إقامة الدليل على علو رتبة إرواء الغليل

أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين

حقوق الطبع محفوظة الطبعه الأولى 1432 هـ - الموافق 2011 م مكتبة ابن عباس للنشر والتوزيع منية سمنود - ش الثورة - ت: 6493250 فرع المنصورة - عزبة عقل - ت: 9104437 القاهرة - درب الأتراك - بجوار مكتبة العلوم والحكم م: 0101697676 البريد الإلكتروني: [email protected] مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة المركز الرئيسي: اليمن - صنعاء ت: 00967 - 733702792 ت: 733702792 - 00967 ص. ب: صنعاء (4173) البريد الإلكترني: [email protected]

المقدمة

المقدمة الحمد لله وحده، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. - وبعد،، فإن أمة الإسلام تمر هذه الأيام بمرحلة حرجة في تاريخها، فقد تكالب عليها الأعداء من الداخل والخارج، وقد توحدت صفوفهم، وتكاتفت جهودهم، وتناسقت خططهم للنيل من الإسلام وأهله، ومن بين هؤلاء قوم ينتسبون إلى الإسلام من أصحاب المذاهب المنحرفة من أهل البدع والعقائد الفاسدة كالصوفية والشيعة وغيرهم، فهم يتربصون بأهل السنة لتشويه صورتهم، وخاصة بأئمتهم، فيتلقفون الطعون عليهم، ويزخرفونها، وينفخون فيها. -خطورة التشكيك في علماء السنة: ومن أعظم من تعرض لهذه الحملات الضارية إمام المحدثين في هذا العصر، وإمام أهل السنة بالشام، شيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وذلك لما قام به من نصرة عقيدة السلف الصالح، ومذهب أهل الحديث في بلاد الغالب عليها عقائد فاسدة، ومذاهب كاسدة، وبدع وخرافات، مع ما قام به من خدمة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك كثرت السهام التي أطلقها أعداء السنة نحوه، وهذا مما يسوء كل مسلم غيورعلى السنة؛ لأن الطعن فيه ليس طعنًا في شخصه فحسب، والتشكيك فيه وفي علمه ليس تشكيكًا في شخصه فحسب، بل هما طعن وتشكيك في السنة التي ينشرها، ويدافع عنها. قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (1/ 682): "إن الذين يلتقطون زلات العلماء، ليشيعوها ليسوا مسيئين للعلماء شخصيًّا فحسب؛ بل مسيئون للعلماء شخصيًّا، ومسيئون إلى علمهم الذي

-تحول الدكتور أحمد الخليل من مقلد للشيخ الألباني إلى ناقد له ومشكك فيه

يحملونه، ومسيئون إلى الشريعة التي تُتلقى من جهتهم، لأن العلماء إذا لم يثق الناس فيهم، وإذا اطَّلعوا على عوراتهم -التي قد لا تكون عورات إلا على حسب نظر هذا المغرض- فإنهم تقل ثقتهم بالعلماء وبما عندهم من العلم، فيكون في هذا جناية على الشرع الذي يحملونه من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لذلك من نصيحتك لأئمة المسلمين من أهل العلم أن تدافع عن عوراتهم، وأن تسترها ما استطعت، وأن لا تسكت". -تحول الدكتور أحمد الخليل من مقلد للشيخ الألباني إلى ناقد له ومشكك فيه: ولئن كان الهجوم على الشيخ الألباني رحمه الله والتشكيك في علمه أمرًا خطيرًا من الأعداء والفرق المنحرفة، ويحتاج إلى دفع شرهم وبيان ظلمهم وغيهم، فأخطر منه أن يشكك في الشيخ رحمه الله وفي علمه ومنهجه من ينتسب إلى السنة وإلى المنهج السلفي، وقد كثر هؤلاء هدانا الله وإياهم، والاحتياج إلى بيان زللهم وسوء صنيعهم آكد، وذلك لأنهم يشككون أبناء منهجهم بخلاف المخالفين في العقيدة والمنهج، فإن الشباب السلفي لا يلتفت إليهم في الغالب، ولذلك فقد آليت على نفسي أن أذب عن الشيخ رحمه الله وغيره من أهل العلم مهما كلفني، وقد كان آخر من وقفت عليهم ممن يشككون في الشيخ رحمه الله وفي علمه: الدكتور أحمد ابن محمد الخليل، وقد كان يقلد الشيخ في أحكامه على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا وتعليلًا إلى عهد ليس بالبعيد، فقد كتب تعليقًا على كتاب بلوغ المرام هو وأخوه، وطبعته دار المسلم، وكان يعتمد فيه على أحكام الشيخ على الأحاديث، ثم أخفى هذا الكتاب، فلم يضعه على موقعه، ولم يشر إليه في ذكر مؤلفاته، وقد كلفت الأخ الفاضل محمد بن عبد الغني أن يبحث عن الكتاب على شبكة المعلومات، فلم يعثر عليه، فكتب للدكتور على موقعه يسأله عن تحقيقه لبلوغ المرام، فأنكره، فحدد له وصف الكتاب ودار النشر التي تولت طباعته، فلم يرد

-وضع الدكتور نفسه موضع المعلم المؤدب للشيخ الألباني رحمه الله

عليه، وذلك لأنه تأثر بهؤلاء المُحَدِّثين الجدد الذين يزعمون أنهم على منهج المتقدمين، وذلك يحملهم على عدم تقدير ما قام به الأئمة ممن يصفونهم بالمتأخرين (¬1) من خدمة لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصحيحًا وتضعيفاً، وفي مقدمتهم شيخنا إمام العصر: محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، فلما انتحل هذا المذهب الجديد ألَّف كتابًا سمَّاه: "مستدرك التعليل على إرواء الغليل" (¬2)، بناه على التشكيك في صحة منهج الشيخ في الحكم على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً. -وضع الدكتور نفسه موضع المعلم المؤدب للشيخ الألباني رحمه الله: لقد قال في مقدمة كتابه ص (10): "لما كنت أقرأ في هذا الكتاب (يعني الإرواء) لفت انتباهي كثرة مخالفة أحكام الشيخ الألباني رحمه الله لأحكام الأئمة المتقدمين، حتى صار ذلك يشكل ظاهرة في الكتاب، وإذا نظر الإنسان في الكتاب وجد أن هذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف في المنهج" (¬3). وقد ملأ كتابه بالتطاول على الشيخ رحمه الله، فنزل نفسه منزلة المعلم المرشد الموجه للشيخ رحمه الله، فمن ذلك ما قاله ص (237): نبهت مرارًا أن هذا الأسلوب ¬

_ (¬1) ولا أدري ما الحد الفاصل عند هؤلاء المحدثين الجدد بين المتقدمين والمتأخرين؟!، وما الدليل على هذا الحد إن صرحوا به؟!، وقد بينت خطأ هذا المسلك في كتابي "القول الحسن في كشف شبهات حول الاحتجاج بالحديث الحسن". (¬2) وقد رد عليه الشيخ عبد الله بن صالح العبيلان في كتاب سماه "رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل"، وقد اعتنى فيه في الأغلب بالجانب الفقهي، فرأيت أن أتمم الفائدة بالرد عليه من الناحية الحديثية، وأسأل الله أن يكتب الأجر لي وللشيخ العبيلان، إنه جواد كريم. (¬3) وسيأتي بيان فساد دعواه تلك في مناقشه مقدمته بما لا حاجة لذكره هنا.

- تطاول الدكتور الخليل واحتقاره لأئمة الحديث الذين يصفهم بالمتأخرين

لا ينبغي مع الأئمة. وفي ص (307) قال عن حديث: اعتبره الشيخ رحمه الله شاهدًا للمرفوع، وهو أمر غريب حقّاً؟ وفي ص (421) قال: كان ينبغي ألا يوصف كلام الإِمام أحمد بأنه لا وجه له. - تطاول الدكتور الخليل واحتقاره لأئمة الحديث الذين يصفهم بالمتأخرين: وقال في ص (161): كان الواجب على الشيخ الألباني أن يبحث قبل أن يسارع في الرد على الترمذي، وإنما أطلت -نوعاً ما- في هذا التوضيح، لأنبه إلى خطأ بالغ يكثر من المتأخرين المشتغلين بالحديث، وهو المسارعة إلى نقد كلام الحفاظ المتقدمين بجرأة غير محمودة، وبانتقادات سطحية، ليس من الإنصاف نسبتها إلى المتقدمين، ولو تأمل الناقد، ودرس الإسناد على الوجه المطلوب لوجد أن كلام الحفاظ دليلًا [كذا] على حفظهم وتقدمهم. اهـ. هكذا لم يكتف بوضع نفسه موضع المعلم المربي للشيخ الذي يعلمه كيف يخاطب أهل العلم حتى طال بغروره أئمة المسلمين العظام الذين يسمونهم بالمتأخرين، فوصفهم بالمسارعة إلى نقد كلام الحفاظ المتقدمين بجرأة غير محمودة، وبالسطحية، وعدم الإنصاف، فهل يرضى مسلم بذلك؟!، ومن المستفيد بهذا التطاول على أئمة المسلمين والحط من قدرهم إلى هذا الحدِّ؟!!. -جرأة الخليل وتسرعه في الحكم بنكارة متون الأحاديث من قبل نفسه فقط!!! ولم يقف الدكتور الخليل في جرأته على علماء الأمة، بل قد طالت جرأته حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحكم على متون أحاديث بالنكارة، دون أن يُسبق إليها، وكأنه أحمد بن حنبل أو يحيى بن معين أو أبو حاتم الرازي، فقال ص (370) في

-جرأة الخليل وتسرعه في وضع قواعد من قبل نفسه فقط!!!

حديث: "أَيسُرُّكِ أنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِما بِسوَارينِ مِنْ نَارٍ": العلة الثالثة: نكارة المتن. وقال ص (373) في حديث عائشة: "أتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ ": العلهَ الثالثة: نكارة المتن ... إلى غير ذلك مما ستجده في هذا الكتاب. -جرأة الخليل وتسرعه في وضع قواعد من قبل نفسه فقط!!! وقد تجرأ على وضع قواعد من قبل نفسه، فقال ص (324): معلوم أن التفرد في الطبقات المتأخرة قادح جدًّا، ودال على وجود الخطأ في الحديث. اهـ. تهويل الخليل في ما ادَّعاه من الأخطاء بذكره الأحاديث المكررة: وقد ظهر من خلال كتابه محاولة التشكيك في الشيخ رحمه الله مهما أمكنه، وذلك من خلال تكثير عدد الأحاديث التي انتقدها؛ فإن الحديث قد يتكرر في مواضع، فيجعل له رقماً مستقلًّا، مع أنه لو كان يريد بيان ما يراه صوابًا دون التشكيك في علم الشيخ ومنهجه لجمع الأحاديث المكررة في موضع واحد، فمن ذلك الحديث رقم (42)، (43)، (46)، (50)، (58)، (85)، (87)، (98)، وقد يكون الشيخ تراجع عن حكمه على الحديث، فالمنصف لا يذكره فيما ينتقد عليه، فمن ذلك الحديث رقم (48)، (67)، ولهما نظائر. -ذكر الأدلة على إرادة الخليل النيل منه الشيخ الألباني وحده دون غيره: ومن تتبع كلامه علم أنه يريد النيل من الشيخ خاصة، فإنه يقف على موافقة غير الشيخ له في الحكم على الحديث، فيذكر الشيخ بالانتقاد دون غيره، فمن ذلك أنه عزا الحديث ص (184) لزاد المعاد - ط الرسالة، وعليها تعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط، وهو يصحح الحديث كصنيع الشيخ الألباني، فلم يذكره، وذكر الشيخ خاصة. وكذلك في ص (190) فإنه عزا الحديث لابن حبان بتعليق الشيخ شعيب،

وهو موافق للشيخ الألباني، فلم يذكر الشيخ شعيبًا، وذكر الشيخ الألباني خاصة. وفي ص (233): ذكر حديثا صححه الشيخ أبو إسحاق الحويني، فلم يذكره، وذكر الشيخ فقط. وفي ص (282): في الطريق الرابعة رد على محققي المسند دون أن يذكرهم. فتأمل كيف يتحاشى ذكرهم، ثم يشنع على الشيخ بمثل ما سبق ذكره، وهذا شيء كثير جدًّا، حيث يقف على من وافق الشيخ في الحكم فلا يذكره، ثم يذكر الشيخ وحده مما يدل على قصده الشيخ دون غيره، بل لم يقف قصده النيل من الشيخ على هذا، فإن الشيخ كثيراً ما يذكر من يسبقه بالحكم على الحديث، فيخفيه هذا المستدرِك، فمن ذلك: - قال الشيخ في الإرواء (1/ 120) عن حديث: "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ، وَاخْتَتِنْ"؛ بينت احتجاج شيخ الإسلام ابن تيمية بالحديث في صحيح أبي داود رقم (383)، فأخفى ذلك المستدرك. - قال الشيخ في الإرواء (2/ 287 - 288): قال الدارقطني: الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثًا واحداً، وهو حديث العقيقة، فيما زعم قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد، وقد خالف المستدرك هذا في الحديث رقم (52)، وأخفى كلام الدارقطني الذي ذكره الشيخ الألباني. - قال الشيخ في الإرواء (1/ 320) عن حديث: "الأَرْضُ كلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ": قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أسانيده جيدة، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه، وقد أشار إلى صحته الإِمام البخاري في جزء القراءة، فأخفى ذلك المستدرك، فهل هذا من الأمانة؟، أم أن البخاري وابن تيمية ليس لهما اعتبار عنده؟!.

-ذكر الأدلة على إخلال الخليل بالأمانة العلمية

- ونقل الشيخ في الإرواء (4/ 155 - 159): تصحيح عبد الحق، وابن دقيق العيد، وابن حجر حديث: "أيُّمَا صَبِىٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أخْرَى ... " الحديث، فأخفى كل ذلك. - قال الشيخ في الإرواء (5/ 83) عن حديث: "لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ": حسَّن إسناده النووي في الرياض، فأخفاه المستدرك .. إلخ. -ذكر الأدلة على إخلال الخليل بالأمانة العلمية: وقد وقع فيما هو أبين من ذلك في الإخلال بالأمانة العلمية؛ فإنه إذا أراد تضعيف راوٍ أتى بقول من ضعفه، وأخفى كلام من وثقه، فمن ذلك: - نقل الكلام في علي بن علي الرفاعي ص (214)، وترك من كلام الموثقين: قول الآجري: أثنى عليه أبو داود، وقال لبعضهم عنه: اذهبوا إلى سيدنا، وفي سؤالات الآجري (1255): سمعت أبا داود يقول: حدث شعبة عن علي بن علي الرفاعي، وقال: سئل أبو داود عن سليمان بن سليمان، وعلي بن علي الرفاعي، فقال: علي بن علي الرفاعي، وجعل يثني على علي بن علي الرفاعي، وقال البزّار: ليس به بأس، وقال مغلطاي: ذكره ابن شاهين، وابن خلفون في جملة الثقات. وقال المستدرِك: هشام بن حسان روايته عن الحسن بالذات فيها مقال. وترك قول ابن عيينة: كان هشام أعلم الناس بحديث الحسن، وقد روى الجماعة هشام عن الحسن، فأين الأمانة؟! - وفي ص (393): نقل كلام المجرحين لهشام بن سعد، وترك قول الساجي: صدوق، وقول أبي زرعة الرازي: محله الصدق، وقول العجلي: جائز الحديث، حسن الحديث.

-اقتطاع الخليل منه كلام العلماء ما يوافق مراده، وترك ما يخالفه

وفي ص (434) نقل كلام من جرح فضيل بن سليمان النميري فقط، وترك قول الساجي: كان صدوقًا، وعنده مناكير، وقال الذهبي في الميزان: حديثه في الكتب الستة، وهو صدوق، فكون الجماعة رووا له أهم شيء من أمره، فقد جاز بها القنطرة. - وفي ص (446) قال: رواد بن الجراح ضعيف جدًّا، بل قال الدارقطني: متروك، وأشار ابن عدي إلى كثرة تفرداته، وأنه لا يتابع، ومع ذلك اختلط، فاقتصر من كلام الأئمة على هذا فقط، وقد قال الدوري عن ابن معين: لا بأس به، إنما غلط في حديث سفيان، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، وقال معاوية عنه: ثقة مأمون، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: صاحب سنة، لا بأس به، إلا أنه حدث عن سفيان أحاديث مناكير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، ويخالف، وقال أبو حاتم الرازي: مضطرب الحديث، تغير في آخر عمره، وكان محله الصدق، فقال له ابنه: أدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فقال أبو حاتم: يحول من هناك (¬1)، وذكره ابن شاهين في الثقات، فلو أن منصفًا وقف على هذا لما بَعُد أن يُحسِّن حديثه إلا في روايته عن سفيان، فحذف هذا كله المستدرِك، ليحكم عليه بـ "ضعيف جدًّا". -اقتطاع الخليل منه كلام العلماء ما يوافق مراده، وترك ما يخالفه: - وقد بلوت هذه الأفاعيل من هؤلاء المتطاولين على أهل العلم، ولم يقف في الإخلال بالأمانة العلمية عند هذا، بل راحٍ يقتطع من كلام العالم الواحد ما يساعده على غرضه من تضعيف الراوي جدّا، ويترك ما يخالف ذلك، فقد قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه الناس عليه، وكان شيخاً صالحًا، وفي ¬

_ (¬1) هذا مع ما عرف عن أبي حاتم من التشدد.

حديث الصالحين بعض النكرة، إلا أنه يكتب حديثه، فحذف من كلام ابن عدي ما يخفف من ضعفة عنده، ويحسِّن حاله وهو قوله: كان شيخاً صالحًا، وفي حديث الصالحين بعض النكرة، إلا أنه يكتب حديثه، ولهذا نظائر، وهي أشد وأنكى، ففي ص (353) قال في زياد بن الربيع: ذكره ابن عدي في الضعفاء ولم يذكر قول ابن عدي فيه؛ لأنه: قد قواه بقوله: ولا أرى بأحاديثه بأسًا، فتركها هذا المستدرِك، فهل يريد بذلك النصيحة للمسلمين؟!! - وقال فيه أيضًا: وذكره الذهبي في الميزان. قلت: ورمز له بعلامة (صح) التي تدل على تصحيحه لروايته رغم ما فيه من مقال، فحذفها، نسأل الله المعافاة. - وقال فيه أيضًا: قال البخاري: فيه نظر، ولم يذكر أن الذهبي قال: قد احتج به أبو عبد الله في جامعه الصحيح، فما أقبح هذا!. -جرأة الخليل على اقتطاع بعض كلام العلماء، ليساعده على تضعيف حديث أو تصحيحه وترك ما يخالف ذلك: وقد فعل هذه الأفاعيل مع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي ص (419) قال في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقَّت لأهل العراق ذات عرق: قال الإِمام مسلم -يعني في التمييز ص (214) -: الأحاديث التي ذكرناها من قبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق، فليس منها واحد يثبت، فاقتصر المستدرك على هذا من قول مسلم، وترك ما بعده، وهو: فأما رواية المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم عن عائشة، فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد، فقد بين مسلم رحمه الله سبب تضعيفه للحديث، وهو ظنه أن هشام بن بهرام تفرد به، وليس كما ظن، فقد

-تناقض عجيب من الخليل للانتصار لرأيه

تابعه أبو هاشم محمد بن علي عند النسائي (5/ 125)، وهو ثقة، وقد خرَّج المستدرِك الحديث من النسائي، ووقف على المتابعة، ولذلك أخفى سبب تضعيف مسلم للحديث مع ولعه الشديد بمسألة التفرد التي ضعف بها مسلم الحديث، فعل يُفعل هذا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!. - وفي ص (439) احتج بحديث رواه ابن خزيمة (2886) يؤيد ما به يريده، ويصبو إليه من تضعيف الحديث الذي صححه الشيخ، والحديث الذي احتج به في إسناده شريك بن عبد الله النخعي، وهو ضعيف، فأخفى ذلك، فتبًّا للهوى. - وقال البيهقي في طريق من طرق حديث: "الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ": حديث الثوري مرسل، وقد رُوي موصولًا، وليس بشيء، فاكتفى المستدرِك بهذا من كلام البيهقي في ص (175)، وحذف قوله: وحديث حماد ابن سلمة موصول، وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي، وهو يدل على تقويته للموصول، فهل هذا من الأمانة؟!! - وفي حديث: "المَرْأَةُ عَوْرَةٌ"، قال ص (171): قال الدارقطني: الموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق، وحذف قوله: ورفعه صحيح من حديث قتادة، أسأل الله العافية. وقد أدى به محاولة الانتصار لرأيه إلى تناقض عجيب، فمن ذلك: -تناقض عجيب من الخليل للانتصار لرأيه: - قال ص (299): قبيصة وهو ابن عقبة بن محمد بن سفيان ضعيف في سفيان الثوري، ثم ناقض نفسه لما كانت رواية قبيصة عن سفيان تحقق مراده، فقال في ص (312): رواية قبيصة عن سفيان لم يقدح فيها كل الحفاظ، بل قدح فيها

-نسبة الخليل للعلماء كلاما لم يقولوه

الإِمام أحمد وابن معين، وظاهر كلام غيرهما عدم القدح فيها، بل الثناء عليها، ثم ذكر ثناء الأئمة على رواية قبيصة عن سفيان، فهل يوثق بأمثال هؤلاء بعد ذلك؟!! -نسبة الخليل للعلماء كلامًا لم يقولوه: ولم يقف في إخلاله بالأمانة عند إخفائه الحقائق وكتمان ما يخالف ما يريد من كلام العلماء، بل قد وقع فيما هو أشد من ذلك، فقد نسب للعلماء كلامًا لم يقولوه، ففي ص (125) قال: صحح النسائي والبيهقي وقف الحديث على ابن عباس. والحديث عند النسائي في الكبرى (3945) مرفوعًا وليس فيه أنه صحح وقفه كما ادعى. -ضحالة الخليل في علم الحديث العجيبة مع تطاوله على الكبار: ومع تطاوله على كبار العلماء فقد بدت منه ضحالة عجيبة، لا تقع من طالب علم مبتدئ في هذا الفن الشريف، ففي سنن البيهقي الكبير (1/ 304): قال الإِمام أحمد: وقد روي من وجه آخر ضعيف عن علي هكذا، فقال المستدرِك ص (334): ضعفه الإِمام أحمد، نقله البيهقي في السنن، فهذه فضيحة، فإن الإِمام أحمد المذكور هنا هو البيهقي نفسه، وذلك يتكرر كثيراً في كتب البيهقي، والعجب أن ابن التركماني بيَّن ذلك في الجوهر النقي الذي في حاشية السنن، فقال: قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر ضعيف عن علي، فلم يلتفت إلى ذلك المستدرك، فاهتمامه إنما هو مُنصبٌّ على التشكيك في الكبار، لا أن يتعلم منهم. - وفي ص (321) قال عن حديث عبد الله بن زيد: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استسقى أطال الدعاء، وأكثر المسألة، قال: ثم تحول إلى القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهرًا لبطن، وتحول الناس معه، فقال المستدرِك: قوله: "وتحول الناس

معه" عزاه الشيخ الألباني إلى مسند أحمد بهذه اللفظة، وهذه اللفظة لم أجدها في مسند أحمد، وقد تتبعت رواية الحديث كلها في مسند أحمد، ولم أجد هذا اللفظ. انتهى كلامه. قلت: هو موجود بهذه اللفظة في مسند أحمد (26/ 388). - وقال في ص (218) عن شيخ الطبراني محمود بن محمد الواسطي: لم أجده بعد طول بحث؟ قلت: قال الدارقطني في سؤالات حمزة السهمي (367): ثقة، وترجم له الخطيب في تاريخه (13/ 94)، وترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام (7/ 617) رقم (10327)، وقال: محدث كبير، وترجم له في السير (14/ 242)، وقال: الحافظ المفيد العالم، وقال: كان من بقايا الحفاظ ببلده. فإذا بحث بحثًا طويلًا، ولم يصل إلى شيء من هذه المصادر التي في متناول الطالب المبتدئ، فليعلم قدره من هذا العلم الشريف. ولئن كان قد وقع في كلامي بعض الألفاظ الشديدة، فإنني أرى أنني لم أقل فيه كلمة إلا بمثل ما وقع منه أو دونه، على أن كل ما قلته فيه من كلام قد يجد في نفسه منه دون جملة واحدة مما قاله تشكيكًا وتطاولًا على إمام العصر شيخنا الألباني رحمه الله وغيره من أهل العلم. وكم كنت أود أن يقصر الدكتور أحمد الخليل نفسه على ما يحسن، فقد كانت له مؤلفات صغيرة في بعض الأحكام الفقهية، يمكن أن يستفاد منها، وإن أراد أن يكون له نصيب من علم الحديث، فليدخل الحصن من بابه، فيبدأ من جديد بتعلم هذا العلم الشريف من أهله المتحققين به المعروفين بالمنهج الصحيح فيه المتبعين للأئمة في هذا الشأن، فإن العلم سلسلة متصلة بأهله على مر الدهور، فليس لأحد

أن يخرج علينا بمنهج يتهم فيه علماء الأمة بالخلل، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وسترى إن شاء الله في هذا الكتاب أن المستدرك قد أخطأ في أكثر ما استدركه، وأن الصواب في ذلك مع الشيخ رحمه الله. وأظن أنني لست بحاجة إلى التنبيه على أن دفاعي عن إمام أهل الحديث في عصرنا الشيخ الإِمام الألباني رحمه الله لا يعني الدعوة إلى تقليده، فليس ذلك من منهجنا، وسترى في هذا الكتاب وغيره ما يدفع ذلك، وليس معنى أن نرى في حديث خلاف ما قرره الشيخ أننا ننتقصه، بل المسألة اجتهادية على كل حال، وبالله التوفيق، هذا وقد سميته: "إقامة الدليل على علو رتبة إرواء الغليل، والرد على مستدرك التعليل". أسأل الله عز وجل لنا ولإخواننا المسلمين التوفيق والسداد، وأن يغفر لنا، ولوالدينا ومشايخنا، وأن يجعل هذا العمل نافعًا للإسلام والمسلمين، وأن أجده في ميزان حسناتي يوم نلقى الله عز وجل وكتب أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين

نصيحتي للقائمين على النشر في دار ابن الجوزي وغيرهم

نصيحتي للقائمين على النشر في دار ابن الجوزي وغيرهم لقد وقفت على كتب كثيرة نافعة نشرتها دار ابن الجوزي، وهذا خير عظيم، فنشر العلم النافع من أعظم القربات، وهو امتثال لقوى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ" فيجب على القائمين عليها أن يحافظوا على نشر كتب العلماء الموثوق بعلمهم، وألا يتعجلوا في النشر لطلاب العلم خاصة في مجال النقد إلا بعد عرضه على العلماء الموثوق بهم، وألا يعتمدوا في ذلك على الشهادات النظامية فقط، فقد سبق ذكر بعض ما وقع من الدكتور صاحب الكتاب المردود عليه من أمور في غاية الخطورة، لا تقع من طالب علم مبتدئ. -أخطاء نحوية كثيرة وقعت من الدكتور أحمد الخليل: ومع ما سبق ذكره وستراه في هذا الكتاب، فإن الدكتور الخليل قد وقع في أخطاء نحوية لا يقع فيها طالب علم في بداية أمره، فمن ذلك:

مناقشة ما كتبه المستدرك في المقدمة

مناقشة ما كتبه المستدرِك في المقدمة -غلط الخليل في رمي الشيخ الألباني بمخالفة منهج الأئمة المتقدمين: قال المستدرك ص (10): لما كنت أقرأ في هذا الكتاب (يعني الإرواء) لفت انتباهي كثرة مخالفة أحكام الشيخ الألباني رحمه الله لأحكام الأئمة المتقدمين حتى صار ذلك يشكل ظاهرة في الكتاب، وإذا نظر الإنسان في الكتاب وجد أن هذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف في المنهج، لا عن اختلاف في التطبيق ... إلخ. وأقول: يؤسفني أن يكون هذا المستدرِك بهذا الحال، فإن ما حكاه بخلاف الحقيقة كما سيقف على ذلك القارئ بنفسه، فَقَلَّ أن تجد حديثًا اعترض المستدرك على الشيخ رحمه الله في حكمه ليس للشيخ فيه سلف من الأئمة المتقدمين، وحقيقة الأمر أنه ليس هناك خلاف بين الأئمة المتحققين بهذا العلم الشريف، لا من يصفونهم بالمتقدمين ولا من يصفونهم بالمتأخرين، بل الاختلاف يقع بين المتقدمين والمتأخرين في الحكم على أفراد أحاديث، فالمسألة اجتهادية، وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ الألباني رحمه الله، وهذا التفريق إنما أحدثه بعض المعاصرين، وقد بينت فساده، وأنه لا أصل له في كتابي: "القول الحسن في كشف شبهات حول الاحتجاج بالحديث الحسن". -غلط الخليل في رمي الشيخ الألباني بعدم حسن مخاطبة الأئمة: ثم راح هذا المستدرِك يتهم الشيخ رحمه الله بالتقليل من قدر الأئمة وعلمهم بالحديث وعلله، وتخريج طلاب على هذه الطريقة المذمومة، فقال: وكذلك لفت انتباهي أثناء قراءة الإرواء كثرة العبارات التي يقولها الشيخ معلقًا بها على تعليلات الأئمة، مما يهون بها من شأن تلك العبارات حتى نشأ جمع من طلاب العلم، ليس لكلام الأئمة في نفوسهم قيمة، ولا وزن، وهذا أمر خطير، ثم نقل

عن الشيخ قوله في بعض الأحاديث التي أعلها بعض الأئمة: أعله بعض المتقدمين بما لا يقدح، أو هذه العلل ليست بشيء، وهذا الإعلال ليس بشيء عندنا، ثم قال: فهذه العبارات لا تنبغي في حق الأئمة. وأقول: هكذا أوهم هذا المستدرِك أنه أعلم بقدر الأئمة، وما ينبغي أن يخاطبوا به من إمام المحدثين وإمام المربين وإمام المعلمين في هذا العصر، والشيخ رحمه الله يجري في هذا التعبير على سنن أهل العلم، فقد قال الإِمام عبد الغني بن سعيد الأزدي في كتابه المؤتلف والمختلف (2/ 522) في عبد الله بن عنمة: عنمة مسكنة النون بعد العين المهملة، فقال ابن ماكولا في الإكمال (6/ 441): قال عبد الغني: عَنْمة بسكون النون، وليس بشيء. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3219): أبو يزيد النميري له صحبة؛ فقال ابن الأثير في أسد الغابة (6/ 332): قوله: (النميري) ليس بشيء. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 56) في ترجمة الأغر بن يسار المزني: ومال ابن الأثير إلى التفرقة بين المزني والجهني، وليس بشيء. وغير ذلك كثير من الأئمة في نقد كلام بعضهم بعضًا، ولم أر أحداً من العلماء المعتبرين انتقد واحداً منهم في ذلك، وقال: إنها عبارة لا تنبغي في حق الأئمة كما ادَّعى هذا المستدرِك على إمام المحدثين في عصرنا، فانتقاده على الشيخ من البلاء الذي ابتلينا به من طلاب العلم في أيامنا، والله المستعان. ولم يكتف هذا المستدرِك في انتقاده على الشيخ في عباراته التي استعملها في نقد بعض الأحكام على الأحاديث من بعض أهل العلم حتى ذهب يعلم الشيخ العبارات اللائقة، فقال: "ولو اكتفى الشيخ بقوله: إن هذا الإعلال ليس بصحيح مثلًا أو نحو هذه العبارة لكان هو الأولى، أما أنها ليست بشيء فهذا غير مقبول مع الأئمة".اهـ.

-غلط الخليل في ما ادعاه من الفرق بين منهح الأئمة المتقدمين والمتأخرين

فأقول: وأي فرق يؤثر بين "ليس بصحيح" و"ليس بشيء" فغير الصحيح ليس بشيء معتبر، وهل يجرؤ على أن يوجه هذا التعليم المزعوم لابن ماكولا، وابن الأثير، وابن حجر وغيرهم من العلماء الذين استعملوا هذا التعبير دون أي نكير من بعضهم على بعض في استعماله؟!، أسأل الله المعافاة. -غلط الخليل في ما ادعاه من الفرق بين منهح الأئمة المتقدمين والمتأخرين: قال المستدرِك ص (12): الواقع أن لكل من المتقدمين والمتأخرين منهجًا خاصًّا به، يظهر ذلك جليًّا لكل من نظر في كلام الأئمة وتعليلاتهم المبثوثة في كتب العلل والرجال. ويدل على هذا الفرق بين المتقدمين من الأئمة والمتأخرين من العلماء أمران: الأمر الأول: العبارات الصريحة من أهل العلم التي تدل على الفرق بين المنهجين، ولا أعلم أحدًا من أهل العلم -سوى المعاصرين- أنكر وجود الفرق بينهما، وهناك في المقابل عدد منهم نص على وجود الفرق بعبارات واضحة، ومن هؤلاء: الحافظ ابن رجب، والحافظ ابن حجر، والحافظ العلائي، وابن الوزير، وابن دقيق العيد، والشيخ المعلمي. قلت: قوله: "لا أعلم أحدًا من أهل العلم أنكر وجود الفرق بينهما" كلام عجيب، فإن البينة على المدَّعي، فكان الواجب أن يقول: أثبت هذا الفرق فلان وفلان من أهل العلم، ولا أعلم لهم مخالفًا، ولا أدري: هل عدم علمه بمن أنكر ذلك يقتضي عدم الوجود. وقوله: "هناك في المقابل عدد منهم نص على وجود الفرق بعبارات واضحة"، فلا أدري هل يعلم الدكتور معنى النص أم لا؟، وكلامه ذلك يدل على عدم علمه بمعناه، فإن كان كذلك فكان ينبغي له ألا يتكلم بكلام لا يدري معناه،

فإن النص هو ما دل بنفس لفظه وصيغته على المعنى دون توقف على أمر خارجي (¬1)، وهذا يعني في مسألتنا أن يكون واحد من العلماء قال باللفظ: هناك فرق ثابت بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين أو نحو ذلك من العبارات، وما نقله من كلام الأئمة الذين ذكرهم آنفًا ليس فيه شيء من ذلك، حتى يقال: إنه نص، بل ولا ما يشير إليه مجرد إشارة، وأذكر مثالًا لذلك، وهو ما نقله عن الإِمام ابن دقيق العيد من قوله: إن لكل من أئمة الفقه والحديث طريقًا غير طريق الآخر، فإن الذي تقتضيه قواعد الأصول والفقه أن العمدة في تصحيح الحديث عدالة الراوي وجزمه بالرواية" ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك، وجاز أن يكون غلطًا، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه، فأما أهل الحديث فإنهم قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل تمنعهم عن الحكم بصحته". اهـ. فهل في هذا الكلام ذكر للمتقدمين أو المتأخرين أصلًا، فضلًا عن أن يفرق بين منهجهما؟!، وما نقله عن غير ابن دقيق العيد لا يختلف كثيراً عما نقله عنه رحمهم الله. وبهذا تظهر دعاوى هؤلاء المحدثين الجدد الذين يريدون هدم ما عليه أئمة الحديث قديمًا وحديثًا، ويظهر للناس ما هم عليه من الجرأة والتقول على أهل العلم، فهل يوثق بهم بعد ذلك؟!!. ثم نقول لهذا المستدرِك: هل هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم من المتأخرين أم من المتقدمين؟ ¬

_ (¬1) الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص (340).

لا شك أنهم عن المتأخرين عند أصحاب هذا المنهج، فهل هؤلاء الأئمة يبطلون منهجهم، ويريدون الانحراف عن الحق، أم ماذا؟ أليس لكل واحد من هؤلاء الأئمة الذين ذكرهم مسألة أو مسائل خالف فيها بعض الأئمة المتقدمين؟! فكيف يقضي هذا الإِمام على نفسه إذا خالف بعض الأئمة المتقدمين؟ وسترى حال دعاواه في مناقشة استدراكاته فيما يلي:

الحديث الأول

الحديث الأول - الإرواء (1/ 34) رقم (4): عن أوس بن أوس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أيَّامِكُمْ يوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ". قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرِمْتَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: بَلِيتَ. قَالَ "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأنبِيَاءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ". حكم الشيخ الألباني رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: أنه صحيح، كما قال الشيخ، وسبقه بذلك الحكم عدد من الأئمة من المتقدمين والمتأخرين. فالحديث رواه أبو داود (1047)، (1531)، والنسائي (3/ 91 - 92)، وابن ماجه (1636)، وأحمد (16162)، وابن أبي شيبة (3/ 602)، والدارمي (1572)، والحربي في غريب الحديث (1/ 67 - 68)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم - (22)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1577)، والمروزي في الجمعة وفضلها (13)، وابن خزيمة (1733)، (1734)، وابن حبان (910)، والطبراني في الكبير (589)، والأوسط (4780)، والحاكم (1/ 278)، (4/ 560)، وأبو نعيم في المعرفة (989)، والبيهقي في السنن الكبير (3/ 248 - 249)، وفي فضائل الأوقات (275)، وفي حياة الأنبياء في قبورهم (10)، وفي الشعب (3029)، وفي المعرفة (4/ 420 - 421)، وابن عساكر (9/ 295 - 296) من طرق عن حسين بن علي الجعفى عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني

ورواه ابن ماجه (1085)، والبزار (3485) من طريق الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث فقالا: عن شداد بن أوس، قال المزي: ذلك وهم. قلت: وهو كما قال، فرواية الجماعة عن أوس بن أوس أصح. والحديث رجاله ثقات، لكن بعض الأئمة قال: إن حسينًا الجعفي إنما يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو ضعيف، وأخطأ في قوله: ابن جابر الثقة قال ابن أبي حاتم في العلل (565): سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدًا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث -أو ستة أحاديث- منكرة لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيء (¬1). وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة أنه قال: "أفضل الأيام يوم الجمعة فيه الصعقة، وفيه النفخة"، وفيه كذا، وهو حديث منكر، لا أعلم أحدًا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة. فتبين بذلك أن أبا حاتم نفى علمه برواية حسين الجعفي عن ابن جابر، وأما البخاري فقال: عن ابن تميم: ويقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة بصيغة ¬

_ (¬1) قوله: "شيء"، كذا في جميع النسخ، والجادة "شيئاً"، وما في النسخ جارٍ على لغة ربيعة. كذا في حاشية نسخة الشيخ/ سعد بن عبد الله الحميد.

التمريض، وأما الخطيب فأطلق القول حيث قال: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وأما أبو داود كما في سؤالات أبي عبيد (327) فذكر أبا أسامة فقط، وأما أبو زرعة فالذي وقفت له في ذلك هو تضعيفه لابن تميم فقط. وقد فصل أبو حاتم القول في الجرح والتعديل لابنه حيث قال: سألت محمد ابن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد فقال: قدم الكوفة وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم ويزيد بن يزيد بن جابر، ثم قدم عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم. قلت: فدل هذا على بعد ما بين قدوم ابن تميم وابن جابر الكوفة، ودل أيضًا على أن ابن أخي حسين الجعفي خص أبا أسامة فقط بالخلط بين الروايتين. وقد بين سبب وقوع هذا الخلط من أبي أسامة الإِمام موسى بن هارون حيث قال: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهمًا منه، هو لم يلق ابن جابر، وإنما لقي ابن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف. ولذلك قال العجلي في الثقات (292): سمع حسين بن علي الجعفي من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حديثين: حديث: "أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَليّ يَوْمَ الجُمعَةِ، فَإِنَّ صَلَاتكُم تَبْلُغَنِي"، وحديث آخر في الجمعة. وقال ابن حبان في المجروحين: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم روى عنه الكوفيون: أبو أسامة والحسين الجعفي وذووهما، فرده الدارقطني في تعليقه بقوله: قوله: حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ، الذي يروي عنه

حسين هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد هذا ابن تميم، فيقول: ابن جابر، ويغلط في اسم جده. قلت: فهذا التفصيل والتفريق بين أبي أسامة وحسين الجعفي زيادة علم ليست عند غيره من الأئمة فيجب الأخذ بها. فإذا صرح حسين الجعفي، وهو ثقة بالسماع من ابن جابر لم يكن لأحد الطعن في روايته عنه، وقد صرح بتحديثه له عند المروزي في الجمعة وفضلها وعند إسماعيل القاضي والحاكم وابن حبان والبيهقي في حياة الأنبياء في قبورهم، ووجوده عند هؤلاء الأئمة من طرق كثيرة يرد دعوى المستدرك حصول الوهم في رواية ابن حبان. وقد خاض هذا المستدرِك مع قصور باعه في هذا العلم الشريف غمار الترجيح بين قول هؤلاء الأعلام، فادعى رجحان قول من اتهم حسينًا الجعفي بالغلط في اسم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بقوله: 1 - لم يرو أحد من أهل الشام هذا الحديث عن ابن جابر، مع أنهم أهل بلده، ولهم عناية بحديثه. قلت: فكان ماذا؟ ولئن كان أهل الحديث من أهل الشام لم يرووه عن ابن جابر فهل رواه أحد من أهل الشام أو غيرهم عن ابن تميم؟!! ثم قال: 2 - تفرد حسين الجعفي عن ابن جابر بهذا الحديث، كما ذكر أبو حاتم. قلت: وهو ثقة روى له الجماعة، فتفرده مقبول لا غبار عليه، وهذا المستدرِك يضعف كثيراً من الأحاديث بذلك السبب، مع أن البخاري ومسلمًا وجمهور المحدثين علي خلاف ذلك، وإنما ذهب إلى الإعلال بذلك مَنْ تشدد من الأئمة في

-بيان فساد طريقة المستدرك في إعلال الأحاديث بالتفرد وإكثاره من ذلك

هذا الباب كيحيى القطان وتأثر به في ذلك الإِمام أحمد. -بيان فساد طريقة المستدرك في إعلال الأحاديث بالتفرد وإكثاره من ذلك: قال ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي ص (655): قال إسحاق بن هانئ: قال لي أبو عبد الله (يعني أحمد): قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله يعني ابن عمر أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لَا تُسَافِر امْرَأةٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ ... الحديث. قال أبو عبد الله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه. قال أبو عبد الله: قال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله. قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله، فلما بلغه عن العمري صححه. قال ابن رجب: وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر. قلت: ويدل أيضًا على أن الأئمة المتقدمين قد يضعفون الحديث من بعض طرقه، ويكون ثابتًا من وجوه لم تبلغهم بخلاف المنتسبين إلى المدرسة الجديدة التي تقوم على احتقار الأئمة الذين يصفونهم بالمتأخرين وعلى تقديس الأئمة المتقدمين حتى أوشكوا أن يؤلهوهم، ويدل أيضًا على تقوية الحديث بطرقه الضعيفة بخلاف ما ذهب إليه أكثر أصحاب المدرسة المذكورة، ولي عليهم رد، وهو المسمى: بـ "القول الحسن في كشف شبهات حول أي حتجاج بالعديد الحسن". قال ابن رجب: وكلام الإِمام أحمد قريب من ذلك. قال عبد الله: سألت أبي عن حسين بن علي الذي يروي حديث المواقيت، فقال: هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روى في المواقيت ليس

بمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره. وقال أحمد في بريد بن عبد الله بن أبي بردة: يروي أحاديث مناكير. وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو المنفرد برواية حديث: "الأعْمَال بِالنِّيَّات": في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة. وقال في زيد بن أبي أنيسة: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث. قال الأثرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم. قال ابن رجب: وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكر أحمد ما تفردوا به، وكذلك قال في عمرو بن الحارث: له أحاديث مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مخلد، وجماعة خرج لهم في الصحيح بعض ما ينفردون به. وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا، وأن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه وليس له علة فليس بمنكر. وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة، وحديث محمد بن إبراهيم التيمي، وحديث زيد بن أبي أنيسة. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله، وقد أطلت في هذه المسألة لأن هذا المستدرِك كثيراً ما يعل الأحاديث بها، فليعلم أنها طريقة شاذة على خلاف ما عليه أكثر المحدثين، ولو اتبعت لردت كثير من أحاديث الصحيحين كما بين ذلك ابن رجب رحمه الله وقد زدت ذلك بيانًا في كتابي المشار إليه آنفًا. ثم قال: في أحاديث أهل الكوفة عن ابن جابر مناكير كثيرة.

قلت: هذا كلام مطلق ظهر تقييده بأبي أسامة وحده كما سبق بيانه، وكذلك ما ذكره بعد ذلك بقوله: كثرة الحفاظ الأثبات الذين ذهبوا إلى هذا، فقد سبق أن الأكثر لم يذكروا حسينًا الجعفي، ومن ذكره لم يقطع بذلك. ثم قال: لم يذكر الدارقطني والعجلي ما يدل على صحة سماع حسين الجعفي من ابن جابر. وأقول: قد سبق بالطرق الصحيحة إثبات سماعه منه، وأن الدارقطني قد فصل ما أجمله غيره حيث فرق بين أبي أسامة وحسين الجعفي، وبذلك يتبين أن هذا المستدرِك يشقق الكلام، ويعترض بأمور واهية لا تغني من الحق شيئًا، وإنما يشوش بها على من لا يدري، ولو أنه تأنى وتعلم قبل أن يخرج للناس مثل هذا الكتاب لكان خيرًا له ولغيره، والله المستعان. وبهذا النفس المتعطش إلى تضعيف الأحاديث الذي تعامل به مع الطريق الصحيح السابق ذكره تعامل أيضًا مع الشواهد: فقد ذكر الشيخ حديثًا رواه ابن ماجه (1637) من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء مرفوعًا. قال الشيخ: قال المنذري: إسناده جيد، فأخفاه المستدرِك، وهذا إخلال بالأمانة، وقال: منقطع في موضعين كما قال البوصيري رحمه الله. قلت: أما الموضع الأول فهو بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء، وقد ذكره الشيخ رحمه الله. وأما الموضع الثاني الذي أشار إليه البوصيري فالظاهر أنه فهمه من قول البخاري: زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي مرسل، والظاهر أن البخاري يعني أن الحديث مرسل بين عبادة وأبي الدرداء، ولا يعني بين زيد وعبادة، ولذا لم يذكر

-حكم مراسيل الحسن البصري وبيان خلل المستدرك في حكمه عليها

ذلك أحد ممن صنف في المراسيل، والله أعلم. ولكن زيد بن أيمن لم يرو عنه سوى سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات، فالظاهر أن هذه الطريق تصلح في الشواهد، وله شاهد بإسناد حسنه الشيخ، وقال: إنه منقطع، رواه البيهقي في السنن الكبير (3/ 349)، وفي الشعب (3032) وهو صالح في الشواهد. ومن مرسل الحسن البصري بإسناد صحيح عنه أخرجه إسماعيل القاضي في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (23). -حكم مراسيل الحسن البصري وبيان خلل المستدرك في حكمه عليها: ومرسلات الحسن وإن ضعفها أحمد حتى جعلها أضعف المراسيل، فقد قال شيخه يحيى القطان، إنه وجد لمراسيله أصلًا إلا حديثًا أو حديثين، وقال أبو زرعة الرازي: كل شيء يقول الحسن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدت له أصلًا ثابتًا ما خلا أربعة أحاديث، وقال الخصيب بن ناصح: كان الحسن إذا حدثه رجل واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث ذكره، فإذا حدثه أربعة بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقاهم، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن المديني: مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح، ما أقل ما يسقط منها. وذكر ابن عبد البر عن الحسن قوله: ما حدثني به رجلان قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر البخاري أن رجلاً قال للحسن: إنك لتحدثنا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو كنت تسند لنا؟ قال: والله ما كذبناك ولا كذبنا، لقد غزوت إلى خراسان غزوة معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وقد ذكر ذلك ابن رجب في شرح علل الترمذي ص (536 - 538)، ثم قال: وهذا يدل على أن مراسيل الحسن، أو أكثرها عن الصحابة. قلت: فلا أقلَّ من أن يصلح مرسل الحسن الصحيح الإسناد إليه في الشواهد، وأما هذا المستدرِك، فقد أعرض عن هذا كله، ثم قال: لا يخفى حال مراسيل الحسن البصري، فهذه الشواهد كما ترى من الضعف بحيث لا يقوي بعضها بعضًا، فإما في إسناده متروك، أو منقطع، لا نعلم من هو الساقط منه، أو مرسل من أضعف المراسيل، فقد أعرض عن كلام الأئمة الصريح السابق ذكره، وأخفاه، وتشبث بكلمة الإِمام أحمد، لأن فيها التضعيف كما هو دأبه، وإن تعليقه على هذا الحديث لكافٍ في الإعراض عن كل ما سوده في هذا الكتاب لولا أننا في زمان كثر فيه من لا يميز الحق من الباطل خاصة في هذا الفن الشريف، والله المستعان. وأظن أنه قد بات واضحًا صحة الحديث من طريقه الأول وتقويته بشواهده، وبالله التوفيق، وقد صححه ابن خزيمة، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه أيضًا النووي وابن القيم في جلاء الأفهام ص (77 - 87)، ورد على من أعله، وقواه أيضًا بشواهده، وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 493): "صحح هذا الحديث: ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والنووي في الأذكار" وأقره. وعلى هذا فلا صلة بأي وجه لاستدراك هذا بتلك الضجة التي أثارها في مستهل ما سوَّده من دعوى مخالفة إمام محدثي عصرنا الألباني رحمه الله للمتقدمين في منهجهم حيث قد وافقه على التصحيح: ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، وهم من المتقدمين بلا نزاع، والله أعلم.

الحديث رقم (2)

الحديث رقم (2) - الإرواء (1/ 43) رقم (11): رواه يونس بن حبيب في مسند الطيالسي (1348) قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ. حكم الشيخ: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: صحيح، وسبق الشيخ بتصحيحه جمع من الأئمة من المتقدمين والمتأخرين. قال يونس: هكذا حدثنا أبو داود، وقال عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة: عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو، ورواه من طريق يونس البيهقي في السنن الكبير (1/ 191). وأبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم العنزي وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، ووثقه الذهبي في الكاشف، وقال الحافظ في التقريب: صدوق، ولعله الأقرب للصواب، وباقي رجال الإسناد ثقات معروفون. وقد خالف يونس بن حبيب الثقات من أصحاب، أبي داود الطيالسي، فرواه أبو داود السجستاني في سننه (82)، والنسائي (1/ 179)، والترمذي (64)، وابن ماجه (373)، وأحمد (20657)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 185)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 276)، وابن حبان (1260)، والدارقطني

(1/ 53)، والبيهقي (1/ 191)، وابن حزم في المحلى (1/ 212)، وابن الجوزي في التحقيق (21)، والزي في تهذيب الكمال (7/ 129) من طرق عن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن عاصم الأحول عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو الغفاري مرفوعًا به. والظاهر أن يونس بن حبيب وهم في قوله: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصواب هو رواية الثقات عن الطيالسي بتسمية الصحابي الحكم بن عمرو، وكذلك رواه الثقات عن شعبة، فقد رواه أحمد (17863)، (17865)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 24)، والطبراني في الكبير (3156)، وأبو نعيم في المعرفة (1900)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 129)، والبيهقي (1/ 191) من طرق عن شعبة عن عاصم الأحول عن أبىِ حاجب عن الحكم بن عمرو مرفوعًا به. وقد توبع شعبة، فرواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 24)، وابن قانع في معجمه (1/ 209 - 210)، والطبراني في الكبير (3155)، وأبو نعيم في المعرفة (1901) كلهم من طريق قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم مرفوعًا به. ورواه الترمذي (63)، وفي العلل الكبير (32)، وأحمد (20655)، وابن أبي شيبة (1/ 63)، وفي المسند له (942)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 185)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2922)، والطبراني في الكبير (3157)، والدارقطني في سننه (1/ 53)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 191 - 192)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 40) من طرق عن سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من بني غفار فذكره مرفوعًا. وهذا اختلاف لا يضر؛ لأن الحكم صحابي من غفار، فيفسر قوله عن رجل

الحديث رقم (3)

الحديث رقم (3): - الإرواء (1/ 64) رقم (27): حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم - لِيَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي كُنْتُ جُنُباً. فَقَالَ "الْمَاءُ لاَ يُجْنِبُ"، وفي بعض رواياته: "الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: صحيح، وصححه جمع من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه النسائي (1/ 173)، وابن ماجه (371)، وأحمد (2100)، (2101)، (2102)، (2566)، (2805)، (2806)، والدارمي (735)، وابن خزيمة (109)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس (2/ 691) رقم (26)، (27)، (31)، وابن الجارود في المنتقى (48)، (49)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 26)، وابن المنذر في الأوسط (212)، وابن حبان (1242)، والطبراني في الكبير (11714)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (57)، والحاكم (1/ 159)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 333)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 188، 267)، وفي المعرفة (2/ 95)، والخطيب في الأسماء المبهمة ص (300)، وابن الجوزي في التحقيق (11)، (24)، (25) من طرق عن سفيان الثوري. ورواه أبو داود (168)، والترمذي (65)، وابن ماجه (370)، وابن أبي شيبة (1/ 63، 260)، (13/ 91)، والطبري في تهذيب الآثار (29)، (30)، وأبو يعلى (2411)، وابن حبان (1241)، (1261)، (1269)، والطبراني في الكبير

(11716)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 189، 267) من طرق عن أبي الأحوص سلام بن سليم. والدارمي (734) من طريق يزيد بن عطاء. والطبري (28) من طريق أسباط بن نصر. والطبري أيضاً (1033) من طريق إسرائيل. والطبراني (11715) من طريق حماد بن سلمة. والخطيب في تاريخه (10/ 423) من طريق سعيد بن سماك بن حرب. والبزار كما في كشف الأستار (250)، وابن خزيمة (91)، والحاكم (1/ 159)، والبيهقي في الخلافيات (907)، (908)، (909) كلهم من طريق محمد بن بكر عن شعبة. (الثوري وأبو الأحوص، ويزيد بن عطاء، وأسباط، وإسرائيل، وحماد بن سلمة، وسعيد بن سماك، وشعبة) ثمانيتهم عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس به وقد اختلف على شعبة، فرواه الطبري (1037) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك عن عكرمة مرسلًا، وقال ابن عبد البر: إن جل أصحاب شعبة يروونه مرسلًا. وخالف الجماعة شريك بن عبد الله، فقد رواه من طريقه ابن ماجه (372)، وأحمد (3120)، والطيالسي (1730)، وأبو عبيد في الطهور (158)، والطبري (1034)، (1035)، والدارقطني في سننه (1/ 52، 53)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (58)، والخطيب في الأسماء والمبهمة ص (300)، والبغوي في شرح السنة (259)، وابن الجوزي في التحقيق (26) كلهم من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة، جعله من مسندها.

