إلقاء الضوء القرآني على كتابة الدكتور علوي حول النبهاني

عبد القادر بن حبيب الله السندي

إلقاء الضوء القرآني على كتابة الدكتور علوي حول النبهاني

إلقاء الضوء القرآني (على كتابة الدكتور علوي حول النبهاني) لفضيلة الشيخ عبد القادر حبيب السندي المدرس بمعهد الحرم المكي الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد: فلقد كنت قد حررت بعض الملاحظات الخفيفة على كتابة فضيلة الدكتور السيد محمد حسن بن السيد علوي بن عباس المدرس بالمسجد الحرام، وبكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، تلك الكتابة التي كتبها أخونا الدكتور مدحا، وثناء على الشيخين.. محمد زاهد الكوثري، وأحمد زيني دحلان، وكنت قد بينت بعض حال المذكورين في مقال متواضع نشرته مجلة الجامعة الإسلامية الغراء في عددها الثالث من السنة السابعة، وهو بعنوان ((عرض ونقد لما كتبه الدكتور محمد علوي مالكي حول الكوثري والدحلان)) . وكنت قد نفيت في المقال المذكور معرفتي لبقية الرجال الذين ترجم لهم الأخ الدكتور وهم الذين تتلمذ عليهم والده السيد الشيخ علوي بن عباس رحمه الله تعالى أو كانت له بهم صلة علمية، إلا أنني قد أمعنت النظر مرة ثانية فيما كتبه أخونا العزيز الدكتور السيد محمد علوي في رسالته ((إتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية)) المطبوعة بدمشق الشام في عام 1387هـ 1967م فوجدت رجلا آخر قد ترجم له الأخ الدكتور في رسالته المذكورة وهو الشيخ ((يوسف بن إسماعيل بن حسن النبهاني الشامي)) صاحب الكتاب ((شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق)) ذلك الكتاب الذي رد عليه العلامة الإمام محمود شكري الألوسي في كتابه البارع العظيم (غاية الأماني في الرد على النبهاني) هذا الكتاب المبارك الذي يقول عنه شيخنا العلامة الشيخ محمد بن

عبد الله بن سبيل النائب للشئون الدينية بالمسجد الحرام، وإمام الحرم المكي متعنا الله بحياته ناقلا عن العلامة الشيخ رشيد رضا ((المنار 785-12)) (غاية الأماني في الرد على النبهاني) كتاب مؤلف من سفرين كبيرين لأحد علماء العراق الأعلام، المكنى بابي المعالي الحسيني السلامي الشافعي، رد فيها ما جاء به النبهاني في كتابه ((شواهد الحق)) من الجهالات. والنقول الكاذبة والآراء السخيفة، والدلائل المقلوبة في جواز الاستغاثة بغير الله تعالى، وما تعدى به طوره في سب أئمة العلم، وأنصار السنة، كشيخ الإسلام بن تيمية، إلى أن قال: "وفي هذا الكتاب ما لا أحصيه من الفوائد العلمية، في التوحيد، والحديث والتفسير، والفقه والتاريخ، والأدب، وما انفرد به بعض المشاهير، فأنكره العلماء عليه كالإنكار على الغزالي وابن عربي الحاتمي وغيرهما، فعلى هذا الكتاب نُحِيلُ الذين يكتبون إلينا في المشرق والغرب يسألوننا أن نرد على النبهاني، وكذا من اغتروا بقوله، ونُقُولِه وظنوا أن قولنا في الاعتذار عن عدم قراءة كتبه، والرد عليها أنه لا يوثق بعمله، ولا نقله، هو من قبيل السب حاشا لله ما هو إلا ما نعتقده فيه أو في كتبه بعد النظر في بعضها، ورؤية ما فيها من الأحاديث الموضوعة، والنقول المكذوبة، والاستنباطات الباطلة فمن جعل نفسه بالاستنباط مجتهدا وهو ينكر الاجتهاد، ويعترف بأنه ليس أهلا له" اه‍1. قلت: ولقد وجدت الأخ الدكتور محمد علوي مع وجود كلام أهل العلم في النبهاني قد أثنى عليه في رسالته المذكورة ثناء عطرا ووصفه بأوصاف كبيرة، ولقبه بألقاب ضخمة، وهو بعيد عنها بعد المشرق من المغرب، فلما كان هذا الثناء العظيم، والوصف مخالفا للواقع، وتأييدا له في طعنه في أئمة الدعوة المحمدية من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تعبهم بإحسان إلى يوم الدين في النهج القويم، والصراط المستقيم، والعقيدة الصافية النقية كالإمام شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية ومن معهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كالإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أحببت أن أُبين بعض حال النبهاني وما كان عليه من سوء الحال، وشنيع المقال مع بيان

_ 1من ترجمة المؤلف لشيخنا العلامة محمد بن عبد الله بن سبيل من غاية الأماني في الرد على النبهاني ص10/1.

