إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل
الزريراني، عبد الرحيم
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيْمِ هَذَا الْكتاب رِسَالَة علمية تقدم بهَا الْمُحَقق إِلَى قسم الدراسات الْعليا الشَّرْعِيَّة بجامعة أم الْقرى، وَقد نَالَ بهَا دَرَجَة الدكتوراه بِتَقْدِير ممتاز مَعَ التوصية بالطبع، وَقَامَت الجامعة بطبعه عَام 1414 هـ فِي مجلدين.
إيْضَاحُ الدَّلَائِلِ في الفَرقِ بَيْنَ المَسَائِلِ
(ح) عمر مُحَمَّد السَّبِيل، 1430 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الْبَغْدَادِيّ، عبد الرَّحِيم بن عبد الله إِيضَاح الدَّلَائِل فِي الْفرق بَين الْمسَائِل / عبد الرَّحِيم بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ؛ عمر مُحَمَّد السَّبِيل - الدمام، 1430 هـ 760 ص، 17 × 24 سم ردمك: 3 - 2451 - 00 - 603 - 978 1 - الْفِقْه الْحَنْبَلِيّ أ - السَّبِيل، عمر مُحَمَّد (مُحَقّق) ب - العنوان ديوي 258.4 ... 2705/ 1430 حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة الطَّبْعَة الأولى 1431 هـ حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة © 1431 هـ، لَا يسمح بِإِعَادَة نشر هَذَا الْكتاب أَو أَي جُزْء مِنْهُ بِأَيّ شكل من الأشكال أَو حفظه ونسخه فِي أَي نظام ميكانيكي أَو إلكتروني يُمكن من استرجاع الْكتاب أَو تَرْجَمته إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر. دَار ابْن الْجَوْزِيّ لِلنّشرْ والتَوزيْع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية: الدمام - طَرِيق الْملك فَهد - ت: 8428146 - 8467593, ص. ب: 2982 - الرَّمْز البريدى: 31461 - فاكس: 8412100 الرياض - تلفاكس: 2107228 - جوال: 0503857988 الإحساء - ت: 5883122 جدة - ت: 6341973 - 6813706 بيروت - هَاتِف: 869600/ 03 - فاكس: 641801/ 01 الْقَاهِرَة - ج. م. ع - مَحْمُول: 01006823783 - تلفاكس: 0244344970 الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] - www.aljawzi.com
[مقدمة المحقق]
المقدمة الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي أنزل عليه الكتاب المبين، الفارق بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والشك واليقين، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. وبعد: فإن الفقه من أشرف العلوم قدرًا، وأسماها فخرًا، وأعظمها أجرًا، وأعمها فائدة؛ لأن به يعرف الحلال من الحرام، ويميز بين الجائز والممنوع من الأحكام، ويطلع على أسرار الشريعة ومقاصدها. وقد احتوى هذا العلم على فروع متعددة، وأنواع متنوعة، وإن من أعظمها نفعًا، وأجلها قدرًا، وأدقها استنباطًا: علم الفروق. إذ به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، وأسراره ومآخذه، وحكمه ومقاصده، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويدرك ما بين فروعه ومسائله من وجوه الاتفاق والاختلاف، فيلحق كل فرع بأصله، ويعطى النظير حكم نظيره، فيجمع بين مؤتلفها، ويفرق بين مختلفها. لذا، فقد أشاد عدد من العلماء - رحمهم الله - بأهمية هذا الفن، وبينوا عظيم فائدته، وأوضحوا حاجة الفقيه الماسة إلى معرفته وإدراكه. فقال العلامة الطوفي الحنبلي: (إن الفرق من عمد الفقه وغيره من العلوم، وقواعدها الكلية، حتى قال قوم: إنما الفقه معرفة الفرق والجمع).
وقال العلامة الإسنوي الشافعي: (إن المطارحة بالمسائل ذوات المآخذ المؤتلفة المتفقة، والأجوبة المختلفة المفترقة، مما يثير أفكار الحاضرين في المسالك، ويبعثها على اقتناص أبكار المدارك، ويميز مواقع أقدار الفضلاء، ومواضع مجال العلماء) (¬1). فلما لهذا الفن من أهمية جليلة، وفوائد عظيمة في مجال الدراسات الفقهية الشرعية، حرصت على أن أسهم بعمل علمي في هذا الفن من خلال هذه الأطروحة، فأطلعت في هذا الفن على مصنفات مخطوطة قيمة مفيدة، في المذاهب الأربعة، جديرة بأن تنال اهتمام الباحثين بالنشر والتحقيق، وكان من أميزها في نظري، وعليه وقع اختياري كتاب (إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) فرأيت أنه جدير بالعناية والتحقيق، وإبرازه للباحثين والدارسين، وكان من أهم ما دفعني إلى اختياره ما يأتي: 1 - مادة الكتاب العلمية، وأهميتها في مجال الدراسات الفقهية الشرعية. 2 - حسن عرض المصنف لمادة كتابه، وإيضاحه لها بأسلوب علمي رصين، مع غوص على معان دقيقة جليلة، واعتناء بالأدلة النقلية، واهتمام بها، وأمانة علمية متميزة، تضفي على الكتاب مزيدًا من العناية به، والإجلال لمؤلفه. 3 - اشتمال الكتاب على أبواب الفقه كلها تقريبًا. 4 - أنه من أوسع كتب الفروق الفقهية، إذ بلغت فروقه (825) فرقٍ. 5 - قلة المؤلفات في هذا الفن، وقلة المطبوع منها على وجه الخصوص، حيث لا أعرف منها سوى ثلاثة: فروق القرافي المالكي، وفروق ¬
الكرابيسي الحنفي، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق للونشريسي المالكي. 6 - عدم وجود كتاب مطبوع في هذا الفن في مذهب الحنابلة، بل ولا مخطوط مكتمل، سوى هذا الكتاب على حد علمي. هذا، ولما بدأت في تحقيق الكتاب واجهتني بعض الصعوبات التي كادت أن تثنيني عن المضي في إتمامه، ومواصلة العمل على تحقيقه، إلا أن الله تعالى أعانني على ذلك ويسر، ومنحني العزم على الاستمرار فيه، حتى تم تحقيق الكتاب بفضل الله وتوفيقه، وكان من أبرز تلك الصعوبات ما يأتي: 1 - عدم تمكني من الحصول إلا على نسخة واحدة، والعمل على نسخة واحدة فيه من المشقة والعناء ما لا يخفى على من مارس التحقيق واشتغل به، وبخاصة إذا لم تخل النسخة من تصحيف، وتحريف، وسقط، كما هو الحال في هذه النسخة - وقل أن تخلو نسخة مخطوطة من ذلك - مما جعلني أعاني في بعض الكلمات والمواضع التي حصل فيها شيء من ذلك معاناة شديدة في سبيل الوصول إلى معرفة صحة الكلمة، أو إتمام السقط الحاصل، وقد يستوقفني البحث عن ذلك في مصنفات الفقه الحنبلي، وغيرها من كتب فروق المذاهب الأخرى ساعات كثيرة، أو ربما أيامًا، حتى أصل إلى قرار تطمئن النفس إلى أنه هو المراد من كلام المصنف فأثبته. ثم إنه بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من العمل في تحقيق الكتاب استطعت - بفضل الله وتوفيقه - أن أحصل على نسخ من فروق السامري (أصل الكتاب المحقق) فزال بذلك كثير من مواضع الإشكال، واطمئننت إلى صحة ما أثبته، مما حصل عندي فيه تردد في تلك المواضع المشكلة. 2 - أن من منهجي في تحقيق الكتاب توثيق مسائله وفروقه قدر الإمكان، وقد لاقيت في سبيل ذلك عناء ومشقة، وأخذ مني وقتًا طويلًا، وذلك لأن المصنف رَحِمَّه الله يورد مسائل دقيقة خفية لم أجدها عند غيره، إلا في أصل الكتاب (فروق السامري)، وليس من الممكن معرفة عدم وجودها في غيره إلا
بعد بحثها في كل ما توفر من كتب المذهب، كما أن بعض ما يورده من مسائل، مظنة لأن تذكر في عدة أبواب، وهذا يتطلب البحث عنها في عدد من الأبواب التي هي مظنة لذكرها فيها، ويكون ذلك بالبحث عنها في كل ما توفر من كتب المذهب المطبوعة - وهي كثيرة بحمد الله - ومن كتب مخطوطة أحيانًا، ثم بعد البحث الطويل قد أجد المسألة في عدد من المصادر، أو في مصدر واحد فأوثقها منه، أو ربما علقت عليها تعليقًا يسيرًا عند الحاجة إلى ذلك، وتارة أخرى وبعد البحث الطويل والجهد المضني لا أجد المسألة في أي كتاب من كتب المذهب، سوى أصل الكتاب (فروق السامري)، فالغالب أن مسائل الكتاب مذكورة فيه، فأوثقها منه، ولكن بعد أن لا أجدها في غيره، والقارئ ربما لا يدرك مدى ما بذل في سبيل ذلك من جهد وعناء، ووقت طويل، فيجد المسألة أمامه موثقة من كتاب أو كتب مشهورة، فيظن أن الاهتداء إليها أمر ميسور. هذا، وقد اقتضى وضع الرسالة تقسيمها إلى قسمين، يسبقهما مقدمة: * القسم الأول: الدراسة، ويشتمل على أربعة فصول. * الفصل الأول: علم الفروق الفقهية. * الفصل الثاني: عصر المؤلف. * الفصل الثالث: حياة المصنف، وترجمة صاحب الأصل. * الفصل الرابع: التعريف بكتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل. * القسم الثاني: التحقيق. وقد أوضحت في مقدمة هذا القسم منهجي في تحقيق الكتاب، والخطوات التي سلكتها في ذلك. فهذا عملي في الكتاب - بين يديك أيها القارئ الكريم - فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ فهو مني، وجزى الله خيرًا من أبدى لي خطأً، أو أوضح لي عيبًا، وحسبي أني لم أدخر وسعًا في سبيل إظهار هذا العمل على أفضل صورة في مقدوري.
هذا واعترافًا بالفضل لأهله أسجل هنا جزيل شكري، ووافر تقديري لكل من أفادني في عملي في هذه الرسالة. وأحق هؤلاء بالشكر والاعتراف له بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى والدي الجليل الذي حرص على تربيتي وتوجيهي إلى تحصيل العلم الشرعي، وأفادني من علمه وتوجيهه الشيء الكثير، وفي هذه الرسالة على وجه الخصوص، فجزاه الله عني أحسن الجزاء، ومتعه بالصحة والعافية، وبارك في علمه وعمله. ولشيخي الجليل الأستاذ الدكتور أحمد علي طه ريان شكري الجزيل، حيث أشرف على هذا الرسالة، ومنحني من وقته وتوجيهه شيئًا كثيرًا، فجزاه الله عني خير الجزاء. كما أشكر كل من أفادني في هذه الرسالة من أساتذة وزملاء، وأخص بالذكر الدكتور سعود الثبيتي على تعاونه الكريم أثناء تحقيق الكتاب، ثم على تفضله بقراءة الكتاب قبيل طبعه، وإفادتي بملحوظات قيمة، كانت محل شكري وتقديري، وأخص أيضًا الأستاذ الدكتور حسين الجبوري، وشقيقي الدكتور عبد العزيز على ما لقيت منهم من إفادة وتعاون، ولجامعة أم القرى المباركة ثنائي الكثير، وشكري الجزيل على ما تبذله من جهود مشكورة في سبيل العلم وطلابه، وأخص بالشكر المسؤولين في كلية الشريعة وقسم الدراسات العليا، ومركز إحياء التراث الإسلامي على ما يسروا من خدمات جليلة للعلم وطلابه. وختامًا أسأل الله عز وجل أن يتقبل عملي هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القسم الأول الدراسة ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول: علم الفروق الفقهية. الفصل الثاني: عصر المؤلف. الفصل الثالث: حياة المؤلف، وترجمة صاحب الأصل. الفصل الرابع: التعريف بكتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل.
الفصل الأول علم الفروق الفقهية
الفصل الأول علم الفروق الفقهية ويشتمل على المباحث التالية: المبحث الأول: تعريف الفروق. المبحث الثاني: أهمية الفروق الفقهية. المبحث الثالث: مبنى الفرق بين المسائل المتشابهة، وطريق إدراكه. المبحث الرابع: نشأة الفروق الفقهية. المبحث الخامس: المصنفات في الفروق الفقهية، ومناهجها.
المبحث الأول تعريف الفروق
المبحث الأول (*) تعريف الفروق تعريف الفروق لغة: الفروق جمع فرق، وهو خلاف الجمع، يقال: فرق - بالتخفيف وبالتشديد - الشيء يفرقه فرقًا، إذا فصل أجزاءه. وفرقت بين الحق والباطل: إذا فصلت (¬1). وذهب بعض أهل اللغة إلى التفريق بين فَرَق - بالتخفيف - وفرَّق - بالتشديد - قال في المصباح المنير: (قال ابن الأعرابي: فَرَقت بين الكلامين فافترقا مخفف، وفرَّقت بين العبدين مثقل، فجعل المخفف في المعاني، والمثقل في الأعيان، والذي حكاه غيره: أنهما بمعنى، والتثقيل مبالغة) (¬2). ونقل القرافي وجه التفريق بينهما عن بعض مشايخه قائلًا (إن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى، أو زيادته، أو قوته، والمعاني لطيفة ¬
تعريف الفروق الفقهية اصطلاحا
والأجسام كثيفة، فناسبها التشديد، وناسب المعاني التخفيف). ثم عقب على ذلك بقوله: (إنه قد وقع في كتاب الله تعالى خلاف ذلك. قال الله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} (¬1) فخفف في البحر وهو جسم، وقال تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬2) وجاء على القاعدة قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (¬3) وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (¬4) {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} (¬5) ولا نكاد نسمع من الفقهاء إلا قولهم: ما الفارق بين المسألتين، ولا يقولون ما المفرق بينهما - بالتشديد) (¬6). تعريف الفروق الفقهية اصطلاحًا: عرف السيوطي علم الفروق الفقهية بأنه: (الفن الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويرًا ومعنى، المختلفة حكمًا وعلة) (¬7). وعرفه صاحب الفوائد الجنية بأنه: (معرفة الأمور الفارقة بين مسألتين متشابهتين بحيث لا يسوى بينهما في الحكم) (¬8). ويؤخذ على هذين التعريفين: أنهما تعريفان عامان، غير مانعين من دخول غير المعرف في التعرف، إذ يدخل ضمن هذا التعرف بيان الفروق بين المسائل المتشابهة في أي علم من العلوم، إذ ليس في التعريف ما يفيد تخصيص التفريق بين المسائل الفقهية. ¬
التعريف المختار
التعريف المختار: وقد حاولت تعريف علم الفروق الفقهية بتعريف جامع لأفراد المعرف، مانع من دخول غيره فيه، فعرفته بقولي: (العلم ببيان الفرق بين مسألتين فقهيتين، متشابهتين صورة، مختلفتين حكمًا). ويظهر أن التعريف من الوضوح بمكان، لا يحتاج معه إلى شرح، أو بيان.
المبحث الثاني أهمية علم الفروق الفقهية
المبحث الثاني أهمية علم الفروق الفقهية لعلم الفروق الفقهية أهمية كبيرة في مجال الدراسات الشرعية؛ لما فيه من الفوائد الجمة، والمنافع المتعددة. إذ به يطَّلع الفقيه على حقائق الفقه ومداركه، وأسراره ومآخذه، ويتمهر في فهمه واستحضاره (¬1)، ويكون له بذلك ملكة فقهية تصقل فكره، وتشحذ ذهنه، وتساعده على التمييز بين المسائل المتشابهة، وإدراك ما بينها من وجوه الاتفاق والافتراق، فيكون بيانه لحكم المسألة على أسس واضحة، وبراهين ظاهرة، أقرب إلى إصابة الحق فيها، وأبعد عن الخطأ والزلل. وقد بيَّن عدد من العلماء أهمية هذا الفن، وعظيم فائدته، ومدى حاجة الفقيه الماسة إلى معرفته وإدراكه، ويحسن الإشارة هنا إلى أقوال بعضهم في معرض الإشادة بهذا الفن وبيان أهميته. فقد قال السامري في مقدمة فروقه في معرض ذكره للدوافع التي دفعته لتأليف كتابه: (ليتضح للفقيه طرق الأحكام، ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام، ولا يلتبس عليه طرق القياس، فيبني حكمه على غير أساس) (¬2). وقال الطوفي: (إن الفرق من عمد الفقه وغيره من العلوم، وقواعدها الكلية. حتى قال قوم: إنما الفقه معرفة الجمع والفرق) (¬3). ¬
وقال الإسنوي: (إن المطارحة بالمسائل ذوات المآخذ المؤتلفة المتفقة، والأجوبة المختلفة المفترقة، مما يثير أفكار الحاضرين في المسالك، ويبعثها على اقتناص أبكار المدارك، ويميز مواقع أقدار الفضلاء، ومواضع مجال العلماء) (¬1). وقال الزركشي في معرض بيانه لأنواع علم الفقه: (والثاني: معرفة الجمع والفرق، وعليه جل مناظرات السلف حتى قال بعضهم: الفقه فرق وجمع) (¬2). ¬
المبحث الثالث مبنى الفرق بين المسائل المتشابهة، وطريق إدراكه
المبحث الثالث مبنى الفرق بين المسائل المتشابهة، وطريق إدراكه التفريق في الحكم بين مسألتين متشابهتين إما أن يكون مبنيًا على نص ظاهر في التفريق بينهما (¬1)، كالتفريق بين بول الغلام، وبول الجارية، حيث ورد في الحديث الاكتفاء بنضح الأول، ووجوب غسل الثاني. وإما أن يكون التفريق بينهم - وهو الغالب - مبنيًا على معنى مستنبط (¬2) يستند فيه أحيانًا إلى قاعدة أصولية (¬3)، أو إلى قاعدة فقهية (¬4). وأما طريق إدراك الفرق بين المسألتين، فقد أوضح ذلك العلامة الطوفي الحنبلي، ولنفاسة كلامه رأيت نقله بحرفه، فقد قال رحمه الله بعد بيانه أهمية علم الفروق: (إن الأوصاف تنقسم في ذواتها إلى مناسب للحكم، وإلى طردي وهو ما ليس بمناسب، وفي أوضاعها من صور الأحكام إلى جامع وفارق، أي: أن الصورتين مثلًا تشترك في أوصاف تجمعهما، وتتميز بأوصاف يفارق فيها بعضها بعضًا، إذا عرف هذا، فطريق النظر في الفرق: أن ينظر في الوصف الجامع والفارق، فيعتبر المناسب منهما، ويلغي الطردي بطريق تنقيح المناط أيهما كان، وقد يكونان مناسبين فيغلب أنسبهما، وقد يتجاذبان المناسبة، فيتجه الخلاف، فيقال مثلًا: الجامع بين الأب والأجنبي أنهما قاتلان، فما الفرق بينهما حتى قتل الأجنبي دون الأب؟ فيقال: وصف الأبوة، ¬
فإنه أشد مناسبة لإسقاط القود من القتل لإثباته من جهة أن شفقة الأب تمنع عادة من تعمد قتل الولد، بخلاف الأجنبي فهذا تغليب أحد المناسبين فارقًا، وأما تغليبه جامعًا فهو: أنه لا فرق عندنا في قتل الأب ولده بين أن يضربه بسيف أو يرميه بسهم أو يذبحه، فإنه لا يقتل به تغليبًا للمعنى الجامع، وهو الإشفاق الوازع، وإلغاء للمعنى الفارق، وهو خصوصية الذبح، إذ هو بالنسبة إلى الجامع المذكور طردي، ومالكٌ لما رأى خصوصية الذبح مناسبة للقود فرق بينهما؛ لأنه فيما سوى الذبح يحتمل أنه أراد ترويعه تأديبًا، فأفضى إلى قتله خطأ، بخلاف الذبح فإن احتمال التأديب فيه متلاش، وحينئذٍ يقال: قاتل متعمد، فوجب عليه القصاص كالأجنبي، ويلغو وصف الأبوة؛ لأنه وإن كان مناسبًا لعدم القود فمناسبة العمد المحض لإثباته ترجحت عليه. وأما تقارب الجامع والفارق في المناسبة حتى يتجه الخلاف، فمثاله: إيجاب كفارة الصوم بالأكل، وإيجاب الزكاة في مال الصبي، أما في الصورة الأولى فمن اعتبر عموم إفساد الصوم أوجب الكفارة، وقال: مفسد للعبادة أشبه المجامع، ورأى خصوصية الجماع وصفا طرديًا ألغاه بتنقيح المناط. ومن اعتبر خصوص الإفساد جعل الجماع فارقًا مؤثرًا بما سبق، فلم يثبت الحكم بدونه. وأما في الثانية، فلأن بين الصبي والبالغ جامعًا وهو ملك النصاب الزكوي ملكًا تامًا، وهو مناسب لاشتراكهما في تعلق الزكاة بمالهما، وفارقًا وهو كون البالغ مكلفًا بالعبادات، والزكاة عبادة فلزمته، بخلاف الصبي، فمن اعتبر الجامع أوجب الزكاة في مال الصبي، ومن اعتبر الفارق أسقطها عنه. وعلى هذا النمط تجري مسائل الأحكام في الجمع والفرق، وقد يظهر الفرق ويخفى ويتوسط، فيحتاج إلى نظر بحسبه في ذلك) (¬1). ¬
المبحث الرابع نشأة علم الفروق الفقهية
المبحث الرابع نشأة علم الفروق الفقهية نشأت الفروق - بصفة عامة - في كل علم مع نشأة العلم ذاته، إذ ما من علم إلا ويقع بين بعض فروعه ومسائله تشابه قد يؤدي إلى التسوية بينها في الأحكام، مع وجود فارق مؤثر بينها قد يخفى، ولا يقف عليه إلا من تضلع في الفن وأدركه، وسبر غوره، وعرف أسراره ودقائقه، وكانت لديه ملكة ذهنية تساعده على ذلك، ثم إنه فيما يبدو لما كثرت مسائل الفروق في بعض العلوم، وخشية من وقوع التداخل بينها في الأحكام؛ أوجد ذلك في نفوس بعض العلماء البارزين في تلك العلوم الحاجة إلى إيضاحه وإبرازه بشكل مستقل كفن قائم بذاته، والتأليف فيه بمؤلفات خاصة ترسم قواعده، وتجمع مسائله، وتظهر فوائده، فوجدت مؤلفات في هذا الفن لفنون متعددة كاللغة (¬1)، والأصول (¬2)، وغيرها. والفقه الإسلامي كغيره من العلوم، ظهرت الفروق فيه منذ نشأته، حيث ¬
ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يشير إلى هذا الفن، ويدل على اعتبار الفرق، فالكتاب كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) فقد دلت هذه الآية على وجود التشابه بين البيع والربا في الصورة الظاهرة، إلا أن الله تعالى فرق بينهما في الحكم. وأما السنة: فكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام" (¬2) ففي الحديث التفريق في الحكم بين شيئين متشابهين في الصورة الظاهرة. وقد أدرك ذلك الفقهاء الأوائل من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين، وتفطنوا إلى الفوارق المؤثرة بين كثير من المسائل المتشابهة، وما اختلافهم في أحكام كثير من المسائل الفقهية إلا نتيجة إدراك بعضهم فروقًا دقيقة، ومعاني خفية مؤثرة، لم يدركها البعض الآخر، أو لم يعتبرها مؤثرة في الحكم. ومما يدل على ذلك أيضًا ما جاء في خطاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: (اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق فيما ترى. .) قال العلامة السيوطي تعليقًا على هذا القول: (وفي قوله "فاعمد. . ." إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق) (¬3). وبالنظر في مصنفات الفقهاء الأوائل يجد المطالع لها التنبيه على المسائل المتشابهة، والتفريق بينها في الحكم واضحًا في تلك المصنفات، كالمدونة عن الإمام مالك، والأم للإمام الشافعي (¬4)، والمسائل المروية عن الإمام أحمد، ومن أقدم المصنفات التي ظهر ذلك فيها بكل وضوح: الجامع ¬
الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني إذ أن في طريقة عرضه للمسائل وبيان أحكامها، تنبيهًا على الفرق بين مسائله المتشابهة (¬1). ثم إنه مع نشاط حركة التأليف في الفقه الإسلامي، وتعدد فروعه، وكثرة مسائل الفروق، أحس بعض الفقهاء بالحاجة إلى تدوين مسائل الفروق الفقهية في مدونات خاصة؛ ليكون ذلك أظهر في الإرشاد إليها، وأسهل في الحصول عليها، فبدأ التأليف في هذا الفن في نهاية القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري، حينما ألف الإمام أحمد بن سريج الشافعي (ت 306 هـ) كتابه (الفروق)، كما ألف في نفس الفترة العلامة محمد بن صالح الكرابيسي الحنفي (ت 322 هـ) كتابه (الفروق) (¬2) ثم نشطت حركة ¬
التأليف في هذا الفن في سائر المذاهب الفقهية، وأصبح في كل مذهب مؤلفات عديدة، منها ما ألف في هذا الفن استقلالًا، ومنها ما ألف فيه ضمن فنون أخرى من فروع علم الفقه، كما سيتضح ذلك من خلال العرض التالي للمصنفات في هذا الفن.
المبحث الخامس المصنفات في علم الفروق الفقهية ومناهجها
المبحث الخامس المصنفات في علم الفروق الفقهية ومناهجها وبحتوي على مطلبين: المطلب الأول المصنفات في علم الفروق الفقهية اهتم العلماء من مختلف المذاهب الأربعة بعلم الفروق الفقهية منذ العصور الإسلامية الأولى، وصنفوا فيه مصنفات عديدة، إما ضمنًا، أو استقلالًا، وقد رأيت ذكر ما وقفت عليه من هذه المصنفات، مع إعطاء وصف مختصر لما أمكن الإطلاع عليه منها، مرتبًا ذكرها حسب المذاهب الأربعة: أولًا: المذهب الحنفي: 1 - الفروق (¬1): تأليف: محمد بن صالح الكرابيسي (ت 322 هـ)، رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه، موردًا تحت كل باب طائفة من المسائل المتشابهة، موضحًا الفرق بين كل مسألتين متشابهتين، بأسلوب سهل، وعبارة واضحة. ¬
2 - الأجناس والفروق (¬1): تأليف: أحمد بن محمد الناطفي (ت 446 هـ). 3 - الفروق (¬2): تأليف: أسعد بن محمد بن الحسين النيسابوري الكرابيسي (ت 570 هـ)، رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه، موردًا تحت كل باب طائفة كثيرة من المسائل المتشابهة، موضحًا الفرق بين كل مسألتين متشابهتين، وقد يذكر أكثر من فرق بين المسألتين المتشابهتين، كما أنه ينص أحيانًا على الكتب التي نقل عنها المسألة، أو الفرق، وقد اشتمل الكتاب على (779) فرقٍ (¬3). 4 - تلقيح العقول في فروق النقول (¬4): تأليف: أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي (ت 630 هـ). رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه، وسلك فيه منهج أسعد الكرابيسي في فروقه. 5 - الفروق (¬5): تأليف: أحمد بن عثمان التركماني (744 هـ). 6 - الفروق (¬6): تأليف: شيخ بايزيد بن إسرائيل بن حاجي داود مرغايتي. (فرغ من تأليفه سنة 802 هـ). ¬
مؤلف صغير، سلك مؤلفه منهج أسعد الكرابيسي في فروقه، ونقل عنه عدة فصول، وأسلوب الكتاب ركيك، وفيه لكنة الأعاجم. 7 - تحرير الفروق (¬1): تأليف: نجم الدين علي بن أبي بكر النيسابوري. 8 - الفروق (¬2): تأليف: أحمد بن محمد الأردستاني. مؤلف صغير، سلك فيه مؤلفه منهج أسعد الكرابيسي في فروقه. 9 - الفروق على مذهب أبي حنيفة (¬3): لمؤلف مجهول. مؤلف صغير، منهجه كالكتاب الذي قبله. 10 - الأشباه والنطائر (¬4): تأليف: زين العابدين إبراهيم بن نجيم (ت 970 هـ). جعل المؤلف قسمًا خاصًا من كتابه بفن الفروق، وهو الفن السادس، ذكر فيه طائفة من الفروق تحت عدة أبواب، نقلها من فروق المحبوبي، كما أشار هو إلى ذلك (¬5). ¬
ثانيا: المذهب المالكي
ثانيًا: المذهب المالكي: 1 - الفروق في مسائل الفقه (¬1): تأليف: القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (ت 422 هـ). قال عنه الطوفي: (وهذا كتاب لطيف، لكنه كثير الفوائد) (¬2). 2 - النكت والفروق (¬3): تأليف: أبي محمد عبد الحق بن محمد القرشي الصقلي (ت 466 هـ). والكتاب مرتب على أبواب الفقه، فإذا وردت مسألة متشابهة مع غيرها في الظاهر، أوضح الفرق بينهما، وقد اعتمده ونقل عنه كثيرًا الونشريسي في فروقه (¬4). 3 - الفروق (¬5): تأليف: مسلم بن علي بن عبد الله الدمشقي (من تلامذة القاضي عبد الوهاب). 4 - الفروق: تأليف: أبي عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي، الأنصاري، المالكي. ¬
ذكره الطوفي وقال عنه: (وهو كتاب جامع، كثير الفوائد والمسائل) (¬1). 5 - عِدَةُ البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق (¬2): تأليف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت 914 هـ). رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه معنونًا لها بقوله: "فروق كتاب الطهارة، فروق كتاب الصلاة. . وهكذا إلخ. . . وقد احتوى على (1155) فرقٍ. والمصنف ينص غالبًا على من قال بحكم المسألة، وينسب الفروق إلى قائلها غالبًا، وقد يورد أكثر من فرق بين المسألتين المتشابهتين، كما أنه قد يذكر بعض القواعد الفقهية، موردًا بعض ما يندرج تحتها من مسائل فرعية (¬3). 6 - أنوار البروق في أنواء الفروق (المشهور بفروق القرافي) (¬4): تأليف: أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ). والكتاب في بيان الفروق بين القواعد الفقهية، وقد ذكر مؤلفه: أنه احتوى على (548) قاعدة، وأنه قد أوضح كل قاعدة بما يناسبها من الفروع (¬5)، وقد تضمن الكتاب بيان الفرق بين كثير من المسائل الفرعية الفقهية، كما قاله المصنف في مقدمته (¬6). وقد نال هذا الكتاب اهتمام علماء المالكية، لما له من قيمة علمية كبيرة، فتوالى عليه عدة أعمال علمية من أشهرها: ¬
أ - ترتيب فروق القرافي (¬1): تأليف: محمد بن إبراهيم البقوري المالكي (ت 707 هـ). ب - مختصر أنوار البروق في أنواء الفروق (¬2): تأليف: شمس الدين محمد بن أبي القاسم الربعي، التونسي (ت 715 هـ). ج - إدرار الشروق على أنواء الفروق (¬3): تأليف: قاسم بن عبد الله الأنصاري المشهور بابن الشاط (ت 723 هـ). وهو كتاب تعقب فيه مصنفه القرافي بالنقد والتصحيح، وقد اعتمده المالكية حتى قال التمبكتي: (عليك بفروق القرافي، ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط) (¬4). د - تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (¬5): تأليف: محمد علي بن حسين المالكي. (ت 1367 هـ). والكتاب تلخيص، وتهذيب، وترتيب، وتوضيح لفروق القرافي، مع مراعاة استدراكات ابن الشاط، كما نص على هذا مؤلفه (¬6). 7 - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام: تأليف: أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (¬7). ¬
ثالثا: المذهب الشافعي
وقد رتبه مصنفه على طريقة السؤال والجواب، حيث اشتمل على أربعين سؤالاً، أوضح في إجاباتها أسرار الفروق بين الأحكام المذكورة (¬1). 8 - الفروق في الأحكام على مذهب المالكية: لمؤلف مجهول (¬2). وقد رتبه مصنفه على أبواب الفقه. ثالثًا: المذهب الشافعي: 1 - الفروق (¬3): تأليف: أحمد بن عمر بن سريج الشافعي (ت 306 هـ). 2 - المسكت (¬4): تأليف: الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله الزبيري (ت 317 هـ) قال الإسنوي: (وهو مجلد عزيز الوجود)، وقد ذكر أنه اشتمل على فروق فقهية، وعلى فنون فقهية أخرى (¬5). 3 - المطارحات (¬6): تأليف: أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، المعروف بابن القطان (ت 359 هـ). ¬
وقد اشتمل على فروق "فقهية"، وعلى غيره من فنون الفقه، كما قاله الإسنوى (¬1). 4 - الفروق (¬2): تأليف: عبد الله بن يوسف الجويني (ت 438 هـ). قال عنه الطوفي: (وهو أكبر ما رأيت من كتب الفروق، وأكثرها مسائل وأجودها مدارك، وألطفها مآخذ) (¬3). وقال عنه الزركشي: إنه من أحسن ما صنف في هذا الفن (¬4). وقد ابتدأ المصنف كتابه بفروق في أصول الفقه، ثم رتب كتابه على أبواب الفقه، موردًا تحت كل باب طائفة من مسائل الفروق، موضحًا الفرق بين كل مسألتين متشابهتين بفرق واحد أو أكثر. ويعتبر هذا الكتاب من أكبر مصنفات علم الفروق الفقهية، حيث بلغت فروقه أكثر من (1200) فرقٍ (¬5). 5 - الوسائل في فروق المسائل (¬6): تأليف: سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدير (ت 480 هـ). ¬
قال عنه الزركشي: (إنه من أحسن ما صنف في هذا الفن) (¬1). وقال عنه الإسنوي: (مجلد ضخم قليل الوجود)، كما ذكر أنه خاص بالفروق الفقهية (¬2). 6 - الفروق ويسمى بـ (المعاياة) (¬3): تأليف: أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني (ت 482 هـ). وقد رتبه مصنفه على أبواب الفقه. قال ابن قاضي شهبة: (وكتاب المعاياة يشتمل على أنواع من الامتحانات، كالألغاز، والفروق، والاستثناءات من الضوابط) (¬4). 7 - الكفاية في الفروق (¬5): تأليف: الحسين بن محمد بن الحسن الحناطي، الطبري (ت 495 هـ). 8 - الفروق (¬6): تأليف: عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني (ت 502 هـ). 9 - الفصول والفروق (¬7): تأليف: أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي، الحنبلي، ثم الشافعي (ت 638 هـ). ¬
10 - الفروق (¬1): تأليف: أحمد بن كشاسب بن علي كمال الدين الدزماري (ت 643 هـ). 11 - الجمع والفرق (¬2): تأليف: يونس بن عبد المجيد بن علي بن داود الهذلي، الأرمنتي (ت 725 هـ). 12 - الجمع الفرق: تأليف: علي بن يحيى الوشلي، اليمني (ولد سنة 662 هـ). وقال بعض العلماء عن هذا الكتاب: (وأتى بالجمع والفرق بما لم يأت به أحد) (¬3). 13 - الفروق (¬4): تأليف: محمد بن علي بن عبد الواحد المغربي، المصري، المعروف بابن النقاش (ت 763 هـ). 14 - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق (¬5): تأليف: عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي (ت 772 هـ). رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه، موردًا تحت كل باب جملة من المسائل المتشابهة، موضحًا الفرق بين كل مسألتين متشابهتين، مع عزوه المسائل والفروق غالبًا إلى المصادر التي نقل عنها. ¬
وقد احتوى الكتاب على (394) فرقٍ (¬1). 15 - الاستغناء في الفرق والاستثناء (¬2): تأليف: محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري (كان حيًا في سنة 806 هـ). والكتاب في القواعد الفقهية، حيث احتوى على ستمائة قاعدة فقهية (¬3)، مرتبة على أبواب الفقه، حيث يورد القاعدة الفقهية، ثم يذكر ما يستثنى منها من المسائل، فإذا كانت المسألة المستثناة تشتبه مع مسألة أخرى أوضح الفرق بينهما (¬4). قال محقق الكتاب: (وقد أتى في كتابه بفروق دقيقة، ولكنه لم يوف بما وضع الكتاب له، إذ عنوانه يحتم أن يغني في الفروق كما أغنى في الاستثناء) (¬5). 16 - قرة العين والسمع في بيان الفرق والجمع (¬6): تأليف: بدر الدين بن عمر بن أحمد بن محمد العادلي، العباسي، الحريثي، الشافعي. 17 - الأشباه والنظائر (¬7): تأليف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ). ¬
رابعا: المذهب الحنبلي
والكتاب في القواعد الفقهية، وقد جعل قسمًا منه، وهو الكتاب السادس خاصًا بالفروق. رابعًا: المذهب الحنبلي: 1 - الفروق في المسائل الفقهية (¬1): تأليف: إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، الحنبلي (ت 614 هـ). 2 - الفروق (¬2): تأليف: محمد بن عبد الله بن الحسين السامري (ت 616 هـ). قال عنه الطوفي: (وكتابه من أحسن الفروق، كثير المسائل، نافع، جيد، دقيق المآخذ، لطيفها) (¬3). وقال ابن رجب: (وفي كتابيه "المستوعب" و"الفروق" فوائد جليلة، ومسائل غريبة) (¬4). وقال ابن بدران: (وهو كتاب نافع جدًا) (¬5). 3 - الفروق (¬6): تأليف: محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي (ت 699 هـ). 4 - إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل: تأليف: عبد الرحيم بن عبد الله الزريراني (ت 741 هـ) وهو موضوع التحقيق. ¬
المطلب الثاني مناهج المؤلفين في الفروق الفقهية
المطلب الثاني مناهج المؤلفين في الفروق الفقهية من خلال العرض السابق للمؤلفات في علم الفروق الفقهية، ووصف ما أمكن وصفه من تلك المؤلفات، يظهر أن هذه المؤلفات تنقسم في مناهجها إلى قسمين رئيسيين هما: القسم الأول: المؤلفات في بيان الفروق بين القواعد الفقهية. وهو منهج القرافي في فروقه، ومنهج المؤلفات التي هي فرع عن عمله - كما سبق ذكرها - فإن هذه المؤلفات صنفت في بيان الفرق بين القواعد الفقهية، مع اشتمالها أيضًا على فروق فرعية قصد بها إيضاح القواعد الفقهية، وقد أوضح القرافي منهجه هذا بقوله: (وجعلت مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين، فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق، وهما المقصودتان، وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما، وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما، ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك، فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر، وبضادها في الباطن أولى). وقال أيضًا: (وعوائد الفضلاء وضع كتب الفروق بين الفروع، وهذا في الفروق بين القواعد وتلخيصها) (¬1). وهذا المنهج هو الذي سلكه القرافي أيًضا في مصنفه الآخر (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام) حيث قال في مقدمة كتابه الفروق بعد كلامه السابق عن منهجه في كتابه الفروق: (وتقدم قبل هذا كتاب لي سميته كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام، ذكرت في هذا الفرق أربعين مسألة جامعة لأسرار هذه ¬
القسم الثاني: المؤلفات في بيان الفرق بين المسائل الفرعية.
الفروق، وهو كتاب مستقل يستغنى به عن الإعادة هنا) (¬1). القسم الثاني: المؤلفات في بيان الفرق بين المسائل الفرعية. وإليها ينصرف إطلاق مسمى (الفروق الفقهية)؛ لأن عادة الفقهاء إطلاق هذا الاسم على المؤلفات في هذا القسم من الفروق كما قاله القرافي (¬2). والمؤلفات في هذا القسم من الفروق على نوعين، كما قاله الإسنوي (¬3)، وهو مقتضى مناهجها: النوع الأول: مؤلفات ألفت في الفروق بين الفروع الفقهية خاصة، دون أن تتضمن فنونًا أخرى من فروع علم الفقه. ومن هذه المؤلفات السالفة الذكر: فروق محمد بن صالح الكرابيسي، وفروق أسعد الكرابيسي، وعِدَة البروق للونشريسي، وفروق الجويني، وفروق الإسنوي، وفروق السامري، وفروق الزريراني، وغيرها. وقد رتب المؤلفون في هذا النوع مؤلفاتهم على الترتيب الفقهي المعهود عند فقهاء المذاهب، كل حسب الترتيب المصطلح عليه في مذهبه. النوع الثاني: مؤلفات ذكرت هذا النوع من الفروق ضمن غيره من فروع علم الفقه، ومن هذه المؤلفات: النكت والفروق للصقلي، والمسكت للزبيري، والمطارحات لابن القطان، والمعاياة للجرجاني، والاستغناء في الفرق والاستثناء، والأشباه والنظائر، وغيرها. ¬
فإن هذه المؤلفات ذكرت الفروق بين المسائل الفرعية ضمن فنون أخرى من فروع علم الفقه. وقد اختلفت مناهج هذه المؤلفات في ذكر الفروق، فبعضها يخصص لبيان الفروق بين المسائل قسمًا خاصًا من الكتاب، كما في الأشباه والنظائر للسيوطي، ولابن نجيم. وبهعضها لا يخصها بذلك، بل يذكرها في ثنايا الكتاب في مواضع متعددة، حسب ما يقتضيه المنهج العام للكتاب، كما في النكت والفروق للصقلي، وكالاستغناء في الفرق والاستثناء للبكري، وغيرهما. منهج المؤلفين في عرض مسائل الفروق: سلك المؤلفون في عرض مسائل الفروق الفرعية مسلكًا واحدًا، سواء من صنف في هذا الفن استقلالًا، أم ضمنًا، ومنهجهم في ذلك: ذكر مسألتين فقهيتين متشابهتين في الصورهّ الظاهرة، مختلفتين في الحكم - وقد تكون المسألتان من باب واحد، وقد تكون من بابين مختلفين - ثم بيان وجه التفريق بينهما في الحكم مع وجود التشابه الظاهر بينهما، وقد يكون بيان ذلك بذكر فرق واحد، أو اثنين، أو أكثر من ذلك.
الفصل الثاني عصر المؤلف
الفصل الثاني عصر المؤلف ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: الحالة السياسية. المبحث الثاني: الحالة الثقافية.
المبحث الأول الحالة السياسية
المبحث الأول الحالة السياسية مني العالم الإسلامي على مر التاريخ بحملات عدائية شرسة على البلاد الإسلامية، من قبل أعداء الإسلام الكثيرين الذين يكيدون له المكائد، ويتربصون به الدوائر، وكان أشد تلك الحملات العدائية السافرة التي نخرت في جسم الأمة الإسلامية، وقوضت أركان الدولة الإسلامية، وبددت من وحدتها وتماسكها الحملات التتارية، التي اكتسحت كثيرًا من البلاد الإسلامية الشرقية في مطلع القرن السابع الهجري، وامتدت حملاتها واعتداءاتها حتى اجتاحت العراق، واستولت على بغداد دار السلام، ومعقل الخلافة الإسلامية في سنة 656 هـ على يد الطاغية التتاري هولاكو، حيث سقطت في أيديهم أول ذلك العام، وعاثوا فيها بالفساد، فسفكوا الدماء، واستباحوا الأعراض، ونهبوا الأموال، وأوقعوا فيها من الخراب والدمار، ما عدَّ من أسوأ الحوادث والكوارث في تواريخ البلدان (¬1). فصارت العراق من يومئذٍ في قبضتهم، وولاية من ولايات دولتهم التي عرفت في التاريخ باسم (الدولة المغولية الإيلخانية) (¬2) وعاصمتها مدينة (تبريز)، وأصبح الحكم في العراق - بعد ¬
إسلام السلطان محمود غازان
الإسلام - لهذه الدولة الكافرة، التي يقوم حكم سلطانها الطاغية "هولاكو" على القوة والقسوة، والظلم والتسلط، والعداء للإسلام والمسلمين، ثم سلك نهجه في سياسته وحكمه من تولى الحكم بعده من أبنائه وأحفاده (¬1)، حتى تولى الحكم السلطان الخان (غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو) في سنة (693 هـ). فتغير مجرى سياسة الدولة في عهده، بسبب دخوله في الإسلام، وإعلانه ذلك في مشهد كبير سنة (694 هـ) وتسمى بـ (محمود) وتلقب بـ (السلطان معز الدين)، ودعى إلى الإسلام ورغب في الدخول فيه، فأسلم بسبب إسلامه ودعوته إلى الإسلام كثير من الأمراء، وكبار رجالات الدولة المغولية، وانتشر الإسلام في أوساط الشعوب التتارية (¬2). فكان إسلام هذا السلطان، وكثير من كبار رجالات الدولة المغولية مدعاة إلى تغيير مجرى السياسة المغولية التي كانت سائدة قبل ذلك، والاتجاه للعمل بالأحكام الإسلامية، وإظهار شعائر الإسلام دون غيره من الأديان (¬3)، كما كان مدعاة إلى أن يقطع السلطان صلته بالدولة المغولية العليا في الصين، ويمتنع من التبعية لها (¬4). هذا، وعلى الرغم من هذا التحول في سياسة الدولة، والاتجاه بها إلى العمل بالأحكام الإسلامية، فإن علاقتها بدولة المماليك الإسلامية في مصر والشام لم يطرأ عليها أي تحسن، بل ظلت على عدائها السافر لدولة المماليك كما كانت في العصور السابقة، حيث شنت حملات عسكرية متكررة على بلاد الشام، وكان بعضها بقيادة السلطان نفسه، وقد انتصرت الجيوش المغولية في ¬
بعض هذه الحملات (¬1)، بينما منيت بالهزيمة في البعض الآخر منها (¬2). هذا وعلى الرغم مما وقع في دمشق من الفساد والخراب من الجيوش المغولية حين احتلالهم لها سنة (699 هـ)، فإنه لا يقاس بما وقع في بغداد عند سقوطها على يد الطاغية هولاكو، ولعل ذلك راجع إلى دخول المغول في الإسلام، وتأثيره فيهم (¬3). وقد مات هذا السلطان في سنة (703 هـ) (¬4). هذا، وما تقدم ذكره كان توطئة للحديث عن العصر الذي يليه، وهو العصر الذي عاش فيه المصنف، حيث عاش في بغداد، في العصور الإسلامية لهذه الدولة المغولية بعد تغير مجرى السياسة فيها، واستبدال الأحكام المغولية الجائرة بالأحكام الإسلامية العادلة، مما كان له الأثر البالغ على تحسن الأحوال في أنحاء الدولة، وخصوصًا العراق، وانتشار الأمن والعدل، والهدوء والاستقرار فترة من الزمان، أعقبه ضعف في الدولة، وتنازع على السلطة أدى إلى إنقسام هذه الدولة المغولية الإيلخانية إلى عدة دويلات، وقيام حكومة مستقلة بالعراق عرفت باسم (الدولة المغولية الجلائرية)، وقد عاصر المصنف عددًا من سلاطين هاتين الدولتين، سآتي على ذكرهم فيما يأتي، مشيرًا باختصار إلى الأحوال السياسية في عصورهم: ¬
السلطان محمد خدا بنده بن أركون بن أبغا بن هولاكو (703 - 716 هـ)
* السلطان محمد خدا بنده (¬1) بن أركون بن أبغا بن هولاكو (703 - 716 هـ): تولى الحكم بعد أخيه المذكور قبله سنة (703 هـ) وكان حسن الإسلام، سليم المعتقد، ثم انتقل بعد بضع سنوات من توليه الحكم، وبتأثير من بعض علماء الشيعة إلى المذهب الشيعي، ودعا إليه في سائر أنحاء الدولة، وعادى أهل السنة، وأمر بعدم الترضي عن الخلفاء الراشدين الثلاثة في الخطبة، فأثار ذلك سخطًا وغضبًا عارمًا في أوساط الدولة؛ لأن الغالبية العظمى من المسلمين من أهل السنة والجماعة مما أحس معه بالخطر على ملكه، فخفف من دعوته إلى المذهب الشيعي، وذكر بعض المؤرخين: أنه تراجع عنه في آخر سني حكمه، وأمر بالترضي عن الخلفاء الراشدين (¬2). وعلى الرغم من هذه الأحداث، فقد شهد عهده بصفة عامة رخاءً واستقرارًا، فإن لم يخل من حركات مناوئة استطاع القضاء عليها (¬3). وأما علاقته بدولة المماليك في مصر والشام، فقد ظلت كما هي عليه في عهد أسلافه - مما سبقت الإشارة إليه - حيث شن حملة كبيرة بقيادته لاحتلال بلاد الشام سنة (712 هـ)، لكن حملته هذه منيت بالهزيمة، فعاد أدراجه إلى بلاده (¬4). ¬
السلطان بوسعيد بن محمد خدابنده. (716 - 736 هـ)
وقد مات هذا السلطان في شهر رمضان سنة (716 هـ) (¬1). * السلطان بوسعيد (¬2) بن محمد خدابنده. (716 - 736 هـ): تولى الحكم بعد وفاة والده، وكان صغيرًا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، فتولى بعض الأمراء تصريف شؤون الدولة حتى استطاع السلطان تولي الأمور بنفسه (¬3)، وكانت سيرة هذا السلطان سيرة حسنة، حيث كان حسن التوجه الديني، سار على مذهب أهل السنة والجماعة، وأظهر السنة، ورغب غير المسلمين في الدخول في الإسلام، وأقام العدل، وقضى على الكثير من المنكرات التي كانت شائعة قبل توليه السلطة، وعاقب على ذلك عقوبات رادعة (¬4)، لكن مع هذا لم تكن الأوضاع الداخلية في البلاد مستقرة طوال فترة حكمه، كاستقرارها في عهود أسلافه، بل ظهر فيها اضطرابات، ونزاعات بين ذوي السلطة في البلاد، وحركات مناوئة للسلطان إلا أنها لم تؤثر كثيرًا على وحدة الدولة وتماسكها (¬5). وأما علاقة الدولة في عهد هذا السلطان بدولة المماليك في مصر والشام ¬
الأوضاع بعد وفاة السلطان بوسعيد
فقد تغيرت عما كانت عليه في العصور السابقة، وقامت بين الدولتين علاقات حسنة، تم عقد صلح بين الدولتين في سنة (720 هـ)، فتحت بموجبه الحدود بين الدولتين للتجارة وغيرها، كما تعهد الملك الناصر محمد بن قلاوون بحماية الحجاج العراقيين (¬1). وقد توفي هذا السلطان سنة (736 هـ) بعد حكم دام عشرين عامًا، ويعد آخر ملوك الأسرة المغولية الإيلخانية الكبار (¬2). * الأوضاع بعد وفاة السلطان بوسعيد: لما أحسَّ السلطان (بوسعيد) بدنو أجله، أوصى وزيره (خواجه غياث الدين) بأن يتولى الحكم بعده الأمير (أربا خاوون بن سوسه) وهو من ذرية الأخ الأصغر لهولاكو، فلما توفي السلطان نفذ الوزير الوصية، وبويع الأمير (أربا خاوون) سلطانًا على البلاد، غير أن هذه البيعة لم تكن مقبولة لدى بعض الأمراء وكبار رجالات الدولة، بل قوبلت بالرفض والتسخط، واتفق عدد من الأمراء وكبار رجالات الدولة بقيادة الأمير (علي باشا) حاكم بغداد على رفض البيعة، ومبايعة الأمير (موسى بن علي بن بايدوا) سلطانًا على البلاد (¬3)، بحجة أنه أصلح للسلطة، وأحق بالولاية؛ لأنه موصوف بالحصافة، والدهاء، والديانة والاستقامة (¬4)، على العكس من (أربا خاوون) فقد وصف بالظلم والتسلط حتى إنه اتهم بالكفر والضلال (¬5). فنشأ عن هذا الاختلاف والنزاع قتال شديد بين الطرفين المتنازعين انتهى بالقبض على السلطان (أربا خاوون) ¬
السلطان حسن بزرك (الكبير) الجلائري. (738 - 757 هـ)
في شهر رمضان سنة (736 هـ)، ثم قتل هو ووزيره (خواجه غياث الدين) في شهر شوال من نفس العام بعد ولاية لم تتجاوز ستة أشهر (¬1). فاستقل السلطان (موسى بن علي) بعد ذلك بالأمر، وعين الأمير (علي باشا)، حاكم بغداد قائدًا للجيش، لكن الأحوال لم تصف لهذا السلطان، وقامت ضده حركات مناوئة بقيادة عدد من الأمراء الذين يطمعون في الوصول إلى عرش السلطنة، فاستطاعت بعض هذه الحركات المعادية للسلطان قتل قائد الجيش الأمير (علي باشا) في معركة عنيفة، ثم قبض على السلطان (موسى بن علي) بعد ذلك، وقتل في شهر ذي الحجة سنة (736 هـ)، بعد حكم لم يتجاوز ثلاثة أشهر (¬2). ثم بويع الأمير (محمد خان بن يول قوتلق) سلطانًا على البلاد، لكنه هو الأخير أيضًا لم تصف له الأحوال، مما أدى إلى القضاء عليه سنة (738 هـ)، ثم ازدادت الأوضاع في البلاد سوءًا وتدهورًا، وكثرت النزاعات على السلطة، مما أدى إلى انقسام الدولة المغولية إلى عدة دويلات (¬3). * السلطان حسن بزرك (الكبير) الجلائري. (738 - 757 هـ): كان هذا السلطان نائبًا للسلطان السابق (محمد خان) فلما قتل السلطان (محمد خان) وكثرت النزاعات، واشتدت الخلافات بين المتنازعين على السلطة، واضطربت أحوال الدولة، استطاع هذا السلطان الاستيلاء على العراق، والاستقلال بحكمها في آخر سنة (738 هـ) وجعل بغداد عاصمة مملكته، فانتقل الحكم في العراق باستيلاء هذا السلطان عليه، والاستقلال بحكمه من الأسرة المغولية الإيلخانية إلى الأسرة المغولية الجلائرية، وأصبح ¬
هذا السلطان مؤسس الدولة المغولية الجلائرية في العراق (¬1). وكانت سياسة هذا السطان في مبدأ حكمه تتسم بالظلم والجور، وأصاب العراق في عهده غلاء وجوع، مما دعا كثيرًا من أهلها إلى النزوح عنها نحو الشام وغيره، فلما رأى السلطان كثرة النازحين عن العراق، وتظلم الرعية من الحكم، غيَّر سياسته، وأقام العدل، وحسنت سيرته، مما حمل كثيرًا من النازحين عن العراق على العودة إليها، وذلك في سنة (748 هـ)، واستمر هذا السلطان في حكم العراق حتى وفاته سنة (757 هـ) (¬2). ¬
المبحث الثاني الحالة الثقافية
المبحث الثاني الحالة الثقافية ويشتمل على تمهيد، وثلاثة مطالب: * المطلب الأول: المراكز العلمية. * المطلب الثاني: مشاهير العلماء ببغداد. * المطلب الثالث: الصلات العلمية بين بغداد وغيرها من مدن الإسلام العلمية. تمهيد: على الرغم مما أصاب العراق، وبغداد على وجه الخصوص، من جراء الغزو التتاري من الدمار والخراب، مما نتج عنه قتل مئات الألوف من أهلها، وفيهم كبار العلماء، ورواد الثقافة والمعرفة، وهدم الكثير من المساجد، وتعطيل المعاهد والمدارس، ودور العلم، ومحي كثير منها، وأتلفت كتب علمية عظيمة، وألقي كثير منها في نهر دجلة حتى تغير الماء فيه من مادة الكتابة أيامًا، وقضي على الكثير من معالم الثقافة، وصروح المعرفة (¬1)، ومع ذلك فإن من العناية الإلهية، والألطاف الربانية أن ذلك لم يدم طويلًا، إذ بعد عام واحد تقريبًا من سقوط بغداد بدأت الحياة العلمية، والحركة الثقافية تعود إلى بغداد، بفضل الله تعالى، ثم بعناية (عماد الدين عمر القزويني) لما عين واليًا على العراق نيابة عن الأمير المغولي (قرابغا) فقام بعمارة ما انهدم من المساجد، والمدارس، والربط وترميم ما خرب منها، وشجع العلماء وطلاب ¬
العلم على إحياء العلوم، ونشر الثقافة، وقرر لهم الرواتب، وأفاض عليهم العطايا، وكانت له في ذلك آثار حسنة، وأعمال جليلة (¬1). وفي هذا يقول العلامة المؤرخ ابن الفوطي الحنبلي (ت 723 هـ) في ترجمة الوالي المذكور: (لما أنفذ الله قضاءه وقدره، وقتل الخليفة، وخربت بغداد، وأحرق الجامع وعطلت بيوت العبادات، تداركهم الله بلطفه فأتاح لهم عناية (عماد الدين) فقدمها وعمَّر المساجد والمدارس، ورمم المشاهد والربط، وأجرى الجرايات في وقوفها للعلماء، والفقهاء، والصوفية، وأعاد رونق الإسلام بمدينة السلام، وفضَّ على الأئمة الخيرات) (¬2). وقال عن الوالي المذكور أيضًا (ثم فتح المدارس والربط، وأثبت الفقهاء، والصوفية، وأدر عليهم الأخباز والمشاهرات) (¬3)، وقد أثني على هذا الوالي ومدح كثيرًا، ومن ذلك ما قاله شمس الدين الهاشمي الكوفي في قصيدته التي نظمها بمدحه: يا ذا العلا يا عمادالدين يا ملكًا ... لعدله سيرة تسمو على السير لما اصطفاك لهذا الدين منزله ... جبرت منا ومنه كل منكسر جمعت عدلًا ومعروفًا ومعرفة ... والعدل ما زال منسوبًا إلى عمر (¬4) ومما يؤكد عودة الحياة العلمية إلى بغداد بعد سنة من سقوطها، ما ذكره ابن الفوطي: أن الدراسة بالمدرسة المستنصرية - وهي أعظم مدارس بغداد - استؤنفت في عام (657 هـ) (¬5)، كما استؤنفت الدراسة بالمدرسة النظامية في شهر صفر من عام (658 هـ) (¬6)، واستؤنفت الدراسة في المدارس الأخرى بعد ¬
المطلب الأول المراكز العلمية
ذلك (¬1)، فنشطت بذلك الحياة العلمية في بغداد، وبدأت في العودة إلى الحياة بعد الممات، وجدَّ العلماء، ونشط طلاب العلم في إحياء الحركة العلمية، وإعادتها إلى سالف عهدها، وساعدهم على ذلك أيضًا إسلام السلاطين المغول، وما حصل منهم من رعاية للعلم وتشجيع عليه (¬2)، يدل على ذلك أن السلطان (محمود غازان، ت 703 هـ) لما زار بغداد سنة (696 هـ) زار المدرسة المستنصرية، وتجول في أقسامها، واطلع على خزانتها، واحتفل به علماؤها (¬3)، ثم استمرت الحركة العلمية في نشاط وازدهار، ونمو واطراد، ولم ينقض القرن السابع حتى استعادت بغداد كثيرًا من مكانتها العلمية قبل السقوط، وكثرت فيها المساجد، والمدارس، والمعاهد، ودور العلم، التي ازدانت بالعلماء البارزين، وغصت بالطلاب والدارسين، فولد المصنف ونشأ في هذا الجو العلمي الذي يفيض حيوية ونشاطًا، يبدو ذلك واضحًا جليًا في الكلام على أهم الملامح الثقافية في ذلك العصر في المطالب التالية: المطلب الأول المراكز العلمية المراكز العلمية كثيرة ومتنوعة، وسأكتفي بالإشارة إلى أهمها، وبيان ما لها من أثر على الحركة الثقافية في ذلك العصر، فمن أهمها ما يأتي: أولًا: المساجد: كانت المساجد من أهم أماكن التعليم، ونشر الثقافة الإسلامية في ¬
ثانيا: المدارس
التاريخ الإسلامي منذ فجر الإسلام، حيث كان العلماء يعقدون بها حلقات دروسهم العلمية، وكانت بغداد - في ذلك العصر - عامرة بالمساجد الكثيرة، يدل على ذلك ما ذكره الرحالة ابن بطوطة: أنه كان في بغداد حين زيارته لها سنة (727 هـ) أحد عشر مسجدًا جامعًا تقام فيه الجمعة، وأن المساجد التي لا تقام فيها الجمعة كثيرة جدًا (¬1)، وقد كانت هذه المساجد أحد مراكز التعليم الرئيسية في بغداد، حيث تقام فيها الدروس العلمية، ويتصدى للتدريس فيها مشاهير العلماء، وأعيانهم، يدل على ذلك ما ذكره الرحالة ابن بطوطة أثناء زيارته لبغداد سنة (727 هـ) أنه قرأ مسند الدارمي على محدث العراق الحافظ الكبير العلامة عمر بن علي القزويني الشافعي (ت 750 هـ) في جامع الخليفة بالجانب الشرقي من بغداد (¬2)، كما ذكر العلامة أبن رجب أن محدث بغداد في زمنه: العلامة جمال الدين عبد الصمد بن خليل الخضري الحنبلي (ت 765 هـ)، كان يحدث بمسجد يانس، كما ذكر أيضًا: أنه خلفه في التحديث بالمسجد المذكور العلامة المحدث نور الدين محمد بن محمود الحنبلي (ت 766 هـ) (¬3)، كما ذكر مؤلف كتاب "الحياة الفكرية في العراق في القرن السابع" عددًا كثيرًا من المساجد التي كانت تعقد فيها دروس علمية في القرن السابع ببغداد، مشيرًا إلى أسماء بعض العلماء الذين كانوا يتولون التدريس فيها، ثم قال بعد ذلك: (واستمرت الحال على ذلك إلى نهاية القرن السابع الهجري وما بعده) (¬4). ثانيًا: المدارس: حفلت بغداد منذ أواسط القرن الخامس الهجري بعددٍ كبيرٍ من المدارس التي كان لها أثر كبير في نشاط الحركة الثقافية، وازدهار العلوم والمعارف بها، وأول ما أنشئت المدارس في بغداد سنة (459 هـ)، حيث أنشئ في هذا ¬
العام مدرستان هما: مدرسة أبي حنيفة، والمدرسة النظامية (¬1)، ثم ازداد عدد المدارس بها حتى بلغت في عام (580 هـ) ثلاثين مدرسة، كما ذكر ذلك الرحالة ابن جبير عند زيارته لها في السنة المذكور بقوله: (والمدارس بها نحو الثلاثين، وهي كلها بالشرقية - الجهة الشرقية من بغداد - وما منها مدرسة إلا وهي يقصر القصر البديع عنها ... ولهذه المدارس أوقاف عظيمة وعقارات محبسة، تتصير إلى الفقهاء المدرسين بها، ويجرون بها على الطلبة ما يقوم بهم، ولهذه البلاد في أمر هذه المدارس والمارستانات شرف عظيم، وفخر مخلد) (¬2). وقد أنشئ ببغداد زمن الدولة العباسية (38) مدرسة (¬3)، وفي زمن الدولة المغولية (14) مدرسة (¬4)، هذا بالإضافة إلى دور العلم الكثيرة ببغداد، كدور القرآن، ودور الحديث (¬5) والكتاتيب، ومجالس المناظرات، والندوات الأدبية، وغير ذلك من المجالس العلمية (¬6). وقد كان لهذه المدارس، ودور العلم أثر كبير في نشاط الحركة الثقافية ببغداد، وأزدهار العلوم والمعارف بها. ¬
1 - المدرسة المستنصرية
وكانت هذه المدارس تحظى بالاهتمام والرعاية من مختلف طبقات المجتمع، وعلى الخصوص من الخلفاء والأمراء والأثرياء، الذين كانوا يقومون بتشييد هذه المدارس، ويقيمون الاحتفالات الكبيرة عند افتتاحها، ويشاركون في حضورها، ويقومون بتعيين العلماء والمدرسين للتعليم بها، والموظفين لخدمتها، وترتيب الطلاب والدارسين بها، وتهيئة المساكن لهم، ورتبوا لكل أولئك رواتب شهرية، تضمن لهم قدرًا من الحياة الهنيئة، حتى ينصرفوا كلية إلى العلم، ولا ينشغلوا بغيره. كما كانت توقف على هذه المدارس الأوقاف الكثيرة، لتكون موارد مالية ثابتة تريع عليها، مما يضمن لها الاستمرار في أداء رسالتها على الوجه الأكمل (¬1). وسأشير هنا إلى بعض المدارس التي كانت الدراسة فيها قائمة زمن المصنف مع الإشارة إلى تاريخ إنشائها، وبعض من درَّس بها زمن المصنف، مما يستدل به على استمرار الدراسة بها في الزمن المذكور، وهي: 1 - المدرسة المستنصرية: أنشأها الخليفة العباسي المستنصر بالله (ت 640 هـ) في سنة (625 هـ) وتم افتتاحها في سنة (631 هـ) في حفل كبير، حضره الخليفة والعلماء وكبار رجالات الدولة. وتعد هذه المدرسة أكبر المدارس في بغداد، ومن أعظم المدارس في العالم الإسلامي، وكانت الدراسة فيها على المذاهب الفقهية الأربعة، وقد ألف الأستاذ/ ناجي معروف كتابًا حافلًا في تاريخ هذه المدرسة وعلمائها (¬2)، وقد ذكر: أن الدراسة فيها أستمرت حتى منتصف القرن الحادي عشر فيما ¬
2 - المدرسة النظامية
وقف عليه، كما أنه استطاع معرفة (250) شخصية علمية من رجالات العلم بها، جلهم في العهد المغولي (¬1). 2 - المدرسة النظامية: أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك الحسن بن علي للشافعية، وتم افتتاحها سنة (459 هـ)، وهي من أكبر المدارس وأشهرها ببغداد (¬2)، وقد أشاد بذكرها الرحالة ابن بطوطة عند زيارته لبغداد سنة (727 هـ) (¬3). وممن درَّس بها العلامة محيي الدين محمد بن عبد الله العاقولي الشافعي (704 - 768 هـ) (¬4). 3 - المدرسة المجاهدية: أسسها مجاهد الدين أيبك بن عبد الله المستنصري، أمير الأمراء ببغداد سنة (637 هـ) للحنابلة، وكانت من كبار المدارس ببغداد، وأشهرها (¬5). وممن درَّس بها العلامة صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي الحنبلي (ت 739 هـ) (¬6)، قال عنه ابن رافع: درَّس بالمدرسة المجاهدية ببغداد، وهي أكبر مدارسها (¬7). وممن درَّس بها العلامة شافع بن عمر الجيلي الحنبلي (ت 741 هـ) (¬8). ¬
4 - المدرسة البشيرية
4 - المدرسة البشيرية: أنشأتها جارية الخليفة المستعصم بالله المعروفة بـ (باب بشير)، وافتتحت بعد وفاتها سنة (653 هـ) وحضر الخليفة وأولاده افتتاحها، وكان التدريس بها على المذاهب الأربعة (¬1). وممن درَّس بها العلامة تقي الدين عبد الله بن محمد الزريراني الحنبلي (ت 729 هـ) (¬2)، والعلامة جمال الدين عبد الله بن محمد العاقولي الشافعي (ت 728 هـ) (¬3)، والعلامة أبو الحسن حيدرة بن محمد العباسي الحنفي (ت 767 هـ) (¬4). 5 - المدرسة العصمتية: أنشاتها السيدة عصمة الدين شاة المعروفة بأم رابعة (ت 678 هـ) - ورابعة حفيدة الخليفة المستعصم -، وافتتحت المدرسة سنة (671 هـ)، وكانت الدراسة فيها على المذاهب الأربعة (¬5). وممن درَّس بها العلامة شرف الدين داود بن كوشيار الحنبلي (ت 699 هـ) (¬6)، والعلامة أحمد بن علي البابصري الحنبلي (ت 750 هـ) (¬7). ¬
6 - المدرسة الشرابية
6 - المدرسة الشرابية: أنشأها الأمير شرف الدين إقبال الشرابي العباسي، وافتتحت سنة (628 هـ) في حفل كبير حضره أعيان العلماء، وطلاب العلم ببغداد، وذكر الأستاذ/ ناجي معروف: أن الدراسة فيها كانت قائمة في حدود عام (723 هـ) فيما وقف عليه (¬1). 7 - المدرسة الشرفية (مدرسة أبي حنيفة): أنشأها للحنفية شرف الملك محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي المملكة للسلطان ألب أرسلان السلجوقي في سنة (459 هـ) (¬2). وممن درَّس بها العلامة أحمد بن علي الهمداني الحنفي المعروف بابن الفصيح (ت 755 هـ) (¬3). 8 - المدرسة الغازانية: نسبة إلى السلطان محمود غازان (ت 703 هـ) وقد أنشأها الوزير رشيد الدين فضل الله الهمداني (ت 718 هـ)، الذي كان وزيرًا لعدد من السلاطين المغول (¬4). ثالثًا: المكتبات: للمكتبات دورها الأساسي في نشر الثقافة العلمية، وإحياء الحركة الفكرية، وكانت بغداد في ذلك العصر حافلة بعدد كبير من المكتبات التي كانت تسمى بـ (دور العلم)، وبـ (خزائن الكتب) سواء ما كان منها خاصًا، كمكتبات العلماء، والأمراء والوجهاء، وطلاب العلم، ومن أشهر هذه ¬
المكتبات: مكتبة العلامة كمال الدين ابن الفوطي الحنبلي (ت 723 هـ) (¬1)، ومكتبة العلامة صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي الحنبلي (ت 739 هـ) (¬2)، أو ما كان منها عامًا كخزائن الكتب في المدارس، والمساجد والربط وغيرها، حيث لا تكاد تخلو هذه الأمكنة العلمية من مكتبات (¬3)، تكون مرجعًا قريبًا من العلماء وطلاب العلم، (وكانت غالبية مساجد بغداد تشتمل على مكتبات يستفيد منها جمهور طالبي الكتب من رجال العلم وطلبته، وظلت كذلك إلى أواخر القرن الثامن الهجري) (¬4). أما المكتبات في المدارس فيظهر أن العناية بها أجل، والاهتمام بها أكثر، وكان في كل مدرسة مكتبة (¬5)، قد يصل تعداد ما فيها من الكتب والمراجع إلى عشرات الآلاف، ومن أشهر مكتبات المدارس في بغداد على الإطلاق مكتبة المدرسة المستنصرية، حيث وصفت: بأنه لم يكن في الدنيا مثلها (¬6)، وبأنها (كانت في القرنين السابع والثامن الهجريين أعظم دور العلم العامة، وأشهرها في العلم لا سيما في العهد الذي كان ابن الفوطي خازنًا فيها) (¬7)، وقد بلغ عدد الكتب في هذه المكتبة ثمانين ألف مجلد (¬8). ¬
المطلب الثاني مشاهير العلماء ببغداد
ومن مظاهر الاهتمام بهذه المكتبات والعناية بها: أنه كان يعين لها خُزَّان، ومشرفون، وغيرهم من الموظفين، يقومون على ترتيبها والعناية بها، وكان بعض هؤلاء من العلماء البارزين المشهورين (¬1)، ومن أشهر خُزَّان الكتب - في العصر المتحدث عنه - خازن مكتبة المدرسة المستنصرية العلامة أبو بكر التفتازاني الحنفي (ت بعد 701 هـ) (¬2)، وخازنها الآخر العلامة كمال الدين ابن الفوطي الحنبلي (ت 723 هـ) (¬3)، كما تولى الإشراف على هذه الخزانة العلامة محيي الدين ابن العاقولي الشافعي (ت 768 هـ) (¬4). هذا وقد كان في بغداد من المكتبات العامة المستقلة في زمن الدولة العباسية (19) مكتبة (¬5)، ويبدو أن الذي بقي منها، وسلم من التلف بعد سقوط بغداد استمر على ما هو عليه، حيث ورد تفويض أمر هذه الخزائن والعناية بها في زمن الدولة المغولية إلى ثلاثة من كبار الأدباء والمؤرخين في بغداد (¬6). المطلب الثاني مشاهير العلماء ببغداد حفلت بغداد - في عصر المصنف - بأعداد كثيرة من العلماء، وطلاب العلم في أنواع مختلفة من العلوم والفنون، وبرز فيها أئمة كبار، وعلماء مشاهير، تميزوا بمكانتهم العلمية العالية، وتبوَّؤا مكانًا عليًا بين علماء الأمة ¬
الإسلامية، حتى أصبحوا مقصدًا لطلاب العلم من مختلف المدن والأقطار الإسلامية. وقد سجلت كتب التواريخ والتراجم (¬1) التي تعنى بالقرن الثامن الهجري أعدادًا كثيرة من علماء بغداد في ذلك العصر، ومما يدل على كثرة العلماء والمتعلمين في بغداد آنذاك ما ذكره الإمام الذهبي في ترجمة العلامة/ محمود بن علي الدقوقي الحنبلي (ت 733 هـ): أنه كان يحضر إقراءه للحديث بدار الحديث ببغداد خلق كثير، يبلغون عدة آلاف (¬2)، كما ذكر الإمام ابن رجب في ترجمة العلامة جمال الدين الخضري (ت 765 هـ): أنه كان يحضر درسه بمسجد يانس ببغداد الخلق الكثير، منهم المدرسون والأكابر (¬3)، وقد ترجم في منتخب المختار (تاريخ علماء بغداد) لـ (201) من علماء بغداد، جلُّهم في القرن الثامن الهجري، كما ترجم ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة لحوالي (40) شخصية علمية من علماء الحنابلة ببغداد في ذلك العصر ممن نشأ فيها، أو قدمها للدراسة بها، بينما ذكر الأستاذ ناجي معروف (250) شخصية علمية من رجالات العلم بالمدرسة المستنصرية ببغداد جلُّهم في العهد المغولي، وكان كثير منهم من علماء العصر المذكور على وجه الخصوص. هذا وأشير إلى أن العلماء في بغداد من مختلف المذاهب الأربعة كانوا فيها بأعداد كثيرة، إلا أن الغالبية منهم كانوا من علماء الحنابلة، ويبدو ذلك ظاهرًا من خلال الاطلاع على كتب التراجم التي تعنى بعلماء هذا العصر، وعلى الخصوص منها: كتاب منتخب المختار (تاريخ علماء بغداد)، وكتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. ¬
أولا: في القراءات
ومما يدل أن علماء الحنابلة أكثر أهل العلم ببغداد آنذاك: أن علماء المدرسة المستنصرية الذين ورد ذكرهم في كتاب (تاريخ علماء المستنصرية) والذين بلغوا (250) عالمًا، غالبيتهم من علماء الحنابلة، ولإيضاح ذلك أكثر، فإن شيوخ الحديث بالمدرسة المذكورة الذين ذكروا في الكتاب المذكور بلغوا (22) عالمًا، نصفهم تقريبًا من علماء الحنابلة (¬1). هذا ويبدو أن هذه الأعداد المشار إليها - مع قلتها - تعطي صورة واضحة عن وفرة العلماء وكثرتهم في بغداد - في العصر المتحدث عنه -، مما يدل دلالة جلية على نشاط الحركة العلمية، وازدهارها في ذلك العصر ازدهارًا ملموسًا. وسأذكر هنا بعض مشاهير العلماء في عدد من الفنون والعلوم ممن تصدوا للتدريس أو التأليف، فتركوا آثارًا علمية جليلة، وخلفوا تراثًا علميًا أصيلًا. أولًا: في القراءات: 1 - أبو بكر محمد بن عمر بن المشيع الجزري، المقصاتي (ت 713 هـ) من مشاهير القراء في زمنه. قال عنه الذهبي: (كان بصيرًا بالقراءات، قيمًا بمعرفتها، واقفًا على غوامضها ...) وذكر في منتخب المختار: أنه واظب على الإقراء بالعراق أكثر من خمسين سنة (¬2). 2 - أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه الواسطي (ت 741 هـ) كان شيخ القراء في العراق في زمنه، ومقرئ القرآن بالمدرسة المستنصرية ببغداد، صنف في القراءات: المختار، والكنز، والكفاية، وتحفة الإخوان في آيات القرآن، وغيرها (¬3). ¬
ثانيا: في الحديث
ثانيًا: في الحديث: 1 - أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي المحاسن بن الخراط، البغدادي، الأزجي، المعروف بابن الدواليبي، الحنبلي (ت 728 هـ). مسند أهل العراق في زمنه، وشيخ الحديث بالمدرسة المستنصرية (¬1). 2 - أبو الثناء محمود بن علي بن محمود الدقوقي، البغدادي، الحنبلي (ت 733 هـ). الإمام، المحدث، الحافظ، شيخ الحديث بالمدرسة المستنصرية. صنف في الحديث: مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية من السند والتكرار (¬2). 3 - أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عمر القزويني، البغدادي، الشافعي (ت 750 هـ). الإمام، الحافظ الكبير، محدث العراق، ومسند أهلها (¬3). 4 - جمال الدين عبد الصمد بن خليل الخضري، الحنبلي (ت 765 هـ) كان محدث بغداد، وواعظها، ومدرسًا بالمدرسة البشيرية (¬4). ثالثًا: في الفقه: • فقهاء الحنفية: 1 - تاج الدين علي بن سنجر بن عبد الله البغدادي، المعروف بابن السباك، الحنفي (ت 750 هـ). ¬
فقهاء المالكية
مدرس الحنفية بالمدرسة المستنصرية، وإليه انتهت رئاسة المذهب الحنفي في بغداد، له أرجوزة في الفقه، وشرح ثلثي الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (¬1). 2 - أبو الحسن حيدرة بن محمد بن يحيى بن هبة الله بن المحيا العباسي، البغدادي، الحنفي (ت 767 هـ). قاضي بغداد، ومدرس الحنفية بالمدرسة المستنصرية (¬2). • فقهاء المالكية: 1 - أبو محمد الحسن بن القاسم بن هبة الله النيلي، البغدادي، المالكي (ت 712 هـ). قاضي القضاة ببغداد، ومدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية، صنَّف في الفقه: الهداية، وكتابًا في مسائل الخلاف (¬3). 2 - أبو محمد شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر، البغدادي، المالكي (ت 732 هـ). مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية. صنف في الفقه: المعتمد، وعمدة الناسك وإرشاد السالك، وله مصنفات في غير الفقه (¬4). 3 - شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر، البغدادي، المالكي (ت 759 هـ). ¬
فقهاء الشافعية
قاضي بغداد، ومدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية بعد وفاة أبيه (¬1). • فقهاء الشافعية: 1 - جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي الواسطي، البغدادي، العاقولي، الشافعي (ت 728 هـ). مفتي العراق، ومدرس الشافعية بالمدرسة المستنصرية، وإليه انتهت رئاسة الشافعية ببغداد (¬2). 2 - أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي، البغدادي، الشافعي المعروف بالأخوين (ت 736 هـ). قاضي القضاة ببغداد، ومدرس الشافعية بالمدرسة المستنصرية، وغيرها (¬3). 3 - محيي الدين محمد بن عبد الله بن محمد الواسطي، البغدادي، العاقولي، الشافعي (ت 768 هـ). مدرس الشافعية بالمدرسة المستنصرية، وشيخ الحديث بها، وإليه انتهت رئاسة الشافعية ببغداد (¬4). • فقهاء الحنابلة: 1 - تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد الزَّرِيْرَاني، البغدادي، الحنبلي (ت 729 هـ). ¬
الإمام، العلامة، مفتي العراق، ومدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية، والبشيرية. له حواشٍ على كتاب المغني لابن قدامة (¬1). وذكر ابن بدران: أنه صنف كتاب الوجيز في الفقه في مجلد لطيف (¬2). 2 - الحسين بن يوسف بن محمد الدجيلي، البغدادي، الحنبلي، (ت 732 هـ). العلامة، الفقيه، الفرضي، النحوي، الأديب. صنف في الفقه: الوجيز، وقصيدة في الفرائض، وله مصنفات في علوم أخرى (¬3). 3 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن البرزبي، البغدادي، الحنبلي (ت 735 هـ). العلامة، الفقيه، مدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية (¬4). 4 - صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله القطيعي البغدادي، الحنبلي (ت 739 هـ). علامة العراق، ومدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية والبشيرية. له مصنفات كثيرة في فنون عديدة، منها في الفقه: شرح المحرر، وشرح العمدة، وإدراك الغاية في اختصار الهداية (¬5). ¬
رابعا: في العربية
رابعًا: في العربية: 1 - يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البتي، البغدادي، الحنبلي (ت 726 هـ). كان نحوي أهل العراق، ومقرئه في زمنه، ومدرس الحنابلة بالمدرسة البشيرية، ومعيدًا بالمستنصرية (¬1). 2 - الحسين بن بدران بن داود البابصري، البغدادي، الحنبلي (ت 749 هـ). قال ابن رجب: برع في العربية والأدب ونظم الشعر، وكانت له مشاركة حسنة في الحديث والتاريخ، وكان يقرئ الحديث بالمدرسة المستنصرية، وله فيه مصنفات (¬2). 3 - أحمد بن علي بن أحمد الهمداني، الكوفي، البغدادي، الحنفي، المعروف بابن الفصيح (ت 755 هـ). كان شيخ النحاة ببغداد، ومدرس العربية بالمدرسة المستنصرية، كما درَّس الفقه بمدرسة أبي حنيفة، وإليه انتهت رئاسة الحنفية ببغداد، وله مصنفات في الفقه والقراءات (¬3). 4 - عبد الله بن أحمد بن علي الهمداني، الكوفي، الحنفي، المعروف بابن الفصيح (ت 745 هـ) في حياة والده المذكور قبله. ¬
خامسا: في التاريخ
كان فقيهًا، أديبًا، نحويًا، درَّس العربية بالمدرسة المستنصرية (¬1). خامسًا: في التاريخ: 1 - كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد الصابوني، الحنبلي، المعروف بابن الفوطي (ت 723 هـ). العلامة المؤرخ، الكاتب، الأديب، قال عنه الذهبي: مؤرخ الدنيا. صنف في التاريخ والتراجم: مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب، ويقع في خمسين مجلدًا، ودرر الأصداف في غرر الأوصاف، وهو كبير جدًا جمعه من ألف مصنف من التواريخ، والتاريخ على الحوادث، والحوادث الجامعة. قال الذهبي: وكتب من التواريخ ما لا يوصف، ومصنفاته وقر بعير (¬2). 2 - أبو الخير سعيد بن عبد لله الدهلي، البغدادي الحريري (ت 749 هـ). العلامة، الحافظ، المؤرخ. قال عنه الذهبي: له تميز في التاريخ، وتكثير المشايخ والأجزاء ومعرفة الرجال (¬3). ¬
المطلب الثالث الصلات العلمية بين علماء بغداد والمدن الإسلامية الأخرى
المطلب الثالث الصلات العلمية بين علماء بغداد والمدن الإسلامية الأخرى للصلات العلمية بين العلماء، وطلاب العلم في مختلف الأقطار والبلدان آثارها العلمية الجليلة، وفوائدها الإيجابية الكثيرة، وهي لون من ألوان النشاط العلمي، ومظهر من مظاهر التوسع الفكري، ونظرًا للمكانة العلمية المتميزة التي تحتلها مدينة بغداد بين أوساط المدن العلمية المشهورة في العالم الإسلامي، كانت هناك صلات علمية بين بغداد وسائر المدن الإسلامية، وتتمثل هذه الصلات فيما يأتي: أولًا: قدوم كثير من العلماء، وطلاب العلم من المدن والأقطار الإسلامية المختلفة إلى مدينة بغداد بقصد التزود العلمي، والتلقي عن علماء بغداد والدراسة في مدارسها، فمن مشاهير العلماء الذين قدموا إليها من المدن العراقية: 1 - العلامة أحمد بن إبراهيم الواسطي الحزامي، الحنبلي (ت 711 هـ). قدم من مدينة واسط (¬1). 2 - العلامة سليمان بن عبد القوي الطوفي، الصرصري، البغدادي، الحنبلي (ت 716 هـ). قدم من قرية طوفى وهي من أعمال مدينة صرصر بالعراق (¬2). 3 - العلامة محمد بن علي الوراق الموصلي، المعروف بابن خروف الحنبلي (ت 727 هـ). ¬
قدم من مدينة الموصل (¬1). 4 - العلامة أحمد بن علي بن أحمد الهمداني الكوفي، البغدادي، الحنفي (ت 755 هـ). قدم من مدينة الكوفة (¬2). * ومن العلماء الذين قدموا بغداد من خارج العراق: 1 - العلامة عز الدين يحيى بن قاسم الصنعاني اليماني الشافعي (ت بعد 749 هـ). قدم من اليمن (¬3). 2 - العلامة إسحاق بن أبي بكر بن المسبي التركي، المصري الحنبلي. (كان حيًا سنة 720 هـ). قدم من مصر (¬4). 3 - العلامة إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري، الخليلي (ت 732 هـ). قدم من بلد الخليل بفلسطين (¬5). 4 - العلامة عفيف الدين عبد الله بن محمد بن أحمد الخزرجي، المطري، المدني الشافعي (ت 765 هـ). قدم من المدينة (¬6). ¬
5 - الرحالة المغربي محمد بن عبد الله بن بطوطة (ت 775 هـ) وقد سبقت الإشارة إلى أنه دخل بغداد سنة (727 هـ) وقرأ في الحديث على محدث العراق عمر القزويني. ثانيًا: قيام أعداد كثيرة من علماء بغداد في أوائل حياتهم الدراسية برحلات علمية إلى عدد من البلاد الإسلامية وعلى الخصوص دمشق والقاهرة، والديار المقدسة، عادوا بعدها بحصيلة علمية عالية هيأت كثيرًا منهم لتبوُّءِ أمكنة الصدارة العلمية ببغداد، وقد سبق ذكر عدد من مشاهير علماء بغداد - في العصر المتحدث عنه - وجل أولئك قاموا برحلات علمية إلى تلك المدن المذكورة أو بعضها، فلا حاجة إلى إعادة ذكرهم، أو بعضهم، أو حتى غيرهم، لحصول المقصود بالإشارة إليهم. هذا، ونظرًا للمكانة العلمية التي احتلها علماء بغداد، فقد كان بعضهم يرتحلون، أو يطلب منهم القدوم إلى بعض تلك المدن الإسلامية للتدريس فيها، أو لتولي المناصب الدينية الهامة بها، ومن أولئك: 1 - العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن الخراط، البغدادي الحنبلي، المعروف بابن الدواليبي (ت 728 هـ) (¬1). سافر إلى دمشق، وأقام بها فترة يحدث ويعظ، تتلمذ عليه فترة إقامته بها عدد من علمائها البارزين، كالبرزالي والذهبي وغيرهم، ثم سافر إلى الديار المقدسة للحج، فحدث بالمدينة والعلا. 2 - العلامة أحمد بن علي الهمداني الكوفي البغدادي، الحنفي، المعروف بابن الفصيح (ت 755 هـ) (¬2). درَّس ببغداد، ثم رحل إلى دمشق، ودرَّس في عدد من مدارسها، وتخرج به كثير من علمائها، وتصدر للإفتاء بها. ¬
3 - العلامة أحمد بن عبد الرحمن بن عسكر البغدادي، المالكي (ت 759 هـ) (¬1). درَّس ببغداد، وتولى بها القضاء، ثم رحل إلى مصر، وتولى القضاء بمدينة دمياط، ثم رحل إلى دمشق، وتولى بها القضاء. ¬
الفصل الثالث حياة المؤلف، وترجمة صاحب الأصل
الفصل الثالث حياة المؤلف، وترجمة صاحب الأصل ويشتمل على مبحثين المبحث الأول: حياة المؤلف المبحث الثاني: ترجمة صاحب الأصل
المبحث الأول حياة المؤلف
المبحث الأول حياة المؤلف ويشتمل على المطالب التالية: المطلب الأول اسمه، ونسبه، ومولده * اسمه، ونسبه (¬1): هو عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزَّرْيرَاني، البغدادي، شرف الدين، أبو محمد. هكذا نسبه تلميذه ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (¬2)، بينما اكتفى شيخه الذهبي في المعجم المختص (¬3): بذكر اسمه، وأبيه، وجده ولقبه، ونسبته إلى زَرِيْرَان. ويبدو أن كل من ترجم له عوَّل على هذين المصدرين أو أحدهما، ولذا ¬
مولده
لم يقع خلاف في ترجمته في جميع المصادر التي ترجمتْه إلا أن بعضها أخصر من بعض في ذكر نسبه. والزَّريْراني: نسبة إلى بلدة "زَرِيْران" بفتح الزاي، وكسر الراء المهملة، بعدها ياء ساكنة، ثم راء مهملة بعدها ألف، وآخرها نون (¬1). و"زريران" بلدة قرب بغداد تبعد عنها سبعة فراسخ، على جادة الحاج إذا أرادوا الكوفة من بغداد (¬2)، تحت المدائن بيسير في الجنب الغربي من دجلة (¬3). * مولده: ولد ببغداد سنة (711 هـ) في عهد السلطان المغولي خدابنده (703 - 716 هـ)، ولم يختلف في سنة ولادته (¬4). المطلب الثاني حياته العلمية نشأ المصنف في بغداد في أسرة علمية لها من المكانة العلمية في بغداد موقع الصدارة، إذ والده علامة العراق في زمنه، ومرجع علماء بغداد في ¬
رحلته العلمية
عصره، وكانت الحياة العلمية في بغداد آنذاك في نشاط وازدهار، آهلة بالعلماء البارزين، وزاخرة بالمدارس التي غصت بالدارسين، فكان لهاتين البيئتين العامة والخاصة أثر في نشأته العلمية، وتوجهه العلمي منذ الصغر، فبدأ حياته العلمية في بغداد بتعلم المبادئ الأساسية في التعليم، وقرأ بها القرآن، ثم تتلمذ على كبار علمائها ومشاهير فقهائها ومحدثيها، كوالده، والعلامة صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي، وغيرهم، وسمع بها الحديث، وقرأ فيها الفقه، وحفظ فيه كتاب (المحرر) وهو من أهم وأنفع المتون الفقهية في مذهب الحنابلة (¬1)، ثم إنه - فيما يبدو - بعد أن حصّل من العلم قسطًا كبيرًا، وتكونت لديه حصيلة علمية، تطلعت نفسه إلى القيام برحلة علمية خارج العراق - وكانت الرحلة العلمية أمرًا معهودًا عند أهل العلم في مختلف العصور الإسلامية - لتحقيق المزيد من العلم والمعرفة فقام بالرحلة العلمية التالية: * رحلته العلمية: ابتدأ المصنف رحلته إلى دمشق، حيث التقى فيها بالإمام الذهبي، وتتلمذ عليه (¬2)، وسمع بها الحديث من زينب بنت الكمال، وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم، وخطيب مردا، وغيرهم. وقرأ بها الفقه على العلامة أبي إسحاق برهان الدين الزرعي الحنبلي، الدمشقي في كتاب (المحرر) وغيره، كما تتلمذ فيها على غير هؤلاء العلماء. ثم رحل إلى مصر، وسمع بها الحديث من مسندها العلامة يحيى بن يوسف المصري، كما لقي فيها الإمام أبا حيان الأندلسي، وغيره (¬3). ¬
شيوخه
ثم عاد إلى بغداد بحصيلة علمية ثرية، أشار إليها ابن رجب بقوله: "ثم رجع إلى بغداد بفضائل" (¬1). * شيوخه: أشارت مصادر ترجمة المصنف إلى أنه تلقى العلم عن عدد كثير من كبار علماء عصره في بغداد، ودمشق، ومصر، غير أن هذه المصادر لم تذكر إلا أسماء عدد قليل من هؤلاء، وهم من سبقت الإشارة إليهم، وقد وقفت على أسماء سبعة من كبار شيوخ المصنف الذين تلقى العلم عنهم، وكان لهم أثر كبير في تكوينه العلمي، وهؤلاء هم: 1 - والده تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد الزَّرِيْراني، البغدادي الحنبلي، (ت 729 هـ) (¬2). قال عنه الذهبي: (كان من بحور الفقه) (¬3). وقال عنه ابن رجب: (الإمام، فقيه العراق، ومفتي الآفاق ... انتهت إليه رئاسة العلم ببغداد من غير مدافع ... ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية: لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله) (¬4). ومن غريب ما ذكر عنه - مما يدل على سعة علمه، وكثرة مطالعته - أنه قرأ المغني (23) مرة، فكان يستحضر أكثر مسائله (¬5). وقد نقل المصنف عن والده في كتابه المحقق أقوالًا كثيرة، غالبها تعقبات على صاحب الأصل (السامري)، مما يرجح أن المصنف قد قرأ فروق السامري على والده. ¬
2 - يحيى بن يوسف المقدسي، المصري (ت 737 هـ) العلامة المحدث، مسند أهل مصر في زمنه (¬1). 3 - صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي، البغدادي، الحنبلي (ت 739 هـ) (¬2). قال عنه ابن حجر: (كان شيخ العراق على الإطلاق) (¬3). وقد أشار المصنف إلى تتلمذه عليه في هذا الكتاب المحقق (¬4). 4 - زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، المعروفة ببنت الكمال (ت 740 هـ) (¬5) المحدثة المشهورة، مسند أهل الشام في عصرها. قال عنها ابن حجر: (ونزل الناس بموتها درجة في شيء كثير من الحديث) (¬6). 5 - أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي، الدمشقي (ت 741 ص). العلامة، الفقيه، الأصولي، الفرضي (¬7). قرأ المصنف عليه في كتاب (المحرر) للمجد بن تيمية (¬8)، وأشار إليه في هذا الكتاب ناقلًا عنه فرقًا بين مسألتين (¬9). ¬
تلاميذه
6 - أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي (ت 745 هـ). الإمام المشهور في التفسير، واللغة والنحو، وغيرها. له مصنفات كثيرة من أشهرها: "البحر المحيط" في التفسير (¬1). 7 - شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ). الإمام المشهور، الحافظ الكبير، مؤرخ الإسلام (¬2). قال عن المصنف في المعجم المختص: (قدم دمشق طالب علم، ... وقرأ عليّ جملة، وفضائله كثيرة) (¬3). * تلاميذه: لم تشر مصادر ترجمة المصنف إلى أحد من تلاميذه سوى ما ذكره ابن رجب عن نفسه: أنه حضر درسه بالمدرسة المجاهدية ببغداد، وهو صغير، ولعل السبب في عدم ذكر أحد من تلاميذه قصر حياته - رحمه الله - على الرغم من كونه درّس ما يقارب ثلاث سنوات في بعض مدارس بغداد، إلا أن هذه السنوات قليلة مقارنة بمن كتب الله لهم طول الحياة، فدرَّسوا عشرات السنوات. وابن رجب هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، الدمشقي الحنبلي (ت 795 هـ). الإمام، الحافظ، المشهور، صاحب المصنفات العديدة، من أشهرها: القواعد في الفقه، وذيل طبقات الحنابلة (¬4). ¬
المطلب الثالث حياته العملية
المطلب الثالث حياته العملية ارتبطت حياة المصنف العملية بحياته العلمية، إذ أن أعماله التي تولاها أعمال علمية جليلة، وهي: 1 - القضاء: يعد القضاء من أرفع الوظائف الدينية قدرًا، وأعلاها رتبة، وأجلّها مكانة، ولا يتولاه في الغالب إلا من اشتهر بالمكانة العلمية، والحنكة والحصافة. وقد ذكر ابن رجب وغيره: أن المصنف - رحمه الله - تولى القضاء ببغداد بالنيابة (¬1). بينما قال عنه الذهبي: بأنه القاضي، وأقضى القضاة (¬2)، وهذا القول من الذهبي يفرض تساؤلًا، وهو: هل قوله عن المصنف إنه (القاضي) بناء على توليه القضاء بالنيابة، أم أنه يدل على أنه تولاه أصالة لا نيابة فقط، ثم قول الذهبي أيضًا (أقضى القضاة) هل هو ثناء ومدح؟ أم بيان للرتبة القضائية المعهودة آنذاك، وهي أن (أقضى القضاة أعلى رتبة قضائية تلي مرتبة (قاضي القضاة) (¬3)، فإذا كان مراد الذهبي هذه المراتب القضائية فإنه بالنظر في ما ذكره ابن رجب وغيره، مع ما ذكره الذهبي يمكن أن يكون تدرج المصنف في الرتب القضائية على النحو التالي: ¬
2 - التدريس
1 - قاضي بالنيابة. 2 - قاضي. 3 - أقضى القضاة. هذا ولم تشر مصادر ترجمته إلى وقت توليه القضاء، أو مدته. 2 - التدريس: تولى المصنف التدريس بمدرستين من أشهر المدارس وأكبرها في بغداد وهما: * المدرسة البشيرية: وهي إحدى المدارس التي يدرَّس بها المذاهب الفقهية الأربعة، وقد درّس بها المصنف بعد وفاة شيخه صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي في العاشر من شهر صفر سنة (739 هـ)، فصار مدرس الحنابلة بها (¬1). * المدرسة المجاهدية: وهي مدرسة خاصة بالحنابلة، وقد درَّس بها المصنف بعد وفاة صهره - زوج أخته - شافع بن عمر الجيلي الحنبلي، المتوفى في الثاني عشر من شوال سنة (741 هـ) لكن مدة تدريس المصنف بهذه المدرسة لم تطل، إذ توفي بعد شهرين من تدريسه بها (¬2). 3 - الإفتاء: ذكر الذهبي وغيره: أن المصنف - رحمه الله - كان يفتي ببغداد (¬3). ¬
المطلب الرابع آثاره العلمية
المطلب الرابع آثاره العلمية وتتمثل في مؤلفاته الثلاث وهي: 1 - إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل، وهو موضوع التحقيق. 2 - اختصار كتاب (المطلع على أبواب المقنع) للعلامة شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي (ت 709 هـ). 3 - اختصار كتاب (طبقات الحنابلة) للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، والتذييل عليه بتراجم علماء آخرين، قال ابن رجب: (وتطلبتها فلم أجدها). وقال أيضًا: (وله غير ذلك) (¬1). المطلب الخامس مكانته العلمية تبدو مكانة المصنف العلمية فيما يأتي: أولًا: توليه المناصب الدينية الهامة في بغداد، وهي: القضاء، والتدريس، والإفتاء، وهو في سن مبكر مع أن بغداد كانت آهلة بالعلماء الكبار البارزين في ذلك العصر، مما يوحي بمكانة المصنف العلمية العالية، ومما يدل على ذلك بجلاء: أنه تولى التدريس بالمدرسة البشيرية - وهي من أكبر المدارس في بغداد - خلفًا لشيخه - لما توفي - الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي الذي وصفه ابن حجر بأنه: (كان شيخ العراق على الإطلاق). ¬
ثانيا: ثناء العلماء عليه
ثانيًا: ثناء العلماء عليه: ثناء العلماء يعطي صورة عن مكانة العالم العلمية، وعلى الخصوص إذا كان الثناء صادرًا من شيوخ العالم، وقد أثنى على المصنف شيخه الإمام الذهبي في المعجم المختص، فقال عنه: (القاضي، الإمام شرف الدين أقضى القضاة ... قرأ عليّ جملة، وفضائله كثيرة ... وأفتى، ودرّس) (¬1). وقال عنه ابن رجب: (الفقيه، الإمام شرف الدين ...)، وقال بعد أن ذكر رحلته العلمية: (ثم رجع إلى بغداد بفضائل)، وقال أيضًا: (وناب في القضاء ببغداد، واشتهرت فضائله، وخطه في غاية الحسن) (¬2). وقد نقل من ترجم للمصنف بعدهما هذه العبارات، أو بعضها. ثالثًا: ما ظهر في كتابه المحقق من قيمة علمية متميزة، تنبئ عن علم غزير، وفهم دقيق. المطلب السادس وفاته لم تطل حياة المصنف - رحمه الله - إذ توفي في يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة (741 هـ)، وله من العمر ثلاثون سنة، ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد ببغداد، ولم يختلف في تاريخ وفاته (¬3). ¬
المبحث الثاني ترجمة صاحب الأصل
المبحث الثاني ترجمة صاحب الأصل * اسمه ونسبه (¬1): محمد بن عبد الله بن الحسين السامرِّي، أبو عبد الله، نصير الدين، ويلقب أيضًا بمعظم الدين، ويعرف بابن سُنينه - بسين مهملة مضمومة، ونونين مفتوحتين، بينهما ياء ساكنة - قال ابن رجب: هكذا ضبطه ابن نقطه (¬2). والسامرِّي: بضم الميم، وكسر الراء المهملة المشددة. نسبة إلى مدينة (سامراء) بالعراق (¬3). * مولده: ولد بمدينة (سامراء) بالعراق سنة (535 هـ) (¬4). * نشاته العلمية: نشأ في بغداد، وتتلمذ على عدد من علمائها، وأوردت بعض مصادر ترجمته (¬5) أسماء ثلاثة من شيوخه وهم: 1 - العلامة الفقيه الفرضي أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني الحنبلي (ت 656 هـ) (¬6). ¬
2 - العلامة المحدث أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي، المعروف بابن البطي (ت 564 هـ) (¬1). 3 - الشيخ أبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري البغدادي (ت 596 هـ) (¬2). ولم تشر مصادر ترجمته إلى قيامه بالتدريس، أو تتلمذ أحد عليه سوى ما ذكره ابن رجب عن ابن الساعي المؤرخ: أنه كتب عنه، وأنه أجاز للشيخ عبد الرحيم بن الزجاج (¬3). * حياته العملية: تولى القضاء بسامراء وأعمالها مدة، ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد، ثم عزل عن القضاء، وبقي على الحسبة، ثم عزل عنها، وولي إشراف ديوان الزمام (¬4). * مؤلفاته: ألف ثلاث مؤلفات في الفقه والفرائض ذات قيمة علمية جليلة، وهي: 1 - المستوعِب. بكسر العين (¬5). وهو في فقه مذهب الإمام أحمد استوعب في ضمنه عددًا من المتون الفقهية المشهورة في مذهب الإمام أحمد، ذكرها في مقدمة كتابه (¬6). قال ابن بدران: (وهو كتاب مختصر الألفاظ، كثير الفوائد والمعاني .. ، ¬
وبالجملة فهو أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه ... وهو في مجلدين ضخمين) (¬1). 2 - الفروق: وسيأتي الكلام عنه. قال ابن رجب: (وفي كتابيه: المستوعب، والفروق، فوائد جليلة، ومسائل غريبة) (¬2). 3 - البستان. في الفرائض (¬3): * ثناء العلماء عليه: قال عنه الإمام الذهبي (شيخ الحنابلة ... من كبار الفقهاء) (¬4). وقال ابن رجب: (وبرع في الفقه، والفرائض، وصنف فيهما تصانيف مشهورة) ونقل ابن رجب عن ابن النجار قوله (كان شيخًا جليلًا، فاضلًا نبيلًا، حسن المعرفة بالمذهب والخلاف، له مصنفات فيهما حسنة) (¬5). وقال ابن مفلح: (الشيخ، الإمام، الفقيه، الفرضي) (¬6). * وفاته: توفي - رحمه الله - ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رجب سنة (616 هـ) ببغداد (¬7). ¬
الفصل الرابع التعريف بكتاب إيضاح الدلائل فى الفرق بين المسائل
الفصل الرابع التعريف بكتاب إيضاح الدلائل فى الفرق بين المسائل ويشتمل على المباحث التالية: المبحث الأول: اسم الكتاب ونسبته للمؤلف المبحث الثاني: منهج الكتاب المبحث الثالث: مصادر الكتاب المبحث الرابع: منزلة الكتاب بين كتب الفروق الفقهية المبحث الخامس: الموازنة بين الكتاب وبين فروق السامري المبحث السادس: تقويم الكتاب
المبحث الأول اسم الكتاب ونسبته للمؤلف
المبحث الأول اسم الكتاب ونسبته للمؤلف اسم الكتاب: نص المصنف - رحمه الله - على اسم الكتاب في مقدمته بقوله: (وسمَّيته بإيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) كما جاء هذ الاسم مسطرًا على صفحة عنوان الكتاب في الورقة الثانية منه. كما ورد على الورقة الأولى من الكتاب تسميته بـ (تنقيح الفروق) ويبدو أن هذه التسمية مأخوذة من قول المصنف في المقدمة: (فقد سألني من لا يخيب قصده ... تنقيح كتاب الفروق السامرية). وقد اشتهر عند المصنفين من فقهاء الحنابلة بـ (فروق الزَّرِيْرَاني) حيث ورد تسميته بهذا في: الإنصاف (¬1)، وكشاف القناع (¬2)، ومطالب أولي النهى (¬3)، وغيرها، ويبدو أن تسمية هؤلاء له بالاسم المذكور من باب الاختصار، وهذا شاع في كثير من المصنفات. نسبة الكتاب إلى المؤلف: نسبة الكتاب إلى مؤلفه من أهم الحقائق العلمية التي يجب على المحقق إثباتها، لأن ذلك يعطي القارئ ثقة بما تضمنه الكتاب من آراء وحقائق علمية، وقد ثبت عندي بما لا يدع مجالًا للشك نسبة الكتاب إلى مؤلفه بما يأتي: 1 - ما جاء في افتتاحية الكتاب من نسبته إلى المؤلف. ¬
2 - ما ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (¬1)، وغيره (¬2) في ترجمة المصنف أنه: اختصر فروق السامري، وزاد عليها فوائد واستدراكات من كلام أبيه وغيره، وهذا هو واقع الكتاب. 3 - نقل عدد من فقهاء الحنابلة عن الكتاب، منسوبًا إلى المؤلف، كما في: كشاف القناع، ومطالب أولي النهى. حيث نقلا عنه فرقًا بين مسألتين ثم قالا بعد ذلك: (أشار إليه ابن الزريراني في فروقه نقلًا عن أبيه) (¬3). كما جاء في حاشية على نسختين من فروق السامري نقل تعقيب للمصنف على السامري من هذا الكتاب، منسوبًا إلى المؤلف، حيث جاء في آخره: (من فروق ... الزَّريْراني) (¬4). 4 - ذكر بعض الآراء والاختيارات الفقهية للمؤلف منسوبة إلى هذا الكتاب. وقد ورد هذا في عدد من المصادر الفقهية المعتمدة عند الحنابلة كالإنصاف (¬5). وتصحيح الفروع (¬6)، وفي حاشية على فروق السامري (¬7). كما نسب العلامة المرداوي هذا الكتاب إلى المؤلف، وعده ضمن المصادر التي اعتمدها، ونقل عنها في كتابه الإنصاف (¬8). ¬
المبحث الثاني منهج الكتاب
المبحث الثاني منهج الكتاب بيان منهج الكتاب يعطي القارئ صورة واضحة عن الكتاب، ويظهر مدى الفائدة الممكنة منه، وإيضاح منهج الكتاب بشيء من التفصيل بالنقاط التالية: 1 - ابتدأ المصنف بمقدمة بيَّن فيها الباعث على تأليفه للكتاب، وأشار فيها إلى منهجه فيه فقال: (فقد سألني من لا يخيب قصده، ولا يحسن رده: تنقيح كتاب الفروق السامرية، وتهذيبه، وتبيين ما أخذ عليه، وتقويمه، فأجبته إلى ذلك .. وزدت فيه ما تيسر من النكت والفوائد، وعزوت أحاديثه إلى مشهور الصحاح والمسانيد، وعلامة الزيادة "قلت" في أولها). 2 - رتب المصنف كتابه على أبواب الفقه حسب الترتيب الفقهي عند الحنابلة، بدأ بأبواب العبادات، ثم المعاملات ... إلخ. مع الإشارة إلى أن هناك اختلافًا يسيرًا عند فقهاء الحنابلة في ترتيب بعض الأبواب تقديمًا، أو تأخيرًا. 3 - العناوين الرئيسية للكتاب جاءت في مواضع بلفظ (كتاب)، وأخرى بلفظ (باب) يورد المصنف تحت كل عنوان طائفة من الفصول، يختلف عددها من باب إلى آخر، فقد احتوى باب الاعتكاف على فصلين فقط، بينما احتوى كتاب الطلاق على أكثر من ستين فصلًا. 4 - يحتوي كل فصل على مسألتين متشابهتين في الصورة مختلفتين في الحكم، مع بيان الفرق بينهما، والغالب من منهج المصنف أنه يكتفي بذكر فرق واحد، وقد يذكر أكثر من ذلك. 5 - أن المسألتين المذكورتين في الفصل الواحد لبيان الفرق بينهما
يكونان من باب واحد غالبًا، وقد تكون إحداهما من باب آخر، وهذا كثير أيضًا كما في الفصل: (113)، (359)، (543). 6 - قد يكون الحكم في المسألتين المتشابهتين، إحداهما على خلاف الصحيح من المذهب، ويكون مقصود المصنف بيان الفرق بينهما على القول بهما، وهذا كثير في الكتاب من أمثلته الفصل: (102)، (611). 7 - إذا كان الحكم في المسألة على خلاف الصحيح من المذهب فيما يراه المصنف فإنه ينص في الغالب على أن الحكم فيها على رواية، أو وجه في المذهب كما في الفصل: (105)، (242)، (611). بخلاف ما إذا كان يرى أن الحكم في المسألة على الصحيح، فإنه ينص على ذلك أحيانًا كما في الفصل: (225)، (363)، (595)، وأحيانًا لا ينص، وهو كثير. 8 - إذا كانت المسألة منصوصة عن الإمام أحمد، فإنه يشير أحيانًا إلى من رواها عن الإمام من أصحاب المسائل المدونة، كما في الفصل: (190)، (269)، (617). 9 - ينص أحيانًا على المصدر الذي نقل عنه المسألة، كما في الفصل: (343). 10 - يتعقب المصنف صاحب الأصل (السامري) في كثير من المسائل التي أوردها على خلاف الصحيح من المذهب فيما يراه، وكان الحق غالبًا مع المصنف، فيما وقفت عليه، كما في الفصل: (189)، (262). 11 - يشير المصنف إلى اختيارات بعض كبار فقهاء المذهب في بعض المسائل، كما في الفصل: (24)، (628)، (652). 12 - قد يكون الفرق بين المسألتين مبنيًا على نص ظاهر في التفريق بين المسألتين، كما في الفصل: (40)، (41)، (108). 13 - قد يبني الفرق بين المسألتين على قاعدة أصولية، كما في الفصل: (704).