ثم بعد ذلك يعل هذا الحديث الذي فيه الجواز بالعلة نفسها بقوله: مخالفته للأحايث الصحيحة، فالأحاديث الصحيحة دلت على أنهما اغتسلا جميعًا، بينما يدل حديث سماك على أن كلا منهما اغتسل بمفرده. قلت هذه كلها وقائع أعيان، لا تتعارض، فما المانع أن يكون اغتسلا مرة جميعًا، ومرة منفردين؟! وقد سبق جمع الحافظ وأهل العلم بين الأحاديث، ولكن تلك حال المتسرعين: التناقض إن سلموا من الهوى، أسأل الله السلامة والعافية. وتصحيح الطبري والترمذي، وابن الجارود، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر يرد دعوى المعترض مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، بل ذلك كافٍ في استحقاقه ومن على شاكلته لهذه التهمة.

الحديث رقم (4)

الحديث رقم (4) - الإرواء (1/ 87): حديث علي مرفوعًا: "سَتْرُ مَا بَيْنَ الجنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذا دَخَلَ الْخلاَءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ الله". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح بشواهده. حكم المستدرك: ضعيف، وشواهده لا تقويه. الراجح فيما يظهر لي: أقل أحواله أن يكون حسنًا، ولم يضعفه على الإطلاق أحد من الأئمة المتقدمين. الحديث رواه الترمذي (606)، وابن ماجه (297)، والبيهقي في الدعوات (53)، والبغوي في شرح السنة (187) كلهم من طريق محمد بن حميد الرازي عن الحكم ابن بشير بن سلمان حدثني خلاد الصفار عن الحكم بن عبد الله النصري عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن علي -رضي الله عنه - مرفوعًا به. وقد أشار الترمذي لضعفه بقوله: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي، وقد أعله الشيخ الألباني رحمه الله بثلاث علل: عنعنة أبي إسحاق واختلاطه، والحكم بن عبد الله، وقال: إنه مجهول الحال، ومحمد بن حميد لكونه متهمًا بالكذب، ولذا قال الشيخ قلت هذا الإسناد واهٍ، وهو كما قال رحمه الله. وقد توبع محمد بن حميد، تابعه محمد بن مهران عند أبي الشيخ في العظمة (1109)، وتابعه أيضًا يوسف بن موسى عند البزار كما في البحر الزخار (484)، فبقي في الإسناد جهالة حال الحكم بن عبد الله النصري وعنعنة أبي إسحاق،

الحديث رقم (5)

الحديث رقم (5) - الإرواء (1/ 91) رقم (52): حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: لم يعترض على حكم الشيخ، وإنما اعترض على فهم معنى كلمة قالها أبو حاتم. الراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا، وصححه أو حسنه جمع من الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، وقد فسر الشيخ اللفظة المعترض عليها بما لا يدع مجالًا لاعتراضه. والحديث رواه أبو داود (30)، والنسائي في الكبرى (9907)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300)، وأحمد (25220)، وابن أبي شيبة (1/ 6)، (10/ 203)، والدارمي (680)، والبخاري في الأدب المفرد (693)، وفي التاريخ الكبير (8/ 386)، وابن خزيمة (90)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (23)، وابن الجارود في المنتقى (42)، وابن المنذر في الأوسط (325)، والسراج في مسنده (31)، والطبراني في الدعاء (369)، وابن حبان (1444)، وابن الأعرابي في المعجم (1684)، والدارقطني في الأفراد كما في الأطراف (6339)، والحاكم (1/ 158)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 97)، وفي الصغير (73)، والدعوات (56)، والبغوي في شرح السنة (188)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (540)، والمزي في تهذيب الكمال (32/ 414)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (2/ 565 - 566) من طرق عن إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي

بردة عن أبيه عن عائشة به. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير يوسف بن أبي بردة، فقد روى عنه ثقتان، ووثقه العجلي، وابن حبان، وقال الحاكم: يوسف بن أبي بردة من ثقات آل أبي موسى، ولم نجد أحدًا يطعن فيه، وقد ذكر سماع أبيه من عائشة - رضي الله عنها-، وقد وثقه الذهبي في الكاشف، فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، والنووي في المجموع (2/ 75)، ولم يعارضهم أحد من أهل العلم غير ابن الجوزي، وقد اعتمد على ما نقله عن الترمذي بقوله: غريب فقط دون "حسن"، وهو بخلاف ما في السنن، وما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف (12/ 239)، وتهذيب الكمال، والنووي في المجموع وغيرهم، فهو المعتمد. ولم يعترض هذا المستدرِك على صحة الحديث أو حسنه، بل اعترض على ذكر الشيخ لأبي حاتم الرازي ضمن المصححين للحديث بناء على قوله في العلل لابنه (93): أصح حديث في هذا الباب -يعني في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء- حديث عائشة - رضي الله عنها -. فقال المعترض: ذكر الشيخ رحمه الله كما ذكر عدد كبير من المعاصرين أن الحافظ أبا حاتم الرازي ممن صحح الحديث، وهذا خطأ، سببه عدم فهم عبارة أبي حاتم رحمه الله. وأقول: صحيح أن قول العالم عن الحديث: إنه أصح شيء في الباب ليس صريحًا في تصحيحه، لكن فيه إشارة لذلك، إذ لو كان عنده ضعيفًا لبينه كما هو شأنهم في غالب أحوالهم، ثم ما هذه الجرأة على الشيخ رحمه الله وغيره من أهل العلم؟!، فهل بلغ الأمر بالشيخ إلى هذه الضحالة في هذا العلم حتى لا يفهم

عبارة أبي حاتم رحمه الله الواضحة حتى يفهِّمه هذا المتسرع؟! فهل يجرؤ هذا المتسرع على وصف الحافظ ابن حجر رحمه الله بذلك حيث قال في بلوغ المرام (90) عن هذا الحديث: صححه أبو حاتم، والحاكم؟ ثم إن هذا المتسرع لو كان يريد إنصاف الشيخ رحمه الله لبحث عن حكمه على الحديث في سائر كتبه، ولقد قال في صحيح أبي داود (23) تفسيرًا لعبارة أبي حاتم: هذا لا يفيد صحة الحديث، كما هو مقرر في المصطلح، وإنما يفيد صحة نسبية. فهل يدعي هذا المتسرع بعد ذلك أن الشيخ لم يفهم عبارة أبي حاتم؟! ثم هب أن الشيخ رحمه الله أخطأ في تفسير هذه اللفظة على الإطلاق في كل كتبه، فما الداعي لإيراد الحديث برقم منفصل في كتاب سماه مستدرك التعليل؟! فأين العلة في هذا الحديث؟! وأقول: في تحسين الترمذي للحديث، وتصحيح ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم رد لدعوى المعترض مخالفة شيخنا الألباني منهج الأئمةالمتقدمين، بل فيه دليل على استحقاقه لهذه التهمة حيث لم ينقل، ولم أقف على تضعيف الحديث لأحد من الأئمة المتقدمين؟! ***

الحديث رقم (6)

الحديث رقم (6) الإرواء (1/ 120) رقم (79): قال أبو داود رحمه الله (356): حدثنا مخلد بن خَالِد حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخبرنَا ابن جُرَيجٍ قَالَ: أُخبِرت عَن عُثَيمِ بنِ كُليب عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ أَنَّه جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قَد أَسلمتُ. فقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَلقِ عَنْكَ شعْرَ الكُفْرِ ". يَقُولُ: "احْلِق". قَالَ: وَأَخبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لآخَرَ مَعَهَ: " أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ وَاخْتَتِن". حكم الشيخ رحمه الله: حسن بشواهده. حكم المستدرك: ضعيف، وشواهده لا تصلح لتقويته. الراجح عندي: شواهده لا تقويه، والشيخ إمام له اجتهاده، فكان ماذا؟ والحديث رواه أحمد (15432)، وعبد الرزاق (9835)، (19224)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1692)، (2795)، وابن عدي (1/ 222)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (982)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 172)، (8/ 323 - 324)، وفي الصغير (3401)، (3402)، وفي المعرفة (13/ 62) كلهم من طريق ابن جريج به. قال ابن عدي: هذا الذي قاله ابن جريج في هذا الإسناد: وأخبرت عن عثيم ابن كليب، إنما حدثه إبراهيم بن أبي يحيى، فكنى عن اسمه، ثم رواه من طريق ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى به، وكذا رواه من طريقه أبو نعيم في المعرفة (3862)، (5869)، وابن قانع في معجمه (2/ 389)، لكن لم يذكر عند ابن قانع ابن جريج.

وإبراهيم بن أبي يحيى متهم بالكذب. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 43): هو غاية في الضعف، مع الانقطاع الذي في قول ابن جريج: أخبرت، وذلك أن عثيم بن كليب وأباه وجده مجهولون. وقال في (5/ 669): مجهول الإسناد، ويتوهم فيه مع ذلك توسط الكذب. ورواه ابن قانع (2/ 383) من طريق خالد بن عمرو عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن كثير بن كليب عن أبيه بنحوه. وخالد بن عمرو، وهو القرشي الأموي اتهمه صالح جزرة وابن عدي بوضع الحديث، ووهاه غيرهما، فالإسناد تالف. والشيخ رحمه الله قد قرر ما في هذا الحديث من علل، فلا استدراك عليه فيه، وهو وإن اختصر القول فيه في الإرواء إلا أنه بسط القول فيه في صحيح أبي داود (383)، وقد أحال عليه الشيخ، فلم يشر إلى ذلك هذا المستدرِك، وظل يتكلم على علله وأطال في ذلك، وكأنه أبو عذرتها، وكثيرًا ما يصنع ذلك، والحشو في كلامه كثير يدركه من له قدر من الدراية بهذا الفن الشريف. وقد حسنه الشيخ رحمه الله لشواهده، فمن ذلك: ما رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2618)، والطبراني في الكبير ج (19) رقم (20) كلاهما من طريق قتادة بن الفضيل بن قتادة الرهاوي عن أبيه حدثني هشام بن قتادة الرهاوي عن أبيه قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فأسلمت، فذكر نحوه. قال الشيخ رحمه الله كما نقله عنه الشيخ حمدي السلفي: هشام بن قتادة لا يعرف، فلم يزد هذا المستدرِك على هذا شيئًا مؤثرًا كما هي عادته في الأغلب، مع أن في

الإسناد الفضيل بن قتادة الراوي عنه، ولم أجد من ترجمه، ولا رأيت له راوًيا غير ابنه قتادة. وللحديث شاهد آخر ذكره الشيخ، وهو ما رواه الطبراني في الكبير ج (22) رقم (199)، والصغير (866)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (469)، والحاكم (3/ 570)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 329)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 463)، والخطيب في تاريخ بلده (13/ 71 - 72)، وابن عساكر في تاريخه (65/ 269 - 270) كلهم من طريق سليم بن منصور بن عمار عن أبيه عن معروف أبي الخطاب عن واثلة بن الأسقع قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم -، فأسلمت، فقال: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ". وفي إسناده منصور بن عمار، قال ابن عدي: منكر الحديث، وضعفه غيره، وقال الذهبي: ساق له ابن عدي أحاديث تدل على أنه واهٍ في الحديث. ومعروف قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: له أحاديث منكرة جدًّا، قال الذهبي: وشذ ابن حبان، فأخرجه في كتاب الثقات. فالذي يظهر أن الحديث لا يتقوى بطرقه، وقد بين الشيخ رحمه الله أن هذا الشاهد ليس فيه ذكر الأمر بالختان في صحيح أبي داود. قلت: وتقوية الشيخ للحديث مبناه على الاجتهاد، ولم يذكر المعترض تضعيف الحديث عن أحد من المتقدمين، فأين ما ادعاه من المخالفة؟!.

الحديث رقم (7)

الحديث رقم (7) الإرواء (1/ 122) رقم (81): حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لم يَذْكر اسْمَ الله عَلَيهِ". حكم الشيخ رحمه الله: حسن بشواهده. حكم المستدرك: ضعيف، وطرقه وشواهده لا تقويه. والراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا كما ذهب إليه الشيخ، ووافقه على تقويته جماعة من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه أبو داود (101)، (102)، والترمذي في العلل الكبير (17)، وابن ماجه (399)، وأحمد (9418)، وأبو يعلى (6409)، والطبراني في الأوسط (8080)، وفي الدعاء (379)، والدارقطني في سننه (1/ 79)، والحاكم (1/ 146)، والبيهقي (1/ 43)، والبغوي في شرح السنة (209)، وابن الجوزي في التحقيق (120)، والترمذي في تهذيب الكمال (11/ 332 - 333)، وابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 224 - 225) كلهم من طريق محمد بن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، وقد أحتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار، ولم يخرجاه. فتعقبه الذهبي بقوله: صوابه: ثنا يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة، وإسناده فيه لين. وقال البخاري: يعقوب بن سلمة مدني لا يعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف

لأبيه سماع من أبي هريرة، فتعلق بذلك المعترض، فقال: فالإسناد منقطع في موضعين، الله أعلم من الواسطة فيهما. وهذا يدل على قدر معرفته بهذا العلم الشريف، فإن البخاري يحترز في مسألة السماع احترازًا بالغًا، حتى كان اهتمامه بها في تاريخه أعظم من اهتمامه بحال الرواة عدالة وجرحًا، وقد قال في علل الترمذي الكبير ص (207): بشير بن نهيك لا أرى له سماعًا من أبي هريرة، وقد اخرج حديثه في صحيحه مسندًا برقم (5864)، فهل يجرؤ هذا المعترض عل الحكم بانقطاع هذا الإسناد في صحيح البخاري؟! ثم ذكر قول الحافظ: عن سلمة أبي يعقوب: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، وهذه عبارة عن ضعفه، فإنه قليل الحديث جدًّا، ولم يرو عنه سوى ولده، فإذا كان يخطيء مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة؟! فعقب المعترض: بقوله: فهو نازل عن درجة الاعتبار، وقال: هذا الرواي الضعيف جدًّا لا يصلح للاعتبار. قلت: إن كلام الحافظ لا يفهم منه أكثر من الاعتراض على ابن حبان في توثيقه، ولا يفهم منه تضعيفه الشديد لهذا الراوي، بل عبارة ابن حبان: ربما أخطأ أقرب إلى التوثيق منها إلى التضعيف، فإن كلمة (ربما) تدل على وقوع الخطأ في بعض الأحيان، لا في كلها، وقد قال الحافظ في التقريب عن سلمة الليثي: لين الحديث، وهو من التضعيف الهين، وقد سبق قول الذهبي: وإسناده فيه لين، وهو أيضًا من التضعيف الهين بخلاف ما ادعاه هذا المعترض!. والحديث له شواهد، منها: حديث أبي سعيد عند الترمذي في العلل الكبير (18)، وابن ماجه (397)،

وأحمد (11370)، (11371)، وابن أبي شيبة (1/ 7)، وأبي عبيد في الطهور (55)، وعبد بن حميد (911) وغيرهم من طريق كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده مرفوعًا به. ورجاله ثقات غير كثير بن زيد، فهو حسن الحديث، وربيح بن عبد الرحمن قال أحمد ليس بمعروف، وقال أبو زرعة: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح، وحاصل أقوالهم ما انتهى إليه الحافظ بقوله: مقبول. فالإسناد صالح في الشواهد. وحديث سعيد بن زيد، رواه الترمذي (25)، وفي العلل (16)، وابن أبي شيبة (1/ 7 - 8، 11)، وفي المسند (630) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان عن جدته عن أبيها سعيد بن زيد مرفوعًا به. ورباح روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات، وأبو ثفال، واسمه ثمامة ابن وائل. قال البزار: مشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال عن حديثه: ليس في هذا الباب حديث أحسن عندي من هذا. وقال عنه في التقريب: مقبول، فالإسناد صالح في الشواهد. وللحديث طرق أخرى ضعيفة ذكرت بعضها في تخريجي لمنتخب عبد بن حميد (911).

- تسرع الناشئين في علم الحديث بالاعتراض على أئمته

وأقل أحواله أن يكون حسنا لغيره، والله أعلم. - تسرع الناشئين في علم الحديث بالاعتراض على أئمته: قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 223): ثبت عن أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثًا ثابتًا، قال الحافظ: لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة، فلا ينتفي الحسن، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع. قلت: وهذا التقرير لا يدركه كثير من الناشئين، ولذلك يكثر منهم الاعتراض على أهل هذا الفن المتحققين به أمثال شيخنا الألباني رحمه الله، والله المستعان. قال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 237): قال ابن الصلاح: ثبت بمجموعها ما يثبت به الحديث الحسن، والله أعلم. وقال في التلخيص الحبير (1/ 75): الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قاله. وقال المجد ابن تيمية في المنتقى -باب التسمية للوضوء: الجميع في أسانيدها مقال قريب، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 135): قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: ولا يخلو هذا الباب من حسن صريح، وصحيح غير صريح. قلت: فتحصل أن الإِمام أحمد ضعف الحديث تضعيفًا غير صريح، وجزم بصحته أبو بكر بن أبي شيبة، وكلاهما من المتقدمين، فمع التسليم بتضعيف أحمد الصريح له يكون من اختلاف المتقدمين، وقد وافق أبا بكر بن أبي شيبة ابن الصلاح، وابن سيد الناس، والمجد ابن تيمية، وابن حجر، فلا تعلق فيه لدعوى المعترض مخالفة الشيخ رحمه الله للمتقدمين في منهجه، والله المستعان.

الحديث رقم (8)

الحديث رقم (8) الإرواء (1/ 129) رقم (91): قول علي لابن عباس: أَلاَ أتَوَضَّأُ لَكَ وُضُوءَ النبي صلى الله عليه وسلم؟، قَلتُ: بَلىَ، فِدَاكَ أَبي وَأُمِّي. قَالَ: فَوضع إِنَاءً، فغَسَلَ يَديهِ، ثُمَّ مضمض، وَاستَنشَقَ، واستَنثَر، ثُمَّ أخذ بِيَديهِ، فَصَكَّ بِهَا وجهه، وأَلقم إبهاميه مَا أَقبَلَ مِنْ أذُنَيه، قَالَ: ثُمَّ عَاد في مِثلِ ذَلِكَ ثلاَثًا، ثُمَّ أَخَذ كَفًّا من ماءٍ بِيَدِهِ اليمنَى، فَأَفرَغَهَا عَلىَ نَاصِيتهِ، ثُمَّ أَرْسلَهَا تسيل عَلىَ وَجهِهِ، وذكر بقية الوضوء. قلت: بقية الحديث كما هو لفظ أبي داود: ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعًا، فأخذ حفنة من ماء، فضرب بها على رجله، وفيها النعل، ففتلهابها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين؟، قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟، قال: وفي النعلين. حكم الشيخ رحمه الله: سنده حسن. حكم المستدرك: الحديث معلول. الراجح عندي: سنده حسن كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وقد سبقه بذلك جماعة من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه أبو داود (117)، وأحمد (625)، والبزار كما في البحر الزخار (464)، وابن خزيمه (153)، وأبو يعلى (600)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 32، 34 - 35)، وابن حبان (1080)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 53 - 54، 74)، والضياء في المختارة (609)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (578) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة

عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس به. قال ابن الجوزي: محمد بن إسحاق مجروح قد كذبه مالك وهشام. قلت: أما هشام، وهو ابن عروة فقد ذكر الذهبي في الميزان عن أحمد بن حنبل حدثنا يحيى قال: وقال هشام بن عمار: أهو كان يدخل على امرأتي يعني محمد بن إسحاق، وامرأته فاطمة بنت المنذر. قال الذهبي: وما يدري هشام بن عروة؟ فلعله سمع منها في المسجد، أو سمع منها وهو صبي، أو دخل عليها، فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا؟!، وقد كانت امرأته قد كبرت، وأسنت. وأما مالك فالذي بينهما هو من قبيل ما يقع بين الأقران، قال يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس قال: كنت عند مالك، فقيل له: إن ابن إسحاق يقول: اعرضوا علي علم مالك، فإني بيطاره، فقال مالك: انظروا إلى دجال من الدجاجلة. وقال يعقوب بن شيبة: سألت ابن المديني عن ابن إسحاق قال: حديثه عندي صحيح. قلت: فكلام مالك فيه؟، قال: مالك لم يجالسه، ولم يعرفه، وأي شيء حدث بالمدينة؟، قلت: فهشام بن عروة قد تكلم فيه؟، قال: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام، فسمع منها، وإن حديثه ليتبين فيه الصدق. قلت: حاصل أقوالهم قول أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، ولكنه مدلس، وقد صرح بالتحديث عند أحمد وغيره، فزال ما يخشى من تدليسه، ومحمد بن طلحة وعبيد الله الخولاني ثقتان، فالإسناد حسن، لكن قال الشافعي كما في سنن البيهقي (1/ 73 - 74): ليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد، ونقل البيهقي أيضًا عن الترمذي قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا

-تطاول المستدرك على الإمام أحمد شاكر

الحديث، فقال: لا أدري ما هذا الحديث، فكأنه رأى الحديث الأول أصح يعني حديث عطاء بن يسار. قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (1/ 210): وفي هذا السلك نظر، فإن البخاري روى في صحيحه حديث ابن عباس - رضي الله عنه - كما سيأتي، وقال في آخره: ثم أخذ غرفة من ماء، فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها، يعني رجله اليسرى ثم قال هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يتوضأ (¬1)، وذكر رحمه الله سبعة أوجه في رد تضعيف هذا الحديث، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: ثبت التوضؤ في النعلين، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وسيأتي في الكتاب (يعني صحيح أبي داود) في باب وقت الإحرام من الحج رقم (1554) فمثل ما أولوا، وفسروا هذين الحديثين يفسر حديث ابن عباس عن علي، وبيان ذلك في المطولات كـ"الفتح" وغيره، كـ"تهذيب السنن" لابن القيم، وقد أطال النفس فيه، وأجاد بما لا يوجد مجموعًا في كتاب، فراجعه. قلت هذا هو المعتبر، إذ إن الاعتراض على قبول الحديث من ناحية المتن، لا من ناحية الإسناد، فإذا أمكن توجيه المتن، والجمع بينه وبين ما عارضه من النصوص وجب المصير إليه، كما هو معلوم ومقرر في باب اختلاف الحديث. -تطاول المستدرِك على الإِمام أحمد شاكر: وأما المعترض فلم يأت بشيء سوى التطاول على الكبار متل قوله عن الشيخ الإِمام أحمد شاكر: قد علق العلامة أحمد شاكر على تضعيف البخاري لهذا الحديث بقوله: وما أدري أنا وجه تضعيف البخاري إياه، محمد بن إسحاق ثقة، وزعم بعضهم أنه مدلس، وقد ارتفعت هذه الشبهة إن وجدت بتصريحه في هذا الإسناد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (140) - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة.

بالتحديث، فلا وجه لتضعيف (¬1) هذا الحديث، فقال المعترض: إذا كان الشيخ شاكر لا يدري ما وجه تضعيف البخاري، فلا ينبغي الجزم بأنه لا وجه لتضعيف هذا الحديث حتى يبحث عن علة الخبر عند البخاري. وهذه مشكلة منتشرة بين المتأخرين - مع الأسف، وهي المسارعة إلى رد كلام الحفاظ الأثبات بدون بحث وتأمل وتأني. وأقول: أنا لا أدري متى ينتهي هؤلاء عن التطاول على الأئمة الأعلام، أسأل الله أن يطهر الكتب الإسلامية والعمل الإسلامي من مثل هذا، إنه سميع قريب مجيب الدعاء. ومع وصف هذا المستدرِك للشيخ الإِمام أحمد شاكر بما حاصله الجرأة والجهل والتسرع، فقد أثبت لنفسه البحث والتأمل والتأني بقوله: وهذا الخبر له علتان هما التفرد والنكارة، وقد أشار إلى هذا البخاري بقوله: ما أدري ما هذا؟ وأقول: ليس في كلام البخاري سوى الاعتراض على ظاهر المتن والحكم الظاهر من الحديث، وقد سبق الجواب عنه، وأما التفرد فإعلال الحديث به مع غيره من أفاعيل هذا المعترض، وقد سبق الجواب عنه بما لا حاجة لإعادته. وعلى أي حال فإن كان الشافعي والبخاري قد ضعفا هذا الحديث، فقد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وهما من المتقدمين بلا ريب، فقد اختلف المتقدمون في الحكم عليه بين مصحح ومضعف، وعليه فلا تعلق لهذا المتسرع بما ادعاه من خلاف إمام المحدثين لمنهج المتقدمين في تصحيح الأحاديث وإعلالها. ¬

_ (¬1) هل فات المستدرك أن يعد قول الشيخ العلامة أحمد شاكر: لا وجه لتضعيف البخاري الحديث مما لم يحسن فيه الشيخ مخاطبة الأئمة أم ماذا؟!.

الحديث رقم (9)

الحديث رقم (9) الإرواء (1/ 130) رقم (92): حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: "هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح لشواهده. حكم المستدرك: ضعيف، وطرقه لا يقوي بعضها بعضًا. الراجح عندي: الحديث صحيح بمجموع طرقه كما قال الشيخ، وسبقه جمع من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه أبو داود (145)، وأبو عبيد في الطهور (328)، وأبو يعلى (4269)، وتمام في الفوائد (725)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 54)، والبغوي في شرح السنة (215)، والمزي في تهذيب الكمال (31/ 13) كلهم من طريق أبي المليح عن الوليد بن زوران عن أنس به. قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (133): هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري، غير الوليد بن زوران قال المصنف (يعني أبا داود) عقب الحديث: ابن زوران روى عنه حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي. قال الشيخ: وروى عنه جعفر بن برقان أيضًا، وعبد الله بن معية الجزري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الآجري عن المصنف: لا ندري سمع من أنس أو لا، وقال الذهبي في الميزان: ليس بحجة، مع أن ابن حبان وثقه، وقال الحافظ في التقربب: إنه لين الحديث، وأما في التلخيص، فقال: مجهول الحال، وتبع في ذلك ابن القطان، فقد قال ابن القيم في التهذيب: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا، لأنه من طريق الوليد بن زوران، وهو مجهول، وكذا أعله ابن

إخلال المستدرك بالأمانة العلمية

القطان بأن الوليد هذا المجهول الحال، وفي هذا التعاجل نظر، فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال، وأبو المليح الحسن بن عمرو الرقي وغيرهم، ولم يعلم فيه جرح (¬1). قال الشيخ: فكأنه مال إلى تقوية هذا الإسناد، وهو محتمل. إخلال المستدرك بالأمانة العلمية: قت: ومع هذا البحث الرائق لهذا الإمام، فقد نقل هذا المستدرِك كلام الإمام ابن القيم الذي نقله الشيخ، ثم رده بما ذكره الشيخ من كلام أبي داود والذهبي وابن حجر موهمًا أنه الذي جاء بهذه النقول، وهذا خلاف الأمانة العلمية بمثل ما وقع منه فى مواضع كثيرة، والله المستعان، ولم يأت بفائدة تذكر، وإنما علق برأيه الذي ليس منه كبير فائدة، وهذا حال كثير من هؤلاء المتسرعين، والله المستعان. قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2251): الوليد هذا مجهول الحال، ولا يعرف بغير هذا الحديث، وله إسناد جيد عن أنس، سنذكره به -إن شاء الله- في باب الأحاديث التي أوردها على أنها صحيحة، وليست كذلك من تلك الطرق، ولها طرق أحسن منها صحيحة أو حسنة، ثم قال رحمه الله في هذا الباب رقم (2430): ذكر محمد بن يحيى الذهلي في كتابه في عال حديث الزهري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار -من أصله- وكان صدوقًا قال: حدثنا محمد ابن حرب قال حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) في هذا بيان أن الإمام ابن القيم رحمه الله يرى أن رواية الثقة تنفع الرواي المجهول كما بينته في كتابي "القول الحسن في كشف شبهات حول الاحتجاج بالحديث الحسن". وقد اعترض الزيلعي في نصب الراية (1/ 23) على ابن القطان في تجهيله الوليد بقوله: قول ابن القطان: إنه مجهول هو على طريقته في طلب زيادة التعديل مع رواية جماعة عن الرواي.

توضأ، فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم قال: "هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ". قال ابن القطان الفاسي: هذا الإسناد صحيح، ولا يضره رواية من رواه عن محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس، فقد يراجع كتابه، فيعرف منه أن الذي حدثه به هو الزهري، فيحدث به، فيأخذه عنه الصفار وغيره، وهذا الذي أشرت إليه هو الذي اعتل به عليه محمد بن يحيى الذهلي حين ذكره. ونص كلامه هو أن قال: حدثنا يزيد بن عبد ربه قال: حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ، فأدخل أصابعه تحت لحيته. قال محمد بن يحيى: المحفوظ عندنا حديث يزيد بن عبد ربه، وحديث الصفار واه، هذا نص ما قال، فانظر فيه، ويزيد بن عبد ربه ثقة. اهـ. قلت: علق الذهبي في رده على ابن القطان ص (54) رقم (71) بقوله: كفانا الذهلي مؤنتك. قلت: يقوي ما ذهب إليه الفاسي أن الصفار مع كونه صدوقا كما قال الذهلي قد توبع، تابعه: كثير بن عبيد الحذاء -وهو ثقة- عند الطبراني في الشاميين (1691)، ومحمد بن وهب بن أبي كريمة -وهو صدوق- عند الحاكم (1/ 149)، وبذلك تترجح رواية الثلاثة على رواية يزيد بن عبد ربه، ويصح الإسناد كما ذهب إليه ابن القطان الفاسي، والله أعلم. وأما قول المعترض عن متابعة محمد بن وهب: إن هذه المتابعة لا تفيد شيئاً، لأن علة الحديث هي الانقطاع فدال على أنه لا يدري ما يقول لأن الخلاف بين هؤلاء الثلاثة وبين يزيد في إثبات الزهري في الإسناد كما في روايتهم، وبين عدم إثباته كما في رواية يزيد، وترجيح رواية الثلاثة هو الذي يجري على قواعد هذا

الفن الشريف، وأما احتجاجه بقول الحافظ: ررجاله ثقات إلا أنه معلول، فليس صريحًا في ترجيحه الإعلال، وإنما هو حكايه الخلاف، وهب أنه رجح، فهل هو من المتقدمين كما يحلو لهؤلاء أن يفرقوا بين العلماء؟!. وللحديث طرق كثيرة عن أنس، منها: ما رواه الحاكم (1/ 149) من طريق مروان الفزاري عن أبي إسحاق الفزاري عن موسى بن أبي عائشة عن أنس به قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (16): الخطأ من مروان، موسى بن أبي عائشة يحدث عن رجل عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال في (84): هذا غير محفوظ. قلت: رواه ابن ماجه (431)، وابن أبي شيبة (1/ 25)، وابن سعد (1/ 386)، وابن عدي في (2/ 137)، والطبري في تفسيره (6/ 77)، والطبراني في الأوسط (520)، والخطيب في الموضح (2/ 453) من طرق عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا. ويزيد الرقاشي ضعيف. - ورواه الطبراني في الأوسط (2976)، (5127)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 257) من طريق عيسى الأزرق عن مطر الوراق عن أنس بنحوه. وعيسى -وهو ابن يزيد الأزرق- مقبول، ومطر الوراق صدوق كثير الخطأ كما في التقريب. - ورواه بحشل في تاريخ واسط ص (69)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 54) من طريق أبي خالد عن أنس مرفوعًا به، وأبو خالد مولى الحجاج لم أقف له على ترجمة.

- ورواه بحشل ص (58) من طريق راشد بن معبد عنه، وراشد اتهمه ابن حبان بالوضع. - ورواه الطبري (6/ 77)، وابن عدي (3/ 199، 300 - 301) من طريق معاوية بن قرة عن أنس، وفي إسناده زيد العمي، وهو ضعيف. ورواه البزار (6671)، والدولابي في الكنى (929)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (978)، وابن عدي (1/ 357) من طريق أيوب بن عبد الله الملاح سمعت الحسن، وسئل عن الوضوء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وخلل لحيته، ومسح على عمامته، وقال: حدثني أنس بن مالك أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عدي: وأيوب بن عبد الله هذا لم أجد له من الحديث غير هذا الحديث الواحد، وهو من هذا الطريق لا يتابع عليه. ورواه أبو يعلى (3487)، ثنا عمرو بن الحصين ثنا حسان بن سياه عن ثابت عن أنس، وهو إسناد واه، فإن عمرًا متروك، وحسان ضعيف. ورواه ابن عدي (7/ 115)، والخطيب في الموضح (2/ 450 - 451) من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن زياد عن أنس، وهاشم ضعيف. ورواه العقيلي (3885) والطبراني في الأوسط (4465)، وابن حبان في المجروحين (2/ 55 - 56) من حديث أبي حفص العبدي عمر بن حفص عن ثابت عن أنس، وأبو حفص ضعيف، وتابع أبا حفص عمر بن ذؤيب عند العقيلي (3890)، وقال العقيلي: مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ. ورواه الطبراني في الأوسط (452) من طريق إسحاق بن عبد الله التميمي الأذني قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس، والأذني مجهول الحال. وللحديث شواهد، منها:

ما رواه الترمذي (29)، وابن ماجه (429)، والطيالسي (680)، وابن أبي شيبة (1/ 24)، (14/ 177)، وفي المسند (433)، والحميدي (146) كلهم من طريق عبد الكريم أبي أمية عن حسان بن بلال عن عمار مرفوعًا، وعبد الكريم متروك. ورواه الترمذي (30)، وابن ماجه (429)، والحميدي (147)، وغيرهم من طريق سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان به. قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (60): لو كان صحيحًا لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث الخبر، وهذا أيضًا مما يوهنه. وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 31): ولا يصح حديث سعيد. ومن حديث أبي أيوب الأنصاري عند ابن ماجه (433)، وأحمد (23541) والترمذي في العلل الكبير (20)، وأبي عبيد في الطهور (327)، والطبراني (6/ 77)، والعقيلي (6306)، وابن عدي (7/ 86)، والطبراني في الكبير (4068). قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا لا شيء، فقلت: أبو سورة ما اسمه؟ قال: لا أدري، ما يصنع به؟، عنده مناكير، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب. ومن حديث جابر عند أحمد في العلل (1612)، وابن عدي (1/ 403)، والخطيب في تاريخه (7/ 33)، وضعفه أحمد جدًّا من أجل أصرم بن غياث. ومن حديث وائل بن حجر عند البزار كما في كشف الأستار (268)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (118) في حديث طويل، وضعفه الهيثمي كما في المجمع (1/ 232)، بسعيد بن عبد الجبار ومحمد بن حجر.

ومن حديث أبي بكرة عند البزار (3687)، وقال المعلق: شيخ البزار لم أجد من ترجمه. ومن حديث ابن عمر عند ابن ماجه (432)، والطبراني في الأوسط (1363)، والدارقطني في سننه (1/ 106 - 107)، والبيهقي (1/ 55)، وابن عساكر (39/ 191). وصوب الدارقطني وقفه. ومن حديث أم سلمة عند الطبراني في الكبير ج (23) رقم (664)، وفي إسناده خالد بن إلياس قال الهيثمي في الجمع (1/ 235): لم أر من ترجمه. قلت: بل لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الرواة، قال ابن عبد البر: ضعيف عند جمعيهم. ومن حديث أبي الدرداء عند ابن عدي (2/ 84)، وهو من رواية الحسن عنه، ولم يذكر سماعًا منه. وفي الإسناد تمام بن نجيح وثقه ابن معين، وقال البخاري فيه نظر، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه. ومن حديث ابن عباس عند الطبراني في الأوسط (2277)، والعقيلي (6142)، وتمام في الفوائد (1775)، وفي إسناده نافع مولى يوسف السلمي كذبه ابن معين، ووهاه غيره. ومن حديث ابن أبي أوفى عند أبي عبيد في الطهور (84)، (326) وعند ابن ماجه (416)، والطبر اني في الأوسط (9362) بدون ذكر التخليل، وفي إسناده فائد أبو الورقاء، وهو ضعيف جدًّا.

-إخفاء المستدرك لكلام الأئمة

ومن حديث أبي أمامة، أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 26)، (13/ 178)، وأبو عبيد في الطهور (332)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 160 - 161)، والطبري في تفسيره (6/ 77)، والخطيب في المتفق والمفترق (1214) كلهم من طريق عمر بن سليم الباهلي عن أبي غالب قال: رأيت أبا أمامة توضأ ثلاثًا ثلاثاً، وخلل لحيته، وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله، وأبو غالب اسمه حزور قال النسائي: ضعيف، والنسائي متشدد في الجرح، وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته، وهو أيضًا متشدد في الجرح، ومع ذلك قال: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهذا يعني أنه لا يسقطه، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وهو مع تشدده أيضًا فإن ذلك ليس جرحًا مفسرًا، وفي الجامع في الجرح والتعديل: قال البرقاني: سمعته (يعني الدارقطني): أبو غالب اسمه حزور، بصري لا يعتبر (¬1) به، وقلت له مرة أخرى: أبو غالب عن أبي أمامة؟ فقال: بصري، واسمه حزور، قلت: ثقة؟ قال: نعم، قلت: ورواية التوثيق أولى لكون الدارقطني لم يذكره في الضعفاء له، وقال ابن معين: صالح الحديث، هذا مع تشدده، وضعفه ابن سعد، ووثقه موسى بن هارون، فحاصل أقوالهم، ما ذهب إليه ابن عدي حيث قال: لم أر في أحاديثه حديثًا منكرا، وأرجو أنه لا بأس به، قال الحافظ في التهذيب: وحسن الترمذي بعض أحاديثه، وصحح بعضها. -إخفاء المستدرك لكلام الأئمة: وأما المعترض، فقد ضعفه كما هي عادته والذي يشينه في ذلك جدًّا هو إخفاؤه توثيق موسى بن هارون، وهو من أئمة الجرح والتعديل المعتبرين، والله المستعان. ¬

_ (¬1) في تهذيب التهذيب: يعتبر به، بدون (لا)، ولعلها أقرب، لتوثيقه إياه.

وعمر بن سليم قال أبو حاتم: شيخ، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال العقيلي: غير مشهور، يحدث بمناكير، والأقرب ما قاله أبو زرعة، فإن العقيلي متشدد ولذا قال الحافظ: صدوق، له أوهام. ورواه البخاري في تاريخه الكبير (6/ 161) من طريق أبي عباد آدم عن أبي غالب: رأى أبا أمامة - رضي الله عنه - يخلل لحيته، وكانت رقيقة. هكذا رواه مختصرًا، فلم يذكر صفة الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، فظنه المستدرِك اختلافًا بين الوقف والرفع، وليس كذلك، وإنما اختصره أبو عباد، وآدم بن الحكم أبو عباد قال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا، وهو مقل، فأحسن أحواله أن يكون حسن الحديث، فلو صرنا إلى المعارضة بين روايتهما كما ذهب هذا المستدرِك لكان عمر بن سليم مقدمًا عليه، وأحسن أحواله أن يحمل الحديث على الوجهين، والله أعلم. فالإسناد حسن. - ومن حديث عائشة، أخرجه أحمد (25970)، (25971)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1371)، وأبو عبيد في الطهور (329)، والحاكم (1/ 150) وابن مردويه في حديث أبي الشيخ (140)، والخطيب في تاريخ بلده (11/ 414)، وابن عساكر (27/ 89)، (52/ 50) كلهم من طريق عمرو بن أبي وهب عن موسى بن ثروان عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عائشة. وقد نقل المعترض عن ابن دقيق العيد قوله: والذي اعتل به في هذا الحديث: الاضطراب، قيل: موسى بن ثروان من رواية شعبة، وقيل: ابن ثروان من رواية وكيع وأبي عبيدة الحداد، وقال صالح: إن أباه قال: موسى النجدي هو موسى بن ثروان.

قلت: وأي اضطراب في هذا، هل هناك اختلاف بين من يقول: موسى بن ثروان، وبين من يقول: ابن ثروان، ثم إن ابن دقيق العيد قد نقل عن أحمد ما يدفع دعوى الاختلاف حيث قال: قال صالح: إن أباه قال: موسى النجدي هو موسى ابن ثروان. ولتتأمل موقف هذا الذي أصبح مولعاً برد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمبادرة بتضعيفه، وإن لم ير فيه علة حيث قال: لم أتمكن الآن من الوقوف على علة هذا الخبر غير الاضطراب الذي ذكره ابن دقيق العيد. ولا عذر له فيما نقله عن أحمد في إطلاق تضعيف الحديث مع إخراجه له، لأننا أولاً لسنا مقلدين له، ولا ندري ما الذي حمله على ذلك. والحديث حسن إن كان طلحة سمعه من عائشة، وقد حسنه الحافظ في التلخيص (1/ 86). ومن حديث عثمان، أخرجه أبو داود (110)، وابن ماجه (430)، وأحمد (453)، وعبد الرزاق (125)، وابن أبي شيبة (1/ 18، 26)، والدارمي (704)، (08 7)، وابن خزيمة (151)، (52 1، 167)، وابن حبان (1081)، والبزار (393)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 32)، وابن المنذر في الأوسط (370)، وابن الجارود في المنتقى (72)، والحاكم (1/ 148 - 149)، والدارقطني (1/ 86)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 54، 63)، وفي الصغير (92)، وفي المعرفة (1/ 299 - 300)، والضياء في المختارة (343) - (346) كلهم من طريق عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان، وعامر قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، فالظاهر أنه حسن الحديث، ولذا قال الترمذي في العلل الكبير (19): قال محمد يعني البخاري: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان.

-تحريف المستدرك كلام الإمام البخاري بما لم أره لغيره

قال الترمذي: إنهم يتكلمون في هذا الحديث؟ فقال: هو حسن. وقال الترمذي في سننه: حسن صحيح، وفي مسائل أبي داود ص (309): سمعت أحمد غير مرة يقول: أحسن شيء فيه يعني تخليل اللحية: حديث شقيق عن عثمان، يعني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، والضياء. -تحريف المستدرِك كلام الإمام البخاري بما لم أره لغيره: وأما المستدرِك فلن يعدم إعلالًا بالتفرد كما هي عادته، وليس ذلك بغريب منه، فقد أصبحت شنشنة له، لكن العجيب أن يحاول أن يحرف كلام البخاري بطريقة لم أر مثلها حيث قال ص (84): يحتمل أن يكون تحسينًا، كما هو ظاهر اللفظ، وأقول: لماذا لا تقنع بظاهر اللفظ؟، وما القرينة التي حملتك على صرف الكلام عن ظاهره؟، ثم قال: ويحتمل أن يكون جوابًا عن قول الترمذي: إنهم يتكلمون فيه: أي هو حسن يبقى مع هذا الكلام أصح شيء له. وأقول: قوله أي هو حسن، فأقول: وصفه بحسن منصرف بلا شك للحديث، فما وجه اختلافه عن الاحتمال الأول سوى التمويه على من لا يدري؟ وهل هذه طريقة من يريد بيان الحق؟!!!. ثم عقَّب بكلام لا معنى له، ولا حاجة في تضييع الجهد في مناقشته، والله المستعان. ثم إن عامرًا متابع، وليس كما ادعاه هذا المتسرع، فقد رواه الطبراني في الأوسط (6253)، وفي الشاميين (2452)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 206) من طريق شعيب بن رزيق عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب عن عثمان

مرفوعًا به. وشعيب: صدوق يخطئ، وعطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، ويرسل، ويدلس. فهو سند صالح في المتابعات، والحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب. قال العقيلي (4/ 135): روي التخليل من غير هذا الوجه بإسناد صالح. وقال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح ص (136): صححه مطلقا الترمذي، والدارقطني، وابن خزيمة، والحاكم، وغيرهم، وقال ص (137): بمجموع ذلك (يعني طرقه) حكموا على أصل الحديث بالصحة، وكل طريق منها بمفردها لا يبلغ درجة الصحيح، والله أعلم. وقد أدخله أبو بكر بن أبي شيبة فيما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال منكرًا على أبي حنيفة: وذكر أن أبا حنيفة كان لا يرى تخليل اللحية. فهل ينكر عليه في المسائل المحتملة، وعلى كل حال فقد صححه البخاري والترمذي، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وضعفه أحمد وأبو حاتم، وكلهم من المتقدمين، فليس لهذا المتسرع تعلق بما ادعاه من مخالفة الشيخ الألباني للمتقدمين في منهجه في التصحيح، والحمد لله رب العالمين.

الحديث رقم (10)

الحديث رقم (10) - الإرواء (1/ 137) رقم (101): روى المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الجوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ. حكمالشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: شاذٌّ ضعيف. الراجح عندي: صحيح لطرقه، وصححه جمع من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه أبو داود (159)، والنسائي في الكبرى (130)، والترمذي (99)، وابن ماجه (559)، وأحمد (18206)، وابن أبي شيبة (1/ 342)، ومسلم في التمييز (79)، وابن خزيمة (198)، وابن حبان (1338)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 97)، والعقيلي (3218)، وابن المنذر في الأوسط (488)، والطبراني في الكبير ج (20) رقم (995)، (996)، وفي الأوسط (2645)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 283 - 284)، وابن الجوزي في التحقيق (248) كلهم من طريق أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة به. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي قيس إلا سفيان. قلت وأبو قيس المتفرد به قال في التقريب: صدوق، ربما أخطأ، وقد عد كثير من الأئمة هذا الحديث من أخطائه، قال الإِمام أحمد كما في العلل لابنه عبد الله (5612): ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، وأبى عبدُ الرحمن بن مهدي أن يحدث به يقولى: هو منكر.

وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 137): كان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين، وذكر هذا منهما. وذكر مسلم في التمييز من روى عن المغيرة المسح على الخفين، ثم قال ص (203): كل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ثم قال: والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل، لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارًا غير هذا الخبر. وقال النسائي: الصحيح عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. وقال العقيلي بعد ذكره الحديث: والرواية في الجوربين فيها لين. وقال الدارقطني في علله (1240): لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به، لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين. وقال البيهقي في المعرفة (2/ 122): ذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين. قلت: والذي يظهر لي أن هؤلاء الأئمة إذا اجتمعوا على قول فينبغي ألا يصار إلى غيره، والله أعلم. ورواه الإسماعيلي في معجمه (2/ 704) من طريق داود بن أبي هند عن أبي العالية عن فضالة بن عمرو الزهراني عن المغيرة. وقد ذكر البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان فضالة بن عمرو، ولم يذكروا عنه رأويًا سوى أبي العالية، فهو مجهول. وللحديث شاهد من حديث أبي موسى، أخرجه ابن ماجه (560)، والطحاوي (1/ 97)، والطبراني في الأوسط (108)، والعقيلي (4681)،

والبيهقي في السنن الكبير (1/ 284 - 285)، وابن الجوزي في التحقيق (249) كلهم من طريق عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى مرفوعًا به. وعيسى بن سنان قال في التقريب: لين الحديث، وقال أبو داود في سننه عقب حديث المغيرة السابق: وروي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل، ولا بالقوي. وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه (4/ 459): مرسل. وقال البيهقي عقبه: الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان ضعيف، لا يحتج به، وأثبت السماع البخاري كما في تاريخه الكبير (4/ 333). وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 97): حدثنا ابن أبي دؤاد قال: ثنا أحمد بن الحسين اللهبي قال: ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع أن ابن عمر كان إذا توضأ ونعلاه في قدمه مسح على ظهور قدميه بيديه، ويقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هكذا. ورجاله ثقات، ولم أقف له على علة. وروى أحمد (22383)، ومن طريقه أبو داود (146) قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم - شكوا إليه ما أصابهم من البرد، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. ورجاله ثقات غير أن الإِمام أحمد قال: راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان شيئًا، لكن البخاري قد أثبت سماعه منه كما في التاريخ الكبير، وعنده في الأدب

المفرد (579) بإسناد حسن التصريح بسماعه منه، والمثبت مقدم على النافي، فالإسناد صحيح. قال الخطابي: من العرب من يسمي الخفاف التساخين، وقال بعضهم: كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحو ذلك. قال أبو داود: ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس. قال ابن قدامة في المغني (1/ 163): قال ابن المنذر: ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفي، وسهل بن سعد، وبه قال عطاء، والحسن، وسعيد بن المسيب، والنخعي، وسعيد بن جبير، والأعمش، والثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد. وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والحسن ابن مسلم، والشافعي: لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا، لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين. قلت: فلا خلاف في جواز المسح عليهما إذا كانا في نعلين. قال ابن قدامة: ولنا ما روى المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الجوربين والنعلين، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما؛ لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين، فإنه لا يقال: مسحت على الخف ونعله، ولأن الصحابة - رضي الله عنه - مسحوا على الجوارب، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعًا، ولأنه ساتر لمحل الفرض يثبت في القدم، فجاز المسح

عليه كالنعل، وقولهم: لا يمكن متابعة المشي فيه، قلنا: لا يجوز المسح عليه إلا أن يكون مما يثبت بنفسه، ويمكن متابعة المشي فيه، وأما الرقيق فليس بساتر. قلت: والحديث صححه الترمذي كما سبق، وابن خزيمة، وابن حبان، وهم من المتقدمين بلا ريب، فلا تعلق فيه لهذا المتعدي في دعواه مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين في التصحيح والتضعيف، والله المستعان. ***

الحديث رقم (11)

الحديث رقم (11) - الإرواء (1/ 146) رقم (109): حديث أنه قال للمستحاضة: "تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: معلول. الراجح عندي: يحتمل التحسين لطرقه، وصححه الترمذي وابن حبان، وهما من المتقدمين. والحديث رواه أبو داود (179)، (298)، وابن ماجه (624)، وأحمد (24145)، (25059)، (25681)، وإسحاق بن راهويه (564)، وابن أبي شيبة (1/ 230 - 231)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 102)، وأبو يعلى (4799)، وابن المنذر في الأوسط (813)، والدارقطني في سننه (1/ 211 - 213)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 344 - 345)، وفي المعرفة (2/ 165)، والخطيب في الأسماء المبهمة ص (254 - 255) كلهم من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله إني أستحاض، ولا أطهر، فقال: "أَحْصِي أيَّامَ حَيْضَتكِ، ثُمَّ اغْتَسِلي، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ". قال الدارقطني: سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا، وقال شيخنا الألبانيرحمه الله في صحيح أبي داود (2/ 313): اتفق علماء الحديث على أنه (يعني حبيب بن أبي ثابت) لم يسمع من عروة -وهو ابن الزبير- شيئاً، فعلة الحديث الانقطاع ليس إلا. قلت ورواه البخاري (228): حدثنا محمد قال حدثنا أبو معاوية حدثنا

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله إني أستحاض، فلا أطهر أفأدع الصلاة؟، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "لَا، إِنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي"، قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْت"، ورواه الترمذي (125)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (193)، قال الترمذي: حدثنا هناد حدثنا وكيع وعبدة، وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه، فذكره، قال الترمذي: قال أبو معاوية في حديثه: وقال: "تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْت". وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 332): ادعى بعضهم أن قوله: "ثُمَّ تَوَضَّئِي" من كلام عروة موقوفاً عليه، وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: (ثم تتوضأ) بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله: "فَاغْتَسِلي". قلت: ورواه الدارقطني (1/ 206)، والبيهقي (1/ 344)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 104)، وقد رواه إسحاق بن راهويه (563)، ولفظه: قال أبي: تتوضأ لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. وهذا مما يرجح أنها من قول عروة، ويرجح ذلك أيضاً أن ابن أبي شيبة أخرجه (1/ 232): حدثنا حفص وأبو معاوية عن هشام عن أبيه قال: المستحاضة تغتسل، وتوضأ لكل صلاة، ويقوي ذلك أيضاً أن مالكًا رواه في الموطأ ص (78) عن هشام، فجعله من قول (أبيه) (¬1). وقد رواه جماعة مرفوعًا بالإسناد نفسه، منهم: أبو حنيفة عند الطحاوي ¬

_ (¬1) جعله المعترض ممن رواه مرفوعًا، وهذا من أوهامه.

(1/ 102)، وفي المشكل (2732)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (230). وحماد بن زيد عند النسائي (1/ 185 - 186)، والبيهقي (1/ 343)، وحماد ابن سلمة عند أبي يعلى (4486)، والطحاوي في المشكل (2734)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 104). وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري عند ابن حبان (1354)، والبيهقي (344/ 1). وأبو عوانة الوضاح اليشكري عند ابن حبان (1355). ويحيى بن هاشم عند ابن عبد البر في التمهيد (16/ 95). وزاد الدارقطني في علله (14/ 140): محمد بن عجلان، ويحيى بن سليم الطائفي. وقد ذكر الدارقطني في علله (3484) جمعًا رووه دون قوله: وتوضئ لكل صلاة، وهم أرجح، وإن كان حمل الحديث على الوجهين، أعني بإثبات الزيادة وبحذفها محتمل، والله أعلم، ويقوي ذلك ورودها عند النسائي (1/ 185)، والطحاوي في المشكل (2729) والدارقطني (1/ 206 - 207)، وابن عبد البر في التمهيد (105/ 22) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث، عن الزهري عن عروة عن عائشة، لكن قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (117): لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر وعند أبي داود (296)، والطحاوي في المشكل (2730) من طريق سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت عميس. وعند أبي داود (297)، والترمذي (126)، (127)، وفي العلل الكبير (73)، وابن ماجه (625)، وابن أبي شيبة في مسنده (798)، والدارمي (793)،

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2176)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 102)، وابن عدي (4/ 13)، (5/ 167)، والدولابي في الكنى (142) من طريق شريك النخعي عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده. ورواه الدارقطني (1/ 210 - 211)، والبيهقي (1/ 346) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة. ورواه أبو داود (300) من طريق أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن إمرأة مسروق عن عائشة. ورواه أيضًا (299) من طريق أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة موقوفًا. ورواه الطبراني في الكبير ج (23) رقم (577) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. ورواه الطبراني في الأوسط (9184) من حديث سودة بنت زمعة. وللحاكم (4/ 62) من طريق عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة أن خالته فاطمة بنت أبي حبيش أتت عائشة فذكر نحوه. ولعل الحديث بهذه الشواهد وإن كان بعضها ضعيفًا يقوى، والله أعلم. وعلى كل حال فقد صحح الحديث بزيادته الترمذي وابن حبان، وهما من المتقدمين بلا ريب، فلا تعلق فيه لدعوى المستدرِك مخالفة إمام محدثي العصر للمتقدمين في منهجهم في التصحيح والتضعيف. ومن اللغو الذي لا طائل من ورائه عند هؤلاء الأئمة الجدد أن نذكر أن ابن حزم رحمه الله قد صحح الحديث، وقال بموجبه حيث قال في المحلى (2/ 209): وتتوضأ لكل صلاة فرض ونافلة في يومها وليلتها، وهذا عندهم من باب أولى في مثل ابن الملقن حيث قال في البدر المنير (3/ 108): هذا الحديث صحيح.