منزلته العلمية، وما قام به من الطعن في دعوة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ونشره الكفر الصريح، والضلال المبين والبدع المذمومة بجميع أنواعها ناقلا ذلك عن كتابه شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، ليس ذلك تشنيعا على أحد أو شماتة فيه ولكن بيانا للحق إن شاء الله تعالى، ورفعا لشأن الدعوة المحمدية، ونشرها. ودفاعا عن الإسلام وعن دعوته الكريمة السامية. ولقد وجد في رسالة الأخ الدكتور محمد علوي ملاحظات أخرى ضرورية وهي خطيرة جدا سوف أتعرض لها إن شاء الله تعالى فيما بعد في حلقات مسلسلة بيانا للحق وتوضيحا له، وأداء للأمانة العلمية، وتبرئة للذمة أمام الله تعالى الله الذي أخذ الميثاق والعهد على أهل العلم بتبليغ الحق وتفسيره أمام الخلائق مع دعائي وتضرعي إلى الله جل وعلا أن يجعلنا والأخ الدكتور وسائر أهل العلم من دعاة الحق وأنصاره، وأعوانه حتى نلقى الله تعالى بلقاء كريم مرض فإن وفقت في هذه الكتابة بإصابة الحق والصواب فهو محض كرم وفضل وتوفيق من الله تعالى، وإن كان غير ذلك فهو من نفسي، ومن الشيطان فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل. قال فضيلة الدكتور السيد محمد حسن في رسالته المذكورة مترجما الشيخ النبهاني (العلامة أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن حسن النبيهاني، الشامي، الشافعي مذهبا، المولود سنة 1266هـ‍ والمتوفى 1350هـ‍ حسان آل البيت، وبوصيري عصره، الشاعر، المفلق، الذائع الصيت، محب آل البيت، متمكن في اللغة العربية، والفنون الأدبية، مداوم المطالعة، ولم يشتغل بالتأليف في العلوم الأدبية مع تبحره فيها، بل اقتصر على المدائح النبوية، والموضوعات الدينية، وأول ما ظهر من مؤلفاته: ((الشرف المؤبد لآل سيدنا محمد)) 1. قلت: يا أخي العزيز لا يوافقكم أهل العلم العالمون بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ممن عرفوا هذا الرجل معرفة جيدة بتشبيهكم له بحسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن رسالته السامية المخرجة عن ظلمات الشرك والبدعات إلى نور العلم الصحيح، والتوحيد الخالص والعقيدة الصافية النقية قال الحافظ:

_ 1 إتحاف ذوي الهمم العلية ص 26_27.

"وفي الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال: مر عمر رضي الله تعالى عنه على حسان في المسجد وهو ينشد الشعر فلحظ إليه، فقال: "كنت أنشد وفيه من هو خير منك"، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: "أنشدك الله أسمعت النبي صلى الله عليه وسل يقول: "أجب عني. اللهم أيده بالروح القدس" وقد أخرج الشيخان أيضا من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان: "أهجهم أو هاجهم وجبريل معك"، وقال الإمام أبو داود في سننه: حدثنا لوين، عن أبي الزناد عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائما يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " 1، قلت: فهذه الأحاديث نص صريح على أنه صلى الله عليه وسلم رضي بشعر حسان ووافقه على ما دعا إليه من تقوية العقيدة الإسلامية وهجاء الكفار المعاندين لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعره فدعا له صلى الله عليه وسلم بالتأييد، والتوفيق، والسداد، فأين منزلة هذا الصحابي الجليل المؤيد بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له من منزلة الشيخ النبهاني الذي قضى حياته كلها تقريبا في معارضة الدعوة المحمدية، وهي دعوة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كما سوف يأتي ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى كفى الشيخ النبهاني كفرا بواحا، ومعصية كبيرة، ومخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينه المتين ونظامه الرفيع أن يرأس في آخر حياته محكمة الحقوق المدنية ببيروت وهي محكمة مدنية، لا دينية لا يخفى حالها السيئ، ونظامها اللعين المخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الأستاذ عمر رضا كحالة: "تولى القضاء في قعبة جينين من أعمال نابلس، ورحل إلى القسطنطينية، وعين قاضيا بكوى سنجق من أعمال ولاية الموصل، فرئيسا لمحكمة الجزاء باللاذقية، ثم بالقدس، فرئيسا لمحكمة الحقوق ببيروت"2 وقال الأستاذ الكبير خير الدين الزركلي: "قال صاحب معجم الشيوخ: للنبهاني كتب كثيرة خلط فيها الصالح بالطالح، وحمل على

_ 1 الإصابة 326/1. 2 معجم المؤلفين 275-276/13.

أعلام الإسلام كابن تيمية وابن القيم حملات شعواء، وتناول مثل الإمام الألوسي المفسر، والشيخ محمد عبده، والسيد جمال الدين الأفغاني، وآخرين ورد عليه محمود شكري الألوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني، والثاني الآية الكبرى على الرائية الصغرى"1. قلت: كيف هو محب آل البيت النبوي ويرأس في آخر حياته محكمة الحقوق المدنية ببيروت يقول العلامة الألوسي بعدما نقل عنه العقائد الفاسدة الكفرية كعقيدة وحدة الوجود والاتحاد والحلول قال رحمه الله تعالى: "هذا حال النبهاني في عقائده، وجهله في العلوم العقلية والنقلية أشهر من أن ينبه عليه كما ستعلمه إن شاء الله تعالى. لكن بقي علينا بيان حاله وما هو عليه إلى اليوم من أفعاله، وأعماله، وحيث أني لم أقف على حقيقة أمره وإن كان ما نشره من الكتب تطلعنا على حلوه ومره - سألت عنه بعض الأفاضل من الأصحاب ممن رآه واجتمع به وعرف ما عنده من الفصول والأبواب، فكتب كلاما طويلا فيه، وعرفني بظاهره، وخافيه فمن ذلك قوله: إن النبهاني قد قضى شطرا من عمره في المحاكم النظامية، وتسمى أيضا بالمحاكم القانونية" - ثم ذكر كلاما طويلا في بيان حال تلك القوانين وما فيها من المخالفة لقواعد الدين - ثم قال: "إن النبهاني تولى رياسة الجزاء في بيت الله المقدس عددا كثيرا من الأعوام، وبين حقيقة هذا المنصب وما يتعاطاه الرئيس من الأحكام، قال: ثم تحول إلى رياسة محكمة البداية في بيروت، وبين ما يرى في هذا المحل من الوظائف والمواد، ثم قال: وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، قلت: إن كان صادقا عليه ذلك المقال يكون تائها في أودية الجهل والضلال، فكيف يدعى الإيمان فضلا عن دعواه المحبة لسيد ولد عدنان، وهو معرض عن هديه، وسنته، ناء عن العمل بشريعته فهلا قرأ قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} "2 قلت: فليقارن بين ما ادعى من المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآله وبين ما تولى من المناصب الهامة في تلك المحاكم القانونية المدنية المخالفة لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النظام العادل الموافق للطبيعة البشرية جميعا، فعجبا لهذه المحبة المزعومة

