إكفار الملحدين في ضروريات الدين

الكشميري

مقدمة

مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي جعل الحق يعلو ولا يعلى، حتى يأخذ من مكانة القبول مكاناً فوق السماء، يبسم عن بلج جبين، وعن ثلج يقين، ويبهر نوره وضياءه، ويصدع صيته ومضاءه، ويفتر عن سناء وسناء، وجعله يدمغ الباطل فكيفما تقلب وصار أمه إلى الهاوية، يتقهقر حتى يذهب جفاء، ويصير هباء، وحيث سطع الحق واستقام كعمود الصبح لوى الباطل ذنبه كذنب السرحان، وتلون تلون الحرباء، ومن تلاوه تبوأ مقعداً من النار، وحقت عليه كلمة العذاب، وإداركه درك الشقاء وسوء القضاء، وكم من شقي أحاطت به خطيئته (أعاذنا الله من ذلك) . والحمد لله على العافية، والمعافاة الدائمة من البلاء. والصلاة والسلام على نبيه ورسوله نبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، خاتم الرسل والأنبياء، الذي انقطعت بعده الرسالة والنبوة ولم يبق إلا المبشرات، وقد كان بقي من بيت النبوة موضع لبنة فكأنها وقد كمل البناء. وعلى آله وأصحابه والتابعين وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، كل صباح ومساء، إلى يوم الجزاء.

أما بعد: فهذه رسالة في واقعة فتوى قصدت بها النصح والذكرى، لمن كان له قلب، أو القى السمع وهو شهيد، سميتها: إكفار المتأولين والملحدين في شيء من ضروريات الدين، أخذاً للإسم والحكم من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال ابن عباس: يضعون الكلام في غير موضعه. والمراد "بالضرورياتط على ما اشتهر في الكتب: ما علم كونه من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - بالضرورة، بأن تواتر عنه واستفاض، وعلمته العامة، كالوحدانية، والنبوة، وختمها بخاتم الأنبياء، وانقطاعها بعده، وهذا مما شهد الله به في كتابه، وشهدت به الكتب السابقة، وشهد به نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وشهد به الأموات أيضاً، كزيد بن خارجة الذي تكلم بعد الموت، فقال: محمد رسول الله النبي الأمي، خاتم النبيين، لا نبي بعده، كان ذلك في الكتب الأول، ثم قال: صدق صدق. "ذكره بهذا اللفظ في "المواهب"

وغيرها، وكالبعث والجزاء، ووجوب الصلاة والزكاة، وحرمة الخمر ونحوها، سمي: ضرورياً، لأن كل أحد يعلم أن هذا الأمر مثلاً من دين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولابد، فكونها من الدين ضروري وتدخل في الإيمان، لا يريدون أن الإتيان بها بالجوارح لابد منه، كما يتوهم، فقد يكون استحباب شيء أو إباحته ضرورياً يكفر جاحدة، ولا يجب الإتيان به، فالضرورة في الثبوت عن حضرة الرسالة، وفي كونه من الدين، لا من حيث العمل، ولا من حيث الحكم المتضمن، فقد يكون حديث متواتراً ويعلم ثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم - ضرورة، ولابد، ويكون الحكم المتضمن فيه نظرياً من حيث العقل، كحديث عذاب القبر، ثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم - مستفيض، وفهم كيفية العذاب مشكل. والإيمان عمل من أعمال القلب، كما اشار إليه البخاري رحمه الله تعالى يستلزم إرادة إطاعة الشريعة في كل شيء

وقبولها. وهذه الإرادة شيء واحد ينسحب على كل الشريعة، لا يزيد ولا ينقص، فمن جحد شيئاً واحداً من الضرويات فقد آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه، وهو من الكافرين، وإن ركض إلى بلاد "الصين" و"أوربا" لنشر ما زعمه ديناً، ورآه الجاهلون خدمة للإسلام: وكل بدعي حباً للبلي ... وليلى لا تقر لهم بذاكا وهذا الأمر هو الذي دار بين الشيخين أبي بكر وعمر، فقاتل

أبو بكر من فرق الصلاة والزكاة، يريد: أنه ليس مؤمناً من لم يؤمن بالكل، فشرح الله له صدر عمر - رضي الله عنه - أيضاً، فرآى ما رآه أبو بكر، فعند "مسلم" عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوت بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" ثم إن التواتر قد يكون من حيث الإسناد: كحديث: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"، ذكر في "الفتح": أنه ثبت صحيحاً وحسناً من طريق ثلاثين صحابياً.

قلت: وأحاديث ختم النبوة جمعها بعض أصحابي، وهو: المولوى محمد شفيع الديوبندى، فبلغت أزيد من مائة وخمسين، منها نحو ثلاثين من "الصحاح الستة". وقد يكون من حيث الطبقة، كتواتر "القرآن"، تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً، درساً وتلاوة وقراءة، وتلقاه الكافة عن الكافة طبقة عن طبقة، اقرأ وارق إلى حضرة الرسالة، ولا تحتاج إلى إسناد يكون عن فلان عن فلان. وقد يكون تواتر عمل وتواتر توارث، وقد تجتمع أقسام كما في أشياء من: الوضوء كالسواك من المضمضة، والاستنشاق. ثم إن التواتر يزعمه بعض الناس قليلاً، وهو في الواقع يفوت الحصر في شريعتنا، ويعجز الإنسان أن يفهرسه، ويذهل الإنسان عن التفاته، فإذا التفت إليه رآه متواتراً، وهذا كالبديهي، كثيراً ما يذهل عنه ويحفظ النظري. وإذا علمت هذا فنقول: الصلاة فريضة، واعتقاد فرضيتها فرض، وتحصيل علمها فرض، وجحدها كفر، وكذا جهلها، والسواك سنة، وإعتقاد سنيته فرض، وتحصيل علمه سنة، وجحودها كفر، وجهله حرمان، وتركه عتاب أو عقاب.

ثم أثبتنا في الفصول الآتية إجماع أهل الحل والعقد على أن: تأويل الضروريات وإخراجها عن صورة ما تواتر عليه، وكما جاء، وكما فهمه، وجرى عليه أهل التواتر، أنه كفر. وذهبت الحنفية بعد هذا إلى أن إنكار الأمر القطعي وإن لم يبلغ إلى حد الضرورة كفر. صرح به الشيخ ابن الهمام في "المسايرة" وهو متجه من حيث الدليل. ثم إن الأمر الشرعي الضروري قد يكون التعبير عنه وتفهيمه للناس سهلاًَ، ويشترك لسهولته فيه الخواص والأوساط والعوام، فإذا تواتر مثل ذلك عن صاحب الشرع وكان مكشوف المراد لم تتجاذب الأدلة فيه وجب الإيمان به على حاله بدون تصرف وتعجرف، وذلك كمسألة ختم النبوة، لا إشكال ولا إعضال في فهمها، ويفهمه الكواف بجملة: "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي". أو بجملة: "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات". يكفي في فهم هذه المسألة وحقيقتها هذه الحروف. ثم إذا تواتر عن صاحب الشرع، واستفاض عنه نحو مائة وخمسين مرة وأزيد، وأصر عليه وبلغه على رؤوس المناير والمنابر، ولم يشر مرة إلى الدهر إلى أنه متأول، وفهمت عنه الأمة المشاهدون والغائبون طبقة بعد طبقة، واشتهر عند العامة أن لا نبوة بعد ختم الأنبياء، وإنما ينزل عيسى عليه السلام من السماء حكماً مقسطاً، وتكون جرت شؤون وملاحم، ودارت دوائر بين المسلمين والنصارى، فيقوم المهدي - عليه السلام - لإصلاح المسلمين، وينزل عيسى - عليه السلام - لإصلاح النصارى، وقتل اليهود، ويكون الدين كله لله.

وتواتر نزوله عليه السلام، كما صرح به علماء النقل، كالحافظ ابن كثير في "تفسيره"، والحافظ ابن حجر في "فتحه" و"تلخيصه". ثم جاء ملحد وحرف تلك النصوص - كما فعلته الزنادقة - وقال بأن الله سماه: ابن مريم، وإن المراد "باليهود": علماء الإسلام الذين لا يؤمنون بذلك الملحد، لأنهم جمدوا على الظاهرية وحرموا الروحانية. ولم يدر الملحد أن الزنادقة الذين مضوا، وبادوا، كانوا أبلغ منه في تلك الروحانية، إن كانت الزندقة روحانية. وهذا أستاذه وأبوه الروحاني: "الباب" ثم "البهاء" و"قرة العين" هلكوا عن قريب، وادعوا ما ادعى، وأتباعهم الأشقياء أكثر من أتباعه، فأين له بهاء كالبهاء؟ وأين له ثبات في الحروب؟ ومكافحة بالصدر لبنادق الرصاص؟ وإخباره بالنجاو منها، ثم وقوع الأمر كذلك؟ وأين له منطق كمنطق قرة العين؟ لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

وإنما بضاعته تلقف كلمات من الصوفية الكرام "كالتجلي" و"البروز" وتحريف مرادهم، وسرقة القباء واتخاذه قميصاً، وإتباع الفلسفة الجديدة وما فتشه أهل "أوربا" وجعله وحياً يوحى إليه شيطانه، وقد مهم له ذلك قبله أمثاله، منهم: الحكيم محمد حسن الأمروهى، صاحب "غاية البرهان في تأويل القرآن" على أنهم كانوا أحسن حالاً منه، فإنهم لم يتنبأوا، فإذ كان الأمر هكذا أكفرناه بالإجماع، وجعلنا الهاوية أمه. ويعجبني قول المتنبئ: لقد ضل قوم بأصنامهم ... وأما بزق رياح فلا وقد قال قائل: إن الأحوط فيه: وكان امرأ من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده هذا وقد بلغني كلام بعضهم: أن مالكاً الإمام رحمه الله قائل بموت عيسى عليه السلام، وهذا من سوء الفهم، فقد صرح مالك رحمة الله الله أيضاً في: العتبية" بنزوله، كما انعقد الإجماع عليه. ذكره الأبى في "شرح صحيح مسلم". وأما إن كان أمراً يعسر فهمه وتفهيمه كمسألة القدر، وعذاب القبر، والإستواء على العرش، والنزول إلى سماء الدنيا، وغير ذلك من المتشابهات والأمور الإلهية، ثم تواتر واستفاض، فإن جحد من بلغه ذلك الأمر أصل ما جاء أكفرناه بلا خطر، ولإن بحث في الكيفية، وأثبت وجهاً، وزل فيه، ونفى آخر عذرناه، وينبغي أن يراجع ما ذكره ابن رشيد

الحفيد في رسالته "فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة"، فإنه عبر عما ذكرناه بعبارة منطقية. قال عز شأنه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} . الآية سورة الأنعام. ثم إن بعد ما هلك ذلك الملحد انشق العصابين أذنابه في من يخلفه فاتخذ من تفاريقه ساجور، ففارق بعضهم جيله، وأظهر أنه لم يكن نبياً، ولم يدع، ولم تبق في الإسلام، لكنه مهدي وعيسى المحمدي (والعياذ بالله) وأراد بذلك استمالى الخلق وتلفتهم إليه، ولا ينجو من الكفر إلا من أكفر ذلك الملحد بلا تلعثم وتردد، لوجوه: الأول: إن ذلك الملحد، ادعاءه النبوة بل الرسالة، نعم وتشريعاً أكثر من نباح العواء في كلامه، فإنكاره مكابرة فاضحة لا يلتفت إليها، ولا يكفر من لم يكفره. وما قولك فيمن لم يكفر مسليمة وذهب يأول ادعاءه وسجعانه؟ وما قولك فيمن لم يكفر من يعبد الصنم، وتأول بأنه لا يعبده بل يخر لوجهه كلما رآه؟ وهذا أيضاً مكابرة لا يلتفت إليها، كيف! لو رآه يسجد للصنم ألف مرة أفيخرج له الإنسان وجهاً؟ ومثل هذه المهملات لا يصغى إليها. والثالث: إن تاب مرة واحدة قبلت توبته، فإن تكرر ذلك منه لم تقبل.

والحاصل أن التأويل لكلامه ليس تأويلاً بل هو كذب له لا يغير حكماً الثاني: إنه قد تواتر، وانعقد الإجماع على نزول عيسى بنة مريم عليه السلام، فتأويل هذه وتحريفه كفر أيضاً. وقد قال في "روح المعاني" - وهو من محققي المتأخرين -: إن من لم يقل بنزوله فقد أكفره العلماء، وهو على القاعدة في إنكار ما تواتر في الشرع. وقد رأيت كلام ذلك الملحد المتنبئ في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، وكلام أتباعه فقتل كيف قدر، بذلوا جهدهم في تأويله وتحريفه ولم يستولهم شيء، فيجب أن يكفروا. الثالث: إنهم منحوا رتبة مثل عيسى عليه السلام من الرسل أولي العزم لمثل هذا الأخر الزنيم فيجب أن يكفروا. راجع "فتح الباري" من (باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم) . وغاية من يحتاط لهم أن يستتيبهم، فإن تابوا وإلا فهم كافرون، وليس في الشريعة الإسلامية إلا هذا القدر، كما قد اثبتناه بالإجماع في ما بعد في الفصول، وعرض التوبة أيضاً إنما يكون من حاكم الإسلام عند إبرام الأمر والفصل: فإما لهذا وإما لذا وأما الآن فلم يبق لهم إلا الكفر، فليجعلوه شعاراً أو دثاراً حتى يحلهم دار البوار.

تفسير الزندقة والإلحاد والباطنية وحكمها ثلاثتها واحد وهو الكفر

والشارع - صلى الله عليه وسلم - لم يعذز قط في تأويل باطل. فقال - في أمر عبد الله بن حذاقة أمير السرية من تحته بدخول النار -: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف". وقال - في المشجوج رأسه حيث أمروه بالغسل فمات - "قتلوه قاتلهم الله". وكيف غضب في تطويل معاذ - رضي الله عنه - صلاته بالقوم؟ وفي واقعة أخرى مثلها، لعلها لأبي بن كعب، وفي قتل خالد من قال: "صبأنا صبأنا" ولم يحسنوا أن يقولوا: "أسلمنا"، وفي قتل أسامة من قال: "لا إله إلا الله" فزعمها درأ لنفسه، وفي واقعة من أعتق عبيده عند الاحتضار ولم يكن له غيرهم. وغير ذلك من الوقائع. كالسؤال عن ضالة الإبل، مما كان التأويل فيها في غير محله، وعلى تعبير الفقهاء في فصل غير مجتهد فيه، بخلاف نحو ترك الصلاة عند الذهاب إلى بني قريظة، ومن صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت فتوضأ وأعاده ومن لم يعد فلم يعنف أحداً فيه، لأن التأويل فيه لم يكن قطعي البطلان، ولكم أسوة حسنة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله الهادي، ومن يضلل الله فما له من هاد. تفسير الزندقة والإلحاد والباطنية وحكمها ثلاثتها واحد وهو الكفر قال: التفتازاني في "مقاصد الطالبين في أصول الدين": الكافر إن أظهر الإيمان خص باسم "المنافق"، وإن كفر بعد الإسلام "فبالمرتد"، وإن قال بتعدد الآلهة "فبالمشرك"، وإن تدين ببعض الأديان "فبالكتابي" وإن أسند الحوادث إلى الزمان واعتقد قدمه

"فالبدهري"، وإن نفى الصانع فبالمعطل، وإن أبطن عقائد هي كفر بالإتفاق "فبالزنذيق". وقال في شرحه: قد ظهر أن: "الكافر" اسم لمن لا إيمان له: فإن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن طرأ كفره بعد الإسلام خص باسم المرتد، لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين أو أكثر. خص باسم المشرك، لإثباته الشريك في الألوهية، وإن كان متديناً ببعض الديان والكتب المنسوخة، خص باسم الكتابي، كاليهودي والنصراني، وإن كان يقول بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه، خص باسم الدهري، وإن كان لا يثبت الباري تعالى خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهاره شعائر الإسلام يبطن عقائد هي كفر بالإتفاق، خص باسم الزنيدق، وهو في الأصل منسوب إلى: الزند، اسم كتاب أظهر مزدك أيام قباد: وزعم أنه تأويل كتاب المجوس الذي جاء به زرادشت. الذي يزعمون أنه نبيهم. قوله: "المعروف" اهـ. فإن الزنديق يموه يكفره، ويروج عقيدته الفاسدة، ويخرجها في الصورة الصحيحة، وهذا معنى إبطان الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال، وكونه معروفاً بالإضلال اهـ. ابن كمال. وقيل: لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي، كزنادقة، وباطنية، فالمراد بابطان بعض عقائد الكفر ليس هو الكتمان من الناس، بل

المراد: أن يعتقد بعض ما يخالف عقائد الإسلام مع ادعائه إياه وحكم المجموع من حيث المجموع الكفر لا غير. وفي المسند عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون في هذه الأمة مسخ، ألا وذلك في المكذبين بالقدر والزنديقية". قال في "الخصائص" سنده صحيح. وفي "منتخب كنز العمال" مرفوعاً ما يفسرها.

ما المراد بأهل القبلة الذين لا يكفرون؟

ما المراد بأهل القبلة الذين لا يكفرون؟ قال التفتازاني في المقاصد: المبحث السابع في حكم مخالف الحق من أهل القبلة. ليس بكافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين، كحدوث العالم، وحشر الأجساد. وقيل: كافر. وقال الأستاذ: نكفر من أكفرنا، ومن لا فلا. وقال قدماء المعتزلة: نكفر المجبرة، والقائلين بقدم الصفات، وخلق الأعمال، وجهلائهم: نكفر من قال بزيادة الصفات، وبجواز الرؤية وبالخروج من النار، وبكون الشرور والقبائح بخلقه وإرادته. لنا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده لم يكونوا يفتشون من العقائد، وينبهون على ما هو الحق. فإن قيل: فكذا في الأصول المتفق عليها. قلنا: لاشتهارها وظهور أدلتها على ما يليق بأصحاب الجمل، قد يقال: ترك البيان إنما كان أكتفاء بالتصديق الإجمالي، إذ التفصيل إنما يجب عند ملاحظة التفاصيل، وإلا فكم من مؤمن لا يعرف معنى القديم والحادث، هذا وإكفار الفرق بعضها بعضاً مشهور. وقال في شرحه في "باب الكفر والإيمان": ومعناه أن الذي اتفقوا على ما هو من ضروريات الإسلام، كحدوث العالم، وحشر الأجساد، وما يشبه ذلك، واختلفوا في أصول سواها كمسألة الصفات، وخلق الأعمال، وعموم الإرادة، وقدم الكلام، وجواز الرؤية، ونحو ذلك مما لا نزاع فيه، أن الحق فيها واحد، هل يكفر المخالف للحق بذلك الاعتقاد وبالقول به أم لا، وإلا فلا نزاع في كفر أهل القبلة المواظب طول العمر على الطاعات باعتقاد قدم العالم ونفي العلم بالجزيئات ونحو ذلك،

وكذا بصدور شيء من موجبات الكفر عنه، وأما الذي ذكرنا فذهب الشيخ الأشعري وأكثر الأصحاب إلى أنه ليس بكافر، وبه يشعر ما قال الشافعي رحمه الله تعالى عليه: "لا أرد شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، لاستحلالهم الكذب". وفي "المنتقى" عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى تعالى عليه: "أنه لم يكفر أحداً من أهل القبلة". وعليه أكثر الفقهاء. ومن اصحابنا من قال بكفر المخالفين. أعلم أن المراد بأهل القبلة: الذين اتفقوا على ما هو من ضروريات الدين. كحدوث العالم، وحشر الأجساد، وعلم الله تعالى بالكليات والجزيئات، وما أشبه ذلك من المسائل المهات، فمن واظب طول عمره على الطاعات والعبادات مع اعتقاد قد العالم ونفي الحشر أو نفي علمه سبحانه بالحزئيات لا يكون من أهل القبلة، وإن المراد بعدم تكفير أحد من أهل القبلة عند أهل السنة: أنه لا يكفر ما لم يوجد شيء من إمارات الكفر وعلاماته، ولم يصدر عنه شيء من موجباته. إن غلا فيه - أي في هواه - حتى وجب إكفاره به لا يعتبر خلافه ووفاقه أيضاً، لعدم دخوله في مسمى الأمة المشهود لها بالعصمة وإن صلى إلى القبلة واعتقد نفسه مسلماً، لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة، بل عن المؤمنين، وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر.

ونحوه في "اكشف شرح البردوى" من الإجماع، و"الإحكام" للآمدى من المسألة السادسة منه. لا خلاف في كفر المخالف في ضروريات الإسلام وإن كان من أهل القبلة المواظب طول عمره على الطاعات. كما في "شرح التحرير". "رد المختار" من الإمامة ومن جحود الوتر. أيضاً ثم قال (أي صاحب "البحر") : والحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة. إلخ. فافهم. أهل القبلة في إصطلاح المتكلمين من يصدق بضروريات الدين أي الأمور التي علم في الشرع واشتهر، فمن أنكر شيئاً من الضروريات كحدوث العالم وحشر الأجساد، وعلم الله سبحانه بالجزيئات، وفرضية الصلاة والصوم لم يكن من أهل القبلة، ولو كان مجاهداً بالطاعات، وكذلك من باشر شيئاً من إمارات التكذيب كسجود الصنم والإهانة بأمر شرعي والاستهزاء عليه، فليس من أهل القبلة، ومعنى: "عدم تكفير أهل القبلة أن لا يكفر بارتكاب المعاصي، ولا بانكار الأمور الخفية غير المشهورة. هذا ما حققه المحققون فاحفظه.

وفي "جوهر التوحيد": ومن لمعلوم ضرورى جحد ... من ديننا يقتل كفراً ليس حد وشرحه شارحه وذكر أن هذا مجمع عليه، وذكر أن الماتريدية يكفرون بعد هذا بإنكار القطعي وإن لم يكن ضرورياً. قلت: توارده الأصوليون من أصحابنا في إنكار ما أجمع عليه الصحابة، إذ جعلوه كالكتاب في الرتبة. وقال الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى في "إقامة الدليل": وإجماعهم حجة قاطعة يجب اتباعها، بل هي أوكد الحجج، وهي مقدمة على غيرها، وليس هذا موضع تقرير ذلك، فإن هذا الأصل مقرر في موضعه، وليس فيه بين الفقهاء بل ولا بين سائر المؤمنين الذين هم المؤمنون خلاف، وإنما خالف فيه بعض أهل البدع المكفرين ببدعتهم أو المفسقين بها، بل من كان يضم إلى بدعته من الكبائر ما بعضه يوجب الفسوق اهـ. لكن يحتمل أن يكون ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من الضروري عندهم، وقد أشار إليه في "روح المعاني" تحت قوله: "إن الذين كفرول سواء عليهم الآية". ومثله في "شرح التحرير" للمحقق ابن أمير الحاج تلميذ المحقق ابن الهمام وتلميذ الحافظ ابن حجر، ذكره في تقسيم الخطأ وبسطه، ونحوه في "التلويح" للتفازاني من حكم الإجماع. وعبارة المحقق ابن أمير الحاج في "شرح التحرير"، هكذا:

"والمراد بالمبتدع: الذي لم يكفر ببدعته، وقد يعبر عنه بالمذنب من أهل القبلة، كما أشار إليه المصنف سابقاً بقوله: "وللنهي عن تكفير أهل القبلة" هو الموافق على ما هو من ضروريات الإسلام، كحدوث العالم، وحشر الأجساد من غير أن يصدر عنه شيء من موجبات الكفر قطعاً من اعتقاد راجع إلى وجود إله غير الله تعالى، أو إلى حلوله في بعض أشخاص الناس، أو إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو ذمه أو استخفافه، ونحو ذلك المخالف في أصول سواها مما لا نزاع أن الحق فيه واحد، كمسألة الصفات، وخلق الأعمال، وعموم الإرادة وقدم الكلام، ولعل إلى هذا أشار المصنف رحمه الله تعالى ماضياً بقوله: إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل، إذ لا خلاف في تكفير المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم، وحشر الأجساد، ونفي العلم بالجزيئات، وإن كان من أهل القبلة المواظب كول العمر على الطاعات، وكذا المتلبس بشيء من موجبات الكفر ينبغي أن يكون كافراً بلا خلاف، وحينئذ ينبغي تكفير الخطابية لما قدمناه عنهم في فصل شرائط الراوي، وقد ظهر من هذا أن عدم تكفير أهل القبلة بذنب ليس على عمومه إلا أن يحمل الذنب على ما ليس بكفر فيخرج المكفر به كما أشار إليه السبكي ". اهـ. ثم ذكر عن السبكي ما لا يضرنا، فإنه فيما إذا تكلم بالشهادتين بعد ما كان تفوه بكلمة الكفر، جعله كمسلم ارتد ثم أسلم، ومع هذا نظر

فيه ابن أمير الحاج بانه لابد أن يتبرأ عما كان تفوه به، وهو في كلام السبكي أيضاً، فلا خلاف بينهما إذن. وقال المحقق محمد بن إبراهيم الوزير في "إيثار الحق": الفرع الثاني أن يسير الاختلاف لا يوجب التعادي بين المؤمنين، وهو ما وقع في غير المعلومات القطعية من الدين التي دل الدليل على تكفير من خالف فيها" ا. هـ. وقال في: "مثل كفر الزنادقة والملاحدة" - إلى أن قال -: "وتلعبوا بجميع آيات كتاب الله - عز وجل - في تأويلها جميعاً بالبواطن التي لم يدل على شيء منها دلالة ولا إمارة. ولا لها في عصر السلف الصالح إشارة، وكذلك من بلغ مبلغهم من غيرهم في تعفية آثار الشريعة، ورد العلوم الضرورية التي نقلتها الأمة خلفها عن سلفها" ا. هـ. وقال في: "فاعلم أن الإجماعات نوعان: أحدهما تعلم صحته بالضرورة من الدين بحيث يكفر مخالفه، فهذا إجماع صحيح، ولكنه مستعني عنه بالعلم الضروري من الدين" أ. هـ. واعلم أن أصل هذه المسألة - أي مسألة عدم تكفير أهل القبلة - مأخوذة مما رواه أبو داود رحمه الله تعالى في الجهاد: عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل" الحديث. والمراد بالذنب فيه على عرف الشريعة غير الكفر، وكذلك هذه الجملة

في عبارة الأئمة كالإمام الأعظم رحمه الله تعالى وغيره، كالإمام الشافعي رحمه الله عليه، كما نقله في "اليواقيت" مقيدة بالذنب, فجاء الناظرون أو الجاهلون أو المحدون فوضعوها في غير موضعها، وأصل هذه الأحاديث في إطاعة الأمير، والنهي عن الخروج ما صلوا. كما عند "مسلم" وغيره، وهو مقيد عنده وعند آخرين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برهان" وهو المراد بما عند البخاري وغيره عن أنس: "من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم". قلت: وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" دلالة على أن تلك الرؤية إلى الرائين، فلينظروا فيما بينهم وبين الله، ولا يجب عليهم تعجيزه بحيث يحصر لسانه ولا ينطلق بتأويل، بل إنما يجب أن يكون عندهم من الله فيه برهان لا غير. ووقع عند "الطبراني" فيه كما في "الفتح" كفراً صراحاً، بصاد مهملة مضمومة ثم راء، فدل على أن التأويل في الصريح لا يقبل،

وقال في "الفتح" "قوله عندكم من الله فيه برهان أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ا. هـ" فدل أنه بحوز التكفير بناءً على خبر واحد وإن لم يكن متواتراً، وكيف لا! وهم يكفرون بما عدده الفقهاء من موجبات الكفر، أفلا يكفرون بما في حديث صحيح لم يقم على تأويله دليل ودل أيضاً أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلة، وأنه قد يلزم الكفر بلا التزام وبدون أن يريد تبديل الملة، وإلا لم يحتج الرائي إلى برهان، فهم - كما في حديث آخر عند البخاري - من جلدتنا ويتكلموت بألسنتنا، وهم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قال القابسي - كما في "الفتح"-: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون، وحمله الحافظ رحمه الله تعالى على الخوارج، وقال في ترجمة الدجال: وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولاً فيدعي الإيمان والصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الإلهية ا. هـ. وقال في حديث ثلاثين دجالاً، وتوجيه زيادة العدد في بعض الروايات ما لفظه: "ويحتمل أن يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من الثلاثين ونحوها، وإن من زاد على العدد المذكور يكون كذاباً فقط لكن يدعو إلى الضلالة، كغلاة الرافضة، والباطنية، وأهل الوحدة، والحلولية، وسائر الفرق الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة أنه خلاف ما جاء به محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ا. هـ". فجعلهم من قبيل الدجال وكفرة بإنكار الضروريات بل بمخالفتهما فقط، ثم رأيت في "منحة الخالق على البحر الرائق" لابن عابدين رحمه الله تعالى (1)

_ (1) ص:371- ج-1

"وحرر العلامة نوح آفندي أن مراد الإمام بما نقل عنه ما ذكره في "الفقه الأكبر" من عدم التكفير بالذنب الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة فتأمل ا. هـ". قلت: ومسألة عدم إكفار أهل القبلة إنما عزوها "للمنتفي" كما في "شرح المقاصد"، و"المسايرة"، وعبارة "المنتفي" نقلها في "شرح التحرير"، وسياقها عن أبي حنيفة: "ولا نكفر أهل القبلة بذنب ا. هـ". فقيد بالذنب، وهي في رد المعتزلة والخوارج لا غير، إذ صورة العبارة تعريض بمن يكفر اهل القبلة بغير ما يوجب الكفر وهو الذنب، وأما كلمات الكفر، فإن لم يكفر بها فليقل: إنها ليست بكلمات كفر، وهو سفسطة. ثم رأيت في"كتاب الإيمان" للحافظ ابن تيمية رحمه الله صرح به قال: ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما تريد بها المعاصي كالزنا والشراب أ. هـ. وأوضحه القونوى في "شرح العقيجة الطحاوية". ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: إنا لا نكفرهم بكل ذنب كما يفعله الخوارج. ثم قال القونوى: وفي قوله: "بذنب" غشارة إلى تكفيره بفساد اعتقاده كفساد اعتقاد المجسمة والمشبهة ونحوهم، لأن ذلك لا يسمى ذنباً،

عبارات من فتح الباري بشرح صحيح البخاري فيها فكوك لشكوك المستروحين ونجوم من الحافظ شهاب الدين ابن حجر لرجوم الهالكين

والكلام في الذنب. "شرح فقه أكبر" - من بحث الإيمان - ونحوه كلام الطحاوي في "المعتصر" - من تفسير الفرقان - ومن آخر "الاقتصاد" للغزالي. عبارات من فتح الباري بشرح صحيح البخاري فيها فكوك لشكوك المستروحين ونجوم من الحافظ شهاب الدين ابن حجر لرجوم الهالكين وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم: هل تغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم كالكفار، أو لا كالبغاة؟ فرأى أبو بكر الأول وعمل به، وناظره عمر - رضي الله عنه - في ذلك، كما سيأتي بيانه في "كتاب الأحكام" إن شاء الله تعالى. وذهب إلى الثاني ووافقه غيره في خلافته على ذلك، واستقر الإجماع عليه في حق من جحد شيئاً من الفرائض بشبهة فيطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قوتل وأقيمت عليه الحجة، فإن رجع وإلا عومل معاملة الكافر حينئذ، ويقال أن صبغ من المالكية استقر على القول الأول فعد من ندرة المخالف. قلت: أراد بقوله: "وإلا عومل معاملة الكافر" القتل كفراً، لأنه قال الحافظ قبله: "والذين تمسكوا بأصل الإسلام، ومنعوا الزكاة بالشبهة التي ذكروها لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجة ا. هـ" وكذا نقله عن القرطبي فيما يأتي في من استسر منهم ببدعة. وأراد بالشبهة التأويل، ففيه أن المأول يستتاب، فإن تاب وإلا حكم عليه بالكفر. فهذا غايته.