الحديث رقم (12)

الحديث رقم (12) - الإرواء (1/ 147) رقم (111): روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء، فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: غير صحيح. الراجح عندي: الحديث صحيح كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وسبقه بذلك الإِمام أحمد، والترمذي وغيرهما من المتقدمين وغيرهم. والحديث رواه النسائي في الكبرى (3121) من طريق عمرو بن علي الفلاس. والترمذي في السنن (87)، وفي العلل الكبير (57)، والبيهقي في الخلافيات (660) من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر. والترمذي (87) من طريق إسحاق بن منصور. وأحمد (27502)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (194) (¬1). والدارمي (1728)، وابن خزيمة (1956) من طريق الحسين بن عيسى البسطامي. وبحشل في تاريخ واسط ص (217) من طريق الفضل بن داود بن ¬

_ (¬1) ومع كونه رواه من طريق أحمد إلا أنه خالفه في لفظه، فقال: "قاء، فتوضأ"، وعند أحمد: "قاء، فأفطر".

درهم (¬1). وابن الجارود في المنتقى (8) وابن خزيمة (1956) عن محمد بن يحيى القطيعي، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 96)، وفي المشكل (1675)، وابن المنذر في الأوسط (82) من طريق إبراهيم بن مرزوق. والدارقطني في سننه (1/ 158)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 144) من طريق محمد بن عبد الملك الواسطي. وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 235) من طريق زهير بن حرب. كلهم (الفلاس، وأبو عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، والفضل بن داود، والذهلي، والبسطامي، وإبراهيم بن مرزوق، ومحمد بن عبد الملك الواسطي، وزهير بن حرب) أحد عشرتهم عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير حدثني الأوزاعي حدثني يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء، فأفطر. وخالفهم أبو موسى العنزي محمد بن المثني، عند النسائي في الكبرى (3122)، وابن خزيمة (1956)، ومن طريقه ابن حبان (1097)، والحاكم (1/ 426)، فرواه عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن الحسين عن يحيى ابن أبي كثير عن الأوزاعي أن يعيش بن الوليد حدثه أن معدان بن طلحة (¬2) حدثه أن أبا الدرداء حدثه، فذكره، وتابعه عبد الملك بن محمد الرقاشي عند تمام في ¬

_ (¬1) ترجمه ابن أبي حاتم (7/ 62)، وقال روى عنه أبو زرعة، وقد أخطأ فيه المستدرك، فقال: الفضيل بن درهم. (¬2) معدان بن طلحة، ويقال له: معدان بن أبي طلحة. انظر التقريب.

الفوائد (937)، والبغوي في شرح السنة (160)، فلا شك في ترجيح رواية الجماعة على رواية أبي موسى العنزي، والرقاشي. وقد توبع عبد الصمد، فرواه أبو داود (2381) عن أبي معمر عبد الله بن عمرو. والنسائي في الكبرى (3120) أخبرني محمد بن علي بن ميمون الرقي. والدارقطني (1/ 158) من طريق يوسف بن موسى، وأحمد بن منصور، وأحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن إبراهيم بن جناد (أبو داود، ومحمد بن علي الرقي، ويوسف بن موسى، وأحمد بن منصور، وأحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد ابن إبراهيم بن جناد) ستتهم عن أبي معمر عن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان عن أبي الدرداء به. ورواه تمام (938) من طريق يوسف بن موسى وحده عن أبي معمر كروايته عند الدارقطني كرواية الجماعة، ورواه الدارقطني (2/ 181 - 182)، والبيهقي (1/ 220) من طريق محمد بن إبراهيم بن جناد وحده. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 96)، وفي المشكل (1676) من طريق إبراهيم بن أبي داود، وأبو نعيم في المعرفة (1412) من طريق إبراهيم الحربي. والطبراني في الأوسط (3702) من طريق عثمان بن عمر الضبي (إبراهيم بن أبي داود، وإبراهيم الحربي، وعثمان بن عمر الضبي) ثلاثتهم عن أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن معدان عن أبي الدرداء به، ورواية الأكثر أولى بالصواب عن أبي معمر.

ورواه النسائي في الكبرى (3123)، (3124)، (3125)، (3126)، وأحمد (22381)، وابن أبي شيبة (4/ 63)، وفي المسند (¬1) (30)، والروياني (609) كلهم من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن معدان عن أبي الدرداء. وقد اختلف على الدستوائي، فرواه النسائي في الكبرى (3124)، والطحاوي في المشكل (1674)، والحاكم (426/ 1)، وابن عساكر (11/ 214)، (62/ 235) من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن رجل عن يعيش عن معدان عن أبي الدرداء به. ورواه النسائي (3127) من طريق هشام عن يحيى عن رجل عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء. ورواه النسائي (3128) من طريق هشام عن يحيى عن رجل عن يعيش عن ابن معدان ورواه أحمد (21701) من طريق هشام عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش عن ابن معدان أو معدان عن أبي الدرداء. ورواه أحمد في العلل (5535)، والبيهقي في الخلافيات (659) من طريق هشام عن يحيى عن يعيش عن ابن معدان عن أبي الدرداء به. ورواه يعقوب بن شيبة في مسند عمر ص (77)، وابن خزيمة (1958)، والحاكم (1/ 426)، والبغوي في شرح السنة (160) كلهم من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن معدان عن أبي الدرداء به. ورواه البزار (4123)، والدارقطني (1/ 159) من طريق حرب عن يحيى ¬

_ (¬1) وقع في المطبوع: ابن معدان خلافًا لما في المصنف مع أن الإسناد واحد.

-جهل المستدرك بمبادئ علم مصطلح الحديث

فإن هشامًا وحربًا اختلف عليهما اختلافًا كثيراً، وأما حسين، فروايته بإثبات رواية يعيش بن الوليد عن أبيه راجحة رجحانا بينا، ولذا رجحها الأئمة، وقد صرح يعيش بسماع الحديث من معدان، فصح الحديث على الوجهين. قال المستدرِك: هذا الخلاف لا يؤثر على الحديث؛ لأن كلًّا من يعيش وأبيه يرويان عن معدان، فهو من المزيد في متصل الأسانيد. قلت: ليس هذا من المزيد في متصل الأسانيد، بل هو من باب حمل الحديث على الوجهين، وأما المزيد في متصل الأسانيد، فيكون حين تكون زيادة راوٍ على سبيل الخطأ ممن زاده في موضع الاتصال، وهو واضح من تسميته: المزيد في متصل الأسانيد، قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر ص (167): إن كانت المخالفة بزيادة راو في أثناء الإسناد، ومن لم يزدها أتقن ممن زادها، فهذا هو المزيد في متصل الأسانيد، وشرطه أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعنًا مثلاً ترجحت الزيادة. -جهل المستدرك بمبادئ علم مصطلح الحديث: قلت: وهذا الموضع يكشف لك حال هؤلاء المتعدين على أهل العلم الذين يتسرعون بالاعتراض على أئمة الحديث الذين أفنوا حياتهم في خدمته، وهم لم يفهموا بعد مبادئ وبدايات هذا العلم الشريف، فإلى الله المشتكى. وعلى أي حال فهذا المعترض لم يورد هذا الحديث لطعنه في صحته كما سبق، وإنما لأجل هذه اللفظة: قاء، فتوضأ، وهي قاء، فأفطر، وهذا ليس من باب الإعلال في شيء، وإنما هو من باب تصحيح لفظة في الحديث. وقد نقل المستدرِك عن الشيخ أحمد شاكر قوله: ونحن نوافقه (يعني المباركفوري) على أنه غير محفوظ في اللفظ، ولكنه على كل حال ثابت في المعنى،

لأن قول ثوبان تصديقًا لأبي الدرداء: (صدق، أنا صببت له وضوءه) دليل على أن الوضوء مذكور في أصل الحديث قال المستدرِك: فالشيخ أحمد شاكر رحمه الله يقرر عدم ثبوت لفظ الوضوء، لكنه يثبت من جهة المعنى كما سبق، وهذا غير صحيح، فإن إثبات لفظ ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق المعنى والاستنباط الذي قد تختلف فيه وجهات النظر أمر غير سليم. وأقول: هل يعني أن هذا اللفظ نُسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله؟ فإن قصد ذلك، فهو غلط كما هو واضح، فإن قصد حكايه فعله - صلى الله عليه وسلم - فلا أظن عاقلًا يعترض على ما قرره الشيخ أحمد شاكر. وإن قصد حكايته فعله - صلى الله عليه وسلم - بما ورد في الحديث، فلا شك أن تحري ألفاظ الحديث هو الأكمل، وأن الأولى بشيخنا الألباني أن ينبه على هذا، ولكن ما صلة هذا بدعواه العريضة مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين في التصحيح والتضعيف، بل ما صلته بما سماه مستدرك التعليل؟!!. وقد عزا الحديث للطيالسي (1086) من طريق معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء عن ثوبان، وليس كذلك، بل هو من طريق أبي الجودي عن أبي بلج عن أبي شيبة المهري عن ثوبان، وليس فيه ذكر للوضوء، وهذا من أوهامه الكثيرة. ***

الحديث رقم (13)

الحديث رقم (13) - الإرواء (148/ 1) رقم (113): قال - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيتوَضَّأْ". حكم الشيخ رحمه الله: إسناده حسن. حكم المستدرك: التضعيف. الراجح عندي: الذي يظهر لي عدم ارتقائه لدرجة الاحتجاج، والشيخ رحمه الله له اجتهاده، وهو مسبوق من بعض الأئمة. والحديث رواه أبو داود (203)، وابن ماجه (477)، وأحمد (887)، وأبو عبيد في غريب الحديث (2/ 450 - 451)، وأبو يعلى في معجمه (255)، والطحاوي في مشكل الآثار (3432)، وابن المنذر في الأوسط (36)، والعقيلي في الضعفاء (6316)، وابن عدي في الكامل (7/ 89)، والطبراني في الشاميين (656)، والدارقطني في سننه (1/ 161)، والحاكم في علوم الحديث ص (133) - النوع الحادي والثلاثين، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 118)، وفي المعرفة (1/ 367)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 247)، والخطيب في المتفق والمفترق (415)، وابن عساكر (16/ 23)، (24/ 102)، (66/ 34)، والضياء في المختارة (632)، وابن الجوزي في التحقيق (164)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 289) كلهم من طريق بقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب مرفوعًا به. وهذا الإسناد حسن إن سلم من الانقطاع، وبقية قد صرح بالتحديث، والراجح نفي تدليس التسوية عنه كما بين ذلك ابن حبان، فقد اعتنى بأمره عناية خاصة.

وقال أبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (106): ابن عائذ عن علي مرسل. قال ابن حجر في التلخيص (1/ 118): وفي هذا النفي نظر، لأنه يروي عن عمر كما جزم به البخاري. قلت وقد ساق هذا شيخنا الألباني في صحيح أبي داود (199)، وكأنه رضيه، فحسن الحديث، والذي يظهر أنه ليس بكاف لرد قول أبي زرعة، لأنه لا يلزم من سماعه من عمر سماعه من علي، على أن البخاري لم يصرح بسماعه من عمر، فقول أبي زرعة هو المعتمد، والله أعلم. والمسألة محل اجتهاد، وقد رأى إمام المحدثين الألباني ما نقله عن المنذري وابن الصلاح، والنووي من تحسين الحديث، فكان ماذا؟. وللحديث شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، أخرجه عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند (16879)، والدارمي (722)، وأبو يعلى (7372)، والطحاوي في المشكل (3433)، (3434)، وابن عدي (2/ 38)، والطبراني في الكبير ج (19) رقم (875)، وفي الشاميين (1494)، والدارقطني (1/ 190)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 154)، (9/ 304 - 305)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 118)، وفي المعرفة (1/ 366 - 367)، وفي الخلافيات (392)، (393)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 247)، والخطيب في تاريخ بلده (7/ 92)، وابن عساكر (43/ 84)، وابن الجوزي (165) كلهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلاعي عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا بنحوه. وقد سئل عنه وعن حديث علي السابق أبو حاتم كما في العلل لابنه (106)، فقال: ليسا بقويين. قلت: فأبو بكر بن أبي مريم ضعيف، وقد خولف، فرواه ابن عدي (2/ 38)،

والبيهقي في السنن الكبير (1/ 118 - 119)، وفي الخلافيات (394) من طريق مروان بن جناح عن عطية بن قيس عن معاوية موقوفًا. قلت: مروان بن جناح قال في التقريب: لا بأس به، فروايته هي المحفوظة، قال الوليد بن مسلم: مروان أثبت من أبي بكر بن أبي مريم. قال ابن عبد البر: هذان الحديثان ليسا بالقويين، وضعفه أيضًا ابن القطان الفاسي كما في بيان الوهم والإيهام (644)، (5/ 660)، وهو الأظهر، ولإمام المحدثين اجتهاده، فقد مال إلى ترجيح قول الحافظ باعتراضه على نفي أبي زرعة سماع عبد الرحمن بن عائذ من علي، فما صلة هذا بما سمى هذا المستدرِك كتابه "مستدرك التعليل"؟!. ***

الحديث رقم (14)

الحديث رقم (14) - الإرواء (1/ 154) رقم (121): قال - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ إِلاَّ أَنَّ اللهَ أبَاحَ فِيهِ الكَلَامَ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: التضعيف. الراجح عندي: قلت صحيح، وقد سبق الشيخ رحمه الله بتصحيحه جمع الأئمة من المتقدمين والمتأخرين. والحديث رواه الترمذي (960)، والبزار (4853)، وابن خزيمة (2739)، وأبو يعلى (2599)، وابن عدي (5/ 364)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 87)، وابن الجوزي في التحقيق (1302) من طريق جرير بن عبد الحميد. ورواه الدارمي (1847)، والفاكهي في أخبار مكة (305)، وابن الجارود في المنتقى (461)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 178 - 179)، وفي المشكل (574 5)، (5972)، (5973)، وابن عدي (5/ 364)، وابن حبان (3836)، والحاكم (2/ 267)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 128)، والبيهقي (5/ 85)، وفي المعرفة (7/ 231 - 232) كلهم من طريق فضيل بن عياض. والدارمي (1848)، وابن الجارود (461)، وابن عدي (5/ 364) من طريق موسى بن أعين. والحاكم (1/ 459) من طريق سفيان بن عيينة. والحاكم أيضًا من طريق سفيان الثوري. كلهم (جرير بن عبد الحميد، وفضيل بن عياض، وموسى بن أعين، وسفيان

ابن عيينة، والثوري) خمستهم عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا به. ورواه ابن أبي شيبة (5/ 136) من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن عطاء بن السائب عن طاووس عن ابن عباس موقوفًا، وزاد البيهقي حماد بن سلمة، وشجاع بن الوليد (¬1). والثوري ممن روى عن عطاء قبل الاختلاط، وإن روى عنه موقوفًا، فروايته تنفع، وابن عيينة قال ابن الكيال في الكواكب النيرات ص (327): ينبغي أن يستثنى أيضًا سفيان بن عيينة (يعني فيمن روى عن عطاء قبل الاختلاط)، فقد روى الحميدي عنه قال: كنت سمعت من عطاء بن السائب قديمًا، ثم قدم علينا قدمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت، فخلط فيه، فاتقيته، واعتزلته، فينبغي أن يكون روايته عنه صحيحة. قلت: وبذلك تترجح رواية من رواه عن عطاء مرفوعًا. ورواه النسائي في الكبرى (3944)، وعبد الرزاق (9790)، والفاكهي في أخبار مكة (310)، وابن عبد البر في الاستذكار (12/ 196) كلهم من طريق إبراهيم بن ميسرة. ورواه عبد الرزاق (9789)، وابن أبي شيبة (5/ 137)، والفاكهي (307)، والبيهقي (5/ 85)، وفي الصغير (1639) من طريق عبد الله بن طاووس كليهما (عبد الله بن طاووس وإبراهيم بن ميسرة) عن طاووس عن ابن عباس موقوفًا. ¬

_ (¬1) ورواه عبد الرزاق (9791) عن جعفر بن سليمان عن عطاء بن السائب عن طاووس أو عكرمة أو كليهما عن ابن عباس موقوفاً، وتردد جعفر يسقط روايته، والله أعلم.

ورواه الفاكهي (311)، (312)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 85)، وفي المعرفة (7/ 231) من طريق حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس عن ابن عمر موقوفًا، فحكى الدارقطني في علله (3044) الاختلاف فيه، ثم قال: وقول من قال: عن ابن عمر أشبه، وخالفه البيهقي فقال: إن المحفوظ عن ابن عباس موقوفًا. قلت: الأظهر كون الحديث محفوظًا عن ابن عباس، فإن الأكثر يروونه عن طاووس عن ابن عباس، ولو قيل: إنه محفوظ عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا لكان أولى، فإن عطاء بن السائب متابع، فرواه الطبراني في الكبير (10955)، والبيهقي في السنن الصغير (1640) من طريق ليث بن أبي سليم عن طاووس عن ابن عباس مرفوعًا. ورواه الحاكم (2/ 266 - 267) من طريق القاسم بن أبي أيوب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس مرفوعًا. قال الحافظ في التلخيص (1/ 130): صحح إسناده (يعني الحاكم)، وهو كما قال، فإنهم ثقات، ثم قال عن هذه الطريق: هي أوضح الطرق، وأسلمها، فإنها سالمة من الاضطراب، إلا أني أظن أن فيها إدراجًا. قلت: ويقوي المرفوع أيضًا ما رواه النسائي في الكبرى (3945) وهو في المجتبى (5/ 222)، وأحمد (15423)، (16612)، (23201)، وعبد الرزاق (9788)، والطحاوي في المشكل (5974)، (5975)، وأبو نعيم في المعرفة (7232)، وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 424) كلهم من طريق ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاووس عن رجل قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -فذكره مرفوعًا، وقد صرح ابن جريج بالإخبار في كثير من هذه المصادر. قال الحافظ في التلخيص: هذه الرواية صحيحة، وهي تعضد رواية عطاء بن

-تناقض عجيب من المستدرك

السائب، وترجح الرواية المرفوعة، والظاهر أن المبهم فيها هو ابن عباس، وعلى تقدير أن يكون غيره، فلا يضر إبهام الصحابة. وصححها أيضًا ابن الملقن كما في البدر المنير (2/ 496). -تناقض عجيب من المستدرك: وأما المستدرِك فحرصه على تضعيف الأحاديث أو مخالفة الألباني حمله على اختيار أمر لا يدري هو لم اختاره، فقد قرر أن ثلاثة رووه عن الثوري مرفوعًا، فقد قال ص (121): أما من رواه عن سفيان موقوفاً فهم جماعة كما قال الحاكم. ثم قال: ولم أقف على هؤلاء الجماعة، وهذا نص كلامه، ثم لم يمنعه جهله بمن رواه عن الثوري موقوفًا من أن يقرر رجحان رواية هؤلاء الذين لم يقف حتى على اسم واحد منهم، فقال: فهل بقي شك أن الصحيح عن الثوري وقفه؟ عفوًا إن هذا المستدرِك لم يرجح الوقف، بل جعله يقينًا، بل استفهم المخالف مستخفًّا بهذا الاستفهام الإنكاري، فالحمد لله على العافية. وحين راح يقدم رواية حنظلة الموقوفة على رواية الحسن بن مسلم المرفوعة أهمل رواية عطاء بن السائب وليث بن أبي سليم المرفوعة أيضًا فروايتهم مجتمعة ترجح على رواية حنظلة وحده، وحنظلة وإن كان أوثق شيئًا ما على الحسن بن مسلم، فإن أبا داود قال في الحسن بن مسلم: كان من العلماء بطاووس، وهذا مما يرجح روايته على رواية غيره. وقد ادعى أن النسائي رجح الوقف، ولم أقف عليه، ولا عزاه لمصدر، وقد غلط في ص (121) على الحميدي، فعد روايته عن سفيان الثوري، ولم أجد

للحميدي رواية عن الثوري (¬1)، مع كونه من أخص تلاميذ سفيان بن عيينة، وهذا مما لا يخفى على من له أدنى معرفة بهذا العلم الشريف، فإلى الله المشتكى من جرأة هؤلاء المتطاولين على أئمة هذا الشأن!. وقد صحح الحديث ابن الجارود، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين، فلا دخل لهذا بما ادعاه من مخالفة إمام المحدثين في عصرنا لمنهج المتقدمين، والله المستعان. ... ¬

_ (¬1) قد وقع في هذا الخطأ الشيخ الألباني رحمه الله ولا أظن منصفًا يشك أنه يجهل ذلك، وإنما وقع في ذلك علي سبيل الوهم، والله المستعان.

الحديث رقم (15)

الحديث رقم (15) - الإرواء (1/ 162) رقم (125): قال -صلى الله عليه وسلم - "إِذَا فَضَخْتَ المَاءَ، فَاغْتَسِلْ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: وقد سبق الشيخ بتصحيحه جماعة من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. الحديث أخرجه أبو داود (206)، والنسائي في الكبرى (199)، (200)، وهو في المجتبى (2/ 111 - 112)، وأحمد (868)، (1028)، (1029)، والطيالسي (138)، وابن أبي شيبة (1/ 169 - 170)، والبزار (802)، (803)، وابن خزيمة (20)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 46)، وفي المشكل (2702)، وابن حبان (1102)، (1107)، وابن الغطريف في جزئه (2)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 167، 169)، وابن عساكر (45/ 4)، والضياء في المختارة (432)، (433) (¬1) كلهم من طريق الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي به. ورواه الطبراني في الأوسط (7453) من طريق حصين بن عبد الرحمن عن حصين بن قبيصة به. ورواه أحمد (1238) من طريق شريك النخعي عن الركين بن الربيع عن ¬

_ (¬1) أخرجه الضياء في هذا الموضع من طريق ابن خزيمة، وفي الإسناد سقط في المطبوع.

حصين بن قبيصة عن علي، فلم يذكر هذه الزيادة، وشريك ضعيف وقد عدَّد المستدرك بعض من رواه عن علي بدون قوله: "إِذَا فَضَخْتَ المَاءَ، فَاغْتَسِلْ"، ثم قال: حصين لم ينقل توثيقه إلا عن ابن حبان والعجلي، ولم أجد لأحد من المتقدمين كلامًا فيه إلا لهذين، فهل يقبل ما تفرد به حصين من الألفاظ مخالفًا لهؤلاء الذين فيهم حفاظ أثبات؟ لا شك أن زيادة لفظ: "إِذَا فَضخْتَ ... " شاذة. قلت: حصين تابعي روى عنه جمع، ووثقه العجلي وابن حبان، ولذا فقد وثقه الحافظ ابن حجر في التقريب، وشرط الحكم بشذوذ الزيادة اتحاد المخرج، واختلاف ألفاظ الحديث في رواية التابعين عن الصحابة لا تعد من باب الشذوذ بهذه الطريقة، والأقرب حمل الروايات في مثل هذا المقام على تعدد الروايات خاصة إذا كانت الزيادة موافقة في المعنى لغيرها من الأحاديث، كحديث أم سلمة عند البخاري (282) ومسلم (313) قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ". ودعوى التفرد غير صحيحة، فقد رواه أحمد (847): حدثنا أبو أحمد حدثنا رزام بن سعيد التيمي عن جواب التيمي عن يزيد بن شريك يعني التيمي عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إِذَا خَذَفْتَ فَاغْتَسِلْ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَاذِفًا فَلاَ تَغْتَسِلْ". ورجاله ثقات غير جواب التيمي قال في التقريب: صدوق رمي بالإرجاء، فالإسناد حسن، ومعنى الحديث موافق لهذه الزيادة، فهي من باب المتابعة، وقد ذكرها الشيخ رحمه الله في الإرواء، ومع ذلك لم يتعرض لها هذا المستدرِك، فلماذا؟!. ورواه الترمذي (114)، وابن ماجه (504)، وأحمد، وابنه عبد الله في المسند

وزوائده (662)، (869)، (890)، (891)، (893)، (977)، وغيرهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "فِي الْمَذْيِ الْوُضُوءُ، وَفي الْمَنيِّ الْغُسْلُ". ويزيد فيه ضعف، لكنه يصلح في المتابعات، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فالظاهر أنه صححه لطرقه، والله أعلم. وروى ابن حبان (1104)، والخطيب في الأسماء المبهمة ص (388) من طريق حسين بن علي الجعفي، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص (234) رقم (130) من طريق عمرو بن مرزوق (حسين، وعمرو) عن زائدة بن قدامة عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ، فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْمَنيَّ فَاغتَسِلْ". وقد رواه البخاري (269) وغيره من طرق عن زائدة عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن عن علي فلم يذكروا الغسل، ومتابعة عمرو بن مرزوق لحسين المعلم تبعد احتمال الوهم، وترجح كون هذه الزيادة محفوظة، وترد دعوى التفرد. وعلى أي حال فقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان بزيادة الاغتسال لخروج المني، وهم من المتقدمين، فلا صلة للحديث بدعوى المستدرك مخالفة إمام المحدثين منهج المتقدمين، بل لم يسبقه أحد من المتقدمين -فيما أعلم- بتضعيفها، فهو المخالف لهم، والله المستعان. ***

الحديث رقم (16)

الحديث رقم (16) - الإرواء (1/ 167) رقم (134): قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "انْقُضي شَعْرَكِ، وَاغْتَسِلي". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعف فيه قوله: "وَاغْتَسِلي". قلت: هذه اللفظة موجودة في صحيح مسلم، وكفى الله المؤمنين القتال. الحديث رواه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة (1/ 146): حدثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها في الحيض: "انْقُضي شَعْرَكِ، وَاغْتَسِلي". ورواه ابن ماجه (641) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة مقرونًا بعلي بن محمد، وقال: قال علي في حديثه: "انْقُضي رَأسَكِ". قال الشيخ: هذا إسناد صحيح كما قال المؤلف تبعًا للمجد ابن تيمية في "المنتقى"، وهو على شرط الشيخين، لكني أشك في صحة هذه اللفظة: "وَاغْتَسِلي"، فإن الحديث في الصحيحين وغيرهما من طرق عن هشام به أتم منه بدونها، ثم ساق لفظه، ثم قال: وكذلك أخرجاه من طرق أخرى عن عروة به دون قوله: "وَاغْتَسِلي"، بل إن مسلمًا أخرجه من طريق أخرى عن وكيع عن هشام به، إلا أنه لم يسق لفظه، بل أحال على لفظ غيره عن هشام، وليس فيه هذه الزيادة، والله أعلم. قال المستدرِك: هذه الزيادة شاذة، لا شك في خطئها. قلت: الحديث في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة عن عائشة - رضي الله عنه -بلفظ: "انقضي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي"، فأي فرق في المعنى بين اللفظين؟!، ولذا صححه

المجد ابن تيمية ومغلطاي في الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام (3/ 172) وغيرهما. وقد حذف المستدرِك ما نقله الشيخ من تصحيح المجد، فلماذا؟!. ولفظ الاغتسال قد ثبت في صحيح مسلم (1213) من حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "فَاغْتَسِلي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ"، فلم يبق وجه لإنكارها، وإن كانت ثابتة بالمعني، ولذا صححها الشيخ في الصحيحة (188). وعلى أي حال فالشيخ هو الذي نبه على التفرد بهذا اللفظ في حديث عائشة، فأي جديد جاء به هذا المستدرِك؟! ولم يضعف هذه اللفظة أحد من العلماء، بل هي ثابتة في صحيح مسلم كما سبق، فأين دعوى هذا المتسرع مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين من هذا الاستدراك المزعوم؟! فهل مسلم ليس من المتقدمين؟ أم ماذا؟!!! فإلى متى يُسمح لأمثال هؤلاء للكتابة في علوم شرعية بهذه الصورة؟!. ***

الحديث رقم (17)

الحديث رقم (17) - الإرواء (173/ 1) رقم (144): حديث أبي هريرة مرفوعاً: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيتوَضَّأْ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح لطرقه. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: صحيح لطرقه كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وقد سبقه في تصحيحه جمع من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، وممن قواه من المعاصرين: شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله. الحديث رواه الترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (625)، من طريق عبد العزيز بن المختار. والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 397) معلقًا، وابن حبان (1161) من طريق حماد بن سلمة. وأحمد (7689) من طريق ابن جريج مصرحًا بالتحديث، ومن طريقه أيضًا ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (33)، (299)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (626). والطبراني في الأوسط (985) من طريق زهير بن محمد. ورواه عبد الرزاق (6011)، فقال: عن غيره فذكره بإسناده (عبد العزيز بن المختار، وحماد بن سلمة، وابن جريج، وزهير بن محمد) أربعتهم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا به. ورواه أبو داود (3162) من طريق سفيان بن عيينة عن سهيل بن أبي صالح

عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة مرفوعًا به. فزاد إسحاق، وقال ابن حزم: إسحاق ثقة، وصحح الحديث. ورواه ابن علية كما في التاريخ الكبير البخاري (1/ 396 - 397)، ورواية عن ابن عيينة، فروياه عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة موقوفًا. قال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي (245): إن أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني قالا: لا يصح في هذا الباب شيء. قلت: وهما أجل، لكن الذي يجري على القواعد الحديثية هو ما ذهب إليه الترمذي من التحسين وابن حبان من التصحيح، فإن رواية الأربعة أولى خاصة أن ابن عيينة اختلف عليه في رفعه ووقفه، وقد توبع سهيل على الوجه الأول، تابعه القعقاع بن حكيم عند البيهقي (1/ 300). وتابعه على الوقف وزيادة "إسحاق" ابن علية عند البخاري في التاريخ الكبير (1/ 396 - 397)، فمن صار إلى التقليد أخذ مذهب أحمد وابن المديني، ومن اتبع القواعد الحديثية المتفق عليها اتبع اختيار الترمذي وابن حبان. ورواه أبو نعيم في الحلية (9/ 158) من طريق ابن سيرين ثنا سهيل بن أبي صالح، فقال: عن أبي هريرة (بإسقاط أبيه) مرفوعًا به. ورواه البيهقي (1/ 301) من طريق وهيب بن خالد عن سهيل عن أبيه عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة مرفوعًا به، والوجه الأول أصح. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 397)، والبزار (7992)، (7993)، وابن عدي (6/ 217)، وابن حزم في المحلى (1/ 250)، (2/ 23) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به.

ورواه ابن أبي شيبة (4/ 441، 603)، والبخاري (1/ 397)، والبيهقي (1/ 302) من طريقه موقوفًا، قال البيهقي: هو الصحيح موقوفًا على أبي هريرة. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1035) عن المرفوع: هذا خطأ، إنما هو موقوف على أبي هريرة، لا يرفعه الثقات. ورواه يحيى بن أبي كثير، واختلف عنه، فرواه أحمد (7770)، وعبد الرزاق (6110)، والبخاري (1/ 397)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (627) من طريق معمر عن يحيى عن رجل يقال له: أبو إسحاق عن أبي هريرة مرفوعًا به. ورواه أحمد (7771)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 397) من طريق أبان بن يزيد العطار عن يحيى عن رجل من بني سليم عن أبي إسحاق عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الدارقطني في علله (2245): الصحيح قول أبان ومن تابعه. وقد اختلف على معمر، فرواه الطبراني في الأوسط (2760)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (37)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (628) من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة مرفوعًا به، وقال أبو حاتم عنه في العلل (1046): هذا حديث غلط، ولم يبين غلطه، وفي (1094) قال ابنه: قلت لأبي: من أبو إسحاق هذا؟ هل يسمى؟، قال لا يسمى. ورواه ابن شاهين (31)، (298)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 302) من طريق عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا به. وزهير ثقة إلا أن رواية الشاميين عنه ضعيفة، وعمرو شامي، قال الدارقطني في علله (1770): ليس بمحفوظ

ورواه أبو داود (3161)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير (1/ 303)، وفي الخلافيات (1004)، ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال البيهقي: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث، وليس بالمشهور. قلت: وقد خالف أحمد بن صالح يحيى بن المغيرة، وهو صدوق كما في التقريب، رواه من طريقه ابن شاهين (32): حدثنا ابن أبي فديك حدثني ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. وهذا الوجه هو المحفوظ، فقد رواه أحمد (9601)، (9862)، (10108)، والطيالسي (2433)، وابن أبي شيبة (4/ 441، 603)، والبزار (8171)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2754)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 303)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 172) وأبو محمد البغوي في شرح السنة (339)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (622)، (623) من طرق عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. قال البيهقي في المعرفة (2/ 135): صالح مولى التوأمة اختلط في آخر عمره، وسقط عن حد الاحتجاج بروايته، وقال في السنن الكبرى: ليس بالقوي، فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: رواه عن صالح ابن أبي ذئب، وقد قال ابن معين: ثقة حجة، ومالك والثوري أدركاه بعد ما تغير، وابن أبي ذئب سمع منه قبل ذلك، وقال السعدي: حديث ابن أبي ذئب عنه مقبول، لتثبته وسماعه القديم منه، وقال ابن عدي: لا أعرف لصالح حديثا منكراً قبل الاختلاط. وقد قال الدارقطني في علله (2064): يرويه ابن أبي ذئب، واختلف عنه، فرواه حبان بن علي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة، وخالفه يحيى

القطان، ويحيى بن أيوب، والدراوردي، وحجاج بن محمد، وعبد الصمد بن النعمان، وابن أبي فديك، رووه عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة. وأغرب ابن أبي فديك فيه بإسنادين آخرين، أحدهما: عن ابن أبي ذئب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، والآخر: عن ابن أبي ذئب عن القاسم ابن عباس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة، وحديث المقبري أصح. قلت: أما إغراب ابن أبي فديك فواضح، لمخالفته الثقات، وأما ترجيح رواية حبان بن علي، وهو العنزي، وهو ضعيف فلا أدري ما وجهه، والظاهر ترجيح رواية الجماعة خاصة لوجود يحيى القطان بينهم، وعليه فالإسناد أقل أحواله أن يكون حسنًا. وله شاهد من حديث المغيرة عند أحمد (18146)، ومن حديث عائشة عند أبي داود (348)، (3160)، وأحمد (25190)، وإسناده ضعيف، وله طرق أخرى ضعيفة، وهو بمجموعها يصح، والله أعلم. وقد تكلم ابن الملقن في البدر المنير (2/ 536) بعد كلامه بالتفصيل على طرقه: قد ظهر صحة بعض طرقه، وحسن بعضها ومتابعة الباقي لها، فلا يخفى إذًا ما في إطلاق الضعف عليها، وأن الأصح الوقف، وقد علم أيضًا ما يعمل عند اجتماع الرفع والوقف وشهرة الخلاف فيه، وقد نقل الإِمام أبو الحسن الماوردي من أئمة أصحابنا في حاويه عند بعض أصحاب الحديث أنه خرج لصحة هذا الحديث مائة وعشرين طريقًا، فأقل أحواله إذًا أن يكون حسنًا. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 137): وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض، وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي: طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج

بها الفقهاء، ولم يعلوها بالوقف، بل قدموا رواية الرفع، والله أعلم. اهـ. وقال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في أحاديث معلة ظاهرها الصحة (341): أنت خبير أننا إذا ذكرنا حديثًا في هذا الكتاب فلا يعني أنه ضعيف من جميع الطرق، ولكن يعني أنه معل من هذه الطريق، وهذا شأن كتب العلل ككتاب ابن أبي حاتم وكتاب الدارقطني، وهذا الحديث من ذاك، فإن له طرقًا كثيرة. قلت: وقد صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي، وهما من المتقدمين، فليس من دعوى المستدرِك في صدر ولا ورد، والله المستعان. ***

الحديث رقم (18)

الحديث رقم (18) - الإرواء (1/ 178) رقم (149): حديث زيد بن ثابت أنه رَأَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تجَرَّدَ لِإهْلَالِهِ، وَاغْتَسَلَ. حكم الشيخ رحمه الله: إسناده حسن، وله شاهدان بهما يكون صحيحًا. حكم المستدرك: ضعيف الإسناد، وفي تقويته بالشواهد نظر. الراجح عندي: الإسناد حسن، والحديث صحيح لطرقه، كما قال الشيخ رحمه الله، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، وهما من المتقدمين. الحديث رواه الترمذي (830)، والدارمي (1794)، وابن خزيمة (2595) من طريق عبد الله بن يعقوب المدني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه به. وعبد الله بن يعقوب، وإن قال الذهبي: لا أعرفه، فقد ذكر الحافظ عنه ثلاثة رواة، وقال في التقريب: مجهول الحال، وهو الأقرب، وقد توبع، تابعه محمد بن موسى أبو غزية عند العقيلي (5606)، والطبراني في الكبير (4862)، والدارقطني (2/ 220 - 221)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 32). وأبو غزية قال البخاري: عنده مناكير. وقد جعل المستدرِك هذا أحد أسباب تضعيفه الإسناد مع أن الأسود بن عامر شاذان قد تابعهما عند البيهقي (5/ 32 - 33)، والعجب أنه عزا الحديث للبيهقي (¬1)، والسبب الثاني في تضعيفه الإسناد هو عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد ¬

_ (¬1) وقد وقع في تخليط آخر في عزوه، حيث عزاه للحاكم (1/ 447)، وليس عند الحاكم من حديث زيد بن ثابت، والله المستعان.

-إخلال المستدرك بالأمانة العلمية

جعل السبب الثالث لضعف الإسناد قوله: حديثه (يعني عبد الرحمن) عن أبيه بالذات أشد ضعفًا، قال ابن سعد في طبقاته (7/ 324): كان يضعف لروايته عن أبيه. -إخلال المستدرك بالأمانة العلمية: وهذا كلام ناقص لا يستقيم إلا بكلام يأتي بعده، لأن روايته عن أبيه لا تكون سببًا في ضعفه، لأن أباه ثقة متفق على جلالته، ولعل بقية الكلام ما ذكره الحافظ في التهذيب بقوله: تكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء، وقال: أين كنا عن هذا، ولئن كان كذلك فليس فيه تضعيف، لأنه قد يخفى على العالم ما وقع لغيره، ولعل قول مالك فيه لشيء كان بينهما، فقد قال الشافعي: كان ابن أبي الزناد يكاد يجاوز القصد في ذم مذهب مالك، بل قال سعيد ابن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة: قدمت المدينة، فأتيت مالك بن أنس، فقلت له: إني قدمت إليك، لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به، فقال: عليك بابن أبي الزناد، وعلى أي حال فهو تضعيف مقيد، وقد نقل هذا المستدرِك كلام المضعفين، وترك أقوال المعدلين، فقد قال الترمذي عنه: ثقة حافظ، وقال الواقدي: كان نبيلًا في علمه، وولي خراج المدينة، فكان يستعين بأهل الخير والورع، وقال أبو طالب عن أحمد يروى عنه، قلت: يحتمل؟ قال: نعم، وقال أيضًا فيما حكاه الساجي: أحاديثه صحاح، وقال أبو داود: كان عالمًا بالقرآن، عالمًا بالأخبار، فهل يحل لأحد ترك كل ما سبق؟ وهل الخيانة العلمية غير هذا؟. وقد قال ابن المديني: ما حدث بالمدينة، فهو صحيح، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني يقول: حديثه بالمدينة

مقارب. وقد رواه عنه عبد الله بن يعقوب، وأبو غزية، وهما مدنيان. وقال ابن معين فيما حكاه الساجي: عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة، وقال ابن معين أيضًا: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أبي الزناد، ولعل خلاصة أقوالهم قول الذهبي: قد مشاه جماعة، وعدلوه، وكان من الحفاظ المكثرين، ولا سيما عن أبيه وهشام بن عروة. فتأمل قول ابن معين في رواية عبد الرحمن عن أبيه أنها حجة، وكذا وافقه الذهبي وقول هذا المتسرع: (إن حديثه عن أبيه بالذات أشد ضعفًا) لتقف على حقيقة هؤلاء الذين يشككون في إمام المحدثين في عصرنا!!. والحاصل أن أقل أحوال هذا الإسناد الحسن، والله أعلم. وله شاهد من حديث ابن عباس عند الحاكم (1/ 447)، والبيهقي (5/ 33)، وفي إسناده ضعف. وروى ابن أبي شيبة (5/ 638)، والبزار كما في كشف الأستار (1084)، والدارقطني في سننه (2/ 220)، والحاكم (1/ 447)، ومن طريقه البيهقي (5/ 33) كلهم من طريق سهل بن يوسف عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال: إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 217): رجال البزار ثقات كلهم، وعزاه للطبراني في الكبير. قلت: ولم أقف له على علَّة. قال المستدرِك: ظاهر هذا الإسناد صحيح، ويشهد لحديث زيد بن ثابت، لولا أن في النفس شيء [كذا] من أن المتن منكر.

هكذا قال، وكأننا أمام أحمد بن حنبل أو علي بن المديني، ثم أخذ يوضح النكارة التي في نفس فضيلته يكون الصحابة مع كثرتهم لم يذكروا الاغتسال، وهذا قد سبق رده بمثل حديث "إنما الأعمال بالنيات" الذي قاله عمر على المنبر، ولم يروه عنه إلا علقمة، وله نظائر، أسأل الله أن يريح طلاب العلم من المتعالمين، والله المستعان. وعلى أي حال، فالحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، وهما من المتقدمين بلا ريب، فليس من دعوى المستدرِك في ورد ولا صدر. ***

الحديث رقم (19)

الحديث رقم (19) - الإرواء (1/ 214) رقم (196): قوله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا لغيره، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين، وصححه غيرهم. الحديث رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655)، وأحمد (25167)، (25833)، (25834)، (26226)، وإسحاق بن راهويه (1284)، (1285)، وابن أبي شيبة (3/ 126)، وابن خزيمة (775)، وابن الجارود في المنتقى (173)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (3308)، وابن حبان (1711)، (1712)، وابن الأعرابي في معجمه (1994)، والحاكم (1/ 251)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 233)، (3/ 83)، (6/ 57)، والمعرفة (3/ 145)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 368)، وأبو محمد البغوي في شرح السنة (527)، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 210) كلهم من طريق حماد ابن سلمة (¬1) عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعًا به. ورواه ابن حزم في المحلى (1/ 90)، (3/ 219) من طريق عفان بن مسلم، ¬

_ (¬1) رواه المزي من طريق القطيعي عن عبد الله بن أحمد بالإسناد نفسه، فتحرف في المطبوع حماد إلى همام.

-خطأ وقع فيه ابن حزم، ونبه عليه الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله

فقال: حماد بن زيد عن قتادة به، فجعل حماد بن زيد متابعًا لابن سلمة. -خطأ وقع فيه ابن حزم، ونبَّه عليه الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله: قال الشيخ أحمد شاكر: قد أخطأ أبو محمد بن حزم هنا في ذكر حماد بن زيد عن قتادة، فإن الحديث حديث حماد بن سلمة، كما هو مصرح به في سنن الترمذي وابن ماجه، وعلل الدارقطني، وكما يفهم من تصحيح الحاكم له على شرط مسلم؛ لأن حماد بن سلمة روى له مسلم، ولم يرو له البخاري، وأما ابن زيد فإنه روى له الشيخان، ولو كان هو لكان الحديث على شرطهما في اصطلاح الحاكم. قلت: ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ أحمد شاكر أن الرواة عن عفان قد سموه حماد ابن سلمة، وقد وقع الحديث في الأحكام لابن حزم (2/ 113)، فقال فيه: حماد -هو ابن زيد- مما يدل على أن ابن حزم هو الذي سماه، والله أعلم. وخالف حماد بن سلمة سعيد بن أبي عروبة، فقد رواه أبو داود معلقًا، ووصله الحاكم (1/ 251)، والبيهقي (2/ 233) من طريقه عن قتادة عن الحسن مرسلًا. ورواه أبو داود (642)، وأحمد (24646)، وغيرهما من طريق أيوب، وأحمد (26016) من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عائشة بإسقاط صفية بنت الحارث، وهو إسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع، لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عائشة وقد ذكره ابن الأعرابي (1995)، (1996) من طريق أيوب وهشام متصلًا، وقد ذكر الدارقطني في علله (3780) الاختلاف فيه، ثم قال: وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب. -بيان فساد تشكيك المستدرك في منهج الشيخ رحمه الله: قلت: وهو الظاهر، وإن كان قد صحح الحديث أئمة، منهم: الترمذي، فقد

حسنه، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين بلا ريب، فدعوى المستدرك مخالفة الألباني رحمه الله للمتقدمين لا صلة لها بما نحن بصدده، فضلًا عن تطاوله على الشيخ بكلام حاصله التشكيك في منهجه ومسلكه في حكمه على الأحاديث، فمن ذلك قوله: رد تعليلات الأئمة بهذه البساطة، وبلا دراسة عميقة، يعتبر أحد أهم مشاكل البحوث الحديثية العاصرة -دفع تعليلات الأئمة بهذه الاحتمالات ما هو إلا من اعتماد ظواهر الأسانيد قول العلامة الألباني محاولة تقوية الأحاديث بالمتابعة غير المدروسة بتمهل- نلاحظ مرة أخرى أن الشيخ الألباني يرد تعليلات الأئمة من غير دراسة تحاول على الأقل فهم الأسباب الحقيقية لكلام الأئمة - أظنه ظهر للقارئ الكريم أننا لو أخذنا بمبدأ زيادة الثقة الذي أشار إليه الشيخ الألباني لم يكن لتقريرات الحفاظ الجهابذة التي دونتها كتب الرجال قيمة تذكر ... وهذا المحذور وقع فيه العاصرون، فتأمل. وأقول: كل هذا التشكيك جمعه في تعليقه على حديث واحد، فما بالك بغيره، ولا أحب أن أعكر مزاج طالب العلم الذي عرف قدر العلم وأهله بمثل هذه الطعون، ولكن أحب أن أقول: هل يمكن أن يخلص أحد الأئمة الذين سبقوا الألباني كالترمذي وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان وغيرهم من هذه الطعون؟!، فإلى متى تستمر أفاعيل هؤلاء المتطاولين؟!. والحاصل أن الراجح في طريق قتادة أنه مرسل من مراسيل الحسن، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة (3/ 124) وغيره عن عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن مرسلًا، وعمرو هو أبو إسحاق السبيعي، وقد صار إلى ترجيحه هذا المستدرِك حيث قال: الأقرب للصواب بالنسبة لرواية قتادة ما رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن مرسلًا.

قلت: فلماذا لم يقو مرسل الحسن بمرسل ابن سيرين، وهما طريقان منفصلان؟ الجواب: أن منهج هذه المدرسة الجديدة هو عدم تقوية الحديث بطرقه الضعيفة، وتأثره بهم ظاهر، وهو خلاف ما عليه جماهير المحدثين، فالذي يظهر هو تقوية الحديث بطريقيه، وبشواهده: فقد روى الطبراني في الأوسط (7606)، وفي الصغير (902): حدثنا محمد ابن أبي حرملة نا إسحاق بن إسماعيل نا عمرو بن هاشم البيروتي ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعًا بنحوه. وعمرو بن هاشم قال في التقريب: صدوق يخطئ، ويحيى بن أبي كثير مدلس، وقد عنعن، والإسناد أقل أحواله أن يكون صالحا في المتابعات، فأقل أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره، والله أعلم، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (4/ 155). وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 69): أجمع أهل العلم على أن المرأة (¬1) الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن صلاتها فاسدة، وأن عليها إعادة الصلاة. وعلى أي حال فالحديث لا صلة له بدعوى المستدرك مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين كما سبق، والله أعلم. ... ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع، ولعلها: "أنَّ على المرأة". فسقطت "على"، والله أعلم.

الحديث رقم (20)

الحديث رقم (20) - الإرواء (1/ 223) رقم (204): "إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فتَوَضَّئِي، إِتَّما هُوَ عِرْقٌ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: سبق برقم (11). القول فيه: لماذا ذكره برقم مستقل؟. قال المستدرِك: سبق الكلام على هذا الحديث أثناء، الكلام على حديث فاطمة في الاستحاضة، وهو الحديث رقم (11). قلت: والحديث وإن أعله من هذا الوجه أبو حاتم، فقد صححه ابن حزم وابن حبان، وهما من المتقدمين فلا تعلق له بما ادَّعاه من مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، وأيضًا الحديث طريق من طرق حديث سبق، فلا يعد حديثًا مستقلاًّ، ولا حاجة لمناقشته في هذا الموضع. ***

الحديث رقم (21)

الحديث رقم (21) - الإرواء (1/ 231) رقم (217): قوله -صلى الله عليه وسلم- "الإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ". وفيه زيادة: فقال رجل: تركتنا نتنافس في الأذان؟، فقال: "إِنَّ بَعْدَكُمْ زَمَانًا، سَفَلَتُهُمْ مُؤَذِّنُوهُمْ"، وصححها الشيخ تبعًا لابن القطان. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: زيادة "سَفَلتُهُمْ مُؤَذِّنُوهُمْ"، ضعيفة. الراجح عندي: هي معلولة، وللشيخ اجتهاده. روى الحديث بهذه الزيادة، البزار (9266)، وابن عدي في الكامل (5/ 258)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (428)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 225)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 430)، وابن عساكر (54/ 124) كلهم من طريق أبي حمزة قال سمعت الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال البزار: لا نعلم رواه إلا أبو حمزة السكري، ولم يتابع عليه. وذكر الدارقطني في علله (1968) جمعًا رووه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ورواه أبو حمزة السكري: عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وزاد فيه ألفاظًا لم يأت بها غيره، وهي: فقال رجل: يا رسول الله تركتنا نتنافس في الأذان، قال: "إِنَّ بَعْدَكُمْ زَمَانًا، سَفَلتُهُمْ مُؤَذِّنُوهُمْ"، قال: وليست هذه الألفاظ محفوظة.

وقال أبو يعلى في الإرشاد ص (340): هذه اللفظة لا تروى إلا من رواية أبي حمزة، وربما هذا من قول بعض الرواة، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضعفها ابن عبد البر في التمهيد (22/ 15)، ورد هذا الإعلال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2821) بقوله: لا مبالاة (¬1) بقول الدارقطني في علله: إنها ليست بمحفوظة، لثقة راويها أبي حمزة السكري، وتعقبه الذهبي في رده (90) بقوله: بلى، والله هي زيادة منكرة. قلت: والقول قول من أعلها من الأئمة، وأما الشيخ الألباني فقد حكى أقوال الأئمة، ومال إلى قول ابن القطان، فكان ماذا؟!. ... ¬

_ (¬1) ماذا يقول المستدرك عن قول ابن القطان: لا مبالاة بقول الدارقطني في علله ... ، هل يجرؤ على وصفه بسوء الأدب مع الأئمة، كما أشار إلى ذلك مع الشيخ الألباني، أم أنه سيكيل بمكيالين، كما هو دأب غالب هؤلاء.