_ 1 الإعلام 229/9. 2 المائدة: 44- 45- 47 انظر غاية الأماني 53/1.

ودعوى صاحبها الطويلة العريضة وهو بعيد عنها بعد المشرقين عن المغربين فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأما البوصيرى فهو محمد بن سعيد البوصيري الشاعر فلم يكن من أهل العلم ولا البصيرة، وكان يعاني من الكتابة كما حكى ذلك العلامة ابن العماد في شذرات الذهب، والصفدي في الوافي بالوفيات، وابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات وغيرهم من أهل العلم رحمهم الله تعالى فماله معروف عندهم وهو صاحب قصيدة البردة وأكثر شعره مخالف لدعوة الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وكانت وفاته في مصر في القرن السابع في بوصير قرية (من قرى مصر) وليست له منزلة علمية كبيرة، فلا بأس أن تشبهوا النبهاني به لأنهما وقفا موقفا واحدا يحاربان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الدعوة الكريمة التي لأجلها أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الأذى من قريش وانجرحت قدماه بالطائف، فهاجر لأجلها من مسقط رأسه صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فلقي في سبيل نشرها ما لقي من ألوان المتاعب والمصاعب التي لا نظير لها في تاريخ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ولأجلها سقطت ثنيتاه في غزوة أحد. وقد يكون حال البوصيري المذكور أحسن بكثير من حال النبهاني الذي ذهب مذهبا بعيدا جدا وقد نقله عنه الشيخ محمود شكري الألوسي في كتابه ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) إذ قال رحمه الله تعالى: "الأمر السابع من تلك الأمور: أن من علم حال النبهاني وما هو عليه من المعرفة، وما يعتقده من العقائد، ويراه من الآراء لم يلتفت إلى ما ذكره في كتابه الذي سماه (شواهد الحق) ولا غيره من هذيانه الصريح، فإن الرجل جاهل كما ستعلمه من رد كتابه هذا سقيم الفهم بأخبار العدول الثقاة، ورواية الصادقين من الرواة، وما نشره من هذيانه، أعدل شاهد على ذلك، وأصح دليل على ما هناك فضلا عما ذكره فيه جهابذة العصر الذين رأوه، وخالطوه، وعرفوا حاله، وشاهدوا أعماله، ومع ذلك نذكر كلام بعضهم فيه ليحمد الله من عوفي من شقائه، وعضال دائه، قال العلامة الفاضل السيد بدر الدين الحلبي في كتابه (الإرشاد والتعليم) عند ذكره مقالات الأمم ما نصه: "ومن شنيع مقالاتهم في الإسلام قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو منه زمان، ولا مكان يريدون بذلك أنه ما من زمان إلا وهو فيه موجود ولا من

مكان إلا وهو فيه موجود، قال حفظه الله تعالى - وهذه المقالة الشنيعة لم نرها لأحد من المتكلمين المتقدمين منهم والمتأخرين، ولا رأيناها في كتب العقائد، ولا كنا نظن أحدا يقول هذه المقالة الشنيعة وإنما ذكرها الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي صاحب الكتب الكثيرة في الأدعية والصلوات في منظومة له سماها ((طيبة الغراء)) ناقلا لها عن البرهان، الحلبي، قال: ذكر يوسف النبهاني أنه اطلع على رسالة ألفها البرهان الحلبي في هذا الموضوع فطالعها، وانتفع بها1 ثم أجابه الشيخ محمود الألوسي بقوله: ويا ليت شعري أي دليل قام عند هذا الذي قال هذه المقالة الشنيعة حتى قال بها.. هل تلا في ذلك آية منزلة من كتاب الله تعالى، أو حديثا صحيحا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن قال ذلك: فقد كذب وشهد على نفسه بالكذب أو ساق الدليل الذي أورده المتكلمون على أن الباري جل شأنه لا يحويه زمان ولا مكان في النبي صلى الله عليه وسلم فحكم له بما حكم به للباري جل وعلا فهو عين الشرك الصريح، ومثل هذه العقائد الفاسدة الباطلة الكاذبة يلقيها أهل الغفلة من المنتمين للعلم في آذان العامة فتصادف منهم قبولا، وتجتمع عليها قلوبهم حتى يصير من المتعذر نزعها من أذهانهم، وربما كفروا من أنكرها عليهم، ورأوا أن إنكار ذلك نوع من الإلحاد في الدين واستخفاف بصاحب الشريعة المطهرة صلى الله عليه وسلم" اه‍. قلت: هذه عقيدة أهل الحلول والاتحاد وهم القائلون بوحدة الوجود وإمامهم في ذلك محي الدين ابن عربي الحاتمي المكي صاحب ((فصوص الحكم)) و ((الفتوحات المكية)) وغيرها من الكتب الكفرية وهو القائل: "سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها" وقال عبد الكريم الجيلي: "إن النصارى لم يكفروا بأصل الحلول وإنما كفروا بالحصر الذي تضمنه كلامهم أن الله هو المسيح لا غيره من الأشياء ولو عمموا لم يكفروا" وهذا الكلام مما تقشعر منه جلود المؤمنين، نقول فقول النبهاني: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو منه زمان ولا مكان ناقلا ذلك عن البرهان الحلبي هو من شعب ذلك الوادي. وهناك بوصيري آخر. وهو إمام أهل الحديث في عصره وهو الإمام العلامة أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن قايمماز عثمان بن عمر الكناني المحدث شهاب الدين ولد في محرم سنة 762

_ 1غاية الأماني في الرد على النبهاني ص59/1.