14 - قد يبني الفرق بين المسألتين على قاعدة فقهية كما في الفصل: (328). 15 - قد يذكر فرقًا بين قاعدتين فقهيتين مذهبيتين كما في الفصل: (605). 16 - قد يذكر الفرق بين المسألتين منسوبًا إلى قائله، وعلى الخصوص في الفصول التي زادها المصنف، كما في الفصل: (95)، (308)، (519). 17 - قد يذكر فرقًا بين المسألتين، وينص على أنه من عنده، كما في الفصل رقم: (55)، (154). 18 - قد يأتي بفرق طويل، ثم يذكر خلاصته بعد ذلك، كما في الفصل: (249). 19 - قد يورد اعتراضًا مفترضًا على ما يذكره من فرق بين مسألتين، ثم يجيب عنه كما في الفصل: (93)، (241)، (501). 20 - كثير من تعقبات المصنف على صاحب الأصل استفادها المصنف من والده، وقد صرح هو بذلك، كما في الفصل: (283) (640)، (783). 21 - قد يُضعِّف الفرق الذي يذكره صاحب الأصل، ويأتي بفرق من عنده، وينص على أنه أقوى مما ذكره صاحب الأصل، كما في الفصل: (13)، (99). 22 - قد يشير إلى ألغاز فقهية، كما في الفصل: (488). 23 - يشير في مواضع قليلة إلى آراء المذاهب الأخرى كما في الفصل: (636)، (640)، (692). 24 - يحرص المضنف على الاستدلال بالأدلة النقلية، وخصوصًا الأحاديث، ويعتني بها من حيث نسبتها إلى مخرجيها، والتقيد بألفاظها الواردة غالبًا.
المبحث الثالث مصادر الكتاب
المبحث الثالث مصادر الكتاب استفاد المصنف في كتابه من مصادر كثيرة اعتمد عليها، ونقل عنها، وهذا أمر مألوف في التأليف، إذ يستفيد المتأخر من أعمال المتقدم، وقد استفاد المصنف في كتابه من مصادر كثيرة في فنون متنوعة، إلا أن التي نص على أسمائها من تلك المصادر مصادر حديثية وفقهية فقط، وإيضاحها على النحو التالي: أولًا: المصادر الحديثية: للمصنف - رحمه الله - باع طويل، واهتمام كبير في علم الحديث، لذا اهتم بهذا الجانب في كتابه، حيث عزا ما أورده من الأحاديث والآثار إلى المصادر الأصيلة في هذا الفن، ولكون أغلب المصنفات المشهورة في الحديث مشهورة بأسماء مؤلفيها لا بأسماء المصنفات ذاتها، درج المصنف كغيره من بعض المصنفين على عزو ما يورده من الأحاديث والآثار إلى أسماء المؤلفين، وكانت مصادره التي صرح بأسماء مؤلفيها في هذا الفن هي: 1 - الجامع الصحيح (صحيح البخاري). تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ). 2 - الجامع الصحيح (صحيح مسلم). تأليف: مسلم بن الحجاج القشيري، النيسابوري (ت 261 هـ). 3 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي). تأليف: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 هـ).
ثانيا: المصادر الفقهية
4 - سنن أبي داود. تأليف: أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ). 5 - سنن النسائي: تأليف: أحمد بن شعيب بن علي النسائي (303 هـ). 6 - سنن ابن ماجه: تأليف: محمد بن يزيد بن ماجه القزويني (ت 273 هـ). 7 - سنن سعيد بن منصور: تأليف: سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت 227 هـ). 8 - سنن الأثرم: تأليف: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، الأثرم (ت 261 هـ). 9 - سنن الدارقطني: تأليف: علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ). 10 - المسند: تأليف: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ). 11 - المعجم: (وهي ثلاثة معاجم: الكبير، والأوسط، والصغير). تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 هـ). 12 - الموطأ: تأليف: مالك بن أنس الأصبحي، الحميري (ت 179 هـ). ثانيًا: المصادر الفقهية: استفاد المصنف من مصادر فقهية كثيرة كلها في المذهب الحنبلي، سوى عدد يسير من كتب المذاهب الأخرى، وقد صرح المصنف بأسماء بعض المصادر التي استفاد منها، بينما اكتفى في مواضع كثيرة بذكر أسماء المؤلفين،
وكان للواحد من هؤلاء، أو أكثرهم، مصنفات عديدة كالحسن بن حامد، وابن عقيل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم. ونظرًا لعدم الجزم بتحديد المصدر الذي استفاد منه المصنف من جملة مصادر المؤلف الواحد المتعددة، رأيت الاكتفاء بإيراد أسماء المصنفات التي صرح بأسمائها، دون التي صرح بأسماء مؤلفيها، ما عدا مصدر واحد وهو مختصر الخرقي؛ لأنه لا يعرف للخرقي مصنف غيره، وسأبدأ بذكر أسماء كتب الفروق الفقهية لاتحاد موضوعها مع موضوع هذا الكتاب، وكثرة استفادة المصنف منها، ثم أذكر بقية المصادر مرتبة على حروف المعجم. 1 - الفروق: تأليف: محمد بن عبد الله السَّامرِّي (ت 616 هـ). وهذا الكتاب هو أصل الكتاب المحقق، لأن المصنف اختصره، وزاد عليه فوائد واستدراكات، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فيكون هذا الكتاب هو المصدر الأصيل الذي اعتمده المؤلف في تأليف كتابه. 2 - الفروق: تأليف: أسعد بن محمد الكرابيسي الحنفي (ت 570 هـ). واستفادة المصنف من هذا الكتاب تابعة لاستفادة صاحب الأصل (السامري)، ذلك أن السامري تأثر بمنهج الكرابيسي، وسلك طريقته في عرض المادة العلمية للكتاب، كما نقل عنه فصولًا كثيرة حتى إنه لا يكاد يخلو باب من أبواب الكتاب دون أن ينقل عنه فصلًا أو أكثر، مشيرًا إلى ذلك في مواضع يسيرة، فكانت استفادة المصنف - رحمه الله - من هذا المصدر تبعًا لاستفادة السامري، وقد أشرت في هامش الكتاب إلى مواضع كثيرة مما نقله السامري عن الكرابيسي. 3 - إبطال الحيل: تأليف: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء المشهور بالقاضي أبي يعلى (ت 458 هـ).
4 - الأحكام السلطانية: للقاضي أبي يعلى. 5 - الانتصار في المسائل الكبار. تأليف: أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت 510 هـ). 6 - بلغة الساغب وبغية الراغب: تأليف: أبي عبد الله محمد بن الخضر بن تيمية (ت 622 هـ). 7 - تحرير المقرر على أبواب المحرر (شرح المحرر): تأليف: صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي، البغدادي (ت 739 هـ). 8 - الخصال: للقاضي أبي يعلى. 9 - الرعاية الكبرى: تأليف: أحمد بن حمدان النميري، الحراني (ت 695 هـ): 10 - الشافي: تأليف: أبي بكر عبد العزيز بن جعفر المشهور بغلام الخلَّال (ت 363 هـ). 11 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: تأليف: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، الشافعي (ت 660 هـ). 12 - المجرد: للقاضي أبي يعلى: وهو أكثر المصادر التي اعتمد عليها المصنف، واستفاد منها، وصرَّح بالعزو إليه في حوالي (30) موضعًا. 13 - المحرر: تأليف: أبي البركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت 652 هـ).
14 - مختصر الخرقي: تأليف: أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي (ت 334 هـ). 15 - مسائل الإمام أحمد: وهذا الاسم لمؤلفات كثيرة، لعدد من تلاميذ الإمام أحمد الذين دونوا ما رووا عنه من مسائل، والذين صرّح المصنف بأسمائهم من أصحاب هذه المسائل هم: * إبراهيم بن الحارث الطرسوسي. * أحمد بن القاسم. * أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي (ت 275 هـ). * إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج (ت 251 هـ). * بكر بن محمد بن الحكم النيسابوري، البغدادي. * عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل (ت 290 هـ). * عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (ت 274 هـ). * محمد بن إدريس بن المنذر (ت 277 هـ). * مهنا بن يحيى الشامي، السلمي. 16 - المستوعِب: تأليف: محمد بن عبد الله السَّامري (ت 616 هـ). 17 - المغني: تأليف: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ).
المبحث الرابع منزلة الكتاب بين كتب الفروق
المبحث الرابع منزلة الكتاب بين كتب الفروق للكتاب منزلة علمية متميزة بين مؤلفات الفروق الفقهية، ويظهر ذلك بما يأتي: أولًا: ثناء العلماء على أصل هذا الكتاب، وهو فروق السامري - لكونه أسبق وأشهر - ووصفه: بأنه من أحسن كتب الفروق، وأكثرها مسائل، وأدقها مآخذ، وأعمها نفعًا وفائدة، وهذا الثناء ينجر تبعًا على هذا الكتاب لكونه لم يخل بشيء مما ذكره السامري من الفروق - سوى الاختصار في الألفاظ - بل زاد عليه فروقًا، وفوائد، واستدراكات زادت من قيمة الكتاب العلمية. ثانيًا: أنه من أوسع كتب الفروق الفقهية مقارنة بالمصنفات الأخرى، إذ بلغت فروقه (825) فرقٍ، وبالنظر في المصنفات الأخرى، فإن أكثرها فروقًا، فروق الجويني حيث بلغت أكثر من (1200) فرقٍ، ثم يليه في العدد فروق الونشريسي إذ بلغت فروقه (1155) فرقٍ، بينما بلغت فروق الكرابيسي (779) فرقٍ، وفروق الإسنوي (394) فرقٍ، وهناك مؤلفات مختصرة بلغت فروقها أقل من هذا العدد بكثير. ثالثًا: أنه من أكثر كتب الفروق استدلالًا بالأدلة النقلية، واهتمامًا بها، وخصوصًا الأحاديث والآثار، حيث عزاها إلى مخرجيها، وتقيد بألفاظها الواردة غالبًا، وهذا الجانب ضعيف في بعض كتب الفروق الأخرى.
المبحث الخامس الموازنة بين الكتاب وبين فروق السامري
المبحث الخامس الموازنة بين الكتاب وبين فروق السامري يبدو أنّ أوجه الاتفاق بين الكتابين من الظهور بمكان لا يحتاج معه إلى شيء من البيان، لكون هذا الكتاب المحقق مختصرًا من فروق السامري، وقد أورد المصنف جميع ما ذكره السامري من الأبواب والفصول، ولم يخل بشيء منها سوى الاختصار في الألفاظ والإيجاز في التعبير عن المراد، كما سبق بيان ذلك. وأما أوجه الاختلاف بين الكتابين، فتظهر بإيضاح ما تميز به كل منهما عن الآخر، فيما يأتي. أولًا: ما تميز به فروق السامري: من أهم ما تميز به فروق السامري عن هذا الكتاب ما يأتي: 1 - أسبقية التأليف، وللأسبقية الفضل الأكبر في جمع المادة العلمية، وترتيبها وإظهارها. 2 - سهولة الأسلوب، ووضوح العبارة، بحيث لا يحتاج القارئ غالبًا إلى كبير تأمل في فهم المراد. 3 - الإسهاب، وخصوصًا عند بيان الفرق بين المسألتين، وضرب الأمثلة التوضيحية لذلك. ثانيًا: ما تميز به هذا الكتاب: تميز هذا الكتاب عن فروق السامري بعدة مزايا جديرة بالإشادة بها، والتنويه بذكرها، ومن أهم هذه المزايا ما يأتي:
1 - أنه أقوى أسلوبًا، وأدق تعبيرًا، وأبعد عن الحشو في الألفاظ، بل خلوه من ذلك تقريبًا. 2 - الاعتناء بالأحاديث والآثار من حيث نسبتها إلى مخرجيها، والتقيد بألفاظها الواردة غالبًا، وهذا الجانب فيه ضعف في فروق السامري. 3 - ما أضافه المصنف من فصول كثيرة، وما نبه عليه في تعقباته على السامري من تنبيهات مفيدة، واستدراكات جيدة، زادت من قيمة الكتاب العلمية. 4 - أن هذا الكتاب جاء نتيجة عمل علمي، وجهد فكري لثلاثة من العلماء، وهم: السامري، والمصنف، ووالده؛ لأن المصنف استفاد كثيرًا من تعقباته، واستدراكاته على السامري من والده - كما صرح بذلك في مواضع كثيرة - مما يرجح أنه قرأ فروق السامري على والده قراءة فحص وتدقيق، فخرج منه بهذه الفوائد الجمة التي دبج بها كتابه، ومما لا شك فيه أن العمل العلمي الجماعي أميز من العمل الفردي، فهو أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الخطأ والخلل.
المبحث السادس تقويم الكتاب
المبحث السادس تقويم الكتاب إن منهج التحقيق يفرض على المحقق تقويم الكتاب المحقَّق، وذلك ببيان ما احتوى عليه الكتاب من مزايا يجب إظهارها، والإشادة بذكرها، كما يقتضي الإشارة إلى ما قد يكون في الكتاب من ملحوظات ينبغي إيضاحها، إظهارًا للحقائق العلمية وبيانًا لها. لهذا فإن للكتاب مزايا كثيرة جديرة بالإشادة بها، والتنويه بذكرها، كما أن فيه ملحوظات يحسن التنبيه عليها، وبيان ذلك فيما يأتي: أولًا: مزايا الكتاب: سبق في بيان منهج الكتاب، وفي مبحث منزلة الكتاب بين كتب الفروق، وفي مبحث الموازنة بين الكتاب وبين فروق السامري، ذكر بعض مزايا الكتاب، لذا رأيت عدم الحاجة إلى تكرارها والإشارة إليها هنا، إلا أن مما يجدر ذكره هنا من مزايا لم يشر إليها سابقًا، ما يأتي: 1 - أمانة المؤلف العلمية: وتبدو هذه الميزة واضحة في عدم إخلاله بشيء مما ذكره صاحب الأصل (السامري) من الأبواب والفصول، بالإضافة إلى نسبته كثيرًا من الاستدراكات والتعقبات، والفوائد التي زادها على الأصل إلى قائلها، فكثيرًا ما ينسب بعض ذلك إلى والده، أو بعض مشايخه كأبي إسحاق الدمشقي، أو بعض أصحابه، وقد استفاد ذلك عنهم مشافهة، مما يعطي صورة واضحة عن أمانته العلمية، إذ بإمكانه ذكر ذلك غير منسوب إلى قائله، وإضافة إلى ذلك
2 - ظهور شخصيته
أيضًا فقد نسب كثيرًا من المسائل والفروق التي زادها على الأصل إلى عدد من المصنفات، كالمغني، والمحرر، وغيرها. 2 - ظهور شخصيته: وتبدو شخصية المؤلف ظاهرة فيما أبداه من آراء وتعليلات وجيهة، وتعقبات مفيدة، فلم يكن المؤلف مجرد مختصر لفروق السامري، بل كان منقحًا، ومهذبًا، ومصححًا ما وقع فيه من خطأ أو سهو، ومما يدل على ظهور شخصيته أيضًا: أنه نقل عن والده تعقبات كثيرة على السامري ارتضى غالبها، ولم يرتض بعضًا منها، ولم يسلّم ما قاله والده، بل تعقبه في ذلك، كما في الفصل (783) مما يدل على استقلال فكره، وبروز شخصيته. ثانيًا: الملحوظات على الكتاب: مع ما تميز به هذا الكتاب من مزايا كثيرة، وما له من قيمة علمية جليلة إلا أنه مع هذا عمل إنساني عرضة للخطأ والنسيان، ويأبى الله أن تكون العصمة لكتاب غير كتابه الكريم، وقد ظهر لي في الكتاب بعض ملحوظات تقتضي الأمانة العلمية بيانها، مع أنني قد لا أكون مصيبًا في كل ما أبديه من ملحوظات إلا أن هذا الذي ظهر لي، فرأيت تسجيله، وتدوينه فيما يأتي: 1 - عدم مراعاة الترتيب في إيراد المسائل، إذ اصطلح في مصنفات الحنابلة على ترتيب المسائل على نمط واحد تقريبًا، إما تقديمًا، أو تأخيرًا، والمؤلف لم يراع هذا الجانب، حيث أورد مسائل في أول الأبواب كان حقها التأخير، بينما أخر ذكر مسائل حقها التقديم، ويظهر هذا واضحًا في عدة أبواب منها: الحج، والبيوع، والطلاق، وغيرها، ولعل عذر المصنف في ذلك هو متابعة صاحب الأصل، وعدم الإخلال بالترتيب الذي نهجه. 2 - يورد المصنف فصولًا يشير إلى أنها من زيادته على فروق السامري، بينما هي مذكورة عند السامري، وذلك كالفصل (631)، والفصل (766). 3 - نقله للمسألة عن فروق السامري نقلًا غير صحيح، كما في الفصل (198).
4 - عدم الدقة في التعبير أحيانًا مما قد يؤدي إلى معنى غير مقصود كما في قول المصنف في الفصل (600) "وجب القصاص على قاتل الأم"، وهو لا يجب مطلقًا، وإنما هو حق للورثة إن شاؤوا اقتصوا، وإن شاؤوا عفوا، إلا أن يكون هذا وأمثاله من تحريف النسَّاخ. 5 - عدم الدقة في استعمال بعض الاصطلاحات العلمية، كإيراده لبعض الأحاديث بلفظ (روي) وهي صيغة تمريض يؤتى بها للإشارة إلى ضعف الحديث، أو عدم الاطمئنان إلى صحته، والمصنف يعبر بهذا التعبير أحيانًا لأحاديث نص هو على أنها مروية في الصحيحين أو أحدهما، كالفصل (84)، وفي المقابل يورد أحاديث مروية بصيغة الجزم، وهي أحاديث ضعيفة، أو لا تخلو من مقال على الأقل، كما في الفصل (21)، وكان الأولى أن يعبر عنها بلفظ (روي)، كما هو الاصطلاح العلمي في هذا. 6 - فات على المصنف مآخذ على - فروق السامري - يقتضي منهجه التنبيه عليها، ومن ذلك ما يأتي: أ - أورد السامري مسائل لا تصح على قواعد المذهب الحنبلي، ولم ينص عليها أحد من فقهاء الحنابلة - فيما أعلم - وإنما هي صحيحة على قواعد بعض المذاهب الأخرى، وقد نبه المصنف على بعضها كما في الفصل (782)، بينما فاته التنبيه على بعضها كما في الفصل (118). ب - جرت عادة المصنف غالبًا على بيان الصحيح من المذهب في المسائل التي خالف فيها السامري الصحيح من المذهب، لكن مع ذلك فاته مسائل كثيرة لم ينبه عليها كما في الفصل (87)، والفصل (210)، ولكن ربما يكون عذره في ذلك أنه يرى أنها جارية على الصحيح من المذهب، لما يقع في بعض المسائل من خلاف في اعتبار الصحيح من المذهب.
القسم الثاني التحقيق
تمهيد
تمهيد قد يظن بعض من لم يمارس التحقيق أنه لا يعدو أن يكون عملًا شكليًا، لا يتجاوز نسخ الكتاب المخطوط، ومقابلة نسخه إن كان ذا نسخ، وإثبات الفروق بينها، دون أن يتطلب مجهودًا ذهنيًا، وعملًا علميًا من المحقق، وهذا الحكم إنما يصدر عمن لم يمارس التحقيق، ولم يكابد مشقته. والواقع أن التحقيق ليس بالأمر السهل، بل هو من المشقة والمعاناة بمكان، إذ يتطلب جلدًا وصبرًا، ودقة نظر، وتقليبًا للكلمة الواحدة على كافة احتمالاتها، حتى يصل المحقق إلى قرار يطمئن إلى صحته، فيثبت النص وهو مرتاح الضمير، يغلب على ظنه صحة ما أثبته، كما أثبته مؤلفه وأراده (¬1)، إضافة إلى ما يتطلبه التحقيق من إيضاح غامض، وإزالة لبس، وتوثيق نقل، وغير ذلك. ولقد أدرك العلماء الأوائل قيمة التحقيق وصعوبته، وما يتطلبه من الجهد والعناية، فقال الجاحظ: (ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفًا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ، وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام) (¬2). ولقد عانيت في تحقيق هذا الكتاب الشيء الكثير - كما سبق أن أشرت إلى ذلك في المقدمة - من أجل إخراج الكتاب على أقرب صورة وضعها عليه ¬
وصف نسخة الكتاب
المؤلف، فما كان من صواب وسداد فذلك من فضل الله وتوفيقه، وما كان غير ذلك فمني، وحسبي أني لم أدخر وسعًا في سبيل إخراجه على أفضل صورة ممكنة. وصف نسخة الكتاب: إن تحقيق أي كتاب يتطلب البحث عن نسخ متعددة للكتاب، حتى يمكن إخراجه على أقرب صورة وضعها عليه المؤلف، إن لم يمكن الحصول على نسخة المؤلف نفسها. ومن أجل ذلك، فقد قمت بالبحث عن ذلك بسؤال أهل الخبرة، وذوي الاختصاص في هذا المجال، وبالاطلاع على فهارس المخطوطات في العالم المتوفرة في مكتبات مكة المكرمة، ثم القيام برحلات من أجل البحث عن نسخ للكتاب في داخل المملكة وخارجها، شملت المدن التالية: المدينة المنورة، والرياض، ومنطقة القصيم، والقاهرة، والإسكندرية، ودمشق، وقطر، فبحثت في مكتبات هذه المدن، وفي ما احتوته من فهارس مخطوطات في العالم، وسألت من ألتقي به من ذوي الاختصاص والخبرة، فلم أتمكن - مع كل ما بذلته من جهد كبير - من الحصول على غير نسخة واحدة، وهي: نسخة مصورة على الميكروفيلم في مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة برقم (344) فقه عام، مصورة عن مكتبة جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية برقم (4577) مجموعة يهودا، ووصفها على النحو التالي: 1 - تقع النسخة في ثلاث وتسعين ورقة، أي ست وثمانين ومائة صفحة في كل صفحة إحدى وعشرون سطرًا، وفي السطر سبع عشرة كلمة تقريبًا. 2 - خطها نسخ حسن، وليس عليها اسم الناسخ. 3 - كتب على الورقة الأولى (كتاب تنقيح الفروق) وعلى الثانية (كتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) وكتب على كلا الورقتين بعض التملكات، ثم أعيد كتابة هذه التملكات مع اختلاف يسير في بعض العبارات
على الورقة الأخيرة من الكتاب، بالإضافة إلى بعض الكتابات الأخرى. 4 - يبدأ نص الكتاب من الورقة الثالثة "أ". 5 - على حواشي النسخة بعض التصويبات، وبعض التعليقات اليسيرة، وقد نقلتها في الهامش. 6 - لا تخلو هذه النسخة من تحريف وتصحيف، وسقط، نبهت على ذلك كله في مواضعه. 7 - يعود تاريخ كتابة هذه النسخة على ما جاء في بطاقة المعلومات المدونة في مركز إحياء التراث الإسلامي إلى القرن التاسع الهجري، ويبدو أن هذا اجتهاد من واضعي هذه البطاقة لعدم ما يدل عليه في المخطوطة. والذي أرجحه أنها كتبت في حياة المصنف، أو بعد وفاته ببضع سنوات، ودليل ذلك: أنه كتب في وسط الورقة الثانية التي عليها عنوان الكتاب، وبخط حسن مشكول ما نصه: (لأحمد البابصري وبخطه: حوى هذا الكتاب بحسن لفظ ... وجيز جامع فيه المعاني فوائد ...................... .................... المباني) (أكثر كلمات البيت الثاني غير مقروءة بسبب الرطوبة). فأخذت بالبحث عن قائل هذين البيتين وكاتبهما، فوجدت ابن رجب ترجم في ذيل طبقات الحنابلة، 2/ 445 لعالم يغلب على الظن أنه كاتب هذين البيتين، وهو: أحمد بن علي بن محمد البابصري، البغدادي، الحنبلي (707 - 750 هـ) وقال عنه: (ونظم الشعر الحسن، وكتب بخطه الحسن الكثير). فترجح عندي أن صاحب هذه الترجمة هو كاتب البيتين المذكورين للأوجه التالية: 1 - أنه يتفق معه في الاسم واللقب.
وصف نسخ أصل الكتاب (فروق السامري)
2 - أنه يتفق معه في حسن الخط. 3 - أنه يتفق معه في نظم الشعر. 4 - أن صاحب هذه الترجمة بغدادي، والمصنف بغدادي، بل هما زميلان في الدراسة، وأعمارهما متقاربة، فيكون ذلك مدعاة إلى اطلاع صاحب الترجمة على هذا الكتاب، وثنائه عليه. 5 - أن نظم البيتين نظم عالم، وقد بحثت في كثير من كتب التراجم والتاريخ عن هذا الاسم (أحمد البابصري) فلم أجد سوى هذا الذي ذكره ابن رجب، وقد ترجمه أيضًا في المقصد الأرشد، 1/ 147، وشذرات الذهب، 6/ 166، وغيرها. فيترجح بناءً على ذلك أن تاريخ كتابة هذه النسخة على أبعد تقدير يكون في سنة (750 هـ) وهي السنة التي توفي فيها (أحمد البابصري) أي بعد وفاة المصنف بتسع سنوات فقط، مما يعطي قيمة علمية لهذه النسخة - كما هو معلوم في فن التحقيق - لكونها كتبت في حياة المصنف، أو في عهد قريب منه. وصف نسخ أصل الكتاب (فروق السامري): لما كان الكتاب المحقق مختصرًا من كتاب (فروق السامري) حرصت على توفر هذا الكتاب لديَّ للاستعانة به على تحقيق الكتاب؛ لأنه يعد أهم مصدر يمكن الاعتماد عليه في تحقيق الكتاب، لإيضاح غامض، أو إتمام نقص، أو إصلاح تحريف أو تصحيف، وقد استطعت - بفضل الله ومنته - الحصول على ثلاث نسخ منه، لكنها كلها ناقصة وهي النسخ التالية: 1 - نسخة ألمانيا: توجد هذه النسخة في مكتبة مدينة (لايبتزج) بألمانيا الشرقية برقم (389). وخطها نسخ حسن، ومقابلة على نسخة الأصل، إلا أن فيها سقطًا
2 - نسخة العباسية
من عدة أبواب (¬1). 2 - نسخة العباسية: وتوجد هذه النسخة بالمكتبة العباسية بالبصرة برقم (39/ جـ)، وخطها نسخ واضح، ولم أستطع الحصول من هذه النسخة إلا على مواضع النقص من النسخة السابقة (¬2). هذا، وإذا أطلقت العزو إلى فروق السامري، فمرادي نسخة ألمانيا، أما نسخة العباسية، فأقيدها بـ (العباسية). 3 - نسخة الظاهرية: ويوجد من هذه النسخة قسم العبادات فقط في المكتبة الظاهرية بدمشق، ومنها نسخة مصورة في مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة برقم (36) أصول فقه. ولم أعز إلى هذه النسخة مكتفيًا بالنسخة الأولى؛ لأنها أصح. منهجي في تحقيق الكتاب: سلكت في تحقيق الكتاب الخطوات التالية: 1 - إبراز النص سليمًا صحيحًا - قدر الإمكان - مكتوبًا بالرسم الإملائي الحديث. 2 - إصلاح ما ظهر لي في النص من تحريف، أو تصحيف، أو أخطاء لغوية، أو نحوية، مشيرًا إلى ذلك في الهامش. 3 - حذف التكرار الحاصل في النص سواء أكان كلمة، أو أكثر، مثبتًا في الهامش الكلمة، أو العبارة المحذوفة. ¬
4 - إتمام النقص والسقط الحاصل في النص، وإثباته بين معكوفين مربعين، معتمدًا في ذلك على أصل الكتاب (فروق السامري) في ذلك كله إلا مواضع يسيرة، مشيرًا في الهامش إلى المصدر المستفاد منه. 5 - جرت عادة المصنف على إسقاط كلمة (فصل) من الفصل الأول فقط في كل الأبواب، فأثبتها بين معكوفين مربعين اتباعًا لأصل الكتاب (فروق السامري) ومساواة لها بغيرها من سائر فصول الكتاب حتى يتم حصرها. 6 - توضيح المراد من كلام المؤلف عند اقتضاء ذلك. 7 - توثيق مسائل الكتاب وفروقه من الكتب المتقدمة على زمن المصنف، معضدًا لها بالتوثيق من الكتب المؤلفة بعد عصره مما هو متداول في هذا العصر أكثر من غيره، فإن لم أجد المسألة أو الفرق إلا في كتب متأخرة عن زمن المصنف وثقت منها. 8 - جريت على توثيق مسائل الكتاب من كتب المتون غالبًا، فإن لم أجد المسألة في كتب المتون وثقتها من كتب الشروح، أما الفروق فوثقتها من كتب الشروح؛ لأنها لا تذكر غالبًا إلا فيها. 9 - إذا أورد المصنف مسألة وقال: "نص عليها الإمام"، وثقتها من كتب المسائل المروية عن الإمام أحمد إن أمكن، وإلا وثقتها من كتب الفقه المعتمدة. 15 - نظرًا لكون الكتاب مختصرًا من فروق السامري، وقد احتوى على جميع ما فيه من المسائل والفروق فإنني لم أوثق منه شيئًا من مسائل الكتاب ولا فروقه اكتفاء بما أشرت إليه هنا إلا في حالتين: أ - إذا نص المؤلف على قول السامري، بأن يقول: "قال السامري"، وقد ورد هذا في مواضع كثيرة. ب - إذا لم أجد المسألة أو الفرق في شيء من المصنفات المتقدمة على المصنف أو المتأخرة عنه فإني أوثق منه. 11 - إذا كان الحكم في المسألة التي أوردها المؤلف على القول
الصحيح في المذهب وثقتها دون أن أشير إلى ذلك إلا أن يصرح بأنها على خلاف الصحيح في المذهب، أو يكون تعبيره يوحي بذلك بأن يقول بعد إيراده الحكم في المسألة: على رواية، أو وجه، فإني في هذه الحالة أصرح في الهامش بأن ما ذكره المصنف هو الصحيح في المذهب إذا كان كذلك. فإن كان الحكم في المسألة على خلاف القول الصحيح في المذهب، بينت الحكم على القول الصحيح في المذهب، معتمدًا في ذلك على ما اعتمده المتأخرون من فقهاء الحنابلة، وهو ما نص عليه في التنقيح، والإقناع، والمنتهى، فإن اختلفوا فما نص عليه اثنان منهما، فإن لم يتبين لي القول الصحيح في المذهب ذكرت من قال بكل قول من أصحاب المؤلفات المعتمدة في المذهب. 12 - توثيق ما نقله المصنف، أو عزا إليه من المصادر مطبوعة كانت أو مخطوطة إن أمكن، فإن لم أتمكن من التوثيق من نفس المصادر التي نقل عنها أو عزا إليها وثقت من المصادر التي تنقل عنها إن وجدت ذلك النقل أو العزو. 13 - توثيق ما يذكره من آراء المذاهب الفقهية الأخرى من مصادرها المعتمدة، مع بيان الرأي الصحيح في حالة مخالفة المصنف ذلك. 14 - الإشارة إلى مسائل الإجماع الواردة في الكتاب. 15 - الاستدلال بأدلة أخرى غير التي ذكرها المصنف، إذا ظهر لي أنها أقوى مما ذكر المصنف. 16 - إضافة بعض الفروق بين المسائل، مما ذكره بعض فقهاء المذهب. 17 - بيان أرقام الآيات القرآنية وسورها. 18 - عزو الأحاديث والآثار إلى مصادرها، مع بيان درجتها من كلام مشاهير المحدثين. 19 - شرح الألفاظ الغريبة، والتعريف بالمصطلحات العلمية. 20 - التعريف بمصطلحات الألفاظ الفقهية في أبوابها الخاصة بها،
بحيث إذا تقدم ذكرها في غير أبوابها لم أعرفها، بل أؤخر تعريفها إلى أبوابها الخاصة، اتباعًا لمنهج الفقهاء في ذلك، إلا إذا لم تذكر في أبوابها الخاصة فإني أعرفها عند أول ورودها. 21 - بيان مقدار المكاييل والأوزان والمقاييس التي وردت في الكتاب بما تساويه بمقاييس العصر الحديث قدر الإمكان. 22 - ترقيم فصول الكتاب. 23 - وضع فهارس تفصيلية للآيات، والأحاديث، والآثار، والأعلام، وغير ذلك. وهذا هو المنهج العام الذي سلكته في تحقيق الكتاب، وقد أخرج عن هذا المنهج في بعض نقاطه لملحظ خاص، أو سهوًا، فجلّ من لا يسهو وعلا.
رسائل جامعية (89) إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل تأليف العلامة عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد الزريراني الحنبلي رحمه الله (المتوفى سنة 741 هـ) تحقيق ودراسة عمر بن محمد السبيل رحمه الله (المتوفى سنة 1423 هـ) إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة أم القرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، الحبر، الفهامة، زين الدين (¬1). أبو محمد عبد الرحيم (¬2) بن الشيخ الإمام، العالم، العلامة تقي الدين أبي بكر ¬
عبد الله (¬1) بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزَّرِيْرَاني البغدادي، الحنبلي، قدس الله روحه، ونور ضريحه: أحمد الله على نعم لولا كرمه لم أكن لها أهلًا، وأصلي على رسوله محمد ذي الشرف الأسنى، والمقام الأعلى، وعلى آله وأصحابه، الحائزين فضلًا ونبلًا، صلاة تدوم على مر (¬2) الزمان وتتلا. أما بعد: فقد سألني من لا يخيب قصده، ولا يحسن رده، تنقيح كتاب "الفروق السَّامرِّيَّة"، وتهذيبه، وتبيين ما أخذ عليه وتقويمه، فأجبته إلى ذلك بعد الاستقالة، وعدم إسعافه بالإقالة، مع ما بي من تشرد البديهة وتفرقها، وتبدد القريحة وتمزقها، وزدت فيه ما تيسر من النكت والفوائد، وعزوت أحاديثه إلى مشهور الصحاح والمسانيد، وعلامة الزيادة (قلت) في أولها، وسمَّيْتُه بـ (إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل). والله سبحانه أسأل حسن توفيقه، والهداية إلى سواء طريقه، بمنه وجوده، وطوله وحوله. ¬
كتاب المياه
كتاب المياه (¬1) فَصْل 1 - إذا ألقي في الماء ترابٌ (¬2)، فتغيرت إحدى صفاته لم يسلبه الطهورية. ولو ألقي فيه غيره من الطاهرات، فتغيرت سلبه (¬3). والفرق: أن التراب يوافق الماء في طهارته وطهوريته، فلا منافاة بينهما، بخلاف غيره، فإنه ليس بطهورٍ، فإذا خالطه سلبه ما يخالفه فيه، وهو الطهورية، ولهذا لو خالطته النجاسة سلبتهما لعدمهما (¬4) فيها (¬5). فَصل 2 - إذا جرى الماء على معدن الكبريت، ونحوه، فتغير لم يتأثر. ولو طرح فيه ذلك سلبه الطهورية. والفرق: أن جريانه على تلك يشق التحرز منه كالطحلب، ونحوه. بخلاف ما إذا ألقي فيه (¬6). ¬
3 - إذا ألقي في الماء ملح مائي، فغيره لم يتأثر
فصل 3 - إذا ألقي في الماء ملح مائي، فغيَّره لم يتأثر. ولو ألقي فيه حجري سلبه. والفرق: أن الأول ماء جامد، فهو كالثلج، والثاني حجر، فهو كالنورة (¬1). فصل 4 - إذا لاقت نجاسة قلتي (¬2) ماء، ولم يتغير لم ينجس (¬3). ¬
5 - إذا زال تغير القلتين طهرتا
ولو كان دونهما نجس (¬1). والفرق: قوله (¬2) - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" (¬3) رواه الإمام أحمد (¬4)، وغيره (¬5)، فدل أن غيرهما (¬6) يحمله، وإلا لم تكن فائدة (¬7). فصل 5 - إذا زال تغير القلتين طهرتا (¬8). ¬
6 - إذا وقع في قلتين رطل من بول كلب ولم يتغيرا، جاز استعمالهما غرفة غرفة
[3/ ب] / ولو زال مما دونهما لم يطهر (¬1). والفرق: أن علة تنجسهما التغير، فإذا زال طهرتا. بخلاف ما دونهما، فإن علة تنجسه الملاقاة، فإذا زال التغير بقيت الملاقاة، فلم يطهر (¬2). فصل 6 - إذا وقع في قلتين رطل (¬3) من بول كلب ولم يتغيرا، جاز استعمالهما غرفة غرفة. ولو وضع كلب يده فيهما، لم يجز استعمالهما كذلك. والفرق: أن البول مائع استهلك في محكوم بطهوريته بخلاف اليد، فإنها نجاسة قائمة، فإذا نقصت القلتان نجستا بملاقاة يده، فافترقا (¬4). ¬
7 - إذا ولغ الكلب في إناء فيه قلتان، فالإناء والماء طاهران
فصل 7 - إذا ولغ الكلب في إناء فيه قلتان، فالإناء والماء طاهران. ولو ولغ فيه، ثم ألقيتا فيه، فهو نجس دونهما. والفرق: أن ولوغه في الصورة الأولى لم ينجسهما، فلم ينجس الإناء. بخلاف الثانية، فإن الإناء تنجس، ولم ترد عليه الغسلات (¬1) المطهرات، فبقي نجسًا، وهما طاهرتان، لعدم موجب التنجس فيهما (¬2). فصل 8 - اتخاذ الآنية من النقدين حرام. ومن الثمينة مباح (¬3). والفرق: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن استعمالها من النقدين بقوله عليه السلام: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" متفق عليه (¬4). ¬
9 - إذا اشتبه طهور بنجس تحرى، وشرب إن اضطر
وما حرم استعماله حرم اتخاذه، كالطنبور (¬1). بخلاف الجواهر، فإن الشرع لم يرد بتحريم استعمالها، فاتخاذها تبع له (¬2). فصل 9 - إذا اشتبه طهور بنجس تحرَّى (¬3)، وشرب إن اضطر. وتيمم للطهارة، ولم يتحر. والفرق: أنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية (¬4). بخلاف تحري المضطر إلى الشرب؛ لأنه يباح للضرورة، كأكل الميتة. وأيضًا لا فائدة للتحري في الأولى (¬5)، للشك في حصول الطهارة به، والحدث متيقن (¬6)، فلا تبرأ ذمته من الصلاة. بخلاف الشرب، فإن فيه إحياء النفس، غايته: أنه شرب النجس، فذلك جائز للمضطر (¬7). ¬
10 - يصلي بالتيمم عند اشتباه الماء صلاة واحدة
فصل 10 - يصلي بالتيمم عند اشتباه الماء صلاة واحدة (¬1). ولو اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في ثوبٍ بعد ثوبٍ، بعدد النجس، وزاد صلاة (¬2). والفرق: أنه بالصلاة الواحدة تبرأ ذمته يقينًا؛ لأنا قد حكمنا بعدم جواز الوضوء بالماء المشتبه، فلم يبق إلا التيمم (¬3). وفي الثياب لا تحصل تأدية فرضه يقينًا إلا بالتكرار. إذ من الجائز أنه لم يُصَلِّ إلا بالنجس، فإذا كرر وزاد، تيقنا حصول الفرض بثوب طاهر (¬4). فَصل 11 - إذا قال ثقة: ولغ هذا الكلب في هذا الإناء، وقال آخر: بل ذلك، ولم يوقتا، حكم بنجاستهما. وإن ذكرا وقتًا يضيق عن الولوغ فيهما، فهما/ طاهران (¬5). [4/ أ] والفرق: أنه إذا لم يوقتا فالولوغ فيهما ممكن. وإذا وقتا وقتًا يضيق، لم يمكن الجمع بين قولهما، وليس أحدهما أولى ¬
12 - يصح الوضوء للصلاة قبل دخول وقتها
من الآخر بالتصديق، فيتعارض قولاهما (¬1)، ويبقى الماء على طاهريته (¬2). فصل 12 - يصح الوضوء للصلاة قبل دخول وقتها (¬3). ولا يصح التيمم (¬4). والفرق: أن الله عز وجل قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬5) والقيام إلى الصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها، فمقتضاه: كون الوضوء والتيمم بعد دخول الوقت، خولف ذلك في الوضوء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح بوضوءٍ واحدٍ خمس صلواتٍ، فقال له عمر في ذلك، فقال: "عمدًا فعلت يا عمر" رواه الترمذي (¬6)، وانعقد الإجماع (¬7) على جوازه. وبقي التيمم على مقتضى الآية. وأيضًا، فإنه لا يرفع حدثًا، وإنما يبيح الصلاة، ولا تستباح إلا في وقت جواز فعلها (¬8). ¬
13 - الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب
فصل 13 - الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب. ولا يجب بين اليمنى واليسرى (¬1). والفرق: أنهما كالعضو الواحد (¬2)، بدليل: أن الماسح لو خلع أحد خفيه بطلت طهارته فيهما، ولو مسح على خف وغسل الأخرى لم يجز (¬3)، فدل: على أنهما كالشيء الواحد. وأورد: إذا كانا كالعضو الواحد لم لا يجوز غسل أحدهما بماء الآخر؟. فأجيب: ما دام الماء على اليد، فهو في محل التطهير، ولا يعد بسريانه في أجزاء العضو منفصلًا، ولا مستعملًا ما لم ينفصل، فإذا انفصل صار مستعملًا، وزال عنه حكم الطهورية، فلم يرفع حدث اليد الأخرى (¬4). قلت: وفيه نظر، لأنهما إذا كانا كالعضو الواحد، والانتقال في أجزاء العضو لا يُصيِّر الماء مستعملًا، فينبغي إذا انتقل من يد إلى أخرى من غير انفصال أنه يجوز، وليس كذلك على الصحيح (¬5). ثم الفرق الصحيح: أن الترتيب مستفاد من الآية، ولم تدل على الترتيب بين اليمنى واليسرى، بل دلت عليه بين باقي الأعضاء، وكذا السنة لم ترد بوجوبه فيهما، فيكون الفرق بالنص (¬6). ¬
14 - إذا توضأ لنافلة صلى به فريضة
فصل 14 - إذا توضأ لنافلة صلى به فريضة (¬1). ولا يجوز ذلك في التيمم (¬2). والفرق: أن الوضوء رافع، فالفرض والنفل سواء. والتيمم مبيح، ولا يستباح الأعلى وهو الفرض، بنية الأدنى وهو النفل (¬3). فصل 15 - يجوز المسح في الطهارة الصغرى على الخف (¬4)، والجرموق (¬5) والعمامة. ولا يجوز في الكبرى (¬6). والفرق: قول صفوان (¬7) (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن (¬8) نمسح من غائط، أو بول، أو نوم) رواه ¬
16 - المسح على ما تقدم مؤقت، بخلاف الجبيرة
الترمذي (¬1) وصححه. وأيضًا، فالصغرى تتكرر، فيشق خلعه، بخلاف الكبرى (¬2). فصل [4/ ب] 16 - المسح على ما تقدم مؤقت، بخلاف الجبيرة (¬3) (¬4). والفرق: ما روى علي - رضي الله عنه - قال: (جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم) رواه مسلم (¬5). وعنه قال: (كسرت زندي (¬6) يوم أحد، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن أمسح على الجبائر) رواه ابن ماجه (¬7)، ولم يؤقت. ¬
17 - إذا لبس الخف في إحدى رجليه قبل غسل الأخرى، لم يجزئه المسح
وأيضًا، ما ثبت لضرورة يقدر بقدرها (¬1). فَصل 17 - إذا لبس الخف في إحدى رجليه قبل غسل الأخرى، لم يجزئه المسح. ولو نزعه ثم لبسه (¬2)، جاز. والفرق: أنه في الأولى لبسه قبل كمال الطهارة، وهو شرط، فلم يجزئه، وفي الثانية لبسه على طهر كامل (¬3). فصل 18 - إذا لبس الخفين على غير طهارة، ثم أحدث وتوضأ، ونزعهما قبل ¬
19 - يصح الوضوء قبل الاستنجاء، دون التيمم
نشاف يده، وغسلهما، تمت طهارته (¬1). ولو مسح على خفين لبسهما على طهارة ثم خلعهما، وغسل رجليه قبل نشاف يده لم يجزئه غسل رجليه (¬2). والفرق: أن الخفين في الأولى لم يمسح عليهما، فخلعهما لا يؤثر في الطهارة، فإذا غسل رجليه قبل فوات الموالاة (¬3) أجزأه (¬4). بخلاف الثانية فإنه مسح عليهما، وارتبط المسح بالغسل، فإذا خلع بطلت طهارة رجليه، والحدث لا يتبعض، فسرى إلى الجميع فبطل، ولزمه الاستئناف (¬5). فَصل 19 - يصح الوضوء قبل الاستنجاء، دون التيمم (¬6). ¬
20 - إذا أمسك المستجمر الحجر بيمينه، وذكره بيساره، فأمره على الحجر لم يكره
والفرق: أن الوضوء رافع، والنجاسة لا تمنع ذلك (¬1). والتيمم مبيح، والصلاة لا تستباح مع المانع (¬2). فَصل 20 - إذا أمسك المستجمر الحجر بيمينه، وذكره بيساره، فأمرَّه على الحجر لم يكره. ولو أمرَّ الحجر بيمينه على الذكر كره (¬3). والفرق: أنه في الأولى ليس مستجمرًا بيمينه، فلم يكره. وفي الثانية هو مستجمر بها (¬4)، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. متفق عليه (¬5). ويؤيد أنه لا ينسب إلى اليمنى فعل في الأولى: أنه لو أخذ سكينًا بيمينه ولم يحركها، وحركت الشاة حلقومها حتى انقطعت أوداجها فإن الشاة ميتة؛ لأن ممسك الآلة لم يذبح (¬6). ¬
21 - خروج يسير الدم من السبيلين ينقض الوضوء
فَصل 21 - خروج يسير (¬1) الدم من السبيلين ينقض الوضوء. وخروجه من غيرهما لا ينقض (¬2). والفرق: أن السبيلين هما المخلوقان لخروج نجاسة البدن، فالخارج منهما وإن قل وندر يجب الطهر منه، كالدود ونحوه، ولولا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من استنجى من الريح فليس منا" (¬3). رواه الطبراني، لوجب الاستنجاء منها قياسًا. بخلاف المخارج غيرهما، فإنها خلقت لخروج الطاهرات، كالدمع والعرق ونحوهما/، فخروج اليسير النادر منها يلحق بالغالب - وإن كان نجسًا -[5/أ] ¬
22 - كثير النجاسة من غير السبيلين ينقض، دون يسيرهما
في عدم النقض، فإذا كثر قوي، وصار أصلًا بنفسه، كالخارج من السبيلين (¬1). فَصل 22 - كثير (¬2) النجاسة من غير السبيلين ينقض، دون يسيرهما (¬3). والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من القطرة، ولا القطرتين من الدم وضوء، إنما الوضوء من كل دم سائل" رواه الدارقطني (¬4) (¬5). ¬
23 - خروج يسير النجاسة من غير السبيلين لا ينقض
قلت: فَصل (¬1) 23 - خروج يسير النجاسة من غير السبيلين لا ينقض. ¬
24 - خروج الدودة من أحد السبيلين ينقض
وخروج يسير البول والغائط من غيرهما ينقض (¬1). والفرق: أن يسير نجاسة غيرهما معفو عنه؛ لما رواه الدارقطني، وقد تقدم (¬2). بخلاف البول والغائط، فإنهما أفحش النجاسات وأغلظهما، فسوي بين يسيرهما وكثيرهما؛ لزيادة فحشهما. فَصل 24 - خروج الدودة من أحد السبيلين ينقض (¬3). وخروجها من الجرح لا ينقض. على اختيار الخرقي (¬4) (¬5). والفرق: أن الخارجة من السبيل متولدة من النجاسة فتكون نجسة، ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها من السبيلين. بخلاف الجرح، فإن الناقض منه يشترط كثرته، والدودة يسيرة، فافترقا (¬6). ¬
25 - نزول الدم الناقض إلى قصبة الأنف ينقض
فَصل 25 - نزول الدم الناقض إلى قصبة الأنف ينقض. ونزول البول إلى قصبة الذكر لا ينقض. والفرق: أن الأنف في حكم الظاهر، بدليل: وجوب تطهيره من النجاسة، فوصول النجاسة إليه كخروجها منه. بخلاف الذكر، فإنه باطن حكمًا وحسًا، بدليل: أنه لا يطهر باطنه من نجاسة، فهو كبواطن العروق التي يتردد فيها الدم (¬1). قلت: فَصل 26 - لمس المرأة لشهوة ينقض. ولمس الأمرد لا ينقض (¬2). والفرق: أن النصِّ ورد بالنقض بمسها، قال تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬3) لأنَّها محل الشهوة شرعًا، واللمس يحرك الشهوة، فلمسها مظنةٌ لخروج الخارج. بخلاف الأمرد، فإنَّه لم يرد فيه من النص مثل ما ورد فيها، ولا هو محلٌ للشهوة شرعًا (¬4). ¬
27 - مس الرجل ذكر الخنثى المشكل ينقض
فصل 27 - مس الرجل ذكر الخنثى المشكل ينقض (¬1). ومسُّ المرأة له لا ينقض (¬2). والفرق: أنه إن كان الخنثى ذكرًا فقد مسَّ ذكره، وإن كان امرأةً فقد مسَّها لشهوةٍ، وكلاهما ناقض. بخلاف مس المرأة إياه؛ لأنه يحتمل أنه امرأة، والمرأة لا ينقض وضؤها مسَّ امرأة (¬3). فصل 28 - مس المرأة قُبُل الخنثى المشكل ينقض (¬4). بخلاف الرجل (¬5). ¬
29 - مس الذكر ينقض الوضوء
والفرق: ما تقدم (¬1). قلت: فصل 29 - مسُّ الذكر ينقض الوضوء. ومس الأنثيين لا ينقض (¬2). والفرق: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مسَّ ذكره فليتوضأ" رواه الإمام أحمد (¬3)، وغيره (¬4). ولأن مسه يدعو إلى خروج الخارج. بخلاف الأنثيين، فإنهما لا نص فيهما، ولا هما في معنى ما نص عليه، لكون مسهما لا يدعو إلى خروج الخارج، فافترقا (¬5). ¬
30 - أكل لحم الجزور بنقض
فصل 30 - أكل لحم الجزور بنقض. [5/ ب] دون/ لحم الغنم (¬1). والفرق: ما روى جابر (¬2) أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتوضأ من لحوم الغنم، قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل، قال: "نعم توضأ منها" رواه مسلم (¬3)، وغيره (¬4). والوضوء عند الإطلاق ينصرف إلى الشرعي (¬5)، سيَّما وقد قرنه بالصلاة بقوله في بعض ألفاظ الحديث: "وصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في معاطن (¬6) الإبل" (¬7). فصل 31 - يجوز وطء من عليها غسل جنابة (¬8). ¬
32 - إذا دخل في الصلاة متيمما، فوجد الماء في الصلاة بطلت، واستأنفها
دون من عليها غسل حيض (¬1). والفرق: أن نفس الجنابة لا يمنع الوطء، كمن التقى ختاناهما، فإن الوطء لا يحرم عليهما، فلأن لا يمنع حدثه بطريق الأولى (¬2). بخلاف حدث الحيض، فإنه يمنع الوطء، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬3) أي: ينقطع دمهن، (فإذا تطهرن) أي: اغتسلن، (فأتوهن). كذا فسره ابن عباس (¬4) - رضي الله عنهما -، فلهذا لم يجز وطؤها حتى تغتسل. فَصل 32 - إذا دخل في الصلاة متيممًا، فوجد الماء في الصلاة بطلت، واستأنفها (¬5). ولو شرع في صوم الكفارة، فوجد الرقبة (¬6)، أو في صوم التمتع (¬7)، فقدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إلى الهدي (¬8) والعتق (¬9). ¬
33 - إذا [وجد ماء] يكفي بعض طهره لزمه استعماله، ثم تيمم للباقي
والفرق: أن التيمم يجزئ لضرورة عدم الماء، فإذا وجد الماء بطلت، لزوال الضرورة، كالمستحاضة إذا انقطع دمها قبل تمام صلاتها، فإنها تبطل، كذا ههنا. بخلاف الكفارة والهدي، فإن الاعتبار فيهما بحالة الوجوب، فإذا كان فقيرًا لزمه الصوم، فلو وجد الرقبة والهدي قبل الشروع في الصوم لم يلزمه الانتقال على الصحيح (¬1)، فلأن لا يلزمه بعد الشروع أولى. وأيضًا، فإن الصوم قربة وجد غيره أو لم يوجد. وليس كذا التيمم، فإنه يبطل بالقدرة على الماء، بدليل ما ذكرنا (¬2). فَصل 33 - إذا [وجد ماء] (¬3) يكفي بعض طهره لزمه استعماله، ثم تيمم للباقي (¬4). ولو كان جريحًا فأراد التيمم للجرح، غسل [الصحيح، وهو مخير] (¬5) بين تقديم التيمم على الماء، وتأخيره (¬6). ¬
34 - إذا تيمم الجريح لجرحه، وجب معه المسح في رواية
والفرق: أن علة التيمم في الأولى عدم الماء، ولا يتحقق حتى يستعمل. بخلاف التيمم للجرح، فإنه لخوف الضرر، وهو موجود قبل الاستعمال وبعده (¬1). فصل 34 - إذا تيمم الجريح لجرحه، وجب معه المسح في رواية (¬2). ولو كان الممسوح جبيرة، مسح عليها من غير تيمم (¬3). ¬
35 - إذا نوى بتيممه الحدثين، ثم أحدث حدثا أصغر، بطل تيممه للأصغر، دون الأكبر
والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث صاحب الشجة: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده". رواه أبو داود (¬1)، وغيره (¬2). [6/ أ] وأما الجبيرة فقد قدمنا (¬3) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليًا/ لما انكسر زنده: أن يأخذ بالمسح، ولم يأمره بالتيمم، فافترقا. فصل 35 - إذا نوى بتيممه الحدثين، ثم أحدث حدثًا أصغر، بطل تيممه للأصغر، دون الأكبر (¬4). ولو قدر على الماء، أو دخل وقت صلاة أو خرج، بطل تيممه لهما (¬5). ¬
36 - إذا انقطع دم الحائض فتيممت لإباحة وطئها، ثم أحدثت لم يمنع ذلك وطأها بالتيمم
والفرق: أن نيتهما صيرت التيمم كتيممين، فإذا بطل هذا بقي الآخر، كما لو اغتسل ينويهما، ثم بطلت الصغرى، لم تبطل الكبرى (¬1). بخلاف القدرة على الماء، وخروج الوقت، فإن التيمم مقدر بمدة إذا انقضت بطل، كالمسح على الخفين (¬2). فَصل 36 - إذا انقطع دم الحائض فتيممت لإباحة وطئها، ثم أحدثت لم يمنع ذلك وطأها بالتيمم (¬3). ولو قدرت على استعمال الماء، أو دخل وقت صلاة أو خرج، بطل تيممها، ولم يجز وطؤها (¬4). والفرق: ما تقدم (¬5). فَصل 37 - صوف الميتة وشعرها طاهر (¬6). ¬
38 - إذا تخللت الخمرة بنفسها طهرت
وقرنها وظفرها نجس (¬1). والفرق: أن الصوف والشعر لا روح فيه، بدليل: أنه لا يحس، ولا يألم بزواله، ونموه لا يدل على أن فيه روحًا، فإن الشجر ينمو بمحله، ولا حياة فيه (¬2). وأما العظم ونحوه ففيه روح وحياة. قال الله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (¬3)؛ ولأنها تحس وتألم، وذلك دليل الحياة، وإنما لم تحس بقطع ما طال من القرون؛ لأن الروح والحياة فارقتها (¬4)، وإذا ثبت أن فيها روحًا وحياة نجست بالموت، كاللحم والعصب (¬5). فَصل 38 - إذا تخللت الخمرة بنفسها طهرت. وان خُلِّلت لم تطهر (¬6). والفرق: أنها إذا تخللت بنفسها زالت علة نجاستها، وهي الشدة ¬
39 - لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة
المطربة؛ لأنها إذا كانت عصيرًا كانت طاهرة، فلما حدثت هذه نجست، فإذا زالت العلة تبعها معلولها (¬1). بخلاف ما إذا خُلِّلت بما يلقى فيها، فإنه بملاقاته لها ينجس، فإذا زالت نجاستها خلفتها نجاسة (¬2)، فافترقا. فَصل 39 - لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة (¬3). وتطهر الخمرة بها (¬4). والفرق: أن الخمرة إذا استحالت عن العصير [نجست] (¬5)، فإذا استحالت بذهاب علة تنجيسها طهرت (¬6). بخلاف بقية النجاسات، فإنها لم تنجس بالاستحالة، فلم تطهر بها؛ لأن علة تنجيسها لم تزل (¬7). فَصل 40 - يطهر بول الغلام الذي لم يأكل الطعام بنضحه (¬8). ولا يطهر بول الجارية إلا بالغسل (¬9). ¬
والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام " رواه أبو داود (¬1)، وفي حديث أم قيس (¬2) المتفق عليه، قالت: (أتيت بابن لي صغير لم يأكل الطعام) (¬3) فذكرته، وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل " رواه الإمام أحمد (¬4). [6/ب] وعلة ذلك: أن بول الجارية يجري تحتها غالبًا فلا/ يشق التحرز منه. وبول الغلام قبل أكله الطعام يخرج قويًا يصيب من بعد، ويصعب الاحتراز منه، فإذا بلغ حدًا يشتهي الطعام ضعف خروج بوله، ولم يشق ¬
41 - الحيض يمنع وجوب الصلاة
التحرز منه، كما لا يشق من بول الجارية (¬1). قلت: هذا لا ينهض، ويكفي النص فرقاً. فَصل 41 - الحيض يمنع وجوب الصلاة. ولا يمنع وجوب الصوم (¬2). والفرق: قول عائشة - رضي الله عنها -: (كنَا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكنَّا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه (¬3). وأيضاً، فإن الصلاة تتكرر، فيشق قضاؤها، فسامح الشرع بذلك. بخلاف الصوم؛ فإنه قليل، وقد لا يصادفها بالمرة، فقضاؤه لا مشقة فيه (¬4). قلت: فصل 42 - يلزم المرأة نقض شعرها لغسل الحيض. ¬
43 - إذا انقطع دم الحائض صح الصوم منها
ولا يلزمها ذلك لغسل الجنابة (¬1). والفرق: أن الأصل وجوب النقض فيهما (¬2)، ليتيقن وصول الماء إلى أصول الشعر. خولف ذلك في الجنابة، لما روت أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: (يا رسول الله إني امرأة أشدُّ ضُفُرَ (¬3) رأسي، أفأنقضه للجنابة، قال: لا) رواه مسلم (¬4). ولأن الجنابة تتكرر، فيشق حلُّ الشعر فيها. بخلاف الحيض، فإنه لا يتكرر كتكررها (¬5). فَصل 43 - إذا انقطع دم الحائض صح الصوم منها. ولا تصح الصلاة والطواف حتى تغتسل (¬6). والفرق: أن الصوم لا تشترط له الطهارة، فيصح من الحائض قبل غسلها (¬7)، أو فلم يمنعه حدث الحيض؛ كالزكاة. ¬
44 - لأقل الحيض حد
بخلاف الصلاة والطواف، فإن من شرطهما الطهارة. ولأن حدث الجنابة مع كونه أخف من حدث الحيض يمنعهما، فهو بطريق الأولى (¬1). فَصل 44 - لأقل الحيض حدُّ (¬2). ولا حدَّ لأقل النفاس (¬3). والفرق: أنه بالحيض تعلم براءة الرحم، فوجب تقدير أقله وأكثره، ليحكم بانقضاء العدة به. بخلاف النفاس، فإنه قد ثبت وجوب الغسل، وبراءة الرحم بالولادة، لا بالنفاس، فلا حاجة إلى تقدير أقله (¬4). ¬
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة فَصل 45 - يكفر المسلم المكلف بترك الصلاة من غير عذرٍ معتقدًا وجوبها. في الصحيح من المذهب (¬1). ولا يكفر بترك غيرها من العبادات. في رواية (¬2). والفرق: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه الإمام أحمد (¬3)، وما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً أنه قال: "بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الإمام أحمد أيضاً (¬4). ولأنه يحكم بالإسلام على فاعلها، فيحكم بالكفر على تاركها. بخلاف بقية العبادات (¬5). ¬
46 - إذا اشتبهت عليه القبلة في السفر أجزأه أن يصلي مرة واحدة بالاجتهاد، ولا يلزمه أن يصلي إلى أربع جهات
وأيضًا: فإنها تسمى إيمانًا، بدليل: أنها لما/ نسخت القبلة قالوا: كيف [7/أ] بأصحابنا الذين ماتوا، وهم يصلون نحو بيت المقدس، فنزل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬1) متفق عليه (¬2)، وإذا كانت إيمانًا كفر بتركها، كالتوحيد. ولم يسم غيرها من العبادات إيمانًا (¬3). قلت: وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء إيمانًا أن يكون تركه كفرًا، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الإيمان بضع وسبعون خصلة، أدناها إماطة الأذى عن الطريق " متفق عليه (¬4). وطردُ قول السامري: أن يكون ترك الإماطة كفرًا، وهذا خَلْفٌ (¬5)، ثم قوله: وغيرها من العبادات لم يسم إيمانًا باطل، إذ العبادات كلها إيمان، خصوصًا على أصلنا: في أن الإيمان قول وعمل (¬6). فَصل 46 - إذا اشتبهت عليه القبلة في السفر أجزأه أن يصلي مرةً واحدةً بالاجتهاد، ولا يلزمه أن يصلي إلى أربع جهات (¬7). ¬
47 - إذا اشتبهت القبلة فصلى أربع صلوات إلى أربع جهات أجزأته كلها، مع القطع بكونه صلى ثلاثا إلى غير القبلة
ولو اشتبهت عليه الثياب النجسة بالطاهرة صلى في ثوب بعد ثوب بعدد النَّجس، وزاد صلاة (¬1). والفرق: أن فرضه عند اشتباه القبلة الاجتهاد لا الإصابة، بحيث لو اجتهد فاخطأ صحت صلاته، ولو لم يجتهد فأصاب لم يصح، فلم يجب عليه غير الاجتهاد (¬2). بخلاف الثانية، فإن فرضه تأدية الصلاة بسترة طاهرة بيقين، ولا يحصل ذلك إلا بالتكرار على ما أسلفناه (¬3). فَصل 47 - إذا اشتبهت القبلة فصلى أربع صلوات إلى أربع جهات أجزأته كلها، مع القطع بكونه صلى ثلاثاً إلى غير القبلة (¬4). ولو لمس مشكلٌ ذكره، وصلى الظهر، ثم توضأ، ولمس فرجه، وصلى العصر، لزمه قضاؤهما (¬5). ¬
48 - إذا خفي عليه وقت الصلاة فتحرى وصلى، فبان قبله لم يجزئه
والفرق: أن المصلي فرضه الاجتهاد في القبلة كما مرَّ، وقد فعل ذلك في كل صلاة، فلم تلزمه الإعادة (¬1). وأما المشكل؛ ففرضه الصلاة بطهارة صحيحة، فإذا تطهر ومسَّ ذكره لم ينتقض وضوؤه، لاحتمال أن يكون امرأة، فالذكر عضو زائد، والطهارة متيقنة، فلا تزول بالشك، فإذا توضأ، ولمس قبله، وصلى العصر، لم ينتقض وضؤوه، لاحتمال أن يكون رجلاً، وذلك خلقة زائدة. ولكن تيقنا أن إحدى صلاتيه باطلة؛ لأنه إما ذكرٌ فقد بطلت الظهر، وإما امرأةٌ فقد بطلت العصر، فإذا احتمل كون كل منهما باطلة وجب قضاؤهما إبراءً لذمته من العبادة، كناسٍ صلاةً من يوم يجهل عينها، فإنه يجب عليه خمس صلوات (¬2). فصل 48 - إذا خفي عليه وقت الصلاة فتحرى وصلَّى، فبان قبله لم يجزئه (¬3). ولو اجتهد في القبلة في السفر فأخطأ أجزأه (¬4). والفرق: أن الوقت يمكنه معرفته يقيناً، بأن يؤخر الصلاة بحيث تقع بعد الوقت قضاء، فإذا لم يؤخر فقد فرط، فلم يجزئه (¬5). بخلاف القبلة/ فإن فرض المصلي الاجتهاد فيها لا الإصابة كما [7/ب] تقدم (¬6). ¬
49 - إذا صلى المسافر فرضا في سفينة لزمه التوجه إلى القبلة في صلاته كلها
فَصل 49 - إذا صلى المسافر فرضًا في سفينة لزمه التوجه إلى القبلة في صلاته كلها (¬1). ولو كانت الصلاة نفلًا لم يلزمه التوجه (¬2). والفرق: أن الفريضة لا يترك التوجه فيها إلا مع الخوف، وليس بموجود. بخلاف النافلة، فإنه يجوز ترك التوجه فيها، بدليل: جوازها حيث توجهت به راحلته (¬3)، والسفينة كالراحلة. فَصل 50 - إذا وُهِبَ سترةً للصلاة عادِمُها لم يلزمه قبولها. ¬
51 - يجوز الأذان للفجر قبل دخول وقتها
ولو أُعيرَ لزمه. والفرق: أن في الهبة مِنَّة. بخلاف العارية، ولو حصل مِنَّة فهي يسيرة (¬1) فَصل 51 - يجوزُ الأذانُ للفجر قبلَ دخول وقتها. ولا يجوز في غيرها من الصَّلوات (¬2). والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ بلالاً يؤذنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابنُ أمِّ مكتوم " متفق عليه (¬3)، ولو لم يجز لنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. ولم يرد مثلُ ذلك في بقية الصلوات، فبقيت على مقتضى الدليل من أنَّ الأذانَ إعلامٌ بالوقت، فلا يجوز تقديمه عليه. وأيضًا، فإنَّ صلاة الفجرِ يدخل وقتها، والناس نيامٌ، وفيهم الجنب، فاحتيج إلى التقديم، ليتأهب المصلون. بخلاف بقية الصلوات (¬4). ¬
52 - إذا صلى على منديل، فرأى نجاسة موضع سجوده، فغطاها بطرفه الطاهر، وسجد علبها صحت صلاته
فَصل 52 - إذا صلى على منديل، فرأى نجاسة موضع سجوده، فغطاها بطرفه الطاهر، وسجد علبها صحت صلاته. ولو أخذ بيده طرف المنديل الذي فيه النجاسة، وسجد موضعها بطلت صلاته. والفرق: أنَّه في الأول لم يحمل النجاسة، ولم يصل عليها، فصحت صلاته. وفي الثانية، صلى حاملًا للنجاسة، فبطلت صلاته (¬1). فَصل 53 - لا تصح الصلاة في معاطن الإبل، وهي التي تقيم فيها. وتصح في مرابض الغنم (¬2). والفرق: ما قدمناه (¬3) بالنقض بلحوم الإبل من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل " (¬4)، وقد روي في حديث: "إنها خلقت من الشياطين" (¬5) والنص قاطع في الفرق (¬6). ¬
54 - إذا صلى ناسيا لحدثه لم تصح الصلاة
فصل 54 - إذا صلى ناسيًا لحدثه لم تصح الصلاة (¬1). ولوصلَّى وعلية نجاسةٌ ناسيًا صحت (¬2). والفرق: أن الطهارة شرط في صحة الصلاة بالإجماع (¬3)، فلم تصح بدونها، كسائر شروطها. بخلاف اجتناب النجاسة، فإنه واجب (¬4) يسقط بالنسيان، بدليل: ما ¬
55 - لا تصح إمامة الأخرس بناطق، ولا بمثله نص عليه وتصح إمامة الأمي بمثله
روى أبو سعيد (¬1) - رضي الله عنه -: (أنه - صلى الله عليه وسلم - خلع نعله في الصلاة، فخلع الناس، فقال: ما بالكم خلعتم نعالكم، فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني: أن فيها قذرًا) رواه أبو داود (¬2)، فلولا سقوط ذلك في السهو لاستأنف الصلاة (¬3). فصل 55 - لا تصح إمامة الأخرس بناطقٍ، ولا بمثله. نص عليه (¬4) وتصح إمامة الأمِّي (¬5) بمثله (¬6). ¬
والفرق: أن القراءة مأيوسة/ من الأخرس. [8/أ] بخلاف الأمِّى (¬1). قاله القاضي (¬2) في المجرد. قلت: وقال صاحب المغني (¬3): القياس صحة صلاته بمثله، وما قاله حق. ثم على القول بعدم الصحة فما ذكره القاضي ضعيف؛ لأن اليأس من القراءة وعدمه لا أثر له هنا، غايته: أن الأميَّ أكمل من الأخرس، فلا يصلح فارقًا. ويظهر لي فرق وهو: أن الإمام من وظيفته أن يتحمل عن المأموم القراءة، والأخرس لا ينطق بالقرآن، فإذا ائتمَّ به مثله لم يظهر للائتمام فائدة (¬4). بخلاف ائتمام الأمي بالأمي، فإنه يتحمل عنه القراءة، وهذا الفرق على ما فيه أولى مما ذكره القاضي. ¬
56 - العاصي بسفره لا يقصر، ولا يجمع، ولا يفطر، ولا يزيد على مسح مقيم
فصل 56 - العاصي بسفره لا يقصر، ولا يجمع، ولا يفطر، ولا يزيد على مسح مقيم (¬1). ويتيمم عند عدم الماء (¬2). والفرق: أن التيمم ليس برخصة يستباح بالسفر، وإنما هو عزيمة عند عدم الماء حتى في الحضر (¬3). بخلاف الأشياء المتقدمة، فإنها رخص، والعاصي بسفره لا يترخص (¬4). فَصل 57 - إذا ذكر صلاة سفر في سفر آخر جاز له قصرها (¬5). وإن ذكرها في الحضر فلم يقضها حتى سافر لم يجز له قصرها (¬6). والفرق: أن الصلاة المذكورة في الحضر وجب إتمامها بذلك؛ لأنه مأمورٌ بفعلها حين ذكرها بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فذلك وقتها" رواه الإمام أحمد (¬7)، وغيره (¬8)، وحينئذٍ تصيرُ صلاة حضر، فيجب إتمامها (¬9). ¬
58 - إذا دخل المسافر بلدا له فيه زوجة، أو تزوج فيه، ولم ينو إقامة يصير بها في حكم المقيم، لم يجز له القصر
بخلاف ما إذا لم يذكرها إلا في سفر آخر، فإنه لم تجب عليه في الحضر، ولم يذكرها في الحضر، ليجب إتمامها بذلك، فبقيت صلاة سفر ذكرت في سفر، فلم يجب إتمامها (¬1)، كالمذكورة في سفر النسيان. فَصل 58 - إذا دخل المسافر بلدًا له فيه زوجة، أو تزوج فيه، ولم ينو إقامة يصير بها في حكم المقيم، لم يجز له القصر (¬2). ولو كان في البلد والده أو ولده، أوله فيه ملك، ونحو ذلك، جاز له القصر (¬3). والفرق: ما روي عن عثمان - رضي الله عنه -: (أنه صلى بمنى أربع ركعات، فأنكر الناس عليه، فقال: يا أيها الناس إني تأهلت بمكة (¬4) منذ قدمت، وإني سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تأهل ببلدٍ، فليصل صلاة مقيم) رواه الإمام أحمد (¬5). ¬
59 - إذا جمع بين صلاتين في وقت أولاهما لم يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء
بخلاف ما إذا كان في البلد والداه أو ولده، فإنه لا يخرج بذلك عن كونه مسافرًا (¬1). قلت: وعلة هذا أن مجاثية (¬2) الإنسان لزوجته أشد من مجاثيته لولده ووالده، لتكرر داعيته إليها دونهما. فَصل 59 - إذا جمع بين صلاتين في وقت أولاهما لم يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء. ولو جمع في وقت الثانية جاز له التفريق (¬3). والفرق: أن الجمع هو المجوز لتقديم الثانية، فإذا فرق بينهما [8/ب] خرجت/ عن كونها مجموعة، فلم يجز تقديمها. بخلاف ما إذا جمع في وقت الثانية، فإن الأولى بنية الجمع جاز تأخيرها، والثانية مفعولة في وقتها، سواء فرق بينهما أو لم يفرق (¬4). ¬
60 - إذا جمع بينهما في وقت أولاهما، وفرق بينهما بوضوء، ثم بان أنه صلى الأولى محدثا بطلتا
فَصل 60 - إذا جمع بينهما في وقت أولاهما، وفرق بينهما بوضوء، ثم بان أنه صلى الأولى محدثًا بطلتا (¬1). ولو جمع في وقت الثانية، وتوضأ قبلها، فبان أن الأولى بغير وضوء بطلت وحدها (¬2). والفرق: ما تقدم: من أن الثانية إنما جاز تقديمها للجمع، فإذا بطلت الأولى فلا جمع، فبطلت الثانية أيضًا. بخلاف الثانية، فإن ثانية المجموعتين مفعولة في وقتها (¬3). فَصل 61 - إذا صلى الصبي ظهر يوم الجمعة، ثم بلغ قبل أن تصلى الجمعة، لزمه فرض الجمعة (¬4). ولو صلى العبد أو المسافر الظهر، ثم عتق أو قدم والامام في الجمعة، لم تلزمهما (¬5). والفرق: أنهما أديا الفرض وهما من أهله، فلم يلزمهما شيء آخر (¬6)، أشبه ما لو صليا جمعة في بعض القرى، ثم دخلا المصر وإمامه لم يصل، فإنهما لا يلزمهما الصلاة معه، كذلك هنا. ¬
بخلاف الصبي، فإنه صلى، وليس من أهل الفرض، فلم يسقط عنه فرض الوقت أشبه ما لو صلى تطوعًا، فإنه لا يسقط به الفرض، فظهر الفرق (¬1). ¬
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة [فَصل] 62 - إذا أخرج عن خمس من الابل بعيرًا لم يجزئه (¬1). ولو أخرج عن بنت لبون (¬2) حقةً (¬3)، أو جذعةً (¬4) أجزأه (¬5). والفرق: أن الواجب في الخمس شاة، فالبعير من غير الجنس، فلم يجز، كالبعير عن التبيع (¬6). بخلاف الثانية، فإنه لم ينتقل إلى غير الجنس، بل أخرج من الجنس عن الواجب أجود منه، فصحَّ كالصحيحة عن المراض (¬7). ¬
63 - إذا ملك تسعا وثلاثين شاة، ثم نتجت سخلة قبل حلول الحول، فلا زكاة فيها حتى يحول الحول عليها وهي كاملة
فَصل 63 - إذا ملك تسعًا وثلاثين شاة، ثم نتجت سخلة (¬1) قبل حلول الحول، فلا زكاة فيها حتى يحول الحول عليها وهي كاملة. ولو ملك مائة وعشرين شاة حولًا إلا [يومًا] (¬2)، ثم نتجت سخلة، وحال الحول لزمه شاتان (¬3). والفرق: أن ما دون الأربعين ليس سببًا لوجوب الزكاة، فلا ينعقد عليها الحول. بخلاف النصاب، فإنه سبب لوجوب الزكاة، فانعقد الحول عليه، وكان حكم نتاجه حكمه في وجوب الزكاة؛ لأنه بعضه (¬4). فَصل 64 - إذا نوى علف السائمة (¬5) لم ينقطع بها حكم السَّوم. ولو نوى قنيةَ (¬6) عُروض (¬7) التجارة انقطع حول التجارة. ¬
65 - إذا اشترى الخباز ملحا ليخبز به خبزا يبيعه، فحال الحول وقيمته نصاب، وجب عليه زكاة قيمته
والفرق: أن مُسقط زكاة المعلوفة مؤنة علفها، فما لم يوجد لم يسقط. بخلاف نية القنية، فإن العروض إنما صارت للتجارة بالنية (¬1)، فتصير للقنية بالنية، ويُبطِلُ حكمَ النية الأولى نيةُ القنية كالعلف، والعزم والتفكر في إيجاد النية كنية العلف (¬2)، فافترقا. فَصل 65 - إذا اشترى الخباز ملحًا ليخبز به خبزًا يبيعه، فحال الحول وقيمته نصابٌ، وجب/ عليه زكاة قيمته. [9/أ] ولو اشترى حطبًا لذلك، وحال عليه الحول وقيمته نصاب، فلا زكاة، وكذلك يزكي الصباغ العُصْفُرَ (¬3) والنيل (¬4). ¬
66 - إذا كانت له جارية للخدمة، فنواها للتجارة، لم تصر للتجارة ما لم يبعها
بخلاف القصَّار (¬1)، فإنه لا يزكي قيمة الأشنان (¬2) والصابون (¬3). والفرق: أن العصفر والملح والنيل أعد للاعتياض عنه؛ لأن ثمن الخبز عوض عن جميع أجزائه، وكذا أجرة الصبغ هي في حكم العوض عن عين النيل والعصفر، فوجبت فيها زكاة التجارة كالسلع. بخلاف الحطب والأشنان والصابون ونحوه، فإنها غير معدة للاعتياض عن عينها، ولا يقع التسليم عليها، وإنما يستعان بها على القصارة، فهي كالكُوذِين (¬4)، وما أشبه ذلك (¬5). فَصل 66 - إذا كانت له جارية للخدمة، فنواها للتجارة، لم تصر للتجارة ما لم يبعها. ولو كانت للتجارة، فنواها للخدمة، صارت للخدمة (¬6). ¬
والفرق: أنه إذا نواها للتجارة، ولم يفعلها لا تبطل حكم الخدمة بمجرد النية، كما لو نوى المقيم السفر. بخلاف ما إذا نواها للخدمة وقد كانت للتجارة؛ لأنه نوى الخدمة، فبطل حكم ما نواه قبله، وصارت للخدمة، كالمسافر ينوي الإقامة، فإنه يبطل حكم السفر ويصير مقيمًا، كذا هنا. والمعنى في ذلك: أن السفر والتجارة عمل، فما لم يوجد لا يحكم به، والإقامة والخدمة ترك العمل، والترك يحصل مع النية من غير عمل، فلذلك افترقا (¬1). قلت: والصحيح: أنه لا فرق بين الصورتين (¬2)؛ لأن الشارع أوجب الزكاة في الأموال المعدة للاكتساب والتجارة، والجاريةُ فيما نحن فيه صارت بالنية معدة لذلك، فتجب فيها الزكاة، هذه إحدى الروايتين (¬3)، وهو الصحيح كما قلنا، ثم قياسهم ذلك على المقيم ينوي السفر في غاية البعد؛ لأن السفر حالة فعله لا مدخل للنية فيه، وكون الشيء معدًا للتجارة أمرٌ يحصل بالنية. ألا ترى أنه إذا اشترى سلعةً للتجارة فإن النية هنا صيرتها للتجارة؛ لأنه ¬
67 - إذا ملك بالوصية عروضا، ونواها حال تملكها للتجارة، صارت للتجارة وزكاها
لم يبعها بعد، وشراؤه لها ليس تجارة، فلم يحصل فيها فعلٌ صيرها للتجارة، وليس إلا النية، وذلك كالمسافر ينوي الإقامة؛ لأنها تحصل بالنية. ثم العجب من قول الشيخ: إن السفر والتجارة عمل، فما لم يوجد لا يحكم به، والإقامة والخدمة ترك العمل، فإن التجارة إن أراد بها: نفس البيع والشراء، فهذا عمل لا شك فيه، وإن قصد: أن صيرورتها للتجارة عمل، فغير مسلم. وقوله: الإقامة والخدمة ترك العمل فمسلم في الإقامة، ممنوع غاية المنع في الخدمة فإنها عمل، وتصيير العبد للتجارة ترك عمل؛ لأن المعد للتجارة لا يستخدم غالبًا، فإذا صار للخدمة أخذ فيها، وإذا كان للخدمة فنوي [9/ب] للتجارة ترك الخدمة وأخذ في الرفاهية لتزيد قيمته، فقد بان بهذا/ أن الخدمة عمل، وربما فهم من هذا التقرير: أنه إذا نوى المعد للتجارة للقنية لا تصير إلا بعمل ولا تكفي النية، وليس هذا بمقصود لنا، بل نقول: تكفي النية في ذلك؛ لأن القنية أعم من الخدمة، فافهمه توفق للصواب إن شاء الله تعالى. فَصل 67 - إذا ملك بالوصية عروضًا، ونواها حال تملكها للتجارة، صارت للتجارة وزكاها (¬1). ولو ملكها بالميراث، ونوى ذلك لم تصر للتجارة (¬2). والفرق: أن الوصية سببٌ يحصل به الملك من جهته، بدليل: أنه لو لم يقبل لم يملك، فصار كالاشتراء إذا نوى به التجارة. وليس كذلك الميراث؛ لأنه يملكه قهرًا، ولأنه يدخل في ملكه رضي أم سخط، وإذا لم يوجد منه سبب كان كما لو نوى ما يملكه للقنية للتجارة، فإنه ¬
68 - إذا خرصت الثمار على أربابها، وجب على الخارص أن يترك لهم الثلث أو الربع
لا يصير للتجارة، فكذلك هنا (¬1). وقد قررنا (¬2): أن ذلك يصير للتجارة، فكذا هذا. فصل 68 - إذا خرصت الثمار (¬3) على أربابها، وجب على الخارص أن يترك لهم الثلث أو الربع (¬4). فاما الزروع، فقال القاضي: قياس المذهب أن لا يترك لهم منها شيء (¬5). والفرق: أن الأصل أن لا يوضع من الثمار، ولا من الزروع، لكن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضع في الثمار بقوله: "إذا خرصتم فدعوا الثلث أو الربع "، رواه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7) وغيرهما (¬8)، بقيت الزروع على مقتضى الأصل. وأيضًا: النفوس تتوق إلى الثمار أكثر من الزروع (¬9). ¬
69 - إذا سرق المال أو غصب، ثم عاد إلى مالكه، لم تجب زكاته لما مضى
فَصل 69 - إذا سُرق المال أو غُصب، ثم عاد إلى مالكه، لم تجب زكاته لما مضى (¬1). وإن غُصب رب المال، بأن حبس وجبت زكاته لما مضى (¬2). نقله الميموني (¬3). والفرق: أن الزكاة تجب في المال المعد للنماء، والمال المغصوب ونحوه لا يمكن فيه ذلك؛ لأنه لا قدرة لمالكه عليه، فلم تجب زكاته (¬4). بخلاف ما إذا حبس ربه، فإن يده عليه، ويمكنه تنميته بوكيل، فلم يخرج عن إرصاده للتنمية (¬5). ¬
70 - لا تجب زكاة المال المغصوب والضال
فَصل 70 - لا تجب زكاة المال المغصوب والضال (¬1). وتجب صدقة الفطر عن عبده إذا كان كذلك (¬2). والفرق: أن الزكاة في المال المستنمي، وعدم القدرة عليه في مسألتنا منع وجوبها (¬3). بخلاف زكاة الفطر، فإن موجبها الملك، وهو لا يتأثر بذلك (¬4). فَصل 71 - إذا حال الحول على عبيدٍ للتجارة وجب زكاة فطرتهم مع زكاة قيمتهم. نصَّ عليه (¬5). ولو حال الحول على نصابٍ من الماشية، وهي سائمةٌ للتجارة، أو حال الحول على نخيلٍ للتجارة وقد أثمرت، فلا زكاة إلا للتجارة (¬6). والفرق: أن الفطرة وزكاة القيمة حقان مختلفا السبب والمحل، فلا منافاة، كالجزاء والقيمة في قتل الصيد المملوك. وبيان الاختلاف: أن الفطرة حق البدن، وزكاة القيمة حق المال. ¬
72 - نقصان النصاب في أثناء الحول شهرا أو شهرين يمنع وجوب الزكاة
[10/أ] وليس كذلك زكاة السوم والتجارة؛ لأن السبب واحد وهو المال/ فلا يجب به حقان (¬1). فَصل 72 - نقصان النصاب في أثناء الحول شهرًا أو شهرين يمنع وجوب الزكاة (¬2). ونقصان السوم لذلك لا يمنع (¬3). والفرق: أن مقدار النصاب أصل، والسَّوم صفة، ونقصان الأصل يمنع. بخلاف نقصان الصفة، بدليل: ما لو ملك أربعين شاة عشرة أشهر، فولدت تسعة وثلاثين سخلة، وماتت الوالدات، وبقي السخال والشاة الأخرى، ثم تمَّ الحول، لم تسقط الزكاة في الصحيح من المذهب (¬4)، لوجود كمال النصاب في كل الحول، ولو ماتت شاة واحدة، وبقي تسع وثلاثون، وتمَّ الحول، لم تجب الزكاة لنقصان النصاب، ففي الأولى نقصت الصفة فلم تؤثر، وهنا نقص الأصل فأثرَّ (¬5). فَصل 73 - ما زاد على نصاب النقدين تجب الزكاة فيه بحسابه وإن قل، وكذا الزروع والثمار. بخلاف ما زاد على نصاب المواشي، فإنه يعتبر فيه الأوقاص (¬6) ¬
74 - إذا ورث جماعة أموالا فيها زكوي، فحصل لكل منهم نصاب، أو حصل النصاب لجماعتهم، وجبت الزكاة فيه قبل القسمة
المعتبرة بين النصب (¬1). والفرق: أنا لو أوجبنا الزكاة في الوقص (¬2) لم يخل: إما أن نوجب في ست من الإبل شاتين، فنجحف برب المال. أو شاةً وخُمسًا، فيفضي إلى سوء المشاركة، واختلاف الأيدي، فضرب الشرع الأوقاص لطفًا بأرباب الأموال. بخلاف زكاة النقدين والزروع والثمار، فإنه إذا أخذ مما زاد على النصاب أخذ بالحساب، ولا يفضي إلى ما ذكرنا من الضرر. وأيضًا: فإنها أموال تتجزأ وتتبعض، بخلاف المواشي (¬3). فَصل 74 - إذا ورث جماعةً أموالًا فيها زكوي، فحصل لكل منهم نصاب، أو حصل النصاب لجماعتهم (¬4)، وجبت الزكاة فيه قبل القسمة (¬5). ¬
75 - إذا كان نصيب الغانمين بعد الخمس نصابا زكويا، وشروط الخلطة موجودة جرى في حول الزكاة
ولو ملكوا ذلك بالغنيمة، لم يجر ذلك في حول الزكاة إلا بعد القسمة. والفرق: أن ملك الورَّاث (¬1) على ما ورثوه مستقر ثابت، فلذلك جرى في حول الزكاة، كما لو اشتروه. بخلاف الغنيمة، فإن الأمر فيها راجع إلى الإمام، فله أن يقسم الأصناف بينهم، وله أن يخص كلا منهم بصنف، فلم يجر في حول الزكاة، لعدم تعينه لمالكٍ. فلو كانت الغنيمة جنسًا واحدًا زكويًا، جرى في الحول قبل القسمة، كالميراث سواء؛ لعدم ما ذكرناه في الأجناس (¬2). فَصل 75 - إذا كان نصيب الغانمين بعد الخمس نصابًا زكويًا، وشروط الخلطة (¬3) موجودة جرى في حول الزكاة. ¬
76 - إذا ملك عقارا قيمته نصاب فأكثر، لم تجب زكاة قيمته، سواء كان للسكنى أو للكراء
وإن لم يكمل نصابًا إلا بالخمس أو بعضه لم يجر (¬1). والفرق: أن الخمس لا زكاة فيه، لأن أهله غير متعينين، فهو كمال الفيء، وإذا لم يكن فيه زكاة لم يكمل النصاب، فلم يجر في الحول (¬2). فَصل 76 - إذا ملك عقارًا قيمته نصابٌ فأكثر، لم تجب زكاة قيمته، سواء كان للسكنى أو للكراء (¬3). ولو/ ملك حليًا للكراء وجبت زكاة قيمته (¬4). [10/ب] والفرق: أن العقار ليس من الأموال الزكوية، أعني: التي تجب الزكاة في عينها، فإذا لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها، كالخيل والبغال (¬5). بخلاف الحلي، فإنه من الأموال الزكوية، فإذا أرصده للكراء فقد أعدَّه للنماء، فوجبت زكاته (¬6). فَصل 77 - إذا كاتب عبده على نصاب، فحال الحول عليه ولم يقبضه، فلا زكاة حتى يحول الحول بعد القبض (¬7). ولو أصدقها نصابًا فحال الحول عليه قبل القبض والدخول، لزمها زكاته. ¬
وكذا إذا أسلم إليه إنسان نصابًا في طعام إلى أكثر من حول. أو قبض ثمن ما باعه مما يحتاج إلى قبض، ولم يقبض المبيع حتى حال عليه الحول. أو أجَّر (¬1) دارًا سنين بنصاب. فإنَّ الزكاة تجب على المرأة، وإن كان ملكها للمهر بعرض الزوال بردتها، وعلى المسلم إليه إذا تم الحول بعد القبض مع تعرض ملكه للزوال عنها بانفساخ عقد السلم؛ لتعذر المسلم فيه، وعلى البائع مع أن ملكه عليها معرض للزوال بتلف المبيع قبل قبضه، وعلى المؤجر إذا تم الحول مع إمكان زوال ملكه عنها بانفساخ العقد لانهدام الدار (¬2). والفرق بين هذه المسائل، ومسألة الكتابة: أن مال الكتابة لا يتم ملكه عليه إلا بقبضه، بدليل: ما لو حلت النجوم فأعتقه قبل الأداء لم يثبت له في ذمته شيء، ولأن عقد الكتابة غير لازم من جهة العبد؛ لأنه يملك تعجيز نفسه مع قدرته على الكسب، فالملك على العوض غير تام، فلذا لم يجر في الحول، كمال العبد (¬3). وليس كذا بقية المسائل؛ لأن الملك في عوضها تام، بدليل: صحة التصرف فيه، ولو كانت الأجرة، أو مال المسلم، أو ثمن المبيع جارية جاز لقابضها وطؤها ولا يجوز إلا في ملك تام، وإذا كان الملك تامًا وجبت الزكاة، وتعرض العوض للزوال في هذه المسائل لا يمنع الزكاة، ¬
78 - يلزم العامل في المساقاة والمزارعة زكاة حصته قبل القسمة
إذ جميع الأموال معرضة للزوال بتلفها، أو تلف ربها، وليس ذلك بمانع (¬1). فَصل 78 - يلزم العامل في المساقاة والمزارعة زكاة حصته قبل القسمة (¬2). ولا يلزم ذلك المضارب حتى يقتسما (¬3). والفرق: أنه في المزارعة والمساقاة يستقر ملك العامل على حصته بالظهور، بدليل: أنه لو ذهب من الزرع والثمرة مهما ذهب كان الباقي بينهما (¬4). وليس كذلك المضارب؛ لأن ملكه غير مستقر على الربح حتى يقسم، لإمكان أن يتلف شيء من المال، فيجبر من الربح (¬5). فَصل 79 - ما لا يشترط له الحول كالزروع والمعدن، لا تثنى عليه الزكاة. وما يشترط له الحول/ كالمواشي والنقدين تتكرر فيه الزكاة بتكرر الحول. [11/أ] والفرق: أن الزكاة شرعت مواساة، فاقتضى ذلك وجوبها في الأموال المستنماة في كل حول؛ لحصول النماء منها، كالماشية والنقود. ¬
80 - يشترط حول الحول في وجوب زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة
وليس كذلك الزروع والثمار؛ لأنها لا يحصل منها نماء بعد ظهورها، فلا يجب فيها زكاة ثانية (¬1)، كالعوامل (¬2) (¬3). قلت: فَصل 80 - يشترط حول الحول في وجوب زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة. ولا يشترط في الزروع والثمار والمعدن والركاز (¬4). والفرق: أن الحول إنما اعتبر رفقًا بأرباب الأموال، ليحصلوا في مدة الحول ما يؤدون منه الزكاة، وليتكامل فيه نماء المزكى الذي يستنمى، كالشاة والنقود والعروض للتجارة، فإذا تكامل نماؤه أديت زكاته. وليس كذلك الزروع والثمار، والمعدن، والركاز، فإن الزروع لا يرجى لها نماء بعد ظهورها، والمعادن والركاز كلها نماء، فلا ينتظر لها ربح آخر (¬5). ¬
81 - تصرف الزكاة إلى الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان مع الغنى، ولا يجوز صرفها إلى من يحج إلا مع الفقر
فَصل 81 - تصرف الزكاة إلى الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان (¬1) مع الغنى، ولا يجوز صرفها إلى من يحج إلا مع الفقر (¬2). والفرق: أن الحاج يأخذها لمصلحة نفسه، فاشترط فقره المجوز لدفعها. بخلاف الغازي، فإنه يأخذها لمصلحة الإسلام والمسلمين، وهذه العلة موجودة مع الغني في غناه (¬3). فَصل 82 - أجرة كيَّال الزروع والثمار ليعلم قدرها تخرج من سهم العامل. وأجرة كيَّال الزكاة لتقبيضها العامل من رب المال (¬4). ذكرهما القاضي في المجرد. والفرق: أن كيل أصول الأموال هو لتحقق مقدار الواجب، وذلك داخل فيما يلزم العامل، كأجرة الكاتب والحاسب فإنها على العامل، فكذا هذا. ¬
83 - لا يلزم الإنسان فطرة زوجته الناشز
بخلاف أجرة كيَّال الزكاة، فإن تقبيضها واجب على المؤدين لها، ولا يحصل إلا بالكيل كما يلزم من باع مكيلاً أجرة كيله؛ لأن عليه تقبيضه (¬1). فَصل 83 - لا يلزم الإنسان فطرة زوجته الناشز (¬2) (¬3). وتلزمه فطرة عبده الآبق (¬4) (¬5). والفرق: أن الفطرة تابعة للنفقة، لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أدوا الفطرة عمن تمونون " رواه الدارقطني (¬6)، والناشز لا نفقة لها (¬7). بخلاف العبد، فإن نفقته واجبة؛ لأن سببها الملك، والإباق لا يؤثر فيه، فتجب فطرته (¬8)، والله تبارك وتعالى أعلم. ¬
كتاب الصيام
كتاب الصيام [فَصل] 84 - لا يصح صيام الواجب إلا بنيةٍ من الليل (¬1). ويصح صوم النفل بنيةٍ من النهار (¬2). والفرق: أن الصوم كله يجب بنيةٍ ليلًا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يُجْمِع (¬3) الصيام من الليل فلا صيام له " رواه الإمام أحمد (¬4) وأبو داود (¬5)، وغيرهما (¬6). خرج النفل بما روى عن عائشة - رضي الله عنها - / قالت: دخل على رسول الله [11/ب]- صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء، قلنا: لا، قال: إنّي إذًا صائم، رواه مسلم (¬7) بقي الفرض على عموم الأول. وأيضًا، فإن النفل يطلب تكثيره، فسهلت طريقه، كما سومح في صلاة ¬
85 - إذا نوى الصوم ليلا، ثم فعل ما ينافيه، لم تنفسخ نيته ما لم يفسخها
النفل على الراحلة (¬1)، بخلاف الفرض (¬2). فَصل 85 - إذا نوى الصوم ليلًا، ثم فعل ما ينافيه، لم تنفسخ نيته ما لم يفسخها (¬3). ولو نوى صوم جميع الشهر، وقلنا: يصح (¬4)، فأفطر في بعض أيامه لعذرٍ، أو غيره، انفسخت نيته (¬5). والفرق: أن أكله ليلًا لا يبطل حكم نيته؛ لأن حكمها صوم النهار، فهي على صحتها (¬6). بخلاف ما إذا أفطر بعض أيام الشهر، فإن حكم النية تغير، لأن حكمها صوم جميع أيام الشهر، فإذا أفطر بعضها لم يصح صيام ما بعده إلا بنية جديدة (¬7). فَصل 86 - يثبت هلال الصوم بقول عدل (¬8). ¬
87 - إذا صام الناس بشهادة عدلين ثلاثين يوما، ولم يروا هلال شوال لغيم أفطروا
ويفتقر سائر الشهور إلى عدلين (¬1). والفرق: أن الأصل أن لا يثبت شهر إلا بشهادة عدلين؛ لأنها شهادة محتملة للتهمة، فافتقرت إلى عدلين، كسائر الشهادات، لكن خرج رمضان بما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، قال: نعم قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدًا" رواه الترمذي (¬2)، وغيره (¬3). وأيضًا، فالاحتياط للعبادة يقتضي ذلك (¬4). فَصل 87 - إذا صام الناس بشهادة عدلين ثلاثين يومًا، ولم يروا هلال شوال لغيمٍ أفطروا (¬5). ولو عدموا الهلال مع الصحو لم يفطروا (¬6). ¬
88 - إذا أدركه الفجر مجامعا، فعليه القضاء والكفارة
والفرق: أن شهادة العدلين في الأولى يجب بها الصوم والفطر (¬1)، فإذا أكملوا العدة، ولم يوجد ما يقدح في شهادتهما وجب الفطر، كما لو شهدا بهلال شوال (¬2). بخلاف عدم الهلال مع الصحو؛ لأن عدم الهلال مع الصحو يقين، والحكم بالشهادة ظن، فلا ينهض لمعارضته، وقد وجد ما يقدح في شهادتهما، واتضح أن ما رأوه كان خيالًا؛ لأنها لو كانت رؤية صحيحة لما تصور عدم هلال شوال، خصوصًا والحال يقتضي بكونه يكون أكثر مما شهدوا به مع توفر الدواعي على رؤيته، فهذا أوضح دليل على بقاء رمضان، وأن رؤيتهما غير صحيحة، فيجب الصوم كبقية أيامه (¬3). فَصل 88 - إذا أدركه الفجر مجامعًا، فعليه القضاء والكفارة (¬4) (¬5). ¬
89 - قد بان أنه يفسد صومه بالنزع، فلو قال: إن وطئتك فأنت طالق، فأولج طلقت، فإذا نزع لم يلزمه مهر ولا حد
ولو حلف لا يلبس ثوبًا [هو لابسه] (¬1)، أو لا يسكن دارًا هو ساكنها فخلعه، وخرج منها لم يحنث (¬2). والفرق: أن النزع جماع، بدليل: اللذة (¬3). بخلاف نزع القميص، والخروج من/ الدار، فإنه ليس لبسًا ولا [12/أ] سكنى (¬4). فَصل 89 - قد بان أنه يفسد صومه بالنزع، فلو قال: إن وطئتك فأنت طالق، فأولج طلقت، فإذا نزع (¬5) لم يلزمه مهر ولا حد. والفرق: أن باب الإفساد أوسع، بدليل: أنه إذا وطئ في نهار رمضان فسد صومه، ولا مهر ولا حد، فافترقا (¬6). ¬
90 - إذا أكل شاكا في طلوع الفجر لم يقض
قلت: ويمكن الفرق: بأن حصول الذكر في الفرج مما ينافي الصوم، فإذا وجد معه أفسده. بخلاف عدم إيجاب المهر والحد في المسألة المذكورة، فإن الوطء وطء من يجوز له وطؤها، ثم حرمت عليه بعد، وهو لم يطأها ليجب عليه حد ومهر، ولكنه فعل ما يجب عليه فعله من التخلص من الحرام بالنزع (¬1)، فافترقا (¬2). فَصل 90 - إذا أكل شاكًا في طلوع الفجر لم يقض. وإن أكل شاكًا في غروب الشمس قضى (¬3) والفرق: أن الأصل بقاء الليل والنهار (¬4) , فافترقا (¬5). فَصل 91 - إذا أكل معتقدًا بقاء النهار، فبان [أن] (¬6) الشمس قد غابت، فصومه صحيح. ¬
92 - إذا نوى الإفطار أفطر، فإن عاد فنوى الصوم أجزأه في النفل، دون الفرض
ولو أكل معتقدًا طلوع الفجر، فبان أنه أكل قبل طلوعه لم يصح صومه (¬1). والفرق: أنه في الأولى قصد إبطال ما قد تم وكمل، فلم يؤثر، أشبه ما لو نوى إبطال صلاة قد أتمها، فإنه لا يؤثر، فكذا هنا (¬2). بخلاف الثانية، فإنه قصد الإفطار بالنهار، فزالت نية الصوم بإبطاله واعتقاده، فلم يصح صومه بعد، لعدم النية من الليل، فلو عاد فنوى قبل الفجر صحَّ صومه، وهذا في الفرض، فأما النفل فيصح بنية من النهار على مامرَّ (¬3). فَصل 92 - إذا نوى الإفطار أفطر، فإن عاد فنوى الصوم أجزأه في النفل، دون الفرض (¬4). والفرق: أن النفل يصح بنية من النهار. بخلاف الفرض، فإنه لا بد له من نية من الليل، كما تقرر (¬5)، وهذا عادم لها، فبطل صومه (¬6). ¬
93 - إذا تلبس بنفل صوم أو صلاة لم يلزمه إتمامه، ولا قضاؤه إن أفسده
فصل 93 - إذا تلبس بنفل صوم أو صلاة لم يلزمه إتمامه، ولا قضاؤه إن أفسده. ولو تلبس بنفل حج أو عمرة لزمه ذلك (¬1). والفرق: ما روي عن جويرية بنت الحارث (¬2) - رضي الله عنها - قالت: (دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة، وأنا صائمة، فقال لي: أصمت أمس، قلت: لا، قال: أتصومين غدًا، قلت: لا، قال: فأفطري) رواه البخاري (¬3)، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أهدي لنا حيس (¬4)، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أهدي لنا حيس، فقال: أدنيه فأكل، ثم قال: إني كنت صائمًا" رواه مسلم (¬5)، وعن أم هانئ (¬6) - رضي الله عنها - قالت: "لما كان يوم الفتح أحضر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إناء فيه شراب فشرب، ثم ناولني [12/ب] فشربت/ منه، ثم قلت: أفطرت، وكنت صائمة، فقال: "كنت تقضين شيئًا، قلت: لا، قال: فلا يضرك إذا كان تطوعًا" رواه الإمام أحمد (¬7). وأبو داود (¬8). ¬
وفي رواية للدارقطني (¬1): " إن كان قضاءً، فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوعًا فإن شئت فاقضي، وإن شئت لا تقضي" وفي رواية للإمام أحمد "فقال لها: الصائم المتطوع أمير نفسه ". فإن قيل: الفتح كان في رمضان، فكيف شرب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف قالت: كنت متطوعة؟ هذا يوجب الطعن في هذا الحديث. فالجواب: أن يوم الفتح يقال على مدة إقامتهم بمكة، وقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أيام في شوال، وهذا وقع في شوال (¬2). وهذا بخلاف الحج والعمرة، فإن الله تعالى قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬3) وهو عام في الفاسد والصحيح، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كُسِرَ أو عَرِجَ فقد حلَّ، وليحج من قابل" رواه النسائي (¬4). قلت: وروي عن ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس - رضي الله عنهم -: " أنهم أمروا ¬