الحديث رقم (22)

الحديث رقم (22) - الإرواء (1/ 239) رقم (221): حديث: "أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتهِم وَسُحُورِهِم المُؤَذِّنون". حكم الشيخ رحمه الله: حسن. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: الحديث حسن إن شاء الله، ولم أر من صرح بتضعيفه من الأئمة. الحديث رواه الطبراني في الكبير (6743)، والبيهقي (1/ 426) من طريق يحيى الحماني ثنا إبراهيم بن أبي محذورة عن أبيه عن جده عن أبي محذورة مرفوعاً به. اعترض هذا المستدرِك على الشيخ في حكمه على يحيى الحماني، وقد أجمل الشيخ كلام أهل العلم فيه بقوله: فيه اختلاف كبير، فوثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد: كان يكذب جهارًا، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كذاب، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أر في أحاديثه مناكير، وأرجو أنه لا بأس به ... ، وفي التقريب: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث. قلت: وقد وثقه ابن نمير مرة، فهذا دال على أن تكذيبه ليس مقطوعًا به، وأما الإِمام أحمد الذي اعتمده في إثبات كذبه، فقد قال مطين: سألت أحمد بن حنبل عنه قلت: أتعرفه؟، ألك به معرفة وعلم؟، فقال أحمد: كيف لا أعرفه؟!، فقلت له: كان ثقة، فقال: أنتم أعرف بمشايخكم، وسألنا يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة، ثقة، وكذلك اعتمد المستدرك على رد الذهبي على ابن معين في اتهامه من تكلم فيه بالحسد بقوله: الجرح مقدم، وأحمد والدارمي بريئان من الحسد، وقوله: بل ينصفونه، وأنت فما أنصفت، وهذا في معرض الرد، وأما في الميزان فقد حكى قول

-إخلال آخر من الخليل بالأمانة العلمية

ابن عدي: لم أر في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير، وأرجو أنه لا بأس به، فأقر به لكن تعقبه بقوله: إلا أنه شيعي بغيض، وهذا أمر لا يدفع روايته. وقد جاء كلام الشيخ الألباني مشابهًا لإمام النّقاد الخليلي في الإرشاد ص (179) دون أن يطلع عليه فيما يظهر - حيثما قال: حافظ، رضيه يحيى بن معين، وضعفه غيره، فخرج في الصحيحين، فقال مغلطاي: ولم أره لغيره، فينظر، قد استشهد به مسلم (713)، فالراجح كونه صالحًا في المتابعات والشواهد، وهو الذي انتهى إليه المعلقان على التقريب: الشيخان: بشار عواد، وشعيب الأرناؤوط. وقد ورد الحديث من مرسل الحسن بإسناد صحيح عنه عند الشافعي في الأم (1/ 75)، والمسند (173)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير (1/ 426)، والمعرفة (2/ 265). -إخلال آخر من الخليل بالأمانة العلمية: وقد أشار البيهقي إلى تقوية الموصول بالمرسل حيث قال: وهذا المرسل شاهد لما تقدم، وقد ذكر ذلك شيخنا الألباني، فأخفاه المستدرِك، فلماذا؟. وذكر له ابن الملقن شواهد أخرى في البدر المنير (3/ 223 - 225)، وقال: حديث الحسن يحتج به، وهو العمدة إذًا، فإنه انضم إلى إرساله اتصاله من وجوه أخر، وذكر الدارقطني في علله (1555) مرسل الحسن متصلاً، وقال: والصحيح: عن يونس عن الحسن مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فمن سبق المستدرِك باعتراضه، وحديث الباب بمعنى أحايث: المؤذن مؤتمن، ولذا ضمه مغلطاي في الإعلام (4/ 73) إلى الشواهد الواردة في هذا المتن، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى، والله أعلم، وعلى كل حال فلا صلة له بدعوى المستدرك مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (23)

الحديث رقم (23) - الإرواء (248/ 1) رقم (230): حديث أبي جحيفة: رأيت بلالًا يؤذن، ويدور، وأتتبع فاه هاهنا، وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: حسن بمجموع طرقه، وصححه الترمذي، وأبو عوانة، والحاكم، وهم من المتقدمين. الحديث رواه بهذا اللفظ عبد الرزاق (1806)، (2314) مختصرًا، ومن طريقه الترمذي (197)، وأحمد (18759)، وابن المنذر في الأوسط (1177)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (248)، والحاكم (1/ 202)، وابن حزم في المحلى (3/ 144) عن سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به. قال ابن رجب في فتح الباري (5/ 383): قال أبو طالب: قلت لأحمد: يدخل إصبعه في الأذان؟ قال: ليس هذا في الحديث. قلت: وقد توبع عبد الرزاق على ذلك، فرواه الحاكم (1/ 202) من طريق إبراهيم بن بشار ثنا إبراهيم بن عيينة عن الثوري به. قال ابن رجب (5/ 376): قال الحاكم: هو صحيح على شرطهما جميعًا، وليس كما قال، وإبراهيم بن بشار لا يقبل ما تفرد به عن ابن عيينة، وقد ذمه الإِمام أحمد ذمًّا شديدًا، وضعفه النسائي وغيره. قلت: الذي وقع في مستدرك الحاكم: إبراهيم بن عتبة مصحفًا من ابن عيينة، فالظاهر أن ما وقع عند ابن رجب هو الصواب، وإبراهيم بن بشار الأكثر على

توثيقه، وقد دافع عنه ابن حبان دفاعًا قويًّا، وقال عنه في الثقات (8/ 72): كان متقنًا ضابطًا، صحب ابن عيينة سنين كثيرة، وسمع منه أحاديثه مرارًا، وحديثه هنا في المتابعات، فلا وجه لإنكاره، وقد توبعا، فرواه أبو عوانة (962) من طريق مؤمل، وهو ابن إسماعيل، وفيه ضعف عن الثوري به. وقد توبع الثوري على ذكر وضع الإصبعين في الأذنين والاستدارة، تابعه حجاج بن أرطأة عند ابن ماجه (711)، وابن أبي شيبة (18/ 2)، والبزار (4218)، (4240)، وابن خزيمة (388)، وأبي يعلى (894)، وأبي عوانة (960)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (259)، (260)، (266)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 395 - 396) وتابعهما إدريس الأودي، وهو ثقة عند الطبراني في الكبير ج (22) رقم (247)، وفي الإسناد زياد بن عبد الله البكائي، وفيه مقال. وتابعهم قيس بن الربيع عند أبي داود (520)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (289)، وقيس قال في التقريب: صدوق، تغير لما كبر. ورواه البخاري في تاريخه الكبير (7/ 15) من طريق سفيان بن حريث عن عون به. قال الشيخ المعلمي: لم أجد من يقال له سفيان بن حريث. فهذه الطرق تقوي ثبوت هذه الزيادة، وهي جعل الأصبعين في الأذنين، ولها شواهد، فرواه ابن ماجه (710)، وابن عدي (4/ 313 - 314)، والطبراني في الكبير (5448)، وأبو نعيم في المعرفة (3184) كلهم من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد عن أبيه عن جده قال البوصيري: ضعيف لضعف أولاد سعد. وله شاهد من حديث بلال عند الطبراني في الشاميين (1334)، (1348)، وفي إسناده عبد العزيز بن عبيد الله، وهو ضعيف.

ومن مرسل كثير بن مرة عند الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (118)، وإسناده حسن. وشاهد بإسناد رجاله ثقات في المراسيل لأبي داود (24) من معضل يزيد بن طهمان به. والذي يترجح تقوية الحديث بمجموع طرقه كما ذهب إليه الترمذي حيث قال: حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم: يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، وصححه الحاكم كما سبق. وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 378): رواه أبو الشيخ الحافظ من حديث حماد وهشيم جميعًا عن عون عن أبيه أن بلالًا أذَّن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبطحاء، فوضع إصبعيه في أذنيه، وجعل يستدير يمينًا وشمالًا، ورواه أبو نعيم في المستخرج على البخاري من حديث عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان عن عون عن أبيه بنحوه. واعترض ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 395 - 396) على تضعيف البيهقي الحديث. ورواية الجماعة عند البخاري (634)، ومسلم (503) وغيرهما: قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وهاهنا (يقول يمينًا وشمالًا) هي بمعنى الاستدارة، قال الحافظ في الفتح (2/ 115): يمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة، عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله. قلت: ووضع الإصبعين في الأذنين وإن ضعفه أحمد والبيهقي فقد صححه الترمذي، وأبو عوانة، والحاكم، وهم من المتقدمين، فلا تعلق لهذا بدعوى المستدرك أن الشيخ رحمه الله مخالف لمنهج المتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (24)

الحديث رقم (24) - الإرواء (1/ 250) رقم (232): حديث: مستقبلًا القبلة لفعل مؤذنيه - صلى الله عليه وسلم -. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: لا يثبت. الراجح عندي: صحيح لغيره، ولم يذكر أحدًا ضعفه من الأئمة. قال الشيخ: ضعيف، ولا أعرف فيه إلا حديث سعد القرظ أن بلالاً كان إذا كبَّر بالأذان استقبل القبلة، ثم يقول: الله أكبر، الله أكبر. أخرجه الحاكم، وابن عدي، والطبراني في الصغير بسندٍ ضعيفٍ، كذلك رواه في الكبير. لكن الحكم صحيح، فقد ثبت استقبال القبلة في الأذان من الملك الذي رآه عبد الله بن زيد الأنصاري في المنام لما سيأتي بيانه برقم (246)، وقد قال إسحاق ابن راهويه في مسنده: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاء عبد الله بن زيد، فقال: يا رسول الله إني رأيت رجلاً نزل من السماء، فقام على جذم الحائط، فاستقبل القبلة ... فذكر الحديث. قال الشيخ: ورجاله كلهم ثقات، لكنه مرسل، وقد صح موصولاً كما سيأتي في المكان المشار إليه. قال المستدرِك: الحديث ثبت موصولًا، لكن اللفظ الموصول منه ليس فيه ذكر لاستقبال القبلة، فبقي هذا اللفظ -وهو مكان الشاهد- مرسلاً لا يثبت. قلت: بل قد ورد موصولًا، أخرجه الشاشي في مسنده (1084): حدثنا أحمد

ابن إبراهيم بن مطر نا طلق بن غنام نا قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد فذكر حديثًا طويلًا، وذكر استقبال القبلة. وقد أكثر الهيثم بن كليب عن ابن مطر، ولم أقف له على ترجمة، وقيس، وهو ابن الربيع فيه مقال. ورواه أبو داود (507) وغيره من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ في حديث طويل، وفيه استقبال القبلة وهو منقطع. وهذا اختلاف على عمرو بن مرة، والراجح المرسل الذي أخرجه إسحاق بن راهويه. وأما حديث سعد القرظ فرواه الطبراني في الكبير (5448)، وابن عدي (4/ 314)، والحاكم (3/ 607 - 608)، وإسناده ضعيف، وهو يتقوى بمرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى. وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 26): حدثنا مالك بن إسماعيل قال: نا زهير قال: نا أبو مطر الجعفي قال: أذنت مرارًا، فقال لي سويد: إذا أذنت فاستقبل القبلة، فإنه من السنة. وأبو مطر الجعفي وقع في طبعة الحوت: أبو طاهر، ولم أجد لأبي مطر ولا لأبي طاهر الجعفي ترجمة، والظاهر أنه محرف من ابن مسلم الجعفي، وهو عمران ابن مسلم الجعفي، فإنه يروي عنه زهير بن معاوية، ويروي عن سويد بن غفلة، ولئن كان كذلك فالإسناد صحيح، وسويد بن غفلة مخضرم، فهو مرسل من مراسيل كبار التابعين، فيصح الحديث بمجموع طرقه. قال ابن المنذر في الإجماع ص (7) رقم (39): أجمعوا على أن من السنة أن

تستقبل القبلة بالأذان. قلت: ولم يذكر المستدرِك أحدًا وافقه على تضعيف الحديث، فلا صلة له بما ادعاه من مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين في الحكم على الأحاديث. ***

الحديث رقم (25)

الحديث رقم (25) - الإرواء (1/ 256) رقم (239): حديث ابن مسعود في قصة الخندق: أن المشركين شغلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، ثم أَمَر بلالًا، فأذَّن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. حكم الشيخ رحمه الله: ضعيف. حكم المستدرك: إسناده قوي، كما فهم من كلام الترمذي. الراجح عندي: إسناده ضعيف، لانقطاعه. الحديث رواه النسائي (1/ 297 - 298)، (2/ 17 - 18)، والترمذي (179)، والطيالسي (331)، وأحمد (3555)، (4013)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 485)، (13/ 320 - 321)، وفي المسند (309)، وأبو يعلى (5351)، وابن المنذر في الأوسط (1186)، والطبراني في الكبير (10283)، وأبو الشيخ في جزء أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (138)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 207)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 407)، (2/ 219 - 220)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 236 - 237)، وابن الجوزي في التحقيق (388) كلهم من طريق أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله قال: قال عبد الله فذكره. قال الترمذي: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، فتعقبه شيخنا الألباني بقوله: فهو منقطع، أفيصح نفي البأس عنه؟!.

-تطاول المستدرك على الشيخ الألباني، والجواب عنه

-تطاول المستدرِك على الشيخ الألباني، والجواب عنه: قال المستدرِك: فأنت ترى أن الشيخ الألباني يتعجب من صنيع الترمذي، ويرى أنه لم يحسن صنعًا، وهذا واضح من أسلوبه ومن استخدامه علامتي التعجب والاستفهام، وأنا أتساءل أيضًا، وأقول: هل يخفى على الترمذي أن عدم السماع الذي ذكره عن أبي عبيدة يعني الانقطاع، كما فهمه الشيخ الألباني؟! وأقول: إنك استعملت العلامتين أنفسها مع الشيخ، فيرجع إليك كل هذه الاتهامات التي وجهتها للشيخ، وطالب العلم الذي عرف قدر نفسه وقدر أهل العلم لا يدخل نفسه بين أهل العلم الكبار إلا بالسعي للتوفيق والجمع بين كلامهم بكل أدب وتقدير، لا أن يجعل من نفسه معلمًا ومربيًا لهم كما هو حاصل من هذا المتعجل، وإلا فالسكوت واسع، وتوجيه كلامهما على أحسن المحامل لا يعجز عنه طالب العلم المؤدب، أسأل الله عز وجل أن يجعلني منهم، ولا يخفى على أحد أن الشيخ الألباني رحمه الله لا يمكن أن يخطر بباله أن الترمذي رحمه الله يخفى عليه أن عدم السماع يعني الانقطاع، فاتهام هذا المتطاول للشيخ الألباني رحمه الله بأنه فهم هذا إساءة ظن بالغة بالشيخ رحمه الله، وإلا فتوجيه كلاميهما على وجوه حسنة بما يناسب كلاميهما متيسر لكل من له أدنى فهم، فتعجب الشيخ يمكن توجيهه بكون حكم الترمذي ينافي المشهور من اصطلاح أهل هذا الفن، ويوجه كلام الترمذي بأنه حكم على ظاهر الإسناد بالنظر إلى حال رواته دون النظر في اتصال إسناده، وإلا فكيف يفسر قول الترمذي: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، ثم استدرك، فقال: إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، فمعلوم أن (إلا) أداة استثناء، وهي تعني إخراج شيء عن حكم الذي قبله، فكأنه يقول: إن إسناده ليس به بأس لولا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والترمذي رحمه الله كلما أخرج حديث أبي عبيدة عن أبيه نبَّه في الأغلب على عدم سماعه منه، مثل الحديث رقم (622)، (1061)، وفي

الحديث رقم (17) ساق بإسناده الصحيح عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا، وفي الحديث رقم (366) قال: هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ولم ينبه في موضع واحد أنه يصحح حديثه رغم انقطاعه، مما يدل على أنه يعني المتن لا الإسناد، وله نظائر ففي الحديث رقم (2736) قال: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور. وفي الحديث رقم (2795) قال: هذا حديث حسن، ما أري إسناده بمتصل. وأخرج برقم (2915): حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا شعبة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا .... الحديث. وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، ثم قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه، ولم يرفعه. ثم قال: وهذا أصح من حديث عبد الصمد عن شعبة. هذا مع أنه قال عن المرفوع أعني حديث عبد الصمد: حديث حسن صحيح، فبماذا يفسر هذا المستدرِك هذا من الترمذي رحمه الله؟!!!. بل وأشد من هذا الحديث رقم (2917) حيث قال: هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك. وفي الحديث رقم (3075) رواه من طريق مسلم بن يسار عن عمر، ثم قال: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر. وفي الحديث رقم (3692) قال: هذا حديث حسن غريب، وعاصم بن عمر

-تناقض المستدرك مع تطاوله على الشيخ رحمه الله

ليس بالحافظ عند أهل الحديث. فماذا يقول هذا المستدرِك في هذه الأحاديث، وفي حكم الترمذي عليها فما أجاب به فهو جوابنا، وأما أورده من احتجاج بعض أهل العلم كابن المديني بحديث أبي عبيدة عن أبيه فهو تابع لاختلاف أهل العلم في الاحتجاج بالمرسل، وقد يكون هذا مذهب الترمذي أيضاً، وقد أورد ذلك ابن رجب في شرح علل الترمذي (1/ 542) في مسألة الاحتجاج بالمرسل، ومذهب الجمهور عدم الاحتجاج بالمرسل إلا بشروط كما ذهب إليه الشافعي رحمه الله، وما فهمه الشيخ الألباني من نفي السماع من أنه الانقطاع الذي له حكم غيره من الانقطاع هو قول ابن الملقن حين قال في البدر المنير (3/ 321) بعد ذكره كلام الترمذي: يعني فيكون منقطعًا. -تناقض المستدرك مع تطاوله على الشيخ رحمه الله: فمن سبق هذا المستدرِك بتفسير كلام الترمذي بما ذهب إليه؟!!. بل قد ناقض المستدرك نفسه ففي الحديث رقم (553) قال الترمذي: حديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، فمع تصريح الترمذي بتحسين الحديث زعم المستدرك أنه يعله، ويضعفه لكونه ذكر تفرد قتيبة به، فأين اعتباره لتحسين الترمذي للحديث (¬1)؟!. وقد ولغ هذا المستدرِك في عرض الشيخ وتطاول عليه، وكأنه صبي يؤدبه، ويعلمه كيف يتعامل مع العلماء، فتأمل قوله: كان الواجب على الشيخ الألباني أن يبحث عن هذا السبب قبل أن يسارع في الرد على الترمذي. ¬

_ (¬1) بل قد ورد في بعض النسخ قوله: حسن صحيح.

وإنما أطلت -نوعًا ما- في هذا التوضيح، لأنبه إلى خطأ بالغ يكثر من المتأخرين المشتغلين بالحديث!!!، وهو المسارعة إلى نقد كلام الحفاظ المتقدمين بجرأة غير محمودة، وبانتقادات سطحية، ليس من الإنصاف نسبتها إلى المتقدمين، ولو تأمل الناقد، ودرس الإسناد على الوجه المطلوب لوجد أن كلام الحفاظ دليلاً [كذا] على حفظهم وتقدمهم. وأقول: إن هذا المتهور لو تأمل كلامه بإنصاف للعلم لوجد أنه أولى الناس به، وأنا أريد أن أعرف شيئًا، وهو من الذي لقن هذا الطالب هذا الأسلوب في مخاطبة العلماء؟، إن البيئة التي نشأ فيها لا تسمح بهذا على حد علمي، فمن أين تلقنه؟!!!. ولا أظن منصفًا يخالف في وجوب ردع هذا وأمثاله من علماء المسلمين عامة، وعلماء السعودية خاصة نصحاً لله ولرسوله وللمؤمنين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (26)

الحديث رقم (26) - الإرواء (1/ 295) رقم (268): حديث سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله، إني أكون في الصيد، وأصلي في القميص الواحد؟، قَالَ: "نَعَمْ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ". حكم الشيخ رحمه الله: حسن. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: حسن كما قال الشيخ رحمه الله، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وحسنه النووي. الحديث رواه أبو داود (632)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 296 - 297) من طريق القعنبي، والشافعي في الأم (1/ 78)، وفي المسند (186)، ومن طريقه البغوي في شرح السنة (517)، وأبو بكر بن أبي شيبة (2/ 257)، وابن خزيمة (777) من طريق نصر بن علي، (778) من طريق أحمد بن عبدة الضبي، وابن الأعرابي في (2110) من طريق أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي. وابن حبان (2294) من طريق ابن أبي عمر، والحاكم (1/ 250) من طريق إبراهيم بن حمزة، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 240) من طريق محمد بن أبي بكر. وأبو يعلى كما في تغليق التعليق (2/ 198) من طريق عمرو بن محمد الناقد. (القعنبي، والشافعي، وابن أبي شيبة، ونصر بن علي، وأحمد بن عبدة الضبي، وأبو الوليد الطيالسي، وابن أبي عمر، وإبراهيم بن حمزة، ومحمد بن أبي بكر،

وعمرو الناقد) عشرتهم عن الدراوردي عن موسى بن إبراهيم عن سلمة بن الأكوع به. وخالفهم يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة، فرواه من طريقه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 380) عن الدراوردي، فقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة به، فقد خالف ابن أبي قتيلة الجماعة في تسمية شيخ الدراوردي وفي زيادته (عن أبيه)، ورواية الجماعة هي الراجحة. وقد توبع الدراوردي، فرواه النسائي (2/ 70)، والشافعي في الأم (1/ 78)، وفي المسند (186)، وأحمد (16520)، (16522)، (16547)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 297)، والروياني (1171)، وابن المنذر في الأوسط (2389)، والدقاق في معجمه (17)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (932)، والطبراني في الكبير (6279)، والبيهقي في المعرفة (3/ 158)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (37)، وفي المتفق والمفترق (1453)، والبغوي في شرح السنة (517)، والمزي في تهذيب الكمال (29/ 18 - 19) كلهم من طريق العطاف بن خالد عن موسى بن إبراهيم قال: سمعت سلمة بن الأكوع فذكره. وموسى بن إبراهيم حسن الحديث كما بين ذلك شيخنا الألباني، والدراوردي صدوق تابعه العطاف بن خالد، وهو حسن الحديث أيضًا، وخالفهما إسماعيل بن أبي أويس، فرواه من طريقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 296) قال حدثنا أبي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه عن سلمة. قال البخاري: هذا لا يصح، وفي حديث القميص نظر، حديث سلمة، وخالفه البيهقي، فقال في المعرفة: والأول أصح.

- استدراك الخليل على الشيخ بأمر متشكك فيه

قلت: وما رجحه البيهقي هو المعتمد، فإن العطاف والدراوردي أرجح بلا شك من إسماعيل بن أبي أويس، وقال البخاري: وروى ابن أبي الموال عن موسى ابن إبراهيم بن أبي ربيعة عن أبيه سمع أنسًا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب. قلت: رواه أحمد (12280) وغيره، قال ابن رجب الحنبلى في فتح الباري (2/ 342): وفي كونه علة مؤثرة نظر، فإن لفظ الحديثين يختلف جدًّا، فهما حديثان مختلفان إسنادًا ومتنًا، ثم قال: حديث الصلاة في القميص وزره بالشوكة فلا يعرف إلا بهذا الإسناد عن سلمة، فلا يعلل بحديث غيره، والله أعلم. وقال قبل ذلك في سماع موسى بن إبراهيم من سلمة بن الأكوع. رواه الأثرم في سننه: ثنا هشام بن بهرام ثنا عطاف عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي أن سلمة بن الأكوع كان إذا قدم المدينة نزل على ابنه إبراهيم في داره، قال: فسمعته يقول: قلت: يا رسول الله، فذكر الحديث، ثم قال: وكذلك رواه علي بن المديني عن الدراوردي أخبرني موسى بن عبد الرحمن أنه سمع سلمة ابن الأكوع فذكره. قلت: والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وحسنه النووي في المجموع كما نقله عنه الشيخ في صحيح أبي داود (643). - استدراك الخليل على الشيخ بأمر متشكك فيه: قال المستدرِك بعد ذكره كلام ابن رجب: ما سبق أوجب لي التوقف والتأنِّي حتى يظهر ما يرجح أحد الاحتمالين. قلت: فإذا كان متوقفًا، فلم أورده فيما استدركه، ووضوح ما رجحه الأئمة أمر بين، لكن توقفه فيما يظهر لعلو رتبة البخاري عن مخالفيه رغم كثرتهم ووضوح دليلهم، وهل التقليد غير هذا؟!.

وعلى كل حال فابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من المتقدمين فلا صلة لما ذكره حول هذا الحديث بدعواه مخالفة الشيخ منهج المتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (27)

الحديث رقم (27) - الإرواء (1/ 302) رقم (371): عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكبَةِ عَوْرَةٌ". حكم الشيخ: حسن. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: حسن كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، ولم يذكر من ضعفه سوى العقيلي، فكان ماذا؟. الحديث رواه أبو داود (495)، (496)، وأحمد (6689)، (6756)، وفي العلل ومعرفة الرجال (47)، وابن أبي شيبة (2/ 258)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 168)، وابن أبي الدنيا في العيال (297)، والدولابي في الكنى (892)، والعقيلي (2407)، والدارقطني (1/ 230 - 231)، والحاكم (1/ 197)، وأبو نعيم في الحلية (26/ 10)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 228 - 229)، وفي الشعب (8608)، والخطيب في تاريخ بلده (2/ 278)، والبغوي في شرح السنة (505)، وابن الجوزي في التحقيق (486) من طرق عن سوار بن داود أبي حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا به. وخالف الجماعة المغيرة بن موسى، فرواه عن سوار عن محمد بن جحادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا به، رواه كذلك البيهقي في السنن الكبير (229/ 2). والمغيرة وإن وثقه ابن عدي، فقد قال البخاري: منكر الحديث، ورواية الجماعة هي المحفوظة، وفي الطرق تصريح أبي حمزة بالسماع من عمرو بن شعيب. وسوار بن داود، وقال بعضهم: داود بن سوار وثقه ابن معين، وقال أحمد:

-قصور شديد في معرفة الحكم على الرواة من المستدرك

شيخ بصري، لا بأس به، روى عنه وكيع، فقلب اسمه، وهو شيخ يوثق بالبصرة، لم يرو عنه غير هذا الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وذكره ابن شاهين في الثقات، وقال الدارقطني: لا يتابع على حديثه، فيعتبر به، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال عن حديثه هذا: حديث عمرو بن شعيب فليس يروى من وجه يثبت. -قصور شديد في معرفة الحكم على الرواة من المستدرِك: قلت ولا يخفى أن العقيلي رحمه الله متشدد حتى ذكر ابن المديني في الضعفاء، فرد عليه الذهبي بكلام شديد، والحق في أبي حمزة سوار ما قاله خاتمة الحفاظ ابن حجر في التقريب: صدوق، له أوهام، ولم يثبت أن هذا الحديث من أوهامه، كيف وقد توبع، فرواه ابن عدي (3/ 60)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 229) من طريق الخليل بن مرة عن الليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا به، والخليل بن مرة قال البخاري: منكر الحديث، وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو شيخ صالح، وهذا تضعيف لين، مع ما عرف عن أبي حاتم من التشدد، وقال أبو زرعة: شيخ صالح، وقال ابن عدي: هو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث، وقال ابن شاهين: ثقة، قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا يتكلم فيه. قال المستدرِك: هو من العجائب، ولو قال: ما رأيت أحدًا لم يتكلم فيه لكان أقرب، وهو دليل على أنه لم يخبر أمره. قلت: أذكر القارئ بما قاله هذا المستدرِك ص (161) موجهًا كلامه لإمام محدثي عصرنا الألباني رحمه الله: أنبه إلى خطأ بالغ يكثر من المتأخرين المشتغلين بالحديث، وهو المسارعة إلى نقد كلام الحفاظ المتقدمين بجرأة غير محمودة، وبانتقادات سطحية، ليس من الإنصاف نسبتها إلى المتقدمين، ولو تأمل الناقد،

ودرس الإسناد على الوجه المطلوب لوجد أن كلام الحفاظ دليلاً [كذا] على حفظهم وتقدمهم. قلت: وأحمد بن صالح المصري إمام حافظ متقدم من أئمة الجرح والتعديل، ولم يقل كلامه السابق جزافًا، بل قد تكلم بكلام حذفه المستدرِك، يدل على عكس ما أتهمه به حيث قال: ورأيت أحاديثه عن قتادة ويحيى بن أبي كثير صحاحًا، وإنما استغنى عنه البصريون؛ لأنه كان خاملاً، ولم أر أحدًا تركة، وهو ثقة. وقد نقل السهمي في تاريخ جرجان ص (558) هذا الكلام، ونسبه لأحمد بن حنبل، ثم نقل عن ابن شاهين قوله: وهذا الخلاف في الخليل بن مرة يوجب الوقف فيه، لأن الخليل بن مرة قد روى أحاديث صحاحًا، وروى أحاديث منكرة، وهو عندي إلى الثقة أقرب. وهذا يدل على أن ابن شاهين اطلع على كلام الجارحين، وكلام أحمد بن صالح يحمل على أنه يرى أنه ما رأى أحدًا تكلم فيه بحجة، ولعل أقرب الأقوال والذي يجمع بين كلامهم هو كلام ابن عدي، وهو أنه صالح في المتابعات والشواهد، والله أعلم. وللحديث شاهد من حديث أبي أيوب، رواه الدارقطني (1/ 231)، والبيهفي (2/ 229)، وفي إسناده سعيد بن راشد وعباد بن كثير، وهما متروكان. ومن حديث أبي سعيد عند الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (143)، وإسناده واهٍ. ومن حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند الطبراني في الأوسط (7761)، والصغير (1011)، والحاكم (3/ 568)، وإسناده واهٍ أيضاً. فالعمدة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو حسن.

الحديث رقم (28)

الحديث رقم (28) - الإرواء (1/ 303) رقم (273): حديث: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ"، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيطَانُ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: منقطع، يعني: ضعيف. الراجح عندي: الحديث صحيح، وصححه ابن حبان، والدارقطني، وحسنه الترمذي. الحديث رواه الترمذي (1173)، والبزار (2061)، (2063)، وابن خزيمة (1685)، (1688)، وفي التوحيد (23)، وابن المنذر في الأوسط (2081)، (2082)، وابن حبان (5599)، والطبراني في الكبير (10115)، وفي الأوسط (8096)، وابن حزم في المحلى (4/ 201) كلهم من طريق قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا به. ورواه ابن خزيمة (1686)، وابن حبان (5598)، والبزار (2062)، وابن عدي (3/ 423)، والخطيب في تاريخه (8/ 451) من طريق قتادة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً به. قال ابن خزيمة: هل سمع قتادة هذا الخبر عن أبي الأحوص، لرواية سليمان التيمي هذا الخبر عن قتادة عن أبي الأحوص؛ لأنه أسقط مورقًا من الإسناد، وهمام وسعيد بن بشير أدخلا في الإسناد مورقًا، وإنما شككت أيضًا في صحته، لأني لا أقف على سماع قتادة هذا الخبر من مورق. قلت هذا الشك لا يتجه بعد معرفة الواسطة بين قتادة ة وأبي الأحوص، والله أعلم.

-إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية

وروى ابن أبي شيبة (3/ 380)، والطبراني في الكبير (9481)، (9482) من طريق حميد بن هلال، وابن أبي شيبة (6/ 353)، والطبراني في الكبير (9480) من طريق أبي إسحاق (حميد بن هلال، وأبو إسحاق السبيعي) كلاهما عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفًا بنحوه. وقتادة حافظ، فلا مانع من كون الحديث محفوظًا مرفوعاً، وموقوفًا، وقد حكى الدارقطني الاختلاف في علله (905)، وحكى وجهًا مرفوعًا عن أبي إسحاق، ووجهًا موقوفاً من طريقه، ثم قال: وكذلك رواه إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق موقوفًا، والموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق وحميد بن هلال، ورفعه صحيح من حديث قتادة. -إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية: وقد نقل المستدرِك كلام الدارقطني: والموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق، وترك قوله: ورفعه صحيح من حديث قتادة، وهذه خيانة علمية، توجب التوقف في نقله وكلامه، والله المستعان. وقال الترمذي: حسن غريب، ونقل ابن رجب في فتح الباري (8/ 52) عنه تصحيحه. وقال: وإسناده كلهم ثقات، وقال الدارقطني: رفعه صحيح من حديث قتادة، وأقره (¬1)، وصححه ابن حبان، وقول هؤلاء الأئمة مقدم على شك ابن خزيمة، وعلى أي حال فلا صلة له بما ادعاه من مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، والله الموفق. ... ¬

_ (¬1) ولم يذكر المستدرك شيئًا عن ابن رجب في هذا الحديث على خلاف عادته.

الحديث رقم (29)

الحديث رقم (29) - الإرواء (1/ 303) رقم (274): حديث أم سلمة قالت: يَا رَسول الله تُصَلِّى الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا إِزَازٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَانَ سَابِغًا، يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا". حكم الشيخ رحمه الله: ضعيف مرفوعًا، وموقوفاً. حكم المستدرك: صحيح موقوفًا، وضعيف مرفوعًا. الراجح عندي: الحديث ضعيف مرفوعًا، وموقوفًا، كما قال الشيخ رحمه الله، وأي صلة لهذا بمستدرك التعليل؟!. الحديث رواه أبو داود (640)، والدارقطني في سننه (2/ 62)، والحاكم (1/ 250)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 233)، وفي المعرفة (3/ 145 - 146)، وابن الجوزي في التحقيق (408)، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 344) كلهم من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد بن المهاجر عن أمه عن أم سلمة مرفوعًا به. وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإن أخرج له البخاري، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، وقد خالفه مالك فرواه كما في الموطأ ص (134) عن محمد بن زيد بن المهاجر عن أمه عن أم سلمة موقوفًا، وتابع مالكًا جمع من الثقات، ذكرهم أبو داود، وذكر الدارقطني في علله (4000) الاختلاف فيه، وصوب الموقوف، وقال ابن الجوزي عن عبد الرحمن: الظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث. وعليه فلا التفات إلى قول الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وقال في تنقيح التحقيق (128/ 1): رفعه

غلط، وهو يقوي قول شيخنا مقبل بن هادي رحمه الله: بأن سكوته في تلخيص المستدرك لا يعد موافقة، وأن الأدق أن يقال: سكت عنه، والله أعلم. وليس هذا موضع الاستدراك، ولكن الشيخ ضعف الموقوف أيضًا بقوله: على أنه لا يصح مرفوعًا، ولا موقوفًا، لأن مداره على أم محمد وهي مجهولة كما عرفت، فاعترض المستدرك عليه بقوله: الأقرب أن هذه الجهالة لا تضر؛ لأمور: أولاً: أم محمد هذه من كبار التابعين من الطبقة الأولى منهم، فهي تروي عن أم سلمة ... يقول الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء ص (274) أما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ. قلت: كلام الذهبي ليس صريحاً في الاحتجاج بخبر التابعي الكبير المجهول، بل معناه الاستئناس بخبره، وهذا يحمل على الاستشهاد به، لا الاحتجاج، وقد قال في مقدمة الميزان: المجهول غير محتج به، ولم يستثن، وقد قال في هذه المرأة: لا تعرف، فهل يطلق هذا القول عليها، وهو يحتح بها دون أن يبين ذلك؟! لو كان كذلك لكان فيه إيهام شديد لا يليق بمثل الذهبي رحمه الله، ثم إن ابن حجر رحمه الله عد أم محمد في الطبقة الرابعة الذين هم أوساط التابعين. وعلى كل حال فلا صلة لهذا بما ادَّعاه المستدرِك من مخالفة الشيخ منهج المتقدمين، وبالله التوفيق. ***

الحديث رقم (30)

الحديث رقم (30) - الإرواء (1/ 320) ذكره تحت الحديث رقم (287): حديث أبي سعيد مرفوعًا: "الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ". حكم الشيخ: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: صحيح كما قال الشيخ رحمه الله، وسبقه بتصحيحه: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم. الحديث رواه أبو داود (492)، وأحمد (11919)، وابن خزيمة (791)، والسراج (299)، وابن المنذر في الأوسط (758)، (3118)، وابن حبان (1699)، (2316)، (2321)، والحاكم (1/ 251)، وأبو نعيم في تسمية ما روي عن الفضل بن دكين عاليًا (31)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 435)، وابن حزم في المحلى (4/ 27 - 28) كلهم من طريق عبد الواحد بن زياد. ورواه الترمذي (317)، وفي العلل الكبير (113)، والدارمي (1390)، وابن خزيمة (791)، والحاكم (1/ 251)، والبغوي في شرح السنة (506)، والبيهقي (2/ 435)، وابن الجوزي في التحقيق (399) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي. ورواه أبو داود (¬1) (492)، وابن ماجه (745)، وأحمد (11788)، ¬

_ (¬1) شك موسى بن إسماعيل الراوي عن حماد بن سلمة عند أبي داود، وعبد الصمد عند أحمد (11789) في رفعه، لكن الثقات رووه عنه بدون شك، فروايتهم هي المقدمة.

(11789)، وأبو يعلى (1350)، والسراج (298)، والبيهقي (2/ 434 - 435)، وابن حزم في المحلى (4/ 27) كلهم من طريق حماد بن سلمة. ورواه أحمد (11784) من طريق محمد بن إسحاق. وقال ابن حزم: قال البزار: أسنده أيضًا عن عمرو بن يحيى: أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، وأحمد بن إسحاق (¬1). قلت: فتحصل أن عبد الواحد بن زياد، والدراوردي، وحماد بن سلمة، ومحمد ابن إسحاق، وأبا طوالة رووه عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد مرفوعًا به. ورواه ابن ماجه (745)، وأحمد (11788)، وعبد الرزاق (1582)، وابن أبي شيبة (3/ 372)، وأبو يعلى (1350)، والبيهقي (2/ 434 - 435) كلهم من طريق الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه يحيى بن عمارة فذكره مرسلاً. ورواه الشافعي في المسند (174)، وفي الأم (1/ 79)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (3/ 401) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً به. لكن قال أحمد في العلل (1831): إن سفيان بن عيينة قال: إنه لم يسمعه من عمرو بن يحيى. وقد قال الشافعي أيضًا: وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما منقطع، والآخر عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فلم يبق ممن رواه مرسلاً غير الثوري، وقد عارضه أربعة ثقات، ولولا ¬

_ (¬1) قال الشيخ أحمد شاكر: يغلب على ظني أن صوابه "محمد بن إسحاق".

قوة حفظ الثوري لكانت روايتهم راجحة، وعليه فالأولى حمل الحديث على الوجهين، فكيف إذا توبع عمرو بن يحيى، فقد رواه ابن خزيمة (792)، والحاكم (1/ 251)، والبيهقي (2/ 435) بإسناد صحيح عن عمارة بن غزية، وهو ثقة عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد مرفوعًا به، فالذي يترجح هي الرواية الموصولة، خلافًا لمن رجح المرسل كالترمذي، والدارقطني في علله (2310)، وقد ذكرا الاختلاف في طرقه، ولم يذكرا متابعة عمارة بن غزية لعمرو بن يحيى، وأظنهما لو وقفا عليها لرجحا الموصول، ولذا قال الحاكم بعد إخراجها: هذه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي. وقال ابن المنذر: روى هذا الحديث: حماد بن سلمة، والدراوردي، وعباد بن كثير كرواية عبد الواحد متصل عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا روى الحديث ثقة أو ثقات مرفوعًا مُتصلًا، وأرسله بعضهم يثبت الحديث برواية من روى موصولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يوهن الحديث تخلف من تخلف عن إيصاله، وهذا السبيل في الزيادات (في الأسانيد والزيادات في الأخبار، وكثير من الشهادات). وقال ابن حزم في المحلى (4/ 28): قال بعض من لا يتقي عاقبة كلامه في الدين: هذا حديث أرسله سفيان الثوري، وشك في إسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ثم قال ابن حزم: فكان ماذا؟!، لا سيما وهم يقولون: إن المسند كالمرسل ولا فرق، ثم أي منفعة لهم في شك موسى، ولم يشك حجاج؟!، وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه!، أو في إرسال سفيان، وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق، وكلهم عدل!. وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 677): رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبزار وغيرهم بأسانيد جيدة، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه، وقد سبق تصحيح ابن خزيمة، وابن حبان له، وكذا صححه ابن

-إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية

دقيق العيد كما في البدر المنير (4/ 126)، ونقله أيضًا الحافظ في التلخيص (1/ 277)، وذكر شواهده ميلًا منه لتصحيحه. -إخلال آخر من المستدرِك بالأمانة العلمية: وقد أخطأ المستدرك في عده عمارة بن غزية فيمن رواه عن عمرو بن يحيى، وهو متابع له كما سبق، وقال ص (175): والبيهقي فقال: وقد روي موصولاً، وليس بشيء. قلت: رواه البيهقي من طريق يزيد بن هارون أنبأنا سفيان الثوري عن عمرو ابن يحيى عن أبيه، وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد، وذكر الحديث مرفوعًا، فلما جمع بين رواية الثوري وحماد بن سلمة أراد أن يزيل اللبس الذي قد يقع لبعضهم من ظنهما جميعًا روياه متصلاً، ففصَّل، وبين الفرق بين رواية الثوري ورواية حماد بن سلمة بقوله: حديث الثوري مرسل، ثم قال ولا يزال يتكلم عن الرواية عن الثوري: وقد روي موصولاً، وليس بشيء، ثم عاد ليتكلم عن رواية حماد بن سلمة، فقال: وحديث حماد بن سلمة موصول، وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي، فذكر روايتهما، ثم قال: وقد روي عن يحيى بن عمارة من وجه آخر موصولاً، فذكر رواية عمارة بن غزية، فحذف هذا المستدرِك كل هذا التفصيل ليجعل حكم البيهقي على وصل الحديث من جميع طرقه بأنه ليس بشيء، والصحيح كما يدل عليه السياق أنه يعني بقوله (ليس بشيء) روايته موصولاً من طريق الثوري، وهكذا تكون الأمانة العلمية عند من يطعن في إمام محدثي عصرنا، والله المستعان. وعلى أي حال فقد صحح الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين، فما صلة استدراكه بدعواه المزعومة؟!.

ثم على قول هذا المستدرِك: إن الحديث من مرسل يحيى بن عمارة، وهو ممن عده الحافظ ابن حجر من الطبقة الثالثة يعني أنه أرفع من أم محمد التي وثقها المستدرك في الحديث الذي قبله، فكيف بمن يمكن أن يكون سقط، وهو شيخه أليس يكون أولى بالتوثيق عنده؟ أم أنها الرغبة في المخالفة وإن تناقض؟!!. ***

الحديث رقم (31)

الحديث رقم (31) - الإرواء (1/ 323) رقم (291): عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَة، فَصَلَّى كلُّ رَجلٍ حِيَالَه، فَلَّما أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. حكم الشيخ رحمه الله: حسن. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف، وقد قواه الشيخ رحمه الله لوقوع خطأ في اسم الراوي، فكان ماذا؟ الحديث قال فيه الشيخ: علته (يعني إسناده) عاصم، وهو ابن عبيد الله، فإنه سيئ الحفظ، وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات رجال مسلم عدا أشعث بن سعيد السمان، وقد تابعه عنده عمرو بن قيس، وهو الملائي احتج به مسلم. قلت: الحديث في المنتخب لعبد بن حميد (316)، وقد خرجته هناك، وقلت: وقد تابع أشعث عمر بن قيس المكي المعروف بسندل، وهو متروك مثله، فلا يفرح بمتابعته، فيبقى الإسناد واهياً، وقد تحرف اسم عمر بن قيس إلى عمرو بن قيس في الطبعة الأولى لمسند الطيالسي، فتبعها الشيخ أحمد شاكر، وشيخنا الألباني رحمهما الله، فقويا الحديث لذلك، وقد نبه على هذا المعلق على نسخه هجر للمسند، وقد تراجع الشيخ أحمد شاكر عن تقوية الحديث في تعليقه على تفسير الطبري، وصرح بتضعيفه.

-تطاول عظيم من المستدرك على العلامة أحمد شاكر

-تطاول عظيم من المستدرك على العلامة أحمد شاكر: وقد كان الشيخ أحمد شاكر قال في تعليقه على سنن الترمذي (2/ 177): لعل الترمذي لم يطلع على رواية عمرو بن قيس. فإذا بهذا المبتدئ في هذا العلم الشريف يعقب على هذا بقوله: بما سبق تعرف أن العلامة أحمد شاكر تعجل في هذا الاستدراك ... وإنما ذكرت ذلك حتى يفهم إخواننا طلبة العلم أن كثيراً من المعاصرين يتعجلون في تعقب كلام الحفاظ المتقدمين. وأقول: إن هؤلاء المعترضين على العلماء المتنقصين لهم بزعم تعظيم المتقدمين كادوا أن يدعوا العصمة للعلماء الذين وصفوهم بالمتقدمين، وقد سبق في الحديث الذي قبل هذا أن الترمذي والدارقطني لم يذكرا في الاختلاف الواقع في طرق الحديث طريقًا مهمة تؤثر تأثيرًا بينًا في الحكم على الحديث، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن تكلم فيه فما استوفي طرقه. فالأئمة مع وفور علمهم قد يفوتهم شيء من طرق الحديث أو أحوال الرواة، فأي عتب على الشيخ الإِمام أحمد شاكر فيما قال؟، ومع ذلك فقد تراجع الشيخ رحمه الله عن تقوية الحديث في تعليقه على تفسير الطبري (2/ 531) بقوله: وقد ذهبت في شرحي للترمذي إلى تحسين إسناده، ولكني أستدرك الآن وأرى أنه حديث ضعيف. فهلا تعلَّم هؤلاء المتطاولون هذا السلوك وهذه الأمانة العلمية من هؤلاء الكبار بدلاً من التطاول عليهم بمثل ما سبق، والله المستعان. وعلى أي حال فما وقع للشيخ إنما هو بسبب اعتماده على خطأ في اسم راوٍ كما يقع لغيره من الكبار من المتقدمين والمتأخرين، فأي صلة لهذا بدعوى هذا المستدرِك؟!.

الحديث رقم (32)

الحديث رقم (32) - الإرواء (1/ 224) رقم (292): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبلَةٌ": الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: أقل أَحواله أن يكون حسنًا، وصححه الترمذي، وقوَّاه البخاري. الحديث رواه الترمذي (344)، وابن أبي شيبة (3/ 345)، والبزار (8485)، والطبراني في الأوسط (790)، (9140)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 58 - 59)، والبغوي في شرح السنة (446) من طرق عن عبد الله بن (¬1) جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد المخرمي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا به. وهذا إسناد حسن، نعم عثمان بن محمد المخرمي تكلم فيه بعض الأئمة، لكن بكلام لا ينزل به عن الحسن، ولذا قال في التقريب: صدوق له أوهام، وقد تعلق هذا المستدرِك بكلام من تكلم في عثمان من الأئمة، فضعف الإسناد، بل حكم بنكارته، وهذا شأنه في كثير مما يعترض به على صحة الأحاديث، ولو سلك هذا المنهج مع أحاديث الصحيحين لرد الكثير منها كما لا يخفى على من له معرفة بهذا الفن، وكذلك اعترض بمسألة التفرد التي لا يكاد يخلو منها اعتراض من ¬

_ (¬1) وقع في مصنف ابن أبي شيبة - ط الرشد: عبد الأعلى، والصواب ما أثبت كما في المصادر الأخرى.

اعتراضاته على تصحيح الأحاديث، وقد سبق الجواب عنه، فالإسناد حسن، وله طريق آخر، أخرجه الترمذي (342)، (343)، وابن ماجه (1011)، والعقيلي في الضعفاء (6236)، والطبراني في الأوسط (2924) كلهم من طريق أبي معشر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به. وأبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف، وقال العقيلي: لا يتابع عليه، يعني بالإسناد نفسه، وإلا فقد توبع متابعة قاصرة كما سبق في الإسناد الأول، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (197): قواه البخاري، ورواه الخليلي من حديث عائشة ص (57)، وفيه أبو معشر. وقد صح من قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند ابن أبي شيبة (3/ 345)، وعبد الرزاق (3633)، (3634)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 9)، وابن عبد البر في التمهيد (59/ 17). ورواه الدارقطني في سننه (1/ 270، 271)، والحاكم (1/ 205، 206)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 9) رووه مرفوعاً. وقال أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (528): هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر، موقوف. وقد ذكر الدارقطني في علله (94) الاختلاف في طرقه، ثم قال: الصحيح من ذلك قول عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر. قلت: وهو وإن كان موقوفًا إلا أنه يستأنس به، والله أعلم، وعلى أي حال فلا صلة له بما ادَّعاه من مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، فقد صححه الترمذي كما سبق، وقواه البخاري على ما نقله عنه الحافظ ابن حجر، والله المستعان. ***

الحديث رقم (33)

الحديث رقم (33) - الإرواء (2/ 32) رقم (327): قول ابن عمر - رضي الله عنه -: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالوَتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ لِيُسْمِعْنَاهَا. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف، ولا يثبت، ومنكر. الراجح عندي: صحيح كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقوَّاه أحمد. الحديث رواه أحمد (5461)، وابن حبان (2435)، والطبراني في الأوسط (753)، والخطيب في تاريخ بلده (12/ 314)، وابن الجوزي في التحقيق (663) من طريق عتاب بن زياد. وابن حبان (2433) من طريق علي بن الحسن بن شقيق. وابن الأعراب في معجمه (1674) من طريق همام بن مسلم (عتاب بن زياد، وعلى بن الحسن بن شقيق، وهمام بن مسلم) ثلاثتهم عن أبي حمزة السكري عن إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به. وهمام متهم بسرقة الحديث، وقد طعن المستدرك فيه لقول النسائي: لا بأس بأبي حمزة، إلا أنه كان قد ذهب بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد، وذكره ابن القطان الفاسي فيمن اختلط. قلت: كلام النسائي ليس صريحًا في الاختلاط، وابن القطان متسرع في وصف الرواة الثقات بالاختلاط حتى وصف هشام بن عروة به، وأبو حمزة السكري،

فثقة من رجال الجماعة، وطعنه في رواية علي بن الحسن، وعتاب بن زياد عنه طعن بأمر غير معتبر، كيف وقد توبع، فقد رواه ابن عدي (7/ 89)، وابن حبان (2434)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 278 - 279)، والطبراني في الشاميين (648)، وابن عساكر (66/ 33 - 34) كلهم من طريق الوليد بن مسلم عن الوضين بن عطاء عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر بنحوه. وعند ابن عدي وابن عساكر التصريح بسماع الوليد من شيخه، وسماع شيخه من شيخ شيخه، فأمنا تدليسه، والوضين صدوق حسن الحديث، ولذا قال الحافظ في الفتح (2/ 482): وإسناده قوي (¬1). وقد روى مالك في الموطأ ص (121) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته، ورواه البخاري في صحيحه (991)، وأورد الحافظ في الفتح (2/ 482) عن سعيد بن منصور، ووصف إسناده بالصحة عن بكر بن عبد الله المزني قال: صلى ابن عمر ركعتين، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام، فأوتر بركعة، ثم عارض بين الروايتين، وأعل الطريق الأول بهما مع اختلاف متن الحديثين، ولم يذكر الحافظ بينهما معارضة، بل صحَّح الحديثين، ولم أر هذا الإعلال لغيره، وهو خليق بمثل هذا؟ ولئن سُلِّمت له المعارضة فحمل الحديث على الوجهين لوروده من طريقين في الموقوف والمرفوع أولى، والله أعلم. وقد ذكر الشيخ للحديث شواهد، منها حديث عائشة أخرجه مسلم (746) مطولًا، وفي لفظه: ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، وعند أحمد (25987): ¬

_ (¬1) لم يذكر المستدرِك هذا الطريق مع وجوده في صحيح ابن حبان الذي خرج الطريق الأول منه، فلا أدري لماذا؟!.

-ذكر دليل على قصد المستدرك الشيخ دون غيره.

ثم يسلم تسليمة واحدة، وقد عارض المستدرِك بين اللفظين، ورأى الشيخ أن الاختلاف بينهما يسير، وهو الظاهر. -ذكر دليل على قصد المستدرك الشيخ دون غيره. وقد صحح محققو المسند هذا اللفظ، ونقل عنهما المستدِرك دون أن يذكرهم، وهذا مما يقطع بقصده الشيخ وحده دون غيره، والله المستعان. وله طريق آخر عن عائشة - رضي الله عنه -، وهو ما رواه الترمذي (296)، وابن ماجه (919)، وابن خزيمة (729)، وابن حبان (1995)، والحاكم (1/ 230 - 231) وغيرهم من طريق زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. ورواه عن زهير بن محمد: عمرو بن أبي سلمة، وعبد الملك بن محمد الصنعاني، وهما شاميان، ورواية الشاميين عن زهير بن محمد ضعيفة. وقال الحافظ في التلخيص (1/ 270): وخالفهما الوليد، فوقفه. قال الحافظ: ورواه بقي بن مخلد في مسنده من رواية عاصم عن هشام بن عروة به مرفوعًا، وعاصم عندي هو ابن عمر، وهو ضعيف، ووهم من زعم أنه ابن سليمان الأحول. قلت: ورواه ابن خزيمة (731) من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه موقوفًا عليه، وهو أرجح من رواية زهير وعاصم، والله أعلم. وله شاهد من حديث أنس، أخرجه الطبراني في الأوسط (8483) والبيهقي في السنن الكبير (2/ 179) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن أنس. قال ابن رجب في فتح البخاري (7/ 369): رفعه خطأ، إنما هو موقوف، كذا رواه أصحاب حميد عنه عن أنس من فعله.

-مخالفة صارخة من المستدرك للإمام أحمد

قلت: رواه ابن أبي شيبة (2/ 178) من طريق أبي خالد الأحمر، وابن المنذر في الأوسط (3/ 222) من طريق عبد الله بن بكر كليهما عن حميد عن أنس، وعبد الوهاب الثقفي ثقة فلا مانع من صحة الحديث موقوفًا ومرفوعًا، ورواه البزار كما في كشف الأستار (566) من طريق أيوب عن أنس مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة (2/ 179)، قال الشيخ الألباني: رجاله ثقات كلهم إلا أنه منقطع، فإن أيوب لم يسمع من أنس شيئًا. وورد الحديث من حديث جماعة آخرين من الصحابة، وقال ابن رجب في فتح الباري (7/ 371)، وفي الباب أحاديث أخر لا تقوم بها حجة لضعف أسانيدها. قلت: وإن كانت ضعيفة إلا أنها قد تقوي الحديث في الجملة، والله أعلم. وقد نسب هذا المستدرِك إلى الإِمام أحمد القول بتضعيف حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر، فقال ص (185): هذا الحديث ضعفه الإمام أحمد، فقد رواه في مسنده، وهو القائل: لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التسليمة الواحدة إلا حديثا مرسلاً لابن شهاب الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأقول: لا أدري ما هذا الاستنباط في نسبة الأقوال إلى الأئمة، إن عنى بذلك معرفته ووقوفه على طريق إبراهيم الصائغ لتخريجه في مسنده، وأنه يضعفه مع معرفته به، فما معنى استثنائه لمرسل الزهري مما يعرفه، وهو ضعيف بلا شك؟!!. -مخالفة صارخة من المستدرك للإمام أحمد: وهذا خلاف ما فهمه ابن رجب الذي يقدس هذا المستدرك أقواله (¬1) حيث ¬

_ (¬1) وأنا أجل ابن رجب رحمه الله، لكنني أنزل أقواله منزلة غيره من أهل العلم كالذهبي وابن حجر وغيرهما، رحم الله الجميع.