سمع الكثير من البرهان التنوخي، والبلقيني، والعراقي، والهيثمي والطبقة وحدث، وخرج، وألف تصانيف حسنة، منها زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة، وزوائد سنن البيهقي الكبرى على الكتب الستة، وزوائد المسانيد العشرة على الكتب الستة، وهي مسند الطيالسي ومسند مسدد بن مسرهد، والحميدي، والعدني، وابن راهويه، وابن جميع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي أُسامة، وأبي يعلى ولم يزل مكبا على كتب الحديث وتخريجه إلى أن مات رحمه الله تعالى في محرم سنة أربعين وثمانمائة قاله الحافظ تقي الدين بن فهد المكي، فإن أردتم تشبيه النبهاني بهذا الحافظ فلا يرضى أحد من أهل العلم بالحديث فأرجو أن يكون قصدكم بالبوصيري محمد بن سعيد الشاعر المعروف. وأما قولكم في حق النبهاني: "متمكن في اللغة العربية، والفنون الأدبية، مداوم المطالعة، ولم يشتغل بالتأليف في العلوم الأدبية مع تبحره فيها". قلت: ليس الواقع كما ذكرتم بل الشواهد والحقائق التي سوف أنقلها لكم من كلامه في كتابه الذي سماه شواهد في الاستغاثة بسد الخلق ترد عليه ردا قاطعا فتجعله إنسانا لم يشم رائحة العلم أو عنده علم إلا أنه خالف طريق العلم الصحيحة عنادا، وتكبرا وزورا، وبهتانا على أئمة الدعوة المحمدية، وإن كان الأول فهو أهون وإن كان الثاني فالخطب جلل كبير خطير. إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم قال الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه ((شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق)) المطبوع بمصر سنة 1323هـ‍ (: "الباب الثالث في نقل كلام الإمام العلامة ناصر السنة في هذا الزمان سيدي أحمد دحلان مفتي الشافعية في مكة المشرفة في كتابه خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، وذكر الشبه التي تمسك بها الوهابية، ينبغي أولا أن نذكر الشبهات التي تمسك بها ابن عبد الوهاب في إضلال العباد، ثم نذكر الرد عليه ببيان أن كل ما تمسك به زور، وافتراء، وتلبيس على عوام الموحدين، فمن شبهاته التي تمسك بها زعمه أن الناس مشركون في توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء، والصالحين، وفي زيارتهم قبره صلى الله عليه وسلم، وندائهم له بقولهم: يا رسول الله نسألك الشفاعة، وزعم أن ذلك كله شرك، وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين

على الخواص والعوام من المؤمنين، كقوله تعالى: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} وقوله تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} وقوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} . وأمثال هذه الآيات كثير في القرآن كلها حملها على الموحدين، قال محمد بن عبد الوهاب: إن من استغاث أو توسل بالنبي صلى عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه يكون مثل هؤلاء المشركين، ويكون داخلا في عموم هذه الآيات، وجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثل ذلك1. قلت: هذا كلام شيخ والدكم نقلته لكم حرفيا، والذي وصفتموه بقولكم: "متمكن في اللغة العربية، والفنون الأدبية" يشهد عليه كلامه هذا بالجهل المركب، والسفاهة المتناهية لم يسبق لها مثال سابق في تاريخ العلم وأنا سوف أتصدى لكلامه هذا بالرد عليه فقرة فقرة مستعينا بالله جل وعلا ومستمدا العون منه سبحانه وتعالى لكي يتضح حاله وحال أتباعه الذين يضللون الأمة الإسلامية وما أكثرهم اليوم لا كثرهم الله تعالى. فأقول: إن عنوان كتابه هذا (شواهد الحق بالاستغاثة بسيد الخلق) غير صحيح فضلا عما في داخل الكتاب من الضلال المبين، والكفر الصريح، والكتاب أجدر به أن يسمى شواهد الضلال والكفر والعياذ بالله.

_ 1 شواهد الحق للنبهاني ص75_76 من طبعة سنة 1313 بمصر.

