعْلَم ان أصل الْحجاب الْمَنْع وَقَالَ الْعلمَاء احتجب الله عَن الْخلق وَلَا يُقَال مَحْجُوب لِأَن الاحتجاب مشْعر بِالْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِك الْحجب ومحجوب مشْعر بالمفعولية وَالْعجز وَحَقِيقَة الْحجب عرفا توَسط الْجِسْم بَين جسمين حجب أَحدهمَا عَن الآخر وَذَلِكَ فِي حق الله تَعَالَى محَال فَوَجَبَ تَأْوِيله على مَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وَهُوَ أَنهم محجوبون عَن رَحمته وفضله وإحسانه وَأَنه حجبهم عَن النّظر إِلَيْهِ بعد أَن خلق قُوَّة النّظر إِلَيْهِ فيهم وَفِيمَا ورد فِي الحَدِيث من ذَلِك يَأْتِي فِي قسم الحَدِيث أبسط من هَذَا الْآيَة الثَّامِنَة عشر قَوْله تَعَالَى {وَالله لَا يستحيي من الْحق} {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} الْآيَة

اعْلَم أَن الْمُخَالفَة من تغير وإنكار يعتري الْإِنْسَان عِنْد ظُهُور خوف عتب لتقصير أَو رُؤْيَة مستقبح مِنْهُ وَالله تَعَالَى منزه عَن ذَلِك فَوَجَبَ تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بجلاله فَنَقُول الْحيَاء لَهُ مُبْتَدأ أَو غَايَة فمبتدأه تغير جسماني يلْحق الْإِنْسَان لخوف أَو نِسْبَة إِلَى قَبِيح فيكدر الْحَيَاة وَلذَلِك سمي حَيَاء وغايته ترك مَا حصل الْحيَاء مِنْهُ وَهُوَ فعل مَا ترك أَو ترك مَا فعل والمبتدأ الْمَذْكُور على الله محَال فَتعين أَن المُرَاد غَايَته وَهُوَ ضرب الْمثل وإنزال الْحق وَسَيَأْتِي مَا فِي الحَدِيث مِنْهُ فِي قسم الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْآيَة التَّاسِعَة عشر قَوْله تَعَالَى {يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {إِن الله يحب التوابين} كلمتان خفيفتان على اللِّسَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه

اعْلَم أَن الْمحبَّة فِي اللُّغَة إِنَّمَا هِيَ ميل الْقلب إِلَى المحبوب وَذَلِكَ فِي حق الْبَارِي تَعَالَى محَال لَكِن نِهَايَة الْمحبَّة غَالِبا إِرَادَة الحيز للمحبوب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ على الْقَوْلَيْنِ المعروفين أَن محبَّة الله تَعَالَى هِيَ صفة ذَات أَو صفة فعل فَمن قَالَ صفة ذَات فَمَعْنَاه أَنه يُرِيد بالمحبوب مَا يُرِيد المحبوب لمحبوبه من الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ ومحبة الله تَعَالَى للأقوال والخصال المحمودة يرجع إِلَى إِرَادَته كاسبها وَالْإِحْسَان الْآيَة الموفية عشْرين قَوْله تَعَالَى {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} وَقَوله تَعَالَى {وَغَضب الله عَلَيْهِ} الْآيَة اعْلَم أَن الْغَضَب فِينَا لَهُ مُبْتَدأ وَغَايَة كَمَا تقدم فِي الْحيَاء والمحبة فمبتدأ حَقِيقَته غليان الدَّم عِنْد حرارة الغيظ لإِرَادَة الانتقام بالمغضوب عَلَيْهِ أَو إِرَادَة ذَلِك والرب تَعَالَى منزه من الغليان أَعنِي مُبْتَدأ الْغَضَب فَوَجَبَ تَأْوِيله بِأَن المُرَاد غَايَته وَهُوَ الانتقام أَو إِرَادَته كَمَا قدمنَا فِي الْمحبَّة وَالْحيَاء الْآيَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَفِي

الحَدِيث اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض اعْلَم أَنه لَا يجوز أَن يُقَال وَلَا يعْتَقد أَنه هُوَ الشعاع الْمُحِيط فِي الأَرْض والجو والحيطان المحسوس لنا تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس إِذْ لَو كَانَ لما وجدت ظلمَة قطّ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَزُول ولكان مغنيا عَن نور الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنَّار لِأَنَّهُ خَالق النُّور لقَوْله تَعَالَى {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَلِأَنَّهُ أضَاف النُّور إِلَى نَفسه فِي قَوْله تَعَالَى {مثل نوره كمشكاة} وَفِي قَوْله {يهدي الله لنوره من يَشَاء} إِذا ثَبت ذَلِك وَقد أَضَافَهُ إِلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجب تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بجلاله وَيكون مَعْنَاهُ منورهما إِمَّا بإرسال الرُّسُل وإنزال الْوَحْي كَقَوْلِه تَعَالَى {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين}

فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِ أَو لحسن خلقه لَهما وتدبيره كَمَا يُقَال فلَان نور بَلَده وَنور قبيلته أَي هُوَ الْقَائِم بصلاح أهل بَلَده أَو قبيلته أَو المُرَاد هادي أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض لِأَنَّهُ سمي الْهِدَايَة نورا فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس} وَيُؤَيّد ذَلِك قَوْله تَعَالَى تلو ذَلِك {يهدي الله لنوره من يَشَاء} الْآيَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {الَّذين يظنون أَنهم ملاقو رَبهم} {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} اعْلَم أَن اللِّقَاء لُغَة هُوَ الِاجْتِمَاع المحسوس قربه فِي مَكَان وَهُوَ من صِفَات الْأَجْسَام قَالَ الله تَعَالَى {يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} أَي قرب أَحدهمَا من الآخر وَلما ثَبت أَنه تَعَالَى لَيْسَ بجسم وَجب تَأْوِيل ذَلِك على مَا يَلِيق بجلاله وَهُوَ إِمَّا رُؤْيَته كَمَا يَقُول أهل السّنة لِأَن من لَقِي شَيْئا أبصره فَأطلق السَّبَب على الْمُسَبّب وَإِمَّا ظُهُور عَظمته وسلطانه وَقدرته وقهره لِأَن من لَقِي من هَذِه صفته ظهر لَهُ ذَلِك فَأطلق اسْم السَّبَب على الْمُسَبّب وَأما المماسة والمجاورة فقد أبطلناهما فَتعين مَا ذَكرْنَاهُ لِأَن أحدا لم يقل إِن ذَوَات النَّاس تماس ذَات الْبَارِي تَعَالَى الْآيَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {ونفخت فِيهِ من روحي}

{فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} وَقَالَ تَعَالَى {وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ} اعْلَم أَن الرّوح الَّتِي بهَا حَيَاة الْأَحْيَاء فِي الْحَيَوَان المتشعبة فِي الْأَجْسَام لَا يجوز إِطْلَاقهَا على الْبَارِي تَعَالَى لما ثَبت من اسْتِحَالَة الجسمية والتجزي عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوَجَبَ حمله فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة على غير ذَلِك أما قَوْله فِي حق آدم {من روحي} فَهُوَ إِضَافَة خلق إِلَى خالقه وَملك إِلَى مَالِكه لِأَن الْأَرْوَاح كلهَا بيد الله تَعَالَى لَا أَنه جُزْء مِنْهُ تَعَالَى الله عَن ذَلِك وإضافته إِلَيْهِ إِضَافَة تشريف إِمَّا لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا قَالَ {خلقت بيَدي} أَو لِأَنَّهَا جَوْهَر لطيف شرِيف علوي وَأما النفخ فَالْمُرَاد بِهِ وَالله أعلم خلقهَا وإيجادها وَقَالَ بَعضهم كَيْفيَّة النفخ لَا يعلمهَا إِلَّا الله تَعَالَى وَأما قَوْله {فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} فَالضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى جيب درعها

فوصل النفخ إِلَيْهَا وَقَوله {من رُوحنَا} أَي نفخ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} والمرسل جِبْرِيل بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَقد سَمَّاهُ الله تَعَالَى روحا فِي مَوَاضِع من كِتَابه الْعَزِيز وَمِنْه {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} وَقَالَ {نزله روح الْقُدس من رَبك} وَقَالَ {وأيدناه بِروح الْقُدس} يَعْنِي جِبْرِيل وَنسبَة إِضَافَة الرّوح فِي آيَات مَرْيَم كلهَا نِسْبَة إِضَافَة ملك وَخلق وتشريف كَمَا قدمْنَاهُ فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن نفخ جِبْرِيل كَانَ بِأَمْر الله وَسمي الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام روح الله إِمَّا تَشْرِيفًا لَهُ أَو لِأَنَّهُ كَانَ بأَمْره وخلقه من غير وَاسِطَة لأَب وَهَذَا كَاف فِي هَذَا وَمن جعل من للتَّبْعِيض فحلولي مجسم تَعَالَى الله وتقدس عَن ذَلِك الْآيَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ} اعْلَم أَن معنى الرِّضَا سُكُون النَّفس إِلَى الشَّيْء والإرتياح إِلَيْهِ وَذَلِكَ على الله تَعَالَى

محَال فَالْمُرَاد بِهِ مَا تقدم فِي الْمحبَّة وَالْغَضَب من أَنه من صِفَات الْفِعْل أَو من صِفَات الذَّات فعلى الأول أَنه يُعَامل من رَضِي عَنهُ مُعَاملَة الراضي عَمَّن رَضِي عَنهُ من الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان وعَلى الثَّانِي أَنه يُرِيد بِهِ إِرَادَة الراضي كَمَا تقدم والسخط يُقَابل الرِّضَا فَمَعْنَاه أَنه يعامله مُعَاملَة الساخط أَو يُرِيد بِهِ إِرَادَته كَمَا تقدم الْآيَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} اعْلَم أَن دنو الْمسَافَة على الله تَعَالَى محَال وَالَّذِي صَحَّ فِي الحَدِيث عَن عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم أَن الْآيَتَيْنِ فِي روية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل على صورته

الَّتِي خلقه لله تَعَالَى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ رَآهُ مرَّتَيْنِ مرّة فِي أفق الْمشرق وَالثَّانيَِة عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى ثَبت ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما حَدِيث شريك بن أبي نمر الطَّوِيل فقد خلط فِيهِ وَزَاد زيادات لم يروها غَيره مِمَّن هُوَ أحفظ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَة ثَابت وَلَا قَتَادَة عَن أنس لفظ الدنو وَلَا التدني وَلَا الْمَكَان وَلَا فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس وَأبي ذَر وَذكر شريك فِي حَدِيثه مَا يدل على أَنه لم يحفظ الحَدِيث على مَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ خلط فِي مقامات الْأَنْبِيَاء وَقَالَ فِي آخر حَدِيثه فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام والمعراج إِنَّمَا كَانَ رُؤْيَة عين ثمَّ الْحِكَايَة كلهَا مَوْقُوفَة على أنس من تِلْقَاء نَفسه لم يرفعها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا رَوَاهَا عَنهُ وَلَا عزاها إِلَى قَوْله وَقد رَوَت عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وابو هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن المُرَاد بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة جِبْرِيل وهم أحفظ وَأكْثر فَكيف يتْرك لحَدِيث شريك وَفِيه مَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لم يثبت فِي شَيْء مِمَّا رُوِيَ عَن السّلف أَن التدلي مُضَاف إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَعَالَى رَبنَا عَن صِفَات المخلوقين ونعوت الْمُحدثين وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس نَحْو من رِوَايَة انس فِي إِضَافَة الرُّؤْيَة إِلَى الله تَعَالَى وَلَا يَصح شَيْء من ذَلِك بل طرقها واهية ضَعِيفَة عَن ضعفاء مجهولين وَفِي

بَعْضهَا انْقِطَاع وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَا هُوَ مِنْهُ بَرِيء من أَحَادِيث تدل على التَّشْبِيه والتجسيم تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَيرد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي قسم الحَدِيث الضَّعِيف الْآيَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم}

وَقَوله وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم الْآيَة اعْلَم أَن إِضَافَة معية الْقرب بالمسافة إِلَى الله محَال كَمَا تقدم فَوَجَبَ تَأْوِيلهَا بِمَا نقلته الْأَئِمَّة من السّلف عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره وَهُوَ أَن المُرَاد معية الْعلم وَالْقُدْرَة لَا الْمَكَان قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ علمه وَقَالَ الضَّحَّاك قدرته وسلطانه الْآيَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {إِن رَبك لبالمرصاد} عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ يسمع وَيرى وَقَالَ الْفراء {إِلَيْهِ الْمصير} وَمعنى قَوْلهمَا أَن المُرَاد تخويف الْعباد ليحذروا

عُقُوبَته إِذا علمُوا أَنه يسمع وَيرى مَا يَقُولُونَ ويفعلون الْآيَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} اعْلَم أَنه تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن فَمَعْنَى الْآيَة مَا قَالَه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ هُوَ وَعِيد من الله تَعَالَى للعباد وَلَيْسَ لله تَعَالَى شغل وَقَالَ غَيره سنقصد لعقوبتكم ولحكم جزائكم وَقَالَ الْفراء هَذَا من الله وَعِيد لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَيْء عَن شَيْء يَقُول لصَاحبه إِذا أحسن سأفرغ لَك مَعْنَاهُ لأجزينك ولايشغلني عَن مقابلتك شاغل

الْآيَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {ويستخلفكم} الْآيَة الموفية ثَلَاثِينَ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم} الْآيَة اعْلَم أَنه لَا يجوز حمل هَذِه الْآيَة على ظَاهر الظَّرْفِيَّة فِيهَا للباري تَعَالَى وتقدس الْوُجُوه

الأول الدَّلِيل الْعقلِيّ أَن التحيز والجهة فِي حَقه تَعَالَى محَال الثَّانِي أَنه قَالَ {فِي السَّمَاوَات} فَجمع السَّمَوَات فَإِن كَانَ مَعَ الِاتِّحَاد لزم كَون متحيز وَاحِد فِي عدَّة أَمَاكِن متباعدة وَهُوَ محَال وَإِن كَانَ فِي كل سَمَاء غير مَا فِي الْأُخْرَى لزم التجزي والتركيب وَهُوَ محَال تَعَالَى الله عَن ذَلِك كُله الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {لله ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ} فَيلْزم أَن يكون مَالِكًا لنَفسِهِ وَأَنه يسْجد لنَفسِهِ وَهُوَ محَال فَإِن قيل هُوَ عَام قُلْنَا لَا يَصح التَّخْصِيص مَعَ قيام الدَّلِيل الْعقلِيّ والنقلي على خِلَافه الرَّابِع لَو كَانَ كل مظروف محدودا وكل مَحْدُود متناه قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وكل قَابل لذَلِك يحْتَاج إِلَى مُخَصص لذَلِك المتناهي مُحدث لَهُ وَذَلِكَ على الله محَال الْخَامِس قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه}