واستدل به - أي بحديث أبي سعيد في مروق الخوارج من الدين كمروق السهم من الرمية - لمن قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة, وبذلك صرح القاضي أبو بكر ابن العربي في "شرح الترمذي" فقال. الصحيح أنهم كفار، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يمرقون من الإسلام"، ولقوله: "لأقتلنهم قتل عاد"، وفي لفظ: "ثمود" وكل منهما إنما هلك بالكفر، ولقوله: "هم شر الخلق" ولا يوصف بذلك إلا الكفار، ولقوله "إنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى"، ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار، فكانوا هم أحق بالاسم منهم. وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في "فتاواه": احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة، لتضمنه تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهادته لهم بالجنة. قال: وهو عندي احتجاج صحيح. قال: واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعى تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علماً قطعياً وفيه نظر، لأنا نعلم تزكية من كفروه علماً قطعياًَ إلى حين موته، وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم، ويؤيده حديث: "من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما" وفي لفظ "مسلم": "من رمى مسلماً بالكفر - أو قال -: عدو الله إلا حار عليه". قال: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم، فيجب أن يحكم بكفرهم مقتضى خبر الشارع، وهو نحو ما قالوه في من سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود، فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك، قلنا: وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من

كفروه علماً قطعياً، ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالاً، والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجى الساجد للصنم ذلك. قلت: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في "تهذيبه"، فقال بعد أن سرد أحاديث الباب: فيه الرد على قول من قال: لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالماً. فإنه مبطل لقوله في الحديث: "يقولون الحق، ويقرؤون القرآن ويمرقون من الإسلام، ولا يتعلقون منه بشيء" ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه. ثم أخرج بسند صحيح عن ابن عباس: "ذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن فقال: يؤمنون بمحكمة ويهلكون عند متشابهه" ويؤيد القول المذكور الأمر بقتلهم مع ما تقدم من حديث ابن مسعود: "لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وفيه التارك لدينه، المفارق للجماعة". قال القرطبي في "المفهم": يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي سعيد. فإن ظاهر مقصوده أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة رامية بحيث لم يتعلق من الرمية بشيء، وقد أشر إلى ذلك بقوله: "سبق الفرث والدم". قال صاحب "الشفاء" فيه: وكذا القطع بكفر كل من قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة، وحكاه صاحب " الروضة " في كتاب الردة عنه وأقره.

وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق، وإن حكم الإسلام يجرى عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما نسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد، وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم، والشهادة عليهم بالكفر والشرك. وقال الخطابي: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقه من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ماداموا متمسكين بأصل الإسلام. وقال عياض: كادت هذه المسألة تكون أشد اشكالاً عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين. قال: وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقال: لم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالاًَ تؤدي إلى الكفر، وقال الغزالي في كتاب "التفرقة بين الإيمان والزندقة": الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد. ومما احتج به من لم يكفرهم قوله في ثالث أحاديث الباب بعد وصفهم بالمروق من الدين كمروق السهم فينظر الرامي إلى سهمه إلى أن قال: "فيتمارى في الفوقة هل علق بها شيء؟ قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين عن جملة المسلمين، لقوله: "يتمارى في الفوقة" لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام، لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين. قال: وقد سئل علي - رضي الله عنه - عن أهل النهر-أي النهروان- هل كفروا؟ فقال: من الكفر فروا. قلت: وهذا إن ثبت عن علي حمل على أنه لم يكن اطلع على

معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم، وفي احتجابه بقوله: "بتمارى في الفوق" نظر، فإن في بعض طرق الحديث المذكور كما تقدمت الإشارة إليه، وكما سيأتي: "لم يعلق منه بشيء" وفي بعضها: "سبق الفرق والدم" وطريق الجمع بينهما أنه تردد: هل في الفوق شيء أولا؟ ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من الرمي شيء، ويمكن ان يحمل الاختلاف فيه على اختلاف أشخاص منهم، ويكون في قوله: "يتمارى" إشارة إلى أن بعضهم يبقى معه من الإسلام شيء. قال القرطبي في "المفهم": والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث، قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون، وتسبى أموالهم، وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج، وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب، فأما من استسرمنهم ببدعة، فإذا ظهر عليه هل يقتل بعد الاستتابة أولا يقتل بل يجتهد في رد بدعته؟ اختلف فيه بحسب الاختلاف في تكفيرهم، قال: وباب التكفير باب خطر، ولا نعدل بالسلامة شيئاً. قال: وفي الحديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع، وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دمائهم وتركوا أهل الذمة فقالوا: نفى لهم بعهدهم، وتركوا قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين، وهذا كله من آثار غباوة الجهال الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم، وكفى أن رأسهم رد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره، نسبه إلى الجور. - نسأل الله السلامة -. قال ابن هبرة: وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، والحكمة نية أن في قتالهم مسقط رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك

طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى، وفيه الزجر عن الأخذ بظواهر جميع الآيات القابلة للتاويل التي يفضي القول بظاهرها إلى مخالفة إجماع السلف. وفيه التخدير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة، وإنما ندب إلى السدة على الكفار وإلى الرأفة بالمؤمنين، فعكس ذلك الخوارج كما تقدم بيانه. وفيه جواز قتال من خرج عن طاعة الإمام العادل، ومن نصب الحرب فقاتل على اعتقاد فاسد، ومن خرج يقطع الطريق، ويخيف السبيل، ويسعى في الأرض بالفساد. وأما من خرج عن طاعة إمام جائر أراد الغلبة على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور، لا يحل قتاله، وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن. وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي، وذكر الخوارج فقال: إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم، فإن لهم مقالاً. قلت: وعلى ذلك يحمل ما وقع للحسين بن على - رضي الله عنه -، ثم لأهل المدينة في الحرة، ثم لعبد الله بن الزبير، ثم للقراء الذين خرجوا على الحجاب في قصة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. والله أعلم. وفيه: أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار ديناً على دين الإسلام. وإن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية، ومن اليهود والنصارى. قلت: والأخير مبني على القول بتكفيرهم مطلقاً، وفيه منقبة عظيمة

لعمر - رضي الله عنه - لشدته في الدين، وفيه أنه لا يكتفي في التعديل بظاهر الحال ولو بلغ المشهود بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطن حاله. (أيضا) : وفيه: منع قتال من قال: لا إله إلا الله، ولو لم يزد عليها، وهو كذلك ولكن هل يصير بمجرد ذلك مسلماً؟ الراجح: لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه؛ وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: إلا بحق الإسلام. قال البغوي: الكافر إذا كان وثنياً أو ثنوياً، لا يقر بالوحدانية فإذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام، وأما من كان مقراً بالوحدانية منكراً للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلابد أن يقول إلى جميع الخلق، فإن كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده، ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد، وبه صرح القفال آهـ. (أيضاً) : وقال الغزالي في "الوسيط" - تبعاً لغيره -: في حكم الخوارج وجهان، أحدهما: أنه كحكم أهل الردة، والثاني: أنه كحكم أهل البغي، ورجح الرافعي الأول، وليس الذي قاله مطرداً في كل خارجي، فإنه على قسمين: أحدهما من تقدم ذكره، والثاني: من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده، وهم على قسمين أيضاً: قسم خرجوا غضباً للدين من أجل جور الولاة، وترك عملهم بالسنة النبوية، فهؤلاء أهل حق، ومنهم: الحسين بن علي - رضي الله عنه -، وأهل المدينة في الحرة، والقراء الذين خرجوا على

الحجاج، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط، سواء كانت فيهم شبهة أم لا، وهم البغاة، وسيأتي بيان حكمهم في كتاب الفتن، وبالله التوفيق. (أيضاً) : وقال ابن دقيق العيد: قد يؤخذ من قوله: "المفارق للجماعة" أن المراد: المخالف لأهل الإجماع، فيكون متمسكاً لمن يقول: مخالف الإجماع كافر، وقد نسب ذلك إلى بعض الناس، وليس ذلك بالبين، فإن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع، كوجوب الصلاة مثلاً، وتارة لا يصحبها التواتر، فالأول يكفر جاحده لمخالفة التواتر لا لمخالفة الإجماع، والثاني لا يكفر به. قال شيخنا في "شرح الترمذي": الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة، كالصلاة الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر، ومنه القول بحديث العالم. وقد حكى عياض رحمة الله وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم. وقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر، لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا أن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواتراً عن صاحب الشرع. قال: وهو تمسك ساقط، إما عن عمي في البصيرة، أو تعام، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل. وقد قال الحافظ رحمه الله في آخر بحثه: "ومخالف الإجماع داخل في مفارق الجماعة" أهـ.

تنبيه من الراقم على ما استفيد من كلام الحافظ رحمه الله تعالى

تنبيه من الراقم على ما استفيد من كلام الحافظ رحمه الله تعالى الأول: إن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله مائل إلى إكفار الخوارج - أي بعض من استحق منهم ذلك، وقد صرح به في كتابه "خلق أفعال العباد" - في فرق، ويوجب قتلهم بعد الأعذار إليهم والاستتابة، ولا يجب بل لا يمكن إلجاءهم واضطرارهم إلى الحق، أي لا يتصور من البشر إيجاد اليقين وإلقاءه في قلوبهم بحيث لا يبقى بعده إلا عناد ومكابرة، كما يزعمه الزاعمون ممن لم ينظر في الكتب وأقوال الأئمة، وبنى خياله على الحرية الدائرة في هذا العصر، ومجرد تحسين وتقبيح عقلي، ومثل هذا هو الذي ذكره علماء المذاهب الأربعة في باب المرتد حيث قالوا: يستتاب ويكشف شبهته، أي يذكر عنده ما يكشف الشبهة، لا أنه يستطيع أحد أن ييقنه بذلك ويلجئه إليه؟ فإذا لم يرجع قتل كفراً. قال الشيخ ابن الهمام في "المسايرة" في إنكار القطعي الغير الضروري: إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج أهـ. ويؤخذ ذلك مما نقله الحموي في "الجمع والفرق" عن محمد رحمه الله وعن أبي يوسف رحمه الله في "البحر" في تعليم الجاهلة، ومما في "الهندية" عن "اليتيمة" في ما يتعلق بالصلاة. وهاك نص تراجم البخاري: قال: "باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقوله

تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ثم بوب على وجه العذر في ترك قتلهم حيث ترك فقال: "باب ترك قتال الخوارج للتألف، ولئلا ينفر الناس عنه". ثم بوب على التأويل وقال: "باب ما جاء في المتأولين" وأراد به تأويلاً لا يكون كتأويل الخوارج، إذ بوب عليهم قبل ذلك، وذلك التأويل كما في "الفتح" ما كان سائغاً في كلام العرب، وكان له وجه في العلم أهـ. وقال تلميذه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "تحفة الباري": ولا خلاف أن المتأول معذور بتأويله إن كان تأويله سائغاً أهـ. لا مطلق التأويل فإنه لا يدفع القتل بل لا يدفع الكفر أيضاً. الثاني: إن إنكار القطعي كفر، ولا يشترط أن يعلم ذلك المنكر قطعيته ثم ينكر فيكون بذلك كافراً على ما يتوهمه الخائلون، بل يشترط قطعيته في الواقع، فإذا جحد شخص ذلك القطعي استتيب، فإن تاب وإلا قتل على الكفر، وليس وراء الاستتابة مذهب كما قال القائل: وليس وراء الله للمرء مذهب وذلك من كلام الشيخ تقى الدين السبكي في عبارة الحافظ رحمه الله. الثالث: الرد على من قال: لا يخرج أحد من أهل الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمخ إلا بقصد الخروج منه عالماً، وذلك من

كلام الطبري في عبارته، ومن كلام القرطبي أيضاً في آخر العبارة. وقال ابن تمية في "الصارم المسلول": والغرض هنا أنه كما إن الردة تتجرد عن السب فكذلك قد تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية، وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر، إن لا يقصد أن يكفر أهـ. قال: وهذا الرجل لم يظهر مجرد تغير الاعتقاد حتى يعود معصوماً بعوده، إليه وليس هذا القول من لوازم تغير الاعتقاد حتى يكون حكمه كحكمه. قال: ومن جهة كونه قد يظن أو يقال أن الاعتقاد قد يكون سالماً معه فيصدر عمن لا يريد الانتقال من دين إلى دين، ويكون فساده أعظم من فساد الانتقال، إذ الانتقال قد علم أنه كفر فنزع عنه ما نزع عن الكفر، وهذا قد يظن أنه ليس بكفر إلا إذا صدر استحلالاً، بل هو معصية، وهو من أعظم أنواع الكفر أهـ. قلت: المراد بالمروق هو الخروج من حيث لا يدري، وهو مؤدي هذا اللفظ وحقه، ومن قال ذلك لعله يقول: أن أهل الملل غير الإسلام لا يهلكون أيضاً متى لم يكونوا معاندين، وقد نسب ذلك إلى بعض، وقد قال القاضي أبو بكر الباقلاني - كما في "الشفاء" -: إن هذا القول كفر، ومعلوم أن دليل ذلك القائل لو كان صحيحاً كان عاماً يشمل أهل الإسلام وغيرهم ممن لم يكابر. الرابع والخامس: جواب الحافظ عن أدلة من لم يكفر

الخوارج، ثم تقسيم منه إلى من كفر منهم وإلى من لم يكفر، من عنده ومن كلام الغزالي أيضاً في "الوسيط" فإن لم يكن الحافظ اختار تكفير الخوارج فقد أجاب عن ادلة عدم التكفير. والحق أن من أنكر متواتراً كفر، ومن لافلا، والحق أيضاً أن حديث المروق يدل على أن المارقة أقرب إلى الكفر من الإيمان، ومن أصرح ما وجدت فيه ما عند ابن ماجه عن أبي أمامة - رضي الله عنه -: "قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً" قلت: يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ محمد بن إبراهيم اليماني في "إيثار الحق": اسناده حسن أهـ. وحسنه الترمذي مختصراً، وبعضهم كالطحطاوي في الإمامة فسر الخوارج بمن خرج عن عقيدة السنة، وكذا ابن عابدين هناك، وروى النسائي عن أبي برزة قال: "أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمال فقسمه" الحديث، ثم قال "يخرج في أخر الزمان قوم - كان هذا منهم - يقرؤون القرآن آهـ لا يزالون يخرجون حتى يخرج أخرهم مع المسيح الدجال". وصرح في "الصارم" في السنة الرابعة عشر بكفرهم، وأجاب هناك عن كل ما يرد ومن الحديث الخامس عشر، وشواهد حديث أبي برزة في "الكنز" و"المستدرك".

السادس: إن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، وذلك من كلام ابن هبيرة، وأقول: كذلك إكفار المتأولين والملحدين أهم من إكفار المعاندين، فإن التأويل يتخذ ديناً كما اتخذه أتباع ذلك الدجال بخلاف التعمد، هذا وقد بوب البخاري قبل هذا على إنكار بعض الضروريات، وأنه ارتداد فقال: (باب قتل من أبي قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة) . وأخرج فيه حديث قتال أبي بكر مع من فرق الصلاة والزكاة، فجعلهم مرتدين، مع أنهم كانوا متاولين، فظهر أن التأويل في ضروريات الدين لا يدفع الكفر، وغاية ما يوسع فيه هو الإنذار والاستتابة، فإن تاب وإلا قتل كفراً، وليس ذلك إكراهاً مذموماً بل هو إكراه على الحق الذي وضحت حقيته، فهو عين العدل وعين الصواب. قال القاضي أبو بكر ابن العربي في "أحكام القرآن" في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية. المسألة الثانية قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ} عموم في نفي إكراه الباطل، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين، وهل يقتل الكافر إلا على الدين. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} اهـ. وأعاده في "الممتحنة". وقال في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل اهـ". والحق أن الإكراه على الحق الذي كان وضوحه بديهياً ليس بإكراه، واختاره في "روح المعاني" أيضاً.

النقل عن الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الدين

وهذه أكثر الشكوك التي تغشي الناظرين في هذه المسألة، وقد أحاطها وأماطها الحافظ وحكها وفكها، فأبى المستروحون إلا استرسالهم مع ما يركبه الخيال ويجلبه من حديث نفس وأمنية، والله الهادي ومن يضلله فلا هادي له، يريد الكافرون ليطفؤه ويأبى الله إلا أن يتمه. النقل عن الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الدين كأبي يوسف ومحمد والبخاري رحمه الله عليهم أجمعين وهو ما ذكره الطحاوي قال: حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف في نوادر ذكرها عنه، أدخلها في أماليه عليهم، قال: قال أبو حنيفة: "أقتلوا الزنديق سراً فإن توبته لا تعرف". "أحكام القرآن" لأبي بكر الرازي و"عمدة القاري". قال أبو مصعب عن مالك في المسلم إذا تولى عمل السحر: قتل ولا يستتاب، لأن المسلم إذا ارتد باطناً لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام. "أحكام القرآن" لأبي بكر الرازي. ونحوه في "المؤطأ" من القضاء في من ارتد عن الإسلام. وقولهم في ترك قبول توبة الزنديق: يوجب أن لا يستتاب الإسماعيلية وسائر الملحدين الذين قد علم منهم اعتقاد الكفر، كسائر الزنادقة، وأن يقتلوا مع إظهارهم التوبة. "أحكام القرآن" وأبسط من ذلك في "الأحكام" رواية ودراية.

وقد روى هشام بن عبيد الله الرازي عن محمد بن الحسن: أن من صلى خلف المعتزلي يعيد صلاته. وروى هشام أيضاً عن يحيى بن أكثم عن أبي يوسف: أنه سئل عن المعتزلة فقال: هم الزنادقة، وقد أشار الشافعي في كتاب القياس إلى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وأهل الأهواء. وبه قال مالك وفقهاء المدينة، فكيف يصح من أئمة الإسلام إكرام القدرية بالنزول لهم بكفرهم. "الفرق بين الفرق". وكذلك في "كتاب العلو" للذهبي وفي "الأم" للشافعي رحمه الله مما تجوز به شهادة أهل الأهواء: ولا أرد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله اهـ. وفي "اليواقيت" قال المخزومي رحمه الله: أراد الإمام الشافعي رحمه الله بأهل الأهواء أصحاب التأويل المحتمل اهـ. وروى هشام بن عبيد الله الرازي عن محمد بن الحسن أنه قال: من صلى خلف من يقول بخلق القرآن أنه يعيد الصلاة. "الفرق بين الفرق". قلت: فهذا قول محمد رحمه الله في الإعادة، وقد روى محمد رحمه الله عدم جواز الصلاة خلف أهل الأهواء عن أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله، كما في إمامة "فتح القدير". وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة، كعبد الله بن عمر، وجابر ابن عبد الله، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر الجهني، وأقرانهم؛ وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية، ولا يصلوا على جنائزهم، ولا يعودوا مرضاهم. "الفرق بين الفرق" و"عقيدة السفاريني".

وبسط الأحاديث المرفوعة فيه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي "السير الكبير" من لفظ محمد رحمه الله: ومن أنكر شيئاً من شرائع الإسلام فقد أبطل قول: لا إله إلا الله اهـ. قال: سمعت سفيان الثوري يقول: قال لي حماد بن أبي سليمان: أبلغ أبا فلان المشرك فإني بريء من دينه، وكان يقول: القرآن مخلوق. وقال الثوري: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. وقال على ابن عبد الله (ابن المديني) : القرآن كلام الله، من قال أنه مخلوق فهو كافر، لا يصلى خلفه. قال أبو عبد الله البخاري: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أضل في كفرهم منهم، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم، وقال زهير السختياني: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: الجهمية كفار. قال أبو عبد الله: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم. "خلق أفعال العباد" للبخاري ملتقطاً. ونقل العبارة الأولى في كتاب "الأسماء والصفات" والثانية كذلك، ونقل العبارة الثانية في "فتاوى الحافظ ابن تيمية" فجعلها نقل البخاري عن أبي عبيد هو الإمام القاسم بن سلام. وقال ابن أبي حاتم الحافظ ثنا أحمد بن محمد بن مسلم ثنا على ابن الحسن الكراعي قال: قال أبو يوسف: ناظرت أبا حنيفة ستة أشهر

فاتفق رأينا على أن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. قال أحمد بن القاسم بن عطية: سمعت أبا سليمان الجوزجاني يقول: سمعت محمد ابن الحسن يقول: والله لا أصلي خلف من يقول: القرآن مخلوق؛ ولا استفتي إلا أمرت بالإعادة. "كتاب العلو". وأرادوا بخلق القرآن كونه منفصلاً عن الله لا قائماً به ولا صفة له، فلا ينافي حدوث الكلام اللفظي، أعني جزئياته، صرح بهذه العناية الحافظ ابن تيمية في عدة من تصانيفه. قلت: وفي "المسايرة": إن أبا حنيفة رحمه الله قال لجهم. أخرج عني يا كافر. وفي "الرسالة التسعينية" للحافظ ابن تيمية باسناد عن محمد قال: قال أبو حنيفة رحمه الله: لعن الله عمرو بن عبيد. ثم حمل في "المسايرة" قوله لجهم على التأويل، وهذا غير ظاهر، كيف وقد ورد الوعيد الشديد في إكفار المسلم. فحاشا جناب الإمام رحمه الله عن ذلك لو لم يكن عنده كافراً. قال سمعت سليمان يقول سمعت الحارث بن ادريس يقول: سمعت محمد ابن الحسن الفقيه يقول: من قال: القرآن مخلوق فلا تصل خلفه. وقرأت في كتاب أبي عبد الله محمد بن يوسف ابن إبراهيم الدقاق روايته عن القاسم بن أبي صالح الهمذاني عن محمد بن أبي أيوب الرازي قال: سمعت محمد بن سابق يقول: "سألت أبا يوسف فقلت: أكان أبو حنيفة يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: معاذ الله، ولا أنا أقوله. فقلت: أكان يرى رأي جهم؟ فقال: معاذ الله، ولا أنا أقوله". رواته ثقات.

وأتباني أبو عبد الله الحافظ إجازة قال أنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي قال ثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي قال سمعت أبي يقول سمعت أبا يوسف القاضي يقول: كلمت أبا حنيفة سنة جرداء في أن القرآن مخلوق أم لا؟ فاتفق رأيه ورأيي على أن من قال: القرآن مخلوف فهو كافر. قال أبو عبد الله: رواة هذا كلهم ثقات. "كتاب الأسماء والصفات" للبيهقي. وحكى ابن المنذر عن الشافعي رحمه الله: لا يستتاب القدري، وأكثر أقوال السلف تكفيرهم، وممن قال به: الليث، وابن عيينة، وابن لهيعة، روى عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن. وقال ابن المبارك: والأودى، ووكيع، وحفص بن غياث، وأبو اسحاق الفزاري، وهشيم، وعلى بن عاصم في آخرين، وهو من قول أكثر المحدثين والفقهاء والمتكلمين فيهم وفي الخوارج والقدرية، وأهل الأهواء المضلة، وأصحاب البدع المتأولين، وهو قول أحمد بن حنبل. "شفاء". وأطال الأستاذ أبو منصور البغدادي صاحب "الفرق بين الفرق" في تكفير الغلاة من أهل الأهواء في كتابه "الأسماء والصفات" كما في "شرح الإحياء". ومعلوم أن البدعة والهوى إنما تكون بشبهة، ففيه أن التأويل لم يدفع الكفر. وقد قال في "ايثار الحق": فإن السنة ما اشتهر عن السلف،

وصح بطريق النصوصية، ولولا هذا لكانت البدع كلها من السنن، لأنه ما من بدعة إلا ولأهلها شبه من العمومات والمحتملات والاستخراجات اهـ. وقال فيه: وأما التفسير فما كان من المعلومات بالضرورة من أركان للإسلام وأسماء الله تعالى منعنا من تفسيره، لأنه جلى صحيح المعنى، وإنما يفسره من يريد تحريفه كالباطنية الملاحدة اهـ. وقال أيضاً: ولذلك تجد هذا الجنس متمسك أكثر أهل الضلالات، ولا تجد صاحب باطل إلا وتجد في العمومات ما يساعده حتى منكري الضروريات، كغلاة الاتحادية اهـ. وقد قال ذاك المحقق محمد ابن إبراهيم الوزير اليماني في كتابه "إيثار الحق". ومذهب السلف الصالح في ذلك - أي في عدم تكفير من لم يكن غالباً من أهل الأهواء - هو المختار مع أمرين: أحدهما: القطع بقبح البدعة والإنكار لها، والإنكار على أهلها. ثانيهما: عدم الإنكار على من كفر كثيراً منهم، فإنا لا نقطع بعدم كفر بعضهم ممن فحشت بدعته، بل نقف في ذلك ونكل علمه والحكم فيه إلى الله سبحانه اهـ. وقال في "الصارم المساول" من الحديث الخامس عشر: وأوجب ذلك لهم عقائد فاسدة ترتب عليها أفعال منكرة، كفرهم بها كثير من الأمة وتوقف فيها آخرون اهـ.