أخرج الإمام البخاري ومسلم وأحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره"، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا وقد أبلغتك ... " ثم ذكر الحديث1، قال الحافظ: "قوله: "لا أملك لك شيئا" أي من المغفرة لأن الشفاعة أمرها إلى الله تعالى، وقوله: "أبلغتك" أي فليس لك عذر بعد الإبلاغ 2". قلت فالشاهد في هذا الحديث الشريف على بطلان عنوان الكتاب - أي كتاب النبهاني - وعدم صحته واضح بين، وهو أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان هو صاحب الشفاعة العظمى - كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة - لا يغيث يوم القيامة أحدا قبل أن يأذن الله تعالى له بالشفاعة العظمى ليشفع لمذنبي أمته صلى الله عليه وسلم دون الكفار والمشركين، فكيف يستغاث به بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا الفانية إلى رفيقه الأعلى مع أن يوم القيامة هو أقرب الأوقات وأنسبها للاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول يوم القيامة لصاحب الفرس والبعير ويكرر: "لا أملك لك شيئا وقد أبلغتك" فالشيخ النبهاني في عنوان كتابه هذا يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في مقالته تلك المباركة يوم القيامة، والتي أجمعت الدنيا كلها من السلف والخلف من علماء السنة المطهرة وعلى رأسهم أئمة الهدى الأئمة الأربعة الإمام الجليل أبو حنيفة والإمام الشافعي، والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل والبخاري، ومسلم وغيرهم رحمهم الله تعالى على أن تلك المقالة صدق، وحق ودين وأن صاحب الفرس الذي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستغيثا به أن ذنبه ذلك ليس من الشرك بل من الكبائر، والذي يتبرأ منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يأذن له ربه جل وعلا بالشفاعة، فكيف حال

_ 1 أخرجه البخاري: الجهاد 189، مسلم: الإمارة 24ن والإمام أحمد في: السنة 426/2. 2 فتح الباري 185_186/6.

من يدعوه من دون الله تعالى ويستغيث به في أمور لا يستطيعها أحد إلا المولى جل وعلا. ومن هذا القبيل خطابه صلى الله عليه وسلم لابنته البتول فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين وعمته صفية بنت عبد المطلب الهاشمية القرشية رضي الله عنها، أخرج الإمام البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله تعالى عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قال: " يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا.. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا" 1. ومن هذا القبيل ما أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح، خطابه صلى الله عليه وسلم لعمه العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال العباس رضي الله عنه: " يا رسول الله أنا عمك كبرت سني، واقترب أجلي فعلمني شيئا ينفعني الله به"، قال: "يا عباس أنت عمي ولا أغني عنك من الله شيئا ولكن سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة" قالها ثلاثا". الحديث2. فكان النبي صلى الله عليه وسلم - معاذ الله - عند الشيخ النبهاني - ومن سار على نهجه - الذي هو متمكن في اللغة العربية ومحب آل البيت في نظركم في عنوان كتابه ((شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق)) غير صادق في خطابه هذا لجملة من أقاربه صلى الله عليه وسلم وهم عمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة رضي الله تعالى عنهم. وهؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا من أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم الذين اعترفوا بتخلفهم من غير عذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم صلى الله عليه وسلم تلك المقالة المعروفة التي تناقلها ثقاة المحدثين بأسانيدهم الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا حتى يقضي الله

_ 1 أخرجه البخاري في الجامع الصحيح. 2 الإمام أحمد في المسند 206/1.

فيكم وليس لكم عندي شيء يخرجكم من موقفكم هذا"، ونهى جميع الصحابة رضي الله عنهم عن كلامهم إياهم، فكان أمرهم، وشأنهم معروفا معلوما لدى جميع الصحابة رضي الله عنهم، وقد صور القرآن الكريم حالتهم التي توصلوا إليها في النهاية إذ يقول جل وعلا في محكم كتابه {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 118 التوبة. لماذا لم يستغيثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم صلى الله عليه وسلم ولماذا لم يغثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحال وهو رؤوف رحيم كما وصفه ربه جل وعلا في كتابه إذ يقول جل وعلا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . أهذه الآيات نزلت أيضا في قريش في نظر الشيخ النبهاني الذي هو متمكن في اللغة العربية عندكم فانظر حال من اعتذر بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذبة المنافقين وغيرهم الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عذرهم وبايعهم ودعا لهم بالمغفرة صلى الله عليه وسلم ومبايعته فكان دعاؤه لهم حسب ما ظهر له صلى الله عليه وسلم من أمرهم وشأنهم دون ما كان في قلوبهم وضمائرهم من الكذب والغش ولم يفدهم ذلك شيئا بل زادهم نقمة وعذابا، وقد صور القرآن الكريم حالتهم إذ يقول جل وعلا: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} 94-96 التوبة. فكفى الشيخ النبهاني معصية كبيرة على أقل تقدير أن يكذب الله تعالى في كلامه هذا المبارك ورسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته المطهرة في عنوان كتابه هذا شواهد الحق بالاستغاثة بسيد الخلق. وقد استغاث به صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق المعروف عندما بعث ابنه عبد الله الصحابي الجليل رضي

الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد مرجعه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك لكي يدعو له ويصلي عليه بعد موته، وفعلا توجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له وصلى عليه صلاة الجنازة وهو على قبره وقد ذكر عمر رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بجميع مواقف هذا المنافق التي وقفها ضد الدعوة المحمدية. ألم تكن هذه استغاثة تمكن منها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الدنيوية في حق ابن أبيّ بن سلول؟ ولكن ماذا كان من أمرها، وشأنها فيما بعد، هل نفعت صاحبه مع اعترافه بمقام النبي صلى الله عليه وسلم الرفيع عند مولاه جل وعلا؟ نعم: ينزل القرآن بعد وقفات قليلة مبينا حال هذه الاستغاثة، وقيمتها إذ يقول جل وعلا مخاطبا نبيه الشافع العظيم في يوم الجزاء صلى الله عليه وسلم {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} نقف هنا قليلا لكي نطلع على موقف المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة هل توقف عليه الصلاة والسلام عن الاستغفار والدعاء له من ربه جل وعلا في حق ابن أبيّ بن سلول فثارت فيه عاطفته العظيمة ورحمته المثالية، ورأفته الشامخة كما وصف الله جل وعلا فاستمر في الدعاء والاستغفار للمنافق المذكور وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم ينهني في هذه الآية صراحة عن الاستغفار والدعاء وسوف أزيد عليه فوق السبعين ما لم أنه عنه، ولا يزال الفاروق يذكره مواقف هذا الظالم المنافق ويقول له صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي إن الله قد نهاك في هذه الآية وقد وردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى، ولم يقتنع المصطفى عليه الصلاة والسلام بكلام عمر رضي الله تعالى عنه ثم ينزل القرآن الكريم لفصل الخطاب إذ يقول جل وعلا: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} . ولقد عرفنا إن شاء الله تعالى أثناء سرد هذه الأدلة من الكتاب والسنة أن تسمية الشيخ النبهاني لكتابه ذلك باطل شرعا، وعقلا، وأما الشرع فقد مضت بعض الأدلة على ذلك فارجع إليها أيها الأخ الكريم بالنظر الصحيح، والعقل السليم، وأما العقل فهو يمنع الإنسان الفطري عن هذه الغواية،