فَلَيْسَ تَخْصِيص أَحدهمَا بِأولى من الآخر لِأَن الظَّرْفِيَّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاء فَيلْزم أَن يكون فِي الأَرْض أَيْضا السَّادِس قَوْله تَعَالَى وَهُوَ مَعكُمْ اينما كُنْتُم {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} {فَإِنِّي قريب} {وَنحن أقرب إِلَيْهِ} وَلَيْسَ تَأْوِيل هَذَا بِأولى من تَأْوِيل ذَلِك لِأَن تحكم وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَالْمرَاد بِوَجْهِهِ ذَاته كَمَا تقدم السَّابِع أَنهم يَقُولُونَ إِنَّه على الْعَرْش فَيلْزم التَّنَاقُض أَو يكون متحيزا فِي حيزين كَمَا تقدم وَهُوَ محَال إِذا ثَبت هَذَا وَجب حمل الْآيَة على مَا يَلِيق بجلاله تَعَالَى وَفِيه لأهل التَّأْوِيل وُجُوه الأول مَا دلّ عَلَيْهِ لفظ الله من العظمة والإلهية وَاسْتِحْقَاق الْعُبُودِيَّة وَتَقْدِيره وَهُوَ الله المعبود الْمُعظم إِلَه فِي السَّمَوَات وَفِي الأَرْض وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة من قَرَأَ وَهُوَ فِي السَّمَوَات وَفِي الأَرْض الله

القسم الثاني فيما ورد من صحيح الأخبار

الثَّانِي وَهُوَ الله الْمُنْفَرد بِالتَّدْبِيرِ فِي السَّمَوَات وَفِي الأَرْض كَمَا يُقَال فلَان الْخَلِيفَة فِي الْمشرق وَالْمغْرب أَي الْمُنْفَرد بالخلافة فيهمَا الثَّالِث أَن يكون الضَّمِير فِي {وَهُوَ الله} وَيكون الظَّاهِر خَبره وَمَعْنَاهُ {ثمَّ أَنْتُم تمترون} أَنه خَالق ذَلِك كُله وَيكون الظّرْف فِي بِعِلْمِهِ بسرهم وجهرهم وَأحسن مَا قيل أَن يكون فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وَمَعْنَاهُ وَهُوَ الله يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون فِي السَّمَوَات وَفِي الأَرْض الْقسم الثَّانِي فِيمَا ورد من صَحِيح الْأَخْبَار فِي صفة الْوَاحِد القهار وَقد تقدم أَن آيَات الصِّفَات وأحاديثها من الآئمة الْعلمَاء من سكت عَن الْكَلَام فِيهَا نطقا ورد علمهَا إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور بِمذهب السّلف وَاخْتَارَهُ طوائف من الْمُحَقِّقين وَعَلِيهِ أَكثر أهل الحَدِيث وَمن الْأَئِمَّة من أول ذَلِك بِمَا يَلِيق بِجلَال الرب تبَارك وَتَعَالَى وَرجحه طَائِفَة من الْمُحَقِّقين أَيْضا وَقد بَينا أَن الْمخْرج إِلَى ذَلِك حُدُوث الْبدع وظهورها بَين الْمُسلمين وَأَن سُكُون الخواطر على اعْتِقَاد مَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى أولى من التَّعَرُّض لوساوس الِاحْتِمَالَات المرجوحة أَو الممتنعة

الحديث الأول في ذكر الصورة

وَحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقسَام صَحِيح وَحسن وَضَعِيف والضعيف مِنْهُ مَوْضُوع مفترى وَمِنْه ضَعِيف لخلل فِي سَنَده أَو مَتنه وَضعف الضَّعِيف كَاف فِي رد مَعْنَاهُ لَكِن تعرضنا لتأويلها على تَقْدِير صِحَّتهَا أَو للْحَاجة إِلَيْهِ عِنْد من لَا يعرف صنفها فَيَسْبق ذهنه إِلَى اعْتِقَاد ظواهرها وَقد بدأت بِذكر الصَّحِيح مِنْهَا الحَدِيث الأول فِي ذكر الصُّورَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَاتل أحدكُم أَخَاهُ فليجتنب الْوَجْه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَزَاد مُسلم فَإِن الله خلق آدم على صورته وَفِي كتاب ابْن خُزَيْمَة لَا يَقُولَن أحدكُم لعَبْدِهِ قبح الله وَجهك وَوجه من اشبهك فَإِن الله خلق آدم على صورته وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن يعود الضَّمِير فِي صورته إِلَيْهِ فَقيل هُوَ عَائِد إِلَى الْمَضْرُوب أَو المشتوم وَهُوَ الْأَقْرَب

وَأَصله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِرَجُل يضْرب آخر على وَجهه فَقَالَ ذَلِك حثا على احترام الْوَجْه لما فِيهِ من الْمَنَافِع والحواس وَخص آدم عَلَيْهِ السَّلَام بِالذكر لِأَنَّهُ أول من خلق على هَذِه الصُّورَة وَقيل أَشَارَ بذلك إِلَى أَن آدم على صُورَة بنيه لَا كَمَا يُقَال عَنهُ من عظم الجثة وَطول الْقَامَة إِلَى السَّمَاء وَشبه ذَلِك وَقيل الضَّمِير عَائِد إِلَى آدم وَمَعْنَاهُ أَن الله تَعَالَى ابْتَدَأَ خلقه بشرا تَاما على صورته من غير نقل من نُطْفَة إِلَى علقَة إِلَى مُضْغَة كَغَيْرِهِ من بنيه فَيكون المُرَاد الْحَث على حرمتهَا وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى {خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} وَقيل إِشَارَة إِلَى أَن آدم وَإِن خَالف وَعصى بعد كَرَامَة الله تَعَالَى لَهُ فَإِن الله لم يُغير صورته لما أهبطه من الْجنَّة كَمَا غير صُورَة إِبْلِيس والحية والطاووس بل ابقاه على صورته رَحْمَة ولطفا بِهِ وكرامة فَإِن قيل فقد رُوِيَ فِي بعض طرق الحَدِيث على صُورَة الرَّحْمَن قُلْنَا هَذِه الرِّوَايَة ضَعِيفَة جدا وضعفها الْأَئِمَّة وأرسلها الثَّوْريّ ورفعها الْأَعْمَش وَكَانَ يُدَلس أَحْيَانًا إِذا لم يُصَرح بِالسَّمَاعِ

وَأَيْضًا فَيحْتَمل أَن يكون بعض الروَاة توهم عود الضَّمِير إِلَى الله تَعَالَى فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى على زَعمه واعتقاده فَأَخْطَأَ وَأَيْضًا فَفِي رُوَاته حبيب بن ابي ثَابت وَكَانَ يُدَلس وَلم يُصَرح بِسَمَاعِهِ عَن عَطاء وَبِتَقْدِير صِحَّته وعود الضَّمِير إِلَى الله تَعَالَى فَقيل المُرَاد بالصورة الصّفة أَي على صفته من الْعلم والإرادة والسلطة بِخِلَاف سَائِر حيوانات الأَرْض وميزه بهَا وميزه على الْمَلَائِكَة بسجودهم لَهُ فَيكون المُرَاد بذلك تشريف آدم كَمَا تقدم ذَلِك وَفِي هَذَا الْجَواب نظر لِأَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْوَجْهِ وَقيل وَهُوَ الْأَقْرَب إِن الْإِضَافَة إِضَافَة الْملك والخلق لِأَنَّهُ الَّذِي خلق صُورَة آدم وَهُوَ مَالِكهَا ومخترعها كَمَا قَالَ تَعَالَى {هَذَا خلق الله} وَذَلِكَ لِأَن الصّفة كَمَا يَصح اضافتها إِلَى الْمَوْصُوف يَصح إضافتها إِلَى خَالِقهَا وموجدها تَشْرِيفًا لَهَا وتكريما وَمن قَالَ بِأَن لله تَعَالَى صُورَة وَخلق آدم عَلَيْهَا فمردود عَلَيْهِ لما فِيهِ من التجسيم وَكَذَلِكَ من قَالَ صُورَة لَا كالصور

الحديث الثاني

الحَدِيث الثَّانِي حَدِيث الْقِيَامَة الطَّوِيل فِي جمع الله النَّاس إِلَى قَوْله فيأتيهم الله فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْبدُونَ فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا الحَدِيث إِلَى قَوْله فيأتيهم الله فِي الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول أَن ربكُم فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا الحَدِيث

اعْلَم أَن الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والنقلية تحيل الصُّورَة الَّتِي هِيَ التخطيط على الله تبَارك وَتَعَالَى كَمَا تقدم فَوَجَبَ صرفهَا على ظَاهرهَا إِلَى مَا يَلِيق بجلاله تبَارك وَتَعَالَى مِمَّا هُوَ مُسْتَعْمل فِي لُغَة الْعَرَب وَهُوَ الصّفة وَالْحَالة يُقَال كَيفَ صُورَة هَذِه الْوَاقِعَة وَكَيف صُورَة هَذِه الْمَسْأَلَة وَفُلَان من الْعلم على صُورَة كَذَا وَكَذَا فَالْمُرَاد بِجَمِيعِ ذَلِك الصّفة لَا الصُّورَة الَّتِي هِيَ التخطيط فعلى هَذَا الصُّورَة هُنَا بِمَعْنى الصّفة وَتَكون فِي بِمَعْنى الْبَاء فَمَعْنَى الصُّورَة الَّتِي أنكروها أَولا أَنه أظهر لَهُم شدَّة الْبَطْش والبأس وَالْعَظَمَة والأهوال والجبروت وَكَانَ وعدهم فِي الدُّنْيَا يلقاهم فِي الْقِيَامَة بِصفة الْأَمْن من المخاوف والبشرى وَالْعَفو وَالْإِحْسَان واللطف فَلَمَّا أظهر لَهُم غير الصّفة الَّتِي هِيَ مُسْتَقِرَّة فِي نُفُوسهم أنكروها واستعاذوا مِنْهَا وَقَوله فَإِذا أَتَانَا رَبنَا عَرفْنَاهُ أَي بِمَا وعده من صفة اللطف وَالرَّحْمَة وَالْإِحْسَان وَلذَلِك قَالَ فَيكْشف عَن سَاق أَي يكْشف عَن تِلْكَ الشدَّة الْمُتَقَدّمَة وَتظهر

لَهُم صفة الرَّحْمَن فيسجدون شكرا لَهُ وَقد تقدم ذَلِك فِي قَوْله {يَوْم يكْشف عَن سَاق} وَيدل لما قُلْنَا أَن المُرَاد بالصورة الصّفة دلَالَة صَرِيحَة قَوْله فِي الصُّورَة الَّتِي يعرفونها ثَانِيهَا يَأْتِيهم فِي الصُّورَة الَّتِي يعرفونها المُرَاد الَّتِي يعرفونها فِي الدُّنْيَا لأَنهم لم يعرفوه يَوْم الْقِيَامَة قبل ذَلِك بِصُورَة مُتَقَدّمَة وَلَا رُؤْيَة سَابِقَة فَدلَّ على أَن المُرَاد الَّتِي يعرفونها فِي الدُّنْيَا وَلَا خلاف بَين الْخَلَائق أجمع أَن الله تَعَالَى لم تعرف لَهُ فِي الدُّنْيَا صُورَة وَإِنَّمَا عرفت صِفَاته تَعَالَى وَمَا وعد بِهِ الصَّالِحين فِي الْقِيَامَة من لطفه وأمنه وبشارتهم بجنته فَإِن قيل فَلم عدل عَن لفظ الصّفة إِلَى لفظ الصُّورَة قُلْنَا لما كَانَت المتبوعات الْمُتَقَدّمَة فِي الحَدِيث لعابديهم صورا جَاءَ بِلَفْظ الصُّورَة مشاكلة بَين الْمعَانِي والألفاظ فَإِنَّهُ من أَنْوَاع البلاغة وَقَوله فِي الحَدِيث فِي أدنى صُورَة فِيهَا أَي فِي أول صفة رَأَوْهُ فِيهَا لأَنهم لم يرَوا صفة قبلهَا وَمعنى أدنى أقرب وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ أَن الله تَعَالَى يبْعَث لَهُم ملكا فِي صُورَة يمْتَحن إِيمَانهم فِي الْآخِرَة كَمَا امتحنهم فِي الدُّنْيَا بالدجال فَيَقُول أَنا ربكُم وَللَّه تَعَالَى أَن يمْتَحن عباده بِمَا يَشَاء إِذا شَاءَ

الحديث الثالث

قَالَ وَفَائِدَة ذَلِك ثبات الْمُؤمنِينَ على إِيمَانهم وَظُهُور ذَلِك مِنْهُم لمن خالفهم تَشْرِيفًا لَهُم وَالْأول أظهر وَأقرب إِلَى الْأُصُول واللغة وَأقرب من ان يَقُول الْملك المقرب أَنا ربكُم مَعَ عصمته عَن ذَلِك وَنَحْوه وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا يسْتَشْكل جدا وَقد أوجبت بِحَمْد الله عَن إشكاله الحَدِيث الثَّالِث عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال جَهَنَّم تَقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه فَتَقول قطّ قطّ وَعزَّتك. . الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة تَحَاجَّتْ الْجنَّة وَالنَّار قَالَ وَأما النَّار فَلَا تمتلىء حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا رجله الحَدِيث

اعْلَم أَن إِجْرَاء هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه على ظَاهره محَال على الله لأدلة عقلية ونقلية تَقْتَضِي رده وَضَعفه أَو تَأْوِيله لَا محَالة فَإِذا امْتنع رده للإتفاق على صِحَّته تعين وجوب تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بحلال الله تَعَالَى وبصدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصدق الروَاة أما لفظ الْقدَم فَقَالَ الْحسن الْقدَم هَهُنَا هم الَّذين تقدم علم الله بِأَنَّهُم من أهل النَّار وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل الَّذين قدمهم الله وقدرهم لَهَا من شرار خلقه وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل هم الْكفَّار وَقَالَ الْأَزْهَرِي الْقدَم الَّذين تقدم القَوْل عَلَيْهِم بتخليدهم فِيهَا نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا فالقدم اسْم لما قدم وَالْهدم لما هدم وَالْقَبْض اسْم لما قبض وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} أَي مَا قدموه من صَالح الْعَمَل وَقيل الْقدَم جمع قادم كغيب جمع غَائِب وَيُؤَيّد مَا قَالُوهُ قَوْله فِي تَمام الحَدِيث وَأما الْجنَّة فينشيء الله لَهَا خلقا فاتفق الْمَعْنى فِي الدَّاريْنِ وَهُوَ أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تمد بِزِيَادَة من أَهلهَا تمتلىء بهَا وَأما رِوَايَة رجله فَهُوَ إِمَّا من تخييل الرَّاوِي رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ فِيهِ وَإِمَّا أَن الرجل عبارَة عَن جمع كثير كَقَوْلِهِم رجل من جَراد إِذا كَانَ كثيرا منتشرا وَمَعْنَاهُ يضع فِيهَا خلقا كثيرا يشبهون الْجَرَاد فِي كثرتهم وَأما من جعل الْقدَم وَالرجل صفة زَائِدَة لَا ندرى مَا هِيَ فقد تقدم الْكَلَام فِيهِ