قال: وخرج الإمام أحمد من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها، وقد تأول حديث عائشة في هذا المعنى على أنه كان يسمعهم واحدة، ويخفي الثانية، وقد نص أحمد على ذلك، وأن الأولى تكون أرفع من الثانية في الجهر. قلت: فلم يفهم من هذا أنه يضعفه خلافاً لما نسبه إليه هذا المستدرك، وتوصل إليه بهذا الاستنباط الفريد، وهو يخالف أيضاً ما نقله الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/ 16) رقم (522) عن أحمد حيث قال: وقواه أحمد. والراجح ما نقله الحافظ عن أحمد من تقوية حديث ابن عمر، وبقية الأحاديث تقويه، والحديث قد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقواه أحمد، وهم من المتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (34)

الحديث رقم (34) - الإرواء (2/ 37) رقم (332): حديث أبي موسى، وفيه: "وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لمِنْ حَمِدَه، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ... " الحديث. قال الشيخ: وزاد مسلم، وأبو داود، والدارقطني، والروياني في مسنده: "وَإِذَا قَرَأَ فَأنصِتُوا". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف، فالزيادة ليست محفوظة، وخطأ. الراجح عندي: أنها ليست محفوظة، ولكن الشيخ رحمه الله له اجتهاده، وقد سبقه بتصحيحها: أحمد بن حنبل، ومسلم، فكان ماذا؟. الحديث رواه مسلم (404) وغيره من طرق عن جماعة من الثقات عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى بالحديث مطولاً. ورواه مسلم (404) -63، وأبو داود (973)، وابن ماجه (847)، وأحمد (19723)، والبزار (3058)، (3059)، وأبو عوانة (1696)، (1697)، وأبو يعلى (7326)، وابن المنذر في الأوسط (1320)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 155 - 156)، وفي جزء القراءة (305)، وابن عساكر (15/ 93) كلهم من طريق سليمان التيمي عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري ... الحديث، وقال: "وَإِذَا قَرَأَ الإمَامُ فَأَنْصِتُوا". وروى هذه الزيادة البزار (3060)، والروياني (565)، وابن عدي (3/ 347)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 156)، وفي جزء القراءة (310)،

وابن عساكر (15/ 93) كلهم من طريق سالم بن نوح عن عمر بن عامر عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى مرفوعًا بذكر الزيادة. وتابعهما أبو عبيدة مجاعة بن الزبير عند أبي عوانة (1698). وهذه الزيادة: وإذا قرأ فأنصتوا ضعفها أكثر الأئمة، وقد انتقدها الدارقطني على مسلم كما في التتبع ص (170 - 171) رقم (43)، حيث قال: وقد خالف التيمي جماعة، منهم: هشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد، وأبان، وهمام، وأبو عوانة، ومعمر، وعدي بن أبي عمارة رووه عن قتادة، لم يقل أحد منهم: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنصِتُوا". وقد روى عن عمر بن عامر عن قتادة متابعة التيمي، وعمر ليس بالقوي، تركه يحيى القطان، وفي اجتماع أصحاب قتادة على خلاف التيمي دليل على وهمه، والله أعلم. وذكر الاختلاف في علله (1333)، ثم قال: سليمان التيمي في الثقات، وقد زاد عليهم قوله: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، ولعله شبه عليه لكثرة من خالفه من الثقات. وقال ابن عمار الشهيد فيما انتقده على مسلم: الحديث (10): قوله: "وَإِذَا قَرَأَ فَأنصِتُوا" هو عندنا وهم من التيمي، ليس بمحفوظ، لم يذكره الحفاظ من أصحاب قتادة، مثل: سعيد، ومعمر، وأيى عوانة، والناس، وكذلك قال أبو داود، والبيهقي، وغيرهم. وهذه الزيادة شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود (604)، والنسائي (2/ 141 - 142)، وابن ماجه (846)، وعبد الله بن أحمد في الزيادات (9438)، وابن أبي شيبة (2/ 312)، (3/ 288)، (13/ 103)، والبخاري في

تاريخه (9/ 38)، والبزار (8898)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 217)، وابن المنذر في الأوسط (1319)، والدارقطني (1/ 327 - 329)، وابن أخي ميمي في الفوائد (182)، وتمام في الفوائد (972)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 156)، وفي جزء القراءة (311)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 32 - 33)، والخطيب (5/ 320) من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا، وفيه الزيادة. ورواه أحمد (8889)، وابن عدي (6/ 227)، والدارقطني (1/ 330)، والبيهقي في جزء القراءة (312) من طريق محمد بن ميسر عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، قال البيهقي: هذا باطل، أخطأ فيه أبو سعد الصغاني يعني محمد بن ميسر. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (464): ليس هذه الكلمة بالمحفوظ (¬1)، وهو من تخاليط ابن عجلان، وقد رواه خارجة بن مصعب أيضًا، وتابع ابن عجلان، وخارجة أيضًا ليس بالقوي. وذكره الدارقطني في علله (1501)، وقال: (فإذا قرأ فأنصتوا) هذا الكلام ليس بمحفوظ في هذا الحديث. وقال البيهقي في المعرفة، (3/ 75): قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث، وأنها ليست بمحفوظة: يحيى بن معين، وأبو داود السجستاني، وأبو حاتم الرازي، وأبو علي الحافظ، وعلي بن عمر الحافظ، وأبو عبد الله الحافظ. والظاهر رجحان قول هؤلاء الأئمة في تعليل هذه الرواية لكثرة من روى ¬

_ (¬1) قال المعلقون على العلل: إنها كذلك وقعت في جميع النسخ.

الحديث بدونها، وكثرة من عللها من الحفاظ، وإن كان لمن صححها وجه، فإن سليمان التيمي لم ينفرد بها كما قاله غير واحد من الأئمة، بل قد تابعه عمر بن عامر، وأبو عبيدة مجاعة بن الزبير، وأقل أحوالهما أن يصلحا في المتابعات، والله أعلم. وأما المستدرِك فقد تكلم بكلام كثير حولها قليل الفائدة، ثم حسم المسألة بقوله: هذه الزيادة في حديث أبي موسى وأبي هريرة غير محفوظة، ولا تثبت، بل هي من أخطاء بعض الرواة التي زادوها، ولا يتقوى كل حديث منها بالآخر؛ لأن الخطأ لا يقوي الخطأ. وأقول: ليته احتاط لنفسه فاستعمل عبارات محتملة مثل أن يقول الظاهر كذا، والراجح كذا، ليدع للمخالف مجالاً، ولكن هكذا شأن المتعجلين، وقد ذكر ابن عبد البر بإسناده في التمهيد (11/ 34) إلى أبي بكر الأثرم قال: قلت لأحمد بن حنبل: من يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح: "وَاِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"؟ فقال: حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد، والحديث الذي رواه جرير عن التيمي، وقد زعموا أن المعتمر رواه، قلت: نعم، قد رواه المعتمر، قال: فأي شيء تريد؟ فقد صحح أحمد الحديثين جميعًا عن النبي-صلى الله عليه وسلم- حديث أبي هريرة، وحديث أبي موسى قوله عليه السلام: "إِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فَأنصِتُوا". وقال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 241): وقال أبو محمد بن حزم هذا عندنا صحيح، وصححه أيضاً أحمد بن حنبل رحمه الله فيما حكاه الأثرم، وفي سؤالات أبي طالب: قلت له: يقولون: إن إلأحمر أخطأ فيه؟ فقال: رواه التيمي عن قتادة عن أبي الغلاب عن حطان عن أبي موسى، قلت: يقولون: أخطأ التيمي، قال: من قال هذا فقد بهته.

-مخالفة المستدرك للإمام أحمد ومسلم مع اتهامه للشيخ بمخالفة المتقدمين

قلت: فأحمد يقوي الحديثين أحدهما بالآخر، فقوى الخطأ بالخطأ خلافًا لما قرره هذا المستدرِك، فعذرًا لأحمد!!! -مخالفة المستدرِك للإمام أحمد ومسلم مع اتهامه للشيخ بمخالفة المتقدمين: وقد صحح الحديثين مسلم، فأخرجه من طريق التيمي في صحيحه كما سبق، وفي صحيحه (1/ 304): قال أبو إسحاق (¬1): قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث (يعني حديث سليمان التيمي)؟ فقال مسلم: تريد أحفظ من سليمان؟، فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: هو صحيح، يعني: "وَإِذَا قَرَأَ فَأنصِتُوا"، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تضعه هاهنا؟، قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه. قلت: فهل أحمد بن حنبل ومسلم اتبعا مذهب المتأخرين كالألباني أم ماذا؟!. نريد تفسيرًا من المستدرِك ومن أصحابه؟!. وأقول: ليت هؤلاء المتطاولين على العلماء الكبار يتأنون قبل أن يقدموا على التطاول عليهم، ويعلموا أن لكل قدر قدرًا. ... ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن سفيان راوي الصحيح عن مسلم.

الحديث رقم (35)

الحديث رقم (35) - الإرواء (2/ 47) رقم (339): حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ". حكم الشيخ رحمه الله له شواهد يتقوى بها. حكم المستدرك: ضعيف، ولا يتقوى بطرقه. الراجح عندي: صحيح لغيره، وصححه ابن خزيمة. الحديث رواه عبد الرزاق (3533)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (1412). وأبو داود (1038)، والبيهقي (2/ 337)، وابن عساكر (40/ 29 - 30) من طريق عمرو بن عثمان. وأحمد (22417)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (608) من طريق الحكم بن نافع (عبد الرزاق، وعمرو بن عثمان، والحكم بن نافع) ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير بن سالم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، عن ثوبان مرفوعًا به. وقد وقع في مصنف عبد الرزاق المطبوع: إسماعيل بن عياش عن عبيد الله الكلاعي عن زهير بن سالم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان بدون ذكر (عن أبيه). ووقع في المعجم الكبير! حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان.

قال المستدرِك: وفي إسناده (يعني عند الطبراني) خطأ، وهو تسمية عبيد الله ابن عبيد بـ (عبد العزيز بن عبيد الله)، والطبراني روى الحديث من طريق عبد الرزاق، وهو في مصنفه على الصواب، فلعل الخطأ من ناسخ معجم الطبراني، وهذا الخطأ جعل محققي مسند أحمد - ط. الرسالة يعتبرون هذا طريقًا آخر. قلت: الخطأ هنا يعني التصحيف، وليس خطأ الرواة، لأنه رده إلى مصنف عبد الرزاق، ومصنف عبد الرزاق المطبوع كثير الخطأ، فالظاهر أن الخطأ وقع فيه، وليس في معجم الطبراني، لأن الإسناد وقع كذلك في تحفة الأشراف (2/ 139)، فنقله المزي من مصنف عبد الرزاق: عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان بإثبات (عن أبيه)، وبتسمية الراوي: عبد العزيز بن عبيد الله، فالظاهر أن الخطأ في اسم الراوي من إسحاق الدبري، والله أعلم. وروى الحديث أبو داود (1038)، ومن طريقه البيهقي (2/ 337) من طريق عثمان بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، والربيع بن نافع. وابن ماجه (1219) من طريق هشام بن عمار وعثمان بن أبي شيبة. وأبو داود الطيالسي (1090)، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (9/ 407). وحنبل بن إسحاق في جزئه (51) من طريق سعيد بن سليمان. (عثمان بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، وهشام بن عمار، وأبو داود الطيالسي، وسعيد بن سليمان والربيع بن نافع) ستتهم عن إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن جبير عن ثوبان مرفوعًا، بدون ذكر (عن أبيه).

ورواه ابن أبي شيبة (2/ 429)، والروياني (658) من طريق المعلي بن منصور عن الهيثم بن حميد عن عبيد الله بن عبيد عن زهير عن ثوبان مرفوعاً به، بإسقاط عبد الرحمن بن جبير وأبيه. ورواية الجماعة أرجح، وعلة الحديث زهير بن سالم، فإن الدارقطني قال منكر الحديث، ولذا قال الشيخ: وبالجملة فهذا الحديث ضعيف من أجل زهير هذا، وهذا هو الأولى مما ذكره الشيخ رحمه الله في صحيح أبي داود من تحسين حديثه، وكأن الشيخ لم يتنبه لقول الدارقطني في صحيح أبي داود في الحكم على الراوي، وقال الحافظ في الفتح (3/ 102): وإسناده منقطع. وله شاهد من حديث معاوية مرفوعًا بلفظ: "مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ صَلاِتهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِس". رواه النسائي (3/ 33 - 34)، وأحمد (16917)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 62 - 63) من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه يوسف عن معاوية بن أبي سفيان أنه صلى إمامهم، فقام في الصلاة، وعليه جلوس، فسبح الناس، فتم على قيامه، ثم سجد سجدتين، وهو جالس بعد أن أتم الصلاة، ثم قعد على المنبر، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فذكره. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 263)، والحازمي في الناسخ والمنسوخ ص (297) من طريق يحيى بن أيوب، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 439)، والطبراني في الكبير ج (19) رقم (773) من طريق يحيى بن أيوب، وابن لهيعة كليهما عن ابن عجلان عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية، وقال فيه: سجد سجدتين قبل التسليم. ورواه الطحاوي (1/ 439)، والطبراني (774) من طريق عبد الله بن صالح

عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن محمد بن عجلان عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية به. وقال: سجد سجدتين قبل أن يسلم. ورواه الطبراني (776) من طريق أحمد بن صالح عن ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن بكير بن عبد الله عن محمد بن عجلان عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية به، فقال فيه أيضًا: قبل أن يسلم. ورواه البيهقي في السنن الكبير (2/ 334 - 335)، والمعرفة (3/ 276 - 277) من طريق أبي صالح الجهني عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن العجلان مولى فاطمة عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية فقال: قبل السلام. وهذا اختلاف في الإسناد، لا في المتن، على عمرو بن الحارث، والراجح روايته عن محمد بن عجلان، لكون الحديث من حديثه كما سبق. ورواه الطبراني (777)، (778) من وجهين آخرين عن ابن عجلان عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية مرفوعًا. ورواه البخاري (1/ 263)، والدارقطني في سننه (1/ 375) من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية، فلم يصرح بكون السجود قبل أو بعد السلام. ورواه أحمد (16915)، والطبري في تهذيب الآثار - الجزء المفقود (77)، والبخاري في تاريخه، والطبراني (772) من طريق ابن جريج عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ نَسِيَ مِنْ صَلاَتهِ شَيْئًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ"، هكذا مختصرًا، وقد صرح ابن جريج بالتحديث عند

أحمد والبخاري والطبري، ومحمد بن يوسف ثقة، وأبوه قال الدارقطني: لا بأس به، فالإسناد حسن، وقد قال شيخنا الألباني في صحيح أبي داود: هذا اضطراب شديد في المتن، والظاهر أنه يعني الاختلاف في كون السجدتين قبل التسليم أو بعده، وأما الإسناد فالاختلاف فيه غير مؤثر، والراجح في المتن أيضًا رواية من قال قبل التسليم وأما المرفوع منه فلا اختلاف فيه، وإنما روى الحديث مختصراً بعضهم فلم يذكروه، ورواه آخرون بذكر المرفوع فيه فلا اضطراب إذًا، وقد تلقف المستدرِك هذا الحكم من الشيخ بالتسليم لكونه يوافق مراده كما هي عادته، والله المستعان. وله شاهد من حديث عبد الله بن جعفر عند النسائي (3/ 30)، وأحمد (1747)، وابن خزيمة وغيرهم، وإسناده ضعيف، وهو يقوي الحديث في الجملة، فالحديث صحيح لغيره، والحديث صححه الشيخ لطرقه، فكان ماذا؟! ***

الحديث رقم (36)

الحديث رقم (36) - الإرواء (2/ 50) رقم (341): حديث عائشة وأبي سعيد قالا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -إذا استفتح الصلاة قال ذلك، يعني قوله: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتبارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح لطرقه. حكم المستدرك: لا يصح مرفوعاً. الراجح عندي: صحيح بمجموع طرقه كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وسبقه بتصحيحه العقيلي، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي. أما حديث عائشة، فرواه الترمذي (243)، وابن ماجه (806)، وإسحاق ابن راهويه (1000)، وابن خزيمة (470)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 198)، وابن المنذر في الأوسط (1265)، والعقيلي في الضعفاء (1408)، وابن عدي (2/ 199)، وابن الأعرابي في المعجم (1653)، والطبراني في الدعاء (502)، والدارقطني (1/ 301)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 34)، وفي المعرفة (2/ 346)، والبغوي في شرح السنة (573) كلهم من طريق أبي معاوية عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة مرفوعاً به. وحارثة ضعيف كما في التقريب. وله طريق آخر عن عائشة، رواه أبو داود (776)، والدارقطني في سننه (1/ 299)، والحاكم (1/ 235)، والبيهقي (2/ 33 - 34)، وفي المعرفة (2/ 347 - 348) من طريق طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب الملائي عن

بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة به. قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة جماعة عن بديل، لم يذكروا فيه شيئًا من هذا. قلت: يعني بذلك أبو داود ما رواه مسلم (498) وغيره من طريق بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة بحديث طويل في صفة الصلاة، والظاهر أنه حديث آخر غير حديث عبد السلام بن حرب، والله أعلم. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه أبو داود (775)، والنسائي (2/ 132)، والترمذي (242)، وابن ماجه (804)، وأحمد (11473)، وعبد الرزاق (2554)، وابن أبي شيبة (2/ 58)، والدارمي (1239)، وحنبل بن إسحاق في جزئه (54)، وابن خزيمة (467)، وأبو يعلى (1108)، والطحاوي (1/ 197 - 198)، والطبراني في الدعاء (501)، والدارقطني (1/ 298 - 299)، وابن المقرئ في معجمه (624)، وتمام في الفوائد (117)، والبيهقي (2/ 34)، وفي المعرفة (2/ 348) كلهم من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد مرفوعًا. قال الترمذي: قال أحمد: لا يصح هذا الحديث. ورواه ابن أبي الدنيا في التهجد (434) حدثنا علي بن الجعد حدثنا علي بن علي الرفاعي عن الحسن فذكره مرسلاً. قال أبو داود: هذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي عن الحسن مرسلاً، الوهم من جعفر. قلت جعفر بن سليمان صدوق من رجال مسلم، فيتجه حمل الحديث على

-قصور عجيب من المستدرك في لا يقع من طالب علم مبتدئ

الوجهين، وعلي بن علي الرفاعي ثقة، فالظاهر أن الإسناد حسن، والله أعلم. ولما أورد ابن الملقن في البدر المنير (3/ 537) قول أحمد قال: فلم أخرجته في مسندك وشرطك فيه الصحة كما رواه عنك الحافظ أبو موسى المديني؟ ورواه البيهقي في السنن الكبير (2/ 35) بإسناد رجاله ثقات من حديث جابر ضمن حديث مرفوع. ورواه الطبراني في الدعاء (506): حدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا زكريا ابن يحيى زحمويه ثنا الفضل بن موسى السِّيناني عن حميد الطويل عن أنس مرفوعًا فذكره. -قصور عجيب من المستدرك في لا يقع من طالب علم مبتدئ: قال المستدرِك: وهو ضعيف: 1 - محمود بن محمد الواسطي، لم أجده بعد طول بحث. 2 - الفضل بن موسى السِّيناني (¬1) ثقة، لكنه لم يذكر من الذين يروون عن حميد الطويل، لم يذكره المزي ولا غيره - فيما اطلعت عليه، ولكن قال عنه ابن المديني: روى الفضل أحاديث مناكير، ولهذا قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة ثبت، وربما أغرب. أقول: اللهم اعف عمن سلط هؤلاء المجترئين على كبار العلماء وعلى هذا الفن الشريف، فإن محمود بن محمد الواسطي قال السهمي في سؤالاته للدارقطني (367): ¬

_ (¬1) تصحف عند المستدرِك إلى: الشيباني.

سألت الدارقطني عن أبي عبد الله محمود بن محمد الواسطي؟، فقال: ثقة، وقال الذهبي في السير (14/ 242): الحافظ المفيد العالم، وكان من بقايا الحفاظ ببلده، فهل يمكن أن يقال عمن لم يبحث عن راو في سير أعلام النبلاء: إنه بحث عنه؟! فضلاً عن أن يدعي طول البحث؟!. وقال عن الفضل: هذا الحديث من منكراته التي أغرب فيها عن حميد، ثم ذهب يعارض بينه وبين حديث آخر بمتن آخر لا صلة له بهذا، والحق أن الحديث صحيح الإسناد. وله شاهد بإسناد ضعيف عن ابن مسعود عند الطبراني في الكبير (10117)، (10280)، والدعاء (504). وعن أنس بإسناد ضعيف أيضًا في الدعاء للطبراني (505): وله شواهد غير ما ذكرت، والحديث صحيح بمجموع طرقه، والله أعلم. وقد صححه العقيلي في الضعفاء (2/ 121) بقوله: روي من غير هذا الوجه (يعني حديث عائشة) بأسانيد جياد، وصححه أيضًا الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، فما لهذا ولدعوى المستدرك؟!. ***

الحديث رقم (37)

الحديث رقم (37) - الإرواء (2/ 53) رقم (342): حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول قبل القراءة: "أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح بمجموع طرقه. حكم المستدرك: ضعيف، وطرقه لا يقوي بعضها بعضًا. الراجح عندي: صحيح لغيره كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وابن الملقن، وخالفهم المستدرِك. الحديث قد ورد من حديث أبي سعيد في الذي قبله، وسبق بيان أنه حسن الإسناد، وعلى القول الآخر فهو مرسل صحيح الإسناد من مراسيل الحسن، وورد أيضًا من مراسيل الحسن عند أبي داود في المراسيل (32)، وعبد الرزاق (2572)، (2573)، (2580). وله شاهد من حديث جبير بن مطعم، أخرجه أبو داود (764)، وابن ماجه (807)، وأحمد (16784)، وأبو داود الطيالسي (989)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 488 - 489)، وابن أبي الدنيا في التهجد (435)، والبزار (3445) وابن خزيمة (468)، والطبري في تهذيب الآثار (949)، (950)، وأبو يعلى (7398)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (105)، وابن الجارود في المنتقى (180)، وابن حبان (1779)، (1780)، والطبراني في الكبير (1568)، وفي الدعاء (522)، والحاكم (1/ 235)، والبيهقي (2/ 35)، وفي الشعب (3134)، وابن حزم في المحلى (3/ 248)، والبغوي في شرح السنة (575)، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 535 - 536) من طرق عن شعبة عن عمرو بن

مرة قال: سمعت عاصمًا العنزي عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعًا به. ورواه أبو داود (765)، وأحمد (16739)، (16740)، وا لطبري (951)، (952)، والطبراني في الكبير (1569)، والخطيب في تاريخه (13/ 467) من طرق عن مسعر عن عمرو بن مرة عن رجل من عنزة (¬1) عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعًا به. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 56)، والبخاري (6/ 489)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (16760)، وابن خزيمة (469)، والطبري (948)، والطبراني في الكبير (1570) من طريق عبد الله بن إدريس عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن مرة عن عباد بن عاصم (¬2) عن نافع بن جبير عن أبيه مرفوعاً به. ورواه البزار (3446) من طريق محمد بن فضيل عن حصين بمثله. ورواه البخاري، والطبراني (1571) من طريق أبي عوانة عن حصين عن عمرو بن مرة عن عمار بن عاصم عن نافع بن جبير عن أبيه مرفوعًا به. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 56) من طريق أبي عوانة عن حصين عن عمرو عن نافع عن أبيه به. قال البخاري: وهذا لا يصح. وقال ابن خزيمة: وعاصم العنزي وعباد بن عاصم مجهولان، لا يدرى من هما، ولا يعلم الصحيح ما روى حصين أو شعبة؟ ¬

_ (¬1) وقع في المطبوع من تاريخ الخطيب: على رحل سفيان، والظاهر أنه تصحيف. (¬2) وقع في معجم الطبراني الكبير: عمار بن عاصم، وكذلك وقع فيه برقم (1571)، كما سيأتي، والظاهر أنه تصحيف.

قلت: بل ترجيح ما روى شعبة ظاهر، فإن شعبة أثبت، وحصين اختلف عليه، وشعبة لم يختلف عليه، ومسعر يعتبر متابعًا لشعبة، لأنه قال: عن رجل من عنزة، وعاصم عنزي، فيحمل على كونه إياه. ورواه بعضهم بإسقاط الواسطة، والظاهر أن البخاري عني بقوله: لا يصح الإسناد الأخير عنده فقط، والله أعلم. وقد ذكر الدارقطني في علله (3321) هذا الاختلاف، ثم قال: والصواب من ذلك قول من قال: عن عاصم العنزي عن نافع بن جبير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإذا تقرر هذا فإن عاصمًا العنزي قد روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، فأقل أحواله أن يصلح في المتابعات، وحتى على أسوأ الأحوال، وهو السقط في الإسناد، فإنه يصلح أيضًا في الشواهد والمتابعات، وبه وبمرسل الحسن يصبح الحديث حسنًا لغيره على أقل أحواله، وله شاهد من حديث ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه (808)، وأحمد (3828)، وابن أبي شيبة (10/ 5)، وابن خزيمة (472)، وأبو يعلى (4994)، وابن المنذر في الأوسط (1276)، والطبراني في الدعاء (1381)، والحاكم (1/ 207)، والبيهقي (2/ 36)، وفي الشعب (2066)، وفي الدعوات (303) من طريق عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود مرفوعًا بنحوه. وأبو عبد الرحمن السلمي مختلف في سماعه من ابن مسعود، وعطاء مختلط والراوي عنه محمد بن فضيل سمع منه بعد إلاختلاط، وورقاء بن عمر وعمار بن رزيق لا يدرى سماعهما منه، وأقل أحوال الإسناد أن يصلح في المتابعات أيضًا. وله شاهد رواه أحمد (22177)، (22179) من طريق يعلى بن عطاء. أنه سمع شيخاً من أهل دمشق أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول فذكر نحوه

مرفوعًا. ويعلي بن عطاء من الرابعة، فالظاهر أن شيخه من كبار التابعين، فروايته صحيحة على قاعدة المستدرِك، لكنه لما كان في معرض التضعيف لم يعتبره صالحًا للاستشهاد، فضلاً عن الاحتجاج، ولا بأس بالتناقض إذا كان يؤدي الغرض، والله المستعان. ومن حديث ابن عباس عند البزار كما في كشف الأستار (3210)، وفي إسناده رشدين بن كريب، وهو ضعيف، وله شواهد أخرى لا تخلو من ضعف وهو بما سبق صحيح لغيره، والله أعلم. وقد صححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وابن الملقن في البدر المنير (3/ 534)، فمن خالفهم؟!. ***

الحديث رقم (38)

الحديث رقم (38) - الإرواء (2/ 66) رقم (351): حديث مالك بن الحويرث: كان إذا صلى، كبر، ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه رفع يديه، وحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - صنع هكذا. متفق عليه. قال الشيخ رحمه الله: زاد النسائي: وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك، وسنده صحيح. حكم المستدرك: هذه الزيادة شاذَّة، لا تصح. الراجح عندي: ضعفها، وللشيخ اجتهاده، وصححه ابن حزم، وابن القطان. وقد رواه مسلم (¬1) (391) -26، والنسائي (2/ 205 - 206)، وأحمد (15600)، والطحاوي في المشكل (5837)، والبيهقي (2/ 71)، وابن حزم في المحلى (4/ 92) من طريق ابن أبي عدي. ورواه النسائي (2/ 206)، والطحاوي في مشكل الآثار (5838)، وابن حزم في المحلى (4/ 92) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى. ورواه أحمد (15604) من طريق محمد بن جعفر (ابن أبي عدي، وعبد الأعلى، ومحمد بن جعفر) ثلاثتهم رووه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث بذكر الرفع عند السجود ¬

_ (¬1) لم يسق مسلم لفظه، وذكر إسناده فقط، فادعى المستدرِك أن مسلمًا لم يذكر الزيادة، وليس له ذلك، فإنه لم يسق لفظه.

ورواه أحمد (20536)، والنسائي (2/ 123، 182) من طريق ابن علية. وابن أبي شيبة (2/ 60، 62)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (923)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 224) والطبراني في الكبير ج (19) رقم (630) من طريق عبد الله بن نمير. والنسائي (2/ 194)، والبخاري في جزء رفع اليدين (65)، والطبراني (630) من طريق يزيد بن زريع، والبيهقي (2/ 71)، والذهبي في السير (9/ 128) من طريق خالد بن الحارث البصري: (ابن علية، وعبد الله بن نمير، وخالد بن الحارث، ويزيد بن زريع) أربعتهم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث به، بدون ذكر الرفع في السجود. قال المستدرِك: هذه الزيادة جاءت من طريق سعيد بن أبي عروبة فقط، مخالفًا خمسة من الرواة. قلت: قد أخرجه النسائي (2/ 206، 231)، والطحاوي في المشكل (5839)، من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث بذكر الزيادة. ورواه أحمد (20537)، وأبو عوانة (1590) من طريق عفان بن مسلم قال ثنا همام قال أنبأ قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حيال فروع أذنيه في الركوع والسجود. فما أكثر المصادر التي فاتته، وما أقربها من يد أي باحث، وما أجرأه على ادعاء التفرد الذي يضعف به الأحاديث! فلو قال قائل: إن الحديث محفوظ على الوجهين لكان لكلامه وجه، وإن كان الحديث بعدم ذكر هذه الزيادة أرجح لكثرة من رواه بدونها، والله أعلم.

فقد رواه ابن ماجه (859)، وابن قانع (3/ 46)، والطبراني (629)، من طريق يزيد بن زريع. وأحمد (20535) من طريق عبد الصمد وأبي عامر، وأبو عوانة (1587)، والطبراني (629) من طريق معاذ بن هشام. (يزيد بن زريع، وعبد الصمد، وأبو عامر، ومعاذ بن هشام) أربعتهم عن هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك به بدون ذكر زيادة الرفع في السجود. ورواه أبو داود (745)، والنسائي (2/ 122 - 123، 205 - 206)، وأحمد (20531)، والطيالسي (1349)، والدارمي (1251)، والبخاري (7)، (98)، وأبو عوانة (1588)، (1589)، والطبراني (625)، والدارقطني في سننه (1/ 292)، وأبو نعيم في المعرفة (6003)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 161)، والبغوي في شرح السنة (567)، وابن الجوزي في التحقيق (420) كلهم من طريق شعبة. ورواه مسلم (391) - 25، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (922)، والطبراني (627)، والمزي في تهذيب الكمال (29/ 349)، والبيهقي في المعرفة (2/ 410) من طريق أبي عوانة. ورواه البخاري (53)، والطبراني (626)، من طريق حماد بن سلمة. ورواه الطبراني (628)، وفي الشاميين (2698)، وابن عساكر (36/ 33) من طريق سعيد بن بشير. والطبراني (631) من طريق عمران القطان. (شعبة، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة، وسعيد بن بشير، وعمران بن داود

القطان) خمستهم عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك به، بدون ذكر الزيادة. ورواه البخاري (737)، ومسلم (391) وغيرهما من طريق أبي قلابة عن مالك بن الحويرث به بدون ذكر الرفع في السجود. وروى الترمذي في علله الكبير (99)، وابن أبي شيبة (2/ 63)، والدارقطني (1/ 290)، وابن حزم في المحلى (4/ 92) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع والسجود. وروى ابن أبي شيبة (2/ 63): حدثنا معاذ بن معاذ عن حميد عن أنس أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال البخاري: وعبد الوهاب الثقفي صدوق، صاحب كتاب، وقال غير واحد من أصحاب حميد: عن حميد عن أنس فعله. قلت: وهذا ليس صريحًا في تخطئة عبد الوهاب، بل يحتمل أن يكون البخاري يرى أنه حفظة حيث قال: صدوق، صاحب كتاب، خلافًا لدعوى المستدرِك أن البخاري أعله. وقال الدارقطني: الصواب من فعل أنس. والحديث صححه ابن حزم، وابن القطان الفاسي كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 613)، والمسألة محل اجتهاد، والله الموفق. ***

الحديث رقم (39)

الحديث رقم (39) - الإرواء (2/ 68) رقم (352): حديث وائل بن حجر، وفيه: ثم وضع اليمنى على اليسرى، وفيه في صفة الجلوس في التشهد: وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه وركبته اليسرى، ثم قبض بين أصابعه، فحلق حلقة، ثم رفع أصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها. حكم الشيخ: في زيادة تحريك الإصبع: صحيحة. حكم المستدرك: شاذَّة ضعيفة. الراجح عندي: قلت: هي شاذَّة على ما قال. قال الشيخ رحمه الله: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. قال المستدرِك: هذه الزيادة (يعني التحريك) شاذة ضعيفة، تفرد بها زائدة بن قدامة من بين أصحاب عاصم بن كليب، وهم أربعة عشر راوًيا، منهم أئمة كالسفيانين وغيرهما. وقد ضعفها ابن خزيمة، فقال في صحيحه (1/ 354): وليس في شيء من الأخبار: يحركها إلا في هذا الخبر، زائدة ذكره. قلت وهذا ليس تضعيفًا إلا على قاعدة هذا المستدرِك حيث يعد التفرد وحده تضعيفًا خلافًا لما عليه جماهير أئمة المحدثين، ومنهم الحافظ ابن حجر حيث عد إخراج ابن خزيمة تصحيحًا له، ولم يلتفت إلى ما ذكره ابن خزيمة من تفرد زائدة به، فاعترض عليه المستدرك بقوله: لا يمكن اعتبار ابن خزيمة صحح الحديث بمجرد إخراجه في صحيحه، فقد أشار في صحيحه إلى تعليل هذه الزيادة.

-تخصيص المستدرك الشيخ بالطعن دون غيره

-تخصيص المستدرِك الشيخ بالطعن دون غيره: قلت: هذا يوضح للقارئ الفرق بين طريقة هؤلاء المتعجلين المدعين متابعة الأئمة المتقدمين وبين ما عليه أئمة الحديث المحققون كابن حجر رحمه الله، وزيادة التحريك في التشهد قد كتب فيها الأخ أحمد بن سعيد جزءًا، وقدم له شيخنا مقبل رحمه الله، وقد جمع في هذا الجزء طرق الحديث، وانتهى فيه إلى الحكم بشذوذ هذه الزيادة، وهذا الذي يظهر لي، والله أعلم، ولا حاجة بي للكلام على طرق الحديث، ومن أراد الوقوف عليها فليرجع لهذا الجزء، وهو من مطبوعات دار الحرمين (¬1) والشيخ رحمه الله مسبوق في تصحيحها من ابن خزيمة، (480)، (714)، وابن الجارود (208)، وابن حبان (1860)، وصححه أخونا الشيخ أبو إسحاق الحويني، فلم يذكره المستدرك عمدًا، وخص الشيخ بالانتقاد. وعلى أي فابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان من المتقدمين، فلا صلة لهذا بما ادعاه من مخالفة الشيخ منهج المتقدمين، والله المستعان. ... ¬

_ (¬1) ولم يشر المستدرك لهذا الجزء في كلامه من قريب ولا من بعيد، فلا أدري لماذا؟!.

الحديث رقم (40)

الحديث رقم (40) - الإرواء (2/ 75) رقم (357): قال المستدرِك: ذكر الشيخ الألباني رحمه الله حديث وائل بن حجر، وضعفه، ثم حديث ابن عمر، ثم حديث أبي هريرة، والاستدراك يتناول هذه الأحاديث الثلاثة. أولاً: حديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. حكم الشيخ: ضعيف. حكم المستدرك: هو بمثابة الاستعراض على الشيخ، فهو يوافق الشيخ على تضعيفه، ثم قال: ينبغي أن يكون صحيحًا على طريقة الشيخ. الراجح عندي: ما ألزم به الشيخَ باطل. الحديث أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (2/ 206)، وابن ماجه (882) وغيرهم، وقال المستدرِك: خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: أن الحديث ضعيف، ونقل عن الدارقطني تفرد شريك بالحديث عن عاصم بن كليب. قال المستدرِك: وأشار إلى تفرده الترمذي أيضًا. قلت: فهم الشيخ وقبله الأئمة للتفرد غير فهمك كما سبق بيانه. قال المستدرِك: الاستدراك: الحديث ضعيف كما قال الشيخ رحمه الله إلا أن الاستدراك هنا أنه ينبغي أن يكون صحيحًا على طريقة الشيخ، فقد ذكر له طرقًا أحدها مُعل بالإرسال، والآخر بالانقطاع، والثالث فيه مجهول، فهذه ثلاث طرق

للحديث يصحح الشيخ بمثلها الأحاديث في العادة. قلت لا أدري ما يريد بهذا الاستدراك؟ أيريد أن يعلم الشيخ كيف يتعامل مع طرق الحديث، وكيف يصحح الأحاديث ويضعفها؟ أم يريد أن يعلم الناس أن الألباني لا يدري ما يقول، وأنه متناقض؟ أم ماذا؟ وعلى كل حال فقد بين الشيخ بيانًا شافياً لا حاجة بي إلى إعادته أن شريكاً ضعيف، ثم قال: فلذلك لا يحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف غيره من الثقات الحفاظ؟ قلت: فبهذا وغيره يتبين أن الشيخ يعتبر رواية شريك خطأ فكيف يقوي بها غيرها؟! ثم إن الطريقين الآخرين طريق واحد يختلف فيه على همام، فكيف يعدهما صاحب مستدرك التعليل طريقين، ويطالب الشيخ بتقوية الحديث بهما على طريقته كما زعم؟!. وقد اختلف فيه على وجه آخر، فرواه البيهقي (2/ 99) من طريق سعيد بن عبد الجبار عن عبد الجبار بن وائل عن أمه عن وائل بن حجر، وسعيد ضعيف، وهو من الاختلاف على عبد الجبار، فترد روايته إلى الأولى، وله شاهد من حديث أنس، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وقد بين الشيخ رحمه الله ذلك في أصل صفة الصلاة ص (716 - 719)، ثم قال: وقد رأيت أن بعضها أشد ضعفًا من بعض، وبهذا يظهر بطلان ما ادعاه المستدرك، وأنه متطاول على الشيخ بالباطل، والله المستعان. وأما الحديث الذي يخالف ما سبق، فذكر الشيخ حديث ابن عمر.

وقد رواه ابن خزيمة (627)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 254)، والدارقطني في الأفراد كما في الأطراف (3309)، وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 327 - 328) كلهم من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه، وكان يقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك. قال الدارقطني: تفرد به أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله. قلت: ليس كما قال رحمه الله، فقد رواه الحاكم (1/ 226)، ومن طريقه البيهقي (2/ 100) من طريق محرز بن سلمة العدني. والحازمي في الناسخ والمنسوخ ص (219) من طريق عبد الله بن وهب (محرز بن سلمة، وابن وهب) كلاهما عن الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به. قال الحازمي: هذا حديث يعد في مفاريد عبد العزيز عن عبيد الله. قال الحافظ ابن حجر في التغليق: فهذا أشبه بالصواب، يعني تصويب قول الحازمي، وتخطئة قول الدارقطني بتفرد أصبغ، وقد عقب قبلها على قول الدارقطني بقوله: لم يتفرد به أصبغ. وقد أوهم المستدرك أن الحافظ ابن حجر أعل الحديث بالتفرد، وليس كذلك، بل هو توهيم منه للدارقطني في دعوى تفرد أصبغ به، وأما رأي الحافظ في إعلال الحديث، فسيأتي ما ينافيه. فقد قال البيهقي بعد روايته من طريق محرز بن سلمة: وكذلك رواه ابن

وهب، وأصبغ بن الفرج (¬1) عن عبد العزيز، والمشهور عن عبد الله بن عمر في هذا، وذكر حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه. وأورده مرفوعًا، ثم قال: والمقصود منه وضع اليدين في السجود، لا التقديم فيهما، والله أعلم. فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: حديث ابن عمر المذكور أولاً أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وما علله به البيهقي من حديثه المذكور ثانيًا فيه نظر، لأن كلًّا منهما معناه منفصل عن الآخر، وحديث أبي هريرة (¬2) المذكور أولاً دلالته قولية، وقد تأيد بحديث ابن عمر، فيمكن ترجيحه على حديث وائل، لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين (¬3)، ولهذا قال النووي في شرح المهذب: لا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 291): ولقائل أن يقول: هذا الموقوف غير المرفوع، فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة (¬4). قلت: وما قاله ابن التركماتي، وابن حجر هو الأظهر، إلا أنه بقي ما في رواية الدراوردي عن عبيد الله من المقال، فقد قال النسائي: حديثه عن عبيد الله بن عمر ¬

_ (¬1) وقد ذكر المستدرك كلام الدارقطني في دعواه تفرد أصبغ، ولم يعلق بشيء، فهل لكون ذلك يخدش فيما كادوا يقررونه من عصمة من يصفونهم من الأئمة بالمتقدمين؟!. (¬2) سيأتي حديث أبي هريرة. (¬3) ولأنه أقوى من ناحية السند. (¬4) وقد ذكره الشيخ، فأخفاه المستدرك، وأوهم عن الحافظ خلافه، والله المستعان.

منكر، وقال أحمد: ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر لكنه على كل حال يصلح في الشواهد. وأما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود (840)، والنسائي (2/ 207)، وأحمد (8955)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 139)، والدارمي (1321)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 254)، وفي المشكل (182)، والدارقطني (1/ 344 - 345)، وتمام في الفوائد (720)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 99 - 100)، وفي المعرفة (3/ 17 - 18)، وابن حزم في المحلى (4/ 128 - 129)، والبغوي في شرح السنة (643)، والحازمي في الناسخ والمنسوخ ص (219 - 220)، وابن الجوزي في التحقيق (521)، (522) كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَبركْ كَما يَبْرُكُ الْجَمَلُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ". قال البيهقي في المعرفة: تفرد به عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله هذا، وقد رواه أبو داود (841)، والنسائي (2/ 207)، والترمذي (269)، من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن، بل رواه البيهقي نفسه في السنن الكبير (2/ 100) من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله، ولا يصح حمل التفرد على اختصار الحديث في رواية عبد الله بن نافع، لأن أحدًا لم يطعن في رواية الدراوردي عن محمد بن عبد الله، فإذا زاد شيئًا فزيادته مقبولة. وقال ابن رجب: قال حمزة الكناني: هو منكر، ثم قال: وزعم حمزة الكناني أنه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الذي يقال له: الديباج. قال ابن رجب: وهو بعيد.

قلت: وابن عثمان قال البخاري: عنده عجائب، وضعفه غيره، وعليه فقول حمزة الكناني: هو منكر مبني على كونه ابن عثمان، وهذا يدل على أن الأئمة تفوتهم بعض الأشياء، فلا يجوز رد الأسانيد الصحيحة لمجرد إنكارهم معرفة بعض الأمور، ومن ذلك قول البخاري: لا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟. وقول البخاري: (لا يتابع عليه) هي بمعني التفرد، ومعلوم ما ينسجه المستدرك حول مسألة التفرد من الكلام، والجواب عنه قد سبق بما لا حاجة لإعادته، وأما قوله: (لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟)، فقد قال الشيخ: ليست بعلة إلا عند البخاري بناء على أصله المعروف، وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين، بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس كما هو مذكور في المصطلح، وشرحه الإِمام مسلم في مقدمة صحيحه، وهذا متوفر هنا، فإن محمد بن عبد الله لم يعرف بتدليس، ثم هو قد عاصر أبا الزناد، وأدركه زمانًا طويلاً، فإنه مات سنة (145)، وله من العمر (53)، وشيخه أبو الزناد مات سنة (130)، فالحديث صحيح، لا ريب فيه. قلت: هذا كلام محرر في غاية الدقة والمتانة، ونفي البخاري معرفته بالسماع لا يكفي في نفيه، وإنما هو طلب لوقوفه على إثبات السماع كما بين الشيخ، وقد يقع السماع، ولا يقف عليه البخاري، فمن ذلك أن قال العلائي في جامع التحصيل ص (230): قال البخاري: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب شيئًا، وقال ابن حجر في التهذيب: قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب. وفي مصنف عبد الرزاق (8/ 338) رقم (15446): أخبرنا ابن جريج قال

أخبرني عمرو بن شعيب (¬1). وفي سنن النسائي (6/ 120): أخبرنا هلال بن العلاء قال حدثنا حجاج قال ابن جريج حدثني عمرو بن شعيب. وفي علل الترمذي الكبير: قال محمد (يعني البخاري: بشير بن نهيك لا أرى له سماعًا من أبي هريرة، ومع ذلك فحديثه في صحيحه عنه برقم (5864)، وفسر ذلك الترمذي بالإجازة، فهذا دال على أن نفي العلم بالسماع لا ينفي الإجازة، والله أعلم، فالحديث حسن الإسناد، ويتقوى بحديث ابن عمر. وقال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 317): قال ابن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة، وصحح الحديث ابن خزيمة والحاكم، واحتج به ابن حزم، وقال النووي في المجموع (3/ 421): إسناده جيد، ولم يضعفه أبو داود، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (292) عن حديث أبي هريرة: وهو أقوى من حديث وائل بن حجر، فما لنا وللمتشككين، وعلى أي حال فلا صلة له بدعوى المستدرك، والله المستعان. ... ¬

_ (¬1) وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 413): قال الدارقطني في كتاب العلل: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب، فاعلمه.

الحديث رقم (41)

الحديث رقم (41) - الإرواء (2/ 85) رقم (366): حديث ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمني التي تلي الإبهام، فدعا بها. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح بزيادة: ورمى ببصره. حكم المستدرك: الزيادة شاذَّة، ولا تثبت. الراجح عندي: أنها شاذَّة، وللشيخ اجتهاده، وقد سبقه بتصحيحها جمع من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. الحديث رواه مالك ص (95 - 96)، ومن طريقه الشافعي في مسنده (253)، وعبد الرزاق (3048)، وأحمد (5331)، ومسلم (580) -116، وأبو داود (987)، والنسائي (3/ 36 - 37)، وابن المنذر في الأوسط (1533)، وأبو عوانة (2007)، (2008)، (2009)، وابن حبان (1942)، وابن بشران في الأمالي (635)، وأبو نعيم في المستخرج (1287)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 130)، وفي المعرفة (3/ 52)، وابن حزم في المحلى (4/ 151)، والبغوي في شرح السنة (675). ورواه مسلم (580)، وأحمد (4575)، وعبد الرزاق (3048)، والحميدي (648)، وابن خزيمة (712)، وأبو نعيم في المستخرج من طريق سفيان بن عيينة. وأحمد (5043)، وأبو عوانة (2011) من طريق شعبة. وأحمد (5421)، وأبو عوانة (2008) من طريق وهيب بن خالد.

والحميدي (648) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي. وابن خزيمة (712)، وأبو يعلى (5767) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري (مالك، وابن عيينة، وشعبة، ووهيب، والدراوردي، ويحيى الأنصاري) ستتهم رووه عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن ابن عمر بصفة الجلوس للتشهد، وليس عندهم ذكر البصر. ورواه النسائي (2/ 236 - 237)، وابن خزيمة (719)، وأبو عوانة (2010)، (2017)، وابن حبان (1947)، والبيهقي (2/ 132) كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر ثنا مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن عن ابن عمر به، وفيه: ورمى ببصره إليها أو نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع. والذي يظهر هو رجحان رواية الجماعة بدون ذكر الرمي بالبصر إلى الإصبع، وليس هذا أمرًا متفقًا عليه، بل هو محل اجتهاد، ولذا فقد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وأبو عوانة، وصححه مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 379)، ويتقوى هذا الاحتمال بوروده من وجوه أخرى، فقد رواه الروياني (1439)، وابن عدي (6/ 242 - 243)، والبيهقي (2/ 132) من طريق محمد بن عمر الواقدي ثنا كثير بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَحْرِيكُ الإِصْبَعِ في الصَّلاةِ مَذْعَرةٌ لِلشَّيْطانِ". قال البيهقي: تفرد به محمد بن عمر الواقدي، وليس بالقوي. قلت: رواه أحمد (6000)، والبزار (5917)، والطبراني في الدعاء (642)، (643) كلهم من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا كثير بن زيد عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه، وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لهِيَ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنَ

- مخالفة المستدرك للأئمة المتقدمين

الْحَدِيدِ"، يعني السبابة، وهذا بمعنى حديث محمد بن عمر وإسناده. ورواه ابن حبان في الثقات (7/ 448) من طريق أبي عامر العقدي عن كثير عن مسلم بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر به، دون ذكر البصر. وكثير بن زيد قال في التقريب: صدوق يخطئ، وقد رواه غيره عن نافع، فلم يذكرها. - مخالفة المستدرك للأئمة المتقدمين: ولهذه الزيادة شاهد من حديث عبد الله بن الزبير. رواه النسائي (3/ 39)، وأبو داود (990)، وابن خزيمة (718)، وأبو يعلى (6807)، وأبو عوانة (2018)، وابن المنذر في الأوسط (1537)، وابن حبان (1944)، والبيهقي في السنن الكبير (2/ 132)، والبغوي في شرح السنة (677) كلهم من طريق يحيى القطان حدثنا محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن النبي رحمه الله كان إذا تشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة، لا يجاوز بصره إشارته. وهذا إسناد جيد، وإن كان غير القطان رواه عن ابن عجلان، وغير ابن عجلان عن عامر بدون ذكر البصر. وقد صححه ابن خزيمة، وأبو عوانة، وابن حبان، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (4/ 11)، وأورده ابن رجب في فتح الباري (6/ 369) محتجًّا به، وهو من يقدس المستدرك أقواله، وقد انفرد بإعلاله معارضًا هؤلاء الأئمة، والله المستعان. ***

الحديث رقم (42)

الحديث رقم (42) - الإرواء (2/ 85) رقم (367): في حديث وائل بن حجر: ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها. -عد المستدرك الأحاديث المكررة: الحديث سبق، فلماذا يعده حديثًا مستقلًّا؟. فيل الشيخ: تقدم بتمامه (352). قلت: طالما أن الشيخ [حال على الذي قبله، والحديث واحد، وقد سبق برقم (39)، فلماذا يعده هذا المستدرِك حديثًا، ويعطيه رقمًا مستقلًّا، أليس في هذا تكثير لعدد الأحاديث المستدركة لمن لا يدري أو من ينظر إلى الأحاديث التي انتقدها نظرة إجمالية؟ أليس في هذا تغرير في الجملة؟!. ... الحديث رقم (43) -حديث آخر مكرر عده المستدرك: الحديث سبق، فلماذا يعده حديثًا مستقلًّا. القدر الذي اعترض المستدرك على الشيخ في تصحيحه في الحديث أحال على حديث سبق برقم (33)، وهو في التسليمة الواحدة، ويقال فيه ما يقال في الذي قبله، فيجب أن يحذف من العدد. ***

الحديث رقم (44)

الحديث رقم (44) - الإرواء (2/ 87) رقم (369): حديث جابر -وصوابه: سمرة كما نبه إليه الشيخ-: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نرد على الإِمام، وأن يسلم بعضنا على بعض. حكم الشيخ رحمه الله: ضعيف. حكم المستدرك: إسناده صحيح. الراجح عندي: ضعيف كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله. قال المستدرِك: خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: الحديث ضعيف؛ لأن الحسن البصري اختلفوا في سماعه من سمرة، وهو وإن كان الراجح أنه سمع منه في الجملة، فإنه كان يدلس، كما قال الحافظ وغيره، وقد عنعنه فلا بد حينئذ من أن يصرح بالتحديث حتى يقبل حديثه ... وقال في الضعيفة (2564) 6/ 78 بعد أن ذكر طرقه، وناقشها: فانحصرت العلة في عنعنة الحسن البصري. -مخالفة المستدرك للقواعد الحديثية: ثم قال: الحديث إسناده صحيح، وأحاديث الحسن عن سمرة صحيحة إذا صح الإسناد إلى الحسن، لأنه يحدث عن كتاب سمرة الذي كتبه لبنيه، فهي وجادة، والوجادة تعتبر طريقة صحيحة للتحمل، ولا تقتضي الانقطاع. وهذا كلام في غاية الغرابة، بل باطل بلا نزاع، ولا أدري كيف يتكلم به طالب علم، فضلاً عن أن يكون ناقدًا على إمام محدثي العصر، فإن الوجادة ليست من باب الرواية أصلاً، بل هي من باب الحكاية عما وجده، والوصية خير من

الوجادة، إذ هي وجادة مقرونة بوصية، ولما أدخلها بعضهم في باب الرواية أنكروا عليه ذلك، وشنعوا عليه تشنيعًا بالغًا. قال ابن الصلاح في علوم الحديث ص (357): الوصية بالكتب: أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص، فروي عن بعض السلف - رضي الله عنهم - أنه جوز بذلك رواية الموصى له لذلك عن الموصي الراوي، قال ابن الصلاح: وهذا بعيدًا جدًّا، وهو إما زلة عالم، أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة. قلت: وهذا في مجرد الرواية بها، فكيف بمن ادعى اتصالها وعدم انقطاعها؟!!!. وأما حكم رواية الحسن عن سمرة، وسماعه منه، فقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال، ذكرها مفصلة ابن الملقن في البدر المنير (4/ 68 - 75)، وسأختصرها كما يلي: الأول: سمع منه مطلقًا، وهو قول علي بن المديني. الثاني: لم يسمع منه مطلقًا، وهو قول ابن معين، ويحيى القطان، وقال ابن حبان في صحيحه (5/ 113): الحسن لم يسمع من سمرة، وسمع من عمران بن حصين هذا الخبر، واعتمادنا فيه على عمران، دون سمرة (¬1). وقال البرديجي الحافظ: قتادة عن الحسن عن سمرة ليست بصحاح، لأنه من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن عن سمرة حديث يقول فيه: سمعت سمرة إلا ¬

_ (¬1) يعني حديث السكتتين، وهذا واضح في رده، وعدم احتجاجه برواية الحسن عن سمرة وقد بين الشيخ في الإرواء (2/ 286) الاختلاف عن عمران في ذلك.

حديثا واحدًا، وهو حديث العقيقة، ولا يثبت. قلت: وفي قول البرديجي: (ليست بصحاح؛ لأنه من كتاب) رد لدعوى المستدرِك تصحيحه لكونه من كتاب، والعجيب أنه ركن في ذلك لدعوى الشيخ حاتم العوني، فهل يسوغ رد كلام الأئمة بكلام العوني؟!!. المذهب الثالث: أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، ونسبه لأحمد وعبد الغني بن سعيد المصري، وصححه عبد الحق في أحكامه. المذهب الرابع: أنه لم يسمع منه إلا ثلاثة أحاديث. قلت: وكلام شيخنا الألباني رحمه الله كلام جيد محرر، لا أرى منصفًا يأباه، وأما ما نقله من تحسين ابن حجر لإسناده كما في التلخيص (1/ 271) رقم (421)، فقد ورد عنه ما يخالف ذلك، ففي الحديث (1518) من التلخيص: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَليَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا"، أحمد، والدارمي، وأبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث قتادة عن الحسن عن سمرة، حسنه الترمذي، وصححه أبو زرعة، وأبو حاتم، والحاكم في المستدرك. ثم تعقبهم بقوله: صحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة (¬1)، فإن رجاله ثقات. وفي بلوغ المرام حديث رقم (1088): من قتل عبده قتلناه، حسنه الترمذي، ثم عقب بقوله: وهو من رواية الحسن البصري عن سمرة، وقد اختلف في سماعه منه. وأما ما نقله عن مغلطاي من تجويد إسناده، فليس صحيحًا، فإنه ذكر الطريق ¬

_ (¬1) والمستدرِك يرى عدم السماع، لكن يصححه لكونه كتابًا، وهذا يعارض قول ابن حجر.