النقل فيه عن المحدثين والفقهاء والمتكلمين وكبار المحققين وجم غفير من المصنفين

النقل فيه عن المحدثين والفقهاء والمتكلمين وكبار المحققين وجم غفير من المصنفين قلت: هؤلاء القوم هم الخوارج الذين خرجوا في زمن علي - رضي الله عنه - حتى استأصلهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يجاوز حناجرهم، معناه: لا تقبل ولا ترفع الأعمال الصالحة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يمرقون من الدين، أي يخرجون، وهذا حكم بكفرهم وإباحة لدمائهم، وقد روى أصرح من ذلك في المتفق عليه، ولفظه: فأين لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: من "الرمية"، هي الصيد الذي تقصده فترميه. قوله: تنظر إلى آخره، معناه: مرمراً سريعاً لم يعلق به شيء من القرث والدم، فكذلك دخول هؤلاء في الإسلام ثم خروجهم منه لم يتمسكوا منه بشيء. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن قوماً أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم، بلغنا أن علياً - رضي الله عنه - سمع رجلاً يقول: لا حكم إلا لله في ناحية المسجد، فقال علي - رضي الله عنه -: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفى ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدأكم بقتال. وقال أهل الحديث من الحنابلة: يجوز قتلهم. أقول: الظاهر عندي دراية ورواية قول أهل الحديث. أما رواية فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأين لقيتموهم فاقتلوهم"، وأما قول علي - رضي الله عنه - فمعناه أن الإنكار على الإمام والطعن فيه لا يوجب قتلاً حتى ينزع يده من الطاعة،

فيكون باغياً أو قاطع الطريق، وإذا أنكروا ضرورياً من ضروريات الدين يقتل لذلك لا للإنكار على الإمام. بيان ذلك أن المفتي إذا سئل عن بعض أفعال زبد حكم بالجواز، وإذا سئل عن بعضها الآخر حكم بالفسق، ثم إذا سئل عن بعضها الآخر حكم بالكفر، فههنا لم يظهر هذا الرجل عنده إلا الإنكار في مسألة التحكيم حسب ما أظهر، ولو أنه أظهر إنكار الشفاعة يوم القيامة أو إنكار الحوض الكوثر وما يجري مجرى ذلك من الثابت بالدين بالضرورة لحكم بالكفر، وأما حديث: "أولئك الذين نهاني الله عنهم، ففي المنافقين دون الزنادقة. بيان ذلك أن المخالف للدين الحق إن لم يعترف به ولم يذعن له، لا ظاهراً ولا باطناً فهو كافر، وإن اعترف بلسانه وقلبه على الكفر فهو المنافق، وإن اعترف به ظاهراً لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة فهو الزنديق، كما إذا اعترف بأن القرآن حق، وما فيه من ذكر الجنة والنار حق، لكن المراد بالجنة: الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنار: هي الندامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار فهو زنديق. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أولئك الذين نهانى الله عنهم" في المنافقين دون الزنادقة. وأما دراية فلأن الشرع كما نصب القتل جزاء للإرتداد ليكون مزجرة للمرتدين وذباً عن الملة التي ارتضاها فكذلك نصب القتل في هذا الحديث وأمثاله جزاء للزنديق ليكون مزجرة للزنادقة وذباً عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به. ثم التأويل تأويلان: تأويل لا يخالف قاطعاً من الكتاب والسنة واتفاق الأمة، وتأويل يصادم ما ثبت بالقاطع، فذلك الزندقة، فكل من أنكر

رؤية الله تعالى يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسوال المنكر والنكير، أو أنكر الصراط والحساب سواء. قال: لا أثق بهؤلاء الرواة، أو قال: أثق بهم لكن الحديث مأول، ثم ذكر تأويلاً فاسداً لم يسمع من قبله فهو الزنديق. وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مثلاً: ليس من أهل الجنة مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبوة ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمي بعده أحد بالنبي، وأما معنى النبوة وهو كون الإنسان مبعوثاً من الله تعالى إلى الخلق، مفترض الطاعة، معصوماً من الذنوب ومن البقاء على الخطأ في ما يرى فهو موجود في الأئمة بعده، فذلك الزنديق، وقد اتفق جماهير المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجري هذا المجرى، والله تعالى أعلم بالصواب "مسوى على المؤطأ" للشيخ الأجل ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي. واستفيد منه تفسير الزندقة وحكمها، وأن التأويل في الضروريات لا يدفع الكفر، وما ذكره في عدم تكفير علي - رضي الله عنه - إياهم، بسطه في "الصارم المسلول" من السنة الرابعة عشر والحديث الخامس عشر، وهو أصوب مما ذكره في "منهاج السنة" فقال في "الصارم". وبالجملة فالكلمات في هذا الباب ثلاثة أقسام: إحداهن ما هو كفر مثل قوله: "إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله" اهـ. فإذا كان أول الخوارج كافراً بهذه الكلمة فكذا أصحابه وأذنابه بعده،

وأما كلمة "إن نساءك ينشدنك الله العدل" فإنما أريد به طلب التسوية لا النسبة إلى الجور والعياذ بالله. كما يستفاد من "الشفاء" متن فصل: فإن قلت فلم لم يقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -". إلخ من "شرح القارئ". وأعلم أن لفظ حديث: "ما يباح به دم المسلم" عند البخاري من باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} من الديات عن أكثر رواة نسخة تالبخاري: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة". قال في "الفتح": قوله: "والمفارق لدينه التارك للجماعة" كذا في رواية أبي ذرعن الكشميهني. وللباقين: "والمارق من الدين" لكن عند النسقي والسرخسى والمستملي: و"المارق لدينه" اهـ. "والمارق من الدين" جعل الحافظ مصداقة الأولى هو المرتد، ونقل فيه شواهد من الأحاديث، وهذا العنوان أي المروق من الدين والإسلام هو الوارد في الخوارج في الأحاديث المشهورة، فكان حكمهم كذلك. وفي "فتاوى الحافظ ابن تيمية": فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج

وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد رحمهما الله تعالى، وفي مذهب الشافعي رحمه الله تعالى أيضاً نزاع في كفرهم، ولذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى، أحدهما: أنهم بغاة، والثاني: أنهم كفار كالمرتدين يجوز قتلهم ابتداءً، وقتل أسيرهم وأتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل، كما إن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها، هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها على روايتين. وقال فيه: والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين، فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلاً، وإنما هم جنس الخوارج المارقين ومانعي الزكاة، وأهل الطائف والحرمية ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام، وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء، فإن المصنفين في قتال أهل البغي جعلوا قتال مانعي الزكاة وقتال الخوارج، وقتال علي - رضي الله عنه - لأهل البصرة، وقتاله لمعاوية وأتباعه من قتال أهل البغي، وذلك كله مأمور به، وفرعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس، وقد غلطوا، بل الصواب ما عليه أئمة الحديث والسنة وأهل المدينة النبوية، كالأوزاعي رحمه الله، والثوري رحمه الله، ومالك رحمه الله، وأحمد بن حنبل رحمه الله وغيرهم أنه يفرق بين هذا وهذا. وقال أيضاً: وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه

من شرائع الإسلام، وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون، ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين. وقال أيضاً: والطريقة الثانية اهـ. والسؤال في هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة، وقد تلكموا بالشهادتين، وانتسبوا إلى الإسلام، ولم يبقوا على الكفر الذي كانوا عليه في أول الأمر اهـ. وقال أيضاً: كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين. وقال في وصف الباطنية من "ملوك مصر": ثم قدحوا في المسيح ونسبوه إلى يوسف النجار، وجعلوه ضعيف الرأي، حيث تمكن عدوه منه حتى صلبه، فيوافقون اليهود في القدح في المسيح، لكن هم شر من اليهود، فإنهم يقدحون في الأنبياء. وقال أيضاً: فإن المسلم الصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوء حالاً ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق - رضي الله عنه -. وفي "نور العين" عن "التمهيد": أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعاً إذل لم يرجعوا، أو لم يتوبوا، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعاً إلا الإباحية، والغالية، والشيعة من الروافض، والقرامطة، والزنادقة من الفلاسفة، لا تقبل توبتهم بحال من الأحوال، ويقتل بعد التوبة وقبلها، لأنهم لم يعتقدوا

بالصانع تعالى حتى يتوبوا ويرجعوا إليه. وقال بعضهم: إن تاب قبل الأخذ والإظهار تقبل توبته، وإلا فلا، وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو حسن جداً "رد المختار". وفي "الفتح": والمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان كالزنديق الذي لا يتدين بدين، وكذا من علم أنه ينكر في الباطن بعض الضروريات كحرمة الخمر، ويظهر اعتقاد حرمته وتمامه فيه. "در مختار". وعن ابن عمر وعلي - رضي الله عنهما -: لا تقبل توبة من تكررت ردته كالزنديق، وهو قول مالك، وأحمد والليث. وعن أبي يوسف: لو فعل ذلك مراراً يقتل غيلة، وفسره بأن ينتظر، فإذا أظهر كلمة الكفر قتل قبل أن يستتاب، لأنه ظهر منه الاستخفاف. "رد المحتار". وظاهر كلامه: تخصيص الكفر بجحد الضروري فقط، مع أن الشرط عندنا ثبوته على وجه القطع، وإن لم يكن ضرورياً، بل قد يكون بما يكون استخفافاً من قول أو فعل كما مر، ولذا ذكر في "المسايرة" أن ما ينفى الاستسلام، أو يوجب التكذيب فهو كفر، فما ينفى الاستسلام كل ما قدمناه عن الحنيفة، أي مما يدل على الاستخفاف، وما ذكر قبله من قتل نبي إذا الاستخفاف فيه أظهر، وما يوجب التكذيب جحد كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ادعاؤه ضرورة، وأما ما لم يبلغ حد الضرورة كاستحقاق بنت الإبن السدس مع البنت بإجماع المسلمين، فظاهر كلام الحنفية إلا كفار بجحده، فإنهم لم يشترطوا

سوى القطع في الثبوت، ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعاً، لأن مناط التكفير وهو التكذيب أو الاستخفاف، عند ذلك يكون، أما إذا لم يعلم فلا، إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج. "رد المحتار". تنبيه: في "البحر" والأصل أن من اعتقد الحرام حلالاً فإن كان حراماً لغيره، كمال الغير لا يكفر، وإن كان لعينه فإن كان دليله قطعياً كفر، وإلا فلا. وقيل: التقصيل في العالم، أما الجاهل فلا يفرق بين الحرام لعينه ولغيره، وإنما الفرق في حقه أن ما كان قطعياً كفر به، وإلا فلا فيكفر إذا قال: الخمر ليس بحرام، وتمامه فيه "رد المحتار". ومن "زكاة الغنم": أن الإعتماد على القطعية وإن كان حراماً لغيره، ونبذة منه في مسألة الصلاة بجون طهارة، ولكن صرح في كتاب "المسايرة" بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدين وضرورياته، كالقول بقدم العالم، ونفي حشر الأجساد، ونفي العلم بالجزئيات، وإن الخلاف في غيره، كنفي كبادئ الصفات، ونفي عموم الإرادة، والقول بخلق القرآن إلخ. وكذا قال في "شرح منية المصلي": إن ساب الشيخين ومنكر خلافتهما ممن بناه على شبهة له لا يكفر، بخلاف من ادعى أن عليا إله، وإن جبريل غلط، لأن ذلك ليس عن شبهة، واستفراغ وسع في الاجتهاد، بل محض هوى اهـ. وتمامه فيه. قلت: وكذا يكفر قاذف عائشة، ومنكر صحبة أبيها، لأن

ذلك تكذيب صريح القرآن، كما مر في الباب السابق. "رد المحتار". قلت: والأكثر على تكفير منكر خلافة الشيخين، وفي "الدر المنتقى" عن "الوهبانية" وشرحها: وصحح تكفير نكير خلافة أل.... عتيق وفي الفاروق ذاك الأظهر بل في "الخلاصة" و"الصواعق": أنه صرح به محمد بن الحسن رحمه الله تعالى في "الأصل"، وكذا صححه في "الظهيرية" - كما في "الهندية" - فما في "رد المحتار" تساهل، وقد صححه في "خزانة المفتيين" أيضاً - كما في "الأنقروية" - وكذا نقله في "الفتاوى العزيزية" عن "البرهان"، وعن "الفتاوى البديعية"، وعن كتب أخر، وعن بعض الشافعية والحنابلة، وعبارة "البرهان": "وعلماءنا والشافعي جعلوها أي الإمامة من فاسق ومبتدع لم يكفر أي لم يحكم بكفره بسبب بدعة مكروهة لا فاسدة كما قال مالك اهـ". فيجوز الاقتداء بأهل الأهواء عندنا إلا الجهمية، والقدرية، والروافض الغالية، والقائلين بخلق القرآن، والخطابية، والمشبهة. والحاصل أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل حتى لم يحكم بكفره تصح تالصلاة خلفه، وتكره، ولا يجوز خلف منكر الشفاعة، والرؤية، وعذاب القبر، والكرام الكاتبين، لأنه كافر لتواتر هذه الأمور من الشارع عليه السلام. ومن قال: لا يرى لعظمته وجلاله، فهو مبتدع، ولا خلف منكر المسح على الخفين اهـ. ولا خلف منكر خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - أو عمر - رضي الله عنه - أو عثمان - رضي الله عنه - لأنه كافر، وتصح خلف من يفضل

علياً - رضي الله عنه - لأنه مبتدع، وروى محمد رحمه الله تعال عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز اهـ. واختار في أواخر "التحفة الإثنى عشرية" تكفير الخوارج ممن يكفر علياً - رضي الله عنه - والعياذ بالله - ذكره في المقدمة السادسة من باب التوالي والتبرى، لكنه ذكر فرقاً بين الارتداد والكفر، وهذا لم يشتهر في كتب الفقه في حق من ينتحل الإسلام، وكأنه أراد بالارتداد تبديل الملة بقصده، بخلاف الكفر، ولا يظهر في الأحكام فرق من كلامه إلا أن يكون من وجوب القتل وجوازه، وأكثر كلامه في "فتاواه" على تكفير الخوارج، ومن يشبههم، وما ذكره في "فتاواه" ليس مرضياً عنده، كما صرح به فيها. وذكر فيها عدم الفرق بين لزوم الكفر والتزامه في القطعيات، وفي الكيد الحادي والتسعين من مكائدهم من "التحفة" والعقيدة السادسة باب الإمامة تحت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} الآية. وشيئاً في آخر المقدمة الخامسة من باب التولي والتبرئ. وكذلك قال ابن القاسم في من تنبأ وزعم أنه يوحى إليه، وقال سحنون، وقال ابن القاسم في من تنبأ: أنه كالمرتد، سواء كان دعا إلى ذلك - اي إلى متابعة نبوته - سراً كان أو جهراً كمسيلمة - لعنه الله -. وقال اصبغ بن الفرج: هو - أي من زعن أنه نبي يوحى إليه - كالمرتد في أحكامه، لأنه قد كفر بكتاب الله

لأنه كذبه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: إنه خاتم النبيين، ولا نبي بعده، مع الفرية على الله - بكسر الفاء أي الكذب عليه بقوله: إن الله أوحى إلى وأرسلني - وقال أشهب في حق يهودي زعم أنه نبي، وزعم أنه أرسل من الله إلى الناس ليبلغهم من الله، أو قال: وزعم أن بعد نبيكم نبي سيأتي من الله بشريعة، فقال: إنه يستتاب كالمرتد، إن كان معلناً بذلك - أي مظهراً له - لا إذا أخفاه، فإن تاب ورجع عما قاله، وإلا قتل إن لم يتب، وذلك اي قتله لأنه مكذب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله - الذي نقله عنه الثقات-: لا نبي بعدي، أي لا ينبأ أحد بعد نبوتي، مفترٍ على الله في دعواه الرسالة والنبوة. "خفاجى" شرح "شفاء". وقال أحمد بن أبس سليمان صاحب سحنون الذي تقدمت ترجمته: من قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لونه أسود قتل، لكذبه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولون السواد يزرى، ففيه تحقير وإهانة له أيضاً، إذ لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسود، وإنما كان أزهر اللون مورداً، كما تقدم في حديث حليته الطويل. وقال بعض المتأخرين: كلامه يوهم أن مجرد الكذب عليه في صفة من صفاته كفر يوجب القتل، وليس كذلك، بل لابد من ضميمة ما يشعر بنقص في ذلك، كما في مسألتنا هذا، لأن الأسود لون مفضول اهـ. وقد علمت أن لا فرق، لأن إثبات صفة له - صلى الله عليه وسلم - غير صفة لا تكون إلا مشعرة بنقص، لأن صفاته لا يتصور أكمل منها، بل كل ما أثبت له غيرها كان نقصاً بالنسبة لها، فالاعتراض حينئذٍِ ليس في محله. "خفاجي شرح شفاء".

صفاته تعالى في الأزل غير محدثة، ولا مخلوقة، فمن قال أنها مخلوقة أو محدثة، أو وقف فيها، أوشك فيها، فهو كافر بالله تعالى. "فقه أكبر". من قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم. "كتاب الوصية". قال فخر الإسلام: قد صح عن أبي يوسف أنه قال: ناظرت أبا حنيفة في مسألة خلق القرآن، فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر، وصح هذا القول أيضاً عن محمد رحمهم الله تعالى. "شرح فقه أكبر". أيما رجل مسلم سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو كذبه، أو عابه، أو تنقصه، فقد كفر بالله تعالى، وبانت منه امرأته. "كتاب الخراج". أجمع المسلمون على أن شاتمه - صلى الله عليه وسلم - كافر، ومن ذك في في عذابه وكفره كفر. "شفاء"، وغيره. الكافر بسب نبي من الأنبياء لا تقل توبته مطلقاً، ومن شك في عذابه وكفره كفر. "مجمع الأنهر" و"در مختار" و"بزازية" و"الدرر" و"الخيرية". قلت: في قبول التوبة في أحكام الدنيا اختلاف، وتقبل فيما بينه وبين الله تعالى، وينبغي أن تراجع عبارة "المحيط" من "خلاصة الفتاوي" لأصحابنا، فإني لم أرها إلاله من عدم قبول التوبة فيما بينه وبين الله تعالى، ولعله من غلط الناسخ. في "المواقف": لا يكفر أهل القبلة إلا فيما فيه إنكار ما علم مجيئه

بالضرورة، أو أجمع عليه كاستحلال المحرمات اهـ. ولا يخفى أن المراد بقول علمائنا: "لا يجوز تكفير أهل القبلة بذنب" ليس مجرد التوجه إلى القبلة، فإن الغلاة من الروافض الذين يدعون أن جبريل عليه السلام غلط في الوحي، فإن الله تعالى أرسله إلى علي - رضي الله عنه -، وبعضهم قالوا: إنه إله، وإن صلوا إلى القبلة ليسوا بمؤمنين، وهذا هو المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم اهـ" مختصراً. "شرح فقه أكبر". ادعت الروافض أيضاً أن علياً - رضي الله عنه - نبي - إلى قوله - رضي الله عنه -: لعنهم الله، وملائكته، وسائر خلقه إلى يوم الدين، وقلع وأباد خضرائهم، ولا جعل منهم في الرض دياراً، فإنهم بالغوا في غلوهم، ومردوا على الكفر، وتركوا الإسلام، وفارقوا الإيمان، وجحدوا الإله، والرسل، والتنزيل، فنعوذ بالله ممن ذهب إلى هذه المقالة. "غنية الطالبين" أو كذب رسولاً أو نبياً أو نقصه بأي منقص، كأن صغر اسمه مريداً تحقيره، أو جوز نبوة أحد بعد وجود نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وعيسى عليه الصلاة والسلام نبي قبل فلا يرد. "تحفه شرح منهاج". فساد مذهبهم غني عن البيان بشهادة العيان، كيف؟ وهو يؤدى إلى تجويز نبي مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو بعده، وذلك يستلزم تكذيب القرآن، إذ قد نص على أنه خاتم النبيين، وآخر المرسلين. وفي السنة: "أنا العاقب لا نبي بعدي"، وأجمعت الأمة على إبقاء هذا الكلام على ظاهرة، وهذا إحدى المسائل المشهورة التي كفرنا بها الفلاسفة - لعنهم الله تعالى - "شرح الفرائد" للعلامة العارف بالله عبد الغني النابلسي.

وفي العقائد العضدية": لا نكفر أحداً من أهل القبلة، إلا بما فيه نفي الصانع المختار، أو بما فيه: شرك، وإنكار ما علم من الدين بالضرورة أو إنكار مجمع عليه قطعاً، أو استحلال محرم، وأما غير ذلك فالقائل به مبتدع، وليس بكافر اهـ. قالت الروافض: إن العالم لا يكون خالياً من النبي قط، وهذا كفر، لأن الله تعالى قال: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، ومن ادعى النبوة في زماننا فإنه يصير كافراً، ومن طلب منه المعجزات فإنه يصير كافراً، لأنه شك في النص، ويجب الاعتقاد بأنه ما كان لأحد شركة في النبوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف ما قالت الروافض أن علياً - رضي الله عنه - كان شريكاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في النبوة، وهذا منهم كفر. "تمهيد أبي الشكور السالمي". وقد قتل عبد الملك بن مروان الحارث المتنبئ وصلبه، وفعل ذلك غير زاحد من الخلفاء والملوك بأشياههم، وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم، والمخالف في ذلك من كفرهم كافر. "شفاء". وكذلك نقله في "البحر المحيط" من الأحزاب من الإجماع العملي. وكذلك يقطع بتكفير من كذب أو أنكر قاعدة من قواعد الشريعة، وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل رسول - صلى الله عليه وسلم -، ووقع الإجماع المتصل عليه، كما أنكر وجوب الصلوات الخمس، أو عدد ركعاتها وسجداتها، ويقول: إنما أوجب الله علينا في كتابه الصلاة على الجملة، وكونها خمساً، وعلى هذه الصفات والشروط لا أعمله إذ لم يرد به في القرآن نص جلي، والخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - به خبر واحد. "شفاء". وكذلك نكفر من ادعى نبوة أحد مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - أي في زمنه -

كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسى، أو ادعى نبوة أحد بعده، فإنه خاتم النبيين بنص القرآن والحديث، فهذا تكذيب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كالعيسوية إلخ. أو من ادعى النبوة لنفسه بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - كالمختار بن أبي عبيد الثقفي، وغيره. قال ابن حجر: ويظهر كفر كل من طلب منه معجزة، لأنه يطلبه منه مجوزاً لصدقه مع استحالته المعلومة من الدين بالضرورة. نعم إن أراد بذلك تسفيه وبيان كذبه، فلا كفر به انتهى - أو جوز اكتسابها، والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحي إليه وإن لم يدع النبوة، فهؤلاء المذكورون كلهم كفار، محكوم بكفرهم، لأنهم مكذبون للنبي - صلى الله عليه وسلم - لادعائهم خلاف ما قاله، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه خاتم النبيين، كما أعلمه الله به فيما أوحاه إليه، وأخبر أيضاً أنه لا نبي بعده، وأخبر عن الله، أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس، وأجمعت الأمة - أي أمته - صلى الله عليه وسلم - على أن هذا الكلام المذكور من الآية والحديث، وأنه أرسل لجميع الناس على ظاهره من نفي النبوة بعده وعموم الرسالة، وإن مفهومه - أي مدلوله - الذي فهم منه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص لبعض أفراده، فلا شك عند من يعتد به من الأمة في كفر هؤلاء الطوائف كلها الذاهبين لما يخالف إجماع المسلمين قطعاً - أي جزماً من غير تردد فيه - إجماعاً - أي منع ونازع فيما جاء صريحاً في "القرآن" - كبعض الباطنية الذين يدعون

لها معان أخر غير ظاهرها، أو خص حديثاً عاماً منطوقه مجمعاً على نقله عن ثقات الرواة مقطوعاً به في دلالته على صريحه، مجمعاً من العلماء والفقهاء على حمله على ظاهره من غير تأويل ولا تخصيص ولا نسخ فإنه تلاعب مؤد للفساد، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم للزاني والزانية المحصنين، فإنه مجمع عليه، صار معلوماً من الدين بالضرورة. ولهذا أي للقول بكفر من خالف ظاهر النصوص والمجمع عليه نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة الإسلام من الملل أو وقف فيهم، أي توقف وتردد في تكفيرهم، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو - أي من لم يكفر وما بعده - كافر، بإظهار ما أظهر من خلاف ذلك - أي ما يخالف الإسلام، لأنه طعن في الدين، وتكذيب لما ورد عنه من خلافه - وكذلك - اي كتكفير هؤلاء - يقطع ويجزم بتكفير كل من قال قولاً صدر عنه يتوسل به إلى تضليل الأمة - أي كونها في الضلال عن الدين والصراط المستيقم. ويؤدي إلى تكفير جميع الصحابة، كقول الطائفة الكميلية من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لم تقدم علياً، وكفرت علياً إذ لم يتقدم ولم يطلب حقه في التقديم، فهؤلاء قد كفروا من وجوه: لأنهم بما قالوه أبطالوا الشريعة بأسرها، وكذلك - أي كما كفرنا هؤلاء - نكفر بكل فعل فعله شخص مسلم، أجمع المسلمون علة أنه - أي ذلك الفعل - لا يصدر إلا من كافر حقيقةً، لأنه من جنس أفعالهم، وإن كان صاحبه - أي من صدر منه - مسلماً مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك الفعل. "شرح شفاء" للخفاجي ملتقطاً ملخصاً. ومثله في

"شرح الملا على القارئ" سواء. وقال في "البحر الرائق" وغيره: من حسن كلام أهل الهوى، أو قال: معنوي، أو كلام له معنى صحيح، إن كان ذلك كفراً من القائل كفر المحسن. قال ابن حجر في "الاعلام" في (فصل الكفر المتفق عليه) مما نقله عن كتب الحنفية: "من تلفظ بلفظ الكفر يكفر، فكل من استحسنه، أو رضى به يكفر، إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل". "رد المحتار" عن "البحر" عن "البزارية". ومثله في "جامع الفصولين". وفي "الهندية": إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر، ووجه واحد يمنع، فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه، إلا إذا صرح بإرادة توجب الكفر، فلا ينفعه التأويل حينئذ. ثم إن كان نية القائل الوجه الذي يمنه التكفير فهو مسلم، وإن كانت نيته الوجه الذي يوجب التكفير لا ينفعه فتوى المفتي اهـ. ناقلاً عن "المحيط" وغيره. ومثله في حاشية "الأشباه" للحموى عن "العمادية"، وفي "الدر" عن "الدرر" وغيرها. والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في "الخانية" و"رد المحتار"

عن "البحر": رجل كفر بلسانه طائعاً وقلبه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله مؤمناً. كذا في "فتاوى قاضيخان". و"هندية" و"جامع الفصولين". ووقع في "الخلاصة" ههنا غلط من الناسخ فاحذره. وعزا في "العمادية" المسألة "للمحيط" أيضاً. وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} . وينكرون كونها بنزول الملك من السماء، وكثيراً مما علم بالضرورة مجئ الأنبياء به، كحشر الأجساد، والجنة، والنار. والحاصل أنهم وإن أثبتوا الرسل لكن لا على الوجه الذي يثبته أهل الإسلام إلخ. فصار إثباتهم بمنزلة العدم إلخ. "رد المحتار". ويكفر إذ شك في صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، أوسبه، أو نقصه، أو حقره، ويكفر بنسبه الأنبياء إلى الفواحش، كالعزم على الزنا، ونحوه في يوسف عليه السلام، لأنه استخفاف، ولو قال: لم يعصموت حال النبوة وقبلها كفر، لأن رد النصوص. "الأشباه والنظائر". وفيها من فن الجمع والفرق، وفي آخر "اليتيمة" ظن لجهلة أن ما فعله من المحظورات حلاله له، فإن كان مما يعلم من دين النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرورة كفر، وإلا فى اهـ. قال في "فتح الباري" من حديث: "من أوصى بأن يحرق إذا مات" وقال: فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً". ما لفظه. - ورده ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقاً اهـ. -

وقال من باب الخوف من الله - عز وجل -، عن العارف لبن أبي جمرة: وأما ما أوصى به فلعله كان جائزاً في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة، فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة اهـ. قلت: والمراد بقوله: "لئن قدر الله علي" لئن وافاني وأنا جميع وأدركني قبل التوبة، وذلك بأن أراد وقضاه علي، لا التردد في نفس القدرة، فقد ذم الله تعالى شأنه، ونعى على اليهود في قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى قوله سبحانه وتعالى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} . ففي بعض الروايات: إنها نزلت في ذلك، ولعل الإشراك على هذا هو إحصاء قدرة الله بمكيال عقولهم السقيمة، وقياسها بما في أذهانهم وخيالهم. وما عند البخاري في رجل كان وقع على جارية امرأته فأخذ حمزة بن عمرو الأسلمي من الرجل كفلاء. حتى قدم على عمر، وكان عمر - رضي الله عنه - قد جلده مائة جلدة فصدقهم وعذرهم بالجهالة اهـ. فالذي ظهر أن المراد به اعتباره شبهة الفعل المعتبرة في ذلك الباب لا غير، وفي المسألة حديث عند أبي داؤد والطحاوي وغيرهما، فهذا هو الوجه. وكون أحد حديث عهد بالإسلام عذر عند فقهائنا أيضاً. وفي "بغية المرتاد" للحافظ ابن تيمية: وإن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثاره النبوة اهـ. ويريد - رحمه الله - بإقامة الحجة في تصانيفه في مسألة التكفير: التبليغ لا غير، كأخبار معاذ، ودعوة علي - رضي الله عنه - ليهود خيبر، وقد بوب عليه

البخاري في أخبار الآحاد، ومن الأنعام: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الآية. إذا لم يعرف أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء فليس بمسلم لأنه من الضرويات "أشباه والنظائر". يعني والجهل بالضروريات في باب المكفرات لا يكون عذراً، بخلاف غيرها فإنه يكون عذراً على المفتي به كما تقدم والله أعلم اهـ "شرح حموى" - وتبه في المسألة على فوائد نفيسة، منها تجهيل من زعم أن تكفير الفقهاء إنما هو للتغليظ والتهديد، لا فيما بينه وبين الله، فقد نقل رده عن "البزازية" وهي من المعتبرات، نقلوا وصفها عن المولى أبي السعود مفتي الديار الرومية وصاحب التصانيف الكثيرة، منها "التفسير". قال: وفي "البزازية" ويحكى عن بعض من لا سلف له أنه كان يقول ما ذكر في الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا، فذلك للتخويف والتهويل لا لحقيقة الكفر، وهذا باطل، والحق أن ما صح عن المجتهدين فهو على حقيقته، وأما ما ثبت عن غيرهم فلا يفق به في مسألة التكفير اهـ. وكذلك في "البحر"، ونقل عبارة "البزازي" في "اليواقيت" أيضاً وفي "منحة الخالق" بتمامها. وفي "اليواقت" أيضاً عن الحطابي رحمه الله: فإن اتفق في زمان وجود مجتهد تكاملت فيه شروط الاجتهاد كالأئمة الأربعة، وبأن له دليل قاطع أن الخطأ في التأويل موجب الكفر كفرناهم بقوله إلخ. وأول الأنبياء آدم عليه السلام، وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، أما نبوة آدم

فبالكتاب الدال على أنه قد أمر ونهى، مع القطع بأنه لم يكن في زمنه نبي آخر، فهو بالوحي لا غير، وكذا بالسنة والإجماع، فإنكار نبوته على ما نقل عن البعض يكون كفراً "شرح عقائد نسفي". وكذا في "المواهب" من النوع الأول من المقصد السادس، وكذلك في "البحر". وعند الحاكم من إتيان حارثة بن شراحيل في طلب ابنه زيد - رضي الله عنهما -: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني خاتم أنبياءه ورسله، وأرسله معكم. الحديث. وفي "روح المعاني" تحت قوله تعالى: {أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} وفي رواية أخرى عنه - أي عن قتادة - أنه أخذ الله تعالى ميثاقهم بتصديق بعضهم بعضاً، والإعلان بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، وإعلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نبي بعده اهـ. ثم أعلم أنه يؤخذ من مسألة العيسوي أن من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلاً أنه لابد من تبرؤه مما كان يعتقده، لأنه كان يقر بالشهادتين معه، فلابد من تبرؤه منه، كما صرح به الشافعية وهو ظاهر. "رد المحتار" من الارتداد. قلت: وفي "جامع الفصولين": ثم لو أتى بكلمة الشهادة على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بها كفره اهـ. وأما من قال: إن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه، أو أن الله يحل في جسم من أجسام خلقه، أو أن بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً غير عيسى ابن مريم، فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا

على كل أحد. "كتاب الفصل" لإبن حزم. هذا مع سماعهم قول الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نبي بعدي" فكيف يستجيز مسلم أن يثبت بعده عليه السلام نبياً في الأرض؟ حاشا ما استثناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الآثار المسندة الثابتة في نزول عيسى بن مريم عليه السلام في أخر الزمان. وصح الإجماع على أن كل جحد شيئاً صح عندنا بالاجماع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى به فقد كفر، وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى أو يملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه، فهو كافر. ومن قال نبي بعد النبي عليه الصلاة والسلام، أو جحد شيئاً صح عنده بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صاله فهو كافر. كتاب "الفصل" لابن حزم. أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل إلخ. وحكى الطبري مثله - أي مثل القول بأنه ردة - عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه - صلى الله عليه وسلم - أو برئ منه أو كذبه إلخ. قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - المستنقص له كافر، ومن شك في كفره وعذابه

كفر إلخ. "شرح شفاء قاضي عياض". لملا على القاري رحمه الله. من سب الله تعالى وملائكته أو أنبيائه قتل. "شرح شفاء". وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته، واستخف بهم، أو كذبهم فيما أتوابه، أو أنكرهم وجحدهم حكم نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلخ. "شرح شفاء". وفي "المحيط": من أنكر الأخبار المتواترة في الشريعة كفر، مثل حرمة ليس الحرير على الرجال، ثم أعلم أنه أراد بالمتواتر ههنا التواتر المعنوي لا اللفظي إلخ. "شرح فقه أكبر" ونحوه في "الهندية" عن الظهيرية. وتوارده الأصوليون في باب السنة، ونقلوا عن الإمام أنه قال: أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين. فصار منكر المتواتر ومخالفه كافراً. "أصول بزدوى" و"الكشف". مأخوذ من "الفتح" حيث قال: وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم، لأن الحق عدم تكفير أهل القبلة وإن وقع إلزاماً في المباحث، بخلاف من خالف القواطع المعلومة بالضرورة من الدين، مثل القائل بقدم العالم، ونفى العلم بالجزئيات على ما صرح به المحققون. وأقول: وكذا القول بالإيجاب بالذات ونفي الاختيار. رد "المحتار" من المحرمات.