وَأعظم من ذَلِك وَأَشد من جعلهَا قدمه تَعَالَى وَقَالَ الْمَعْنى يُخْبِرهُمْ فِيهِ أَن آلِهَتكُم تحترق ورجلي لَا تحترق تَعَالَى الله عَمَّا يَقُوله هَذَا المبتدع وَمَا ابتدعه فِي ذَات الله تَعَالَى وكيفما قَالَه وَالله تَعَالَى يَقُول {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها} فَإِن احْتج مُحْتَج بِكِتَاب ابْن خُزَيْمَة وَمَا أورد فِيهِ من هَذِه العظائم وَبئسَ مَا صنع من إِيرَاد هَذِه العظائم الضعيفة والموضوعة قُلْنَا لَا كَرَامَة لَهُ وَلَا أَتْبَاعه إِذا خالفوا الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والنقلية على تَنْزِيه الله تَعَالَى بِمثل هَذِه الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة وإيرادها فِي كتبهمْ وَابْن خُزَيْمَة وَإِن كَانَ إِمَامًا فِي النَّقْل والْحَدِيث فَهُوَ عَن النّظر فِي العقليات وَعَن التَّحْقِيق بمعزل فقد كَانَ غَنِيا عَن وضع هَذِه العظائم الْمُنْكَرَات الْوَاهِيَة فِي كتبه

وَاعْلَم أَن من الْعلمَاء مَا جزم بِضعْف هَذَا الحَدِيث وَإِن أخرجه الإمامان لِأَنَّهُمَا وَمن روياه عَنهُ غير معصومين وَذَلِكَ لما قَدمته من الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والنقلية أما النقلية فَقَوله تَعَالَى لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَقَالَ {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم} وَهَذَا صَرِيح فِي رد من زعم أَنه قدم الرب تَعَالَى وتقدس عَن ذَلِك فَلَا جَوَاب عَنهُ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى التَّأْوِيل أورد ذَلِك الحَدِيث وَأما الْعَقْلِيَّة فَلِأَن الْجنَّة وَالنَّار جمادان فَكيف يتحاجان سلمنَا أَن الله تَعَالَى خلق فيهمَا حَيَاة فقد علما أَن أَفعَال الله كلهَا صَوَاب وَحِكْمَة فَكيف يتحاجان سلمنَا أَنَّهُمَا لما يعلمَا ذَلِك فالرب تَعَالَى عَالم بِمِقْدَار أهل الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَمَا فَائِدَة توسعة تحوج إِلَى إنْشَاء خلق إِن وضع الْقدَم سلمنَا أَنه يفعل مَا يَشَاء فَهُوَ قَادر على أَن يَفِي تِلْكَ السعَة وَلَا يحْتَاج إِلَى وضع الْقدَم سلمنَا أَنه لم يَشَأْ ذَلِك فَيلْزم أَن تخمد النَّار وَيَزُول الْعَذَاب عَن أَهلهَا أَو أَن تعْمل النَّار فِي الْقدَم عَادَتهَا تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس سلمنَا أَن الْعَذَاب يبْقى وَلَا تُؤثر النَّار فَالنَّار إِنَّمَا سَأَلت الْمَزِيد من مستحقي الْعَذَاب لَا الْمَزِيد من الْقدَم الَّذِي زعموه فَبَان بِكُل مَا ذَكرْنَاهُ لُزُوم أحد التَّأْويلَيْنِ لَا محَالة

الحديث الرابع

الحَدِيث الرَّابِع عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر الحَدِيث وَرَوَاهُ أَبُو سعيد إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا كَانَ ثلث

اللَّيْل ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول هَل من تائب يَتُوب اعْلَم أَن النُّزُول الَّذِي هُوَ الِانْتِقَال من علو إِلَى سفل لَا يجوز حمل الحَدِيث عَلَيْهِ لوجوه الأول النُّزُول من صِفَات الْأَجْسَام والمحدثات وَيحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة أجسام منتقل ومنتقل عَنهُ ومنتقل إِلَيْهِ وَذَلِكَ على الله تَعَالَى محَال الثَّانِي لَو كَانَ النُّزُول لذاته حَقِيقَة لتجددت لَهُ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة حركات عديدة تستوعب اللَّيْل كُله وتنقلات كَثِيرَة لِأَن ثلث اللَّيْل يَتَجَدَّد على أهل الأَرْض مَعَ اللحظات شَيْئا فَشَيْئًا فَيلْزم انْتِقَاله فِي السَّمَاء الدُّنْيَا لَيْلًا وَنَهَارًا من قوم إِلَى قوم وعودة إِلَى الْعَرْش فِي كل لَحْظَة على قَوْلهم ونزوله فِيهَا إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَلَا يَقُول ذَلِك ذولب وَتَحْصِيل

الثَّالِث أَن الْقَائِل بِأَنَّهُ فَوق الْعَرْش وَأَنه ملأَهُ كَيفَ تسعه سَمَاء الدُّنْيَا وَهِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْش كحلقة فِي فلاة فَيلْزم عَلَيْهِ أحد أَمريْن إِمَّا اتساع سَمَاء الدُّنْيَا كل سَاعَة حَتَّى تِسْعَة أَو تضاؤل الذَّات المقدسة عَن ذَلِك حَتَّى تِسْعَة وَنحن نقطع بِانْتِفَاء الْأَمريْنِ الرَّابِع إِن كَانَ المُرَاد بالنزول اسْتِمَاع الْخلق إِلَيْهِ فَذَلِك لم يحصل بِاتِّفَاق وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ النداء من غير إسماع فَلَا فَائِدَة فِيهِ ويتعالى الله عَن ذَلِك إِذا ثَبت ذَلِك فقد ذهب جمَاعَة من السّلف إِلَى السُّكُوت عَن المُرَاد بذلك النُّزُول مَعَ قطعهم بِأَن مَالا يَلِيق بجلاله تَعَالَى غير مُرَاد وتنزيهه عَن الْحَرَكَة والانتقال قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ يفعل الله مَا يَشَاء كَمَا جرى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ ملك الْمَوْت لما فَقَأَ عينه

الحديث السادس

وَاعْلَم أَن الجحدة طعنوا فِي قصَّة مُوسَى هَذِه وَفِي رِوَايَتهَا ونقلها وَقَالُوا كَيفَ جَازَ لنَبِيّ أَن يفعل ذَلِك مَعَ ملك أرْسلهُ الله إِلَيْهِ ويستعصي عَلَيْهِ وَلَا يمتثل أَمر الله تَعَالَى وَكَيف سَاغَ للْملك أَن يُؤَخِّرهُ لَا يمْضِي أَمر الله تَعَالَى فِيهِ وكل ذَلِك خَارج عَن الْعَادة فِي أمثالهم وَسَببه تطريق الاستحالة مِنْهُم وَجَوَاب ذَلِك أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بشر يكره الْمَوْت لما فِي طباع البشرية من كراهيته فَلَمَّا رأى صُورَة بشرية هجمت عَلَيْهِ من غير إِذن تُرِيدُ نَفسه وَظهر لَهُ مِنْهُ ذَلِك وَهُوَ لَا يعرفهُ وَلَا يتَيَقَّن أَنه ملك الْمَوْت وَكَانَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَام شهامة وحدة عمد إِلَى دَفعه عَن نَفسه بِيَدِهِ وَكَانَ فِي ذَلِك ذهَاب عينه وَقد جرت شرائع الله تَعَالَى بِحِفْظ النُّفُوس وَدفع الضَّرَر عَنْهَا وَقد امتحن غير وَاحِد من الْأَنْبِيَاء بِدُخُول الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم فِي صُورَة الْبشر كإبراهيم وَدَاوُد وَلُوط عَلَيْهِم السَّلَام وَتبين لَهُم بعد ذَلِك أَنهم مَلَائِكَة وَكَذَلِكَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي أول الْوَحْي وَلما جَاءَهُ ثَانِيًا وَسَأَلَهُ عَن الْإِيمَان فِي صُورَة رجل فَلَمَّا ذهب وَتبين أمره أخبر أَنه جِبْرِيل وَكَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما تبين أَن الَّذِي جَاءَهُ ملك استسلم لأمر الله تَعَالَى فالتردد هُنَا تَمْثِيل وتقريب لفهم السَّامع وَالْمرَاد بِهِ الْأَسْبَاب والوسائط لِأَن البداء والتردد على الله تَعَالَى محَال الحَدِيث السَّادِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا تصدق أحد بصدقه من طيب وَلَا يقبل الله إِلَّا الطّيب إِلَّا أَخذهَا الرَّحْمَن بِيَمِينِهِ وَإِن كَانَت تَمْرَة فتربو فِي كف الرَّحْمَن حَتَّى تكون أعظم من الْجَبَل وَعنهُ أَيْضا يَمِين الله ملأى لَا يغيضها نَفَقَة سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار

اعْلَم أَن الْجَارِحَة والأعضاء على الله تَعَالَى محَال وَإِنَّمَا هَذَا وَالله أعلم خطاب كَمَا يفهمهُ النَّاس من قَوْلهم أَخذ فلَان إِحْسَان فلَان بِيَمِينِهِ وَمَعْنَاهُ أَخذه بِقبُول وبشاشة وأدب فَإِن الْأَخْذ بِالْيَمِينِ احترام للمعطي وَلِأَن الْأَشْيَاء المهمة يتَنَاوَل بهَا وَلِأَن الْأَخْذ بهَا أسْرع غَالِبا لما فِيهَا من الْقُوَّة فَيكون قَوْله أَخذهَا بِيَمِينِهِ عبارَة عَن معنى ذَلِك لَا الْجَارِحَة الْمعرفَة وَقد تقدم فِي قسم آيَات الْقُرْآن أَن الْيَمين يعبر بهَا عَن الْقُوَّة وَالْقُدْرَة كَمَا قَالَ بَعضهم وَالْقَبْض والكف وَمَا ورد مِنْهُ مَعْنَاهُ الْيَد وَهِي عبارَة عَن الْقُدْرَة والسلطنة كَمَا يُقَال الْبَلَد فِي يَد السُّلْطَان وَالتَّصَرُّف فِي قَبْضَة الْوَزير وَقَوله تَعَالَى {وَمَا ملكت أَيْمَانكُم} لَيْسَ المُرَاد بِشَيْء من ذَلِك الْجَارِحَة وَأما لَفْظَة الْكَفّ فتميل لحفظها لِأَن المريد لحفظ مَا يتَنَاوَلهُ بكفه يحفظه بكفه ويطبقها عَلَيْهِ لتَكون أحفظ لَهُ فَمثل حفظ الله تَعَالَى للصدقة بذلك وَأما لفظ التربية فعبارة عَن تَضْعِيف الْأجر وزيادته

الحديث السابع

الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يضْحك الله إِلَى رجلَيْنِ يقتل أَحدهمَا الآخر كِلَاهُمَا يدْخل الْجنَّة وَمِنْه حَدِيث الْأنْصَارِيّ وَزَوجته وفعلهما مَعَ ضيفهما قَالَ فِيهِ فَلَمَّا أصبح غَدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لقد ضحك الله اللَّيْلَة أَو عجب من فعلكما

اعْلَم أَن الضحك الَّذِي يعتري الْبشر عِنْد حُصُول فَرح الْقلب أَو استفزاز طرب أَو ظُهُور أَمر مَسْتُور جهل سَببه محَال على الله تَعَالَى وَمَعْنَاهُ فِينَا يرجع إِلَى ظُهُور أَمر مَسْتُور وَكَانَ السرُور بالشَّيْء أظهر بضحكه هَذَا بدايته وَأما نهايته فترتب أَثَره عَلَيْهِ وَلما كَانَ الضحك فِينَا محالا على الله تَعَالَى فَلَا بُد من تَأْوِيل الحَدِيث قَالَ البُخَارِيّ ضحكه رَحمته وَقَالَ الْخطابِيّ الضحك هُنَا الْإِخْبَار عَن رِضَاهُ وَحسن مجازاته لعَبْدِهِ وَهُوَ مجَاز سَائِغ فَالْمُرَاد بِهِ هُنَا نِهَايَة الضحك فِينَا وَهُوَ تَرْتِيب أجره عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ إِظْهَار كرامته لعَبْدِهِ وفضله عَلَيْهِ وإقباله لِأَن المسرور بالشَّيْء الْمقبل عَلَيْهِ يبش عِنْد رُؤْيَته ويضحك فَهُوَ عبارَة بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب وَهُوَ مجَاز سائع مُسْتَعْمل كَمَا تقدم وَقيل مَعْنَاهُ أَنه تَعَالَى لَو كَانَ مِمَّن يضْحك لضحك من ذَلِك وَقيل لَعَلَّه من الرباعي بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء أَي يضْحك الله مَلَائكَته أَو عباده وَحَيْثُ نسب إِلَى الرب تَعَالَى فَالْمُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة فِي إِظْهَار الإقبال والرضى كَقَوْلِه فَإِن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة تَمْثِيل للْمُبَالَغَة فِي إسراع المجازاة والإقبال وَمن حمل الضحك على ظَاهره فمبتدع مجسم وَأما رِوَايَة من روى عجب رَبكُمَا فَالْمُرَاد

الحديث الثامن

تَعْظِيم ذَلِك الْأجر عِنْده تَعَالَى لِأَن المتعجب من الشَّيْء مستعظم لَهُ وَسَيَأْتِي أبسط من هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى الحَدِيث الثَّامِن عَن مُعَاوِيَة بن الحكم فِي حَدِيث الْجَارِيَة الَّتِي قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن الله قَالَت فِي السَّمَاء قَالَ وَمن أَنا قَالَت رَسُول الله قَالَ لسَيِّدهَا أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة

وَقد تمسك بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بالجهة وجعلوه عمدتهم وَقد تقدم أَن المهم فِي صدر الْبعْثَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَامَّة إِنَّمَا كَانَ إِثْبَات وجود الْبَارِي