والضلالة التي تمسك بها النبهاني ومقلدوه لأنها تخالف دعوة جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله تعالى ببعثة مباركة عظيمة بتوحيد الإنسانية كلها إلى خالقها، وبارئها جل وعلا في جميع أنواع العبادة، دون أن تصرف منها شيئا لغير الله تعالى. سواء كان هذا الغير ملكا مقربا أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فإن عبدوا واستغيث بهم بعد موتهم في أمر لا مجال لهم في التصرف فيه، ولا قدرة لهم في العطاء والمنع، فعبادتهم راجعة إلى الشيطان اللعين، لأنه هو الذي تسبب في تحويل هذه الفطرة السليمة إلى الفطرة الخبيثة وهذا واضح بيِّن جلي لا يخفى على أحد ممن فطره الله تعالى على فطرة سليمة، فكان هذا الكتاب معولا هداما، ووسيلة خبيثة، وسعيا شيطانيا في الموقوف أمام دعوة جميع الأنبياء والرسل الذين يقول الله تعالى في حقهم: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . وأما قول الشيخ النبهاني في استشهاده من كلام إمامه الشيخ أحمد زيني دحلان وتلقيبه له بأنواع من الألقاب الضخمة ومنها قوله فيه: "الإمام العلامة ناصر السنة الخ" فقد قلدتموه أنتم أيضا في رسالتكم ((إتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية)) بتلقيبكم له أعظم، وأكبر مما لقبه به شيخ النبهاني إذ قلتم: إنه شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، والحجة، والمشارك، الزاهد، الناسك، وغير ذلك من الأوصاف الكبيرة، وقد بينت بعض حاله، وكشفت عن بعض أمره وهو لا يستحق هذه الأوصاف بحال من الأحوال، وكنت قد نقلت عن الأستاذ الكبير العلامة الشيخ محمد رشيد رضا من مقدمته العلمية التي وضعها على كتاب صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان للعلامة الأثري الشيخ بشير السهسواني الهندي رحمه الله تعالى. ولقد عرفنا ببعض المعرفة عن حقيقة هذا الرجل أعني أحمد زيني دحلان، وما تمسك به من العقائد الفاسدة الخرافية مع أدلتها التي هي أضعف من بيت العنكبوت، فارجع أيها الأخ الكريم إلى كتاب صيانة الإنسان فإن فيه زيادة، وكفاية إن شاء الله تعالى. وأما الشبهات التي نقلها محبكم، ومحب آل البيت في نظركم عن شيخه أحمد زيني دحلان وهو بدوره يزعم فيقول: ناقلا عن شيخ الإسلام، ومجدد الملة المحمدية الحنيفية السمحة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بنقل غير معزو إلى أحد من كتبه

الجليلة ورسائله النافعة، إذ قال عامله الله بما يستحق: "فمن شبهاته التي تمسك بها زعمه أن الناس مشركون في توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم" قف! أين قال ذلك شيخ الإسلام، وفي أي كتاب صرح فيه بأن مجرد التوسل بالنبي صلى الله وعليه وسلم وبغيره من إخوانه الأنبياء والصالحين شرك يخرج عن الملة؟ فإن ثبت عنه رحمه الله تعالى ذلك بنقل صحيح في كتاب ما من كتبه العظيمة أو رسائله النافعة فيحمل على تلك الوسيلة الشركية التي يطلب فيها أصحابها من النبي صلى الله عليه وسلم ما نفاه عن نفسه الزكية الطاهرة في أحاديثه الصحيحة المخرجة في الكتب الصحاح المعتبرة عند أهل الحديث، وما نفاه عنه مولاه جل وعلا في محكم كتابه إذ قال جل وعلا مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم عندما كان يحاول بحرصه الشديد هداية عمه أبي طالب عند موته قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} القصص - وقال جل وعلا في سورة النحل: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} وأما توسل الصحابة رضي الله تعالى عنهم بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته فهذا مشروع ثابت بأسانيد صحيحة كثيرة لا غبار على صحتها، ومن ينكر ذلك فهو ضال مضل، ولم ينكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هذه الوسيلة أبدا بل إنها جائزة ومستحبة في نظره وأنظار أهل الحديث رحمهم الله تعالى وهي أيضا مشروعة في حق كل من كان من أهل الخير والصلاح والعبادة، والزهد، والورع وهو على قيد الحياة يطلب منه الدعاء، ويقال له: ادع الله لي يا أخي بصلاح الدين والدنيا والآخرة، ونحو ذلك، وأما توسل الصحابة رضي الله تعالى عنهم بذاته الشريفة أو ذوات أخرى من الأنبياء والرسل والصالحين الميتين فلم يثبت في ذلك حديث صحيح خال من الشذوذ، أو عمل من أحد الصحابة بعد انتقال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى رفيقه الأعلى إلا حديث الأعمى الذي تشبث به الشيخ النبهاني ودندن حوله، ومعه مقلدوه، وأتباعه فهم كثيرون - لا كثرهم الله تعالى - فأني سوف أتكلم عليه بالإسهاب متنا، وإسنادا إن شاء الله تعالى عند الرد على الشيخ النبهاني باستدلاله به، وبأحاديث أخرى على دعواه الباطلة، كل ذلك بالتفصيل، فكان هذا التوسل بذاته الشريفة، وبذوات أخرى عملا محدثا في الإسلام، نشأ عن الجهل، وقلة