وهذا الحديث وإن كان خبر واحد إلا أن خبر الواحد يعمل به في الحكم بالتكفير، وإن كان جحده لا كفر به؛ إذ لا يكفر جاحد الظني بل القطعي. "الصواعق" لابن حجر المكي عن الشيخ تقي الدين السبكي. يريد به نحو حديث أبي سعيد عند ابن حبان كما في "الترغيب والترهيب" للمنذري: قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أكفر رجل رجلاً إلا باء أحدهما بها، إن كان كافراً وإلا كفر بتكفيره". وفي رواية: "فقد وجب الكفر على أحدهما" وعليه بنى الشوكاني رحمه الله تكفير الروافض كما في "رياض المرتاض". ووجه الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" من اللعان قول من قال بمضمون هذا الحديث، وحمله على ظاهره، وهو قول جماعة من العلماء الأعلام، كما ذكره ابن حجر المكي في "الإعلام بقواطع الإسلام" وكذا في "جامع الفصولين". وقال في "مختصر مشكل الآثار": معنى الكافر ههنا أن الذي هو عليه الكفر، فإذا كان الذي هو عليه إيماناً كان جعله كافراً جعل الإيمان كفراً، فكان بذلك كافراً، لأن من كفر بالإيمان فقد كفر بالله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} الآية. وذكره البيهقي في "الأسماء والصفات" عن الخطابي، وما في "شرح الكنز" عن "الزيلعي" من النكاح من قوله: ثم المخبر إن كان هو الولي آه، يريد بالعقوبة عقوبة الدنيا، واختصره في "فتح القدير" فراجع، وذكره من متن

تنبيه من الراقم

"الكنز" في شتى القضاء، والرمز من أول الكراهية. تنبيه من الراقم يريدون أن الحديث إذا كان خبر واحد يصلح مأخذاً ومبني لمسألة التكفير في حق المفتي، وأما الرجل المكفر اسم مفعول، فإنما يكفر في نفسه بإنكار القطعي لا بإنكار الظني، وذلك في حقه، وأما المفتي فيكفي في حقه ظنه بأن فلاناً أنكر قطعياً، ولا يجب له القطع، ونظيره أن خبر الواحد يعمل به في مسائل الرجم، ولا يثبت في الحكم إلا بشهادة أربعة ذكور، فهكذا ههنا، والحاصل أن الموجب لكفر الرجل في نفسه هو إنكار قطعي، وأما الموجه والمنبه للمفتي في مسألة تكفيره قد سكون حديثاً آحادياً فينبهه على أن إنكار أمر كذا كفر، ثم لا يكون ذلك الأمر في الواقع إلا قطعياً، ومثاله أن عد رجل عالم، وفهرس المتواترات والقطعيات، وذهل وغفل عن بعضها فلم يدخله في ذلك الفهرس، فجاء واحد آخر ونبهه على قطعيات أخر، فأدخل بقول ذلك الواحد تلك في الفرس؛ فقد تنبه بقول واحد للقطعي، فهكذا الأمر ههنا لم يكفر الرجل في نفسه إلا بإنكار القطعي، لكن المفتي قد يأخذ مسألة التكفير من خبر واحد فافهمه. وما يوهمه كلام شارح "الفقه الأكبر" أن بين الفقهاء والمتكلمين اختلافاً في مسألة التكفير، فالفقهاء قد يكفرون بإنكار الأمر الظني بخلاف المتكلمين فليس خلافاً في المسألة، وإنما هو اختلاف فن وموضوع،

تنبيه آخر

فموضوع الفقهاء فعل المكلف، وكثير من مسائلهم ظني، وموضوع المتكلمين القطع، فمن ههنا انقسم نظر الفريقين، وإلا فيجوز بناء التكفير على الظن بلا خطر، لأن الظن في طريق العلم بالحكم لا في الأمر الموجب لكفر المكفر. وأيضاً التكفير بمضمون خبر الواحد لا بإنكار ثبوته، وقد تختلف الأحكام في نحو الثبوت والدلالة، فالشافعية مثلاً راعوا في أخذ الفرض وترك الواجب من التقسيم حال المضمون فيثبتون الفرض بخبر الواحد، والحنفية راعوا هناك حال الثبوت. هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام. هذا والله ولي التوفيق. تنبيه آخر اتفقوا في بعض الأفعال على أنها كفر، مع أنه يمكن فيها أن لا ينسلخ من التصديق، لأنها أفعال الجوارح لا القلب، وذلك كالهزل يلفظ كفر، وإن لم يعتقده، وكالسجود لصنم، وكقتل نبي، والاستخفاف به، وبالمصحف، والكعبة، واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير، فقيل: إن الشارع لم يعتبر ذلك التصديق حكماً، وإن كان موجوداً حقيقة. حكاه الحافظ ابن تيمية في "كتاب الإيمان" من لفظ الأشعري، وقيل: إن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، ذكره في "رد المحتار"، وقيل زيد على التصديق المجرد أشياء في الإيمان المعتبر شرعاً، وقيل التصديق المعتبر لا تجامع هذه الأفعال. ذكره العلامة قاسم في حاشية "المسايرة"، والحافظ ابن تيمية رحمه الله. وبالجملة يكفر ببعض الأفعال أيضاً انفاقاً، وإن لم ينسلخ من التصديق اللغوي القلبي.

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني كما في "الشفاء" و"المسايرة": فإن عصى بقول أو فعل نص الله تعالى ورسوله، أو أجمع المسلمون أنه لا يوجد إلا من كافر، أو يقوم دليل على ذلك فقد كفر اهـ. وقال أبو البقاء في "كلياته": والكفر قد يحثل بالقول تارة وبالفعل أخرى، والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه فيه نص، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد، أو عناد، أو استهزاء، والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد، ويكون الاستهزاء صريحاً بالدين، كالسجود للصنم اهـ. قال القونوى: ولو تلفظ بكلمة الكفر طائعاً غير معتقد له يكفر، لأنه راض بمباشرته وإن لم يرض بحكمه، ولا يعذر بالجهل، وهذا عند عامة العلماء، خلافاً للبعض، قال: ولو أنكر أحد خلافة الشيخين يكفر إلخ "شرح فقه أكبر". وفيه أيضاً: ثم أعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر، عالماً بمبناها ولا يعتقد معناها، لكن صدرت عنه من غير إكراه بل مع طواعية في تأديته، فإنه يحكم عليه بالكفر بناءً على القول المختار عند بعضهم، من أن الإيمان هو مجموع التصديق والإقرار، فبإجرائها يتبدل الإقرار بالإنكار وهذا في "شرح الشفاء" أيضاً. أقول: والأظهر الأول، إلا إذا كان من قبيل ما يعلم من الدين بالضرورة، فإنه حينئذ يكفر ولا يعذر بالجهل. "شرح فقه أكبر" من الأواخر.

وقال في "الصارم المسلول": ولهذا قال سبحانه وتعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ولم يقل: قد كذبتم في قولكم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ، فلم يكذبهم في هذا العذر، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب آه. وأوضحه في محل آخر. والجصاصا في "أحكامه". وعلى هذا فلا يبعد أن يقال: إن تكفير المسلم المعلوم إسلامه قد جعله الشرع في الحديث المار كفراً بنفسه، وللشارع ولاية ذلك، لا لتضمنه اعتقاد أن الإسلام كفر، وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} والله ولي الأمرو، ووجه الغزالي كما في "إيتار الحق": بأنه لما كان معتقد الإسلام أخيه كانة قوله: إنه كافر قولاً بأن الذي هو عليه كفر، والذي هو عليه دين الإسلام فكأنه قال: إن دين الإسلام كفر، وهذا القول كفر من قائله وإن لم يعتقد ذلك اهـ. فجعله هزلاً بلفظ الكفر، وهذا يصدق على هذا الشقى وأتباعه، فإنهم يكفرون كل الأمة في هذا العصر، فيجب أن يكفروا هو لاا الأمة، فقد حار عليهم، والله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد: فقد كان هذا لهم لا لهم ... فأولى لهم ثم أولى لهم قال في "زاد المعاد" من أحكام الفتح: وهذا بخلاف أهل الأهواء والبدع، فإنهم يكفرون ويبدعون لمخالفة أهواءهم وبجهلهم، وهم أولى بذلك ممن كفروه وبدعوه اهـ.

التأويل في ضروريات الدين لا يقبل، ويكفر المتأول فيها

ومسألة التكفير في "التحرير" وشرحه "التقرير" مسألة العقليات إلخ. وفي آخر الشرح. ثم قال السبكي عبارته إلى انتهى. والفصل الثاني في "الحاكم". والباب الثاني أدلة الأحكام إلخ. ومسألة إنكار حكم الإجماع القطعي إلخ. وإنما لهم القطع بالعمومات. أما من الصيغة أو الإجماعات على عدم التفصيل إلخ في كفرهم. كذا قال في "التقرير"، وأوضح الصيغة في "الفواتح". ولو انعقد عليه إجماع فشيء آخر. أجيب بأن فائدته التحول إلى الأحكام القطعية. ومن أقسام الجهل. والهزل. ويتعلق بالتبليغ ما في "المستصفى". و"التقرير". التأويل في ضروريات الدين لا يقبل، ويكفر المتأول فيها والكافر: اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان فهو: المنافق، وإن طرأ كفره بعد الإيمان فهو: المرتد، وإن قال بإلهين أو أكثر فهو: المشرك، وإن كان متديناً ببعض الأديان والكتب المنسوخة فهو: الكتابي،

وإن قال بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه هو: الدهري، وإن كان لا يثبت البارئ فهو: المعطل، وإن كان مع اعترافه بنيوة النبي - صلى الله عليه وسلم - يبطن عقائد هي كفر بالاتفاق فهو: الزنديق. وعدم تكفير أهل القبلة موافق لكلام الأشعري والفقهاء، لكن إذا فتشنا عقائد فرقهم الإسلاميين وجدنا فيها ما يوجب الكفر قطعاً، فلا نكفر أهل القبلة ما لم يأت بما يوجب الكفر. وهذا من قيبل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} مع أن الكفر غير مغفور، ومختار جمهور أهل السنة من الفقهاء والمتكلمين عدم إكفار أهل القبلة من المبتدعة المأولة في غير الضرورية، لكون التأويل شبهة كما هو المسطور في أكثر المعتبرات. "كليات أبي البقاء". وخرق الإجماع القطعي الذي صار من ضروريات الدين كفر، ولا نزاع في إكفار منكر شيء من ضروريات الدين: وإنما النزاع في إكفار منكر القطعي بالتأويل، فقد ذهب إليه كثير من أهل السنة من الفقهاء والمتكلمين، ومختار جمهور أهل السنة منهما عدم إكفار أهل القبلة من المبتدعة المأولة في غير الضرورية، لكون التأويل شبهة، كما في "خزانة الجرجاني"، "والمحيط البرهاني"، و"أحكام الرازي"، و"أصول البزدوى". ورواه الكرخى، والحاكم الشهيد عن الإمام أبي حنيفة، والجرجاني عن الحسن بن زياد، وشارح "المواقف" و"المقاصد"، والآمدى عن الشافعي والأشعري لا مطلقاً. "كلمات أبي البقاء". هذا كله في البدع غير المكفرة، وأما المكفرة، وفي بعضها ما

لا شك في التكفير به كمنكري العلم بالمعدوم القائلين ما يعلم الأشياء حتى يخلقها، أو بالجزئيات. والمجسمين تجسيماً صريحاً، والقائلين بحلول الإلهية في علي - رضي الله عنه - أو غيره. "فتح المغيث". فالمعتمد الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة - أي إثباتاً ونفياً - فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله أصلاً. وقال أيضاً: والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله، وعرض عليه فالتزمه، أما من لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافراً ولو كان اللازم كفراً، وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول، وسبقه ابن دقيق العيد فقال: الذي تقرر عندنا أنه لا نعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي من الشريعة. "فتح المغيث". وكلامه الأول عن الحافظ ابن حجر، ومثله في شرح "التحرير" للمحقق ابن أمير الحاج عن شيخه الحافظ أيضاً. والحاصل في مسألة اللزوم والالتزام أن من لزم من رأيه كفر لم يشعر به، وإذا وقف عليه أنكر اللزوم، وكان في غير الضروريات. وكان اللزوم غير بين، فهو ليس بكافر وإن سلم اللزوم، وقال: إن اللازم ليس بكفر، وكان عند التحقيق كفراً، فهو إذن كافر، وهذا الذي نقله في "الشفاء" عن القاضي أبي بكر الباقلاني، والشيخ أبي الحسن الأشعري، فنقل عن القاضي أنه قال: ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم ولا ألزمهم موجب مذهبهم لم ير إكفارهم، قال: لأنهم إذا وقفوا على هذا قالوا: لا نقول ليس بعالم، و

خاتمة

نحن وأنتم ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقده نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول أن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلنا إلخ. ونقل عن الأشعري في من جهل صفة: أنه ليس بكافر. قال: لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه ويراه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقاله حق اهـ. وهذا الذي تحرر من كلام ابن حزم. خاتمة (جاحد المجمع عليه، المعلوم من الدين بالضرورة) : وهو ما يعرفه منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك، فالتحق بالضروريات كوجوب الصلاة، والصوم، وحرمة الزنا والخمر (كافر قطعاً) لأن جحده يستلزم تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، وما أوهمه كلام الآمدي وابن الحاجب من أن فيه خلافاً ليس بمراد لهما. شرح "جمع الجوامع". أي بل مرادهما أن الخلاف الذي ذكراه إنما هو فيما لم يعلم من الدين بالضرورة من المجمع عليه، وأما ما علم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه فلا خلاف في كفر جاحده. "حاشية بناني". (وكذا) المجمع عليه، (المشهور) بين الناس، (المنصوص) عليه، كحل البيع، جاحده كافر (في الأصح) لما تقدم. وقيل: لا، لجواز أن يخفى عليه (وفي غير المنصوص) من المشهور (تردد) . قيل: يكفر جاحده لشهرته، وقيل: لا، لجواز أن يخفى عليه،

(ولا يكفر جاحد) المجمع عليه (الخفي) بأن لا يعرفه إلا الخواص، كفساد الحج بالجماع قبل لبوقوف. (ولو) كان الخفي (منصوصاً) عليه، كاستحقاق بنت الإبن السدس مع بنت الصلب، فإنه قضي به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه البخاري، ولا يكفر جاحد المجمع عليه من غير الدين كوجود بغداد قطعاً. "شرح جمع الجوامع". وكذا في عامة كتب الأصول كـ "الأحكام" للآمدى من المسألة السادسة من الإجماع، ومن "شرائط الراوي"، و"المختصر" لابن الحاجب، و"التحرير"، وشرحه "التقرير"، وشرح "المسلم"، ومثله في الإختيارات العلمية من "فتاوى الحافظ ابن تيمية". وقال في كتاب الإيمان: وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول، وإن كان ما أجموعا عليه فلابد أن يكون فيه نص عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاع المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر، كما يكفر مخالف النص المبين، وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به، فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول، ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ، والصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر اهـ. (فإن قلت: هل العلم يكونه - صلى الله عليه وسلم - بشراً، أو من العرب شرط في صحة الإيمان وهو من فروض الكفاية) على الأبوين مثلاً فإذا علم أحدهما

ولده المميز سقط طلبه عن الآخر. (أجاب الشيخ ولي الدين) أحمد (ابن) عبد الرحيم (العراقي) الحافظ ابن الحافظ: "أنه شرط في صحة الإيمان، فلو قال شخص: أؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الخلق، ولكن لا أدري هل هو من البشر أو من الملائكة، أو من الجن؟ أو لا أدري هو من العرب أو العجم؟ فلا شك في كفره لتكذيبه القرآن) كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} وقال تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (وجحده ما تلقته قرون الإسلام خلفاً عن سلف، وصار معلوماً بالضرورة عند الخاص والعام، ولا أعلم في ذلك خلافاً، فلو كان غبياً) بمعجمه وموحدة، جاهلاً قليل الفطنة (لا يعرف ذلك وجب تعليمه إياه، فإن جحده) أي المعلوم بالضرورة (بعد ذلك حكمنا بكفره) لأن إنكار كفر، أما إنكار ما ليس ضرورياً فليس كفراً، ولو جحده بعد التعليم على ما اقتضاه شراح "البهجة" لشيخ الإسلام زكريا (انتهى) . "زرقاني". إن الأمة فهمت من هذا اللفظ أنه أفهم عدم نبي بعده أبداً، وعدم رسول بعده أبداً، وأنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص، ومن أوله بتخصيص فكلامه من أنواع الهذيان لا يمنه الحكم بتكفيره، لأنه مكذب لهذا النص الذي أجمعت الأمة على أنه غير مأول ولا مخصوص. "كتاب الاقتصاد" للإمام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمه الله. وعلى أن البدعة التي تخالف الدليل القطعي الموجب للعلم - أي الاعتقاد والعمل - لا تعتبر شبهة في نفي التكفير عن صاحبها. وفي "الإختيار": وكل بدعة تخالف دليلاً يوجب العلم والعمل به قطعاً فهي كفر، وكل

بدعة لا تخالف ذلك وإنما تخالف دليلاً يوجب العمل ظاهراً فهي بدعة وضلال وليس بكفر. "رسائل ابن عابدين". والقول الثاني الذي ذكره في "المحيط" هو ما قدمناه عن "شرح الإختيار" و"شرح العقائد" ويمكن التوفيق بينه وبين ما حكاه ابن المنذر بأن المراد الذين كفروا من خالف ببدعته دليلاً قطعياً إلخ. "رسائل ابن عابدين". وفي النسخة الحاضرة من "البناية" من باب البغاة، وفي "المحيط" في تكفير أهل البدع كلام، فبعض العلماء لا يكفرون أحداً منهم، وبعضهم يكفرون البعض، وهو أن كل بدعة تخالف دليلاً "قطعياً" فهي كفر، وكل بدعة لا تخالف دليلاً قطعياً يوجب العلم، فهو بدعة ضلالة، وعليه اعتمد أهل السنة والجماعة اهـ. وما تكلم عليه في "فتح القدير" - ويريد في غير الضروريات، واقتصر عليه ابن عابدين - فقد تردد فيه المحقق من إمامه "الفتح". نبه على ذلك في "فواتح الرحموت" فليس ما في "المحيط" مما يلفظ ويرمى، كيف؟ وقد ذكر أنه قول أكثر أهل السنة، واستدرك عليه أيضاً ابن عابدن من البغاة، وإذا لم يكن اختلاف في إنكار الضروريات، كما صرح به في "التحرير" وحمل التكفير بإنكار القطعيات الغير الضرورية على ما إذا علم المنكر قطعيتها، أو ذكر له أهل العلم فلج، كما صرح به في "المسايرة" لم يبق هناك بحث. "وفي البدائع" - من أجل كتب أصحابنا -: وإمامة صاحب الهوى والبدعة مكروهة،

نص عليه أبو يوسف في "الأمالي" فقال: أكره أن يكون الإمام صاحب هوى وبدعة، لأن الناس لا يرغبون في الصلاة خلفه هل تجوز الصلاة خلفه؟ قال بعض مشائخنا: إن الصلاة خلف المبتدع لا تجوز، وذكر في "المنتقي" رواية عن أبي جنيفة: أنه كان لا يرى الصلاة خلف المبتدع. والصحيح أنه إن كان هوى يكفره لا تجوز، وإن كان لا يكفره تجوز مع الكرهة اهـ. وهذا "المنتقى" هو الذي نسب إليه في "المسايرة" مسألة عدم إكفار أهل القبلة، ففسر بعض كلامه بعضه، وفصل كذلك في الشهادة، ونص في "الخلاصة" أنه صرح به في "الأصل"، وكذا نقله عنها صاحب "البحر". ويراجع ما ذكره في "الفتح" من حيلة تحليل المطلقة ثلاثاً. والتأويل في ضروريات الدين لا يدفع الكفر. "علامه عبد الحكيم سيالكوتى" على "الخيالي"، وهو كذلك في "الخيالي": وجون ابن فرقه مبتدعه أهل قبلة أند در تكفير أنها جرات نبايد نمود تا زمانيكة انكار ضروريات دينية ننمايند، ورد متواترات احكام شرعية نكنند، وقبول ما علم مجيئه من الدين بالضرورة نكنند. "مكتوبات امام وبانى". وجعل في "الفتوحات" التأويل الفاسد كالكفر، فراجعها من الباب التاسع والثمانين ومائتين. والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه، فيه نص، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد أو عناد. "كليات أبي البقاء" من لفظ "الكفر". قال الكمال: والصحيح أن لازم المذهب ليس بمذهب، وإنه لا كفر بمجرد اللزوم غير الالتزام، وقد وقع في "المواقف" ما يقتضي

تقييده بما إذا لم يعلم ذو المذهب اللزوم، وبأن اللازم كفر، فإنه قال: من يلزمه الكفر، ولا يعلم به ليس بكافر إلخ. ومفهومه أن علمه كفر لإلتزامه إياه. والله أعلم انتهى. "يواقيت" للشعراني". وفي "الكليات": ولزوم الكفر المعلوم كفر، لأن اللزوم إذا كان بيناً فهو في حكم الالتزام لا اللزوم مع عدم العلم به اهـ. قلت: وليس في عبارة "المواقف" التقييد بأن يعلم أن اللازم كفر، إنما فيه أن يعلم اللزوم فقط. لأن الكفر هو جحد الضروريات من الدين أو تأويلها. ("إيثار الحق على الخلق" للمحقق الشهير الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير اليماني) . أيضاً: على أنه يرد عليهم أن الاستحلال بالتأويل قد يكون أشد من التعمد مع الاعتراف بالتحريم، وذلك حيث يكون المستحل بالتأويل معلوم التحريم بالضرورة، كترك الصلاة، فإن من تركها متأولاً كفرناه بالإجماع، وإن كان عامداً معترفاً، ففيه الخلاف، فكان التأويل ههنا أشد تحريماً. أيضاً: وتارةً لما لا يمكن تأويله إلا بتعسف شابه تأويل القرامطة، وربما استلزم بعض التأويل مخالفة الضرورة الدينية، وهم لا يعلمون ولا يؤمن الكفر في هذا المقام في معلوم الله تعالى، وأحكام الآخرة وإن لم نعلمه نحن.

أيضاً: وكذلك انعقد إجماعهم على أن مخالفة السمع الضروري كفر، وخروج عن الإسلام. وأيضاً: وثبت أن الإسلام متبع لا مخترع، ولذلك كفر من أنكر شيئاً من أركانه، لأنها معلومة ضرورة، فأولى وأحرى أن لا يجئ الشرع بالباطل منطوقاً متكرراً من غير تنبيه على ذلك، لا سيما إذا كان ذلك الذي سموه باطلاً هو المعروف في جميع آيات كتاب الله وجميع كتب الله، ولم يأت ما يناقضه في كتاب الله حتى ينبه على وجوه التأويل والجمع. أيضاً: وأفحش ذلك وأشهره مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الأسماء الحسنى كلها، ونقيها عن الله على سبيل التنزية له عنها، وتحقيق التوحيد بذلك، ودعوى أن إطلاقها عليه يقتضي التشبيه، وقد غلوا في ذلك وبالغوا، حتى قالوا: إنه لا يقال أنه موجود ولا معدوم، بل قالوا أنه لا يعبر عنه بالحروف، وقد جعلوا تأويلها أن المراد بها كلها إمام الزمان عندهم، وهو عندهم المسمى الله، والمراد بلا إله إلا الله، وقد تواتر هذا عندهم، وأنا ممن وقف عليه فيما لا يحصى من كتبهم التي في أيديهم وخزائنهم ومعاقلهم التي دخلت عليهم عنوةًَ أو فتحت بعد طول محاصرة، وأخذ بعضها عليهم من بعض الطرقات، وقد هربوا به ووجد بعضها في مواضع خفية قد أخفوه فيها، فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح، وإنه ليس من التأويل المسمى بحذف المضاف المذكور في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي أهل القرية، و

وأهل العير، وإنما علم هذا كل مسلم تطول صحبته لأهل الإسلام، وسماع أخبارهم، والباطني الناشئ بين الباطنية لا يعلم مثل هذا، فكذلك المحدث الذي قد طالت مطالعته للآثار قد يعلم في تأويل بعض المتكلمين، مثل هذا العلم، وإن كان المتكلم لبعده عن أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وأحوال السلف قد بعد عن علم المحدث، كما بعد الباطني عن علم المسلم، فالمتكلم يرى أن التأويل ممكن بالنظر إلى وضع علماء الأدب في شروط المجاز، وذلك صحيح، ولكن مه المحدث من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا ذلك مثل ما مع المتكلم من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا الأسماء الحسنى بإمام الزمان، وإن كان مجاز الحذف الذي تأولت به الباطنية صحيحاً في اللغة عند الجميع، لكن له. وضع مخصوص، وهو وضعوه في غير موضعه. أيضاً: وأما التفسير، فما كان من المعلومات بالضرورة من أركان الإسلام وأسماء الله تعالى منعنا من تفسيره، لأنه جلى صحيح المعنى، وإنما يفسره من يريد تحريفه، كالباطنية الملاحدة، وما لم يكن معلوماً ودخلته الدقة والغموض، فإن دخله بعد ذلك الخطر وخوف الإثم في الخطأ، فما يتعلق بالعقائد تركنا العبارات المبتدعة وسلكنا طريق الوقف والاحتياط، إذ لا عمل يوجب معرفة معناه المعين، وإن لم يدخل فيه الخطر عملنا فيه بالظن المعتبر المجمع على وجوب العمل به أو جوازه والله الهادي. أيضاً: وثانيهما إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم

بالضرورة، والحكم بردته إن كان قد دخل فيه قبل خروجه منه، ولو كان الدين مستنبطاً بالنظر لم يكن جاحده كافراً، فثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بالدين القيم تاماً كاملاً، وإنه ليس لأحد أن يستدرك عليه ويكمل له دينه من بعده. أيضاً: واعلم أن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد لشيء من كتب الله تعالى المعلومة، أو لأحد من رسله عليه السلام، أو لشيء مما جاءوا به، إذا كان ذلك الأمر المكذب به معلوماً بالضرورة من الدين، ولا خلاف أن هذا القدر كفر، ومن صدر عنه فهو كافر إذا كان مكلفاً مختاراً غير مختل العقل ولا مكره، وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة الجميع، وتستر بالتأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة. وعبارات لهذا المحقق في كتابه "القواصم والعواصم" ألتقطتها، وهي هذه: مسألة التكفير من أواخر الجزء الأول: "الفصل الثالث الإشارة إلى حجة من كفر هؤلاء وما يرد عليها". ولعله تحت الوهم الخامس عشر، وقد ذكر من كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي عن الخطابي فيه شيئاً نافعاً يفسر ما في "معالم السنن" له. وعن "الأسماء والصفات" معنى محواسم عزيز عليه السلام من ديوان الأنبياء، وإن كان نبياً حين إلخ. في مسألة القدر. وفي أوائل الجزء الثالث: "الدليل الثاني وهو المعتمد أن كثرة هذه