مفسد حجه بإتمامه، وقضائه " رواه عنهم الأثرم (¬1) في سننه (¬2). قال أبو محمد (¬3) في المغني (¬4): ولا يعرف لهم (¬5) مخالف، فيكون إجماعًا. وأيضًا: فإن الصوم والصلاة يخرج منهما بالفساد، فلا يلزم إتمام نفلهما وقضاؤه، كالاعتكاف (¬6). ¬
94 - إذا خافت الحامل والمرضع على ولديهما أفطرتا وقضتا، وأطعمتا مسكينا عن كل يوم
وأيضًا: فإن المتطوع قبل الشروع مخير في جميع أجزاء المتطوع به، فبعد الشروع لا يجبر على بعض أجزائه، كمن نوى صلاة أربع ركعات، فصلى ركعتين وسلم، لم يلزمه فعل الركعتين، ولو كان الإتمام لازمًا لم يجز التغير. وأما تطوع الحج والعمرة فإن التلبس به لا يوجب مباشرة باقيه، لكن يلزمه فعل ما يخرج به من إحرامه، فإن الإحرام يقع لازمًا، والتحلل لا يحص إلا بالأمر المشروع من الطواف والحلاق، حتَّى لو أفسده لم يخرج منه. بخلاف الصوم والصلاة، فإنه يخرج منهما بالفساد، وكل ما ينافيهما (¬1). فَصْل 94 - إذا خافت الحامل والمرضع على ولديهما أفطرتا وقضتا، وأطعمتا مسكينًا عن كل يوم. وإن أفطرتا خوفًا على أنفسهما كفاهما القضاء (¬2). والفرق: أن خوفهما على أنفسهما يخصهما، فلا يجب لأجله كفارة، كالمرض. بخلاف الأولى، فإن فطرهما لأجل الغير (¬3)، وقد قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (¬4) قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (بقيت رخصة للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتا أطعمتا مكان كل يوم مسكينًا) (¬5). ¬
95 - إذا عجز الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه عن الاطعام لم يسقط عنهما
قلت: فَصْلٌ 95 - إذا عجز الشيخ الكبير والمريض الَّذي لا يرجى برؤه عن الاطعام لم يسقط عنهما. [13/أ] ولو عجزت الحامل والمرضع / الخائفتان على ولديهما سقط عنهما (¬1). قال شيخنا الوالد رحمه الله: والفرق بينهما: أن الإطعام إنما وجب على الحامل والمرضع طهرة، فهو حق مالي وجب على سبيل الطهرة بسبب الصوم، فيسقط بالعجز عنه كصدقة الفطر. بخلاف الشيخ والمريض، فإن الإطعام في حقيهما بدل عن الصوم، والصوم لا يسقط بالعجز عنه، فكذلك بدله (¬2)، فافترقا. فَصْلٌ 96 - إذا جامع المسافر الصائم، ولم ينو بجماعه الفطر لزمته الكفارة. وإن نواه فلا كفارة. في قياس المذهب. ¬
97 - لا يصام عن الميت صوم رمضان، ويطعم عنه مسكين لكل يوم
والفرق: أنَّه إذا لم ينوه فقد هتك حرمة الصوم والشهر من غير شبهة، بخلاف ما إذا نوى الفطر، فإنه قد قصد رخصة مباحة، فهو كما لو ترخص بالأكل، فافترقا (¬1). فَصْلٌ 97 - لا يصام عن الميت صوم رمضان، ويطعم عنه مسكين لكل يوم (¬2). ويصام عنه النذر (¬3). والفرق: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (أنَّه سئل عن رجل مات، وعليه نذر صيام شهر، وصوم رمضان، فقال: أما رمضان فليطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه) (¬4) رواه أبو بكر عبد العزيز (¬5) بإسناده، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجل مات، وعليه صوم شهر رمضان، قال: ليطعم عنه كل يوم مسكين) رواه ابن ماجة (¬6). ¬
98 - يجوز للمسافر التطوع بالصلاة من غير كراهة
قلت: وقد جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها، قال: "فصومي عن أمك" متفق عليه (¬1). وأيضًا: فإن شهر رمضان لازم بأصل الشرع، فانتقل عند العجز عنه إلى الإطعام، كالشيخ الفاني. بخلاف النذر، فإنه أوجبه على نفسه، فيؤدى عنه ما أوجبه على نفسه كالديون، وما وجب بأصل الشرع آكد، بدليل: أنَّه يقتل بترك الصلاة المفروضة، ولا يقتل بالمنذورة، والنيابة تدخل في العبادة بحسب خفتها، ولهذا لا تدخل النيابة الصلاة، وتدخل الحج (¬2). فَصْلٌ 98 - يجوز للمسافر التطوع بالصلاة من غير كراهة (¬3). ولا يجوز له التطوع بالصوم في رمضان (¬4). والفرق: أن رمضان زمان مضيق للعبادة. بخلاف الصلاة، فإن وقتها موسع، ولذلك جاز التنفل قبل فعل الفرض، فلو لم يبق من وقت الصلاة إلا قدر فعلها صارت كرمضان، ولم يجز ¬
99 - إذا نوى الصوم، ثم أغمي عليه جميع يومه، لم يصح صومه
الاشتغال بالنفل. فافترقا (¬1). فَصْلٌ 99 - إذا نوى الصوم، ثم أغمي عليه جميع يومه، لم يصح صومه. ولو نام جميع يومه، صح صومه (¬2). والفرق: أن حكم النائم حكم المستيقظ في كثير من الأحكام، منها: صحة صلاته (¬3)، وضمانه لما يتلفه (¬4). وليس كذلك الإغماء؛ لأنه يزيل العقل، فهو كالجنون (¬5)، وكذلك استويا (¬6) في مشروعية الغسل (¬7) في حقيهما (¬8). /قلت: وفي هذا الفرق نظر، أي، قوله: حكم النائم حكم المستيقظ في [13/ب] صحة صلاته، إن قصد به النوم اليسير على حالة من أحوال الصلاة فليس نظير مسألة الفرق؛ لأن الفرض حصول النوم في جميع اليوم، وإن قصد غير ذلك فلا معنى له. ¬
100 - اذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، وقد أجزأه، إلا إذا تبين صومه قبل الشهر فلا يجزئه
وأما ضمان النائم لما يتلفه فليس من باب التكليف، بل من باب ربط الأحكم بالأسباب. والفرق الصحيح: أن الصوم عبارة عن الإمساك مع النية، قال - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي" (¬1) فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، والمغمى عليه لا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه صومه، ولأن النية أحد ركني الصوم فلم تجز وحدها، كالإمساك وحده. وليس كذلك النوم؛ لأنه عادة لا يزيل الإحساس بالكلية، ومتى أوقظ استيقظ (¬2)، فافترقا. فَصْلٌ 100 - اذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، وقد أجزأه، إلا إذا تبين صومه قبل الشهر فلا يجزئه (¬3). ولو اشتبه عليه وقت الوقوف بعرفة فوقف بالاجتهاد، فبان أنَّه وقف قبل وقت الوقوف أجزأه (¬4). والفرق: أن الصوم يمكنه أداؤه بيقين بأن يؤخره فيقع قضاء، فإذا لم يؤخر فقد فرط بتقديمه فلم يجزئه، كما لو قدر على وقته من غير اشتباه. ¬
101 - إذا نذر صوم يوم الخميس، أو الصلاة فيه لم يجزئه قبله
بخلاف الوقوف بعرفة؛ لأنه لا يمكنه أداؤه بيقين؛ لأنه لو أخر الوقوف لم يأمن الفوات، فلهذا لم تلزمه الإعادة، بخلاف الصوم (¬1). فَصْلٌ 101 - إذا نذر صوم يوم الخميس، أو الصلاة فيه لم يجزئه قبله. ولو نذر الصدقة فيه بدرهم، فتصدق به قبله أجزأه (¬2). والفرق: أن الصدقة يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها، بدليل: تعجيل الزكاة (¬3). بخلاف الصلاة والصوم، فإن الواجب فيهما لا يجوز تقديمه على وقته، فكذا منذورهما، فافترقا (¬4). ¬
102 - إذا نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة، لم يلزمه اعتكاف ليلة أول يوم منها، ولا الليالي المتخللة في وجه
باب الاعتكاف [فَصْلٌ] 102 - إذا نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة، لم يلزمه اعتكاف ليلة أول يوم منها، ولا الليالي المتخللة. في وجه (¬1). ولو عيَّن وقت الأيام، فقال: العشر الأخير من رمضان لزمه اعتكاف ذلك العشر بجميع لياليه (¬2). والفرق: أنَّه إذا أطلق الأيام انصرف نذره إلى مجرد الأيام، وهي عبارة عن بياض النهار، فلا يلزمه اعتكاف الليالي. بخلاف ما إذا عيَّن، فإنه ينصرف إلى جميع المعين من أوله إلى آخره، وأوله أول ليلة منه، بدليل ما لو قال: أنت طالق في شهر كذا طلقت في [14/أ] أول جزء من أول ليلة منه، فإذا ثبت أن هذه الليلة أول العشر لزم اعتكافها (¬3). فَصْلٌ 103 - إذا نذر اعتكاف العشر الأخير من شهر كذا، أجزأه اعتكاف ما بعد العشرين الأولين، تامًّا كان أو ناقصًا. ولو نذر عشرة أيام، فصام العشر الأخير من شهر، أجزأه إن كان الشهر ¬
تامًّا، ووجب عليه إتمام يوم العشر من الشهر الآخر إن كان ناقصًا (¬1). والفرق: أن العشر الأخير ما بعد الأولين، ناقصًا كان الشهر أو تامًا، فهو كقوله: لله علي صوم ذي الحجة، أجزأه صومه تامًا كان أو ناقصًا. بخلاف ما إذا نذر عشرة أيام، فإنه قيد النذر بذكر العدد، فلا يجزئه أقل منه، فإن كان تامًّا أجزأه، وإن كان ناقصًا أتمه من الشهر الَّذي يليه (¬2). ¬
كتاب الحج
كتاب الحج [فَصْلٌ] 104 - لا يجوز للمرأة أن تنشيء السفر للحج إلا بمحرم (¬1). وبجوز أن تهاجر بغير محرم (¬2). والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم"، فقال رجل (¬3) إني اكتتبت في غزوة كذا، وانطلقت امرأتي حاجة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انطلق فحج مع امرأتك" متفق عليه (¬4). وأما الهجرة، فالسفر فيها جائز بغير محرم بالإجماع (¬5)، وعلته: أنها تخاف على نفسها ودينها في دار الحرب وهما لا عوض لهما، فلا يجوز تضييعهما لخوف فرع من فروعهما (¬6) فافترقا. ¬
105 - ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام
فَصْلٌ 105 - ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام (¬1). وله منعها من حجة النذر. في رواية (¬2). والفرق: أن حجة الإسلام آكد؛ لأنها وجبت بإيجاب الله تعالى، فلم يكن له منعها، كالصلوات الخمس (¬3). وليس كذلك المنذورة؛ لأنها ليست من أركان الإسلام، ولا وجبت ابتداءً بالشرع، وإنما وجبت بالنذر، فلو لم يكن للزوج منعها أدى إلى دحض حقه بالكلية، لإمكان أن تنذر الحج في كل سنة، والذرائع عندنا معتبرة (¬4) (¬5). فَصْلٌ 106 - إذا أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بواحدة (¬6). ¬
107 - يصح إدخال الحج على العمرة، وهو أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم بالحج قبل الطواف
ولو أحرم بحجة وعمرة لزمتاه (¬1). والفرق: أن الحجتين والعمرتين لا يصح الإتيان بأفعالهما معًا، ولا المضي فيهما، فلم يصح الإحرام بهما، كالصلاتين (¬2). بخلاف الحج والعمرة، فإنه يصح المضي في أفعالهما معًا، كالطواف والسعي والحلاق، فافترقا (¬3). فَصْلٌ 107 - يصح إدخال الحج على العمرة، وهو أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم بالحج قبل الطواف. ولا يجوز إدخال العمرة على الحج بحالٍ. نص عليهما (¬4). والفرق: ما روي (أن عائشة - رضي الله عنهما - أهلَّت بالعمرة، ثم حاضت، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي، فقال لها: ما شأنك؟ فأخبرته، فقال: أهلِّي [14/ب] بالحج، واصنعي ما يصنع الحاج غير /أن لا تطوفي بالبيت) رواه مسلم (¬5)، فدل على جواز إدخال الحج على العمرة، وأنه يصير قارنًا، وروي أن رجلًا سأل عليًّا، فقال (إني أهللت بالحج، فهل أستطيع أن أقرن؟ قال: لا، إنما ¬
108 - يحرم على المحرم صيد البر، دون صيد البحر
ذلك لو أحرمت بالعمرة) رواه الأثرم بمعناه (¬1). ولأن إدخال العمرة على الحج لا يفيد زيادة على ما أفاده الإحرام بالحج فلم يصح، كما لو استأجره على عمل، ثم استأجره عليه مرة ثانية. بخلاف إدخال الحج عليها، فإنه يستفيد به ما لا يستفيده بالعمرة، كالوقوف والرمي. وأيضًا: فالحج أقوى، فدخل على الأضعف، بخلاف العكس (¬2)، فافترقا. فَصْلٌ 108 - يحرم على المحرم صيد البر (¬3)، دون صيد البحر (¬4). والفرق: قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} إلى قوله {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬5). فَصْلٌ 109 - إذا قتل المحرم البراغيث (¬6) لم يلزمه شيء (¬7). ¬
ولو قتل قملة تصدق بشيء (¬1). والفرق: ما روي عن عائشة - رضي الله عنهما - أنها قالت: (يقتل المحرم الهوام (¬2) كلها إلا القملة، فإنها منه) (¬3). قلت: ولم أقف على هذا الأثر في شيء من الكتب المعتمدة، والله أعلم. وأيضًا: فالبراغيث من هوام الأرض لتولدها منها. بخلاف القمل، فإنها تتولد من الإنسان، ففي قتلها رفاهية، والمحرم لا يترفه (¬4)، فافترقا. ¬
110 - يحرم على المحرم عقد النكاح
فَصْلٌ 110 - يحرم على المحرم عقد النِّكَاح (¬1). ولا يحرم شراء الاماء (¬2). والفرق: أن عقد النِّكَاح موضوع للاستمتاع، فهو من دواعيه وهي محرمة، كالقبلة، وما أشبهها. بخلاف شراء الإماء، فإنه ليس موضوعًا لذلك، بدليل: صحة شراء من يحرم عليه، فلم يحرم، كشراء المماليك (¬3). فَصْلٌ 111 - إذا قتل المحرم صيدًا بعد صيد لزمه جزاء كل واحد منهما، أخرج عن الأول أو لم يخرج. ولو كرر غيره من المحظورات، كمن تطيب، ثم تطيب، أو لبس، ثم لبس، أجزأه كفارة واحدة ما لم يكن كَفَّر عن الأول (¬4). والفرق: أن الواجب بقتل الصيد جزاء متلفٍ، لا كفارة، بدليل قوله ¬
[تعالى] {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (¬1) وبدليل: ما لو اشترك في قتل صيد جماعة، فإنه لا يلزمهم إلا جزاء واحد (¬2)، ولو كان كفارة لتعددت، كتعدد كفارة القتل على القاتلين (¬3)، وإذا كان جزاءً تعدد بتعدد المقتول، وإنما سماه الله تعالى كفارة؛ لكونه مكفرًا للذنب. وأما غير الصيد من محظورات الإحرام فإن الواجب به كفارة، بدليل: استوائها في قليل المحظور وكثيره، فلا فرق بين رطل من الطيب، ودانق (¬4)، فإذا كان كفارة، تداخل ما كان منه من جنس (¬5)، كالحدود (¬6)، والكفارات (¬7). ¬
112 - إذا قتل جماعة صيدا لزمهم جزاء واحد إن كان مالا
فَصْلٌ 112 - إذا قتل جماعة صيدًا لزمهم جزاء واحد إن كان مالًا. / وإن كان صومًا لزم كلًّا منهم صوم كامل (¬1). [15/أ] والفرق: أن الجزاء بالمال بدل، فهو كالبدل في سائر الأموال، والصوم حق على البدن، وفيه معنى العقوبة، فهو كالحد، فإنه لو قذف جماعةً حُدَّ لكل واحدٍ حدًّا كاملًا (¬2)، فافترقا. قلت: والصحيح من المذهب: أنَّه لا يلزم الجماعة إلا جزاء واحد، سواء كان صومًا أو مالًا. وأما مسألة القذف، فالصحيح: تعدد الحد إن قذفهم بكلمات، وإن قذفهم بكلمة واحدة فحد واحد (¬3). ¬
113 - لا تحرم خطبة المحرمة
فَصْلٌ 113 - لا تحرم خطبة المحرمة (¬1). وتحرم خطبة المعتدة (¬2). والفرق: أن المرجع في انقضاء العدة إلى المرأة إذا ادعت ممكنًا، فلا يؤمن إذا خطبت في عدتها أن تكذب رغبةً في الزوج؛ فلذا حرمت خطبتها (¬3). بخلاف المحرمة، فإن التحلل المبيح للنكاح ليس إليها، ولا يمكنها الكذب فيه (¬4)، فافترقا. فَصْلٌ 114 - إذا خرج في عينه شعر يؤلمه فقطعه، فلا فدية. ولو تأذى بالهوام في رأسه فحلقه، لزمته الفدية (¬5). والفرق: أن الشعر ألجأه في الأولى إلى إزالته، كما لو صال عليه صيد فقتله، فإنه لا جزاء. بخلاف الثانية، فإن إزالة الشعر ألجأه إليه التأذي بالهوام، فهو كقتل الصيد للمجاعة، وذاك يضمنه، فكذا هنا يفديه (¬6). ¬
115 - إذا حبس حلال حمامة في الحل فماتت، ومات فراخها في الحرم بحبسها ضمن الفراخ دونها
فَصْلٌ 115 - إذا حبس حلال حمامة في الحل فماتت، ومات فراخها في الحرم بحبسها ضمن الفراخ دونها (¬1). ولو حبسها في الحرم فماتوا في الحل ضمنهم (¬2). والفرق: أنَّه في الأولى أتلف الأم في الحل فلا ضمان، وأتلف فراخها بسببٍ من جهته، وهم في الحرم فضمنهم، كما لو رمى من الحل سهمًا إلى الحرم فقتل صيدًا (¬3). بخلاف الثانية، فإنه قتلها في الحرم فضمنها، وقتلُهُمْ بسببها حصل منه في الحرم فضمنهم، كما لو رمى من الحرم صيدًا في الحل فقتله (¬4). فَصْلٌ 116 - إذا قطع حلالٌ غصنًا في الحل أصله في الحرم ضمنه (¬5). ولو كان عليه صيد فقتله، لم يضمنه على الصحيح (¬6). والفرق: أن الغصن معتبر بأصله؛ لأنه إذا تلف تلف (¬7)، والأصل ¬
117 - إذا أتلف غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه
مضمون لكونه في الحرم، فتبعه الفرع (¬1). بخلاف الطائر، فإنه ليس معتبرًا بأصل الغصن، لانتفاء علة الاعتبار، فهو بجملته في الحل، فلم يُضمن، كما لو كان على أرض الحل (¬2)، فافترقا. قلت فَصْلٌ 117 - إذا أتلف غصنًا في الحل أصله في الحرم ضمنه (¬3). ولو أتلف غصنًا في الحرم أصله في الحل، لم يضمن (¬4). والفرق: أن الفرع تابع للأصل، والأصل مضمون كما تقدم. بخلاف المسألة الثانية، فإنه أتلف ما أصله في الحل، والاعتبار به، فلا ضمان (¬5)، فافترقا. فَصْلٌ [15/ ب] 118 - إذا قتل/ المحرم في الحرم (¬6) حمامًا مصوتًا، ضمنه غير مصوت (¬7) ¬
119 - إذا قبل المحرم زوجته لشهوة، لزمته شاة
ولو كان لآدمي، ضمنه بقيمته مصوتًا. والفرق: أن صيد الحرم يضمن لحق الله تعالى، والتعليم لا يُقوَّم في حقه تعالى، كما لو قتل عبدًا فقيهًا، فإنه لا يكفر إلا كفارة عبد غير فقيه. بخلاف الآدميين، فإن التعليم متقوم في حقهم، كما لو قتل بازيًا معلمًا ضمنه كذلك (¬1). فَصْلٌ 119 - إذا قبَّل المحرم زوجته لشهوةٍ، لزمته شاةٌ (¬2). ولو كان صائمًا، لم يلزمه قضاء ولا غيره (¬3). والفرق: أن التقبيل لشهوة من دواعي الجماع، وهي محرمة، فإذا ارتكبها لزمته شاة، كالتطيب (¬4). بخلاف الصوم، فإنه لا يحرم فيه دواعي الوطء، بدليل: جواز عقد ¬
120 - إذا أرسل المحل كلبه على صيد في الحل فطارده الكلب إلى الحرم، فقتله فيه، لم يضمن
النِّكَاح والتقبيل (¬1)، فقد روي عن عائشة - رضي الله عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُقبِّل وهو صائم) رواه البخاري (¬2). فَصْلٌ 120 - إذا أرسل المُحلُّ كلبه على صيد في الحل فطارده الكلب إلى الحرم، فقتله فيه، لم يضمن (¬3). ولو رمى صيدًا في الحل، فدخل السهم الحرم، فقتله، ضمن (¬4). والفرق: أن إيصال السهم إلى الحرم كان بقوته، فقد باشر القتل في الحرم، فيضمن. بخلاف إرسأل الكلب، فإن فعله لا ينسب إلى مرسله خصوصًا، ولم يتعد في إرساله، فإنه أرسله في الحل، وإذا لم يتعد فلا ضمان (¬5)، كحافر البئر يضمن إن تعدى، ولا ضمان إن لم يتعد (¬6). ¬
121 - إذا تحلل من عمرته ووطئ، ثم أحرم بالحج وكمله ووطئ، ثم ذكر أنه طاف أحد الطوافين بغير طهارة ولم يعلم أيهما
فَصْلٌ 121 - إذا تحلل من عمرته ووطئ، ثم أحرم بالحج وكمله ووطئ، ثم ذكر أنَّه طاف أحد الطوافين بغير طهارة ولم يعلم أيهما. فإن كان في حج وعمرة واجبين لم يجزئاه، وعليه فعلهما. وإن كان تطوعًا لم يلزمه قضاؤهما. ذكره القاضي في المجرد. والفرق: أنَّه يحتمل صحتهما فيجزئا، ويحتمل بطلانهما فلا يجزئا، والأصل بقاء ما في الذمة، فلا يزول بالشك. وأما في التطوع أيضًا، فيحتمل الصحة فلا قضاء، والبطلان فيجب، والأصل براءة الذمة (¬1). بيان احتمال صحتهما: أن يكون طواف العمرة بطهارة فقد صحت، وطواف الحج بغير طهارة فيعيده (¬2) الآن، فتصح حجته، وعليه دم التمتع، ودم لوطئه في الحج قبل طوافه، فعلى هذا صح منه النسكان. وبيان بطلانهما: أن يكون طواف العمرة بغير طهارة، فلا يعتد به، وقد حلق فيها فعليه دم، وقد وطئ قبل التحلل فأفسدها فعليه دم، ثم قد أحرم بالحج على عمرة فاسدة فلم ينعقد، وإنما هو ماض في عمرة فاسدة، فسقط وقوفه وتوابعه من أفعال الحج، ويقع طوافه وسعيه له عنها، ويتحلل منها، فعلى هذا قد أفسد العمرة، وعليه دم الحلق فيها (¬3)، ودم لإفسادها، وعليه ¬
[16/أ] قضاؤها، ويبقى الحج كأنه لم يوجد / إحرامه به. فعلى هذا قد فسد حجه وعمرته، وعليه وإن: هما شاتان بكل حال؛ لأنه لا ينفك من وجوبهما عليه؛ لأنه إن كان طواف العمرة بغير طهارة، فعليه دم الحلاق فيها، ودم لفسادها. وإن كان طواف الحج بغير طهارة فعليه دم التمتع، ودم الوطء في الحج قبل طوافه، فقد اتضح بما ذكرناه الفرق بينهما (¬1). ¬
122 - قد تقدم: أنه إذا ذكر أنه طاف لأحد النسكين غير طاهر لم يجزئاه عن الفرض، وعليه القضاء
فَصْلٌ 122 - قد تقدم: أنَّه إذا ذكر أنَّه طاف لأحد النسكين غير طاهر لم يجزئاه عن الفرض، وعليه القضاء (¬1). ولو فرغ من أحد النسكين، ثم شك هل طاف فيه أم لا؟ أجزأه (¬2). والفرق: أنَّه يحكم بصحة النسك إذا فرغ منه، فلا تزول الصحة بالشك، كما لو شك بعد الوضوء، هل أخلَّ بشيء من أعضائه؟ بخلاف المسألة الأولى، فإنه قد تيقن بطلان أحد الطوافين، فلزمه أشد الأمرين، كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، فإنه يلزمه خمس صلوات (¬3). فَصْلٌ 123 - إذا حج عن نفسه، ثم أراد أن يعتمر عن غيره، أو حج عن غيره ثم أراد أن يعتمر عن نفسه، لزمه أن يحرم بالعمرة من الميقات، فإن أحرم بها من أدنى الحل فعليه دم، ومتى كان النسكان عن اثنين، لزمه أن يحرم بالثاني حجًا كان أو عمرة من الميقات. نص عليه (¬4)، فإن أحرم بالحج من مكة، أو بالعمرة من أدنى الحل، فعليه دم (¬5). ¬
ومتى كان النسكان عن واحدٍ مثل: إن حج أو اعتمر عن نفسه، فإنه يجوز أن يعتمر بعد ذلك عن نفسه مرارًا من أدنى الحل، ولا دم عليه (¬1). والفرق: أنَّه يجب الإحرام من المواقيت المشروعة، فمتى أحرم دونها لزمه دم، فإذا كان النسكان عن واحد فأحرم بالأول من الميقات حجًا كان أو عمرة، فالنسك الآتي بعده تبع له (¬2). بخلاف ما إذا كان لاثنين، فإن الإحرام بالأول من ميقاته يحصل لصاحبه النسك، فلو جوز أن يفعل نسكًا آخر عن غيره من غير الميقات المشروع في حق الثاني أدى إلى الإحرام دون الميقات، وذلك لا يجوز، فإذا خالف لزمه دم (¬3)، فظهر الفرق. ¬
124 - إذا أحرم مطلقا ثم عين تمتعا، أو إفرادا أو قرانا جاز
فَصْلٌ 124 - إذا أحرم مطلقًا ثم عين تمتعًا، أو إفرادًا أو قرانًا (¬1) جاز (¬2). ولو أحرم بصلاةٍ أو صومٍ ولم يعيِّن ما أحرم به لم يجز (¬3). والفرق: أن الحج والعمرة ليس من شرط صحة الإحرام بهما التعيين، بدليل: ما روي عن علي وأبي موسى - رضي الله عنها -: (أنهما لما قدما من اليمن محرمين قالا: إهلالٌ كإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقرهما) رواه مسلم (¬4) من حديث علي - رضي الله عنه -، وبدليل جواز فسخ الحج (¬5) إلى العمرة للقارن والمفرد إذا لم يقفا بعرفة، ولا ساقا هديًا، فإذا جاز صرف الإحرام/ المعين إلى غيره، فصرف [16/ب] الإحرام المطلق أولى. بخلاف الصلاة والصوم؛ لأن من شرط صحة الإحرام بهما التعيين، وهذا هو الأصل، ولولا ما ورد في الحج لكان كذا (¬6). ¬
125 - إذا أحرم مبهما صرفه إلى أي الأنساك شاء إن كان في أشهر الحج، وإلا انعقد بعمرة
فَصْلٌ 125 - إذا أحرم مبهمًا صرفه إلى أي الأنساك شاء إن كان في أشهر الحج، وإلا انعقد بعمرة (¬1). والفرق: أن الإحرام بالحج في غير أشهره مكروه (¬2)، فلم ينصرف إليه، وانصرف إلى العمرة؛ لأنها لا تكره في وقت من السنة (¬3). فَصْلٌ 126 - الطهارة شرط في حجة الطواف (¬4). ولا تشترط في السعي، ولا تجب (¬5). والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه النطق، ¬
127 - إحرام الصبي بالصلاة ينعقد بغير إذن وليه
فمن نطق فلا ينطق إلا بخير" رواه الترمذي (¬1). ولأنها عبادة تتعلق بالكعبة، فتجب لها الطهارة، فكانت شرطًا فيها، كالصلاة (¬2). بخلاف السعي، فإنه قد روي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة - رضي الله عنهما - "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " مختصر رواه مسلم (¬3). ولأنه لا يتعلق بالبيت، فلم تشترط له الطهارة، كالوقوف (¬4). فَصْلٌ 127 - إحرام الصبي بالصلاة ينعقد بغير إذن وليه (¬5) ¬
128 - إذا أفسد العبد حجه بالوطء، ثم عتق قبل فوات الوقوف، أجزأه قضاؤه من قابل عن حجة الإسلام
ولا ينعقد بالحج إلا بإذنه (¬1). والفرق: أن الحج عبادة تتضمن المال، فافتقرت إلى إذنه، كالنكاح (¬2). بخلاف الصلاة، فإنها بدنية محضة، فلم تفتقر إليه، كالصيام (¬3). فَصْلٌ 128 - إذا أفسد العبد حجه بالوطء، ثم عتق قبل فوات الوقوف، أجزأه قضاؤه من قابل عن حجة الإسلام. ولو كان ذلك بعد فوات الوقوف لزمه قضاؤها، وحجة الإسلام. والفرق: أنَّه في الأولى لولا الفساد لأجزأت تلك الحجة عن حجة الإسلام، لإمكان الوقوف، فكأنه أفسد حجة الإسلام، فيجزئه القضاء عنها. بخلاف الثانية، فإنها لو سلمت من الفساد لم تجزئه لعدم إمكان الوقوف فيكون القضاء عنها، ويجب عليه حجة الإسلام مقدمة على القضاء، لكونها وجبت بأصل الشرع، والقضاء وجب بسبب من جهته (¬4). قلت: ولو قيل بتقديم القضاء (¬5) لم يكن بعيدًا؛ لسبق وجوبه. وكذا حكم الصبي إذا أفسد حجه، ثم بلغ (¬6)، ذكره القاضي في المجرد. ¬
129 - إذا استنيب في حجة عن غيره، فبدأ فاعتمر عن نفسه، ثم حج عن الغير ضمن جميع ما أنفق؛ لأنه صرف سفره إلى نسك عن نفسه، فإن كان المنوب [عنه] ميتا وقعت الحجة عنه، وإن كان حيا وقعت عن النائب
فَصْلٌ 129 - إذا استنيب في حجةٍ عن غيره، فبدأ فاعتمر عن نفسه، ثم حج عن الغير ضمن جميع ما أنفق؛ لأنه صرف سفره إلى نسك عن نفسه، فإن كان المنوب [عنه] (¬1) ميتًا وقعت الحجة عنه، وإن كان حيًا وقعت عن النائب. والفرق: أن الميت إذا عزي إليه عبادة وقعت عنه، أذن فيها أو لم يأذن؛ لأنه معدوم الإذن، عاجزٌ عن اكتساب الثواب، فيصير كالمهدى إليه ثوابًا. بخلاف الحي، فإن له إذنًا وقدرةً على / كسب الأجر، ولم يوجد منه [17/أ] إذن في ذلك، والأول بطل بالمخالفة، فافترقا (¬2). فَصْلٌ 130 - اذا أتلف صيدًا ماخضًا (¬3) ضمنه بمثله، ولا يخرجه، بل يقومه ماخضًا، ثم يشتري بالقيمة طعامًا يتصدق به (¬4). ذكره في المجرد. ¬
131 - اذا أتلف الذمي صيدا في الحرم ضمن
ولو تبرع رب المال بإخراج الماخض (¬1)، كان أفضل من الحائل (¬2). والفرق: أن المقصود في جزاء الصيد اللحم، والحمل ينقصة (¬3). بخلاف الزكاة، فإن المقصود فيها الدَّر والنسل، بدليل: إخراج الأنثى، والماخض أقرب إلى هذا المقصود (¬4)، فافترقا. فَصْلٌ 131 - اذا أتلف الذمي صيدًا في الحرم ضمن (¬5). ولو أتلفه في الاحرام لم يضمنه (¬6). والفرق: أن صيد الحرم يضمن لحرمته، وحرمته بالنسبة إلى الذمي كالمسلم (¬7). بخلاف إتلافه إياه في الإحرام، فإنه إنما يضمن لأجل الإحرام، وإحرام الذمي لا يصح، فلم يوجد سبب الضمان في حقه (¬8)، فافترقا. ¬
132 - اذا أحصر المحرم بعدو تحلل
فَصْلٌ 132 - اذا أحصر المحرم بعدو تحلل (¬1). ولو أحصر بمرض لم يتحلل، إلا إذا اشترط في احرامه (¬2). والفرق: قوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} (¬3) وحكي عن أبي عبيد (¬4) وثعلب (¬5) أن الإحصار في العدو، والحصر في المرض (¬6)، وروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: (لا إحصار إلا من عدو) رواه الإمام الشافعي (¬7)، وعن ابن ¬
عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان (¬1) أنهم قالوا في من مرض ببعض الطريق: (يتداوى، فإذا صح تحلل بعمرة، وقضى من قابل) رواه مالك في الموطأ (¬2)، ثم قرينة مقابلة الإحصار بالأمن دليلٌ على أن المراد حصر العدو (¬3)، فأما المرض فيقابل بالشفاء، ثم ذكر المرض بعد ذلك بقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} (¬4) دليل على أن المراد بالأول العدو، ثم في مخاطبة الجماعة بالإحصار دليل على كونه من العدو؛ لأن المرض لا يحصل لمثل ذلك الجمع دفعةً، ولأن المحصر بعدوٍ يستفيد بالتحلل الرجوع إلى أهله، والخلاص بالكلية؛ لأنه لو ألزم الإقامة مع تعرضه لهجوم العدو كان عليه من الضرر ما لا خفاء به، وفي التحلل والرجوع إلى أهله والتصرف في جهات الدنيا تخليص من ذلك، فلهذا جاز له التحلل. بخلاف المحصور بالمرض؛ لأنه لا يستفيد بالتحلل شيئًا؛ لأنه إن قال: أستفيد الرجوع إلى أهلي، فحركته في رجوعه إلى أهله كالمضي إلى مكة وإن قال: أقيم، فسواء الإحرام والتحلل؛ لأن مرضه لا يزول بالتحلل (¬5). فإن قيل: يستفيد به لبس المخيط والطيب، قلنا: يباح للحاجة، وأكثر ما فيه لزوم الفدية، وذلك لا يبيح التحلل، فظهر الفرق بينهما. ¬
كتاب البيع
كتاب البيع [فَصْلٌ] 133 - إذا قال: بعتك هذه الصبرة (¬1) كل قفيز (¬2) بدرهم، على أن أنقصك / [17/ب] قفيزًا، وهما يعلمان كيلها صح (¬3). ولو قال: على أن أزيدك قفيزًا لم يصح (¬4). والفرق: أن القفيز في الأولى ينقص من الصبرة، والباقي بعده معلوم فصح، كما لو باعه من غير هذا الشرط. بخلاف الثانية، فإن القفيز المزيد غير معلوم العين ولا الصفة، فكأنه قال: بعتك هذه الصبرة وقفيزًا آخر من حنطة في بيتي، وذلك لا يصح (¬5). فَصْلٌ 134 - إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، على أن أنقصك قفيزًا، وهما يعلمان قفزانها، فالبيع صحيح، وإن جهلاها لم يصح. ¬
135 - إذا باعه قفيزا من صبرة مجهولة الكيل صح
والفرق: أنَّه مع العلم بقفزانها يكون المبيع معلومًا. بخلاف ما إذا جهلا، فإن القفيز المنقوص يأخذ من كل قفيز قسطًا، فإذا لم يعلما قفزانها لم يعلما قسط كل قفيز من القفيز [المنقوص] (¬1)، فكأنه قال: بعتكها كل قفيز بدرهم إلا شيئًا، وذلك لا يصح (¬2). فَصْلٌ 135 - إذا باعه قفيزًا من صبرةٍ مجهولة الكيل صح (¬3). ولو باعه إياها إلا قفيزًا لم يصح (¬4). والفرق: أن المبيع في الأولى معلوم المقدار فصح، كما لو كان منفردًا (¬5). بخلاف الثانية، فإن الصبرة المجهولة الكيل إنما جوَّز بيعها المشاهدة، واستثناء القفيز منها يغير حكم المشاهدة، فلم يصح (¬6)، فتفارقا. فَصْلٌ 136 - إذا باعه صبرة يجهلان كيلها صح (¬7). ¬
137 - إذا باعه صبرة يجهلان كيلها، واستثنى منها جزءا مشاعا، كالثلث ونحوه صح
ولو باعه صبرة يجهلان كيلها، ويعلمان أنها تزيد على قفيز، واستثنى قفيزًا لم يصح (¬1). والفرق: ما تقدم قبله. فَصْلٌ 137 - إذا باعه صبرة يجهلان كيلها، واستثنى منها جزءًا مشاعًا، كالثلث ونحوه صح (¬2). ولو استثنى منها مقدارًا معلومًا لم يصح (¬3). والفرق: أن المستثنى إذا كان جزءًا مشاعًا كان الباقي بعده معلومًا بالأجزاء، فكأنه قال: بعتك ثلثيها، وذلك جائز (¬4). بخلاف المقدار المعلوم من الشيء المجهول، فإنه يصير الباقي بعده غير معلوم بالمقدار، ولا بالمشاهدة، فلم يصح (¬5). فَصْلٌ 138 - إذا باعه الصبرة واستثنى منها قفيزًا معلومًا، وهما يجهلان كيلها لم يصح (¬6)، ولو علماه صح (¬7). ¬
139 - إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، صح
والفرق: ما تقدم قبل (¬1). فَصْلٌ 139 - إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، صح. ولو قال: منها، لم يصح (¬2). والفرق: أن المبيع في الأولى معلوم بالمشاهدة، وجهالة مبلغ الثمن في الحال تنتفي بتفصيل جملة الصبرة من غير ضرر يلحقها فصح، كما لو كانا يعلمان مبلغها. وليس كذا إذا قال: منها؛ لأن (من) تبعض، والتبعض مجهول، فلم يصح، كما لو قال: بعتك بعضها (¬3). فَصْلٌ 140 - إذا قال: بعتك جاريتي فلانة، ولم يرها ولم توصف له، لم يصح. ولو قال: زوجتك جاريتي، ولم يرها ولا وصفت له، صح. والفرق: أن المقصود في البيع المالية والربح، ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة برؤية أو صفة. بخلاف النِّكَاح، فإن المقصود فيه المنافع والحل، وذلك لا تحصله [18/أ] الرؤية لجواز كونها حسنة المنظر، قبيحة المخبر، وليس المقصود/ المالية، فظهر الفرق (¬4). ¬
141 - إذا قال: بعتك عبدي بكذا، ولم يعرفه المشتري برؤية، ولا صفة، لم يصح
فَصْلٌ 141 - إذا قال: بعتك عبدي بكذا، ولم يعرفه المشتري برؤية، ولا صفة، لم يصح (¬1). ولو قال أعتقت عبدي أو عبدًا لي، ولم يسمِّه، ولا وصفه، عتق (¬2). والفرق: أن الأولى بيع مجهول، فلم يصح. والثانية عتق مجهول، وهو صحيح (¬3)، إذ باب العتق أوسع؛ لأن البيع معاوضة، والعتق إسقاط، والعتق - أيضًا - مبني على التغليب والسراية، والشارع متشوف إليه، فافترقا. فَصْلٌ 142 - إذا باعه قفيزًا من صبرة يجهلان قفزانها صح (¬4). ولو باعه جريبًا (¬5) من ضيعة يجهلان جربانها، لم يصح (¬6). والفرق: أن الصبرة متساوية الأجزاء، فمن أيها شاء أقبضه، فلا يفضي إلى تنازع. ¬
143 - إذا باعه جريبا من ضيعة يعلمان مبلغ جربانها صح
بخلاف الضيعة، فإن أجزاءها مختلفة، فيفضي إلى التنازع، مع كون المبيع مجهول الصفة حال العقد (¬1). فَصْلٌ 143 - إذا باعه جريبًا من ضيعة يعلمان مبلغ جربانها صح (¬2). ولو باعه شاةً من قطيع يعلمان عدده لم يصح (¬3). والفرق: أن الجريب من جربان معلومة، فإن عيَّنا موضعه وإلا فهو شائع، فإذا كانت عشرة كان عشرها، فكأنه باعه العشر. وليس كذلك الشاة من القطيع؛ لأن الشاة لا يمكن شياعها، فيكون المقصود واحدة غير معينة، فيكون المبيع مجهولًا؛ فلم يصح لذلك (¬4)، فافترقا. فَصْلٌ 144 - إذا قال: بعتك نصف داري مما يلي دارك لم يصح. ولو باعه النصف وأطلق صح. والفرق: ما ذكره الإمام أحمد (¬5) - رضي الله عنه -: أنَّه في الأولى لا يدري النصف عند العقد إلى أين ينتهي من الدار. بخلاف ما إذا قال: بعتك نصفها، فإنه يقع مشاعًا (¬6). ¬
145 - قال القاضي في المجرد: وكذا إذا باعه من الدار عشرة من هنا إلى حيث ينتهي الذرع، فإنه لا يصح
فَصْلٌ 145 - قال القاضي في المجرد: وكذا إذا باعه من الدار عشرة من هنا إلى حيث ينتهي الذرع، فإنه لا يصح. بخلاف ما إذا عين الانتهاء، فإنه يصح (¬1). والفرق: ما تقدم (¬2). فَصْلٌ 146 - إذا باعه مائة شاةٍ بمائة شاةٍ إلا شاةً لم يصح. ولو عين المستثناة صح. نص عليهما (¬3). والفرق: أنَّه إذا عين كان المبيع والمستثنى معلومين فصح. بخلاف ما إذا لم يعين، فإنهما يصيران مجهولين (¬4). فَصْلٌ 147 - إذا باعه ثمرة بأربعة آلاف إلا بقدر ألف صح. ولو قال: إلا ما يساوي ألفًا لم يصح، ذكره في المجرد. والفرق: أن قوله: إلا بقدر ألف يعني: إلا ربعها؛ لأنه باعه بأربعة آلاف، فبقدر ألف ربعها. ¬
148 - إذا باعه الأصل دون الثمرة، فسقيها على مالكها
بخلاف الثانية، فإن ما يساوي الألف قد يكون نصفها أو ثلثها أو كلها، فهو مجهول (¬1)، فافترقا. فَصْلٌ 148 - إذا باعه الأصل دون الثمرة، فسقيها على مالكها. ولو باعه الثمرة دون الأصل، لزم البائع سقيها، دون مالكها (¬2). والفرق: أن بائع الثمرة يلزمه تسليمها على الكمال، والسقي يكملها فلزمه؛ لأنه من تمام الإقباض. [18/ب] /بخلاف مشتري الأصول؛ لأنه لا يلزمه إقباض الثمرة؛ لأنها وقعت مستثناة للبائع (¬3). فَصْلٌ 149 - اذا باعه رطبةً (¬4) بشرط القطع، فأجرته على المشتري. ¬
150 - إذا باعه جارية واستثنى حملها، بطل البيع والاستثناء
ولو باعه مكيلًا أو موزونًا، فأجرة الكيل والوزن على البائع. والفرق: أن التسليم واجب على البائع، ولا يحصل إلا بكيل المبيع ووزنه. بخلاف بيع الرطبة، فإن تسليمها حصل، بدليل: ما لو تلف قبل القطع كان من [ضمان] (¬1) المشتري، فظهر الفرق (¬2). فَصْلٌ 150 - إذا باعه جارية واستثنى حملها، بطل البيع والاستثناء (¬3). ولو أعتقها إلا حملها، صح العتق والاستثناء (¬4). والفرق: أن العقد على الأم يقتضي دخول حملها، وإفراد الحمل بالبيع لا يصح، فكذا استئناؤه (¬5). بخلاف العتق، فإنه يصح إفراده بالعتق، فصح استثناؤه، كالمنفصل (¬6). فَصْلٌ 151 - إذا باع حيوانًا مأكولًا، واستثنى رأسه وأطرافه، جاز. ولو استثنى الشحم المغيَّب، لم يصح (¬7). والفرق: أن في الأطراف قد حصل علم المستثنى والمستثنى منه ¬
152 - إذا باع شاة على أنها حامل لم يصح
فصح، كما لو باع ثلاث شياه، واستثنى منها شاة معينة (¬1)، ودل على صحته في الأطراف: ما روي عن علي - رضي الله عنه - أنَّه قضى في رجل باع ناقة وشرط ثنياها (¬2)، قال: (اذهبوا إلى السوق، فإذا بلغت أقصى ثمنها، فأعطوه بحساب ثنياها) رواه الإمام أحمد (¬3) - رضي الله عنه -. وأما الشحم المغيَّب في بطنه فهو مجهول، فلم يصح، كما لو باع قطيعًا إلا شاة غير معينة (¬4)، فظهر الفرق. فَصْلٌ 152 - إذا باع شاة على أنها حامل لم يصح (¬5). ولو باع أمة بهذا الشرط صح (¬6). والفرق: أن الحمل زيادة في الشاة، والغالب سلامتها فيه، فشرطه في العقد يصيره معقودًا عليه، وبيع الحمل في البطن لا يصح لجهالته، ويبطل في الأم أيضًا؛ لأن الصفقة جمعت معلومًا ومجهولًا، فبطل فيهما. بخلاف الأمة، فإن حملها عيب؛ لأن تلف الحاملات من الآدميات ¬
153 - يجوز بيع المدبر
يكثر، فإذا شرط في البيع كان كالبراءة من العيب، فكأنه باعها على ما فيها من العيب فصح، كما لو باعها عوراء أو عرجاء (¬1). فَصْلٌ 153 - يجوز بيع المدبر (¬2). ولا يجوز بيع أم الولد (¬3). والفرق: أن التدبير إيصاء للمدبر برقبته، بدليل: اعتباره من الثلث، وتنجزه بالموت، فهو جائز، فبيعه كالرجوع في الوصية. بخلاف أم الولد، فإن سبب عتقها لازم، بدليل: أنَّه لا يصح الرجوع عنه، وهو من رأس المال (¬4). فَصْلٌ 154 - يجوز بيع الجاني مطلقًا (¬5). ولا يجوز بيع المرهون (¬6). والفرق: من أربعة أوجه: أحدها: أن الحق المتعلق برقبة الجاني غير مستقر، بدليل: ¬
أنَّه يسقط إذا فداه سيده، فلم يمنع البيع، كما لو باع مالًا وجبت فيه [19/أ] الزكاة فإنه يجوز؛ لأن المالك يملك إسقاط الحق /منه بدفع الزكاة من غيره، فكذا هذا. بخلاف المرهون، فإن الحق مستقر في رقبته، بدليل: أن الراهن لا يملك إسقاط الحق منه مع بقاء الدين (¬1)، قاله القاضي في المجرد. [والذي] (¬2) نص عليه أبو عبد الله السامري: بأن الجناية الموجبة للقصاص في النفس مقررة للحق في رقبته، بحيث لا يملك سيده إسقاطه بضمانه الدية، ومع ذلك يصح بيعه. الثاني: أن الأرش تعلق برقبة الجاني بغير فعل السيد، فلا يكون السيد ببيعه معترضًا على تصرف سبق منه. بخلاف المرهون، فإن الراهن عقد الرهن عليه باختياره، فإذا باعه فقد اعترض ببيعه على عقد لازم سبق منه لا خيار له فيه، والمالك إذا عقد على عيني عقدين متناقضين، أولهما لازم، والثاني باطل، كما لو باع ثم باع، فالثاني باطل، كذا هنا. الثالث: أن معنى تعلق حق المجني عليه برقبة الجاني انحصار حقه في رقبته، ولا يتعدى إلى ذمة السيد وأمواله، سواء وَفَّت رقبته أو لم تف، ولا يملك المجني عليه حبسه، فإذا تلفت رقبته بغير فعل سيده سقط الحق المتعلق بها، وهذا التعلق لا يوجب زوال ملك مالكه عنه، ولا يوجب حجرًا عليه فيه، بدليل: صحة هبته، وإجارته، وعتقه حتَّى عن الواجب. نص عليه (¬3)، فإذا لم يكن محجورًا عليه فيه، وتسليمه ممكن، فيصح بيعه. ¬
155 - إذا تبايعا عينا غائبة بالصفة، فوجدها المشتري على غير الصفة فله الخيار، لا المطالبة بعين بدلها على تلك الصفة
بخلاف المرهون، فإن المرتهن يملك حبسه، وذلك يوجب الحجر على راهنه فيه، ولذلك لا ينفذ تصرفه فيه بهبة، ولا إجارة، ولا وقف، ولا إعارة، فلم يجز بيعه، كالمحجور عليه لسفه أو فلس. قاله والدي، قبله السامري (¬1) رحمه الله. قلت: الرابع، وهو الَّذي انقدح لي: أن الرهن في الأصل إنما شرع وثيقة للمرتهن على دينه، حيث لم يرض بذمة المدين وحدها، وذلك يوجب حبس العين المرهونة عنده، وعدم جواز تصرف الراهن فيها، إذ لو جُوِّز تصرفه فيها بما يخرجها عن الحبس لبطلت فائدة التوثقة؛ فلهذا لم يجز بيع المرهون. وهذا بخلاف العبد الجاني، فإن التصرف فيه لا يفوت حق المجني عليه بإمكان استيفاء موجب الجناية، مع انتقاله من مالكه الأول إلى غيره، وذلك لأن وجوب ما أوجبته الجناية في رقبة الجاني كان بإيجاب الشرع، فسواء بقي الجاني على ملك من جنى، وهو في ملكه، أو انتقل عنه. ولا كذلك تسلط المرتهن على العين؛ لأنه إنما تسلط عليها، وملك حبسها بتسليط الراهن، فلو جوز بيعها جاز تسلط الراهن؛ لانتقالها عنه/، [19/ب] فيزول تسليطه للمرتهن، فيفوت حقه، فافترقا. فَصْلٌ 155 - إذا تبايعا عينًا غائبة بالصفة، فوجدها المشتري على غير الصفة فله الخيار، لا المطالبة بعين بدلها على تلك الصفة (¬2). ¬
156 - إذا اشترى جارية لم يجز له وطؤها، حتى يستبرئها
ولو أسلم (¬1) إليه في شيء فوجده على غير الصفة، طالبه ببدل على تلك الصفة (¬2). والفرق: أن بيوع الأعيان تتعلق بنفس المعين. والسلم يتعلق بما ثبت في الذمة، فإذا دفع إليه شيئًا على غير الصفة، فهو غير ما وقع العقد عليه، فيطالبه بما وقع العقد عليه (¬3)، فافترقا. فَصْلٌ 156 - إذا اشترى جارية لم يجز له وطؤها، حتَّى يستبرئها (¬4). ولو تزوجها جاز وطؤها قبل الاستبراء (¬5). والفرق: أن الحكم بصحة نكاحها حكم ببراءة رحمها، كالحرة. بخلاف الشراء، فإن الحكم بصحته لا يقتضي البراءة؛ لأن الحَبَل لا ينافي الشراء، فيجب استبراؤها، ليعلم براءة رحمها (¬6). ¬
157 - إذا اشترى من إنسان دارا، وهي في يد ثالث، فادعاها لنفسه، ولم يقم البائع بينة بها، ففسخ القاضي العقد، ورد الثمن على المشتري، ثم ملك المشتري الدار بهبة أو ميراث، أو صدقة أو غيره، لم يلزمه تسليمها إلى بائعها
فَصْلٌ 157 - إذا اشترى من إنسانٍ دارًا، وهي في يد ثالث، فادعاها لنفسه، ولم يقم البائع بينةً بها، ففسخ القاضي العقد، وردَّ الثمن على المشتري، ثم ملك المشتري الدار بهبةٍ أو ميراثٍ، أو صدقةٍ أو غيره، لم يلزمه تسليمها إلى بائعها. ولو أقرَّ له بملك الدار صريحًا واشتراها منه، ثم فسخ البيع لتأخر التسليم، ثم ملكها المشتري، لزمه تسليمها إلى بائعها (¬1). والفرق: أن دخوله مع البائع يتضمن الإقرار له بملكها معنى لا تصريحًا، وللقاضي ولاية في فسخ العقود، فلما فسخ البيع انفسخ الإقرار الَّذي كان في ضمنه، وصار ذلك بمنزلة ما لو باع مريضٌ عبدًا لا يملك غيره، قيمته ألفٌ بمائةٍ، فيكون المريض محابيًا (¬2) للمشتري بتسعمائةٍ، وموصيًا له بها، فيقال للمشتري: زد في الثمن بمقدار ثلثي المحاباة، وإلا فسخ العقد، فإن لم يزد وفسخ العقد، فإنه ينفسخ ما في ضمنه من المحاباة والوصية، ولا يكون للمشتري شيء لهذا المعنى، كذا ما نحن فيه. بخلاف ما إذا أقرَّ المشتري صريحًا: بأن الدار ملك البائع؛ لأنه أفرد إقراره، وليس للقاضي ولاية إبطال الإقرارات، ثم هو بدخوله معه العقد مقرٌ ضمنًا، فإذا انفسخ العقد انفسخ ما في ضمنه، وثبت إقراره الصريح لا معارض له، كما لو أفرد الوصية عن المحاباة في المسألة المتقدمة، فإنه لو انفسخت المحاباة لم تنفسخ الوصية، فكذا هنا، فتفارقا (¬3). ¬
158 - اذا اشترى دارا فاستحقت، رجع على البائع بالدرك
فَصْلٌ 158 - اذا اشترى دارًا فاستُحِقَّت، رجعَ على البائع بالدَّرَك (¬1). ولو أقرَّ أن الدار للبائع، ثم استُحِقَّت، لم يرجع عليه بشيء. ذكره القاضي في كتاب الإقرار من المجرد. والفرق: نحو ما تقدم في الفصل قبله: من أن دخوله معه في العقد [20/أ] إقرار له بالملك ضمنًا، فلا ينبني /عليه ما ينبني على الإقرار الصريح، والأصول فرقت بين الإقرارين، بدليل: جواز الإقرار لوارث في مرض الموت، وجوازه بوارث (¬2)، مع أنَّه تضمن الإقرار بالمال، وتعليله ما تقدم (¬3). فَصْلٌ 159 - إذا اشترى ما لم يره وصححناه، ثبت له خيار الرؤية، فلو أجازه قبلها، لم يسقط خياره. ولو فسخ قبلها، انفسخ (¬4). والفرق: أن إجازة البيع عبارة عن الرضا بالمقعود عليه، والرضا لا يمنع ثبوت الخيار مع عدم الرؤية، بدليل: أن نفس العقد يدل على الرضا، فلم يمتنع الخيار. ¬
160 - إذا قال: بعتكه بمائة دينار إلا درهما، أو بمائة درهم إلا دينارا لم يصح
بخلاف الفسخ؛ لأن الفسح يدل على عدم الرضا، وعدم الرضا عند العقد [يمنع] (¬1) لزوم حكمه، كما لو أكره على البيع، فوجوده بعده عند ثبوت الخيار يمنع لزومه، كتلف المبيع قبل التسليم (¬2). فصل 160 - إذا قال: بعتكه بمائة دينار (¬3) إلا درهمًا (¬4)، أو بمائة درهم إلا دينارًا لم يصح (¬5). ولو استثنى الدينار من الدنانير، والدراهم من الدراهم صح (¬6). والفرق: أن المستثنى من جنس الثمن يكون الباقي معلومًا بعده بالأجزاء، فيصير كقوله: بعتك بتسعةٍ وتسعين (¬7). بخلاف غير الجنس، فإن سقوطه بالقيمة، فيسقط من الدراهم بقيمة الدينار، وذلك مجهول حال العقد (¬8). ¬
161 - إذا تشاح المشتري والبائع في تسليم الثمن والمثمن، فإن كان الثمن عينا، نصب عدد يقبض منهم، ثم يقبضهما
فصل 161 - إذا تشاح المشتري والبائع في تسليم الثمن والمثمن، فإن كان الثمن عينًا، نصب عددٌ يقبض منهم، ثم يقبضهما. وإن كان في الذمة حالًا، أجبر البائع على تسليم المبيع، ثم المشتري على تسليم الثمن (¬1). والفرق: أن كل واحد منهما في المسألة الأولى قد تعلق حقه بالعين، فلا مزية لواحد على الآخر، فلذلك لم يجبر أحدهما على التسليم قبل الآخر. بخلاف ما إذا كان الثمن في الذمة، فإن حق المشتري تعلق بالعين، وحق البائع بالذمة، فقدم الحق المتعلق بالعين لقوته، كما يقدم حق المرتهن على باقي الغرماء (¬2). فصل 162 - إذا اشترى أمة شراءً فاسدًا، ثم وطئها لزمه مهر المثل لبائعها. ولو وطئ أمة بأذن سيدها لم يلزمه شيء (¬3). والفرق: أن البائع في الأولى أذن للمشتري في وطء ما ملكه عنه، فوطئ معتقدًا أن وطئه في ملكه، فبان في غير ملكه، فكأنه وطئ أمة أخرى للبائع بغير أمره، فلزمه المهر. ¬
163 - إذا باعه صبرة لم يره باطنها صح
بخلاف ما إذا أذن سيدها في وطئها، فإنه أسقط حقه بالإذن؛ فلذلك لم يجب مهر (¬1). فصل 163 - إذا باعه صبرة لم يره باطنها صح (¬2). ولو باعه ثوبًا لم يره باطنه لم يصح (¬3). والفرق: أن الصبرة من ذوات الأمثال، فيدل الحال على أن باطنها كظاهرها, ولهذا يتبايع الناس كثيرًا ما هو من ذوات الأمثال برؤية أنموذجٍ (¬4) منه يسيرٍ؛ لأن الظاهر أنه لا يختلف، فيصح البيع بحكم الظاهر، فإذا ظهر عيب كان له الخيار (¬5). / بخلاف الثوب، فإنه ليس من ذوات الأمثال، ولا يدل الحال على أن [20/ب] ¬
164 - إذا دخل الماء أرض إنسان، وفيه سمك، فنصب الماء وبقي السمك، لم يملكه صاحب الأرض إلا بأخذه
باطنه كظاهره؛ لأنه يختلف غالبًا، فيكون وجه الثوب أجود من باقيه، فلذلك لم يصح (¬1). وفرق القاضي في المجرد: بأن الصبرة يَشُق باطنها، بخلاف الثوب (¬2). فصل 164 - إذا دخل الماء أرض إنسانٍ، وفيه سمك، فنصّب الماء وبقي السمك، لم يملكه صاحب الأرض إلا بأخذه. ولو كان له بركة لصيد السمك، فاحتبس فيها سمك، ملكه بذلك (¬3). والفرق: أن البركة المعدة لصيد السمك آلة للصيد، فهي كالشبكة، والشِّصِّ (¬4)، والفَخِّ (¬5)، فيملك ما يقع فيها. بخلاف الأرض غير المعدة للصيد، فإنها ليست آلة، فلا يملك ما يدخلها إلا بأخذه، كما لو عشش فيها طائر (¬6). فصل 165 - إذا اشترى غلامًا صانعًا فنسي صنعته، ثم وجد به عيبًا فله رده، ولا يلزمه أن يرد معه شيئًا لأجل نسيان الصنعة (¬7) .............................. ¬
166 - إذا باع شيئا واشترط نفعه، كسكنى الدار سنة ونحوه صح
نقله مهنا (¬1). ولو ذهب بعض حواسه أو أجزائه، وأجزنا له الرد (¬2)، فإنه يلزمه أن يرد معه أرش العيب الحادث عنده (¬3). والفرق: أن نقصان الصنعة نقص قيمة لا عين، فهو كنقص الأسعار. بخلاف نقص جزء منه، فإنه نقص في العين، يمنع الرد من غير ضمان التالف (¬4). فصل 166 - إذا باع شيئًا واشترط نفعه، كسكنى الدار سنة ونحوه صحَّ (¬5) ¬
وإن اشترط نفع البائع (¬1) كجز الرطبة لم يصح. في رواية اختارها الخرقي (¬2). والفرق: أن اشتراط منفعة المبيع استثناء بعض المبيع، وذلك جائز، بدليل: جواز بيع العين المؤجرة، وهي مسلوبة المنفعة (¬3). بخلاف استثناء منفعة البائع؛ لأنه يكون جامعًا بين إجارة وبيع، فهو جمع بين بيعتين في بيعة (¬4)، وقد "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك) رواه أحمد (¬5). قلت: الصحيح من المذهب: صحة اشتراط منفعة البائع والمبيع (¬6)، فلا فرق. ¬
167 - إذا باع أمة، واستثنى خدمتها ونحوها من أعمالها مدة معلومة، جاز
فصل 167 - إذا باع أمةً، واستثنى خدمتها ونحوها من أعمالها مدةً معلومةً، جاز. ولو استثنى وطأها, لم يجز (¬1). والفرق: أن منافع الأمة غير البضع يجوز تملكها، واستيفاؤها لغير مالك الرقبة، كما تملك بالإجارة، فإذا استثنى منفعةً منها فقد شرط ما يجوز له استيفاؤه فصح، كاستثناء جزءٍ معلومٍ من المبيع. بخلاف الوطء، فإنه لا يستباح إلا بعقد نكاحٍ، أو ملك يمينٍ، كما دل عليه الكتاب والسنة (¬2) فظهر الفرق. فَصل 168 - إذا ملك عبده مالًا ثم باعه، فالمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. رواية واحدة (¬3). ولو أعتق، ففيه روايتان: إحداهما: للسيد (¬4)، والأخرى: للعبد. والفرق: أن رق العبد يمنع من تمام ملكه، فلا يملكه ملكًا تامًا، [21/أ] بدليل: أنه لا زكاة عليه / في ماله، وإذا لم يتم ملكه عليه لم يزل ملك سيده. بدليل: أنه له انتزاعه منه بكل حالٍ، فإذا لم يزل ملك سيده عن المال، وباع العبد بطل تمليكه. ¬
169 - إذا اشترى الواحد شيئين صفقة، فوجد بأحدهما عيبا فليس له إلا ردهما، أو إمساكهما وأرش العيب
وأما إذا أعتقه، فالسيد ملَّكه المال، وإنما منع من تمام ملكه واستقراره رقه، فإذا زال رقه بعتقه تم ملكه (¬1). فصل 169 - إذا اشترى الواحد شيئين صفقةً (¬2)، فوجد بأحدهما عيبًا فليس له إلا ردهما، أو إمساكهما وأرش العيب (¬3). ولو اشترى اثنان شيئًا صفقةً، فوجدا به عيبًا، فطلب أحدهما الردّ جاز ذلك (¬4). نص عليه، مفرقًا بينهما، في رواية ابن القاسم (¬5). والفرق: أن العقد إذا كان في طرفيه عاقدان فهو عقدان، فلا يكون رد أحدهما مفرقًا للصفقة. بخلاف الأولى، فإنه عقد واحد فلم يجز تفريقه (¬6). ¬
170 - إذا اشترى دابة بشرط الخيار، فركبها ليختبرها، فهو على خياره
فصل 170 - إذا اشترى دابةً بشرط الخيار، فركبها ليختبرها، فهو على خياره. ولو اشتراها، فوجد بها عيبًا، ثم ركبها، كان هذا رضًى بالعيب، وسقط خياره. والفرق: أنه شرط الخيار ليختبر، والركوب من الاختبار. وأما في العيب، فلم يجعل له أن يختبر، فعدوله عن الرد إلى الاختبار رضى منه بالعيب، فافترقا (¬1). فصل 171 - إذا اشترى أمةً على أنها كتابية، فبانت مسلمة، فله الخيار (¬2). ولو تزوج امرأة على أنها كتابية، فبانت مسلمة، فلا خيار له (¬3). والفرق: أن المقصود بالشراء الربح، وكثرة المالية، والكتابية أكثر مالية من المسلمة؛ لأنها يرغب فيها المسلم والكافر (¬4). بخلاف النكاح، فإنه لا يقصد فيه المالية، وإنما يقصد به السكن والصحبة والاستمتاع، وذلك من المسلمة خير من الكتابية، فقد حصل له زيادة على ما شرط؛ فلذلك لم يثبت له الخيار (¬5). ¬
172 - إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا، فاختار إمساكه والمطالبة بأرش عيبه، قوم صحيحا ومعيبا، ونسب تفاوت القيمتين إلى الثمن الذي اشتري به، ورجع به
فصل 172 - إذا اشترى شيئًا فوجد به عيبًا، فاختار إمساكه والمطالبة بأرش عيبه، قُوِّم صحيحًا ومعيبًا، ونسب تفاوت القيمتين إلى الثمن الذي اشتري به، ورجع به (¬1). مثاله: أن يشتري عبدًا بمائةٍ، فيجد به عيبًا، قُوِّم صحيحًا بمائتين، ومعيبًا بمائةٍ وستين، فيرجع هنا على البائع بخمس الثمن، وهو عشرون. ولو حدث بالمبيع عييبٌ عند المشتري، وجوز رده (¬2) بالعيب القديم، لزم أن يرد معه أرش العيب الحادث عنده، فيُقوَّم المبيع وبه العيب القديم، ويُقوَّم والقديم والحادث فيه، فيرد التفاوت غير منسوب إلى الثمن (¬3). والفرق: أنه لو وجب في الأولى ما نقصه العيب غير منسوب إلى الثمن، لاجتمع الثمن والمثمن للمشتري فيما إذا اشتراه بمائة وقيمته مأئتان، فظهر فيه عيب نقصه نصف قيمته، فإذا رجع بذلك منسوبًا إلى الثمن لم يتأت ذلك أبدًا (¬4). بخلاف أرش (¬5) العيب الحادث عند المشتري، فإنه لا يؤدي إلى اجتماع [21/ب] الثمن والمثمن /لواحد، ويعتبر قيمة هذا يوم العقد؛ لأن الزيادة بعده على ¬
173 - إذا تبايعا ذهبا بورق عينا بعين، فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا من جنسه، لم يكن له البدل
ملك المشتري، فلا تقوم عليه (¬1). فصل 173 - إذا تبايعا ذهبًا بورقٍ عينًا بعينٍ (¬2)، فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبًا من جنسه (¬3)، لم يكن له البدل (¬4). ولو تبايعا ذلك بالصفة، ثم تقابضاه في المجلس، ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبًا من جنسه، فله البدل (¬5). والفرق: أن النقود تتعين بالعقود، فالعقد وقع على هذه العين، فلا يجوز تغييره، كما لو وجد بعبدٍ اشتراه عيبًا، فإنه لا يملك إبداله، فكذا هنا (¬6). ¬
174 - إذا كان لانسان على آخر دينار دينا، فأحال به على من له عليه دينار دينا، فصارف به المحال للمحال عليه جاز نص عليه في رواية بكر بن محمد عن أبيه
بخلاف الثانية، فإن العقد وقع على شيء في الذمة، فإذا دُفع إليه شيٌ كان عوض ما في الذمة، فإذا وجده على غير الصفة الثابتة في الذمة كان له إبداله (¬1). فصل 174 - إذا كان لانسان على آخر دينار دينًا، فأحال به على من له عليه دينارٌ دينًا، فصارف (¬2) به المحال للمحال عليه جاز. نص عليه في رواية بكر بن محمَّد (¬3) عن أبيه. ولو أحاله بالدينار على من لا يستحق عليه شيئًا، فقبلها، ثم صارفه لم يجز. نقله عنه ابن القاسم. والفرق: أن الحوالة في الأولى حوالة صحيحة، نقلت الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فجاز أن يصارفه عليه، كما لو صارف من له عليه ثمن مبيع أو نحوه. بخلاف الثانية، فإن الحوالة فيها باطلةٌ، فهو اقتراض المحيل من المحال عليه، والمحتال نائبٌ في المعنى للمحيل في الاقتراض، ومن اقترض دراهم أو دنانير لم يجز مصارفته عنها قبل قبضها؛ لأنه لم يملكها بعد، وإذا لم يملكها فهو مصارف بالعوض الذي يثبت في ذمته بالقرض، فيكون صرفًا بنسيئةٍ ¬
175 - إذا أسلف الأعمى في كر حنطة صح
وهو باطل، فافترقا (¬1). فصل 175 - إذا أسلف الأعمى في كرِّ (¬2) حنطة صح. ولو اشتراه من صبرةٍ معينةٍ وضع يده عليها لم يصح (¬3). والفرق: أن من شرط صحة البيع معرفة المشتري بأوصاف المبيع المعتبرة، وقد حصلت للأعمى فيما اشتراه سلفًا، وجهلها فيما اشتراه من الصبرة إذا لم يوصف له (¬4). فصل 176 - إذا أسلم في عبدٍ وجاريةٍ، وذكر شروط العلم صح (¬5). ولو اشترط كونه ابنها لم يصح (¬6). والفرق: أن من شرط صحة السَّلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود عند المحِل (¬7)، ولا يصح إذا كان وجوده نادرًا، كجعل محل العنب المسلم فيه في شباط (¬8) ونحو ذلك، واشتراط كون العبد ابن الجارية من هذا، فلم يصح. ¬
177 - إذا اشترط أجود الطعام لم يصح السلم
بخلاف ما إذا لم يشترط ذلك، فإنه لا يكون وجوده نادرًا (¬1). فصل 177 - إذا اشترط أجود الطعام لم يصح السَّلم. وإن اشترط أردأه صحَّ (¬2). والفرق: أن الأجود لا يوقف عليه، فإذا أتاه بأجود طلب أجود منه، فيقع التنازع، ولا يحصل ما يقطعه، فلم يصح. بخلاف الأردأ، فإنه إذا لم يأته به فقد أتاه بخير مما أسلم إليه فيه، فيلزم قبوله، فلذلك صح (¬3). فصل 178 - إذا أسلم إلى رجلٍ في عبدٍ، وقبض عند المَحِل عبدًا، ثم أحضر عبدًا، [22/أ] وادَّعى: أنه هو الذي قبضه منه، / وأنه بخلاف الصفات المشترطة، أو أنَّ به عيبًا قديمًا، فأنكر المسلم إليه، وقال: المقبوض مني غيره، ولا بينة، فالقول قول المشتري (¬4). ¬
179 - قد تقرر: أنه إذا قال البائع: ليس المبيع هذا المردود كان القول قوله، إذا كان رد المشتري للسلعة للعيب
ولو اشترى عبدًا وقبضه، ثم أحضر عبدًا، وقال: هو الذي ابتعتُه، وقد ظهر به عيبٌ, ولا بينة، فقال البائع: ليس المبيع هذا المردود، فالقول قوله (¬1). والفرق: أنه في الأولى قد ثبت للمشتري في ذمة البائع ما انعقد عليه عقد السَّلم بصفاته، فلا يقبل قول البائع في براءة ذمته، ويحتاج إلى بينة، أو يحلف المشتري أنه لم يقبض منه غير العبد المحضر (¬2). وهذا بخلاف المسألة الثانية؛ لأن الأصل براءة ذمة البائع، وأن العبد الذي أحضره المشتري لم يبعه البائع، فلذلك كان القول قوله مع عدم البينة (¬3) فافترقا. قلت: فصل 179 - قد تقرر: أنه إذا قال البائع: ليس المبيع هذا المردود كان القول قوله، إذا كان رد المشتري للسلعة للعيب. ولو رده إياه لخيارٍ، فأنكر البائع كونها سلعته، فالقول قول المشتري، حكاه ابن المنذر (¬4) عنه. ¬
180 - إذا باع بدراهم معينة وقبضها، ثم أحضر دراهم وادعى: أنها التي باع بها وهي معيبة، فأنكر المشتري كونها التي اشترى بها, ولا بينة لواحد منهما، فالقول قول المشتري مع يمينه
والفرق: ما ذكره أبو محمَّد في المغني: أن المشتري في الأولى يدعي استحقاق الفسخ بالعيب، والبائع ينكره، والقول قول المنكر. بخلاف الثانية، فإنهما اتفقا على استحقاق الفسخ (¬1). فصل 180 - إذا باع بدراهم معينة وقبضها، ثم أحضر دراهم وادعى: أنها التي باع بها وهي معيبة، فأنكر المشتري كونها التي اشترى بها, ولا بينة لواحدٍ منهما، فالقول قول المشتري مع يمينه. ولو كان البيع في الذمة، ثم نقده المشتري الثمن، ثم اختلفا كذلك ولا بينة، فالقول قول البائع مع يمينه. والفرق: أن القول في الدعاوى قول من الظاهر معه، والظاهر مع البائع في الصورة الثانية لأنه قد ثبت له في ذمة المشتري ما انعقد عليه العقد غير معيب، فلم يقبل قوله في براءة ذمته. بخلاف الصورة الأولى، فإن الأصل براءة ذمة المشتري أو عدم قوله في براءة ذمة المشتري، (¬2)، وعدم وقوع العقد على الدنانير التي ادعى البائع وقوع العقد عليها (¬3). ¬
181 - لا يجوز لرب السلم التصرف فيه، ولا أخذ البدل عنه قبل قبضه، فإن فعل لم يصح
فصل 181 - لا يجوز لرب السَّلم التصرف فيه، ولا أخذ البدل عنه قبل قبضه، فإن فعل لم يصح (¬1). ولو باع شيئًا بثمنٍ في الذمة وسلَّم المبيع، جاز له التصرف في الثمن قبل قبضه، وأخذ البدل عنه، والحوالة به (¬2). والفرق: أن المسلم فيه غير مستقر، بل هو معرض للفسخ، لتعذر وجوده عند محله، فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه، كما لو اشترى ما يحتاج إلى قبض وتصرف فيه قبل قبضه، فإنه لا يجوز، فكذا ها هنا (¬3). بخلاف الثمن في الذمة، فإنه مستقرٌ، ودل على الجواز هنا أيضًا: ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: (أتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع (¬4)، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فقال: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها، ما لم تتفرقا وبينكما شيء) رواه أبو داود (¬5) وغيره (¬6)، ¬
182 - إذا تقايلا السلم جاز تفرقهما قبل قبض رأس ماله
[22/ب] فأجاز له أخذ البدل عما ثبت في الذمة من/ الثمن (¬1)، فظهر الفرق. فصل 182 - إذا تقايلا (¬2) السَّلم جاز تفرقهما قبل قبض رأس ماله (¬3). ولو كان له في ذمة إنسانٍ ألف درهمِ قرضًا، فاشترى منه بها طعامًا أو دنانير، لم يجز التفرق قبل القبضَّ (¬4). والفرق: أنه بالمقايلة زال عقد السَّلم، ووجب رد رأس ماله بحكم القبض السابق، فصار كالمقبوض على وجه السَّوم (¬5)، إذا لم يتم بينهما بيع، لا يشترط قبضه قبل التفرق (¬6)، كذا هنا. بخلاف هذا في الثانية، فإنهما قد تبايعا عوضين، أحدهما: دين، فإذا تفرقا بغير قبضٍ كان بيع دينٍ بدينٍ، وذلك لا يجوز (¬7). ¬
183 - يجوز بيع خل العنب بخل التمر، متساويا ومتفاضلا
فصل 183 - يجوز بيع خل العنب بخل التمر، متساويًا ومتفاضلًا (¬1). ويجوز بيع خل الزبيب بمثله، وخل التمر بمثله، متساويًا لا متفاضلًا. نص عليه (¬2). ولا يجوز بيع [خل] (¬3) العنب بخل الزبيب، لا متساويا ولا متفاضلًا (¬4). والفرق: أن خل العنب والتمر جنسان، فجاز بيعهما بالتساوي والتفاضل، كبيع التمر بالعنب (¬5). وأما بيع خل التمر بمثله، وخل الزبيب بمثله، فهو بيع جنسٍ بمثله، فجاز متساويًا، لا متفاضلًا، كسائر الأموال الربوية (¬6). وأما بيع [خل] (¬7) العنب بخل الزبيب، فهما جنسٌ واحدٌ في أحدهما، وهو خل الزبيب من غير جنسه، وهو الماء، فلم يجز (¬8)، كبيع تمرٍ منزوع النوى بتمرٍ غير منزوعه (¬9). بخلاف المسألتين الأخريين؛ لأن الماء في كل واحد منهما متساوٍ، فظهر الفرق (¬10). ¬
184 - إذا أقرضه دراهم، وقال: إن مت فأنت في حل، لم يصح
فصل 184 - إذا أقرضه دراهم، وقال: إن متَ فأنت في حلٍّ، لم يصح. ولو قال: إن متُ صحَّ، وكانت وصيةً. نص عليهما في رواية المروذي (¬1). والفرق: أن الأولى إبراءٌ بشرطٍ، فلم يصح. والثانية تعليق للإعطاء بالموت، فكان وصية معتبرةً من الثلث، فأشرق الفرق (¬2). فصل 185 - إذا قال لرجلٍ: اكفل عني، ولك ألف لم يصح. ولو قال: اقترض لي، ولك ألف صح، نص عليهما (¬3). في رواية ابن منصور (¬4). والفرق: أن الكفيل ضامنٌ يلزمه المال المكفول به، فيكون بضمانه باذلًا لماله، فلو قيل: بجواز أخذ العوض على ذلك لأشبه القرض الجار نفعًا، وهو لا يجوز. ¬
186 - إذا اشترى إنسان نصف عبد بخمسين، وآخر النصف الآخر بمائة، ثم باعاه مساومة بثلاثمائة، فهي بينهما نصفين، رواية واحدة
بخلاف الثانية، فإن ما أخذه عوض ما بذله من جاهه، فلذلك جاز (¬1). فصل 186 - إذا اشترى إنسان نصفَ عبدٍ بخمسين، وآخرُ النصفَ الآخر بمائةٍ، ثم باعاه مساومةً (¬2) بثلاثمائةٍ، فهي بينهما نصفين، رواية واحدة (¬3). ولو باعاه مرابحةً (¬4)، كان بينهما أثلاًثا (¬5). نص عليه. والفرق: أن المساومة لا تحتاج إلى مضمون العقد الأول، بدليل: أنه لو كان موهوبًا جاز بيعه مساومة، وإذا لم يعتبر مضمون العقد الأول صار كأنهما ورثاه، فباعاه مساومةً، ولو / كان كذا لكان بينهما نصفين، فكذا هذا. [23/أ] بخلاف المرابحة، فإنها مبنية على العقد الأول، وهو لهما أثلاثًا، فكان هذا مثله (¬6). ¬
187 - إذا كان له في ذمة رجل دراهم أو دنانير، فاشترى بها عرضا من غيره لم يصح نص عليه
فصل 187 - إذا كان له في ذمة رجل دراهم أو دنانير، فاشترى بها عرضًا من غيره لم يصح. نص عليه (¬1). ولو اشتراه بثمن في ذمته، ثم أحال بثمنه على من له في ذمته الدراهم أو الدنانير صحَّ (¬2). والفرق: أنه في الأولى ابتاع العوض بثمنٍ ليس من ضمانه، ولا يقدر على تسليمه فلم يصح، كما لو اشترى بعين مال الغير (¬3). بخلاف الثانية، فإنه اشترى بمال يقدر على تسليمه، وهو داخل في ضمانه. ولا يَردُ على هذا لو اشترى العرض بتلك الدراهم ممن هي في ذمته؛ لأنه حينئذٍ قد تمَّ العقد بثمن مقبوض، فقد أمن الانفساخ بتعذر قبض الثمن، بخلاف ما نحن فيه، فظهر الفرق (¬4). فصل 188 - إذا كان له على رجلٍ ألف، وقال له: أسلمت إليك ألفًا في أكرار (¬5) [حنطة] (¬6)، وأراد جعل الألف مال السَّلم لم يصح (¬7). ¬
189 - إذا استدان العبد غير المأذون له، ثم ورثه رب الدين فأعتقه، لم يسقط دينه
ولو اشترى منه ألف درهم بمائة دينارٍ، فقبض رب الدين وهو البائع المائة، وقال: اجعل الألف بالألف التي لي عندك، ففعل صحَّ (¬1). والفرق: أن قبض رأس مال السَّلم في المجلس شرطٌ، ولم يوجد (¬2). وعقد الصرف بما في الذمة جائزٌ، بدليل: ما لو كان لرجل على آخر عشرة دراهم فاشترى بها منه دينارًا، وقبضه في المجلس جاز، فافترقا (¬3). فصل 189 - إذا استدان العبد غير المأذون له، ثم ورثه رب الدين فأعتقه، لم يسقط دينه (¬4). ¬
190 - إذا استدان المأذون له تعلقت ديونه بذمة سيده
ولو أتلف العبد مال إنسان، ثم ورثه، وأعتقه، سقط ما تعلق برقبته من قيمة المتلف (¬1). والفرق: أن الدين يتعلق بالذمة، والعتق لا يخرمها (¬2). بخلاف قيمة المتلف، فإنه يتعلق برقبته، وبعتقه تلف ملك الرقبة، فسقط ما يتعلق بها (¬3). قلت: وما حكاه في المسألة الأولى هو رواية في المذهب، أعني: تعلق دين العبد غير المأذون بذمته، والصحيح تعلق ذلك برقبته (¬4). فصل 190 - إذا استدان المأذون له تعلقت ديونه بذمة سيده (¬5). ولو استدان المكاتب تعلقت بذمته (¬6). نص عليه في رواية ابن الحارث (¬7). والفرق: أن المأذون له وما في يده لسيده، فالمعاملة مع السيد، والعبد آلة (¬8). ¬
بخلاف المكاتب، فإن تصرفاته لنفسه، وما في يده لا يملك سيده أخذه منه، فتعلقت ديونه بذمته، كالحر (¬1)، فظهر الفرق. ¬
كتاب الرهن
كتاب الرهن [فصل] 191 - إذا أعتق الراهن عبده المرهون نفذ، موسرًا كان أو معسرًا. نص عليه. ولو باعه، أو وهبه، لم يصح (¬1). والفرق: أن العتق صادف محلًا غير مشغول بحق المرتهن، وهو الرق، وحق المرتهن مورده الماليةُ التي في العبد، والرق غير المالية، بدليل: أن المعلق عتقه بصفةٍ يعود بعد زوال الملك بالبيع؛ لأن مورده الرق ولم [23/ب] يتبدل، ولو كان مورده المالية لم يعد؛ لأنها / قد تبدلت، وأهل دار الحرب أرقاء، ولا مالية فيهم، والمالية ثابتة في البهائم ولا رق، فبان انفصال الرق من المالية، فإذا ثبت بطلان الرق بطلت المالية، كما في السِّراية إلى ملك الغير. بخلاف الهبة والبيع، فإن موردهما المالية، وقد تناولها عقد الرهن؛ فلذا لم ينفذ. قلت: هكذا ذكره السامري (¬2)، وفي قوله: (لأن مورده الرق ولم يتبدل) نظر؛ لأنه كما تبدلت المالية - بأن كان مال زيد، فصار مال عمرو - كذلك تبدل الرق، فكان رقيق زيدٍ، فصار رقيق عمرو، فبان أن الرق تبدل، كما تبدلت المالية من غير فرقٍ، والله أعلم. وأيضًا: فإن الرهن لا يزيل ملك الراهن، بل يده ثابتة، فلا يمنع من ¬
192 - كلما جاز أخذ الرهن به، جاز أخذ الضمين إلا ثلاثة مواضع: ضمان عهدة المبيع، وضمان ما لم يجب، وضمان مال الكتابة،
تصرف لا يقف على اليد كالعتق، وإنما لم يقف على اليد؛ لأنه ينفذ في الآبق والمغصوب والمكاتب، مع عدمها فيهم، ولا بد في البيع والهبة منها، بدليل: عدم صحتهما في شيء مما ذكرنا. وأيضًا: فإن العتق ينفذ في حق الشريك بغير رضاه فينفذ في المرهون، كالاستيلاد، يؤكده: أن حق الشريك أقوى؛ لأنه مالك العين والتصرف، فإذا نفذ في حقه ففي حق المرتهن أولى، ولا كذلك البيع؛ لأنه لا ينفذ في حق الشريك ففي المرهون أولى، فظهر الفرق (¬1). فصل 192 - كلما جاز أخذ الرهن به، جاز أخذ الضمين إلا ثلاثة مواضع: ضمان عهدة (¬2) المبيع (¬3)، وضمان ما لم يجب (¬4)، وضمان مال الكتابة (¬5)، ¬
193 - إذا جنى العبد المرهون على أجنبي بما يوجب القصاص في النفس فاقتص، لم يلزم الراهن دفع قيمة رهن مكانه
فيصح الضمان، دون الرهن (¬1). والفرق: أن الرهن بهذه الأشياء يبطل الارتفاق؛ لأنه إذا باع سلعة إنما يقصد ببيعها الارتفاق، فإذا رهن على ثمنها مثلها لم يحصل فائدة، وكذا المرتهن إذا رهن قبل الاقتراض فقد عطل نفع ما يرهنه لا في مقابلة شيء، فيتضرر بذلك، وكذا المكاتب إذا رهن بدين الكتابة؛ لأنه كان يبيع الرهن ويؤدي، ويأمن هلاكه. وهذا بخلاف الضمين، فإنه لا يفضي إلى ما ذكرنا، فافترقا (¬2). [فصل] 193 - إذا جنى العبد المرهون على أجنبي بما يوجب القصاص في النفس فاقتص، لم يلزم الراهن دفع قيمة رهنٍ مكانه. ولو كان المجني عليه الراهن فاقتصَّ، لزمه ذلك (¬3). والفرق: أن الراهن إذا اقتصَّ فقد فوت التوثقة، فهو كما لو أعتقه (¬4). بخلاف الأجنبي، فإنَّ فعله لا ينسب إلى الراهن، فهو كما لو مات حتف أنفه (¬5). ¬
194 - لا يصح رهن العبد المرهون
فصل 194 - لا يصح رهن العبد المرهون (¬1). ويصح رهن الجاني، ويصير مشغولًا بهما (¬2). والفرق: ما تقدم في كتاب البيع في فصل: جواز بيع الجاني، وعدم جواز بيع المرهون، فتأمله هناك (¬3). فصل 195 - لا يصح رهن العبد المرهون بحقٍ آخر، لا من مرتهنه، ولا من غيره (¬4). ولو جنى المرهون فاختار المرتهن فداه ليكون رهنًا بالفداء وبالحق السابق جاز، وصار رهنًا بهما (¬5). والفرق: أن المجني عليه يملك بيع الجاني في الجناية، وإبطال التوثقة، فصار الرهن كالجائز قبل القبض/، وهناك (¬6) تجوز الزيادة في الحق، [24/أ] فكذا هنا. بخلاف ما إذا لم يجن؛ لأن الرهن لازمٌ، فلا سبيل إلى إبطال حق المرتهن عنه (¬7)، فافترقا. ¬
196 - لا يصح رهن المرهون عند مرتهنه بحق آخر
فصل 196 - لا يصح رهن المرهون عند مرتهنه بحقٍ آخر. ولو ضمن لانسانٍ حقًا، جاز أن يضمن له حقًا آخر. والفرق: أن الذمة لا تمنع حصول الحق فيها من ورود حقٍ آخر عليه. بخلاف العين، فإنه إذا تعلق بها حق لازمٌ بعقدٍ لازمٍ لم يحتمل حصول مثله عليها, لما فيه من إبطال العقد الأول (¬1)، فظهر الفرق. فصل 197 - إذا أقرَّ الراهن أنه باع المرهون قبل رهنه، أو وهبه، أو أنه كان ملك فلانٍ وأنا غصبته، فصدَّقه المقر له، وأنكر المرتهن صحَّ إقراره، وبطل الرهن، ويبقى الدين بغير رهنٍ. في وجهٍ (¬2). ولو كان باعه، أو وهبه، ثم أقر بذلك، لم يقبل إقراره قولًا واحدًا (¬3). والفرق: أن الرهن لا يزيل الملك، فالإقرار حصل في ملكه. بخلاف المسألة الثانية فإن البيع والهبة يزيلان الملك، فيحصل إقراره في ملك الغير، وهو غير مقبولٍ (¬4). قلت: والصحيح: أنه لا يقبل قوله على المرتهن، فلا يبطل الرهن، بل يقبل على نفسه، بحيث إذا انفك الرهن انتزعه منه الذي أقرَّ أنه له (¬5). ¬
198 - يجوز رهن (الأمة دون ولدها)، ورهنه دونها
فصل 198 - يجوز رهن (الأمة دون ولدها) (¬1)، ورهنه دونها (¬2). ولا يجوز بيع أحدهما دون الآخر (¬3). والفرق: أن البيع ينقل الملك، فينفرد أحدهما عن الآخر، وذلك لا يجوز (¬4). بخلاف الرهن، فإنه لا ينقل الملك، فصح عقده عليهما منفردين، فإذا أراد بَيْعَ أحدهما بِيعَ الآخر معه، ويكون قسط المرهون للمرتهن، والآخر للراهن (¬5). فصل 199 - إذا حدث للمرهونة ولدٌ تعلق به الرهن (¬6). ¬
200 - إذا باعه شيئا بشرط رهن أو كفيل معين، فجاءه بغيرهما لم يلزمه القبول
ولو حدث بالجانية ولد، لم يتعلق به أرش جنايتها (¬1). والفرق: من وجهين: أحدهما: أن حق الرهن مستقرٌ في المرهونة، بدليل: أنه لا يملك مالكها إسقاطه مع بقاء شيءٍ من الحق، فلذلك تعدى إلى ولدها، كحق الملك. بخلاف الجانية، فإن الحق فيها غير مستقرٍ، بدليل: أنَّ لمالكها إسقاط الحق عنها بالفداء، يوضحه: أن المجني عليه لا يملك رفع يد مالكها عنها، بخلاف المرتهن، ولا يمنع أرش الجناية تعلق أرشٍ آخر، وأروشٍ بالجناية، والرهن يمنع تعلق رهنٍ آخر، فافترقا. الثاني: أن تعلق حق الجناية تعلق عقوبةٍ، والعقوبات لا تسري إلى الأولاد، وإنما تختص الجاني، كما لو كانت موجبة للقصاص. بخلاف الرهن، فإن الحق فيه أثبته المالك على غير ملكه اختيارًا منه فسرى، كولد المكاتبة والأضحية (¬2). فصل 200 - إذا باعه شيئًا بشرط رهنٍ أو كفيلٍ معيَّنٍ، فجاءه بغيرهما لم يلزمه القبول (¬3). وإن شرط شهودًا، فأتاه بغيرهم لزمه القبول (¬4). والفرق: أن الأغراض تختلف، فيكون للبائع غرضٌ في رهنٍ دون رهنٍ، وضامنٍ دون ضامنٍ (¬5). ¬
201 - إذا امتنع الراهن من علف الرهن وسقيه، أجبر عليه
بخلاف العدول، فإن المقصود منهم إثبات / الحق، فلا فرق بينهم في [24/ب] ذلك، فظهر الفرق (¬1). فصل 201 - إذا امتنع الراهن من علف الرهن وسقيه، أجبر عليه. ولو امتنع [من] (¬2) مداواة أمراضه، لم يجبر. والفرق: أن العلف قوتٌ لا تقوم الحياة إلا به، والمنع منه كمباشرة الإتلاف، بدليل: ما لو منع إنسانًا طعامه حتى مات، ضمنه (¬3). وهذا بخلاف المداواة؛ لأنها غير واجبةِ في الآدميين (¬4)، وهم أشرف، بدليل: أن جماعة من الصحابة كانوا لا يتداوون (¬5)، ولأن البرء بالمداواة غير متيقنٍ، فلا يجبر عليها (¬6). فصل 202 - إذا قال الراهن للمرتهن: رهنت عندك بحقك هذه العين، فإن جئتك بحقك، وإلا فالرهن لك بحقك، لم يصح الشرط، وفي صحة الرهن روايتان (¬7)، فإن قلنا: لا يصح، كان المرهون أمانةً في يد المرتهن إلى ¬
203 - إذا كان عليه لرجل ألف، فقال له: أقرضني ألفا على أن أرهن عندك بالألفين فرسي هذه ففعل، ففي صحة الرهن روايتان
أن يحلَّ الحق، ثم يصير مضمونًا عليه، فإن تلف قبل المحل لم يضمنه. وإن تلف بعده ضمنه (¬1). والفرق: أن قبل المحل هو مقبوض بإذن المالك، ولا يضمنه لأ [نه] (¬2) مقبوضٌ عن رهنٍ فاسدٍ، وذلك لا يُضمَنُ، كالمقبوض عن رهنٍ صحيحٍ. وليس كذلك بعد الحلول؛ لأنه حينئذٍ يمسكه على أنه بعوضٍ، فهو مقبوضٌ عن بيعٍ فاسدٍ؛ لأنه بيعٌ معلقٌ بشرطٍ، وذلك لا يصح، والمقبوض عن بيعٍ فاسدٍ مضمونٌ، فكذا هنا (¬3)، فظهر الفرق. فصل 203 - إذا كان عليه لرجلٍ ألفٌ، فقال له: أقرضني ألفًا على أن أرهن عندك بالألفين فرسي هذه ففعل، ففي صحة الرهن روايتان. ولو كانت المسألة بحالها، وموضع القرض بيع، فالرهن باطل. رواية واحدة. ذكره القاضي في المجرد. والفرق: أن في البيع جعل ثمن العبد ألفًا ومنفعة، هي الرهن بالألف الأولى، وتلك المنفعة مجهولة القيمة، فصار الثمن مجهولًا, ولا يصح البيع به. رواية واحدة، وإذا بطل البيع بطل الرهن؛ لأنه إنما عقد به. بخلاف القرض، فإن غايته أنه قرضٌ جر منفعةً، وشرط المنفعة في ¬
204 - إذا وطئ الراهن جاريته المرهونة بغير إذن المرتهن، فإن كانت ثيبا لم يلزمه بوطئها شيء
القرض باطل (¬1)، وهل يبطل العقد؟ فيه روايتان. نص عليهما (¬2). فصل 204 - إذا وطئ الراهن جاريته المرهونة بغير إذن المرتهن، فإن كانت ثيبًا لم يلزمه بوطئها شيءٌ. وإن كانت بكرًا لزمه أرش بكارتها. والفرق: أنه في الأولى لم يتلف شيئًا من أعضائها، وإنما استوفى منفعةً من منافعها، فهو كما لو استخدمها. بخلاف الثانية، فإنه أتلف عضوًا منها، نقصت به قيمتها، فلزمه أرشه، كالجناية بغير ذلك عليها (¬3). فصل 205 - إذا شرطا في الرهن أن يكون منافع المرهون للمرتهن، وكان الرهن بقرضٍ بطل الشرط. نص عليه (¬4). ¬
وإن كان في بيعٍ والمنفعة معلومة مقيدة بمدةٍ جاز. نص عليه، وإن لم [25/أ] تكن معلومة/ لم يصح (¬1). والفرق: أنه في الثانية بيعٌ وإجارةٌ؛ لأنه جعل الثمن ونفع الرهن عوضًا عن المبيع، وذلك جائزٌ، إذا كانت المنفعة معلومةً مقيدةً؛ لأنها إذا كانت مجهولةً أفضى إلى جهالة الثمن، وذلك يقتضي بطلان البيع (¬2). وأما المسألة الأولى، فهي قرضٌ جر منفعةً، وذلك لا يجوز (¬3) لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬4). ثم إن كان هذا الرهن بقرضٍ متقدم، فالقرض بحاله، وإن كان مشروطًا في قرضٍ مستأنفٍ فالشرط باطلٌ، وفي العقد روايتان (¬5). فإن قلنا: يصح، فلا كلام، وإن قلنا: يبطل، بطل القرض لبطلان الرهن المشروط فيه. ¬
كتاب الحجر
كتاب الحجر [فصل] 206 - يجوز للحاكم قسمة مال المفلس بين غرمائه، وإن لم يثبتوا أنه لا غريم له سواهم. ولا يجوز قسمة التركة بين الورثة، حتى يثبتوا أنه لا وارث له سواهم. والفرق: أن الغرماء يأخذ كل واحد منهم وفق حقه أو دونه، ولا يأخذ أكثر منه. بخلاف الورثة، فإن كلا منهم إنما يأخذ وفق حقه بتقدير عدم وارث آخر، فماذا لم يثبتوا ذلك، لم يؤمن أن يأخذ أحدهم أكثر من حقه، فافتقر إلى الثبوت لذلك (¬1). قلت: وفيما ذكره نظر، بيانه: أن كل واحد من الغرماء يتعلق حقه بذمة المفلس وبعين ماله، فإن عني بقوله: إن الواحد من الغرماء لا يأخذ إلا وفق حقه، أو دون الحق المتعلق بالذمة فهو صحيح، وإن عني الحق المتعلق بعين مال المفلس فلا يتمشى؛ لأنه لا يعلم كون ما يأخذه كل من الغرماء هو ما يستحقه من عين مال المفلس إلا بتقدير أن لا غريم سواهم، إذ لو وجد غريم آخر بعد القسمة، تبين أن ما صار إلى كل واحدٍ أكثر من حقه، ووجب نقض القسمة (¬2)، ¬
207 - إذا وجد عين ماله عند المفلس أخذه بشرطه
واسترجاع حق الغريم اللاحق من بقية الغرماء، فظهر من هذا تساوي المسألتين. فصل 207 - إذا وجد عين ماله عند المفلس أخذه بشرطه (¬1). ولو حيل بحقه على من ظنه مليًا، ورضي بالحوالة، فبان مفلسًا لم يرجع المحال على المحيل (¬2). والفرق: أن الحوالة لا تفسخ بالعيب، فلا تفسخ بالإفلاس، بخلاف البيع. ولأن الحق قد تحول من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا سبيل إلى رجوع الحق إليها بعد الانتقال (¬3). بخلاف البيع، فإن الحق انتقل من العين إلى ذمة المشتري، فجاز الرجوع إلى العين عند تعذر الذمة، كما لو أسلم ثوبًا في شيء، فتعذر ذلك الشيء، فإن المسلم يرجع في الثوب (¬4). ¬
208 - إذا اقترض المفلس المحجور عليه، لم يشارك مقرضه بقية الغرماء
فصل 208 - إذا اقترض المفلس المحجور عليه، لم يشارك مقرضُه بقية الغرماء (¬1). وإذا جنى شارك المجني عليه الغرماء بأرش الجناية (¬2). والفرق: أن المقرض أسقط حقه بمعاملته المفلس /بعد الحجر. [25/ب] بخلاف الثانية، فإن حق المجني عليه ثبت بغير اختياره، ولم يرض بتأخير حقه (¬3). فصل 209 - إذا تقرر هذا، فإنه لا يُقدَّم حق المجني عليه، بل يشارك، كما تقدم (¬4). ولو جنى العبد المرهون قُدِّم حق المجني عليه على حق المرتهن (¬5). والفرق: أن الجناية في الأولى معلقةٌ بذمة المفلس، كسائر ديون الغرماء، فلا مزية لها، فاشتركوا (¬6). وفي الثانية حق الجناية تعلق برقبة العبد، وحق المرتهن بذمة السَّيد، فقدم الحق المتعلق بالرقبة (¬7). نظير مسألة الرهن: أن يجني عبد المفلس، فيقدم المجني عليه على سائر الغرماء (¬8)؛ لما ذكرنا، فظهر الفرق. ¬
210 - إذا اختلعت المحجور عليها لسفه على مال صح، ولم يلزمها حالا، ولا مآلا
فصل 210 - إذا اختلعت المحجور عليها لسفهٍ على مالٍ صح، ولم يلزمها حالًا، ولا مآلًا (¬1). ولو اختلعت الأمة كذلك بغير إذن سيدها صح، ولزمها المال بعد العتق (¬2). والفرق: أن السفيهة حجر عليها لنقصٍ فيها، أشبهت المجنونة (¬3). بخلاف الأمة، فإن الحجر عليها لحق سيدها، فإذا اعتقت زال المانع، فعمل إقرارها عمله، كما لو أقرت بدينٍ (¬4). ¬
كتاب الصلح
كتاب الصلح [فصل] 211 - إذا صالحه على ألفٍ حالةٍ، بخمسمائةٍ حالةٍ، جاز الصلح (¬1). ولو كانت الألف مؤجلةً، فصالحه بخمسمائةٍ حالةٍ، لم يجز الصلح (¬2). والفرق: أن الألف الحالة يستحق المطالبة بجميعها، فإذا صالحه على بعضها حالًا فقد أبرأه من الباقي، والبعض المأخوذ غير مستفاد بالصلح، بل بالعقد السابق (¬3). بخلاف الثانية، فإنه لا يستحق المطالبة بشيءٍ منها قبل المحل، فإذا صالحه على خمسمائة منها حالة، فقد باع ألفًا مؤجلةً بخمسمائة حالة، وذلك ربا (¬4)، فافترقا. ¬
212 - لا يصح الصلح عن الشفعة بمال، وتسقط الشفعة
فصل 212 - لا يصح الصلح عن الشفعة بمالٍ، وتسقط الشفعة. ولو صالح عن القصاص بمالٍ صح (¬1). والفرق: أن الشفعة ثبتت في الأصل لدفع الضرر، فإذا أسقطت سقطت إلى غير مالي؛ لأنها لم توضع لاستفادته (¬2). بخلاف القصاص، فإنه في معنى العوض، فإذا أسقط رجع إلى المال، فصح الصلح عنه، كخيار العيب (¬3). فصل 213 - يصح الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية (¬4). ولا يصح عن الخطأ بأكثر منها من جنسها (¬5). والفرق: أن الواجب بدم العمد، إما القود، أو أحد شيئين: هو، أو الدية، والخيار للورثة، فبالجملة لهم القود، ولا يزاحون عنه إلا باختيارهم، فالمأخِوذ بعقد الصلح عوض عنه، وليس من جنسه، فلم يتعدد، كسائر المعاوضاِت (¬6). ¬
214 - إذا أتلف عليه متقوما، لم يجز أن يصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها
بخلاف الصورة الثانية، فإن الواجب في الخطأ الدية، وهي مقدرةٌ شرعًا، فلا يجوز الصلح بأكثر منها من جنسها؛ لأنه يكون ربا (¬1). فصل 214 - إذا أتلف عليه متقومًا، لم يجز أن يصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها. ولو صالح بأكثر منها من غير جنسها صح (¬2). والفرق: أن الثابت في الذمة القيمة، فالزيادة /عليها من جنسها ربا. بخلاف ما إذا صالح بغير جنسها، كالعروض ونحوها، فإنه في حكم [26/أ] البيع، ولا ربا بين النقدين والعروض (¬3)، فظهر الفرق. قلت: فصل 215 - قد تقرر: أنه إذا صالح عن متلفٍ متقومٍ بأكثر من قيمته من جنسها لم يجز (¬4). ولو صالح عن متلفٍ مثلي بأكثر من قيمته من جنسها جاز (¬5). والفرق: أنه في الأولى يفضي إلى ما ذكرنا من الربا. ¬
بخلاف الثانية، فإن الواجب في ذمة المتلف المثل، فهذا صالحه على أكثر كان قد باعه إياه بذلك فيصح، كما لو كان عينًا حاضرة (¬1). ¬
كتاب الكفالة والضمان والحوالة
كتاب الكفالة والضمان والحوالة [فصل] 216 - لا تصح الكفالة ببدن من عليه حدّ، سواء كان لله أو لآدمي. وتصح كفالة من عليه مالٌ، كالديون، أو بيده مغصوب (¬1). والفرق: أن الكفالة إنما شرعت لاستيفاء ما على المكفول عند تعذر إحضاره من الكفيل، وذلك في المال ممكنٌ. أما في الحدود فلا؛ لأن النيابة لا تدخلها؛ لأن الواجب على المكِفول من العقوبة لا يجب (¬2) استيفاؤه من الكفيل، فبطلت فائدة الكفالة، فلم تصح (¬3). فصل 217 - إذا برئ المدين برئ ضامنه، ولا عكس (¬4) ¬
218 - إذا ضمن رجل عن آخر ألفا، فدفع إلى رب المال بها عرضا يساوي خمسمائة، لم يرجع الضامن على المضمون عنه بأكثر من قيمة السلعة
والفرق: أن المدين أصلٌ، وضامنه فرعه، فإذا برئ الأصل برئ الفرع، كما لو برئ بالأداء. بخلاف ما إذا برئ الضامن؛ لأن إبراءه فسخ لكفالته، وفسخ الكفالة لا تبرئ المدين من الدين. وأيضًا، فالضامن وثيقةٌ كالرهن، فإذا أُبرئ المدين أو أدى، انفك الرهن. وليس كذلك إذا برئ الكفيل؛ لأن إبراءه كفك الرهن، ولو انفك الرهن لم يبرأ المدين (¬1). فصل 218 - إذا ضمن رجل عن آخر ألفًا، فدفع إلى رب المال بها عرضًا يساوي خمسمائةٍ، لم يرجع الضامن على المضمون عنه بأكثر من قيمة السِّلعة (¬2). ولو اشترى شقصًا بألفٍ، فدفع إلى البائع بها عرضًا يساوي خمسمائةٍ، لم يكن للشفيع أن يأخذ المبيع إلا بألفٍ (¬3). والفرق: أن الضامن التزم قضاء دين المضمون عنه، وذلك كالمعاوضة فلا يرجع بأكثر مما غرم (¬4). بخلاف المشتري، فإن الألف لزمته بالعقد، ولكن البائع تبرع له بإسقاط ¬
219 - إذا كفل اثنان ببدن إنسان، فرده أحدهما إلى المكفول له، لم يبرأ الآخر
البعض فاختص به (¬1). يوضح الفرق: أنه لو أبرئ الضامن لم يرجع على المضمون عنه بشيءٍ (¬2)، ولو أبرئ المشتري رجع على الشفيع بالثمن (¬3). فصل 219 - إذا كفل اثنان ببدن إنسانٍ، فرده أحدهما إلى المكفول له، لم يبرأ الآخر (¬4). ولو قضى أحدهما الحق، برئ الآخر (¬5). والفرق: أن كفالتيهما وثيقتان للمكفول له (¬6)، لكل واحدةٍ حكمٌ منفردٌ، فإذا انفكت إحداهما لم تنفك الأخرى، كالرهن والضمين إذا انفك أحدهما/، لا يلزم انفكاك الآخر. [26/ب] وأيضًا، فإن موجب الكفالة التسليم، فإذا برئ الكفيل الذي سلمه لم يبرأ الآخر، ويصير كما لو كان بالحق ضامنان، أبرأ ربه أحدهما، فإنه لا يبرأ الآخر، كذا هنا. بخلاف ما إذا قضى أحدهما الدَّين؛ لأنه بالأداء يسقط الحق الذي في ¬
220 - إذا كفل اثنان ببدن إنسان، على أن كل واحد منهما كفيل لصاحبه صح، وكان لصاحب الحق مطالبة أيهم شاء، وأي الكفيلين سلم المكفول به برئ هو والكفيل الآخر