الحديث التاسع

تَعَالَى ووحدانيته بالإلهية فعاملهم بِمَا يؤنسهم مِمَّا ألفوه وأقرهم على اعْتِقَاد ثُبُوت وجوده تَعَالَى وانفراده بالإلهية لِأَن أذهانهم لَا تحْتَمل النّظر فِيمَا لم يألفوه من الْأَدِلَّة الدقيقة وَالتَّفْصِيل الْكُلِّي فَيَقَع مِنْهُم أَولا بالإثبات الْجملِي فِي ذَلِك وَلَا طَرِيق لَهُ إِلَّا بِمَا ألفوه مِمَّا تقبله أذهانهم فَلَمَّا أشارت إِلَى السَّمَاء علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَظمَة الله تَعَالَى عِنْدهَا ووحدانيته ونفرتها من آلِهَة الأَرْض عِنْدهَا الَّتِي كَانُوا يعبدونها فَلَمَّا فهم ذَلِك مِنْهَا سَأَلَهَا عَن نَفسه الْكَرِيمَة ليعلم إِقْرَارهَا بنبوته الَّتِي هِيَ ثَانِيَة عقد الْإِسْلَام فَلَمَّا قَالَت رَسُول الله علم إسْلَامهَا وَقيل يجوز أَن يُرَاد ب أَيْن الْمنزلَة والرتبة فِي صدرها كَمَا يُقَال أَيْن فلَان من فلَان وَأَيْنَ زيد مِنْك توسعا فِي الْكَلَام وَلَا يُرَاد بذلك إِلَّا الرُّتْبَة والمنزلة وَيَقُول الْإِنْسَان لصَاحبه أَيْن محلي مِنْك فَيَقُول فِي السَّمَاء يُرِيد أغْلى مَحل انْتهى الحَدِيث التَّاسِع يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة يَا آدم فَيَقُول لبيْك وَسَعْديك فينادي بِصَوْت إِن الله يَأْمُرك أَن تبْعَث بعث النَّار الحَدِيث اعْلَم أَن لفظ الصَّوْت تفرد بِهِ هُنَا حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش وَخَالفهُ فِيهِ الروَاة عَن الْأَعْمَش وَعَن وَكِيع وَقَالُوا قُم فَابْعَثْ وَسُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل عَن حَفْص بن غياث فَقَالَ كَانَ يخلط فِي حَدِيثه وَلَو صحت هَذِه الرِّوَايَة فَجَوَابه

الحديث العاشر

من وَجْهَيْن الأول أَنه يحْتَمل أَن تكون الدَّال مَفْتُوحَة لما لم يسم فَاعله فتصحفت عَلَيْهِ وأمالها بعض الروَاة على لغته فَظن السَّامع أَن الدَّال مَكْسُورَة الْوَجْه الثَّانِي أَنه لم يُصَرح أَنه صَوت الْبَارِي تَعَالَى فَيحْتَمل أَن يكون صَوت الْمَأْمُور بالنداء كَمَا يُقَال نَادَى السُّلْطَان فِي الْبَلَد بِصَوْت يسمعهُ الْقَرِيب والبعيد وَمَعْنَاهُ أَنه أَمر بذلك لَا أَنه صَوت السُّلْطَان نَفسه وَهَذَا مستعل كثيرا فِي أَلْسِنَة النَّاس الحَدِيث الْعَاشِر عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لله اشد فَرحا بتوبة عَبده من أحدكُم الحَدِيث

الحديث الحادي عشر

اعْلَم أَن الْفَرح فِينَا هُوَ انبساط النَّفس لوُرُود مَا يسرها وَذَلِكَ على الله تَعَالَى غير جَائِز لكنه لما كَانَ لَا يصدر إِلَّا عَن رضَا بِمَا نَشأ عَنهُ عبر بِهِ عَن الرِّضَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} أَي رضوَان فَالْمُرَاد بفرح الله تَعَالَى حَيْثُ ورد الرِّضَا بِمَا ذكر وَقد تقدم معنى الرِّضَا فِي حق الله تَعَالَى وَهُوَ الْقبُول للشَّيْء والمدح لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ وَهُوَ تَعَالَى قَابل للْعَمَل الصَّالح ومادح لَهُ ومثن على فَاعله وَقد يكون الْفَرح بِمَعْنى البطر والأشر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إِنَّه لفرح فخور} {إِن الله لَا يحب الفرحين} وَذَلِكَ على الله تَعَالَى محَال وَمن جعل الْفَرح والضحك صفتين لَا يعقل مَعْنَاهُمَا لُغَة وَلَا عرفا فقد تقدم رده وَأَن هَذِه الْأَلْفَاظ استعيرت تَقْرِيبًا للأفهام الحَدِيث الْحَادِي عشر المقسطون على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الْعَرْش

الحديث الثاني عشر

وَقد تقدم أَن الْيَمين الَّتِي هِيَ الْجَارِحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَارِي محَال وَأَن المُرَاد بهَا هَا هُنَا وَنَحْوه الْإِكْرَام والإقبال وَرفع الْمنزلَة والرتبة عِنْده تَعَالَى لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا أشرف الْجَانِبَيْنِ وَقد يُقَال لمن أكْرمه السُّلْطَان مبالغا فِي ذَلِك أجلسه الْملك عَن يَمِينه وَقد تقدم مَا فِيهِ كِفَايَة لمنصف الحَدِيث الثَّانِي عشر عجب رَبك من قوم جِيءَ بهم فِي السلَاسِل حَتَّى يدْخلُونَ الْجنَّة وَمِنْه عجب رَبك من الشَّاب الَّذِي لَا صبوة لَهُ التَّعَجُّب فِينَا هُوَ استعظام بعض النَّاس مَا دهمه من الْأُمُور النادرة مِمَّا لَا يُعلمهُ وَذَلِكَ على الله تَعَالَى محَال فَوَجَبَ تَأْوِيله على مَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وَهُوَ تَعْظِيم ذَلِك الشَّيْء لِأَن المتعجب من الشَّيْء مستعظم لَهُ وَقيل المُرَاد بالتعجب هُنَا الرِّضَا وَزِيَادَة الْإِكْرَام لِأَن الشَّيْء المتعجب مِنْهُ لَو وَقع فِي النَّفس فَيَقْتَضِي أثرا وَقيل التَّعَجُّب استغراب وُقُوع مالم يعلم وَهَذَا محَال على الله تَعَالَى لعلمه بِمَا كَانَ وَمَا يكون فَوَجَبَ تَأْوِيله بِالرِّضَا والإقبال وَحسن الْمُعَامَلَة وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ الأول

الحديث الثالث عشر

الأساري إِذا اسلموا وَحسن إسْلَامهمْ كَانَ أسرهم وَأَخذهم بالسلاسل سَبَب إسْلَامهمْ الْمُقْتَضِي دُخُولهمْ الْجنَّة وَأما الثَّانِي فَإِن الشَّاب مَظَنَّة اللّعب ونيل الشَّهَوَات فالعصمة مِنْهَا مِمَّا يحِق أَن يستعظم الحَدِيث الثَّالِث عشر إِن الله تَعَالَى يدني عَبده الْمُؤمن فَيَضَع عَلَيْهِ كنفه الحَدِيث لما كَانَ دنو الْمسَافَة على الله تَعَالَى محالا لما تقدم وَجب تَأْوِيله بِقرب الْمنزلَة والكرامة كَمَا يُقَال قرب السُّلْطَان فلَانا وَأَدْنَاهُ أَي فِي الْمنزلَة والكرامة فَمَعْنَاه يُدْنِيه من رَحمته ولطفه وكرامته وَنعمته وَمعنى كنفه إحاطته وستره من كل مؤذ وأصل الكنف السّتْر وكل شَيْء ستر شَيْئا فقد كنفه وَمِنْه حَدِيث عون إِن الله ليدني يَعْنِي بِهِ عَفوه ولطفه وغفرانه

الحديث الرابع عشر

لأهل الْموقف وَمن حمل الدنو على قرب الذَّات فخطأ مَرْدُود الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ حبر من أهل الْكتاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله يضع السَّمَاء على أصْبع وَالْأَرْض على أصْبع وَالْجِبَال على أصْبع والأنهار على أصْبع وَسَائِر الْخلق على أصْبع الحَدِيث فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قُلُوب بني آدم بَين أصبعين من أَصَابِع

الرَّحْمَن كقلب وَاحِد بِقَلْبِه حَيْثُ شَاءَ لما كَانَ حمل هَذَا الحَدِيث على الْعُضْو الْمَعْرُوف منا محالا على الله تَعَالَى لما يلْزم عَلَيْهِ من الجسمية وَجب تَأْوِيله أما أَولا فَلِأَنَّهُ كَلَام يَهُودِيّ فَلَا يحْتَج بِهِ وَقد علم أَن الْيَهُود مشبهة ومجسمة وَأما ضحك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَعَلَّهُ كَانَ اسْتِخْفَافًا باليهودي وَإِنْكَارا لما قَالَه بِدَلِيل تِلَاوَة الْآيَة فَإِنَّهُ ظَاهر فِي رد مَا قَالَه وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ فَإِن سامع الْكَلَام الْبَاطِل يضْحك مِنْهُ اسْتِخْفَافًا فَإِن قيل قد ورد فِي بعض طرقه تَعَجبا وَتَصْدِيقًا قُلْنَا لم يرو الْأَكْثَر ذَلِك وَلَعَلَّه توهم من الرَّاوِي لَا أَن ذَلِك من أَلْفَاظ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يشْعر بذلك وَبِتَقْدِير صِحَّته فَمَعْنَاه إِن هَذِه الْمَخْلُوقَات الْعَظِيمَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى عظم قدرته كنسبة مَا يَأْخُذهُ الْإِنْسَان على رَأس الْأصْبع من قدرته بل نِسْبَة مَا ذكر فِي الحَدِيث إِلَى قدرَة الله

تَعَالَى أقل من نِسْبَة الْمَأْخُوذ على الْأصْبع فَهُوَ تَمْثِيل لعظم قدرته تَعَالَى لِأَن مَا يَأْخُذهُ الْإِنْسَان عَليّ أُصْبُعه أقل مَا يقدر عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قوته وَقدرته وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَمَعْنَاه أَن الْقُلُوب فِي قهره وَقدرته كقدرة أحدكُم وقهره لما يقلبه بَين أصعيه وَذَلِكَ لِأَن فعل العَبْد وَتَركه إِنَّمَا يَقع لحُصُول دَاع يخلقه الله تَعَالَى فِي قلب العَبْد إِلَى ذَلِك فَهُوَ تَمْثِيل لتصرف الرب تَعَالَى فِي قُلُوب الْعباد يخلق ذَلِك الدَّاعِي فَهُوَ تَمْثِيل للمهانى بالأجسام وَكَلَام بعض الْحَنَابِلَة فِي هَذَا مَرْدُود بِمَا ذَكرْنَاهُ

الحديث الخامس عشر

الحَدِيث الْخَامِس عشر يطوي الله السَّمَوَات يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يأخذهن بِيَدِهِ الْيُمْنَى الحَدِيث اعْلَم أَن الْقَبْض حَقِيقَته بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا مُبَاشرَة بالكف وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى محَال كَمَا تقدم فَوَجَبَ تَأْوِيله بِأَن المُرَاد تقريب التَّمْثِيل بِمَا يدْرك بالْحسنِ مِمَّا هُوَ أقرب إِلَيْهِ وَقد تقدم مَعْنَاهُ وَمعنى الْيَمين فِي آيَة الزمر فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} وَجَاء فِي بعض طرق الحَدِيث لفظ الشمَال وَانْفَرَدَ بِهِ عمر بن حَمْزَة دون سَائِر رُوَاة الحَدِيث الصَّحِيح وكلتا يَدَيْهِ يَمِين

الحديث السادس عشر

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ كَأَن الَّذِي روى الشمَال رَوَاهُ على الْعَادة الْجَارِيَة على الْأَلْسِنَة فِي مُقَابلَة الْيَمين بالشمال وَقَوله فِي الحَدِيث يقبض أَصَابِعه ويبسطها هُوَ من لفظ الرَّاوِي يَحْكِي بِهِ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أَنه رب الْعِزَّة تبَارك وَتَعَالَى الحَدِيث السَّادِس عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما قضى الله الْخلق كتب كتابا عِنْده فَوق الْعَرْش أَن رَحْمَتي غلبت غَضَبي ويروي سبقت غَضَبي قيل إِن الْكتاب الْمَذْكُور يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَن يكون المُرَاد كتب أَي أوجب وَقضي كَقَوْلِه تَعَالَى كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي كتب فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يكون وَقَوله عِنْده عبارَة عَن الْحِفْظ والثبوت لَا معنى الظَّرْفِيَّة لِأَن الظَّرْفِيَّة عَلَيْهِ محَال كَمَا يَقُول الْمقر لفُلَان عِنْدِي كَذَا فِي الذِّمَّة مَعْنَاهُ الثُّبُوت لَا الظَّرْفِيَّة وَلَا المساحة

الحديث السابع عشر

وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْعلم كَقَوْلِه تَعَالَى {قَالَ علمهَا عِنْد رَبِّي} وَقَوله فَوق الْعَرْش يجوز أَن يكون ظرفا للْكتاب فَقَط أَي الْكتاب ثَابت فَوق الْعَرْش الحَدِيث السَّابِع عشر عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ذكرت امْرَأَة لَا تنام اللَّيْل قَالَ عَلَيْكُم بِمَا تطيقون فوَاللَّه لَا يمل الله حَتَّى تملوا اعْلَم أَن الملال على الله تَعَالَى محَال وَهُوَ ثقل الشَّيْء على النَّفس والسآمة مِنْهُ فَوَجَبَ تَأْوِيله وَهُوَ أَنه لَا يتْرك الْأجر وَالثَّوَاب حَتَّى يتْركُوا الْعَمَل وَلِأَن من مل شَيْئا تَركه فَعبر عَن التّرْك بالملال الَّذِي هُوَ سَببه من بَاب اسْتِعْمَال الْمُسَبّب بِلَفْظ السَّبَب وَهُوَ مجَاز كثير كَمَا تقدم وَقيل إِن مَجِيئه بِهَذَا اللَّفْظ من بَاب الْمُقَابلَة فِي الْأَلْفَاظ وَهُوَ بَاب من أبوب الفصاحة كَقَوْلِه تَعَالَى {ومكروا ومكر الله} {نسوا الله فنسيهم} {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا}

الحديث الثامن عشر

وَقيل مَعْنَاهُ لَا يتناهى حَقه عَلَيْكُم فِي الطَّاعَة حَتَّى يتناهى جهدكم الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَامَت الرَّحِم فَأخذ بحقو الرَّحْمَن فَقَالَ مَه فَقَالَت هَذَا مَكَان العائذ بك من القطيعة قَالَ نعم وَفِي رِوَايَة عَائِشَة الرَّحِم شجنه من الرَّحْمَن // رَوَاهُ البُخَارِيّ // الشجنة الشَّيْء الملتف بعضه بِبَعْض مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن اسْم الرَّحِم شُعْبَة من اسْم الرَّحْمَن أَي حروفها بعض حُرُوف الرَّحْمَن فَوَجَبَ تَعْظِيم حَقّهَا وقدرها ومراعاتها لذَلِك وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي الحَدِيث إِن الله تَعَالَى قَالَ أَنا الرَّحْمَن خلقت الرَّحِم وشققت لَهَا اسْما من اسْمِي

الحديث التاسع عشر

وَالْمرَاد بالشجنة التَّمْثِيل بالمحسوس وَأما الْأَخْذ بالحقو فَظَاهره محَال على الله تَعَالَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا استجارت واعتصمت بِهِ من القطيعة كَمَا يستجير الْإِنْسَان من عَدو بكبير الْبَلَد فَهُوَ تميثل بالمحسوس والحقو الْإِزَار وَكَانَ أحد الْعَرَب إِذا استجار بكبير الْقَوْم أَخذ بِإِزَارِهِ مستجيرا بِهِ وَذَلِكَ مُسْتَعْمل فِي زَمَاننَا هَذَا وَقيل إزَاره عزه فَاسْتَجَارَ بعزه من القطيعة وَمن حمل الحَدِيث على ظَاهره الْمَعْرُوف فمردود الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يحْكى عَن ربه العظمة إزَارِي والكبرياء رِدَائي فَمن نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قصمته وَفِي رِوَايَة قَذَفته فِي النَّار وَفِي رِوَايَة الْعِزّ إزَارِي