النصوص وترداد تلاوتها بين السلف من غير سماع تأويل لها، ولا تحذير جاهل من اعتقاد ظاهرها، ولا تنبيه على ذلك حتى انقضى عصر النبوة والصحابة يقضي بالضرورة العادية أنها غير متأولة، وإلى هذا الوجه أشار في قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويا لها من حجة قاطعة للمبتدعة لمن تأملها في هذا الموضع، وفي الكلام في الصفات وفي ذلك! لأنه لا يجوز في العادة أن يمضي الدهر الطويل على إظهار ما رجح المعتزلة، وله تأويل حسن فلا يذكر تأويله أليته، وسواء كان ذكره واجباً أو مباحاً". وقد ذكر الرازي بحثاًَ طويلاً في اللغات من كتاب "المحصول" في المنع من إفادة السمع القطع بسبب ما يعرض من الألفاظ المفردة، ثم تراكيبها من الاحتمالات التي وردت بها اللغة، مثل الاشتراك، والمجاز، والحذف، ونحوها، وذكر أنه لا دليل على عدمها إلا عدم الوجدان بعد الطلب، وإنه دليل ظني، وذكر كثيرة الاختلاف في المحذوف في بسم الله الرحمن الرحيم، ثم أجاب ما محصوله: أن المعول عليه في مواضع القطع في الكتاب والسنة هو القرائن التي يضطر إلى قصد المتكلم مع تواتر معاني الألفاظ في المواضع اللفظية القطعية. وكلامه هذا يدل على معنى ما ذكرت في معاني آيات المشيئة، ولولا ذلك لتمكنت الملاحدة وأعداء الإسلام من التشويش على المسلمين أجمعين في كثير من عقائدهم السمعية القطعية، ويؤيد هذا قول بعض المعتزلة المحققين أن كل قطعي سمعي فهو ضروري، وله وجه وجيه ليس هذا موضع ذكره. وفي أواسط هذا الجزء: "الوجه الثاني: وهو المعتمد أن التكفير سمعي قطعي عند المعتزلة،

والصحيح أن كل قطعي من الشرع فهو ضروري". وبعد أوراق كثيرة من هذا المبحث قال: "الوجه السادس: أن السمع قد دل على قدرة الله تعالى على هداية الخلق أجمعين دلالة ضرورية، أو قطعية يتعذر تأويلها لوجهين: أحدهما ما تقدم من المنع تأويل آيات المشيئة وأمثالها مما شاع مع الخاصة والعامة في عصر النبوة والصحابة، وانقضى ذلك العصر الذي هو عصر الهدى المجمع عليه، والبيان لمهمات الدين ولم يذكر لها تأويل ألبتة، ولا حذر من اعتقاد ظاهره، فإن العادة تقضي بذلك وإن لم يكن واجباً لما مر تقريره". ولعل الوجه الوجيه الذي ذكره هو ما في أواخر الجزء الأول حيث قال: "وأعلم أن القطع لابد أن يكون من جهة ثبوت النص الشرعي في نفسه ومن جهة وضوح معناه، فأما ثبوته فلا طريق إليه إلا التواتر الضروري، كما تقدم، وأما وضوح معناه، فهل يمكن أن يكون قطعياً، ولا يكون ضرورياً في كلام كثير من الأصوليين ما يقتضي تجويز ذلك، وفي كلام بعضهم ما يمنع ذلك وهو القوى عندي، لأن القطع على معنى النص من قبيل النقل عن أهل اللغة، إنهم يعنون باللفظ المعين معناه المعين دون غيره، وهذه طريقة النقل لا النظر، وما كان طريقه النقل لا النظر لم يدخله القطع الاستدلالي، وإنما يكون من قبيل المتواترات وهي ضرورية". وفي أواخر الجزء الثاني: "إن تعليل فاعلية الرب سبحانه وتعالى يوقف على نصوص القرآن المعلومة المعنى مع القرائن اللفظية على عدم تأويلها، بل ذلك معلوم من

ضرورة الدين وإجماع المسلمين، ومن تلك القرائن المفيدة للعلم استمرار تلاوتها من غير تنبيه على قبح الظاهر". وقد أورد الرازي هذا السؤال في باب اللغات في "محصولة" مهذباً مطولاً، وأجاب عنه بما معناه: أن العلم بالمقاصد يكون مع القرائن ضرورياً، فإنا نعلم مراد الله سبحانه بالمساوات والأرض ضرورة لا لكون لفظ السماء موضوعاً لمسماه لدخول الاشتراك والمجاز والاضمار في الأوضاع اللغوية. وفي أواسط الجزء الآخر: "وذلك جلى لمن يعرف شروط القطع، وهو في النقليات التواتر الضروري في النقل، والتجلي الضروري في المعنى". وأما القطع بتحريم تأويلها بل بأنها على ظاهرها، فذلك لتواتر اشتهارها في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، والعلم بتقريرهم لها على ظاهرها، والعادة الضرورية تمنع من عدم ذكر التأويل الحق من جميعهم في جميع تلك الأعصار لو كان هناك تأويل كما مربيانه. وفي أواسط الجزء الثالث من نصوص الإيمان بالقدر: "والثاني دعوى العلم الضروري لمن بحث عن أحوال السلف أنهم كانوا لا يتأولون شيئاً من ذلك". وفي أوائل الجزء الأول: "على أن في القطعيات ما يختلف العلماء هل هي قطعي كما في القياس الجلي والتأثيم به والتفسيق والتكفير، على أن ابن الحاجب وغيره من المحققين منعوا من وجود القطعي الشرعي غير الضروري، وحكموا بأنه

لا واسطة بين الظن والضرورة في فهم المعاني، كما إنه لا واسطة بينهما في تواتر الألفاظ بالإتفاق". وفي موضع آخر: "والظاهر من علماء الأصول أنهم لا يثبتون القطعيات إلا في الأدلة العلمية المفيدة لليقين". وفي أواخره: "وقد ذكر غير وحد من المحققين أن الأدلة القطعية متى كانت شرعية لم تكن إلا ضرورية". قلت: وقد قال في "الإتحاف" عن ابن البياضي الحنفي عن الماتريدية: "والدليل النقلي يفيد اليقين عند توارد الأدلة على معنى واحد بطرق متعددة وقرائن منضمة، واختاره صاحب "الأبكار والمقاصد" وكثير من المتقدمين" اهـ. أي منهم. وراجع "التوضيح". ويريد ابن الحاجب بالضروري ما ينقدح في النفس حدساً واضطراراً، لا ما يشترك في معرفته الخواص والعوام، كما أريد به ذلك في تعريف ضروريات الدين، ولا يريد أيضاً أن الدليل اللفظي لا يفيد القطعي، فإنه اختلاف آخر بين آخرين. قال: "القول الثالث مذهب الأكثرين من الأئمة وجماهير علماء الأمة وهو التفصيل، والقول بأن التأويل في القطعيات لا يمنع الكفر". ومن بحث التكفير: "إن الكفر هو تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - إما بالتصريح، أو بما يستلزمه استلزاماً ضرورياً لا استدلالياً".

والعلم الضروري يقتضي في كل ما شاع مثل هذا في أعصارهم، ولم يذكر أحد منهم له تأويلاً أنه على ظاهره. فتأمل هذه القاعدة التي ذكرتها لك فيما استفاض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفاضة متواترة ولم يذكر له ألبتة تأويل وإجماع الصحابة على وصف الله تعالى بأنه متكلم، وله كلام من غير اشعار بتأويل، فجهروا بتكفير من قال ذلك إما لاعتقادهم أنه مكذب لهذه الآيات أو إن كلامه يؤول إلى التكذيب. امتنع من وصف القرآن بالحدوث من لم يصفه بالقدم، كأحمد بن جنبل، والجمهور على ما نقله الذهبي عنهم، وعن أحمد في ترجمة أحمد من النبلاء، وكذا نقل هناك عن قدماء أهل السنة أنهم لم يصفوا القرآن بأنه قديم، كما لم يصفوه بأنه مخلوق، واختار ذلك لنفسه. لما تقدم من اشتراط القطع في التكفير عند المعتزلة والشيعة وطوائف من الأمة، وهو كذلك في حق من أراد القطع بالكفر، فإن قيل له أنه ينزل عن هذه المرتبة إلى مرتبة الظن الراجح إلى السمع الواضح، والعمل بالظن لا يمتنع إلا بقاطه إلخ. ولم يرد القرآن بأنه كله متشابه، وإنما ورد بأن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأين الآيات المحكمات الواردات بهذا التعطيل من الجهات حتلا يرد إليها سائر آيات كتاب الله تعالى، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعقول السليمة تحيل خلو الكتب السماوية والأحاديث النبوية من النطق بالصواب، الذي يرد إليه كثير من متشابهات الكتاب، وإلى استحالة ذلك أشار في قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويالها من آية قاطعة للمبطلين لمن تأملها في كل موضع.

لو كان هو المقصود لوجد الصواب، ولو مرة واحدة، حتى يرد المتشابه إليه كما وعد به التنزيل. وفي أواسط الجزء الثالث من قسم ما يدل على وجوب الإيمان بالقدر بعد الحديث الثاني والسبعين: "قلت: والضابط في التكفير أن من رد ما يعلم ضرورة من الدين فهو كافر، وفي هذا إجمال، والتحقيق أن من علمنا ضرورة أنه رد ما يعلم ضرورة من الدين، وعلمنا بالضرورة أنه يعلمه ضرورة، فلا شك في كفره، وأما من ظننا أنه يجهل من الدين ما نعلمه نحن ضرورة، فهذا موضع كثير فيه الاختلاف، والأولى عدم التكفير، وقد مر تحقيق ذلك في آخر مسألة الصفات". أقول: ومن دافع أمراً ضرورياً من الدين ولم يقله، وقد بلغ ذلك فهو كافر، كما أشار إليه البخاري في "صحيحه:، وإن كان عدد المبلغ لم يبلغ حد التواتر، ولم يكن جحود غير المتواتر كفراً، لكن ذلك المدافع يعامل معاملة الكفار، وكذلك كان العمل عليه في عهد النبوة في إقامة الحجة، وإن تعلل بأنه تردد فيه لخبر الواحد فأمر ينظر فيه، وإلا فتقسيم الكفر إلى كفر عناد وجهل يفوض ذلك إلى الآخرة، كما أن نشأ على الكفر نحكم بكفره، وإن كان جهلاً جحوداً، فكذا ههنا فاعلمه. فإن من يقبل بعض متواترات الشريعة فهو في حقنا وبالإعتبار إلينا كمن لم يدخل في الإسلام، وإن لم يكن ذلك عن عناد، وصار كمن دعاه نبي واحد إلى الإيمان فلم يدخل فيه، وبقى على كفره الأصلي

لا عن عناد منه. (فالكفر بعدم الإيمان بمتواترات الشرع وخلوه عنه جهلاً كان أو جحوداً وعناداً، وقد ذكر في "الإتحاف": إن التكذيب لأمر البعثة وبلوغ الدعوة قبيح عقلاً، فهو داخل تحته لا تحت القبح الشرعي، وهو حسن جداً، وشيء مفيد في "المسايرة" من الحسن والقبح العقليين من دفع إفحام الأنبياء لو لم يكونا، وشيء منه في الأصل العاشر من الركن الأول. وقال ابن القيم: المجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص، وإنما يدخل في الظاهر المحتمل له، وههنا نكتة ينبغي التفطن لها، وهي أن كون اللفظ نصاً يعرف بشيئين، أحدهما: عدم احتماله لغير معناه وضعاً، كالعشرة، والثاني: ما اطرد استعماله على طريقة واحدة في جميع موارده فإنه نص في معناه، لا يقبل تأويلاً ولا مجازاً، وإن قدر تطرق ذلك إلي بعض أفراده، وصار هذا بمنزلة الخبر المتواتر لا يتطرق إحتمال الكذب إليه، وإن تطرق إلى كل واحد من أفراده بمفرده. وهذه عصمة نافعة تدلك على خطأ كثير من التأويلات في السمعيات التي اطرد استعمالها في ظاهرها وتأويلها، والحالة هذه غلط، فإن التأويل إنما يكون لظاهر قد ورد شاذاً مخالفاً لغيره من السمعيات، فيحتاج إلى

تأويله ليوافقها، فأما إذا اطردت كلها على وتيرة واحدة صارت بمنزلة النص وأقوى، وتأويلها ممتنع، فتأمل هذا. "بدائع الفوائد". وهذا يجري في نحو لفظ "التوفي" في عيسى عليه السلام أنه الإستيفاء لا الإمانة، فإن كل ما ورد في حاله في القرآن والحديث اطرد في حياته. قال حبيب بن الربيع: لأن ادعاءه التأويل في لفظ صراح لا يقبل - "شرح شفاء" - في من قال: فعل الله برسول الله كذا وكذا. وقال: أردت به العقرب - والعياذ بالله - وأقره الحافظ ابن تيمية بعينه في "الصارم المسلول". فعلم أن التأويل كما لا يقبل في ضروريات الدين كذلك لا يقبل في ما يظهر أنه احتيال في كلام الناس، وتمحل غير واقعي، وقد كان الأئمة رحمهم الله يعتبرون إرادة التأويل وقصده، فجاء المتسللون فاعتبروا إيجاده، ففي "جامع الفصولين"، وعن مالك رحمه الله أنه سئل عن من أراد أن يضرب أحداً؟ فقيل له: ألا تخاف الله تعالى؟ فقال: لا، قال: لا يكفر، إذ يمكنه أن يقول: التقوى فيما أفعله له، ولو قيل له ذلك في معصيته، فقال: لا أخافه يكفر، إذ لا يمكنه ذلك التأزيل اهـ. ونحوه في "الخانية" في قصة شداد بن حكيم مع زوجته، وذكرها في "طبقات الحنفية" من شداد عن محمد رحمه الله أيضاً، وهو أولى بالاعتبار مما ذكره من اعتبار مجرد الامكان، فإنه لا حجر

فيه، وقالوا في الإكراه على كلمة الكفر: إن خطر بباله التورية ولم يور كفر، فاعتبروا القصد وإرادة التأويل في حقه، وإلا فالتمحل لا يعجز عنه أحد، ففي "الميزان" بإسناد قوي: فو الله إن المؤمن ليجادل بالقرآن فيغلب، وإن المنافق ليجادل بالقرآن فيغلب، ألا ذكره من ترجمة الحكم بن نافع. ولذا قال ابن حجر بعد سياق كلام المصنف: وما ذكره ظاهر موافق لقواعد مذهبنا، إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود، والنيات، ولا نظر لقرائن حاله، نعم يعذر مدعي الجهل إن اعتذر لقرب عهده بالإسلام أو بعده عن العلماء، كما يعلم من كلام "الروضة" انتهى. "خفاجي" شرح "شفاء". أي فيما أتى بالسب لقلة مراقبة، وضبط للسانه، وتهور في كلامه، ولم يقصد السب. فإن قيل: كيف تأولت أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه، وجعلتهم أهل بغي؟ وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا من أدائها، يكون حكمهم حكم أهل البغي؟ قلنا: لا فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافراً بإجماع المسلمين، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان. منها: قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ.

ومنها: أن القوم كانوا جهالاً بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريباً، فدخلتهم الشبهة، فعذورا، فأما اليوم فقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة، حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك ألمر في كل من أنكر شيئاً مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه منتشراً، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر منها شيئاً جهلاً به لم يكفر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق اسم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وإن القاتل عمداًَ لا يرث، وإن للجدة السدس، وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر بل بعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة. "نووى شرح المسلم" عن الخطابي وهناك عبارة أخرى للخطابي مرت عن "اليواقيت". قلت: هذا ظاهر في أن التأويل في ضروريات الدين لا يدفع القتل، بل لا يدفع الكفر أيضاً إذا استتيب فلم يتب، وأما الإشكال الذي ذكره من أنهم جحدوا الزكاة فهم أهل ردة، وقد تردد في قتالهم عمر - رضي الله عنه - فلعل الوجه فيه أنهم منعوا الزكاة، وأرادوا نصب الرؤساء في إحياهم، لم يطيعوا لأبي بكر - رضي الله عنه - فكانوا أهل بغي بهذا القدر، وهذا هو الذي جعل

عمر - رضي الله عنه - غرضهم، ثم إنهم كانوا يأولون أيضاً في منع الزكاة تأويلات تبرعاً، وجعلهم أبو بكر - رضي الله عنه - مرتدين بهذا والله أعلم. فكان اختلاف الشيخين في غرض مانعي الزكاة، وفي ما دعاهم إلى المنع جعل عمر السبب الأصلي بغيهم، ومنعهم الزكاة له، وجعله أبو بكر الردة، فالخلاف في تحقيق الواقعة والكشف عنها، ولو تحقق عند عمر - رضي الله عنه - أنهم أنكروا الزكاة رأساً لكفرهم هو أيضاً، ولم يتردد أصلاً، ثم رأيت الإمام الحافظ جمال الدين الزيلعي رحمه الله تعالى صرح في "تخريج الهداية" من الجزية بمثله. وينبغي أن يراجع ما في "منهاج السنة" أيضاً وما في "الكنز" من قتاله - رضي الله عنه - مع أهل الردة، ففيه أن عمر - رضي الله عنه - جعلهم مرتدين، ولكن لم ير للمسلين قوة عليهم. وفي "الرياض" للمحب الطبري عن عمر - رضي الله عنه - لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتدت العرب، وقالوا: لا نؤدي زكاة، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: "لو منعوني عقالاً لجاهدتهمك عليه، فقلت: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تألف الناس وارافق بهم. فقال: لي إجبار في الجاهلية، وخوار في الإسلام، أنه قد انقطع الوحي، وتم الدين، أو ينقص وأنا حي". أخرجه النسائي.

ومن إجماعيات الصحابة - رضي الله عنهم -

بهذا اللفظ اهـ ففيه عذر التأليف. تكلم ابن حزم أيضاً في "ملله" عليه وعدد النيسابوري في "تفسيره" فرقهم، وفي "عمدة القارئ" بعد ما ذكر رواية مرفوعة في قتل مانع الزكاة عن "الإكليل" عن حكيم ابن عباد بن حذيف أحد رواتها، (ما أرى أبا بكر إلا أنه لم يقاتلهم متأولاً إنما قاتلهم بالنص اهـ) . وقال: إلا بحق الإسلام من قتل النفس المحرمة، وترك الصلاة، ومنع الزكاة بتأويل باطل ونحو ذلك اهـ. وحرره أبو بكر الرازي في "أحكام القرآن" أيضاً، ورواية أخرى في "الكنز" أيضاً وذكرها في "الفتح" وعن عمر - رضي الله عنه - نفسه ما في "الكنز" هذا والله أعلم بالصواب. والله ليوم وليلة لأبي بكر - رضي الله عنه -، خير من عمر عمر - رضي الله عنه - ومن آل عمر - رضي الله عنه - (فذكر ليلة الغار إلى أن قال) : وأما اليوم فذكر قتاله لمن ارتد. "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" لصاحب "القاموس" من النسخة المكتوبة. ومن إجماعيات الصحابة - رضي الله عنهم - ما عند الطحاوي في "معاني الآثار" وبعض طرقه الأخر في "فتح الباري" نم حد الخمر عن علي - رضي الله عنه - قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر،

وعليهم يؤمئذ يزيد بن أبي سفيان، وقالوا هي حلال، وتأولوا {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. فكتب فيهم إلى عمر - رضي الله عنه - فكتب عمر - رضي الله عنه - أن ألعث بهم إلى قبلي أن يفسدوا من قبلك، فلما قدموا على عمر - رضي الله عنه - استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين! ترى أنهم قد كذبوا على الله، وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاضرب أعناقهم، وعلي - رضي الله عنه - ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فيهم؟ قال: ارى أن تستتيبهم، فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين، "طحاوي" و"فتح الباري" و"كنز العمال", قال في "الصارم المسلوم": حتى أجمع رأي عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو وأصحابه، فإن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن لم يقروا به كفروا. مع أن هذه الآية كانت نزلت في من شربها، ولكن قبل التحريم، فكانت شبهتهم لهذا، ومع ذلك لم تعتبر، وقد ذكره في "تحرير الأصول" مى تقسيم الجهل، وذكره أبو بكر الرازي في "أحكام القرآن" محرراً. وعن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بين يديه:

خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمان في تنزيله بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأزيله كما قتلناكم على تنزيله أخرجه أبو يعلى من طريقه (أي من طريق عبد الرزاق) "فتح الباري". قال: نحن ضربناكم على تأويله، أي حتى تدعنوا إلى ذلك التأويل ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه، حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه قال: وصحيح الرواية: نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله يشير بكل منهما إلى ما مضى، قال: وقد صححه ابن حبان من الوجهين، قال: مع أن الوجه الأول على شرطهما إلخ. قبلت: فهذا في حكم النص والإجماع أنه يقاتل ويضرب على قبول تأويل القرآن، أي ما آل إليه أمره في المصداق عند السلف، كما يقاتل ويضرب على قبول تنزيله، وهذا المراد بالتأويل، هو عرف السلف، صرح به الحافظ ابن تيمية في تصانيفه، والخفاجي في "شرح الشفاء". وراجع "أحكام القرآن" للحصاص.

وهو عرف القرآن العزيز، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} وقول يوسف عليه السلام: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} لا يريدون بالتأويل الصرف عن الظاهر، والغرض أن من ترك تأزيل السلف وهو التفسير في عرف المتأخرين استحق ما يستحقه من ترك التنزيل بلا فرق. وفي "بدائع الحنفية": أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قال لعلي - رضي الله عنه -: إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل، ولعله - صلى الله عليه وسلم - أراد به قتال الخوارج، وقد بوب عليه في "مختصر الآثار" للطحاوي، فقال: باب قتال علي - رضي الله عنه - أهل الأهواء، وذكر هذا الحديث، وقد أخرجه النسائي في خصائص علي - رضي الله عنه -، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على

شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقره الذهبي في "تلخيصه" ولفظه عندهم: أن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -. قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا هو؟ قال لا، قال عمر - رضي الله عنه -: أنا هو؟ قال لا، ولكن خاصف النعل يعني علياً - رضي الله عنه - الحديث. وهو يدل على المساوات في الحكم في إنكارهما، وأخرجه أحمد في "مسنده". فتمثل به عمار في الصفين بنحو تمثل، أو زعم أنهم المرادون به، ثم تبين له أن ليس المراد به أهل صفين، كما تدل عليه أقواله فيهم في "منهاج السنة"، بل المراد الخوارج. وفي "مختصر مشكل الآثار": ومما حقق الوعد ما كان من قتال علي - رضي الله عنه - على الخوارج، وقتله إياهم، ووجودهم على الصفة التي وصفهم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الخصائص التي اختص الخلفاء بها، فاختص أبو بكر - رضي الله عنه - أهل الردة، وعمر - رضي الله عنه - بقتال العجم، حتى فتح الله على يديه وأظهر به الدبن، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بقتال الخوارج المقاتلين على تأويل القرآن، وعثمان بن عفان بجمع القرآن على حرف واحد، فقامت به الحجة، وأبان به أن من خالف حرفاً منه كان كافراً، وأعاذنا به أن نكون كأهل الكتابين قبلنا الذين اختلفوا في كتابهم حتى تهيأ منهم تبديله فرضوان الله على خلفاء رسوله، جزاهم الله عنا أفضل

ما جتزى به أحداً من خلفاء أنبيائه على طاعنهم إياه، ونحمد الله على ما عرفنا به من أماكنهم، وفضائلهم، وخصائصهم، ولم يجعل في قلوبنا غلاً لأحد منهم، ولا لمن سواهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، إنه أرحم الراحمين. فقط. قلت: لذي النورين - رضي الله عنه - قتال كثير مع العجم وجهاد معهم، ثم بعده محو أسباب الاختلاف، فرضى بالشهادة، ولم يرض بالاختلاف. ومما يدل على القتال في التأويل كما يقاتل على التنزيل وشهرته بين الصحابة ما في "الصارم المسلول" من الحديث الخامس عشر، ومما يدل على أنهم كانوا يرون قتل من علموا أنه من أولئك الخوارج وإن كان منفرداً حديث صبيغ بن عسل، وهو مشهور، قال أبو عثمان النهدي: سأل رجل من بني يربوع، أو من بني تميم، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن الذاريات، والمرسلات، والنازعات، أو عن بعضهن؟ فقال عمر: ضع عن رأسك فإذا له وفرة، فقال عمر: أما والله لو رأيتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك! قال: ثم كتب إلى أهل البصرة، أو قال: إلينا: أن لا تجالسوه، قال: فلو جاء ونحن ماءة نفر تفرقنا. رواه الأموي وغيره بإسناد صحيح، فهذا عمر يحلف بين المهاجرين والأنصار، أنه لو رأى العلامة التي وصف بها النبي - صلى الله عليه وسلم - الخوارج لضرب عنقه، مع أنه هو الذي نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل ذي الخويصرة، فعلم أنه فهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أينما لقيتموهم فاقتلوهم، القتل مطلقاً، وإن العفو عن ذلك كان في حال الضعف والاستيلاف اهـ.

وقد أثبت أن القتل هناك للكفر لا للحرب، فراجعه فإنه لابد من ملاحظة هذا الشطر، مع ما ذكره في "منهاج السنة"، فلكل مقام مقال، وقد كثر في تصانيفه هذا الصنيع؛ فيتكلم في كتاب على المسألة شطراً من الكلام، وفي كتاب آخر على شطره الآخر. وقد ذكر في "المنهاج" أيضاً فصلاً في كفر الروافض، وختمه بقوله: فإذا كانوا يدعون أن أهل اليمامة مظلومون، قتلوا بغير حق، وكانوا منكرين لقتال أولئك متأولين لهم: كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأزلئك السلف، وإن الصديق - رضي الله عنه - وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان اهـ. وفيه تصريح بأن من تأول لأهل اليمامة فهو كافر، وإن من لم يكفر كافراً مقطوعاً بكفره فهو كذلك، وذكر فيه: أن قتال الخوارج لم يكن كقتال البغاة، بل نوع آخر فوقه، وشيئاً في الروافض فيه. وإذا كان قول رأس الخوارج أن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله كفراً مجمعاً عليه ينسحب هذا الحكم على ضئضئه وأذنابه، وقد أثبت الحافظ في "الفتح" أمره - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بقتل رأسهم القائل أن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فاستووا كفراً وقتلاً. وموجب كفرهم وسببه كما في "الصارم".