ذمة المكفول ببدنه، وإذا سقط برئت ذمته، وذمة كفيله، كما لو أدى هو الحق الذي عليه (¬1). فصل 220 - إذا كفل اثنان ببدن إنسانٍ، على أن كل واحد منهما كفيل لصاحبه صح، وكان لصاحب الحق مطالبة أيهم شاء، وأي الكفيلين سلَّم المكفول به برئ هو والكفيل الآخر (¬2). ولو لم يتكافل الكفيلان، لم يبرأ أحدهما بتسليم الآخر (¬3). والفرق: أنه إذا كان كل واحدٍ منهما كفيلًا بصاحبه صار أصلًا له، كما لو كفل واحد بالغريم، وكفل آخر الكفيل، وإذا كان أصلًا له كان تسليم أحدهما للمكفول به تسليمًا عنه، وعن الفرع، فبرئ بذلك هو والفرع. بخلاف ما إذا لم يكن كل واحدٍ منهما كفيلًا بصاحبه؛ لأنه ليس أحدهما أصلًا للآخر، بل حكم كفالة كلٍ منهما منفرد عن حكم كفالة الآخر، كما لو كفل كل واحد منهما به كفالة منفردةً، فلا يبرأ أحدهما بتسليم الآخر (¬4). قلت: هذا كلامه بنصه (¬5)، وفيه نظر نبَّه عليه الوالد رحمه الله، وهو: أنه صرَّح ببراءة أحد الكفيلين مطلقًا إذا سلَّم المكفولَ أحدُهما, وليس الأمر كذلك؛ لأن كلًا منهما كفيلٌ من رب الدَّين، يلزمه تسليم المكفول إليه، فإذا سلَّمه أحدهما برئ وحده، وأما الذي لم يسلم فإنه يبرأ من كفالة الكفيل ¬
221 - إذا كان لانسان على اثنين ألف، على كل واحد منهما خمسمائة
المسلِّم؛ لأنه بالتسليم برئ فبرئ كفيله، وأما من كفالته للمكفول الأول فلا يبرأ؛ لأنه ما لم يسلم إلى من كفله منه لا يبرأ، كما لو لم يتكافل الكفيلان، وهذا ظاهر (¬1). فصل 221 - إذا كان لانسانٍ على اثنين ألف، على كل واحدٍ منهما خمسمائةٍ. فقال إنسان: كفلت أحدهما, ولم يعينه، لم يصح (¬2). ولو قال: ضمنت ما على فلان، ولم يعلم قدره، صح الضمان (¬3). والفرق: أن كفالة أحد الغريمين مجهولةٌ حالًا وماَلاً، فلا فائدة فيها (¬4). بخلاف جهالة القدر المضمون في الحال، فإنه يعرف في المال، فيلزم الضامن به (¬5). فصل 222 - إذا كان له على شخصِ دين، ولآخر عليه مثله في الجنس والصفة، والحلول والتأجيل، فقالَ: أحلتك بدينك على فلان صحَّ (¬6). ¬
ولو قال: بعتك ديني الذي [لي] (¬1) على فلان، بدينك الذي عليَّ، لم يصح (¬2). والفرق: أن الحوالة أصلٌ برأسها, ليست بيعًا، وإن كان فيها نوع معاوضةٍ شُرِعت رفقًا بالناس، إذ لو سُلِك بها مسلك البيع لكانت الحوالة باطلة؛ لأن بيع الدَّين بالدَّين لا يجوز، لقول ابن عمر "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن [27/أ] بيع الكالئ بالكالئ) رواه / الدارقطني (¬3)، وهو الدَّين بالدَّين، ولكن الشارع أخرجها عن حيِّز المعاوضة، وجعلها أصلًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على مليءٍ فليحتل" متفق عليه (¬4)، فإذا استعمل في الحوالة لفظ البيع فإنها لا تصح؛ لأن استعمال لفظ البيع يستدعي لشرائطه، وهي غير موجودةٍ، فلم يصح (¬5). ¬
223 - إذا أحال الضامن المضمون له بما ضمنه على من له عليه دين، فقبل صح
فَصل 223 - إذا أحال الضامن المضمون له بما ضمنه على من له عليه دين، فقبل صح (¬1). ولو أحاله على من لا دين له عليه لم يصح (¬2). والفرق: أن الحوالة على من له عليه دينٌ حوالةٌ صحيحةٌ، تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. بخلاف ما إذا لم يكن له عليه دين، فإنها غير صحيحةٍ؛ لأن الحوالة في الحقيقة: أن يعاوض المحيل ما في ذمته بمالَه في ذمة المحال عليه، فإذا لم يكن له في ذمته شيءٌ فقد عاوض بغير عوض، وذلك لا يجوز، فلذلك لم تصح الحوالة (¬3). فَصل. 224 - يعتبر في الحوالة رضا المحيل. ولا يعتبر رضا المحال عليه (¬4). والفرق: أن الواجب على المحيل قضاء الحق المتعين عليه، ولا يتعين عليه طريق من طرق الأداء، والحوالة من طرق الأداء فلا تتعين عليه، فلا تصح بغير رضاه. ¬
225 - إذا اشترى شيئا فأحال البائع عليه بالثمن، ثم وجد بالمبيع عيبا فرده، لم تبطل الحوالة، بل يطالب المحتال المشتري بالثمن، ويرجع به هو على البائع
بخلاف المحال عليه، فإن الدَّين واجب عليه قضاؤه، ولا حجر على ربه في مستوفيه منه، فله استيفاؤه بنفسه وبغيره، فالمحتال كوكيل رب الدَّين، فكما لا يعتبر رضاه لاستيفاء رب الدَّين أو وكيله، فكذلك لا يعتبر رضاه لاستيفاء المحتال (¬1). فصل 225 - إذا اشترى شيئًا فأحال البائع عليه بالثمن، ثم وجد بالمبيع عيبًا فرده، لم تبطل الحوالة، بل يطالب المحتال المشتري بالثمن، ويرجع به هو على البائع (¬2). ولو أحال المشتري البائعَ بالثمن، ثم انفسخ العقد قبل القبض، بطلت الحوالة في أصح الوجهين منهما (¬3). والفرق: أن المحال إذا قبل الحوالة من البائع صار كأنه قبض الثمن من المشتري، ولو قبضه منه ثم انفسخ العقد رجع به عليه، والحوالة وقعت بشروطها، لا مبطل لها. ¬
وهذا بخلاف المسألة الثانية، فإن البائع إنما احتال بالثمن المستحق له بالعقد، فإذا انفسخ سقط حقه منه، وإذا زال استحقاقه له زال استحقاقه لقبضه؛ فلذا بطلت الحوالة (¬1)، فظهر الفرق. ¬
كتاب الوكالة
كتاب الوكالة [فصل] 226 - إذا وكَّله في بيع ثوب أو دابةٍ، وسلَّمه إليه، فتعدى فيه، بأن لبس الثوب، وركب الدابة، لم تبطل الوكالة (¬1). ولو أودعه ذلك، فتعدى فيه، بطل حكم الوديعة، وصارت مضمونةً بيده (¬2). والفرق: أن الوكالة إذن في التصرف وائتمان، والتعدي يزيل الأمانة [27/ب] فتبقَّى الإذن / فإذا [ثبت بقاء الوكالة صح البيع بها، وتسليم العين، وقبض الثمن بحكم الوكالة. بخلاف الوديعة، فإنها أمانةٌ خاصةٌ، ليس فيها إذنٌ بالتصرف، والتعدي فيها يزيل الأمانة، فيبطل حكمها، ويلزمه ضمانها] (¬3). ¬
227 - إذا وكله في بيع عبد بمائة في سوق بعينه، فباعه بمائة في سوق آخر صح
. . . . . . . . . . (¬1) ¬
229 - إذا وكله في شراء جارية بعينها فاشتراها، ثم اختلفا، فقال الوكيل: اشتريتها بعشرين بأمرك، وقال الموكل: ما أذنت لك أن تشتريها بأكثر من عشرة، فالقول قول الموكل مع يمينه، ذكره القاضي في المجرد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
230 - الوكيل في الخصومة غير وكيل في القبض
قول الموكل، قدم قول الخياط. قلت: وعلل أبو محمد (¬1) ذلك: بأن الأصل عدم التوكل الذي يدعيه الوكيل، فالقول قول من ينفيه، وبأنهما اختلفا في صفة قول الموكل، فكان القول قوله في صفة كلامه، كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق. وجعل أبو الخطاب (¬2): القول قول الوكيل، فتصير (¬3) المسألتان سواء. فصل 230 - الوكيل في الخصومة غير وكيلٍ في القبض. والوكيل فيه وكيلٌ فيها (¬4). والفرق: أن القبض منفصلٌ عن الخصومة، وقد يصلح لها من لا يؤمن عليه. بخلاف الثانية، فإن القبض ربما استدعى خصومة المقبوض منه، ومنازعته، فالتوكيل فيه توكيل فيها ضمنًا (¬5). فصل 231 - إذا وكَّله في شراء ثوب بعينه، فاشترى غيره في الذمة، لا بعين مال الموكِّل، ولم يجز الموكَّل لم يبطل، ولزم الشراءُ الوكيلَ (¬6). ¬
232 - إذا ادعى: أنه وكيل في استيفاء حق على زيد فصدقه، لم يلزمه دفع الحق إليه
ولو وكَّله أن يتزوج له امرأةً بعينها، فتزوج له غيرها، ولم يُجز، بطل، ولم يلزم الوكيل (¬1). والفرق: أن المقصود من البيع الأثمان، والثمن يحصل من الوكيل؛ لأن العقد لزمه حيث اشترى في الذمة. بخلاف النكاح، فإن الأعيان مقصودةٌ، فإذا لم يصح لتلك العين بطل، لبطلان المقصود (¬2). فصل 232 - إذا ادعى: أنه وكيلٌ في استيفاء حقٍ على زيدٍ فصدقه، لم يلزمه دفعُ الحق إليه. ولو ادعى: أن ربَّ الحق مات، وأنه وارثه، لزم الغريم ذلك (¬3). والفرق: أن تصديق الغريم لا يثبِت الوكالة، بل هو إقرار منه على رب الحق بالتوكيل، فلا يقبل؛ إذ لو حضر وأنكر وحلف أخذ بقوله، وإذا لم يُثْبِت الوكالة لم يجب الدفع؛ لأنه إنما يجب بعد ثبوتها. ¬
233 - قد تقرر: أنه لا يلزم الغريم الدفع إلى مدعي الوكالة، وإن صدقه
بخلاف ما إذا صدَّق أنه وارثٌ لرب الحق؛ لأنه قد أقر أنَّ هذا المدعي هو مستحق الحق، دون غيره، فيلزمه تسليمه إليه، كما لو ادعى: أنه صاحب الحق فصدقه (¬1)، فظهر الفرق. فصل (¬2) 233 - قد تقرر: أنه لا يلزم الغريمَ الدفعُ إلى مدعي الوكالة، وإن صدَّقه (¬3). فلو ادعى: أنه محال بالحق فصدقه، لزمه الدَّفع إليه، في أصح الوجهين (¬4). والفرق: نحو ما تقدم من أن الوكالة لم تثبت، فلا يلزم الدفع. وفي الحوالة هو بتصديقه لمدعيها مقرٌ بأنه لا حق لغيره، بل هو المستحق، فلزمه الدَّفع كالوارث (¬5). فصل 234 - قد ثبت أنه لا يلزم مصدق مدَّعي الوكالة الدفع إليه، لكن لو دفع إليه جاز، فلو سلمه إليه، فحضر صاحب الحق، فأنكر الوكالة، وحلف، فإن كان المدفوع دينًا فله الرجوع به على الدافع فقط. ¬
235 - إذا ادعى الوكيل دينا ثابتا لموكله، فادعى الغريم أن موكله عزله، وشهد بذلك ابنا الموكل، حكم بشهادتهما
وإن كان عينًا فتلفت ضمَّنها أيهما شاء، أعني: الدافع، والمدفوع إليه (¬1). والفرق: أن الدَّين ثابت في ذمة المدين، لم يبرأ بدفعه إلى مدعي [28/أ] الوكالة، فلربه أخذه / منه، ولا يرجع على المدفوع إليه؛ لأنه لا يدعي عليه حقًا، إذ هو بإنكاره لوكالته معتقدٌ أنه قبض من المدين ذلك بغير حق. بخلاف العين، فإن حق مالكها متعلق بها، وقد قبض المدعي حقه بعينه، فله الرجوع به مع بقائه، وبقيمته مع تلفه على من شاء منهما، أما الدافع فلتفريطه بدفع مال الغير إلى غير إذنه، وأما المدفوع إليه فلأنه قبضها بغير حق (¬2). فصل 235 - إذا ادعى الوكيل دينًا ثابتًا لموكله، فادعى الغريم أن موكله عزله، وشهد بذلك ابنا الموكل، حكم بشهادتهما. ولو لم يحكم بشهادتهما حتى قبض الوكيل الدين، ثم حضر الموكَل، وقال: كنت عزلته، وشهد ابناه بذلك، لم تقبل شهادتهما. والفرق: أن شهادتهما قبل القبض بذلك شهادةٌ على أبيهم؛ لأنه إذا ثبت عزله تأخر قبض حقه، وشهادة الولد على والده جائزةٌ. بخلاف شهادتهما بعد القبض؛ لأنها شهادةٌ لأبيهما ببقاء حقه قِبَلَ المدعى عليه، وشهادة الولد لوالده غير جائزةٍ (¬3). ¬
236 - إذا وكله إنسان في شراء عبد بثمن بعينه سلمه إليه، ثم حجر على الموكل لفلس، بطلت الوكالة
فصل 236 - إذا وكله إنسان في شراء عبدٍ بثمنٍ بعينه سلِّمه إليه، ثم حجر على الموكل لفلسٍ، بطلت الوكالة. ولو وكله أن "يشتري في الذمة، ثم حجر عليه لفلسٍ لم تبطل. والفرق: أن المحجور عليه ممنوع من التصرف في أعيان ماله بنفسه، فكذا توكيله؛ لأن ذلك فائدة الحجر. بخلاف ما إذا وكله في الشراء في الذمة؛ لأن المفلس لا يُمنع من التصرف في ذمته، فلم تبطل الوكالة (¬1). فصل 237 - إذا وكَّل زوجته وطلَّقها، لم تبطل الوكالة (¬2). ولو وكَل عبده، ثم زال مِلْكه عنه بطلت (¬3). والفرق: أن توكيله العبد أمرٌ يلزمه امتثاله، فبطل بزوال ملكه عنه؛ لأنه حينئذٍ لا يلزمه امتثال أمره. بخلاف الزوجة، فإن توكيلها إذنٌ لها في التصرف، والإذن لا يبطل بطلاقها (¬4). ¬
كتاب الشركة
كتاب الشركة [فصل] 238 - إذا اشترى أحد شريكي العنان (¬1) شيئًا للشركة بثمنٍ ليس لشريكه مالٌ من جنسه بغير إذن شريكه، وقع الشراء له، دون الشريك (¬2). ولو كان هناك مالٌ من جنسه، صح الشراء لهما (¬3). مثاله: أن يشتري بذهب، وليس عنده إلا عرضٌ، أو بالعكس. والفرق: أنه في الأولى مستدين على مال الشركة، ولا يملك المضارب (¬4) ذلك. نص عليه (¬5). ¬
239 - قلت: وقد ذكرنا: أنه لا يجوز أن يشتري للشركة بثمن ليس معه من جنسه، ومثلنا ذلك
بخلاف ما إذا كان في أيديهما من جنس ما اشترى به، فإنه ليس باستدانةٍ (¬1). فصل 239 - قلت: وقد ذكرنا: أنه لا يجوز أن يشتري للشركة بثمنٍ ليس معه من جنسه، ومثلنا ذلك (¬2). ولو اشترى بذهبٍ ومعه فضةٌ، أو بالعكس جاز (¬3). والفرق: / أن الشراء بثمنٍ ليس معه من جنسه يفضي إلى الاستدانة، [28/ب] كما قررنا. بخلاف المسألة الثانية، فإن الذهب والفضة كالشيء الواحد، بدليل: أنهما قيم المتلفات، وثمن المبيعات، وأروش الجنايات، ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة، فالشراء بأحدهما شراء بالآخر (¬4). فصل 240 - إذا كان اثنان مشتركين في قفيز حنطةٍ، فقال إنسانٌ لأحدهما: أشركني فيه، ففعل، ولم يجز شريكه، صار القابل شريكًا بنصف النصف. ولو قال: بعني نصفه، فباعه، ولم يجز شريكه، صح البيع في كامل (¬5) نصيب البائع. ¬
241 - إذا كان عبد مشترك بين رجلين، فشركا فيه معا ثالثا، صار العبد بينهم أثلاثا
والفرق: أن الشركة تقتضي التساوي، وبقاء نصيب للمشارَك، فيكون بائعًا لنصف نصيبه، ويبقى له مثله، لتتحقق الشركة بينهما. بخلاف البيع، فإن طلب البيع لا يقتضي بقاء حق البائع، وقد أضاف البيع إلى نصفه، وهو قدر نصيبه، وينفذ في جميعه، كما لو كان يملك جميعه (¬1). فصل 241 - إذا كان عبدٌ مشتركٌ بين رجلين، فشرَّكا فيه معًا ثالثًا، صار العبد بينهم أثلاثًا. ولو شرَّكاه متفرقين صار له نصفه، ولكلٍ منهما ربعه. والفرق: أن الاشتراك يقتضي التساوي، ومن التساوي: أنهما إذا شركاه معًا يكون لكل واحدٍ منهم مثل ما للآخر، فوجب أن يكون بينهم أثلاثًا. بخلاف ما إذا شرَّكه كل واحدٍ على الانفراد؛ لأنا قد قررنا: أن صاحب النصف إذا شارك صار لشريكه الربع، فعلى هذا يتكامل للثالث النصف، ولكلٍ منهما الربع (¬2). فصل 242 - إذا شرط رب المال للعامل الثلث، وسكت عن الباقي جاز، وكان الباقي لرب المال. ¬
243 - إذا شرط للعامل في المضاربة نفقة جاز
ولو شرط الثلث لنفسه، وسكت عن نصيب العامل لم يجز. في أحد الوجهين (¬1). والفرق: أن نماء المال كله لرب المال، بدليل: أنه لو لم يقدر نصيبًا من الربح كان كله لرب المال (¬2)، فإذا شرط قسطًا منه للعامل كان الباقي له بحكم الملك. بخلاف العامل، فإنه إنما يملك الربح بالشرط، فإذا لم يُسمَّ نصيبه لم يكن الباقي للعامل لفقد الشرط (¬3). وأورد: إذا شرط له الثلث كان الباقي للعامل، كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (¬4) فلما قدَّر نصيب الأم دلَّ أنَّ الباقي للأب (¬5). وأجيب: أن الله تعالى أضاف الإرث إلى الأبوين بقوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}، فلما كان المال لهما، وقُدِّر نصيب أحدهما عُلم أنَّ الباقي للآخر، وهنا بخلافه. فصل 243 - إذا شرط للعامل في المضاربة نفقةً جاز (¬6) ¬
244 - يجوز للمضارب أن يبتاع المعيب والسليم
ولو شرطت له في المساقاة والمزارعة لم يجز. ذكره في المجرد (¬1). [29/أ] والفرق: أن المضاربة عقدٌ / جائزٌ، فصح فيه شرط النفقة للعامل، كالوكالة. بخلاف المساقاة والمزارعة؛ لأنها عقودٌ لازمةٌ، فلا يصح شرط نفقة العامل فيهما؛ لأن العقود اللازمة لا يصح أن يكون العوض فيها مجهولاً، كالبيع (¬2). قلت: هذا يتوجه على اختيار القاضي: أن المساقاة والمزارعة عقدان لازمان، أما على اختيار أكثر أصحابنا، وظاهر كلام إمامنا، فهما جائزان (¬3)، وعلى هذا يصير حكمهما حكم المضاربة. فصل 244 - يجوز للمضارب أن يبتاع المعيب والسَّليم. ولا يجوز للوكيل أن يبتاع معيبًا إلا بإذن موكله (¬4). والفرق: أن المضاربة القصد بها طلب الربح والفضل، وذلك يحصل من المعيب، كحصوله من السليم. بخلاف الوكالة، فإن إطلاق عقدها يقتضي شراء السَّليم؛ لأن المشترى إنما يراد به القنية والادخار غالبًا، فلم يجز أن يُشترى إلا السَّليم (¬5). ¬
245 - إذا اشترى المضارب من يعتق على رب المال بغير إذنه صح، وعتق، ولزم المضارب قيمته لرب المال
فصل 245 - إذا اشترى المضارب من يعتق على رب المال بغير إذنه صح، وعتق، ولزم المضاربَ قيمتُه لرب المال. ولو كان رب المال امرأةً، فاشترى مضاربها زوجها بغير إذنها صح، وانفسخ النكاح، ولم يلزمه ما أتلفه من مهرٍ ونفقةٍ (¬1). والفرق: أن شراء الرقبة في الأولى أتلف قيمتها من مال المضاربة، فلزمه ذلك، كما لو قتلها. بخلاف الثانية، فإن الإتلاف لا يعود إلى مال المضاربة، ولا هو مما يلزم ضمانه، بدليل: أنه لو قتل زوجة رجل لم يضمن بضعها (¬2). فصل 246 - إذا شرط للعامل في المضاربة كثر من أجرة مثله في مرضه صح، وحسبت الزيادة من رأس المال (¬3). ولو كان ذلك في المساقاة اعتبرت الزيادة من الثلث (¬4). ذكره القاضي في المجرد. والفرق: أن الربح في المضاربة ليس من عين المال، بل هو متولدٌ من تقليب العامل وتصرفه، فلم يخرج من ماله شيئا. ¬
247 - إذا قال العامل: ربحت ألفا، ثم قال: غلطت، أو نسيت، لم يقبل
بخلاف المساقاة، فإن الثمرة متولدةٌ من عين ماله، وخارجةٌ منه، فجرت مجرى أصلها، واعتبرت من الثلث (¬1). فصل 247 - إذا قال العامل: ربحت ألفًا، ثم قال: غلطت، أو نسيت، لم يقبل. ولو قال: خسرت، قبل قوله (¬2). والفرق: أنه في الأولى أقر بحصول مال بيده، ثم أنكر، فلم يقبل منه، أشبه ما لو قال: لفلانٍ عليَّ ألفٌ، ثم أنكر، فإنه لا يسمع، كذا هنا. بخلاف الثانية، فإن العامل أمينٌ، وقد ادعى أمرًا ممكنًا، فكان القول فيه قوله، كما لو ادعاه ابتداءً (¬3). فصل [29/ ب] 248 - إذا كان أربعة، لأحدهم دكان، ولآخر رحى، ولآخر بغل، ومن/ الآخر عملٌ (¬4)، فقال لهم إنسان: استاجرتكم لطحن كر طعامٍ بعشرة، صح، وقسطت بينهم أرباعًا، وعلى كل منهم طحن ربعه. ولو قال: استأجرت من هذا دكانه، ومن هذا رحاه، ومن هذا بغله، وهذا العامل لطحن الكر صح، وقسطت الأجرة على مثل أجرة الدكان، والرحى، والبغل، والعمل. والفرق: أنه في الأولة استأجرهم مطلقًا، فتعلقت الإجارة بذممهم والذمم متساويةٌ، والتزامهم متساوٍ، فتساووا في الأجرة. ¬
بخلاف الصورة الثانية، فإن الإجارة تعلقت بالأعيان فصحت؛ لأن جملة البدل معلومة، ولا أثر لكون ما يقابل قسط كل واحدٍ من المعقود عليه مجهولًا، كما لو تزوج نسوةً بعوضٍ واحدٍ فإنه يصح، ويقسط على مهور أمثالهن، كذا ما نحن فيه. إذا تقرر هذا، فقد قدمنا: أن كلًا منهم في المسألة الأولى يلزمه طحن الربع، فلو طحنوه بالآلة المذكورة لكان اشتراكهم لا يلغى، ولا يلزمه كله، بل ربعه؛ لأن اشتراكهم في طحنه يقتضي أن كل أثرٍ يحصل يكون بينهم أرباعًا، فعلى هذا يكون بينهم أرباعًا، وعلى هذا يرجع صاحب الدكان على رفقائه بثلاثة أرباع أجرة المثل له، وكذا صاحب الرحى، والبغل، والعامل (¬1) لما قررنا (¬2). ¬
كتاب الإقرار
كتاب الإقرار [فصل] 249 - إذا أقر في مرض موته لوارثٍ بدينٍ، فأجازه بقية الورثة قبل موته لم يصح، حتى يجيزوه بعده (¬1). ولو صدقوه فيه صح، قبل الموت وبعده. والفرق: أن الإجازة تنفيذ، فلم تصح إلا في وقتٍ يملكونه، وهو بعد الموت كتنفيذ الوصايا. بخلاف الثانية، فإن تصديقهم له اعتراف منهم للمقر له بما أقر به المريض، ولا يفرق الحال في الاستحقاق بين وقوعه قبل وبعد، بدليل: أن الإنسان لو عرف أن دارًا لشخص، وهي مغصوبة في يد غيره، فانتقلت من الغير إليه، لكان يلزمه تسليمها إلى مالكها الأول، ولم يؤثر، مع أنه عرف استحقاق مالكها لها قبل انتقالها إليه. تلخيص الفرق: أن الورثة في الأولى مجيزون، ولا يملكون الإجازة إلا بعد الموت. وفي الثانية، معترفون بالحق، فلزمهم حكم اعترافهم (¬2). فصل 250 - إذا قال: أعطيتني ألف درهمٍ وديعةً فهلكت، فقال المالك: بل غصبتنيها، فالقول قول المقر مع يمينه، ولا ضمان عليه. ¬
251 - إذا قال: له علي شيء، صح وألزم تفسيره
ولو قال: أخذت منك ألفًا وديعةً فهلكت، فقال المالك: بل غصبًا، فالقول قول المالك (¬1). والفرق: أنه في الأولى لم يقر بفعل / [30/أ] يوجب الضمان، بل أقر بفعل الدافع إليه، وذلك تصرفٌ من الدافع في ملكه، فإقراره لا يوجب ضمانًا، كقوله: أكلتَ مالك. بخلاف الثانية، فإنه مقرٌ بفعل نفسه وهو الأخذ، وذلك يوجب الضمان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "على اليد ما أخذت حتى ترده" رواه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3)، وغيرهما (¬4)، فإذا اعترف بالأخذ لزمه ضمان ما أخذ حتى يرده (¬5). فصل 251 - إذا قال: له علي شيءٌ، صحَّ وألزم تفسيره (¬6). ولو ادعى مجهولًا في غير وصيةٍ، لم تسمع (¬7) ¬
252 - إذ قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر صح
والفرق: أن الإقرار إخبارٌ بما يستحق عليه، فلو رُدَّ لسقط حق المقر له؛ لأنه قد لا يقر بمعلومٍ فيضيع الحق. بخلاف الدعوى، فإنها حق المدعي، فإذا رُدَّت لجهالتها لم يضره؛ لأنه يعدل إلى الدعوى بمعلومٍ (¬1). والفرق بين الوصية وغيرها يذكر في موضعه. فصل 252 - إذ قال: له عليَّ ألف إذا جاء رأس الشهر صح. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فله علىَّ ألف لم يصح (¬2). والفرق: أنه في الأولى أقر بشيءٍ، وادّعى تأجيله، وذلك لا يسمع وفي الثانية، علَّق الإقرار بشرطٍ لم يصح، كما لم يصح: إذا قدم زيد فلعمرو عليَّ كذا، وإنما لم يصح تعليقه؛ لأنه بالتعليق يخرج عن كونه إخبارًا بحقٍ سابقٍ؛ فلذا لم يصح (¬3). فصل 253 - إذا قال عارف العربية: له علىَّ درهم غيرُ دانقٍ (¬4)، برفع غير، لزمه درهمٌ تام. ¬
254 - إذا قال: له على كذا وكذا درهما، لزمه درهمان
ولو نصبها لم يلزمه إلا خمسة دوانق. والفرق: أن غير في الأولى نعتٌ. وفي الثانية استثناء (¬1). فصل 254 - إذا قال: له علىَّ كذا وكذا درهمًا، لزمه درهمان. ولو رفع الدرهم، لزمه درهم واحدٌ (¬2). والفرق: أنه في الأولى أقر بمبهمين يمكن تفسيرهما بدرهمين وثوبين، وغير ذلك، فإذا نصب درهمًا كان الدرهم مفسرًا للعدد، فيلزمه درهمان. بخلاف الثانية، فإنه لم يقر، وإنما بيَّن بالدرهم مبلغ العدد، فكأنه قال كذا وكذا مبلغها درهم (¬3). قلت: وهذا الذي حكاه في المسألتين وجه في المذهب. والصحيح: أنه يلزمه درهمٌ في المسألتين (¬4)، وفي المسألة أقوال: أحدها: ما ذكر المؤلف. والثاني: ما ذكرته آنفًا. ¬
والثالث: يلزمه درهمان فيهما. والر ابع: درهمٌ، وبعض آخرٍ (¬1). قال أبو البركات (¬2) بعد ذكر هذه الأقوال، وبعد أن ذكر في قوله: له عليَّ كذا درهمًا، وكذا كذا درهمًا، بالنصب أو بالرفع: إنه يلزمه درهمٌ. قال: وهذا كله عندي إذا كان يعرف العربية، فإن لم يعرفها لزمه بذلك درهم في الجميع (¬3)، هذا آخر كلامه، وفيه شيء. [30/ب] فإنَّ هذا إنما / يتوجه أن لو كان ما قدمه هو مقتضى العربية، وليس كذلك، وإنما مقتضى العربية ما قاله محمد بن الحسن (¬4): أنه إذا قال: كذا درهمًا، لزمه عشرون؛ لأنه أقل عددٍ مفسَّر بالواحد المنصوب، وإن قال: كذا كذا فى درهمًا لزمه أحد عشر؛ لأنه أقل عددٍ مركَّبٍ، يفسر بالواحد المنصوب، ¬
255 - إذا قال: له على درهم، بل درهمان، لزمه درهمان فقط
وإن قال: كذا وكذا درهمًا، لزمه إحد [ى] وعشرون؛ لأنه أقل عددٍ معطوفٌ بعضه على بعضٍ يفسر بذلك، وإن قال: كذا درهم بالجر لزمه مائة؛ لأنه أقل عددٍ يضاف إلى الواحد (¬1)، فهذا مقتضى العربية (¬2). وأما الذي ذهب إليه أصحابنا، فإنه يرجع إلى قاعدة، وهي: أن الأصل براءة الذمة، فلا نُعلِّق بها إلا ما نتيقنه، ولا نعلق بها شيئًا بأمرٍ محتملٍ (¬3)، وهذه الألفاظ المذكورة تحتمل ما ذهب إليه محمد، وما ذهب إليه الأصحاب، ولكن ما ذهبوا إليه هو اليقين لأنه الأقل، فههنا يحسن الفرق بين العارف بالعربية، والجاهل بها، فالعارف بها: يلزمه ما ذهب إليه محمد (¬4)، وغير العارف: يلزمه ما ذهب إليه أصحابنا. هذا الذي يتوجه لي (¬5). فصل 255 - إذا قال: له علىَّ درهم، بل درهمان، لزمه درهمان فقط. ولو قال: درهم بل دينار، لزماه (¬6). ¬
256 - إذا أقر في مرض موته لبعض ورثته بمال، لم يصح إقراره
والفرق: أنه في الأولى أضرب عن الأول، وفي الثاني من جنسه. وفي الثانية، أضرب عن الأول، وليس في الثاني من جنسه، فكأنه أراد إسقاط الأول، وذلك لا يمكن، فلزماه. وفي الأولى، لم يسقط، وإنما ضم إلى الدرهم مثله (¬1). فصل 256 - إذا أقرَّ في مرض موته لبعض ورثته بمالٍ، لم يصح إقراره (¬2). ولو أقر بوارثٍ صح، مع أنه متضمن للإقرار بالمال (¬3). والفرق: تقدم في كتاب البيع، في قولنا: إذا اشترى من إنسان دارًا وهي في يد ثالثٍ، فلينظر هناك (¬4). فصل 257 - إذا قال: هذه الدار لفلانٍ، ولي منها هذا البيت، قبل منه (¬5) ولو قال: هذه الدار له، ولي نصفها، لم يقبل (¬6). ¬
258 - إذا قال: على له مع كل درهم درهم، لزمه درهمان من غير زيادة
والفرق: أن اسم الدار يصدق على ما دون البيت، فالبيت ليس جزءًا منها (¬1)، فليس ذلك رجوعًا، فصح. بخلاف المسألة الثانية، فإن المقر أثبت للمقر له الدار جميعها، فإذا قال بعد ذلك: ولي نصفها، فقد ادعى عين ما أقر به؛ لأن اسم الدار لا يطلق عليها بدون نصفها، فظهر الفرق (¬2)، والله أعلم. فصل 258 - إذا قال: علىَّ له مع كل درهمٍ درهم، لزمه درهمان من غير زيادةٍ. ولو قال: أنت طالق مع كل طلقةٍ طلقةٌ، طلقت ثلاثاً. والفرق: أن الطلاق ذو عددٍ محصورٍ، فإذا دخلت عليه كل اقتضت/ [31/أ] استيعاب الجميع، كما لو قال: أنت طالق كل الطلقات، فإنها تطلق ثلاثًا، كذا هنا. بخلاف مسألة الدراهم، فإن الدراهم ليس لها عدد محصورٌ توقف عنده، وللدرهم الواحد حاصر يحصره، فصار إدخال حرف كلٍ عليه للإحاطة بأجزائه، فكأنه قال: له عليَّ درهم مع جملة أجزاء الدرهم، ولو قال: كذا، لزمه درهمان كما لو قال: له عليَّ درهمٌ مع درهمٍ (¬3). ¬
259 - إذا كانت في يده عين فادعاها زيد وعمرو، فأقر بها لزيد، ثم لعمرو، لزمه تسليمها إلى زيد، وقيمتها لعمرو
فصل 259 - إذا كانت في يده عينٌ فادعاها زيدٌ وعمرو، فأقر بها لزيدٍ، ثم لعمرٍو، لزمه تسليمها إلى زيدٍ، وقيمتها لعمرٍو. ولو أقر بها لأحدهما، لزمه تسليمها إليه، ولم يلزمه للآخر شيءٌ (¬1). والفرق: أنه في الأولى إنما أقر بها لعمرٍ وبعد أن فعل ما حال به بينه وبينها بغير حقٍ؛ فلذلك غرم قيمتها، كما لو أقر بها بعد الإتلاف. بخلاف ما إذا أقر بها لأحدهما خاصةً؛ لأنه لم يقر للآخر بما يلزمه الخروج منه، فلم يلزمه له غرم، كما لو كان هو المدعي وحده ولا بينة له، فلم يقر له بشيءٍ، فإنه لا يلزمه غير اليمين، كذا هنا (¬2). فصل 260 - إذا قال: له في ميراث أبي ألف، كان مقرًا بالألف دينًا على تركة أبيه، يستوفى منها. ولو قال: [له] (¬3) في ميراثي من أبي ألف، ثم قال: أردت بذلك هبةً أهبها له، ثم بدا لي في تقبيضه (¬4)، قبل منه، ولم يلزمه شيء (¬5). والفرق: أنه إذا قال: في ميراث أبي، فقد أقر على أبيه بحقٍ لازمٍ في تركته، فيجب استيفاء ذلك من التركة. ¬
261 - إذا كان في يد شخص عبد محكوم له بملكه فأقر السيد: أنه ملك لزيد، فصدقه زيد، فقال العبد: بل أنا ملك عمرو، حكم به لزيد، ولم يلتفت إلى قول العبد، فإن أنكر ذلك زيد بقي على ملك سيده
بخلاف ما إذا قال: في ميراثي من أبي؛ لأنه قد أضاف الملك إلى نفسه وأخبر أن له في ملكه ألفًا، ولا يكون ملكه لغيره إلا إذا نقله بهبةٍ أو غيرها، فكلامه هذا ليس إقرارًا بحقٍ سابقٍ، فإذا فسر ذلك بالهبة، ثم رجع فيها جاز؛ لأنه قبل القبض (¬1). فصل 261 - إذا كان في يد شخصٍ عبدٌ محكومٌ له بملكه فأقر السيد: أنه ملك لزيد، فصدقه زيدٌ، فقال العبد: بل أنا ملك عمرٍو، حكم به لزيدٍ، ولم يلتفت إلى قول العبد، فإن أنكر ذلك زيدٌ بقي على ملك سيده (¬2). ولو قال مجهول النسب: أنا عبد فلانٍ فكذبه، حكم بحريته (¬3). والفرق: أن العبد في الأولى محكومٌ لسيده بملكه، فإذا لم يقبله من أُقر له به، بقي على ملك مالكه. بخلاف الثانية، فإن الأصل في الآدمي الحرية، والمقر غير محكومٍ بملكه، فإذا لم يصدقه المقر له عاد إلى أصل الحرية (¬4)، فافترقا. فصل 262 - إذا أقر بألف درهمٍ وأطلق، ووزنُ دراهم بلد الإقرار ناقصٌ/ عن [31/ب] ¬
263 - إذا كان لرجل أمة محكوم له بملكها، فانتقلت إلى غيره، واختلفا في سبب انتقالها، فقال الذي انتقلت إليه: زوجتنيها بألف، فقال: بل بعتكها بالألف، فكل منهما يدعي على الآخر عقدا ينكره، ولا بينة، فعلى منكر الابتياع اليمين، دون منكر التزويج، وهو المالك الأول
دراهم الإسلام، لزمه بوزن الإسلامية (¬1). ولو باعه شيئًا بألف درهمٍ، كان بوزن دراهم البلد (¬2). والفرق: أن الإقرار إخبارٌ بواجبٍ في الذمة، فيحتمل أن يكون الوجوب في بلد الإقرار، ويحتمل أن يكون في غيره، فإذا احتمل أطرح ذلك، وعمل على عرف الشرع، وهو دراهم الإسلام. بخلاف البيع، فإنه ابتداء إيجابٍ في الحال، فلا ينصرف إلا إلى نقد البلد ووزنه (¬3). قلت: هذا الذي حكاه في الأولى هو أحد الوجهين. والآخر: تلزمه الألف بوزن البلد، وهو الصحيح (¬4)، إذ الظاهر رجوعه إلى عرف أهل البلد دون الشرع، لكونه اليقين (¬5). ولو قيل: يرجع في تفسير الوزن إليه لم يكن بعيدًا. فصل 263 - إذا كان لرجلٍ أمةٌ محكومٌ له بملكها، فانتقلت إلى غيره، واختلفا في سبب انتقالها، فقال الذي انتقلت إليه: زوجتنيها بألفٍ، فقال: بل بعتكها بالألف، فكل منهما يدعي على الآخر عقدًا ينكره، ولا بينة، فعلى منكر الابتياع اليمين (¬6)، دون منكر التزويج، وهو المالك الأول. ¬
264 - إذا ثبت هذا، فإن الأمة إذا حلف منكر شرائها حكمنا ببطلان البيع والنكاح، وترد إلى مالكها، لكن لا يجوز له وطؤها
والفرق: أن المالك منكرٌ للتزويج، والنكاح لا يمين في إثباته ولا نفيه. على الصحيح من المذهب. بخلاف منكر البيع، فإن البيع مما يستحلف فيه (¬1)، إثباتًا ونفيًا (¬2). فصل 264 - إذا ثبت هذا، فإن الأمة إذا حلف منكر شرائها حكمنا ببطلان البيع والنكاح، وترد إلى مالكها، لكن لا يجوز له وطؤها. ولو نكل منكر الشراء عن اليمين، وقضي عليه بالنكول، أو رُدَّت اليمين على المالك، فحلف أنه باعه إياها، ثبت البيع ظاهرًا، وأقرت الأمة في يد منكر الشراء، وله وطؤها (¬3). ¬
265 - قلت: وهذا الذي ذكرناه من رد الأمة إلى مالكها الأول إنما يكون بتقدير أن مدعي الزوجية لم يستولدها
والفرق: أن منكر الشراء معتقدٌ جواز وطئها بكل حال؛ لأنها إما زوجته إن كان صادقًا، أو أمته إن كان كاذبًا؛ لأنا قد حكمنا بصحة البيع (¬1). بخلاف مالكها إذا رجعت إليه، فإنه يعتقد تحريمها، لكونها أمة غيره، وقد عادت إليه بغير فسخٍ ولا عقدٍ جديدٍ، فافترقا (¬2). وذكر القاضي وجها: أنه يجوز لمالكها الوطء، قال: لأن رجوعها إليه فسخٌ؛ لأن البائع وجد عين ماله عند المشتري، وقد تعذر عليه استيفاء الثمن منه، فكان له أخذ ماله بالفسخ، كما لو وجد عين ماله عند المفلس المحجور عليه (¬3). فصل 265 - قلت (¬4): وهذا الذي ذكرناه من ردِّ الأمة إلى مالكها الأول إنما يكون بتقدير أن مدعي الزوجية لم يستولدها. [32/أ] أما/ إذا استولدها فإنها لا ترد إلى الأول (¬5)، ولا يحل له وطؤها قولًا واحدًا (¬6). والفرق: أن مالكها الأول معترفٌ بزوال ملكه عنها، وذهابه بالكلية بعد زواله، فلا يعود إليه بحال، كما لو ادعى: أنه باع عبده من زيدٍ، وأن زيدًا أعتقه، وأنكر زيدٌ الشراء وحلف، فإن البيع يسقط، ولا يعود العبد إلى الملك بحالٍ؛ لأنه اعترف بذهاب ملكه بعد انتقاله (¬7). ¬
266 - فإن كان اختلافهما في المسألة المتقدمة بعد أن استولدها مدعي الزوجية، وحلف على عدم الشراء فقد قررنا: أن الجارية لا ترد إلى مالكها الأول، فإذا ثبت ذلك، فإنها لا تقر في يد مدعي الزوجية، ولا يجوز له وطؤها في الحكم
وهذا بخلاف ما إذا لم يكن استولدها مدعي الزوجية، فإن مالكها حينئذٍ ليس معترفًا بتلف ملكه بعد زواله، فلذا عادت إليه (¬1). فصل 266 - فإن كان اختلافهما في المسألة المتقدمة بعد أن استولدها مدعي الزوجية، وحلف على عدم الشراء فقد قررنا: أن الجارية لا ترد إلى مالكها الأول، فإذا ثبت ذلك، فإنها لا تقر في يد مدعي الزوجية، ولا يجوز له وطؤها في الحكم (¬2). ولو قال رجل لآخر: بعتك أمتي بألف، وقبضت الثمن، فأنكر، وقال: بل وهبتها، فإنه يباح له وطؤها (¬3). والفرق: أنا قد حكمنا في الأولى بعدم الزوجية والشراء جميعًا؛ لأن الأصل عدمهما، وقد حلف على نفي الشراء، ولا يمين في النكاح، فلا يجوز له وطؤها لعدم مجوزه (¬4). بخلاف الثانية، فإنهما قد اتفقا على الإباحة، واختلفا في سببها، ولم يحكم بعدم البيع والهبة (¬5). فصل 267 - فإن ماتت هذه الجارية، استوفى مدعي بيعها الثمن من تركتها إن كان مستولدها حيًا. وإن كان ميتًا لم يجز استيفاء الثمن من التركة. ¬
268 - إذا أقر بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب، وكان مثله يولد لمثله، لحقه
والفرق: أن مستولدها إذا كان حيًا فهو معترفٌ أن جميع تركتها لسيدها؛ لأنه يعتقد أنها مملوكةٌ له، ومالكها الأول - مدعي بيعها - يعترف أن جميع تركتها لمستولدها؛ لأنه وارثها بالولاء، وأنه يستحق عليه ثمنها، ويريد أخذه من ماله، والتركة ماله، فقد اتفقا على جواز استيفاء مدعي البيع للثمن من هذه التركة، إما بحق الملك، أو الثمن. بخلاف ما إذا كان مستولدها ميتًا، فإن مدعي بيعها يعترف أنها عتقت بموت سيدها، وأن تركتها لورثتها من النسب، فلا يستحق استيفاء دينٍ له على معتقها من تركتها (¬1)، فظهر الفرق. فصل 268 - إذا أقرَّ بنسب صغيرٍ أو مجنونٍ مجهول النسب، وكان مثله يولد لمثله، لحقه (¬2). وإن أقر بنسبه وهو مكلف، لم يلحق إلا بتصديقه (¬3). والفرق: أن المكلف يعتبر قوله، فلم يلحق إلا بتصديقه، كما لو ادعى: أن المكلف عبده، فإنه يعتبر تصديقه، كذا ههنا. [32/ب] بخلاف / الصغير والمجنون، فإنه لا يعتبر قولهما، ويلحقان به، كما لو كانا في يده، ولم يعلم سبب ذلك، فادعى رقهما، فانه يحكم له بملكهما، ولم يعتبر قولهما، كذا ههنا (¬4). ¬
269 - إذا كان له جاريتان، لكل منهما ولد، فقال سيدهما: أحد هذين الولدين ولدي، ولا زوج لواحدة منهما، ولم يكن السيد قد أقر بوطء واحدة منهما، ثم مات ولم يبين، ولم توجد قافة، أو وجدوا وأشكل عليهم وعلى ورثته، أقرع بينهم، فمن قرع ثبتت حريته، دون نسبه
فصل 269 - إذا كان له جاريتان، لكلٍ منهما ولدٌ، فقال سيدهما: أحد هذين الولدين ولدي، ولا زوج لواحدةٍ منهما، ولم يكن السيد قد أقر بوطء واحدةٍ منهما، ثم مات ولم يبين، ولم توجد قافة (¬1)، أو وجدوا وأشكل عليهم وعلى ورثته، أقرع بينهم، فمن قرع ثبتت حريته، دون نسبه (¬2). والفرق: أن للقرعة مدخلاً في تمييز الحرية من الرق، بدليل: لو أعتق من عبيده لا بعينه، أقرعنا بينهم لتمييز الحر، كذا هنا (¬3). ¬
270 - قد قررنا: أنه تثبت حرية أحدهما بالقرعة، دون نسبه، فعلى هذا لا يرث، ولا يوقف له سهم، ولا يقرع بينهما لتبيين الوارث
بخلاف النسب، فإن القرعة لا تدخله (¬1)، بدليل ما لو وقع ثلاثةٌ على امرأة فجاءت بولدٍ، يُرى القافة، ولا يقرع بينهم. نص عليه في رواية ابن منصور (¬2) وغيره، وإذا لم يكن لها مدخل في النسب لم تستعمل فيه (¬3). فصل 270 - قد قررنا: أنه تثبت حرية أحدهما بالقرعة، دون نسبه، فعلى هذا لا يرث، ولا يوقف له سهمٌ، ولا يقرع بينهما لتبيين الوارث (¬4). ولو طلق واحدةً من نسائه ثلاًثا، ومات ولم يبين، أقرع بينهن، وورثن [إلا] (¬5) القارعة (¬6). والفرق: أن القرعة بينهما في الإرث تقتضي ثبوت النسب بالقرعة ضمنًا، وقد قررنا: أنه لا مدخل لها هنا. بخلاف الزوجات، فإن المطلقة تخرج بالقرعة، ويرث غير المطلقة (¬7). فصل 271 - إذا أقر العبد الماذون له في التجارة بمالٍ وأطلق، صح إقراره في قدر ما أُذن له فيه، فإن لم يف ما بيده من المال بالدين لزم سيده ما فضل (¬8). ¬
ولو أقر بما يوجب المال، ولا يتعلق بالتجارة، كقتل الخطا والغصب ونحوهما، فحكمهما حكم إقرار غير المأذون له إذا أقر بدينٍ، وفيه روايتان: إحداهما: يصح، ويتبع به بعد العتق، واختارها السامرِّي (¬1). والأخرى: يتعلق برقبته، وهي المشهورة في المذهب، ولا يتعلق بذمة السيد قولًا واحدًا (¬2). والفرق: أن السيد أذن له في التجارة، ولم يأذن له في الجناية، فإذا أقر بذلك فقد أضاف الإقرار إلى غير محل الإذن، فلذا لم يتعلق بمال التجارة. بخلاف ما إذا أطلق الإقرار فإنه يقبل؛ لأن الإذن السابق ألحقه في الالتزام بالآخر، فلحق إقراره المطلق بإقرارهم (¬3). ¬
كتاب العارية
كتاب العارية [فصل] [33/ أ] 272 - /إذا أعاره أرضًا ولم يقدِّر مدتها جاز (¬1). ولو أجَّره ولم يقدر المدة لم يجز (¬2). والفرق: أن الإجارة من العقود اللازمة، فأثَّرت الجهالة فيها، كالبيع. بخلاف العارية، فإنها من العقود الجائزة فلا تقدح الجهالة فيها، كالجعالة (¬3). فصل 273 - يلزم المستعير مؤنة رد العارية (¬4). ولا يلزم المستأجر مؤنة رد العين المؤجرة (¬5). والفرق: أن المستعير ضامنٌ للرد، فلزمه مؤنته (¬6)، كالغاصب. ¬
274 - لا يجوز للمستعير أن يعير، ولا يؤجر
بخلاف المستأجر، فإن يده يد أمانةٍ؛ فلا يلزمه مؤنة الرد، كالمودَع (¬1). فصل 274 - لا يجوز للمستعير أن يعير، ولا يؤجر (¬2). ويجوزان للمستأجر (¬3). والفرق: أن منافع العارية ملك للغير، أباحها المستعير، فلا يملك منها إلا ما ينتفع به، فلا يجوز له إخراجها إلى غيره. بخلاف المستأجر، فإنه مالك المنافع (¬4). فصل 275 - إذا أعاره شيئًا، ثم وهبه منه، بطلت العارية. ولو أجره، ثم وهبه، لم تبطل الإجارة (¬5). والفرق: أن العارية إباحةٌ كما بيَّنا، وإذا زال الملك زالت الإباحة، فبطلت (¬6). ¬
276 - إذا اختلف مالك الدابة وراكبها، فقال المالك: أجرتكها، وقال الراكب: بل أعرتنيها، ولا بينة، أخذ بقول القابض مع يمينه، ولا أجرة، ذكره ابن عقيل
والإجارة تمليك للمنفعة، فإذا زال حق المؤجر لم يزل حق المستأجر، كما لو باعها من أجنبي (¬1). فصل 276 - إذا اختلف مالك الدابة وراكبها، فقال المالك: أجرتكها، وقال الراكب: بل أعرتنيها، ولا بيِّنة، أخذ بقول القابض مع يمينه، ولا أجرة (¬2)، ذكره ابن عقيل (¬3) (¬4). ولو قصر قصَّار ثوب رجلٍ، وقال استأجرتني لقصارته فعليك الأجرة، ¬
277 - إذا أعاره أرضا لغرس أو بناء مدة معلومة، وشرط عليه قلعه عند انقضائها، لم يغرم المعير نقص البناء والغرس بالقلع
فأنكر صاحبُه، ولا بينة، أخذ بقول صاحب الثوب (¬1). والفرق: أن القصَّار مدعٍ عقدًا، والأصل عدمه، وبراءة ذمة صاحب الثوب (¬2). وبهذا المعنى أخذ بقول الراكب؛ لأن المالك يدعي ما الأصل عدمه، وبراءة الذمة منه، وهو العقد (¬3). فصل 277 - إذا أعاره أرضًا لغرسٍ أو بناءٍ مدةً معلومةً، وشرط عليه قلعه عند انقضائها، لم يغرم المعير نقص البناء والغرس بالقلع (¬4). ولو لم يشرطه لم يلزمه حتى يضمن المعير قيمته، أو ما نقص بالقلع، سواء طالبه بالقلع بعد المدة، أو قبلها (¬5). والفرق: أنه إذا شرط ذلك فقد قيَّد لفظ العارية بما يخالف العادة، فلزمه مقتضى اللفظ، وكلفناه قلع ذلك، ولا غرم له. بخلاف ما إذا لم يشرط القلع، فإنه يتقيد اللفظ بالعادة، والعادة تأبيد الغرس والبناء، وليس في اللفظ ما يخالف ذلك، فإذا كلَّفه خلاف / العادة [33/ب] كلف غرم النقص، كما لو أعاره من غير توقيت؛ لأن التوقيت ليس صريحًا في القلع عند انقضاء المدة، لاحتمال أن يريد الأجرة بعد المدة، أو بيعها منه، ¬
278 - يضمن الغاصب المغصوب بكثر القيمتين: من قيمته يوم غصبه، ويوم تلفه
فلهذا الاحتمال صار التوقيت وعدمه سيَّان (¬1). فصل 278 - يضمن الغاصب المغصوب بكثر القيمتين: من قيمته يوم غصبه، ويوم تلفه (¬2). وإذا تلفت العارية ضمنت بقيمتها يوم التلف (¬3). والفرق: أن المستعير غير معتدٍ؛ لأنه قابض للعين بإذن المالك، فزيادتها ونقصها غير مضمونٍ عليه مع بقاء عينها (¬4). ¬
279 - إذا استعار دابة مدة فانقضت، ولم ينتفع بها بعد المدة، فعليه ضمانها
بخلاف الغاصب، فإنه معتدٍ بغصبه، فالنقص مضمون عليه، لكونه تلف في يده العادية؛ فلذلك ضمن أكثر الأمرين (¬1). فصل 279 - إذا استعار دابةً مدةً فانقضت، ولم ينتفع بها بعد المدة، فعليه ضمانها. ولو استأجرها مدةً فانقضت، ولم ينتفع بعدها لم يضمن. والفرق: أن العارية مضمونة بقبضها، فلا يبرأ إلا بردها، فإذا لم يردها حتى تلفت ضمنها، كالغاصب. بخلاف المستأجر، فإن العين المؤجرة غير مضمونةٍ، ولا يلزم ردها بعد انقضاء مدة الإجارة إلا بطلب المؤجر، ومؤنة الرد على المؤجر، فهي كالوديعة؛ فلذا لم يضمن فيما لم يتعد (¬2). ¬
280 - إذا غصب ثوبا مصبوغا فبله، فنقصت قيمته، وجب رده وأرش نقصه
باب الغصب [فصل] 280 - إذا غصب ثوبًا مصبوغًا فبلَّه، فنقصت قيمته، وجب رده وأرش نقصه (¬1). ولو غصب حنطةً فبلَّها، فعفنت عفونةً غير متناهيةٍ، لزم الغاصب مثلها (¬2). والفرق: أن فساد الثوب متناه، فلا يكون كالتالف (¬3). بخلاف الحنطة، فإن فسادها غير متناهٍ؛ لأنه يزيد حتى يتلفها، فجعلت كالتالفة في الحال (¬4). فصل 281 - إذا غصب جاريةً ضمن منفعتها بالغصب. ولا يضمن منافع بضعها حتى يتلفها (¬5). ¬
282 - إذا اشترى أمتين، فتسرى بإحداهما، وزوج الأخرى
والفرق: أن منافع البضع لا تدخل تحت الغصب، بدليل: أنه لو زوجها مالكها بغير الغاصب صح، وإنما تضمن بالإتلاف، كالحر. بخلاف بقية منافعها؛ لأنها تدخل تحت الغصب، بدليل: أنه لو أجرها مالكها من غير الغاصب لم يصح (¬1). فصل 282 - إذا اشترى أمتين، فتسرَّى بإحداهما، وزوَّج الأخرى، فولدتا، ثم ظهر أن بائعهما كان غاصبًا لهما، أخذهما المالك، وأخذ أولاد المزوجة، وعِوَضَ أولاد السُّرِّيَّة من سيدها، ويرجع المشتري على الغاصب بما غرمه من عوض أولاده؛ لأنه غَّره، ولا يرجع عليه ببقية أولاد المزوجة. والفرق: أن أولاد/ المزوجة يتبعونها في الرق فحكمهم حكمها، [34/أ] والمشتري التزم بالعقد ضمان الأم، فكذا أولادها، فإذا استحقوا لزم ضمانهم حتى يردَّهم إلى مستحقهم كأمهم، ولا يرجع المشتري على الغاصب إلا بما دفع إليه من الثمن. وليس كذلك أولاده من السُّرِّيَّة؛ لأنه لم يلتزم بالعقد ضمانهم، وإنما دخل على أن يسْلَموا له، فإذا أدى عوضَهم رجع به على الغاصب؛ لأنه غرَّه (¬2). ¬
283 - إذا اشترى أمة فاستولدها، ثم استحقت، فلمالكها أخذها ومهرها وقيمة أولادها، ويرجع على الغاصب بقيمة الأولاد
فصل 283 - إذا اشترى أمةً فاستولدها، ثم استُحقت، فلمالكها أخذها ومهرها وقيمة أولادها، ويرجع على الغاصب بقيمة الأولاد (¬1). ولو اشترى الأب جارية ابنه وأولدها، ثم استحقت، وأخذت مع قيمة الأولاد، لم يرجع الأب على ابنه بما غرمه من قيمتهم (¬2). والفرق: أن الابن لم يضمن بالعقد للأب سلامة الولد، فقد اغترَّ من غير تغريرٍ، فلا يرجع، كما لو رأى ضرع شاةٍ كبيرًا (¬3) فاشتراها، فإنه لا يكون حكمه حكم المصرَّاة (¬4). ¬
284 - إذا غصب مثليا فاتلفه وأعوز مثله، لزمه قيمته يوم قبضها
بخلاف المشتري، فإن البائع ضمن له بالعقد سلامته، فإذا لم يسلم رجع بما ضمنه على من غرَّه (¬1). قلت: قال الوالد: هذا الفصل مضطربٌ؛ لأن قوله في صدر الباب: ولو اشترى الأب جارية ابنه وهم منه، وصوابه: لو استولد الأب جارية ابنه. قال: وقد ذكرها على ما صوبه الكرابيسي في فروقه (¬2). قال: وقوله في الفرق: إن الابن لم يضمن بالعقد للأب سلامة الولد غير صحيحٍ، بل هو ضامنٌ له ذلك، لكونه لا فرق بينه وبين الأجنبي في ذلك، وهذا ظاهرٌ. فصل 284 - إذا غصب مثليًا (¬3) فاتلفه وأعوز مثله، لزمه قيمته يوم قبضها (¬4). ولو غصب متقومًا (¬5) لزمه قيمته يوم التلف، أو أكثر الأمرين: ¬
285 - إذا غصب صاعين عصيرا قيمتهما دينار، فغلاهما حتى بقي منهما صاع قيمته دينار فرده، لم يلزمه معه شيء آخر
من يوم الغصب إلى يوم التلف. على اختلاف الروايتين (¬1). والفرق: أنه في الأولى إنما ثبت في ذمته المثل، فاعتبرت قيمته يوم أخذ العوض عنه؛ لأنه لو وجد [لزمه] (¬2) ابتياعه مهما (¬3) كان (¬4). وفي الثانية، الواجب في ذمته القيمة لا غير، وقد استقر وقت التلف، فلا يعتبر بغير ذلك الوقت (¬5). فصل 285 - إذا غصب صاعين عصيرًا قيمتهما دينارٌ، فغلاهما حتى بقي منهما صاعٌ قيمته دينارٌ فرده، لم يلزمه معه شيء آخر (¬6). ¬
286 - إذا غصب خشبة فبنى عليها، نقض بناؤه، وردت إلى مالكها
ولو كانا زيتًا، لزمه مع رده مثل الصاع التالف (¬1). ذكرهما في المجرد. والفرق: أن الذاهب من العصير بغليانه هو الماء؛ لأن النار تذهب مائيته، وتجمع حلاوته، والماء لا قيمة له. بخلاف الزيت، فإنه لا ماء فيه، فالذاهب جزء /منه؛ لأن النار لا تعقد أجزاءه بل تتلفها، فيلزمه ضمان ذلك، كما لو أوقده في المصباح (¬2). [34/ب] فصل 286 - إذا غصب خشبةً فبنى عليها، نقض بناؤه، ورُدت إلى مالكها (¬3). ولو رقع بها سفينةً لم تقلع وهي في اللجة (¬4) إذا خيف الغرق (¬5). والفرق: أن البناء مؤبّدٌ، فلو لم يلزمه نقضه لردها دخل الضرر على مالكها على الدوام، فإدخال الضرر على الغاصب أولى. بخلاف الخشبة، فإنه يمكن الجمع بين المصلحتين بالتأخير إلى أن ترسي؛ لأن المدة في ذلك قصيرة (¬6). فصل 287 - إذا تعدى بالبناء على جدار جاره، فأقره الجار على تعديه، أو عفى عن مطالبته بهدمه، ثم عاد وطالبه بذلك، فله المطالبة بنقض البناء. ¬
288 - إذا اشترى أرضا وزرعها وأخذ الزرع، ثم بانت مغصوبة، فلا شيء لمالكها في الزرع
ولو كان البناء بإذن الجار ثم رجع، لم يلزم الباني نقض البناء. ذكرهما القاضي في الأحكام السلطانية (¬1). والفرق: أن الباني في الأولى متعدٍّ ببنائه، وإقرار الجار وعفوه لا يصيره مأذونًا فيه، كما لو أقر غريمه على المماطلة بدينٍ، فإنه لا يسقط حقه من المطالبة، فكذا هنا (¬2). بخلاف ما إذا ابتدأ البناء بإذنٍ، فإنه غير متعدٍّ، بل مالك الحائط أباحه منافعه، وقد تقرر: أنه لا رجوع للمعير حتى ينقض (¬3) البناء (¬4). فصل 288 - إذا اشترى أرضًا وزرعها وأخذ الزرع، ثم بانت مغصوبةً، فلا شيء لمالكها في الزرع (¬5). ولو اشترى نخلًا فأثمرت، ثم استحقت، فالثمر لرب الأصل (¬6). والفرق: أن ثمرة النخل متولدةٌ من عينها، فكانت لمالكها (¬7). بخلاف الزرع، فإنه مودعٌ فيها، فلذا لا يستحقه ربُّ الأرض (¬8). ¬
289 - إذا قال الغاصب: كان المغصوب معيبا، فأنكر المالك ولا بينة، فالقول قول المالك
فَصْل 289 - إذا قال الغاصب: كان المغصوب معيبًا، فأنكر المالك ولا بينة، فالقول قول المالك. ولو قال المالك: كانت الجارية كاتبةً، فأنكر الغاصب، فالقول قوله. والفرق: أن القول قول من يدعي الأصل إذا عدمت البينة، والأصل السلامة، وعدم الكتابة (¬1). فَصْل 290 - إذا زرع الغاصب الأرض لم يكن لمالكها إجباره على قلعه، بل يخير: بين إبقائه بالأجرة، وبين أخذه بقيمته (¬2). ولو غرسها أجبره على قلعه (¬3). والفرق: أن الزرع لا تطول مدته، ولا يبقى، وفي قلعه تلفه. بخلاف الغرس، فإنه يبقى، فيضر دوامه برب الأرض (¬4). فَصْل 291 - إذا غصب عبدًا صغيرًا فقتل عنده قتيلًا، فرده على مالكه، ففداه، أو دفعه في الدية، رجع السيد على الغاصب بالأقل: ¬
292 - إذا غصب عبدا فزادت قيمته لسمن أو تعلم صنعة، ثم هزل أو نسي الصنعة، فعاد إلى قيمته الأولى، فالزيادة مضمونة على الغاصب
من قيمته، أو أرش الجنابة (¬1). [35/أ] ولو غصب صبيًا حرًا فقتل / عنده قتيلًا، لم يضمن شيئًا (¬2). والفرق: أن العبد في ضمان الغاصب، بدليل: أنه لو مات لزمه ضمانه، وجناية المغصوب مضمونةٌ على غاصبه، فلذلك رجع السيد بها على الغاصب (¬3). بخلاف الصبي الحر، فإنه لا يصح غصبه، ولا يدخل في ضمان الغاصب، بدليل: أنه لو مات لم يضمنه، فلا يلزمه أرش جنايته (¬4). فَصْل 292 - إذا غصب عبدًا فزادت قيمته لسمنٍ أو تعلم صنعةٍ، ثم هزل أو نسي الصنعة، فعاد إلى قيمته الأولى، فالزيادة مضمونة على الغاصب. ولو زادت قيمته لتغير الأسواق، ثم نقصت حتى عادت إلى قيمته الأولى، لم يضمن تلك الزيادة (¬5). والفرق: أن الزيادة في الأولى عينٌ أو صفةٌ قائمةٌ بالمغصوب، يملكها السيد، كما يملك العين. ¬
293 - لا تضمن زيادة السعر مع بقاء العين
بخلاف الثانية، فإن الزيادة لا تعلق لها بالعين المغصوبة، والسيد لا يملكها، فلهذا لا يضمنها الغاصب (¬1). فَصْل 293 - لا تضمن زيادة السعر مع بقاء العين (¬2). وتعتبر مع تلف العين. والفرق: أن مع بقاء العين يجب ردها، لا قيمتها، فلا أثر لزيادة القيمة ولا نقصها. بخلاف ما إذا تلفت العين، فإن الواجب أداء القيمة، فتعتبر أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف، كما لو تلفت العين حال علو قيمتها (¬3). فَصْل 294 - إذا غصب عبدًا قيمته مائةٌ فخصاه، فصارت قيمته مائتين فرده، لزمه مع رده مائة، وهي قيمته وقت الغصب لأجل الخصاء. ولو غصب جاريةً مفرطةً في السمن، قيمتها مائة فترشقت، فصارت قيمتها مائتين فردها، لم يلزمه شيء (¬4). ¬
295 - إذا غصب ثوبا فباعه، فقطعه المشتري، وهو جاهل بالغصب، فضمان أرش القطع عليه، دون الغاصب، فإذا كرمه لم يرجع على الغاصب
والفرق: أن الفائت في مسألة العبد يضمن بالمقدر من الحر، لا بالتقويم (¬1)؛ فلذلك لم يعتبر قيمته. بخلاف الفائت من الجارية، لأنه يضمن بما ينقص من المالية، ولم تنقص ماليتها بذلك، فلذلك لم يلزمه شيء (¬2). فَصْل 295 - إذا غصب ثوبًا فباعه، فقطعه المشتري، وهو جاهلٌ بالغصب، فضمان أرش القطع عليه، دون الغاصب، فإذا كرمه لم يرجع على الغاصب (¬3). ولو دفع القصَّار الثوب إلى غير مالكه فقطعه، فضمان أرش قطعه على القصار، دون القاطع، فلو غرمه رجع به على القصار (¬4). والفرق: أن المشتري دخل على أن المبيع مضمونٌ عليه بالثمن، فإذا خرج مستحقًا بعد تلفه تلزمه قيمته لمالكه، ولا يرجع بها على الغاصب، بل بما دفعه إليه من الثمن (¬5). ¬
296 - إذا حل زقا فيه سمن جامد، فسأل بالشمس ضمنه
بخلاف مسألة القصَّار، فإن القاطع دخل على أنه متصرف في ملكه، فإذا بان تصرفه في غير ملكه رجع بما غرمه من الأرش على من غرَّه (¬1). فَصْل 296 - إذا حلَّ زِقاًّ (¬2) فيه سمنٌ جامدٌ، فسأل بالشمس ضمنه (¬3). ولو كان مائعًا فبقي بعد حَلِّه قاعدًا، فرمته الريح لم يضمنه (¬4). والفرق: - أن خروجه بعد ذوبه هو بسبب حَلِّ الزِّق، لأنه لم يحدث بعد حله مباشرةٌ من غيره، فضمنه. بخلاف ما إذا رمته ريح، لأن الريح لها فعلٌ، فهو كما لو حركه إنسان فقلبه، والدليل على أن للريح فعلًا: أن إنسانًا لو حفر بئرًا متعديًا، فرمت فيها الريح مال إنسانٍ فتلف، لم يضمنه الحافر؛ لأن الحفر سببٌ، وفعل الريح مباشرةٌ، فهو كما لو دفعه إنسانٌ فرماه فيها، فإنه يسقط حكم السبب مع المباشرة (¬5). ¬
297 - إذا أخرج جناحا إلى ملك غيره، أو إلى الطريق، فطالبه الجار أو بعض مستحقي الاستطراق بإزالته، وأشهد بذلك، فباع المتعدي ملكه، فوقع الجناح، فأتلف مالا، لزمه ضمانه
فَصْل 297 - إذا أخرج جناحًا (¬1) إلى ملك غيره، أو إلى الطريق، فطالبه الجار أو بعض مستحقي الاستطراق بإزالته، وأشهد بذلك، فباع المتعدي ملكه، فوقع الجناح، فأتلف مالًا، لزمه ضمانه (¬2). ولو بنى حائطًا مستقيمًا، فمال إلى ملك جاره، فطالبه بنقضه، وأشهد بذلك، فباع الباني داره، فسقط حائطه فأتلف مالًا، لم يضمنه البائع (¬3). والفرق: أن الجناح حصل بفعله، فإذا باع بعد الإشهاد فالجناية حاصلةٌ بما كان منه، فلزمه الضمان (¬4). بخلاف المسألة الثانية، فإن ميل الحائط غير منسوبٍ إلى صاحبه، فإذا طولب بإزالته فإنما يلزمه على وجهٍ ممكنٍ، وبعد البيع لا يمكن؛ لأنه قد صار ملك غيره؛ فلذلك لم يضمن (¬5). ¬
298 - إذا اشترى عبدا فأعتقه، فادعى إنسان: أنه عبده، فصدقه البائع والمشترى، لم يقبل قولهم على العبد، ولم يحكم برقه
فَصْل 298 - إذا اشترى عبدًا فأعتقه، فادعى إنسانٌ: أنه عبده، فصدقه البائع والمشترى، لم يقبل قولهم على العبد، ولم يحكم برقه. ولو مات العبد وخلَّف مالًا، ولا وارث له من النسب، حكمنا بماله للمدعي. والفرق: أنا لو قبلنا قولهم: إن العبد ملك للمدعي، لسقط حق العبد من الحرية، وقولهم غير مقبولٍ عليه؛ لأنهم متهمون في ذلك. وإنما حكمنا بماله للمدعي؛ لأن معتقه لا يدعي الولاء ولا الميراث، وفي الظاهر هو المستحق له، فإذا اعترف به لغيره قبل قوله في ذلك (¬1). ¬
299 - إذا باع المشتري الشقص المشفوع، نقض الشفيع، وأخذ بالشفعة
باب الشفعة [فَصْل] 299 - إذا باع المشتري الشقص (¬1) المشفوع، نقض الشفيع، وأخذ بالشفعة (¬2). [36/أ] ولو باع الولد ما وهبه /له أبوه، لم يكن للأب نقض البيع والرجوع في الهبة (¬3). والفرق: أن الواهب سلَّط الموهوب له على التصرف في الموهوب، فلم يكن له نقضه بعد ذلك. بخلاف الشفيع، فإنه لم يسلط المشتري على التصرف، بل تصرف بغير إذنه، وحقه مقدمٌ على حق المشتري، فكان له نقضه، كما لو باع ملكه بغير إذنه (¬4). ¬
300 - إذا اشترى شقصا مشفوعا، فقبل أن يؤخذ بالشفعة تلف بعضه بفعل آدمي، أخذ الباقي بقسطه من الثمن
فَصْل 300 - إذا اشترى شقصًا مشفوعًا، فقَبْلَ أن يؤخذ بالشفعة تلف بعضه بفعل آدمي، أخذ الباقي بقسطه من الثمن. ولو تلف بفعل الله، أخذ الباقي بكل الثمن (¬1). عند ابن حامد (¬2). والفرق: أنه إذا كان المتلف آدميًا، رجع المشتري عليه ببدل التالف. بخلاف فعل الله تعالى، فإن المشتري لا يحصل له في مقابلة التلف شيءٌ، فيأخذ الشفيع كل الثمن، أو يترك، لإزالة الضرر عنه (¬3). ¬
301 - إذا باع شقصين من دارين، فللشفيع أن يأخذ أحدهما، ويترك الآخر
فَصْل 301 - إذا باع شقصين من دارين، فللشفيع أن يأخذ أحدهما، ويترك الآخر (¬1). وإن كانت دار بين ثلاثةٍ، فباع أحدهم حصته، وعفا أحد الآخرين عن شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك (¬2). والفرق: أن الشقصين في دارين لكلٍ منهما حكم مفرد، لا يلزم من ترك أحدهما ترك الآخر، كما لو كان الشفيع فيهما اثنين (¬3). بخلاف الثانية فإن الدار لها حكمٌ واحدٌ، بدليل: أنه لو كان الشفيع واحدًا لم يكن له إلا أخذ الكل أو الترك، فكذا ما نحن فيه (¬4). فَصْل 302 - إذا كانت دارٌ لثلاثةٍ: اشترى أحدهم نصيب آخر منهم، كان المبيع بين المشتري والشريك نصفين، فإن عفا الشريك للمشتري صح، وإن عفا المشتري لم يصح. والفرق: أن المشتري ملك ما اشتراه بالشراء، فلم يزل ملكه عنه بالعفو. والشريك شفيع لم يملك نصيبًا من المبيع، وإنما ملك أن يملك، فزال بالعفو (¬5). ¬
303 - إذا أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع لم يسقط
فَصْل 303 - إذا أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع لم يسقط (¬1). ولو أسقط المشتري حقه من أرش المعيب ورضي به سقط (¬2). والفرق: أن الشفيع إنما يستحق بعد البيع، فإسقاطه قبله إسقاط حقٍ لم يثبت له، فلم يؤثر، كإجازة الورثة قبل الموت (¬3). بخلاف الثانية: فإن المشتري إنما يملك الرد بتقدير الجهل بالعيب، أما مع علمه والرضا فلا (¬4). فَصْل 304 - إذا صالح المشتري الشفيع على ترك الشفعة بعوضٍ لم يصح. ولو صالح على ترك القصاص بعوضٍ صح. قلت: وهذه المسألة تقدمت في كتاب / الصلح (¬5). [36/ب] فَصْل 305 - دارٌ لثلاثةٍ، باع اثنان منهم نصيبهما من اثنين في حالةٍ واحدة، فللشفيع أخذ الجميع، وله العفو عن أحدهما، وأخذ الآخر (¬6). ¬
306 - إذا أقر مالك الشقص المشفوع: أنه باعه من فلان، فأنكر فلان، وجبت الشفعة
ولو كان البيعان في زمانين، وعفا عن الأول لم يختص بالثاني، بل يشترك فيه هو والمشتري الأول (¬1). والفرق: أن الشفعة تجب بالشركة الموجودة حال البيع، وفي الأولى لم يكن أحد من المشتريين شريكًا حال البيع؛ فلهذا استقل الشريك بالشقصين إن شاء، ويتركهما إن شاء (¬2). بخلاف الثانية، فإن المشتري الأول كان شريكًا حين الشراء الثاني، فشارك في الشفعة (¬3). فَصْل 306 - إذا أقرَّ مالك الشقص المشفوع: أنه باعه من فلانٍ، فأنكر فلانٌ، وجبت الشفعة (¬4). ولو أشار إلى عبده وهو أكبر سنًا منه، وقال: هذا ابني، لم يعتق (¬5). والفرق: أنه يستحيل [أن يكون] (¬6) صادقًا في كونه ابنه، فلما استحال السبب تحقق بطلانه؛ فلذا لم يعتق (¬7). بخلاف إقرار البائع؛ لأنه يحتمل أن يكون صادقًا، فلزمه حكم إقراره (¬8). ¬
قلت: فإن قيل: فما وجه الشبه بين هاتين المسألتين ليحتاج إلى الفرق في المعنى؟. فالجواب: أنه لما كان البيع في مسألة الشفعة هو سببها، وقد تبين أنه لم يوجد، وقد رتب عليه مقتضىً وهو الشفعة، فكان ينبغي أن تكون مسألة العتق كذلك، فيحكم بعتق العبد، مع أن سببه وهو كونه ابنًا للمعتق غير موجودٍ، فمن هنا اشتبها، وحصل الفرق بما ذكرنا.
كتاب المساقاة
كتاب المساقاة [فَصْل] 307 - إذا شرط في عقد المساقاة أن تكون أجرة الأُجراء الذين يستعين بهم العامل من الثمرة وسطًا، لم يصح (¬1). ولو شرطا في عقد المضاربة أن تكون أجرة الكيَّال والنقَّال من مال المضاربة، صحَّ (¬2). والفرق: أنه في المضاربة لم تجر العادة بتولي المضارب لذلك، فكانت أجرة من يعملها من المال. بخلاف المساقاة، فإن وضعها أن يكون المال من رب المال، والعمل من العامل، فإذا شرط ما ذكرنا وسطًا فقد شرط بعضها على رب المال، فيصير عليه مالٌ وعملٌ، وذلك لا يصح (¬3). فَصْل 308 - إذا قال: ساقيتك على هذا البستان بالنصف، على أن أساقيك الآخر بالثلث لم يصح فيهما (¬4). ولو ساقاه عليهما، وعيَّن الحصة فيهما صحَّ (¬5). ¬
309 - بقر الدولاب على رب الأرض وبقر الحرث على العامل
والفرق: أنه في الأولى شرط عقدًا في عقدٍ، فلم يصح، كالبيع. بخلاف الثانية، فإنه عقدٌ واحدٌ لا شرط فيه، وإنما بيَّن الحصص فيهما، كما لو باع شيئين مختلفي الثمن، فإنه يصح، كذا هنا (¬1). فَصْل 309 - بقر الدولاب (¬2) / على رب الأرض [37/أ] وبقر الحرث على العامل (¬3). والفرق: أن رب الأرض يجب عليه حفظ الأصل، كسدِّ الحيطان، وإنشاء الدولاب وآلته، فكان عليه ما يديره. بخلاف بقر الحرث، فإنها من جملة العمل، والعمل على الأكَّار (¬4) (¬5). فَصْل 310 - إذا أخذ رب البذر مثل بذره، وقسما الباقي لم يصح (¬6). وفي المضاربة يأخذ رب المال رأس المال، ويقتسمان الباقي (¬7). ¬
والفرق: أن العامل في المزارعة يستقر ملكه على حصته من الزرع منذ ظهوره، بدليل: أنه لو تلف منه مهما تلف كان الباقي بينهما، وبدليل: وجوب [زكاته] (¬1) قبل القسمة (¬2)، وإذا كان كذلك لم يكن لرب المال أن ينفرد منه بمثل بذره ولا بشيءٍ منه. بخلاف المضاربة، فإن العامل لا يملك فيها شيئًا إلا بعد القسمة (¬3)، بدليل: أنه لا يلزمه زكاته (¬4)، ويَجْبرُ الربح [ما تلف] (¬5) من رأس المال، وإذا لم يملك منها شيئا فهو باقٍ على ملك مالكه، بدليل: أنه تلزمه زكاته (¬6)، فاختص بملكه دون المضارب، فافترقا (¬7). قلت: وذكر لي شيخنا أبو إسحاق الدمشقي (¬8) فرقًا بين هاتين، وهو: ¬
أن البذر في المزارعة يستهلك في الأرض بحيث لا يرجع منه إلى شيءٍ، ثم ينشئ الله تعالى منه بعد استهلاكه في الأرض عينًا أخرى، وهي التي تقع فيها القسمة بين رب المال والعامل، فالبذر وإن كان سببًا في خروج الخارج لكنه استهلك، كما أن عمل العامل جزء وسبب خروج الزرع وقد استهلك، فقد تساوى رب المال والعامل في أن ما كان منهما لم يبق له صورةٌ في الخارج، فلذلك تساويا، ولم يجز لأحدهما أن يختص على الآخر. وهذا بخلاف المضاربة، فإن مال رب المال غير مستهلك، بل هو باقٍ لم يتغير، بحيث أي وقتٍ طلب قدر العامل على تنضيضه (¬1)؛ فلذلك يختص به صاحبه، وما ربح كان لهما. ¬
كتاب الإجارة
كتاب الإجارة [فَصْل] 311 - إذا استأجر أرضًا للزرع فغرقت، وتلف زرعه، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة (¬1). ولو تلف الزرع بحريقٍ أو جرادٍ، لم تنفسخ (¬2). والفرق: أن ما تلف به الزرع في الأولى أتلف المعقود عليه أيضًا، فانفسخت لذلك (¬3). بخلاف الثانية، فإن المعقود عليه لم يتلف، والمؤجر لا يضمن سلامة الزرع للمستأجر (¬4). فَصْل 312 - لا يضمن الأجيرُ الخاص، وهو: المقدر نفعه في [الزمن، ما تلف بفعله. ويضمن الأجيرُ المشترك، وهو: المقدر نفعه] (¬5) بالعمل، ما تلف بفعله (¬6). ¬
313 - إذا استأجر أجيرا مشتركا - وقد ذكرناه - فعمل في بيت المستأجر، فتلف العمل بعد فراغه، فله الأجرة
والفرق: أن الأجير الخاص يراد منه عملٌ في مدةٍ، فيقع ذلك على السليم والمعيب، فإذا قصَّر ثوبًا فخرقه، فالدق المُخرِّق داخل تحت العقد، فيشتمل عليه الإذن؛ فلذلك لم يلزمه ضمانٌ. بخلاف المشترك فإنه مستأجر لعملٍ في الذمة/، فلا يقع إلا على السليم [37/ب] فيكون العمل المفسد واقعًا بغير إذنٍ، فيوجب الضمان (¬1). فَصْل 313 - إذا استأجر أجيرًا مشتركًا - وقد ذكرناه (¬2) - فعمل في بيت المستأجر، فتلف العمل بعد فراغه، فله الأجرة (¬3). وإن كان العمل في غير بيت المستأجر فتلف، فلا أجرة له (¬4). والفرق: أن العمل إذا كان في بيت المستأجر فإنه يتسلم العمل حالًا فحالًا، فيبرأ منه، ويستحق أجرته، كما لو كان التلف بعد سنين (¬5). بخلاف ما إذا كان العمل في غير بيت المستأجر، فإنه ليس في يده، فلا يكون الأجير مسلمًا للعمل أولًا فأولًا، ولا يبرأ إلا بتسليم العمل إلى المستأجر (¬6). ¬
314 - إذا استأجر عبدا فمات، انفسخت الإجارة فيما بقي
فَصْل 314 - إذا استأجر عبدًا فمات، انفسخت الإجارة فيما بقي (¬1). ولو استأجر دارًا فانهدمت، لم تنفسخ الإجارة، بل يثبت للمستأجر خيار الفسخ. في أصح الوجهين (¬2). والفرق: أنه بموت العبد تلفت العين المؤجرة، فبطلت الإجارة (¬3). بخلاف الدار، فإن عرصتها قائمةٌ ينتفع بها، وإنما انهدامها عيبٌ، فثبت له خيار الفسخ، ولم تنفسخ (¬4). فَصْل 315 - إذا استأجر دابةً بعينها ليركبها مسافةً معلومةً، فله أن يُركِبها مثلَه (¬5). ولو أراد المؤجر أن يركبه دابةً غيرها، لم يكن له ذلك (¬6). والفرق: أن المستأجر ملك منافع الدابة، فله استيفاؤها بنفسه وبغيره، كالدين (¬7). بخلاف المسألة الثانية، فإن (¬8) الذي ملك المستأجر منافعه هو الدابة ¬
316 - إذا دفع ثوبا إلى [خياط ليخيطه، وكان] يعرف بأخذ الأجرة على ذلك فله الأجرة، وإن لم يعقد معه عقدا، [ولا ذكر له أجرة
المعينة، فلم يلزمه أخذ غيرها، كما لو [باعه دابةً] (¬1) وأراد إبدالها، فإنه لا يلزمه، فكذا ههنا (¬2). فَصْل 316 - إذا دفع ثوبًا إلى [خياطٍ ليخيطه، وكان] يُعرف بأخذ الأجرة على ذلك فله الأجرة، وإن لم يعقد معه عقدًا، [ولا ذكر له أجرةً. وإن لم يكن] يُعرف بذلك لم يستحق أجرةً إلا بعقدٍ، أو بشرط العوض [أو تعريضٍ به (¬3). والفرق: أنه إذا كان يُعرف، بأخذ الأجرة فشاهد الحال يقوم مقام التعريض [بالأجرة. بخلاف ما إذا لم يكن معروفًا بذلك، وليس] هناك عقدٌ، ولا تعريضٌ، ولا شاهدٌ، فلم تلزمه [الأجرة، كما لو قال لبزازٍ (¬4): أعطني رطلًا خبزًا] (¬5) فأعطاه، فإنه لا يلزمه ثمنه، كذا ههنا (¬6). ¬
317 - [العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر] لا يضمنها بالقبض
فَصْل 317 - [العين المستأجرة أمانةٌ في يد المستأجر] لا يضمنها بالقبض (¬1). بخلاف العاريَّة. و [الفرق: أن المستأجرة قبضها لاستيفاء منفعةٍ] مستحقةٍ، فكانت أمانةً، كما لو أوصى [له بخدمة عبدٍ مدة سنةٍ، فقبضه لاستيفاء خدمته. [38/أ] بخلاف العاريَّة؛ لأنه] / (¬2) قبضها لاستيفاء نفع غير مستحق، كالمغصوبة (¬3). فَصْل 318 - إذا استأجر راعيًا يرعى له غنمًا مدةً معلومةً، ولم يعيِّن الغنم ولا عددها صحَّ، وكان عليه أن يرعى ما جرت عادة الواحد برعيه، ولو تلف بعضها رعى بدلها، وإن بقيت منها شاةٌ استحق جميع الأجرة برعيها، ويرعى سخالها على العرف والعادة (¬4). ¬
319 - إذا استأجره لحمل الخمر للشرب لم يصح
ولو عيَّن له الغنم المرعية انعكست هذه الأحكام (¬1). والفرق: أنه في الأولى استأجره مطلقًا، فحمل على العرف، فلهذا كان عليه ما جرى العرف به (¬2). بخلاف ما إذا عيَّن الغنم، فإن العقد يتناولها وحدها بأعيانها، فلم يلزمه أن يرعى سواها، ولا يستبدل بها، كما لا يجوز أن يستبدل بالأجير (¬3). فَصْل 319 - إذا استأجره لحمل الخمر للشرب لم يصح. ولو كان للإراقة صح (¬4). والفرق: أن حملها للشرب حرامٌ، بدليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن حاملها، والمحمولة إليه"، كما ["لعن شاربها" متفق عليه] (¬5). والإجارة لنفع محرمٍ لا تصح. ¬
320 - إذا أجر المسلم نفسه من الذمي للخدمة لم يصح
بخلاف الثانية، فإن العمل فيها مباح، كحمل الميتة لنبذها (¬1). فَصْل 320 - إذا أجر المسلم نفسه من الذمي للخدمة لم يصح. ولغيرها يجوز (¬2). والفرق: أنه في الأولى مذلَّة للمسلم، كبيعه منه. ولا مذلة في الثاني، كعقد بيعٍ منه (¬3). فَصْل 321 - إذا أذن المؤجر للمستأجر أن يعمر في الدار المؤجرة (شيئًا عيَّنه) (¬4)، ويحتسب له به من أجرة الدار ففعل جاز، وبرئ المستأجر مما أنفق على الدار. [ولو قال صاحـ]ـب الدين لمدينه: اشتر بمالي عليك كذا، ففعل لم يبرأ بذلك من الدين. والفرق: [أن دار المؤجر في يده] حكمًا، بدليل: نفوذ تصرفاته فيها، فكلما ينفق فيها فهو بمنزلة المقبوض [من أجرتها. بخلاف الثا] نية، فإن المدين إذا اشترى ما أمره رب الدين لا يكون قاضيًا [للدين، ولا موصلًا له إلى مستحقه]، فلو جاز ذلك لأفضى إلى أن الإنسان يبرئ نفسه [من دينٍ لغيره، بفعل نفسه، وذلك لا يجوز] (¬5). ¬
322 - [إذا] ظهر له في معدن عرق من أحد النقدين، فقال: [لرجل استأجرتك على أن تستخرجه] بدينار لم يصح
فَصْل 322 - [إذا] ظهر له في معدنٍ عرقٌ من أحد النقدين، فقال: [لرجل استأجرتك على أن تستخرجه] بدينارٍ لم يصح. ولو قال: إن استخرجته فلك [دينارٌ صح. والفرق: أن الأولى عقدٌ على إجارةٍ، وهي لا تصح على عمل مجهـ]ـول. والثانية جعالةٌ، فتصح مع جهالة [العمل، إذا كان العوض معلومًا] (¬1). فَصْل 323 - [إذا أجَّر أمته ثم با] (¬2) عها لآخر عقيب الإجارة، والمشتري / عالمٌ [38/ب] بالإجارة لم تنفسخ، ولو فسخاها كانت منفعة العين للبائع، دون المشتري. ولو زوَّج أمته ثم باعها، وعلم المشتري بالتزويج لم ينفسخ النكاح، فلو طلقت فمنفعة بضعها للمشتري، دون البائع. والفرق: أن المستأجر يملك إجارتها بأكثر مما استأجره، ولو غصبت كان له مطالبة الغاصب بأجرة المثل، فإذا بيعت بعد ذلك فقد بيعت مسلوبة النفع مدة الإجارة، فقد حصلت منافعها مدة الإجارة للبائع واستحق الأجرة، فإذا فسخا الإجارة لزم البائع رد الإجارة والأجرة على المستأجر لما بقي من المدة، وتعود المنافع إليه؛ لأنها حصلت مستثناةً له على المشتري. بخلاف منافع البضع، فإن الزوج لم يملكها بعقد النكاح، بدليل: أنها ¬
324 - إذا استأجر دارا، ثم اشتراها لم تنفسخ الإجارة، فيستوفي المنافع بحكم الإجارة إلى أن تنقضي مدتها، ثم بحكم الملك
لو وطئت بشبهةٍ كان مهرها لسيدها، و [لها إن كانت] (¬1) حرةً، دون الزوج، فدل على أن الزوج لا يملك منافع البضع، وإنما يملك أن ينتفع بها، وهي باقيةٌ على ملك سيدها، وإنما لم يطأها لكون الزوج مستحقًا لنفع بضعها؛ فلهذا امتنع من وطئها، كما يمنعه الحيض والإحرام منه (¬2). إذا تقرر هذا، فإذا باعها تناول عقد البيع الجارية ونفعها، فصارت المنافع ملكًا للمشتري، كما لو لم تكن مزوجة، فإذا طلقها الزوج زال المانع، واستباح الانتفاع ببضعها بسابق ملكه (¬3). فَصْل 324 - إذا استأجر دارًا، ثم اشتراها لم تنفسخ الإجارة، فيستوفي المنافع بحكم الإجارة إلى أن تنقضي مدتها، ثم بحكم الملك (¬4) ولو تزوج أمةً، ثم اشتراها، انفسخ النكاح، ووطئها بملك اليمين (¬5). والفرق: أن المستأجر ملك بعقد الإجارة منافع العين، بدليل: ما قدمنا (¬6)، فلم يرد عقد البيع عليها؛ لأنه باعها مسلوبة النفع مدة الإجارة، وإذا لم يرد عقد البيع عليها لم ينفسخ عقد الإجارة، كما لو باعها من غير المستأجر (¬7). بخلاف ما إذا اشترى الزوج زوجته، فإن الزوج لم يملك بعقد النكاح ¬
منافع البضع بدليل: ما أسلفناه (¬1)، وإنما هي لسيد الأمة، فإذا باعها تناولها عقد البيع ونفعها أيضًا فينتفع بها الزوج بحق ملكه بالشراء؛ لأنه أقوى من ملكه للانتفاع بعقد الزوجية؛ فلذلك بطل ملكه للانتفاع بما هو أقوى منه، كالمستعير يشتري العين، فظهر الفرق (¬2). فإن قيل: إن كان الزوج المشتري سلَّم إلى البائع / نصف صداق الأمة، [39/أ] وكان الشراء قبل الدخول، فهل يرجع به عليه؟ قيل: لا؛ لأن المهر وجب بالعقد في مقابلة الحل والاستباحة للبضع، وذلك غير مقدرٍ بزمان، فلا فرق فيه بين ساعةٍ ومائةٍ سنةٍ، بلى: إن كان الزوج سلَّم جميع الصداق واشترى قبل الدخول رجع بنصفه، كما لو طلق؛ لأنه لا يلزمه بانفساخ النكاح قبل الدخول أكثر من نصف الصداق، ويرجع بالنصف الآخر (¬3). والله تعالى أعلم. ¬
كتاب الوقف
كتاب الوقف [فَصْل] 325 - إذا وقف على غير معينٍ كرجلٍ لم يصح (¬1). ولو قال: وقفت وسكت صحَّ، وصُرِفَ في مصالح المسلمين (¬2). والفرق: أنه في الأولى جعل له مصرفًا مجهولًا، فلم يمكن اعتباره لجهالته، ولا الصيرورة إلى غيره لمخالفة الواقف؛ فلذلك لم يصح. بخلاف الثانية، فإنا قد علمنا: أن مقصوده بالوقف تحصيل الأجر، فصرفناه في وجوه البر، ولا يتضمن مخالفة الواقف كالأول (¬3). فَصْل 326 - يجب التعديل في عطية الأقارب على حسب مواريثهم. ولا يجب ذلك في الوقف عليهم (¬4). والفرق: أن الوقف ليس في معنى التمليك، بدليل: أنه لا يملك التصرف في رقبته بنقل. بخلاف الهبة، فإنها تمليك؛ فلهذا قلنا: يكون على الفريضة (¬5). ¬
327 - لا يصح الوقف على الحمل
فَصْل 327 - لا يصح الوقف على الحمل (¬1). ولو وقف على ولده، وولد ولده، فمات ولده، وله حملٌ كان وقفًا عليه (¬2). والفرق: أن من شرط صحة الوقف أن يكون على من يصح أن يتملك، والحمل لا يتملك (¬3). بخلاف الثانية، فإنه وقف على ولدٍ موجود يتأتى منه التمليك، وحصول الحمل بالاستدامة لا يؤثر (¬4). فَصْل 328 - وهذه قاعدةٌ كبيرةٌ وهي: أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء (¬5). بدليل: الطيب، والتزوج في الإحرام، يمنع ابتداؤهما دون استدامتهما (¬6)، وغير ذلك من المسائل. ¬
329 - إذا قال: وقفت على أولادي، ثم على أولادهم، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم، ترتبت البطون الثلاثة، واشترك الباقون
فَصْل 329 - إذا قال: وقفت على أولادي، ثم على أولادهم، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم، ترتبت البطون الثلاثة، واشترك الباقون. ولو قال: على أولادي وأولادهم وأولاد أولادهم، ثم على أولادهم، ثم على أولادهم، اشترك الثلاثة الأول، وترتب الباقون. والفرق: أنه رتب في الأولى ابتداءً، وشرَّك انتهاءً. وعكس في الثانية؛ لأن ثُمَّ للترتيب، والواو للاشتراك (¬1). فَصْل 330 - إذا قال: وقفت على أولادي، ثم على ولد ولدي، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء، فإذا لم يبق من أولاد صلبه أحدٌ ولا من أولادهم، وهم البطن [39/ب] الثاني، انتقل إلى الفقراء، ولم ينتقل إلى ثالث بطنٍ/ من ولده (¬2). ذكره في المجرد. ولو قال: وقفت على ولدي، ثم على ولد ولدي أبدًا ما تعاقبوا أو تناسلوا، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء، لم ينتقل إلى الفقراء حتى لا يبقى من نسله أحدٌ. ¬
331 - الوقف على غير معين كالفقراء والمساجد لا يفتقر إلى قبول
والفرق: أن حقيقة الولد ولد الصلب، وولد ولده: هو ولد ولده لصلبه، ففي الأولى جعله بعد هذين للفقراء، فعُمل بقوله. وفي الثانية، لم يجعله للفقراء إلا بعد انقراض نسله، فلم ينتقل إليهم إلا بعد انقراض النسل (¬1). فَصْل 331 - الوقف على غير معينٍ كالفقراء والمساجد لا يفتقر إلى قبول. ولو كان على معينٍ افتقر إلى القبول (¬2). والفرق: أنه في الأولى لا يبطل الوقف برد أحدٍ من الموقوف عليهم، فلم يعتبر قبولهم. وفي الثانية يبطل برد الموقوف عليهم، فاعتبر قبولهم (¬3). فَصْل 332 - إذا وقف أمةً فحبلت وولدت، فولدها وقفٌ معها. ¬
ولو وقف شجرةً فثمرتها ملك أهل الوقف، تؤكل وتباع (¬1). والفرق: أن ولد الأمة يصح وقفه ابتداءً، فدخل في وقف أمه؛ لأنه جزءٌ منها، فدخل كسائر أجزائها، ولأن الولد يتبع الأم، كولد المدبَّرة والمكاتبة (¬2). بخلاف الثمرة، فإنها لا يصح وقفها ابتداءً؛ فلذلك لم تدخل في الوقف كغيرها من المأكولات (¬3). ¬
333 - إذا أهدى الغائب شيئا مع رسول، فمات المهدي أو المهدى إليه قبل وصولها، بطل حكمها وعادت إلى المهدي، أو وارثه، وكذا الهبة
باب الهبة [فَصْل] 333 - إذا أهدى الغائب شيئًا مع رسولٍ، فمات المهدي أو المهدى إليه قبل وصولها، بطل حكمها وعادت إلى المهدي، أو وارثه، وكذا الهبة. نص عليه. ولو نفدت مع رسول المهدى إليه، لم تبطل بموت أحدهما قبل وصولها، وكذا الهبة. والفرق: أن رسول المُهدى إليه قائمٌ مقامه، فقبضه لها كقبض مرسله، فصار كما لو وصلت. بخلاف ما إذا كان الرسول للمهدي، فإنَّ قبضه ليس كقبض المهدى إليه، فلم تتم الهدية بشروطها، فتكون جائزةً، بدليل: جواز الرجوع فيها قبل القبض، فتنفسخ بموت أحدهما، كسائر العقود الجائزة (¬1). قلت: وقد روت أم كلثومٍ بنت أبي سلمة (¬2) - رضي الله عنها - قالت: لما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّ سلمة قال لها: "إني قد أهديت للنجاشي (¬3) حُلَّةً (¬4)، ¬
334 - يقبل الأب الهبة لولده الصغير
وأواقي (¬1) من مسكٍ، ولا أُرى النجاشيَّ إلا قد مات، ولا أُرى هديتي إلا مردودة، فإن ردت على فهي لك، قالت: وكان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وردت عليه هديته، فأعطى كلَّ امرأةٍ من نسائه أوقيةً. وأعطى أمَّ سلمة بقية المسك والحلة" رواه الإمام أحمد (¬2). [40/أ] وهذا صريح في أن المهدى إليه إذا مات بطل / حكمها. فَصْل 334 - يقبل الأب الهبة لولده الصغير. ولا تقبل الأم. والفرق: أن الأب وليه، فيقبضها، كسائر أمواله. بخلاف الأم، فإنها لا ولاية لها، كالأجنبي (¬3). فَصْل 335 - إذا أعمره دارًا فقال: هي لك عمرك ونحوه، كانت له ولورثته بعده (¬4) ¬
336 - إذا قال: جعلت هذه الدار لك عمرك، صارت له ولوارثه بعده
ولو أسكنه إياها، فقال: سكناها لك عمرك، فله أخذها متى شاء (¬1). والفرق: أن العُمرى (¬2) تمليك لرقبة الدار، بدليل: أنه لا يملك الرجوع فيها، وإذا ملكها انتقلت إلى ورثته، كسائر أملاكه. بخلاف السكنى، فإنها هبة المنافع دون الرقبة، فلا يملك إلا ما يستوفيه أولًا فأولاً، ومَلكَ المُسكِنُ الرجوع، كالعاريَّة (¬3). فَصْل 336 - إذا قال: جعلت هذه الدار لك عمرك، صارت له ولوارثه بعده. ولو قال: لك عمر زيدٍ لم يصح. والفرق: أن جميع الأملاك المستقرة مقدرةٌ بحياة مالكها، فقوله في الأولى مُنزَّلٌ منزلة: ملكتكها أبدًا. بخلاف قوله: جعلتها لك عمر زيدٍ، فإنه قد يموت زيدٌ قبله، فيصير كأنه قال: جعلتها لك بعض عمرك، وهذا لا يصح؛ لأنه شرَط في الهبة ما ينافي مقتضاها، إذ مقتضى الملك التأبيد، فلا يصح شرط ما ينافيه (¬4). ¬
337 - يجوز للأب الرجوع في ما وهبه ولده
فَصْل 337 - يجوز للأب الرجوع في ما وهبه ولده. ولا يجوز ذلك لغيره من الأقارب (¬1). والفرق: أن الأب له من التبسط في مال ولده ما ليس لغيره بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك" مختصرٌ، رواه ابن ماجة (¬2)، وغيره (¬3). ولأن له أن يأخذ من ماله ما شاء، لما ذكرنا من الحديث، فكان له الرجوع فيما وهبه؛ لأنه في المعنى مثل ذلك. وغيره من الأقارب لم يرد فيه ما ورد في الأب، فهم كالأجنبي (¬4). فَصْل 338 - يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها، ما لم يجحف به. ¬
339 - إذا وهب بشرط ثواب معلوم صح، وكان بيعا
ولا يجوز ذلك للأم (¬1). والفرق: ما تقدم في الفصل الذي قبله. فَصْل 339 - إذا وهب بشرط ثوابٍ معلومٍ صحَّ، وكان بيعًا (¬2). وإن شرط ثوابًا مجهولًا صحت، وعلى الموهوب له إثابته بالأقل من قيمتها، أو ما يرضى به (¬3). ولو باع بثمنٍ مجهولٍ لم يصح (¬4). والفرق: أن الهبة عقدٌ يستغني عن العوض، كالنكاح، ثم جهالة المهر لا تفسد النكاح، فكذا الهبة. بخلاف البيع، فإنه لا يستغني عن العوض، فلا يصح مع الجهالة (¬5). فَصْل 340 - يصح قبول العبد المحجور عليه للهبة. نص عليه، وهي لسيده (¬6). ¬
ولا يصح قبول الصبي للهبة حتى يبلغ (¬1). والفرق: أن العبد أهل للتصرف في العقود، بدليل: أنه يصح تصرفه [40/ب] في ذمته، يتبع به إذا عتق (¬2)، /وإنما الحجر عليه في المال لحق السيد، فيصح قبوله فيما لا ضرر على سيده فيه (¬3). بخلاف الصبي، فإنه ليس أهلًا للتصرف في العقود، بدليل: أن الحجر عليه في ماله وذمته، وإذا لم يكن أهلًا للتصرف لم يصح منه شيءٌ منهما بغير إذنٍ، كالمجنون (¬4). ¬
كتاب اللقطة
كتاب اللقطة (¬1) [فَصْل] 341 - إذا وجد غير الإمام ضالةً ممتنعةً عن صغار السباع، كالإبل والبقر والخيل، لم يجز له أخذها، فإن أخذها ضمنها (¬2). ولو وجد ضالة الغنم، أو فصلان الإبل، وعجاجيل البقر، جاز أخذها، وكانت أمانةً في يده (¬3). والفرق: ما روى زيد بن خالد الجهني (¬4) رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه سئل عن ضالة الإبل، فقال: ما لك ولها، دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها (¬5)، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها، وسئل عن ضالة الغنم، فقال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) مختصرٌ. متفقٌ عليه (¬6). ولأنه إنما جاز أخذ ضالة الغنم لحفظها على صاحبها، وترك الإبل ¬
342 - إذا جعل رب اللقطة لرادها عليه جعلا، فردها الملتقط لأجل الجعل، لم يستحقه
أحفظ وأقرب إلى ظَفَر صاحبها بها؛ لأن الضالة لا تطلب إلا حيث تشذ. وهذا بخلاف الغنم، فإن التلف إليها سريعٌ - كما نبه عليه الحديث - فحفظها في أخذها، فكانت كالثياب والأثمان (¬1). فَصْل 342 - إذا جعل رب اللقطة لرادها عليه جعلاً، فردها الملتقط لأجل الجعل، لم يستحقه. وإن التقطها لأجل الجعل فردها، استحقه (¬2). والفرق: أنه في الأولى بذل منافعه بغير شرط العوض، فهو متطوعٌ، فلا يستحق شيئًا. بخلاف ما إذا علم بالجعل قبل الالتقاط، فإنه لا يلزمه ردها قبل ذلك، فلما علم بالجعل بذل منافعه في تحصيلها، فاستحق الجعل، كما يستحقه بردِّ الآبق (¬3) (¬4). فَصْل 343 - إذا أخذ اللقطة معتقدًا كتمانها، فهي مضمونةٌ عليه (¬5). ¬
344 - إذا رد الآبق من غير شرط الجعل، استحق عن رده دينارا، أو اثني عشر درهما
ولو أخذ الوديعة معتقدًا كتمانها لم يضمنها (¬1). ذكرهما في المجرد. والفرق: أن أخذ اللقطة أخذ لمال الغير، لولا ورود الشرع به لم يصح، فلا يجوز أخذه إلا على الصفة التي ورد الشرع بها، من أنه يأخذها ليحفظها، فإذا أخذها كاتمًا لها فقد أخذها على غير الوجه المشروع، فلزمه ضمانها (¬2). بخلاف الوديعة، فإن صاحبها أذن في أخذها مطلقًا، لا بصفةٍ، فلم يوجد منه ما يقتضي الضمان (¬3). فَصْل 344 - إذا ردَّ الآبقَ من غير شرط الجعل، استحق عن رده دينارًا، أو اثني عشر درهمًا (¬4). ¬
345 - إذا قال: من رد علي عبدي فله دينار، فرده ثلاثة لم يستحقوا أكثر من دينار، ويكون بينهم أثلاثا
[41/أ] ولو وجد غيره من الضوال فردَّه، لم / يكن له شيءٌ (¬1). والفرق: أن العبد إذا أبق لم يؤمن أن يلحق بدار الحرب، أو يشتغل بالفساد، فإيجاب الجعل فيه حثٌ على رده. بخلاف غيره من البهائم وغيرها، فإنه لا يوجد فيها ما ذكرنا في العبد (¬2). فَصْل 345 - إذا قال: من رد عليَّ عبدي فله دينارٌ، فرده ثلاثةٌ لم يستحقوا أكثر من دينارٍ، ويكون بينهم أثلًاثا. ولو قال: من دخل داري فله دينارٌ، فدخل ثلاثةٌ استحق كلٌ منهم دينارًا. والفرق: أنه شرط الدينار لرد الآبق، وكلهم رده، فاشتركوا في عوضه. بخلاف الأخرى، فإنه علق الاستحقاق بالدخول، وكلٌ منهم دخل فاستحق دينارًا (¬3). فَصْل 346 - إذا قال: من رد عبدي فله دينارٌ، فرده إنسان فهرب منه في بعض الطريق، لم يستحق الجعل (¬4). ¬
347 - إذا ترك دابة بمهلكة من الأرض، فأحياها إنسان بعلفها ملكها
ولو أنفق عليه، ثم هرب، استحق ما أنفق (¬1). والفرق: أن الرجوع بالنفقة إنما استحقه لكونه أحيا به نفس العبد (¬2). ولم يستحق الجعل لكونه لم يرد العبد (¬3). فَصْل 347 - إذا ترك دابةً بمهلكةٍ من الأرض، فأحياها إنسان بعلفها ملكها. ولو كان مكانها عبدٌ أو متاعٌ فاستنقذه لم يملكه. والفرق: ما روى الشعبي (¬4) قال: عن غير واحدٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيَّبوها، فأخذها فأحياها فهي له" رواه أبو داود (¬5)، وهذا نصٌ مخالفٌ القياس فيما عدا الدابة، فلهذا فرقنا بينهما. ولأن للدابة حرمة، بخلاف المتاع، بدليل: أنه يحرم على الإنسان إهلاك دابته، ولا يحرم عليه إهلاك متاعه. ¬
348 - إذا اصطاد سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة غير مثقوبة، أو غيرها مما يخرج من البحر، كالعنبر، فهو للصياد
والفرق بين العبد والدابة: أن للعبد عقلًا وبصيرةً يمكنه في العادة أن يتخلص، بخلاف الدابة (¬1). فَصْل 348 - إذا اصطاد سمكةً فوجد في بطنها لؤلؤةً غير مثقوبةٍ، أو غيرها مما يخرج من البحر، كالعنبر، فهو للصيَّاد. ولو وجد غير ذلك من الذهب والدراهم وغيرها، فهو لقطةٌ، والسَّمكة ملكٌ له. والفرق: أن اللؤلؤة والعنبر من معادن البحر، والظاهر أنَّه لم يُملَك، وإنما ابتلعته السمكة من معدنه، فملكها وما فيها، كما لو خرج في الشبكة. بخلاف الدراهم والذهب وغيرهما، مما ليس البحر معدنًا له، فإن الظاهر أنه يثبت عليه ملك مالكٍ، ووقع في البحر فابتلعته، فكان لقطةً، كما لو وجده في غير بطن السمكة (¬2). فَصْل 349 - إذا اشترى سمكةً فوجد في بطنها لؤلؤةً غير مثقوبةٍ، فهي للصيَّاد. [41/ب] ولو وجدها في بطن / الشاة، فهي لقطةٌ للمشتري، لا يستحقها البائع إلا بصفةٍ أو بينةٍ. والفرق: أن السمكة ترعى في البحر وهو معدن اللؤلؤ، فتبتلع ذلك، ويستخرجها الصيَّاد، فتكون له على ما تقدم. ¬
350 - إذا وجد مشتري السمكة في بطنها لؤلؤة غير مثقوبة فهي للصياد
بخلاف الشاة، فإنها لا ترعى معادن اللؤلؤ، فالظاهر أن اللؤلؤة وقعت فابتلعتها، فتكون لقطة، كما لو رآها في غير بطنها (¬1). فَصْل 350 - إذا وجد مشتري السمكة في بطنها لؤلؤةً غير مثقوبةٍ فهي للصيَّاد. ولو كانت مثقوبةً فهي لقطةٌ (¬2). والفرق: يظهر من غضون ما تقدم. فَصْل 351 - إذا التقط العبد لقطةً فأنفقها قبل تعريفها بحولٍ، تعلقت برقبته. وإن أنفقها بعد ذلك تعلقت بذمته، يتبع به بعد العتق (¬3)، نص عليهما. والفرق: أن قبل التعريف هو ممنوعٌ من إنفاقها، فإذا فعله كان جنايةً منه، وجنايته تتعلق برقبته، كإتلافه. بخلاف ما إذا أنفقها بعد الحول، فإنه غير ممنوع من التصرف فيها؛ لأنَّ ¬
352 - إذا التقط الفاسق لقطة أقرت في يده
له أن يتملكها، فصار كأنه تصرف بإذن المالك، ولو كان كذلك تعلقت بذمته فكذا ههنا (¬1). فَصْل 352 - إذا التقط الفاسق لقطةً أقرت في يده (¬2). ولو التقط لقيطًا لم يقرَّ (¬3). والفرق: أن اللقيط ليس في أخذه إلا الولاية عليه، والفاسق ليس من أهلها. بخلاف اللقطة، فإنها كسبٌ، ولا فرق فيه بين العدل والفاسق، فافترقا (¬4). ¬
353 - يجوز للذمي إحياء موات في دار الإسلام، ويملكها بذلك نص عليه
باب إحياء الموات [فَصْل] 353 - يجوز للذمي إحياء مواتٍ في دار الإسلام، ويملكها بذلك (¬1). نص عليه. ولا تثبت له شفعةٌ على مسلم (¬2). والفرق: أن الإحياء مباحٌ، فساغ له، كالاصطياد (¬3). والشفعة إدخال ضررٍ على مسلمٍ بانتزاع ما في يده، فلم يجز، فافترقا (¬4). فَصْل 354 - إذا أحيا حظيرةً (¬5) للماشية كفاه لتملكها حائطٌ عليها. ¬