التي جودها ابن القطان في شرحه لسنن ابن ماجه (5/ 391)، ثم قال: فعلى هذا يكون السند صحيحًا على ما ذكره ابن القطان وغيره، لولا ما قيل في سماع الحسن من سمرة، فإن ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وبهزًا، ويحيى بن سعيد القطان، وابن حبان، والبرديجي، والإدرشي في تاريخ سمرقند قالوا: لم يسمع منه شيئًا، فهل يكون بهذا مصححًا له؟!. وقد حكى ابن رجب في فتح الباري (6/ 411) الاختلاف في سماعه منه، ولم يقرر شيئًا، وفي (8/ 79) ذكر حديث: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ"، وقال: خرجه الإِمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وحسنه، ثم عقب على تحسين الترمذي بقوله: وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة. قلت: فهلا اتبع كلام ابن رجب رحمه الله، فإنه يكاد يدعي له العصمة! وعلى أي فهذا الاعتراض على تضعيف الشيخ لهذا الحديث لا صلة له بما ادَّعاه من مخالفة الشيخ للمتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (45)

الحديث رقم (45) - الإرواء (2/ 94) رقم (275): حديث: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة إلى النائم والمتحدث. قد أورده الشيخ من حديث ابن عباس، وضعفه، وقال المستدرِك: حديث ابن عباس ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله بما لا مزيد عليه. حكم الشيخ رحمه الله: أقل أحواله أن يكون حسنًا. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. الحديث قد استوفيت طرقه في تخريج منتخب عبد بن حميد برقم (676) في حديث طويل. وله طريق مرسل من مرسل مجاهد، وإسناده ضعيف أيضًا. وله شاهد أورده الشيخ رحمه الله من حديث أبي هريرة، أخرجه الطبراني في الأوسط (5246): حدثنا محمد بن الفضل السقطي قال: نا سهل بن صالح الأنطاكي قال: نا شجاع بن الوليد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله غَفي: "نُهِيتُ أَنْ أُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُتَحَدِّثِينَ وَالنِّيَامِ". قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا شجاع بن الوليد، تفرد به سهل بن صالح. قال الشيخ: ومن أبواب البخاري في صحيحه: باب الصلاة خلف النائم، ثم

وسيتضح ذلك بمناقشة ما ادعاها عللا، حيث قال

أورد فيه حديث عائشة (¬1)، قال الحافظ في الفتح (1/ 487): وكأنه أشار إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، فقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس، وقال أبو داود: طرقه كلها واهية. انتهى، وفي الباب عن ابن عمر، أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة، أخرجه الطبراني في الأوسط، وهما واهيان أيضًا. قال الشيخ: أما حديث ابن عمر فلم أقف على إسناده، ثم ذكر حديث أبي هريرة، ثم ذكر كلام الطبراني، وتكلم على رواته، ثم قال: الحديث عندي حسن، وتضعيف الحافظ له مما لا يساعد عليه مصطلح الحديث. قال المستدرِك: إن تحسين الشيخ الألباني لهذا الحديث غريب جدًّا، فقد نقل مِن علله ما يبطله، إلا أنه لم يتعرض لها، فلا أدري: هل هو لا يعتبرها عللاً؟ أو يراها عللاً، لكن لم يذكر جوابها؟ وبكل حال فتحسينه للحديث بعيد جدًّا عن الصواب كما سيظهر من استعراض علله. وأقول: إن من أعظم ما ابتلينا به تسلط من لا يحسنون العلوم الشرعية عليها، فكيف بمن يتجرؤون مع قلة علمهم على الأئمة كما هو الحال الآن؟ وسيتضح ذلك بمناقشة ما ادعاها عللاً، حيث قال: العلة الأولى: النكارة والمخالفة، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة، ثم أعاد ما نقله الشيخ عن الحافظ ابن حجر، ثم قال: وكلام البخاري وابن حجر نقله الشيخ الألباني، إلا أنه لم يتعرض للجواب عنه. قلت: قد سبق جواب الشيخ عن توهية ابن حجر لحديث أبي هريرة، وأما ظن ¬

_ (¬1) وهو صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة.

علة ثانية

ابن حجر أن البخاري ضعف الحديث بالترجمة، فالترجمة ليست إلا اختيارًا فقهيًّا، ويقابله اختيار غيره، فقد قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (4/ 107): وذهب طائفة إلى النهي عن الصلاة إلى النائم مطلقًا، منهم: أحمد وإسحاق، وعلل ذلك أصحابنا بأنه لا يؤمن أن يكون من النائم ما يشغل المصلي، وأجاب من ذهب إلى هذا عن حديث عائشة بأن الحاجة دعت إليه لضيق البيت، وعن أحمد أنه تختص الكراهة بالفريضة دون النافلة جمعاً بين حديث عائشة وحديث ابن عباس، ولعل هذا القول أقرب مما قبله. قلت: فهذا أحمد جمع بين حديث ابن عباس وحديث عائشة، مع أن حديث أبي هريرة أحسن حالاً بلا ريب من حديث ابن عباس، وحكاه عنه ابن رجب، ووافقه، ولم يحكم بنكارته كما ادعى هذا الذي قد صدعنا بتلك النكارة المنكرة، فإلى متى يسلط هؤلاء على هذا العلم الشريف؟!!!. ثم ذكر علة ثانية، وهي من جنس ما سبق، وقد صدعنا بها أيضًا، وهي التفرد، حيث نقل قول الطبراني: تفرد به سهل بن صالح، ثم قال: عقب الشيخ الألباني على مقولة الطبراني هذه بقوله: وهو ثقة، وانتهت المشكلة بكونه ثقة، هكذا بهذا الأسلوب المتردي الذي لا تجده عند أهل العلم ولا طلابه، ثم عقب مستخفا بالشيخ رحمه الله: وبهذا تهدر تعليلات الأئمة، ثم وضع علامة تعجب، ثم قال: فإن هذا التفرد قادح، فهل يعني أن هناك تفردًا يقدح وتفردًا لا يقدح، فإن كان يقول بذلك، فأين الدليل على كون الطبراني يعني هنا التفرد القادح دون غيره؟!، وإن كان كلامه الأول نصًّا في كون التفرد بمجرده قادحًا حيث قال: وبهذا تهدر تعليلات الأئمة، وهذا الذي عهدناه منه، وحينئذ، فقوله: هذا التفرد قادح يناقض ما قرره أولاً وعهدناه منه، وهذا يدل على أنه لا يدري ما يقول؟ فلماذا ينشر لهؤلاء؟

أليس هذا من التشويش على طلاب هذا العلم الشريف؟!. وهذا هو منهج الشيخ رحمه الله فيما إذا أطلق بعض الأئمة تفرد الراوي بحديث حتى لا يتهكم به هذا المستدرِك، وكأن الألباني لا يدري ما يقول، ففي سؤالاتي له ص (92) س (21): قول الأئمة كالبخاري والدارقطني وكذلك البزار وغيرهم في الحديث: فلان لا يتابع عليه، (¬1) ويكون ظاهر الإسناد الصحة، فما هو القول في ذلك؟ فأجاب الشيخ: أنا لا أرى في هذا فرقًا للشرط الذي ذكرته: (يكون ظاهر الإسناد صحيحًا أو ثابتًا)، لا أرى فرقًا بين قولهم: (لا يتابع عليه)، وبين قولهم: (صحيح غريب)، أو (حسن غريب)، فهم يعنون فردًا، يعنون الغرابة، وقد يكون الأمر أبعد من هذا، تكون نظرتهم إلى متن الحديث، قد يكون المعنى مستنكرًا، إما بقواعد الشريعة، أو بأحاديث أخرى، وتكون هذه النكارة ما هي ظاهرة لكل الناس، وهذا يشبه تمامًا ما يفعله بعض الأئمة النقاد، ومن أشهرهم أبو حاتم الرازي، وقد يكون قريبًا منه الإمام الدارقطني حينما يقولون في الحديث: باطل، وهذا نجده كثيراً في كتاب الميزان من صنع الذهبي نفسه، حديث باطل، ومن الناحية السندية قد يكون هذا الحديث الذي قيل ببطلانه لا غبار على الإسناد بأكثر من أنه ضعيف بسبب سوء الحفظ، لكنهم نظروا إلى المعنى، ثم قال: من يقال فيه: (لا يتابع عليه) يكون القائل كأنه في نفسه شيء من هذا الحديث، إما من حيث الإسناد، وإما من حيث المتن، فمعناها كما قلنا آنفًا حينما يقول عن بعض المترجمين: يكتب حديثه، وينظر فيه: قد يلحق بالصحيح، وقد يلحق بالحسن، أو بما دون ذلك، أشبه ما يكون صنيع الحافظ ابن حجر في كتاب (التقريب) حينما ¬

_ (¬1) ولا شك أن كلمة: (لا يتابع عليه) أقرب إلى التعليل من كلمة: تفرد به.

يقول في بعض الرواة: صدوق، وفي بعضهم يقول: صدوق يهم، فهذه مرحلة بين مرحلتين، هو يشير إلى شيء انقدح في نفس ذلك الإِمام الناقد، وليس لذلك قاعدة مضطردة. انتهى كلام الشيخ رحمه الله. قلت: والتفرد علة مضطردة عند هذا المستدرِك، فلا أدري ما يقول فيما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما، وأورده الطبراني أو غيره، وقالوا عنه: تفرد به فلان، أو لم يروه إلا فلان، فمن ذلك: ما أخرجه البخاري (803): حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة، وذكر الحديث، وذكر حديث دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للمستضعفين من المؤمنين. وقد أورده الطبراني في الأوسط (54)، ثم قال: لم يروه عن الزهري عن أبي بكر إلا شعيب. وقال الطبراني في الأوسط (192): حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة قال: نا سعيد بن أبي مريم قال: أنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي قال: وحدثني أبو الزناد. عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... " الحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي الزناد إلا المغيرة بن عبد الرحمن، تفرد به سعيد بن أبي مريم. فعلى رأي هذا المستدرِك صاحب منهج المتقدمين هذا الحديث معلول، وقد أخرجه البخاري (4729) من طريق سعيد بن أبي مريم أخبرنا المغيرة قال حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.

وقد رواه البخاري معلقًا، ومسلم (2785) متصلاً من طريق يحيى بن بكير حدثني المغيرة بإسناده ومتنه، وهذا خلاف ما ادعاه الطبراني. قال الطبراني في الأوسط (215): حدثنا أحمد بن رشدين قال: نا أحمد بن صالح قال: نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله ضاحكًا حتى أرى منه لهواته ... الحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي النضر إلا عمرو بن الحارث، تفرد به ابن وهب، وهو بهذا معلول عند المستدرك، وقد أخرجه البخاري (4828)، ومسلم (899) -16 من طريق ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة به. وهذا شيء يطول، وأخشى أن يتجرأ هذا المستدرِك أو أحد ممن يتأثر به، فيطعن في أحاديث الصحيحين بهذا الأمر، والله المستعان. ومن نقل من الأئمة تضعيف الحديث كأبي داود وابن خزيمة، والخطابي لم يتكلموا على حديث أبي هريرة، غير ابن حجر الذي وصفه بكونه واهيًا، وهذا لا يتوافق مع حال رواته، وإن قصد إعلاله، فليس الوصف بالوهاء مما يتفق مع حال الإعلال، وقد ذكر مغلطاي حديث أبي هريرة في شرح سنن ابن ماجه (5/ 443 - 444)، ولم يضعفه. على أن هذا المستدرِك الذي قد تطاول على الشيخ لم يأت بطريق جديد، ولم يزد على معارضته اجتهاد الشيخ برأيه، ولو بحث لوجد لحديث أبي هريرة علة كان أولى أن يتكئ عليها في إعلاله، فقد روى أبو يعلى في مسنده (2738): حدثنا زهير حدثنا محمد حدثنا محمد بن عمرو عن أبي أمية عن ابن عباس فذكره.

وزهير هو ابن حرب، ومحمد الظاهر أنه ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، فرجع بذلك الحديث لحديث ابن عباس، والظاهر أنه الأرجح، والله أعلم. وأما مرسل مجاهد، فقد رواه ابن أبي شيبة (3/ 171) بإسناد آخر، فيه ليث ابن أبي سليم، وهو ضعيف، لكنه أحسن حالاً من أبي أمية، وعلى كل حال فليس هذا الحديث كغيره من دعوى المستدرك في شيء، والله المستعان. ***

الحديث رقم (46)

الحديث رقم (46) - الإرواء (2/ 118) رقم (394): -حديث آخر مكرر عده المستدرِك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ". قد سبق، فلماذا أعطاه رقمًا مستقلًّا؟! وقد صحح الشيخ ص (121) زيادة: "وَإِذَا قَرَأَ فَأنْصِتُوا"، قال المستدرِك: سبق بحث هذه الزيادة، وبيان ضعفها في حديث أبي موسى برقم (34). وأقول: فلم تجعل لها رقماً مستقلًّا مع سبق الكلام عليها؟ وقد سبق كلامنا على استدراكه فليرجع إليه. ***

الحديث رقم (47)

الحديث رقم (47) - الإرواء (2/ 167) رقم (426): حديثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْنُتُ قَبْل الرُّكُوعِ. حكم الشيخ رحمه الله: إسناده صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: صحة الحديث. قال المستدرِك: خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده صحيح وقد قال أبو داود (1427): روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت -يعني في الوتر قبل الركوع-، وروى عيسى بن يونس أيضًا عن فطر بن خليفة عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وروى عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع. قال أبو داود: وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش، وشعبة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وجرير بن حازم كلهم عن زبيد، لم يذكر أحد منهم القنوت، إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد، فإنه قال في حديثه: إنه قنت قبل الركوع، وليس هو بالمشهور من حديث حفص، نخاف أن يكون عن حفص عن غير مسعر. قلت: كيف يقول أبو داود: إن الحديث ليس مشهورًا من حديث حفص بن

غياث، وقد رواه الشاشي في مسنده (1432)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4501) من طرق عن أبي حاتم الرازي حدثني عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن مسعر عن زبيد به، فمن أين تأتي عدم الشهرة: أَمِنْ أبي حاتم الرازي إمام النقاد في زمانه أم من عمر بن حفص الثقة الذي يروي عن أبيه؟!، فكيف إذا توبع؟ فقد رواه الدارقطني (2/ 31) بإسناد صحيح عن فطر بن خليفة، وهو ثقة عن زبيد به، قال ابن التركماني في الجوهر النقي (3/ 40 - 41): العجب من أبي داود يقول: لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص عن مسعر عن زبيد، وقد روى هو ذكر القنوت قبل الركوع من حديث عيسى بن يونس عن ابن أبي عروبة، ثم قال: وروى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضًا عن فطر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، والبيهقي خرج رواية فطر عن زبيد مصرحة بذكر القنوت قبل الركوع، ثم نقل كلام أبي داود لم يتعقب عليه، على أن ذلك روي عن زبيد من وجه ثالث، قال النسائي في سننه (¬1): أنا علي بن ميمون ثنا مخلد بن يزيد عن سفيان هو الثوري عن زبيد عن سعيد ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بن كعب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ويقنت قبل الركوع، وابن ميمون وثقه أبو حاتم، وقال النسائي: لا بأس به، ومخلد وثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، وأخرج له الشيخان، وأخرج ابن ماجه (¬2) أيضاً هذا الحديث بسند النسائي، فظهر بهذا أن ذكر القنوت عن زبيد زيادة ثقة من وجوه، فلا يصير سكوت من سكت عنه حجة على من ذكره، وصححه أيضاً ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 352) رقم (2527). ¬

_ (¬1) النسائي (3/ 235). (¬2) ابن ماجه (1182).

وبذلك يتجه قول من قال بتصحيحه، ولئن كان لقول من ضعف زيادة القنوت في حديث أبي وجه، فكيف يتجه إنكارها على الإطلاق؟ وقد روى البخاري في صحيحه (1002)، ومسلم (677) - 301 وغيرهما عن عاصم قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: قد كان القنوت، قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال: فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت: بعد الركوع، فقال: كذب، إنما قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهراً، أراه كان بعث قومًا، يقال لهم: القراء، زهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد، فقنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً، يدعو عليهم، وقد ذكر الشيخ ذلك، ومع ذلك قال هذا المستدرِك: وبهذا ظهر دقة نظر الحفاظ حين ضعفوا الأحاديث التي فيها أن القنوت قبل الركوع، فهل يوثق في أمثال هؤلاء بعد هذا؟. قال ابن التركماني: وقد روي القنوت في الوتر قبل الركوع عن الأسود، وسعيد بن جبير، والنخعي وغيرهم، رواه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه بأسانيده، وقال أيضًا: ثنا أبو خالد الأحمر عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال: كان عبد الله لا يقنت في السنة كلها في الفجر، ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع، قال أبو بكر هو ابن أبي شيبة: هذا القول عندنا، وقال أيضًا: ثنا يزيد بن هارون ثنا هشام الدستوائي عن حماد هو ابن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع، وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وفي الإشراف لابن المنذر: روينا عن عمر، وعلى، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأنس، والبراء بن عازب، وابن عباس، وعمر ابن عبد العزيز، وعَبيدة، وحميد الطويل، وابن أبي ليلى أنهم رأوا القنوت قبل الركوع، وبه قال إسحاق. اهـ. ***

الحديث رقم (48)

الحديث رقم (48) - الإرواء (2/ 202) رقم (453): حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتُهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحَّحه الشيخ، ثم رجع عن تصحيحه، وذكر ذلك المستدرِك، فلماذا يدخله في الأحاديث المستدركة؟!! الحديث رواه مسلم (768)، وأبو داود (1323)، والترمذي في الشمائل (277)، وأحمد (7176)، (7748)، (9182)، وعبد الرزاق (2572)، وابن خزيمة (1150)، وأبو عوانة (2241)، وابن المنذر في الأوسط (2571)، ومحمد ابن نصر المروزي كما في مختصر قيام الليل (135)، وابن حبان (2606)، والبيهقي (3/ 6)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 290)، وفي الاستذكار (5/ 252)، والبغوي في شرح السنة (907)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1939)، من طرق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا به، أعني بصيغة الأمر. وقد اختلف على هشام بن حسان: فرواه ابن أبي شيبة (3/ 197)، وأبو عوانة (2239)، والبغوي في شرح السنة (908)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1938) كلهم من طريق أبي خالد الأحمر عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح صلاته من الليل بركعتين خفيفتين، بصيغة الفعل، وليس الأمر. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 197)، وابن أبي الدنيا في التهجد (400): حدثنا هشيم قال: أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال أبو هريرة فذكره موقوفًا.

ورواه ابن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد مقطوعًا. ورواه أبو عوانة (2240) من طريق أبي خالد عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله. ورواه الحميدي (985)، وابن أبي الدنيا في التهجد (481)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 291)، وفي الاستذكار (5/ 252) كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا بصيغة الأمر. ورواه تمام (1776) من طريق الحارث بن سريج ثنا ابن عيينة قال: قال هشام بن حسان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا بصيغة الأمر. والحارث متهم، فالمحفوظ عن ابن عيينة الرواية الأولى، وكان يمكن بها أن ترجح رواية الرفع بصيغة الأمر، لكن روى العقيلي في الضعفاء (6339): حدثنا محمد (هو البخاري) قال: حدثنا الحسن (هو ابن علي الخلال). قال: حدثنا سليمان (هو ابن حرب) قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قال أبو هريرة فذكره موقوفًا. قال حماد: فذكرت ذلك لأيوب، فقال: خفيفتين!، وأنكر أيوب قوله: (خفيفتين) (¬1). قال العقيلي (6340): حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا سليمان حدثنا حماد بن زيد قال: كان هشام يرفع حديث محمد عن أبي هريرة يقول فيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك لأيوب، فقال لي: قل له: إن محمدًا لم يكن ¬

_ (¬1) رواه الفسوي (3/ 24).

-عد المستدرك حديثا تراجع عنه الشيخ

يرفعها، فلا ترفعها، إنما كان يتخونها بالرفع (¬1) فذكرت ذلك لهشام، فزك الرفع. ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (408)، ومن طريقه ابن عساكر (61/ 211) من طريق عمران بن خالد الخزاعي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا بصيغة الأمر. وعمران الخزاعي ضعيف، فترجحت رواية الوقف لما ساقه العقيلي بإسناد صحيح عن ابن سيرين أنه كان يرفعه، وقال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة، وزهير بن معاوية، وجماعة عن هشام عن محمد أوقفوه على أبي هريرة، وكذلك رواه أيوب وابن عون أوقفوه على أبي هريرة، ورواه ابن عون عن محمد قال: فيهما تجوز. -عد المستدرك حديثا تراجع عنه الشيخ: قلت: فظهر بهذا رجحان رواية الوقف على رواية الرفع، وهو ما رجحه أبو داود، ومال إليه شيخنا أخيراً كما في الصحيحة (3199)، وضعيف أبي داود (240)، ولا أدري على أي الموقفين لشيخنا يصنفه هذا المستدرِك: على مذهب المتقدمين أم المتأخرين؟! وقد أورده ابن رجب في فتح الباري (9/ 998) محتجًّا به، وأظنه لا يجرؤ على مخالفته، والله المستعان. وعلى أي حال فلم يكن له أن يعده حديثا مستدركًا، وإن ذكر تراجع الشيخ، لأن هناك من يتعامل مع العدد الإجمالي. ¬

_ (¬1) وقع في الضعفاء المطبوع: ينجو بها، وفي تهذيب الكمال (30/ 189)، كتب المؤلف (يعني المزي) في حاشية نسخته: يتخون، ويتخول، ومنه حديث ابن مسعود: يتخولنا بالموعظة في الأيام، يعني: يتعاهدنا، ووقع في سير أعلام النبلاء: ينجو بها، وهو تحريف عجيب.

الحديث رقم (49)

الحديث رقم (49) - الإرواء (2/ 260) رقم (496): حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلاَ تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ). حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. هذا الحديث اعتمد الشيخ في تقويته على طريقين: أحدهما ما رواه أبو داود (893) وغيره من حديث أبي هريرة، وفي إسناده يحيى بن أبي سليمان قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بالقوي، يكتب حديثه، فمن نظر إلى قول البخاري لم يره صالحًا في الشواهد، ومن نظر إلى قول أبي حاتم: "يكتب حديثه" رآه صالحًا لذلك، والثاني من مرسل عبد العزيز ابن رفيع، والذي يظهر لي عدم تقوية الحديث من الطريقين، لكن لا يعترض على من ظهر له خلاف ذلك، ولا يسوغ عد ذلك من أخطائه كما صنع هذا المستدرِك، وما حكاه هذا الشخص عن العقيلي بقوله: الحديث ضعفه العقيلي معترضًا بذلك على الشيخ في تقويته الحديث من التدليس الظاهر -نسأل الله المعافاة- فإن العقيلي رحمه الله إنما تكلم على طريق واه من طرق الحديث (¬1)، وقد حكى شيخنا رحمه الله كلامه، وأقره، فكيف يعترض بكلامه عليه؟!!!. ¬

_ (¬1) رواه العقيلي (6584).

ولئن كان البيهقي ضعف الحديث، فقد صححه شيخه الحاكم، فهل يصلح أن يقال في هذا الحديث: إن الشيخ قد خالف منهج المتقدمين، أم أن هذا المستدرِك هو الذي خالف إمام المحدثين في زماننا؟ ***

الحديث رقم (50)

الحديث رقم (50) - الإرواء (2/ 267) رقم (499): -حديث آخر مكرر عده المستدرك: حديث أبي هريرة: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأنصِتُوا". قد سبق، فلماذا يعده حديثًا مستقلًّا؟ قال المستدرِك: سبق بحث هذه الزيادة في حديث أبي موسى برقم (34). قلت: فلماذا جعلت له رقمًا مستقلًّا، ولم تجمع هذه المواضع في موضع واحد؟ ألا تعلم أن الكثيرين ينظرون إلى العدد الإجمالي، ويرتبون عليه أحكامًا؟ فهل تريد أن تصل إلى ذلك أم ماذا؟. ***

الحديث رقم (51)

الحديث رقم (51) قال - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ له قِراءَةٌ". حكم الشيخ رحمه الله: حسن لغيره. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. هذا الحديث مما تكلمت فيه على طرقه في تعليقي على منتخب عبد بن حميد برقم (1051)، فلا حاجة بي لإعادته هنا، وقد ترجح لي أن الحديث لا يتقوى بمجموع طرقه، وإذا ظهر لمثلي خلاف ما ظهر لإمام محدثي العصر الألباني، فهل لي أن أعد ذلك مما يُستدرك على الشيخ، وأن أعده من سقطاته؟ عياذًا بالله من هذا الحال، ونحن لسنا مقلدين للشيخ رحمه الله، فنبين وجة نظرنا، نصيحة لله، ولرسوله ولدينه وللمسلمين. والشيخ مُتَّبع لقواعد الحديث رحمه الله، وهو أولى بها مِنَّا، فتأمل قوله حول هذا الحديث (2/ 277): ويتلخص مما تقدم أن طرق هذه الأحاديث لا تخلو من ضعف، لكن الذي يقتضيه الإنصاف والقواعد الحديثية أن مجموعها يشهد أن للحديث أصلاً؛ لأن مرسل ابن شداد صحيح الإسناد بلا خلاف، والمرسل إذا روي موصولاً من طريق أخرى اشتد عضده، وصلح للاحتجاج به كما هو مقرر في مصطلح الحديث، فكيف وهذا المرسل قد روي من طرق كثيرة كما رأيت، وأنا حين أقول هذا لا يخفى علي -والحمد لله- أن الطرق الشديدة الضعف لا يستشهد بها، ولذلك فأنا أعني بعض الطرق المتقدمة التي لم يشتد ضعفها. ومع أن هذا المستدرِك قد حكى هذا الكلام عن الشيخِ إلا أنه عارضه، ورد اجتهاده، فلا أدري في يقال لمثل هذا؟.

الحديث رقم (52)

الحديث رقم (52) - الإرواء (2/ 284) رقم (505): حديث الحسن عن سمرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها، وفي رواية: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 7] حكم الشيخ رحمه الله: ضعيف. حكم المستدرك: صحيح. الراجح عندي: ضعيف. الحديث رواه أبو داود (777)، (780)، والترمذي (251)، وابن ماجه (844)، (845)، وأحمد (20081)، (20127)، (20166)، (20228)، (20243)، (20245)، (20266)، (20267) وغيرهم كه طوق عن الحسن عن سمرة به. الحديث ضعفه الشيخ لعدم سماع الحسن من سمرة. فقال المستدرِك: الحديث صحيح، وسماع الحسن عن سمرة ثابت في حديث العقيقة، وباقي الأحاديث وجادة، وهي وجادة صحيحة لا تقتضي الانقطاع. قلت: قد مضى بيان فساد هذا التقرير، وأنه من الجهل الفاضح. وقد قال الشيخ في خلاصة الحكم على هذا الحديث: الحديث معلول، لأن الطرق كلها تدور على الحسن البصري، وقد قال الدارقطني عقب الحديث: الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثًا واحداً، وهو حديث العقيقة، فيما زعم قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد.

-إخلال آخر منه المستدرك بالأمانة العلمية

قال الشيخ: على أن الحسن البصري مع جلالة قدره كان يدلس، فلو فرض أنه سمع من سمرة غير حديث العقيقة، فلا يحمل روايته لهذا الحديث أو غيره على الاتصال إلا إذا صرح بالسماع، وهذا مفقود في هذا الحديث، بل في بعض الروايات عنه ما يشير إلى الانقطاع، فإنه قال فيها: قال سمرة، وهي رواية إسماعيل، ولذلك فالحديث لا يحتج به، وقد قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (3/ 50): إنه حديث غير ثابت. -إخلال آخر منه المستدرك بالأمانة العلمية: قلت: وقد أخفى هذا المستدرِك ما نقله الشيخ عن الدارقطني من طعنه في سماع الحسن من سمرة، وهذا ليس من الأمانة العلمية، والله المستعان. قال المستدرِك: وقال الحاكم -بعد أن أخرج حديث سمرة، وله شاهد بإسناد صحيح- ثم ذكره بإسناده - عن أبي هريرة قال: ثلاثًا (¬1) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن، تركهن الناس: يرفع يديه حتى جاوزتا أذنيه، ويسكت بعد القراءة هنية يسأل الله من فضله. قلت: هكذا أورد الحديث مستشهداً به، وحكى تصحيح الحاكم، وسكت عنه، وهو حديث معلول، ضعيف غير صحيح، فقد رواه الحاكم (1/ 215)، ومن طريقه البيهقي (2/ 195) من طريق محمد بن أبي بكر ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال: أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريق، فقال: ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن، فذكره. ورواه أبو داود (753) عن مسدد، والنسائي (2/ 124) عن عمرو بن علي ¬

_ (¬1) هكذا بالنصب في المطبوع من المستدرك، وغيره: بالرفع، وكل متجه.

الفلاس، وأحمد بن حنبل (9608)، وابن خزيمة (460)، (473) من طريق بندار (مسدد، والفلاس، وأحمد بن حنبل، وبندار) أربعتهم عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة قال: ثلاث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلهن تركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله من فضله، وكان يُكبر كلما خفض، ورفع. ومحمد بن أبي بكر، وهو المقدمي ثقة، لكن الواحد من المذكورين أوثق وأتقن منه بمراحل، فكيف إذا اجتمعوا على عدم ذكر السكوت بعد القراءة، بل ذكروه قبل القراءة، فرواية الأربعة أرجح بلا ريب من رواية المقدمي التي ذكر فيها السكوت بعد القراءة، كيف وقد توبع فرواه الترمذي (239)، والبزار (8413)، وابن خزيمة (458)، وأبو سعيد الأشج في جزئه (2)، والحاكم (1/ 235)، وابن حبان (1769)، وابن المقرئ في المعجم (639)، والخليلي في الإرشاد ص (51)، والبيهقي (2/ 27) كلهم من طريق يحيى بن يمان (¬1). ورواه الترمذي (240) من طريق عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي. ورواه البخاري في جزء القراءة (279)، والبزار (8414)، من طريق أبي عاصم النبيل. ورواه أحمد (10492) من طريق أبي أحمد الزبيري، (9608) من طريق يزيد ابن هارون. ¬

_ (¬1) ولفظ الحديث عند يحيى بن يمان: كان إذا افتتح الصلاة نشر أصابعه نشرًا، وحكم بخطئه في هذا اللفظ أبو حاتم كما في العلل لابنه (265)، (458)، قال: وهم يحيى، إنما أراد: قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب، وكذا قال الترمذي وغيره.

والطيالسي (2495)، ومن طريقه البيهقي (2/ 27)، والمزي في تهذيب الكمال (10/ 490 - 491). ورواه ابن خزيمة (459)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 222)، وإبن حبان (1777)، والحاكم (1/ 234)، والبيهقي (2/ 27) كلهم من طريق أبي عامر العقدي. وابن خزيمة (460)، (473)، وابن المنذر في الأوسط (1258)، (1280) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك. والطحاوي (1/ 195) من طريق أسد بن موسى. وأبن الأعرابي في معجمه (2244) من طريق آدم بن أبي إياس. كلهم (يحيى بن يمان، ويحيى القطان في الرواية الراجحة، عبيد الله بن عبد المجيد، وأبو عاصم النبيل، وأبو أحمد الزبيري، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر العقدي، وابن أبي فديك، وأسد بن موسى، وآدم بن أبي إياس، ويزيد بن هارون) أحد عشرتهم رووه عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة، أكثرهم ذكر قوله: كان يقف قبل القراءة هنية، يسأل الله من فضله، والباقي ذكر رفع اليدين فقط مختصرًا، فلم يذكر السكتة بعد القراءة سوى محمد ابن أبي بكر المقدمي مخالفاً هذا الجمع، فشذوذ روايته بين، وقد أشار إلى إعلال روأيته البيهقي بقوله (2/ 195): ورواه عاصم بن علي (¬1) عن ابن أبي ذئب، فقال في الحديث: وكان يسكت قبل القراءة هنية، وبهذا المعنى رواه عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وغيره عن ابن أبي ذئب. ¬

_ (¬1) وهو يضاف إلى الأحد عشر راويًا، فيصيرون اثني عشر راوًيا.

ورواية الجماعة تتفق مع ما رواه البخاري (744)، ومسلم (598) وغيرهما من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة -قال: أحسبه قال: هنية-، فقلت: بأبي وأَمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ ... فذكر الحديث وفيه دعاء الاستفتاح قبل القراءة. ***

الحديث رقم (53)

الحديث رقم (53) - الإرواء (2/ 204) رقم (526): -عد المستدرك حديثًا لم يقطع الشيخ بتصحيحه: حديث: إن الحسن والحسين كانا يصليان وراء مروان. حكم الشيخ رحمه الله: علق القول بصحته على اتصال السند. حكم المستدرك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف، والشيخ لم يجزم بالصحة. خلاصة رأي الشيخ الألباني: هذا سند صحيح على شرط مسلم، إن كان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سمع من جديه الحسن والحسين، فقد قيل: إنه لم يسمع من أحد من الصحابة. الاستدراك: الحديث مرسل جزماً، فقد قال العلائي: أرسل عن جديه الحسن والحسين. قلت: وعليه في استدراكه مآخذ: الأول: تصحيح الشيخ لسند الأثر ليس تصحيحَا مطلقًا، بل علَّقه على سماع أبي جعفر من جديه، وأضاف إليه التشكيك في السماع بما أورده بعد ذلك، فإن كان لا بد أن يتكلم هذا المستدرِك فليكن على سبيل الإضافة وتقوية هذا الشرط الذي علق الشيخ صحة الأثر عليه. الثاني: إن كان لا بد لهذا المستدرِك أن يتكلم، فإن الأولى به أن يتكلم على قول الشيخ رحمه الله: فقد قيل: إنه لم يسمع من أحد من الصحابة، فقد سمع من جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، وروى له عنه البخاري سبعة أحاديث، ومسلم اثني عشر حديثاً،

وعند البخاري (252): عن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو جعفر أنه كان عند جابر ابن عبد الله، وفي (256) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم قال حدثنا معمر بن يحيى ابن سام حدثني أبو جعفر قال: قال لي جابر. وعند مسلم (1218): عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته، وهو أعمى، وذكر حديثه الطويل في الحج. الثالث: ما علاقة هذا بدعواه الفجة مخالفة الشيخ للمتقدمين، أليس الأولى به إن كان لا بد أن يعلق أن يجعل هذا تعليقًا في الحاشية، لا أن يعطيه رقمًا في أحاديث مستدركه؟! ***

الحديث رقم (54)

الحديث رقم (54) - الإرواء (2/ 336) رقم (551): حديث ابن عباس مرفوعًا: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّباعِهِ عُذْرٌ"، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ يا رسول الله؟ قَالَ: "خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ، لَمْ يَقْبَلِ الله مِنْهُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح مرفوعًا. حكم المستدرك: صحيح موقوفاً. الراجح عندي: أنه موقوف. الحديث رواه أبو داود (551)، وابن عدي (7/ 214)، والطبراني (12266)، (4303)، والدارقطني في سننه (1/ 420 - 421)، والطبراني في الكبير (12266)، والحاكم (1/ 245 - 246)، والبيهقي في المعرفة (4/ 128)، وابن الجوزي في التحقيق (705) كلهم من طريق أبي جناب عن مغراء العبدي عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. مغراء العبدي روى عنه خمسة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، ويحيى بن أبي حية ضعفوه لكثرة تدليسه، وهو في نفسه صدوق. ورواه ابن عدي (7/ 214)، والحاكم (1/ 246) من طريق سليمان بن قرم عن أبي جناب عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. وسليمان ضعيف، وقد أسقط مغراء من الإسناد. ورواه ابن ماجه (793)، وبحشل في تاريخ واسط ص (202)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (483)، وابن المنذر في الأوسط (1898)، وابن حبان

(2064)، والطبراني في الكبير (12266)، والدارقطني (1/ 420)، والحاكم (1/ 245)، والبيهقي (3/ 174)، وفي المعرفة (4/ 104)، والبغوي في شرح السنة (794)، والضياء في المختارة ج (10) رقم (251)، (252)، (254)، (255)، (256)، والذهبي في السير (16/ 421) كلهم من طريق هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. قال الذهبي: هذا حديث غريب. ورواه الدارقطني (1/ 420)، والبيهقي في السنن الكبير (3/ 57)، والبغوي في شرح السنة (795) من طريق قراد عن شعبة بمثل رواية هشيم. قال الدارقطني: قراد شيخ من البصريين مجهول، ووثقه الحاكم، وهو المعتبر، فقراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان وثقه غير واحد من الأئمة، وأخرج له البخاري، بل وثقه الدارقطني نفسه كما في سؤالات الحاكم له ص (237) رقم (386): قال: قراد ثقة، وله أفراد، وهذا ليس من أفراده، فقد تابعه هشيم وغيره كما سيأتي فقول الدارقطني: مجهول (¬1) غفلة عجيبة من هذا الإِمام، فلا نامت أعين المقلدين. وتابعهما سعيد بن عامر، وهو ثقة، وداود بن الحكم، وقال فيه المزي: لا يعرف. ورواه البيهقي (3/ 174)، وفي المعرفة (4/ 105)، والخطيب في تاريخه (6/ 285)، وفي الموضح (1/ 416 - 417)، وابن حزم في المحلى (4/ 190) كلهم من طريق سليمان بن حرب عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن ¬

_ (¬1) وقد نقل المستدرِك هذا عن الدارقطني، ولم يعلق عليه بشيء، فلماذا؟!.

جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. وقد خالف سليمان بن حرب أصحاب شعبة في جعل شيخ شعبة حبيب بن أبي ثابت بدلاً من عدي بن ثابت، واختلف عليه أيضًا، فرواه الطبراني (12344)، ومن طريقه الضياء في المختارة ج (10) رقم (142) والبيهقي (3/ 174) من طريق سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت (¬1) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به موقوفًا. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 254)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1899) من طريق وكيع، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (482)، ومن طريقه الضياء في المختارة (253) من طريق علي بن الجعد. ورواه البيهقي من طريق وهب بن جرير، وحفص بن عمر الحوضي (¬2). (سليمان بن حرب في رواية وأبو عمر الحوضي، وعلي بن الجعد، ووهب بن جرير، ووكيع) خمستهم رووه عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا. فالذي يظهر هو ترجيح رواية هؤلاء على رواية من رفعه، وقال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 59): وفي كتاب العلل للخلال: ثنا محمد بن الحسين ثنا الفضل قال: قلت: لأحمد: شعبة عن عدي فذكره؟، قال: أخطأ فيه هشيم مرة ¬

_ (¬1) سقط من المطبوع من المختارة ذكر ابن عباس، وفي السنن للبيهقي: عن عدي بن ثابت بدل حبيب بن أبي ثابت، وهذا دال على عدم التثبت. (¬2) عد المستدرك حفص بن عمر، وأبا عمر الحوضي راويين، وهما واحد، فهل جهل هذا أم أراد أن يكثر عدد الرواة الذين أوقفوه؟!!!.

رفعه، وهذا موقوف، قلت: كيف؟ قال: غندر (¬1) وغيره لا يرفعه. وقال البيهقي في السنن الكبير (3/ 57): ورواه الجماعة عن سعيد موقوفًا على ابن عباس، والموقوف أصح. وللحديث شاهد من حديث أبي موسى، أخرجه البزار (3157)، وابن الأعرابي في معجمه (1056) من طريق قيس بن الربيع: وابن الأعرابي، والبيهقي (3/ 174) من طريق أبي بكر بن عياش - (قيس، وأبو بكر) عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعًا بنحوه. ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 319) من طريق عبد الرحمن بن محمد ابن منصور العامري (¬2) ثنا يحيى بن سعيد ثنا مسعر ثنا أبو حصين عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعًا به. وعبد الرحمن قال ابن عدي: حدث بأشياء لا يتابع عليها، وضعفه غيره، وقد خولف فرواه ابن أبي شيبة (2/ 254)، وابن المنذر (1900) من طريق وكيع: والبيهقي في السنن الكبير (3/ 174) من طريق أبي نعيم (وكيع، وأبو نعيم) روياه عن مسعر عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبي موسى فذكراه موقوفًا، فروايتهما هي المحفوظة، ورواية عبد الرحمن شاذة، بل منكرة. وقد توبع مسعر على وقفه، تابعه زائدة بن قدامة عند البيهقي (¬3)، وقد تابع أبا حصين على الوقف سماك بن حرب عند البزار (3158). ¬

_ (¬1) ويضاف غندر لمن وقفه، وهو أثبت الناس في شعبة. (¬2) كذا وقع في المطبوع، والظاهر أنه تصحف من الحارثي كما في كتب الرجال. (¬3) وقال فيه: عن أبي بكر بن أبي بردة عن أبي موسى، قال البيهقي: ولا أراه إلا وهمًا.

قال البيهقي في المعرفة (4/ 105): الموقوف أصح. وله شاهد من حديث جابر عند البخاري في التاريخ الكبير (1/ 111)، والعقيلي (5347)، والدارقطني (1/ 419 - 420)، قال البخاري: في إسناده نظر. وشاهد من حديث عائشة عند البخاري في التاريخ الكبير (1/ 233) ذكره موقوفًا، ثم قال: ورفع بعضهم، ولا يصح. ومن حديث أبي هريرة، عند ابن عدي (3/ 278)، والدارقطني (1/ 420)، وفي إسناده سليمان بن داود اليمامي قال ابن معين: منكر الحديث. ومن حديث أنس عند تمام في فوائده (1291)، ورجاله ثقات، وفيه عنعنة حميد الطويل والحسن البصري. والذي يظهر لي أن الموقوف أصح، ولمن صحح المرفوع وجه أيضًا، وقال العقيلي بعد ذكره حديث جابر: يروى بغير هذا الإسناد من وجه صالح، وصححه ابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين، فما لهذا ولدعوى المستدرك.

الحديث رقم (55)

الحديث رقم (55) - الإرواء (2/ 339) تحت الحديث رقم (553): الحديث (553) هو حديث ابن عمر: أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ الْمُنَادِيَ فَيُنَادِي بِالصَّلاَةِ: "صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ" فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ. ثم ذكر تحته حديث نعيم بن النحام قال: نودي بالصبح في يوم بارد، وأنا في وطر امرأتي، فقلت: ليت المنادي قال: ومن قعد فلا حرج عليه، فنادى منادي النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر أذانه: ومن قعد فلا حرج عليه. خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله رحمه الله: صحيح بطرقه. الاستدراك: أسانيده ضعيفة، ولا يثبت. انتهى كلام المستدرِك. الراجح عندي: ضعفه. الحديث رواه أحمد (17934)، ومن طريقه ابن عساكر (65/ 134) من طريق علي بن عياش حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم بن النحام فذكره. وإسماعيل بن عياش ثقة، لكن روايته عن غير الشاميين فيها ضعف، وقد خولف، فرواه ابن أبي شيبة في مسنده (553)، والفاكهي في الفوائد (104)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (760)، وأبو نعيم في المعرفة (6389)، والبيهقي (1/ 398)، وابن عساكر (65/ 135) كلهم من طريق سليمان بن بلال. ورواه ابن أبي عاصم (759)، وابن قانع في معجمه (3/ 152 - 153)، والبيهقي (1/ 398) من طريق الأوزاعي.

وابن عساكر (65/ 135) من طريق إبراهيم بن طهمان (سليمان بن بلال، والأوزاعي، وابن طهمان) ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن نعيم بن النحام به. قال ابن عساكر: المحفوظ عن محمد بن إبراهيم عن نعيم، ومحمد بن إبراهيم لم يدرك نعيمًا. ورواه عبد الرزاق (1927)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (762)، والحاكم (3/ 259)، وابن حزم في المحلى (4/ 205) عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن نعيم به. وعند ابن أبي عاصم التصريح بإخبار نافع لابن جريج به (¬1). ورواه ابن قانع (3/ 153) من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عمر بن نافع وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به. ورواية الأكثر عن عبيد الله بن عمر بدون ذكر: "وَمَنْ قَعَدَ فَلاَ حَرَجَ"، لكن متابعة ابن جريج وعمر بن نافع تجعل لمن قال بصحة هذه اللفظة وجهًا، وقد صحح إسنادها الحافظ في الفتح (2/ 98 - 99)، وأما المستدرِك فله شأن آخر. ولكي يقف القارئ على مدى الشطط عند هؤلاء أذكر حكم الإِمام أحمد في رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد حيث قال: نظرت في كتابه عن يحيى ابن سعيد، أحاديث صحاح، وابن رجب قال في فتح الباري (5/ 306): حديثه عنهم (يعني الحجازيين) فيه ضعف، ومعلوم أن قولهم: فيه ضعف دون قولهم ¬

_ (¬1) وتحرف في المطبوع: عن عبد الله (يعني ابن عمر) عن نعيم بن النحام إلى عبد الله بن نعيم ابن النحام.

-جرأة وقصور عجيبان منه المستدرك

ضعيف، وأما المستدرِك، فقد قال عنه في روايته عن غير الشاميين: ضعيف جدًا. -جرأة وقصور عجيبان منه المستدرك: والحديث صححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه ابن حجر، وضعفه المستدرك، فكان ماذا؟ ومن جرأة هذا المستدرِك مع قصوره تضعيفه إسناد ابن جريج جدًّا مع ثبوت تصريحه بالسماع عند ابن أبي عاصم، ولم يقف عليه، فهل من معتبر؟!. ***

الحديث رقم (56)

الحديث رقم (56) - الإرواء (3/ 23) رقم (574): حديث جابر بن عبد الله: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ بِتَبُوك عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاةَ. خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: صحيح، وصححه ابن حزم والنووي. الاستدراك: الحديث معلول، أعله البخاري، وأبو داود، والدارقطني، والبيهقي. قلت: الذي يظهر لي أن الرواية المتصلة المرفوعة مرجوحة، وأن الأرجح هي الرواية المرسلة أو الموقوفة، وقد بينت ذلك في تعليقي على المنتخب لعبد بن حميد برقم (1140)، فلا حاجة لإعادته، والقصود هنا أن المسألة اجتهادية، فقد نقل الشيخ قول أبي داود: غير معمر لا يسنده، وقال: رده النووي في الخلاصة بقوله: هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، لا يقدح فيه تفرد معمر، فإنه ثقة حافظ، فزيادته مقبولة. قال المستدرِك: لا بد أن هناك سببًا جعلهم يرجحون رواية ابن المبارك على رواية معمر، وهذا مالم يعطه المتأخرون أهمية. قلت: لم يقل من قال من وصفهم المستدرك بالمتأخرين كما يحلو لهؤلاء أن يسموا هؤلاء الأئمة ذلك إهمالاً منهم للترجيح بين روايات الحفاظ، فإن رواية معمر عن يحيى بن أبي كثير وإن كان فيها مقال، فإنه لا ينزل بها عن الصحة، بل أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما، وعلى ذلك اعتمد من صحح الحديث

مرفوعاً موصولاً، وليس كلهم من المتأخرين كما ادعى المستدرك، فقد صححه ابن حبان رحمه الله، وهو من المتقدمين بلا شك، وصححه أيضاًابن حزم، والنووي، وأقره الزيلعي، فليس الخلاف خلافاً بين متقدمين ومتأخرين، وإنما هو خلاف في أمر اجتهادي يقع بين المتقدمين كما يقع بين من دونهم، والله الموفق للصواب. ***

الحديث رقم (57)

الحديث رقم (57) - الإرواء (3/ 28) رقم (578): حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء. خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: الإسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال الستة، وقد أعله الحاكم بما لا يقدح في صحته، فراجع كلامه في ذلك مع الرد عليه في "زاد المعاد" لابن القيم، ولذا قال في إعلام الموقعين: وإسناده صحيح، وعلته واهية. الاستدراك: الحديث ضعيف معلول، أعله من الأئمة: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وأبو حاتم، والحاكم، والبيهقي، والدارقطني، وابن حزم، والخطيب البغدادي، والنسائي، قال ابن رجب: غريب جدًّا، استنكره الحفاظ. الراجح عندي: في نسبة الإعلال لبعض المذكورين نظر، فإنه نقل عن الذهبي قوله: امتنع النسائي من إخراجه لنكارته، وهذا استنباط من الذهبي، وليس نصًّا من النسائي، والترمذي فقد حسنه كما نقله المستدرك نفسه، والذي يظهر لي ترجيح إعلال الحديث، وأنه مما لا تقوم به الحجة، وقد جمع المستدرك أقوال الأئمة في إعلال الحديث بما لا حاجة لإعادته أو التفصيل فيه، ومع ذلك فالحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان، وابن القيم، وغيرهم، فهو كغيره اختلاف في الاجتهاد، وكل له اجتهاده، فكان ماذا؟ ولو أن الشيخ الألباني رحمه الله هو الذي قال ما قاله ابن القيم رحمه الله: وعلته واهية، لقرأنا للمستدرك من التعليق من التطاول ما تنشرح به قلوب أهل البدع والانحراف، فأين الإنصاف؟!.

الحديث رقم (58)

الحديث رقم (58) - الإرواء (3/ 32) رقم (579): حديث أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم ينزل، فيجمع بينهما، وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب. وفي رواية البيهقي زيادة: صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل. قال المستدرِك: حديث أنس في الصحيحين بدون الزيادة التي عند البيهقي، والاستدراك منصب على هذه الزيادة، فهي زيادة منكرة، ضعفها من الأئمة: أبو داود، والإسماعيلي، والذهبي، وقد بينت ذلك في الحديث السابق. الراجح عندي: هو كما قال، لكن لا ينبغي أن يعد هذا الحديث حديثًا مستقلًّا، فهو من شواهد الحديث السابق، وكما سبق غير مرة بيان أن الكثيرين ينظرون إلى العدد، ولا يتأملون، فينبغي ألا يغرر بهم، والله الموفق للصواب. ***

الحديث رقم (59)

الحديث رقم (59) - الإرواء (3/ 58) رقم (593): قال - صلى الله عليه وسلم - "الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ" خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: الحديث حسن، فله شاهد، ويؤيده قوله -صلى الله عليه وسلم -لابن أم مكتوم: " أتسْمَعُ النِّداءَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَأَجِبْ". الاستدراك: الحديث معلول، وأعله من الأئمة: أبو داود، وقال عبد الحق: الصحيح أنه موقوف، وكذا قال ابن رجب. انتهى كلام المستدرِك. الراجح عندي: ما ذهب إليه الشيخ هو الصواب. وقد أوهم أنه أتى بجديد حين قال: "الحديث معلول، أعله أبو داود ... "، وليس كذلك، فإن الشيخ الألباني رحمه الله قد ذكر إعلال أبي داود له، وأضاف عللاً أخرى للحديث، وذكر له شاهدًا من حديث عبد الله بن عمرو، وحكم بوهاء إسناده، وأعله حيث قال: هذا سند واهٍ، ابن عطية متهم بالكذب، وحجاج هو ابن أرطأة، وهو مدلس، وقد عنعنه، ولعله تلقاه عن زهير بن محمد، وهو أبو المنذر الخراساني، وفيه ضعف، وعليه فما أوهمته عبارة المستدرك نقلاً عن الشيخ: الحديث حسن فله شاهد من تحسين الحديث لأجل الشاهد خطأ لا أدري مقصود أم لا؟ وإنما حسنه الشيخ رحمه الله لدخِوله في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - للسائل: "أَتسْمَعُ النِّدَاءَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فأَجِبْ"، ولا شك أنه داخل في عمومه، فحديث: "الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ" صحيح المعنى، وإن لم يصح بلفظه، وهذا ما لا يحتمل تصرف الشيخ الإِمام الألباني غيره حيث ضعف طرق الحديث بلفظه، وحسَّنه لصحة معناه، فكان ماذا؟!.

-تناقض عجيب من المستدرك

ومع ذلك فقد نقل الشيخ عن الدارقطني والخطيب قولهما: قال ابن أبي داود: قال هذه سنة، تفرد بها أهل الطائف، وأقراه، ونقل عن البيهقي اعتراضه على إعلال أبي داود بقوله: قبيصة بن عقبة من الثقات، ومحمد بن سعيد هذا هو الطائفي ثقة، وهؤلاء كلهم من المتقدمين، فأي صلة لهذا بدعوى المستدرك أن الشيخ يخالف منهج المتقدمين؟!. -تناقض عجيب من المستدرك: ثم إن هذا المستدرِك قد ناقض نفسه تناقضًا عجيبًا، فإنه هنا لما أراد تضعيف الحديث بتفرد قبيصة قال: قبيصة هو ابن عقبة بن محمد بن سفيان، وهو ضعيف في سفيان الثوري، فضعف روايته عن سفيان على الإطلاق، ولما أراد تقويتها في الحديث رقم (63) قال ص (312): رواية قبيصة عن سفيان لم يقدح فيها كل الحفاظ، بل قدح فيها الإِمام أحمد وابن معين، وظاهر كلام غيرهما عدم القدح فيها، بل الثناء عليها، وذكر بعض توثيق العلماء لروايته عنه، ثم قال: فكل ذلك يدل على نوع قرب وصحبة تقوي من روايته عن سفيان، فهل يوثق بكلامه في هذا العلم الشريف، ويعارض به كلام أئمته بعد هذا؟!. ***

الحديث رقم (60)

الحديث رقم (60) - الإرواء (3/ 77) تحت الحديث (615): حديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض له الرجل يوم الجمعة بعد ما ينزل من المنبر، فيكلمه، ثم يدخل في الصلاة. قال الشيخ الإلباني رحمه الله: سنده صحيح، وقد أعل بما لا يقدح كما بينه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي. قال المستدرِك: الحديث ضعيف، وقد أعله من الأئمة: البخاري، وأبو داود، والدارقطني. الراجح عندي: الحديث ضعيف. والحديث من رواية جرير بن حازم عن ثابت عن أنس به، وقد قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (5/ 444): قال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": سئل يحيى بن معين عن حديث جرير بن حازم هذا؟ فقال: خطأ. والذي يظهر لي هو ترجيح ما ذهب إليه ابن معين وغيره، وقد بينت ذلك في تخريج منتخب عبد بن حميد برقم (1261)، ومع ذلك فقد صحح الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وهم من المتقدمين، وهذا يرد تطاول هذا المستدرِك على أئمة الحديث وإعجابه بما لقنه من التفريق بين المتقدمين والمتأخرين بقوله: ما أكثر ما يرد المتأخرون تعليلات الأئمة بمثل هذا الأمر، وهو من أعجب الردود!، إذ لو أخذنا بهذه الطريقة لم تسلم لنا أكثر العلل الحديثية، وهو ليس ردًّا علميًّا مبني [كذا] على معرفة درجة إتقان الرجل أو تفرده، أو نحو ذلك، إنما هو احتمال عقلي، لا يسنده تعليل حديثي، وهذا كاف في رده. ولا أدري: هل يرمي بهذا الكلام الأئمة: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم أم يقتصر فيه على الألباني وأحمد شاكر؟!.