العلم بقواعد الشريعة الغراء، ومناف لكمال عدل الله تعالى، ورحمته، وشفقته على عباده، ومخالفا للقواعد الإسلامية التي بنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته وجهاده لإعلاء كلمة الله تعالى، ولم يقل أحد من أهل العلم إن هذه الوسيلة شرك، بل إنه عمل محدث في الإسلام، وإن صاحبها والمتمسك بها على خطر عظيم، جسيم من أمر دينه، فليحذر منها، لأنه على قنطرة إبليسية خطيرة، تسقطه في أحضان الشرك في يوم من الأيام. وأما مقالة النبهاني الشنيعة في شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهي قوله: "إن كل ما تمسك به الوهابية،، وابن عبد الوهاب في إضلال العباد فهو زور، وافتراء وتلبيس على عوام الموحدين". قلت: الأمر بالعكس كما سيأتي ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى عند كلامي على الآيات القرآنية التي ساقها النبهاني في كتابه الباطل، وجعلها خاصة في كفار مكة الذين حاربوا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتناول منطوقها ولا مفهومها في نظره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحدا من المسلمين الحاليين، فلا يوجد في زعمه كفر ولا شرك أصلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذرية الذين آمنوا به صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هكذا زعم هو وأتباعه الذين قلدوه في نظريته هذه. ((ما هو مفهوم كلمة الوهابية عند النبهاني وأتباعه؟)) . لقد كنت في بلادي السند وأنا صغير لم أبلغ الحلم وأسمع هذه الكلمة من أفواه مشائخ الطرق الذين كانوا دائما، وأبدا يحذرون عوام الناس وخواصهم منها، ووضعوا لها مفهوما خطيرا، تقليدا لغيرهم ممن سمعوا منهم لدعاية خبيثة ماكرة مع علمهم أنها جاءت من أسيادهم المستعمرين الذين كانوا يحكمون البلاد الهندية وغيرها بالحديد والنار لكي يسدوا بها الناس لئلا يقبلوا على هذه الدعوة الكريمة التي جدد الله بها دينه، وأعلى بها كلمته، وكان العدو يخشى من ظهور هذه الدعوة الكريمة، وانتشارها في العالم كله خصوصا في القارات التي كانت تحت سيطرته وبطشه لأن هذه الدعوة الكريمة كانت تقف أمام العدو بالمرصاد وتحول بينه وبين تنفيذ مخططاته الاستعمارية الخبيثة، ولم يكن هذا النوع من الدعوة الكريمة منحصرا وجوده في (نَجْد) وحدها فقط بل كان في كل مكان وزمان، وهناك رجال مخلصون يدعون

إلى هذه الدعوة الكريمة إلا أن الدعوة لم تلق دعما قويا، ومساندة فعالة مثالية إلا في ديار نجد على يد الأمراء السعوديين وعلى رأسهم الإمام محمد بن سعود تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه وجعل الجنة مثواه وسائر أبناءه وأحفاده رحمهم الله تعالى فتقوى أمر هذه الدعوة السامية فصار لها صدى عظيم في أنحاء العالم وأعدل دليل على ذلك أن من سمع الإذاعة البريطانية في تلك الأيام المباركة التي رجعت هذه البلاد مرة ثانية إلى أهلها كانت تقول الإذاعة البريطانية: إن الجيش الوهابي فعل كذا، وترك كذا ومن هنا كان انتشار هذه الكلمة بمفهومها الخاص في أطراف العالم نعم وصل صوت الدعوة الحلو الرنين من أقصى الدنيا إلى أعلاها، ومن أعلاها إلى أقصاها، في وقت لم تكن وسائل المواصلات موجودة البتة بمثل ما توجد في الوقت الحاضر، إلا أن العدو اللعين الماكر اتخذ بسياسته الماكرة الخبيثة، وحيله الإبليسية دفاعا لنفسه، ومخططاته الاستعمارية سماسرة مأجورين من كل نوع وصنف في كل مكان ممن عرفوا ببيع الضمائر رخيصة للاستعمار وهم ينتسبون إلى العلم زورا، وبهتانا أمثال الشيخ أحمد زيني دحلان بمكة، والنبهاني بالشام، وأحمد رضا خان بالهند وغيرهم عاملهم الله تعالى بما يستحقون. نعم فاتخذهم العدو واشترى ضمائرهم بمبلغ كبير من المال لكي يشوهوا حقائق هذه الدعوة السامية فأساؤا إليها بتلصيقهم إياها بأنواع من الدعايات المغرضة الفاسدة فحرفوا مبادئها العليا، وقواعدها الرفيعة وفي ضوء تلك الدعاية حرفوا القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة حسب هواهم الفاسد، فجعلوا لهذه الكلمة (الوهابية) مفهوما خاصا، ومعنى بشعا خبيثا لكي يدندنوا حوله فلما كان نجد قد ورد ذكره في الأحاديث الصحيحة وعدم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأهله دون أن يحققوا ما هو النجد المعني في الحديث الشريف، ولم يلتفتوا إلى تلك القرائن الواضحة الظاهرة التي تنطبق على ذلك النجد، وما هو كلام أهل الحديث من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في نجد الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديثه.. وقد ذكر العلامة ياقوت الحموي في معجم البلدان عشرات من النجود وكذا غيره وليس المراد الذي عينوه هم فتركوا كل هذا مع علمهم ويقينهم أن نجدا الوارد في الحديث ليس هو الذي عينوه، وأشاروا إليه في هذه الدعاية الماكرة الخبيثة الفظيعة التي أقامها الاستعمار وعملاؤه