355 - إذا ملك بالاحياء أو بغيره أرضا، فظهر فيها معدن، فإنه يملك ذلك بملكها
ولو أحيا أرضًا للسكنى، لم يملكها حتى يسقفها (¬1). ذكره القاضي في الخصال عن الإمام أحمد - رضي الله عنه -. والفرق: أن الانتفاع بالحظيرة يحصل بالحائط. بخلاف المساكن، فإنه لا يمكن سكناها إلا بسقفٍ (¬2). فَصْل 355 - إذا ملك بالاحياء أو بغيره أرضًا، فظهر فيها مَعدِن، فإنه يملك ذلك بملكها (¬3). ¬
356 - إذا أحيا المسلم مواتا من دار الحرب ملكه
ولو كان فيها ركازٌ لم يملكه بملكها (¬1). والفرق: أن المعدن من جملة أجزاء الأرض، فملكه (¬2) كسائر أجزائها. بخلاف الركاز، فإنه مودعٌ فيها، فلم يملكه بملكها، كما لو اشترى دارًا فيها قماشٌ، فإنه لا يملكه، كذا ههنا (¬3). فَصْل 356 - / إذا أحيا المسلم مواتًا من دار الحرب ملكه. [42/أ] ولو أحياه من أرضٍ صولح أهلها: أنها لكم ولنا الخراج عليها، لم يملكه (¬4). والفرق: أن الصلح أوجب أن تكون البلاد لهم، فيجب الوفاء بذلك، ولا يتعرض لشيءٍ منها، كسائر أمولهم. بخلاف موات دار الحرب، فإنه على أصل الإباحة، فملك كأموالهم (¬5). ¬
357 - إذا فضل من ماء الإنسان شيء عن زرعه وحيوانه، لزمه بذله لبهائم غيره
فَصْل 357 - إذا فضل من ماء الإنسان شيءٌ عن زرعه وحيوانه، لزمه بذله لبهائم غيره. وفي بذله لزرعه روايتان (¬1). والفرق: أن الحيوان له حرمةٌ في نفسه، بدليل: أن مالكه لو امتنع من سقيه أجبر عليه، فوجب بذل الماء لسقيه، كالآدمي. بخلاف الزرع، فإنه لا حرمة له (¬2)، فافترقا. ¬
358 - إذا طلب المودع الوديعة في حالة لا يمكن دفعها إليه، كحالة الصلاة، أو في الحمام، وما أشبه ذلك، فتلفت قبل زوال العذر أو بعده، وقبل إمكان الرد، فلا ضمان عليه
باب الوديعة [فصل] 358 - إذا طلب المودع الوديعة في حالةٍ لا يمكن دفعها إليه، كحالة الصلاة، أو في الحمام، وما أشبه ذلك، فتلفت قبل زوال العذر أو بعده، وقبل إمكان الرد، فلا ضمان عليه (¬1). ولو تلف المال قبل إمكان أداء الزكاة، لم تسقط (¬2). والفرق: أن الوديعة يتعلق أداؤها بردّ عينها، وفي قبولها رفقٌ، فلو ألزمنا المودع ردها قبل إمكانه، امتنع الناس من قبولها، فأفضى إلى حرجٍ؛ فلذلك لم يضمنها (¬3). بخلاف الزكاة، فإنها تتعلق بالذمة، فوجبت بحلول الحول، ولم يعتبر إمكان الأداء (¬4). فَصل 359 - إذا اختلف المودِعُ والمودَعُ في الرد، فالقول قول المودَع (¬5) ¬
360 - إذا أودعه خاتما وقال: البسه في الخنصر، فلبسه في البنصر، فلا ضمان عليه
ولو اختلف المعير والمستعير في الرد، فالقول قول المعير (¬1). وكذا القول في المؤجر (¬2)، والراهن (¬3)، في رد العين المستأجرة، والمرهونة. والفرق: أن المودع قبض المال لمنفعة مالكه خاصةً، فكان القول قوله في رده، كالوصي (¬4). بخلاف المستعير والمرتهن والمستأجر، فإنهم قبضوا المال لمنفعة أنفسهم، فلا يقبل قولهم في رده، كالمقبوض للسَّوم (¬5). فصل 360 - إذا أودعه خاتمًا وقال: البسه في الخنصر، فلبسه في البنصر، فلا ضمان عليه (¬6). ولو كان بالعكس ضمن (¬7). والفرق: أن البنصر أغلظ من الخنصر، فإذا أمره بوضعه في الأدق فوضعه في الأغلظ فهو آكد في الحفظ، فلم يضمن (¬8). ¬
361 - إذا طولب بوديعة فقال: مالك عندي وديعة، أو ما تستحق علي وديعة، ثم أقر بوديعة، وادعى تلفها من حرز فلا ضمان
بخلاف العكس، فإن البنصر أحفظ، فإذا أمره بوضعه فيه فوضعه في الخنصر، فقد عدل إلى الحرز الأضعف فضمن (¬1). فَصل 361 - إذا طولب بوديعةٍ فقال: مالك عندي وديعة، أو ما تستحق عليَّ وديعةً، ثم أقر بوديعةٍ، وادَّعى تلفها من حرزٍ فلا ضمان. ولو قال: /ما أودعتني، ثم أقرَّ، وادَّعى تلفها لزمه الضمان. [42/ب] والفرق: أن قوله: مالك عندي، أو ما تستحق عليَّ، لا ينافي قوله بعد ذلك: ضاعت من حرزٍ؛ لأن من ضاعت عنده الوديعة من حرزٍ لا يكون لمودعه عنده وديعة، ولا يستحق عليه رد شيءٍ. بخلاف ما إذا أنكر الإيداع، وادَّعى التلف، فإنه بإنكاره صار خائنًا، فلم يقبل له قول بعد ذلك (¬2). فصل 362 - إذا قال له: احفظ وديعتي في هذا البيت، ولا تدخله أحدًا، فأدخل إليه أناسًا، فسرقها بعضهم ضمنها المودع (¬3). ولو سرقها غيرهم لم يضمن (¬4). ذكرهما القاضي في المجرد. ¬
والفرق: أنه إذا سرقها بعض من أدخله فقد سُرقت بفعل المودَع، وهو إدخاله السارق، فقد تعدى بذلك الفعل فضمن. بخلاف ما إذا سرقها غيرهم، فإنه لا فعل له في ذلك، فهو كما لو سُرقت ولم يُدخل البيت أحدًا، فلم يضمن (¬1)، فافترقا. والله تعالى أعلم. ¬
كتاب الوصايا
كتاب الوصايا [فصل] 363 - إذا [قال] (¬1): وصيت لفلانٍ بشاةٍ من غنمي، ولا غنم له، لم يصح. في أصح الوجهين (¬2). ولو قال: بشاةٍ من مالي صحَت، واشتري له شاة (¬3). والفرق: أن الموصي جعل الشاة من غنمه، ولا غنم له، فتكون الوصية بما لا يملكه، فلم يصح، كما لو وصى له بمائةٍ ولا مال له (¬4). بخلاف ما إذا قال: من مالي ولا غنم له، فإن المعنى: اشتروا له شاةً من مالي، فصحت الوصية، كما لو قال: أوصيت له من مالي بشاةٍ، فإنه يصح، فكذا هنا (¬5). فصل 364 - إذا أوصى لزيدٍ بشيءٍ، ثم لعمروٍ به، فليس رجوعًا، وهو بينهما. ¬
365 - اذا أوصى لرجل برقبة عبد، ولآخر بمنفعته، فقتل العبد، اشتري بقيمته رقبة تقوم مقامه
ولو قال: ما أوصيت به لزيدٍ فهو لعمروٍ، كان رجوعًا (¬1). والفرق: أن وصيّته لعمروٍ لا تتضمَّن الرجوع عن وصيته لزيدٍ، فبقيت وصيته بحالها، والوصيتان لا مزية لإحداهما على الأخرى في الحكم، فيكون الشيء بينهما، كما لو وصَّى لهما به في حالةٍ واحدةٍ. بخلاف ما إذا قال: ما أوصيت به لزيدٍ فهو لعمروٍ، فإنَّ اللفظ صريح بالرجوع، وإذا رجع عنها بطلت، كما لو قال: رجعت (¬2). فصل 365 - اذا أوصى لرجل برقبة عبدٍ، ولآخر بمنفعته، فقتل العبد، اشتري بقيمته رقبةً تقوم مقامه (¬3). ولو استأجر عبدًا بعينه للخدمة مدةً معلومةً، فقتل قبل انقضائها، بطلت الإجارة، ولا يشترى بقيمته غيره. والفرق: أن باب الوصية أوسع من الإجارة، بدليل: صحتها بالمجهول والمعدوم، فلو أوصى أن يُشْتَرى عبد يخدم زيدًا سنةً صحت الوصية، فلذلك [43/أ] جاز / أن تنتقل الوصية إلى القيمة. بخلاف الإجارة، فإنها لا تصح إلَّا على عينٍ موجودةٍ، فلذلك بطلت بتلفها (¬4). ¬
366 - يصح قبول الوصي الوصية قبل موت الموصي وبعده
فصل 366 - يصح قبول الوصي الوصية قبل موت الموصي وبعده (¬1). ولا يصح قبول الموصى له إياها إلا بعد الموت (¬2). والفرق: أن الوصية له إيجاب بالحق بعد الموت؛ لأنا لو جعلنا الإيجاب قبل الموت، والملك بعده، لكان ذلك تعليقًا للتملك بالشرط، وذلك لا يجوز، فثبت أن الإيجاب بعد الموت، فوجب أن يكون القبول بعده لا قبله، لأن القبول لا يتقدم الإيجاب. وهذا بخلاف الموصى إليه، فإنه يتصرف بإذن الموصي، وإذنه قد وجد بعقد الوصية، فصح القبول في تلك الحال وبعد الموت، كقبول الوكيل الوكالة، فيكون الإيجاب بالعقد، والتسليط على التصرف بعد الموت، ولا محذور فيه هنا، بل غايته: أنه علَّق الإذن في التصرف بالموت، ومثل ذلك سائغ، كالوكالة المؤقتة (¬3). فصل 367 - تصح الوصية مع تأخير قبولها إلى ما بعد الموت (¬4) ولو أخَّر قبول الهبة لم يصح (¬5). ¬
368 - إذا رد الموصى له الوصية قبل موت الموصي، ثم قبلها بعد موته صح
والفرق: أن الهبة تمليكٌ في الحال، فوجب قبولها في الحال، كالبيع (¬1). بخلاف الوصية، فإنها تمليك بعد الموت، فكان قبولها وقت التمليك (¬2). فصل 368 - إذا ردَّ الموصى له الوصية قبل موت الموصي، ثم قبلها بعد موته صحَّ. ولو ردَّها بعد موته، ثم قبلها، لم يصح. والفرق: أن قبل الموت وقتٌ لا يصح فيه قبول الوصية، فلا يصح ردُّها، وحق الموصى له إنما ثبت في القبول والردِّ بعد الموت، فإذا ردَّ قبله فقد ردَّ قبل وجوب حقِّه، فلم يصح. بخلاف ما إذا ردَّ بعد الموت، فإنَه ردَّ بعد وجوب الوصية، فصح الرد، وسقط حقه (¬3). فَصل 369 - إذا مات الموصى له قبل موت الموصي، بطلت. ولو مات بعده، وقبل القبول، لم تبطل، وقام وارثه فيها مقامه (¬4). والفرق: أن الموصى له في الأُولى مات قبل استقرار الحق، بدليل ما ¬
370 - قد تقرر: أنه إذا مات الموصى له بعد الموصي وقبل القبول قام وارثه مقامه
قدَّمنا (¬1): من أن قبوله وردَّه قبل موت الموصي لا أثر له، لكونه قبل الاستقرار، فلذلك تبطل. بخلاف ما إذا مات بعده، ولأنه ضمان بعد استقرار الوصية ووجوب حقه، فقام وارثه مقامه، كسائر حقوقه، والدَّليل على أنَّ حقه وجب بالموت: أنه لا يملك ورثة الموصي إبطاله مع حياة الموصى له، والحقوق اللازمة لا تبطل بموت مستحقها، بل تنتقل إلى ورثته (¬2)، فظهر الفرق. فصل 370 - / قد تقرَّر: أنه إذا مات الموصى له بعد الموصي وقبل القبول قام (¬3) [43/ب] وارثه مقامه. ولو مات المشتري قبل قبول الشراء، وبعد إيجاب البائع البيع بطل. والفرق: أن إيجاب البيع قبل قبول المشتري غير لازمٍ للبائع، بدليل: أنَّ له الرجوع فيه قبل قبول المشتري، والعقود الجائزة تبطل بموت أحد المتعاقدين، كالشركة والوكالة. بخلاف الوصية بعد موت الموصي وقبل موت الموصى له، فإن الوصية استقرَّ حقه فيها ووجب، على ما سبق بيانه (¬4). فصل 371 - إذا أوصى بعتق عبده سالم، وقيمته ثلث ماله، ثم أوصى بعتق عبده ¬
372 - إذا كان جميع ماله مائتي درهم وعبدا قيمته مائة، فأوصى لرجل بالعبد، ولآخر بمائة، فمع الإجازة يأخذ كل واحد ما وصي له به، ومع الرد لكل منهما نصف ما وصي له به
غانم، وقيمته ثلث ماله، أقرع بينهما، فمن قرع عتق، ولا يقدَّم أحدهما على الآخر. ولو قال في مرض موته: سالمٌ حرٌّ، ثم قال: غانمٌ حرٌّ، عتق سالم ولا يقرع (¬1). والفرق: أن كلًا من العبدين يستحق عتقه حين يستحقه الآخر، وهو عقيب الموت، فلا مزية لأحدهما على الآخر. بخلاف ما إذا نجَّز عتقهما واحدًا بعد الآخر؛ لأن عتق الأول وقع تنجيزه (¬2) عقيب لفظه؛ لأنه يخرج من الثلث، فإذا أعتق الآخر لم يخرج من الثلث، فلذلك لم يعتق (¬3). فَصل 372 - إذا كان جميع ماله مائتي درهمٍ وعبدًا قيمته مائةٌ، فأوصى لرجل بالعبد، ولآخر بمائةٍ، فمع الإجازة يأخذ كل واحدٍ ما وُصّي له به، ومع الرد لكل منهما نصف ما وُصي له به (¬4). ولو وصَّى لرجلٍ بالعبد، ولآخر بثلث ماله، فمع الإجازة للموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، وللآخر ربعه وثلث المائتين، ومع الردَّ للموصى له ¬
373 - إذا قال: وصيت لما تحمل هذه الجارية بكذا، لم تصح الوصية
بالعبد نصفه، وللآخر سدسه وسدس المائتين (¬1). والفرق: أن الثلث عبارةٌ عن جزءٍ شائع في جميع المال، فقد أوصى في الحقيقة لرجلٍ (¬2) بالعبد، ولآخر بثلثه وثلث المائتين، فمع الإجازة يأخذ ثلث المائتين، ويتحاصَّان في العبد بقدر وصيتهما، وهي الكل والثلث، فيكون أربعة، فلصاحب العبد ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه وثلث المائتين، ومع الرد للموصى له بالعبد نصفه، وذلك نصف ثلث المال، وللموصى له بالثلث سدس العبد وسدس المائتين، وذلك سدس الجميع، فتكامل لهما الثلث. بخلاف المسألة الأُولى، فإن المائة عبارةٌ عن قدر معلومٍ لا عن جزءٍ شائع في جميع المال، فلا يسري إلى غير العبد، فمع الإجازة لكل منهما ما أوصى له به، ومع الرد نصفه (¬3). [44/أ] فصل 373 - إذا قال: / وصيت لما تحمل هذه الجارية بكذا، لم تصح الوصية (¬4). ولو قال: أوصيت لفلان بما تحمله هذه الجارية صح (¬5). والفرق: أن الوصية في الأولى لمعدوم، ولا تصح الوصية له. وفي الثانية أوصى بمعدومٍ، والوصية بالمعدوم تصح (¬6). ¬
374 - إذا أوصى بثمرة نخلته فاحتاجت إلى سقي، لم يجبر الموصى له على سقيها؛ لأنه غير مالك للنخلة، ولا الوارث؛ لأنه غير مالك للثمرة
فَصل 374 - إذا أوصى بثمرة نخلته فاحتاجت إلى سقي، لم يجبر الموصى له على سقيها؛ لأنه غير مالكٍ للنخلة، ولا الوارث؛ لأنه غير مالكٍ للثمرة (¬1). ولو باع ثمرةً بدا صلاحها، أجبر على سقيها إلى الجذاذ (¬2). والفرق: أن البائع ضمن تسليم الثمرة إلى المشتري، ومن تمامه سقيها (¬3). بخلاف الوارث، فإنه لم يضمن ذلك (¬4). فصل 375 - إذا أوصى لإنسانٍ بعبدٍ من عبيده مبهمِ، فقُتل العبيد كلهم بعد موت الموصي، فللموصى له قيمة أحدهم بالقَرعة (¬5). ولو قتلوا في حياة الموصي، فلا شيء له. والفرق: أن الوصية لا تلزم إلَّا بوفاة الموصي على ما مرَّ، فإذا قتلوا وهو حيٌّ فقد قتلوا قبل لزوم الوصية، وهم على ملك الموصي، وقيمتهم له، ولم يتجدَّد فيها وصية، فلم يستحقَّ شيئًا لذلك. بخلاف ما إذا قتلوا بعد موته؛ لأن الوصية قد لزمت، ومَلَك الموصى له أحدهم بالقرعة، فقد قتل على ملكه، فلذلك استحق قيمته (¬6). ¬
376 - إذا قال: وصيت لفلان بفهد من مالي، ولا فهد في ملكه، صحت
فصل 376 - إذا قال: وصيت لفلانٍ بفهدٍ من مالي، ولا فهد في ملكه، صحت (¬1). ولو وصَّى له بكلبٍ من ماله، ولا كلب في ملكه، لم يصح (¬2). والفرق: أن الفهد يصح ابتياعه، فصحت الوصية به إذا أضافه إلى ماله، كما لو أوصى له بشاةٍ من ماله، ولا غنم له (¬3). بخلاف الكلب، فإنه لا يصح ابتياعه، فإذا لم يكن في ملكه فقد أوصى له بمعدوم لا سبيل إلى تحصيله، فلم يصح (¬4). فصل 377 - إذا أوصى له بقوسٍ استحق وترها (¬5). ولو أوصى له بدابةٍ لم يستحق سرجها ولجامها (¬6). والفرق: أن الوتر كجزءٍ من القوس؛ لأنه لا ينتفع بها إلَّا به (¬7). ¬
378 - إذا أوصى لزيد بمائة، ولخالد بتمام الثلث على المائة، ولبكر بثلث ماله، وكل ماله أربعمائة وخمسون
بخلاف سرج الدابّة ولجامها، فإنَّ ذلك يمكن الانتفاع بها دونه (¬1). قلت: واستحقاق الوتر هو أحد الوجهين. والآخر: لا يستحقه؛ لأنه لا يدخل في مسمى القوس، وإنما هو متمم للانتفاع بها، فلا يدخل في الوصية بها، كالنشابة (¬2)، وهذا أوجه. فصل 378 - إذا أوصى لزيدٍ بمائةٍ، ولخالدٍ بتمام الثلث على المائة، ولبكرٍ بثلث [44/ب] ماله، وكل ماله أربعمائة وخمسون، فمع الإجازة لزيدٍ مائة، ولخالدٍ خمسون تمام الثلث، ولبكرٍ مائة وخمسون، ومع الردَّ / قال القاضي: يكون ثلث المال بين زيدٍ وبكرٍ نصفين، ولا شيء لخالدٍ (¬3)، وعلَّل: بأنه أوصى لبكرٍ بثلث المال ولزيدٍ وخالدٍ بثلث المال، فإذا لم يجز الورثة تحاصَّ الموصى لهم بالثلث على قدر وصاياهم، لبكرٍ نصف الثلث خمسة وسبعون، ولزيد وخالدٍ باقيه وهو خمسة وسبعون، فيستحقها زيدٌ خاصةً، ولا شيء لخالدٍ؛ لأنه لا يستحق من الثلث الموصى به له ولزيدٍ إلا ما زاد على مائة، ولا زيادة عليها، فلذلك لا يستحق شيئًا، كما إذا لم يجاوز الثلث مائة وأجاز الورثة، فإنه يكون لبكرٍ الموصى له بالثلث مائة، ولزيدٍ مائة، ولا شيء لخالدٍ؛ لأنه زيادة على المائة إلى تمام الثلث، ومع الردِّ يكون الثلث وهو مائة بين زيادةٍ وبكرٍ نصفين، ولا تصح الوصية لخالدٍ. ¬
379 - إذا أوصى لإنسان بثلث ماله فتلف ماله أو لم يكن له مال، ثم اكتسب، استحق الموصى له ثلثه
والفرق: بين ما إذا جاوز الثلث مائةً، وبين ما إذا لم يجاوز: أنه إذا جاوزها كما صورناه في صدر المسألة، يكون هناك [ما] تتعلق به الوصية لخالدٍ، فتصح وصيته. بخلاف ما إذا كان الثلث مائة، فإنَّا نعلم أن وصية خالدٍ لم تصح؛ لأنه لم يوجد زيادةٌ على المائة تتعلق به وصيته، فلذلك لم يصح، وبقيت وصيته لزيدٍ بمائة ولبكرٍ بثلث المال وذلك مائة، فهما متساويان، فكان الثلث بينهما، كما ذكرنا (¬1). فصل 379 - إذا أوصى لإنسانٍ بثلث ماله فتلف ماله أو لم يكن له مالٌ، ثم اكتسب، استحق الموصى له ثلثه (¬2). ولو وصَّى له بثلث غنمه فتلفت قبل موته، بطلت الوصية (¬3). والفرق: أن الثلث جزءٌ شائع في جميع ما يتموَّل، ويعتبر الموجود عند الموت لا قبله، بدليل: أنه لو وصَّى وماله مائة فصار ألفًا، استحق الموصى له ثلثها، فإذا كان الاعتبار [بما يملكه عند الموت] (¬4) لم يؤثر فيه التلف قبله (¬5). بخلاف الوصية بثلث غنمه؛ لأنها وصيةٌ بمعينٍ من المال فتتعلق الوصية بعينه، وتبطل بتلفه (¬6). ¬
380 - أذا أوصى له بعبد من عبيده مبهم، فله أحدهم بتعيين الورثة
فصل 380 - أذا أوصى له بعبدٍ من عبيده مبهمٍ، فله أحدهم بتعيين الورثة (¬1). ولو وصَّى بعتق عبدٍ مبهمٍ، أخرج بالقرعة (¬2). والفرق: أن الحقَّ في الوصية مشتركٌ بين الورثة، والموصى له لا يتعدَّاهم، فالموصى له يطلب أعلاهم، والورثة يريدون أن يعطوه أدناهم، وحقيقة لفظ الموصي أحدهم، فينصرف إلى أقلهم قيمةً؛ لأنه اليقين، وما زاد عليه مشكوك فيه فلا يثبت بالشك. بخلاف ما إذا أعتق أحدهم لا بعينه، فإنَّ المعتق مشترك بين العبيد، [45/أ] وكل منهم يطلب أن يكون هو المعتق، وليس أحدهم (¬3) أولى من الآخر، فأقرع بينهم (¬4)، كما لو /طفَق إحدى نسائه لا بعينها، فإنها تخرج بالقرعة (¬5). واختارها أبو البركات (¬6) وقدَّمها، فتصير المسألتان سواء. فَصل 381 - إذا أوصى بمعينٍ من ماله قيمته قدر الثلث صحت الوصية، سواءٌ رضي الورثة أو سخطوا. ¬
382 - إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بثلثه أيضا، ولم يجز الورثة، فالثلث بينهما نصفين، ولو رد أحدهما الوصية وقبل الآخر، استحق جميع الثلث
ولو أحب بعض الورثة أن يأخذ معينًا من التَّركة قيمته قدر نصيبه لم يجز إلَّا بإذن باقي الورثة. والفرق: أن الإنسان غير ممنوعٍ من التصرف في الثلث، سواء كان معينًا أو مشاعًا، فلم يكن للورثة منعه من ذلك، فصحت الوصية. بخلاف المسألة (¬1) الثانية، فإنَّ الوارث لا يملك إلَّا جزءًا مشاعًا في جميع المال، فلذلك لم يجز أن يأخذ بنصيبه معينًا من المال إلَّا برضاهم (¬2). فصل 382 - إذا أوصى لرجلٍ بثلث ماله، ولآخر بثلثه أيضًا، ولم يجز الورثة، فالثلث بينهما نصفين، ولو ردَّ أحدهما الوصية وقبل الآخر، استحقَّ جميع الثلث. ولو وصى بثلثه لاثنين، فردَّ أحدهما وقبل الآخر، لم يستحق إلَّا نصف الثلث. والفرق: أنه في الأولى أوصى لكل واحدٍ بثلث ماله، بدليل: أنه لو أجاز الورثة استحقَّ كل منهما ثلثًا كاملًا، وإنما لم يستحقّه مع الردّ للمزاحمة، فإذا ردَّ أحدهما زالت المزاحمة فأخذ الآخر الثلث كاملًا. بخلاف الثانية، فإنه أوصى لكل واحدٍ بسدسٍ، فلذلك لم يستحقَّ زيادةً عليه (¬3). ¬
383 - إذا تبرع في مرض موته بأكثر من الثلث لجماعة دفعة، ولا عتق فيه، ولم يجز الورثة، تحاص الجميع في الثلث، وأدخل النقص على كل بقدر حصته من التبرع
فَصل 383 - إذا تبرَّع في مرض موته بأكثر من الثلث لجماعةٍ دفعةً، ولا عتق فيه، ولم يجز الورثة، تحاصَّ الجميع في الثلث، وأدخل النقص على كل بقدر حصته من التبرع. ولو كان تبرعه بالعتق فأعتق عبدين أو أكثر، قيمتهما أكثر من الثلث، أقرع بين العبيد، فيعتق من قرع إذا خرج من الثلث، ولا يعتق من كلّ واحدٍ بعضه (¬1). والفرق: أن المقصود من التبرُّع غير العتق الملكُ، وذلك يحصل مع التبعيض فلذلك تحاصَّوا؛ لأنه لا مزية لأحدهم على الآخر. بخلاف العتق، فإن المقصود منه تكميل العتق في أحدهم ليترتب عليه الأحكام، كصلاحية الولاية والشهادة والقضاء، ولو بعضت الحرية فات المقصود (¬2). ويدل على صحته ما روى عمران بن حصين (¬3) - رضي الله عنه -: "أن رجلًا أعتق ستة مملوكين لم يكن له مالٌ غيرهم، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزَّأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقَّ أربعةً، وقال له قولًا شديدًا" رواه الإمام أحمد، ومسلم وغيرهما (¬4). ¬
384 - إذا أعتق في مرضه عبدين بكلمة واحدة، قيمة كل منهما قدر الثلث، فلم يجز الورثة، أقرع بينهما، فمن قرع عتق
فصل 384 - إذا أعتق في مرضه عبدين بكلمةٍ واحدةٍ، قيمة كل منهما قدر الثلث، / [45/ب] فلم يجز الورثة، أقرع بينهما، فمن قرع عتق (¬1). ولو كان اسم أحدهما سالمًا، والآخر غانمًا، فقال: يا سالم إذا أعتقت غانمًا فانت حرٌّ في حال عتقي إياه، ثم أعتق غانمًا في مرض موته، فقد أعتقهما في حالةٍ واحدةٍ إلَّا أنه لا يقرع بينهما هنا، بل يعتق غانم، ويرقُّ سالم (¬2). والفرق: أن عتق سالمٍ في هذه المسألة يتعلق بعتق غانم، فلو قلنا: يقرع لم نأمن أن يخرج سهم الحرية لسالمٍ فيعتق، ولو عتق لم يعتق غانم؛ لأن الثلث لا يحمل إلَّا أحدهما، وإذا لم يعتق غانم لم يوجد شرط وقوع عتق سالم، فيؤدي إلى أنه لا يعتق واحدٌ منهما. وليس كذلك إذا أعتقهما دفعةً واحدة بكلمةٍ؛ لأنه لا تعلق لعتق أحدهما بعتق الآخر، وقد تساويا في العتق فوجبت القرعة (¬3). فصل 385 - إذا أعتق أمته حاملًا (¬4) تبعها حملها في العتق، فإن لم يخرجا من الثلث عتق من الأمَّ (¬5) بقدر الثلث، وعتق من الولد مثل ذلك، ولا يقرع بين الحمل وأمِّه إذا كانت قيمتهما متساويةً. ¬
386 - إذا أعتق أم ولده فهي من رأس ماله
ولو أعتق عبدين في مرضه أقرع بينهما على ما ذكرناه (¬1). والفرق: أن الأم أصلٌ وحملها تبعٌ، فلو أقرعنا بينهما لم نأمن من أن تخرج القرعة على الحمل، فيحتاج أن نعتقه ونرقَّ الأم، فيكون قد رقَّ المباشر بالعتق، وعتق الداخل فيه ضمنًا، وذلك لا يجوز، ومتى لم تعتق الأم لم يعتق الحمل. بخلاف ما إذا أعتق عبدين، فإن كل واحدٍ منهما أصلٌ في نفسه (¬2) فَصل 386 - إذا أعتق أمَّ ولده فهي من رأس ماله. ولو أعتق مكاتبته فهي من الثلث (¬3). والفرق: أن أُمَّ الولد لا تنتقل إلى الورثة بموته بل تعتق، فعتقه إياها في المرض بمنزلة قضاء دينه فيه. بخلاف المكاتبة، فإنها تنتقل إلى الورثة، وتؤدي إليهم مال الكتابة، وإن عجزت عادت ملكًا لهم، فهي كالأمة (¬4) يحسب عتقها من الثلث (¬5). ¬
387 - إذا أوصى لانسان بمائة، ثم أوصى أن يتصدق على فلان بمائة، ثم أوصى أن يباع عبده من فلان ويحابا بمائة، ومقدار ثلث ماله مائة، تحاصوا في ثلث ماله، ولم يقدم أحدهم على صاحبه
فصل 387 - إذا أوصى لانسانٍ بمائةٍ، ثم أوصى أن يتصدق على فلانٍ بمائةٍ، ثم أوصى أن يباع عبده من فلانٍ ويحابا بمائةٍ، ومقدار ثلث ماله مائة، تحاصَّوا في ثلث ماله، ولم يقدَّم أحدهم على صاحبه (¬1). ولو وهب في مرض موته مائةً لفلانٍ وأقبضه، وتصدَّق على فلانٍ بمائةٍ وأقبضه، وباع عبده من فلان بمحاباة مائةٍ، قدم الأول فالأول (¬2). والفرق: أن الوصايا عطايا متعلقة بالموت لا تلزم إلَّا به، والكلُّ في حال اللزوم سواء، فلهذا لم يقدم أحدهم (¬3) على صاحبه. بخلاف العطايا المنجزة، فإنها تلزم بالفعل أولًا فأولًا، فلهذا قدِّم الأول (¬4). فصل 388 - / إذا أوصى لعبده بجزءٍ مشاعِ كالثلث صحَّ، وعتق إن خرج من الثلث، وإن كانت قيمته أقلَّ من الثلثَ استحقَّ فاضله، وإن لم يخرج منه عتق منه بمقدار الثلث. [46/أ] ولو أوصى له بمعلومٍ كمائةٍ ودارٍ لم يصح (¬5). نصَّ عليه. والفرق: أنه إذا أوصى له بجزءٍ شائعٍ دخلت نفسه فيه، فقد أوصى له ¬
389 - إذا أوصى لعبده بدابة، أو ثوب لم يصح
ببعض نفسه، والوصية له بنفسه تصح، ويعتق ويأخذ ما فضل بعد قيمته من الثلث. بخلاف الوصية بجزءٍ معلومٍ، فإن نفسه لا تدخل فيه (¬1). فَصل 389 - إذا أوصى لعبده بدابةٍ، أو ثوبٍ لم يصح (¬2). ولو أوصى لمكاتبه بذلك صح (¬3). والفرق: ما تقدَّم: من أن القن لا تصح الوصية له بجزءٍ معلومٍ. وأما المكاتب فإنه يملك، ولا يصير بموت مولاه ملكًا للورثة، بل يطالبونه بمال الكتابة، فهو كما لو أوصى لأجنبي عليه دَينٌ (¬4). فَصل 390 - إذ أوصى بثلث ماله، اعتبر ماله عند الموت (¬5). ولو نذر الصدقة به، اعتبر حالة النذر (¬6). نص عليه. والفرق: أن الوصية إيجاب للملك بعد الموت، فاعتبر المال حالتئذٍ (¬7). ¬
391 - إذا باع في مرضه كر حنطة لا مال له سواه، قيمته اثنا عشر دينارا، بكر شعير قيمته ستة دنانير، فقد حابا بنصف ماله، وليس له المحاباة بأكثر من الثلث، فللورثة الرجوع على المشتري بسدس الكر الحنطة
بخلاف النذر، فإنه إيجاب للصدقة في الحال (¬1). فصل 391 - إذا باع في مرضه كُرَّ حنطةٍ لا مال له سواه، قيمته اثنا عشر دينارًا، بكُرِّ شعيرٍ قيمته ستة دنانير، فقد حابا بنصف ماله، وليس له المحاباة بأكثر من الثلث، فللورثة الرجوع على المشتري بسدس الكُرِّ الحنطة (¬2). ولو كانت بحالها إلَّا أنه باع الكُرَّ الحنطة بمثله رديئًا، قيمته نصف قيمة الحنطة، لم يكن للورثة أخذ سدس كُرِّ الحنطة (¬3). والفرق: أنا لو جعلنا لهم أخذ سدس كُرِّ الحنطة مع الكُرِّ الرديء أفضى إلى ربا الفضل؛ لإنه بيع حنطةٍ بحنطةٍ متفاضلًا. بخلاف الأولى، فإنهما جنسان والتفاضل بينهما جائزٌ (¬4). فصل 392 - إذا دبَّر عبدين لا يخرجان من الثلث، فلم يجز الورثة، فأقرع بينهما، فخرج من وقع عليه سهم الحرية مستحقًا، بطل عتقه، وعتق الآخر كلُّه إن خرج من الثلث (¬5). ولو دبَّر أحدهما مطلقًا، وقال للآخر: أنت حر بعد موتي في الفاضل عن قيمة هذا من الثلث، ولم يخرجا من الثلث، ولم يجز الورثة، فخرج الذي دبَّره مطلقًا مستحقًا، أو رجع السيد في تدبيره، ومات، بطل ¬
393 - إذا دبر عبدا قيمته تخرج من الثلث، فحكم بعتقه بموت سيده، ثم خرج نصفه مستحقا بطل العتق، ولم يقوم هذا النصف على الميت
عتقه، ولم يعتق من الآخر إلا بقدر ما فضل من الثلث عن قيمة الذي بطل عتقه (¬1). والفرق: أنه في الأولى دبَّرهما جميعًا، فكلُّ واحدٍ منهما أصلٌ في التدبير إلَّا أنه لم يتقدَّم عتقهما لأجل المزاحمة، فإذا استحقَّ أحدهما بطل [46/ب] عتقه، وزالت المزاحمة وتوفر / الثلث على الآخر، فلهذا عتق كله، كما لو دبرهما ثم رجع في تدبير أحدهما. بخلاف الأخرى، فإنه لم يعتق الثاني إلَّا من الفاضل عن مقدار قيمة المدبَّر مطلقًا، فحصر عتقه في ذلك القدر، فلا نعديه إلى غيره، سواء تقدَّم عتق الأول أو بطل (¬2). فصل 393 - إذا دبَّر عبدًا قيمته تخرج من الثلث، فحكم بعتقه بموت سيِّده، ثم خرج نصفه مستحقًا بطل العتق (¬3)، ولم يقوَّم هذا النصف على الميت. ولو أعتق في مرض موته عبدًا يخرج من ثلثه، ثم خرج نصفه مستحقًا قُوِّم النصف عليه (¬4). والفرق: أن عتقه في المرض نفذ في حالةٍ يملك فيها، فقُوِّم عليه، كعتقه في الصحة. بخلاف الأخرى، فإنَّ عتق المدبر إنما ينفذ بعد الموت، وتلك حالةٌ لا ¬
394 - يجوز للوصي في مال اليتيم أن يأكل مع الفقر من ماله بمقدار عمله إذا كان شغله به يمنعه من التكسب لكفايته
ملك للسيد فيها، فلم يقوم عليه، كما لو كان معسرًا (¬1). فصل 394 - يجوز للوصي في مال اليتيم أن يأكل مع الفقر من ماله بمقدار عمله إذا كان شغله به يمنعه من التكسب لكفايته (¬2). ولو وصَّى بتفرقة ثلثه في المساكين، والوصيُّ منهم، لم يجز له أخذ شيءٍ لعمله، ولا مسكنته (¬3). والفرق: أن الوصيَّ في تفرقة المال مأذونٌ له في الإخراج لا في الأخذ، فلذلك لم يجز له الأخذ (¬4). بخلاف الوصي على اليتيم، فإنه عاملٌ في ماله، فجاز له الأخذ، كالعامل على الصدقات (¬5). ¬
كتاب النكاح
كتاب النكاح فصل 395 - إذا تزوج العبد بغير إذن سيده، وقلنا: يقف على إجازته، فأعتقه، جاز النكاح. ولو اشترى شيئًا بغير إذنه، فاعتقه، لم يجز الشراء (¬1). والفرق: أن عقد النكاح أوجب الحلَّ، بدليل: ما لو كان بإذن سيده حلَّ وعقده [كان] (¬2) نافذًا، وإنما امتنع لحق المولى، فإذا زال حقه بالعتق صح ولزم. بخلاف الشراء، فإن العقد أوجب الملك للسيد، بدليل: أنه لو كان بإذنه حصل الملك له، وبعد العتق لم يتجدد للعبد ملك، فلو نفذناه لكان غير ما أوجبه العقد، وذلك لا يجوز، فافترقا (¬3). فَصل 396 - قد ذكرنا: أنه إذا أعتقه جاز النكاح (¬4) ¬
397 - إذا أذن لعبده أن يتزوج، ويكون الصداق رقبته، وكانت الزوجة أمة صح
ولو أذن له في التزويج لم ينفذ ذلك العقد حتى يجيزه السيد (¬1). والفرق: ما تقدَّم من أن العقد إنما كان لحق السيد، فإذا أعتقه زال حقه. وأما إذنه في التزويج فلا يزيل حقه؛ لأن الحق له قبل الإذن وبعده، فلا يصير الحق للعبد، فلم ينفذ النكاح بذلك، نعم بالإذن يملك العبد ابتداء النكاح، فيملك إجازته كالحرّ (¬2). فصل 397 - إذا أذن لعبده أن يتزوَّج، ويكون الصداق رقبته، وكانت الزوجة أمةً صحَ (¬3). وإن كانت حرةً لم يصح (¬4). والفرق: أنها إذا كانت/ أمة لا تملك المهر، وإنما يملكه سيدها، [47/أ] وملك السيد رقبة زوج أمته لا يبطل النكاح. ¬
398 - اذا زوج أمته، ثم أعتقها، ثبت لها الخيار في الفسخ عبدا كان زوجها أو حرا، على رواية
بخلاف ما إذا كانت حرةً، فإنها تملك المهر بالعقد، وملك المرأة رقبة زوجها يبطل النكاح (¬1). فصل 398 - اذا زوّج أمته، ثم أعتقها، ثبت لها الخيار في الفسخ عبدًا كان زوجها أو حرًا، على رواية (¬2). ولو زوج عبده، ثم أعتقه لم يكن له الخيار (¬3). والفرق: أن الأمة يملك سيدها إجبارها على النكاح، فبالعتق يزول الإجبار ويخلفه الاختيار، كالصغيرة يزوجها غير الأب إذا بلغت. بخلاف العبد، فإن سيده لا يملك إجباره على النكاح (¬4). فصل 399 - إذا ترافع الزوجان إلى حاكمٍ فأقرَّا بالزوجية، ثم تجاحداها واختلفا في ¬
400 - للأب أن يزوج عبد ابنه الصغير من أمته، ويزوج أمته من غير عبده
حقً من حقوق الزوجية، وأقاما بينةً على النكاح، حكم بالنكاح من غير بحثٍ عن عدالة الشهود. ولو اختلفا في أهل النكاح، وتجاحداه، وأقام الزوج بينةً به، افتقر الحكم به إلى البحث عن عدالة شهوده. ذكرهما في المجرد. والفرق: أن النكاح في الأولى ثبت بإقرارهما، فلا حاجة إلى البحث عن الشهود. بخلاف الثانية، فإنه ثبت بالشهادة فلا بدَّ من معرفة العدالة (¬1). فصل 400 - للأب أن يزوج عبد ابنه الصغير من أمته، ويزوج أمته من غير عبده (¬2). وليس له أن يزوج عبده من غير أمته (¬3). ذكره ابن البناء (¬4). والفرق: أن تزويج العبد يلزم الصغير ضمانًا، وهو المهر من غير بدلٍ، فلم يجز، كالتبرع بماله. وأما تزويج الأمة فإنه يلزمه ضمانا لكن ببدل، وهو المهر (¬5). ¬
401 - إذا أعتقا أمة لم يجز لأحدهما تزويجها بغير إذن الآخر
فصل 401 - إذا أعتقا أمةً لم يجز لأحدهما تزويجها بغير إذن الآخر (¬1). ولو كان لحرة أخوان زوَّجها أحدهما (¬2). والفرق: أن كلَّ واحد من المعتِقَين لا ولاية له إلا على قدر ما أعتق، فلم يجز أن يزوجها وحده؛ لأنه يكون مزوجًا لمن لا ولاية له عليه (¬3). بخلاف الأخوين، فإن كل واحدٍ منهما أخٌ لها، فيصح انفراده بتزويجها، كما لو كان وحده (¬4). فصل 402 - قد تقدَّم: أن أحد المعتِقَين لا يجوز له الانفراد بتزويج المعتقة (¬5). ولو أعتق جاريةً ومات، وله ابنان، جاز لكلٍّ منهما الانفراد بتزويجها (¬6). والفرق: ما تقدَّم قبله. فإن أعتق اثنان عبدًا، ثم أعتق (¬7) جاريةً، ثم مات، لم ينفرد أحد معتقيه بتزويجها، كما لو أعتقاها؛ لأن ولاءهما عليها كولايتهما على معتقها (¬8). فإن أعتق نصف أمةٍ وبقي الباقي رقيقًا، لم يجز لمعتق نصفها، ولا ¬
403 - يجوز للأب تزويج ابنه الصغير بحرة
لمالك باقيها، ولا لنسيبها (¬1) الحر الانفراد بتزويجها، رضيت أو كرهت؛ لأن مالك نصفها لا ولاية له على الحر منها، ومعتقها ونسيبها / الحر لا ولاية [47/ب] لأحدهما على ما هو مملوكٌ، نعم يتفقون، ويأذنون فيه، ويفعل (¬2). فصل 403 - يجوز للأب تزويج ابنه الصغير بحرة. ولا يجوز بأمةٍ. والفرق: أن الحرة يجوز للحر أن يتزوجها مطلقًا، فإذا رأى المصلحة لابنه في تزويجه صح. بخلاف الأمة، فإنه لا يجوز للحر أن يتزوجها إلَّا عند خوف العنت، وعدم الطول، وخوف العنت لا يتصور من الصغير (¬3). فصل 404 - سكوت البكر رضى. بخلاف الثيب (¬4). ¬
405 - إذا زوجت المرأة أمتها لم يصح
والفرق: أن الشارع جعل سكوتها قائمًا مقام إذنها نطقًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "البكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" مختصرٌ رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم (¬1). ولأن البكر تستحي غالبًا. بخلاف الثيب، فإنها لا تستحي غالبًا (¬2). فَصل 405 - إذا زوجت المرأة أمتها لم يصح (¬3). ولو باعتها صح. والفرق: أن البيع تصرفٌ في ملك الرقبة دون البضع، بدليل: أنه يجوز للرجل أن يشتري مَنْ لا يحل له وطؤها كأمِّه وأخته، ويجوز شراء الأمة المزوجة والمعتدة، ويشتري المُحرم الإماء (¬4)، ولو كان ذلك تصرفًا في البضع لم يجز شيءٌ منه، وإنما يملك المشتري الانتفاع بالبضع لكونه من فوائد ملك الرقبة، فهو كالاستخدام، والشيء قد ينبني عليه أحكام لا تثبت بمثل ما ثبت هو به. ألا ترى الملك لا يثبت بشهادة النساء (¬5) ولو كنَّ ألفا، ولو شهدت بالولادة امرأةٌ واحدةٌ ثبت بشهادتها (¬6)، وانبنى عليه ثبوت النَّسب، واستحاق ¬
406 - إذا قال السيد لأمته بحضرة شاهدين: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، انعقد النكاح
الإرث، وإذا ثبت أن البيع تصرفٌ في الرقبة فيصح من المرأة، كبيع سائر أموالها. بخلاف التزوج، فإنه تصرفٌ في البضع، وذلك لا يصح منها، لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج نفسها" رواه ابن ماجة، والدارقطني (¬1). ولأنها مولى عليها في النكاح، فلم تكن ولية فيه، كالصغيرة (¬2). فصل 406 - إذا قال السيد لأمته بحضرة شاهدين: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، انعقد النكاح. ولو قال: أعتقتك على أن تتزوجي بي، ويكون عتقي إياك صداقك، وقع العتق، ولم ينعقد النكاح. والفرق: أنه في الأولى أتى بلفظ ينبئ عن عقد النكاح، وهو قوله: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك، فهذا كناية عن الإيجاب والقبول، وهو الولي، وله تولي طرفي العقد/ فإذا أتى بذلك اللفظ بحضرة شاهدين انعقد النكاح. [48/أ] بخلاف المسألة الأخرى، فإنه لم يأت بلفط ينبئ عن عقد النكاح، بل أعتقها، وشرط عليها: أن تتزوج به فيما بعد، فلم ينعقد النكاح، كما لو قال: أعتقتك على أن تعطيني ألفا (¬3). ¬
407 - إذا قال لأمته: أعتقتك على أن تتزوجي بي، وعتقك صداقك فأبت، لزمها قيمة نفسها لسيدها
فصل 407 - إذا قال لأمته: أعتقتك على أن تتزوجي بي، وعتقك صداقك فأبت، لزمها قيمة نفسها لسيدها (¬1). ولو قالت المرأة لعبدها ذلك فأبى، لم يكن لها عليه شيءٌ (¬2). والفرق: أنه شرط عليها في الأولى أن تتزوج به، فيحصل له من جهتها منفعة واستمتاعٌ، فإذا لم يحصل له ما شرط رجع عليها بقيمة الرقبة (¬3). وفي الثانية شرطت على العبد أن يحصل لها من جهته تمليك البضع والاستمتاع، فلهذا لم تستحق عليه شيئًا (¬4). ذكره في المجرد. وفرَّق أبو عبد الله السَّامري: بأن السيد اشترط ما له قيمة وهو بضعها، ولهذا إذا استوفيت منافعه ضمنت بالمال، فكأنه أعتقها على مال. بخلاف المسألة الأخرى، فإنها لم تشترط عليه ما له قيمة؛ لأن بضع العبد لا قيمة له، ولهذا لا تضمن منافعه بالمال، فكأنها أعتقته مطلقًا، فلا يلزمه شيءٌ (¬5). قلت: وإنما كان بضع المرأة متقوّمًا دون بضع الرجل؛ لأن المرأة موضوعةٌ للمتعة، بخلاف الرجل. ¬
408 - إذا ادعت امرأة أن فلانا زوجها فأنكر، فشهد شاهدان بذلك، فردت شهادتهما لفسق أو غيره، لم يجز لأحدهما أن يتزوجها
فصل 408 - إذا ادَّعت امرأة أن فلانًا زوجُها فأنكر، فشهد شاهدان بذلك، فردَّت شهادتهما لفسقٍ أو غيره، لم يجز لأحدهما أن يتزوجها. ولو ادَّعى العبد أن سيده أعتقه فأنكر، فشهد له شاهدان، فردت شهادتهما، جاز لأحد الشاهدين شراؤه. والفرق: أن العبد محكومٌ لسيده بملكه، فصح بيعه من جهته، والمشتري له يستنقذه من يد من يعتقد أنه ظالمٌ ببقاء يده عليه، وهو السيد، فصح، كاستنقاذ الأسير. بخلاف ما إذا أراد أن يتزوَّجها من شهد بتزويجها من غيره؛ لأنه يستبيح فرجًا حرامًا في اعتقاده، فلم يجز، كما لو قال لامرأةٍ: أنت أختي من الرضاع، فإنه لا يجوز أن يتزوجها، فظهر الفرق (¬1). فصل 409 - يملك السيد إجبار أمته البالغة على النكاح. ولا يملك إجبار عبده البالغ. والفرق: أن منافع بضع الأمة مملوكة لسيدها، فملك نقلها إلى زوجٍ، كالبيع. بخلاف العبد، فإن سيده لا يملك منافع بضعه، فلم يكن له التصرف فيها، على أن العبد يلزمه بالنكاح مالٌ، وليس للسيد إلزام ذمة عبده مالًا بغير اختياره، كما / لا يملك إجباره على الكتابة (¬2). [48/ب] ¬
410 - إذا زوج أمته أو بنته المجبرة بعبده الصغير، جاز له أن يتولى طرفي العقد
فصل 410 - إذا زوَّج أمته أو بنته المجبرة بعبده الصغير، جاز له أن يتولى طرفي العقد (¬1). ولو أراد تزوج بنت عمه بإذنها وولايته، لم يجز له تولي الطرفين (¬2). والفرق: أنه في الثانية إنما ملك العقد بالإذن، لا بالإجبار، فلا يجوز أن يتولى طرفي العقد، كالوكيل في البيع (¬3). بخلاف الأولى، فإنه إنما ملك بالإجبار. ثم إنه في الأولى عاقدٌ لنفسه، وفي الثانية عاقدٌ لغيره (¬4). فَصل 411 - يجوز للعبد تزوج جارية ابنه. ولا يجوز للحر (¬5). والفرق: أن الحزَ يملك، وله في جارية ابنه شبهة ملك يسقط عنه بها الحد بوطئها، فلم يجز أن يتزوجها، كالمشتركة. ¬
412 - يحرم على الأب الحر تزوج جارية ابنه
بخلاف العبد، فإنه لا يملك، فهو كالأجنبي (¬1). فصل 412 - يحرم على الأب الحر تزوج جارية ابنه (¬2). ولا يحرم على ابنه الحر تزوج أمة أبيه (¬3). والفرق: ما سبق (¬4) من أن للأب في مال ابنه شبهة ملك. وليس للابن في مال أبيه تلك الشبهة (¬5). فصل 413 - إذا تزوَّج رجلٌ امرأةً، وابنه بنتها، فزفت زوجة كلٍّ منهما إلى الآخر جهلًا وخطأ، وعُلِمَ الوافى منهما أولًا، انفسخ بوطء الأول (¬6) نكاح كل منهما، وحرمت زوجته عليه على التأبيد، ولزمه للتي وطئها مهر مثلها، ويلزم الواطى أولًا لزوجته أولًا نصف ما سمَّى لها. ولا يلزم الوائى أخيرًا شيء (¬7) مما سمَّى لزوجته. بيان ذلك، وبه يحصل الفرق: أن الأولى إذا وطئت وكان واطؤها الأب، فإنها تفسير منكوحة أبي زوجها، وإن كان الابن فإنها تصير حليلة ابن زوجها، وكل (¬8) منهما حرام عليه على التأبيد، فلذلك انفسخ النكاحان، ¬
414 - إذا اشترى أمة، ثم اشترى أختها لأمها، ثم لأبيها لم يجز له الجمع بينها وبين إحدى أختيها
وتصير زوجة الواطئ أولًا بوطئ زوجها للأخرى أُمَّ زوجته (¬1)، أو ربيبته قد دخل بأمها؛ لأنه بهذا الوطء تفسير الموطؤة أولًا بمنزلة زوجةٍ دخل بها، فتحرم عليه أمها وبنتها على التأبيد، ويلزم لكل واحدٍ مهر المثل للتي وطئها، لكونه وطئ أجنبيةً بشبهةٍ، ويلزم الواطئ الأول نصف مسمَّى زوجته لحصول الفرقة قبل الدخول بسببٍ من جهته، كما لو طلَّقها، ولا يلزم الأخير شيءٌ من مسمَّى زوجته لحصول الفرقة بسببٍ من جهتها، وهو تمكينها من نفسها، فلذلك لا شيء عليه، فظهر الفرق. وأما مع الجهل بأسبقهما وطئًا، فالحكم كما ذكرنا، إلا أن كلًا منهما يلزمه نصف المسمَّى؛ لأن الأصل وجوبه، فلا يسقط بالشكِّ (¬2). فصل [49/ أ] 414 - إذا اشترى أمةً، ثم اشترى أختها لأمها، ثم لأبيها / لم يجز له الجمع بينها وبين إحدى أختيها (¬3). ويجوز له ذلك بين أختيها (¬4). والفرق: أن كلَّ واحدةٍ منهما أخت الأولى، وليست أختًا (¬5) للأخرى، بل أخت أختها، فافترقا (¬6). ¬
415 - بنت الربيبة محرمة كأمها
فصل 415 - بنت الربيبة محرمة كأمها (¬1). وبنت حليلة الابن، وزوجة الأب غير محرمة (¬2). نص عليه. والفرق: أن الربيبة حرمت لمشقة التحرز (¬3) من النظر إليها، والخلوة بها، لكونها في بيته، وهذا المعنى موجودٌ في بنتها وإن سفلت، فشاركتها في التحريم. بخلاف الأخريين، فإنهما حرمتا عليه بعقد النكاح عليهما، وهذا غير موجود ببنتها، فلم يشاركوها في التحريم (¬4)، فافترقا، ذكره القاضي. فصل 416 - إذا عقد نكاحًا على امرأةٍ، وعقد عقدًا آخر على ثنتين، وعقدًا آخر على ثلاثٍ، وجُهلَ الأول، صح نكاح المفردة دون غيرها. ولو كان موضع الثلاث أربع بطل نكاح الجميع. والفرق: أن نكاح الواحدة صحيحٌ يقينًا بكل حال؛ لأنه إذا كان هو الأول فهو صحيح، وإن كان قبله نكاح الثنتين كانت الواحدة ثالثتها فيصح، وإن كان قبله نكاح الثلاث كانت رابعتهنَّ فيصح نكاحها، وإن كان نكاحها آخر العقود، وسبق نكاح الثنتين نكاح الثلاث صح السَّابق، وبطل الآخر، لكونه جاوز به أربعًا، كان سبق الثلاث الثنتين صح الثلاث، وبطل الآخر لما ذكرنا، فنكاح المفردة صحيح على التقديرين؛ لأنها ثالثة أو رابعةٌ. ¬
417 - إذا كان له زوجتان: مسلمة وبهودية، فقال لليهودية: أسلمت، وللمسلمة: ارتددت، فكذبتاه، انفسخ نكاحهما إن كان قبل الدخول
بخلاف ما إذا كان موضع الثلاث أربعٌ، فإنه إن كان عقد الأربع أولاً صح، وبطل ما بعده، وإن كان أخيرا بطل وصح ما قبله، وإن كان وسطًا بطل، وصح ما قبله وما بعده، فإذا أشكل بطل الجميع لأنه ليس عقد الأربع أولى بالصحة من غيره، فبطل الكل (¬1). فصل 417 - إذا كان له زوجتان: مسلمةٌ وبهودية، فقال لليهودية: أسلمت، وللمسلمة: ارتددت، فكذبتاه، انفسخ نكاحهما إن كان قبل الدخول. وإن كان بعده ثبت نكاح المسلمة، ووقف نكاح اليهودية على انقضاء عدتها، فإن انقضت عدتها قبل أن تسلم بانت. والفرق: أن الزوج أقرَّ بما يوجب فسخ نكاحهما، فلزمه حكم إقراره، وينفسخ نكاح المسلمة باعترافه بردتها، ويبطل نكاح اليهودية بردتها؛ لأنه يقول: أسلمت، فهي بجحودها للإسلام مرتدةٌ، فلذلك انفسخ نكاحها. بخلاف ما بعد الدخول، فإن المسلمة بتكذيبها للزوج عائدةٌ إلى الإسلام في عدتها، فصار كما لو لم ترتد، فثبت نكاحها، واليهودية إن أسلمت في عدتها ثبت نكاحها، كان لم تسلم حتى انقضت عدتها بانت منه؛ لأنه أقرَّ [49/ب] بسبب البيونة/ كما بيَّنا، فلزمه حكم إقراره (¬2). فصل 418 - إذا أسلم مجوسي له زوجة مجوسيةٌ دخل بها، لم يجز أن يتزوج أختها المسلمة حتى تنقضي عدتها. ولو أسلمت الزوجة وبقي هو على دينه، فتزوج أختها في عدتها، ثم ¬
419 - إذا أسلمت زوجة الكافر بعد الدخول، فلها نفقة العدة
أسلم قبل انقضاء عدتها صح، فإن أسلمت الثانية اختار إحداهما (¬1). والفرق: أنه في الأولى تزوج أختها وهو مسلم، وليس لمسلمٍ نكاح امرأةٍ في عدة أختها. وفي الثانية تزوج بها كافرًا، فهو كما لو تزوج الأخت قبل إسلام أختها، ثم أسلموا جميعًا (¬2). فصل 419 - إذا أسلمت زوجة الكافر بعد الدخول، فلها نفقة العدة. ولو أسلم الزوج وحده، لم تستحق نفقة العدة (¬3). والفرق: أنها بإسلامها فعلت فرضًا لا يجوز لها تأخيره، فلا تسقط نفقتها بذلك، كما لو صامت، ويمكن زوجها تلافي نكاحها (¬4) بإسلامه، فإذا لم يفعل كان تاركًا لحقه، ولزمه النفقة كالرجعية. بخلاف ما إذا أسلم هو وبقيت على الكفر، فإنها معتدةٌ لا يمكنه تلافي سبب فسخ نكاحها، فلم يلزمه نفقة عدتها، كالمطلقة ثلاثًا (¬5). فصل 420 - إذا أسلم الكافر وتحته إماءٌ قد دخل بهنَّ، وقلنا: الفرقة تقف على انقضاء العدَّة (¬6)، فأسلمت واحدة منهن بعد إسلامه، ثم عتقت ثم أسلمن، كان له أن يختار منهن كلهن. ¬
421 - إذا أسلم وتحته خمس نسوة، فطلق إحداهن، كان اختيارا لها
ولو أعتقت إحداهن في حال كفرها، ثم أسلمت، ثم أسلم البواقي، لم يكن له التخير من الإماء (¬1). والفرق: أنها في الأولى اجتمعت معه في حال الإسلام وهي أمة، والباقي إماء، ثم طرأ العتق بعد ذلك، فلم يفصلهنَّ حال الاجتماع معه في الإسلام، فلهذا يتخير من الجميع. بخلاف ما إذا عتقت في حال الكفر، ثم أسلمت، ثم أسلمن، فإنها اجتمعت معه في الإسلام حرةً، فصار كما لو أسلم وعنده حرةٌ وإماءٌ، فإنه يبطل نكاح الإماء؛ لأنه مستغنٍ بالحرة عن التزويج بالإماء (¬2). فصل 421 - إذا أسلم وتحته خمس نسوة، فطلَّق إحداهن، كان اختيارًا لها. ولو ظاهر منها، أو آلى (¬3)، أو قذفها، لم يكن اختيارًا (¬4). والفرق: أن الطلاق لا يكون إلا لزوجةٍ، فيكون اختيارًا. بخلاف الظهار والإيلاء، والقذف، فإنه يكون لزوجةٍ وأجنبيةٍ (¬5)، فلم ¬
422 - إذا قال لموليته: أريد أن أزوجك فلانا، فقالت: غيره أولى، لم يكن إذنا
يتضمن اختيارًا (¬1). فصل 422 - إذا قال لموليته: أريد أن أزوجك فلانًا، فقالت: غيره أولى، لم يكن إذنًا. ولو زوَّجها، ثم قال ذلك، فقالت: قد كان غيره أولى، كان إجازةً. والفرق: أنها في الأولى أخبرت أن رأيها غير ذلك العقد، فلم تكن راضيةً به، فلم تكن آذنةً. بخلاف الثانية/، فإنها أخبرت بأنها ترى غيره، لكن سكتت عن رده، [50/أ] فكان إمضاء (¬2). فصل 423 - إذا أرادت المرأة أن تتزوج بعنِّينٍ (¬3)، أو مجبوبٍ (¬4)، لم يكن لوليها منعها. ¬
424 - إذا اختارت المرأة فسخ نكاحها لأجل عيب زوجها قبل الدخول والخلوة، سقط مهرها
ولو كان أبرصَ (¬1)، أو مجنونًا، أو مجذومًا (¬2)، كان له منعها من التزويج به (¬3) والفرق: أن ضرر الأول يختص الزوجة دون عشيرتها، فلم يكن له الاعتراض عليها فيه. بخلاف الجنون والبرص والجذام، فإن ضرره يلحق العشيرة؛ لأن عليهم عارًا في تزويج حرمتهم بمن هذه حاله، ولها في ذلك من منع الأنس به، والاجتماع به (¬4)، وقد يعدي فيضر الولد (¬5). فصل 424 - إذا اختارت المرأة فسخ نكاحها لأجل عيب زوجها قبل الدخول والخلوة، سقط مهرها (¬6). ولو عتقت تحت عبدٍ، فاختارت الفسخ قبلهما، لم يسقط، بل يجب نصفه (¬7). في رواية اختارها أبو بكر (¬8). ¬
425 - إذا فسخ نكاح الزوجة بعد ما دخل بها، لزمه المهر
والأخرى: يسقط. اختارها الخرقي (¬1). والفرق: أن المهر في الأولى خالص حقها، فإذا كانت الفرقة من جهتها سقط مهرها، كما لو ارتدت (¬2). بخلاف الثانية، فإن المهر خالص حق السيد (¬3)، فلا يسقط [إلا] (¬4) بسببٍ من جهته، كسائر حقوقه (¬5). فصل 425 - إذا فسخ نكاح الزوجة بعد ما دخل بها، لزمه المهر (¬6). ولو ردَّ الجارية المشتراة بعيبٍ بعد وطئها، لم يلزمه شيءٌ (¬7). والفرق: أن الوطء في النكاح معقودٌ عليه، فهو أحد العوضين، فإذا استوفاه لزمه ما في مقابلته، كالعوض في البيع (¬8). ¬
426 - إذا عتقت الأمة تحت عبد فوطئها، سقط خيارها إن كانت بالغة عاقلة
بخلاف وطء المبيعة، فإنه غير معقوب عليه في البيع، بل العقد على رقبتها (¬1)، فافترقا. فَصل 426 - إذا عتقت الأمة تحت عبدٍ فوطئها، سقط خيارها إن كانت بالغةً عاقلةً. وإن كانت صغيرةً أو مجنونةً، لم يسقط. والفرق: أن العاقلة البالغة لها فعلٌ واختيارٌ، وإذا لم تفسخ أو مكَّنته كان دليلًا على رضاها. بخلاف الصغيرة والمجنونة، فإنه لا يصح اختيارها للمقام معه، ولا للفسخ، فإذا كان صريح الاختيار لا يصح، فأولى أن لا يصح ما دل عليه (¬2). فَصل 427 - إذا مكَّنته من وطئها مدعيةً للجهل بعتقها، ومثلها يجهله، لم يسقط خيارها. ولو ادعت الجهل بثبوت الخيار، سقط. في رواية مرجوحة (¬3). والفرق: أنه في الأولى الظاهر معها، والأصل بقاء الرق، فلا يؤثر ذلك الوطء في إسقاط الخيار؛ لأنه لا يدل على الرضا. بخلاف الثانية، فإنها مكنته مع العلم بالعتق، وادعت ما الظاهر خلافه، ¬
428 - إذا عتقت الصغيرة تحت عبد، لم يملك أبوها اختيار الفسخ، حرا كان أو عبدا
وأيضًا، فإنه خيار عيب فسقط بالتصرف مع العلم به، كخيار العيب (¬1). فصل 428 - إذا عتقت الصغيرة تحت عبدٍ، لم يملك أبوها اختيار الفسخ، حرًا كان أو عبدًا (¬2). ولو زوج ابنه الصغير، ملك أن يطلق عنه (¬3). والفرق: أن الصغيرة لا / مصلحة لها في فسخ أبيها نكاحها، بل عليها [50/ب] فيه ضرر بإسقاط نفقتها وكسوتها وغير ذلك، فلم يكن لأبيها الفسخ (¬4). بخلاف طلاقه عن ابنه الصغير، فإن للابن فيه مصلحة ظاهرة بإسقاط ما ذكرنا عنه (¬5). فصل 429 - إذا عتقت الأمة تحت عبدٍ، فخيارها على الفور. على ما اختاره في المجرد. ¬
430 - يجوز للمعتقة تحت عبد أن تفسخ بنفسها، ولا تحتاج إلى حاكم
قال: ولو كانت هذه المعتقة مطلقةً رجعيةً، فخيارها على التراخي، حتى تنقضي عدتها، أو يراجعها، فمتى راجع صار (¬1) خيارها على الفور. والفرق: أن إمساكها عن الفسخ في العدة لا يدل على الرضا بالمقام؛ لأنها تتوقع ما تحصل به البينونة، وهو انقضاء العدة، فلم يسقط خيارها، فمتى راجعها زوجها صار خيارها على الفور؛ لأن سكوتها لا يحتمل غير رضاها بالمقام، فحكم عليها به (¬2). قلت: والصحيح من المذهب: أن خيار المعتقة على التراخي (¬3)، وأن الرجعية إذا رضيت بالمقام سقط خيارها (¬4)، وما ذكره المؤلف هو اختيار القاضي في المسألتين (¬5). فصل 430 - يجوز للمعتقة تحت عبدٍ أن تفسخ بنفسها، ولا تحتاج إلى حاكم (¬6). ولا يجوز لزوجة العنين أن تفسخ إلا بحاكم (¬7). والفرق: أن الفسخ بالعتق ثبت بالنص، وهو مجمعٌ عليه، فلم يفتقر إلى الحاكم، كالرد بالعيب. بخلاف الفسخ بالعِنَّة، فإنه أمرٌ مختلفٌ فيه، فهو موضع اجتهادٍ، فافتقر ¬
431 - إذا شرط الزوج في عقد نكاحها: أن يطأها ليلا صح
إلى الحاكم لينظر فيه (¬1). فصل 431 - إذا شرط الزوج في عقد نكاحها: أن يطأها ليلًا صحَّ. ولو شرطت الزوجة: أن يطأها ليلًا لم يصح الشرط (¬2). ذكره القاضي في المجرَّد. والفرق: أن معنى هذا الشرط: أن يطأها ليلًا، ولا يطؤها نهارًا، فإذا شرطه الزوج فقد شرط ما له فعله؛ لأنه لا يجب عليه أن يطأ ليلًا ونهارًا، فقد شرط ما لا ينافي مقتضى العقد فصح، كشرط النفقة والكسوة. بخلاف ما إذا شرطته الزوجة، فإنه ليس لها منعه من الوطء نهارًا، فقد شرطت ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح، كما لو شرطت عدم الوطء (¬3) البتَّة (¬4). ¬
432 - إذا أصدقها عبدا فزاد زيادة متصلة، كسمن وتعلم صنعة، ثم طلق قبل الدخول لم يرجع بنصفه زائدا إلا برضاها، فإن أبت لزمها نصف قيمته وقت العقد رواية واحدة
باب الصداق فصل 432 - إذا أصدقها عبدًا فزاد زيادةً متصلةً، كسمن وتعلم صنعةٍ، ثم طلق قبل الدخول لم يرجع بنصفه زائدًا إلا برضاها، فإن أبت لزمها نصف قيمته وقت العقد. رواية واحدة (¬1). ولو أفلس المشتري بالثمن وزاد المبيع زيادةً متصلةً، كان للبائع أخذه بزيادته. نص عليه (¬2)، وعنه: يمنع الرجوع (¬3). قال القاضي أبو يعلى: وليس لنا زيادة لا تتبع العين إلا في هاتين المسألتين: في الصداق. روايةً واحدةً، وفي المفلس. على إحدى الروايتين. [51/أ] قلت: وقد خرَّج (¬4) أبو البركات (¬5) في مسألة الزيادة/ المتصلة روايةً ¬
433 - الزيادة في الصداق بعد تمام عقد النكاح تلحق
أخرى: أنه يأخذها بها، قال: قياسًا على المنفصلة وأولى. والفرق: أن البائع يرجع في عين ماله بفسخ البيع، فكان الفسخ في معنى رفع العقد من أصله، فلهذا رجع فيه بزيادته. بخلاف الصداق، فإن الطلاق لا يرفع العقد من أصله، وإنما يقطع العقد في الحال، فلو قلنا: يرجع بالزيادة لجعلنا له الرجوع في ملك الزوجة، وذلك لا يجوز (¬1). قلت: وقد كرَّر السامري هذا الفصل من كتاب الصداق. فَصل 433 - الزيادة في الصداق بعد تمام عقد النكاح تلحق (¬2). ولا تلحق في شيءٍ من العوضين في المبيع (¬3). والفرق: أن وقت الزيادة في الصداق وقتٌ لفرض جميعه في المفوضة (¬4)، ¬
434 - إذا زوجها الأب بدون مهر المثل صح، رضيت أو سخطت
ولا يتوقف حصول ملك النكاح على ما ذكره، فلهذا تجوز الزيادة فيه. بخلاف الثمن والمثمن، فإنه لا يحصل الملك في أحدهما إلا مع ذكره في العقد، فإذا تم العقد استقرت المعاوضة، فلذلك لم تلحق (¬1). فَصل 434 - إذا زوجها الأب بدون مهر المثل صحَّ، رضيت أو سخطت. ولو باع شيئًا من مالها بدون ثمن المثل بغير إذنها لم يصحَّ. والفرق: أن البضع ليس المقصود به محض المال حتى يقال فرط فيه، بل يقصد به غير المال أيضًا، كحسن العشرة، وسهولة الأخلاق، وسعة الإنفاق، والأب ينظر لابنته ما هو الأحظ لها، فإذا سهَّل في الصداق علم أنه قد لحظ لها مصلحةً أكثر من زيادة المهر، فلذلك صح. بخلاف بيع مالها بدون ثمنه، فإنه إضاعة مالي، فلم يصح (¬2). فَصل 435 - إذا تزوج امرأةً فارتدت قبل الدخول، سقط مهرها. ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي، أو كانت أمةً فقتلها سيدها قبل الدخول، لم يسقط. والفرق: أن بقتلها لم ينفسخ النكاح. بل تمَّ وانتهى؛ لأنه معقود إلى الموت، فلذلك لم يسقط مهرها، كما لو ماتت. بخلاف ما إذا ارتدت؛ لأن النكاح ينفسخ قبل تمامه، فهو كما لو طلَّقها والفسخ بسبب من جهتها قبل الدخول، فيسقط مهرها لذلك (¬3). ¬
436 - إذا أصدقها شاة حائلا فحملت، ثم طلقها قبل الدخول، فردت نصفها عليه، أجبر على قبوله
فصل 436 - إذا أصدقها شاةً حائلًا فحملت، ثم طلقها قبل الدخول، فردَّت نصفها عليه، أجبر على قبوله. ولو كانت جاريةً لم يلزمه قبوله. والفرق: أن الحمل في الشاة زيادة، فإذا ردَّت النصف بزيادته أجبر قبوله، كالزيادة المتصلة. بخلاف الحمل في الأمة، فإنه عيبٌ في بنات آدم، فلم يلزمه قبوله (¬1). فَصل 437 - إذا أصدقها أمةً فحملت، وولدت في ملكها، ثم طلقها قبل الدخول والولد طفل، رجع بنصف قيمتها، دون نصفها (¬2). ولو/ كان أصدقها حيوانًا غير الجاربة رجع بنصفه (¬3). [51/ب] ¬
والفرق: أن الأمة لا يفرق بينها وبين ولدها الطفل، فتكون كتالفةٍ، فرجع بنصف قيمتها. بخلاف غيرها من الحيوان، فإنه يجوز التفرقة بينه وبين ولده، فيملك الرجوع بنصفه (¬1). وأورد: كيف تحصل الفرقة بينهما؟ والنصف الآخر في ملك الزوجة مع الولد. فأجيب: بأن المانع من الفرقة بين ولدها وبين جميعها يمنع من التفرقة بينه وبين بعضها في الملك، بدليل: أنه لا يجوز بيع جميعها دونه، ولا يجوز بيع بعضها دونه. وحكى ابن أبي موسى (¬2) وجهًا آخر: أنه يكون للزوجة نصف قيمة الجارية وقيمة ولدها، ويدفعان إلى الزوج (¬3). ¬
438 - إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا، وأصدقها جارية معينة فقبضتها، وأعتقتها قبل الدخول لم يصح، وبعده يصح
فَصل 438 - إذا تزوَّج امرأةً نكاحًا فاسدًا، وأصدقها جاريةً معينةً فقبضتها، وأعتقتها قبل الدخول لم يصح، وبعده يصح. والفرق: أن المهر لا يملك في الفاسد إلا بالدخول، فقد أعتقت ملك غيرها قبل الدخول. بخلاف ما بعده، فإنه يستقر ملكها عليه (¬1). فَصل 439 - إذا طلقت الصغيرة قبل الدخول، فلأبيها العفو عن نصف صداقها. قلت: في رواية مرجوحةٍ (¬2). ولو زوَّج ابنه وأقبض مهره، ثِم رجع إليه بردةٍ أو رضاعٍ قبل الدخول، لم يجز عفوه عنه. رواية واحدةً (¬3). والفرق: أن والد الصغيرة هو الذي اكتسب لها المهر، فكان له العفو عنه. بخلاف الصداق، فإنه لم يكتسبه للابن، بل هو من صلب ماله، فلم يكن للأب العفو عنه كغيره من أمواله (¬4). ¬
440 - إذا وهبت زوجها مهرها، ثم وجد ما يسقطه أو ينصفه، رجع عليها بعوضه في أصح الروايتين
فصل 440 - إذا وهبت زوجها مهرها، ثم وجد ما يسقطه أو ينصِّفُه، رجع عليها بعوضه في أصح الروايتين، وكذا لو باع عبدًا بألفٍ ثم قبضها، ثم وهبها المشتري، ثم وجد (بالعبد عيبًا) (¬1)، أو وجد به عيبًا وحدث عنده آخر، وأراد مطالبة البائع بأرش القديم، أو كاتب عبده على مائةٍ، ثم أبرأه منها وعتق وأراد مطالبة سيِّده بالايتاء (¬2)، فيه الخلاف (¬3) المذكور. ولو باع عبدًا بألفٍ، ثم وهبه (¬4) البائع، ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته، فللبائع أن يضرب مع الغرماء، وجهًا واحدًا (¬5). [52/أ] / والفرق بين هذه المسألة وتلك المسائل: أن حقَّ البائع هنا في الثمن، لا في العين، والثمن لم يعد إليه منه شيءٌ، فلهذا ضرب به. ¬
441 - قد قدمنا أنها إذا وهبت زوجها المهر، ثم وجد ما يسقطه أو ينصفه، فإنه يرجع عليها بعوضه
بخلاف تلك المسائل، فإن ماله عاد إليه بعينه (¬1). فَصل 441 - قد قدَّمنا (¬2) أنها إذا وهبت زوجها المهر، ثم وجد ما يسقطه أو ينصفه، فإنه يرجع عليها بعوضه. ولو أبرأته منه لم يرجع عليها. في أصح الروايتين (¬3). والفرق: أنها في الأولى حصل لها الصداق، ثم عاد إلى الزوج بعقدٍ مستأنفٍ، فهو كما لو اشتراه منها. وفي الثانية، أسقطت حقها، فكأنه لم يفرض لها شيءٌ (¬4). فَصل 442 - للمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها الحال (¬5). وليس للبائع منع تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه، بل (¬6) يجبر على تسليمه قبل قبض ثمنه (¬7). والفرق: أنه لو تعذَّر تسليم الثمن أمكن الرجوع في المبيع. ¬
443 - إذا زوج أم ولده، ثم أوصى لها بمهرها الحال في ذمة الزوج صحت الوصية، فإذا عتقت بموت سيدها ملكته، ولم يكن لها منع نفسها حتى تقبضه
بخلاف منفعة البضع، فإنه لو تعذَّر المهر لم يمكن الرجوع فيها (¬1). فَصل 443 - إذا زوج أم ولده، ثم أوصى لها بمهرها الحال في ذمة الزوج صحت الوصية، فإذا عتقت بموت سيدها ملكته، ولم يكن لها منع نفسها حتى تقبضه. ولو أعتقها حال حياته، ثم زوجها بمهرٍ حالٍ، كان لها منع نفسها حتى تقبضه (¬2). والفرق: أنها في الأولى ملكته بالوصية، فلم يكن لها منع نفسها لقبضه، كما لو كان لها عليه دينٌ. بخلاف الثانية، فإنها ملكته بعقد النكاح في مقابلة الاستمتاع، فملكت المنع حتى تقبض (¬3)، كما تقدَّم في الفصل الذي قبله. فَصل 444 - إذا أصدقها خشبًا فشقته أبوابًا فزادت قيمته، ثم طلَّقها قبل الدخول، لم يكن له الرجوع بنصفه، ولو بذلت له النصف بزيادته، لم يلزمه قبوله. عند القاضي (¬4). ولو كان فضةً فصاغته حليًا، لزمه قبوله. والفرق: أن الفضةً يجيء منها بعد الصَّوغ ما يجيء منها قبله، فهو زائدٌ من كلِّ وجهٍ، فلزمه قبوله. ¬
445 - إذا تزوج من لا يوطء مثلها، لزمه تسليم مهرها إن طلبت
بخلاف الخشب ونحوه، فإنه لا يجيء منه بعد الشق ما كان يجيء منه قبله، فهو زائدٌ من وجهٍ، ناقصٌ من وجهٍ آخر (¬1). فَصل 445 - إذا تزوَّج من لا يوطء مثلها، لزمه تسليم مهرها إن طلبت (¬2). ولا يلزمه نفقتها (¬3). والفرق: أن الصداق ملكته عليه في مقابلة ملكه البضع، فلزمه تسليمه، كالكبيرة (¬4). بخلاف النفقة، فإنها في مقابلة التمكين، وذلك متعذرٌ من جهة الصغيرة (¬5). فَصل 446 - إذا تزوجها على دارٍ لغيره يشتريها، ويسلمها إليها صح، ولزمه ذلك (¬6). ولو باع دارًا لغيره على أن يشتريها، ويسلمها لم يصح (¬7). والفرق: أن عقد النكاح يبقى مع استحقاق المهر المعين وفوات تسليمه، فإذا كان فوت تسليمه لا يمنع بقاء العقد لم يمنع صحة تسميته، فإن ¬
قدر على تسليمه سلَّمه، وإلا غرم قيمته، كما لو هلك المهر في يده قبل تسليمه (¬1). وأما البيع، فإن عقده يبطل باستحقاق العوض فيه وفوات تسليمه، فإذا أبطله منع انعقاده، فافترقا. [52/ب] وأيضًا، فإن هذا نكاحٌ وشرطٌ، وقد قال/ - صلى الله عليه وسلم -: "أحق الشروط أن يوفَّى، ما استحللتم به الفروج" رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما (¬2)، وهذا شرطٌ فلزمه الوفاء به. وليس كذلك البيع؛ لأنه بيع وشرطٌ، وقد نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬3) (¬4) قلت: ليس هذا من قبيل البيع والشرط، بل من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، وقد نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك في قوله لحكيم بن حزام (¬5): "لا تبع ما ليس عندك" رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما (¬6). ¬
447 - إذا تزوجها على عبد مطلق يشتريه لها، صحت التسمية اختاره القاضي، وقال: لها الوسط
فَصل 447 - إذا تزوجها على عبدٍ مطلقٍ يشتريه لها، صحت التسمية. اختاره القاضي (¬1)، وقال: لها الوسط. قال: ولو تزوجها على ثوبٍ مطلقٍ، لم تصح التسمية، ووجب مهر المثل (¬2). والفرق: أن أعلى أجناس الثياب وأدناها غير معلومٍ، فلم يكن الوسط معلومًا لتوقفه عليهما. بخلاف العبيد، فإن أعلاها الرومي، وأخسَّها الزنجي، وأوسطها السندي، فانصرف الإطلاق إليه (¬3). فَصل 448 - إذا قال: أصدقتك هذا الحر، وجب مهر المثل. ولو أصدقها عبدًا فبان حرًا، وجب لها قيمته لو كان عبدًا (¬4). والفرق: أنه في الأولى سمَّى ما لا يصلح صداقًا فبطل، ووجب مهر المثل، كما لو لم يسمِّ. بخلاف الثانية فإنه سمَّى ما يصح صداقًا، ولكن تعذر التسليم لما بان ¬
449 - وكذا لو أصدقها خمرا، وجب مهر المثل
حرًا، فصار كتلف الصداق المعين قبل قبضه، وهناك يستحق مثل المثلي، وقيمة المتقوم، فكذا هنا (¬1). فَصل 449 - وكذا لو أصدقها خمرًا، وجب مهر المثل. ولو أصدقها عصيرًا فبان خمرًا، وجب لها مثله (¬2) والفرق: ما تقدَّم (¬3). فَصل 450 - إذا أصدقها أمَّها، وهي جائزة التصرف، صحَّ، وعتقت أمُّها عقب العقد. ولو كانت صغيرةً فزوجها أبوها على ذلك، لم تصح التسمية. والفرق: أن الجائزة التصرف يصح أن تشتري أمَّها فتعتقها، فكذا إذا رضيت بها صداقًا. بخلاف الصغيرة، فإنها محجورٌ عليها، وأبوها إنما يملك تصرفًا في منفعةٍ، وليس في ذلك إلا ضررٌ (¬4). فَصل 451 - إذا زوج ابنه الصغير وضمن المهر وقضاه، فبلغ الابن فطلَّق قبل الدخول، فالراجع للابن (¬5). ¬
452 - إذا تعيب المهر بيد الزوج بفعله، ثم طلق قبل الدخول خيرت: بين رده والمطالبة بنصف قيمته، وبين أخذ نصفه ناقصا، وتضمنه
ولو زوج عبده بأمة غيره على صداقٍ أدَّاه، ثم أعتقه أو باعه، ثم طلق قبل الدخول، فقياس المذهب: رجوعه إلى السيد الأول، دون العبد ومشتريه (¬1). والفرق: أن إصداق الأب عن ابنه تمليكٌ للابن المهر، فكأنه استوهب ذلك لابنه من نفسه، وقبضه له، ثم قضاه عنه، فصار كأن الابن أصدق من - ماله، فرجع الراجع إليه؛ لأنه خرج من ملكه فيعود إليه. بخلاف العبد، فإنه لم يملك/ الصداق، ولم يخرج من ملكه، بل من [53/أ] ملك سيده إلى سيد زوجته، فإذا تنصف وجب عوده إلى حيث خرج (¬2). فَصل 452 - إذا تعيَّب المهر بيد الزوج بفعله، ثم طلق قبل الدخول خيرت: بين رده والمطالبة بنصف قيمته، وبين أخذ نصفه ناقصًا، وتُضَمِّنه (¬3). ولو تعيَّب بيدها بفعلها، وطلق قبل الدخول خير: بين أخذ نصفه ناقصًا ولا أرش، وبين تركه، وأخذ نصف قيمته يوم الفرقة (¬4). والفرق: أنها ملكت المهر في يده، فإذا جنى عليه فقد جنى على ملكها، وهو مضمونٌ في يده ضمان عقدٍ، والوصف هنا يضمن بالجناية، كالمبيع إذا جنى عليه البائع قبل التسليم. ¬
453 - إذا تزوجها على خنزير صح، ووجب مهر المثل
بخلاف ما إذا جنت هي، فإنها ملكته بالعقد، وتم بالقبض، فجنايتها عليه هدرٌ، كما لو حدث نقصٌ بآفةٍ سماوية (¬1). فَصل 453 - إذا تزوجها على خنزير صح، ووجب مهر المثل (¬2). ولو خالعها على ذلك صح، ولم يستحق شيئًا (¬3). والفرق: أن البضع متقوَّم حال دخوله في ملك الزوج، بدليل: أن للأب تزويج ابنه الصغير (¬4)، وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيءٍ من مالها (¬5)، ولا فرق إلا أنه حصل له ما له قيمة، وحصل لها ما لا قيمة له، وهو إخراج بضعها من ملك الزوج، فإذا ثبت أنَّ له قيمةً حال دخوله فإذا جعل عوضه ما لا قيمة له، كالخمر والخنزير سقط، ووجب مهر المثل. بخلاف الخلع، فإن البضع غير متقوَّم حال خروجه من ملك الزوج (¬6)، ¬
بدليل: أن طلاقه في مرض موته غير معتبرٍ من الثلث، ولو كان متقوَّمًا لاعتبر من الثلث (¬1)، وبدليل: ما إذا طلق عليه الحاكم في الإيلاء وغيره قهرًا، فإنه يخرج مجانًا، وما له قيمة لا يخرج من ملك مالكه بغير رضاه مجانًا (¬2)، وبدليل: ما ذكرنا من عدم جواز مخالعة الأب من مال ابنته الصغيرة، ولو كان متقومًا لجاز، كشرائه لها، وبالاتفاق لا يجوز (¬3)، فدل على أنه غير متقوَّم خروجًا، فإذا ثبت ذلك لم يستحق عليها في المسألة الثانية شيئًا، كما لو خالعها بغير عوضٍ (¬4). وأورد: بل لخروجه قيمةٌ (¬5)، بدليل: [أن ما كان لدخوله قيمةٌ كان لخروجه قيمةٌ، كسائر الأموال، وبدليل] (¬6) أنه لو لم يكن له قيمة لما صحَّ بذل العوض في مقابلته، كالحشرات (¬7)، وبدليل: ما لو كان له زوجتان صغرى وكبرى، فأرضعت الكبرى الصغرى انفسخ نكاحهما، ويضمن الزوج نصف ¬
454 - إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ووطئها مرارا، أو اشترى جارية فوطئها مرارا واستحقت، ولم يكن عالما، [أو وطئ مكاتبته مرارا]، أو وطئ جارية ولده مرارا لم يلزمه إلا مهر واحد
مهر الصغرى يرجع به على الكبرى (¬1)، فثبت أن لخروجه قيمة. وأجيب عن الأول: بأنه غير مطردٍ، بدليل دم العمد، فإن لدخوله قيمة، ولا قيمة لخروجه. وعن الثاني: بأن العوض قد يقابله الخلوص من الأسر، ولا قيمة له. وعن الثالث: بأن الرجوع على الكبيرة؛ لأنها ألجأته إلى غرامة نصف [53/ب] المسمى للصغيرة/ بإرضاعها إياها، لا لكونها أخرجت من ملكه متقومًا، إذ لو كان كذلك للزم الكبيرة جميع مهر المثل، لأنه قيمة البضع على قول المُورِد، فلما لزمها النصف دلَّ على ما قلنا، فتبين الفرق (¬2). فَصل 454 - إذا تزوج امرأةً نكاحًا فاسدًا ووطئها مرارًا، أو اشترى جاريةً فوطئها مرارًا واستحقت، ولم يكن عالمًا، [أو وطئ مكاتبته مرارًا] (¬3)، أو وطئ جارية ولده مرارًا لم يلزمه إلا مهرٌ واحدٌ. ولو وطئ جاريةً مشتركةً بينه وبين غيره مرارًا، فعليه لكل وطء نصف مهرٍ. ولو كانت مكاتبةً بينهما، لزمه عن نصفه نصف مهرٍ خاصةً، ولزمه للمكاتبة لكل وطءٍ نصف مهرٍ عن النصف الآخر. ولو وطئ الابن جارية أبيه وادَّعى شبهةً، أو وطئ جارية امرأته بشبهةٍ، فعليه لكل وطءٍ مهرٌ. والفرق بين هذه المسائل: أن المنكوحة نكاحًا فاسدًا والمشتراة مسلَّمةٌ إليه على حكم عقدٍ فاسدٍ، فيلحق النسب، وينعقد الولد حرًا، كالعقد ¬
455 - إذا وطئ ذات محرمه بعقد فاسد، أو شبهة عقد غير عالم بذلك، فلها المهر، سواء كان تحريمها لنسب أو سبب؛ لأنه أتلف عليها منفعة بضعها فلزمه قيمته، كالأجنبي
الصحيح، فقد استوفى الوطء، على حكم الملك فلا يجب أكثر من مهرٍ واحدٍ، وكذا مكاتبته، ملكه في الحقيقة باقٍ، فاستيفاؤه أيضًا على حكم الملك، وكذا الأب وطئ على حكم الملك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك" رواه ابن ماجة (¬1)، فصارت كالمنكوحة على ما بيَّنا. وأما الجارية (¬2) المشتركة فلا حق له في نصيب شريكه (¬3)، فقد وطئها لا على حكم ملكه، لأنه عالمٌ أن الملك للغير، وكذا جارية الأب لا ملك للابن فيها، فصار كل وطءٍ مستوفى على حكم ملك صاحبها، فصار الثاني كالأول، والأول يوجب المهر، كذا الثاني وما بعده، فظهر الفرق (¬4). فَصل 455 - إذا وطئ ذات محرمه بعقدٍ فاسدٍ، أو شبهة عقدٍ غير عالمٍ بذلك، فلها المهر، سواء كان تحريمها لنسبٍ أو سببٍ؛ لأنه أتلفً عليها منفعة بضعها فلزمه قيمته، كالأجنبي. وعنه: إن كان تحريمها بنسبٍ فلا مهر، وإن كان بسببٍ وجب المهر. والفرق: أن المحرمة بنسبٍ بضعها محرمٌ تحريم الأصل، فلا تستحق عليه عوضًا، كما لو تلوط بغلام. وعنه: إن كانت المرأة ممن يحرم عليه نكاح ابنتها كالأم فلا مهر، وإن ¬
كانت لا تحرم ابنتها كالعمة فلها المهر؛ لأن تحريمها أخف، وكلما تأكد التحريم في البضع سقط المهر فيه، كاللواط، فظهر الفرق (¬1). ¬
كتاب الخلع
كتاب الخلع [فَصل] 456 - إذا قال لزوجته: خالعتك بألفٍ، فأنكرت، بانت منه، والقول قولها مع يمينها في العوض (¬1). ولو قال لرجلٍ: بعتك هذه السلعة، فأنكر وحلف، لم يثبت البيع (¬2). والفرق: أن الطلاق ينفك عن العوض، وقد اعترف به. بخلاف البيع، فإنه لا ينفك عن الثمن، فإذا لم يسلم له، لم يلزمه إخراج السلعة/ من يده (¬3). [54/أ] فَصل 457 - إذا قال: خالعتك على هذا الثوب المروي (¬4)، فبان هرويًا (¬5) صحَّ، وله الخيار: بين إمساكه، ورده وأخذ قيمة مروي (¬6). ¬
458 - إذا خالعها على مروي بعينه فأعطته، فبان هرويا فله رده، والمطالبة بقيمة المروي
ولو قال: إن أعطيتني مرويًا فأنت طالق، فأعطته هرويًا لم تطلق (¬1). والفرق: أنه في الأولى خالعها على عوضٍ بعينه فصحَّ، واختلاف صفته كالعيب فيه، والعيب لا يبطله، فإن رضي جاز، وإن اختار الردَّ رجع إلى قيمة المروي؛ لأنه عوض معيَّن (¬2) في الخلع. بخلاف الثانية، فإنه علق طلاقها على صفةٍ لم توجد، فلم يقع الطلاق (¬3). فَصل 458 - إذا خالعها على مروي بعينه فأعطته، فبان هرويًا فله رده، والمطالبة بقيمة المروي (¬4). ولو خالعها على مروي لا بعينه، بل في الذمة، فأعطته مرويًا معيبًا، خُيِّر: بين إمساكه، ورده، ولم يكن له المطالبة بقيمته، بل ببدله (¬5). والفرق: أنه في الأولى تعين الثوب في الخلع، وتعلق الحق بعينه، فإذا رده لأجل العيب استحق قيمته (¬6). بخلاف الموصوف في الذمة، فإن الحق تعلق بما هو على تلك الصفات، لا بقيمة ما قبضه؛ لأن الواجب في الذمة، والمعطى بدله، فإذا خرج معيبًا فهو غير ما وقع الخلع عليه، فرجع إلى بدله (¬7). ¬
459 - إذا خالعها على مروي معين، فبان هرويا صح، وللزوج إمساكه إن شاء
فَصل 459 - إذا خالعها على مروي معيَّنٍ، فبان هرويًا صحَّ، وللزوج إمساكه إن شاء. ولو بان كتّانًا صحَّ، ولم يكن للزوج إمساكه. والفرق: أن المروي والهروي جنسٌ اختلفت أنواعه، واختلاف الأنواع كاختلاف الصفات، واختلافها كالعيب على ما تقدم، فكان له إمساكه كالمعيب. بخلاف المروي والكتَّان، فإنهما جنسان، واختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان (¬1). ¬
كتاب الطلاق
كتاب الطلاق [فَصل] 460 - يجوز طلاق الحامل والآيسة والصغيرة. ولا يجوز أن يطلق من تحيض في طهرٍ جامعها فيه، ما لم يستبن حملها (¬1). والفرق: أن الجماع في الأولى لا يحدث حبلًا، فقد أمن الندم عقيب الوطء بحدوث الحَبَل، فجاز طلاقها. بخلاف ذوات الأقراء، فإنه لا يؤمن في حقهنَّ حدوث الحمل (¬2). فَصل 461 - إذا قال لزوجته: يدك أو رجلك طالقٌ طلقت. ولو قال: شعرك أو سنك طالقٌ لم تطلق (¬3). والفرق: أن اليد والرجل عضوان من أصل الخلقة لا يفارقانها في الحياة والصحة، يستباحان بعقد النكاح، فطلقت بإضافة الطلاق إليهما، كالوجه. ¬
462 - إذا قال: أنا منك طالق لم تطلق
بخلاف الشعر والسن، فإنهما يفارقان حال الصحة، ويحدث بدلهما، فلا تطلق بإضافة الطلاق إليهما، كما لو قال: حملك طالقٌ (¬1). فَصل 462 - إذا قال: أنا منك طالقٌ لم تطلق (¬2). ولو قال: أنا منك بائنٌ أو حرامٌ، ونوى الطلاق، طلقت (¬3). والفرق: أن البينونة والتحريم تستعمل في الزوج كالزوجة. بخلاف لفظ الطلاق، فإنها لا تستعمل إلا في الزوجة، فافترقا (¬4). فَصل 463 - إذا قال: أنت بائنٌ، ونوى الطلاق طلقت (¬5). ولو قال: أنا بائنٌ ونواه، لم تطلق (¬6). والفرق: أن الرجل يكون بائنًا من غيرها بأن يطلق أخرى، فلما لم يقل منك لم يضف التحريم إليها. ¬
464 - إذا وهب زوجته لأهلها، ونوى الطلاق، طلقت
[54/ب] بخلاف/ الأولى، فإنها لا تكون بائنًا إلا منه (¬1). فَصل 464 - إذا وهب زوجته لأهلها، ونوى الطلاق، طلقت (¬2). ولو باعها من أهلها أو غيرهم، ونوى به الطلاق، لم تطلق بذلك. نص عليه (¬3). والفرق: أن هبته إياها لأهلها كناية عن الطلاق؛ لأنه يقتضي زوال ملكه عنها بغير عوضٍ، وذلك ينبئ عن عدم حاجته إليها، فصار كقوله: الحقي بأهلك، واعتبر قبول أهلها؛ لأن عقد الهبة يقتضي القبول، فتقديره: الحقي بأهلك إن قبلوك، فصار الطلاق معلقًا بشرطٍ، وهو القبول. بخلاف بيعه إياها، فإنه لا يتصور فيها؛ لأن الذي يملكه منها لا يصح بيعه، ولا حصول الثمن عنه، فدل على أنه لم يرض زوال ملكه عنها، فلذلك لم يكن كنايةً عن الطلاق (¬4). فَصل 465 - إذا قال لزوجته: تجرعي، ونوى الطلاق، طلقت (¬5). ¬
466 - إذا قال لزوجته: أنت واحدة بالرفع، ونوى الثلاث، طلقت ثلاثا
ولو قال: كلي، ونوى الطلاق، لم تطلق (¬1). والفرق: أن قوله: تجرَّعي، يريد به مرارة الطلاق، فوقع به الطلاق مع النية، كسائر الكنايات. بخلاف قوله: كلي، فإنه لا ينبئ عنه (¬2)، فلم يقع، كما لو قال: سبحان الله (¬3). فَصل 466 - إذا قال لزوجته: أنت واحدةٌ بالرفع، ونوى الثلاث، طلقت ثلاًثا (¬4). ولو قال: أنت طالقٌ واحدةً، ونوى الثلاث (¬5) لم يقع إلا واحدةً. في أصح الوجهين (¬6). والفرق: أن قوله في الأولى كنايةٌ خفيةٌ؛ لأن معناه: أنت منفردةٌ عن الزوج، فإذا نوى الثلاث وقع؛ لأن الكناية الخفية يقع بها ما نواه (¬7). بخلاف الثانية، فإن لفظ الواحدة فيها منصوب، فيراد العدد، وتضمين ¬
467 - إذا استثنى في الطلاق ونوى الاستثناء من أول إيقاع الطلاق إلى آخره، ووصله بآخر يمينه صح استثناؤه
الواحدة الثلاث يستحيل، فلم يقع إلا واحدة (¬1). فَصل 467 - إذا استثنى في الطلاق ونوى الاستثناء من أول إيقاع الطلاق إلى آخره، ووصله بآخر يمينه صح استثناؤه (¬2). ولو لم يخطر بباله الاستثناء، ولم يقصده حتى فرغ من الايقاع، ثم خطر بباله الاستثناء، فوصله في الكلام. فقال السامري: لا أعرف فيها روايةً، وعندي: أنه لا ينفعه الاستثناء فيما بينه وبين الله عز وجل (¬3). قال: والفرق: أنه إذا نوى الاستثناء من ابتداء إيقاع الطلاق، استحال الإيقاع بأول كلامه مع اقتران (¬4) قصد الاستثناء بأوله، ونفس الاستثناء بآخره. بخلاف ما إذا تمَّ الإيقاع وانتهى عريًّا (¬5) عن قصد الاستثناء بآخره، ثم خطر بباله الاستثناء، فوصله به إلحاقا؛ لأن الإيقاع قد عمل عمله، ونفذ ¬
حكمه بظاهر التنجيز السابق، فلا يفيد الاستثناء (¬1). وحكى السامري عن بعض الشافعية (¬2) أنه قال: قد ادعى بعض مشايخنا الإجماع في هذه المسألة (¬3). قال: وذكرها في كتاب الإجماع (¬4). قلت: أما حكاية الإجماع في هذه المسألة ففيها نظر من جهة: أن المسألة فيها آثارٌ وأحاديث تدل على خلاف ما حكي الإجماع عليه. فقد روى مجاهد (¬5) عن ابن عباس: (أنه كان يرى صحة الاستثناء ولو بعد سنة) رواه سعيد بن منصور (¬6) في سننه (¬7) بإسناد صحيح. ¬
وروى عكرمة (¬1) عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "والله لأغزون قريشًا وسكت، ثم قال: إن شاء الله، قال ذلك ثلاًثا" رواه أبو داود (¬2) عن عكرمة هكذا مرسلًا، قال (¬3): وروي عن ابن عباس، ورواه الطبراني (¬4) وغيره من حديث ابن عباس مرفوعًا. [وروي] (¬5) عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لما سألته اليهود عن لبث أهل الكهف قال: (غدًاِ أجيبِكم، فتأخر عنه الوحي بضعة عشر يومًا، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬6) الآية. فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - استدراكًا للاستثناء: إن شاء الله) رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (¬7)، فهذه الأحاديث والآثار تدل على صحة الاستثناء من غير نيةٍ، ثم لو أمكنهم تأويل قول ابن عباس، وحديث عكرمة: بأن تأخر الاستثناء كان مع وجود النية والعزم عليه، لم يمكنهم تأويل حديث سؤال اليهود على مثل ذلك؛ لأن ¬
النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حين وعدهم بالإخبار غدًا لم يكن يعلم مشروعية الاستثناء لينويه، بل تركه من غير نيةٍ، فلما أمر به الله قال: إن شاء الله، فدل على أن الاستثناء مع عدم النية يصح، ولولا ذلك لما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: إن شاء الله. ثم اشتراط السامري: النية مقارنة للنطق بالهمزة إلى حين الفراغ من قاف طالق لا دليل عليه، وإنما الذي ذكره متأخروا أصحابنا كأبي البركات (¬1)، وابن حمدان (¬2)، وغيرهما: وجود النية قبل الفراغ من المستثنى منه (¬3)، أما من حين ابتداء النطق فلا (¬4). وأما المتقدمون وبعض المتأخرين كالشيخ أبي محمد، فإنهم لم يشترطوا وجود النية، بل اشترطوا الاتصال المعتاد بين المستثنى والمستثنى منه (¬5). ¬
وقول المصنف: لأن الإيقاع عمل عمله ونفذ ممنوعٌ؛ لأنه إنما يعمل عمله لو تعرى (¬1) عن اتصاله بالاستثناء، أما مع إرادته الاستثناء فلا يعمل عمله؛ لأن الكلام لا يحكم به حتى يتم ويكمل، بدليل: ما لو قال: له عليَّ ألف مكسرةٌ، لم يحكم عليه بألفٍ مطلقةٍ، ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل، ولو لم يعتبر آخر الكلام للزمه ألفٌ (¬2) صحاحًا، [55/أ] وطلقت/ قبل الدخول، فدل على أنه لا اعتبار للكلام حتى يتم، فإذا وصل المستثنى بالمستثنى منه كفى من غير احتياجٍ إلى نيةِ من أول الإيقاع إلى آخره. فإن قيل: ما ذكرتم من الأحاديث تدل على عدم اشتراط الاتصال أيضًا، فلم اشترطتموه؟ فالجواب: أما حديث عكرمة فيحتمل أن سكوت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان لعارضٍ منعه من الكلام، ومثل ذلك غير قاطع للاتصال، وأما سؤال اليهود فإن عدم العلم بمشروعية الاستثناء ينزل منزلة المانع من الكلام، ولهذا لما نزلت الآية بادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الاستثناء، ولم يؤخره، بل قال في الحال: إن شاء الله، وأما ما روي عن ابن عباس فهو من رأيه واجتهاده (¬3)، ............................. ¬
468 - إذا قال لمدخول بها: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة، طلقت طلقتين
وقد انعقد الإجماع (¬1) بعده على خلافه؛ لأن القائل قائلان: إما مشترطٌ للنية، وإما مشترطٌ للاتصال بطريق الأولى، فقد أجمع الفريقان على وجوب الاتصال، فلذلك اشترطناه. والله أعلم. فَصل 468 - إذا قال لمدخول بها: أنت طالق ثلاثًا إلا طلقة، طلقت طلقتين. ولو قال: طلقتين وطلقةً إلا طلقةً، طلقت ثلاًثا. عند القاضي (¬2). والفرق: أنه في الأولى استثنى واحدةً من ثلاثٍ فصحَّ؛ لأنه الأقل (¬3). بخلاف الثانية، فإنه استثناءٌ للكل (¬4)؛ لأنه استثنى طلقةً من طلقةٍ فلم يصح، فطلقت ثلاثًا (¬5). فَصل 469 - إذا قال: أنت طالق ثلاًثا، واستثنى بقلبه واحدة طلقت ثلاًثا، ظاهرًا وباطنًا. على ظاهر كلام الخرقي (¬6). ¬
470 - إذا قال: أنت طالق ثم قال: إن فعلت كذا، دين، ولم يقبل منه في الحكم نص عليه
قلت: وصريح كلام صاحب المحرر: ولو قال: نساؤه طوالق، واستثنى بقلبه إلا فلانة، لم تطلق. عند القاضي (¬1). والفرق: أن الثلاث نصٌّ في العدد، فلا ترفعه النية. بخلاف الثانية: فإن قوله: نساؤه غير نصٍ في جميع نسائه، ولكنه عموم (¬2) أراد به خصوصًا، فقبل منه؛ لأن العام يدخله التخصيص، فافترقا (¬3). ولو قال: نساؤه الأربع طوالق صارت الثانية مثل الأولي (¬4). فَصل 470 - إذا قال: أنت طالق ثم قال: إن فعلت كذا، دُيّن، ولم يقبل منه في الحكم (¬5). نص عليه. ولو قال: أنت طالق ثلاثًا، واستثنى بقلبه إلا واحدة، لم يقبل باطنًا ولا ظاهرًا (¬6). والفرق: أنه في الأولى يدعي: صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يحتمله فدُيِّن (¬7). بخلاف الثانية، لما مرَّ في الفصل المتقدم. ¬
471 - إذا قال: أنت طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة، طلقت ثلاثا في أحد الوجهين
فصل 471 - إذا قال: أنت طالق طلقتين ونصفًا إلا طلقةً، طلقت ثلاًثا. في أحد الوجهين (¬1). ولو قال: أنت طالق طلقتين ونصفًا إلا نصف طلقةٍ، طلقت ثلاًثا، وجهًا واحدًا (¬2). والفرق: أن قوله: طلقتين ونصفًا يقتضي وقوع الثلاث؛ لأن الطلقة لا تتبعض/ فإذا استثنى نصف طلقة بقي طلقتان ونصف، فيسري، فتكمل [56/أ] الثلاث. بخلاف ما إذا استثنى طلقةً؛ لأنه استثنى طلقةً كاملةً من الثلاث، فبقي طلقتان (¬3). قلت: قوله في الثانية: طلقت ثلاثًا. وجهًا واحدًا، ليس كذلك، بل في المسألة وجه ثانٍ: أنها تطلق طلقتين. حكاه ابن حمدان (¬4). فَصل 472 - إذا قال لزوجتيه: إحداكما طالق غدًا، فجاء الغد وهما زوجتاه، طلقت إحداهما بالقرعة. ¬
473 - إذا قال لغير مدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق، وكرره ثلاثا، فدخلت، طلقت ثلاثا
ولو أبان إحداهما أو ماتت قبل الغد، طلقت الباقية (¬1). والفرق: أن الطلاق في الأولى مبهمٌ في ملكه، فوجب أن تخرج المطلقة بالقرعة. بخلاف الثانية، فإن الطلاق مبهمٌ في ملكه وغير ملكه، فوجب أن يقع على التي في ملكه، فافترقا (¬2). فَصل 473 - إذا قال لغير مدخولٍ بها: إن دخلت الدار فأنت طالق، وكرره ثلاًثا، فدخلت، طلقت ثلاثًا (¬3). ولو كرر: أنت طالق ثلاث مراتٍ، لم تطلق (¬4). والفرق: أن المعلق على دخول الدار يقع جملةً واحدةً من غير ترتيب، فهو كما لو قال: أنت طالق ثلاثًا (¬5). بخلاف المنجَّز، فإنه يقع مرتبًا، فتسبق الأولى، فتبين بها، فلا يلحقها ما بعدها (¬6). فَصل 474 - إذا قال لغير مدخولٍ بها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، لم تطلق حتى تدخل الدار، فتطلق واحدةً. ¬
475 - إذا قال لغير مدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، فدخلت، لم تطلق إلا واحدة
[ولو قال لها: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، إن دخلت الدار، طلقت واحدةً] (¬1) في الحال، ولم يلحقها ما بعدها، دخلت الدار، أو لم تدخل (¬2). والفرق: أنه في الأولى علَّق طلاقها على دخول الدار مرتبًا بثم، فلا تطلق حتى تدخل، فإذا دخلت طلقت وبانت، ولم يلحقها ما بعدها. بخلاف الثانية؛ لأنه واجهها بطلقةٍ فصلها من الكلام، فبانت في الحال، ولم يلحقها ما بعدها، ولم يتعلق بدخول الدار؛ لأن حكم الطلقة انفصل قبل التلفظ بما بعدها، فظهر الفرق (¬3). فَصل 475 - إذا قال لغير مدخولٍ بها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، فدخلت، لم تطلق إلا واحدةً (¬4). ولو قال: إن وطئتك فأنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، فوطئها، طلقت ثلاًثًا (¬5). والفرق: أنَّ بدخولها الدار تطلق طلقةً تبين بها، فلا يلحقها ما بعدها (¬6). ¬
476 - إذا قال لزوجته وهي طاهر طهرا لم يجامعها فيه: إن حضت فأنت طالق، فهذا طلاق محرم
وبوطئها تطلق طلقةً رجعيةً؛ لأن الطلقة لم تقع بعد الدخول إلا رجعيةً (¬1)، والرجعية يلحقها الطلاق، فطلقت ثلاثًا. فَصل 476 - إذا قال لزوجته وهي طاهرٌ طهرًا لم يجامعها فيه: إن حضت فأنت طالق، فهذا طلاق محرمٌ. ولو قال: كلما حضت فأنت طالق، كان مباحًا. والفرق: أنه في الأولى علَّق الطلاق بالحيض، فتطلق بأول جزء تراه من الدم، فتطلق في الحيض فيكون حرامًا. بخلاف الثانية، فإنه علَّق طلاقها على وجود حيضةٍ كاملةٍ، فلا تطلق حتى تطهر، فيقع الطلاق في الطهر، وذلك مباحٌ (¬2). فَصل [56/ ب] 477 - / إذا قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت، طلقت طلقتين. ولو قال: إن دخلت فأنت طالق أولًا (¬3)، لم تطلق إلا واحدةً. والفرق: أنه في الأولى علَّق طلاقها بشرطٍ، هو إحداث طلاقها، فمتى نجز طلاقها بعده، أو علقه فوجد المعلق عليه، كان هذا إحداث طلاقٍ من جهته، فتطلق طلقةً بدخولها، وطلقةً بطلاقها به. بخلاف ما إذا بدأ بالتعليق، ثم قال بعده: إذا طلقتك فأنت طالق، فإنها ¬
478 - إذا قال لعبده: إذا طلقت زوجتي فأنت حر، ثم قال لها: إن دخلت فأنت طالق، لم يعتق حتى تدخل الدار، فإذا دخلت طلقت وعتق