وما كان ديدنهم هو وضع القرآن في غير موضعه: فعند "مسلم" قال: إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون الكتاب لياً رطباً اهـ. لياً - بالياء - أشار القاضي إلى أنه رواية أكثر شيوخهم، يلوون ألسنتهم به - أي يحرفون معانيه وتأويله - ذكره النووي، وقال البخاري: وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على الكؤمنين اهـ. وهو الوضع في غير موضعه، والتأويل في غير محله، وكانوا يقولون كلمة حق أريد بها باطل. وعند "مسلم": يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم، وأشار إلى حلقه اهـ. في "الكنز" عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر: أن في أمته قوماً يقرأون القرآن، ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على غير تأويله اهـ. ابن جرير وأبو يعلى كما في "الإتقاق" من النوع الثمانين. وابن كثير. وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فخرج من هذه الأحاديث بهذا الوجه وجه من كفرهم من أهل الحديث، كما مر عن "المسوى"، وقد نسبه السندي على "سنن النسائي" إليهم،

وهو قول فحل، وكذا نبسه في "فتح القدير" إليهم، وخرج عدم الفرق بين الجحود والتأويل في القطعيات، والله سبحانه وتعالى أعلم، وخرج أن الكفر قد يلزم من حيث لا يدري (مع ما يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم، وأعماله مع ما أعمالهم، وليست قراءته إلى قراءتهم شيئاً، فخذ هذه الجمل النبوية أصلاً في مسألة التكفير، فهي كأحرف القرآن كلها، شاف كاف، وإنما اختلف العبارات في أهل الأهواء. إما لإختلاف حالاتهم غلواً وعدم غلو، وإما لإختلاف أصحابه التصانيف فمنهم من بلى بأهل الأهواء، واختبر حالهم، ورأى ضررهم على الدين، فشدد النكير عليهم بحيث لا تبقى ولا تذر. ومنهم من لم يبتل بهم، ولم يسبر غورهم، فهو يحذر عن التكفير مشياً على الأصل، وهو المراد بقولهم: لا يكفر أهل القبلة - أي الأصل فيهم ذلك لا بناءًَ على خصوص الحال - وقد احتطنا في هذه المقالة ما رأيناه احتياطاً، فإن له مقاماً، فقد يحتاط الرجل نظر الجانب، وهو خارج منه من جانب آخر، فيقع في عدم الاحتياط من حيث لا يدري، فإنما أعلنا ههنا ما ندين الله به، واحتطنا ما رأيناه حقه، والله على ما نقول وكيل، وله الحمد على كل حال، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه البيهقي في "المدخل" -: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، وهو كلام خرج من مشكاة النبوة، ومصابيح السنة، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وأما ما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة، فيجب تكفير من غير الظاهر بغير برهان قاطع، كالذي ينكر حشر الأجساد، وينكر العقوبات الحسية في الآخرة، بظنون وأوهام، واستبعادات من غير برهان

قاطع، فيجب تكفيره قطعاً. "فيصل التفرقة" للإمام الغزالي. وكل ما لم يحتمل التأويل في نفسه، وتواتر نقله، ولم يتصور أن يقوم برهان على خلافه فمخالفته تكذيب محض. "فيصل التفرقه". ولابد من التنبيه على قاعدة أخرى، وهو ان المخالف قد يخالف نصاً متواتراً ويزعم أنه مأول، ولكن ذكر تأويلاً لا انقداح له أصلاً في اللسان، لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر، وصاحبه مكذب، وإن كان يزعم أنه مأول. "فيصل التفرقة". قطرة من بحرة من كتاب "الصارم المسلوم على شاتم الرسول" للحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى، في أن الحاق نقص وشين لحضرة الأنبياء عليهم السلام كفر، بل كل الكفر، واستوعب في كتابه هذه السألة، وأوعب من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن يعفو عن سابه، وله أن يقتل، وفي وقع كلاً الأمرين، وأما الأمة فيجب عليهم قتله، وفي الاستتابة وعدمها، وقبول التوبة وعدمه في أحكام الدنيا اختلاف". وروى حرب في مسائله عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: أتى عمر - رضي الله عنه - برجل سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله، ثم قان عمر - رضي الله عنه -: من سب الله تعالى أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه. قال ليث: وحدثني مجاهد عن ابن عباس قال: أيما مسلم سب الله أو سب أحداً من الأنبياء فقد كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

وهي ردة يستتاب. فإن رجع وإلا قتل، وأيما معاهد عائد فسب الله أو أحداً من الأنبياء أو جهر به. فقد نقض العهد، فاقتلوه. قلت: وأخرجه باللفظ الأول في "الكنز" عن "أمالي أبي الحسن بن رملة الأصبهاني"، وقال: سنده صحيح. وحمل اللفظ الثاني على من كذب بنبوة شخص من الأنبياء وسبه، بناءً على أنه ليس بني، ألا ترى إلى قوله: فقد كذب برسول الله إلخ. ولعل المراد: من سب أحداً من الأنبياء، بناء على أنه ليس نبينا المبعوث إلينا. الدليل السادس: أقاويل الصحابة، فإنها نصوص في تعيين قتله، مثل قول عمر - رضي الله عنه -: من سب الله، أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه، فأمر بقتله عيناً: ومثل قول ابن عباس - رضي الله عنه -: أيما معاهد عائد فسب الله، أو سب أحداً من الأنبياء، أو جهر به فقد نقض العهد، فاقتلوه، فأمر بقتل المعاهد إذا سب عيناً، ومثل قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - - فيما كتب به إلى المهاجر في المرأة التي سبت النبي - صلى الله عليه وسلم -: لولا ما قد سبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء لا يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد ومعاهد فهو محارب غادر. - وهذا في "زاد المعاد" من أحكام فتح مكة ومن قضاياه - صلى الله عليه وسلم -. فعلم أن سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع

جميع الضلالات، وكل كفر منه، كما إن تصديق الرسل أصل جميع شعب الإيمان، وجماع مجموع أسباب الهدى. قد يعمد الساب فينقل السب عن غيره ويتخذه دغلاً ودريةً لإظهاره وإشاعته، فيتم له هذا الغرض، وهو من كفر خفى يظهر من نفثات صدره وفلتات لسانه، ومن مرض مزمن في قلبه أفسد بطنه وباطنه، وورى ريته وجوفه. ولهذا نظائر في الحديث إذا تتبعت، مثل الحديث المعروف عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "إن أخاه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: جيراني على ماذا أخذوا؟ فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن الناس يزعمون أنك تنهى عن الغي وتستخلي به، فقال: لئن كنت أفعل ذلك إنه لعلي وما هو عليهم، خلوا له جيرانه". رواه "أبو داؤد" بإسناد صحيح. فهذا وإن كان قد حكى هذا القذف عن غيره فإنما قصد به انقاصه وإيذاءه بذلك، ولم يحكه على وجه الرد على من قاله، وهذا من أنواع السب. قلت: وهذا لفظ "المسند"، وفي لفظ آخر له: "إنك تنهى عن الشر وتستخلي به" وكذلك في "كنز العمال" عن عب. وقال أصحابنا: التعريض بسب الله وسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردة، وهو موجب للقتل كالتصريح. "الصارم". وقد قرره وحرره، ومثل للتعريض بأمثله، ونقل الاتفاق على

الإكفار، وقال أيضاً: وقد تقدم نص الإمام أحمد على أن من ذكر شيئاً يعرض بذكر الرب سبحانه فإنه يقتل، سواء كان مسلماً أو كافراً، وكذلك أصحابنا قالوا: من ذكر الله، أو كتابه، أو دينه، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فجعلوا الحكم فيه واحداً إلخ. وهو في التعريض، وذكر عبارة الإمام أحمد في مواضع. وإذا ثبت أن كل سب تصريحاً أو تعريضاً موجب للقتل إلخ. وقال في "فتح الباري": فإن عرض فقال الخطابي: لا أعلم خلافاً في وجوب قتله إذا كان مسلماً اهـ. وقال ابن عتاب: نص الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأذى أو نقص معرضاً أو مصرحاً وإن قل فقتله واجب. "شفاء". وإن اتهم هذا الحاكي فيما حكاه بأنه اختلقه، ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، بأن يكثر من ذكره ويزعم أنه حاك له، أو ظهر حال نقله استحسانه لذلك، وإنه لا محذور فيه، أو كان مولعاً بمثله والاستخفاف له، أي عده هنياً عنده لا محذور فيه، أو التحفظ، اي حفظه كثيراً. لمثله أو طلبه، ورواية أشعار هجوه - صلى الله عليه وسلم - وسبه فحكم هذا الحاكي حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا تنفعه نسبته، فيبادر بقتله،

ويعجل إلى الهاوية أمه. "شفاء مع شرح الخفاجي" ملتقطاً. فصل: الوجه السادس أن يقول القائل ذلك حاكياً عن غيره، وآثراً عن من سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته وقرينة مقالته، ويختلف الحكم باختلاف ذلك. "شفاء". وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتابته وقراءته، وتركه متى وجد دون محر. "شفاء". وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام: من حفظ شطر بيت مما هجى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر. "شفاء". وذكر أنه كنى في كتبه عن اسم المهجو بوزن اسمه. قلت: وهذا الملحد إذا أتى على ذكر عيسى عليه السلام استشاط. غيظاً، ولم يملك نفسه، فيسترسل في مثاليه بالهمز واللمز، ويبسطه كل البسط. وبلفته كل اللفت، ثم يتستر بكلمة خفية، ربما لا ترى، فيقول على قول النصارى مثلاً، وفي أثناء كلامه قوله: والحق أن عيسى لم يصدر منه معجزة، وإنما كان عنده عمل السيميا، ويقول عارضه سوء قسمته، إذ كان هناك حوض يستسقى منه الناس، يعني فهذا يقدح في معجزاته، فجعله بقوله والحق تحقيقاً عنده، ومع هذا يقول أتباعه أنه على طريق الإلزام، والعلماء لما سلكوا هذا الطريق جعلوا الدعوى أن كتبهم محرفة، إذ يوجد فيها ما يخالف عصمة الأنبياء، وهذا الملحد جعل الدعوى خيبة عيسى، وعدم نجحه - والعياذ بالله - وجعل يشيعه ويبذل مهجته فيه، و

ومما قلت فيه

سرى ذلك في أتباعه الملاعنين، فهم يصنفون في هجاء عيسى عليه السلام ويشيعونه في أهل الإسلام، دع النصارى، وغرضهم بذلك أن لا يبقى للناس اشتياق إلى عيسى بن مريم عليه السلام، فيسلموا ذلك الشقي الهاذي المهذار، خذله الله تعالى. وقد ذكر العلماء أن التهور في عرض الأنبياء وإن لم يقصد السب كفر، وليس من شأن المؤمن، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ومما قلت فيه ألا يا عباد الله قوموا وقوموا ... خطوباً ألمت ما لهن يدان وقد كان ينقض الهدى ومناره ... وزحزح خير ما لذاك تدان يسب رسول من أولى العزم فيكم.... تكاد السماء والأرض تنفطران وطهره من أهل كفر وليه ... وأبقى لنار بعض كفر أماني وحارب قوم ربهم ونبيه ... فقوموا لنصر الله إذ هو دان وقد عيل صبري في انتهاك حدوده ... فهل ثم داع أو مجيب أذاني وإذ عز جئت مستنصراً بكم ... فهل ثم غوث يالقوم يداني لعمري لقد نبهت من كان نائماً ... وأسمعت من كانت له أذنان

وناديت قوماً في فريضة ربهم ... فهل من نصير لي من أهل زمان دعوا كل أمرٍِ واستقيموا لما دهى ... وقد عاد فرض العين عند عيان فشائي شأن الأنبياء مكفر ... ومن شك قل هذا لأول ثان وليس مداراً فيه تبديل ملة ... وتحبط أعمال البذى مجاني أفي ذكره عيسى يطيش لسانه ... ولا يبصر المرمى من الخيمان وأكفر منه من تنبأ كاذباً ... وكان انتهت ما أمكنت بمكان ومن ذب عنه أو تأول قوله ... بكفر قطعاً ليس فيه توان كأني بكم قد قلتموا لم كفره؟ ... فهاكم نقولاً جليت لمعان فما قولكم فيمن حبا مثل ذلكم ... مسيلمة الكذاب أهل هوان فقال له التأويل أو قال لم يكن ... نبياً هو المهدي ليس بجان وهل ثم فرق يستطيع مكابر ... وحيث ادعى فليأتنا ببيان زكان على إحداثه وجه كفره ... تنبأه مشهور كل أوان كذا في أحاديث النبي وبعده ... تواتر فيما دانه الثقلان فإن لم يكن أو قد وجوه لكفره ... فأسيرها دعواه تلك كماني وأول إجماع تحقق عندنا ... لفيه بإكفر وسبى عواني وكان مقراً بالنبوة معلناً ... لخير الورى في قوله وأذان وما قولكم في العيسوية أولوا ... رسولاً لأميين خير كيان وهل ثم ما لا فيه تأويل ملحد ... ومن حجر التأويل رمى لسان وهل في ضروريات دين تأول ... بتحريفها إلا ككفر علان ومن لم يكفر منكريها فإنه.... له الإنكار يستويان وما الدين إلا بيعة معنوية ... وما هو كالأنساب في السريان

فإنهم لا يكذبونك فاتلها ... ولكن بآيات مآل معاني تنبأ أن لا يمترى ببطالة ... كحجام ساباطً صريع غوان ومعجزة منكوحة فلكيةًَ ... يصادفها في رقية الكروان ومنى له الشيطان فيها بوحيه ... رفاء ووصلاً خطبة وتهاني يهم بأمر العيش لو يستطيعه.... وقد حيل بين العير والنزوان ففضحه رب السماء بحوله ... وقوته والله فيه كفاني وكان ادعى وحياً سنين عديدة ... فجاء يحاكي فعله الظربان ودلاه شيطاناه في ذاك برهة ... ولم يدر شيطانان لا يفيان وأخرا وهذا بذريته يرى ... فهلا عرا أصل النبوة ذان وآنهم لما لم يمت بشروطه ... رجوعاً إلى الحق ادعى برهان وسماه أيضاً مرة بسقوطه ... لهاوية هل ذان يجتمعان ويوجد في الوقت المعاني للغي ... إذا خانه است لم يطق لضمان يحص بأفواه الشياطين حيقة ... ويصرفهم عن صوب فهم مباني فعلل أذناب له الناس أن في ... حديبية ما نحوها يريان أرؤيا حكاها خاتم الرسل مرسلاً ... ولم يك منها السير يلتبسان وما قد حكاه الواقدى فلم يرد ... ترتب سير أو بداء أوان حكى من أمورٍ لا ترتب بينها ... قد اتفقت في البين من جريان

وأوضحه الصديق فيما روى لنا ... أصح كتابٍ في الحديث مثاني رجاء وقصد ليس أخبار غيبه ... على ظاهر الأسباب يعتمدان وما ذاب في العمر الطويل له فذا ... هجاء خيار الخلق غب لعان تفكه في عرض النبيين كافر ... عتل زنيم كان حق مهان يلذ له بسط المطاعن فيهم ... ويجعل نقلاً عن لسان فلان يصوغ اصطلاحاً أن هذا مسيحكم ... كما سب أماً هكذا أخوان وقد رد في القرآن أنواع كفرهم ... فهل غض من عيسى المسيح بشأن وهذا كمن وافى عدواً يسبه ... بجمعٍ أشد السب من شنان فصيره رؤيا وقال بآخرٍ ... إذا انفتحت عيسى من الخفقان وقد يجعل التحقيق ذلك عنده ... إذا ما خلا جو كمثل جبان وينفث في أثناء ذلك كفره ... ويعرب في عيسى بما هو شانئ وكان هنا شيء لتحريف عهدهم ... فصيره حقاً لخبث جنان وقد أخذوا في مالك بن نويرة ... بصاحبكم للمصطفى كأدانى وقصة دباء رأى القتل عندها ... أبو يوسف القاضي ولات أوان تحطم في جمع الحطام ونيلها ... وبسط المنى وحاصلات مجاني وكل صنيع أو دهاء فعنده ... لنيل المنى بالطرد والدوران أهذا مسيح أو مثيل مسيحنا ... تسربل سربالاً من القطران وكان على ما قال مأجوج أصله ... فصار مسيحاً فاعتبر بقران نعم جاء في الدجال اطلاقه كذا ... فقد أدركته خفة السرعان

ومن نكير العلماء على التأويل الباطل

ألم يهد للقرآن يحفظه ولم ... يحج لفرض صده الحرمان فيسرق في ألفاظه باطنية ... وقرمطةً وحي أتاه كداني وتابعه من فيه نصف تنصر ... ومن كفر مودع بمباني وكفر من لم يعترف بنبوة ... له وهو في هذا الأول جان ألا فاستقيموا أو استهيموا لدينكم ... فموت عليه أكبر الحيوان وعند دعاء الرب قوموا وشمروا ... حناناً عليكم فيه أثر حنان وكن راجياً أن يظهر الحق وارتقب ... لأولاد بغي في السهيل يماني وللحق صدع كالصديع وصولة ... وطعن وضرب فوق كل بتان وآخر دعوانا أن الحمد للذي ... لنصرة دين الحق كان هداني وصلي على ختم النبيين دائماً ... وسم ما دام اعتلى القمران ومن نكير العلماء على التأويل الباطل قال في "فتح الباري": وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير، فمن فسر شيئاً منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وفارق الجماعة، لأنه وصف الرب بصفة لا شيء اهـ. قلت: فمن نسب أئمتنا إلى الجهمية فمن سخط تبدى المساوى،

وذكر في "الفتح" هناك أشياء عن أئمة الدين في المسألة. وفي "شفاء العليل": للحافظ ابن القيم رحمه الله: والتأويل الباطل يتضمن تعطيل ما جاء به الرسل، والكذب على المتكلم، أنه أراد ذلك المعنى، فتضمن إبطال الحق، وتحقيق الباطل، ونسبة المتكلم إلى ما لا يليق به من التلبيس والألغاز، مع القول عليه بلا علم أنه أراد هذا المعنى، فالمتأول عليه أن يبين صلاحية اللفظ للمعنى الذي ذكره أولاً، واستعمال المتكلم له في ذلك المعنى في أكثر المواضع حتى إذا استعمله فيما يحتمل غيره حمل على ما عهد منه استعماله فيه، وعليه أن يقيم دليلاً سالماً عن المعارض على الموجب لصرف اللفظ عن ظاهره، وحقيقته إلى مجازه واستعارته، وإلا كان ذلك مجرد دعوى منه فلا يقبل. وفي "فتاوى الحافظ ابن تيمية": ثم لو قدر أنهم منأولون لم

يكن تأويلهم سائغاً، بل تأويل الخوارج ومانعي الزكاة أوجه من تأويلهم، أما الخوارج فإنهم ادعوا اتباع القرآن، وإن ما خالفه من السنة لا يجوز العمل به، وأما مانعوا الزكاة فقد ذكروا أنهم قالوا: أن الله قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} . وهذا خطاب لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فقط، فليس علينا أن ندفعها لغيره، فلم يكونوا يدفعونها لأبي بكر، ولا يخرجونها له. وقال أيضاً: وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب لما أمر الله. وقال أيضاً: لكن من زعم أنهم يقاتلون كما تقاتل البغاة المتأولون فقد أخطأ خطأ قبيحاً، وضل ضلالاً بعيداً، فإن أقل ما في البغاة المتأولين أن يكون لهم تأويل سائغ، خرجوا به، ولهذا قالوا: إن الإمام يراسلهم، فإن ذكروا شبهة بينها، وإن ذكروا مظلمة أزالها. وقال في "بغية المرتاد": إنما القصد ههنا التنبيه على أن عامة هذه التأويلات مقطوع ببطلانها، وإن الذي يتأوله أو يسوغ تأويله فقد يقع في الخطأ في نظيره أو فيه، بل قد يكفر من يتأوله. وقال أيضاً فيه: ذكر ابن هود الذي زعم أصحابه أن روحانية عيسى تنزل عليه.

من قال أن النبوة مكتسبة فهو زنديق

من قال أن النبوة مكتسبة فهو زنديق قال ابن حبان: من ذهب إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع، أو إلى أو الوالي أفضل من النبي، فهو زنديق، يجب قتله لتكذيب القرآن، وخاتم النبيين، والله أعلم. "زرقاني". قلت: ومن زعم أنها مكتسبة يلزمه أنها قد تسلب أيضاً وهذا اعتقاد اليهود في بلعام، فإنه كان نبياً عندهم في بني مواب كما حكاه ابن حزم عنهم، وهذا يليق بذلك الشقي المتنبئ، فإنه قد سلب الإيمان، ومات شر ميتة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهؤلاء عندهم النبوة مكتسبة. وكان جماعة من زنادقة الإسلام يطلبون أن يصيروا أنبياء، والحاصل أن النبوة فضل من الله، وموهبة، ونعمة من الله تعالى. يمن بها سبحانه، ويعيطها - لمن يشاء - أن يكرمه بالنبوة فلا يبلغها أحد بعلمه، ولا يستحقها بكسبه، ولا ينالها عن استعداد ولايته، بل يخص بها من يشاء - من خلقه -، ومن زعم أنها مكتسبة فهو زنديق يجب قتله، لأنه يقتضي كلامه واعتقاده أن لا تنقطع، وهو مخالف للنص القرآني، والأحاديث المتواترة، بأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين. ولهذا قال - إلى الأجل - يعني أن النبوة فضل

مأخذ التكفير أي دليله الذي أخذ منه وبنى عليه

من الله، ونعمة يمن بها الرب الحكيم والعليم الكريم على من يشاء، ويريد إكرامه بها، وكان ذلك ممتداً من عهد الأب الأول الصفي آدم عليه الصلاة والسلام، إلى أن بعث الخاتم النبي الحبيب محمداً - صلى الله عليه وسلم -. "شرح عقيدة السفاريني". وفي "صبح الأعشى": وهاتان المسألتان من جملة ما كفروا به، بتجويز النبوة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي أخبر تعالى أنه خاتم النبيين، وقولهم أنها تنال بالكسب، وقد حكى الصلاح الصفدي في "شرح لامية العجم": أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إنما قتل عمارة اليمنى الشاغر حين قام في من قام بإحياء الدولة الفاطمية بعد انقراضها، على ما تقدم ذكره في الكلام، على ترتيب مملكة الديار المصرية، في المقالة الثانية، مستنداً في ذلك إلى بيت نسب إليه من قصيدة. وهو قوله: وكان مبدأ هذا الدين من رجل ... سعى فأصبح يدعي سيد الأمم فجعل النبوة مكتسبة. مأخذ التكفير أي دليله الذي أخذ منه وبنى عليه قد يكون ظنياً ونظيره العمل بالظن في حالة الجهاد إذا تردد في شخص أهو مسلم أم لا؟ ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعاً في كل مقام.

بل التكفير حكم شرعي، يرجع إلى إباحة المال، وسفك الدم، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارةًَ يدرك بيقين وتارة يظن غالب وتارةً يتردد فيه، ومهما حصل تردد فالوقف فيه عن التكفير أولى. "فيصل التفرقة". وقد يكون مدركه قياساً. وقد نقله في "اليواقيت" عن "وجيز الكردرى" أيضاً، وهذا لأن الكفر حكم شرعي، كالرق والحرية مثلاً، إذ معناه: إباحة الدم، والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي، فيدرك إما بنص،، وإما بقياس على منصوص. "فيصل التنفرقة". ومثله في "اليواقيت" عن الخطابي رحمه الله. قد يكون التكفير في التأويل وإن كان له وجه إذا كان مما فيه ضرر للدين) . وأما ما يظهر له ضرر فيقع في محل الإجتهاد والنظر، فيحتمل أن يكفر ويحتمل أن لا يكفر. "فيصل التفرقة".

قد يتردد النظر في تأويل: أله وجه أم لا؟ ويقضى فيه بالظن؟ ثم لا يبعد أن يقع الشك والنظر في بعض المسائل من جملة التأويل أو التكذيب، حتى التأويل بعيداً، ويقضى بالظن، وموجب الاجتهاد، فقد عرفت أن هذه مسألة اجتها. "فيصل التفرقة". قلت: قد تكون كلمة كفراً في حال، ولا تكون كفراً في حال آخر، وفي شخص لا في شخص، كمن قال: لا أحب الدباء، إن قال إظهاراً لقصوره، أو لبيان الواقع له، فليس بشيء، وإن قال حين روى الحديث، كصورة التهور من المساوى للمساوى بأقدام، وجهر صوت وجلادة وقلة مبالاة كفر، وعلى ذلك أكثر جزئيات "الفتاوي". راجع ما ذكره في المقدمة الثانية من "التحفة الإثنى عشرية" من باب التولي والتبرئ، وما ذكروه في القول بخلق القرآن فرقاً بين المتكلم وغيره. وفي مسألة استحلال الحرام لغيه فرقاً بين العالم والجاهل وحاصلة أن اختلاف الأحكام لاختلاف الأحوال، وقد أشار إليه السيوطي كما في "شرح الشفاء" والحافظ ابن تيمية في "بغية المرتاد". راجع النوع الثامن من المقصد السادس من "المواهب".

تنبيه

تنبيه اعلم أن أكثر من تكلم في مسألة التكفير أرجع إنكار المتواتر وتأويله إلى تكذيب الشارع، وإنه كفر والعياذ بالله، والذي يظهر - كما ذكره الحموي وابن عابدين في "رد المحتار"، والطحاوي في تعريف الكفر، من أن التكذيب عدم القبول لا نسبة الكذب، وكذا في "التلويح" - ـن الأمر لا يقتصر عليه، بل إنكار المتواتر، عدم قبول إطاعة الشارع، ولا في مرتبة الاعتقاد أيضاً، ورد للشريعة وإن لم يكذب، وهو كفر بواح بنفسه، قال في "الصارم المسلوم": وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعرق الله ورسوله بكل ما أخبر به، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك، ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق، وانفر عنه. فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن، مملو من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد اهـ. وقال: وقد قال الإمام أبو يعقوب اسحاق بن إبراهيم الحنطلي المعروف "بابن راهوية"، وهو أحد الأئمة، يعدل بالشافعي وأحمد: قد أجمع المسلمون أن من سب الله، أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو دقع شيئاً مما أنزل الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، أنه كافر، ذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله اهـ.

وقال في كتال الإيمان: وقال حنبل الحميدي قال وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم تكن جاحداً، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان مقراً بالفرائض، واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله، وسنة رسوله، وعلماء المسلمين. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء به إلخ. ونحوه في "شرح الشفاء" للخفاجي. وأما التأويل فهو استدراك على تحقيق الشارع، وإنه سطحي، وإنما التحقيق ما حققه المأول، وهذا كفر بلا ريب، فمن زعم أنه أعلم بالحقائق من الشارع في الشرع، ومباديه وغاياته، فهو كافر، ولو لم يخطر بباله كذبه - والعياذ بالله - فتأويل المتواتر ما لم يقم دليل قاطع عليه تجهيل للشارع، وإصلاح لخلل وقع منه، وهذا الاعتقاد لا يحتاج في التكفير به إلى وسط آخر، وهو بنفسه كفر، فإن الموضع إن كان من المتشابهات والنعوت الإلهية فلا يمكن أوفى من تعبيره، ولا أحسن، وكذا في غيره، فلايجوز الإستدراك عليه بحال إلا بيان المراد في المتشابه على سبيل الاحتمال، وفيه خطر أيضاً، فالتفويض أسلم، واما المتواتر المكشةف المراد، فصرفه عن ظاهره كفر، ولابد، وفي التنزيل: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} . وهذا والله ورسوله أعلم، وعلمه وعلم رسوله أتم وأحكم.

ولنجعل: ختام الكلام كلاما لختام المحدثين شيخ مشائخنا الشاه عبج العزيز بن ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي قدس الله سره العزيز

ولنجعل: ختام الكلام كلاماً لختام المحدثين شيخ مشائخنا الشاه عبج العزيز بن ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي قدس الله سره العزيز، فإنه كلام خرج من مشكاة السنة وفقه النفس: مسألة: قال في "شرح العقائد": والجمع بين قولهم: لا يكفر أحد من أهل القبلة، وقولهم: يكفر من قال بخلق القرآن، أو استحالة الرؤية، أو سب الشيخين، أو لعنهما، وأمثال ذلك مشكل انتهى. وقال المدقق شمس الدين الخيالي في "حاشيته": قوله: ومن قواعد أهل السنة أن لا يكفر، معنى هذه القاعدة: أن لا يكفر في المسائل الاجتهادية، إذ لانزاع في تكفير من أنكر ضروريات الدين. ثم إن هذه القاعدة للشيخ الأشعري، وبعض متابعيه، وأما البعض الآخر فلم يوافقوهم، وهم الذين كفروا المعتزلة، والشيعة، في بعض المسائل، فلا احتياج إلى الجمع لعدم اتحاد القائل انتهى. ولا نخفى أم الجواب الأول تخصيص وتقييد للكرم بلا دليل، والجواب الثاني مبني على اختلاف القائلين بالقولين، وهو خلاف للواقع، بل القائلون بتلك القاعدة هم الذين يكفرون بخق القرآن، وسب الشيخين، وقدم العالم، ونفي العلم بالجزئيات، إلى غير ذلك, قال السيد في "شرح المواقف": أعلم أن عدم تكفير أهل القبلة موافق لكلام الشيخ الأشعري والفقهاء، كما مر، لكنا إذ فتشنا عقائد فرق الإسلاميين، وجدنا منها ما يوجب الكفر قطعاً، كالعقائد الراجعة إلى وجود إله غير الله سبحانه، أو إلى حلوله في بعض أشخاص الناس، أو إلى إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -،

أو إلى ذمه، أو إستخفافه، أو إلى استباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات الشرعية انتهى. بل التحقيق أن المراد "بأهل القبلة" في هذه القاعدة: هم الذين لا ينكرون ضروريات الدين، لا من يوجه وجهه إلى القبلة في الصلاة. قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلخ فمن أنكر ضروريات الدين لم يبق من أهل القبلة، لأن ضروريات الدين منحصرة عندهم في ثلاثة: مدلول الكتاب بشرط أن يكون نصاً صريحاً لا يمكن تأويله، كتحريم الأمهات، والبنات، وتحريم الخمر والميسر، وإثبات العلم والقدرة والإرادة، والكلام له تعالى، وكون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مرضيين عند الله تعالى، وأنه لا يجوز إهانتهم، والاسخفاف بهم. ومدلول السنة المتواترة لفظاً أو معنى، سواء كان من الاعتقاديات أو من العمليات، وساء كان فرضاً أو نفلاً، كوجوب محبة أهل البيت من الأزواج والبنات، والجمعة والجماعة، والأذان والعيدين. والمجمع عليه إجماعاً قطعياً، كخلافة الصديق والفاروق، ونحو ذلك. ولا شبهة أن من أنكر أمثال هذه الأمور لم يصح إيمانه بالكتاب والنبيين، إذ في تخطئة الإجماع تضليل لجميع الأمة، فيكون إنكاراً لقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ولقوله تعالى - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجتمع أمتي على الضلالة"، وهو متواتر معنوي، فلا يكون منكر هذه الأمور من أهل القبلة، وقد عرف بعضهم ضروريات الدين بأنها أمور يشترك في

معرفتها المتدين بدين الإسلام، وغير المتدين به، - لكن في الكتب اللتي رأينا أنها ما يشترك في معرفته الخاص والعام. وبالجملة قولهم: لا نكفر أحداً من أهل القبلة، كلام مجمل باق على عمومه، لكن له تفصيل طويل، والشأن في معرفة من هو من أهل القبلة ومن ليس منهم، نعم بعض الفقهاء قد بالغوا في تكفير من ينكر بعض المسائل الإجتهادية المشهورة عند قوم دون قوم، كحرمة لبس المعصفر، ونحو ذلك، وهو مذهب ركيك جداً. وأما من فرق بين الأصول والفروع فكفر في إحداهما دون الأخرى، فإن أراد نفس الأعمال فنعم ومرحبا، وإن أراد اعتقاد وجوبها وسنيتها فلا، إذ لا شبهة في أن من أنكر وجوب الزكاة، أو وجوب الوفاء بالعهد، أو وجوب الصلوات الخمس، أو كون الأذان مسنوناً فقد كفر، كما يدل عليه قتال مانعي الزكاة في صدر الإسلام، نعم في بعضها يكون كفراً تأويلياً، لكن التأويل غير مسموع في أمثال هذه الأمور الجلية، كما لم يسمع تأويل مانعي الزكاة متمسكين بقوله تعالى: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وكما لم يسمع تأويل الحرورية في إنكار التحكيم، متمسكين بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} . وأما التكفير بخلق القرآن، أو إنكار الرؤية، أو إنكار العلم بالحزئيات على الوجه الجزئي مع القول بثبوت العلم علة وجه كلي، فلا ينبغي الإقدام عليه إذ ليس مخالف هذه الأحكام منكراً منصوصاً جلياً، لا في الكتاب، ولا في السنة المتواترة. هذا والله تعالى أعلم - يريد الكيفية لا الأصل، كما صرح به في موضع آخر من ص - 93 ج - 2. ويريد بالخلق الحدوث لا الإنفصال. فإن قيل: ما الدليل على أن المراد من "أهل القبلة" هم المصدقون

بجميع ضروريات الدين، أي دلالة بلفظ أهل القبلة؟ قلنا: الدليل عليه أن الكفر يتقابل الإيمان تقابل العدم والملكة، إذ الكفر عدم الإيمان، والمتقابلان بالعدم والملكة لا يكون بينهما واسطة بالنظر إلى خصوص الموضوع، وإن أمكن بينهما واسطة بالنظر إلى الواقع، كالعمى والبصر، فإن الذي من شأنه البصر لا يخلو عن أحدهما، ولا شبهة أن الإيمان مفهومه الشرعي المعتبر به في كتب الكلام، والعقائد، والتفسير، والحديث هو: تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به ضرورة عما من شأنه ذلك، ليخرج الصبي والمجنون والحيوانات. والكفر عدم الإيمان عما من شأنه ذلك التصديق، فمفهوم الكفر هو عدم تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به ضرورة، وهو بعينه ما ذكرنا من أن من أنكر واحداً من ضروريات الدين اتصف بالكفر، نعم عدم التصديق له مراتب أربع، فيحصل للكفر أيضاً أقسام أربعة: الأول: كفر الجهل، وهو تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحاً فيما علم مجيئه به مع العلم - أي في زعمه الباطل - بكونه عليه السلام كاذباً في دعواه، وهذا هو كفر أبي جهل وأضرابه. والثاني: كفر الجحود والعناد، وهو تكذيبه مع العلم بكونه صادقاً في دعواه، وهو كفر أهل الكتاب، لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} وكفر إبليس من هذا القبيل. والثالث: كفر الشك، كما كان لأكثر المنافقين. والرابع: كفر التأويل، وهو أن يحمل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على غير محمله، أو على التقية، ومراعات المصالح، ونحو ذلك.