الحديث العشرون

اعْلَم أَنه لَا يجوز على الله تَعَالَى الْإِزَار والرداء المعروفان بَيْننَا لَا سِيمَا فسرهما بالعظمة والكبرياء وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن العظمة والكبرياء صفتان من صِفَاته لَا يُشَارِكهُ فيهمَا غَيره وَلَا يتعاطاها أحد من خلقه وَذكر الْإِزَار والرداء تَمْثِيل على طَرِيق الْمجَاز لِأَن الملتحف بردائه والمؤتز بِإِزَارِهِ لَا يُشَارِكهُ غَيره فِي ذَلِك فِي تِلْكَ الْحَالة فَكَذَلِك الرب تبَارك وَتَعَالَى لَا يُشَارِكهُ أحد فِي عَظمته وكبريائه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحَدِيث الْعشْرُونَ فِي حَدِيث الدَّجَّال إِنَّه أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور تقدم أَن الْجَوَارِح والأعضاء على الله تَعَالَى محَال فَمَعْنَى الحَدِيث وَالله أعلم ننفي

الحديث الحادي والعشرون

التناقص على الله تَعَالَى وَثُبُوت صفة النَّقْص للدجال فصفة النَّقْص دَلِيل على عدم ربوبيته وَبطلَان قَوْله وَلَيْسَ المُرَاد إِثْبَات الْجَارِحَة للرب تَعَالَى وَجعل بعض الْحَنَابِلَة ذَلِك من بَاب دَلِيل الْخطاب وَأثبت الْجَارِحَة لرب الْعِزَّة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن سمات المخلوقين وَهُوَ تجسيم مِنْهُم وتجرؤ على الله تَعَالَى وَخطأ فِي الإستدلال فَإنَّا إِذا قُلْنَا الْقَمَر لَيْسَ بأعور لم يلْزم مِنْهُ أَن يكون لَهُ عينان وَدَلِيل الْخطاب لَيْسَ بِحجَّة عِنْد أَكثر عُلَمَاء الْأُصُول فِي الْفُرُوع فَكيف يحْتَج بِهِ فِي صِفَات الرب تَعَالَى الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ عَن أبي رزين الْعقيلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل حجابه النُّور وَفِي رِوَايَة النَّار لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه

وَقَوله حجابه النُّور اعْلَم أَن كل مَا جَاءَ فِي الحَدِيث من الْحجاب أَو الْحجب فَمَعْنَاه رَاجع إِلَى الْمَخْلُوق لَا إِلَى الْخَالِق تَعَالَى لأَنهم هم المحجوبون عَنهُ بحجاب خلقه لَهُم وَأما الرب تَعَالَى فيستحيل أَن يكون محتجبا أَو محجوبا لِأَن الْحجاب أكبر من المحجوب وَإِلَّا لم يستره وأصل الْحجب الْمَنْع وَمعنى حجب الْكَافرين عَن رُؤْيَته مَنعهم من رُؤْيَته ويروي أَن رجلا قَالَ بِحَضْرَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَا وَالَّذِي احتجب بسبعة أطباق فَقَالَ وَيحك إِن الله لَا يحتجب عَن خلقه وَلَكِن حجب خلقه عَنهُ وأضافه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ خلقه وَجعله وَقَوله لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه أَي لأحرقت سبحات وَجهه تَعَالَى من أدْركهُ بَصَره من خلقه وسبحات جمع سبْحَة وَهِي جلال الله تَعَالَى وعظمته وَقيل أضواء وَجهه

الحديث الثاني والعشرون

وَسميت بذلك لِأَن الْإِنْسَان إِذا رأى حسن الْخلق قَالَ سُبْحَانَ الله أَو سُبْحَانَ من خلقه وَقيل قَوْله سبحات وَجهه كَلَام معترض وَمَعْنَاهُ سبحات الله وَيصير تَقْدِير الْكَلَام لأحرقت النَّار مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه انْتهى الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيخلو بِهِ ربه يَوْم الْقِيَامَة ويكلمه لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان الحَدِيث اعْلَم أَن المُرَاد بالخلو هُنَا أَفْرَاده بذلك الْكَلَام وتخصيصه بِهِ دون غَيره حَتَّى يظنّ الْمُخَاطب أَنه لَيْسَ مكلما سواهُ وَذَلِكَ ستر من الله تَعَالَى عَلَيْهِ حلما وكرما ولطفا الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ عَن أبن مَسْعُود أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سَمعه أهل السَّمَاء كجر

السلسلة على الصَّفَا الحَدِيث وَمِنْه الحَدِيث يأتيني الْوَحْي أَحْيَانًا كصلصلة

الحديث الرابع والعشرون

الجرس وَلَيْسَ فِي الحَدِيث الأول سمع صَوته أهل السَّمَاء وَرَوَاهُ بَعضهم كَذَلِك ظَانّا أَنه رَوَاهُ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الْخطابِيّ يُرِيد وَالله أعلم أَنه صَوت متدارك يسمعهُ السَّامع وَلَا يتبينه عِنْد أول مَا يقرع سَمعه حَتَّى يفهمهُ ويستثبت فيعيه حِينَئِذٍ انْتهى الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله تَعَالَى أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه إِذا ذَكرنِي فَإِن ذكرنى فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَإِن ذَكرنِي فِي ملا ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم وَإِذا اقْترب مني شبْرًا اقْتَرَبت مِنْهُ ذِرَاعا وَإِن اقْترب إِلَيّ ذِرَاعا اقْتَرَبت مِنْهُ باعا وَإِن أتانى يمشي أَتَيْته هرولة

الحديث الخامس والعشرون

وَقد تقدم مَعْنَاهُ النَّفس وَأَن معنه أَنا وَمعنى عِنْد وَأما قَوْله فِي الْقرب شبْرًا وذراعا وباعا وَالْمَشْي والهرولة فَإِنَّهُ تَمْثِيل للإقبال عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ والإجابة لَهُ وتعظيم أجره وثوابه على مِقْدَار الْعَمَل الَّذِي تقرب بِهِ فَأُرِيد تَمْثِيل ذَلِك بِمن أقبل على صَاحبه ومحبه قدر شبر فَأقبل عَلَيْهِ ذِرَاعا وَكَمن مَشى إِلَى صَاحبه فهرول صَاحبه إِلَيْهِ قبولا لَهُ وتكريما وَقيل مَعْنَاهُ توفيقه وتيسير الْعَمَل المتقرب بِهِ عَلَيْهِ الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا وجنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن قَوْله رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه إِشَارَة إِلَى صفة الْكِبْرِيَاء كَمَا تقدم وَكَأَنَّهُ لعظمته وكبريائه لَا يُرِيد أَن ينظر إِلَيْهِ أحد قبل كَونه فِي جنَّة عدن بِإِذْنِهِ تَعَالَى فَإِذا أَرَادَ أذن لَهُم أَن يدخلوها فَدَخَلُوهَا إِذا اراد أَن يروه فيرونه والظرف فِي

الحديث السادس والعشرون

قَوْله فِي جنَّة عدن مُتَعَلق بالرائين لَا بِرَبّ الْعِزَّة تَعَالَى وَتَقْدِير الْكَلَام وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا فِي جنَّة عدن إِلَيْهِ إِلَّا صفة الْكِبْرِيَاء وَجعله بعض الْحَنَابِلَة ظرف المرئي تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ عَن ابْن مَسْعُود فِي حَدِيث طَوِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا أحد أغير من الله وَمن طَرِيق أُخْرَى عَن الْمُغيرَة لَا شخص أغير من الله وَفِي رِوَايَة لَا شَيْء أغير من الله اعْلَم أَن حَقِيقَة الشخصية لذات لَهَا شخص وحجم مَأْخُوذ من الشخوص وَهُوَ الِارْتفَاع وَإِنَّمَا ذَلِك فِي الْأَجْسَام وَهُوَ محَال على الله تَعَالَى فَوَجَبَ تَأْوِيل ذَلِك وَكَذَلِكَ الْغيرَة عبارَة عَن حَالَة نفسانية تَقْتَضِي منع الشَّيْء وكراهيته والزجر عَنهُ فَعبر بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب وَاعْلَم أَن إِطْلَاق الشَّخْص لَا يكون إِلَّا جسما مؤلفا وَسمي بذلك لما لَهُ من شخوص

وارتفاع وَلَفظ الشَّخْص لم يُورِدهُ البُخَارِيّ بل حَكَاهُ عَن عبيد الله بن عَمْرو قَالَ الْخطابِيّ عَن لفظ الشَّخْص وخليق أَن لَا تكون هَذِه اللَّفْظَة صَحِيحَة وَأَن تكون تصحيفا من الرَّاوِي لِأَن النّظر الأول من شَيْء وشخص سَوَاء قَالَ وَلَيْسَ كل الروَاة يراعون لفظ الحَدِيث وَلَا يتعدونه وَكثير مِنْهُم يحدثُونَ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ كلهم بفقيه حَتَّى يرْوى عَن بَعضهم أَنه قَالَ نعم الْمَرْء رَبنَا لوأطعناه مَا عصانا وَلَفظ الْمَرْء إِنَّمَا هُوَ للذّكر من بني آدم وَالظَّاهِر أَن مُطلق هَذَا الحَدِيث وَشبهه لم يقْصد الْمَعْنى الَّذِي لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وَإِنَّمَا جرى لِسَانه على بديهة الطَّبْع من غير تفكر وَتَأمل بل معنى الْكَلَام لَيْسَ أحد من المخلوقين أغير من الله تَعَالَى وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون مخلوقا وَهُوَ كَقَوْلِهِم لَيْسَ أحد من بني تَمِيم أعدل من عمر وَهُوَ كَلَام صَحِيح مَعَ أَن عمر قرشي وَلَيْسَ تميميا وَمِنْه مَا رُوِيَ فِي حَدِيث مَا خلق الله من جنَّة وَلَا نَار أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل الْخلق هُنَا يرجع إِلَى الْمَخْلُوق لَا إِلَى الْقُرْآن فَلم يلْزم من ذَلِك أَن

الحديث السابع والعشرون

تكون آيَة الْكُرْسِيّ مخلوقة وَلما حرم الله سُبْحَانَهُ الْفَوَاحِش وزجر عَنْهَا وتوعد عَلَيْهَا وصف بالغيرة الَّتِي هِيَ كَرَاهَة الشَّيْء والزجر عَنهُ كَمَا تقدم الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أحدكُم إِذا صلى فَإِن الله قبل وَجهه وَفِي رِوَايَة أنس إِن ربه بَينه وَبَين الْقبْلَة هَذَا الحَدِيث دَافع لمَذْهَب الْجِهَة فَإِن جِهَة فَوق وَقُدَّام متضادان لَا يَجْتَمِعَانِ الْبَتَّةَ فَإِن حملهَا على ظاهرهما محَال على الله تَعَالَى لَا يَجْتَمِعَانِ عقلا وَعَادَة وَشرعا وَإِن أول هَذَا دون ذَلِك فتحكم وَإِن أَولهمَا فأهلا بالوفاق وتأويله عندنَا بِحَذْف مُضَاف تَقْدِيره فَإِن قبلته الَّتِي أكرمها وَأمر باستقبالها قبل وَجهه فَيجب احترامها لأجل من يُضَاف إِلَيْهَا وَحذف الْمُضَاف فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَفِي أَلْسِنَة النَّاس كثير وَقيل مَعْنَاهُ فَإِن ثَوَاب الله قبل وَجهه أَي يَأْتِيهِ الثَّوَاب وَالرَّحْمَة وَالْقَبُول من قبل وَجهه كَمَا جَاءَ فِي

الحديث الثامن والعشرون

الحَدِيث يَجِيء الْقُرْآن بَين يَدي صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة أَي ثَوَاب الْقُرْآن وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا جَاءَ فِي الحَدِيث إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَإِن الرَّحْمَة تواجهه وَقَوله فَإِن ربه بَينه وَبَين الْقبْلَة مَعْنَاهُ أَن توجهه إِلَى الْقبْلَة مفض إِلَى قَصده لرَبه فَصَارَ كَأَن مَقْصُوده بَينه وَبَين الْقبْلَة فَيجب احترامها الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اهتز الْعَرْش لمَوْت سعد ابْن معَاذ وَفِي رِوَايَة اهتز عرش الرَّحْمَن لمَوْت سعد

الحديث التاسع والعشرون

أما الاهتزاز فَالْمُرَاد مِنْهُ السرُور والفرح والاستبشار يُقَال فلَان يَهْتَز للمدح ويهتز لكذا إِذا سر وَفَرح أما الْعَرْش فَالْمُرَاد حَملته والطائفون بِهِ فَحذف الْمُضَاف كَقَوْلِه تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة} وَمِنْه {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} أَي أَهلهَا وَمِنْه هَذَا جبل يحبنا وَنحن نحبه يَعْنِي أَهله وَمعنى الحَدِيث سرُور الْمَلَائِكَة فَرحا بقدوم روح سعد الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله تَعَالَى يَا ابْن آدم مَرضت فَلم تعدني فَيَقُول يَا رب كَيفَ أعودك وَأَنت رب الْعَالمين فَيَقُول أما علمت أَن عَبدِي فلَانا مرض فَلم تعده أما علمت أَنَّك لَو عدته لَوَجَدْتنِي عِنْده الحَدِيث إِلَى آخِره

الحديث الموفي ثلاثين

وَفِي رِوَايَة لوجدت ذَلِك عِنْدِي لَا خلاف فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ أطلق الْمَرَض وَالِاسْتِسْقَاء والاستطعام على نَفسه وَإِنَّمَا المُرَاد ولي من أوليائه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن تنصرُوا الله ينصركم} {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} وَالْمرَاد أَوْلِيَاء الله وَدينه وَقَوله لَوَجَدْتنِي عِنْده أَي لوجدت ثوابي ورحمتي وكرامتي ورضواني وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَوجد الله عِنْده} أَي لوجد جَزَاء الله عِنْده وَلذَلِك قَالَ {فوفاه حسابه} الحَدِيث الموفي ثَلَاثِينَ حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ كتب فِي كل شَيْء ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض

فِيهِ دَلِيل على أَنه سُبْحَانَهُ لم يكن مَعَه شَيْء غَيره لَا الْعَرْش وَلَا المَاء غَيرهمَا لِأَنَّهُ نفى الْغَيْر مُطلقًا وَقَوله وَكَانَ عَرْشه على المَاء أَي ثمَّ خلق الْعَرْش على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ كل شَيْء وَأما حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ أَيْن كَانَ رَبنَا قَالَ كَانَ فِي عماء فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف تفرد بِهِ يعلى بن عَطاء عَن وَكِيع بن عدس وَيُقَال حدس وَسَيَأْتِي تَأْوِيله بِتَقْدِير ثُبُوته فِي قسم الحَدِيث الضَّعِيف إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الحديث الحادي والثلاثون

الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الَّذِي أوصى أَن يحرق ويذر رماده فِي الْبَحْر الحَدِيث بِطُولِهِ قَالَ فِيهِ فِي رِوَايَة فوَاللَّه لَئِن قدر الله عَليّ ليعذبني وَفِي رِوَايَة لعَلي أضلّ الله ظَاهره مُشكل فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُؤمنا يعْتَقد الْبَعْث لم يخفه ذَلِك وَإِن لم يعْتَقد الْبَعْث فَهُوَ كَافِر فَكيف غفر لَهُ وَجَوَاب ذَلِك أما قَوْله لَئِن قدر الله عَليّ لَيْسَ هُوَ من الْقُدْرَة بل هُوَ من التَّقْدِير الَّذِي هُوَ التَّضْيِيق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر أَي ينيق فَمَعْنَاه لَئِن ضيق الله عَليّ عَفوه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} أَي نضيق لِأَن النَّبِي لَا يجهل صفة من صِفَات الله تَعَالَى وَهِي قدرَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَقيل هُوَ التَّقْدِير الَّذِي هُوَ سَابق الْقَضَاء أَي لَئِن كَانَ الله قدر عَليّ عَذَابي فِي سَابق علمه

القسم الثالث

أما قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لعَلي أضلّ الله مَعْنَاهُ النسْيَان الَّذِي هُوَ التّرْك وَلَفظه ضل تسْتَعْمل بِمَعْنى النسْيَان وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَن تضل إِحْدَاهمَا} {لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى} فَيصير مَعْنَاهُ لَعَلَّ الله يتركني بعد الْمَوْت وَلَا يَبْعَثنِي فَأَسْتَرِيح من عَدَالَته وكل ذَلِك خشيَة من عَذَاب الله وخوفا مِنْهُ لَا أَنه يعْتَقد أَن الله ينسى شَيْئا أَو يضل عَن شَيْء وَقيل كَانَ الرجل مَعَ إيمَانه جَاهِلا الْقسم الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي وَضَعتهَا الزَّنَادِقَة أَعدَاء الدّين وأرباب الْبدع المضلين ليلبسوا على النَّاس دينهم وَقد ذكرت مَا تيسرمن أَسبَاب ضعفها بِاخْتِصَار والمقتضي لمنع التَّمَسُّك بهَا وتأويلها بعد تَسْلِيم ثُبُوتهَا على مَا يَقْتَضِيهِ لِسَان الْعَرَب الَّذِي نزل بِهِ الْقُرْآن وَاقْتصر فِي غالبها على الْأَلْفَاظ الَّتِي يحْتَاج إِلَى بَيَان ضعفها وتأويلها دون بَقِيَّة الْأَلْفَاظ الحَدِيث الأول حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق الْخلق قَالَ كَانَ فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء ثمَّ خلق الْعَرْش على المَاء

هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ يعلى بن عَطاء عَن وَكِيع بن عدس وَيُقَال حدس وَلَا يعرف لوكيع هَذَا راو غير يعلى هَذَا وهما مَجْهُولَانِ وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ كل مَا رَوَاهُ حجَّة فِي الْفُرُوع فَكيف فِي معرفَة الله تَعَالَى الَّتِي هِيَ أصل الدّين وَاحْتج بعض الحشوية بِعَدَمِ إِنْكَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُؤَاله بقوله أَيْن الدَّالَّة على الْمَكَان وَقد بَينا ضعف الحَدِيث وَعدم الِاحْتِجَاج بِهِ وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَالْجَوَاب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينفر الداخلين فِي الْإِسْلَام أَولا من الْأَعْرَاب والجاهلية لأَنهم كَانُوا أهل جفَاء وغلظة طباع غير فاهمين لدقائق النّظر فَكَانَ لاينفرهم ويعيرهم بمبادرة الأفكار عَلَيْهِم وَقيل مَعْنَاهُ أَيْن كَانَ عرش رَبنَا بِحَذْف الْمُضَاف وَيدل عَلَيْهِ قَوْله وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَأما قَوْله فِي عماء فقد رُوِيَ بِالْمدِّ وَالْقصر فَأَما الْمَدّ فَهُوَ الْغَيْم الرَّقِيق وَالْمرَاد

الحديث الثاني

بِهِ جِهَة الْعُلُوّ أَي فَوق العماء بالقهر وَالتَّدْبِير لَا بِالْمَكَانِ وَأما بِالْقصرِ قَالَ التِّرْمِذِيّ عَن يزِيد بن هَارُون أَنه قَالَ الْعَمى أَي لَيْسَ مَعَه شَيْء فَالْمُرَاد أَنه كَانَ وَحده وَلَا شَيْء مَعَه وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن الثَّابِت فِي الصَّحِيح كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَرُوِيَ وَلَا شَيْء مَعَه فَشبه عدم الْأَشْيَاء بالعمى لِأَن الْأَعْمَى لَا يرى شَيْئا وَكَذَلِكَ الْمَعْدُوم لَا يرى وَنفي التَّحْتِيَّة والفوقية فِي الْعَمى بقوله مَا تَحْتَهُ هَوَاء يَعْنِي لَيْسَ تَحت الْمَعْدُوم الْمعبر عَنهُ بالعمى هَوَاء وَلَا فَوْقه هَوَاء لِأَن ذَلِك الْمَعْدُوم لَا شَيْء فَلم يكن لَهُ تَحت وَلَا فَوق بِوَجْه الحَدِيث الثَّانِي مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة إِلَى قَوْله فَوضع يَده بَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا قَالَ الإِمَام أَحْمد أصل هَذَا الحَدِيث وطرقه مضطربة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كل أسانيده مضطربة لَيْسَ فِيهَا صَحِيح وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ من أوجه كلهَا ضَعِيفَة

وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا يحل التَّمَسُّك بِهِ فِي صِفَات الْبَارِي تَعَالَى وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَإِن لَهُ أجوبة الأول لَعَلَّه كَانَ فِي النّوم والمنامات أَوْهَام وتخيلات جعلهَا الله دَلِيلا على مَا كَانَ أَو يكون والتخيلات والأوهام لَيست حقائق فِي نَفسهَا كَمَا يرى الْإِنْسَان أَنه طَار فِي الْهَوَاء وَمَشى على المَاء أَو أَنه فِي مَكَّة أَو الْهِنْد وَشبه ذَلِك فَإِن ذَلِك لَيْسَ حَقِيقَة قطعا فَإِن قيل رُؤْيا الْأَنْبِيَاء حق قُلْنَا نعم هِيَ حق وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا حق فِي مقاصدها وتأويلاتها لَا فِي صورها فِي نَفسهَا مُطلقًا فِي جَمِيعهَا فَإِن رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السوارين من الذَّهَب فِي يَدَيْهِ الكريمتين ونفخه لَهما بِفِيهِ وطيرانهما لم يكن سوارا الذَّهَب فِي يَدَيْهِ حَقِيقَة وَلَا النفخ بِفِيهِ المكرم حَقِيقَة وَإِنَّمَا كَانَ الْحق والحقيقة فِي تَأْوِيل ذَلِك وَلذَلِك كَانَ كَذَلِك الثَّانِي لَو سلم أَنه كَانَ فِي الْيَقَظَة فَقَوله فِي أحسن صُورَة حَال من الرَّائِي

الحديث الثالث

لَا من المرئي أَي رَأَيْته وَأَنا فِي أحسن صُورَة وَيكون المُرَاد إِمَّا نفس صورته لِأَن الله تَعَالَى زين خلقه وجمل صورته وحسنها لمزيد كرامته وَإِمَّا لما أَفَاضَ عَلَيْهَا من لطائفه ونعمه والإقبال عَلَيْهِ وَرضَاهُ ومزيد كرامته الثَّالِث لَو سلم أَن الْحَال من المرئي وَهُوَ إِمَّا فِي الْمَنَام كَمَا تقدم لِأَن الرُّؤْيَا نوع من الْوَهم والخيال وَذَلِكَ لَا يَنْفَكّ عَن صُورَة مخيلة وَلذَلِك ذكره المعبرون فِي تصانيفهم وَإِمَّا فِي الْيَقَظَة فَيكون المُرَاد فِي أحسن حَاله مِنْهُ فِي أَو معي من الإقبال وَالرِّضَا واللطف فِي الْبر والإنعام لِأَن ذَلِك يعبر عَنهُ بالصورة وَأما وضع الْيَد بَين الْكَتِفَيْنِ فاستعارة لمحمود التَّقْرِيب والإهتمام والاعتناء وَأَرَادَ بِالْيَدِ الْمِنَّة كَمَا يُقَال لفُلَان عِنْدِي يَد بَيْضَاء كَمَا تقدم مُسْتَوفى فِي الْآيَة والْحَدِيث وَأما الْكَتِفَيْنِ فَالْمُرَاد لَو صَحَّ وَالله أعلم تَحْقِيق إِيصَال لطفه وكرامته إِلَى قلبه وَرُوِيَ كنفى بالنُّون أَي مَا كنت فِيهِ من ظلّ نعمه عَليّ وَأما الْبرد الْمَذْكُور فَالْمُرَاد بِهِ النِّعْمَة على الْقلب وروحها كَمَا يُقَال عَيْش بَارِد أَي طيب ذُو رفاهية وغنيمة بَارِدَة أَي خَالِيَة من نكد الْقِتَال أَو عبارَة عَن اللطف وَالْإِحْسَان الْمُوَافق للغرض فَإِن الدَّلِيل على منع الْجَارِحَة قَاطع وكل عَاقل يقطع أَن الْبرد عرض لَا تلِيق نسبته إِلَى الْبَارِي تَعَالَى وتقدس الحَدِيث الثَّالِث يرْوى عَن أم الطُّفَيْل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ربه فِي أحسن صُورَة شَابًّا موقرا رجلا فِي خضرَة عَلَيْهِ نَعْلَانِ من ذهب وعَلى وَجهه فرَاش من ذهب

الحديث الرابع

فَهَذَا الحَدِيث بَاطِل مَوْضُوع قَاتل الله وَاضعه فنسب بَعضهم وَضعه إِلَى نعيم بن حَمَّاد وَكَانَ يضع الحَدِيث قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا حَدِيث مُنكر وَقَالَ ابْن عقيل هَذَا حَدِيث مَقْطُوع بكذبه فَكل مَا ورد من هَذَا فكذب وَفِي رِوَايَة مَرْوَان بن عُثْمَان مَجْهُول قَالَ النَّسَائِيّ وَمن مَرْوَان حَتَّى يصدق على الله قَالَ الْبَيْهَقِيّ قد حمله بَعضهم على أَنه رَآهُ فِي الْمَنَام قَالُوا إِن رُؤْيا النّوم قد تكون وهما جعله الله تَعَالَى دلَالَة للرائي على مَا كَانَ أَو يكون الحَدِيث الرَّابِع يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خلق الله تَعَالَى آدم وَنفخ فِيهِ من روحه عطس الحَدِيث قَالَ فِيهِ فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى ويداه مقبوضتان اختر أَيَّتهمَا شِئْت فَقَالَ اخْتَرْت يَمِين رَبِّي وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا قبض الله تَعَالَى الذُّرِّيَّة من ظهر آدم بكفيه قَالَ خُذ أَيَّتهمَا شِئْت قَالَ أخذت يَمِين رَبِّي وكلتا يَدَيْهِ يَمِين

الحديث الخامس

فَفَتحهَا وَفِي رِوَايَة فبسطها فَإِذا فِيهَا آدم وَذريته هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا تفرد بِهِ حَاتِم بن اسماعيل وَهُوَ ضَعِيف جدا وَبِتَقْدِير ثُبُوته فالقبض عبارَة عَن الْملك وَالْقُدْرَة وَالْحكم وَالْيَد والكف عبارَة عَن مَا تقدم من الْوُجُوه من الْملك وَالْقُدْرَة وَالنعْمَة وإيتاء الْحَسَنَة والجهة الْيُمْنَى الَّتِي اخْتَارَهَا كِنَايَة عَن أهل السَّعَادَة وَالطّيب من ذُريَّته وَأَخذه واختياره كِنَايَة عَن محبتهم وَرضَاهُ عَنْهُم أَو أَن المُرَاد بِالْيَمِينِ الْيمن وَالْبركَة من الله تَعَالَى وإضافتها إِلَى الله تَعَالَى اضافة ملك وَفعل لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي وفقهم وأسعدهم بتوفيقه لَهُم الحَدِيث الْخَامِس يروي عَن حسان بن عَطِيَّة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الساجد يسْجد على قدم الرَّحْمَن هَذَا ضَعِيف جدا وَلَو ثَبت كَانَ تَأْوِيله أَنه تَمْثِيل للقرب من الله تَعَالَى كَمَا قَالَ الْجنَّة تَحت أَقْدَام الْأُمَّهَات فَهُوَ تَمْثِيل لقرب العَبْد من فضل ربه وَرَحمته

الحديث السادس

وَإجَابَة دُعَائِهِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَمن جعله قدما حَقِيقَة فَهُوَ مجسم حَقِيقَة ومخالف لِلْعَقْلِ بِاللَّه الْعجب كَيفَ يخْطر هَذَا لمن عِنْده أدنى مسكة من عقل فضلا عَن من يَدعِي الْعلم مَعَ اخْتِلَاف الْمُصَلِّين فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الحَدِيث السَّادِس يروي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا فرغ الله من أهل الْجنَّة وَالنَّار أقبل يمشي فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة هَذَا حَدِيث ضَعِيف وَكذب وَلَعَلَّه مفترى وَهُوَ افتراء عَظِيم فِي الدّين على عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ وضع مجسم لِأَن القَوْل بِأَنَّهُ يمشي تجسيم حَقِيقَة وَقد قدمت فِي حَقِيقَة النُّزُول مَا فِيهِ جَوَاب عَن هَذَا وكفاية الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ عَن جُبَير بن مطعم فِي حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي جَاءَ يَسْتَسْقِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحك أَتَدْرِي مَا الله إِنَّه لفوق سمواته على عَرْشه وَإنَّهُ عَلَيْهِ هَكَذَا وَأَشَارَ وهب بِيَدِهِ مثل الْقبَّة وَإنَّهُ ليئط بِهِ أطيط الرحل بالراكب وَفِي رِوَايَة تفرد بهَا مُحَمَّد بن