إذا دخلت طلقتْ واحدةً، وهو لم يحدث بعد قوله: (إذا طلقتك) طلاقًا ليقع به أخرى، فلذلك لزمه طلقةٌ واحدةٌ (¬1). فَصل 478 - إذا قال لعبده: إذا طلقت زوجتي فأنت حرٌ، ثم قال لها: إن دخلت فأنت طالق، لم يعتق حتى تدخل الدار، فإذا دخلت طلقت وعتق. ولو ابتدأ بالزوجة فقال لها ذلك، ثم بالعبد فقال له مثل ذلك، فدخلت طلقت، ولم يعتق العبد. ومثله لو قال: إن أعتقت عبدي فأنت طالق، ثم [قال] (¬2) له: إن دخلت الدار فأنت حرٌ، فدخل، عتق وطلقت. ولو بدأ بالعبد، ثم بالزوجة، فدخل، عتق ولم تطلق (¬3). والفرق بين هذه المسائل يظهر بما قدَّمناه في الفصل قبله. فَصل 479 - إذا قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حرٌ، ثم قال: إن أعتقت عبدي فأنت طالق، فدخل الدار، عتق ولم تطلق. ولو كانت بحالها، ولكن قال: إذا عتق عبدي فأنت طالق، فدخل العبد الدار، عتق وطلقت. والفرق: أنه في الأولى علَّق طلاقها على إيجاد إعتاق، ولم يوجد بعد تعليق الطلاق، وإنما هو سابقٌ للتعليق، فلهذا لم تطلق. ¬
480 - إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إن طلقتك فأنت طالق، فدخلت الدار، لم تطلق إلا واحدة
وفي الثانية علقه على حصول الحرية للعبد، وقد وجدت، فوقع الطلاق، فافترقا (¬1). فَصل 480 - إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إن طلقتك فأنت طالق، فدخلت الدار، لم تطلق إلا واحدةً (¬2). ولو قال مكان طلقتك: إن وقع عليك طلاقي، طلقت طلقتين (¬3). والفرق: أنه في الثانية علقه على وقوع طلاقه عليها وقد وجد، فطلقت طلقتين: واحدة بالدخول، وأخرى بوقوعه بالدخول (¬4). بخلاف الأولى، فإنه علَّقه على إحداث طلاقٍ منه، ولم يوجد، على ما تقدَّم (¬5). فَصل 481 - إذا قال لمدخولٍ بها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، أو علقه بصفة غير المعاوضة فوجدت، طلقت ثلاًثا. ولو قال: كلما طلقتك - بدل وقع عليك طلاقي - لم تطلق إلا طلقتين (¬6). والفرق: أن شرط حنثه في الأولى وقوع طلاقه عليها، وقد وقع، فقد وجد شرط حنثه، فوقعت ثانية، ووقع بالثانية ثالثةٌ، لاقتضاء كلما. ¬
482 - إذا قال لمدخول بها: كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت أمك فأنت طالق، إن لبست ثوبك فأنت طالق، طلقت ثلاثا
بخلاف/ الثانية. فإن شرط حنثه إيقاعه الطلاق عليها، لا وقوعه، [57/أ] والإيقاع فعله، وقد وجد مرةً فوقعت واحدةً، ووجد شرط حنثه في الثانية فوقعت، ولم تقع الثالثة لأن شرطها إيقاع الثانية، لا وقوعها (¬1). فَصل 482 - إذا قال لمدخولٍ بها: كلما حلفت (¬2) بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت أمك فأنت طالق، إن لبست ثوبك فأنت طالق، طلقت ثلاًثا. ولو قال مكان (كلما: إذا) (¬3) لم تطلق إلا واحدةً. والفرق: أن كلما للتكرار، فكلما حلف بطلاقها بأي صفةٍ علقه فهو حالفٌ، فتطلق. بخلاف إذا، فإنها لا تقتضيه، فتطلق بتعليقه طلاقها على دخول الدار واحدةً، لأنه قد حلف، وتنحل به اليمين، ولا تطلق غيرها، بل يبقى طلاقها معلقًا بالصفتين الأخريين: كلام أمها، ولبس ثوبها، فتطلق عند وجود الصفة، فظهر الفرق (¬4). ¬
483 - إذا قال لغير مدخول بها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد ثانيا وثالثا لم تطلق إلا واحدة، فإن عاد فتزوجها، ثم قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، أو: إن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت ثانية في الحال من غير أن تدخل الدار
فَصل 483 - إذا قال لغير مدخولٍ بها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد ثانيًا وثالثًا لم تطلق إلا واحدةً، فإن عاد فتزوجها، ثم قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، أو: إن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت ثانيةً في الحال من غير أن تدخل الدار (¬1). ولو قال لها: إن كلمتك فأنت طالق، ثم أعادها ثانيًا وثالثًا لم تطلق إلا واحدةً، فلو عاد فتزوجها، ثم كلمها، لم تطلق بكلامه (¬2). والفرق: أنه علق طلاقها على حلفه بطلاقها، فلما أعاد ذلك ثانيًا انعقدت يمينًا ثانيةً؛ لأنه حلف الثانية وهي زوجته، فتعلقت طلقة أخرى بحلفه بطلاقها، ووقعت الأولة بوجود هذا الحلف الثاني فبانت؛ لأنها غير مدخولٍ بها، فلما قال لها بعد ذلك: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، لم تنعقد، لكونها بائنًا منه، فإذا تزوجها، ثم قال ذلك لها فقد وجد حلفه بطلاقها، فتقع الطلقة المعلقة. بخلاف الأخرى، فإنه لما قال لها: إن كلمتك فأنت طالق انعقدت يمينه، فإذا أعاده ثانيًا لم تنعقد، بل تطلق بقوله: إن كلمتك، قبل أن يتم يمينه، فإذا تزوجها، ثم كلمها لم تطلق، لما ذكرنا من عدم انعقاد يمينه (¬3). فَصل 484 - إذا قال لزوجته: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إذا طلعت الشمس، أو قدم الحاج فأنت طالق، لم تطلق. ¬
485 - إذا قال لها: إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرا ثم أنثى، لم تطلق إلا واحدة
ولو قال بعد قوله الأول: إن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت. ذكره القاضي (¬1). والفرق: أن اليمين المنعقدة ما كان فيها حثٌ أو منعٌ، والتعليق على طلوع الشمس، وقدوم الحاج لا يتضمن واحدًا منهما، / فليس بحلفٍ، فلا [57/ب] حنث عليه فيه. بخلاف قوله: إن دخلت الدار، فإن فيه منعًا لها من ذلك، فهي يمينٌ، فتطلق لوجود شرطه (¬2). قلت: وفي المسألة وجهٌ آخر: أن التعليق على طلوع الشمس وقدوم الحاج يمين (¬3). فَصل 485 - إذا قال لها: إن كنت حاملًا بذكرٍ فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرًا ثم أنثى، لم تطلق إلا واحدةً. ولو ولدت الأنثى ثم الذكر، طلقت طلقتين. والفرق: أنها إذا وضعت الذكر أولًا تبيَّنا: أنها طلقت وقت اليمين طلقةً، فإذا ولدت الأنثى انقضت عدتها، فلا تلحقها الطلقة الأخرى، وهذا على اختيار أبي بكر. بخلاف الثانية، فإنها إذا ولدت البنت أولًا طلقت طلقةً، فإذا ولدت الابن بعدها تبيَّنا: أنها طلقت طلقةً وقت اليمين قبل وضع البنت، ولم تنقض عدتها بوضعها، فلذلك طلقت الثانية (¬4). ¬
486 - إذا قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرا، ثم أنثى، ثم ذكرا، طلقت طلقتين
فَصل 486 - إذا قال: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرًا، ثم أنثى، ثم ذكرًا، طلقت طلقتين. ولو ولدت ذكرًا، ثم ذكرًا، ثم أنثى، طلقت واحدةً. والفرق: أنها بوضع الأول طلقت طلقةً، فإذا وضعت الأنثى بعده طلقت بها طلقةً أخرى؛ لأنها في العدة حيث لم تضع الآخر، فإذا وضعته لم تطلق به، لانحلال اليمين بوضع الذكر الأول. بخلاف الثانية، فإنها تطلق بولادة الأول طلقةً، ولا تطلق بالثاني، فإذا وضعتها انقضت عدتها بولادتها، فلا يلحقها فيها طلاق، كما تقدم (¬1). فَصل 487 - إذا قال: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدتهما معًا، ثم ولدت ذكرًا أو أنثى، طلقت طلقتين. ولو ولدت ذكرًا أو أنثى، ثم ولدت ذكرًا وأنثى معًا، لم تطلق إلا واحدةً. والفرق: أنه إذا ولدتهما أولًا معًا فقد وجد شرط وقوع الطلقتين فيقعان، فإذا ولدت الثالث لم يقع به شيءٌ، لأن اليمينين انحلتا. بخلاف الثانية، فإنها تطلق بولادة الأول طلقةً ذكرًا أو أنثى، فإذا ولدتهما بعد ذلك انقضت عدتها بوضعهما، فلا يلحقها طلاق بوضعهما (¬2). ¬
488 - إذا قال: إن ولدت أنثى فأنت طالق طلقة، وإن ولدت ذكرين فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرين معا، أو واحدا بعد واحد، ثم ولدت أنثى، طلقت طلقتين
فَصل 488 - إذا قال: إن ولدت أنثى فأنت طالق طلقةً، وإن ولدت ذكرين فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرين معًا، أو واحدًا بعد واحدٍ، ثم ولدت أنثى، طلقت طلقتين. وإن ولدت ذكرًا ثم أنثى ثم ذكرًا، أو ولدت أولًا أنثى ثم ذكرًا، أو ولدت أنثى ثم ذكرين معًا، أو واحدًا بعد واحدٍ، لم تطلق إلا واحدةً. والفرق: أنه إذا/ ولدت ذكرين أولًا طلقت طلقتين كما شرط، فإذا [58/أ] ولدت الأنثى أخيرًا انقضت عدتها بولادتها، فلم يلحقها بولادتها طلاق. وأما إذا ولدت ذكرًا ثم أنثى ثم ذكرًا، لم تطلق بولادتها للذكر الأول؛ لأن طلاقها معلقٌ على ولادتها لذكرين، ولم يوجد ذلك، وتطلق بولادتها للأنثى طلقةً، فإذا ولدت الذكر الأخير انقضت عدتها بوضعه، فلم يلحقها به طلاق، وكذا إذا ولدت أولًا أنثى ثم ذكرين معًا، طلقت بالأنثى طلقةً، فلما وضعتهما بعد ذلك معًا أو متفرقين انقضت بهما عدتها، فلم يلحقها طلاق. ويعايا بها، فيقال: رجل قال لزوجته: إن ولدت ذكرين فأنت طالق طلقتين، فولدتهما من حملٍ واحد، لم تطلق بولادتهما شيئًا (¬1). فَصل 489 - إذا قال لها: أنت طالقٌ مع موتي، لم تطلق (¬2). ولو قال لعبده: أنت حرٌ مع موتي، عتق (¬3). والفرق: أن حال الموت حال البينونة، فلا يلحقها طلاقه (¬4). ¬
490 - إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فقدم قبل كمال شهر، لم تطلق
بخلاف العتق، فإن ملك الميت يبقى على العبد بعد موته، فلهذا تنفذ (¬1) منه وصاياه، وتقضى ديونه (¬2)، حتى لو قال: أنت حرٌ بعد موتي صح، وعتق بموته (¬3). ولو قال: أنت طالقٌ بعد موتي، لم تطلق (¬4). فَصل 490 - إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيدٍ بشهرِ، فقدم قبل كمال شهرٍ، لم تطلق. وإن قدم بعد شهرٍ وجزءٍ يتسع لوقوع الطلاق، طلقت فيه (¬5). فإن خالعها بعد اليمين (¬6) بيومٍ، وقدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع، وبطل الطلاق. وإن قدم بعد شهرٍ وساعةٍ، وقع الطلاق، دون الخلع (¬7) (¬8). ¬
491 - إذا قال: أنت طاق أمس، يريد الإيقاع مسندا إلى ذلك الوقت، طلقت في الحال، لا في الزمان الماضي
والفرق: أن الخلع في الأولى صادف محلًا؛ لأن بقدوم زيدٍ بعد الشهر بيومين تبيَّنا: أن الخلع وقع وهي زوجةٌ؛ لأن المراد: أنت طالق قبل قدومه بشهرٍ من حين يميني، وقبل يمينه بشهرٍ كانت مطلقةً بالخلع، فلذلك صح الخلع دون الطلاق. بخلاف الثانية، فإنه إذا قدم بعد شهرِ وساعةٍ تبيَّنا: أن الخلع لم يصادفها زوجةً، بل كانت مطلقةً، فيقع الطلاق بتعليقه، ويبطل الخلع لما ذكرنا (¬1). فَصل 491 - إذا قال: أنت طاقٌ أمس، يريد الإيقاع مسندًا إلى ذلك الوقت، طلقت في الحال، لا في الزمان الماضي (¬2). ولو قال: أنت طالق قبل موتي بشهرٍ، ومات بعد شهرٍ، وقع الطلاق قبل موته بشهرٍ (¬3). والفرق: أنه من المستحيل وقوع الطلاق قبل إيقاعه، فإذا قال: أنت طالق أمس، والإيقاع إنما وجد/ اليوم، لم يتصور وقوعه أمس، فلم يقع إلَّا [58/ب] بعد إيقاعه. وأما المسألة الأخرى، فالطلاق لم يقع فيها قبل إيقاعه، بل بعده قبل الصفة على ما شرط (¬4). ¬
492 - إذا قال: أنت طالق قبل أن أتزوج بك، طلقت في الحال
فصل 492 - إذا قال: أنت طالق قبل أن أتزوج بك، طلقت في الحال. ولو قال: أنت طالق أمس، لم تطلق. ذكرهما القاضي عن أبي بكر (¬1). والفرق: أن أمس زمان لا يعود ليقع به الطلاق. بخلاف الأولى، فإنه زمان قد يأتي بعد، فيقع فيه عند نكاحه إياها، فيكون حلفه قبل ذلك الوقت، فيقع طلاقه فيه (¬2). قلت: والصحيح أن قوله: قبل أن أتزوج بك كقوله: أمس، ولم تكن فيه زوجة. كذا حكاه أبو البركات (¬3). قال (¬4): وحكي عن أبي بكر: تطلق هنا. يعني في المسألة: قبل أن أتزوج بك. بخلاف ما إذا قال: في أمس، حملًا للفظه على زوجيةٍ متوقعةٍ في المستقبل. فَصل 493 - إذا قلنا: يصح تعليق الطلاق قبل النكاح (¬5)، فقال: كل امرأةٍ أتزوجها فهي طالق إن كلمت فلانًا، فتزوج امرأةً، ثم كلَّم فلانًا، ثم تزوج أخرى، طلقت التي تزوجها قبل كلامه لا بعده. ¬
494 - إذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق، فتزوج امرأة، فطلقت، ثم عاد فتزوجها، لم تطلق
ولو قال: إن كلمت فلانًا فكل امرأةٍ أتزوجها طالق، فتزوج ثم كلَّمه، ثم تزوج أخرى، طلقت التي تزوجها بعد كلامه لا قبله. والفرق: أنه إذا كلمه في الأولى طلقت، وانحلَّت يمينه، فإذا تزوج بعد الكلام لم يحنث، لانحلال يمينه. بخلاف الأخرى، فإن قوله: إن كلمت فلانًا فكل امرأةٍ أتزوجها طالق يحمل على المستقبل، كما لو قال: كل امرأةٍ أتزوجها طالق لم تطلق السابقة، بل المتأخرة، كذا هنا، فافترقا (¬1). فَصل 494 - إذا قال: كل امرأةٍ أتزوجها طالق، فتزوج امرأةً، فطلقت، ثم عاد فتزوجها، لم تطلق. ولو قال: كلما تزوجت امرأةً فهي طالق، تكرر الطلاق بتكرر التزوج بها (¬2). والفرق: أن كل لا تقتضي التكرار، وتدخل على الأسماء فتجمعها، ولا تجمع الأفعال، فعلى هذا تعليق الطلاق بالأولى بالاسم لا بالفعل، والاسم لا يتكرر، فقد علق الطلاق بشرط لا يتكرر، فلا يتكرر جزاؤه. بخلاف الثانية، فإن كلما تقتضي التكرار (¬3). ¬
495 - إذا قال: المرأة التي أتزوجها طالق ثلاثا، ثم تزوج، طلقت ثلاثا
فَصل 495 - إذا قال: المرأة التي (¬1) أتزوجها طالق ثلاثًا، ثم تزوج، طلقت ثلاثًا. ولو قال: هذه المرأة التي أتزوجها طالق ثلاثًا، فتزوجها، لم تطلق (¬2). والفرق: أنه في الأولى عرَّفها بالنكاح، فلا تحصل معرفتها إلا به، فصار التزويج شرطًا، والطلاق مضاف إلى الملك، فوقع عند وجوده. بخلاف الثانية، فإنه عرَّفها بالإشارة، فلم يكن التزويج تعريفًا وشرطًا، [59/أ] بل عرفناها بالإشارة، فصار موقعًا للطلاق/ في الحال، ولا نكاح بينهما، فلذا لم تطلق (¬3). فَصل 496 - إذا قال لزوجته: كلما ولدت ولدًا فأنت طالق، فولدت ثلاثةً معًا (¬4)، طلقت طلقتين، وتنقضي عدتها بوضع الثالث (¬5). ولو ولدتهم في ثلاثة بطون طلقت ثلاثًا، وعليها العدة بالأقراء (¬6). والفرق: أن كلما تقتضي التكرار كما بيَّنا، فيقع بالأولة طلقة وتجب العدة، ويقع بالثاني أخرى لكونها في عدةٍ وتنقضي العدة بالثالث، ولم يقع به ¬
497 - إذا قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ثلاثة في بطن: ذكرا ثم أنثى ثم ذكرا، أو أنثى ثم ذكرا ثم ذكرا، طلقت ثلاثا
شيءٌ على مامرَّ (¬1). وأما إذا ولدتهم في بطونٍ: وقع بالأول واحدة، والثاني يثبت نسبه منه، والحكم بثبوت نسبه حكم بالوطء من الزوج، فصار مراجعًا لها، فيقع بالثاني طلقة ثانية. وكذا حكم الثالث، فلما ولدته وجد شرط الوقوع وهي زوجةٌ فطلقت ثلاثًا، ووجبت العدة بالأقراء (¬2). فَصل 497 - إذا قال: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق طلقةً، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ثلاثةً في بطن: ذكرًا ثم أنثى ثم ذكرًا، أو أنثى ثم ذكرًا ثم ذكرًا، طلقت ثلاثًا. ولو ولدتهم ذكرًا، ثم ذكرًا، ثم أنثى، طلقت واحدةً (¬3). والفرق: أنها إذا ولدت أولًا ذكرًا طلقت طلقةً، وإذا ولدت أنثى طلقت طلقتين؛ لأنها في عدةٍ ما دام الثالث حملًا، وكذلك الصورة الأخرى. بخلاف ما إذا ولدت أولًا ذكرًا ثم ذكرًا ثم أنثى، لا تطلق بالأول إلا طلقةً، ولا تطلق بالثاني شيئًا، لانحلال يمينه بالذكر الأول، ولا يتكرر وقوع الطلاق؛ لأنَ إنْ لا تقتضي التكرار، وإذا وضعت الثالث بانت به، وانقضت العدة، فلا تلحقها الثالثة (¬4). ¬
498 - إذا قال لأربع: كلما ولدت واحدة منكن فصواحباتها طوالق، فولدت اثنتان معا، ثم اثنتان معا، طلقت الوالدتان أولا كل واحدة منهما ثلاثا
فَصل 498 - إذا قال لأربعٍ: كلما ولدت واحدةٌ منكن فصواحباتها طوالق، فولدت اثنتان معًا، ثم اثنتان معًا، طلقت الوالدتان أولًا كل واحدةٍ منهما ثلاثًا. وكل واحدةٍ من الوالدتين أخيرًا طلقتين. والفرق: أن بولادة الأولتين طلقت كل منهما طلقةٌ بصاحبتها، وبولادة الأخريين طلقتين، فتكمل الثلاث. وكل واحدةٍ من الأخريين طلقتين بالأولتين، وانقضت عدتهما بولادتهما، فلم يلحقهما بهما طلاق (¬1). فَصل 499 - إذا قال: إن كنت حاملًا بذكرٍ فأنت طالق، فوضعت أنثى وذكرًا، طلقت. ولو كان مكانه: إن كان حملك، لم تطلق. والفرق: أن الحمل عبارة عن جميع ما في البطن، فكأنه قال: إن كان جميع حملك ذكرا، ولو قال ذلك فولدتهما لم تطلق. بخلاف الأولى، فإنَّ الحامل بذكرٍ وأنثى حاملٌ بأحدهما (¬2). فَصل 500 - إذا قال: إن كنت حاملًا بذكرٍ فأنت طالق طلقةً، وإن كنت حاملًا بأنثى/ [59/ب] فأنت طالق طلقتين، فولدتهما معًا طلقت ثلاثًا. ولو كان مكان: إن كنت حاملًا، إن كان حملك، فولدتهما معًا لم تطلق (¬3). ¬
501 - إذا قال لها، ولها ضرة: كلما طلقت ضرتك فأنت طالق، ثم قال مثله لضرتها، ثم قال: أنت طالق للمخاطبة أولا، طلقت طلقتين، وضرتها طلقة
والفرق بينهما: ما تقدَّم (¬1). فَصْل 501 - إذا قال لها، ولها ضرةٌ: كلما طلقت ضرتك فأنت طالق، ثم قال مثله لضرتها، ثم قال: أنت طالق للمخاطبة أولًا، طلقت طلقتين، وضرتها طلقة. ولو لم يقله إلا للثانية، طلقتا طلقة طلقة (¬2). والفرق: أن بطلاقه للأولى يقع بها طلقةً، فيقع بضرتها طلقةً، فيقع بها أخرى بطلاق الضرة. بخلاف ما لو لم يقله إلا للثانية، فإنه يقع بها طلقةً بالمباشرة، وبالأولى طلقةً لطلاق الثانية (¬3). فإن قيل: لم لا تطلق الضرة طلقةً أخرى بطلاق الأولى لطلاقها. قلنا: هو علَّق طلاقًا على إحداث طلاقٍ على الأولى، وطلاق الأولى لطلاق الضرة ليس محدثًا، وإنما كان متعلقًا قبل تطليق الضرة. فَصْل 502 - إذا قال: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق، فقالت: إن بدأتك بالكلام فعبدي حرٌ، ثم كلَّمها وكلمته، لم يقع طلاق ولا عتق. ولو كلمته ثم كلمها، وقع العتق دون الطلاق. ¬
503 - إذا قال: كلما أكلت رمانة فأنت طالق، وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق، فأكلت رمانة، طلقت ثلاثا
والفرق: أن يمينه انحلت بيمينها حيث بدأته، ويمينها انحلت ببدائته، فبرَّا جميعًا. بخلاف الثانية، فإنها حيث بدأته وقع العتق، ولا يقع طلاق لما ذكرنا (¬1). فَصْل 503 - إذا قال: كلما أكلت رمانةً فأنت طالق، وكلما أكلت نصف رمانةٍ فأنت طالق، فأكلت رمانةً، طلقت ثلًاثا. ولو أتى بإنْ مكان كلما، طلقت طلقتين (¬2). والفرق: أن كلما يقتضي التكرار، فطلقت بنصفيها طلقتين، وبجملتها طلقةً، فصارت ثلاثًا. بخلاف إنْ، فإنه لا يقتضي التكرار، فتطلق واحدةً بنصفها، وأخرى بكلها، ولا يتكرر الوقوع بالنصف الآخر، لما ذكرنا من عدم اقتضاء إنْ للتكرار (¬3). فَصْل 504 - إذا حلف لا يلبس ثوبًا هو لابسه، أو لا يركب دابةً هو راكبها، فاستدام ذلك، حنث. ولو حلف لا يتزوج وهو متزوج، أو لا يتطيب وهو متطيب، فاستدامه، لم يحنث (¬4). ¬
505 - إذا قال: إذا قعدت فأنت طالق، وهي قاعدة، فاستدامته، طلقت
والفرق: أن استدامة الركوب واللبس ركوبٌ ولبسٌ، فقد ركب، ولبس فحنث. بخلاف التزوج والتطيب، فإن استدامتهما ليس تزوجًا ولا تطيبًا، فلم يوجد شرط الوقوع، فلم يقع به (¬1). فَصْل 505 - إذا قال: إذا قعدت فأنت طالق، وهي قاعدةٌ، فاستدامته، طلقت. ولو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، وهي فيها، فاستدامت الكون فيها، لم تطلق. على قول أبي الخطاب (¬2). والفرق: ما تقدَّم قبل (¬3). فَصْل 506 - إذا حلف لا يشرب/ له الماء من العطش، ناويًا (¬4) قطع المنة، حنث [60/أ] بكل ما له فيه منةٌ (¬5). ولو حلف لا يلبس من غزلها وقصده قطع المنَّة أيضًا، حنث إن انتفع ¬
507 - إذا شهد اثنان بالطلاق، واختلفا في وقته، ثبت
بالغزل أو ثمنه، ولا يحنث بمالها فيه منةٌ (¬1). والفرق: أن المحلوف [عليه] (¬2) في الأولى وهو الماء ليس مقصودًا، فكأنه حلف أن لا يأخذ ماله فيه منّةٌ. بخلاف الثانية، فإن المحلوف عليه مقصودٌ، وقد يحصل بينهما بسببه ما يوجب الحلف عليه، فاختصَّ الحكم به (¬3)، فلذلك افترقا، والله أعلم. فَصْل 507 - إذا شهد اثنان بالطلاق، واختلفا في وقته، ثبت. ولو كان نكاحًا، لم يثبت (¬4). والفرق: أن الطلاق قولٌ يحكى ويعاد، ولا يحتاج في صحته إلى اجتماع شهودٍ، فثبت مع الاختلاف في وقته، كالإقرار بمال. بخلاف النكاح، فإن صحته تفتقر إلى حضور شاهدين حال العقد، والحضور فعلٌ لا يحكى ولا يُعاد، فيكون الثاني غير الأول، وبكل واحدٍ شاهدٌ واحدٌ، فلم يثبت بذلك (¬5). فَصْل 508 - إذا قال لمدخولٍ بها: متى أو أيَّ وقت لم تدخلي الدار فأنت طالق، فمضى زمن يمكن الدخول فيه ولم تدخل، طلقت واحدةً، ولا يقع عليها غيرها. ¬
509 - إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار - بكسر الهمزة - فدخلت بعد اليمين، طلقت
ولو قال: كلما، فمضى زمنٌ يمكن الدخول فيه ولم تدخل، طلقت، فإذا مضى زمنٌ آخر يمكن ذلك فيه طلقت ثانيةً، وكذا الثالثة (¬1). والفرق: أن متى وأيُّا لا يقتضيان التكرار، فإذا مضى زمان يمكن الدخول فلم تدخل طلقت، وانحلت يمينه. بخلاف كلما، فإنها تقتضي ذلك، فكلما أمكن الدخول فلم تدخل طلقت، فتطلق ثلاثًا إذا مضى عليها ثلاثة أزمنةٍ أمكنها الدخول فيها (¬2). فَصْل 509 - إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار - بكسر الهمزة - فدخلت بعد اليمين، طلقت. ولو قال - بفتح الهمزة - فدخلت بعده لم تطلق، وإن كان قبله طلقت (¬3). والفرق: أنَّ إنْ في الأولى شرطيةٌ، والشرط للمستقبل، فيعمل به دون الماضي. بخلاف المفتوحة، فإنها للماضي، ومعناه: التعليل، فكأنه قال: أنت طالق لدخولك (¬4). قلت: وهذا إن كان يعرف العربية، وإلَّا كان حكم المفتوحة حكم المكسورة (¬5)، والله أعلم. ¬
510 - إذا قال: إن كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق، ففعل أحدهما لم تطلق، وإن فعلهما طلقت واحدة
فَصْل 510 - إذا قال: إن كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق، ففعل أحدهما لم تطلق، وإن فعلهما طلقت واحدةً. ولو قال: بأو، وفعل أحدهما طلقت واحدةً، وإن فعلهما طلقت طلقتين (¬1). والفرق: أنه على الأولى علَّق طلاقها تعليقًا واحدًا على شرطٍ واحدٍ، وإذا كان تعليقًا واحدًا لم يقع حتى يوجد بشرطه، وهو الكلام والدخول جميعًا، فمتى تخلف أحدهما لم يوجد شرط الوقوع. [60/ب] بخلاف/ الثانية، فإنه أتى بأو التي مقتضاها التعداد والمغايرة دون الجمع، فيكون ذلك تعليقين على شرطين، فأيهما وجد طلقت به طلقةً، وإذا وجدا طلقت طلقتين (¬2)، فظهر الفرق. قلت: وإنما وجه المسألة على القول: بأن من حلف لا يفعل شيئًا ففعل بعضه لا يحنث، أما على القول: بحنثه بالبعض فإنها تطلق بفعل أحدهما (¬3). فَصْل 511 - إذا قال: أنت طالق إلى شهرٍ، ونوى من الآن إلى شهرٍ، طلقت في الحال، ولم يرتفع بعد الشهر (¬4). ¬
512 - إذا قال: أنت طالق في اليوم، وفي الغد، وفي بعد الغد، طلقت ثلاثا في ثلاثة أيام
ولو قال: أنت عليَّ كظهر أمي إلى شهرٍ، فإذا مضى الشهر أبيحت بلا كفارةٍ. نص عليه (¬1). والفرق: أن الطلاق لا يقع إلا مؤبدًا، فلا يرتفع بعد وقوعه. بخلاف الظهار، فإنه يثبت التوقيت فيه من طريق التكفير، فإذا وقَّته لم يخرجه عن مقتضاه، فلذلك صحَّ مؤقتًا (¬2). فَصْل 512 - إذا قال: أنت طالق في اليوم، وفي الغد، وفي بعد الغد، طلقت ثلاثًا في ثلاثة أيامٍ. ولو قال بدون حرف في، طلقت واحدةً (¬3). قلت: على الصحيح. والفرق: أن في للظرفية، فقد جعل الأيام ظروفًا لوقوع الطلاق فطلقت ثلاثًا، كما لو أظهر الفعل فقال: أنت طالق في غدٍ، وطالق في اليوم، وطالق بعد غدٍ، فإنها تطلق ثلاثًا، كذا هنا. بخلاف الثانية، فإنه لم يأت فيها بالظرفية، فيكون المعنى: أنت طالق اليوم بالتطليق، وغدًا وبعد غدٍ به أيضًا، لأن المطلقة في اليوم مطلقةٌ في غدٍ، وفي بعد الغد (¬4)، فافترقا. ¬
513 - إذا قال: أنت طالق في الغد طلقت في أوله، فإن قال: أردت آخره، قبل منه في الحكم على رواية، ودين
قلت: فَصْل 513 - إذا قال: أنت طالق في الغد طلقت في أوله، فإن قال: أردت آخره، قبل منه في الحكم. على روايةٍ، ودُيِّن. ولو قال: أنت طالق غدًا، وقال: أردت آخره لم يقبل في الحكم، ولم يُدَيَّن (¬1). نص عليه (¬2). والفرق: ما ذكره الوالد في بعض تعاليقه: أنه في الأولى جعل الغد ظرفًا لوقوع الطلاق، لا أنه يقع في جميعه، بل في جزءٍ منه، ألا ترى أنه لو لم ينو انصرف الطلاق إلى أول جزءٍ منه لسبقه، فإذا نوى آخره فقد نوى ما يحتمله لفظه، فصحت نيته، وقبل منه، كما لو قال: أنت طالق ملء البيت فإنه يقع واحدةً، فلو نوى ثلاثًا قُبلَ. نص عليه في رواية ابن منصور (¬3)، وذكره أبو بكر في الشافي، وعلته: ما ذكرنا من احتمال اللفظ. بخلاف الثانية، فإن قوله: غدًا، يستغرق جميع الغد؛ لأن الفعل وقع فيه [61/أ] مستغرقًا له، فيعم جملته، ويقع في أول جزءٍ منه لسبقه، ويصير هذا/ كما لو قال: لله عليَّ أن أصوم شهر رجب، فإنه يلزمه صوم جميعه، ولو قال: أصوم في رجب أجزأه صوم يومٍ منه، فإذا ادعى: [أنه نوى] (¬4) في آخر الوقت، فقد ادَّعى خلاف مقتضى اللفظ؛ لأن مقتضاه اتصافها بالطلاق في جميع اليوم، ¬
514 - إذا قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غد، لم تطلق
فلذلك لا يقبل منه (¬1). فَصْل 514 - إذا قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غدٌ، لم تطلق. ولو قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم، طلقت إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لطلاقها. قاله أبو الخطاب (¬2). والفرق: أنه في الأولى جعل مجيء الغد شرطًا لوقوع الطلاق في اليوم، وذلك مستحيل، فلم تطلق، كما لو قال: إن صعدت السماء (¬3). بخلاف الثانية، فإن معنى اليمين فيها: أنت طالق اليوم إن فاتني طلاقك فيه، فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لطلاقها فقد فاته طلاقها فتطلق، كما لو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، فإنها في آخر جزءٍ من حياته تطلق، فكذا هنا (¬4). قلت: وهذا الذي ذكره في الأولى هو أحد الوجوه (¬5) والآخر: تطلق في الحال، والآخر: في الغد (¬6). والله أعلم. ¬
515 - إذا تزوج امرأة واشترى عبدا في يوم واحد، ثم قال لها: أنت طالق أمس، وله: أنت حر أمس، عتق ولم تطلق إذا أراد بقوله: طلاق زوجها قبله
فَصْل 515 - إذا تزوج امرأةً واشترى عبدًا في يومٍ واحدٍ، ثم قال لها: أنت طالقٌ أمس، وله: أنت حرٌ أمس، عتق ولم تطلق إذا أراد بقوله: طلاق زوجها قبله (¬1). والفرق: أنه وصف العبد بكونه حرًا أمس، وذلك يوجب تحريم استرقاقه. بخلاف الطلاق، فإنه وصفها بوقوعه عليها بالأمس من زوج قبله، وذلك لا يقتضي تحريمها عليه، فلم تطلق، فافترقا (¬2). فَصْل 516 - إذا قال: أنت طالق نصف طلقةٍ، وثلث طلقةٍ، وسدس طلقةٍ، طلقت ثلًاثًا. ولو قال: نصف وثلث وسدس طلقةٍ، طلقت طلقةً (¬3). والفرق: أنه في الأولى أضاف كل جزءٍ إلى طلقةٍ فهي أجزاءٌ ثلاثٌ، فيسري كل جزءٍ إلى تمامها، فلذلك طلقت ثلاثًا. بخلاف الثانية، فإنه جمع أجزاء الطلقة وأضافها إلى طلقةٍ واحدةٍ، فلم تطلق إلا واحدةً، كما لو قال: أنت طالق جميع أجزاء طلقةٍ (¬4). ¬
517 - إذا قال لغير مدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة، لم تطلق إلا واحدة
فَصْل 517 - إذا قال لغير مدخولٍ بها: أنت طالق طلقةً قبل طلقةٍ، لم تطلق إلا واحدةً (¬1). ولو قال (¬2): قبلها طلقة، طلقت طلقتين، اختاره أبو بكر (¬3)، وأبو الخطاب (¬4). والفرق: أن بقوله: أنت طالق طلقةً يقع بها واحدةٌ تبينها، [و] (¬5) قوله: قبل طلقةٍ، يقتضي أن يقع بعد الأولى أخرى، وذلك لا يتأتى؛ لأن الزوجة بانت بالأولى كما ذكرنا. بخلاف قوله: قبلها طلقة؛ لأن ذلك يقتضي وقوع الطلقة القبلية قبل وقوع/ طلقة المواجهة، فبقوله: أنت طالق يقع بها طلقة المواجهة، وبقي [61/ب] إقراره بأنه أوقع عليها طلقةً، فيلزمه حكمه (¬6)، فافترقا. قال أبو عبد الله السامري (¬7)، فإن قيل: فهلَّا قلتم: إذا قال: أنت طالق [طلقة] (¬8) بعد طلقةٍ كذلك؛ لأنها مثلها. ¬
قال: قلنا: يتخيل ظاهرًا أنها مثلها. والفرق: أن بقوله: أنت طالق طلقةً قبلها طلقةً نجز وقوع التي واجهها بها، فوقعت، ثم أقرَّ أنه أوقع قبلها طلقة أخرى، فلزمه حكم إقراره؛ لا أنه أوقع الأخرى بعد ذلك. بخلاف قوله: طلقة بعد طلقةٍ، فإنه لم ينجز وقوع التي واجهها بها، بل أخَّر وقوع طلقة المواجهة حتى يقع قبلها طلقة، ثم تقع هي بعدها، فهو كما لو قال: إذا أوقعت عليك طلقةً فأنت طالق، لم تقع الثانية إلا بعد الأولى، ومتى وقعت الأولى بانت بها، ولم تلحقها، فافترقا. قلت: قد ساق أبو البركات في محرره (¬1) المسألتين، أعني: قوله: أنت طالق طلقةً قبلها طلقة، وقوله: أنت طالق طلقةً بعد طلقة، وجعل الحكم فيهما واحدًا ناقلًا ذلك عن أبي الخطاب (¬2). ولا ريب أن معناهما متقاربٌ، وقول المؤلف في قوله: طلقةً بعد طلقةٍ: إنه لم ينجز وقوع التي واجهها بها، بل أخَّر وقوع طلقة المواجهة حتى يقع قبلها طلقةً، ثم تقع هي بعدها، فيه نظر، فإن المطلّق أوقع الطلقة ووصفها بكونها بعد طلقةٍ، فكما قال في طلقةٍ قبلها طلقة: إنه أقر بطلقةٍ سابقةٍ فلزمه حكم إقراره، نقول هنا: إن قوله طلقةً بعد طلقةٍ يقتضي إيقاع طلقةٍ متقدمةٍ على الطلقة المواجهة بها، فيلزمه حكم إقراره. ويتصور طلقة بعد طلقة، وطلقة قبلها طلقة في حق غير المدخول بها، بأن يكون قد قال لها قبل ذلك: متى قلت لك: أنت طالق فأنت طالق مع القول، فيكون قوله الآن: أنت طالق طلقةً قبلها طلقة، أو هي بعد طلقةٍ، ويريد علَّقتها قبل هذه، فوقعت مع وقوعها، والله أعلم. ¬
518 - إذا قال لها: أنت طالق إن كلمت زيدا حتى يقدم عمرو، فكلمته قبل قدومه طلقت، ولو كلمته بعده، لم تطلق
فَصْل 518 - إذا قال لها: أنت طالق إن كلمت زيدًا حتى يقدم عمروٌ، فكلمته قبل قدومه طلقت، ولو كلمته بعده، لم تطلق (¬1). وإن قال: إن كلمت زيدًا فأنت طالق حتى يقدم عمروٌ، فكلمته قبل قدومه أو بعده طلقت. والفرق: أن الغاية في الأولى رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق فتقديره: إن كلمت زيدًا إلى أن يقدم عمروٌ فأنت طالق، فإذا كلمته قبل القدوم طلقت، وإن كلمته بعده لم تطلق. بخلاف الثانية، فإنه/ علَّق طلاقها على كلام زيدٍ، فمتى كلمته طلقت، [62/أ] فقوله: إلى أن يقدم عمروٌ غايةٌ لطلاقها، فإذا غيَّا الطلاق وقع في الحال، كما تقدم (¬2)، فافترقا. قلت: فَصْل 519 - إذا أتى بصريح العتق في الطلاق، فقال لها: أنت حرة، ونوى الطلاق وقع (¬3). ولو أتى بصريح الطلاق في العتق، فقال لأمته: أنت طالق، فهل تعتق؟ ¬
520 - إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا، وكانت يمينه طلاقا أو عتاقا، حنث
فيه وجهان (¬1). والفرق بينهما ما ذكره شيخنا (¬2) أقضى القضاة رحمه الله وهو: أن قوله أنت حرةٌ يحصل به حل جميع القيود (¬3) عن المعتقة، فجاز أن يحل به بعضها، وهو قيد النكاح (¬4). بخلاف قوله: أنت طالق، فإنه إنما يحل به قيد النكاح فقط، فيضعف أن يحل به جميع القيود (¬5). فَصْل 520 - إذا حلف لا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا، وكانت يمينه طلاقًا أو عتاقًا، حنث. وإن كانت مكفرةً، لم يحنث (¬6). والفرق: أن الطلاق والعتاق يتعلق بهما حق آدمي، فاستوى عمدهما وخطؤهما، كالقتل والإتلاف. ¬
بخلاف اليمين المكفرة، فإن الحق فيها لله تعالى، فجاز التفرقة فيها بين العمد والسهو (¬1)، دليله: الأكل في الصوم ناسيًا (¬2)، وترك التسمية على الذبيحة ناسيًا (¬3)، فافترقا، والله أعلم. ¬
كتاب الرجعة
كتاب الرجعة [فَصْل] 521 - لا يجوز للعبد أن يتزوج بغير إذن سيده (¬1)، فلو أذن له فتزوج، ثم طلق، فقياس المذهب: أنه يملك ارتجاعها بغير إذن سيده. قاله السامرِّي (¬2). قال: والفرق: أن ابتداء النكاح إنشاء تصرفٍ في خالص ملك السيد، فلا يصح بدون إذنه، كما لو باع نفسه. بخلاف الرجعة، فإنها ليست تصرفًا في خالص ملك السيد، وإنما هي تصرف من العبد في خالص ملك نفسه؛ لأن الرجعة من حقوق النكاح، والحق فيه له، لا لسيده (¬3). قلت: وهذه المسألة لم أرها منصوصة في كلام أصحابنا، لكن الخطيب أبا عبد الله بن تيمية (¬4) قال في البلغة: كل من صح قبوله للنكاح، صح ¬
522 - إذا قال للرجعية: قد راجعتك إن شئت، فقالت: قد شئت لم تحصل الرجعة
ارتجاعه، وكذا قال صاحب الرعاية (¬1)، فربما فهم من هذا: أن العبد لا يرتجع إلا بإذن سيده؛ لأنه إنما يصح قبوله للنكاح بالإذن، فكذا رجعته، ثم المعنى الذي لأجله منع العبد من التزوج ابتداءً موجودٌ في الرجعة. والله أعلم. فَصْل 522 - إذا قال للرجعية: قد راجعتك إن شئت، فقالت: قد شئت. لم تحصل الرجعة (¬2). ولو قال: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت، طلقت (¬3). والفرق: أن الرجعة عقدٌ لازمٌ، فلا يصح تعليقها بشرطٍ، كالنكاح. والطلاق ليس عقدًا لازمًا، بل إزالة ملكٍ فصح معلقًا بشرطٍ، كالعتق (¬4). فَصْل 523 - إذا قال: راجعتك للمحبة أو للإهانة، ونوى: من أجل محبتي لك، أو لما لحقك من الإهانة بالطلاق، صحت الرجعة. وإن نوى بقوله للمحبة: أنه كان يحبها قبل النكاح/، وقد رجعها إلى [62/ب] ¬
524 - لا تصح الرجعة في الردة رواية واحدة
تلك المحبة، أو رجعها إلى الإهانة التي كانت فيها قبل النكاح، لم يصح. والفرق: أنه في الأولى أتى بصريح الرجعة، وذكر علَّتها، فكان ذلك مؤكدًا لصحتها. بخلاف الأخرى، فإنه أخبر عما يصلح اللفظ له، وأنه راجعها إلى غير زوجيته (¬1). فَصْل 524 - لا تصح الرجعة في الردَّة (¬2). رواية واحدة. وتصح في الإحرام. في أصح الروايتين (¬3). والفرق: أن تحريم الإحرام لا يفضي إلى زوال الملك، فتصح فيه الرجعة كزمان الحيض. بخلاف تحريم الردَّة، فإنه يفضي إلى زوال الملك، فتنافيه الرجعة (¬4). قلت: ليس في الرجعة زمن الردَّة عن الإمام أحمد - رضي الله عنه - رواية (¬5)، وإنما أكثر الأصحاب على البطلان، وقال ابن حامد، والقاضي: تكون موقوفةً، إن أسلم المرتد منهما في العدة صحَّت، وإن لم يسلم في العدة تبيَّنا أن الفرقة ¬
525 - إذا وطئ مطلقته الرجعية بشبهة، وقد بقي من عدتها قرؤ واحد، لزمها استئناف العدة ثلاثة قروء، وله ارتجاعها في القرء الأول، دون القرئين الآخرين
وقعت قبل الرجعة (¬1). هذا على القول: بأن الفرقة لا تتعجل (¬2). فَصْل 525 - إذا وطئ مطلقته الرجعية بشبهةٍ، وقد بقي من عدتها قرؤٌ واحدٌ، لزمها استئناف العدة ثلاثة قروءٍ، وله ارتجاعها في القرء الأول، دون القرئين الآخرين. والفرق: أن القرء الأول بقية عدة الطلاق، فصح الارتجاع فيه، كما لو لم يطأها. بخلاف القرئين الآخرين، فإنهما ليسا من عدة الطلاق، وإنما هما بقية عدة الوطء بالشبهة، فلم يصح الارتجاع فيهما، كما لو لم يطأها، فافترقا (¬3). ¬
كتاب الإيلاء
كتاب الإيلاء [فَصْل] 526 - الايلاء في النكاح الفاسد لا يتعلق به حكم الإيلاء في الصحيح (¬1). والطلاق في فاسد النكاح كهو في الصحيح (¬2). والفرق: أن الطلاق إزالة ملكٍ بني على التغليب والسراية، فنفذ في الفاسد، كالصحيح إذا لم يسقط به حق الغير، كالكتابة الفاسدة، فإن العتق ينفذ فيها، كالصحيحة (¬3). بخلاف الإيلاء، فإن حكمه ضرب المدة لاستدعاء الوطء، والوطء فيه حرامٌ، والحرام لا يستدعى بالشرع (¬4). فَصْل 527 - إذا قال لأربع زوجاتٍ: والله لا وطئتكن، لم يكن موليًا من الجميع. ولو قال: والله لا وطئت واحدةً منكن، ولا نية له (¬5) كان موليًا ¬
528 - إذا قال: والله لا جامعتك إلا جماع سوء، ونوى الدبر، أو دون الفرج، فهو مول
من الجميع (¬1). والفرق: أن قوله في الثانية نفي في نكرةٍ فيعم، كما لو قال لكل واحدةٍ: لا وطئتك. بخلاف الأولى، فإنه منع نفسه من وطء جميعهن، ولو وطئ منهن واحدةً أو اثنتين، لم تلزمه كفارة (¬2). وهذا على القول بعدم الحنث بفعل بعض المحلوف عليه، فلو وطئ منهن ثلاثًا، صار موليًا من الرابعة؛ لأن الإيلاء تعين في حقها (¬3). فَصْل 528 - إذا قال: والله لا جامعتك إلا جماع سوء، ونوى الدبر، أو دون الفرج، فهو مولٍ. وإن نوى ضعفه بحيث لا يزيد على التقاء الختانين، فليس بمولٍ (¬4). والفرق: أنه إذا أراد (¬5) ما ذكر في الأولى (¬6) / فقد منعها الجماع [63/أ] الشرعي، ولا يخرج من الإيلاء إلا به، فلذلك كان موليًا. ¬
529 - إذا قال: إن وطئتك فلله علي صوم شهر، فهل يكون موليا؟ فيه روايتان
بخلاف الثانية، فإن الجماع الضعيف يخلصه من الإيلاء (¬1). فَصْل 529 - إذا قال: إن وطئتك فللَّه عليَّ صوم شهر، فهل يكون موليًا؟ فيه روايتان (¬2). فإن قلنا: يكون موليًا، فقال: إن وطئتك فللَّه عليَّ صوم هذا الشهر، لم يكن موليًا. قولًا واحدًا (¬3). والفرق: أنه إذا أطلق الشهر أمكن أن يصومه بعد وطئه، ومضي مدة التربص، فصار كما لو قال في المحرم: إن وطئتك فللَّه عليَّ صوم ذي الحجة من هذه السنة، ولو قال ذلك كان موليًا، فكذلك هاهنا. بخلاف الثانية، فإنه إذا ترك الوطء فيه انحلَّ نذره؛ لأنه إذا وطئ بعده امتنع فعل المنذور، فكأنه قد حلف على ترك الوطء شهرًا، فلا يكون موليًا بذلك (¬4)، فافترقا. فَصْل 530 - إذا فاء (¬5) المولي بعد المدة تخلَّص من ..................................... ¬
531 - إذا امتنع المولي من الفيئة والطلاق، طلق الحاكم عليه
الإيلاء (¬1). ولو طلقها تخلص من المطالبة، لا من الايلاء (¬2). والفرق: أنه بالفيئة يحنث، وتنحل اليمين، فيسقط حكمها، وبالطلاق لا تنحل اليمين، فيبقى حكمها، فإن عاد إليها وقد بقي من المدة أكثر من أربعة أشهرٍ وقف لها كالأول، وإن بقي أربعة أشهرٍ فما دون، فليس لها المطالبة بالفيئة (¬3)، فافترقا. فَصْل 531 - إذا امتنع المولي من الفيئة والطلاق، طلَّق الحاكم عليه. ولو أسلم وتحته كثير من أربع فأبى أن يختار، حُبس وضُيِّق عليه ليختار، ولا يختار الحاكم عنه. والفرق: أن الحقَّ في الإيلاء لواحدةٍ بعينها، والطلاق تدخله النيابة، فاستوفاه الحاكم، كالدَّين. والحق في الاختيار لجماعتهن له، فلم يقم الحاكم فيه مقامه (¬4). ¬
كتاب الظهار
كتاب الظهار [فَصْل] 532 - إذا قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وقال: لم أرد به الظهار، لم يقبل، وكان ظهارًا. وإن قال: أنت عليَّ كأمي، أو مثل أمي، وقال: نويت غيره، قبل (¬1). والفرق: أن قوله: أنت عليَّ كظهر أمي صريحٌ في الظهار (¬2)، لا يحتمل غيره، فلم يقبل منه صرفه عن ظاهره، كما لو قال: أنت طالق ثلاثًا في حال خصومةٍ، فإنه لا يقبل (¬3)، كذا هنا. بخلاف الثانية، فإنه يحتمل أن يريد التحريم، ويريد في الكرامة، فإذا نوى أحدهما فقد نوى ما يحتمله اللفظ (¬4)، كما لو قال: أنت طالقٌ، وقال: أردت من وثاقٍ، فإنه يقبل (¬5)، كذا هنا. ¬
533 - إذا قال لأجنبية: أنت علي كظهر أمي، صار مظاهرا، لا يحل له وطؤها إن تزوجها حتى يكفر
فَصْل 533 - إذا قال لأجنبيةٍ: أنت عليَّ كظهر أمي، صار مظاهرًا، لا يحل له وطؤها إن تزوجها حتى يكفِّر (¬1). ولو قال لها: أنت طالق، لم تطلق إن تزوجها (¬2). والفرق: أن الطلاق حل عقدٍ، فلا يصح تقدم الحل على العقد. بخلاف الظهار، فإنه تحريم للوطء بمعنىً يزول، وهذا لا يمنع مقارنة العقد، بدليل: صحة العقد حال/ حيضها، فيصح انعقاده قبل النكاح، كاليمين [63/ب] بالله تعالى (¬3)، فافترقا. قلت فَصْل 534 - إذا قالت لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي، فليست مظاهرة. في الصحيح عنه (¬4). ولو قالت قبل النكاح: إن تزوجت فلانًا فهو عليَّ كظهر أبي، فهي مظاهرة. نص عليه (¬5). ¬
والفرق: ما روي أن مصعب بن الزبير (¬1) خطب عائشة بنت طلحة (¬2)، فقالت: (هو عليَّ كظهر أبي إن تزوجته، ثم رغبت فيه، فاستفتت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمروها: أن تعتق رقبةً وتتزوجه، قال مولاها: فأعتقتني في ظهارها ذاك وتزوجته) رواه سعيد، والأثرم في سننهما (¬3). ¬
535 - إذا قال لأجنبية: والله لا وطئتك سنة، ثم تزوجها، فإذا تزوجها قبل انقضاء السنة لزمته الكفارة إلا أنه لا يكون موليا بحيث يؤجل، كاليمين بعد العقد
ومن حيث المعنى ما ذكره لي بعض أصحابنا الدمشقيين: وهو أنها في الأولى [لا] (¬1) تملك ذلك؛ لأن فيه إسقاطًا لحق الزوج بعد ملكه له، فلم يكن لها ذلك، كما لو منعته من الوطء بغير ذلك. بخلاف الثانية، فإنها تملك منع نفسها ممن تتزوج به؛ لأن حقه ليس ثابتًا عليها، فزمام أمرها بيدها، فاعتبر قولها، ثم وجدت شيخنا صفي الدين بن عبد الحق (¬2) قد ذكر هذا الفرق ومعناه في شرحه (¬3). فَصْل 535 - إذا قال لأجنبيةٍ: والله لا وطئتك سنةً، ثم تزوجها، فإذا تزوجها قبل انقضاء السنة لزمته الكفارة (¬4) إلا أنه لا يكون موليًا (¬5) بحيث يؤجل، كاليمين بعد العقد. ولو ظاهر منها قبل العقد كان كما لو ظاهر بعده في التحريم (¬6). والفرق: أن المولي إنما يؤجل لقصده بيمينه الإضرار (¬7)، وهذا القصد لا يكون قبل النكاح، فلهذا لم يؤجل (¬8). ¬
536 - إذا قال لأجنبية: أنت علي كظهر أمي، ونوى في تلك الحال، صار مظاهرا
بخلاف الظهار، فإن أكثر ما فيه أنه يتضمن تحريمها عليه قبل الكفارة، وهذا يوجد قبل النكاح، كما يوجد بعده (¬1)، فظهر الفرق. فَصْل 536 - إذا قال لأجنبيةٍ: أنت علي كظهر أمي، ونوى في تلك الحال، صار مظاهرًا. ولو قال: أنت علي حرامٌ، ونوى في تلك الحال، لم يصر مظاهرًا. والفرق: أن قوله في الأولى صريحٌ في الظهار في الزوجة والأجنبية، وإذا نوى به في تلك الحال لم يقبل؛ لأنها ليست في التحريم عليه كأمه، فقد نوى ما لا يحتمله اللفظ فلم يقبل. بخلاف قوله في الثانية، فإنه كنايةٌ في الأجنبية؛ لأنه إذا نوى حرمتها في تلك الحال فقد نوى ما يحتمله اللفظ، وإن قصد في كل حالٍ فهو مظاهرٌ؛ لأنه وصفها بما ليس صفة لها في كل حالٍ؛ لأن الأجنبية تحرم في حالٍ دون حال (¬2). فَصْل 537 - إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، صار مظاهرًا (¬3). ولو قال: كالميتة والدم، لم يكن مظاهرًا. في إحدى الروايتين (¬4). ¬
538 - إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ونوى به الطلاق، لم يكن طلاقا
والفرق: أن قوله في الأولى نصٌ في تحريم الزوجة، آكد من قوله: كظهر أمي؛ لأن ذلك تشبيه لها بالمحرَّم، والنص على التحريم آكد من التشبيه به، فكان ظهارَا، كأنت عليَّ كظهر أمي. بخلاف الثانية، فإنه شبَّهها بما ليس محلًا للتمتع، / ولا هو من جنس [64/أ] متعلق الظهار، فلم يكن ظهارًا، كظهر البهيمة. على الصحيح، فافترقا (¬1). فَصْل 538 - إذا قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، ونوى به الطلاق، لم يكن طلاقًا (¬2). ولو قال: أنت عليَّ حرامٌ، ونوى به الطلاق، كان طلاقًا. في إحدى الروايات (¬3). والفرق: أن قوله: أنت عليَّ كظهر أمي صريحٌ في الظهار لا يحتمل الطلاق، فقد نوى ما لا يحتمله لفظه (¬4) فلم يصح، كما لو قال: أنت طالقٌ ثلاثًا، ينوي به الظهار (¬5). بخلاف قوله: أنت عليَّ حرام، فإنه يحتمل الطلاق كما يحتمل الظهار، فقد نوى ما يحتمله لفظه فصحَّ كسائر كنايات الطلاق (¬6)، فافترقا. قلت: وهذا الذي ذكره السامري من: أنت عليَّ حرام يحتمل الطلاق، ¬
539 - إذا وجبت على إنسان كفارة ظهار، فقال له آخر: أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة دراهم ففعل، ثم قال: لا أريدها، لم يصح الرد، ولم يقع العتق عن الكفارة
كما يحتمل الظهار، يناقض قوله في الفصل المتقدم: أنت عليَّ حرام آكد من: أنت علي كظهر أمي، لأن المحتمل لشيئين كيف يكون آكد في أحدهما مما لا يحتمل غيره؟ هذا لا يتوجه، فإن قوله: أنت عليَّ كظهر أمي لولا شدة لزومه لباب الظهار بحيث لا تستعمل إلا فيه لم يكن نصًا فيه، خلافًا لما يستعمل تارةً في الظهار، وتارة في الطلاق، فقد بان بما ذكرنا [ما] في كلام المصنف من النظر، والله أعلم. فَصْل 539 - إذا وجبت على إنسانٍ كفارة ظهارٍ، فقال له آخر: أعتق عبدك عن كفارتك على أنَّ علي عشرة دراهم ففعل، ثم قال: لا أريدها، لم يصح الرد، ولم يقع العتق عن الكفارة. ولو قال قبل العتق: لا أريد الدراهم، ثم أعتقه عن كفارته، وقع العتق عنها. والفرق: أن العتق في الأولى وقع على صفةٍ، فلم يصح أن ينتقل عنها، كما لو أعتقه على البذل، ولم ينو الكفارة. بخلاف الثانية، فإنه بالردِّ تمحض عن الكفارة (¬1). فَصْل 540 - إذا قال لها: إن ظاهرتُ من فلانة الأجنبية فأنت عليَّ كظهر أمي، ثم قال لفلانة ذلك، صار مظاهرًا من زوجته (¬2). ولو كان عوض الظهار طلاقًا، لم تطلق زوجته. ذكرهما القاضي (¬3). ¬
541 - إذا أعتق في كفارة الظهار مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة، لم يجزئه
والفرق: أن الظهار من الأجنبية يصح، فقد وجد شرط ظهار زوجته، فصار مظاهرًا. بخلاف الطلاق، فإنه لا يصح من الأجنبية، فلم يوجد شرط الطلاق، فلم تطلق (¬1). فَصْل 541 - إذا أعتق في كفارة الظهار مقطوع الخنصر والبنصر من يدٍ واحدةٍ، لم يجزئه. ولو كانت كل (¬2) أصبعٍ من يدٍ، أجزأه (¬3). والفرق: أن الضرر في الأولى كثيرٌ، وفي الثانية يسيرٌ (¬4). فَصْل 542 - إذا أعتق مقطوع الابهام، لم يجزئه (¬5). ¬
543 - لا يجوز دفع الطعام في الكفارة إلى مكاتب
ولو أعتق مقطوع غيرها، أجزأه (¬1). والفرق: ما تقدَّم. فَصْل 543 - لا يجوز دفع الطعام في الكفارة إلى مكاتبٍ (¬2). [64/ب] ويجوز دفع الزكاة / إليه (¬3). والفرق: أن الكفارة متعينةٌ للمساكين، فلا يتجاوز بها إلى غيرهم، والمكاتب غير مسكينٍ؛ لأن الله تعالى عدَّ أصناف أهل الزكاة فذكر المكاتب، ولو كان مسكينًا لما أفرده عنهم، وإذا لم يكن مسكينًا لم يجز دفع الكفارة إليه. بخلاف الزكاة، فإن النص ورد بكونه من مستحقيها (¬4). فَصْل 544 - يجزئ إطعام الخبز في الكفارة (¬5). ¬
545 - إذا تخلل صوم الكفارة وطء، لزمه استئنافه
ولا يجزئ إخراجه في الفطرة (¬1). والفرق: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على المخرج في صدقة الفطر، ولم يذكر فيه الخبز (¬2)، فلم يجز إخراجه. وفي الكفارة نُصَّ على الإطعام (¬3) لا على المطعوم، وإخراج الخبز إطعامٌ (¬4). فَصْل 545 - إذا تخلل صوم الكفارة وطءٌ، لزمه استئنافه (¬5). ولو تخلل إطعامها، لم يبطل الماضي، وأخرج ما بقي. ذكره القاضي (¬6). وفرق: بأن الصوم من شرطه التتابع، وتقديمه على الوطء. بدليل قوله [تعالى]: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (¬7) فإذا تخلّل الوطء بطل ما مضى، لفقد التتابع وتأخر بعضه عن المسيس. ¬
546 - إذا وطئ المظاهر منها ليلا أو نهارا ناسيا قبل تمام الصوم، انقطع التتابع في إحدى الروايتين
بخلاف الإطعام، فإنه لا يشترط له التتابع، ولا التقدم على المسيس (¬1). فَصْل 546 - إذا وطئ المظاهر منها ليلًا أو نهارًا ناسيًا قبل (¬2) تمام الصوم، انقطع التتابع. في إحدى الروايتين (¬3). ولو وطئ غيرها في (¬4) هاتين الحالتين، لم ينقطع التتابع. رواية واحدة (¬5). والفرق: أن الله تعالى شرط تقديم صيام الكفارة متتابعًا على وطء المظاهر منها، فإذا وطئها فيه لم يحصل الصوم المتتابع قبل المسيس، فلذلك وجب الاستئناف. ¬
547 - إذا كفر من جنسين فأعتق نصف رقبة، وصام شهرا، لم يجزئه
بخلاف غيرها فإنه لم يمنع من وطئها منعًا يختص الكفارة، فلم ينقطع التتابع بوطئها (¬1). كما لو وطئ زوجته في كفارة الوطء في رمضان (¬2). فَصْل 547 - إذا كفر من جنسين فأعتق نصف رقبةٍ، وصام شهرًا، لم يجزئه (¬3). ولو أطعم في كفارة اليمين خمسةً، وكسى خمسةً، أجزأه (¬4). والفرق: أنه في الأولى لم يأت بالمأمور به، ولا المقصود منه، إذ المقصود بالعتق تكميل حرية العبد، وبالإطعام إحياء ستين مسكينًا، فلذلك لم يجزئه. بخلاف الثانية، فإن الغرض بالكسوة والإطعام واحدٌ، وهو إحياء النفس بدفع الجوع، وأذى الحر والبرد، وإذا كان المقصود متفقًا أجريا مجرى الجنس الواحد. فلو أراد أن يعتق نصف رقبةٍ، ويكسو أو يطعم خمسةً، لم يجزئه، كالمسألة الأولى (¬5). ¬
548 - إذا لزمته كفارة الظهار وهو معسز عن الرقبة، أجزأه الصوم، فلو تكلف العتق أجزأه
قلت: فَصْل 548 - إذا لزمته كفارة الظهار وهو معسز عن الرقبة، أجزأه الصوم، فلو تكلف العتق أجزأه (¬1). [65/أ] ولو كان عبدًا فلزمته الكفارة، ثم عتق وأيسر، لم يجزئه غير الصوم (¬2). والفرق: أن الاعتبار بحال الوجوب، وعند ذلك لم يكن يجزئ/ العبد إلا الصوم، لعدم تأتي العتق منه. بخلاف الحر، فإنه لو أعتق مع الإعسار أجزأه، وساغ منه. والله أعلم. ¬
كتاب القذف
كتاب القذف (¬1) [فَصْل] 549 - إذا قال لزوجته: يا زانية أنت طالق ثلًاثا لزمه الحد، وله إسقاطه باللعان. ولو أخر قوله: يا زانية، لم يملك إسقاط الحد باللعان (¬2). والفرق: أنه في الأولى قذف زوجته، فملك إسقاط الحد باللعان. وفي الثانية قذفها أجنبيةً، فلم يملك ذلك (¬3). فَصْل 550 - إذا قال لأجنبي: لست بولد فلانةٍ، لم يكن قاذفًا لأمه. ولو قال: لست ولد فلان، فقد قذف أمَّه (¬4). ¬
551 - إذا قال لزوجته: يا زانية، فقالت: بل أنت زان، لزم كلا منهما الحد للآخر
والفرق: أن نفيه عن أمه كذبٌ حقيقةً وحكمًا، فلم يكن قاذفًا (¬1)، كقوله لابن سنةٍ: يا زان (¬2). بخلاف الثانية، فإن قوله يحتمل الصدق والكذب، وحد القذف إنما يجب بما يحتملهما (¬3). فَصْل 551 - إذا قال لزوجته: يا زانية، فقالت: بل أنت زان، لزم كلًا منهما الحد للآخر (¬4). ولو قالت: أنت أزنى مني، لزمها حد القذف دونه (¬5). والفرق: أنهما [في الأولى] (¬6) تقاذفا، فلزمهما الحد (¬7). وفي الثانية قذفته، فلزمها الحد، واعترفت بالزنا، فسقط الحد عنه (¬8). فَصْل 552 - إذا قال لها: يا زانية، فقالت: بك زنيت، لم يلزم واحدًا منهما الحد (¬9). ¬
553 - إذا قذف زوجته، وأقام عليها البينة بالزنا فحدت، ثم قذفها قاذف، لم يلزمه حد القذف
ولو قالت: أنت أزنى مني، لزمها الحد دونه (¬1). والفرق: أن قولها في الثانية اعترافٌ بالزنا، فسقط به الحد عنه، وقذفٌ له، فلزمها الحد (¬2). بخلاف قولها: بك زنيت، فإنها لم تقذفه بالزنا، بل صدقته في رميه إياها به، وعيَّنت بمن زنت (¬3)، ويدل على أن هذا ليس بقذفٍ قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لماعز (¬4) حين أقرَّ بالزنا: "الآن أقررت، فبمن؟ " رواه هكذا الإمام أحمد (¬5) - رضي الله عنه -، ولو كان قذفًا لم يستدعه (¬6) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَصْل 553 - إذا قذف زوجته، وأقام عليها البينة بالزنا فحدت، ثم قذفها قاذفٌ، لم يلزمه حد القذف. ولو لم يقم البينة، بل لاعنها الزوج ولم تلاعن، فقذفها أجنبيٌ حُدَّ. والفرق: أنها ثبت زناها، فزال إحصانها، فلم يجب بقذفها حدُّ. ¬
554 - إذا قال لها: زنيت ببعير أو حمار، فلا حد
وفي الثانية، لم يثبت زناها؛ لأن لعانه لا يوجب عليها الحد، وإذا لم يثبت فهي محصنةٌ، فيحد قاذفها (¬1). فَصْل 554 - إذا قال لها: زنيت ببعيرٍ أو حمارٍ، فلا حدَّ. ولو قال: زنيت بناقةٍ أو بقرةٍ، حُدَّ. قال السامري: هذا قياس المذهب في المسألتين. والفرق: أنه في الأولى بإدخال الباء مريدًا للمشاركة في الفعل، فحمل عليه، فصار كقوله: جامعك حمارٌ أو بعيرٌ، ولو قال ذلك لم يحد. [65/ب] بخلاف الثانية، فإنه أضاف الزنا إلى من يستحيل وجود الزنا بها منه، / فحملت الباء على البدلية، كقوله: بعت كذا بكذا، فصار كأنه قال: زنيت بناقةٍ، أي: زنا بك فلانٌ ودفعها إليك، فحد، كما لو قال: زنيت بدينارٍ، فإنه يحد، كذا هاهنا (¬2). قلت: وفي إيجاب الحد في المسألة الثانية نظرٌ من جهة أنه أضاف زناها إلى من يستحيل وجود الزنا منه، فلم يلزمه حد، كما لو قال: زنا بك فلانٌ، فإنه لا حد عليه (¬3)، كذا هنا. وفي حمل قوله على البدل ليجب الحد عليه مباينةٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم" رواه الترمذي (¬4)، مع أن إيجاب الحد في الأولى أقرب. ¬
555 - إذا اعترف بالولد ثم نفاه لحق به، ولم ينتف عنه بلعان ولا غيره
فَصْل 555 - إذا اعترف بالولد ثم نفاه لحق به، ولم ينتف عنه بلعانٍ ولا غيره (¬1). ولو كان حملًا فنفاه بعد وضعه انتفى (¬2). نص عليه (¬3). والفرق: أن الولد يصح الاعتراف به، فإذا اعترف به ثبت نسبه، فإذا نفاه فقد نفى نسبًا ثابتًا، فلم يصح. بخلاف الحمل، فإنه [لا] (¬4) يصح نفيه، فلا يصح استلحاقه (¬5). فَصْل 556 - إذا قال لولده: لست بولدي، فليس صريحًا في قذف أمه (¬6). ولو قال لأجنبي: لست ولد فلانٍ، فهو صريحٌ في قذف أمه (¬7). والفرق: أن الأب يحمل هذا منه على التأديب والزجر، فلهذا لم يكن صريحًا في قذف الأم. ¬
557 - إذا قال لإنسان: لست بولد فلان، فعليه حد القذف نص عليه
بخلاف قوله للأجنبي، فإنه لا يحتمل إلا القذف (¬1). فَصْل 557 - إذا قال لإنسانٍ: لست بولد فلانٍ، فعليه حد القذف. نص عليه (¬2). ولو كان قد نفاه أبوه، فنوى القائل: أنه من زنا حُدَّ، وإن نوى: أن أباه قد نفاه لم يحد (¬3). والفرق: أنه في الأولى لا يحتمل إلا القذف، فلذلك حُدَّ. وفي الثانية، يحتمل القذف وغيره، فإذا لم يرد به القذف لم يحد؛ لأن الحد لا يجب مع الشبهة (¬4). قلت فَصْل 558 - لا يصح اللعان بالعجمية لمن يحسن العربية (¬5) وبصح منه بها الطلاق (¬6) والظهار (¬7). ¬
والفرق: أن اللعان فيه نوع تعبدٍ؛ لأن الشهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة مخصوصٌ، واليمين أيضًا، وكذلك لو أبدل أشهد بأحلف (¬1). بخلاف الظهار (¬2)، فإنه يقع بما يقوم مقام الصريح مما يدل عليه، كالكنايات بالنية. ¬
كتاب العدد
كتاب العدد [فَصْل] 559 - إذا طلقها وقد بقي من طهرها لحظة، احتسب بها قرءًا (¬1) على قولنا: الأقراء الأطهار (¬2). فإذا حاضت ثم طهرت ثم حاضت، ثم طهرت الطهر الثالث، لم يحتسب قرءًا، ولم تنقض عدتها حتى يكمل (¬3). والفرق: أن الطهر الأول قد تحقق كونه طهرًا بكماله، فوجب أن يحتسب به. بخلاف الطهر الأخير، فإنه لا يتحقق كونه طهرًا إلا بكماله، مخافة أن [66/أ] يعاودها/ الدم قبل تمامه، فلذلك لا يحتسب به طهرًا حتى يتم، فافترقا (¬4). فَصْل 560 - إذا قلنا: الأقراء الأطهار، فطلقت معتادة، احتسب بما بقي من طهرها قرءًا (¬5). ولو كانت صغيرةً، فابتدأها الحيض في أثناء العدة، لم يعد ما قبل الحيض قرءًا (¬6). ¬
561 - إذا قلنا: الأقراء الحيض، فطلقها حائضا، لم يحتسب تلك الحيضة قرءا
والفرق: أن طهرها الأول طهرٌ متيقنٌ بين حيضتين فاعتد به، كما لو طلقها قبل دخولها فيه (¬1). بخلاف الصغيرة، فإن الطهر الذي قبل دمها لا يسمى قرءًا؛ لأنه إنما يطلق على طهرٍ بين حيضتين (¬2). فَصْل 561 - إذا قلنا: الأقراء الحيض (¬3)، فطلقها حائضًا، لم يحتسب تلك الحيضة قرءًا (¬4). وإن قلنا: هي الأطهار، فطلقها طاهرًا، احتسب بذلك الطهر قرءًا (¬5). والفرق: أن قليل الطهر طهرٌ (¬6)، بدليل: الحكم به إذا انقطع الدم لحظةً، وإذا كان كذلك فقد حصل الاسم واحتسب به قرءًا. بخلاف قليل الحيض، فإنه ليس حيضًا، بدليل: ما لو قال: إذا حضت فأنت طالق، فإنها لا تطلق حتى تحيض أقل الحيض (¬7)، فدل على: أن قليله ليس حيضًا، فلهذا لم يحتسب تلك الحيضة قرءًا (¬8). ¬
562 - إذا اتفق الزوجان على أن وقت الطلاق يوم الجمعة، واختلفا في وقت وضعها للحمل، فقال: وضعت يوم الخميس، فعليك عدة الأقراء، ولي الرجعة، فقالت: بل يوم السبت فانقضت العدة، ولا رجعة لك، فالقول قولها
فَصْل 562 - إذا اتفق الزوجان على أن وقت الطلاق يوم الجمعة، واختلفا في وقت وضعها للحمل، فقال: وضعت يوم الخميس، فعليك عدة الأقراء، ولي الرجعة، فقالت: بل يوم السبت فانقضت العدة، ولا رجعة لك، فالقول قولها. ولو اتفقا على وقت وضع الحمل، واختلفا في وقت الطلاق، فالقول قوله (¬1) (¬2). والفرق: أن وضع الحمل فعل الزوجة، فإذا اختلفا فيه ولا بينة، فالقول قولها؛ لأنها أعلم بفعلها. بخلاف الطلاق، فإنه فعل الزوج، فأخذ بقوله فيه، ثم الأصل عدم الولادة يوم الخميس، وعدم الطلاق فيه، فأخذ بقولها في الأولى، وبقوله في الثانية لذلك (¬3). فَصْل 563 - إذا طلقها رجعيًا، ثم أبانها، بنت. على روايةٍ واحدةٍ. ولو راجعها، ثم أبانها قبل الدخول، استأنفت العدة (¬4). ¬
564 - إذا تزوجت زوجة المفقود بعد التربص، ثم قدم زوجها ومات، فعليها عدة الوفاة من حين فراق الثاني؛ لأنها فراش له
والفرق: أن الطلاق الثلاث لا يوجب أكثر من ثلاثة أقراءٍ إذا وقع مجتمعًا، فكذلك مفترقًا (¬1). بخلاف الثانية، فإن الرجعة أعادت النكاح، فكأنه لم يقع طلاق ولا رجعة، (فطلق طلاقًا) (¬2) في زوجيةٍ لم يسبقه طلاق، فلذا استأنفت (¬3). فَصْل 564 - إذا تزوجت زوجة المفقود بعد التربص، ثم قدم زوجها ومات، فعليها عدة الوفاة من حين فراق الثاني (¬4)؛ لأنها فراش له. ولو مات الثاني قبل، اعتدت عقيب موته مع أنها فراش للأول (¬5). والفرق: أنها إذا كانت مع الثاني أمكن أن / يفرق بينها، فلما لم يفرق [66/ب] لا يصح اعتدادها عن الأول؛ لأنها فراش الثاني. بخلاف ما إذا مات الثاني أولًا، فإنه لا يمكن أن يفرق بينهما لتعتد من الثاني، فلذلك اعتدت عنه عقيب موته (¬6). فَصْل 565 - يحرم وطء المستبرأة (¬7) ودواعيه إلا المسبية، فإن دواعيه تباح فيها. ¬
566 - إذا حاضت الجارية في يد بائعها قبل قبض المشتري، لم يحصل الاستبراء بذلك في رواية
قلت: في روايةٍ مرجوحةٍ (¬1). والفرق: أن أكثر ما يقدر أنها حامل، وحمل المسبية ملك الثاني. بخلاف غيرها، فإن حملها يكون محترمًا (¬2). فَصْل 566 - إذا حاضت الجارية في يد بائعها قبل قبض المشتري، لم يحصل الاستبراء بذلك. في روايةٍ (¬3). ولو ملكها بالإرث فحاضت قبل قدومه من سفره حصل الاستبراء (¬4). والفرق: أن المشتراة قبل القبض كغير المنتقلة، لكونها في ضمانه. بخلاف الموروثة، فإنها تدخل في ملكه قهرًا، فهي كالمقبوضة حسًا (¬5). ¬
567 - إذا وطئ الرجل زوجته ثم طلقها، ثم أتت بولد لأكثر مدة الحمل، وقبل انقضاء عدتها، لحقه نسبه
فَصْل 567 - إذا وطئ الرجل زوجته ثم طلقها، ثم أتت بولدٍ لأكثر مدة الحمل، وقبل انقضاء عدتها، لحقه نسبه (¬1). ولو وطئ أمةً ثم استبرأها بحيضةٍ، ثم أتت بولدٍ، ولم يعترف بوطئها بعد الاستبراء لستة أشهرٍ، لم يلحقه (¬2). والفرق: أن ولد الأمة لا يلحق السيد بمجرد الإمكان حتى ينضم إليه الوطء، وبالاستبراء زال، وبقي الإمكان، فلم يلحق به. بخلاف ولد الزوجة، فإنه يكفي في إلحاقه الإمكان (¬3). فَصْل 568 - إذا اعتدت الصغيرة بالشهور، ثم حاضت بعدها وقبل التزوج، لم يلزمها الاعتداد به (¬4). ولو ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، فتربصت غالب مدة الحمل، ثم اعتدت بالشهور، فعاد الحيض قبل أن تتزوج، لزمها العدة بالأقراء. قلت: في قول. الصحيح خلافه (¬5). ¬
والفرق: أن الشهور في حق الثانية بدل عن الأقراء، وإنما حكم بانقضاء عدتها من طريق الاستدلال، وقد تبيَّن بمعاودة الدم أنها كانت من ذوات الأقراء، فلم يعتد بالبدل. بخلاف الصغيرة، فإن الشهور ليست في حقها بدلًا، وإنما هي أصلٌ، فاعتد بها (¬1). ¬
كتاب الرضاع
كتاب الرضاع [فَصْل] 569 - إذا كان لرجلٍ زوجةٌ صغيرةٌ، فأرضعتها زوجة أبيه - بلبن ثاب من حملٍ منه - الرضاع المحرِّم، انفسخ نكاحها. ولو كان الحمل من غيره، لم ينفسخ. والفرق: أن الأولى تصير أخته من أبيه فتحرم، كأخته من النسب. بخلاف المسألة الثانية، فإنها تكون بنت زوجة أبيه ممن ثاب لبنها منه، وبنت زوجة أبيه من غيره يباح نكاحها، فلذلك لم ينفسخ نكاحها (¬1). فَصْل 570 - إذا أرضعت حماته زوجةً أخرى له صغيرةً، فإن/ كانت بنتها باقيةً [67/ أ] انفسخ نكاحهما. وإن كانت ميتةً أو بائناً منقضية العدة، لم ينفسخ نكاح الصغيرة (¬2). والفرق: أنها تصير في الأولى أختها، والجمع بينهما حرامٌ. وأما إذا كانت منقضية العدة، لم يجتمع في نكاحه زوجتان أختان (¬3). ¬
571 - إذا ادعت امرأة أن زوجها أخوها من الرضاع، فأنكر، فشهدت به امرأة ثقة، فرق بينهما
فَصْل 571 - إذا ادَّعت امرأةٌ أن زوجها أخوها من الرضاع، فأنكر، فشهدت به امرأةٌ ثقةٌ، فُرِّق بينهما (¬1). ولو ادعت الزوجة إقراره بذلك فأنكر، لم تقبل شهادة المرأة (¬2). والفرق: أنها شهدت في الأولى بالرضاع، وهو مما يقبل فيه شهادة النساء. بخلاف الثانية، فإنها شهدت بالإقرار، وهو مما لا يقبل فيه شهادتهن (¬3). فَصْل 572 - إذا استبرأ أم ولده وهي ترضع بلبن ولده، وزوَّجها بصبي حرٍّ، فأرضعته بذلك اللبن، لم تحرم على سيدها على التأبيد (¬4). ولو كان أعتقها وزوَّجها (¬5)، حرمت عليه على التأبيد (¬6). والفرق: أنها في الثانية صارت حليلة ابنه من الرضاع، فلذلك حرمت (¬7). ¬
573 - إذا أرضعت زوجة رجل زوجة له أخرى صغيرة، لزمها نصف مهرها المسمى
بخلاف الأولى، فإن نكاح الحر بأمةٍ لا يصح إلا مع عدم الطول وخوف العنت، والثاني لا يتصور من الصبي، فلم تصر من حلائل أبنائه (¬1). فَصْل 573 - إذا أرضعت زوجة رجلٍ زوجةً له أخرى صغيرةً، لزمها نصف مهرها المسمى (¬2). ولو أرضعت جاريةً له صغيرةً، لم يلزمها شيءٌ (¬3). والفرق: أنها في الأولى ألجأته إلى غرامة نصف المهر، وقد كان يحرص أن لا يلزمه، بأن تحدث الفرقة من الصغيرة، فغرمته (¬4)، كالشهود بالطلاق قبل الدخول إذا رجعوا، فإن الزوج يرجع بنصف المهر عليهم، كذا هنا (¬5). بخلاف الأمة إذا أرضعتها زوجته، فإنَّه لا يلزمها بذلك غرمٌ، غايته: أنها تصير محرمةً عليه برضاع، وذلك لا ينقص ماليتها (¬6). فَصْل 574 - إذا كان له خمس أمهات أولادٍ لهنَّ لبنٌ منه، فأرضعن به طفلاً كل واحدةٍ رضعةً، لم يصر ولداً لواحدةٍ منهن، وصار السيد أباه. ذكره ابن حامد (¬7). والفرق: أن اللبن من السيد، وقد رضع منه الطفل رضاعاً محرماً، فصار ابنه، كما لو كانت الخمسة من واحدةٍ، إذ لا فرق. ¬
575 - إذا كان له زوجتان صغيرتان، وزوجتان كبيرتان، ولم يدخل بواحدة منهما، فأرضعت كل واحدة من الكبيرتين واحدة من الصغيرتين الرضاع المحرم، انفسخ نكاح الجميع، وحرمت الكبيرتان عليه أبدا
بخلاف المرضعات، فإن كل واحدةٍ منهن إنما تصير أماً إذا أرضعت الرضاع المحرم، ولم يوجد ذلك هنا، فلم تصر كل واحدةٍ منهنَّ أماً له (¬1). فَصْل 575 - إذا كان له زوجتان صغيرتان، وزوجتان كبيرتان، ولم يدخل بواحدةٍ منهما، فأرضعت كل واحدةٍ من الكبيرتين واحدةً من الصغيرتين الرضاع المحرِّم، انفسخ نكاح الجميع، وحرمت الكبيرتان عليه أبداً. [67/ ب] ولو أرضعتهما إحدى/ الكبيرتين واحدةً بعد واحدة، ثمَّ أرضعتهما الكبيرة الأخرى على ذلك الترتيب، انفسخ نكاح الصغيرة المرضعة أولاً، ولم ينفسخ نكاح الثانية المرضعة أخيراً. والفرق: أنَّه في الأولى لما أرضعت الكبيرة الصغيرة، صارت الكبيرة أماً لها، فانفسخ نكاحهما، لاجتماع الأم وبنتها في نكاحٍ واحدٍ. بخلاف الثانية، فإن الكبيرة الأولة لما أرضعت الصغيرة الأولة، انفسخ نكاحهما لما ذكرنا، فلما أرضعت الصغيرة الأخرى، أرضعتها والكبيرة بائنٌ من زوجها، فلم تجتمع معها في النكاح، فلم ينفسخ نكاح الصغيرة الأخيرة، فلما أرضعتها الكبيرة الأخرى على ذلك الترتيب أرضعت الأولى فصارت أمها، وأمهات النساء محرمات، فلذلك انفسخ [نكاحها] (¬2) فلما أرضعت الصغيرة الأخرى، أرضعتها والكبيرة بائنٌ من زوجها، فلم يجتمع في النكاح أم وبنت، فلذلك لم ينفسخ نكاح المرضعة أخيراً؛ لأنَّ أكثر ما فيها أنها ربيبةٌ لم يدخل بأمها، وتلك غير محرمةٍ، فظهر الفرق (¬3). ¬
576 - إذا ارتضع صبي وصبية من أجنبية رضاعا محرما، جاز له التزويج بأمها من النسب، دون أمها من الرضاع
فَصْل 576 - إذا ارتضع صبيٌ وصبيةٌ من أجنبيةٍ رضاعاً محرِّماً، جاز له التزويج بأمها (¬1) من النسب، دون أمها من الرضاع. والفرق: أن أمها من النسب لا تنشر الحرمة إليه (¬2)، فيجوز لي تزويجها. بخلاف أمها من الرضاع، فإنها أمه، ولا يجوز التزوج بالأم من الرضاع (¬3). ¬
كتاب النفقات
كتاب النفقات [فَصْل] 577 - يلزم المكاتبَ نفقةُ ولده من أمته. ولا يلزمه نفقة ولده من زوجته، حرةً كانت أو أمةً. والفرق: أنَّه إذا كانت زوجته، [أمةً] (¬1) فولده منها رقيقق لمالكها، فنفقته عليه، وإن كانت حرةً فولده منها حرٌ، ونفقة الأقارب تجب على سبيل المواساة، وليس المكاتب من أهلها، بدليل: عدم وجوب زكاة ماله. بخلاف ولده من أمته، فإن حكمه حكم نفسه، بدليل: أنَّه يتبعه في الرِّق والعتق، فيكون قد أنفق مال سيده على مملوكه، وذلك جائزٌ (¬2). فَصْل 578 - إذا دفع إلى زوجته نفقة سنةٍ، ثمَّ طلقها أو ماتت، فله الرجوع عليها بقسط ما بقي من المدة. في إحدى الروايتين. ولو دفع إليها كسوة سنةٍ، ثمَّ ماتت أو بانت، لم يرجع عليها بقسط الكسوة. روايةً واحدةً (¬3). ¬
579 - إذا اختلف الزوجان في قبض المهر والنفقة، وكانت الزوجة حرة فـ[ـــلها] الخصومة فيهما
والفرق: أن الكسوة أخذتها باستحقاقٍ، بدليل: أنها كانت تملك مطالبته بها، فلم يكن له الرجوع بشيءٍ منها، كما لو قبضتها عن مدةٍ سالفةٍ (¬1). بخلاف النفقة، فإنها قبضتها سلفاً وتعجيلاً بغير استحقاقٍ، فيرجع عليها بها (¬2). قلت: قد حكى المصنف في مسألة النفقة: روايتين، وليس في المسألة عن الإمام أحمد رواية، بل فيها: وجهان/ مشهوران، ولم أرهما روايتين إلا [68/ أ] له في الفروق (¬3)، دون كتابه المستوعب، فإنَّه حكاهما: وجهين، كغيره من أصحابنا (¬4). وقال في الرجوع بالكسوة: رواية واحدة، وهو قد حكى فيها في المستوعب (¬5) وجهين، وكذا حكى غيره (¬6). فَصْل 579 - إذا اختلف الزوجان في قبض المهر والنفقة، وكانت الزوجة حرةً فـ[ـــلها] (¬7) الخصومة فيهما. ¬
580 - تعود نفقة المرتدة بعودها إلى الإسلام في غيبة زوجها
وإن كانت أمةً خاصمت في النفقة، دون المهر. والفرق: أن المخاصمة لا تكون إلا فيما يملكه المخاصم، فالحرة تملكهما، فخاصمت فيهما. والأمة تملك النفقة دون المهر، بل هو لسيدها، فخاصم كل منهما فيما له، فظهر الفرق (¬1). فَصْل 580 - تعود نفقة المرتدة بعودها إلى الإِسلام في غيبة زوجها. ولا تعود نفقة الناشز حتى يعلم زوجها، ويمضي زمن يقدم في مثله (¬2). والفرق: أن مسقط نفقة المرتدة الردة، فإذا أسلمت زالت العلة. وسبب سقوط نفقة الناشز خروجها من قبضة الزوج، فلم تستحقها حتى تعود إلى قبضته (¬3). قلت: هذا التفريق اختيار القاضي، وسوَّى ابن عقيل بينهما (¬4). فَصْل 581 - إذا أعسر بنفقة زوجته الأمة، فلسيدها خيار الفسخ دونها. قلت: في وجهٍ مرجوحٍ (¬5). ¬
582 - إذا أعسر بنفقة زوجته، فلها خيار الفسخ
ولو وجدت بالزوج عيباً، فالخيار لها (¬1). والفرق: أن ضرر عدم النفقة يعود إلى سيدها، لوجوب نفقتها عليه إذاً، فكان الخيار له (¬2). بخلاف خيار العيب؛ لأنَّ أثره في الاستمتاع، وهو راجعٌ إليها (¬3). فَصْل 582 - إذا أعسر بنفقة زوجته، فلها خيار الفسخ (¬4). ولو امتنع من أدائها مع القدرة أجبر، فإن أبى حبس، ولا خيار لها (¬5). والفرق: أن الخيار يثبت للفلس والإعسار، وهذا غير معسرٍ، بل قادرٌ مماطلٌ، وهذا لا يوجب الفسخ، كمن اشترى سلعةً وماطل بثمنها مع قدرته عليه، فإنَّه لا يفسخ البيع، كذا هنا (¬6). ¬
583 - إذا كان له على زوجته دين، فأراد محاسبتها به من نفقتها، جاز مع يسارها، لا مع إعسارها
فَصْل 583 - إذا كان له على زوجته دينٌ، فأراد محاسبتها به من نفقتها، جاز مع يسارها، لا مع إعسارها. والفرق: أن الإنسان يلزمه قضاء دينه، ولغريمه مطالبته، فكان له محاسبتها بها. بخلاف حالة الإعسار، فإنَّه لا يجوز المطالبة فيها، فلا يجوز الاحتساب بها من النفقة (¬1). فَصْل 584 - إذا سكنت المعتدة داراً بغير إذن الزوج، لم ترجع عليه بأجرتها (¬2). ولو مضت عليها مدةٌ وهي ممكِّنةٌ من نفسها، ولم ينفق عليها، استحقت النفقة (¬3). والفرق: أن السكنى لتحصين ماء الزوج، فإذا لم يحصنه حيث يختار، لم تستحق شيئاً (¬4). بخلاف النفقة، فإنها تجب بالتمكين من الاستمتاع وقد وجد، وإنما تركه الزوج باختياره، كما لو سلَّم المؤجر الدار، فلم يسكنها المستأجر (¬5). ¬
585 - لا تسقط نفقة الزوجة بمضي المدة
فَصْل 585 - / لا تسقط نفقة الزوجة بمضي المدة (¬1). [68/ ب] وتسقط نفقة القريب (¬2). والفرق: أن نفقة القريب مواساةٌ، بدليل: عدم وجوبها مع الفقر، فتسقط بمضي الزمان. بخلاف نفقة الزوجة، فإنها عوضٌ في مقابلة تسليمها نفسها، فلم تسقط بمضي الزمان، كالأجرة (¬3). فَصْل 586 - إذا رضيت زوجة المعسر بالمقام معه بلا نفقةٍ وهي حرةٌ، فلها ذلك (¬4). بخلاف الأمة (¬5). والفرق: أن الحق في النفقة للحرة، فسقطت باختيارها. والحق لسيد الأمة لا لها؛ لأنَّ نفقتها تلزمه مع عسر زوجها، فاعتبر رضاه دونها (¬6). فَصْل 587 - تجب نفقة الزوجة مع الإعسار (¬7). ¬
588 - إذا أخذت المرأة نفقة شهر، فلم تنفقها حتى جاء الشهر الثاني، فلها المطالبة لنفقته
دون الأقارب (¬1). والفرق: أن نفقة الزوجة بإزاء تسليم النفس، فلم يختلف وجوبها باليسار والإعسار، كأجرة المستأجر (¬2). بخلاف الأقارب، فإنها تجب على سبيل المواساة، فلم تجب إلا مع الغنى (¬3). فَصْل 588 - إذا أخذت المرأة نفقة شهرٍ، فلم تنفقها حتى جاء الشهر الثاني، فلها المطالبة لنفقته (¬4). ولو كان القابض قريباً لم تكن له المطالبة (¬5). والفرق: أن نفقة الزوجة تجب في مقابلة التمكين، بخلاف القريب، فإن نفقته تجب مواساةً، ولا يكون ذلك إلا مع فقره، وهو غنيٌ بنفقة الشهر الأول (¬6). فَصْل 589 - إذا منعت نفسها لتقبض صداقها، فلها النفقة (¬7). ¬
590 - زوجة المفقود إذا اعتدت بعد التربص، فلها النفقة من مال زوجها
ولو منعت نفسها بعد القبض، فلا نفقة لها (¬1). والفرق: أن الأولى منعٌ بحقٍ، فلا تسقط نفقتها، كالمنع للحيض. بخلاف الثانية: لأنه منعٌ بغير حقٍ؛ لأنه يلزمها التسليم وقد منعته، فلا نفقة لها، كالناشز (¬2). فَصْل 590 - زوجة المفقود إذا اعتدت بعد التربص، فلها النفقة من مال زوجها (¬3). وزوجة المتوفى لا تستحق نفقة من تركته مدة عدتها (¬4). والفرق: أن عدة الوفاة متيقنةٌ، فلم تستحق منها نفقةً. بخلاف الأولى، فإن عدتها غير متيقنةٍ (¬5). ¬
591 - يلزمه نفقة زوجته الهرمة التي لا يمكن التمتع بها
فَصْل 591 - يلزمه نفقة زوجته الهرمة (¬1) التي لا يمكن التمتع بها. ولو كانت طفلةً لم يمكنه التمتع بها لم يلزمه (¬2). والفرق: ما ذكره القاضي في المجرد: أن الطفلة لم يخلق فيها الاستمتاع بعد، فلم يجب ما في مقابلته وهو النفقة. بخلاف الكبيرة، فإن الاستمتاع خلق فيها، لكن منع منه مانع، كالحيض (¬3). فَصْل 592 - إذا كانت الزوجة صغيرةً لا يوطأ مثلها، فلا نفقة لها. ولو كان الزوج صغيراً لا يطأ مثلُه، والزوجة يوطأ مثلها، فلها النفقة (¬4). والفرق: أن الصغيرة لم يخلق فيها الاستمتاع، والنفقة في مقابلته، فلا تجب. بخلاف الزوج إذا كان صغيراً وهي كبيرةٌ، فإنَّه قد وجد منها التسليم [69/ أ] الذي يمكن الانتفاع به، وإنما/ تعذر الاستيفاء من جهة الزوج، فهو كما لو سلمت نفسها وهو كبيرٌ مجبوبٌ، فإنها تستحق النفقة لوجود التسليم المنتفع به، كذا هنا (¬5). ¬
593 - لا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين
فَصْل 593 - لا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدِّين. وفي عمودي النسب روايةٌ: أنها تجب مع اختلاف الدِّين (¬1). والفرق: أن علة وجوبها على الأقارب التوارث، ولا إرث بينهم مع الاختلاف. بخلاف الوالدين، فإن الله تعالى وصَّى بالإحسان إليهما مع الكفر (¬2)، ومن أكبر الإحسان إغناؤهما عن السؤال بالنفقة (¬3). فَصْل 594 - إذا سافرت المرأة بإذن زوجها في حاجةٍ لها، فلا نفقة لها، ولا قسم. وإن كانت الحاجة له، فهما لها (¬4). والفرق: أنَّه إذا سافرت في حاجة نفسها وإن كان بإذنه فقد منعته من الاستمتاع بها تلك المدة، فلم تجب لها نفقةٌ، كما لو لم يأذن لها. بخلاف كونها في حاجته، فإن نفسها مسلمةٌ إليه من غير منعٍ من جهتها، بل هو فوَّت نفسه التمتع بها، فلم تسقط نفقتها، كما لو سافر (¬5)، فافترقا (¬6). والله أعلم. ¬
كتاب الجنايات
[كتاب الجنايات] (¬1) فَصْل 595 - إذا اشترك في القتل عامدٌ ومخطئٌ، لم يجب القصاص على العامد. ولو اشترك فيه أجنبيٌ وأبو المقتول عمداً، وجب القصاص على شريك الأب. في أصح الروايتين فيهما (¬2). والفرق: أنَّه في الأولى لم يتمحض القتل عمداً، فلذلك لم يوجب القصاص، كعمد الخطأ (¬3). بخلاف الثانية، فإن القتل عمدٌ محضٌ من كلٍ منهما، فأوجب القصاص، وخرج الأب لمعنى الأبوة، فبقي الشريك (¬4). فَصْل 596 - لا يقتل والدٌ بولده. رواية واحدة (¬5). ¬
597 - إذا قتل ذمي مسلما، ثم أسلم، قتل به
ويقتل هو به. في أصح الروايتين (¬1). والفرق: أن القصاص شرع زجراً وردعاً عن القتل، والوالد فيه من الحنو والشفقة الطبعية (¬2) ما يردعه عن قتل ولده، فاكتفي بالوازع الطبعي (¬3) عن الوازع الشرعي، بدليل: الحد بالخمر، دون البنج، لأنَّ الخمر يشتهى طبعاً، فجعل الشَّارع له وازعاً وهو الحد، والبنج لا حد فيه، لكون الوازع الطبعي - وهو كونه لا يشتهى - يزع عنه، فلم يجعل له حد في الشرع. وهذا بخلاف الولد، فإنَّه ليس فيه من الشفقة والحنو ما يمنعه عن قتل والده، بل (¬4) قد رئي قتل الأبناء للآباء كثيراً، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} (¬5)، فأمر بالحذر منهم، ومن المحذور إقدامهم على القتل، وإذا لم يكن هناك وازعٌ طبعيٌ يزعه، شرع له الوازع الشرعي، وهو القصاص (¬6). فَصْل 597 - إذا قتل ذميٌ مسلماً، ثمَّ أسلم، قتل به. ولو قتل حربيٌ مسلماً، ثمَّ أسلم، لم يقتل به (¬7). والفرق: أن الذمِّي التزم أحكامنا، ومنها قتله قصاصاً. بخلاف الحربي، فإنَّه لم يلتزم جري أحكامنا عليه، فلهذا/ لم يلزمه [69/ ب] القصاص (¬8). ¬
598 - إذا ادعى رجلان نسب لقيط متساويان في البينة أو عدمها
فَصْل 598 - إذا ادعى رجلان نسب لقيطٍ متساويان في البينة أو عدمها، وأشكل على القافة أو لم تكن، فقتلاه صغيراً فلا قود، لاحتمال كون كلٍ منهما هو الأب، فلو رجع أحدهما عن دعواه وأقام الآخر، ثبت نسبه من المقيم على الدعوى، وانتفى عن الآخر، فيسقط القود عن الأب، ويكون عليه نصف الدية لورثة المقتول، وأما المنكر فيلزمه القود. ولو أتت امرأةٌ بولدٍ على فراش رجلين، فقتلاه قبل ثبوت نسبه من أحدهما، فلا قود على واحدٍ منهما، لاحتمال كونه الأب، ولو جحده أحدهما لم يقبل جحوده، ولم يقتل أحدهما. والفرق: ما ذكره القاضي في المجرد؛ أن سبب ثبوت النسب في الأولى الاعتراف، فسقط بالاعتراف، ورجوعه يحتمل الصحة، ولا معارض له فقبل. بخلاف الثانية، فإن ثبوت النسب بالفراش، والفراش لا يزول بالجحود، فلذلك لم يقبل، فلم يجب القصاص على واحدٍ منهما (¬1). فَصْل 599 - إذا قتل زوجته ولها ابنٌ منه، وآخر من غيره، لم يكن لابنها من غيره أن يقتصَّ منه (¬2). ولو قذفها فطالبته بحد القذف ثمَّ ماتت، فلابنها من غيره المطالبة، ويحدُّ له (¬3). ¬
600 - إذا قتل أحد الابنين أباهما، والآخر أمهما، وهي في زوجية الأب، وجب القصاص على قاتل الأم، دون قاتل الأب
والفرق: أن القصاص ثبت مشتركاً بين ابنيها، فسقط نصيب ابنها منه؛ لأنه لا يستحق القصاص عليه، وإذا سقط نصيبه سقط نصيب الآخر، كما لو عفا أحد مستحقي القصاص (¬1). بخلاف حد القذف، فإنَّه ثبت لكل منهما كاملاً، فلم يسقط حقه بسقوط حق غيره (¬2). فَصْل 600 - إذا قتل أحد الابنين أباهما، والآخر أمهما، وهي في زوجية الأب، وجب (¬3) القصاص على قاتل الأم (¬4)، دون قاتل الأب (¬5). والفرق: أنَّه لما قتل الأب ورثه ابنه الآخر وأمه، ولم يرث القاتل شيئاً، فلما قتل الآخر الأم لم يرث منها شيئاً، وورثها قاتل الأب، ومن جملة إرثه منها ما استحقته عليه من القصاص بقتل أبيه، فقد ورث بعض دم نفسه، فلذلك سقط عنه القصاص، ويجب القصاص على قاتل الأم لكونه لا مسقط له (¬6). ¬
601 - أربعة أخوة: قتل الثاني الأول، والثالث الرابع، فإن القصاص يجب على الثالث، دون الثاني
فَصْل 601 - أربعة أخوة: قتل الثاني الأول، والثالث الرابع، فإن القصاص يجب على الثالث، دون الثاني. والفرق: أن الثاني ورث بعض دم نفسه، وهو نصيب أخيه الرابع، فسقط القصاص كما مرَّ. والثالث لما قتل الرابع لم يرثه؛ لأنه قاتله، وورثه أخوه الثاني، فيجب عليه نصف دية الأول للثالث، ويجب له القصاص عليه (¬1). فَصْل [70/ أ] 602 - إذا قطع إنسان/ أصبع آخر عمداً، فطلب المجني عليه القصاص قبل الاندمال، فله ذلك (¬2). ولو عفا على (¬3) الدية، أو كان القطع خطأً، وطلب الدية قبل الاندمال، لم يكن له ذلك (¬4). ¬
603 - إذا قطع أصبع رجل، ثم يد آخر، فاختار الأول القصاص، اقتص له، ويكون للثاني الخيار: بين دية يده كاملة، وبين الاقتصاص في اليد، وأخذ دية الأصبع الناقصة
والفرق: أن القصاص وجب في الأصبع وجوباً مستقراً لا يتوهم سقوطه ولا نقضه، فكان للمجني عليه المطالبة به كما لو اندمل. بخلاف الدية، فإنها بعرض الزيادة لسريان الجرح إلى النفس، فافترقا (¬1). قلت: والصحيح: أنَّه لا يقتص في الأولى قبل الاندمال أيضاً، فتصير المسألتان سواء، والله أعلم. فَصْل 603 - إذا قطع أصبع رجلٍ، ثمَّ يد آخر، فاختار الأول القصاص، اقتص له، ويكون للثاني الخيار: بين دية يده كاملةً، وبين الاقتصاص في اليد، وأخذ دية الأصبع الناقصة. ولو قطع يد رجلٍ، ثمَّ قتل آخر، فاختار الأول القصاص، اقتص له، وكان لولي المقتول الخيار: بين دية نفس المقتول، وبين القصاص، ولا يستحق مع القصاص في النفس دية اليد الناقصة. والفرق: أن القصاص في الأطراف يعتبر فيه التساوي في صفاتها، فلا تؤخذ كاملة الأصابع بناقصتها، فلهذا استحق مع القصاص في اليد أخذ دية الأصبع الناقصة ليأخذ حقه كاملاً. بخلاف القصاص في النفس؛ لأنَّ المعتبر فيه إزهاق النفس، ولا يعتبر كمال الأطراف ولا نقصها، فافترقا (¬2). ¬
604 - إذا قطع مسلم يد ذمي فأسلم، ثم سرت إلى نفسه، فلا قود على القاطع، بل عليه دية مسلم
فَصْل 604 - إذا قطع مسلمٌ يد ذميٍ فأسلم، ثمَّ سرت إلى نفسه، فلا قود على القاطع، بل عليه دية مسلم (¬1). ولو كان المقطوع حربياً أو مرتداً، فلا قود على القاطع ولا دية (¬2). والفرق: أن الجناية على الذمي مضمونةٌ، والجناية إذا وقعت مضمونةً اعتبر أرشها (¬3). بخلاف الثانية، فإن الجناية وقعت غير مضمونةٍ، فلا تضمن سرايتها بحال (¬4). فَصْل 605 - الاعتبار في وجوب القصاص بحال الجناية (¬5). وفي الدية بحال الاستقرار (¬6). والفرق: أن القصد إلى إتلاف النفس شرط القصاص [فاعتبر بحال الجناية. بخلاف الدية، فإن القصد ليس شرطاً فيها] (¬7) فاعتبر حالة الاستقرار (¬8). كما تقدم (¬9). ¬
606 - إذا اشترك جماعة في قتل مكافئ لهم عمدا، فعفى وليه عن القصاص، لزم كل واحد منهم دية كاملة
فَصْل 606 - إذا اشترك جماعةٌ في قتل مكافئٍ لهم عمداً، فعفى وليه عن القصاص، لزم كل واحدٍ منهم دية كاملة (¬1). ولو كان القتل خطأً لم تجب إلا دية واحدة (¬2). والفرق: أن القصاص استحق على كل واحدٍ منهم، فيلزمه بالعفو دية نفسه (¬3). بخلاف الخطأ، فإنَّه لا يوجب القصاص، وإنما أوجب دية المقتول فلزمتهم (¬4). فَصْل 607 - إذا قطع أذنيه فذهب سمعه، لزمه ديتان، ولم تدخل دية السمع في دية الأذنين. ولو قطع لسانه فذهب كلامه، لم يلزمه إلا دية واحدة. والفرق: أن السمع منفعة حالَّة في غير الأذنين، فلم يدخل بدله في دية/ الأذنين، كعضوين مختلفين. [70/ ب] بخلاف اللسان، فإن الكلام حالٌّ فيه، فكان فيهما ديةٌ واحدةٌ، كالبصر مع العين (¬5). ¬
608 - إذا جنى على أذن غيره فشلت وجبت حكومة
فَصْل 608 - إذا جنى على أذن غيره فشلَّت وجبت حكومة (¬1) (¬2). ولو كانت يداً وجبت ديتها (¬3). ذكره في المجرد. والفرق: أن شلل اليد يذهب نفعها. بخلاف الأذن، فإن منفعتها تبقى مع شللها (¬4). فَصْل 609 - إذا قال حرٌ لحرٍ: شجني، ففعل، لم يلزمه شيءٌ. في أصح الروايتين. ولو قال ذلك عبدٌ، لزمه أرش الجناية لمولاه (¬5). والفرق: أن الجناية في الأولى حصلت في حق المستحق لأرشها بإذنه، فسقط موجبها. بخلاف العبد، فإن الجناية حصلت في ملك السيد بغير إذنه، فلزم ¬
610 - إذا جرح حر حرا عمدا، فقال المجروح: عفوت عن هذه الجناية وما يحدث منها فمات، صح عفوه، ولا شيء لورثته
الجاني الأرش (¬1)، فافترقا. فَصْل 610 - إذا جرح حرٌ حراً عمداً، فقال المجروح: عفوت عن هذه الجناية وما يحدث منها فمات، صح عفوه، ولا شيء لورثته. ولو كانت (¬2) الجراحة خطأً، كان عفوه من الثلث، ذكرهما ابن أبي موسى (¬3). وفرَّق: بأن المستحق لجراحة الخطأ المال، وليس له التصرف في حال خوفه على نفسه في أكثر من ثلثه. وجراحة العمد لا يستحق بها إلا القصاص (¬4) وهو حقٌ له، فإذا عفا عنه سقط (¬5). قال: ولأن الحد لا يورث مع عدم المطالبة، فكيف يورث مع العفو عنه (¬6)؟ فظهر الفرق. ¬
611 - إذا قال حر لحر: شجني [فشجه]، لم يلزمه قصاص رواية واحدة
فَصْل 611 - إذا قال حرٌ لحرٍ: شجني [فشجه] (¬1)، لم يلزمه قصاصٌ. رواية واحدة. ويلزمه أرشها. في رواية (¬2). ولو قال حرٌ لعبدٍ: شجني، ففعل، لم يلزمه شيءٌ (¬3). والفرق: أن جنايات الحر يلزم أرشها مع عدم الإذن، فالإذن شبهةٌ في سقوط القصاص، ولزمه أرش الجناية، لأنها لا تستباح بالإباحة. بخلاف العبد، فإن جنايته مضمونةٌ على من استخدمه بغير إذن سيده، ولو جنى على مستخدمه بغير إذنه [فجنايته هدر] (¬4) فبإذنه أولى، فلذلك لم يلزم العبد ولا سيده شيءٌ (¬5). فَصْل 612 - إذا قتل رجلاً ثمَّ قطع يد آخر أو بالعكس، فاختار أولياؤهما القصاص قطع، ثمَّ قتل. ولو قطع يد رجل أولاً، ثمَّ أصبع آخر، قدم القصاص في اليد، وللآخر دية أصبعه. والفرق: أنَّه في الأولى أمكن استيفاء الحقين، ولا معنى لتعطيل أحدهما. وفي الثانية لو قدِّم القصاص في الأصبع نقص حق صاحب اليد؛ لأنَّ القطع وجب له في اليد كاملة قبل استحقاق الآخر قطع الأصبع، فلذلك وجب ترتيب القصاص (¬6). ¬
613 - تغلظ دية العمد بصفتها، وهي أسنان الإبل، لا بزيادة العدد
فَصْل 613 - تغلظ دية العمد بصفتها، وهي أسنان الإبل، لا بزيادة العدد (¬1). ولو قتل في الحرم (¬2) أو الإحرام، غلظت بزيادة/ العدد ديةٌ وثلثٌ (¬3). [71/ أ] والفرق: أن تغليظها في الثانية لحرمة الحرم، فكان بزيادة العدد، كما لو قتل صيداً (¬4) مملوكاً في الحرم (¬5)، فإنَّه يضمنه بقيمته مرتين. بخلاف تغليظها للعمد، فإن ذلك لا يرجع إلى الحرم، فلم تغلظ بزيادة العدد، بل نص الشارع على التغليظ بالصفة (¬6)، فتفارقا (¬7). فَصْل 614 - تغلظ الدية بالحرم والإحرام والشهر الحرام، فتجب ديتان (¬8)، ولا تداخل. ¬
615 - الموضحة في الرأس والوجه فيها مقدر
وإذا اجتمع في قتل الصيد الحرم والإحرام، لم يجب إلا جزاءٌ واحدٌ (¬1). والفرق: أن تغليظ الدية آكد؛ لأنها تغلظ بالشهر الحرام، والجزاء لا يغلظ بذلك (¬2). قلت: وفي هذا التفريق ضعف، وأقوى منه: أن التغليظ في الدية عقوبةٌ، فلا يناسب التداخل. بخلاف جزاء الصيد، فإنَّه بدل متلفٍ، بدليل: أن الله تعالى أوجب المثل في المثليات، والقيمة في المتقوم، وهذا شأن البدل، فلم يتعدد، لئلا يجب في متلفٍ أكثر من قيمته. فَصْل 615 - الموضحة (¬3) في الرأس والوجه فيها مقدرٌ (¬4). وفي غيرهما لا مقدر فيها، بل حكومةٌ (¬5). والفرق: أنهما من الأعضاء الشريفة، وفيهما من المنافع ما ليس في ¬