استفتاء

ولما كان التوجه إلى القبلة من خواص معنى الإيمان سواء كان شاملة أو غير شاملة عبروا عن الإيمان بأهل القلبة، كما ورد في الحديث: "نهيت عن قتل المصلين" والمراد المؤمنين، مع أن نص القرآن على أن أهل القبلة هم المصدقون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما علم مجيئه به، وهو قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} فبيتأمل. "فتاوى عزيزى". وما ذكره من أقسام الكفر، ذكره في "معالم التنزيل" وغيرها، كذلك تحت قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} الآية. و"نهاية ابن الأثير". استفتاء سؤال: زيد در معنى حديث شريف توجيهات واهية وركيكة كه مفضى بطرف انكار مى شود مى كند، هو هـ بموجب مسائل فقهي برو كناه لازم مى***************

ومن إخراج الملحدين من المساجد ومنعهم من دخولها

************ ومن إخراج الملحدين من المساجد ومنعهم من دخولها ما في التفاسير من "روح المعاني" وغيره تحت قوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} أخرج ابن أبي حاتم والطبراني في "الأوسط" وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة خطيباً، قال: قم يا فلان فاخرج فإنك منافق، أخرج يا فلان فإنك

منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم إلخ". وفي رواية ابن مردويه عن أبي مسعود الأنصاري: أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام في ذلك اليوم، وهو على المنبر ستة وثلاثين رجلاً إلخ". ونحوه عند ابن كثير. وذكر ابن اسحق في "سيرته" أسماء المنافقين بحيث امتاز المجرمون ثم قال: وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيسمعون أحاديث المسلمين ويسخروم منهم، ويستهزؤون بدينهم، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً إلخ. بل ثبت الأمر بالقتل في حالة الصلاة لمن جاء فيه أن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين، أخرجه أحمد في "مسنده"، وسنده جيد، ذكره الحافظ في "الفتح" قال: وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى، ورجاله ثقات إلخ. بل ثبت الأمر بالقتل - ولو في المسجد الحرام - لابن أبي سرح وغيره،

ومكان ابن سرح قد قال: إن كان أوحى إلى محمد فقد أوحى إلي. وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} الآية وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} . ولو بنوا مسجداً لم يصر مسجداً، ففي "تنوير الأبصار" من وصايا الذمي وغيره-: وصاحب الهوى إذا كان لا يكفر فهو بمنزلة المسلم في الوصية، وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد. فذلكة: كان وضع هذه الرسالة في أن التصرف في ضروريات الدين، والتأول فيها، وتحويلها إلى غير ما كانت عليه، وإخراجها عن صورة ما تواترت عليه كفر، فإن ما تواتر لفظاً أو معنى، وكان مكشوف المراد، فقد تواتر مراده، فتأويله رد للشريعه القطعية، وهو كفر بواح، وإن لم يكذب صاحب الشرع، وإنه ليس فيه إلا الإستتابة، ومن زعم أنه لابد من إلقاء اليقين في قلبه وإئلاج صدره، فإذا عاند بعد ذلكفقد كفر، وإلا فلا، فإن ذلك الزاعم لم يضع للدين حقيقة تارة، وإنما جعله يدور مع الخيال، كيفما دار، وهذا باطل قطعاً، فإن الأمر فيكا ثبت ضرورة مفروغ عنه، فمن آمن به فقد دان بدين الله، ومن أنكره فقد كفر، وإن لم يقصد الكفر، وإنما الدور مع الظن في المحل المجتهد فيه، ولا في غيره، فكما أن في باب إنكار الحقائق عنادية وعندية ولا أدرية وشاكة في الشك، فكذلك هذه الأقسام في إنكار الضروريات، وكلها

كفر، ومن قال أن الجهل بكون الكلمة كفراً عذر، أراد في غير الضروريات، كما قد نبهنا عليه في الأمر الثالث من عبارات "فتح الباري"، ومر عن "الأشباه والنظائر"، و"حاشيته"، وبعد هذا فقد قال في "الخلاصة": ومنها أنه من أتى بفلظة الكفر، وهو لم يعلم أنها كفر، إلا أنه أتى بها عن اختيار، يكفر عند عامة العلماء خلافاً للبعض، ولا يعذر بالجهل إلخ. وفي "مجمع الأنهر" مستدركاً على "البحر": لكن في "الدرر": وإن لم يعتقد: أو لم يعلم أنها لفظة الكفر، ولكن أتى بها عن اختيار، فقد كفر عند عامة العلماء، ولا يعذر بالجهل إلخ. وعزاه في "الدرر" من الكراهية، والاستحسان "للمحيط". وهذا الخلاف في غير الضروريات. وأما هي فليس فيها إلا الإستتابة، قال في "فتح الباري": وقد وقع في حديث معاذ: " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسله إلى اليمن قال له: أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها" وسنده حسن إلخ. ونقله في "تخريج الهداية" عن "معجم الطبراني" في المسألة الثانية بالاستتابة فقط، وهو مذهب أصحابنا في المرأة، أو يجمل على السابة، فقد صرح في "الرد" من آخر الجزية عن محمد رحمه الله تعالى بقتلها، قال ناقلاً عن "الذخيرة": واستدل محمد لبيان قتل المرأة بما روى أن عمير ابن عدى لما سمع عصماء بنت مروان تؤذي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقتلها ليلاً، مدحه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك انتهى فليحفظ. وكما نقله الزيلعي نقله في "الكنز".

فالله أعلم. عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر - رضي الله عنه - كتب إلى علي - رضي الله عنه - يسأله عن مسلمين تزندقا اهـ: فكتب إليه علي - رضي الله عنه -: أما اللذان تزندقا فإن تاب وإلا فاضرب أعناقهما. "الشافعي ش ق كنز". وذكره في "تخريج الهداية" من موت المكاتب وعجزه، فلم يذكر إلا الإستتابة، وليس في طوق البشر إلا ذلك، وهو ما في الصحيح عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء" الحديث - إلى أن قال -: "فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه، ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساًَ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به اهـ". فذكر القبول وعدمه، وذلك من جانب الناس لا إلقاء اليقين، بحيث لا يتأتى بعده إلا العناد، وقد يقال: أنه بعد ذلك عناد، وإن لم يقصده الجاحد. باران كه در لطافت طبعش خلاف نيست در باغ لاله رويد ودر شوره بوم خس وقال في "تحرير الأصول" في منكر الرسالة بعد ما تواتر ما يوجب النبوة: فلذا لا تلزم مناظرته؛ بل إن لم يتب المرتد قتلناه اهـ. وبالجملة لا يلزم أزيد من التبليغ كما في الجهاد مع الكفار، وتلك المسألة مروية عنم الأئمة، ففي "الصارم": ويدل على المسألة ما روى أبو ادريس قال: أتى علي - رضي الله عنه - بناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام فسألهم، فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، قال: فقتلهم، ولم يستتبهم، قال:

وأتى برجل كان نصرانياً وأسلم ثم رجع عن الإسلام، قال: فسأله فأقر بما كان منه فاستتابه فتركه، فقيل له: كيف تستتيب هذا ولم تستتب أولئك قال: إن هذا أقر بما كان منه، وإن أولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة فلذلك لم استتبهم، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وروى عن أبي ادريس قال: "أتى علي - رضي الله عنه - برجل قج تنصر فاستتابه، فأبى أن يتوب، فقتله، وأتى برهط يصلون إلى القبلة، وهم زنادقة، وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول، فجحدوا وقالوا: ليس لنا إلا دين الإسلام، فقتلهم ولم يستتبهم، ثم قال: أتدرون لم استتب هذا النصراني؟ استتبته لأنه أظهر دينه، وأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينخ وجحدوني، فإنما قتلهم لأنهم جحدوا، وقامت عليهم البينة" فهذا من أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - بيان أن كل زنديق كتم زندقته وجحدها حتى قامت عليه البينة قتل ولم يستتب. فإن قيل: لا يليق بعدل الباري تعالى المؤاخذة قبل التعجيز بالحجة. قيل: ولا بعد التعجيز، إذ يبقى لم لم يوقفهم للهداية؟ ومثل هذه وساوس يستعاذ منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فكان موضوع الرسالة ما ذكرنا. لكت في أثناء التأليف أنجر البحث عند الكلام في مسألة التأويل إلى نقول أخر، والشيء بالشيء يذكر، فأنضم إليها أطراف وذيول، لعلها تفيد الناظرين، فليس من الدين أن يكفر مسلم، ولا أن يغمض عن كافر، والناس في هذه المسألة في هذا العصر على طرفى نقيض، ولقد صدق من قال: إن الجاهل إما مفرط وإما مفرط، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهذا آخر الرسالة وختام المقالة

وهذا آخر الرسالة وختام المقالة، وما أريدت بها إلا دعوة صالحة من طلبة العلم، بحسن العاقبة، وخير الخاتمة، لمؤلفها الأحقر الأفقر محمد أنور شاه، ابن معظم شاه، ابن الشاه عبد الكبير، ابن الشاه عبد الخالق، ابن الشاه محمد أكبر، ابن الشاه حيدر، ابن الشاه محمد عارف، ابن الشاه علي، ابن الشيخ عبد الله، ابن الشيخ مسعود الزورى الكشميري، رحمهم الله تعالى. وفي "المكتوبات الخطية" عند خلف الشيخ: أن سلفه جاؤا من بغداد إلى الهند، ودخلوا ملتان، ثم ارتحلوا إلى بلدة لاهور، ثم إلى الكشمير والله أعلم. وقد وقع الفراغ من جمع هذه الرسالة في أسابيع من سنة 1343 هجرية ألف وثلثمائة وثلاث وأربعين من الهجرة - صلى الله عليه وسلم -. * * *

تنقيصه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام

وهذه نبذة من نفثات صدر ذلك الملحد، وكلمات كفره مما أوحى إليه شيطانه واستهوى به قرينه مما فاق به كل كافر وزنديق، يدعي دعاوى بسيطة عاطلة، مع غاية جهله، وقلة فهمه، حتى إنه لا يستطيع تلفيق عبارة صحيحة في الفارسية، فكيف بالعربية؟ ويزعمها حقائق، وهي في الحقيقة بقايق، انتخبها مولانا السيد مرتضى حسن، وترجمها المولوى محمد شفيع الديوبندى، فلينظر الناظر فيها، هل غادر فيها كفراً لم يأته كلا ثم كلا. بسم الله الرحمن الرحيم تنقيصه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام (1) قد ذكرت العيسوية له - (أي لعيسى عليه السلام) - معجزات كثيرة، والحق أنه لم تظهر عنه معجزة. (كذا في "حاشية ضميمة أنجام آتهم"، من مؤلفات مرزا ص 6)

(2) ثم من هو أطهر أرومة خؤلة وعمومة حيث كانت ثلاث من جداته الصحيحة وثلاث من جداته الفاسدة مومسات وبغايا، ومنهن طمه ودمه. - "حاشية ضميمة انجام آتهم" ص 7 - (3) ولعل مصاحبته بالبغايا وصبوه إليهن كان من جهة هذه القرابة النسبية ونزوع الحرق إليهن، وإلا فلا يتصور من رجل متق أن يدع مومسة تمس رأسه بيدها الخبيثة وتعطره بعطر اشترته من مهر البغاء، وتمس قدمه بشعرها. (حاشية "ضميمة أنجام آتهم" ص 7) 4- بل يحيى النبي أفضل منه (أي من عيسى) فإنه لم يكن يشرب الخمر ولم تسمع بغي عطرت رأسه بعطر من مالها الخبيث، أو ماست بدنه بيدها، أو شعر رأسها، أو استخدم امرأة أجنبية قط، ولذلك سماه تبارك وتعالى في القرآن حصورا دون

المسيح فإن أمثال هذه الأمور كانت مانعة من هذه التسمية، فإلى من يشتكى أن عيسى عليه السلام قد كذب في ثلاث من أخباره المستقبلة كذباً صريحاً. ("إعجاز أحمدي" ص - 13 و14) (5) ولما كان عيسى بن مريم يتنجر مع أبيه يوسف إلى اثنين وعشرين سنة إلخ. ("إزالة الأوهام" ص 125) (6) وليتنبه أن هذا العمل ليس بذي بال، كما زعمه العوام، ولولا إبائي واستقذاري لمثل هذه الأعمال لم أكن بفضل الله وتوفيقه أحط رتبة من عيسى بن مريم في هذه الشعبذات والنيرنجيات. ("إزالة الأوهام" ص 127) (7) ولهذا كان المسيح يشفي من الأمراض الجسمانية بهذا العمل،

وأما دفع الامراض القلبية وتقرير الهداية والتوحيد والأحكام الدينية في القلوب فلم يكن يهتدي إليه، كأنه لم يظفر بشيء منه. ("إزالة الأوهام" ص 128) (8) وبالجملة فكانت تلك المعجزة من قبيل اللعب والشعبذة، وكان الطين يبقى على حقيقته طيناً، كعجل أخذه السامري من زينة القوم (إزالة الأوهام كلان ص 33) (9) قد بعث الله تعالى في هذه الأمة مسيحاً أفضل وأرفع في جميع الكمالات عن المسيح السابق، وسماه غلام أحمد. ("دافع البلاء" ص 13) (10) بعث الله تعالى في هذه الأمة مسيحاً أفضل من المسيح الأول في جميع الكمالات، والذي نفسي بيده لو كان عيسى بن مريم في زمان أنا فيه لما استطاع عملاً مما عملته، ولم يكد يظهر المعجزة التي ظهرت مني. ("حقيقة الوحي" ص 148)

(11) ولما جعل الله ورسوله وسائر أنبيائه مسيح آخر الزمان - يعني نفسه - أفضل وأكمل من مسيح ابن مريم فذهب ما يقال أنك كيف تفضل نفسك على المسيح ابن مريم ولم يبق إلا وسوسة شيطانية. (حقيقة الوحي ص 55) (12) ومريم، وما أدراك ما شأن مريم، وهي التي حصرت نفسها من النكاح برهة من الزمان، ثم حملت فألحت عليها زعماء قومها خشية العار، فتزوجت بيوسف النجار، وبقي الناس يشنعون عليها، أنها كيف نكحت وهي حامل على خلاف حكم التوراة، وكيف نقضت عهد التبتل ولم سنت في الناس سنة تعدد الأزواج، وذلك لأنها نكحت بيوسف النجار، وله زوج غيرها من قبل، هذا ما قالت الناس فيها، وإني لا أظنه إلا اضطراراً منهم خشية العار من أجل حمل مريم، فهم بالترحم أحرى من التلاوم.

دعوى النبوة لنفسه والجحود عن ختم النبوة

("كشتي نوح" ص 16) (13) كان لليسوع - يعني عيسى بن أربع إخوة، وأختان من أب وأم حيث كانوا كلهم أولاد يوسف النجار ومريم. ("حاشية كشتي نوح" ص 16) (14) كنت أعتقد في أوائل أمري أني لا ألحق بغبار عيسى بن مريم في الفضائل والكمالات، كيف وهو نبي ومن أجل المقربين عند الله تعالى، وكلما بدا لي ما يفضلني عليه جعلته فضيلة جزئية، إلا أن الوحي الإلهي الذي صاب على كوابل المطر بعده لم يتركني على تلك العقيدة، وأعطيت النبوة صراحة بلا خفاء. ("حقيقة الوحي" ص 149 - 150) دعوى النبوة لنفسه والجحود عن ختم النبوة (1) {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا}

زعم أن هذه الآية الكريمة نزلت في حقه ("حقيقة الوحي ص 107") فلعنة الله على الكاذبين. (2) يس {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} - تفوه أنها نزلت في شأنه ("حقيقة الوحي" ص 107) (3) ادعى أنه نزل فيما أوحى إليه قوله: إنا أرسلنا أحمد إلى قومه، فأعرضوا عنه وقالوا: كذاب أشر. (أربعين ص 333) (4) فكلمني وناداني وقال: إني مرسلك إلى قوم مفسدين، وإني جاعلك للناس إماماً، وإني مستخلفك إكراماً، كما جرت سنتي في الأولين. قال: إنه أوحى إليه. ("أنجام آتهم" ص 79) (5) قد ذكر في الوحي الإلهي في شأني مراراً أن هذا رسول الله ومأموره، وأمينه، قد جاءكم من الله

فآمنوا بكل ما يقول، وعدوه من أهل النار (أنجام آتهم ص 62) (6) وإذا كان عقيدتي وإيماني على ما أوحي إلى مثل الإيمان على "التوراة" و"الإنجيل" و"القرآن الكريم" فكيف يرجى مني أن أترك إذعاني لظنونهم بل مخترعاتهم. ("أربعين ص 4 و19) . (7) الكفر على قسمين أحدهما أن يجحد الرجل عن الإسلام، أو نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والثاني أن يجحد المسيح الموعود - يعني نفسه - ويكذبه مع سطوع الحجج على صدقه، وهو الذي حرض الله ورسوله على تصديقه وقد ورد التأكيد به في كتب الأنبياء السابقين، فهو كافر جاحد لله ورسوله وإن أمعنت النظر وجدت كلا القمين واحداً (حقيقة الوحي ص 179) (8) ولينتبه أن تكفير المنكرين من خواص الأنبياء الذين جاؤا بشريعة

جديدة وأحكام ناسخة، وأما من سواهم من الملهمين والمحدثين فلا يكفر أحد بجحوده وإن بلغ من شرف المكالمة الإلهية على أقصى غاياته، (حاشية ترياق القلوب ص 130) فهذه العبارة واللتي قبلها إذا ضممتها انتجت لك أن - المرزا - صاحب شريعة جديدة ناسخة للتي قبلها، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} . (9) واعلموا أن الله تعالى أوحى إلى حرام عليك أن تصلي خلف من يكفرك ويكذبك، أو هو مذبذب في أمرك ولم يؤمن بك وليكن إمامكم منكم ("تحفة كولرويه" ص 18) (10) سأله بعض حواريه: هل نصلي خلف من لم تبلغه دعوتكم فهو لا يدري أحوالكم ولا يؤمن بكم؟ قال المررا: عليكم أن تبلغوه أولاً دعوتي، فإن آمن وإلا فلا تبطلوا صلواتكم خلفه، سأل السيد عبد الله العربي لعشرة وكذلك من توقف في أمري لم يصدق ولم يكذب فلا تصلوا خلفه فإنه منافق ("فتاوى أحمديه" ص - 52 ج - 1)

(11) سأل السيد عبد الله العربي لعشرة سبتمبر 1901 إني راجع إلى وطن العرب فهل أصلي خلفهم أم لا؟ قال: لا تصل خلف أحد غير المؤمنين بنا، فقال السيد العربي: إنهم لم يطلعوا على أحوالك: ولم تبلغهم دعوتك؟ قال المرزا: فإذن عليك أن تبلغهم دعوتي حتى يكونوا إما مصدقين أو مكذبين إلخ. ("فتاوى أحمدية" ص - 18 ج 1) (12) إذا افترقت الأمة المحمدية على الفرق الكثرة، ولد إبراهيم في آخر الزمان ولا ينجو من أولئك الفرق كلها إلا من تبعه. "أربعين" (نمبر 3 ص - 32) (13) ألجئنا بنص القرآن إلى أن نؤمن بكون آخر الخلفاء من هذه الأمة، وأنه يجئ على قدم عيسى بن مريم، ولا يمكن لمؤمن جحوده، فإنه جحود القرآن، ومن فعله فهو في العذاب المقيم أينما كان. ("سيرة الأبدال" ص 41) (14) وكيف أترك الوحي الإلهي الذي تواتر على في ثلاث وعشرين

سنة؛ إني أؤمن بهذا الوحي مثل ما أؤمن بوحي سائر الأنبياء من قبلي. ("حقيقة الوحي" ص - 150) (15) وأحلف بالله العظيم أني أؤمن بهذه الإلهامات كما أؤمن بقرآنه وسائر على أنه كلام الله كما أذعن أن القرآن كلامه. ("حقيقة الوحي" ص 311) (16) الحق أن الوحي القدسي الذي ينزل على توجد فيه ألفاظ الرسول والمرسل والنبي وأمثاله في شأني غير مرة، بل قد كثرت هذه الألفاظ في هذه الأيام بأبلغ تصريح وتوضيح، وكذلك أمثال هذه الألقاب غير قليلة في "البراهين الأحمدية" التي مضى على طباعته اثنان وعشرون سنة، ومن جملة المكالمات الإلهية التي قد شاعت في "البراهين الأحمدية" هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} كذا في "البرهين الأحمدية" ص 498. ففي هذه الوحي سميت باسم

الرسول بصراحة ووضاحة (ضميمة "حقيقة النبوة" ص - 261) (17) ثم في هذا الكتاب ذكر قريباً من الوحي المذكور هذا الوحي: محمد رسول الله، والذين معه أشداء على في الكفار، رحماء بينهم، تراهم إلخ ففي هذا الوحي الإلهي سميت محمداً رسولاً (ضميمة "حقيقة النبوة" ص 261 وص 262 "ايكب غلطي كا إزاله") (18) وإني كما أؤمن بآيات القرآن المجيد، كذا من غير فوق ذرة أؤمن بما أنزل على من الوحي الذي تبين لي صدقة بآيات متواترة وإني لو أردت لأقسمت في جوف الكعبة أن الوحي المطهر الذي ينزل علي هو كلام الإله الحق الذي أنزل كلامه على موسى وعيسى ومحمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، قد شهدت لي الأرض والسماء وكذلك نطقت لي السماء والأرض أني خليفة الله غير أنه كان مقدراً عند الله أن أكذب كما قد ورد في

ادعاء المعجزات لنفسه والتفضيل على الأنبياء والاستخفاف بشأنهم

"الوحي الآلهي". ("أيكب غلطي كا إزاله" نقلاً عن ضميمة "حقيقة النبوة" ص 264) (19) ثم إني - بفضل الله تعالى - لا يجدي وسعي - قد وجدت حظاً وافراً من النعمة عند الله تعالى. ("حقيقة الوحي" ص 62) ادِّعاء المعجزات لنفسه والتفضيل على الأنبياء والاستخفاف بشأنهم (1) فإن قيل: أني تلك المعجزات ههنا؟ قلت: إني على كل ذلك قادر، بل قلما ظهر على يد أحد من الأنبياء مثل ما ظهر على من المعجزات لتصديق دعوتي بفضل الله تبارك وتعالى ("حقيقة الوحي" ص 136) (2) بل الحق الذي لا يعتريه شك أنه فجر بحراً ذخاراً من المعجزات بحيث لا يمكن ثبوتها من سائر الأنبياء عليهم السلام قطعاً ويقيناً، سوى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد أتم الله تعالى حجته فمن

شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. (تتمة "حقيقة الوحي" ص 136) (3) والله تعالى قد أظهر لي آيات كثيرة لو ظهرت لقوم نوح ما كانوا ليغرقوا. (تتمة "حقيقة الوحي" ص 137) (4) والذي نفسي بيده هو الذي بعثني، وسماني نبياً ودعاني باسم المسيح الموعود، وأظهر لتصديق دعوتي آيات عظيمة تبلغ ثلاثمائة ألف، وقد ذكرت نبذة منها في هذا الكتاب. (تتمة "حقيقة الوحي" ص 68) (5) الأخبار عن المغيبات التي ذكرت في هذه السطور تشتمل على آيات جلية فيصلة تنيف على عشر مائة ألف. ("براهين أحمدية" ص 56) (6) والذي نفسي بيده لو قامت شهود آياتي العظام التي ظهرت لتصديق دعوتي في صعيد واحد لما استطاع أحد من ملوك الأرض أن يكافئهم بأفواجه

ادعاء النبوة مع الشريعة الجديدة لنفسه

وجنوده. ("براهين أحمدية" ص 3) (7) فواعجباً لخصومي يشنعون على بما يمرقون به من الإسلام، ولو كان في قلوبهم تقوى لما قالوا على ما يشمل الأنبياء من قبلي. ("إعجاز أحمدي" ص 5 و6) (8) وعلى هذا فليس في قلوبهم من الإيمان نقير ولا قطمير، فإنه ليس لي من الله معاملة إلا وفيها شركاء من الأنبياء السابقين، فكل قدح يقدحون به في أمري، لابد أن يرد على نبي من الأنبياء السابقين. (تتمه "حقيقة الوحي" ص 128) ادِّعاء النبوة مع الشريعة الجديدة لنفسه (1) قد قيل لي أن بشارتك مذكورة في القرآن وما مصداق هذه الآية إلا أنت هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. ("إعجاز أحمدي" ص 7)

(2) هو الله الذي أرسل رسوله يعني نفسه بالهدى ودين الحق وتهذيب الأخلاق. (أربعين نمبر 3 ص 36) (3) فإن قلت: إن كل مفتر على الله بنبوة لا يهلك بافترائه، بل من ادعى الشريعة خاصة، قلنا: أولاً أن هذه دعوى بلا دليل فإن الله تعالى لم يقيد وعيد الإهلاك لأجل الإفتراء بقيد الشريعة، ولو سلمنا فليست الشريعة إلا من أوتى في وحيه أوامر ونواهي وأخذ به لأمته قانوناً فخصمنا ملزم لهذا التعريف أيضاً فإني صاحب الشريعة بهذا المعنى، ألا ترى أني أوتيت في الوحي أوامر ونواهي، ومن جملتها قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} إلخ. وهذا الوحي قد اندرج في "البراهين الأحمدية" وفيه أمر ونهي، وقد مضت عليه ثلاث وعشرون سنة، وكذلك في عامة ما يوحي إلى يكون أمر ونهي.