الحديث الثامن

إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن عتبَة وهما ضعيفان عِنْد صَاحِبي الصَّحِيح وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السّنَن عَن أَحْمد بن سعيد الرباطي فَقَالَ وَإِن عَرْشه على سمواته لهَذَا وَقَالَ بأصابعه مثل الْقبَّة قَالَ أَبُو دَاوُد وَحَدِيث أَحْمد بن سعيد هُوَ الصَّحِيح وعَلى هَذَا فالتشبيه بالقبة إِنَّمَا وَقع للعرش خَاصَّة وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة يحيى بن معِين أَتَدْرِي مَا الله إِن عَرْشه على سمواته وأرضه هَكَذَا بأصابعه مثل الْقبَّة عَلَيْهَا قَالَ الْخطابِيّ هَذَا الْكَلَام إِذا أجري على ظَاهره كَانَ فِيهِ نوع من الْكَيْفِيَّة وَهِي عَن الله تَعَالَى وَعَن صِفَاته منفية وَلَيْسَ المُرَاد بِتَقْدِير ثُبُوت الحَدِيث تَحْقِيق هَذِه الصّفة وَإِنَّمَا هُوَ نوع تقريب عَظمَة الله تَعَالَى لفهم السَّائِل من حَيْثُ يُدْرِكهُ فهمه لِأَنَّهُ لَا يعرف دقائق مَعَاني الصِّفَات وَلَا مَا لطف مِنْهَا ودق عَن دَرك الأفهام فَقَوله أَتَدْرِي مَا الله أَي مَا عَظمَة الله وجلاله وَيُؤَيّد ذَلِك أَنه فسره بِغَيْر مَا يدل على الْمَاهِيّة وَقَوله إِنَّه ليئط تَمْثِيل لِعَظَمَة الرب عز وَجل لِأَن أطيط الرحل إِنَّمَا يكون لثقل مَا فَوْقه وَهُوَ تَمْثِيل لِعَظَمَة الرب تَعَالَى وَعجز الْعَرْش الَّذِي هُوَ أعظم الْمَخْلُوقَات عَن حمل عَظمته وجلاله وَأَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك إِلَى أَن من هَذَا إجلاله وعظمته لَا يشفع إِلَى من دونه بل هُوَ الْمُتَصَرف فِي عباده وخلقه الفعال لما يُرِيد الحَدِيث الثَّامِن عَن أنس فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} قَالَ هَكَذَا يَعْنِي

الحديث التاسع

أَنه أخرج طرف خِنْصره هَذَا حَدِيث ضَعِيف لم يروه إِلَّا ابْن أبي العوجاء الزنديق وَكَانَ يضع الحَدِيث على ثَابت وَبِتَقْدِير ثُبُوته فالقصد بِهِ تَشْبِيه الْمعَانِي بالأجسام المحسوسات فَأَشَارَ بِطرف خِنْصره إِلَى قلَّة مَا تجلى لَهُ من أنوار عَظمته وَمَا أظهر لَهُ من آيَاته لِأَن أَضْعَف عُضْو يُشِير بِهِ الْإِنْسَان إِلَى قلَّة الشَّيْء هُوَ طرف خِنْصره فَأَشَارَ بِهِ للْمُبَالَغَة فِي قلَّة ذَلِك وَمعنى التجلي الظُّهُور وَقد يكون جهرة وعيانا بالحس وَقد يكون بِالدّلَالَةِ عَلَيْهِ وَمعنى الْآيَة أَن الله تَعَالَى خلق للجبل حَيَاة وعلما حَتَّى رأى خالقه الحَدِيث التَّاسِع يرْوى عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه ابي مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث قَالَ فِيهِ فَكل مَا أحل الله لَك وساعد الله أَشد من ساعدك ومُوسَى الله أحد من موساك

الحديث العاشر

هَذَا حَدِيث ضَعِيف عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَالْمُرَاد بالساعد الْقُوَّة وَشدَّة الْبَطْش لِأَن قُوَّة الْإِنْسَان فِي بطشه وَعَمله بِيَدِهِ وساعده فَمَعْنَاه ان أمره أنفذ من أَمرك وَقدرته أتم من قدرتك على الْحَيَوَان الَّتِي تنحره وَكَذَلِكَ قَوْله مُوسَى الله أحد من موساك على الْحَيَوَان الَّذِي تنحره فَقَطعه أسْرع من قَطعك فَتجوز عَن سرعَة نُفُوذ إِرَادَته بِالْمُوسَى لسرعة عمله لحدته وقطعه الحَدِيث الْعَاشِر يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن غلظ جلد الْكَافِر اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار وَإِن ضرسه مثل أحد

الحديث الحادي عشر

هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // والجبار هُنَا لَا يعْنى الرب تبَارك وَتَعَالَى بل عني بِهِ رجلا جبارا كَانَ يُوصف بطول الذِّرَاع وَعظم الْجِسْم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {كل جَبَّار عنيد} {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} فمراده بِذِرَاع ذَلِك الْجَبَّار الْمَوْصُوف بطول الذِّرَاع وَقيل كَانَ ذِرَاع طَوِيل يعرف بِذِرَاع الْجَبَّار فَسَماهُ للتعظيم والتهويل لَا أَنه ذِرَاع الْيَد المخلوقة الحَدِيث الْحَادِي عشر إِذا قَامَ أحدكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ بَين عَيْني الرَّحْمَن

الحديث الثاني عشر

هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ وَلَا يثبت مثله وَتَقْدِير ثُبُوته فَمَعْنَاه أَنه بمرأى من الله تَعَالَى كَمَا يَقُول الْغَائِب لمن هُوَ حَاضر فِي نَفسه هُوَ بَين عَيْني وَيَقُول الرجل لصَاحبه حَاجَتك بَين عَيْني أَي أَنا معتن بهَا غير ساه عَنْهَا وَيُقَال ذَلِك فِي الْأَجْسَام والمعاني وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {تجْرِي بأعيننا} وتصنع على عَيْني وَالْمرَاد بمرأى مِنْهُ ليلزم الْأَدَب بَين يَدَيْهِ وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن قبل الله وَجهه أَي ثَوَابه وقبلته وَأَنه يُشَاهِدهُ وَيَرَاهُ الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن عبد الله بن خَليفَة قَالَ فِيهِ الْكُرْسِيّ الَّذِي يجلس عَلَيْهِ الرب مَا يفضل مِنْهُ إِلَّا أَربع أَصَابِع وَإِن لَهُ أطيطا كأطيط الرحل الحَدِيث وَحَدِيثه الآخر عَنهُ عَن عمرَان إِن كرسيه فَوق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإنَّهُ يقْعد عَلَيْهِ فَمَا يفضل مِنْهُ إِلَّا قدر أَربع أَصَابِع

الحديث الثالث عشر

هَذَانِ الحديثان باطلان مردودان مضطربان إِسْنَادًا ولفظا وَعبد الله بن خَليفَة مَجْهُول لَا يعرف من هُوَ ثمَّ تَارَة يرفع الحَدِيث وَتارَة يوقفه وَفِي رُوَاته الحكم وَعُثْمَان مَجْهُولَانِ وَلَعَلَّه من وضع بعض المبتدعة أَو الزَّنَادِقَة وَلَقَد أنكر على الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة مثل هَذَا الحَدِيث وإيداعه كتبه وَكَيف تثبت صفة الْبَارِي تَعَالَى بِمثل ذَلِك الْخَبَر الواهي وَلَقَد غلب على كثير من الْمُحدثين مُجَرّد النَّقْل مَعَ جهلهم بِمَا يجب لله تَعَالَى من الصِّفَات الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ كرسيه مَوضِع قَدَمَيْهِ

الحديث الرابع عشر

هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // لم يثبت رَفعه وَلَا يثبت مثله وَالوهم فِيهِ مَنْسُوب إِلَى شُجَاع ابْن مخلد وَكَانَ يتأوله أَن نِسْبَة الْكُرْسِيّ إِلَى الْعَرْش كنسبة الْكُرْسِيّ إِلَى مَا يضع الْمُلُوك أَقْدَامهم عَلَيْهِ إِلَى عرشهم إِشَارَة إِلَى صغر الْكُرْسِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْش الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن أنس يرفعهُ إِن لله لوحا أحد وجهيه درة وَالْآخر ياقوته قلمه النُّور فِيهِ يرْزق وَبِه يحي وَبِه يُمِيت ويعز ويذل وَيفْعل مَا يَشَاء فِي يَوْم وَلَيْلَة هَذَا حَدِيث مَوْضُوع ينْسب إِلَى مُحَمَّد بن عُثْمَان الْحَرَّانِي وَهُوَ ضَعِيف جدا مَتْرُوك الحَدِيث الحَدِيث الْخَامِس عشر يرْوى عَن ابْن عَبَّاس حَدِيث المزن والسحاب إِلَى أَن قَالَ وَالله فَوق ذَلِك كُله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ

الحديث السادس عشر

وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُوَاته الْوَلِيد بن أبي ثَوْر قَالَ يحيى ابْن معِين هُوَ كَذَّاب وَلَو ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ فوقية الْقَهْر وَالْغَلَبَة وَالْقُدْرَة والاستيلاء لَا فوقية الْجِهَة لدلَالَة الْعقل على الرَّد على ذَلِك الحَدِيث السَّادِس عشر يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة فِيهِ ذكر مساحة مَا بَيْننَا وَبَين السَّمَاء وَمَا بَينهَا وَالثَّانيَِة وَهَكَذَا إِلَى الْعَرْش ومساحة الأَرْض وَالَّتِي تحتهَا وَمَا بَينهمَا وَجعل مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض خَمْسمِائَة عَام وغلظها فِي خَمْسمِائَة عَام وَكَذَا جعل غلظ الأَرْض خَمْسمِائَة عَام وَبَين الَّتِي تحتهَا خَمْسمِائَة عَام وَفِي آخِره لَو دليتم حبلا إِلَى الأَرْض لهبط على الله ويروي ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَلَكِن فِي العمق خَاصَّة هَذَا حَدِيث ضَعِيف مُنكر لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحاشا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَقُوله وَيَردهُ الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقَاطِع وَالله لرِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ لَهُ أعجب عِنْدِي من وَاضعه فَإِن الصَّادِق المصدوق الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى أجل من أَن يَجْعَل مسيرَة سَبْعَة آلَاف سنة لما قَامَ الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقَاطِع الْمشَاهد بالحس أَن مسيرته على خطّ متسق بسير

السائر المعتدل سنة وَاحِدَة أَو أقل مِنْهَا قَلِيلا وَهُوَ قطر الأَرْض من سطحها الَّذِي يَلِي الْهَوَاء إِلَى سطحها الَّذِي يَلِي المَاء وَهَذَا يعرفهُ وَيقطع بِهِ من علم علم الْهَيْئَة ويدركه بحقيقته أَيْضا من سَافر من الشَّام أَو مصر أَو الْعرَاق إِلَى مَكَّة بحاسة النّظر وَالْعقل إِذا شَرحه لَهُ عَالم بذلك وَبَين لَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَقَد اعْتبرت ذَلِك فِي سَفَرِي إِلَى الْحجاز غير مرّة ثمَّ إِنَّه فِي حَدِيث الْعَبَّاس الَّذِي قبل هَذَا جعل بَين كل سَمَاء وسماء إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَسبعين سنة وَفِي سنَن ابْن مَاجَه قريب من ذَلِك فَلْينْظر النَّاظر مَا بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ من التَّفَاوُت الْعَظِيم وليستدل بِهِ على مَا أحدثه الجهلة وَأهل الْبدع والزنادقة وأعداء الدّين من الْكَذِب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقدحوا بذلك فِي الدّين وليضعوا بذلك رُتْبَة أهل الحَدِيث عِنْد الْعُقَلَاء وَأهل النّظر

الحديث السابع عشر

الحَدِيث السَّابِع عشر إِن الله ينزل فِي ثَلَاث سَاعَات تبقى من من اللَّيْل إِلَى آخِره

الحديث الثامن عشر

هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا لَا يعرج عَلَيْهِ وَفِي رُوَاته زِيَادَة الْأنْصَارِيّ مُنكر الحَدِيث وَقَوله فِي دَاره لَو ثَبت حمل على إِضَافَة الْملك والإيجاد كَقَوْلِنَا جنَّة الله ونار الله وَشبه ذَلِك الحَدِيث الثَّامِن عشر إِن الله تَعَالَى يجلس يَوْم الْقِيَامَة على القنطرة الَّتِي بَين الْجنَّة وَالنَّار هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَصح مثله وراوية عُثْمَان بن أبي عَاتِكَة ضَعِيف قَالَ يحيى ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء والوضع ظَاهر عَلَيْهِ من مُبْتَدع الحَدِيث التَّاسِع عشر كَانَ النَّاس إِذا سمعُوا الْقُرْآن من فِي الرَّحْمَن تَعَالَى لم يسمعوه قطّ هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا أرَاهُ لَا أصل لَهُ وَلَو ثَبت نَقله فموقوف على تَابِعِيّ وَلَا تثبت بِمثلِهِ صِفَات الله تَعَالَى أَو لَعَلَّه وَضعه مُبْتَدع ينصر مذْهبه

الحديث الموفى عشرين

الحَدِيث الموفى عشْرين عَن سهل بن سعد إِن دون الله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة حَدِيث بَاطِل راوية مُوسَى بن عُبَيْدَة قَالَ أَحْمد لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ انْتهى الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ عَن عِكْرِمَة إِذا أَرَادَ الله أَن يخوف عباده أنزل بعضه إِلَى الأَرْض فَعِنْدَ ذَلِك تنزلزل وَإِذا أَرَادَ أَن يدمدم على قوم تجلى لَهَا هَذَا حَدِيث ضَعِيف مَتْرُوك لَا تثبت بِمثلِهِ صِفَات الرب تَعَالَى الله عَن البعضية والتجزي وَلَو ثَبت نَقله لَكَانَ تَأْوِيله أَنه ينزل بعض آيَاته وعلاماته المنذرة

الحديث الثاني والعشرون

بالتخويف فَحذف الْمُضَاف وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن والعربية وَالْإِجْمَاع على أَنه تَعَالَى لَا يجزأ وَلَا يَتَبَعَّض تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَالْمرَاد بالتجلي إِظْهَار آيَات لَا تَسْتَقِر الْقُلُوب والعقول عَلَيْهَا وَقد ذكرنَا أَن التجلي تَارَة يكون بِالذَّاتِ وَتارَة يكون بِالْآيَاتِ بِالصِّفَاتِ الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ عَن خَوْلَة بنت حَكِيم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آخر وَطْأَة يَطَؤُهَا الرَّحْمَن بوج

الحديث الثالث والعشرون

هَذَا حَدِيث ضَعِيف وَوَج وَاد بِأَرْض الطَّائِف وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَبِتَقْدِير ثُبُوته قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة هُوَ آخر خيل الله بوج وَمَعْنَاهُ أَن الْوَطْأَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث عبارَة عَن نزُول تأييده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ ابْن مَنْدَه آخر مَا أوقع الله سُبْحَانَهُ بالمشركين بِالطَّائِف وَكَانَ آخر غزَاة قَاتل فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَدو وَهِي آخر وقْعَة كَانَت مَعَ الْمُشْركين وَهِي غَزْوَة حنين واستعاره من وَطْء الْقدَم لِأَن الواطيء يقهر الموطوء ويتمكن مِنْهُ وَالْمرَاد مِنْهُ وَطْء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ حَدِيث وَج مقدس عرج مِنْهُ الرب إِلَى السَّمَاء وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن جِبْرِيل أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء من هَا هُنَا عرج رَبك إِلَى السَّمَاء يَعْنِي صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس هَذَانِ حديثان ضعيفان جدا لَا يثبت مثلهمَا وَلَا يعرج عَلَيْهِ