616 - إذا أوضحه في موضعين من رأسه، ولم يخرق الحاجز بينهما، فأرش ذلك عشر من الإبل
غيرهما، فاختصا بالمقدَّر في موضحتهما (¬1). بخلاف غيرهما من بقية الأعضاء لخلوها من جميع ما ذكرنا، ولأنا لو أوجبنا في الموضحة في الأنملة خمساً من الإبل لوجب فيها أكثر مما يجب في قطعها، وهذا المعنى معدومٌ في الرأس والوجه (¬2). فَصْل 616 - إذا أوضحه في موضعين من رأسه، ولم يخرق الحاجز بينهما، فأرش ذلك عشرٌ من الإبل. ولو عاد الجاني فخرق ما بينهما قبل الاندمال، لم يلزم الجاني إلا خمسٌ من الإبل. والفرق: أنهما موضحتان في الأولى، وموضحةٌ في الثانية (¬3). فَصْل 617 - إذا قطع الذكر والأنثيين معاً، أو قطعه ثمَّ قطعهما، لزمه ديتان. ولو قطعهما ثمَّ قطعه، لزمه بقطعهما ديةٌ، وفي قطعة حكومةٌ. في روايةٍ (¬4) نقلها ابن منصور (¬5). ¬
618 - إذا قطع رجل ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه عمدا، فقال الخنثى: لا أعفو عن القصاص، ولا أؤخر الحق، استحق عاجلا حكومة في الشفرين
والفرق: أن الأنثيين لا ينقص بقطعهما، بل بقطع الذكر، فوجبت الدية بقطعهما لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن حزمٍ (¬1) الطويل: "وفي البيضتين الدية" رواه النسائي (¬2). بخلاف قطع الأنثيين أولاً، فإن الذكر يصير ذكر خصي، فيقل نفعه أو يعدم، فوجبت حكومة (¬3). فَصْل 618 - إذا قطع رجلٌ ذكر خنثى مشكلٍ وأنثييه وشفريه عمداً، فقال الخنثى: لا [71/ ب] أعفو عن القصاص، ولا/ أؤخر الحق، استحق عاجلاً حكومةً في الشفرين. ولو كانت (¬4) المسألة بحالها غير أن الجاني خنثى مثله، لم يكن للمجني عليه استعجال شيءٍ من المال. والفرق: أنَّه لا يتصور وجوب القصاص على الرجل في الشفرين؛ لأنه إن كان الخنثى ذكراً فالشفران خلقةٌ زائدةٌ، لا قصاص فيهما، وإن كان امرأةً فليس للرجل شفران يقتص منهما، فتعجل الحكومهّ فيهما؛ لأنها يقيناً واجبةٌ. وأما إذا كان الجاني خنثى، فيحتمل أن يكونا امرأتين فيجب القصاص ¬
619 - إذا قطع يد عبد، لزمه نصف قيمته
في الشفرين، فلذلك وقف الأمر، كما وقف في قطع الذكر والأنثيين (¬1). فَصْل 619 - إذا قطع يد عبدٍ، لزمه نصف قيمته (¬2). ولو غصبه فتلفت يده بأَكِلة (¬3)، لزمه ما نقص من قيمته (¬4). والفرق: أن قطع يده جنايةٌ، فهي مضمونةٌ ضمان الجنايات، وهو مقدرٌ شرعاً، كما في الحر (¬5). بخلاف تلفها بالأَكِلة، فإن ضمانها ضمان الغصب، وهو مقدرٌ بما نقص من قيمته (¬6). فَصْل 620 - إذا قصد إنسانٌ أخذ مال إنسانٍ، فلرب المال دفعه بالمقاتلة ولو أتى على نفس المدفوع، ولغيره معاونته على دفعه عن نفسه، لا ماله إن خاف قتل المدفوع (¬7). والفرق: أن حرمة النفس أعظم من حرمة المال، فإنَّه (¬8) دفع عن نفسٍ محترمةٍ، ونفس قاصدها غير محترمةٍ إذا قصد النفس المحرمة. بخلاف ما إذا قصد المال، فإنَّه لا يجوز لأجله إتلاف نفس المدفوع، إذ ¬
621 - إذا قطع ولي القتيل يد القاتل فاندملت، لزمه ديتها
هي أعظم حرمةً بالنسبة إليه من مال غيره (¬1). فَصْل 621 - إذا قطع ولي القتيل يد القاتل فاندملت، لزمه ديتها (¬2). ولو لم يندمل (¬3)، بل سرى إلى نفس القاتل، لم يضمن القاطع شيئاً (¬4). والفرق: أن مع الاندمال حقه باقٍ في القصاص، وقد استوفى غيره، فلذلك لزمه ضمانه. بخلاف الثانية، فإن القطع صار قتلاً، (فسقط حكم القطع) (¬5)، وصار كأن الولي استوفى حقه (¬6). فَصْل 622 - إذا جنى عليه فأذهب سنَّه ثمَّ عاد (، فجنى عليه آخر) (¬7) فأذهبه، فعليه القصاص. ولو أوضحه فاندملت، ثمَّ أوضحه آخر تلك البقعة، فلا قصاص ولا دية، بل حكومةٌ. والفرق: أن الجلد لا يعود إلى ما كان، فلا يجب [فيه ما يجب] (¬8) في الصحيح. ¬
623 - إذا اشترك جماعة في قتل آدمي، لزم كل واحد كفارة
بخلاف السن، فإنَّه يعود إلى ما كان (¬1). فَصْل 623 - إذا اشترك جماعةٌ في قتل آدمي، لزم كل واحدٍ كفارةٌ (¬2). ولو اشتركوا في قتل صيد الحرم، لزمهم جزاءٌ واحدٌ (¬3). والفرق: أن الكفارة طهرةٌ من الذنب، وكل منهم فعله. بخلاف الجزاء، فإنَّه بدل يقدر عن متلفٍ فلم يتعدد، كما لو أتلفه واحدٌ (¬4). قلت: في كلٍ من المسألتين/ روايتان (¬5). [72/ أ] فَصْل 624 - إذا جنى عبد المحجور عليه لفلسٍ على عبدٍ له آخر بما يوجب القصاص في النفس، وقلنا: موجب العمد أحد شيئين (¬6)، فعفى السيد ¬
625 - إذا جنى على المكاتب مثله، أو عبد جناية توجب القصاص فيما دون النفس، فعفى على غير مال لم يسقط
عن القود، ثبت له المال، ولم يسقط بعفوه (¬1). ولو كان السيد مكاتباً، لم يجب له مال في رقبة الجاني (¬2). والفرق: أن حقوق الغرماء تعلقت برقاب عبيده، فلذلك تعلق أرش الجناية على أحدهم برقبته. بخلاف المكاتب، فإنَّه لم يتعلق حق أحدٍ برقبة عبيده (¬3). فَصْل 625 - إذا جنى على المكاتب مثلُه، أو عبدٌ جنايةً توجب القصاص فيما دون النفس، فعفى على غير مالٍ لم يسقط (¬4). ولو جنى عبدٌ أو مكاتبٌ على حرٍ، فعفى على غير مالٍ سقط (¬5). والفرق: أن المكاتب لا يملك إسقاط المال، فلذلك لم يسقط (¬6). بخلاف الحر، فإنَّه يملك إسقاط المال، فافترقا (¬7). فَصْل 626 - إذا جنى عبدٌ على حرٍ موضحةً مثلاً، فأبرأه منها، لم يصح (¬8). ¬
627 - إذا أمر الإمام إنسانا بنزول بئر ففعل، فهلك، ضمنه الإمام
ولو عفى، صحَّ (¬1). والفرق: أن إبراء العبد إبراءٌ لمن لا حق له؛ لأنَّ أرش الجناية تعلق برقبته وهي لسيده (¬2). بخلاف العفو عنها، فإنَّه يبرئ من استحق عليه أرشها وهو السَّيد (¬3). فَصْل 627 - إذا أمر الإمام إنساناً بنزول بئرٍ ففعل، فهلك، ضمنه الإمام (¬4). ولو كان الآمر من آحاد الرعية، لم يضمن (¬5). والفرق: أن طاعة الإمام واجبةٌ، فقد فعله طاعةً أو معتقداً أنَّه لا يجوز مخالفته، فكأنه أكرهه عليه، ولو أكرهه ضمن، فكذا هنا. بخلاف آحاد الرعية، فإنَّه لا طاعة له (¬6). ثمَّ إن كان أمر الإمام لمصلحة نفسه ضمنت عاقلته، وإن كان لمصلحة المسلمين ففيه روايتان: إحداهما: الضمان على عاقلته، والأخرى: في بيت المال (¬7). ¬
628 - إذا ذكرت امرأة عند الإمام بسوء، فأرسل إليها ليحضرها، فأسقطت جنينها، وجب ضمانه على الإمام وهل يكون في عاقلته، أو بيت المال؟ فيه الروايتان
فَصْل 628 - إذا ذُكرت امرأةٌ عند الإمام بسوءٍ، فأرسل إليها ليحضرها، فأسقطت جنينها، وجب ضمانه على الإمام (¬1). وهل يكون في عاقلته، أو بيت المال؟ فيه الروايتان (¬2). وكذلك لو أرسل إليها فماتت من الخوف (¬3). على قياس قول أصحابنا: فيمن صاح بإنسانٍ فوقع بصيحته من علوٍ فمات (¬4). فأما (¬5) إن أرسل آحاد الرعية، وقال لها: الإمام يدعوك، ففزعت فماتت أو أسقطت، ضمنها الرسول؛ لأنَّ تلفها من جهته (¬6). والله أعلم. قلت: وقد حكى أصحابنا فيما إذا ماتت خوفاً من السلطان: وجهين. واختلفوا في الصحيح منهما. فرجح صاحب المغني وجماعة (¬7): ما ذكر السامري هنا (¬8). ورجح صاحب المحرر (¬9)، وطائفة: عدم الضمان. ¬
629 - إذا أمر الإمام إنسانا بقتل آخر، فقتله معتقدا جواز قتله، فلا ضمان عليه
فَصْل 629 - إذا أمر الإمام إنساناً بقتل آخر، فقتله معتقداً جواز قتله، فلا ضمان عليه. ولو قتله مختاراً معتقداً/ تحريم قتله، لكن الإمام يرى جواز قتله [72/ ب] اجتهاداً، فعليه الضمان. والفرق: أنَّه في الأولى قتل من يعتقد جواز قتله، فلم يضمن. بخلاف الثانية، فإنَّه يعتقد تحريم قتله معصوماً، فضمن (¬1). فافترقا. فَصْل 630 - إذا قطع الإمام أو غيره سلعة (¬2) غير مولىً عليه بغير إذنه، [فمات] (¬3) فعلى القاطع القود (¬4). ولو عزَّره الإمام فمات، فلا ضمان عليه (¬5). والفرق: أن السلعة ليس للإمام ولا غيره إزالتها بغير إذن من هي فيه، فقطعها تعد من فاعله فضمن (¬6). بخلاف التعزير، فإن للإمام فعله فلا ضمان عليه فيه، كما لو قطع سارقاً فسرى إلى نفسه (¬7). ¬
631 - قلت: فلو قطعها الإمام من مولى عليه كالصبي والمجنون، لم يضمن ذكره أبو بكر
فَصْل 631 - قلت (¬1): فلو قطعها الإمام من مولىً عليه كالصبي والمجنون، لم يضمن. ذكره أبو بكر (¬2). لأنه مأذونٌ فيه، كقطع السرقة (¬3). بخلاف قطعها من غير مولىً عليه، كما ذكرنا، فافترقا. فَصْل 632 - إذا وقفت دابته في طريقٍ (¬4) فجنت، ضمن (¬5). وإن كان واسعاً، ففيه روايتان (¬6): ولو حفر بئراً في سابلة المسلمين ضمن ما تلف بها، ضيقاً كان أو واسعاً (¬7). والفرق بينهما: أن الدابة تؤذي من قرب منها، فإذا كان السبيل ضيقاً فقد تعدى بمنع الاجتياز، فضمن. ¬
633 - إذا سقط رجل في حفرة فجذب ثانيا، وجذب الثاني ثالثا، وجذب الثالث رابعا، فلما صاروا فيها قتلهم أسد أو أفعى، فدم الأول هدر وعليه دية الثاني، وعلى الثاني دية الثالثة، وعلى الثالث دية الرابع
بخلاف الواسعة، فإنَّه لم يمنع الاجتياز (¬1). وأما إذا حفر بئراً في السابلة فإن الغالب حصول الأذى بها، ضيقاً كان أو واسعاً، فافترقا (¬2). قلت: فَصْل 633 - إذا سقط رجلٌ في حفرةٍ فجذب ثانياً، وجذب الثاني ثالثاً، وجذب الثالث رابعاً، فلما صاروا فيها قتلهم أسدٌ أو أفعى، فدم الأول هدرٌ وعليه دية الثاني، وعلى الثاني دية الثالثة، وَعلى الثالث دية الرابع. ولو تدافع أو تزاحم عند الحفرة جماعةٌ، فسقط فيها منهم أربعةٌ متجاذبين، فعلى قبائل الذين حضروا وتزاحموا للأول ربع ديته، وللثاني ثلثها، وللثالث نصفها، وللرابع دية كاملة (¬3). والفرق: أن الأول (¬4) في الأولى (¬5) سقط بفعل نفسه، لا بفعل غيره، فكان دمه هدراً كموته حتف أنفه، وعليه دية الثاني لأنه جذبه، وعلى الثاني دية الثالث، وعلى الثالث دية الرابع لذلك (¬6). وهذا هو القياس. ¬
ولكنَّ المسألة الثانية خالف فيها إمامنا - رضي الله عنه - القياس (¬1)، لما روى هو في المسند (¬2) عن حنش بن المعتمر (¬3) عن علي - رضي الله عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبيةً (¬4) للأسد، فبينا هم كذلك يتدافعون إذ [73/ أ] سقط رجلٌ/ فتعلق بآخر، ثمَّ تعلق الرجل بآخر حتى صاروا فيها أربعةً، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجل بحربة (¬5) فقتله، وماتوا من جراحهم كلهم، فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر ليقتتلوا، فأتاهم علي - عليه السلام -، فقال (¬6): أتريدون أن تقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌ، إني أقضي بينكم بقضاءٍ إن رضيتم به فهو القضاء، وإلا حجر بعضكم على بعض (¬7) حتى تأتوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فيكون هو الذي يقضي بينكم، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له، فاجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، ¬
وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عند مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ورواه سعيد بن منصور في سننه (¬1) أيضاً، فقال: ثنا أبو عوانة (¬2) وأبو الأحوص (¬3) عن سماك (¬4) عن حنش فذكروه. وكثير من أصحابنا - رحمهم الله - يستدلون على المسألة الأولى بقصة علي - رضي الله عنه -، كما فعل أبو الخطاب (¬5)، وتابعه على ذلك صاحب المستوعب (¬6)، وغيره، والصواب: أنهما مسألتان لكلٍ منهما حكمٌ كما بينت. والله أعلم. ¬
634 - إذا استولى البغاة على بلد، فادعى أهله دفع الزكاة إليهم، قبل بغير يمين
باب قتال أهل البغي [فَصْل] 634 - إذا استولى البغاة على بلدٍ، فادعى أهله دفع الزكاة إليهم، قبل بغير يمين. ولو ادعى أهل الذمة أخذهم الجزية، لم يقبل إلا ببينة (¬1). والفرق: أن الجزية كالأجرة عن سكناهم بدار الإِسلام (¬2)، والقول قول المؤجر في استيفاء الأجرة. بخلاف الزكاة، فإن أرباب الأموال مؤتمنون على دفعها إلى مستحقها فقبل قولهم، كسائر الأمانات (¬3). فَصْل 635 - إذا نصبوا قاضياً يستحل دماء أهل العدل ومالهم، لم ينفذ حكمه، وإلا نفذ. والفرق: أنَّه إذا استحلَّ ذلك فأدنى أحواله الفسق، وإلا فالكفر. بخلاف ما إذا لم يستحله، فإنه كسائر القضاة (¬4). ¬
636 - إذا شرب المسلم الخمر، أو أكل لحم الخنزير، لم يحكم بردته
فَصْل 636 - إذا شرب المسلم الخمر، أو أكل لحم الخنزير، لم يحكم بردته (¬1). ولو صلَّى الكافر في دار الحرب، حكم بإسلامه (¬2). والفرق: أن الردة تبيح الدم، فلم يجز إثباتها بالاستدلال. بخلاف الإِسلام، فإنَّه يحقن الدم، فجاز إثباته بذلك، فافترقا (¬3). قلت: هكذا قيد السامري (¬4) الصلاة بدار الحرب، وهذا خطأ، فإنَّه لا يختلف المذهب: أن الكافر يحكم بإسلامه بالصلاة في دار الحرب ودار الإِسلام، وإنما هذا مذهب الشافعي (¬5) - رضي الله عنه -. ¬
كتاب الحدود
كتاب الحدود [فَصْل] [73/ ب] 637 - / إذا أباحت المرأة لزوجها أمتها، فوطئها وهو محصنٌ عالمٌ بحرمة الوطء، عزِّر بمائة جلدةٍ، ولم يجب رجمه. ولو أباح له أجنبيٌ أمته فوطئها - كما وصفنا - وجب رجمه. والفرق: أن الوطء لا يستباح بالإباحة، فقد حصل وطؤه عمداً في غير ملك ولا شبهةٍ، فوجب الرجم. بخلاف المسألة الأولى، فإنها خرجت عن القياس للنص الوارد فيها، وهو ما روى النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي جارية امرأته وقد أحلتها له (يجلد مائةً) رواه أبو داود (¬1). فلذلك فرق بينهما (¬2). ¬
638 - إذا ثبت على رجل أنه زنا بأمة فلان حد، وإن لم يحضر فلان
فَصْل 638 - إذا ثبت على رجلٍ أنَّه زنا بأمة فلانٍ حُدَّ، وإن لم يحضر فلانٌ. ولو قامت بينةٌ أنَّه سرق مال فلانٍ من حرزٍ، لم يقطع حتى يحضر ويطالب. والفرق: أن المسروق يحتمل كونه مباحاً للسارق، بأن يكون مالكه قد أباحه أخذه، ولا يعلم السارق ولا البينة بذلك، فيتأخر القطع إلى أن يحضر. بخلاف الزنا، فإنَّه لا فائدة لحضوره، إذ لو حضر وذكر أنَّه أباحه وطأها لم يؤثر ذلك [في] (¬1) إسقاط الحد (¬2). فَصْل 639 - إذا شهد شهودٌ على رجلٍ بالزنا، استفسرهم الحاكم عن صفة الزنا، وكيف رأوا. ولو شهدوا عليه بشرب مسكرٍ حُدَّ، ولم يستفسرهم. والفرق: أن المسكر لا ينقسم إلى جهةٍ لا حد فيها؛ لأنَّ الحد بأي مسكرٍ كان. بخلاف الزنا، فإنَّه ينقسم إلى موجبٍ، وغير موجبٍ، كالنظر فإنَّه زنا، ولا يوجب حداً، ويؤيد ذلك استفساره - صلى الله عليه وسلم - لماعز، وتنصيصه على ما لا يبقى ¬
640 - إذ شهد أربعة على رجل بالزنا، وله ولد من زوجته، فقال: لم أطأها، لم يثبت إحصانه بالولد فلا يرجم؛ لأن الولد يلحق بالإمكان، والإحصان لا يثبت إلا باليقين لا بالإمكان، فلم يكن إلحاق الولد [دالا] على وجود الوطء منه قطعا، فلهذا لم يثبت إحصانه
معه احتمالٌ، ليتمحض إقراره، وتندفع الاحتمالات كلها (¬1)، فافترقا. فَصْل 640 - إذ شهد أربعة على رجلٍ بالزنا، وله ولد من زوجته، فقال: لم أطأها، لم يثبت إحصانه بالولد فلا يرجم؛ لأنَّ الولد يلحق بالإمكان، والإحصان لا يثبت إلا باليقين لا بالإمكان، فلم يكن إلحاق الولد [دالاً] (¬2) على وجود الوطء منه قطعاً، فلهذا لم يثبت إحصانه (¬3). قال أبو عبد الله السامرِّي: فإن قيل: أليس لو طلقها في هذه الحال لزمه المهر كاملاً، اعتباراً بوجود الوطء ظاهراً، فهلَّا كان في ثبوت الإحصان مثله. قال: فالجواب: أني لا أعرف عن الإمام أحمد نصاً في ذلك، وقياس المذهب يحتمل وجهين: أحدهما: [يلزمه نصف المهر، فعلى هذا لا فرق بينهما. ويحتمل: أن يلزمه جميع المهر. والفرق بينهما]: (¬4) أن المهر يجب بالعقد، ويتنصف بالطلاق قبل الدخول، وإذا كان الظاهر وجود الوطء، لم يجز إسقاط نصف المهر بالشك. بخلاف الرجم، فإنَّه غير واجبٍ عليه، فلا يجوز إيجابه عليه بإحصانٍ مشكوكٍ فيه، فافترقا. ¬
641 - إذا أقر بالزنا، سئل عن كيفيته
قلت: هذا كلام السامري بحروفه (¬1). قال الوالد: وهذا الإيراد لا يتوجه على أصلنا؛ لأنَّ من أصلنا: أن كمال/ الصداق لا يتوقف على حقيقة الوطء، بل يكفي خلوة من يطأ مثله بمن [74/ أ] يوطأ مثلها من غير مانع (¬2). وإنما يتوجه على أصل الشافعي، ومن وافقه في عدم تكملته بالخلوة (¬3). لكن نقل السامري هذه المسألة عن الروياني (¬4) الشافعي، فإنَّه ذكر هذا الإيراد وأجاب عنه بقولين للشافعي رحمه الله، كالاحتمالين اللذين ذكرهما المصنف، وليس السؤال لازماً على أصولنا. فَصْل 641 - إذا أقر بالزنا، سئل عن كيفيته. ولو قذف إنساناً بالزنا حُدَّ، ولم يسئل: كيف زنا؟ والفرق: أن الشرع ورد باستفسار المقرِّ بالزنا، دون القاذف، ثمَّ قرينة الحال في القذف تغني. بخلاف الإقرار بالزنا، مع أن حدَّه حقٌ لله محضٌ، فيحتال لإسقاطه. ¬
642 - إذا وجب رجم مريض مرضا يرجى برؤه، لم يؤخر رجمه
بخلاف حد القذف، فإنَّه حق آدمي، فافترقا (¬1). فَصْل 642 - إذا وجب رجم مريضٍ مرضاً يرجى برؤه، لم يؤخر رجمه (¬2). ولو وجب عليه غيره من الحدود، أُخِّر (¬3). والفرق: أنَّه إنما يؤخر خوفاً على نفسه من التلف بالحد، والواجب رجمه مستحقٌ إتلاف النفس، فلا معنى للتأخير. بخلاف غيره، فإنَّه لا يستحق إتلاف نفسه، فأُخِّر حفاظاً لها (¬4). فَصْل 643 - إذا شهد بحقٍ، فقال المشهود عليه: هو عبدٌ، لم تقبل الشهادة حتى تثبت حريته. وإذا جنى خطأً، فقالت العاقلة: المجني عليه عبدٌ، يحتاج المجني عليه إلى إثبات حريته. وإذا قذف رجلاً فطالبه بالحد، فقال: أنا عبدٌ فحدوني (¬5) حد العبيد، لم يحد حد الأحرار حتى تثبت حريته. ¬
644 - إذا اشترك اثنان في نقب حرز ودخوله إلا أن أحدهما أخرج النصاب، ولم يخرج الآخر شيئا، فعليهما القطع
وفي غير هذه المواضع الظاهر الحرية (¬1). والفرق: أن العمل بظاهر الأمر وهو الحرية في هذه المسائل يفضي إلى استحقاق حقٍ على المشهود عليه والقاذف والعاقلة والجاني بمجرد الظاهر، وذلك غير كافٍ، بدليل: أن الظاهر في المسلم العدالة، ومع هذا فلو جرَّح المدعى عليه الشهود لم تقبل شهادتهم حتى يزكوا، فدل على أن الظاهر لا يستحق به حق على الغيره بخلاف ما عدا هذه المسائل، فإن الناس فيها أحرارٌ، بدليل: ما لو ادعى إنسانٌ على آخر رقُّا، فإنَّه لا يقبل إلا ببينةٍ، ويكون القول قوله: إنه حرٌ؛ لأنَّ الحرية هي الأصل والرق طارٍ، فظهر الفرق (¬2). فَصْل 644 - إذا اشترك اثنان في نقب حرزٍ ودخوله إلا أن أحدهما أخرج النصاب، ولم يخرج الآخر شيئاً، فعليهما القطع. ولو اشتركا في نقبه، ودخل أحدهما فأخرج النصاب إلى الآخر فأخذه، قطع الداخل خاصَّةً (¬3). والفرق: أنهما في الأولى اشتركا في هتك الحرز، وهو دخولهما إليه، وهذا هو الأصل في السرقة/ بدليل: أن السرَّاق يكلون الإخراج إلى [74/ ب] أصاغرهم، والنقب إلى أكابرهم، وهذا فعلٌ يتعلق به أخذ المال، وتعتبر فيه المنعة، فلم يختص بالمباشر، كمال الغنيمة. بخلاف ما إذا دخل أحدهما دون المناقب؛ لأنَّ الداخل اختص بهتك ¬
645 - إذا نقبا حرزا وأخرج أحدهما منه نصابا، فعليه القطع
الحرز، فقطع دون الآخر (¬1). فَصْل 645 - إذا نقبا حرزاً وأخرج أحدهما منه نصاباً، فعليه القطع (¬2). ولو نقب أحدهما وأخرج الآخر، لم يقطع واحدٌ منهما (¬3). والفرق: أن المقطوع في الأولى شارك في هتك الحرز وسرق. بخلاف الثانية، فإن أحدهما نقب، والآخر أخرج النصاب ولم ينقب، والحرز بعد النقب لا يصير حرزاً، فكأنه سرق من غير حرزٍ (¬4)، فافترقا. قلت: هذا إن لم يكونا تواطئا على السرقة، فأما إن تواطئا عليها، فنقب أحدهما وأخرج الآخر، فإنهما يقطعان في الصحيح من المذهب (¬5)، لئلا يفضي ذلك في التحيل به إلى إسقاط القطع. فَصْل 646 - إذا هتك حرزاً وأخرج منه بعض النصاب وانصرف، ثمَّ عاد فأخذ بقيته، فإن تراخى عوده فلا قطع، وإن لم يتراخ قطع. والفرق: أنَّه إذا لم يتراخ فهو كالفعل الواحد فيقطع، كما لو أخذه دفعةً. ¬
647 - إذا سرق منديلا لا يساوي نصابا، وفي طرفه دينار مشدود لم يعلم به، لم يقطع
بخلاف ما إذا تراخى، فإنَّه يصير بمنزلة الفعلين فلم يقطع، كما لو عاد في الليلة الثَّانية (¬1). قلت: وفيه وجه: أنَّه يقطع مع التراخي، وهو قوي (¬2). فَصل 647 - إذا سرق منديلًا لا يساوي نصابًا، وفي طرفه دينارٌ مشدودٌ لم يعلم به، لم يقطع (¬3). ولو سرق كيسًا فيه مال ولم يعلم، فقياس المذهب: القطع (¬4). والفرق: أنَّه في الأولى سرق المنديل فقط، فلم يقطع لكونه دون النصاب. بخلاف الكيس، فإنَّه غير مقصودٍ، وإنَّما المقصود ما فيه فقطع به، كما لو علم (¬5). فَصل 648 - إذا سرق عبداً صغيرًا من حرزٍ، قطع. ولو كان كبيرًا مميزًا، لم يقطع. والفرق: أن العبد مالٌ ومع صغره لا يعقل، كالبهيمة. ¬
649 - إذا سرق باب دار مفتوحا أو مغلقا، قطع
بخلاف المميز، فإنَّه لا يُسرق بل يُخدع، ولا قطع على الخادع (¬1)، فافترقا. فَصل 649 - إذا سرق باب دارٍ مفتوحًا أو مغلقًا، قطع (¬2). ولو سرق باب خزانةٍ، لم يقطع (¬3). والفرق: أنَّه سرق الباب وهو محرزٌ بنَصْبِه وتسميره، فقد سرقه من حرز مثله، فقطع. بخلاف الخزانة، فإنَّه محرزٌ بباب الدار، فإذا لم يكن مغلقًا أو لا باب للدار لم يسرق من حرزٍ، فلذلك لم يقطع (¬4). فَصل 650 - إذا نام حرٌّ على أمتعته، فحملهما السارق وأخذهما، لم يقطع. ولو نام عبد صاحب المتاع عليه، فأخذهما السارق، لزمه القطع. ذكره ابن عقيل (¬5). ¬
651 - إذا سرق تأزير المسجد، أو بابه قطع، والمطالبة به للإمام
والفرق: أنَّه أخذ الحرز ولم يسرق منه، فلذلك لم يقطع. بخلاف الثَّانية، فإن العبد مالٌ، ولو سرق عبداً كبيرًا نائمًا، أو صغيرًا/ [75/أ] غير نائمٍ قطع (¬1)، فهنا قد سرق مالين: العبد، والمتاع، ونوم العبد عليه إحرازٌ له وللمتاع، فلذلك قطع، كما لو سرقهما من حرزٍ مغلق (¬2). فَصل 651 - إذا سرق تأزير (¬3) المسجد، أو بابه قطع، والمطالبة به للإمام. ولو سرق حصره أو قناديله، لم يقطع (¬4). والفرق: أن الثَّاني لمنفعة النَّاس، فللسارق شبهة. بخلاف الأول، فإنَّه لا شبهة فيه، إذ المواقف قصد إحرازه بالبناء، ليبقى على الدوام (¬5). فَصل 652 - إذا جحد المودع الوديعة، لم يقطع (¬6). ولو جحد المستعير العارية، قطع (¬7). ¬
قلت: إن كان نصابًا. والفرق: أن الجاحد للوديعة لا يسمى سارقًا، وشرط القطع غير موجود، وهو هتك الحرز، فلذلك لم يقطع (¬1). وأمَّا جاحد العارية فإنَّه يقطع، لما روي: (أن امرأةً مخزوميةً (¬2) كانت تستعير المتاع وتجحده، فقطعها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -) رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما (¬3). قلت: وقطع جاحد العارية في إحدى الروايتين، وهو المشهور من المذهب (¬4). والأخرى: لا تقطع (¬5)، وهو الصَّحيح (¬6). وما ذكره من حديث المخزومية قد بينته عائشة - رضي الله عنها - فيما رواه البُخاريّ (¬7)، فقالت: (إن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت) والقصة ¬
653 - إذا أقر بسرقة نصاب لغائب، لم يقطع حتى يحضر، بل يحبس
واحدةٌ، ثم ما في تمام الحديث الذي رواه الإمام أحمد ومسلم: (كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) (¬1) وهذه الرِّواية هي اختيار أبي القاسم (¬2) الخرقي، وأبي إسحاق بن شاقلا (¬3)، وأبي محمَّد المقدسي (¬4). رحمهم الله تعالى. فصل 653 - إذا أقر بسرقة نصابٍ لغائبٍ، لم يقطع حتَّى يحضر، بل يحبس. ولو أقر له بدينٍ، لم يحبس. والفرق: أنَّه إنَّما حبس في الأولى لتعلق حق الحاكم بقطعه. بخلاف الدين، فإنَّه لا حق للحاكم فيه (¬5). فصل 654 - إذا أجَّر حرزًا ثم سرق منه نصابًا لمستأجره، قطع (¬6). ¬
655 - إذا سرق ويمينه مقطوعة، قطعت يسرى رجليه
ولو زوج أمته ثم وطئها، فلا حد (¬1). والفرق: أن المستأجر ملك منافع الحرز مدة الإجارة، ولم يبق للمؤجر فيها حقٌ، فصار ماله محرزًا فيه، كما لو أحرزه في حرزٍ هو ملكه (¬2). بخلاف الثَّانية، فإن الأمة المزوجة منافع بضعها ملكٌ لسيدها، بدليل: أنَّها لو وطئت بشبهةٍ وجب مهرها لسيدها، وإنَّما منع من وطئها لحق الزوج، فقد استوفى السيد ملكه، فلا يجب عليه بذلك حدٌ، كالراهن إذا وطئ جاريته المرهونة (¬3). فَصل 655 - إذا سرق ويمينه مقطوعة، قطعت يسرى رجليه. ولو سرق وهي موجودة فتآكلت، لم تقطع رجله اليسرى (¬4). والفرق: أنَّه في الأولى تعلق القطع بعينها، فسقط بتلفها (¬5). [75/ب] بخلاف ما /إذا سرق ويمينه مقطوعةٌ، فإن القطع تعلق ابتداءً برجله، فلهذا لم يسقط (¬6). فَصل 656 - إذا استعار حرزًا وأحرز فيه متاعه، فسرق المعير منه نصابًا من مال المستعير، قطع. ¬
ولو غصب حرزًا فأحرز فيه متاعه، فسرق مالك الحرز منه نصابًا من مال الغاصب، لم يقطع (¬1). والفرق: أن الحرز المستعار حرزٌ له حرمةٌ، فقطع بالسرقة منه، كما لو كان الحرز ملكًا للمستعير. بخلاف الحرز المغصوب؛ لأنَّه لا حرمة له، بدليل: أنَّه لو سرق منه غير مالكه المغصوب منه لم يقطع، فصار كَلا حرزٍ، فلم يجب القطع بالسوقة منه (¬2)، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬
كتاب الجهاد
كتاب الجهاد [فصل] 657 - يجوز للغانمين ذبح الحيوان من الغنيمة وكل لحمه. ولا ينتفعون بجلده، بل يردونه في المغنم. والفرق: أن اللحم طعامٌ، فجاز لهم أكله من الغنيمة، كغيره من الأطعمة. بخلاف الجلود، فإن الحاجة لا تدعو إليه، فلم يجز الانتفاع بها (¬1). فَصل 658 - إذا كان مع المجاهدين جوارح للصيد، لم يجز إطعامها من الغنيمة (¬2) بخلاف علف الدواب (¬3). والفرق: أن العلف تدعو إليه الحاجة لدفع العدو، كأكل المجاهدين (¬4). بخلاف الجوارح، فإنَّه لا حاجة إليها (¬5). ¬
659 - يجوز [لآحاد] المجاهدين القتال بما في الغنيمة من سلاح
فصل 659 - يجوز [لآحاد] (¬1) المجاهدين القتال بما في الغنيمة من سلاح. ولا يجوز له المقاتلة على فرس الغنيمة؛ لأنها تعطب بالقتال. بخلاف السلاح (¬2). فَصل 660 - لا يجوز أن يقتصر في تفرقة الخمس على أحد أصنافه. بخلاف الزكاة. والفرق: أن الخمس أعم، بدليل: جواز تفرقته في غير جهة مغزاه، وإن كان بينهما فوق مسافة القصر. بخلاف الزكاة، فافترقا (¬3). فَصل 661 - إذا قال الإمام: من دلنا على بلد كذا، فله الجارية الفلانية التي فيه، فدلهم إنسانٌ وفتح عنوةً، وقد أسلمت الجارية فله قيمتها. ولو هلكت (¬4) لم يستحق شيئًا. والفرق: أن حقَّه تعلق بعين الجارية فسقط بتلفها، كما يسقط حق المجني عليه إذا تلف العبد الجياني. ¬
662 - إذا دخل حربي بأمان دار الإسلام فمات، ورثه ورثته
بخلاف ما إذا أسلمت، فإن عينها باقيةٌ وإنما تعذر تسليمها، فلم يسقط حقه منها بإسلامها، واستحق قيمتها، كما لو أعتق السيد عبده الجياني، فإنَّه لا يسقط حق المجني عليه، كذا هنا (¬1). فَصل 662 - إذا دخل حربي (¬2) بأمان دار الإسلام (¬3) فمات، ورثه ورثته. ولو مات ذمي (¬4) بها لم يرثه وارثه بها من دار الحرب (¬5). والفرق: أن الذهبي من أهل دارنا تجري عليه أحكامنا، فالموالاة بينه وبين الحربيين منقطعة. بخلاف المستأمن (¬6)، ........................................... ¬
663 - إذا أعتق مسلم عبدا ذميا فلحق بدار الحرب، ثم سبي، لم يسترق
فإنَّه لا تجري عليه أحكامنا (¬1). فصل 663 - إذا أعتق مسلمٌ عبداً ذميًّا فلحق بدار الحرب، ثم سبي، لم يسترق (¬2). ولو كان المعتق ذميًّا، استرق (¬3). والفرق: أن في جواز استرقاقه إبطال حق معتقه من الولاء، والمسلم لا يجوز طرو الرق عليه، فلم يجز طرو الإبطال على ماله من الولاء (¬4). بخلاف الذهبي، فإنَّه يصح أن يطرأ عليه الرق، فجاز أن يطرأ الإبطال/ [76/أ] على ولائه (¬5). فَصل 664 - إذا غزا على فرس غصبه أسهم له، وكان لمالكه. ولو استأجر أو استعار فرسًا أسهم له، وكان لمستأجره ومستعيره، دون مالكه. والفرق: أن منفعة المغصوب لمالكه، فلذلك استحق ما في مقابلتها. ¬
665 - إذا أخذ حربي أمة مسلم وأولدها، ثم غنمها المسلمون، فجميعهم غنيمة، ولسيدها أخذها بغير عوض قبل القسمة
بخلاف المستعار والمستأجر، فإن منافعهما للغازي، دون المالك (¬1). فصل 665 - إذا أخذ حربيٌّ أمة مسلمٍ وأولدها، ثم غنمها المسلمون، فجميعهم غنيمة، ولسيدها أخذها بغير عوضٍ قبل القسمة (¬2). ولو أسلم الحربي قبل استيلادها لم يكن لسيدها أخذها بحالٍ، ولا للمسلمين أن يغنموا أولادها (¬3). والفرق: أن المسلمين حازوها في الأولى وهي أمةٌ لحربي، وأولادها أولاد حربي، فكانوا غنيمةً كأولاده من زوجته، ولسيدها أخذها قبل القسمة مجانًا (¬4)، لما نذكره إن شاء الله تعالى. بخلاف الثَّانية، فإنَّه بإسلامه استقرَّ ملكه عليها، فلم تنتزع منه. نص عليه. وأولاده مسلمون أحرارٌ، فلا يملكون بالقهر كغيرهم من المسلمين (¬5). فصل 666 - إذا حاصر الإمام حصنًا فنزلوا على حكم إنسانٍ فحكم بقتلهم، وسبي ذراريهم، فللإمام أن يمن عليهم بترك ذلك (¬6). ¬
667 - يكره بيع أرض العشر من أهل الذمة
ولو أراد أن يمنَّ على سبي الغنيمة لم يجز (¬1). والفرق: أن الغنيمة استقر ملك الغانمين عليها (¬2). بخلاف من حكم الحاكم عليه بذلك، فإنَّه لا يستقر ملك الجيش عليهم، فافترقا (¬3). فَصل 667 - يكره بيع أرض العشر (¬4) من أهل الذمة. ولا يكره من بني تغلب (¬5) (¬6). والفرق: أنَّه لا زكاة على الذهبي، فتملكه إياها يفضي إلى إسقاط الزكاة (¬7). بخلاف التغلبيين، فإنهم تأخذ منهم الزكاة (¬8). ¬
668 - يجوز إسقاط الخراج عن من وجب عليه
فَصل 668 - يجوز إسقاط الخراج (¬1) عن من وجب عليه (¬2). ولا يجوز ذلك في الزكاة (¬3). والفرق: أنها عبادةٌ فلا يجوز إسقاطها، كغيرها من العبادات. والخراج أجرةٌ، فصح إسقاطه (¬4). فَصل 669 - إذا سألت حربية دخول دارنا واجراء أحكامنا عليها، وتصير ذميةً بغير جزيةٍ جاز. فإذا عقد، مُنع سبيها واسترقاقها. ¬
670 - ولو أخذ الإمام الجزية من المرأة، وكانت معتقدة أنها تجب عليها وجب ردها
فإن (¬1) بذلت الجزية، وقالت: أختار أداءها قبلت منها وكانت هبةً باسم الجزية، تلزم بالقبض، لا بالبذل، فإن منعتها لم تجبر (¬2). ولو بذل الفقير المحترف عقد الذمة، وتكون جزيته أكثر من اثني عشر درهماً (¬3) لزم العقد. والفرق: أن الرجل من أهل الجزية، فإذا عقد الذمة لزمه ما تناوله العقد وإن لم يجب قبله، كمن اشترى ما يساوي مائةً بألفٍ، فإنَّه يلزمه بالعقد، وإن كان غير واجب قبله. بخلاف المرأة، فإنَّها ليست من أهل الجزية، فلم يلزمها البذل، كما لو بذلها الطفل (¬4). فَصل 670 - ولو أخذ الإمام الجزية من المرأة، وكانت معتقدةً أنها تجب عليها/ [76/ب] وجب ردها. بخلاف ما إذا لم تعتقد ذلك (¬5). والفرق: أنها إذا لم تعتقد وجوبها كانت هبةً تلزم بالقبض. ¬
671 - إذا اتجرت ذمية أو حربية إلى دار الإسلام، لم يؤخذ منها العشر
وأمَّا إذا اعتقدته فلا وجه لأخذها؛ لأنها ليست جزية، لعدم وجوبها على المرأة، ولا هبةً؛ لأنها لم تنوها ذلك، فوجب ردها عليها (¬1). فَصل 671 - إذا اتجرت ذمية أو حربيةٌ إلى دار الإسلام، لم يؤخذ منها العشر. [ولو كان مكانها رجل من أهل الجزية، أخذ منه العشر من تجارته (¬2). والفرق بينهما: أن المرأة تقر في دار الإسلام بغير جزية، فلذلك لم يؤخذ منها العشر] (¬3) بخلاف الرجل (¬4). قلت: هكذا ذكر السامري هذا الفصل، وفيه نظرٌ من وجهين: أحدهما: أنَّه أطلق القول: بأن المرأة لا شيء عليها، والصحيح أن المذهب: أنَّه لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك. وقال القاضي: إن اتجرت إلى الحجاز أخذ منها، دون غيره (¬5). وقد فرق المصنف به بينها وبين الرجل في الفصل الآتي، لكن إطلاقه في هذا الفصل تسامحٌ. الثَّاني: أنَّه جعل على تجر (¬6) الذمي وهو من أهل الجزية العشر، وهو ¬
672 - إذا اتجرت الذمية أو الحربية إلى الحجاز أخذ منهما العشر من تجارتهما
خطأ؛ لأنَّ الذمي لا يجب عليه أكثر من نصف العشر، وأمَّا الذي يؤخذ منه العشر فهو الحربي (¬1)، وهو من غير أهل الجزية. فَصل 672 - إذا اتجرت الذمية أو الحربية إلى الحجاز أخذ منهما العشر من تجارتهما. بخلاف ما لو اتجرا إلى غير الحجاز من دار الإسلام (¬2). والفرق: أنها ممنوعةٌ من المقام في الحجاز كالرجل، فأخذ منها العشر. بخلاف غيره، فإنَّها لا تمنع من المقام به، فافترقا (¬3). قلت: وقد نبهنا على الخلل في إطلاقه القول بوجوب العشر فيما تقدم (¬4). فَصل 673 - الجزية عوضٌ عن حقن دمائهم وسكناهم دارنا، فهي كالإجارة، غير أن الإجارة يجوز استعجال عوضها (¬5). ولا يجوز أخذ الجزية حتَّى تمضي سنة (¬6). ¬
674 - إذا خيف من المستأمن خيانة نبذ إليه عهده، ورد إلى مأمنه
والفرق: أن المنفعة في الإجارة تتعجل للعاقد بإجارةٍ وإعارةِ؛ لأنَّه إذا تسلم العين ملك ذلك فيها. بخلاف العوض في الجزية، فإنَّه لا يتعجل للذمي، بل يستوفيه يومًا فيومًا، ولا يملك نقله إلى غيره، فصار كالمضاربة لما كانت (¬1) منفعة العامل لا تتعجل لرب المال، لم يجز أن يتعجل العوض (¬2). فَصل 674 - إذا خيف من المستأمن خيانةً نبذ إليه عهده، ورد إلى مأمنه (¬3). ولو خيف من الذمي، لم ينتقض عهده (¬4). والفرق: أن الأوَّل لم يلتزم إجراء أحكامنا عليه، فجاز ذلك، لنعاقبه على خيانته. بخلاف الذمي، فإنه التزم ذلك، فإذا خان فعل به ما يقتضيه حكم الشرع (¬5). فَصل 675 - وكذا إن هادن قومًا وخاف خيانتهم. بخلاف الذمي (¬6). ¬
676 - إذا دخل حربي إلينا بأمان مدة فانقضت، واختار المقام، وامتنع من الجزية، فهو على أمانه حتى يبلغ مأمنه
والفرق: أن عقد الذمة حقٌ للذمي، فلم يجز نقضه. بخلاف عقد الهدنة، فإنَّه حقٌ للإمام، فجاز له نقضه لخوف الخيانة (¬1) فَصل [77/ أ] 676 - إذا دخل حربيٌّ إلينا بأمانٍ مدةً فانقضت، واختار المقام، وامتنع من الجزية، فهو على أمانه حتَّى يبلغ مأمنه (¬2). [ولو فعل الذمي ما يوجب نقض عهده، فالإمام مخير فيه: بين القتل، والاسترقاق (¬3)، ولا يرد إلى مأمنه] (¬4). والفرق: أن الذمي إذا انتقض عهده عاد كما كان، فكأنه وجد لصٌ في دار الإسلام من دار الحرب، فلا أمان له (¬5). بخلاف المستأمن فهو إنَّما دخل إلينا بأمان، وهو غير مفرط بانقضاء مدته، فوجب ردُّه إلى مأمنه وفاء بالأمان (¬6)، فافترقا. ¬
677 - إذا نقض الذمي عهده بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - تعين قتله
قلت: فصل 677 - إذا نقض الذمي عهده بسب النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - تعين قتله (¬1). وإن نقضه بغيره خُيِّر الإمام فيه، كالأسير. عند القاضي (¬2). والفرق: ما روى علي - رضي الله عنه -: (أن يهوديةً كانت تشتم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وتقع فيه، فخنقها رجلٌ حتَّى ماتت، فأبطل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دمها) رواه أبو داود (¬3). وما روى ابن عباس: (أن أعمى (¬4) كانت له أم ولد تشتم النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - فينهاها، فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلةٍ جعلت تقع في النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وتشتمه، فأخذ المغول (¬5) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فأهدر النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - دمها) رواه أبو داود (¬6)، وغيره. واحتج إمامنا - رضي الله عنه - على ذلك، في رواية ابنه (¬7) عبد الله (¬8). ¬
678 - إذا غلب الكفار على أموال المسلمين فأخذوها، ثم غلبهم المسلمون فأخذوها منهم قهرا قبل إسلامهم، فمن وجد عين ماله قبل القسمة أخذه مجانا، وبعدها بالقيمة في إحدى الروايتين
بخلاف غيره من النواقض، فإنَّه لم يرد فيه مثل ذلك، فبقي كمن لم يعقد له عقدٌ من الأسرى، فيخير الإمام فيه. فَصل 678 - إذا غلب الكفار على أموال المسلمين فأخذوها، ثم غلبهم المسلمون فأخذوها منهم قهرًا قبل إسلامهم، فمن وجد عين ماله قبل القسمة أخذه مجانًا، وبعدها بالقيمة. في إحدى الروايتين (¬1). والفرق: أن عين ماله أخذ منه بالقهر والتعدي، فإذا استنقذ من الظالم وجب رده إلى مالكه مجانًا، كما لو استولى عليه مسلمٌ. هذا إذا لم يقسم. أما إذا قسم فإنا لو قلنا: يأخذه ربه مجانًا لأضررنا بمن وقع في حصته، وفوتنا عليه حقه، وذلك لا يجوز، فأوجبنا عليه القيمة ليصل إلى حقه، وتسلم العين لمالكها (¬2). قلت: وأصل هذا أن الكفار يملكون مال المسلمين بالاستيلاء والقهر، فإذا استولى المسلمون عليهم ملكوا ما استولوا عليه عنهم، لا عن المسلم الذي قهره الكفار واستولوا على ماله، فقبل القسمة لا يتأكد حق الغانمين فيه، لاحتمال أن يمنَّ الإمام ويرد عليهم أموالهم، فيأخذه مالكه إذا مجانًا. وبعد القسمة يؤمن ذلك ويتعين/ حق كلٍ منهم في نصيبه، فليس لمالكه [77/ب] الأوَّل أخذه إلَّا بقيمته. ¬
679 - إذا أسلم حربي وفي يده شيء مما غنمه من مال المسلمين، لم يكن لربه المسلم أخذه
وملك الكفار بالاستيلاء هو الصَّحيح من المذهب (¬1). وقد نص أبو الخطاب في الانتصار (¬2): أن الكفار لا يملكون مال مسلمٍ بالقهر، وأنَّه يأخذه بغير شيءٍ حتَّى مقسومًا، ومن العدو إذا أسلم (¬3). قال أبو البركات (¬4): وهذا مخالف لنصوص الإمام أحمد - رضي الله عنه -. ونص شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية - رضي الله عنه - في بعض كتبه: أن الكفار يملكون بالقهر (¬5)، وذكر: قول النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة (¬6) - حين قيل له: أين تنزل غدًا؟ -: (وهل ترك لنا عقيل من دارٍ) (¬7) على أنهم استولوا على ملك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته (¬8). وهذا حسنٌ مع غرابته. والله أعلم. فَصل 679 - إذا أسلم حربيٌّ وفي يده شيءٌ مما غنمه من مال المسلمين، لم يكن لربه المسلم أخذه (¬9). ¬
680 - لا يسهم للعبد وإن قاتل بإذن مولاه
ولو اشتراه مسلم من أهل الحرب، أخذه مالكه منه بثمنه (¬1). والفرق: أن الحربي لم يلتزم نصرة المسلمين ولا الذب عنهم وعن أموالهم، فلم يلزمه أخذه ونقله إلى دار الإسلام، فهو كما لو كان في دار الحرب. بخلاف المسلم، فإنَّه ملتزمٌ ذلك، فالظاهر أنَّه استنقذه لمالكه، فلزمه دفعه إليه بثمنه لذلك (¬2). فَصل 680 - لا يسهم للعبد وإن قاتل بإذن مولاه (¬3). ويسهم للحر (¬4). والفرق: أن خدمة العبد لمولاه، فعمله واقع له، فكأن المولى قاتل بنفسه زيادة قتال، وذلك لا يوجب زيادةً في سهمه. بخلاف الحر، فإن عمله يقع له (¬5). فَصل 681 - لا يشترط أن يكون بناء الذمي مغايرًا لبناء أهل البلد في القِصَر، بل لجيرانه (¬6). ¬
ويشترط مغايرة لباسه للباس جميع المسلمين بالغيار المشروع (¬1). والفرق: أن البناء لازمٌ مكانًا واحدًا، فيشترط مغايرة المسلمين الساكنين إلى جانبه. بخلاف اللباس، فإنَّه يحتاج أن يباين ثياب المسلمين؛ لأنَّه يتصرف في البلد مع أهله فاحتاج إلى ذلك، ليتميز عن المسلمين (¬2). والله أعلم. ¬
كتاب الصيد والذبائح
كتاب الصيد والذبائح [فصل] 682 - إذا أكل الكلب أو الفهد من الصيد حرم. ولو أكل الصقر أو البازي (¬1) لم يحرم (¬2). والفرق: أن جارح الطير يُعلَّم بالأكل، فلم يحرم. والسباع تُعلَّم بترك الأكل، فحرم ما أكل منه (¬3). فَصل 683 - إذا سمى على سهم أو إرسال جارح إلى صيدٍ، فأصاب غيره فقتله، أبيح أكله (¬4). ولو أضجع شاة ليذبحها فسمى، ثم بدا له ذبح غيرها، لم تجزئه التّسمية الأولى (¬5). والفرق: أن التّسمية على الثَّانية ممكنةٌ. ¬
684 - إذا رمى طائرا فجرحه وسقط ميتا، حل
بخلاف التسمية على الصيد، فإن تعيين الصيد بالتسمية غير ممكن، وما تعذر سقط في الصيد، كقطع الحلقوم (¬1). فَصل 684 - إذا رمى طائرًا فجرحه وسقط ميتًا، حلَّ (¬2). [78/أ] وإن وقع في ماءٍ أو على شجرة ثم تردَّى / على الأرض، ولم تدرك تذكيته، ولم تكن جراحته موحية (¬3)، لم يحل (¬4). والفرق: أن سقوطه على الأرض من موجب الرمية لأ [نَّه] (¬5) يستحيل بقاؤه في الهواء ميتًا، فهو كما لو كان على الأرض ومات بالسهم. بخلاف الثَّانية، فإن وقوعه في الماء ونحوه ليس من موجب الرمية، فيحتمل أن التلف به، فقد حصل مبيح ومحرِّم فحرم، كما لو شارك فيه مجوسيٌ (¬6). فَصل 685 - إذا نسي التّسمية على الذبيحة، حل أكلها (¬7) ¬
686 - إذا أرسل كلبه ولم يسم، ثم صاح وسمى، فزاد عدوه، ثم قتل صيدا، لم يحل
ولو سمى على الذبيحة ثم ذبح أخرى، ولم يسمِّ ظنًا منه إجزاء الأولى، لم يحل (¬1). والفرق: أن الظن يخالف النسيان، بدليل: صحة صوم الآكل ناسيًا، دون الآكل جاهلًا (¬2). قلت: قد صحح أبو الخطَّاب (¬3): صوم الآكل جاهلًا، والله أعلم. فَصل 686 - إذا أرسل كلبه ولم يسم، ثم صاح وسمَّى، فزاد عدوه، ثم قتل صيدًا، لم يحل (¬4). ولو استرسل الكلب بنفسه، فصاح به وسمَّى، فزاد عدوه بصياحه، ثم قتل صيدًا، حلَّ (¬5). والفرق: أن الحظر تعلق بالإرسال في الأولى فلا يزول بما بعده، كما لو زجره بعد إنشاب مخاليبه. ¬
687 - إذا سمى بغير العربية من يحسنها، أجزأه
بخلاف الثَّانية، فإن استرساله لا يتعلق به حكمٌ، فصياحه إرسالٌ، فأبيح (¬1). فَصل 687 - إذا سمَّى بغير العربية من يحسنها، أجزأه (¬2). ولو أحرم بالتكبير بغير العربية من يحسنها، لم يجزئه (¬3). والفرق: أن المقصود في الأولى ذكر الله - عز وجل -، ليقع الفرق بين ما أهل به لله، وبين ما أهل به لغير الله، وهذا حاصل بكلِّ اللغات. بخلاف تكبير الصَّلاة، فإن المقصود لفظه، فلم يصح بغيره (¬4). فَصل 688 - إذا قطع عضوًا من سعيد البر وأفلت (¬5)، لم يبح أكل العضو. ولو كان من صيد البحر، أبيح (¬6). والفرق: أن البائن من البري ميتة، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أبين من حيِّ كميتة) (¬7). ¬
689 - إذا رمى صيدا فعقره ولم يثبته، ثم رماه آخر فقتله، أبيح
والبائن من البحري حلالٌ، بدليل: قوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا ميتتان - فذكر - الجراد والسمك - منهما -) رواه الإمام أحمد (¬2)، فلهذا لم يحرم ما أبين منه. فَصل 689 - إذا رمى صيدًا فعقره (¬3) ولم يثبته (¬4)، ثم رماه آخر فقتله، أبيح (¬5). ¬
690 - إذا رمى رجلان صيدا فأصاباه ومات، فادعى كل منهما السبق بالرمي وإثباته، لم يحل
ولو أثبته ثم قتله آخر [لم يبح] (¬1)، فيضمنه مجروحًا على من قتله (¬2). والفرق: أنَّه إذا لم يثبته الأوَّل بقي على امتناعه ويباح صيده، كما لو لم يصب، فلذلك أبيح بقتل الثَّاني. بخلاف الثَّانية، فإنَّه بإثباته ملكه، فإذا قتله برميه لم يحل أكله، واستحق مثبته قيمته مجروحًا، كما لو قتل غير الصيد من ماله، فإنَّه يضمن قيمته، فكذا هنا (¬3). فصل 690 - إذا رمى رجلان صيدًا فأصاباه ومات، فادعى كلٌّ منهما السبق بالرمي وإثباته، لم يحل. [78/ب] ولو ادعى أحدهما أنه سبق فأثبته، وقال الآخر/: بل كان ممتنعًا بعد إصابتك فرميته، فقتلته، حلَّ. والفرق: أنهما في الأولى اتفقا على تحريمه، حيث ادعى كل واحدٍ منهما إثباته، ورمي صاحبه له في غير مذبحه، فقتله مع إمكان تذكيته في محلها، فلهذا لم يحل. بخلاف الثَّانية، فإن أحدهما مدعي الإصابة، وإثبات الصيد بذلك، وأنكر الآخر وادعى امتناعه بعد الرمي، فكان القول قول الثَّاني؛ لأنَّ الأصل امتناع الصيد، وكان القول قول مدعيه، فافترقا (¬4). ¬
كتاب الإيمان
كتاب الإيمان [فصل] 691 - إذا حلف بالله تعالى على شيءٍ، فقال له آخر: أنا على مثل ذلك وما أشبه هذا، يريد التزام مثل يمينه، لم تنعقد. ولو كانت اليمين طلاقًا أو عتاقًا، انعقدت (¬1). والفرق: أن الأولى كنايةٌ عن اليمين، واليمين بالله لا تنعقد بالكنايات؛ لأ [نها] (¬2) تنعقد بلفظ له حرمةٌ [ولم يوجد، فلم تنعقد. بخلاف الثَّانية؛ لأنَّ الطلاق والعتاق ينعقدان بالكنايات مع النيَّة (¬3). فَصل 692 - إذا قال رجل: عليَّ عتق رقبةٍ إن دخلت هذه الدار، فقال آخر: عليَّ مثل يمينك إن دخلتُها، لزم الثَّاني مثل ما لزم الأوَّل. ولو قال: عبدي حرٌ إن دخلت هذه الدار، فقال آخر: عليَّ مثله إن دخلتُها، فدخلها الثَّاني. قال السامري: لا أعرف فيه روايةً، وقياس المذهب عندي: أنَّه لا يعتق عبد الثَّاني. ¬
693 - إذا حلف بطلاق أو عتاق، فقال له آخر: يميني في يمينك ونحوه، انعقد
والفرق: أنَّه في الأولى أوجب في ذمته عتق عبد غير معين، والعتق مما يلزم بالنذر، والثاني أوجب مثل ما أوجبه الأوَّل فلزمه] (¬1). بخلاف الثَّانية؛ لأنَّ الأوَّل أعتق عبده عند دخولها، ولم يوجب عتقًا في ذمته، وكذلك لو اشترى عبداً غير ذلك فأعتقه لم يَبَرْ، ولو قلنا: يلزم الثَّاني ليَبَر: أن يشتري عبداً ويعتقه لم يكن الثَّاني مثل الأوَّل، فلهذا لم يلزمه شيءٌ (¬2). قلت؛ قال الوالد: هذه المسألة نقلها السامري من فروق الكرابيسي (¬3) الحنفي، ومن أصلهم: صحة نذر اللجاج (¬4) والغضب (¬5)، ولزومه عند وجود شرطه (¬6). ومذهبنا خلاف ذلك، وهو: أنَّه مخيَّر عند وجود الشرط: بين فعل ما نذره، وبين كفارة يمين (¬7)، فلا يستقيم ما ذكره على أصولنا. فَصل 693 - إذا حلف بطلاقٍ أو عتاقٍ، فقال له آخر: يميني في يمينك ونحوه، انعقد (¬8). ¬
694 - إذا حلف: ليخرجن من هذه الدار، لم يبر حتى يخرج أهله ومتاعه
وإن لم يكن الأوَّل قد حلف، فنوى الثَّاني ما سيحلف به، لم ينعقد (¬1). والفرق: أنَّه إذا حلف الأول فقد وجد ما يكني عنه الثَّاني. [بخلاف ما إذا لم يكن قد حلف الأول، فإنَّه لم يجد ما يكني عنه الثاني] (¬2)، فافترقا (¬3). فَصل 694 - إذا حلف: ليخرجنَّ من هذه الدار، لم يبرَّ حتَّى يخرج أهله ومتاعه. ولو حلف: ليخرجن من البلد، برَّ بخروج بدنه، دون أهله ومتاعه. والفرق: أن الدار لا يقصد أن يخرج منها بنفسه؛ لأنَّه يخرج منها في كل يومٍ مرارًا، فيحمل حلفه على الخروج منها بنفسه وأهله وماله. بخلاف البلد، فإن العادة أن الإنسان لا يخرج من البلد كل يوم، فلذلك برَّ بخروج نفسه فقط (¬4). فَصل 695 - إذا حلف لا يكل هذا البشر، فصار تمرًا أو دبسًا أو خلًا، فأكله حنث، إلَّا أن ينوي ما دام بسرًا. نص عليه. ولو حلف لا يكل هذه البيضة، فصارت فرحًا، أو هذه الحنطة فصارت زرعًا فأكله، لم يحنث (¬5). ذكره في المجرد. ¬
696 - إذا قال لعبده: أن بعتك فأنت حر، فباعه، عتق عقيب قبول المشتري
[79/أ] والفرق: أن الأجزاء التي حلف عليها باقيةٌ وإن تغير اسمها ووصفها، / بدليل: ما لو حلف لا يأكل من لحم هذا الحمل فصار كبشًا، فأكل منه، فإنَّه يحنث، فكذا هنا. بخلاف البيضة والحنطة، فإن الأجزاء المحذوف عليها انقلبت وتغيرت أعيانًا أخرى، فصار كما لو حلف لا يأكل هذا الدقيق، فعلف به شاةً فسمنت، ثم أكل لحمها، أو شرب لبنها فإنَّه لا يحنث، كذا هنا، فظهر الفرق (¬1). فَصل 696 - إذا قال لعبده: أن بعتك فأنت حر، فباعه، عتق عقيب قبول المشتري (¬2). ولو قال لعبده: أن دخلت الدار فأنت حر، فباعه، ثم دخل لم يعتق (¬3). والفرق: أنَّه في الأولى علق عتقه بصفةٍ تزيل الملك، فوجب أن يعتق بوجودها، كما لو قال: أنت حر بعد موتي (¬4). بخلاف دخول الدار؛ لأنها صفةٌ لا تزيل الملك، فلهذا اعتبرت في الملك (¬5). ¬
697 - إذا قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، فباعه، لم يعتق بالإيجاب، بل بقبول المشتري
فَصل 697 - إذا قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، فباعه، لم يعتق بالإيجاب، بل بقبول المشتري (¬1). ولو قال: إن وهبتك فأنت حر، فوهبه، عتق بالإيجاب، سواء قبل الموهوب له، أو لم يقبل، ذكرهما القاضي في المجرد (¬2). والفرق: أن المقصود في الهبة جهة الواهب؛ لأنَّ الموهوب له ليس من جهته ما يقصد. بخلاف البيع، فإن كلًا من المتبايعين في جهته شيءٌ مقصودٌ (¬3). فَصل 698 - إذا قال: أول من يدخل الدار من عبيدي فهو حر، فدخلها اثنان معًا، ثم ثالث وحده، لم يعتق أحدٌ منهم (¬4). ولو قال: أول من يدخل من عبيدي وحده حر، فدخلوها كذلك، عتق الثالث وحده (¬5). والفرق: أنَّه في الأولى لا أول فيهم، فلم يعتق واحدٌ منهم. وفي الثَّانية لا أول في الاثنين الأولين، والثالث أول من دخلها وحده، فعتق (¬6). ¬
699 - إذا حلف لا يسكن دارا وهو ساكنها، ولا نية له ولا سبب ليمينه، فلم يخرج في الحال مع إمكانه، حنث
قلت: وقال الوالد: هذا الذي ذكره في الأولى قول القاضي (¬1)، ومذهب أبي حنيفة (¬2). وذكر صاحب المغني في كتاب الطلاق (¬3): ما يقتضي أن يعتق الداخلان أولاً، وذكر في كتاب العتق (¬4): ما يقتضي إخراج المعتق منهما بالقرعة. قال: وهو قياس قول الإمام أحمد - رضي الله عنه -، ثم على ما ذكره في الطلاق مذهبًا احتمالٌ. فَصل 699 - إذا حلف لا يسكن دارًا وهو ساكنها، ولا نيَّة له ولا سبب ليمينه، فلم يخرج في الحال مع إمكانه، حنث (¬5). ولو حلف لا يدخل دارًا وهو داخلها، ولا نيَّة له ولا سبب، فاستدام المقام مع قدرته على الخروج، لم يحنث. اختارها أبو الخطاب (¬6). والفرق: أن الدخول عبارةٌ عن الانفصال من خارجٍ إلى داخلٍ، فالمقام بها غيره، فلم يوجد ما نفاه بعقد يمينه. بخلاف السكنى، فإن البقاء عليها سكنى، فقد وجد المنفي بالعقد (¬7). ¬
700 - إذا قال: أي غلماني بشرني بكذا فهو حر، فبشره واحد ثم آخر عتق الأول وحده
فصل 700 - إذا قال: أي غلماني بشَّرني بكذا فهو حر، فبشَّره واحد ثم آخر عتق الأول وحده. ولو قال: أخبرني، مكان بشَّرني، عتقًا (¬1). والفرق: أن البشارة اسم للخبر السَّار، فانصرف إلى الذي يقع به الاستبشار، وهذا المعنى إنَّما يحصل بالأول دون الثَّاني، فلذلك عتق وحده. بخلاف الإخبار، فإن كلًا منهما مخبرٌ، فلذلك عتقا (¬2). فَصل 701 - إذا قال: إن قتلت فلانًا يوم الجمعة فعبدي حر، فضربه يوم الخميس، فمات يوم الجمعة من ضربته. قال السامري: لا أعرف فيه روايةً، وقياس المذهب عندي: يحنث. ولو كان الضرب قبل اليمين يوم الخميس، فمات بها يوم الجمعة، لم يحنث. والفرق: أن المنفي بيمينه إحداث ما يصير به قاتلًا يوم الجمعة، فإذا ضربه بعد اليمين فقد وجد ما نفاه بيمينه فحنث. ¬
702 - إذا حلف: لا كلمت زيدا وعمرا، فكلم أحدهما، لم يحنث
بخلاف الثَّانية، فإنَّه لم يحدث به [بعد] (¬1) اليمين ضربًا، فلا يحنث (¬2). قلت: وفي المسألة الأولى روايتان (¬3). إحداهما: لا يحنث، والأخرى: يحنث. قال في المغني (¬4): ويحتمل أن لا يحنث حتَّى يوجد الجرح والموت جميعاً يوم الجمعة. والله أعلم. فَصل 702 - إذا حلف: لا كلمت زيدًا وعمرًا، فكلَّم أحدهما، لم يحنث. ولو قال: ولا عمرًا، حنث. والفرق: أن اليمين في الأولى على الجميع، فلم يحنث بكلام أحدهما، كما لو قال: لا أكلت خبزًا ولبنًا، فأكل أحدهما. بخلاف الثَّانية، فإن كل واحدٍ محلوفٌ عليه مفردًا، فيحنث بكلامه (¬5). فَصل 703 - إذا حلف: لا كلمته يومًا ويومين، فكلمه في الثالث، حنث. ولو قال: ولا يومين، [لم يـ]ـحنث. والفرق: أنَّه في الأولى عطف بحرف الجمع، فكأنه قال: لا كلمته ثلاثة أيَّام. بخلاف الثَّانية، فإنَّه لم يعطف، وإنما أعاد حرف النفي فصار كلٌ منهما ¬
704 - إذا حلف بالله وقال: استثنيت بقلبي، لم يقبل إلا أن يكون مظلوما
منفردًا، فكأنهما يمينان، ومدة النَّهي من حين العقد، والنهي والعقد إن وجدا وقتًا واحدًا فتنقضي المدة بمضي اليوم الثَّاني، فلذلك لم يحنث (¬1). فَصل 704 - إذا حلف بالله وقال: استثنيت بقلبي، لم يقبل إلَّا أن يكون مظلومًا (¬2). ولو قال: أنت طالق وقال: نويت إن دخلت الدار، دُيِّن في الباطن، وفي الحكم روايتان (¬3). والفرق: أنَّه في الأولى يريد رفع يمينه رأسًا، فلم يقبل، كالنسخ. بخلاف الثَّانية، فإنَّه لم يرفعها بالكلية، بل خصصها، فجاز بغير [نطق (¬4)] كتخصيص العموم بالقياس المستنبط من المنطق (¬5) (¬6). فَصل 705 - إذا حلف لا يأكل طعامًا اشتراه زيدٌ، فأكل طعامًا اشتراه زيد وعمرو، ففي حنثه روايتان (¬7). ¬
706 - ذكر القاضي في كتاب إبطال الحيل: إذا حلف لا أكلت شيئا أبدا، ونوى اللحم، فله نيته
ولو أكل من طعامٍ اشتراه زيد، واختلط بما اشتراه عمرو [فأكل] (¬1) أكثر مما اشترى عمرو حنث. رواية واحدة (¬2). [80/أ] والفرق: أنهما إذا اشتركا في شرائه لم يتحقق في جزءٍ / من أجزائه شراء زيدٍ، فلم يتحقق شرط حنثه، فلم يحنث. بخلاف الثَّانية، فإنه قد أكل مما اشتراه زيد حقيقةً فحنث (¬3). والله أعلم. فَصل 706 - ذكر القاضي في كتاب إبطال الحيل: إذا حلف لا أكلت شيئًا أبداً، ونوى اللحم، فله نيته. ولو حلف لا أكلت، ونوى اللحم، لم تنفعه نيته، وحنث بأي طعام أكل. وفرق: بأن لا أكلت شيئًا عامٌ، فأي طعامٍ نواه صدق فيه؛ لأنَّه يدعي تخصيص ما في لفظه، وقد أومأ إليه إمامنا - رضي الله عنه - في رواية إسحاق بن ¬
707 - إذا حلف لا يدخل دارا، فدخل فضاء كان دارا، لم يحنث
إبراهيم (¬1). إذا قال: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ونوى تلك الساعة، صدق بذلك. بخلاف الثَّانية، فإنَّه ادعى تخصيص ما ليس في لفظه؛ لأنَّ الذي في لفظه الأكل مطلقاً، وليس في لفظه طعامٌ دون طعامٍ، فأي طعامٍ أكله فقد تناولته يمينه، فلذلك حنث (¬2). فَصل 707 - إذا حلف لا يدخل دارًا، فدخل فضاءً كان دارًا، لم يحنث (¬3). ولو عيَّن الدار، فدخلها وقد صارت فضاءً، حنث (¬4). والفرق: أن الفضاء ليس دارًا عرفًا، فلم يحنث (¬5). وفي الثَّانية تعلق الحلف بعين الدار، وعرصتها (¬6) منها، فحنث بدخولها، كما لو دخل دهليزها (¬7) (¬8)، فظهر الفرق. فَصل 708 - قد ذكرنا (¬9): أنَّه يحنث بدخول عرصة دارٍ حلف لا يدخلها. ¬
709 - إذا حلف: لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك، فهرب، لم يحنث
فلو حلف: لا يدخل خيمةً فقلعت، ودخل مكانها، لم يحنث. ذكره أبو الوفاء (¬1) - رحمه الله -. والفرق: أن الدار لعرصتها وبنائها، فحنث بدخول عرصتها. بخلاف الخيمة، فإنَّها اسم لذلك الظلة، وليست العرصة من جملتها، فلذلك لم يحنث بدخولها (¬2). فَصل 709 - إذا حلف: لا فارقتك حتَّى أستوفي حقي منك، فهرب، لم يحنث (¬3). ولو قال: لا افترقنا، حنث (¬4). والفرق: أنَّه في الأولى حلف على فعل نفسه، وهو لم يفارقه (¬5). بخلاف الثَّانية، فإنَّه حلف على الفرقة، وبهرب المدين حصلت، فحنث (¬6). فَصل 710 - إذا حلف لا يأكل شعيرًا، فأكل حنطةً فيها حبات شعيرٍ، حنث (¬7). ¬
ولو حلف لا يشتري حنطةً، فاشترى حنطةً فيها حبات شعيرٍ، لم يحنث (¬1). قال: (¬2) في قياس المذهب عندي، ولا أعرف فيها روايةً. والفرق: أنَّه في الأولى نفى بيمينه الأكل، والأكل فعلٌ، والفعل يكون بعضه تبعًا لبعضٍ، فكل حبةٍ من المأكول تقصد بالأكل، فقد وجد ما نفاه بعقد يمينه. بخلاف الشراء، فإن القصد باليمين أن لا يعقد عليه، وهو لم يقصد العقد عليه، وإنَّما دخل تبعًا، فلم يحنث به، كما لو حلف لا يشتري مسامير فاشترى باباً فيه مسامير، فإنَّه لا يحنث، كذا هنا (¬3). قلت: قال شيخنا الوالد في قوله: والفعل يكون بعضه تبعًا لبعضٍ/ [80/ب] نظر. وصوابه: لا يكون بعضه تبعًا لبعض، بدليل: إن إنساناً لو قتل رجلين، أو أكل شيئين فإن أحدهما لا يكون تبعًا للآخر، بل الفعل في كل واحدٍ منهما حقيقةٌ؛ لأنَّ الفعل لا يحتمل المجاز، وشرط حنثه قصده بالأكل، وكل حبةٍ مقصودةٌ بالأكل. هكذا في كتاب الكرابيسي (¬4)، ومنه نقل المصنف هذه المسألة، فتأمله تجده عين الصواب، إذ لو جعل الفعل بعضه يتبع بعضًا لما حنث في الصورة المذكورة؛ لأنَّ ذلك يقتضي أن يكون أكله للشعير المحذوف على نفي أكله تبعًا لأكل الحنطة الذي لم يحلف عليه في أنَّه لا يحنث بأكله، وهو عكس المقصود. ¬
711 - إذا حلف: لا كلمته أشهرا، حمل على ثلاثة، كقوله أياما
فَصل 711 - إذا حلف: لا كلمته أشهرًا، حمل على ثلاثةٍ، كقوله أيامًا (¬1). ولو حلف: لا كلمته شهورًا، حمل على اثني عشر. عند القاضي (¬2). والفرق: أن أشهرًا اسم لما دون العشرة، قال تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} (¬3)، وقال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (¬4)، فيحمل على أقل الجمع وهو ثلاثة. بخلاف شهور، فإنه يحمل على اثني عشر، كقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (¬5) (¬6). قلت: ولو قيل بأحد عشر كان وجهه: أن شهورًا جمع كثرة (¬7)، وهذا أولها، والله أعلم. فَصل 712 - إذا حلف بالله ليأكلن الخبز الذي في هذا السَّل ولا خبز فيه، أو ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه، لم تنعقد يمينه، سواء علم بهما أو لم يعلم. ¬
713 - إذا قال لأمته: إن أعطيتك كرى مقنعتك فأنت حرة، فأقرضها دراهم، فاشترت بها قطنا، وغزلته وباعته، وردت على مولاها قدر ما أعطاها، وصرفت الباقي في أجرة المقنعة، حنث نص عليه
ولو حلف بالله ليقتلن فلاناً، وهو يعلم أنَّه ميت حنث. ذكرهما القاضي (¬1). وفرَّق: بأن يمينه تنعقد على تلك الحياة المعهودة، وهي متوهمٌ عودها ووجودها. بخلاف الأولى، فإن ماء الكوز وخبز السَّل غير موجودين، فإن أوجد الله تعالى فيهما شيئًا فيما بعد فليس هو المحلوف عليه، فلذلك لم تنعقد يمينه (¬2). فصل 713 - إذا قال لأمته: إن أعطيتك كرى مقنعتك فأنت حرة، فأقرضها دراهم، فاشترت بها قطنًا، وغزلته وباعته، وردت على مولاها قدر ما أعطاها، وصرفت الباقي في أجرة المقنعة، حنث. نص عليه. ولو قال لزوجته: إن أعطيتك كرى مقنعتك فأنت طالق، فأعطاها دراهم ففعلت كما فعلت الأمة، لم يحنث. والفرق: أن ما دفعه إلى أمته لم يخرج عن ملكه، فهو الدافع كرى المقنعة، فحنث. ¬
714 - إذا حلف لا يتصدق عليه، فوهبه، لم يحنث
وأمَّا الزوجة فتملك ما دفعه إليها، فهي المؤدية للأجرة، فافترقا (¬1). فَصل 714 - إذا حلف لا يتصدق عليه، فوهبه، لم يحنث. ولو كان بالعكس، حنث (¬2). والفرق: أن الصدقة هبةٌ لأنها متضمنةٌ معناها. [81/أ] وليست الهبة صدقة / لجواز قبولها لمن لا تحل له الصدقة، فاتضح الفرق (¬3). فَصل 715 - إذا حلف لا يأكل هذه التمرة فاختلطت بتمرٍ ولم تتميز، فأسقط منه تمرةً وأكل الباقي، لم يحنث (¬4). ولو حلف ليأكلن، حنث (¬5). والفرق: أنَّه في الأولى منع نفسه أكلها، وبعد الاختلاط والسقوط يحتمل بقاؤها وعدمها، والأصل براءة الذمة من الحنث، فلم يحنث (¬6). ¬
716 - إذا حلف لا يشرب ماء دجلة ولا نية له، فشرب منه، حنث
بخلاف الثَّانية، فإنَّه التزم أكلها، وبعد الاختلاط والسقوط لا يتحقق بقاؤها فلم تخرج من عهدة يمينه؛ لأنَّ الأصل عدم أكلها، فلا تبرأ ذمته إلَّا بيقين (¬1). فَصل 716 - إذا حلف لا يشرب ماء دجلة ولا نيَّة له، فشرب منه، حنث. ولو حلف: لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه ولا نيَّة له، لم يحنث. في إحدى الروايتين (¬2). والفرق: أن شربه لجميع ماء دجلة غير ممكنٍ، فانصرفت يمينه إلى الممكن منه وهو البعض، فحنث بشربه. بخلاف ماء الإناء فإن شرب جميعه ممكنٌ، فانصرفت يمينه إليه، فإذا لم يشربه جميعه لم يوجد شرط حنثه، فلم يحنث (¬3). فَصل 717 - إذا حلف لا باع ثوبه من فلانٍ بمائةٍ، فباعه بها أو بأقل منها، حنث. وإن باعه بأكثر، لم يحنث. والفرق: أن العرف يقتضي في هذا بأن المراد أن لا يبيعه بها ولا بأقل، لكونها دون القيمة، أو دون مراده، فتكون اليمين منصرفةً إلى ذلك دون البيع بأكثر، فإذا باعه بأكثر لم يوجد شرط حنثه، فلم يحنث (¬4). ¬
718 - إذا قال لزوجته: إن وهبتك شيئا فبعتيه فأنت طالق، فوهب لها شيئا فباعته، طلقت
فَصل 718 - إذا قال لزوجته: إن وهبتك شيئًا فبعتيه فأنت طالق، فوهب لها شيئًا فباعته، طلقت (¬1). ولو حلف: لا سرقت مني شيئًا فبعتيه، فسرقت وباعت، لم يحنث (¬2). والفرق: أنَّه إذا وهبها فباعت، فالبيع صحيح، فقد وجد شرط حنثه (¬3). بخلاف الثَّانية: فإنَّها إذا باعت ما سرقته لم يصح، فلم يوجد شرط الحنث، فلم يحنث (¬4) فافترقا. قلت: وحكى أصحابنا في هذه المسألة قولين، ورجح بعضهم الحنث بالعقد (¬5). فَصل 719 - إذا حلف لا يبيع فباع، فلم يقبل المشتري، لم يحنث. ¬
ولو حلف لا يهب فوهب، ولم يقبل المتَّهب، حنث (¬1). والفرق: أن المقصود في الهبة جهة الواهب، والمتهب ليس من جهته ما يقصد. وفي البيع المقصود من الجهتين، فافترقا. والله تعالى أعلم (¬2). ¬
كتاب النذر
كتاب النذر [فصل] 720 - إذا قال: لله عليَّ أن أصوم ثلاثين يومًا، لم يلزمه التتابع. رواية واحدة. ولو قال: عشرين أو خمسةً وعشرين أو أربعين، فهل يلزمه التتابع؟ فيه روايتان (¬1). [81/ب] والفرق: أنَّه إذا نذر صوم ثلاثين فالظاهر أنَّه أراد /التفرقة، وإلا لقال: شهرًا، فلما عدل عن ذكر الشهر إلى ذكر العدد، علم أنَّه أراد التفرقة دون التتابع (¬2). بخلاف الثَّانية، فإن العشرين وغيرها من الأعداد غير الثلاثين لم يرد الشرع بوجوب التتابع فيها، فلم يكن في ذكر الأيَّام دلالة على أنَّه لم يقصد التتابع (¬3). ¬
721 - إذا نذر أن يصوم كل اثنين أجزأه صوم الأثانين التي في شهر رمضان عنه وعن نذره، ولم يلزمه قضاؤها، ولا كفارة
فصل 721 - إذا نذر أن يصوم كل اثنين أجزأه صوم الأثانين التي في شهر رمضان عنه وعن نذره، ولم يلزمه قضاؤها، ولا كفارة (¬1). ولو وجبت عليه كفارة ظهارٍ قبل نذره صيام الأثانين أو بعده، لزمه صوم الأثانين عن الكفارة، دون النذر (¬2). والفرق: أن الأثانين التي في غير رمضان يصح صومه لها عن نذره، وإذا صح صومها عن نذره دخلت تحت نذره، فإذا لم يصمها عن نذره لزمه كفارة يمينٍ لمخالفة النذر، ويصومها عن الكفارة ليصح التتابع (¬3). بخلاف الأثانين التي في شهر رمضان، فإنه لا يصح صومها عن نذره، فلم تدخل تحت نذره، فلذلك لم يلزمه قضاؤها (¬4). قلت: قال الوالد: ينظر في قوله: فلم تدخل تحت نذره، مع قوله أول المسألة: أجزأه صوم التي في شهر رمضان عنه وعن نذره؛ لأنها إذا لم تدخل فإنما يصومها عن رمضان خاصةً، لا عن غيره، ففي القول بأنه يصومها عن رمضان ونذره، مع القول بأنها لا تدخل تحت نذره تناقضٌ ظاهرٌ. ¬
722 - إذا قال في حال اللجاج والغضب: إن دخلت الدار فمالي صدقة، فدخلها، خير بين فعل ما التزم، وبين كفارة يمين
فَصل 722 - إذا قال في حال اللجاج والغضب: إن دخلت الدار فمالي صدقة، فدخلها، خُيِّر بين فعل ما التزم، وبين كفارة يمين (¬1). ولو كان النذر عتق عبدٍ له، عتق، ولم يكن مخيرًا (¬2). والفرق: أنه في الأولى نذر في حال الغضب فتكون يمينًا، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "النذر حلف، وكفارته كفارة يمين" فيلزمه كفارة يمينٍ مع وجود شرطه، ومخالفة نذره (¬3). بخلاف الثانية، فإن ذلك تعليق للعتق بصفةٍ، فمع وجود الصفة يعتق العبد (¬4)، فافترقا. قلت: وهذا الحديث الذي ذكره: "النذر حلف" لم أره في شيء من الكتب المعتمدة (¬5)، بل جاء بمعناه ما يدل على أن كفارة النذر كفارة يمينٍ (¬6)، مع قوله: "من نذر ولم يسمِّ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر ولم يطقه فكفارته كفارة يمين" رواه أبو داود (¬7)، وغيره. ¬
723 - إذا نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة لزمه فعلها
فَصل 723 - إذا نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة لزمه فعلها. ولو نذر الصلاة في غيرها لم يلزمه، بل يخير: بين فعل ما نذره، وبين الكفارة (¬1). والفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " [لا تشد الرحال] (¬2) إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" متفق عليه (¬3)، فهذا الحديث/ نص [82/أ] في الفرق. فصل 724 - إذا نذر أن يصوم كل اثنين، ثم لزمه صوم شهرين متتابعين إما بظهارٍ أو غيره، فصام عن ذلك، لزمه قضاء الأثانين اللاتي فيهما. ولو صام شهر رمضان، لم يلزمه أن يقضي ما فيه من الأثانين (¬4). والفرق: أن صوم رمضان وجب بالشرع قبل النذر، فصار نذره مخصوصًا، كنذر صوم الدهر، فأثانين رمضان لم تدخل تحت نذره، فلم يلزمه قضاؤها. بخلاف الأثانين التي صامها عن كفارته، فإن وجوب صيامها بالنذر سبق ¬
وجوبها بالكفارة، فإذا صامها عن كفارته قضاها لنذره، كما لو أفطرها (¬1). قلت: قال الوالد: قد ذكر في الفصل الثاني من هذا الباب: أنه لا فرق بين أن يكون نذر الأثانين متقدمًا على وجوب الصوم أو متأخرًا، وفرَّق بينهما في هذا الفصل، وهذا تناقضٌ ظاهرٌ، والله أعلم. ¬
كتاب الأقضية
كتاب الأقضية [فَصل] 725 - إذا استعدى على خصمٍ في البلد، أعدي عليه قبل تحرير الدعوى. ولو كان غائبًا، لم يُعْدَ حتى تحرر (¬1). والفرق: وجود المشقة في حق الغائب، وعدمها في حق الحاضر (¬2). فَصل 726 - إذا قال المدعي: لا بينة لي، ثم أتى ببينةٍ، لم تقبل (¬3). ولو قال: لي بينةٌ غائبةٌ أو حاضرةٌ وأريد إحلافه فحلف، ثم أتى ببينةٍ، قبلت (¬4). والفرق: أنه في قوله: لا بينة لي قد (¬5) أكذب بينته، فلم تقبل (¬6). بخلاف الأخرى، فإنه لم يكذب بينته (¬7). ¬
727 - إذا قال لا بينة لي، ثم أتى ببينة، لم تقبل
قلت: فَصل 727 - إذا قال لا بينة لي، ثم أتى ببينةٍ، لم تقبل (¬1). ولو قال: لا أعلم لي بينةً، ثم أتى ببينةٍ، قبلت (¬2). والفرق: أنه في الأولى مكذب بينته، كما تقدم (¬3). بخلاف الثانية، فإنه لم ينفها مطلقًا، بل نفى علمه بها، فمن الجائز أن يذكرها فذكرها (¬4). والله أعلم. فصل 728 - إذا قال المدعي: لي بينةٌ غائبةٌ، لم يكن له ملازمة المدعى عليه، ولا مطالبته بكفيلٍ. نص عليه. ولو أحضره إلى باب الحاكم وهو مشغولٌ، فله ملازمته حتى يتفرغ الحاكم (¬5). والفرق: أن المدعي في الأولى قادرٌ على فصل الحكومة بدون الملازمة. ¬
729 - إذا كتب قاضي بلد إلى قاضي بلد بثبوت حق على إنسان، فأحضر المكتوب إليه المدعى عليه، وألزمه دفع الحق، فقال: برئت إليه منه، فإن كان صاحب الحق حاضرا حلف وأخذ
[بخلاف الثانية، فإنه لا يقدر على الحكومة بغير الملازمة] (¬1) فتعينت (¬2). فَصل 729 - إذا كتب قاضي بلدٍ إلى قاضي بلدٍ بثبوت حقٍ على إنسانٍ، فأحضر المكتوب إليه المدعى عليه، وألزمه دفع الحق، فقال: برئت إليه منه، فإن كان صاحب الحق حاضرًا حلف وأخذ. وإن كان غائبًا ألزم المدعى عليه بالخروج من الحق، وبقي على استحلافه لصاحبه. ذكره ابن عقيل عن القاضي. والفرق: أنا لو أخرنا الاستيفاء ليحضر الغائب ويحلف كان في ذلك ضررًا به. بخلاف ما إذا كان حاضرًا، فإنه لا مشقة عليه في ذلك، فافترقا (¬3). فَصل 730 - إذا ادعى إنسانٌ أن الحاكم حكم له/ بحقٍ فلم يذكر، فشهد عدلان عنده بذلك، لم يحكم بشهادتهما (¬4). [82/ ب] ¬
731 - إذا بان للحاكم أنه خالف النص أو الإجماع، نقض حكمه
[ولو شهدا عنده: أن حاكمًا غيره حكم له بحقٍ، حكم بشهادتهما (¬1)] (¬2). والفرق: أن حكم نفسه يمكن تيقنه بأن يتذكر، فلم يجز أن يعمل فيه بشهادة غيره. بخلاف الحكم أولًا، فإنه لا طريق إليه إلا البينة، فعمل بها (¬3). قلت: والصحيح: أنه يحكم بشهادة العدلين في الأولى، فلا فرق، والله أعلم. فَصل 731 - إذا بان للحاكم أنه خالف النص أو الإجماع، نقض حكمه (¬4). ولو اجتهد في القبلة فبان له الخطأ بعد الصلاة، لم يعدها (¬5). والفرق: أن القبلة يجوز تركها مع العذر، فجاز سقوط الفرض بالصلاة إلى غيرها خطأً. بخلاف الحكم، فإنه لا يترك النص ولا الإجماع فيه للعذر، فلم يترك للخطأ (¬6). ¬
732 - إذا ادعى على رجل قتل عمد، وأقام شاهدا وحلف معه، لم يستحق قودا ولا دية
فصل 732 - إذا ادعى على رجلٍ قتل عمدٍ، وأقام شاهدًا وحلف معه، لم يستحق قودًا ولا ديةً. ولو ادعى على رجلٍ سرقة نصاب، وأقام شاهدًا وحلف معه، استحق الغرم، دون القطع. والفرق: أن بينة السَّرقة تضمنت الغرم والقطع، وأحدهما ينفك عن الآخر، فإن السارق من غير حرزٍ يغرَّم ولا يقطع، فيثبت ما يثبت بها، وهو الغرم، دون القطع. بخلاف الأخرى، فإن قتل العمد إما أن يوجب القصاص عينًا (¬1)، وإما هو أو الدية (¬2)، فالقود والمال لا يجتمعان، وإنما يجب أحدهما على التخيير، فلم يمكن إثبات أحدهما منفردًا عن الآخر (¬3). فصل 733 - إذا كان في يد رجلٍ جاريةٌ، فادعى رجل أنها أُمُّ ولده، وأن ولدها منه حر، وأقام بذلك رجلًا وامرأتين، أو شاهدًا وحلف معه، حكم له بالجارية؛ لأن أُمَّ الولد مالٌ، وإذا ملكها بالبينة ثبت أنها أُمُّ ولده بالإقرار في الملك. وفي الولد روايتان: أحدهما: يثبت نسبه وحريته؛ لأن الجارية إذا ثبتت له بالبينة، حكم له ¬
734 - إذا ادعى عينا في يد آخر أنها له ولفلان الغائب، وأقام بذلك بينة، انتزع نصيب المدعي من يده، وأبقي نصيب الغائب
بنمائها، فثبت له الولد، ثم ثبت نسبه وحريته باعترافه بذلك بعد حصوله في ملكه، كما لو كان في يد رجلٍ عبدٌ فادعى آخر أنه كان عبده وأعتقه، وأنه غصبه منه واسترقه، وأقام به شاهدًا وحلف معه، فإنه يحكم له بذلك، وتثبت حرية العبد بإقراره في ملكه. والرواية الأخرى (¬1): لا تثبت الحرية، ويبقى على ملك من هو في يده؛ لأنه لم يدع ملك الولد أصلًا، وإنما ادعى النسب، وانعقاد الولد حرًا في الأصل، وهما لا يثبتان بشاهدٍ ويمين. بخلاف ما إذا ادعى أن العبد الذي في يد الرجل كان ملكه وأعتقه؛ لأنه ادعى ملكه أصلًا، فلذلك ثبتت دعواه بشاهدٍ ويمين (¬2). فَصل 734 - إذا ادعى عينًا في يد آخر أنها له ولفلان الغائب، وأقام بذلك بينةً، انتزع (¬3) نصيب المدعي من يده، وأبقي/ نصيب الغائب (¬4). [83/ أ] ولو ادعى أنها له ولأخيه الغائب ورثاها عن أبيهما، ولا وارث له سواهما، وأقام بذلك بينةً، سُلِّم نصيب المدعي إليه، وحفظ الحاكم نصيب الغائب حتى يقدم (¬5). والفرق: أن البينة في الأولى لهما جميعًا، فسمعت في حق الحاضر، وقضي بها في حقه، دون الغائب؛ لأنه رشيدٌ لا ولاية عليه، فلم تسمع البينة له بغير إذنه، كما لو كان حاضرًا. ¬
735 - إذا ادعى أحد الوارثين: أن من تركة موروثه مالا في ذمة رجل حاضر معه، والوارث الآخر غائب، وأقام البينة بدعواه، فإن الحاكم يسمعها ويقضي للحاضر بنصيبه، دون نصيب الغائب، فمتى حضر الغائب وسأل الحاكم لحقه، حكم له، ولم يحتج إلى إعادة البينة
بخلاف الثانية، فإن البينة شهدت للميت، بدليل: أنه يقضى ديونه، وينفذ وصاياه، والميت لا يعبر عن نفسه، فجاز سماعها له بدعوى من هو قائمٌ في ماله مقامه، فإذا سمعت انتقل الحق إلى وارثه، فيأخذ الحاضر نصيبه، والحاكم نصيب الغائب يحفظه له (¬1). هذا إن كان المدَّعى عينًا. وإن كان دينًا ففيه وجهان: أحدهما: يأخذ الحاكم نصيب الغائب كالعين. قلت: وهو الصحيح من المذهب (¬2). والثاني: يقره عند المدعى عليه، يكون محفوظًا في ذمته للغائب. والله أعلم. فَصل 735 - إذا ادعى أحد الوارثين: أن من تركة موروثه مالًا في ذمة رجلٍ حاضرٍ معه، والوارث الآخر غائبٌ، وأقام البينة بدعواه، فإن الحاكم يسمعها ويقضي للحاضر بنصيبه، دون نصيب الغائب، فمتى حضر الغائب وسأل الحاكم لحقِّه، حكم له، ولم يحتج إلى إعادة البينة. ولو كانت دعوى الحاضر بقتل عمدٍ، احتاج عند حضوره إلى إقامة البينة. والفرق: أن إقامة البينة مع غيبة بعض الورثة غير موجب للقضاء بها، بدليل: أنه لا يقضى بها في نصيب الحاضر أيضًا، فصار كما لو كان الشهود فساقًا (¬3)، فإنه لا يقضى بها، كذا هنا، فإذا حضر الغائب احتاج إلى إعادة البينة. ¬
736 - إذا مات رجل فادعى ورثته على رجل أن من تركته دينا عليه، وشهد شاهد واحد، وحلفوا معه استحقوا، وإن حلف بعضهم استحق الحالف
بخلاف الأموال وما يوجب المال من قتل الخطأ؛ لأن البينة قامت موجبةً للقضاء، وإنما امتنع في نصيب الغائب لعدم الدعوى، فإذا حضر وادعى قضي له، كما لو كانا حاضرين في ذلك الوقت، فظهر الفرق (¬1). قلت: والعجب من المصنف كيف يذكر حكمًا في فصلٍ، ثم يناقضه في الذي بعده. إذ لو كانا في بابين أو في بابٍ واحدٍ متباعدٍ لعذر، وذلك أنه صرح في الفصل الذي قبل هذا: بأن الحاكم (¬2) يأخذ نصيب الابن الغائب فيحفظه له، ثم في هذا الفصل يزعم: أن الحاكم لا يحكم للغائب من الوارثين بدون حضوره وسؤاله الحكم. والحق ما قاله في الفصل المتقدم، فإن أصحابنا قاطبةً نصوا على المسألة، وأما ما ذكره هنا فقال الوالد/: هو مذهب الحنفية، ونقله المصنف عن الكرابيسي (¬3) الحنفي، وليس مذهبًا لنا (¬4). [83/ ب] فصل 736 - إذا مات رجل فادعى ورثته على رجلٍ أن من تركته دينًا عليه، وشهد شاهدٌ واحدٌ، وحلفوا معه استحقوا، وإن حلف بعضهم استحق الحالف (¬5). وإن كان المدعى عينًا، كان ما خلَّص الحالف بيمينه مشتركًا بين جماعتهم (¬6). ¬
737 - إذا كان لاثنين أرض فيها زرع فأرادا قسمته منفردا، فإن كان قصيلا جاز
والفرق: أن الدين في الذمة غير متعينٍ، فكل من حلف فإنما يثبت بيمينه مقدار حقه من الدين لا غيره، فلذلك لا يشارك فيه (¬1). بخلاف العين، فإن كل واحدٍ من الورثة معترفٌ أن كل جزءٍ من الدار والثياب مشتركٌ بين جميعهم، فلذلك شاركوه (¬2). فَصل 737 - إذا كان لاثنين أرضٌ فيها زرعٌ فأرادا قسمته منفردًا، فإن كان قصيلًا (¬3) جاز (¬4). وإن كان سنبلًا، ففيه وجهان (¬5). والفرق: أن التفاضل لا يجوز في الحب، بخلاف القصيل. ثم القسمة إن قلنا: هي إفراز، فلجهالة السنبل. إذ لا يمكن إفراز أحد النصيبين، وإن قلنا: بيعٌ، فبيع حبٍ مجهولٍ بمثله لا يجوز، بخلاف القصيل (¬6). ¬
738 - إذا حكم حاكم بشهادة شاهدين، فبانا كافرين، نقض حكمه
فصل 738 - إذا حكم حاكمٌ بشهادة شاهدين، فبانا كافرين، نقض حكمه. وإن بانا فاسقين، لم ينقضه. في إحدى الروايتين (¬1). والفرق: أن الكافر ليس من أهل الشهادة إجماعًا، فقد حكم بما لا يسوغ فيه الاجتهاد فينقض حكمه، كما لو خالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع (¬2). بخلاف الفاسق، فإنه مقبول الشهادة عند بعضهم، فقد حكم بما يسوغ فيه الاجتهاد (¬3). فَصل 739 - قلت: ثم إن كان المحكوم به مالًا فهو مضمونٌ على المحكوم له، فإن كان باقيًا ردَّه، وإن كان تالفًا ردَّ بدله. وإن كان قتلًا أو قطعًا، ضمنه الإمام (¬4). ¬
والفرق: أن المال حصل في يد المحكوم له فلزمه رده، حيث تبين فساد طريق وصوله إليه (¬1). وأما القطع والقتل فلم يثبت للمحكوم له به عليه، بدليل: أن الإمام فرط بترك البحث عن حال الشهود (¬2). وهذا يفارق أيضًا رجوع الشهود، فإنهم ألجأوا الحاكم بشهادتهما إلى الإتلاف بإصرارهم على الشهادة مع كونهم بصفة من لا تقبل شهادتهم. بخلاف مسألتنا، فإن الحاكم فرط بقبول شهادتهم (¬3)، فظهر الفرق. ¬
740 - إذا ادعى أثمانا ولم يعين نقدها، لم تكن الدعوى محررة، ولم ينصرف إلى نقد البلد
باب الدعاوى [فصل] 740 - إذا ادعى أثمانًا ولم يعين نقدها، لم تكن الدعوى محررةً، ولم ينصرف إلى نقد البلد (¬1). ولو باع بثمنٍ لم يعين نقده صحَّ، وانصرف إلى نقد البلد (¬2). والفرق: أن الدعوى إخبارٌ بحقٍ ثبت من قبل ذلك، يختلف باختلاف الأوقات. بخلاف ثمن المبيع، فإنه يجب في الحال فانصرف إلى نقد البلد (¬3). فصل 741 - إذا كان في/ يده دجاجةٌ، فأثبت آخر: أن البيضة التي خرجت منها الدجاجة ملكه، قضي له بها. [84، أ] ولو كان في يده شاةٌ أو بيضةٌ، فأثبت رجلٌ: أن أمَّ الشاة والدجاجة التي باضت البيضة ملكه، لم يقض له بالشاة والبيضة. والفرق: أن الدجاج في الأولى عين البيضة قلبها الله عز وجل، فإذا ثبت أن البيضة ملكه قضي له بالدجاجة، كما لو أثبت مدعي الخل أن عصيره ملكه. ¬
742 - إذا تداعيا شاة مسلوخة، في يد أحدهما أطرافها ورأسها وجلدها، وفي يد الآخر باقيها، وأقام كل منهما البينة بدعواه، قضي له بما في يد صاحبه
بخلاف الثانية، فإن الشاة ليست عين أمها، ولا البيضة الخارجة من الدجاجة عين الدجاجة، ومن الجائز أن الشاة ولدت، والدجاجة باضت في ملكه، ثم باع الشاة المولودة، ومن الجائز حصول ذلك في ملك أجنبي منهما، ثم باع الأصلين ممن هما في يده، والفرعين ممن هما في يده، فلذلك لم يقض له بهما. نعم لو شهدت البينة: أنها ولدتها أو باضتها في ملكه، قضي له بها، فاتضح الفرق (¬1). فَصل 742 - إذا تداعيا شاةً مسلوخةً، في يد أحدهما أطرافها ورأسها وجلدها، وفي يد الآخر باقيها، وأقام كل منهما البينة بدعواه، قضي له بما في يد صاحبه (¬2). ولو ادعى كل منهما أنها ملكه نتجت في ملكه، قضي له بما في يده خاصةً (¬3). والفرق: أن كلًا منهما بينته بينة خارجٍ (¬4) بالنسبة إلى ما في يد الآخر، وبينة الخارج [مقدمة] (¬5). ¬
743 - إذا تداعيا عينا في يد ثالث فأقر بها لأحدهما ثم للآخر، دفعها إلى الأول، وقيمتها إلى الثاني
بخلاف الثانية، فإن البينة شهدت بالنتاج، وبينة الخارج مقدمة إلا إذا شهدت بينة الداخل بالنتاج (¬1)، فافترقا. قلت: هذا على رواية ترجيح بينة النتاج وما في معناه، مما يفيد سبق الملك. والصحيح: تقدم بينة الخارج مطلقًا (¬2)، والله أعلم. فَصل 743 - إذا تداعيا عينًا في يد ثالثٍ فأقرَّ بها لأحدهما ثم للآخر، دفعها إلى الأول، وقيمتها إلى الثاني. ولو لم يقر للآخر، بل أقام الآخر بها بينةً أخذها، ولم يلزم المقر للمقر له الأول شيءٌ. قلت: وقد تقدم هذا الفصل بعينه في كتاب الإقرار (¬3)، لكن كرره فذكرته هنا تنبيهًا عليه. والله أعلم. فَصل 744 - إذا أتلف على إنسانٍ عبدًا، أو قال: كان به عيب فنقصت قيمته، أخذ بقول مالكه في نفيه. ولو قال مالكه: تعلَّم صنعةً، فزادت قيمته، فأنكر المتلف، أخذ بقوله. قلت: هذا الفصل تقدم بعينه في الغصب (¬4)، وإنما ذكرته للتنبيه عليه. ¬
745 - إذا كان في يد مجهول النسب مال، فقال لمثله: مات أبي وأنت أخي، فقال؛ بل هو أبي ولست أخي، لم يقبل إنكاره
فصل 745 - إذا كان في يد مجهول النسب مالٌ، فقال لمثله: مات أبي وأنت أخي، فقال؛ بل هو أبي ولست أخي، لم يقبل إنكاره (¬1). وإن قال: مات أبوك وأنا أخوك، فقال: بل هو أبي ولست أخي، فالمال موروث عنه للمقر به (¬2). والفرق: أنه في الأولى اعترف أن الميت أبوه فالمال موروث عنه، فلو لم/ يقر بالأخ بعد ذلك لكان الظاهر معه، لكنه لما أقر بالأخ لزم كون نصف المال له، ولم يقبل قول المخاطب في إنكاره؛ لأنه باعترافه صار نسيبًا، فلو بطل نسبه بإنكاره لأبطل الفرع الأصل، وذلك لا يجوز له. [84/ ب] بخلاف الثانية، فإنه أقر أن الميت أبو المخاطب، فيكون هو وارثه، فيكون المال له (¬3)، فافترقا. قلت: فصل 746 - قد قدمنا أنه إذا قال: مات أبي وأنت أخي، فقال: لست أخي، أنه لا يقبل إنكاره. فلو قال: ماتت زوجتي وأنت أخوها، فقال: لست بزوجها، قبل إنكاره. في أصح الوجهين (¬4). ¬
747 - إذا ادعى نكاح امرأة فأقرت له، قبل إقرارها
والفرق: أنه في الثانية اعترف له بالأخوة، وادعى الزوجية، والقول قول المنكر هنا حتى يقيم المدعي البينة. بخلاف الأولى، فإن المقر اعترف بموت أبيه ونسب أخيه، فنسب أخيه فرعٌ على نسبه، كما قدمنا، فظهر الفرق (¬1). فصل 747 - إذا ادعى نكاح امرأةً فأقرت له، قبل إقرارها. ولو ادعاه اثنان، لم يقبل إقرارها لأحدهما (¬2). والفرق: أنها في الأولى غير متهمةٍ لتمكنها من تزوجه بولي أو حاكمٍ من غير مانع. بخلاف الثانية، فإنها متهمةٌ بالميل إلى أحدهما (¬3). ¬
748 - قد قررنا: أنه لا يقبل إقرارها لأحد المتداعيين نكاحها
فَصل 748 - قد قررنا (¬1): أنه لا يقبل إقرارها لأحد المتداعيين نكاحَها. ويقبل إقرارها لأحد المتداعيين اشتراء سلعةٍ بيدها منهما. والفرق: وجود التهمة في الأولى، دون الثانية (¬2) (¬3). فَصل 749 - إذا قال: [له] (¬4) عليَّ مائةٌ إلى سنةٍ، قبل قوله، وكانت مؤجلةً (¬5). ولو ثبتت عليه بالبينة، فادعى تأجيلها، لم يقبل (¬6). والفرق: أن الأصل في الأولى ثبت بقوله، فثبت الوصف بقوله أيضًا (¬7). بخلاف الثانية، فإن الأصل ثبت في ذمته بالبينة، فلم يقبل قوله في صفته، كما لو ادعى إقباضه (¬8)، والله تعالى أعلم. ¬
كتاب الشهادات
كتاب الشهادات [فصل] 750 - إذا شهد أحد الشاهدين: أنه باعه داره أمس، والآخر: أنه باعه إياها اليوم، حكم بشهادتهما (¬1). ولو شهد أحدهما: أنه غصبه عبده أمس، والآخر: أنه غصبه اليوم، لم يحكم بها (¬2). والفرق: أن البيع قولٌ يتكرر ويحكى، فإذا سمعا إقراره به في وقتين لم يؤثر، كما لو كان الإقرار بمال (¬3). بخلاف الغصب، فإنه فعلٌ، والفعل أمس غير الفعل اليوم، فلم تكمل الشهادة على فعلٍ واحدٍ، فلم يثبت بشهادتهما، كما لو اختلفا في بلد (¬4). فَصل 751 - إذا شهد أحدهما: أنه باعه داره أمس، وشهد الآخر: أنه باعه إياها اليوم، حكم بشهادتهما (¬5). ¬
752 - إذا ادعى: أن فلانا أتلف عليه ثوبه الفلاني، فشهد له شاهد: أنه أتلفه يوم الخميس، وآخر: أنه أتلفه يوم الجمعة، لم تكمل شهادتهما، ولم يحكم بها، لكن يحلف المشهود له مع أحدهما، ويستحق [قيمته]
ولو شهد أحدهما: أنه تزوجها أمس، والآخر: اليوم، لم يحكم بشهادتهما (¬1). قلت: وهذا الفصل بعينه ذكره في كتاب الطلاق (¬2)، لكنه ذكر الطلاق عوضًا (¬3) عن البيع، وإنما سطرته ليعلم، والله تعالى أعلم. / فَصل 752 - إذا ادعى: أن فلانًا أتلف عليه ثوبه الفلاني، فشهد له شاهدٌ: أنه أتلفه يوم الخميس، وآخر: أنه أتلفه يوم الجمعة، لم تكمل شهادتهما، ولم يحكم بها، لكن يحلف المشهود له مع أحدهما، ويستحق [قيمته] (¬4). ولو كان مكان كل شاهدٍ شاهدان، بطلت شهادة الجميع، ولم يلزم فلانًا شيءٌ. [85/ أ] والفرق: أن الإتلاف لا يمكن تكرره في العين الواحدة، فتعارضت البينتان فتسقطان، ولا يلزمه شيءٌ. بخلاف الأولى، فإن الواحد ليس بينةً كاملةً فلا تعارض، فيحلف مع من توافق شهادته دعواه، ويستحق قيمته (¬5). فَصل 753 - إذا شهد [اثنان] (¬6): أنه قذف فلانًا يوم الخميس، واثنان: يوم الجمعة، ثبت ولزم الحد. ¬
754 - إذا شهد اثنان: أنه غصبه ثوبا معينا يوم الخميس، واثنان: أنه غصبه يوم الجمعة، لزم ضمان الثوب
ولو كانت الشهادة بالقتل، لم يثبت. والفرق: أن القذف قولٌ يتكرر، فلا تعارض. والقتل فعلٌ واحدٌ لا يتكرر، فإذا قتله يوم الخميس، استحال قتله يوم الجمعة، فيتعارضان ويسقطان (¬1). فَصل 754 - إذا شهد اثنان: أنه غصبه ثوبًا معينًا يوم الخميس، واثنان: أنه غصبه يوم الجمعة، لزم ضمان الثوب (¬2). ولو شهدا: أنه أحرقه يوم الخميس، وآخران: أنه أحرقه يوم الجمعة، لم يلزمه شيءٌ (¬3). والفرق: أن الغصب يتكرر في العين الواحدة لاحتمال أن يغصبه إياه يوم الخميس، ثم يستخلصه، ثم يغصبه يوم الجمعة، فيلزمه إعادته. بخلاف إحراقه، فإنه لا يتكرر في العين الواحدة، فيستحيل الجمع بينهما (¬4). فلو كان مكان كل شاهدين شاهدٌ فقد سبق بيانه (¬5). فَصل 755 - إذا شهد أحدهما: أن له عليه ألفًا، وشهد الآخر: أن له عليه ألفين، ثبتت ألف بشاهد [ين] (¬6)، ويحلف مع الآخر على استحقاق الألف الأخرى (¬7). ¬
756 - إذا شهدا: أن له عليه ألفا، ثم قال أحدهما: قضاه منها خمسمائة، بطلت شهادته