في أطراف العالم على أنقاض هؤلاء السماسرة الدخلاء المأجورين، ومن هنا كان هذا المفهوم الجديد الخبيث شائعا في أطراف العالم وهو أن الوهابية تعادي الرسول صلى الله عليه وسلم وتحرم الصلاة عليه، وهدمت القباب والأبنية التي كانت مبنية على قبور الصحابة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم، وكان للاستعمار في كل بلد، وقرية ممثل يقوم بنشر هذه السخافات والترهات، ومن هنا انتشرت ((كلمة الوهابية)) في العالم كله في شرقه، وغربه، وجنوبه، وشماله، بمفهومها الخاص، فانظر فلسفة المستعمر أن الداعي في نجد إلى هذه الدعوة المحمدية كان اسمه بلا خلاف بين جميع المسلمين (محمد بن عبد الوهاب) فكان من الواجب أن تنسب الدعوة بمفهومها الخاص عند هؤلاء بالقياس الصحيح عند جميع أهل اللغة (بالمحمدية) لأن اسم صاحبها والداعي لها ((محمد)) وليس الوهاب إلا أنهم لم يرضوا بهذه النسبة الصحيحة الموافقة للواقع واللغة العربية خوفا على كشف مؤامرتهم الخبيثة أمام عوام الناس من المسلمين وخواصهم لأن الدعوة إذا حملت اسما صحيحا، ونسبة صحيحة فلا بد لها من قبول، وإقبال عليها لأنها تحمل اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت ممن اغتر بهذه الدعاية الماكرة الخبيثة وأنا في بلدي - السند - فلما أكرمني الله تعالى بالهجرة إلى هذه البلاد المقدسة وذلك في عام 1368هـ‍ من بلدي ومسقط رأسي حظيت بلقاء إنسان كريم فاضل جاء من الهند إلى المدينة مهاجرا إلى الله تعالى، وكان حاله سابقا كحالي إلا أنه رحمه الله التجأ بعد الله تعالى إلى مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن طريق الشيخ العلامة الطيب الأنصاري رحمه الله تعالى فتلذذ بمطالعتها جدا حتى اعتنق العقيدة السلفية عن طريق هذه الكتب النافعة ولا بد من ذكر هذا الرجل رحمه الله تعالى وهو العلامة الأثري الشيخ رشيد أحمد بن إبراهيم الهندي رحمه الله تعالى المتوفى في ذي القعدة عام 1381هـ‍ بالمدينة المنورة وكان رحمه الله تعالى قد أسس بعد اعتناقه العقيدة السلفية مدرسة بناء على موافقة سامية كريمة سماها دار العلوم السلفية، ومن هنا بدأت لي حياة جديدة بلقاء هذا الرجل الكريم فكان يلقي إليّ دروسه في المسجد النبوي الشريف مساء وكان يبكي كثيرا عند إلقائه الدروس في التوحيد فرحا، واستبشارا وكان يقول دائما رحمه الله تعالى لو مت يا بنيّ قبل اعتناق هذه العقيدة الصافية النقية لمت على غير ملة

الإسلام، ولما كان يأتي اسم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وكذا اسم الإمام ابن القيم والإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أثناء إلقائه الدروس كان يترحم عليهم كثيرا ويمجد ذكرهم وشأنهم ودائما يوصي الطلبة بمطالعة كتبهم رحمه الله تعالى وفي تلك الأيام بالذات قد كشف الله تعالى عن قلبي الغطاء ثم عرفت بعد ذلك أن الدنيا والله في غيبوبتها وضلالها إلا ما شاء الله تعالى، ولقد تأكدت حينئذ تماما أن هذه الوهابية المزعومة في أنظار هؤلاء لا تعادي الرسول صلى الله عليه وسلم أبدا وإنما هي التي تحبه وحدها، لما درست عنها دراسة وافية شافية وعما تعتقده في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي توجب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجعلها ركنا من أركان الصلاة، فإن تركها أحد عامدا، أو ناسيا بطلت صلاته عندها وهذا هو مذهب أهل الحديث، وبينما تنص كتب أخرى فقهية والتي تمسك بها هؤلاء الذين أقاموا هذه الدعاية الكبرى فإن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست ركنا من أركان الصلاة عندهم فإن تركها أحد ناسيا سجد سجدتي سهو، فلا تبطل صلاته عندهم، ومن هنا كتب العلامة المحدث الشيخ مسعود علم الندوي كتابا بارعا عظيما في ترجمة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في اللغة الأردية دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن دعوته الكريمة وفند جميع شبه أهل الباطل من عباد القبور والأضرحة التي تمسكوا بها فجزاه الله تعالى أحسن الجزاء، وجعل الجنة مثواه هذا هو مفهوم الوهابية عند النبهاني والدحلان وأتباعهما فقد أكثرا من استعمال كلمة الوهابية في كتبهم ورسائلهم التي سبق الوصف الدقيق عنها. وللمقال بقية في العدد القادم وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1