الحديث الرابع والعشرون

وَلَو ثبتا كَانَ مَعْنَاهُمَا الْقَصْد إِلَى السَّمَاء بالخلق والتسوية بعد خلق الأَرْض تَعَالَى الله عَن الْحَرَكَة والانتقال الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ إِن الله تَعَالَى قَرَأَ طه وَيس قبل أَن يخلق آدم الحَدِيث هُوَ // حَدِيث مَوْضُوع // قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان وَغَيره يرويهِ ابراهيم بن مهَاجر عَن عمر بن حَفْص وهما لَا شَيْء عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث

الحديث الخامس والعشرون

وَلَو ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ ثبوتهما ووجودهما صفة من صِفَاته الذاتية عِنْد من يَقُول بذلك الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ يرْوى عَن عَائِشَة أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ وَعَدَني رَبِّي الْقعُود مَعَه على الْعَرْش

الحديث السادس والعشرون

هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // رُبمَا وَضعه بعض المجسمة وَقد صرح بِمَعْنَاهُ بعض الْحَنَابِلَة وَقد صَحَّ فِي الحَدِيث أَن الْمقَام الْمَحْمُود هُوَ الشَّفَاعَة الْعَامَّة يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يرد هَذَا الحَدِيث الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ إِن الله تَعَالَى لما كلم مُوسَى يَوْم الطّور كَلمه بِغَيْر الْكَلَام يَوْم ناداه فَقَالَ كلمتك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان

الحديث السابع والعشرون

هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ وَلَا يَصح مثله رَوَاهُ عَليّ بن عَاصِم عَن الْفضل ابْن عِيسَى مَتْرُوك عَن مَتْرُوك معروفان بِالْوَضْعِ وَالْكذب الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ إِذا رَأَيْتُمْ الرّيح فَلَا تسبوها فَإِنَّهَا من نفس الرَّحْمَن وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه إِن هَذِه الرّيح من روح الله تَعَالَى تَأتي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذا رأيتموها فَلَا تسبوها واسألوا الله خَيرهَا واستعيذوا بِاللَّه من شَرها وَلَفظ من نفس الرَّحْمَن لم تثبت من وَجه يَصح

الحديث الثامن والعشرون

وَلَو ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ التَّنْفِيس عَن عباد هـ المكروبين وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من قبل الْيمن أَي تنفيسه عَنى بنصر الْأَنْصَار لِأَن أصلهم من الْيمن وَقيل إِنَّه قَالَ ذَلِك فِي جِهَة تَبُوك وَكَانَت بِالْمَدِينَةِ من جَانب الْيمن الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ لما قضى الله خلقه اسْتلْقى ثمَّ وضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى هَذَا حَدِيث مُنكر بَاطِل لَيْسَ لَهُ أصل يعْتَمد عَلَيْهِ ومعلول من وُجُوه وَفِي رُوَاته مَعَ إرْسَاله إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَعبيد بن جُبَير لَا يَصح حَدِيثهمَا عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وَفِي رُوَاته فليح بن سُلَيْمَان قَالَ يحيى لَا يحْتَج بحَديثه وَفِي رُوَاته عبيد بن جُبَير عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان وَهُوَ لم يُدْرِكهُ بل مولده بعد وَفَاة قَتَادَة بست سِنِين وَلَو ثَبت فَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَكَاهُ عَن قَول الْيَهُود إنكارا عَلَيْهِم فَحَضَرَ قَتَادَة بن النُّعْمَان وَقد وَفَاته صدر الحَدِيث وَأَنه عَن الْيَهُود فتخيل أَنه من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإخباره عَن ربه وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن قَول الْيَهُود وَقد رُوِيَ أَن الزبير أنكر على قَتَادَة وَأخْبرهُ أَنه فَاتَهُ صدر الحَدِيث الْوَجْه الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ فرغ من ذَلِك يُقَال فرغ فلَان من كَذَا فاستلقى على ظَهره كِنَايَة عَن أَنه لم يبْق لَهُ فِيهِ عمل

الحديث التاسع والعشرون

وَأما الإستلقاء وَوضع الرجل على الْأُخْرَى من تَعب أَو نصب فَإِنَّمَا يَفْعَله من يُصِيبهُ ذَلِك وَلذَلِك لما قَالَ الْيَهُود ثمَّ استراح غضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْلهم ذَلِك وكذبهم الله عز وَجل بقوله تَعَالَى {وَمَا مسنا من لغوب} وَله وَجه ثَالِث قَالَه بَعضهم أَن يكون اسْتلْقى استفعل بِمَعْنى ألْقى أَي وضع بعض السَّمَوَات على بعض قَالَ وَمعنى وضع رجل على رجل أَي رفع بعض مخلوقاته على بعض لِأَن الْعَرَب تسمى الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة رجلا بذلك الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {إِن الله كَانَ سميعا بَصيرًا} فَوضع يَده على أُذُنه ثمَّ على عينه هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // لَا أصل لَهُ وَقد يتَمَسَّك بِهِ بعض المشبهة وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَالْمُرَاد تَحْقِيق السّمع وَالْبَصَر لَا صُورَة الْأذن وَالْعين وَقد ذكر أَن الْمعَانِي تمثل بالمحسوس تَحْقِيقا لمعناه وَقد يُسمى مَحل الشَّيْء باسمه

الحديث الموفي للثلاثين

وَمِثَال ذَلِك قبض فلَان على فلَان مَاله وداره وَيقبض الْقَابِض الْقَلِيل رَاحَته تَحْقِيقا لِمَعْنى الْقَبْض لَا أَن المُرَاد قبض الْكَفّ على الدَّار وَالْمَال وَيدل على مَا قُلْنَاهُ أَن نفس الْأذن لَا تسمع وَالْعين لَا تبصر وَإِنَّمَا الْمدْرك هُوَ السّمع وَالْبَصَر وَكم من أذن وَعين لَا تدْرك شَيْئا وَيحْتَمل لَو صَحَّ أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع يَده الْكَرِيمَة عَلَيْهَا اتِّفَاقًا لحكة أَو مسح عَلَيْهَا الحَدِيث الموفي للثلاثين يرْوى عَن أنس أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء ملك فَقَالَ أَيْن تركت رَبنَا قَالَ فِي سبع أَرضين ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ أَيْن تركت رَبنَا قَالَ فِي سبع سموات ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ أَيْن تركت رَبنَا قَالَ فِي الْمشرق وجاءه آخر فَسَأَلَهُ فَقَالَ فِي الْمغرب هَذَا // حَدِيث بَاطِل مَوْضُوع // من زنديق يتلاعب بِالدّينِ وَأَهله لَا تحل رِوَايَته وَنَقله إِلَّا مَعَ بَيَان حَاله وَكذبه قَاتل الله مفتريه وَلَو ثَبت صِحَّته أمكن تَأْوِيله على أَن معنى فِي على كَقَوْلِه {فِي جُذُوع النّخل} أَي على رؤوسها كَمَا قُلْنَاهُ وبسطناه فِي قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء} على بعض تَأْوِيله فَإِن قيل فَقولُوا إِن الله فِي كل مَكَان واطلقوا ذَلِك كَمَا تَقول الْمُعْتَزلَة وقدروه بِمَعْنى على قُلْنَا لَيْسَ لنا ذَلِك لما فِيهِ من معنى التحيز وَإِنَّمَا إِذا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة شَيْء أطلقناه فيهمَا كَمَا ورد وحملناه على مَا ذَكرْنَاهُ

الحديث الحادي والثلاثون

الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ إِن الله تَعَالَى يطوي الْمَظَالِم يَوْم الْقِيَامَة تَحت قَدَمَيْهِ هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // جدا لَا يثبت نَقله وَلَا يعول عَلَيْهِ وَلَو ثَبت فَمَعْنَاه أَنه لَا يُطَالب بِهِ وَلَا ينقش وَهَذَا اللَّفْظ يسْتَعْمل فِي الْكَلَام وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع يَوْم عَرَفَة كل رَبًّا وكل دم فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع تَحت قدمي وَلَيْسَ المُرَاد بذلك قدمه الشريف بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ يرويهِ جُبَير بن نضير تَارَة مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَتارَة يرويهِ عَن أبي ذَر وَتارَة يرويهِ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم لَا ترجعون إِلَى الله بِشَيْء أحب إِلَيْهِ مِمَّا خرج مِنْهُ هَذَا حَدِيث ضَعِيف ومعلل بِمَا ذَكرْنَاهُ من الِاضْطِرَاب قَوْله يَعْنِي لَا يعلم من هُوَ الْمُفَسّر لذَلِك هَل هُوَ صَحَابِيّ أَو من بعده وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَمَعْنَاه أَنه وجد مِنْهُ بِأَنَّهُ تكلم بِهِ وأنزله على نبيه وأفهمه عباده أَي مِنْهُ ظهر كَمَا تَقول خرج لي من كلامك كَذَا وَكَذَا فَيكون مَعْنَاهُ مَا ذكرنَا لَا أَن مَعْنَاهُ الْخُرُوج الَّذِي هُوَ انْفِصَال شَيْء من شَيْء بمفارقته لَهُ واستبداله بحيز آخر فَإِن ذَلِك على الله محَال فَإِن كَلَامه صفة أزلية قَائِمَة بِذَاتِهِ لم يزل مَوْصُوفا بهَا وَلَيْسَ ذَلِك كخروج كلامنا وَالله أعلم

الحديث الثالث والثلاثون

الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ يرْوى عَن أبي أُمَامَة قَالَ مَا تقرب العَبْد من الله تَعَالَى بِمثل مَا خرج مِنْهُ هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // لَا يعرف مَعَ ضعفه إِلَّا من حَدِيث يرويهِ فَرْوَة بن نَوْفَل عَن خباب بن الْأَرَت مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَفظه قَالَ أَخذ خباب بيَدي فَقَالَ تقرب إِلَى الله مَا اسْتَطَعْت وَاعْلَم أَنَّك لن تتقرب إِلَيْهِ بِشَيْء أحب إِلَيْهِ من كَلَامه وَلم يقل بِمثل مَا خرج مِنْهُ كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيث جُبَير بن نفير الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ يرْوى مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل قَالَ اللَّهُمَّ رب الْقُرْآن فَقَالَ لَا

الحديث الخامس والثلاثون

تقل مثل هَذَا مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يعود هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // لَا يثبت عَن ابْن عَبَّاس وَلَعَلَّ منتحل ذَلِك وناقله عَن ابْن عَبَّاس مِمَّن يعْتَقد الْبِدْعَة قَدِيما وَلَو ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أَو غير ابْن عَبَّاس فَلَيْسَ بِحجَّة على النَّاس فَإِنَّهُ لفظ لم يثبت على الله تَعَالَى وَلَا عَن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيجوز أَن ابْن عَبَّاس اراد بذلك أَنه تَعَالَى الَّذِي أظهره لنا بِكَلَامِهِ وَإِلَيْهِ يعود فِي السُّؤَال عَن الْعَمَل بِهِ أمرا ونهيا وَرُوِيَ فِي رِوَايَة ضَعِيفَة عَن عُثْمَان انه قَالَ الْقُرْآن مِنْهُ وَلَو ثَبت ذَلِك كَانَ مَعْنَاهُ أَنه صفته وَصفَة الشَّيْء اللَّازِمَة لَهُ كبعض مِنْهُ كَقَوْلِه لعالم بارع الْعلم مِنْك أَي صِفَتك أَو أَنه أَرَادَ مَا تذكرناه فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس إِن صَحَّ وَمَعْنَاهُ مِنْهُ ظهر وَسمع أَو مِنْهُ التَّوْفِيق بتعليمه وتفهيمه الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ يرْوى عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا عَلَيْهِ إِن لله لوحا مَحْفُوظًا من درة بَيْضَاء قلمه نور وكتابته نور عرضه مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ينظر فِيهِ كل يَوْم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نظرة يخلق بِكُل نظرة يحي وَيُمِيت ويعز ويذل يفعل مَا يَشَاء اهذا // حَدِيث ضَعِيف // مَوْقُوف انْفَرد بِهِ ابْن حَمْزَة الْيَمَانِيّ وَرُوِيَ إِن لله تَعَالَى فِي كل يَوْم فِي خلقه مائَة وَسِتُّونَ نظرة وَهُوَ // حَدِيث ضَعِيف // أَيْضا وَلَو ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ مَا يَقع من تغيرات الْأَحْوَال من مخلوقاته تَعَالَى من حَرَكَة

الحديث السادس والثلاثون

وَسُكُون وَإِعْطَاء وَمنع وتوفيق وخذلان وسرور وضده وَمَوْت كَمَا تقدم فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ حَدِيث لَا استجيز إِسْنَاده إِلَى صَحَابِيّ يَقُول فِيهِ الْكُرْسِيّ وَإِن لَهُ أطيطا كأطيط الرحل الْجَدِيد الحَدِيث وأبشع مَا فِي قَوْله فِي بعض طرقه الْكُرْسِيّ الَّذِي يجلس عَلَيْهِ الرب مَا يفضل مِنْهُ الا قدر أَربع أَصَابِع هَذَا // حَدِيث ضَعِيف مُضْطَرب مَوْضُوع // شَدِيد الِاضْطِرَاب والتخليط وَالِاخْتِلَاف وَذَلِكَ من تَخْلِيط الروَاة وَسُوء الْحِفْظ وَقصد الرَّد للدّين وَكَيف يثبت صِفَات الرب تَعَالَى بِمثل هَذِه الرِّوَايَات الْوَاهِيَة الضعيفة من الزَّنَادِقَة وَغَيرهم وَلَقَد أنكر على الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن خُزَيْمَة رِوَايَة مثل هَذِه الْأَحَادِيث وإيداعها فِي مصنفاتهم من غير مُبَالغَة فِي الطعْن فِي أَمْثَالهَا وَإِنَّمَا غلب على كثير من المحديثن مُجَرّد النَّقْل والإكثار من الغرائب مَعَ جهلهم بِمَا يجب لله تَعَالَى من الصِّفَات وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ بأدلة ذَلِك القطعية القاطعة عِنْد أهل النّظر وَالْعلم إِذْ قنعوا من الْعلم بِمُجَرَّد النَّقْل وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة كَمَا قَالَ بعض الْأَئِمَّة الِاقْتِصَار

على جمع الحَدِيث بضَاعَة النوكى وَالله أعلم تمّ ذَلِك وَالْحَمْد لله على فَضله وَحسن توفيقه وَالْحَمْد لله وَحده اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم

§1/1