ولو شهد أحدهما بعشرين، والآخر بثلاثين، أو شهد أحدهما بألفٍ، والآخر بخمسمائةٍ، لم تثبت العشرون والخمسمائة إلا بشاهدٍ واحدٍ (¬1). والفرق: أنهما في الأولى اتفقا على لفظ الألف، وانفرد أحدهما بعدد آخر، فثبت ما اتفقا عليه. بخلاف الثانية، فإنهما لم يتفقا على لفظٍ واحدٍ، وهذه الألفاظ متغايرة فلم يضم شهادة أحدهما إلى شهادة الآخر (¬2). قلت: والصحيح من المذهب: ثبوت الأقل بشاهدين في الصور كلها. فصل 756 - إذا شهدا: أن له عليه ألفًا، ثم قال أحدهما: قضاه منها خمسمائةٍ، بطلت شهادته (¬3). ولو شهدا: أنه أقرضه ألفًا، ثم قال أحدهما: قضاه منها خمسمائةٍ، فشهادتهما صحيحةٌ بالألف، ويحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهدٍ أو يمينٍ (¬4). قلت: نص عليهما (¬5). والفرق: أن قوله: عليه، وقضاه، متنافيان؛ لأنه إذا قضاه لا يكون له عليه/ فبطلت. [85/ ب] ¬
757 - إذا شهد أحدهما: أن فلانا سرق منه ثوبا قيمته خمسة، وآخر: أنه سرقه وقيمته عشرة، ثبتت الخمسة بشاهدين فيستحقها، والخمسة الأخرى بشاهد واحد، فله أن يحلف معه ويستحقها
بخلاف أقرضه، فإنه لا ينافي قضاه (¬1) فَصل 757 - إذا شهد أحدهما: أن فلانًا سرق منه ثوبًا قيمته خمسة، وآخر: أنه سرقه وقيمته عشرة، ثبتت الخمسة بشاهدين فيستحقها، والخمسة الأخرى بشاهدٍ واحدٍ، فله أن يحلف معه ويستحقها (¬2). ولو شهد أحدهما: أنه باعه الثوب بخمسةٍ، وآخر: أنه باعه إياه بعشرةٍ، لم تكمل شهادتهما على بيعٍ واحدٍ (¬3). والفرق: أنه لا تنافي بين شهادتهما في الأولى؛ لأن كل واحدٍ يخبر عن (¬4) ظنه واجتهاده، فثبت الأقل بهما، ويحلف مع الآخر (¬5). بخلاف الثانية، فإنه لم يتفق الشاهدان على وجوب شيءٍ من الثمن، فإن كل واحدٍ شهد بنفي ما أثبته الآخر، فلذلك لم تكمل شهادتهما على شيءٍ حتى يثبت، فافترقا (¬6). فصل 758 - إذا ادعى على رجلٍ: أنه غصب منه شيئًا، فحلف بالطلاق ما غصب، ثم ثبت عليه بعدلين، ألزم بالخروج منه، وطلقت زوجته. ولو ثبت عليه برجلٍ وامرأتين أو شاهدٍ ويمينٍ، ثبت المدعى، ولم تطلق زوجته (¬7). ذكره القاضي في المجرد. ¬
قال: والفرق: أن الشهادة تضمنت شيئين: وجوب ضمان المغصوب، ووقوع الطلاق، فإذا شهد عدلان ثبتا؛ لأنهما يثبتان بذلك. بخلاف الرجل والمرأتين والشاهد واليمين، فإنه يجب به ضمان المغصوب لأنه ثبت به، ولا تطلق لأن الطلاق يفتقر إلى عدلين، وهذا كما قلنا في السرقة إذا ثبتت بمثل ذلك: إنه يجب الغرم، دون القطع؛ لأنه مما يفتقر إلى رجلين، فلا يثبت إلا بهما (¬1). قلت: وهذا أحد الوجهين (¬2). والوجه الآخر: أنه يحكم بوقوع الطلاق عند ثبوت الغصب. واختاره السامري (¬3)، ولم يحكه عن غيره بل جعله من قوله ابتداءً، فقال: وعندي أنه متى حكمنا بثبوت الغصب وجب الحكم بوقوع الطلاق، لوجود الصفة لا بالشهادة؛ لأن الشهادة ليست بالطلاق بل بالغصب، يدل على ذلك: أنه لو ادعى إنسانٌ على آخر: أنه غصب منه مالًا فأنكره، فشهد للمدعي بدعواه عدلان، وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم مات الحاكم والشاهدان، ثم تزوج بعد ذلك رجلٌ، فقال لزوجته: إن كان المدعى عليه غصب من المدعي ما ادعاه وحكم له به فأنت طالق، فإنا نحكم بوقوع طلاقه بوجود الصفة التي علق عليها الطلاق وهي الحكم، لا بالشهادة بالغصب، فدل على ما قلنا، وذكر لهذا نظائر يطول ذكرها، ولا يحتاج إليها. وفرَّق بين مسألة السرقة التي نظر بها القاضي، وبين هذه: بأن الشهادة ¬
759 - إذا شهد رجل وامرأتان: أنه أوضحه عمدا، لم تقبل شهادتهم
شهادةٌ بأخذ المال، وبصفة أخذه وهي السرقة، وأحدهما وهي أخذ المال يثبت بهذه الشهادة، والآخر وهو السرقة الموجبة للقطع لا يثبت بها، فيثبت ما يثبت وإن لم يثبت الآخر، كما لو شهد رجلٌ وامرأتان: أن فلانًا أخذ من ابن زيدٍ ألفا وقتله [وحلف زيدٌ مع شاهده] (¬1) فإنه/ تثبت الألف دون القتل، كذا مسألة السرقة. [86/ أ] بخلاف الشهادة بالغصب، فإنها شهادةٌ بالمال خاصةً (¬2). فَصل 759 - إذا شهد رجل وامرأتان: أنه أوضحه عمدًا، لم تقبل شهادتهم. ولو شهدوا بالهاشمة، والمنقلة، والمأمومة (¬3) قبلت. والفرق: أن الجناية في الأولى موجبةٌ للقصاص، ولا تقبل فيما توجبه شهادة النساء. بخلاف الثانية، فإن تلك الجنايات لا توجب القصاص، بل المال، وشهادتهنَّ بالمال مقبولة (¬4). ¬
760 - إذا ادعى الزوج الخلع فأنكرته، فشهد له به رجل وامرأتان، ثبت
فَصل 760 - إذا ادعى الزوج الخلع فأنكرته، فشهد له به رجل وامرأتان، ثبت. ولو كانت هي المدعية، لم يثبت (¬1). والفرق: أن دعواها به لا تتضمن مالًا، بل زوال النكاح، وذلك لا يثبت بذلك، كالطلاق. بخلاف دعواه، فإنها تتضمن المال، وهو يثبت (¬2) بذلك (¬3). فَصل 761 - إذا شهد بالمال رجل وامرأتان، أو رجل وحلف معه المدعي، حكم بذلك (¬4). ولو لم تشهد به إلا امرأتان، لم يثبت المال بيمينه مع شهادتهما (¬5). والفرق: أن شهادة المرأتين إنما تقوم مقام شهادة رجل إذا شهد معهما رجل، فتكون شهادته أصلًا، وشهادتهما تبعًا. أما إذا لم يشهد معهما رجل فلا تقوم شهادتهما مقام شهادة رجل، فلم يكن للمدعي أن يحلف معهما (¬6). ¬
762 - إذا جرح رجل رجلا فشهد له غير عمودي نسبه، كالأخ والعم: أنه جرحه عمدا، فإن كان قبل الاندمال، لم يقبل، وإن كان بعده، قبلت
فَصل 762 - إذا جرح رجل رجلًا فشهد له غير عمودي نسبه، كالأخ والعم: أنه جرحه عمدًا، فإن كان قبل الاندمال، لم يقبل، وإن كان بعده، قبلت. والفرق: أن بعد الاندمال لا يتهمون في ذلك؛ لأنهم يثبتون بها (¬1) حقًا، لا لأنفسهم. بخلاف ما قبل الاندمال، فإنهم متهمون؛ لأنه ربما سرى فأهلكه، فتكون الشهادة جرَّت إليهم نفعًا، فلم تقبل (¬2). فلو شهدا قبل الاندمال ثم أعاداها بعده، فهل تقبل؟ فيه وجهان: أحدهما: لا تقبل (¬3)؛ لأنها ردت للتهمة، فلم تقبل بعد ذلك. والثاني: تقبل؛ لأن المعنى الذي ردت لأجله زال فقبلت. فصل 763 - إذا شهدا لموروثهما (¬4) بدين وهو مريض، قبلت. في أحد الوجهين (¬5) بخلاف المسألة المتقدمة (¬6). والفرق: أن في الجرح ربما سرى فأهلكه، فورثا، فكأنهما شهدا لأنفسهما. ¬
764 - فإن مات من يحجبهما بعد الشهادة وقبل الحكم بها، لم يحكم بها
بخلاف الأولى، فإنهما يثبتان المال للمريض، ثم ينتقل إليهما بموته، فجاز، كما لو ادعى دينًا فشهد له به غريمه، فإنه يقبل، وإن كان ربما دفعه إليه (¬1). فلو شهدا قبل الاندمال وهما محجوبان قبلت، لزوال التهمة (¬2). [فصل] 764 - فإن مات من يحجبهما بعد الشهادة وقبل الحكم بها، لم يحكم بها. وإن كان بعد الحكم، لم ينتقض. والفرق: أن ما يظهر بالشاهدين بعد الحكم لا يؤثر [كما لو فسقا بعد الحكم بشهادتهما. بخلاف ما إذا مات قبل الحكم بشهادتهما؛ لأن ما يظهر بالشاهدين قبل الحكم يوجب تهمتهما في شهادتهما، فلم يحكم بها] (¬3)، كما لو فسقا بعد الشهادة وقبل الحكم، فإنه لا يحكم بشهادتهما (¬4). فَصل 765 - إذا خلف ثلاثة/ بنين وغيرهم من البنات والزوجات، فادعى أحد البنين: أن أباه وقف هذه الدار عليه وعلى إخوته خاصة، ومن مات [86/ ب] ¬
766 - قلت: فلو كان دعوى الآباء: أن أبناءهم يشاركونهم، لم يحكم به حتى يحلف الأبناء
منهم رجع سهمه إليهما، وبعدهم إلى أولادهم، فصدقاه، وكذبه البقية، فشهد بذلك عدل واحد، لم يحكم به حتى يحلفوا، ومن حلف كان ثلثها وقفًا عليه، والباقي للباقي، ونصيب من اعترف بالوقف ولم يحلف وقف، ونصيب غيره ميراث، فإذا حلفوا حكم به، فإذا انقرضوا انتقلت - كما شرط الواقف - إلى أولادهم بغير يمين. ولو لم يحلف الثلاثة وانقرضوا لم تكن الدار وقفًا على أولادهم حتى يحلفوا مع الشاهد. والفرق: أن الوقف في الأولى ثبت بالشاهد ويمين المدعي، وحكم به، فلم يتغير بانقراض أول بطن، كما لو ثبت بشاهدين. بخلاف الثانية، فإن الوقف لم يثبت، فإذا ادعاه الأولاد كانوا بمنزلة آبائهم إن حلفوا حكم لهم به، وإلا فلا (¬1). [فَصل] 766 - قلت (¬2): فلو كان دعوى الآباء: أن أبناءهم يشاركونهم، لم يحكم به حتى يحلف الأبناء. بخلاف التي قبلها. وذلك لأن البطنين استويا في ذلك، فكما لا يحكم به حتى يحلف الأبناء، لا يحكم به هنا حتى يحلف الأبناء معهم (¬3). فَصل 767 - إذا شهد صبي وعبد وكافر فلم تقبل، ثم أعادوها بعد الكمال، قبلت. ¬
768 - تثبت الجناية الموجبة للقصاص فيما دون النفس برجلين
ولو ردت للفسق ثم أعادها بعد العدالة، لم تقبل (¬1). والفرق: أنه لا تهمة في الأولى، فإن رد شهادة أولئك لا يوهنهم ويضع منهم، وليس مفارقة ما ردت الشهادة لأجله في حق غير الكافر من فعلهما ليتَّهما فيها، ولا يظن بالكافر أنه أسلم لتقبل شهادته. بخلاف الفاسق، فإن رد شهادته تضييع منه، وهو من فعله، ويمكن أنه أظهر العدل لتقبل شهادته (¬2). فصل 768 - تثبت الجناية الموجبة للقصاص فيما دون النفس برجلين. وفيما يوجب القصاص في النفس روايتان (¬3). والفرق: أن الجناية في الثانية توجب النفس، فلم يقبل دون الأربعة، كالزنا. بخلاف الأولى، فإنها لا تتلف النفس (¬4). ¬
769 - تصح الشهادة بالإقرار بالمجهول
فَصل 769 - تصح الشهادة بالإقرار بالمجهول. ولا تصح بالمجهول. والفرق: أن الإقرار بالمجهول يصح، كقوله: له عليَّ شيء، ويلزم بتفسيره، فصحت الشهادة به، والشهادة بالإقرار بالشيء غير الشهادة به، بدليل: ثبوت الإقرار بالزنا باثنين، ولا يقبل في إثباته إلا أربعة، فيثبت ما ذكرنا. بخلاف الشهادة بالمجهول، فإن البينة إنما سميت بينة لتبيينها ما تشهد به وكشفها عنه، / فإذا لم تبينه فليست بينة، فلا تقبل (¬1). [87/ أ] فَصل 770 - إذا ادعى شراء دار وتسليم الثمن، وأقام بذلك شاهدين عدلين ولم يسميا الثمن، والبائع ينكر قبضه، فشهادتهما باطلة. ولو شهدا على إقرار البائع بالبيع وقبض الثمن ولم يسميا، فشهادتهما جائزة. قال السامري: والفرق بينهما ما ذكره الكرابيسي (¬2): أنهما لما شهدا بالبيع وقبض الثمن وجب الحكم به، فإذا كان مجهولًا فقد جهل في وقت يحتاج إلى الحكم به، فلو قضينا لقضينا بعقد بيع من غير ثمن وذلك لا يصح، فلم يجز القضاء بهذه الشهادة. بخلاف ما إذا شهدا أن البائع أقر بقبض الثمن، فإنه لا يوجب الحكم بالثمن بعد القبض، فقد جهل في وقت لا يحتاج إلى الحكم به، فلم يمنع صحته. ¬
قال السامري (¬1): والفرق عندي: أن شهادتهما بالبيع بثمن تسلمه البائع شهادة بقبض البائع للثمن، فإذا لم يسميا مبلغه فإن هذه الشهادة لا تقبل، وإذا لم تقبل بطل ذكر الثمن، وإذا بطل ذكره بقي مجرد الشهادة بالمبيع من غير الثمن، وهذه الشهادة لا تصح. بخلاف ما إذا شهدا على إقرار البائع بالبيع وقبض الثمن، فإنهما قد شهدا عليه بما يصح به البيع، فهو كما لو شهدا أنه باع بقطعة ذهب معينة في العقد، مجهولة الوزن والقيمة، وقبضها، فإنه يصح؛ لأن المقصود معرفة المتبايعين بالعوضين وهو حاصل، فلا يقدح في ذلك جهل الشهود، كما لو أقر البائع بذلك عند الحاكم فإنه يصح، ولا يسأله عن الثمن، فكذا هنا. قلت: وفيما حكاه عن الكرابيسي نظر، فإن الموجود في فروقه خلاف ما سطره عنه. فإن الكرابيسي قال: مسألة: إذا ادعى شراء دار، وشهد له شاهدان بالشراء ولم يسميا الثمن، والبائع ينكر البيع (¬2) فشهادتهما باطلة. ومثله لو شهدا على إقرار البائع بالبيع وقبض الثمن، و [لم يـ] (¬3) سمياه فشهادتهما جائزة. والفرق: أن البيع لا يعرى عن الثمن ولا يتم إلا به، فالحكم بالبيع يوجب الحكم بالثمن إذا كان قبل القبض، فإذا لم يسميا الثمن فقد جهل مقداره فلا يمكن الحكم به، فقد جهل الثمن في وقت يجب الحكم به، وجهالة ما يجب الحكم به تمنع صحته، كبيع شيء مجهول ونحوه. ولا كذلك بعد القبض؛ لأن الحكم لا يجب بالثمن بعد قبضه، فقد جهل الثمن في وقت لا يجب الحكم به، وجهالة ما لا يجب الحكم به لا تمنع صحة الحكم، كما لو جهلا الكيس الذي هو فيه فإنه/ لا يقدح في [87/ ب] ¬
شهادتهما، فكذلك ههنا. هذا آخر كلامه (¬1). والفرق بين ما ذكره السامري أولًا، وبين ما بدأ به الكرابيسي واضح، فإن السامري فرض الدعوى في المسألة الأولى بالشراية وتسليم الثمن، وأن الشاهدين لم يسميا الثمن، ثم ذكر فرق الكرابيسي. والكرابيسي لم يذكر في الأولى أن المشتري (¬2) ادعى تسليم الثمن، وإنما (¬3) ذكر الدعوى بالشراء كما قد رأيت كلامه، ولا ريب أن الحق فيما فرضه الكرابيسي؛ لأن الثمن يحتاج إلى قبضه في الأولى، فلا بد من العلم به. وأما في الثانية فلا حاجة إلى ذلك؛ لأن الشهادة بالقبض تبرئ ذمة المشتري، وبعد براءتها لا حاجة إلى معرفة ما برئت منه. وما نقل السامري فلا يجيء الفرق، فإن الشهادة وقعت بقبض الثمن في المسألتين، فلم يبق فرق، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى زيادة إيضاح. ¬
771 - إذا شهد شاهدان: أن عمرا وهب عبده من زيد، وأقبضه إياه، وآخران: أنه وهبه من خالد، وأقبضه إياه، وجهل أسبقهما، أقرع بينهما، فمن قرع أخذه
ثم قول السامري في فروقه: فإذا لم يسميا يعني: في الأولى، لم تقبل شهادتهما، كما لو شهدا أنه قبض من فلان غصبًا أو قرضًا ولم يسميا مبلغه، فإنه لا تصح شهادتهما بذلك. فقال الوالد: إنما لم تقبل شهادتهما في هاتين لمعنى مفقود في مسألة الفرق، وهو أنه يجب في القرض والغصب رد الخصم به. بخلاف صورة الفرق، فإن البائع لا يسترد منه الثمن في هذه الحالة، ولا المقصود من شهادتهما استرجاعه، وإنما القصد ثبوت عقد البيع مع براءة ذمة المشتري من الثمن الذي شهدا به، فالمقصود في الأصل بخلاف المقصود في الفرع فانقطع الإلحاق. فَصل 771 - إذا شهد شاهدان: أن عمرًا وهب عبده من زيد، وأقبضه إياه، وآخران: أنه وهبه من خالد، وأقبضه إياه، وجهل أسبقهما، أقرع بينهما، فمن قرع أخذه. ولو شهد اثنان: أن فلانًا وصَّى بثلثه لزيد، واثنان: أنه وصَّى به لعمرو لم يقرع، وكان بينهما. والفرق: أنه لا يتصور الحكم بالعقدين في الأولى؛ لأنه متى علم أسبقهما كان هو الصحيح، ولم يصح الذي بعده بل يقع باطلًا، فحيث جهل الصحيح منهما فقد تساويا في جهة الاستحقاق، فوجب إخراج المستحق بالقرعة، كما لو أعتق عبدًا من عبيده لا بعينه. بخلاف الثانية، فإن الوصيتين (¬1) صحيحتان، ويكون الثلث بينهما، لاستوائهما في الاستحقاق (¬2). ¬
772 - إذا سمع شاهدان رجلا يقر بشيء، جاز أن يشهدا عليه به ولو لم يقل لهما: اشهدا علي
فصل 772 - إذا سمع شاهدان رجلًا يقر بشيء، جاز أن يشهدا عليه به ولو لم يقل لهما: اشهدا عليَّ (¬1). ولو سمعا شاهدين يقولان: نشهد على فلان بكذا، لم يجز أن يشهدا على شهادتهما (¬2). [88/ أ] والفرق: أن الشهادة غير موجبة/ للحق بنفسها، بدليل: أن للقاضي اجتهادًا في قبولها وردها، ولو رجع الشاهد عنها صح رجوعه، فشهود الفرع لم يستدركوا المعنى الموجب للحق، فلم يسعهما أن يشهدا بالشهادة، كما لو سمعا رجلًا يوكل وكيلًا في بيع شيء، فإنهما لا يجوز لهما أن يبيعاه، كذا هنا. بخلاف الإقرار، فإنه موجب للحق فلا اجتهاد للحاكم فيه، فقد استدركا المعنى الموجب للحق، فوسعهما الشهادة به (¬3). فَصل 773 - ذكر القاضي في كتاب إبطال الحيل: إذا وصَّى إلى رجلين (¬4) فقبلا ثم مات، والوصيان يعلمان أن لرجل عليه دينًا فقضاه، ثم شهدا به (¬5)، لم تقبل شهادتهما. ولو شهدا قبل الإقباض، قبلت. والفرق: وجود التهمة في الأولى، دون الثانية (¬6). ¬
774 - إذا أوصى إلى رجلين بالنظر في أمر أطفاله، فبلغ بعضهم وفك حجره، فغصب من كل منهم شيء، فشهد الوصيان بذلك، قبلت شهادتهما للكبار، دون الصغار
فَصل 774 - إذا أوصى إلى رجلين بالنظر في أمر أطفاله، فبلغ بعضهم وفك حجره، فغُصِب من كلِ منهم شيءٌ، فشهد الوصيان بذلك، قبلت شهادتهما للكبار، دون الصَغار. والفرق: ما تقدم (¬1). فَصل 775 - إذا كان في يد رجل جارية ولها ولد، فادعى رجل: أنها أم ولده وولدها منه حر، فأنكره، فشهد له بدعواه رجل وامرأتان، قضي له بالجارية، وأنها أم ولده، ولم يثبت نسب الولد منه، ولا حريته. على إحدى الروايتين (¬2). والفرق: أن دعوى كونها أم ولده دعوى مال، بدليل: أنها تضمن بالمال، فلذلك تثبت له برجل وامرأتين. بخلاف دعواه في ولدها، فإنه لا يدعي ملكه وإنما يدعي نسبه وحريته، وذلك لا يثبت إلا بعدلين (¬3). فَصل 776 - يثبت الوقف برجل وامرأتين، وشاهد ويمين (¬4). ولا يثبت العتق إلا بشهادة رجلين. في المشهور من المذهب (¬5). ¬
777 - يحد شارب النبيذ المعتقد إباحته
والفرق: أن الوقف لا يخرج الموقوف عن المالية، ودعوى المال تثبت بذلك. بخلاف العتق، فإنه ليس مالًا ولا يؤول إليه، فلا يثبت إلا بشهادة شاهدين، كالطلاق (¬1). فَصل 777 - يحد شارب النبيذ المعتقد إباحته. وتقبل شهادته (¬2). والفرق: أن الحد يجب لورود الأخبار الواردة الصحيحة في تحريم كل مسكر، والنبيذ مسكر، والعلة الموجبة للحد في الخمر مثلها موجود في النبيذ، فوجب الحد زجرًا وردعًا. وأما قبول شهادته فمعتبر بالعدالة، وهي مبنية على العقيدة، فالشارب له معتقدًا حله لم يرتكب محرمًا عنده، فلم يفسق، فقبلت شهادته (¬3). فصل 778 - قد تقدم (¬4): أن الشارب للنبيذ معتقدًا إباحته، يحد. ¬
779 - إذا شهد العدول عند الحاكم بحق، ثم جنوا، أو عموا، أو خرسوا قبل
ولو نكح نكاحًا مختلفًا فيه معتقدًا إباحته لم يحد (¬1). والفرق: أن النكاح اجتمع فيه عقد واعتقاد، فصار ذلك شبهة/ في إسقاط الحد، كما لو اشترى جارية فوطئها، فبانت مغصوبة فإنه لا يلزمه الحد، كذا هنا. [88/ ب] بخلاف شارب النبيذ (¬2). قلت: وفرَّق أبو محمد في المغني (¬3): بأن في النكاح بلا ولي كفُّا عما هو أعظم منه، وهو الزنا. بخلاف شرب النبيذ، فإن شرب قليله المختلف فيه يفضي إلى شرب كثيره المتفق على تحريمه، فلذلك افترقا. وفرَّق الإمام أبو محمد بن عبد السلام الشافعي (¬4) في قواعده (¬5): بأن مفسدة الزنا لا تتحقق في النكاح المختلف فيه، فإنه يوجب المهر والعدة ويلحق النسب، بخلاف الزنا، فإنه يقطع الأنساب، ولا يوجب مهرًا ولا عدة. والمفسدة في شرب النبيذ مثلها في شرب الخمر من غير فرق. فَصل 779 - إذا شهد العدول عند الحاكم بحق، ثم جنوا، أو عموا، أو خرسوا قبل ¬
الحكم، جاز أن يحكم بها (¬1). ولو فسقوا قبل الحكم، لم يحكم (¬2). والفرق: أن الحادث في الأولى غير موجود قبل الشهادة، فلم يقدح في شهادة الشهود، كموتهم. بخلاف الفسق؛ لأن الإنسان إذا ارتكب ما يوجب الفسق فالظاهر من حاله ارتكاب مثله قبل أداء الشهادة، فقويت التهمة في حقه واعترضت على أصل الشهادة، ومتى اتهم الحاكم الشهود قبل الحكم لم يحكم (¬3)، والله أعلم. ¬
كتاب العتق
كتاب العتق [فَصل] 780 - إذا أعتق موسر شركًا له في عبد، عتق كله، وقوِّم عليه نصيب شريكه (¬1). ولو وصَّى بعتق عبد باقيه له أو لغيره، فأعتق بعد موته، وثلثه يحتمله كله، لم يقوّم عليه باقيه. في إحدى الروايتين (¬2). والفرق: أن ما يباشر عتقه في حال حياته يمكن تقويم باقيه لوجود اليسار (¬3). وما يعتق عنه بعد موته لا يمكن تقويم الباقي لزوال ملكه عن المال بموته (¬4). فصل 781 - إذا قال أحد الشريكين لشريكه الموسر: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي ¬
782 - عبد بين شريكين قيمة كل نصيب عشرة دنانير، فقال رجل لا يملك غيرها لأحدهما: أعتق نصيبك عني وعلي هذه العشرة، ففعل عتق، ولم يسر العتق إلى نصيب الشريك
حر، فأعتق الشريك، عتق الباقي بالسراية مضمونًا (¬1). ولو قال: فنصيبي مع نصيبك حر، عتق بالشرط مجانًا (¬2). والفرق: أنه في الأولى علَّق عتق نصيبه على شرط، وهو عتق شريكه لنصيبه، والمشروط لا يسبق شرطه ولا يقارنه بل يترتب عليه، فإذا أعتق شريكه عتق نصيبه بنفس تلفظه بعتق نصيبه، فلذلك ضمنه. وأما في الثانية، فإن القائل جعل عتق نصيبه مقرونًا بعتق شريكه فعتقا معًا، لا بالسراية بل بإعتاق المالك، فلذلك لا ضمان على الشريك (¬3). فَصل 782 - عبد بين شريكين قيمة كل نصيب عشرة دنانير، فقال رجل لا يملك غيرها لأحدهما: أعتق نصيبك عني وعليَّ هذه العشرة، ففعل عتق، ولم يسر/ العتق إلى نصيب الشريك. [89/ أ] ولو قال: أعتق نصيبك عني، وعليَّ عشرة، ففعل، سرى العتق إلى نصيب الشريك، وعتق الجميع على القائل. والفرق: أن المعتق ملك في الأولى الدنانير المعينة؛ لأن النقود تتعين بالتعيين، فلم يبق في ملك طالب العتق شيءٌ، فصار معسرًا. بخلاف الثانية: فإنه لما استدعى العتق بدنانير في الذمة، صار كما لو اشترى النصيب بدنانير في ذمته، ثم أعتقه وفي ملكه تلك الدنانير مالكًا لقيمته، فلذلك عتق عليه (¬4). ¬
783 - إذا كان لرجل نصفا عبدين قيمتهما سواء، لا مال له غيرهما، فأعتق نصيبه منهما بكلمة واحدة، عتق عليه نصيباه منهما خاصة، ولم يقوم عليه شيء آخر من باقيهما
فصل 783 - إذا كان لرجل نصفا عبدين قيمتهما سواء، لا مال له غيرهما، فأعتق نصيبه منهما بكلمة واحدة، عتق عليه نصيباه منهما خاصة، ولم يقوم عليه شيء آخر من باقيهما (¬1). ولو أعتق نصيبه من أحدهما ثم من الآخر، عتق نصيباه، ويسري إلى نصيب شريكه في الأول، ولا يسري إلى الثاني (¬2). والفرق: أنه إذا أعتقهما بكلمة واحدة عتقا، ولا ملك له غيرهما، فلذا لم يقوم عليه شيء من باقيهما (¬3). بخلاف الثانية، فإنه لما أعتق الأول كان مالكًا للنصيب الآخر، وذلك يفي بنصيب شريكه فقوِّم عليه، فلما أعتق الآخر كان معسرًا فلم يسر العتق. فافترقا (¬4). قلت: قال الوالد: هذا الفصل والذي قبله إنما يتجهان على مذهب الشافعي (¬5). لكون الدين عنده هنا كالدين في باب الزكاة، وهو غير مانع من إيجابها هناك، فكذا هنا لا يمنع وجود السراية، والجامع بينهما: كون كل ¬
784 - عبد بين ثلاثة، شهد اثنان منهم [على الثالث]: أنه أعتق نصيبه وهو معسر، قبلت شهادتهما
منهما حق لله (¬1). ومذهبنا: على خلاف ما قرره المصنف في الفصلين من كتب الشافعية، وقد شاهدنا ذلك. والذي ذكره الوالد ظاهر في الفصل الأول؛ لأن قياس المذهب على ما ذكره عدم السراية في الصورة الثانية؛ لأن المال الذي عتق العبد عليه صار دينًا في ذمة معتقه، والدين يمنع السراية (¬2). وأما هذا الفصل، فإن الصورة الثانية وهى مسألة السراية لا دين فيها، فلا يتوجه الأخذ حينئذٍ (¬3)، فتأمله. فَصل 784 - عبد بين ثلاثة، شهد اثنان منهم [على الثالث] (¬4): أنه أعتق نصيبه وهو معسر، قبلت شهادتهما. ولو كان موسرًا، لم تقبل. والفرق: أنه إذا كان معسرًا فلا تهمة في شهادتهما. بخلاف الثانية، فإنه إذا كان موسرًا فهما متهمان في شهادتهما لإيجاب قيمة نصيبهما عليه بالسراية (¬5). إذا تقرر هذا، فهل يعتق نصيباهما (¬6)؟ فيه وجهان: ¬
785 - عبد بين شريكين رأيا طائرا، فقال أحدهما: إن كان غرابا فنصيبه حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فنصيبه حر، وغاب ولم يعلم خبره، فأحدهما حانث بيقين
أشهرهما: يعتق (¬1). فَصل 785 - عبد بين شريكين رأيا طائرًا، فقال أحدهما: إن كان غرابًا فنصيبه حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فنصيبه حر، وغاب ولم يعلم خبره، فأحدهما حانث بيقين. فإن كانا موسرين عتق جميع العبد لاعتراف/ كل منهما بعتق نصيب الآخر بالحنث، وعتق نصيبه بالسراية. [89/ ب] وإن كان أحدهما معسرًا عتق نصيبه خاصة؛ لأنه معترف بعتق نصيب شريكه بالحنث، ونصيبه بالسراية، فلا يقبل في حق شريكه، ويقبل في حق نفسه. وإن كانا معسرين فأحدهما حانث بيقين، ولا يعتق شيء من العبد؛ لأن ملك كل منهما ثابت في نصيبه بيقين، فلا يزول بالشك. وإن باع كل واحد منهما نصيبه لأجنبي كان المشتريان بمنزلتهما. وإن باعاه من أجنبي عتق نصفه لتيقن حرية النصف في حقه، بخلاف ما لو باعاه من اثنين (¬2). والفرق: أنه إذا باعاه من اثنين فكل واحد لا يعترف بحرية ما اشتراه. وأما إذا اشتراه منهما واحد فإنه يعترف أن نصف العبد حر بيقين، فلا ¬
786 - إذا قال: إن كان حملك غلاما فأنت حرة، وإن كان جارية فهي حرة، فبان ذكرا وأنثى، لم يعتق واحد منهما
يثبت له ملك على ما هو معترف بحريته، فافترقا (¬1) فَصل 786 - إذا قال: إن كان حملك غلامًا فأنت حرة، وإن كان جارية فهي حرة، فبان ذكرًا وأنثى، لم يعتق واحد منهما. ولو قال بدل إن كان حملك: إن كان في بطنك، عتقا. والفرق: أن الحمل عبارة عن جميع ما في البطن، فشرط حنثه: كون ما في البطن غلامًا أو جارية، فإذا كانت حاملًا بهما، لم يوجد شرط العتق. بخلاف الثانية، فإن من كانا في بطنها ففي بطنها أحدهما، وقد تقدم مثله في الطلاق (¬2). فصل 787 - إذا قال لعبديه: إذا جاء غد فأحدكما حر، فجاء الغد وهما في ملكه، أخرج المعتق بالقرعة. فإن مات أحدهما أو باعه، عتق الباقي في ملكه. والفرق: ما تقدم في الطلاق (¬3). فَصل 788 - فإن كانت بحالها، فباع نصف أحدهما قبل الغد، أقرع بين العبد ونصف الآخر، فإن خرجت على العبد عتق، واستقر ملكه على نصف الآخر. ¬
789 - إذا قال لعبده: إن ملكتك فأنت حر، عتق
وإن خرجت للنصف عتق وسرى إلى باقيه، وقوِّم عليه (¬1). فصل 789 - إذا قال لعبده: إن ملكتك فأنت حر، عتق. ولو قال: إن اشتريتك فأنت حر، لم يعتق. والفرق: أن بقاءه في ملكه ملكه، وبقاؤه على الشراء ليس شراء، فتفارقا (¬2). فَصل 790 - إذا قال لرجل: أعتق عبدك هذا (¬3) وعليَّ ثمنه، فالثمن على السائل، والولاء والعتق للمسؤول. ولو قال: أعتقه عني، فالعتق والولاء للسائل (¬4). والفرق: أنه في الأولى قد أعتقه المعتق عن نفسه لا عن السائل، فلذلك كان الولاء له، لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" متفق عليه (¬5)، وإنما لزمه ثمنه لأن عتق العبد إتلاف من السائل، استدعى ذلك بشرط الضمان فلزمه، كقوله: ألق متاعك في البحر، وعليَّ ثمنه. بخلاف الثانية، فإنه إذا أعتقه عن السائل بأمره صار/ كالمملك له، ودخل في ملك السائل وعتق عليه، ولا يفتقر إلى قبض، لكونه متعينًا، فإذا ملكه وقع العتق عنه، وكان الولاء له (¬6). [90/ أ] ¬
791 - إذا أعتق الأمة الحامل، عتق حملها
فَصل 791 - إذا أعتق الأمة الحامل، عتق حملها. وإن أعتق الحمل، لم تعتق أمه (¬1). والفرق: أن الولد يعتق بعتق أمه تبعًا، كما يتبعها في البيع والهبة. بخلاف الثانية، فإن الأمة لا تتبعه في الوصية، فلذلك عتق بعتقها، ولم تعتق بعتقه (¬2). ¬
كتاب التدبير
كتاب التدبير [فصل] 792 - اذا كان العبد لواحد فقال: إذا مت فأنت حر، صار مدبَّرًا (¬1). ولو كان لاثنين فقالا: إذا متنا فأنت حر، لم يصر مدبرًا (¬2). والفرق: أنه إذا كان لواحد فعتقه معلق على موته خاصة، فلذلك كان مدبرًا. وفي الثانية علق عتقه بموتهما، فقد علق كل واحد عتق (¬3) نصيبه بموته وموت شريكه، فلا يعتق منه شيء ما دام أحدهما حيُّا، فإن ماتا معًا عتق العبد لوجود الصفة. فإن مات أحدهما كان نصيبه لوارثه (¬4)، ويصير نصيبه مدبرًا لانتقاله إلى الوارث قبل موت الآخر، كما لو قال: أنت حر بعد موتي بشهر. على المشهور من المذهب (¬5). ¬
793 - إذا حدث للمدبرة أولاد (بعد تدبيرها)، ثم رجع سيدها في تدبيرها، لم يبطل التدبير في حق أولادها
فَصل 793 - إذا حدث للمدبرة أولاد (بعد تدبيرها) (¬1)، ثم رجع سيدها في تدبيرها، لم يبطل التدبير في حق أولادها (¬2). ولو حدث للمكاتبة أولاد بعد الكتابة ثم عجزت، رقَّت ورقّ أولادها (¬3). والفرق: أن أولاد المدبرة مدبرون، بدليل: ما لو ضاق الثلث عنها وعنهم لم تقدم عليهم، بل يقرع، فالرجوع في تدبيرها ليس رجوعًا في تدبيرهم، كما لو دبرهم بألفاظ مختلفة (¬4). بخلاف أولاد المكاتبة، فإنهم غير مكاتبين؛ لأن الولد لا يتبع أمه في العقود، كالبيع، وإنما تثبت لهم حرمة الأم على سبيل التبع، فيتبعونها في الحرية والرق (¬5). فَصل 794 - إذا دبر أمة ثم ولدت، ثم ماتت قبل موت سيدها، عتق الأولاد بموته (¬6) ¬
795 - إذا عتقت المدبرة بموت سيدها، ثم اختلفت هي والوارث في مال بيدها، فقال الوارث: كسبتيه قبل الموت فهو إرث، فقالت: بل بعده فهو ملكي، أخذ بقولها
ولو علق عتقها بصفة [كقوله: إن دخلت الدار فأنت حرة] (¬1) فماتت قبل وجودها وبعد أن ولدت أولادًا، لم يعتقوا بوجود الصفة فيهم (¬2). والفرق: أن أولاد المدبرة مدبرون، كما قررنا (¬3). بخلاف أولاد المعلق عتقها بصفة، فإنهم لم يتعلق عتقهم بتلك الصفة. بدليل: أنَّهم لو دخلوا الدار مثلًا ولم تدخلها أمهم وهي في ملك السيد لم يعتقوا, ولو كان قد تعلق عتقهم عتقوا، فدل أن عتقهم لم يتعلق، فظهر الفرق (¬4). فَصل 795 - إذا عتقت المدبرة بموت سيدها، ثم اختلفت هي والوارث في مال بيدها، فقال الوارث: كسبتيه قبل الموت فهو إرث، فقالت: بل بعده فهو ملكي، أخذ بقولها. ولو اختلفا في ولدها/، فقال: ولدتيه قبل التدبير فهو مملوكي، فقالت: [90/ب] بل بعده فهو حر، أخذ بقوله. والفرق: أن الأصل في الولد الرق؛ لأنه ولد مملوكة، فالقول قول من يدعيه. بخلاف الثَّانية، فإن الأصل عدم المال، ويدها عليه، فأخذ بقولها: إنه ملكها (¬5). ¬
796 - إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي، فدخلها في حياته صار مدبرا, ولو دخلها بعد موته، لم يعتق بحال
فَصل 796 - إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي، فدخلها في حياته صار مدبرًا, ولو دخلها بعد موته، لم يعتق بحال (¬1). ولو قال: إن دخلت الدار بعد وفاتي فأنت حر، فدخلها بعد موته عتق. في إحدى الروايتين (¬2). والفرق: أنَّه في الأولى عقد الصفة حال الحياة، فإذا مات العاقد قبل وجودها بطلت (¬3). بخلاف الثَّانية، فإن الصفة عقدت بعد الموت، فصار كقوله: أَنْتَ حر بعد موتي (¬4). فَصل 797 - إذا قال له: إن شئت فأنت مدبر، اختصت مشيئته بالمجلس (¬5). ولو قال: متى شئت لم تختص، بل هي على التراخي (¬6). ¬
[والفرق أن متى للأزمان، فمعناه: أي وقت وأي زمان شئت فأنت مدبر، فلذلك كانت على التراخي] (¬1). بخلاف إن وإذا، فإنهما ليسا للزمان، ولا يعمان الأوقات، بخلاف متى (¬2). قلت: واختار صاحب المحرر: أن متى مثل إنْ (¬3). ¬
798 - إذا فسدت الكتابة لجهل العوض أو غيره، غلب فيها حكم الصفة، فتكون جائزة من الطرفين
باب الكتابة [فَصل] 798 - إذا فسدت الكتابة لجهل العوض أو غيره، غلِّب فيها حكم الصفة، فتكون جائزة من الطرفين (¬1). ولو قال لعبده: إن أعطيتني ألفًا فأنت حر، لم يكن للسيد إبطالها مع بقاء الملك (¬2). والفرق: أن الصفة بالكتابة الفاسدة حق ألزمه السيد نفسه في مقابلة حق له، فإذا لم يُسلَّم ما له، لم يسلِّم ما عليه، كالبيع (¬3). بخلاف الثَّانية، فإنَّها صفة محضة ألزمها نفسه متبرعًا من غير عقد معاوضة، فلم يكن له ولا للعبد رفعها (¬4). فَصل 799 - إذا اتفق السيد والمكاتب على فسخها، انفسخت (¬5) ولو اتفقا على فسخ التعليق، لم ينفسخ (¬6). ¬
800 - الكتابة الفاسدة تنفسخ بجنون السيد، دون الصحيحة
والفرق: أن المغلَّب في الكتابة حكم المعاوضة، فلهذا انفسخت بفسخها، كالبيع (¬1). بخلاف التعليق، فإنَّه لا ينفسخ، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر، فإنَّه لا ينفسخ، كذا هنا (¬2). فَصل 800 - الكتابة الفاسدة تنفسخ بجنون السيد (¬3)، دون الصحيحة (¬4). والفرق: أن الفاسدة جائزة فانفسخت بذلك، كالوكالة (¬5)، والصحيحة لازمة فلم تنفسخ، كالبيع (¬6). فَصل 801 - الفاسدة تبطل بجنون السيد (¬7)، دون العبد (¬8). والفرق: أن العبد قبل الجنون محجور عليه، ولم يمنع ذلك ابتداء العقد، فالحجر عليه بالجنون لا يمنع استدامته. بخلاف السيد، فالحجر عليه بالجنون يمنع ابتداء عقد الكتابة، فمنع استدامته الفاسدة (¬9). ¬
802 - الكتابة الصحيحة لا تبطل بموت السيد
فَصل 802 - الكتابة الصحيحة لا تبطل بموت السيد (¬1). وتبطل بموت المكاتب إذا لم يخلف وفاءً، ولم يؤد أكثر كتابته (¬2). [91/ أ] والفرق: أن السيد عاقد غير/ معقود عليه، فإذا مات لم يبطل العقد بموته، كالولي في النكاح (¬3). بخلاف المكاتب، فإنَّه عاقد ومعقود عليه، فإذا مات بطل العقد، كالزوج (¬4). فَصل 803 - إذا أدى (¬5) حر عن المكاتب مال الكتابة بغير إذنه لم يرجع عليه، ذكره في المجرد (¬6). ولو قضى دينًا عن حر بغير إذنه رجع عليه. في إحدى الروايتين (¬7). والفرق: أن مال الكتابة غير لازم له، بدليل: أن له الامتناع من أدائه مع القدرة، فلو قيل: يرجع عليه، للزمه ما لا يلزمه، فلم يرجع لذلك (¬8). ¬
804 - إذا قال لعبده: إن أعطيتني مائة فأنت حر، فدفعها إليه عتق، وما فضل بيده لسيده
بخلاف الدين على الحُر، فإنَّه لازم له، فإذا أداه عنه فطالبه به فهو كالغريم الأول، وذاك يلزمه دفعه إليه، فكذا هذا (¬1). فَصل 804 - إذا قال لعبده: إن أعطيتني مائة فأنت حر، فدفعها إليه عتق، وما فضل بيده لسيده (¬2). ولو فضل بيد المكاتب شيء، كان له دون سيده (¬3). والفرق: أن المغلَّب في الكتابة المعاوضة، فكأنه اشترى نفسه، وكذلك يملك كسبه ونفعه، فيؤدي منه مال الكتابة، ويبقى الباقي ملكًا له (¬4). بخلاف المعلق عتقه بصفة، فإن ما يملكه قبل وجودها ملك للسيد، فالفاضل بعد المائة يكون لسيده لما ذكرنا (¬5). فَصل 805 - ذكر القاضي في المجرد: أنَّه إذا تزوج المكاتب بأمة لسيده، ثم اشتراها وأتت بولد، فقال السيد: أتت به قبل أن تشتريها فهو مملوكي، وقال المكاتب: بل أتت به بعد أن اشتريتها فهو ملكي، واحتمل، ولا بينة، أخذ بقول المكاتب. ولو اختلف السيد والمكاتبة في ولدها، فقال: ولدتيه قبل كتابتك فهو ¬
806 - إذا قتل السيد مكاتبه، لم يضمنه
مملوكي، ولم يدخل في الكتابة، فقالت: بل وجد بعدها فحكمه حكمي، فالقول قول السيد. والفرق: أنهما في الأولى اختلفا في الملك، ويد المكاتب عليه، فكان القول قول من العين في يده. بخلاف الثَّانية، فإن المكاتبة تدعي في الولد تبعيته (¬1)، والأصل عدم ذلك، فكان القول قول السيد (¬2). فَصل 806 - إذا قتل السيد مكاتبه، لم يضمنه (¬3). ولو قطع طرفه، ضمنه (¬4). والفرق: أن بقتله تبطل الكتابة، فلو وجب الضمان لوجب للسيد على نفسه؛ لأنه عبده، ولا يجب للإنسان على نفسه شيء (¬5). بخلاف الثَّانية، فإن الكتابة لم تبطل. فَصل 807 - إذا كاتب أمة بشرط إدخال ولدها في الكتابة، ثم أعتقه عتق، وسقطت حصته من مال الكتابة. ولو حدث لها ولد بعد عقد الكتابة من زوج أو زنا، ثم أعتقه السيد عتق، ولم يسقط شيء من مال الكتابة. ¬
808 - إذا زوج عبده من أمته فأولدها، ثم كاتبهما جميعا، وشرط دخول الولد في الكتابة، ثم قتل الولد، سقط قدر حصته من مال الكتابة عنهما
والفرق: أن عقد الكتابة تناوله في الأولى، فقد أخذ قسطًا من مال الكتابة، فإذا عتق سقط. بخلاف الثَّانية، فإن عقد الكتابة لم يتناوله/، فلم يسقط بإزائه شيء (¬1). [91/ب] فَصل 808 - إذا زوج عبده من أمته فأولدها، ثم كاتبهما جميعًا، وشرط دخول الولد في الكتابة، ثم قتل الولد، سقط قدر حصته من مال الكتابة عنهما (¬2). ولو حدث لهما ولد بعد كتابتهما فقتل الولد، فقيمته لأمه تستعين بها في كتابتها (¬3). والفرق: أن الولد الموجود قبل الكتابة لحقه عقد الكتابة وحصل فيها بالاشتراط، وأبواه استويا في اشتراطه، فاستويا في قدر حصته من مال الكتابة. بخلاف ما إذا حدث الولد بعد العقد فإنَّه لم يدخل فيه، وإنما لحق بحكم الولادة، والأم هي التي اختصت بالولادة، فاختصت بالبدل (¬4). فَصل 809 - إذا كاتب اثنان عبدهما، فأدى إلى أحدهما، لم يعتق نصيبه من المكاتب (¬5). ¬
810 - إذا كاتب عبده على مال، ثم أعطاه كفيلا، لم تصح الكفالة
ولو أبرأه من نصيبه، عتق نصيبه من المكاتب (¬1). والفرق: أنَّه بالأداء إلى أحدهما قدر نصيبه لا يكون المؤدى إليه مستوفيًا لحقه؛ لأن لشريكه مطالبته بنصف ما قبضه فلا يعتق، كما لو ادعى بعض حقه (¬2). بخلاف الإبراء، فإنَّه يكون مستوفيًا لجميع دينه؛ لأن شريكه لا يملك مطالبته بعد ذلك بشيء فلذلك عتق، فافترقا (¬3). فَصل 810 - إذا كاتب عبده على مال، ثم أعطاه كفيلًا، لم تصح الكفالة (¬4). ولو أعتقه على مال، صح ذلك (¬5). والفرق: أن مال الكتابة غير مستقر ولا لازم، فإن المكاتب يملك تعجيز نفسه، فلم تصح الكفالة (¬6). بخلاف الثَّانية، فإن المال الذي أعتقه عليه دين صحيح مستقر يلزمه أداؤه، فصحت الكفالة به، كسائر الديون (¬7). ¬
811 - إذا طاوعت المكاتبة سيدها على وطئها, لم يسقط مهرها ذكره القاضي عن أبي بكر
فَصل 811 - إذا طاوعت المكاتبة سيدها على وطئها, لم يسقط مهرها. ذكره القاضي عن أبي بكر (¬1). ولو طاوعت الحرة أجنبيًا على وطئها، فإنَّه يسقط مهرها (¬2). وفرَّق: بأن وطء السيد صادف ملكًا، بدليل: أنَّه لا يجب الحد لشبهة الملك، فلا يكون زنا (¬3). بخلاف الثَّانية، فإنَّه زنا (¬4)، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن مهر البغيّ" متفق عليه (¬5). فَصل 812 - إذا جنى عبد المكاتب خطأ أو عمدًا، واختار المكاتب فداءه، وقلنا: يلزمه فداؤه بأرش الجناية بالغًا ما بلغ، فإنَّه يلزمه ما لم يجاوز أرشها قيمته. فإن جاوزها لم يجز أن يفديه بأكثر من قيمته، بل يسلمه للبيع (¬6). ولو كان سيد الجاني حرًا جاز ذلك (¬7). والفرق: أن الفداء بزيادة على قيمته بذلٌ للمال لغرض نفسه، لا لمصلحة ماله، والمكاتب ممنوع من ذلك، كسائر التبرعات (¬8). ¬
813 - إذا جنى عبد المكاتب جناية تتعلق برقبته وهو أجنبي منه، فله فداؤه بأقل الأمرين: من قيمته، أو أرش الجناية
[بخلاف الحُر، فإنَّه غير ممنوع من ذلك، فجاز له، كسائر التبرعات] (¬1). فَصل 813 - إذا جنى عبد المكاتب جناية تتعلق برقبته وهو أجنبي منه، فله فداؤه بأقل الأمرين: من قيمته، أو أرش الجناية (¬2). ولو كان ذا رحم محرم، لم يفده. قلت: بغير إذن سيده (¬3). والفرق: أن فداء عبده الأجنبي مصلحة ملكه فجاز له ذلك؛ لأنه لا ضرر عليه فيه، فهو كالبيع والشراء. بخلاف ما إذا كان ذا رحم منه، فإنَّه لا مصلحة لملكه في فدائه؛ لأنه إذا فداه لا يمكنه التصرف فيه فيؤدي ذلك إلى عجزه، فلم يجز أن يفديه (¬4). [92/أ] / قلت: ذكر أبو محمَّد في المغني (¬5): أن التفرقة بينهما هي اختيار القاضي في المجرد، ونصر هو: أن لا فرق (¬6). فَصل 814 - تتعلق ديون المكاتب بذمته (¬7). ¬
815 - إذا جنى المكاتب على سيده جناية تعلق أرشها برقبته، ثم عتق بالأداء، تحول أرشها إلى ذمته
وديون العبد المأذون له برقبته (¬1). والفرق: أن المكاتب في يد نفسه، فلم يحصل من سيده غرور لمعامليه. بخلاف المأذون له، فإن سيده غرَّ معامليه، فلذلك تعلقت برقبته (¬2). قلت: وفي المكاتب رواية أخرى: أنها تتعلق بهما (¬3). قال في المحرر (¬4): وهي أصح عندي. فَصل 815 - إذا جنى المكاتب على سيده جناية تعلق أرشها برقبته، ثم عتق بالأداء، تحول أرشها إلى ذمته (¬5). ولو أعتقه السيد ولا مال له، سقط الأرش (¬6). والفرق: أن العتق في الأولى حصل باختيار المكاتب، فتلف المحل بغير اختيار السيد، فلم يبطل الأرش (¬7). بخلاف الثَّانية، فإن السيد بإعتاقه أتلف محل الأرش فسقط (¬8). ¬
816 - إذا أبرأ السيد مكاتبه من مال الكتابة في مرض موته ولا مال له غير ذلك، عتق من المكاتب بقدر ثلث [الأقل من] قيمته، أو مال الكتابة
فَصل 816 - إذا أبرأ السيد مكاتبه من مال الكتابة في مرض موته ولا مال له غير ذلك، عتق من المكاتب بقدر ثلث [الأقل من] (¬1) قيمته، أو مال (¬2) الكتابة. وإن كان له مالٌ غيره، عتق منه مع ذلك بقدر ثلث المال (¬3). ولو أبرأه من نصف مال الكتابة، والنصف يخرج من الثلث، لم يعتق منه شيء (¬4). والفرق: أنَّه في الأولى وجدت صفة العتق، كما لو أدى جميع مال الكتابة، بدليل: أنَّه لو كان ذلك في صحة السيد عتق المكاتب، فهو كقوله: أَنْتَ حر، ولو قال له ذلك في مرض موته اعتبر من الثلث، فكذا هنا (¬5). بخلاف الثَّانية، فإنَّه لم توجد صفة العتق وهو الأداء، ولا ما يقوم مقامه وهو الإبراء، فلم يعتق (¬6). فَصل 817 - إذا أوصى بمال الكتابة لإنسان، عتق المكاتب بالدفع إليه، كما يعتق بالدفع إلى الوصي ليدفعه إليه. ولو وصَّى به لغير معينٍ كالفقراء، لم يعتق إلَّا بالدفع إلى الوصي. والفرق: أنَّه بالتعيين تعين المستحق، فعتق بالدفع إليه، كالدفع إلى سيده، ولا اجتهاد للوصي فيه. ¬
818 - إذا كاتب عبده لم يكن له الفسخ إذا كان قادرا على الأداء
بخلاف الثَّانية، فإن للوصي الاجتهاد في أعيان المصروف إليهم، فلم يكن للمكاتب أن يفوت على الوصي اجتهاده، فربما أراد أن يعطي من لم يعطه المكاتب (¬1). فَصل 818 - إذا كاتب عبده لم يكن له الفسخ إذا كان قادرًا على الأداء (¬2). وللمكاتب تعجيز نفسه مع القدرة على الكسب (¬3). والفرق: أن عقد الكتابة حق للعبد فهو بالخيار: بين استيفاء حقه، وتركه. بخلاف السيد، فإنَّه لا حق له، فلا يملك الفسخ (¬4). فَصل 819 - إذا استولد المكاتب أمته، فولده مملوك له (¬5). ولو استولد الحُر أمته، فولده حر (¬6). والفرق: أن ملك المكاتب غير تام، فولده كولد العبد المأذون له في التسري. بخلاف الحُر، فإن ملكه تام (¬7)، والله أعلم. ¬
820 - لا تصير الأمة أم ولد بعلوقها بمملوك، إلا أمة المكاتب إذا علقت منه
باب أحكام أمهات الأولاد [فَصل] 820 - لا تصير الأمة أم ولد بعلوقها بمملوك، إلَّا أمة المكاتب إذا علقت منه (¬1). والفرق: أن ولدها منه ليس عبدًا منه على الإطلاق، والسيد ممنوع من التصرف لسبب الحرية، فثبت لأمه بهذا حرمة صارت بها أُمّ ولد، وهذا [92/ ب] المعنى/ غير موجود في غير المكاتب (¬2). فَصل 821 - إذا ولدت الأمة المشتركة منهما، فألحقت القافة ولدها بهما، ثم مات أحدهما، عتق نصفها, ولم يعتق باقيها إلَّا بموت الآخر، أو إعتاقه (¬3). ولو ولدت من كل منهما ولدًا، وعلم السابق ثم جهل، أو جهل ابتداءً، لم تعتق إلَّا بموتهما جميعًا (¬4). ¬
822 - إذا أوصى لأم ولده وقيمتها ثلث ماله، بشيء قيمته ثلث ماله [ملكته بعد موته
والفرق: أنها في الأولى أم ولد لكل منهما بقدر حصته منها، فيعتق بموت كل منهما نصيبه، ويعتق نصيب الآخر بموته (¬1). بخلاف الثَّانية، فإن كلَّها أُمّ ولد لواحد منهما خاصة لا بعينه، فلا يتحقق عتقها إلَّا بموتهما (¬2). فَصل 822 - إذا أوصى لأم ولده وقيمتها ثلث ماله، بشيء قيمته ثلث ماله [ملكته بعد موته. ولو أولى لمدبرته وقيمتها ثلث ماله، بشيء قيمته ثلث ماله] (¬3) لم تستحق شيئًا منه حتَّى يجيز الورثة. والفرق: أن أُمّ الولد تعتق من رأس المال، فإذا وصى لها بمقدار الثلث صحت الوصية، وملكته بعد موته، كالحرة الأجنبية. بخلاف المدبرة، فإنَّها تعتق من الثلث؛ لأن التدبير وصية، فإذا لم يخرج هو وبقية الوصايا من الثلث قدم العتق ههنا؛ لأن الوصية لا تصح إلَّا بصحته ولو احتمل المدبرة ووصيتها ملكته (¬4)، كأُمِّ الولد (¬5). ¬
823 - إذا جنت أم الولد فداها سيدها بأقل الأمرين: من قيمتها، أو أرش الجناية، ولا يلزمه غير ذلك رواية واحدة
فَصل 823 - إذا جنت أم الولد فداها سيدها بأقل الأمرين: من قيمتها، أو أرش الجناية، ولا يلزمه غير ذلك. رواية واحدة. قلت: بل فيها رواية أخرى: أنَّه يلزمه فداؤها بالأرش كله. ذكرها غير واحد. وثالثة: يلزمه الفداء بقيمتها بالغة (¬1) ما بلغت. ذكرها أبو بكر وغيره (¬2). ولو جنت القن فداها بأرش الجناية بالغًا ما بلغ. في إحدى الروايتين (¬3). والفرق: أن أم الولد لا يمكنه تسليمها للبيع [فلذلك لم يلزمه أكثر من قيمتها. بخلاف القن، فإنَّه يمكنه تسليمها للبيع] (¬4)، فربما رغب راغب فزاد في ثمنها ما يبلغ أرش الجناية، فلذلك لزمه أرش الجناية بالغًا ما بلغ إن لم ¬
824 - إذا قتلت أم الولد سيدها، عتقت
يسلمها للبيع (¬1). فَصل 824 - إذا قتلت أُم الولد سيدها، عتقت (¬2). ولو قتلت المدبرة سيدها, لم تعتق (¬3). والفرق: أن أُم الولد استقر سبب حريتها حال حياة السيد، بحيث لا يمكن السيد فسخه بحال، فلذلك عتقت بموت سيدها، سواء مات حتف أنفه، أو مقتولًا بفعلها، أو بفعل غيرها. بخلاف المدبَّرة، فإن سبب حريتها غير مستقر حال حياة سيدها، بدليل: أنَّه يمكن سيدها فسخه، فقد تعجلت العتق بقتله، فعاقبها الشرع بنقيض قصدها، كقاتل موروثه (¬4). فَصل 825 - إذا أعتق أُم ولده ولها أولاد من زوج أو زنا ولدتهم بعد الاستيلاد عتقت، ولم يعتق أولادها إلَّا بموت السيد أو عتقه. ولو أعتق مكاتبته ولها أولاد قد ولدتهم في كتابتها، عتقوا بعتقها (¬5). ¬
والفرق: أن أولاد المكاتبة يتبعون الأُم ويعتقون بعقتها، وعتقها يحصل ببرائتها كما يحصل بأدائها، وقد برئت بإعتاقها فوجب أن يعتقوا بعتقها، يوضحه: أنَّهم يرقون برقها. بخلاف أولاد أُم الولد؛ لأنهم بمنزلتها [لا] (¬1) على وجه التبعية، ألا ترى: أنَّه لو فات عتقها بموتها رقيقة قبل موت سيدها لم يرق أولادها، وداموا على حكم أُم الولد فيعتقون بموت سيدهم، فليس عتق أولادها بموتها ولا عتقها، وإنما عتقهم بسبب عتقها وهو موت السيد، وإذا كان كذلك لم يعتقوا بموتها، بل بموته (¬2)، فافترقا. والحمد لله وحده (¬3). ¬
قائمة المراجع
قائمة المراجع أولًا: المخطوطة - أعيان العصر: خليل بن إيبك الصفدي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أُمّ القرى برقم (1746) تاريخ وتراجم مصورة عن مكتبة أيا صوفيا بتركيا برقم (2966). - الانتصار في المسائل الكبار: محفوظ بن أَحْمد الكلوذاني، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (2) فقه حنبلي، مصورة عن المكتبة الظاهرية بدمشق، برقم (2743). - تاريخ ابن قاضي شهبة: أبو بكر بن أَحْمد بن قاضي شهبة، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (2047) تاريخ وتراجم، مصورة عن مكتبة عارف حكمت بالمدينة برقم (95) تاريخ. - التذكرة: علي بن عقيل البغدادي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (109) مصورة عن مكتبة غير مذكورة. - الجامع الصغير: محمَّد بن الحسين بن الفراء (القاضي أبو يعلى)، نسخة مصورة عن نسخة بمكتبة الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان، بالكويت. - الدر المنضد في ذكر أصحاب الإِمام أَحْمد (مختصر المنهج الأحمد): عبد الرَّحْمَن بن محمَّد العليمي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (603) تاريخ وتراجم، مصورة عن المكتبة الأحمدية بحلب برقم (246). - ذيل تاريخ الإِسلام: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (264) تاريخ وتراجم، مصورة عن مكتبة شستربتي برقم (4100).
- شرح مختصر الخرقي: محمَّد بن الحسين بن الفراء (القاضي أبو يعلى)، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (18) , (64) فقه حنبلي، مصورة عن المكتبة الظاهرية بدمشق برقم (2746)، (2747). - الغاية القصوى شرح الرعاية الكبرى: أَحْمد بن حمدان البغدادي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (23)، (196) فقه حنبلي، مصورة عن المكتبة الظاهرية بدمشق برقم (2755). - الفروق: عبد الله بن يوسف الجويني، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (35) أصول فقه، مصورة عن مكتبة طرخان بتركيا برقم (146) أصول فقه. - الفروق: محمَّد بن عبد الله السامري، نسختان: الأُولى: مصورة عن مكتبة لايبتزخ بألمانيا الشَّرقية برقم (389). والثانية: مصورة عن المكتبة العباسية بالبصرة برقم (39/ جـ). مختصر ذيل طبقات الحنابلة: أَحْمد بن نصر الله البغدادي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (1210) تاريخ وتراجم، مصورة عن المكتبة العمومية بتركيا برقم (5135). - مسائل أَحْمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (31) فقه حنبلي، مصورة عن دار الكتب المصرية برقم (22660/ب). - المستوعب: محمَّد بن عبد الله السامري، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (27)، (77) فقه حنبلي، مصورة عن المكتبة الظاهرية بدمشق، برقم (2737). - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أَحْمد: عبد الرَّحْمَن بن محمَّد العليمي، نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى برقم (1693) تاريخ وتراجم، مصورة عن مكتبة برلين بألمانيا الغربية برقم (880).
ثانيا: المطبوعة
ثانيًا: المطبوعة - الإجماع: أبو بكر بن محمَّد بن المنذر، تحقيق: صغير أَحْمد بن محمَّد حنيف، الرياض، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1402 هـ - 1982 م. - أحكام أهل الذمة: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: صبحي الصالح، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثَّانية، 1401 هـ - 1981 م. - الأحكام السلطانية: محمَّد بن الحسين بن الفراء (القاضي أبو يعلى)، بيروت، دار الفكر، 1406 هـ - 1986 م. - الاختيارات الفقهية لشيخ الإِسلام ابن تيمية: اختارها: علي بن محمَّد البعلي، القاهرة، مطابع الدجوي. - الاختيار لتعليل المختار: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، تعليق: محمود أبو دقيقة، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الثالثة، 1395 هـ - 1975 م. - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأُصول: محمَّد بن عليّ الشوكاني، بيروت، دار الفكر. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمَّد ناصر الدين الألباني، إشراف: محمَّد زهير الشاويش، بيروت - دمشق، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1399 هـ - 1979 م. - الاستغناء في الفرق والاستثناء: محمَّد بن أبي بكر بن سليمان البكري، تحقيق: د. سعود الثبيتي، مكة، شركة مكة للطباعة، 1408 هـ، الناشر: جامعة أم القرى بمكة. - أسد الغابة في معرفة الصَّحَابَة: علي بن محمَّد بن الأثير، بيروت، دار إحياء التراث العربي. - الأشباه والنظائر: زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1400 هـ - 1980 م. - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: جلال الدين عبد الرَّحْمَن السيوطي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399 هـ - 1979 م. - الإصابة في تمييز الصَّحَابَة: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، بيروت، دار الكتب العلمية. - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمَّد الأمين بن محمَّد المختار الشنقيطي، بيروت، عالم الكتب.
- الأعلام: خير الدين الزركلي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة، 1980 م. - إعلام الموقعين عن رب العالمين: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، مصر، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1374 هـ - 1955 م. - الإفصاح: يحيى بن محمَّد بن هبيرة، القاهرة، مطابع الدجوي. - الإقناع في فقه الإمام أَحْمد بن حنبل: شرف الدين موسى الحجاوي المقدسيّ، تصحيح وتعليق: عبد اللطيف محمَّد السبكي، مصر، المكتبة التجارية الكبرى. - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أَحْمد بن حنبل: علي بن سليمان المرداوي، صححه وحققه: محمَّد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، الطبعة الأولى، 1376 هـ - 1957 م. - أنوار البروق في أنواء البروق (فروق القرافي): أَحْمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - أنيس الفقهاء: قاسم القونوي، تحقيق: د. أَحْمد الكبيسي، جدة، دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: إسماعيل باشا البغدادي، بيروت، دار الفكر، 1402 هـ - 1982 م. - الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان: نجم الدين بن الرفعة الأَنْصَارِيّ، تحقيق: د. مُحَمَّد أَحْمد الخاروف، دمشق، دار الفكر، 1400 هـ - 1980، نشر: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإِسلامي بكلية الشريعة بمكة. - بدائع الفوائد: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، بيروت، دار الكتاب العربي. - البداية والنهاية: إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: محمَّد عبد العزيز النجار، القاهرة، مطبعة الفجالة الجديدة. - بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود: خليل أَحْمد السهارنفوري، تعليق: محمَّد زكريا الكاندهلوي، الرياض، شركة الطباعة العربية السعودية. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: جلال الدين عبد الرَّحْمَن السيوطي، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1384 هـ - 1964 م.
- بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (بهامش الفتح الرباني): أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن البنا، جدة، دار العلم للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. - بلوغ المرام من أدلَّة الأحكام: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، تعليق: محمَّد خالد سيف، لايلبور بالباكستان: طارق أكيد مي، 1395 هـ - 1975 م. - البناية في شرح الهداية: محمود بن أَحْمد العيني، تصحيح: محمَّد عمر الرامفوري، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981 م. - تاج التراجم في طبقات الحنفية: قاسم بن قطلوبغا، كراتشي، مطبعة أيجو كيشتل. - تاج العروس من جواهر القاموس: محمَّد مرتضى الزبيدي، مصر، المطبعة الخيرية، مصور عن الطبعة الأولى، 1306 هـ. - تاريخ بغداد: أَحْمد بن عليّ الخَطيب البغدادي، المدينة، المكتبة السلفية. - تاريخ الدولة المغولية: د. عبد السلام عبد العزيز فهمي، القاهرة، دار المعارف. - تاريخ العراق بين احتلالين: عباس العزاوي، بغداد، مطبعة بغداد، 1353 هـ - 1935 م. - تاريخ علماء المستنصرية: د. ناجي معروف، القاهرة، مطبعة الشعب، الطبعة الثالثة. - تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام: أبو بكر بن محمَّد بن عاصم الأندلسي، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثَّانية، 1368 هـ - 1949 م. - تحفة المودود بأحكام المولود: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: عبد المنعم العاني، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. - تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة): محمَّد بن عبد الله بن بطوطة، القاهرة، المطبعة الخيرية، 1322 هـ. - تحقيق النصوص ونشرها: عبد السلام هارون، القاهرة، مطبعة المدنِيُّ، الطبعة الثَّانية، 1385 هـ - 1965 م. - تذكرة الحفاظ: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، حيدر أباد الدكن بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الثالثة، 1376 هـ - 1957 م.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: عياض بن موسى السبتي، تحقيق: د. أَحْمد بكير محمود، الناشر: مكتبة الحياة في بيروت، ودار مكتبة الفكر في ليبيا. - ترتيب مسند الشَّافعيّ: محمَّد بن إدريس الشَّافعيّ، رتبه: محمَّد عابد السندي، صححه: يوسف الزواوي الحسني، وعزت العطار الحسينى، مصر، مطبعة السعادة، 1951 م. - تصحيح الفروع (بهامش الفروع): علي بن سليمان المرداوي، راجعه: عبد الستار أَحْمد فراج، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1388 هـ - 1967 م. - التعريفات: علي بن محمَّد الجرجاني، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. - التعليق المغني على الدارقطني (بهامش سنن الدارقطني): محمَّد شمس الحق العظيم آبادي، تصحيح وتحقيق: عبد الله هاشم اليماني، القاهرة، دار المحاسن للطباعة، 1386 هـ - 1966 م. - التكملة لوفيات النقلة: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: بشار عواد معروف، النجف، مطبعة الآداب، 1388 هـ - 1968 م. - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، القاهرة، شركة الطباعة الفنية المتحدة، تصحيح وتعليق: عبد الله هاشم اليماني، 1384 هـ - 1964 م. - تلخيص مجمع الآداب: عبد الرَّزّاق بن أَحْمد بن الفوطي، تحقيق: د. مصطفى جواد، دمشق، المطبعة الهاشمية، 62 - 1967 م. - التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع: علي بن سليمان المرداوي، القاهرة، المطبعة السلفية. - تهذيب الأسماء واللغات: يحيى بن شرف النووي، بيروت، دار الكتب العلمية. - تهذيب التهذيب: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، حيدر أباد الدكن بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الطبعة الأولى، 1325 هـ. - تهذيب سنن أبي داود (مع معالم السنن للخطابي): محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: محمَّد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية.
- تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (بهامش الفروق): محمَّد علي بن الشيخ حسين مفتي المالكية، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - تهذيب اللغة: محمَّد بن أَحْمد الأزهري، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، دار القومية العربية، 1384 هـ - 1964 م. - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: محمَّد بن جرير الطبري، بيروت، دار الفكر، 1405 هـ - 1984 م. - جامع التواريخ: رشيد الدين فضل الله الهمداني، ترجمة: محمَّد نشأت، محمَّد هنداوي، فؤاد الصياد، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، نشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر. - الجامع الصحيح (صحيح البُخَارِيّ): محمَّد بن إسماعيل البخاري، مصر: مطبعة دار إحياء الكتب العربية. - الجامع الصحيح (صحيح مسلم): مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - الجامع الصحيح (صحيح التِّرْمِذِيّ): محمَّد بن عيسى بن سورة التِّرْمِذِيّ، تحقيق: أَحْمد محمَّد شاكر، بيروت، دار إحياء التراث العربي. - الجامع الصغير (مع شرحه فيض القدير): جلال الدين عبد الرَّحْمَن السيوطي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثَّانية، 1393 هـ - 1972 م. - الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أَحْمد: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي، تحقيق: د. عبد الرَّحْمَن العثيمين، القاهرة، مطبعة المدنِيُّ، الطبعة الأولى، 1407 هـ - 1987 م. - الجوهر النقي على سنن البيهقي (بهامش السنن الكبرى للبيهقي): علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني، حيدر أباد الدكن بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى. - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري: أبو بكر بن عليّ بن محمَّد الحداد اليمني، ملتان، باكستان، المكتبة الإمدادية. - حاشية الباجوري على الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (بهامش الاقناع): إبراهيم الباجوري، بيروت، دار المعرفة. - حاشية ابن قاسم على الروض المربع: عبد الرَّحْمَن بن محمَّد بن قاسم، الرياض، المطابع الأهلية للأوفست، الطبعة الأولى، 1400 هـ.
- حاشية العنقري على الروض المربع: عبد الله بن عبد العزيز العنقري، القاهرة، مطبعة السعادة، 1390 هـ - 1970 م. - حاشية المقنع في فقه إمام السنة أَحْمد بن حنبل (بهامش المقنع): منقولة من خط سليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب، القاهرة، المطبعة السلفية ومكتبتها. - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة: منسوب لعبد الرَّزّاق بن أَحْمد بن الفوطي، بعناية: د. مصطفى جواد، بغداد، مطبعة الفرات، 1351 هـ. - الحياة الفكرية في العراق في القرن السابع: د. محمَّد مفيد آل ياسين، بغداد، الدار العربية للطباعة، الطبعة الأولى، 1399 هـ - 1979 م. - الحيوان: عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. - درر الحكام في شرح غرر الأحكام: محمَّد بن فراموز الشهير بمنلاخسرو، الطبعة التركية، 1308 هـ. - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، بيروت، دار الجيل. - الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي: يوسف بن حسن بن عبد الهادي، دراسة وتحقيق: رضوان مختار بن غريبة، رسالة دكتوراه في الفقه والأُصول بجامعة أم القرى بمكة، 1408 هـ - 1988 م. - دلائل النبوة: أَحْمد بن الحسين البيهقي، علَّق عليه: د. عبد المعطي الصياد، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - دليل خارطة بغداد: د. مصطفى جواد، ود. أَحْمد سوسه، بغداد، المجمع العلمي العراقي، 1378 هـ - 1958 م. - دول الإِسلام: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، قطر، مطابع قطر الوطنية، الناشر: إدارة إحياء التراث الإِسلامي بدولة قطر. - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن عليّ بن فرحون، تحقيق: محمَّد الأحمدي أبو النور، القاهرة، دار التراث العربي. - ذيل طبقات الحنابلة: عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رجب، بيروت، دار المعرفة. - رحلة ابن جبير: محمَّد بن أَحْمد بن جبير، بيروت، دار صادر، دار بيروت، 1384 هـ - 1964 م.
- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: محمَّد بن عبد الرَّحْمَن الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، قطر، مطابع قطر الوطنية، نشر: إدارة الشؤون الدينية بدولة قطر. - الروايتين والوجهين: محمَّد بن الحسين بن الفراء (القاضي أبو يعلى)، تحقيق: د. عبد الكريم بن محمَّد اللاحم، الرياض، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - روضة الطالبين: يحيى بن شرف النووي، بيروت، المكتب الإِسلامي، 1395 هـ - 1975 م. - الروض المربع بشرح زاد المستقنع: منصور بن يونس البهوتي، القاهرة، المطبعة السلفية، الطبعة الثالثة، 1380 هـ. - الروض المعطار في خبر الأقطار: محمَّد بن عبد المنعم الحميري، تحقيق: د. إحسان عباس، بيروت، مطابع هيدلبرغ، الطبعة الثَّانية، 1984 م. - روضة الناظر وجنة المناظر: عبد الله بن أَحْمد بن قدامة المقدسيّ، القاهرة، المطبعة السلفية، الطبعة الخامسة، 1395 هـ. - الروض الندي شرح كافي المبتدي: أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد البعلي، تصحيح: عبد الرَّحْمَن حسن محمود، القاهرة، مطابع الدجوي. - زاد المعاد في هدي خير العباد: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1405 هـ - 1985 م. - سد الذرائع في الشريعة الإِسلامية: محمَّد هشام البرهاني، بيروت، مطبعة الريحاني، الطبعة الأولى، 1406 هـ - 1985 م. - السلوك لمعرفة دول الملوك: أَحْمد بن عليّ المقريزي، نشره: محمَّد مصطفى زيادة، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والنشر، 1971 م. - السمط الثمين في مناقب أمهات المُؤْمنين: أَحْمد بن عبد الله الطبري، القاهرة، مطبعة الحلبي. - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، مراجعة: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، مكة، دار الباز للنشر والتوزيع. - سنن ابن ماجه: محمَّد بن يزيد القزويني (ابن ماجه)، تحقيق: د. محمَّد مصطفى الأعظمي، الرياض، شركة الطباعة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
- سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني، تصحيح وتحقيق: عبد الله هاشم اليماني، القاهرة، دار المحاسن للطباعة، 1386 هـ - 1966 م. - السنن الكبرى: أَحْمد بن الحسين البيهقي، حيدر آباد الدكن - بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى. - سنن النَّسائيّ (بشرح السيوطي وحاشية السندي): أَحْمد بن شعيب النَّسائيّ، بيروت، المكتبة العلمية. - سير أعلام النبلاء: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: مجموعة من المحققين، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثَّانية، 1402 هـ - 1982 م. - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: محمَّد بن محمَّد مخلوف، بيروت، دار الفكر. - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1399 هـ - 1979 م. - شرح ألفية ابن مالك: عبد الله بن عقيل العقيلي، بيروت، دار الفكر، الطبعة السادسة عشر، 1394 هـ - 1974 م. - شرح السنَّة: الحسين بن مسعود البَغَوِيّ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثَّانية، 1403 هـ - 1983 م. - شرح صحيح مسلم: يحيى بن شرف النووي، بيروت، دار الفكر للطباعة، 1401 هـ - 1981 م. - شرح الطحاوي في العقيدة السلفية: علي بن عليّ بن أبي العز الحنفي، تحقيق: أَحْمد محمَّد شاكر، الرياض، المطابع الأهلية للأوفست. - شرح العقيدة الواسطية: محمد خليل الهراس، الرياض، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1403 هـ - 1983 م. - الشرح الكبير: عبد الرَّحْمَن بن محمَّد بن قدامة المقدسيّ، الرياض، جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية. - الشرح الكبير لمختصر خليل (بهامش حاشية الدسوقي): أَحْمد بن محمَّد الدردير، بيروت، دار الفكر. - شرح الكوكب المنير: محمَّد بن أَحْمد الفتوحي ابن النجار، تحقيق: د. محمَّد الزحيلي، ود. نزيه حماد، دمشق، دار الفكر، 1400 هـ - 1980 م، نشر: جامعة أم القرى بمكة.
- شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس البهوتي، بيروت، دار الفكر. - الصارم المسلول على شاتم الرسول: أَحْمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، مصر، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1379 هـ - 1960 م. - صحيح ابن خزيمة: محمَّد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: د. محمَّد مصطفى الأعظمي، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1395 هـ - 1975 م. - طبقات الحنابلة: محمَّد بن أبي يعلي بن الفراء، بيروت، دار المعرفة. - طبقات الشافعية: أبو بكر بن أَحْمد بن قاضي شهبة، تصحيح: د. عبد العلم خان، حيدر أباد الدكن - بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1398 هـ - 1978 م. - طبقات الشافعية: عبد الرَّحِيم الإسنوي، تحقيق: عبد الله الجبوري، الرياض، دار العلوم للطباعة والنشر، 1400 هـ - 1981 م. - طبقات الشافعية الكبرى: عبد الوهَّاب بن عليّ السبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى، 1383 هـ - 1964 م. - طبقات الفقهاء: إبراهيم بن عليّ الشيرازي، تحقيق: د. إحسان عباس، بيروت، دار الرائد العربي، الطبعة الثَّانية، 1401 هـ - 1981 م. - طبقات المفسرين: محمَّد بن عليّ بن أَحْمد الداودي، تحقيق: علي محمَّد عمر، القاهرة، مطبعة الاستقلال الكبرى, الطبعة الأولى، 1392 هـ - 1973 م. - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، مصر، مطبعة الآداب والمؤيد، 1317 هـ. - طلبة الطلبة: نجم الدين بن حفص النسفي، تحقيق: خليل ألميس، بيروت، دار القلم، الطبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م. - العبر في خبر من غير: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: محمَّد السعيد زغلول، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - عدة البروق في جمع ما في المذهب من المجموع والفروق: أَحْمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق: حمزة أبو فارس، بيروت، دار الغرب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1410 هـ - 1990 م.
- العراق في التاريخ: مجموعة من المؤلفين، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1403 هـ - 1983 م. - العراق في عهد المغول الإيلخانيين: جعفر حسين خصباك، بغداد، مطبعة العاني، الطبعة الأولى، 1968 م. - عقد الفرائد وكنز الفوائد: محمَّد بن عبد القوي المقدسيّ، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1384 هـ - 1964 م. - عقد القرض في الشريعة الإِسلامية: د. نزيه حماد، بيروت: الدار الشامية، دمشق: دار القلم، الطبعة الأولى، 1411 هـ - 1991 م. - علماء النظاميات ومدارس المشرق الإِسلامي: ناجي معروف، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1973 م. - عَلَم الجذل في عِلْم الجدل: سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق: فولفهارات هاينريشس، عمان، مطبعة كتابكم، 1408 هـ - 1987 م. - عمدة القاري شرح صحيح البُخَارِيّ: محمود بن أَحْمد العيني، بيروت، دار الفكر، 1399 هـ - 1979 م. - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى: مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، القاهرة، مطبعة الكيلاني، الطبعة الثَّانية. - غاية النهاية في طبقات القراء: محمَّد بن محمَّد الجزري، عني بنشره: ج. براجستراسر، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1351 هـ - 1932 م. - فتح الباري بشرح صحيح البُخَارِيّ: أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، القاهرة، المطبعة السلفية ومكتبتها. - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أَحْمد بن حنبل الشَّيبانِيّ: أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن البنا، جدة، دار العلم للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: محمَّد بن عليّ الشوكاني، بيروت، دار الفكر. - الفروع: شمس الدين محمَّد بن مفلح، راجعه: عبد الستار أَحْمد فراج، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1388 هـ - 1967 م. - الفروق: أسعد بن محمَّد الكرابيسي، تحقيق: د. محمَّد طموم، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، الطبعة الأولى، 1402 هـ - 1982 م.
- الفروق (كتاب الطهارة والصلاة): عبد الله بن يوسف الجويني، تحقيق: عبد الرَّحْمَن المزيني، رسالة ماجستير في كلية الشريعة بجامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية بالرياض، 1406 هـ. - فهرس مخطوطات البحرين: د. علي أَبا حسين، البحرين، المطبعة الحكومية لوزارة الأعلام، نشر: مركز الوثائق التاريخية بدولة البحرين. - الفوائد البهية في تراجم الحنفية: محمَّد عبد الحي اللكنوي، بيروت، دار المعرفة. - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة: أَحْمد بن محمَّد المنقور، بيروت، المكتب الإسلامي. - فيض القدير بشرح الجامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثَّانية، 1393 هـ - 1972 م. - القاموس المحيط: مجد الدين محمَّد بن يعقوب الفيروز آبادي، بيروت، دار الفكر، 1403 هـ - 1983 م. - قصة الحضارة: تأليف ول ديورانت، ترجمة: مجموعة من المترجمين، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة الثَّانية، 1965 م، نشر: جامعة الدول العربية. - القواعد: عبد الرَّحْمَن بن رجب الحنبلي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - القواعد: محمَّد بن محمَّد المقري، تحقيق: د. أَحْمد بن حميد، مكة، شركة مكة للطباعة، الناشر: جامعة أم القرى بمكة. - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، بيروت، دار الكتب العلمية. - القواعد والفوائد الأُصولية: علي بن عباس البعلي الحنبلي، تحقيق: محمَّد حامد الفقي، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. - الكافي في فقه الإمام أَحْمد بن حنبل: عبد الله بن أَحْمد بن قدامة المقدسيّ، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثَّانية، 1399 هـ - 1979 م. - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي الجرجاني، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثَّانية، 1405 هـ - 1985 م. - كتاب الصلاة: محمَّد بن أبي بكر ابن القيم، لاهور، المكتبة السلفية.
- كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي، بيروت، دار الفكر، 1402 هـ - 1982 م. - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة، بيروت، دار الفكر، كشف المخدرات شرح أخصر المختصرات: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله البعلي، القاهرة، المطبعة السلفية. - الكليات: أَيُّوب بن موسى الحسيني الكفوي، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، الطبعة الثَّانية، 1981 م. - لسان العرب: جمال الدين محمَّد بن مكرم بن منظور، بيروت، دار صادر. - المبدع في شرح المقنع: إبراهيم بن محمَّد بن عبد الله بن مفلح، بيروت، المكتب الإِسلامي. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت، دار الفكر، 1408 هـ - 1988 م. - المجموع شرح المهذب: يحيى بن شرف النووي، القاهرة، مطبعة العاصمة. - مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية: جمع: عبد الرَّحْمَن بن محمَّد بن قاسم، الرباط، مكتبة المعارف. - المحرر في الفقه: مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1369 هـ - 1950 م. - المحصول في علم أصول الفقه: محمَّد بن عمر الرَّازيّ، تحقيق: طه جابر العلواني، الرياض، جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية. - المحلى: محمَّد بن عليّ بن حزم، بيروت، دار الآفاق الجديدة. - مختار الصحاح: محمَّد بن أبي بكر الرَّازيّ، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1369 هـ - 1950 م. - مختصر الخرقي: عمر بن الحسين الخرقي، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثالثة، 1403 هـ. - مختصر سنن أبي داود (مع معالم السنن للخطابي): عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: محمَّد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة أنصار السنة. - المدارس الشرابية: ناجي معروف، بغداد، مطبعة الإرشاد، الطبعة الأولى، 1385 هـ - 1965 م.
- المدخل إلى مذهب الإمام أَحْمد بن حنبل: عبد القادر بن بدران الدِّمشقيّ، صححه: د. عبد الله التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثَّانية، 1401 هـ - 1981 م. - المذهب الأحمد في مذهب الإمام أَحْمد: يوسف بن عبد الرَّحْمَن بن الجوزي، القاهرة، مطبعة الكيلاني، الطبعة الثَّانية. - مراتب الإجماع: علي بن أَحْمد بن حزم، بيروت، دار الكتب العلمية. - مراصد الاطلاع على الأمكنة والبقاع: عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي، تحقيق: علي محمَّد البجاوي، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1373 هـ - 1954 م. - مسائل الإمام أَحْمد: إسحاق بن إبراهيم بن هانئ، تحقيق: زهير الشاويش، دمشق، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1400 هـ. - مسائل الإمام أَحْمد: سليمان بن الأشعث السجستاني (أبو داود)، مصر، مطبعة المنار، الطبعة الأولى، 1353 هـ. - مسائل الإمام أَحْمد: صالح بن أَحْمد بن حنبل، تحقيق: فضل الرَّحْمَن دين محمَّد، دلهي، الدار العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. - مسائل الإمام أَحْمد: عبد الله بن أَحْمد بن حنبل، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981 م. - المسائل الماردينية: أَحْمد بن عبد الحليم بن تيمية، بيروت، المكتب الإسلامي. - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النَّيْسَابُورِيّ، حلب، مكتبة المطبوعات الإِسلامية. - مشكل الآثار: أبو جعفر أَحْمد بن محمَّد الطحاوي، حيدر أباد الدكن بالهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الطبعة الأولى. - المصباح المنير: أَحْمد بن محمَّد الفيومي، بيروت، المكتبة العلمية. - مصطلحات الفقه الحنبلي: سالم بن عليّ الثَّقَفيّ، القاهرة، دار النصر للطباعة الإِسلامية، الطبعة الأولى، 1398 هـ - 1978 م. - المصنف: عبد الرَّزّاق بن همام الصَّنْعانِيّ، تحقيق: حبيب الرَّحْمَن الأعظمي، بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى.
- المصنف في الأحاديث والآثار: عبد الله بن محمَّد بن أبي شيبة، تحقيق: مختار أَحْمد الندوي، بومباي - الهندي، الدار السلفية، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981 م. - مطالب أولي النهي في شرح نهاية المنتهى: مصطفى السيوطي الرحيباني، دمشق، المكتب الإِسلامي. - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع الفوارق: عبد الرَّحِيم بن الحسن الإسنوي، تحقيق: نصر فريد واصل، رسالة دكتوراة في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عام 1392 هـ. - المطلع على أبواب المقنع: محمَّد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، دمشق، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1385 هـ - 1965 م. - معالم السنن (مع مختصر سنن أبي داود): أبو سليمان أَحْمد بن محمَّد الخطابي، تحقيق: محمَّد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنَة المحمدية. - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: بشار عواد معروف، وشعيب الأرناؤوط، وصالح مهدي عباس، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404 هـ - 1984 م. - معجم البلدان: ياقوت بن عبد الله الحموي، بيروت، دار صادر، ودار بيروت. - معجم الشيوخ (المعجم الكبير): محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: د. محمَّد الحبيب الهيلة، الطائف، مكتبة الصديق، الطبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. - المعجم الصغير: سليمان بن أَحْمد الطَّبْرَانِيّ، صححه: عبد الرَّحْمَن محمَّد عثمان، القاهرة، دار النصر للطباعة، 1388 هـ - 1968 م. - معجم لغة الفقهاء: د. محمَّد رواس قلعه جي، ود. حامد صادق قنيبي، بيروت، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - المعجم المختص (بالمحدثين): محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: د. محمَّد الحبيب الهيلة، الطائفة، مكتبة الصديق، الطبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. - معجم المناهي اللفظية: بكر بن عبد الله أبو زيد، الرياض، مطابع الفرزدق، الطبعة الأولى، 1410 هـ - 1989 م. - معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، بيروت، دار إحياء التراث العربي. - المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وزملاؤه، قطر، مطابع قطر الوطنية، 1985 م، نشر: إدارة إحياء التراث الإِسلامي بدولة قطر.
- المغرب في ترتيب المعرب: ناصر بن عبد السيد بن عليّ المطرزي، بيروت، دار الكتاب العربي. - المغني: عبد الله بن أَحْمد بن قدامة المقدسيّ، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة. - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمَّد الشربيني الخَطيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي. - مفتاح دار السعادة: محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، بيروت، دار الكتب العلمية. - مفتاح السعادة ومصباح السيادة: أَحْمد بن مصطفى المشهور بطاش كبرى زاده، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الجاسر، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، 1372 هـ - 1953 م. - المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها: محمَّد نجم الدين الكردي، القاهرة، مطبعة السعادة، 1404 هـ - 1984 م. - المقصد الأرشد: إبراهيم بن محمَّد بن مفلح، تحقيق: د. عبد الرَّحْمَن العثيمين، القاهرة، مطبعة المدنِيُّ، الطبعة الأولى، 1410 هـ - 1990 م. - المقنع في فقه إمام السنة أَحْمد بن حنبل: عبد الله بن أَحْمد بن قدامة المقدسيّ، القاهرة، المطبعة السلفية ومكتبتها. - مناقب الإمام أَحْمد: عبد الرَّحْمَن بن الجوزي، تحقيق: د. عبد الله التركي، مصر، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1399 هـ - 1979 م. - منتخب المختار من تاريخ علماء بغداد: محمَّد بن أَحْمد الفاسي المكيّ، صححه: عباس العزاوي، بغداد، مطبعة الأهالي، 1357 هـ - 1938 م. - المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله بن عليّ بن الجارود، القاهرة، مطبعة الفجالة، 1382 هـ - 1963 م. - منتهى الإرادات: محمَّد بن أَحْمد الفتوحي الحنبلي، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، بيروت، عالم الكتب. - المنثور في القواعد: محمَّد بن بهادر الشَّافعيّ، تحقيق: د. تيسير فائق محمود، الكويت، شركة دار الكويت للصحافة، الطبعة الثَّانية، 1405 هـ - 1985 م.
- منح الشفا الشافيات: منصور بن يونس البهوتي، تحقيق: د. عبد الله المطلق، قطر، إدارة إحياء التراث الإِسلامي بدولة قطر. - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أَحْمد: عبد الرَّحْمَن بن محمَّد العليمي، تحقيق: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثَّانية، 1404 هـ - 1984 م. - المهذب في فقه الإمام الشَّافعيّ: إبراهيم بن عليّ الشيرازي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - الموطأ (مع شرحه المنتقى): مالك بن أنس الأصبحي، بيروت، دار الفكر العربي. - ميزان الاعتدال: محمَّد بن أَحْمد الذهبي، تحقيق: علي محمَّد البجاوي، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1382 هـ - 1963 م. - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: يوسف بن تغري بردي الأتابكي، القاهرة، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى. - نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر: عبد القادر بن أَحْمد بن بدران، بيروت، دار الكتب العلمية. - نصب الراية لأحاديث الهداية: عبد الله بن يوسف الزيلعي، الناشر: المكتبة الإِسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ، الطبعة الثَّانية، 1393 هـ - 1979 م. - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية (بهامش المحرر): شمس الدين محمَّد بن مفلح، القاهرة، مطبعة السنَّة المحمدية، 1369 هـ - 1950 م. - النهاية في غريب الحديث والأثر: المبارك بن محمَّد بن الأثير، تحقيق: طاهر الزواوي، محمود الطناحي، الناشر: المكتبة الإِسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ. - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: محمَّد بن عليّ الشوكاني، بيروت، دار الفكر، 1402 هـ - 1982 م. - الهداية: محفوظ بن أَحْمد الكلوذاني، تحقيق: إسماعيل الأَنْصَارِيّ، صالح السليمان العمري، طبع في مطابع القصيم، الطبعة الأولى، 1390 هـ. - الهداية شرح بداية المبتدي: برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، مصر، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
- هدية العارفين (أسماء المؤلفين وآثار المصنفين): إسماعيل باشا البغدادي، بيروت، دار الفكر، 1402 هـ - 1982 م. - الوافي بالوفيات: خليل بن إيبك الصفدي، تحقيق: جماعة من المحققين، بيروت، دار الأندلس، 1401 هـ - 1981 م. - وفيات الأعيان: أَحْمد بن محمَّد بن خلكان، تحقيق: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1367 هـ - 1948 م.