وإن قلت: إن المراد من الشريعة هي التي فيها أحكام جديدة. قلنا: باطل، فإن الله تعالى قال: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} وحاصله أن التعليم القرآني موجود في التوراة أيضاً. وإن قلت: إن الشريعة هي التي تستوفي الأوامر والنواهي كلها، فهو أيضاً باطل، فإنه لو كانت الأحكام الشرعية برمتها مستوفاة في "التوراة" أو "القرآن المجيد" لما بقى للاجتهاد موضع ("أربعين نمبر 4 ص 6") (4) من جاء من الله حكماً فله أن يأخذ من ذخيرة الأحاديث ماشاء، بعلم من الله، ويرد ماشاء. (حاشية "تحفه كولروية" ص 10) (5) نقول: فعليهم أن يبيلوا ما معنى لفظ الحكم الوارد في شأن المسيح الموعود المروي في "صحيح البخاري" ونحن نعلم بيقين أن الحكم هو الذي يقبل حكمه لرفع الاختلاف، وتكون فيصلته ناطقة نافذة، وإن جعل

ادعاء المساواة بل الأفضلية على نبينا صلى الله عليه وسلم العياذ بالله

ألفاً من الأحاديث موضوعة. ("إعجاز أحمدي" ص 29) (6) ونحن نقول في جوابه: نقسم بالله أن الأحاديث ليست بأساس دعوى، بل القرآن والوحي الذي ينزل على نذكر للتأييد أحاديثاً تكون مطابقة للقرآن، ولم تكن معارضة لما أوحى إلى، وماسوى ذلك من الأحاديث فننبذه نبذ الأنجاس والأقذار - العياذ بالله -. ("إعجاز أحمدي" ص 30) ادِّعاء المساواة بل الأفضلية على نبينا صلى الله عليه وسلم العياذ بالله (1) والحاصل أن نبوتي ورسالتي من حيث أني محمد وأحمد لا من نفسي، وحصل لي ذلك كله بالفناء في الرسول، فلم يناقض مفهوم خاتم النبيين. (اشتهار "ايك غلطى كا ازاله" ص 262)

(2) ولكن من تلاشي في ذلك الخاتم النبيين بحيث أنه اتسم باسمه لغاية الاتحاد ونفي الغيرية، وانعكس منه الوجه المحمدي كالمرآة الصافية، فإطلاق النبي عليه لا يفض خاتم النبوة، فإنه عين محمد ولو على سبيل الظلية (ضميمة "حقيقة النبوة" ص 263 "ايك غلطى كا ازاله") (3) فبرعاية واسطة محمد المصطفى سميت بمحمد وأحمد فأنا رسول ونبي. ("ايك غلطى كا ازاله" ضميمة "حقيقة النبوة" ص 265) (4) ولهذا الوجه يبقي خاتم النبيين محفوظا، فإني سميت باسم محمد وأحمد من مرآة الصحبة على وجه الإنعكاس والظلية، ومن غاظه هذا الوحي الإلهي وإنه لم سماني نبياً ورسولاً، فهذا من غاية حمقه فإن بتسميتي نبياً ورسولاً لا يفض خاتم الله تعالى. (ضميمة "حقيقة النبوة" ص 265)

(5) وإني أقول أن تلقي بألقاب النبوة والرسالة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي هو خاتم النبيين في الحقيقة ليس مما يشنع عليه ولا يناقض ختميته - صلى الله عليه وسلم - فإني قد ذكرت مراراً أني على موجب قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} عين محمد الخاتم النبيين على وجه البروز، والله تعالى قد سماني نبياً ورسولاً في "البراهين الأحمدية" قبل هذا بعشرين سنة، وجعلني عين وجوده - صلى الله عليه وسلم - فبهذا الوجه لم تتزلزل خاتميته - صلى الله عليه وسلم - بنبوتي فإن الظل لا ينفصل عن ذي الظل. (ص 265) (6) ولما صرت عين محمد - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الظلية والبروز فلم يفض خاتم النبيين فإن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - على هذا بقيت محدودة في نفسه ولم يتنبأ غير محمد - صلى الله عليه وسلم - (ص 366) (7) ولما صرت البروز المحمدي الذي كان موجوداً من قديم أعطيت

النبوة البروزية، وأما تلك النبوة فسائر المخلوقات في جنبها عاجزة فإنها قد ختمت. (ضميمة "حقيقة النبوة" ص 268) (8) كان مقدراً أن يبرز لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بروز فقد برز والآن لم يبق للاستنباط من منبع النبوة سبيل غيره. (كتاب مذكور ص 268) (9) وعلى هذا قد سماني تبارك وتعالى مراراً بالنبي والرسول، ولكن على سبيل البروز، بحيث يرتفع نفسي من الدين، ولا يبقى إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - فبهذا لقبت بمحمد وأحمد، فلم تذهب النبوة والرسالة إلى غير محمد - صلى الله عليه وسلم - بل بقى أمر محمد عند محمد نفسه - صلى الله عليه وسلم - (ضميمة ص 269) افترى على الله أن هذه الآيات نزلت في شأنه. (10) {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (ضميمة "حقيقة الوحي" ص 79)

(11) {دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 86) (12) {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 81) (13) {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 81) (14) آترك الله على كل شيء. (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 83) (15) نزلت سرر من السماء ولكن سريرك وضع فوق كل سرير. (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 83) (16) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (خاتم الاستفتاء، ضميمه "حقيقة الوحي" ص 84) (17) سبحانك الله درا فاك. (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 85)

(18) لولاك لما خلقت الأفلاك. (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 85) (19) {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (ضميمه "حقيقة الوحي" ص 86) (20) أراد الله أن يبعثك مقاماً محمودا (الاستفتاء ص 86) (21) {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (حقيقة الوحي ص 80) (22) قال في تصنيفه ("تحفه كولروية" ص 40) : إن معجزاته - صلى الله عليه وسلم - بلغت ثلاثة آلاف، وادعي لنفسه في الجزء الخامس من (البراهين الأحمدية ص 56) عشر مائة ألف فانظر كيف فضل نفسه على نبينا - صلى الله عليه وسلم - بتكثير المعجزات أية كثرة. (نعوذ بالله من هذه الكفريات القبيحة) (23) له خسف القمر المنير وإن لي خسفا القمران المشرقان أتنكر (اعجاز أحمدي ص 71)

(24) وظاهر أن زمان الفتح المبين قد انقضى في عهده - صلى الله عليه وسلم - وبقى فتح آخر أبين منه غلبة ونصرة، وقد قدر ان يكون زمانه زمان المسيح الموعود، وإلى هذا أشير في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} . ("سيرة الأبدال" ص 193) (25) إن الله خلق آدم وجعله سيداً وحاكماً وأميراً على كل ذي روح من الإنس والجان كما يفهم من آية اسجدوا لآدم ثم أذله الشيطان وأخرجه من الجنان ورد الحكومة إلى هذا الثعبان ومس آدم ذلة وخزي في هذا الحرب العوان وإن الحرب سجال وللأنقياء مال عند الرحمن فخلق الله المسيح الموعود ليجعل الهزيمة على الشيطان في أخر الزمان، وكان وعداً مكتوباً في القرآن (حاشية در حاشية ص ت خطبة الهامية ملحقة سيرة الأبدال) (26) {َمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ

إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (أربعين نمبر 2 ص 32) (27) {َمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ("دافع البلاء" ص 6) (28) إني بايعتك بايعني ربي ("دافع البلاء" ص 6) (29) أنت مني بمنزلة أولادي، أنت مني وأنا منك، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا، إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، والخير كله في القرآن ("دافع البلاء" ص 6 و7) (30) ما أرسلناك إلا رحمة للعلمين إعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون ("حقيقة الوحي" ص 82) هذه ترجمة ما هذي به الأسود الكاذب من الكفر اللازب كفراً بواحاً وصراحاً. لعنة الله عليه والملائكة والناس أجمعين.

صورة ما كتبه أكابر العلماء وجهابذة الفضلاء ممن تولى الدرس والإفتاء، وتصدر لنشر الشريعة الغراء في تصديق هذه الرسالة وتصويب تلك المقالة

صورة ما كتبه أكابر العلماء وجهابذة الفضلاء ممن تولى الدرس والإفتاء، وتصدر لنشر الشريعة الغراء في تصديق هذه الرسالة وتصويب تلك المقالة على حصول ترتيب تلك التصديقات والتوثيقات. صورة ما كتبه شيخنا الفقيه المحدث العارف العلامة مسند الوقت منتهى الإسناد مولانا خليل أحمد السهارنفوري صدر المدرسين بمدرسة مظاهر العلوم وشارح "سنن أبي داؤد" شرحاً بارعاً أدام الله تعالى ظله. بسم الرحمن الرحيم الحمد لله الحميد الفعال، الكبير المتعال، المنزة عن التشبيه والمثال. والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صاحب المجد، والشرف، والكمال، وعلى آله وصحبه، خير صحب، وآل الذين أزاحوا الباطل والضلال. أما بعد فقد كانت مسألة تكفير أهل القبلة في كلام الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من أهل الحق غامضة، لا يبلغ دركها إلا من أعطاه الله فهماً سليماً، ووفقه لتناول الحق، وكان بعض الناس وقعوا في الغلط من اختلاف عباراتهم، فقام لها مولانا الشيخ الحاج المولوى أنور شاه صدر

المدرسين في دار العلوم بديوبند، وبذل فيها جهده، وحقق الحق فيها، وأبطل الباطل منها، فاطلعت على ما جمع فيها من تصريحات المتقدمين والمتأخرين، وأزال عنها شبهة القاصرين والجاهلين، فوجدته بحمد الله تعالى حقاً صريحاً، ومذهباً صحيحاً، جزاه الله تعالى جزاء يكافئ سعيه، وتقاه بالقبول عنده. خليل أحمد الناظم لمدرسة مظاهر العلوم في سهارنفور صورة ما كتبه شيخ العصر الفقيه المحدث المفسر العارف العلامة مولانا أشرف على التهانوى أدام الله ظله مبسملاً وحامداً ومصلياً، يقول هذا العبد: أنه كان مشهوراً دائراً على الألسنة أن كون المرء من أهل القبلة يمنع إكفاره مطلقاً ولو أنكر ضروريات الدين، وكذا كونه متأولاً، ولو في ضروريات الدين، وكذلك عدم الإلتزام، ولو مع اللزوم، وكان بعضهم بفرع عليها عدم إكفار المرزائيين خصوصاً منهم الذين يتقون ظاهراً نبوة قائدهم، ويتأولون في دعواه لها، ولعمري لو كان الأمر كما زعموا لزم أن لا يكفروا من آمن بمسيلمة اليمامي مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ويأول دعواه النبوة، وقد كان اليمامي يصدق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولا أرى أحداً من المسلمين يلتزم هذا الملتزم، ولبطلان هذا اللازم المستلزم لبطلان ملزوماته كانت المسائل الثلاثة مفتقرة إلى التفصيل، فجزى الله تعالى مؤلف الرسالة الملقبة: "بإكفار الملحدين", حيث فصل المسائل بما لا مزيد عليه، وكما وسوى الدلائل، وعدل، فإذا الرسالة عندي كافية في المقصود شافية،

ولما لابد منه في البحث وافية فتقبلها الله تعالى وجعلها نافعة، ولغياهب الشكوك والأوهام دافعة، وأنا العبد المفتقر إلى رحمة ربه أشرف على التهانوي للحنفي عفى عنه، واليوم يوم السبت، سادس شهر الله المحرم سنة 1343 من الهجرة النبوية على صاحبها ألف ألف صلاة وتحية. صورة ما كتبه الشيخ الفقيه المحدث العلامة صدر جمعية العلماء لإقليم الهند والمفتي الأعظم ببلدة دهلي وصدر المدرسين بالمدرسة الأمينية مولانا كفاية الله - أدام الله ظله - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، بعثه بالحق داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وختم به النبوة والرسالة، فجاء خاتم النبيين والمرسلين بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم صلاة متوالية وسلاماً كثيراً. أما بعد: فإنه قد كان يختلج في صدور بعض الناس تسجيل العلماء بكفر الطائفة القاديانية القائلة بنبوة محدثها (مرزا غلام أحمد القادياني) وبكفر الفرقة الأحمدية القائلة بأن مرزا غلام أحمد المذكور كان مسيحاً موعوداً، مهدياً منتظراً، ومجدداً جليلاً، وولياً نبيلاً، وإنه لم يدع النبوة والرسالة، وإن سمى نفسه نبياً ورسولاً، وادعى الوحي والإلهام، وسوى بين وحيه ووحي الأنبياء، ظناً منه أنهم متأولون، وتوقف في تكفير أمثالهم السلف الصالحون؛ فقال العلامة عمدة زمانه، ورحلة أوانه، صدر

الأفاضل، وفخر الأماثل، المولى المقدام، والحبر الهمام، مولانا محمد أنور شاه، صدر الأساتذة بدار العلوم الديوبندية مشمراً عن ساق التحقيق، ورافعاً لواء التدقيق، فكشف عن المرام، ومحا الظلام، نحى الستر، وجلى الأمر في عجالة سماها: "إكفار الملحدين"، نضد فيها درراً وجود غرراً، فلم يترك مساغاً للشك والإختلاج، ترى سطورها كأنها للإيقان فجاج، جزاه الله عنا وعن سائر المسلمين، وقطع بما أبدى دابر الملحدين، ونقى به لون الدين المبين، وأزاح كيد الخائنين الظالمين. محمد كفاية الله عفا عنه ربه وكفاه 4 - ربيع الأول سنة 1343 هـ صورة ما كتبه الحافظ الحجة الفقيه المحدث العارف العلامة شيخ الإسلام والمسلمين المفتي بدار العلوم الديوبند جامع الشريعة والطريقة سيدنا وسندنا ومولانا عزيز الرحمن الديوبندي - أدام الله ظله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله خالق السماوات والأرضين، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وآله وصحبه الذين حازو الفضل المتين، وفازوا بالفوز المبين. أما بعد فإن الفئة الباغية الطاغية من أهل القاديان لما بغوا وطغوا وعتوا عتواً كبيراً، وأفسدوا في الأرض فساداً كثيراً، حيث أثبتوا لرئيسهم نبوة عامة، أو كونه عيسى المعهود مهدياً مجدداً للدين المتين، فقام لإبطال

أباطيلهم، ومحق اكاذيبهم، العلامة الفهامة، والحبر القمقام، شيخ الحديث وصدر المدرسين، في دار العلوم بديوبند مولانا الشاه محمد أنور سلمه الله وأبقاه، فأفاد، وأجاد، وأحكم، وأشاد، وحقق كفر الفئتين من أتباع الملحد الطاغي القادياني الباغي بما لا مزيد عليه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. صورة ما كتبه العلامة المحقق مولانا شبير أحمد العثماني شيخ التفسير بجامعة الإسلامية دابهيل - أدام الله ظله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الآلاء والنعماء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه البررة النجباء، وبعد، فقد تشرفت وانتفعت، ولله الحمد بمطالعة الرسالة الغراء: "إكفار الملحدين" للشيخ العلامة الجليل، فقيد المثيل في زمانه، وعديم العديل في أوانه، بقية السلف، وحجة الخلف، البحر المواج، ولاسراج الوهاج، الذي لم تر العيون مثله في العهد الحاضر، ولم ير هو مثل نفسه، قد رزقه الله تعالى من العلم والنهي، والعفة والتقى، والحظ الأوفر؛ وهو سيدنا ومولانا الشيخ الأنور، مد الله ظله على رؤس المسترشدين والمتعلمين، وكانت الضرورة العصرية داعية إلى مثل هذه الرسالة الزهراء، فإن المسألة مهمة، والأقوال فيها مضطربة، ومادتها منتشرة، ومظانها متكثرة، ولهذا وقع بعض أهل العلم والقصد الصالح أيضاً في الغلط أوالئك والتردد، فجزى الله الشيخ العلامة مؤلف الرسالة عنا وعن سائر المستفيدين، فإنه قد كشف

الحجاب عن وجه الحق والصواب، وقطع عرق الإلتباس والإرتياب، وحقق قاعدة عدم تكفير أهل القبلة، ونقح ضابطة عدم إكفار المتأول بما لا مزيد عليه، حتى بين الصبح لذى عينين، وكفى وشفى، حتى لم يبق مجال الشبهة والإنكار، لمن شرح الله صدره للإسلام، وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلله الحمد أولاً وآخراً، وباطناً، وظاهراً، فإنه حميد مجيد العبد شبير أحمد العثماني الديوبندي 21 جمادى الأولى سنة 1343 هـ صورة ما كتبه العلامة الفقيه المحدث المفتي نائب أمير الشريعة لولاية بها مولانا أبو المحاسن محمد سجاد أدام الله ظله. الحمد لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيدنا خاتم الأنبياء محمد الذي لا نبي بعده إلى يوم الدين من غير تكبر، وعلى آله الكرام وصحبه البررة العظام، وأئمة الدين الفخام ممر الشهور والأعوام. أما بعد: فلما كان من مظان العوام وممن أوتوا العلم وهم أولوا الأفهام، أن الذين لهجت ألسنتهم بالشهادتين، وأظهروا الإيمان بكتاب الله تعالى، فهم المؤمنونون حقاً، وإن أنكروا ألوفاً من معاني الكتاب والسنة المحققة المثبتة بالقطع عند الجمهور متأولين بتأويل يبطله المأثور المشهور، فكان الإيمان بالبعض عندهم إيمان لا يضره الكفر ببعض وهوى بهم في تلك المهاوى، وأصلهم عن الصراط

السوى ما استفاض، وذاع عن الأئمة المجتهدين أن لا نكفر أحداً من أهل القبلة، وعسى هم لم يعثروا على ما عنوا بقولهم رحم الله الجميع فدعت ضرورة العامة والخاصة إلى كتاب يفصح عن طرق زوال الإيمان، ويوضح مسلك السلف في هذا بالبرهان، ويزيل أوهام المترددين في تكفير الزنادقة والملحدين الذين يتبعون أهوائهم بالتأويل الباطل والتحريف الزائغ بحيث يمتاز الحق الصريح ويتضح التصح النصيح، لا يأتيه الباطل، ولا يرتاب فيه العاقل. فحمداً لله الذي وفق علامة الدهر فهامة العصر فقيه زمانه محدث أوانه، ثقة في الرواية حجة في الدراية، شيخ العلماء مولانا المولوي محمد أنور شاه أمد الله في حياته لنا ولكافة المسلمين، وأبقاه وأنجحه في متمناه، إنه لبى تلك الدعوة وأتى بتأليف منيف في ذاك البحث الشريف مسمياً: "بإكفار المتأولين والملحدين في شيء من ضروريات الدين" ففصل الفصول وجمع فيها الأصول يظهر بها مناط الكفر والإيمان ويسهل بها التمييز بين أهل الحق وأهل الطغيان، وأثبت المطالب في كل باب بالسنة والكتاب، وأردف بالنقول عن الأئمة الفحول، فجاء وله الحمد كتاباً تهتزله الخواطر، وتقربه النواظر، فشكر الله مسعاه، وجزاه عنا وعن سائر المسلمين أجزل جزاء وأوفاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على محمد وآله وأصحابه أجمعين. وأنا أحقر العباد أبو المحاسن محمد سجاد البهاري عفا عن الباري. صورة ما كتبه الشيخ الثقة الأمين ناصر السنة الغراء وقامع البدعة الظلماء جامع العلوم النقلية والعقلية لسان الإسلام والمسلمين وسيف الله على رؤوس الملحدين، نجل الحيدر الكرار - ولا سيف إلا ذو الفقار - مولانا العلامة السيد مرتضى

حسن ناظم التعليم بدار العلوم الديوبندية - أدام الله ظله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ويتوب الله على من تاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. وصل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، مركز النبوة، وخاتم الرسالة الذي لا نبي بعده بشريعة ولا بغير شريعة بلا ارتياب، وآله وصحبه شهب رجوم الشياطين ونجوم وهداة سبل الصواب. وبعد فإن مسيلمة الفنجاب مرزا غلام أحمد القادياني قد أنكر ختم النبوة والرسالة، وحرف معناه واتبع في كفره إليها والباب، والدعى النبوة الحقيقية الشرعية بل التشريعية مع الشريعة الجديدة والوحي والكتاب، وأهان الأنبياء عليهم السلام خصوصاً سيدنا عيسى عليه السلام بصريح الخطاب. وأنكر القطعيات الدينية الضرورية بتأويلات، بل هي الإنكار بإقراره من غير تأويل وحجاب، فهذا ومن تبعه ملحد زنديق كافر مرتد بلا ريب وشك، وعليه الفتوى وهو الحق وفيه الصواب. وكذا من شك في كفره وعذابه بعد اطلاعه على كفرياته فعليه ما عليه، ولعنه في الدنيا وذلة في الآخرة، وعذاب وعقاب، كيف ولو لم يكن هذا ومن تبعه خارجاً عن الإسلام مرتداً. لم يكن مسلمة وأتباعه وأمثاله كافراً مرتداً عند الجزاء يوم الحساب. فجزى الله تعالى عني وعن سائر المسلمين خير الجزاء في الدنيا والآخرة وحسن المآب شيخ الإسلام والمسلمين مجمع بحور الدنيا والدين مولانا انور شاه الكشميري صدر المدرسين بدار العلوم الديوبندية حيث بين في رسالته: "إكفار المتأولين والملحدين في شيء من ضروريات الدين" من القرآن والسنة،

وآثار الصحابة، وتصريحات أئمة الحديث والفقه والأصول والتفسير بفصل الخطاب. إن الإنكار والتأويل في أمر من ضروريات الدين غير مسموع والمنكر والمتأول سببان في حكم الإرتداد والتكفير عنهما غير مدفوع. فهذه رسالة شافية كافية وافية في موضوعها، مشتملة على أصوله وفروعه، ودرره وغرره، وعجائبه وغرائبه، ومع هذا أخذ فوائدها ومنافعها غير ممنوع، فعلى المسلمين المطالعة بمفهومها والإشاعة بمضامينها، ودفع الفئة المسيلمية الفنجابية بأصولها وفروعها، ولتذكر شيئاً من عباراته الكفرية لتكون تذكرة وتبصرة، وقطرة من بحور كفره وإلحاده وزندقته. والله تعالى هو الموفق، وله الحمد في الأولى والآخرة. والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه وآله وصحبه مادام الاتفاق والتفرقة. آمين برحمتك يا حافظ الإسلام والقرآن والدين والمسلمين. صورة ما أفاد علامة الدنيا والدين بقية العلماء الراسخين، من حاز قصب السبق في كل مضمار، ودار معه الحق حيثما دار، فأصبح آية في إصابة الرأي والعلم والنظر في العين والأثر، المحقق الجهبذ العلم المفرد العلامة مولانا الشيخ حبيب الرحمن الديوبندي نائب الاهتمام بدار العلوم أدام الله ظله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تكفل بحفظ الدين المتين، ونصب لتسديد أموره في كل عصر طائفة يتفقهون في الدين، وينذرن من أوقفهم الغواية على شفا حفرة من الضلال المبين، وليطهروا حريمه عن أرجاس الكفر وأدناس الإلحاد والزندقة، حتى ينبلج صبح الحق ويستبين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد الذي تركنا على مثل بيضاء ليلها ونهارها سواء فلا يتردى في

مهواة الضلالة إلا من سلب التوفيق وحرم اليقين، وعلى آله وأصحابه الذين رفعوا أعلام الشريعة، وشادوا منارها، فلم يبق أفق من آفاق العالم إلا ونورها يتلألأ تلألؤ الشمس على السماء والأرضين، وقاموا لحمايتها بأموالهم وأنفسهم ودافعوا عنها كل عتل أفاك مهين، حتى قتلوا من مرق عن الإسلام بإنكار ما ثبت في الدين بالضرورة، أو ادعى لنفسه النبوة ولو مع الاعتراف بنبوة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - مثل الأسود العنسي، ومسيلمة اليمامي، ذلك الكذاب اللعين، ولم تأخذهم رأفة في دين الله، ولا صدتهم عن الشدة على أولئك المارقين عواطف الرقة واللين، وبعد فإنه لم يبق عصر من عصور الإسلام إلا ونشأت فيه فتنة ازعجت أهله، وأذلتهم عما سبق من الفتن لشدتها وهولها واضطرام نارها واستطارة لهيبها وضرامها، ولكن الله عز وجل أنجز وعده في حفظ الإسلام والمسلمين ووفق لأهل ذلك العصر من الملوك والسلاطين والعلماء الربانيين المتقنين فاستأصلوا الفتنة عن رأسها وهدموها على أساسها، وأزاحوا عن وجه الدين غياهب الشكوك والشبهات حتى إن كل فتنة استطارت ابان بدئها ونشورها كل مطار تلاشت بعد اشتدادهم، وتضائلت بعد انتشارها، ولم يبق لها إلا اسم أو رسم من طائفة قليلة، فمن يتلقونها خلفاً عن سلف ليس لهم عدد ولا مدد أو ما ترى الباطنية والقرامطة الذين طالت مدتهم، واشتدت شوكتهم حتى سفكوا دماء الحجاج في عرفات والمطاف، وقلعوا الحجر الأسود؛ وذهبوا به إلى هجر، أين درجوا؟ وأين بنو برغواطة الذين ملكوا البلاد وقهروا العباد وجلسوا خلال الديار أزبدة من ثلاثمائة سنة؟ هل ترى منهم عيناً أو تسمع لهم ركزاً، أم أين المهدوية أتباع الجونفوري، هل ترى لهم باقية إلا أفراداً كأنهم الأسراء في سجن محفوراً، والموتى في القبور، وإن من أعظم الفتن، وأقواها وأكثرها شناعة وأدهاها فتنة عمياء وداهية دهياء تسمى فتنة القاديان، والفتنة المرزائية التي أنكر زعيمها المرزا غلام أحمد ختم النبوة، وزعم أنه نبي، إما

ظلياً، أو بروزياً، أو تشريعياً، كل ذلك في كتبه التي موهها لأذنابه يلقي عليهم من كلماته شيئاً فشيئاً حتى استقرت في نفوسهم نبوة، وآمنوا بوحيه وكلامه المعجز ومعجزاته وصارت أمته غير أمة المسلمين، فهم يكفرون كل من أنكر نبوته من مسلمي الدنيا، لا يصلون خلفهم ولا يصلون على جنائزهم، ولا يجيزون مناكحتهم. ثم لم يقنع ذلك الزعيم على هذا، فادعي لنفسه الفضيلة على الأنبياء والمرسلين بل وعلى خاتم النبيين، وأعان روح الله ورسوله سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام وأتى في حقه بكل كلمة شنيعة فظيعة، لا يستطيع أحد سماعها، ثم افترقت أتباعه ففرقة منهم بقيت متمسكة بأصل دعوه وأعلنت بنبوته جهاراً لا يردعهم دين ولا يمنعهم حياء، وتلك الفرقة هي جمهور المرزائية؛ وطائفة قامت تخدع المسلمين، فبقيت في الباطن على ما كان عليه زعيمها وقالت نفاقاً وخدعاً عالم يدع المرزا لنفسه النبوة، ولا نعتقده نبياً بل تراه مصلحاً مجدداً ومسيحاً موعوداً وذلك منهم صريح النفاق لخدع المسلمين وتلقين دسائس المرزا وهفواته وهم أكثر ضرراً على المسلمين من الفرقة الأولى. فإن كثيراً من المسلمين الذين ليس لهم علم بدسائس المرزا ولا لهم اطلاع على مكائد هؤلاء المنافقين المحتالين إذا سمعوا مقالتهم يحسنون ظنونهم للمرزا، ثم يسمعون مناقبه التي اخترعوها وأوصافه التي اختلفوها فيعتقدون أنه رجل صالح، وتلك شبكة تصادبها الغافلون، فانظر أيها الفطن المتيقظ أين بلغ بالمسليم نفاقهم توقف في تكفيرهم من لم يطلع على مقصودهم مرادهم، وكان من سنة الله في الدين خلوا من قبل ان تقوم هذه الفتنة إلى أمد معلوم تلتهب نارها ويطير ضرامها، ثم تضمحل وتسد وكان وعبد الله مفعولا، ليحق الحق ويبطل الباطل، فيبقى الإسلام غضباً طرياً على ما كان عليه، والمسلمون منصورين ظاهرين على الحق ما ضرتهم تلك الفتنة, ولا نقصتهم، ومع هذا فقد كان حقاً على أهل الدين من الأمراء والملوك والسلاطين والعلماء الربانيين المتقنين

أن يقوموا لقمع هذه الفتنة استيصالها يداً واحدة، ويبذلوا جهدهم في مكافحتها، ويؤدوا فرضهم في نصرة الإسلام، وإلا صاروا مخذولين متولين عن الدين مستحقين أن يمحق اسمهم عن المسلمين ويستبدل الله بهم قوما غيرهم. فقام أداء للفريضة ونصرة للحق فئام من العلماء لقمع هذه الفتنة وكشف عوارها، فنشروا الكتب والرسائل حتى اتضح الحق وافتضح الباطل واطلع عوام المسلمين وبخواصهم على ما دس المرزا من الكفر والارتداد، الصريح لم يبق لأتباعه إلا طائفة طبع الله على قلوبهم وملأ الزيغ صدورها فهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. وممن قام لدمغ هذه الفتنة وقمع أباطيل هؤلاء المردة الطغاة الذين ليسوا في عداد فرق المسلمين، وتحقيق مسئلة تكفير الملحدين والمتأولين من أهل القبلة الشيخ الثقة الورع التقى الحافظ الحجة المفسر المحدث الفقيه المتبحر في العلوم العقلية والنقلية، رافع لواء التحقيق في المسائل الغامضة المهمة مولانا الشاه محمد أنور صدر المدرسين في دار العلوم بديوبند حرسها الله وحماها، فصنف رسالة جمع فيها وأوعى وأتى بكل ما يحتاج إليه العلماء في هذه المسألة، وأورد فيها تحقيقات مفيدة، وأثبت فيها أن المرزائية ليسوا من الإسلام في شيء، وإنهم خارجون عن فرق المسلمين كلها؛ وهي رسالة إذا رآها منصف متيقظ لا يبقى له ريب، ولا شك في هذه المسألة، ولا يتردد في خروج الطائفة المرزائية من فرق الإسلام ضاعف الله أجر مؤلفه، وبارك في أوقاته، ونفع بهذه المسلمين، وهدى بها الذين في ريبهم يترددون، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين. وأنا العبد الضعيف حبيب الرحمن الديوبندي العثماني

صورة ما كتبه العالم العلامة العارف المحقق مولانا محمد رحيم الله البجنوري أدام الله ظله. بعد الحمد الكامل للأحرى به، والصلاة الكاملة للحرى بها، يقول العبد المذنب الضعيف الراجي إلى رحمة ربه القوي محمد رحيم الله البجنوري أن عندي هذا الكتاب المستطاب نافع نفعاً تاماً، بل ضروري أشد الضرورة في حق الطالبين للحق والتحقيق في معاملة الأمور المهمة الدينية التي بدون الإطلاع التام عليها والاعتقاد الجازم بها لا يليق أحد بأن يعد في زمرة الأمة المرحومة المحمدية على صاهبها ألف ألف صلوات وتحية، لا سيما في هذا الزمان إلا بعد من خير القرون النازلة فيه ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة أنواع بليات الآفات والفتن من أهل الشرور والطغيان عصمنا الله منها ببركة رسوله وحبيبه سيد العالمين، خاتم النبيين والمرسلين إلى يوم الدين، فجزى الله خير الجزاء عن سائر المسلمين لمصنفه الحبر الكامل المحقق المدقق فخر أقرانه وأبناء زمنه لا زالت شمس ذكائه المنورة بنور ضيائها طالعة، ونجوم تدقيقاته الباصرة بأنوارها ساطعة، فقط. "وهذه نبذة من نفثات صدر ذلك الملحد وكلمات كفره مما أوحى إليه شيطانه، واستهوى به قريبه مما فاق به كل كافر وزنديق، يدعى دعاوى بسيطة عاطلة مع غاية جهله، وقلة فهمه، حتى إنه لا يستطيع تلفيق عبارة صحيحة في الفارسية، فكيف بالعربية، ويزعمها حقائق وهي في الحقيقة بقابق، انتخبها مولانا السيد مرتضى حسن، وترجمها المولوى محمد شفيع الديوبندي، فلينظر الناظر فيها، هل غادر فيها كفراً لم يأته؟ كلا ثم كلا".

§1/1