الحديث رقم (61)

الحديث رقم (61) - الإرواء (3/ 88) تحت الحديث (622): حديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكهَا، وَليُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى". قال المستدرِك خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: الحديث صحيح مرفوعًا، وله شاهد، ثم قال: الحديث معلول بالوقف، أعله بذلك الدارقطني، وله طريق آخر أعله أبو حاتم. الراجح عندي: صحيح كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله. الحديث رواه الطبراني في الصغير (553): حدثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي علان ماغمه حدثنا الجراح بن مخلد حدثنا إبراهيم بن سليمان الدباس حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ رَكْعَة فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ". قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا عبد العزيز، تفرد به إبراهيم بن سليمان. قلت: يرد قول الطبراني أن الدارقطني رواه في سننه (2/ 13) من طريق يعيش ابن الجهم عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد، ومن طريق عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز القسملي عن يحيى عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا به. فقد توبع إبراهيم بن سليمان، وتوبع عبد العزيز القسملي، وقد بين ذلك شيخنا الإِمام، ورد به على الطبراني رحم الله الجميع. وقد قال الدارقطني في علله كما نقله ابن عبد الهادي في التنقيح برقم

(1307) (¬1): سئل عنه الدارقطني، فقال: يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، واختلف عنه، فرواه ابن نمير وعبد العزيز بن مسلم القسملي عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذلك قال يعيش بن الجهم عن ابن نمير، وغيره يرويه عن ابن نمير موقوفاً. وكذلك رواه زهير بن معاوية، ويحيى القطان، وهشيم عن يحيى عن نافع عن ابن عمر موقوفاً، وهو الصواب. وكذلك رواه عبيد الله بن عمر وعلي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. وقد روى مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح. والذي يظهر لي هو ترجيح الوقف كما ذهب إليه الدارقطني، ومع ذلك فللقول بصحته مرفوعًا وموقوفَّاَ كما ذهب إليه شيخنا الألباني وجه، حيث توبع ابن نمير في رواية الرفع من عبد العزيز بن مسلم القسملي، ومع أن الشيخ قد ذكر رواية الدارقطني في سننه وكلامه في العلل، ونقل المستدرك كلام الدارقطني في علله الذي فيه متابعة القسملي لابن نمير على الرفع فقد قال هذا المستدرِك: رواه ابن نمير وحده مرفوعاً، فلا أدري أوقع في هذا غفلة أم عمدًا، ومع ذلك فقد سلك طريقته المعهودة في التطاول على الشيخ بقوله: العلل لا ترد بمجرد زيادة الثقة مقبولة، بل أخذ هذا مطلقًا يقوض بنيان العلل كله. وأقول: إن الشيخ لم يكتف في تصحيح زيادة الرفع على مجرد أن راويها ثقة، وإنما لكونه ثقة، وقد توبع، وقد ورد ذكر الجمعة في حديث أبي هريرة في طرق من ¬

_ (¬1) وهو في العلل للدارقطني برقم (2774)، وفيه سقط كثير.

حديث أبي هريرة أورد ثلاثة منها الحاكم في مستدركه (1/ 291)، ثم قال: كل هؤلاء الأسانيد الثلاثة صحاح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولم يتعقبه الذهبي، ومع ذلك فقد تكلم الشيخ الألباني عن أسانيدها، وفندها، وبين عللها، ثم قال: أحسن طرقه رواية سفيان بن عيينة عند النسائي، فإنه لا علة فيها إن سلم من الشذوذ، وقد فاتت الحافظ، فلم يذكرها، فلعل هذا هو السبب في ترجيحه رواية الأوزاعي عليها، على أن هذا الترجيح وذاك إنما هو شكلي، لا يعطي الحديث حجة مع إعلال الأئمة له وترجيحهم للفظ الآخر عليه، وهو الذي ليس فيه ذكر الجمعة، وهو الذي تطمئن إليه نفس الباحث في طرقه، فإن جميعها ضعيفة بينة الضعف .. إلى آخر ما قال رحمه الله. فأين هذا من دعوى هذا المستدرِك المتطاول على أئمة هذا الشأن، والله المستعان. وقد ورد بإسناد ضعيف مرسلاً، أورده الحافظ في المطالب العالية من مسند مسدد برقم (721)، وهو مما يقوي احتمال ثبوته، والله أعلم. ***

الحديث رقم (62)

الحديث رقم (62) - الإرواء (3/ 93) رقم (626): حديث أبي سعيد في قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة. خلاصة رأي الألباني رحمه الله: صحيح مرفوعًا. ثم قال: الاستدراك: الحديث موقوف، ولا يصح مرفوعاً. ثم قال: حديث أبي سعيد أقوى ما ورد في سورة الكهف كما قال الحافظ، وهو موقوف، لا يثبت رفعه، لكن مثله لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع. الراجح عندي: صحته موقوفًا، وله حكم الرفع. والحديث رواه الحاكم (2/ 368)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير (3/ 249) من طريق نعيم بن حماد ثنا هشيم أنبأ أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس ابن عباد عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي بقوله: نعيم ذو مناكير. قلت: وتابعه يزيد بن مخلد عند البيهقي في فضائل الأوقات (279)، وفي الشعب (2445)، (3039)، ويزيد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن (459)، والدارمي (3407) من طريق أبي النعمان، والبيهقي في الشعب (2444) من طريق سعيد بن منصور. والخطيب في تاريخه (4/ 134 - 135) من طريق أحمد بن خلف البغدادي، وقال الخطيب: وهو شيخ غير مشهور عندنا.

(أبو عبيد، وأبو النعمان، وسعيد بن منصور، وأحمد بن خلف) أربعتهم رووه عن هشيم ثنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد موقوفًا، وهم أرجح ممن رفعه عن هشيم، ولذا قال البيهقي: هذا هو المحفوظ موقوف، ورواه نعيم بن حماد عن هشيم، فرفعه. ورواه النسائي في الكبرى (10788)، والطبراني في الأوسط (1455)، والحاكم (1/ 564)، والبيهقي في الشعب (2446)، (2754) كلهم من طريق يحيى بن كثير العنبري عن شعبة عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد مرفوعًا به. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث مرفوعًا عن شعبة إلا يحيى بن كثير. وليس كما قال، فقد تابعه عبد الصمد بن عبد الوارث عند البيهقي في الشعب (2754)، وذكر الشيخ عن الشوكاني في تحفة الذاكرين (93) عن الحافظ أن روح بن القاسم تابعه، ولذا رجح الشيخ صحته مرفوعًا. ورواه النسائي في الكبرى (10789) من طريق غندر، وذكر البيهقي (2754) أن معاذ بن معاذ تابعه عن شعبة موقوفًا. ورواه النسائي في الكبرى (10790)، ونعيم بن حماد ص (344)، والحاكم (1/ 564 - 565)، (4/ 511)، والبيهقي في الشعب (3038) كلهم من طريق الثوري بإسناده موقوفًا. وقال النسائي في الكبرى (9909) عقب رواية يحيى بن كثير: هذا خطأ، والصواب موقوف، خالفه محمد بن جعفر، فوقفه. قلت: وهو الظاهر، وإن كان للقول بصحته مرفوعًا وموقوفًا وجه. والحديث على فرض صحة الموقوف وخطأ الموفوع له حكم الرفع، وهذا ما

قرره الشيخ حيث قال: هو وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع، لأنه مما لا يقال بالرأي كما هو ظاهر، وهذا ما انتهى إليه المستدرِك، فلماذا الانتقاد؟!. وأما عن عدم ورود ذكر الجمعة في رواية شعبة وسفيان، فقال الشيخ رحمه الله ولا يخدج في الحديث أنه لم يرد فيه بهذا السند ذكر الجمعة، ما دام أنها وردت في السند السابق، وقد تبين من قوله في هذا اللفظ: "وَكانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" أن النور المذكور في اللفظ السابق ما بينه وبين البيت العتيق أو ذلك يوم القيامة فلا اختلاف بين اللفظين، والله أعلم. ***

الحديث رقم (63)

الحديث رقم (63) - الإرواء (3/ 96) رقم (629): حديث عبد الله بن السائب: شهدت العيد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى الصلاة قال: "إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. قال المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. الحديث رواه أبو داود (1155)، والنسائي (3/ 185)، وابن ماجه (1290)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (706)، وابن خزيمة (1462)، وابن الجارود في المنتقى (264)، والطحاوي في المشكل (3740)، والدارقطني في سننه (2/ 50)، والحاكم (1/ 295)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 301)، وابن حزم في المحلى (5/ 86)، والضياء في المختارة ج (9) رقم (358) - (360) كلهم من طريق الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله ابن السائب به. قال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ونقل الضياء عن النسائي قوله: هذا خطأ، والصواب مرسل. وقال أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (513): الصحيح ما حدثنا به إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ..... مرسل.

واستغربه ابن خزيمة وساق البيهقي بإسناده إلى ابن معين قال: عبد الله بن السائب الذي يروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم العيد هذا خطأ، إنما هو عن عطاء فقط، وإنما يغلط فيه الفضل بن موسى السيناني. يقول: عن عبد الله بن السائب، قال البيهقي: أخبرنا بصحة ما قاله، وساق بإسناده إلى قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء فذكره مرسلاً. والظاهر أن هؤلاء الأئمة أنكروا متن الحديث، وإلا فالذي يجري على القواعد الحديثية حمل الحديث على الوجهين، أعني مرسلاً، وموصولاً، فإن الفضل بن موسى من الثقات، وكذا هشام بن يوسف، ورواية قبيصة عن سفيان فيها مقال (¬1)، ولهذا قال ابن التركماني متعقبًا البيهقي في الجوهر النقي: الفضل بن موسى ثقة جليل، روى له الجماعة، وقال أبو نعيم: هو أثبت من ابن المبارك، وقد زاد ذكر ابن السائب، فوجب أن تقبل زيادته، ولهذا أخرجه هكذا مسنداً لأئمة في كتبهم: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والرواية المرسلة التي ذكرها البيهقي في سندها قبيصة عن سفيان، وقبيصة وإن كان ثقة إلا أن ابن معين وابن حنبل وغيرهما ضعفوا روايته عن سفيان، وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا تعلل بها رواية الفضل، لأنه سداد (¬2) الإسناد، وهو ثقة. انتهى. وقد استحسن ذلك الشيخ الألباني رحمه الله. فقال المستدرِك: قد اعتبر الشيخ الألباني هذا الكلام متينًا ونقدًا مبينًا، وكذلك غيره من المعاصرين، ورجحوه على كلام الأئمة المتقدمين، والصواب ¬

_ (¬1) وقد ضعفها المستدرِك بإطلاق ص (299) لما كان التضعيف على مراده، وفصل هنا في أمره، وقد بينت ذلك في الحديث رقم (59). (¬2) كذا في المطبوع، وفي الإرواء: لأنه زاد في الإسناد، وهو الأقرب للسياق.

خلاف ذلك. قلت: ليس هذا الترجيح قاصرًا على المعاصرين كما ادَّعاه، فالحديث صححه ابن الجارود، والحاكم كما سبق، وأخرجاه في كتابيهما، ولم يتعقب الذهبي الحاكم. وقال ابن حزم في المحلى: إن قيل: إن محمد بن الصباح أرسله عن الفضل بن موسى؟ (¬1). قلنا: نعم، فكان ماذا؟ المسند زائد علمًا لم يكن عند المرسل، فكيف وخصومنا أكثرهم يقول: إن المرسل، والمسند سواء؟!. وقد أورده ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام برقم (2587) في باب ما ضعفه عبد الحق، وهو صحيح أو حسن. فأين هذا مما ادعاه المستدرِك؟!. ... ¬

_ (¬1) لم أقف على هذه الطريق التي ذكرها ابن حزم، بل روايته عند أبي داود والطحاوي والدارقطني متصلة من طريق محمد بن الصباح.

الحديث رقم (64)

الحديث رقم (64) - الإرواء (3/ 100) تحت الحديث رقم (631): قال الشيخ رحمه الله: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. حسنه الشيخ. قال المستدرِك: الحديث ضعيف، وابن عقيل لا يحتج به، وقد تفرد بالحديث، وأشار إلى ضعف الحديث البزار وابن عدي. الراجح عندي: الحديث حسن. الحديث أخرجه ابن ماجه (1293)، وأحمد (1126)، (11355)، وابن أبي شيبة (3/ 8)، والبزار كما في كشف الأستار (652)، وابن خزيمة (1469)، وأبو يعلى (1347)، وابن عدي (4/ 129)، وابن المنذر في الأوسط (2191)، والحاكم في المستدرك (1/ 297)، والبيهقي في السنن الكبير (3/ 302) كلهم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء عن أبي سعيد به. وعبد الله بن محمد بن عقيل ضعفه كثير من الأئمة، فنقل المستدرك كلامهم على التفصيل، وقال أبو أحمد الحاكم: كان أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه يحتجان بحديثه، وليس بذاك المتين المعتمد، وقال الترمذي: صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل، قال محمد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث. قلت: وقد كنت أميل إلى كونه إلى الضعف أقرب، ثم ظهر لي أنه حسن

-مخالفة المستدرك للأمة المتقدمين والمتأخرين

الحديث ما لم يخالف، والله أعلم، وهذا ما انتهى إليه الذهبي في الميزان حيث قال: حديثه في مرتبة الحسن. وأما إيراد ابن عدي للحديث في كامله فليس صريحاً في تضعيفه إياه، ودعوى المستدرِك إشارة البزار لتضعيفه، فقد أخذه من قول البزار: لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، وقد سبقت أمثلة لقول البزار وغيره مثل ذلك لأحاديث في الصحيح، وسبق بيان مخالفته لطريقة عامة أهل العلم في ذلك، فلا حاجة لإعادته هنا. -مخالفة المستدرك للأمة المتقدمين والمتأخرين: وأَلحديث صححه ابن خزيمة، والحاكم، وقال: هذه سنة عزيزة بإسناد صحيح، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 69): إسناده جيد، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر، والبوصيري كما نقله الشيخ، ووفق الحافظ بينه وبين الأحاديث التي فيها نفي صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة العيد بأن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلى، وسبقه بذلك البيهقي حيث بوب: باب الإِمام لا يصلي قبل العيد وبعده في المصلى، فقيد النفي بالمصلى، وأوضح من ذلك وأخص تبويب ابن خزيمة حيث احتج به على الحكم بالاستحباب فقال: باب استحباب الصلاة في المنزل بعد الرجوع من المصلى، ومثله ابن المنذر في الأوسط، وعارض كل هؤلاء هذا المستدرِك، وابن المنذر، وابن خزيمة، والحاكم من المتقدمين، فمن الذي يخالف المتقدمين إذًا؟!. ***

الحديث رقم (65)

الحديث رقم (65) - الإرواء (3/ 105) رقم (638): قال عمر: صلاة العيد والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وقد خاب من افترى. خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح على شرط الشيخين، فإن ابن أبي ليلى قد سمع عمر - رضي الله عنه - على الأصح، ثم قال: الاستدراك: الحديث سنده منقطع، أعلَّه بذلك ابن معين والنسائي وغيرهما. الراجح عندي: إسناده منقطع. الحديث قد خرجت طرقه، وتكلمت عليها في تخريج منتخب عبد بن حميد (29)، وملت فيه إلي ترجيح قول من ذهب إلي كونه منقطعا، والمسألة محل اجتهاد بين الأئمة، فقد رواه جماعة عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر، ورواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر. فذهب أبو حاتم، والبزار، والدارقطني إلي ترجيح رواية من رواه عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر. وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 296): من أهل الحديث من يعلله، ويضعفه، ومنهم من يصحح إسناد يزيد بن أبي الجعد هذا فيه، قال علي بن المديني: هو أسندها، وأحسنها، وأصحها. فلا أدري: هل يمكن لهذا المستدرك أن يدعي أن علي بن المديني من المتأخرين، ويشنع عليه كما أكثر التشنيع علي إمام محدثي عصرنا أم ماذا؟!!!.

وعلى القول بترجيح رواية زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر كما هو الظاهر -فإن الأئمة اختلفوا في سماع ابن أبي ليلى من عمر، فقال مسلم في مقدمة صحيحه ص (34): وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى- وقد حفظ عن عمر بن الخطاب، وصحب عليًّا- عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً. وصحح الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، فأين هذا من دعوى المستدرِك مخالفة الشيخ الألباني لمنهج المتقدمين في التصحيح والتضعيف؟!. ***

الحديث رقم (66)

الحديث رقم (66) - الإرواء (3/ 122) رقم (602) ذكر أثرًا عن ابن عمر موقوفًا، وهذا لا إشكال فيه، ثم ذكر أنه يصح أيضاً مرفوعًا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى. قال المستدرِك: خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: الحديث صحيح عندي موقوفًا، ومرفوعًا، ثم قال: الصواب أن الحديث ضعيف مرفوعًا، صحيح موقوفًا، كما قال البيهقي. الراجح عندي: كون الحديث ضعيفًا. الحديث قواه الشيخ رحمه الله من الطريق الموصولة التي عند البيهقي، وفي إسنادها عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف بوروده من طريق مرسلة عند ابن أبي شيبة عن الزهري، والبيهقي إنما ضعف الطرق المرفوعة عن ابن عمر، فلا معارضة بين ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله وبين ما ذهب إليه البيهقي من كون المحفوظ عن ابن عمر الموقوف، وأما مرسل الزهري، فرواه ابن أبي شيبة (3/ 12): حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر، فيكبر حتى يأتي المصلي، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 13) بالإسناد نفسه موقوفًا على الناس في زمانه: حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى، وحتى يخرج الإِمام، فإذا خرج الإِمام، سكتوا فماذا كبَّر كبَّروا.

- طعن شديد من المستدرك في الشيخ الألباني رحمه الله

وهذه الرواية تعل المرفوعة، والشيخ له اجتهاده، والله الموفق للصواب. - طعن شديد من المستدرك في الشيخ الألباني رحمه الله: قال المستدرك: تنبيه: لما ذكر الشيخ الألباني حديث العمري قال بعده: وقال البيهقي: هذا أمثل من الوجه المتقدم. قال المستدرك: وفي صنع الشيخ إيهام شديد، لأن الحافظ البيهقي يضعف هذا الحديث مرفوعاً. قلت: أي إيهام في ذلك، فإن نقل الشيخ عن البيهقي لا يعني أن البيهقي يقوي هذا الإسناد، فكيف إذا نقل الشيخ حكم البيهقي علي الحديث عن ابن عمر حيث نقل قوله: الحديث المحفوظ عن ابن عمر من قوله. فأي بيان لرأي البيهقي أوضح من هذا؟، فضلاً عن أن يكون إيهامًا، فضلاً عن أن يكون إيهامًا شديدًا؟ فلماذا هذه المحاولات لتشويه صورة هذا الإمام؟!. ***

الحديث رقم (67)

الحديث رقم (67) - الإرواء (3/ 142) رقم (676): حديث: عبد الله بن زيد: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استسقى أطال الدعاء، وأكثر المسألة، قال: ثم تحول إلي القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهرًا لبطن، وتحول الناس. الحديث قد تراجع عنه الشيخ، فلا وجه لاستدراكه. فقد حسَّنه الشيخ رحمه الله، فقال المستدرِك: حديث عبد الله بن زيد أصله في البخاري ومسلم، فهو ثابت بلا إشكال، لكن الاستدراك منصب علي قوله: وتحول الناس معه، فهذه اللفظة لم أجدها في مسند أحمد، وقد عزاه الشيخ الألباني إليه، وقد تتبعت رواية [كذا] الحديث كلها في مسند أحمد، ولم أجد هذا اللفظ. انتهى كلام المستدرِك. قلت: رواه أحمد برقم (16465)، فلماذا يعتلي سدة الانتقاد على أئمة هذا الشأن إذا كان لا يزال على هذا الحال من القصور؟!!!. قلت: ولهذا الحديث طرق كثيرة لم أقف في شيء منها على هذا اللفظ، فهو خطأ. قلت: قد تراجع الشيخ رحمه الله عن تحسينه لهذا الحديث، فقد قال في تمام المنة ص (264): ذكر تحول الناس معه شاذ كما حققته في سلسلة الأحاديث الضعيفة (5629)، فهل تعجل هذا المستدرِك بأخذ حكم الشيخ على الحديث من مصدر واحد دون الرجوع إلي سائر المصادر التي تكلم فيها الشيخ على الحديث، أم أنه وقف على تراجع الشيخ، وأخفاه؟!!. ***

الحديث رقم (68)

الحديث رقم (68) - الإرواء (3/ 145) رقم (682): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَاتِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح، وله شواهد. قال المستدرِك: ضعيف، وشواهده لا تقويه. الراجح عندي: صحيح بمجموع طرقه، وصححه جمع من الأئمة. الحديث رواه النسائي (4/ 4)، والترمذي (2307)، وابن ماجه (4258)، وابن المبارك في الزهد في الزيادات من طريق نعيم بن حماد (146)، وابن الأعرابي في معجمه (371)، وابن حبان (2992)، (2994)، (2995)، والقضاعي في الشهاب (669)، والبيهقي في الزهد الكبير (691)، والخطيب في تاريخ بلده (9/ 469 - 470)، وابن عساكر في تاريخه (54/ 135 - 136) كلهم من طريق الفضل بن موسى السيناني. ورواه النسائي (4/ 4)، وأحمد (7925)، وابن أبي شيبة (12/ 159)، والخطيب في تاريخه (1/ 384)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1479)، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 320) كلهم من طريق يزيد بن هارون عن محمد ابن إبراهيم والد أبي بكر بن أبي شيبة. ورواه الحاكم (4/ 321) من طريق يزيد بن هارون أنبأ محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به. والظاهر أنه قد سقط من الإسناد ذكر محمد بن إبراهيم، وإلا فرواية الجماعة أصح.

ورواه الطبراني في الأوسط (8560)، والقضاعي في الشهاب (670)، والبيهقي في الشعب (10560)، والرافعي في التدوين (2/ 282) من طريق عيسى بن إبراهيم البركي ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد العزيز بن مسلم إلا عيسى بن إبراهيم. قلت: الأمر ليس كما قال رحمه الله، فقد رواه ابن حبان (2993)، والقضاعي في الشهاب (668)، وابن عساكر (36/ 30) من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي، وهو ثقة، عن عبد العزيز بن مسلم به، وهذا وغيره يدل على أن الأئمة المتقدمين تفوتهم بعض طرق الحديث التي تؤثر في صحته خلافًا لما يظنه هؤلاء المتطاولون على الأئمة، والله المستعان. ورواه ابن عدي (5/ 222)، والبيهقي في الشعب (10559)، وفي الزهد (0 69)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (1/ 283)، وابن عساكر في تعزية المسلم (54) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1479) من طريق العلاء بن محمد ابن سيار، وهو ضعيف. ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1479) من طريق معاذ بن أسد. وابن عساكر (51/ 4) من طريق حماد بن سلمة، وفي الإسناد محمد بن الحسن الأسدي، وهو صدوق فيه لين، وتابعه يعلى بن عباد (¬1)، وزاد الدارقطني ¬

_ (¬1) قاله الدارقطني في علله، وقد أخطأ المستدرك حيث جعل يعلي بن عباد راوياً عن محمد ابن عمرو.

فيمق أخرجه موصولاً: سليم بن أخضر، وعبد الرحمن بن قيس الزعفراني. وعليه فرواه (الفضل بن موسى، ومحمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن مسلم، وحماد بن سلمة، وسليم بن أخضر، ومعاذ بن أسد، والعلاء بن محمد، وعبد الرحمن بن قيس) ثمانيتهم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به. ورواه ابن أبي شيبة (12/ 159): حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة فذكره مرسلاً. قال الدارقطني: ورواه أبو أسامة وغيره عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلاً، والصحيح المرسل. قال المستدرك: لله دره، ما أدق نظره وأحسنه!. وأقول: دقة نظر الدارقطني وحسنه مما لا خلاف فيهما، فهو أمير المؤمنين في الحديث، لكن ما صلة هذا بحكم الدارقطني في هذا الحديث، دعونا ننظر ما تفسير هذه الصلة من كلام المستدرك العظيم حيث قال: عن كلامه (يعني الدارقطني) يتوافق مع ما ذكره الأئمة عن أبي أسامة ومحمد بن عمرو -كما سيأتي- مما يدل على صحة ما ذهب إليه، وفيما يلي كلام الأئمة عن أبي أسامة ومحمد بن عمرو: أولاً: قال الإِمام أحمد عن أبي أسامة: كان ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطئ، وقال أيضًا: كان أبو أسامة (¬1) صحيح الكتاب، ضابطًا للحديث، كيِّسًا صدوقًا. ثانيًا: قال ابن معين عن محمد بن عمرو: كان يحدث مرة عن أبي سلمة ¬

_ (¬1) ترك المستدرِك قبل (أبو أسامة) كلمة (كان)، والسياق بحاجتها.

بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قلت: إن من له أدنى صلة بهذا العلم الشريف ليعلم أن الاختلاف وقع بين الرواة عن محمد بن عمرو بن علقمة، فالمقارنة تقع بينهم بعضهم البعض، ولا يجوز، ولا يتصور أن تعقد المقارنة بين محمد بن عمرو، وبين أحد الرواة عنه، وهو ما صنعه هذا المستدرِك، حيث قارن بين أبي أسامة، وهو أحد الرواة عن محمد بن عمرو، وبين محمد بن عمرو، ثم خرج من هذه المقارنة بقوله: وبهذا يتبين أن رواية أبي أسامة ومن معه أرجح من رواية الآخرين، وهذا مما لا يقضى منه العجب، ثم قفز بعد هذه النتيجة ليتكلم عن المخالفين لأبي أسامة بقوله: لا سيما وفيهم أناس لا قيمة لروايتهم مطلقا كالعلاء بن يسار (¬1)، ومما يثير الغبار عليه أيضاً أنه لم يذكر شيئًا عن الرواة عن محمد بن عمرو الذين رووه موصولاً، ففيهم من الثقات: الفضل بن موسى، وعبد العزيز بن مسلم، ومحمد بن إبراهيم، وحماد بن سلمة أربعتهم ثقات، خالفهم محمد بن بشر، وهو ثقة حافظ، وأبو أسامة، وهو ثقة ثبت، ويدلس، ولا ندري هل صرح بالتحديث أم لا؟ والأربعة الثقات أرجح من الاثنين، فكيف إذا تابع الأربعة: سليم بن أخضر والعلاء بن محمد؟! فالقواعد الحديثية تقتضي ترجيح رواية الجماعة، وهو الواجب اتباعه دون تقليد الدارقطني، وترد تضخيم كلامه الذي يعارض ما تقتضيه القواعد الحديثية، وقد عارض الدارقطني في حكمه إمامان أقدم منه، وهما الترمذي حيث قال: هذا حديث حسن غريب، وابن حبان حيث صححه، وصححه الحاكم، ولم يتعقبه ¬

_ (¬1) كذا قال، وهو خطأ، والصواب: سيار، وقد كتبه كذلك قبل ذلك مما يدل على أن الخطأ منه، والعلاء ضعيف فقط، وليس واهيًا كما ادعى.

الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (730): صححه ابن حبان، والحاكم، وابن السكن، وابن طاهر، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 181)، وأورده ابن رجب في لطائف المعارف ص (101) محتجًّا به. فهل يرد قول هؤلاء الأئمة الموافق للقواعد الحديثية إلا حريص على الهدم؟!، وأما ابن الجوزي، فقال في العلل المتناهية: هذا حديث لا يثبت، ومداره على محمد بن عمرو الليثي، قال يحيى بن معين: ما زال الناس يتقون حديثه. قلت: هذا مما يؤخذ على ابن الجوزي رحمه الله، واشتهر به في كتبه حيث ينقل بعض الأقوال التي فيها الجرح دون التعديل، فقد قال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين نفسه قوله عن محمد بن عمرو: ثقة، والصواب في أمره ما قاله الذهبي في الميزان: شيخ مشهور، حسن الحديث، مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قد أخرج له الشيخان متابعة، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، له أوهام. وللحديث شواهد أحسنها حديث ابن عمر، رواه ابن الأعرابي في معجمه (370)، والطبراني في الأوسط (5780)، وابن جميع في معجمه ص (244 - 245)، والقضاعي في الشهاب (671)، والبيهقي في الشعب (10558) كلهم من طريق منجاب بن الحارث ثنا أبو عامر الأسدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بنحوه. ورجاله ثقات غير أبي عامر الأسدي روى عنه ثقتان، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحًا، ولا تعديلاً، فمثله صالح في المتابعات، وأما المستدرك فأمره في مسألة التفرد معروف، وقد مضى بيان غلوه فيه بما لا حاجة لإعادته. وله شاهد من حديث أنس: أخرجه البزار (6987)، والطبراني في الأوسط

(691)، وأبو نعيم في الحلية (252/ 9)، والبيهقي في الشعب (827)، (4833)، والضياء في المختارة ج 5 رقم (1701)، (1702)، وابن عساكر في تعزيهَ المسلم (55) كلهم من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً به، وفيه قصة. قال البزار: هذا الحديث لا نعلم رواه عن حماد بن سلمة إلا مؤمل. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا حماد، تفرد به مؤمل. والظاهر أن أبا حاتم كان يحسب أن مؤملا تفرد به كالبزار والطبراني، فقد قال في العلل لابنه (1883): هذا حديث باطل، لا أصل له. فنقل المستدرِك كلام الأئمة الذين ضعفوا مؤمل بن إسماعيل، ثم قال: وإذا قرأ الإنسان كلام الحفاظ في مؤمل عرف لماذا حكم أبو حاتم على الحديث بأنه باطل. قلت: لو علمت أن مؤملاً قد توبع لما قلت هذا إن كنت تريد الحق، فقد تابعه عبد الأعلى بن حماد النرسي، وهو ثقة عند البيهقي في الشعب (826)، والخطيب في تاريخه (12/ 72 - 73). وللحديث شاهد عند ابن المبارك في الزهد (145) من مرسل زيد بن أسلم، وله طرق أخرى ضعيفة، والحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد مضى تصحيح الأئمة له، ومنهم متقدمون كما سبق، فلا صلة له بدعوى المستدرك مخالفة الشيخ للمتقدمين، والله المستعان. ***

الحديث رقم (69)

الحديث رقم (69) - الإرواء (3/ 160) رقم (700): قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "لَوْ مُتِّ قَبْلي لَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: قوله: "لَغَسَّلْتُكِ" لا يثبت، وهو الشاهد. الراجح عندي: الحديث صحيح. الحديث رواه النسائي في الكبرى (7079) وابن حبان (6586)، والبيهقي (3/ 396)، من طريق عمرو بن هشام، وأحمد بن حنبل (25908)، ومن طريقه ابن ماجه (1465)، والدارقطني (2/ 74)، وابن أبي أخي ميمي في الفوائد (139)، وابن الجوزي في التحقيق (859). والدارمي (80) من طريق الحكم بن المبارك. والدارقطني من طريق أحمد بن عبد الملك بن واقد. والبيهقي من طريق أحمد بن بكار (عمرو بن هشام، وأحمد بن حنبل، والحكم ابن المبارك، وأحمد بن عبد الملك بن واقد، وأحمد بن بكار) خمستهم رووه عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة به. وخالفهم محمد بن أحمد الصيدلاني، فرواه عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يعقوب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عروة عن عائشة. ورواية الجماعة أرجح لكونهم أكثر، ولأن محمد بن سلمة توبع على هذا الوجه، فقد رواه البيهقي في الدلائل (7/ 168 - 170)، من طريق يونس بن بكير

عن ابن إسحاق قال: حدثنا يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة بنحوه. وفي هذا الإسناد تصريح ابن إسحاق بتحديث يعقوب له، فأمنا تدليسه، وكذلك ورد التصريح بالتحديث كما في السيرة النبوية لابن هشام (4/ 218). ورواه الطبري في تاريخه (3/ 188 - 189): وحدثنا ابن حميد قال حدثنا علي ابن مجاهد قال حدثنا ابن إسحاق فذكره بإسناده. وعلي بن مجاهد متروك، وابن حميد ضعيف. ورواه أبو يعلى (4579): حدثنا جعفر بن مهران حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة بنحوه. وجعفر بن مهران روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، فإن كان حفظه، فهو محمول على أن ابن إسحاق سمعه من يعقوب، ومن الزهري، وإلا فالرواية الأولى أرجح. قال المستدرك: قال ابن الجوزي فإن قيل: وقد روى هذا الحديث البخاري في صحيحه، فقال فيه: "قُلْتُ: وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ: ذَلِك لَو كَانَ وَأَنا حَيٌّ؛ فَأَسْتَغْفِر لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، ورواه صالح بن كيسان عن الزهري، فقال فيه: "وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ، وَدَفَنْتُكِ"، ولم يقل: "غَسَّلْتُكِ" إلا محمد بن إسحاق، وقد كذبه مالك. قال المستدرك: ثم شرع في الجواب عن ذلك بما خلاصته أن ابن إسحاق ثقة صدوق. قلت: لم يذكر من كلام ابن الجوزي في ابن إسحاق إلافي نقل من تكذيب

مالك له، ومالك هو مالك، فكيف إذا كذب أحد الرواة، فمهما يكن من عارض مالكًا، أيمر تكذيبه بلا أثر؟!، كلا، فإذا علم أن ما كان بين مالك وابن إسحاق هو ما يكون بين الأقران علم الموقف الصحيح من كلام بعضهم في بعض، وقال الشافعي رحمه الله: كنت عند مالك، فقيل له: إن ابن إسحاق يقول: اعرضوا على علم مالك، فإني بيطاره، فقال مالك: انظروا إلي دجال من الدجاجلة، فتبين بهذه القصة سبب قول مالك فيه ذلك، وكذلك كلام هشام بن عروة، وقابل ذلك قول شعبة فيه، وشعبة معروف بالتشدد، قال: محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، وفي رواية عن شعبة، فقيل له: لم؟ قال: لحفظه، وفي رواية عنه: لو سود أحد في الحديث لسود محمد بن إسحاق، والظاهر أن خلاصة أمره ما قاله الحافظ في التقريب أنه صدوق، يدلس. قال المستدرك: لو كان ابن إسحاق ثقة لما نفع توثيقه هنا شيئًا، لأن أصح هذه الأسانيد إسناد البخاري مع ما في ابن إسحاق من كلام معروف، لا سيما في أحاديث الأحكام، وإذا كان في ابن إسحاق ضعف، لا سيما في أحاديث الأحكام، وقد خالف من هو أوثق منه، فهذا دليل على خطئه، وعدم ضبطه للحديث. وأقول: من المعلوم أن من شرط تعليل الروايات بعضها ببعض أن يتحد مخرجها، وليس الأمر كذلك هنا، فرواية البخاري من طريق القاسم بن محمد عن عائشة، ورواية محمد بن إسحاق من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، فلا يعارض بين الروايتين مع اختلاف مخرج الحديث كما هو مقرر في هذا العلم الشريف، ولعله لذلك لم يذكر المستدرك من خالف ابن إسحاق، ولئن كان كذلك فالأمر خطير، والله المستعان. قال المستدرِك: وقد ذهب الشيخ الألباني إلى أن رواية صالح بن كيسان تشهد لرواية ابن إسحاق نقلاً عن ابن حجر.

قال الألباني: فقول صالح بن كيسان في رواية: "فَهَيَّأْتُكِ" نص عام يشمل كل ما يلزم الميت قبل الدفن من الغسل والكفن والصلاة، فهو بمعنى قول ابن إسحاق في روايته: "فَغَسَّلْتُكِ، وَكفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ"، فالحديث بهذه المتابعة صحيح. قال المستدرك: وهذا غير صحيح مطلقًا، وسبق أن بينت أنه من الخطأ التوسع في إثبات شواهد للأحاديث بعموم المعنى المشترك بين اللفظين، لأن أفهام الناس تختلف، ولذلك يقول الزيلعي معلقًا على لفظ: "فَغَسَّلْتُكِ" وهذا ليس فيه حجة، فإن اللفظ لا يقتضي المباشرة، فقد يأمر بغسلها، فإذا كان الزيلعي يقول ذلك في لفظ: "غَسَّلْتُكِ"، فماذا سيقول في لفظ: "هَيَّأْتُكِ"؟ (¬1). وأقول: لا يخفى على أحد أن الزيلعي رحمه الله صرف النص عن ظاهره، كما يصنع المعطلة في نصوص الصفات نصرة لمذهبه الحنفي، فاستشهاد المستدرك بكلامه مما لا يفعله منصف، وكذلك لفظة: "هَيَّأْتُكِ"، لا أظن منصفًا يفهم من التهيئة قبل الدفن سوى ما ذكره الشيخ رحمه الله، وهو ما فهمه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 208) حيث قال: بل تابعه عليه صالح بن كيسان الإِمام الثقة من غير ريب، وكذا الحافظ ابن حجر كما سبق. والحديث صححه ابن حبان وهو من المتقدمين، وقد خالفه المستدرِك، فمن الذي يخالف الأئمة المتقدمين إذًا؟!!!. ... ¬

_ (¬1) رواه النسائي في الكبرى (7081)، وأحمد (25113)، وابن حبان (6598) وغيرهم.

الحديث رقم (70)

الحديث رقم (70) - الإرواء (3/ 169) رقم (716): حديث المغيرة: "السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: الحديث صحيح. الحديث رواه النسائي (4/ 55 - 56، 56)، والترمذي (1031)، وابن ماجه (1481) (¬1)، (1507)، وأحمد (18162)، وابن أبي شيبة (4/ 460، 521 - 522)، وابن المنذر في الأوسط (3047)، (3094)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 508)، وابن حبان (3049)، والطبراني في الكبير ج (20) رقم (1045)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (333)، (1046)، والحاكم (1/ 355، 363)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 97 - 98)، وفي الاستذكار (8/ 224)، وابن حزم في المحلى (5/ 158) والبيهقي في السنن الكبير (4/ 8) كلهم من طريق سعيد بن عبيد الله الثقفي. ورواه النسائي من طريق المغيرة بن عبيد الله مقرونًا بأخيه سعيد. ورواه أحمد (18174)، والطيالسي (736)، (737)، وابن الجوزي في التحقيق (864) من طريق المبارك بن فضالة (سعيد بن عبيد الله الثقفي، وأخوه المغيرة، والمبارك) ثلاثتهم رووه عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة ¬

_ (¬1) وفي هذا الموضع لم يقل فيه عن زياد بن جبير: (عن أبيه)، وفي الموضع الثاني بالإسناد نفسه ذكر فيه: (عن أبيه)، فالظاهر أن الوهم فيه من ابن ماجه نفسه، والله أعلم.

-مجازفة للمستدرك

مرفوعًا به. وسعيد ثقة من رجال البخاري، وأخوه المغيرة قال في التقريب: مقبول، والمبارك بن فضالة قال في التقريب: صدوق يدلس، ويسوي، وقد صرح بالإخبار بينه وبين شيخه، وبين شيخه وشيخ شيخه، فأمنا تدليسه. ورواه أبو داود (3180)، وأحمد (18181)، وعبد الر زاق (6602)، وابن أبي شيبة (4/ 522 - 523)، وابن المنذر في الأوسط (3093)، (3095)، والطبراني في الكبير ج (20) رقم (1042)، (1043)، (1044)، والحاكم (1/ 363)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 8، 24 - 25)، وفي المعرفة (5/ 272)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 97)، وابن حزم في المحلى (5/ 159) من طرق عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة به. وقد اختلف الرواة عن يونس، فمنهم من رواه موقوفًا، ومنهم من شك في رفعه ووقفه، ومنهم من رواه مرفوعًا. ويونس وإن كان ثقة ثبتًا إلا أن رواية الجماعة أولى بالصواب، خاصة مع اختلاف الرواة على يونس، وهذا الذي تقتضيه القواعد الحديثية. -مجازفة للمستدرك: وأما المستدرِك فقال: ويونس أثبت من أولئك الثلاثة بمراحل، وهو إمام في العلم والورع. قلت: هذه مجازفة يعرفها من له أدنى معرفة بهذا الشأن، فالثلاثة: أحدهم سعيد، وهو ثقة، ومبارك بن فضالة صدوق، والمغيرة مقبول كما قال الحافظ، وقد اختلف على يونس في رفعه ووقفه، وإن كان الراجح عنه الموقوف، إلا أن الاختلاف يؤثر، فيمكن أن يقال: إن الحديث محفوظ على الوجهين، وإلا فالمرفوع

-تقول المستدرك على أهل العلم ما لم يقولوه

أرجح. قال المستدرك: هذا الحديث ضعيف مرفوعًا، صحيح موقوفًا على المغيرة، وممن ذهب إلي ذلك من الأئمة: الدارقطني، ورواه الطبراني موقوفًا على المغيرة، وقال: لم يرفعه سفيان، وأعل الحديث أيضًا ابن حزم. قلت: أورد الدارقطني الحديث في علله (1258)، وقال: يرويه زياد بن جبير عن أبيه، واختلف عنه: فرواه سعيد بن عبيد الله الثقفي الجبيري، وأخوه المغيرة ابن عبيد الله عن زياد بن جبير مرفوعًا. ورواه يونس بن عبيد عن زياد بن جبير، واختلف عنه، فرفعه عبد الله بن بكر المزني عن يونس. ورواه قبيصة عن الثوري عن يونس، فشك في رفعه، ووقفه الباقون عن يونس إلا أن ابن علية وعنبسة بن عبد الواحد قالا: عن يونس وأهل زياد يرفعونه (¬1)، قال يونس: وأما أنا فلا أحفظ رفعه. -تقوُّل المستدرك على أهل العلم ما لم يقولوه: قلت: فأين ما ادعاه من تضعيف الدارقطني للمرفوع أو ترجيح الموقوف، وقصارى ما يفهم من كلامه -وليس صريحًا- أن يقال: إنه يرجح الوقف من طريق يونس فقط، وهو الذي ينبغي حمل نقل الحافظ في التلخيص عنه في ذلك عليه، وأما نقله عن الطبراني: لم يرفعه سفيان، فأقول: فكان ماذا؟ ورواية سفيان عن يونس، فلو فهم من ذلك ترجيحه رواية سفيان على رواية غيره، فإن هذا الحكم منه في الاختلاف على يونس، لا على زياد بن جبير، فهل هذا ¬

_ (¬1) وأهل الرجل أعرف بروايته من غيرهم.

إلا تقول على أهل العلم ما لم يقولوا؟! وأوضح من ذلك، بل هو كذب محض قوله: وأعل الحديث أيضًا ابن حزم، وأحال على المحلى (5/ 158). قلت: قرأت الموضع الذي ذكره كلمة كلمة، فلم أظفر بشيء مما ادعاه، بل ساق الحديث ابن حزم محتجا به، وهذا يدل على تصحيحه له خلافًا لما ادعاه، فهل يوثق بكلامه بعد ذلك؟!!!، وإلى متى يتكلم هؤلاء في العلم الشرعي؟!!!. ومع كونه لم يسلم له نقل في تضعيف أحد من الأئمة للحديث، فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان، والحاكم، واحتج به ابن حزم، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 235): قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وأقره عليه الشيخ تقي الدين القشيري في آخر كتابه "الاقتراح"، يعني ابن دقيق العيد، ولم يتعقبه الذهبي، فمن الذي يخالف الأئمة في التصحيح والتضعيف المتقدمين وغيرهم؟!!!. ***

الحديث رقم (71)

الحديث رقم (71) - الإرواء (3/ 170) رقم (717): حديث علي أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِرِ". خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين غير ناجية بن كعب، وهو ثقة، كما في التقريب. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا. الحديث رواه أبو داود (3214)، والنسائي (1/ 110)، وأحمد (759)، (1093)، والشافعي في المسند (102)، والطيالسي (122)، وعبد الرزاق (¬1) (9936)، وابن أبي شيبة (4/ 441 - 442)، (11/ 143)، وابن سعد (1/ 124)، وأبو يعلى (423)، وابن الجارود في المنتقى (550)، وابن المنذر في الأوسط (2952)، والدارقطني في علله (4/ 146)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (230)، والبيهقي في السنن الكبير (1/ 304)، (3/ 398)، وفي دلائل النبوة (2/ 348 - 349)، وفي المعرفة (136/ 2)، وابن حزم في المحلى (5/ 117)، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 632)، وابن عساكر (70/ 247 - 248)، والضياء في المختارة (745) - (747)، وابن الجوزي في التحقيق (863)، والمزي في تهذيب الكمال (29/ 257 - 258)، والذهبي في السير (7/ 384 - 385) من طرق عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي به. ¬

_ (¬1) سقط من إسناده عنده ذكر أبي إسحاق.

قال البيهقي: ناجية بن كعب الأسدي لم تثبت عدالته عند صاحبي الصحيح، وقال علي بن المديني: لا نعلم أحدًا روى عن ناجية غير أبي إسحاق. قلت: أما ابن المديني فكان لا يعرفه، ولذا فإن الذهبي لما ذكر قوله السابق رده بقوله: بلى، وولده يونس بن أبي إسحاق. قلت: وروى عنه ثلاثة رواة آخرون، فقول من عرفه هو المعتبر، وقال الجوزجاني: مذموم، وهذا لكونه من أهل الكوفة، وغلو الجوزجاني في جرح أهل الكوفة معلوم، فلا أثر لذلك على روايته، وأما ابن حبان فقد لخص الذهبي حكمه عليه بقوله: توقف ابن حبان في توثيقه، وقواه غيره، ثم ذكر قول ابن معين: صالح الحديث، وقول أبي حاتم: شيخ، ووثقه العجلي، وقال ابن التركماني: ولم يذكره ابن عدي في كامله، فهو عنده إما ثقة أو صدوق على مقتضى شرطه. قلت: فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث، فالإسناد حسن، وقد صححه ابن الجارود. ورواه الطبراني في الأوسط (5490) من طريق زياد بن الحسن بن الفرات القزاز قال: حدثني أبي قال: نا جدي فرات القزاز عن ناجية، فذكره، وفيه رد لقول ابن المديني. وللحديث طريق آخر عن علي، أخرجه أحمد (807)، وابنه في زيادات المسند (1074)، وأبو يعلى (424)، والبيهقي (1/ 304 - 305)، والضياء في المختارة (656)، (657) كلهم من طريق الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت السدي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي فذكره بنحوه. قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذا سند حسن، رجاله رجال مسلم غير الحسن هذا، فإنه صدوق يهم كما في التقريب.

-خطأ قبيح لمحققي مسند أحمد، وتبعهم فيه المستدرك

-خطأ قبيح لمحققي مسند أحمد، وتبعهم فيه المستدرك: قال المستدرك: هذا الطريق ضعفه الإِمام أحمد، نقله البيهقي في السنن عنه، وضعفه أيضًا ابن عدي، واعتبره منكر [كذا]. قلت: ما ضعفه أحمد، ولا نقل ذلك أحد عنه، وإنما المقصود بالإمام أحمد في سنن البيهقي هو البيهقي نفسه، وقد وقع في هذأَ الخطأ محققو المسند، فتبعهم هذا المستدرك، وقد بيَّن ذلك ابن التركماني، فقال: قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر ضعيف عن علي، ثم أسنده، وفيه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي، ثم ذكر عن ابن عدي أنه قال: الحسن بن يزيد الكوفي ليس بالقوي، وحديثه عن السدي ليس بالمحفوظ. قال المستدرك: علته الحسن بن يزيد الأصم، فإنه وإن كان لا بأس به، فإن حديثه عن السدي بالذات منكر. -وهم عجيب للمستدرك: قلت: لم يذكر ابن عدي كلمة (بالذات) ولا ما في معناها، وإنما توهَّمها هذا المستدرِك، بل لم يذكر ابن عدي أحداً روى عنه الحسن غير السدي، وكذلك كل من ترجم له، إلا الذهبي في الميزان قال: عن السدي وغيره، ولم يسم أحدًا، ولم يذكر المزي أحدًا روى عنه سوى السدي مع سعة اطلاعه، واستيعابه في الغالب، وهذا يدل على أن ابن عدي إنما طعن في رواية الحسن بن يزيد، لا في خصوص روايته عن السدي كما فهم هذا المستدرك، وكثيرًا ما يقع الناشئون في مثل هذا، وقد عارض ابن التركماني طعن ابن عدي في الحسن، فقال: الحسن هذا قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: ثقة، ليس به بأس، إلا أنه حدث عن السدي عن أوس بن ضمعج، وقال أبو زرعة: سألت ابن معين عنه،

فقال: لا بأس به، كان ينزل الرصافة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، سئل ابن معين عنه، فأثنى عليه خيرًا، ذكر ذلك كله المزي في كتابه، وفي الميزان: وثقه ابن معين والدارقطني. قلت: فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث، وقد أورده الدارقطني في علله (475)، وقال: المحفوظ قول الثوري وشعبة ومن تابعهما عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي، وكذلك رواه فرات القزاز عن ناجية بن كعب أيضًا. وأورد الطريق الثاني في علله أيضًا رقم (484)، وأورد خلافًا لهذه الطريق، ثم قال: القول الأول أصح يعني هذا الطريق السابق ذكره. وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 238): هذه أسانيد جيدة، وقال: قال الإِمام الرافعي في كتاب "الأمالي الشارحة لمفردات الفاتحة": إنه حديث ثابت مشهور. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (754) بعد ذكره تضعيف البيهقي له: ولا يتبين وجه ضعفه. قلت: فتضعيف البيهقي مرجوح، ولعله قد بان أن المستدرِك يتلقف ما يعارض الشيخ، وإن كان قولاً ضعيفًا، والله المستعان. ***

الحديث رقم (72)

الحديث رقم (72) - الإرواء (3/ 186) وقم (739): حديث ابن عمر: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الجنَازَةِ. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرك: معلول. الراجح عندي: الحديث صحيح. الحديث رواه أبو داود (3179)، والنسائي (4/ 56)، والترمذي (1007)، وابن ماجه (1482)، وأحمد (5439)، والحميدي (607)، وأبو مسهر في جزئه (8)، والطيالسي (1926)، وابن أبي شيبة (4/ 454)، والبزار (5999)، وأبو بكر الأموي في مسند أبي بكر (142)، وأبو يعلى (5421)، (5482)، (5532)، والروياني (1388)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 479)، وابن المنذر في الأوسط (3035)، وابن حبان (3045)، (3046)، (3047)، وأبو عمرو السمرقندي في الفوائد المنتقاه (9)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (327)، والدارقطني في سننه (2/ 70)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 308)، وفي أخبار أصبهان (1/ 170)، (2/ 109)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 23)، وفي الصغير (1056)، وفي المعرفة (5/ 268)، والخليلي في الإرشاد ص (79)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 85 - 87)، والخطيب في تاريخه (12/ 492)، والبغوي في شرح السنة (1488)، وابن عساكر (6/ 329 - 330)، (7/ 143) من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعًا به. وقد توبع ابن عيينة على رواية الحديث مرفوعًا موصولاً:

فرواه النسائي (4/ 56)، والترمذي (1008)، والطبراني في الأوسط (6096)، وابن الأعرابي في المعجم (770)، والخليلي في الإرشاد ص (302)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 24)، وابن حزم في المحلى (5/ 164 - 165) كلهم من طريق همام بن يحيى عن سفيان بن عيينة، وزياد بن سعد، ومنصور بن المعتمر، وبكر بن وائل (¬1) كلهم ذكر أنه سمع الزهري يحدث أن سالم بن عبد الله أخبره فذكره مرفوعًا موصولاً. قال النسائي: هذا خطأ، والصواب مرسل. قال ابن حزم: ولم يخف علينا قول جمهور أصحاب الحديث أن خبر همام هذا خطأ، ولكنا لا نلتفت إلي دعوى الخطأ في رواية الثقة إلا ببيان لا يشك فيه. وقال البيهقي: تفرد به همام، وهو ثقة. وتابعهم ابن أخي ابن شهاب، فرواه من طريقه أحمد (6042)، وأبو يعلى (5464)، وابن المنذر (3036)، وتمام الرازي (538)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 91)، والخطيب في تاريخه (10/ 117)، وابن عساكر (57/ 22) كلهم من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعاً. ورواه الشافعي (577)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (5/ 269) قال: وأخبرنا مسلم وغيره عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه فذكره موصولاً مرفوعًا. ورواه ابن عدي (5/ 5)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 94) من طريق ¬

_ (¬1) لم يذكر عند ابن حزم في المحلى.

عباس بن الحسن عن الزهري موصولاً أيضًا. ورواه الطبراني في الكبير (13135)، وفي الأوسط (6363) من طريق ابن لهيعة عن عقيل ويونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مرفوعاً موصولاً. ورواه أحمد (4940) (6254)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (13133)، وابن شاهين (329)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 89) من طريق حجاج بن محمد قال: قرأت على ابن جريج: حدثني زياد بن سعد عن الزهري. ورواه أحمد (4939)، وأبو يعلى (5519) من طرق عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب. وأحمد (6253)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 479 - 485) من طريق عقيل بن خالد. وابن حبان (3048) من طريق شعيب بن أبي حمزة. والطبراني (13136)، وفي الأوسط (4608)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 88) من طريق محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة. وابن حبان في الثقات (6/ 478 - 479)، وابن المقرئ في معجمه (813) من طريق صمصوم أخي الزبيدي. (زياد بن سعد، وابن جريج، وعقيل، وشعيب، ومحمد بن أبي عتيق، وموسى ابن عقبة، وصمصوم) سبعتهم عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة. قال ابن عبد البر في قوله: قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة: هذا يحتمل أن يكون ابن شهاب هو الذي يرسله، ويحتمل أن يكون

سالم يرسله، ويحتمل أن يكون مسندًا. قلت: ورواه مالك في الموطأ ص (196) عن الزهري مرسلاً. وكذا معمر كما في مصنف عبد الرزاق (6259). ورواه الإسماعيلي (1/ 314)، وابن المقرئ في معجمه (298)، (698)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (328)، والخليلي في الإرشاد ص (46)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 247)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 83 - 85) من طرق عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه موصولاً مرفوعاً. قال ابن عبد البر: الصحيح فيه عن مالك الإرسال، لكنه قد وصله جماعة ثقات من أصحاب ابن شهاب، منهم: ابن عيينة، ومعمر، ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وابن أخي ابن شهاب، وزياد بن سعد، وعباس بن الحسن الجزري على اختلاف عن بعضهم. وقال الترمذي: حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج، وزياد بن سعد، وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة، وروى معمر ويونس ابن يزيد، ومالك، وغير واحد من الحفاظ عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي أمام الجنازة، وأهل الحديث (¬1) كأنهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح، ثم نقل عن ابن المبارك، وكذا نقله عن البخاري كما في العلل الكبير (247)، ونقله الطبراني في الكبير (13133) عن أحمد، والنسائي كما سبق، والدارقطني في علله (2716)، وغيرهم، وخالفهم جماعة، فصححوه، منهم البيهقي حيث نقل عن ابن المديني قوله لابن عيينة (4/ 23): فقمت إليه، فقلت له: يا أبا محمد إن معمراً وابن جريج يخالفانك في هذا يعني أنهما يرسلان الحديث ¬

_ (¬1) تصحفت في السنن المطبوع إلى: كلهم، والصواب ما أثبت كما في شرح علل الترمذي.

عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟، فقال: استقر الزهري، حدثنيه، سمعته من فيه، يعيده، ويبديه عن سالم عن أبيه. قال البيهقي: واختلف فيه على عقيل ويونس بن يزيد، فقيل عن كل واحد منهما عن الزهري موصولاً، وقيل مرسلاً، ومن وصله، واستقر على وصله، ولم يختلف عليه فيه، وهو سفيان بن عيينة حجة ثقة، والله أعلم. قلت: ومن رجح الإرسال أعلم وأجل، فلو صرنا إلي التقليد لما كان لنا بد من تقليدهم، أما ونحن متعبدون باتباع ما ظهر لنا أنه أرجح فكلام البيهقي رحمه الله هو الأشبه بالصواب، فإن ابن عيينة من الأثبات، ومن أصحاب الزهري المعتنين بحديثه، وقد أكد أن الزهري استقر على الوصل، فهذا نص في كون الزهري كان يحدث به مرسلاً وموصولاً، ثم استقر في آخر أمره على الوصل، فهل يعدل أحد عن هذا البيان إلا من لم يتحرر من ربقة التقليد؟ والحديث صححه ابن حبان، وابن المنذر، والبيهقي وابن حزم، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق مسألة (287)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1505)، وابن الملقن في البدر المنير (5/ 225)، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن كلام المصححين لإرساله، والمصححين وصله (3/ 1517 - 1519)، ثم قال: قال الترمذي في الجامع: وروى همام بن يحيى هذا الحديث عن زياد بن سعد، ومنصور، وبكر، وسفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه، وإنما هو سفيان بن عيينة، روى عنه همام. قال ابن القيم: يعني أن الحديث لسفيان وحده، روى عنه همام كذلك، وفي هذا نظر لا يخفى، فإن همامًا قد رواه عن هؤلاء عن الزهري، ويبعد أن يكونوا كلهم دلسوه عن سفيان، ولم يسمعوه من الزهري. وهذا يحيى بن سعيد مع تثبته وإتقانه يرويه كذلك عن الزهري، وكذلك موسى بن عقبة.

فلأي شيء يحكم للمرسلين على الواصلين؟!. وقد كان ابن عيينة مصرًّا على وصله، ونوظر فيه، فقال: الزهري حدثنيه مرارا، فسمعته من فيه، يعيده، ويبديه عن سالم عن أبيه. ***

الحديث رقم (73)

الحديث رقم (73) - الإرواء (3/ 255) رقم (751): حديث أبي هريرة: فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلاَثًا. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. الحديث رواه ابن ماجه (1565)، والطبراني في الأوسط (4673)، والدارقطني في الأفراد كما في الأطراف (5626)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 332 - 333)، وابن عساكر (24/ 82 - 83)، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 312) كلهم من طريق سلمة بن كلثوم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة، فكبر عليها أربعًا، ثم أتى القبر، فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا. وقد تفرد سلمة بن كلثوم بزيادة: فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً، من بين أصحاب الأوزاعي، وكذلك رواه عن يحيى جماعة مع الأوزاعي دونها، فخالف سلمة كل من روى الحديث بهذه الزيادة، ولذلك قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (483): هذا حديث باطل، وقد حكم على الحديث كله بالإرسال كما في السؤال (1026). وقال الدارقطني كما في العلل (1794): رواه سلمة بن كلثوم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وزاد فيه ألفاظاً لم يأت بها غيره، وهي قوله: أنه أتى القبر، فحثى عليه ثلاثًا، وكبَّر على الجنازة أربعًا.

وقد ذكر الدارقطني طرقه، وقال: والصحيح: عن يحيى عن أبي سلمة مرسل، وهذا الذي يظهر لي، والله أعلم، ومن نظر إلي رواية سلمة بن كلثوم على أنه حديث مستقل صححه، كما صنع ابن أبي داود، قال ابن عبد البر: قال أبو بكر بن أبي داود: ليس يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح أنه كبر على جنازة أربعا إلا هذا، ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم، وهو ثقة من كبار أصحاب الأوزاعي، ووافقه ابن عبد البر، فقال: أما صحيح فلا، كما قال ابن أبي داود، وقد جاءت أحاديث ضعاف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبَّر على جنازةٍ أربعًا، ووافقهما ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2277)، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 318): إسناده لا بأس به، وصححه البوصيري، فالأمر اجتهادي، فكان ماذا؟. ***

الحديث رقم (74)

الحديث رقم (74) - الإرواء (213/ 3) رقم (763): حديث عائشة مرفوعًا: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: الحديث موقوف، ولا يصح رفعه. الراجح عندي: صحيح. الحديث رواه أبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وأحمد (24308)، (25356)، (25645)، (26275)، وعبد الرزاق (6256)، (17732)، (17733)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1006)، وابن أبي عاصم في الديات (140)، والطحاوي في مشكل الآثار (1274)، (1275)، وابن عدي في الكامل (3/ 353)، وابن الجارود في المنتقى (551)، والدارقطني في سننه (3/ 188)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 156)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 58)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 143)، وابن حزم في المحلى (11/ 40) من طرق عن سعد بن سعيد بن قيس أخي يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة مرفوعًا به. قال ابن حزم: هذا لا يسند إلا من طريق سعد بن سعيد الأنصاري، وهو ضعيف جدًّا، لا يحتج به، لا خلاف في ذلك. قلت: الأمر ليس كما قال رحمه الله، فإن سعدًا ضعفه أحمد، وقال النسائي: ليس بالقوي، واختلف قول ابن معين فيه، فمرة ضعفه، وقال مرة: صالح، ووثقه ابن سعد، وابن عمار، والعجلى، وابن حبان، وقال: كان يخطئ، وحاصل كلامهم قول

ابن عدي: لا أرى بحديثه بأسًا، فهو حسن الحديث، وقد أخرج له مسلم، وكفى به في الاحتجاج به، وقد ناقض ابن حزم نفسه، فقد قال في المحلى أيضًا (5/ 166): قد صح عن رسول الله قلت: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِه حَيًّا" (¬1). وقد أخطأ ابن حزم رحمه الله أيضًا في دعواه تفرد سعد بن سعيد بإسناد الخبر، فقد رواه أحمد (24739)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 95)، والخطيب في تاريخه (12/ 106) كلهم من طريق أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة به مرفوعًا. وأبو الرجال ثقة من رجال الشيخين. ورواه عبد الرزاق (6258) من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن عمرة، عن عائشة مرفوعاً به، وسعيد صدوق. ورواه ابن حبان (3167)، والبيهقي (4/ 58)، وفي المعرفة (5/ 335) من طريق يحيى بن سعيد (¬2) الأنصاري. ورواه عبد الرزاق (6257)، وهناد بن السري في الزهد (1/ 111)، وابن أبي عاصم في الديات (139)، والطحاوي في المشكل (1276)، والخطيب في تاريخه (13/ 120) كلهم من طريق حارثة بن أبي الرجال، وهو ضعيف. ورواه الطحاوي (1273)، وتمام في الفوائد (1659) من طريق محمد بن عمارة، وقد روى عنه جمع، ووثقه ابن معين، وابن حبان، وقال أبو حاتم: صالح، وليس بذاك، فمثله حسن الحديث. ¬

_ (¬1) وقد ذكر المستدرِك عن ابن حزم التضعيف دون التصحيح، فهل لكونه لم يتحر كلام ابن حزم كله؟ أم أنه وقف على التصحيح، وأخفاه، كما سبق في غيره؟!. (¬2) قد نسبه الشيخ الألباني رحمه الله بالأنصاري، فغلط المستدرك، ونسبه بالقطان.

(سعد بن سعيد، وأخوه يحيى، وأبو الرجال، وسعيد بن عبد الرحمن، وحارثة بن أبي الرجال، ومحمد بن عمارة) ستتهم عن عمرة عن عائشة مرفوعًا به. ورواه الدارقطني (3/ 188 - 189)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 144) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعًا وإسماعيل ثقة، والراوي عنه زهير بن محمد، والراوي عنه بصري، فروايته عنه مستقيمة. ورواه أحمد (24686)، وإسحاق بن راهويه (1171)، وابن سعد (8/ 481)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 150)، وابن عساكر (57/ 68) كلهم من طريق محمد بن عبد الرحمن الأنصاري سمعت عمتي سمعت عائشة موقوفاً. ورواه ابن سعد (8/ 481) من طريق المسعودي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفًا. قال البخاري: وروى سليمان والدراوردي عن سعد، ولم يرفعاه. قلت: رواية الدراوردي في المصادر التي بين يدي مرفوعة. قال البخاري: وغير مرفوع أكثر، ورواه عروة، والقاسم عن عائشة قولها. قلت: سبق من رواية القاسم مرفوعًا. ورواه مالك في الموطأ ص (205) أنه بلغه عن عائشة موقوفاً بغير إسناد. قلت: ومن تأمل طرقه تبين له أن الراجع رواية من رواه مرفوعًا، وإلا فيقال: إنه محفوظ موقوفًا، ومرفوعًا. وقد ذكر الدارقطني في علله (3756) بعض طرقه، والاختلاف فيها، وقال:

والصحيح: عن سعد بن سعيد، وعن حارثة -وليس بالقوي- عن عمرة عن عِائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن يحيى بن سعيد موقوفاً. وقد صححه ابن الجارود، وابن حبان، وحسنه ابن القطان الفاسي من طريق سعد بن سعيد فقط، ولم يتعرض لباقي طرقه كما في بيان الوهم والإيهام (1703)، (5/ 713)، وصححه النووي في المجموع (5/ 300)، وابن الملقن في البدر المنير (6/ 769). وقال ابن حجر في بلوغ المرام (450): رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم. وله شاهد من حديث أم سلمه عند ابن ماجه (1617)، وإسناده ضعيف. ***

الحديث رقم (75)

الحديث رقم (75) - الإرواء (3/ 242) رقم (778): حديث علي مرفوعًا: "يُجْزِئُ عَنِ الْجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ". حكم الشيخ رحمه الله: حسن بطرقه. حكم المستدرِك: ضعيف، ولا يتقوى بطرقه. الراجح عندي: ضعيف. الحديث رواه أبو داود (5210)، والبزار (534)، وأبو يعلى (441)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (224)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (781)، والبيهقي في السنن الكبير (9/ 48 - 49)، وفي الآداب (281)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1199)، والضياء في المختارة (628)، والمزي في تهذيب الكمال (10/ 411) كلهم من طريق سعيد بن خالد الخزاعي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي مرفوعًا به. قال الدارقطني في علله (413): الحديث غير ثابت، ثم علل ذلك بقوله: تفرد به سعيد بن خالد عن عبد الله بن الفضل، وليس بالقوي، وهذا يعني أنه يضعفه من هذا الطريق، أعني من حديث علي، وقد علله ابن الجوزي بكلام الدارقطني، وهو ليس صريحًا في تضعيف الحديث من كل طرقه، وقد أورد الشيخ رحمه الله له شاهدًا من حديث أبي سعيد الخدري عند ابن السني في عمل اليوم

والليلة (234) من طريق حفص بن عمرو بن زريق القرشي (¬1) ثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه عن جده عن زيد بن أسلم عن عطار بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا به. وقال الشيخ رحمه الله: قال أبو سهل القطان في حديثه (4/ 246/ 2): حدثنا أبو سهل الأهوازي ثنا كثير بن يحيى ثنا حفص بن عمر بن رزين ثنا عبد الله بن حسن ابن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده ثنا زيد بن أسلم، فذكره بإسناده ومتنه. ثم ذكر الشيخ له شاهدًا من حديث الحسن بن علي، وقال: عزاه الهيثمي للطبراني، وقال: وفيه كثير بن يحيى، وهو ضعيف. وقال الشيخ: ولم أجده في الطبراني، لا في مسند الحسن، ولا في مسند الحسين. قال المستدرِك تعليقًا على ذلك: لا يمكن الحكم عليه قبل الوقوف على إسناده كاملاً. قلت: فهل هذا قصارى ما عنده، أن يجد الطرق معروضة عليه، فيبدي للقارئ رأيه؟! والحديث عند الطبراني في الكبير (2730): حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ثنا كثير بن يحيى ثنا حفص بن عمر الرقاشي ثنا عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده فذكره بنحوه. وهذا اختلاف على كثير بن يحيى، والظاهر ترجيح كونه من حديث أبي ¬

_ (¬1) كذا وقع في عمل اليوم والليلة، وسيأتي: حفص بن عمر بن رزين، وسيأتي عند الطبراني: حفص بن عمر الرقاشي، والظاهر أنه الصواب، والله أعلم.

-إخلال المستدرك مرة أخرى بالأمانة العلمية

سعيد، ويقوي ذلك ما أورده أبو نعيم في الحلية (8/ 251) من طريق يوسف بن أسباط عن عباد البصري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا بنحوه. وقد أورده الشيخ في الصحيحة (1412)، وقال: وعباد البصري جمع، ولم يتعين عندي من هو؟، وسائر الرواة ثقات غير محمد بن المسيب، ترجمه الخطيب في التاريخ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. نعم ما يؤثر فيه من الخلاف هو ما رواه مالك كما في الموطأ ص (731)، وعبد الرزاق (19443) عن معمر كليهما عن زيد بن أسلم مرسلاً. والأمر في تحسينه أمر اجتهادي، وقد أورده الحافظ في الفتح (11/ 7)، فقال: احتج للجمهور بحديث علي رفعه، وقال: وفي سنده ضعف، لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني، وفي سنده مقال، وآخر مرسل في الموطأ عن زيد بن أسلم، وهذا إشارة لتقويته له بشواهده. -إخلال المستدرك مرة أخرى بالأمانة العلمية: وحسنه أبو سعيد النيسابوري كما نقله عنه الشيخ، واسمه عبد الرحمن بن الحسين المتوفى سنة تسع وثلاثمائة عن نيف وثمانين سنة، وقال ابن عبد البر (5/ 290): وهو حديث حسن، لا معارض له، وذكر أن أبا زرعة، وأبا حاتم، ويعقوب بن شيبة ضعفوه، فذكر المستدرك ما ذكر ابن عبد البر عنهم من التضعيف، وترك كلام ابن عبد البر نفسه، وهذا ليس من الأمانة العلمية، والله المستعان. ***

الحديث رقم (76)

الحديث رقم (76) - الإرواء (244/ 3) رقم (780): قال المستدرك: ذكر الشيخ حديث أبي هريرة: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالِ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". قال: وبين الشيخ الألباني أن زيادة: (عَلَى كُلِّ حَالٍ) شاذة في حديث أبي هريرة، وهذا لا إشكال فيه. ثم قال: بيد أن هذه الزيادة صحيحة، لورودها في أحاديث أخرى من رواية: ابن عمر، وعلي بن أبي طالب، أو أبي أيوب الأنصاري، وسالم بن عبيد. حكم المستدرِك: الزيادة ضعيفة. الراجح عندي: الحديث صحيح بزيادته. أما حديث علي، فرواه النسائي في الكبرى (10040)، والترمذي (2741)، وابن ماجه (3715)، وأحمد، وعبد الله ابنه في المسند وزوائده (972)، (973)، (995)، وابن أبي شيبة (8/ 493)، وفي الأدب (341)، وأبو يعلى (306)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 237)، والعقيلي في الضعفاء (5407)، والطبراني في الدعاء (1977)، والحاكم في المستدرك (4/ 266)، وفي معرفة علوم الحديث ص (68)، والبيهقي في الشعب (9339)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 390)، والخليلي في الإرشاد ص (168)، وابن عساكر (67/ 10)، من طرق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن علي - رضي الله عنه -. ورواه النسائي في الكبرى (10041)، والترمذي (2741)، وأحمد

(23557)، (23587)، (23588)، والطيالسي (592)، والدارمي (2659)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (678)، والشاشي في مسنده (1105)، (1106)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (255)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 237)، وابن عدي في الكامل (6/ 187)، والطحاوي في مشكل الآثار (4013)، والعقيلي في الضعفاء (5407)، والطبراني في الكبير (4009)، وفي الدعاء (1978)، وابن المقرئ في المعجم (478)، والحاكم في المستدرك (4/ 266)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 163)، والخليلي في الإرشاد ص (167)، والبيهقي في الشعب (9336) - (9338)، والبغوي في شرح السنة (3342) من طرق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعًا به. قال الترمذي: كان ابن أبي ليلى يضطرب في هذا الحديث يقول أحيانًا: عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول أحيانًا: عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الدارقطني في علله (403): الاضطراب فيه من ابن أبي ليلى، لأنه كان سيئ الحفظ. وأما حديث سالم بن عبيد، فرواه أبو داود (5031)، والنسائي في الكبرى (10053)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 106 - 107)، وفي الأوسط (2/ 212)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 330)، وابن حزم في المحلى (5/ 64) كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد. والترمذي (2740)، والنسائي في الكبرى (1055)، من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان، وتابع أبا أحمد الزبيري إبراهيم بن خالد الصنعاني، وهو ثقة، عند بن السني (261) ثنا الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن سالم

ابن عبيد قال: كنا معه في سفر، فذكره. وخالفهما يحيى القطان عند النسائي في الكبرى (10057)، وأحمد (22853)، والبخاري في الكبير، والأوسط، فرواه عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن رجل عن آخر قال: كنت مع سالم بن عبيد في سفر، ورواه النسائي في الكبرى (10058) من طريق معاوية بن هشام عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل عن خالد بن عرفطة عن سالم بن عبيد. ورواه أبو داود الطيالسي (1299)، ومن طريقه البخاري في الكبير، والأوسط، والطحاوي في المشكل (4010)، وأبو نعيم في المعرفة (3432)، والبيهقي في الدعوات (442)، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 714 - 715)، ورواه أبو داود السجستاني في سننه (5032)، والنسائي في الكبرى (10059)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1300)، وابن قانع في معجمه (1/ 283)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (350)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 331) كلهم من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، وفي حديثه عن منصور لين، رواه عن منصور عن هلال عن خالد بن عرفجة عن سالم بن عبيد به. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 107)، وفي الأوسط، والطبراني في الكبير (6369)، وابن عبد البر من طريق أبي عوانة عن منصو عن هلال عن رجل من آل عرفطة عن سالم. ورواه الطبراني في الكبير (6368) من طريق محمد بن عيسى الطباع ثنا أبو عوانة عن منصور عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد فذكره. ورواه ابن أبي شيبة في مسنده (624) من طريق زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من أشجع عن سالم به.

ورواه النسائي في الكبرى (10056) من طريق القاسم بن كثير عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن رجل عن سالم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وليس هذا اضطرابًا، فإن رواية من رواه بدون ذكر واسطة بين هلال بن يساف أرجح، فقد رواه البخاري في التاريخ الكبير والأوسط من طريق أبي جعفر الرازي عن منصور عن هلال (¬1) قال: كنا مع سالم، ورواه النسائي (10054)، وابن حبان (599) من طريق إسرائيل عن منصور عن هلال بن يساف قال: كنا مع سالم بن عبيد فذكره. قال البخاري في التاريخ الأوسط: والصحيح في هذا الباب: وذكر حديث أبي هريرة، وقال النسائي عن رواية القطان عن سفيان: هذا هو الصواب عندنا، والأول خطأ، وبنحو كلام البخاري قال البيهقي، ولو قيل: إن هلال بن يساف سمعه من سالم، وسمعه من غيره عنه كان أولى لاتفاق كل من جرير بن عبد الحميد، وإسرائيل بن يونس، وأبي جعفر الرازي على إثبات سماعه منه، والله أعلم. وحديث ابن عمر، أخرجه الترمذي (2738)، والحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (807)، والحاكم (4/ 265 - 266)، والبيهقي في الشعب (9327)، كلهم من طريق زياد بن الربيع ثنا الحضرمي بن لاحق عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. والحضرمي بن لاحق كذا وقع عند الحاكم والحارث بن أبي أسامة، ووقع عند الترمذي من آل الجارود، وقد فرق بينهما ابن معين، وابن المديني، وابن ¬

_ (¬1) سقط ذكر هلال من التاريخ الكبير المطبوع، وهو في الأوسط.

- إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية

حبان، واعتبرهما أبو حاتم واحد، ومولى الجارود روى عنه ثلاثة، وقال عنه ابن معين: ليس به بأس، وابن لاحق روى عنه أربعة، وذكرهما ابن حبان في الثقات، فعلى ما ذكر عند الترمذي فالإسناد حسن، وعلى الآخر فأقل أحواله أن يصلح في الشواهد والمتابعات. ورواه البيهقي قبله موقوفاً بإسنادين، وقال: الإسنادان الأولان أصح من رواية زياد بن الربيع، وفيهما دلالة على خطأ رواية ابن الربيع، وقد قال البخاري: فيه نظر. قلت: لا تعارض بين الحديثين، فإنهما حديثان مختلفان أحدهما مرفوع، والآخر موقوف، وأما زياد فقد استغل المستدرك كلام البيهقي، وزاد عليه، فقال: وابن الربيع وإن كان وثقه أحمد وغيره إلا أن البخاري قال: فيه نظر، وذكره العقيلي، وابن عدي، وذكره غيرهما ممن ألف في الضعفاء كالذهبي في الميزان. - إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية: قلت: أما العقيلي، وابن عدي فلم يذكرا فيه سوى قول البخاري: في إسناده نظر، فلئن صحت هذه اللفظة عنه فتحمل على إسناد بعينه، لا في زياد نفسه كما نقل ذلك البيهقي، وتلقفها عنه هذا المستدرك، ويرد هذا النقل أن البخاري لم يذكر ذلك في كتبه، ولا ذكره في الضعفاء، والفصل في هذا أن البخاري أخرج له في صحيحه برقم (4208)، وطالما أن هذا المستدرك اطلع على ترجمته في الكامل، فقد وقف على قول ابن عدي فيه: لا أرى بأحاديثه بأسًا، فهل إخفاؤه لذلك من الأمانة العلمية؟، وقد ذكر أن الذهبي ذكره في الميزان، وهو كذلك إلا أن الذهبي قد وضع أمامه علامة (صح) التي تعني أن ما قيل فيه لا ينزل بحديثه عن الاحتجاج، ولئن كان لا يعلم هذا، فقد قال الذهبي: قد احتج بزياد أبو عبد الله في جامعه، فإخفاء ذلك خيانة لا تخفى، فلحساب من يعمل هؤلاء؟!!!.

وقد توبع الحضرمي، فرواه الطبراني في الأوسط (5698)، وفي الشاميين (323): حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا سهل بن صالح الأنطاكي ثنا ابن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي حدثني سليمان بن موسى حدثني نافع قال ثنا ابن عمر فذكره. قلت: وهذا إسناد مسلسل بالثقات، وبالتحديث غير سليمان بن موسى، ولا أرى منصفًا يقف على ترجمته يخالف ما قاله ابن عدي حيث قال: حدث عنه الثقات من الناس، وهو أحد علماء الشام، وقد روى أحاديث ينفرد بها يرويها، ولا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق. قلت: وهو هنا متابع فلا يرد عليه ما قاله ابن عدي، وهو ممن جاز القنطرة، فقد روى له مسلم، وأما هذا المستدرِك، فقد قال كلامًا يبين لك استهتار هؤلاء الهدامين بسنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال: هذه المتابعة لا يفرح بها (¬1) لأمرين: الأول: قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن عبد العزيز إلا الوليد ابن مسلم، تفرد به سهل (¬2) بن صالح، فهو مسلسل بالتفردات. وأقول: فكان ماذا؟، وقد سبق بيان انحراف أهل هذه المدرسة في هذا الباب بما لا حاجة إلى إعادته، وقد سبق أنهم كلهم ثقات. وذكر الأمر الثاني ما قيل في سليمان بن موسى، ويكفي في بيان انحرافه أن مسلمًا أخرج له في صحيحه، ولا حاجة إلي الإطالة في مناقشته، ولبيان انحرافه في ¬

_ (¬1) وليتأمل القارئ هذه العبارة التي لا يطلقها أهل العلم إلا على الطرق الواهية لتقف على البون الشاسع بين هؤلاء وبين أهل العلم. (¬2) حرفه المعلقون على معجم الطبراني الأوسط -طبعة الحرمين إلى سهيل، مع أنهم ذكروا أن في الأصل (سهل)، فتبعهم على التحريف هذا المستدرِك.

الكلام على الرواة، فقد نقل كلام أبي حاتم عنه: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدًا من أصحاب مكحول أفقه منه، فهنا تكلم أبو حاتم على فقهه، ثم عاد ليتكلم على حديثه، فقال: ولا أثبت منه، فهل يمكن لأحدٍ أن يصرف هذا الثناء عن حديثه، لقد وقع هذا من المستدرِك حيث قال: فأثنى على فقهه، ولا يمكن أن يريد بقوله: ولا أثبت منه الحفظ والضبط، كيف وقد قال البخاري عنه: عامة أحاديثه مناكير. وهل يمكن لأحد أن يتجاسر على صرف كلام العلماء عن مدلوله بهذه الطريقة؟ ما لأبي حاتم والبخاري؟، أليس معلوما عند كل الناس أن العلماء يختلفون؟، وإذا لم يمكن أن يريد بقوله: ولا أثبت منه الحفظ والضبط، فماذا يمكن أن يريد بها؟ لم يذكر لنا هذا الجهبذ لهذا اللفظ تفسيرًا. فهل وقف أخي القارئ على مدى البلاء الذي نحن فيه؟!. وللحديث طريق آخر عن ابن عمر عند البزار كما في كشف الأستار (2011). حدثنا محمد بن عبد الله (¬1) المخرمي ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن أسباط ابن زرعة (¬2) عن جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد عن ابن عمر بنحوه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: محمد بن عبيد الله، وهو خطأ، فهو محمد بن عبد الله بن المبارك. (¬2) تصحف في كشف الأستار إلي أسباط بن عزرة، والظاهر أنه تصحيف في الأصل، فإن الهيثمي قال في مجمع الزوائد (8/ 56 - 57): فيه أسباط بن عزرة، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأسباط بن زرعة قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: روى عن مجاهد روى عنه إسرائيل سمعت أبي يقول ذلك، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وله شاهد من حديث أبي مالك الأشعري عند الطبراني في الكبير (3441)، وفي الشاميين (1664)، وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف، وشريح بن عبيد لم يسمع من أبي مالك. والحديث صحيح بطرقه كما لا يخفى، ومن ضعفه من أهل العلم كالبخاري وغيره فهو بالنظر إلي طريق واحد، وقد صححه ابن حبان والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه ابن حجر في الإصابة (3/ 54). ***

الحديث رقم (77)

الحديث رقم (77) - الإرواء (3/ 254) رقم (787): حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ". لقد ضعف طرق الحديث كلها الشيخ الألباني رحمه الله، ثم وقف على طريق عند عبد الرزاق فيها الإحالة على طريق علي، وفيها هذه المسألة، وهي اشتراط الحول، وهذه الطريق برقم (6795)، وإسنادها صحيح، ووافق المستدرك الشيخ في كل ذلك، إلا أنه اعترض على التصحيح بالإحالة، فقال: هذا اللفظ لا يصلح التمسك به، لعدة أمور: 1 - صرح أبو داود أن زيادة اشتراط الحول، إنما هي في حديث عاصم والحارث، فقال: وفي حديث عاصم والحارث: الصدقة في كل عام (¬1)، وهذا يعني أن اشتراط الحول ليس في حديث غيرهما. قلت: لا يعني ذلك، وإنما فصل أبو داود فيما اجتمعت عليه رواية عاصم والحارث، وما افترقت بها رواية أحدهما، فقال عقبها: وفي حديث عاصم: كذا، وذكر ما انفرد به عن الحارث، وفيما ذهب إليه تقويل لأبي داود ما لم يقل، ثم قال: 2 - قوله في آخره: وإنما كان في الكتاب ما في حديث علي ليس نصًّا في ذكر اشتراط الحول، لأن حديث علي - رضي الله عنه - له عدة ألفاظ، بعضها مذكور فيه الاشتراط، وبعضها لم يذكر. ¬

_ (¬1) أبو داود (1572).

قلت: آخر طرق الحديث مذكور فيه، وهو أولى ما تعود الإحالة عليه، والأصل المطابقة عند الإحالة. ثم قال: ذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن الحنفية رواه البخاري من طريق الحميدي عن ابن عيينة به، وليس فيه محل الشاهد. قلت: البخاري أخرجه برقم (3111)، (3112)، وليس فيه محل الشاهد، لأنه أخرجه مختصرًا، وليس فيه كلام آخر غير محل الشاهد، فلا يعترض على رواية من أخرجه مطولاً برواية من أخرجه مختصراً، ومعلوم مذهب البخاري في اختصار الحديث. قال المستدرك: أخرج ابن أبي شيبة هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب عن محمد بن سوقه به، وليس فيه محل الشاهد. قلت: أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 211 - 212): حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثثي العلاء بن المنهال قال: حدثني محمد بن سوقةَ فذكره مختصراً، وبألفاظ مخالفة، وليس فيه ذكر لفرائض الزكاة أصلاً، والعلاء بن المنهال ذكره الذهبي في الميزان، وذكر له حديثًا، ولم يذكر فيه سوى قول الذهبي عن حديثه: لا يتابع عليه، فهل يعارض برواية من هذا حاله رواية الأئمة الأثبات؟!. فتبين بهذا صحة ما ذهب إليه شيخنا رحمه الله ووهاء ما اعترض به هذا المستدرِك، وبالله التوفيق. وقد حسنه الزيلعي، وقوَّاه ابن حجر. وقد قال ابن المنذر في الإجماع ص (13) رقم (103): وأجمعوا على أن المال إذا حال عليه الحول أن الزكاة تجب فيه. ***

الحديث رقم (78)

الحديث رقم (78) - الإرواء (3/ 284) رقم (810): حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَة مِنْ أَوْسَطِهَا. حكم الشيخ رحمه الله. صحيح بطرقه. حكم المستدرِك: ضعيف، وشواهده لا تصلح. الراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا. الحديث أخرجه أبو داود (1600)، والنسائي (5/ 46)، والطبراني في الأوسط (6372)، والدارقطني في سننه (4/ 238)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 126)، وفي المعرفة (6/ 123 - 124)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 410) من طريق عمرو بن الحارث المصري. ورواه أبو داود (1601)، وابن خزيمة (2324)، وابن الجارود (350)، وابن زنجويه في الأموال (2015)، والدارقطني (4/ 238)، والبيهقي (4/ 127) كلهم من طريق عبد الرحمن بن الحارث المخزومي. ورواه أبو داود (1602)، وابن خزيمة (2325)، والطبراني في الكبير (6393)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف ص (1373 - 1374)، وأبو محمد الجوهري في حديث أبي الفضل الزهري (529) من طريق أسامة بن زيد الليثي. ورواه أبو عبيد في الأموال (1365)، وابن زنجويه في الأموال (2014)، والطبراني في الكبير (6394) من طريق ابن لهيعة. (عمرو بن الحارث وعبد الرحمن بن الحارث، وأسامة بن زيد، وابن لهيعة)

أربعتهم رووه عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا به. ورواه ابن أبي شيبة (4/ 229): حدثنا عباد بن عوام عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب فذكره مرسلاً. ورواه أبو عبيد في الأموال (1366): حدثنا نعيم عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة فذكره موقوفًا. ونعيم، وهو ابن حماد فيه لين، وبقية، وهو ابن الوليد مدلس، وقد عنعنه، وقد خالف الجميع في زيادة هلال بن مرة في الإسناد، والاقتصار على الموقوف. قال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي (175): ليس في زكاة العسل شيء يصح، ووافقه الترمذي. وقال العقيلي في الضعفاء (3/ 348): وأما زكاة العسل فليس يثبت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء، وإنما يصح عن عمر بن الخطاب فعله. وقال ابن المنذر: ليس فيه شيء ثابت (¬1). وأخرج الحديث ابن خزيمة في صحيحه، ولم يقطع بصحته، ومن قلد هؤلاء الأئمة فلا يلام عليه، لكن ليس للمقلد أن يعترض على قول المخالف كما هو معلوم عند أهل العلم، وأما هذا المستدرِك، فلم يعترف على نفسه بالتقليد، بل أوهم أنه يبرهن على صحة ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة بناء على اتباع القواعد الحديثية، فقال: ابن لهيعة ضعيف مطلقًا، وعنده أخطاء في حديث عمرو بن شعيب بالذات. ¬

_ (¬1) وذكر الدارقطني في علله (147) الاختلاف في إسناده، ولم يقض بشيء.

قلت: لم يذكر المزي إلا حديثا واحداً، ثم ذكر عقبه: وقال يحيى بن بكير: قيل لابن لهيعة: إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب، فضاق ابن لهيعة، وقال: ما يدري ابن وهب، سمعت هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب، قبل أن يلتقي أبواه. ثم عقب المزي بقوله: وقال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرًا مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض. فهذا يرد قول المستدرك: ابن لهيعة ضعيف مطلقًا، ويرد تضعيف حديثه في عمرو بن شعيب خاصة. ثم ذكر أسامة بن زيد الليثي، وذكر كلام المجرحين له، ثم قال: وقد وثقه ابن معين مخالفًا بذلك كلام الأئمة السابقين، وكلام هؤلاء الأئمة الذين عرفوا حديثه أولى بالقبول. قلت: قال ابن عدي: يروي عنه الثوري وجماعة من الثقات، ويروي عنه ابن وهب نسخة صالحة، وهو كما ابن معين: ليس بحديثه بأس. وقال ابن نمير: مدني مشهور، وقال العجلي: ثقة، وقال الآجري عن أبي داود: صالح، وقال الحاكم في المدخل: روى له مسلم، واستدللت بكثرة روايته له على أنه عنده صحيح الكتاب، فأخفى المستدرِك أقوال أهل العلم هذه، وهذا ينافي الأمانة العلمية، وأشد من ذلك قوله: وقال ابن حبان: يخطئ، وترك ذكر ابن حبان له في الثقات، وقوله فيه: وهو مستقيم الحديث، صحيح الكتاب، فترك التوثيق، ونقل التجريح عن الإِمام الواحد، وهكذا تكون الأمانة العلمية عند هؤلاء المعترضين، وفاته قول البزار في مسنده (4851): وهو مدني ثقة، وقول

الفسوي كما في السنن الصغير للبيهقي (2/ 215):ثقة، مأمون. فمق تأمل كلام الأئمة ترجح عنده قول ابن عدي: ليس بحديثه بأس. قال المستدرك: وقد خالف أسامة في هذا الحديث الحافظ يحيى بن سعيد. قلت: هذا من أسباب وقوع الخلل عند هؤلاء المعترضين، فإنهم ينظرون إلي كل طريق وحده، ولا ينظرون إلى الطرق مجتمعة، فإن أسامة بن زيد يوافقه ثلاثة آخرون، فكيف ينسب وحده للمخالفة؟!. ثم قال: عمرو بن الحارث، وهو ثقة، فاضل، فقيه، وثناء الأئمة عليه كثير، وقال الإِمام أحمد: رأيت له أشياء مناكير. قلت: قال الحافظ في التقريب: ثقة فقيه حافظ، فحذف المستدرك كلمة (حافظ) التي ترفع شأن روايته، واستبدلها بـ "فاضل" التي ليس لها كبير أثر على الثقة بروايته، ولعل عمرو بن الحارث أجل مما قال فيه الحافظ، ويكفي في بيان قدره في الإتقان والحفظ قول تلميذه وبلديه الإمام عبد الله بن وهب: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخاً، فما رأيت أحدًا أحفظ من عمرو بن الحارث، وقول أبي حاتم الرازي مع تشدده وتعنته في الجوح والتعديل: كان أحفظ أهل زمانه، ولم يكن له نظير في الحفظ. وأما ما قاله أحمد، فمعلوم أن قول أحمد في تفرد الرواة على خلاف ما عليه جمهور المحدثين، وقد سبق ذكر ذلك، وذلك فقد بين في رواية أخرى أن قوله هذا في روايته عن قتادة خاصة حيث قال: يروي عن قتادة أشياء، يضطرب فيها، ويخطئ. قال: عبد الرحمن بن الحارث، قال عنه ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: شيخ، ووثقه ابن حبان، وابن سعد، وقال النسائي: بالقوي، وقال

-اقتطاع المستدرك كلام الأئمة في الرواة ليوافق مراده

أحمد: متروك، وضعفه علي بن المديني، ثم عزا هذه النقول لتهذيب التهذيب (6/ 155). -اقتطاع المستدرك كلام الأئمة في الرواة ليوافق مراده: قلت: وترك قول العجلي: مدني ثقة، وقول ابن معين في رواية الدارمي: ليس به بأس التي تعني التوثيق، ففي اختصار علوم الحديث لابن كثير ص (89): قال ابن معين: إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة، وترك قول ابن حبان: كان من أهل العلم التي تدل على معرفته به، وترك معارضة ابن نمير لأحمد حيث قال: لا أقدم على ترك حديثه، فهو حسن الحديث كما قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام (¬1). قال المستدرك: وإذا نظرنا في تراجم هؤلاء الخمسة (¬2) رجحنا رواية يحيى بن سعيد، فهو أحفظ منهم بمراحل، بل كلهم ضعيف أو ضعيف جدًّا إلا عمرو بن الحارث، فهو ثقة، لكنه لا يقارن بيحيى بن سعيد، مع أن له بعض المناكير كما تقدم عن الإِمام أحمد. -تهور أصحاب المدرسة الحديثية في الحكم على الأحاديث والرواة: قلت: أما قوله: كلهم ضعيف أو ضعيف جدّاً فمردود بما سبق بيانه، وهذا يدل القارئ على تهور هؤلاء الناقدين الجدد المولعين بالهدم، فقد تبين أن أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن الحارث حسنا الحديث، فكيف إذا اجتمعا؟، والضعيف ¬

_ (¬1) تناقض الأستاذ شعيب الأرناؤوط، فقال في تحرير التقريب مع صاحبه الدكتور بشار: ضعيف، يعتبر به، وحسن حديثه في المسند في الحديث رقم (3081)، (7012). (¬2) أضاف لهم رواية يحيى بن سعيد الأنصاري المرسلة.

فيهم ابن لهيعة على خلاف في ضعفه، وقد سبق قول أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض، وهذا يرد دعوى وصمه بالضعف جدًّا، فهو صالح في المتابعات كما قال أحمد، وهذا يدلك على خطر الغلو، وسوء عاقبته، فليست المسألة متقدمين ومتأخرين، ولكن هذا الغلو يؤول بمنتحليه إلي هدم السنن، نسأل الله المعافاة. وأما تقليله من شأن عمرو بن الحارث، فقد سبق بيان حاله والجواب عن قول أحمد فيه، فهو يقارب يحيى الأنصاري في الثقة والإتقان إن لم يساوه، فكيف إذا توبع من هؤلاء الثلاثة، فالذي تقتضيه القواعد الحديثية ترجيح رواية الوصل والرفع على رواية الإرسال، وأحسن حال رواية يحيى بن سعيد أن يقال: إن الحديث محفوظ على الوجهين وهو ما ذهب إليه إمام المحدثين في عصرنا حيث قال: لا تعارض بينه (يعني المرسل) وبين وصله لجواز أن عمرًا كان يرسله تارة، ويوصله تارة، فروى كل ما سمع، والكل صحيح. قال المستدرك: وهذا الكلام بعيد عن الصواب كل البعد، إذ لو أخذنا بهذا التجويز (أي قوله: يجوز أن عمرًا) لهدمنا جانبا كبيرا من علم العلل، لأن العلل تقوم على جمع الطرق، والمقارنة بينها. قلت: أما، جمع الطرق فما زدت طريقا واحداً عما أتى بها الشيخ رحمه الله، وأما المقارنة فقد سبق بيِان ما تقتضيه القواعد الحديثة فيها، فلماذا هذا التنفخ والتطاول على إمام العصر بما لا تحسنه؟ ألا تتقي الله عز وجل؟، فلو أنك قلدت الأئمهَ الذين ضعفوا الحديث لكنت معذورًا، لكن ليس لك أن تنكر على مخالفك، فضلاً عن أن تتطاول بهذا الكلام السمج على أئمة هذا الشأن، والله المستعان!!!.

- تطاول عجيب من المستدرك على الشيخ الألباني رحمه الله، وجوابه

قال المستدرك: يقول ابن القيم عن هذه التجويزات (¬1): وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث معلول ... ، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم في التجويزات والاحتمالات. قلت: أخطأت، فإن هذا لا يوجه لإمام المحدثين في عصرنا، وإنما يوجه للفقهاء الذين يقبلون زيادة الثقة مطلقًا، ويعتبرونها حديثًا مستقلًّا، ويكفي في إبطال نسبة هذا القول للشيخ رحمه الله ما نقلته أنت عن الشيخ في إعلال بعض طرق الحديث رقم (76)، أعني الذي قبل الماضي، فلم لا تتقي الله عز وجل، وتتحرى وتحذر من نسبة التهم الباطلة إلى أهل العلم؟!. - تطاول عجيب من المستدرك على الشيخ الألباني رحمه الله، وجوابه: ثم قال: ثم أخيراً أقول: قارن بين معالجة الحافظ الدارقطني لطرق هذا الحديث، وبين عمل الشيخ الألباني رحمه الله ليتبين لك الفرق بين طريقة كل منهما في تعليل الأحاديث. قلت: نعم، سأقارن ليظهر الفرق: قال الدارقطني في علله (2/ 110) رقم (147): وسئل عن حديث عبد الله ابن عمرو عن عمر قصة بني شبابة -قوم من فهم- جاءوا إلي عمر بن الخطاب في قصة النحل والعسل. فقال: حديث رواه عبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن لهيعة عن عمرو بن ¬

_ (¬1) وسيأتي حكم ابن القيم رحمه الله على هذا الحديث إن شاء الله، وقد أطلت في مناقشته في هذا الحديث، ليظهر للقارئ ما عليه من الانحراف والتجني على هذا الإِمام، وإلا فلو ناقشته في كل كلامه لطال الكتاب جدًّا، وهذا ما لا أراه أنفع لي وللقارئ، والله الموفق.

-اقتطاع المستدرك كلام الأئمة مرة أخرى ليوافق مراده

شعيب عن أبيه عن جده مسندًا عن عمر، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب مرسلاً عن عمر. انتهى كلام الدارقطني رحمه الله. قلت: سأحاكمك إلى كلامك أنت، فقد سبق قولك: "العلل" تقوم على جمع الطرق، والمقارنة بينها) هكذا حصرت العلل في هذين الأمرين، ولننظر في كلام الدارقطني، لنقف على قدره في العلل على قواعدك، فأما جمع الطرق، فقد تركت ذكر رواية أسامة بن زيد الليثي، وهو حسن الحديث، فترك ذكر روايته يؤثر على الترجيح عند كل منصف، وأشد من ذلك وأنكى تركه ذكر رواية عمرو ابن الحارث الثقة الفقيه الحافظ الذي اعتبرته أنت المخالف الوحيد المعتبر ليحي بن سعيد، فبتطبيق قواعدك نعطي الدارقطني صفرًا، وأما في الشق الثاني الذي تقام عليه العلل عندك فهي المقارنة بينها، فإذا لم يأت بالطريق المعتبر، فبأي شىء يقارن؟!، وأيضاً فإن الدارقطني لم يذكر مقارنة بين الطرق، فعلى كلامك فشيخنا الألباني هو الذي جمع الطرق وقارن، فهو إمام العلل، والدارقطني لا صلة له بعلل الأحاديث، فأي هذيان هذا الذي ابتلينا به من قبل هؤلاء المتطفلين على هذا العلم الشريف؟!!. وأما من يعرف قدر العلماء فيعلم أن الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث ولكنه في هذا الحديث اختصر القول فيه، ولم يقض فيه بشيء، وللحديث شواهد منها حديث ابن عمر عند الترمذي (629) وغيره من طريق صدقة بن عبد عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. -اقتطاع المستدرك كلام الأئمة مرة أخرى ليوافق مراده: قال المستدرك: في إسناده صدقة بن عبد الله السمين، قال عنه ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يشتغل بروايته إلا عند التعجب، وقال أحمد: ما كان من حديثه مرفوعًا فهو منكر، وقال مسلم: منكر الحديث، ومع هذا

الضعف الشديد في صدقة، فقد تفرد بهذا الحديث. قلت: هكذا منهج هؤلاء في الحكم على الرواة يأتون بأشد ما قيل فيهم، ويدعون التوثيق، فقد وثق دحيم صدقة، وقال أبو زرعة: شيخ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال الذهبي في السير (7/ 316): قال عمرو بن أبي سلمة: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: جاءني الأوزاعي، فقال: من حدثك بكذا؟، قلت: الثقة عندك وعندي صدقة بن عبد الله. وقد ذكر الذهبي كلام الأئمة فيه، ثم قال: هو ممن يجوز حديثه، ولا يحتج به، وقد طحنه أبو حاتم بن حبان، فقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يشتغل بروايته إلا عند التعجب. وأما الذي يرد على هذا هو ما رواه الترمذي (630) من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل: قال: قلت: ما عندنا عسل نتصدق منه، ولكن أخبرنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة. فلو كان عند نافع مرفوعاً لما تركه، وأحال على المغيرة بن حكيم قوله. وقال الترمذي في العلل الكبير (175): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو عن نافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. ثم ذكر شاهدًا آخر ذكره من حديث أبي هريرة. قال: رواه العقيلي في الضعفاء، وضعفه، قال المستدرِك: وفي إسناده عبد الله ابن محرر، وهو متروك، وهو كما قال. ثم قال: هذه هي الشواهد التي ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله، وقد بينت أنها لا

تصلح في الشواهد. قلت: لقد قال الشيخ رحمه الله: راجع بقية الشواهد في نصب الراية، فلم يراجع، ولم يتعب نفسه، مع أن فيها ما هو أحسن حالاً من هذا الأخير، فقد رواه ابن ماجه (1823)، وأحمد (18069)، والطيالسي (1310)، وعبد الرزاق (6973)، وابن أبي شيبة (4/ 228)، وأبو عبيد في الأموال (1364)، وابن زنجويه في الأموال (2016) وغيرهم من طريق سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي فذكر نحوه. قال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي رقم (176): هو حديث مرسل، سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وله شاهد، أخرجه أحمد (16728)، وأبو عبيد في الأموال (1363)، وابن زنجويه في الأموال (2017) وغيرهم من طريق الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب. قال البخاري في الضعفاء (206): عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب لم يصح. ورواه ابن أبي شيبة (4/ 229) موقوفًا. والحديث صححه ابن الجارود (350)، وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 286): فأما حديث عمرو بن شعيب فهو حديث حسن. وقال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 15) بعد ذكره طرق الحديث (¬1): وذهب ¬

_ (¬1) وقد أخطأ ابن القيم حين ظن أن أسامة بن زيد الراوي عن عمرو بن شعيب هو ابن أسلم، وليس كذلك، بل هو الليثي، وفاته أن هناك من تابعه.

أحمد، وأبو حنيفة، وجماعة إلي أن في العسل زكاة، ورأوا أن هذه الآثار يقوي بعضها بعضا، وقد تعددت مخارجها، واختلفت طرقها، ومرسلها يعضد بمرسلها، وقد سئل أبو حاتم الرازي عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب يصح حديثه؟ قال: نعم. قلت: في الجرح والتعديل (5/ 207): عبد الله والد منير بن عبد الله، روى ممن سعد بن أبي ذباب، روى عنه ابنه منير بن عبد الله سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: لا أنكر حديثه. قلت: وهذا يقابل قول البخاري: لا يصح، فتبين بما سبق رجحان قول من صحح الحديث، وبالله التوفيق. ***

الحديث رقم (79)

الحديث رقم (79) - الإرواء (3/ 294) رقم (817): قال المستدرك: الشيخ الألباني رحمه الله ذكر حديث جابر: "لَيْسَ فِي الْحِليِّ زَكَاةٌ" ثم قال: باطل، ثم ذكر تحت هذا الحديث، أحاديث وجوب زكاة الحلي، وصححها، وهي محل البحث والاستدراك. قال: أحاديث زكاة الحلي ضعفها الأئمة المتقدمون: قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. قال ابن حزم: ما احتج به على إيجاب الزكاة في الحلي آثار واهية، ولا وجه للاشتغال بها. وقال ابن عبد البر: لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الذهب شيء. وقال الحافظ عمر بن بدر الموصلي (¬1): لا يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الإِمام الشافعي. وقال بعض الناس: في الحلي زكاة، وروى فيه شيئًا ضعيفًا. الراجح عندي: الحديث صحيح كما سيأتي. الحديث رواه أبو داود (1563)، والنسائي (5/ 38)، والبيهقي في السنن (4/ 140) كلهم من طريق خالد بن الحارث عن حسين بن ذكوان المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أَن امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ أتَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم-، ¬

_ (¬1) في كتاب المستدرك: أبو عمر المصلي، وهذا تحريف، وإنما هو أبو حفص الموصلي.

وَبِنْتٌ لَهَا، فِي يَدِ ابْنَتِهَا مسكَتَانِ غَليِظَتَانِ مِنْ ذَهَبِ، فَقَالَ: "أتؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ ". قَالَتْ: لاَ. قَالَ: "أيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ عز وجل بِهِماَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ". قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: هُمَا لله وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت حسينًا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة ومعها بنت لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي يد ابنتها مسكتان نحوه مرسل. قال النسائي: خالد أثبت من المعتمر، وهو في السنن الكبرى (2259)، وليس فيه قوله الأخير، ونقل عنه هذا المزي في التحفة (6/ 309)، وفيه زيادة: حديث معتمر أولى بالصواب، ونقل غيره عنه هذه الزيادة، وخالفهما عبد الوهاب ابن عطاء، فقد رواه من طريقه الدارقطني (2/ 107)، والبيهقي (4/ 139) عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلي خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة. وعبد الوهاب قال في التقريب: صدوق، ربما أخطأ، فروايته شاذة، وأما ما نقل من ترجيح النسائي رواية معتمر مع كون خالد أثبت منه فلا يتفق مع القواعد الحديثية، ولذا فالظاهر عدم ثبوت هذه الجملة عنه كما في سننه، وأما المستدرِك فكان له شأن آخر حيث قال: ولهذا الإسناد ثلاث علل: العلة الأولى: تفرد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال البيهقي: هذا يتفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال أبو عبيد: هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد قد تكلم الناس فيه قديمًا وحديثًا. قلت: معلوم أن الناس تكلموا في هذا الإسناد، وأن الذي تحصل من كلامهم

أنه إسناد حسن، فكان ماذا؟!. وأما التفرد فقد سبق الجواب عنه غير مرة، وقد رد ابن التركماني على البيهقي بقوله: قد ذكر في باب الطلاق قبل النكاح عن ابن راهويه أنه إذا كان الراوي عنه ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، وذكر عن جماعة من الحفاظ أنهم يحتجون بحديثه، فلا يضر تفرده بالحديث، قال يحيى القطان: إذا روى عنه الثقات فهو يحتج به، وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وابن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، فأخفى المستدرك هذا الرد، ولم يذكره!!!. قال المستدرك: العلة الثانية: الإرسال، وقد أعله بهذه العلة الإِمام النسائي، فقد أخرجه من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت حسينًا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة معها ... فذكره مرسلاً. ثم ذكر قول النسائي، ثم قال: إذا فالحديث معلول بالإرسال، والذي يظهر أن النسائي أراد أن يبين أن حديث المعتمر أولى بالصواب مع علمه بأن خالد [كذ]، أثبت في الجملة من المعتمر، أما في هذا الحديث بالذات، فالصواب فيه مع المعتمر. قلت: إن كلامه هذا يجري على قول من يقول: فسر الماء بعد الجهد بالماء، فأين الجديد الذي أضافه، إن السؤال لا يزال مطروحًا: لماذا قدم النسائي رواية معتمر على رواية خالد -على ما نقل عنه- مع أن خالدًا أثبت عنده من المعتمر؟ فكيف إذا توبع خالد؟!

فقد تابعه محمد بن أبي عدي عند أبي عبيد في الأموال (1174) (¬1). وتابعهما أبو أسامة عند البيهقي في المعرفة (6/ 141 - 142)، وابن الجوزي في التحقيق (983)، وهو ثقة ثبت، فكيف لا ترجح رواية الثلاثة على رواية المعتمر، مع أن خالدًا وحده أثبت منه كما نص عليه النسائي؟ فهل لقول من تابع النسائي وجه عند من وقف على هذه الطرق، وكان عنده أدنى معرفة بهذا العلم الشريف؟! فلو أن هذا المستدرِك صرح بأنه مقلد للنسائي لكان أدعى لتقدير كلامه؟ وحينئذ سيطالب بأنه ليس لمقلد أن ينكر على المجتهد المخالف لإمامه. فكيف إذا توبع حسين المعلم؟. فقد رواه أحمد (6667)، (6901)، (6939)، وابن أبي شيبة (4/ 248)، والدارقطني (2/ 108)، والبيهقي في المعرفة (6/ 142)، كلهم من طريق حجاج ابن أرطأة. ورواه الترمذي (637)، وابن زنجويه في الأموال (1762)، والبغوي في شرح السنة (1583) من طريق ابن لهيعة. ورواه عبد الرزاق (7065) عن المثنى بن الصباح (حجاج، وابن لهيعة، والمثني) ثلاثتهم تابعوا حسينًا المعلم، وهم وإن كانو ضعفاء إلا أن روايتهم ترجح روايته الموصولة. قال المستدرك: العلة الثالثة: نكارة المتن، قال أبو عبيد: لو كانت الزكاة في الحلي ¬

_ (¬1) ورواه أبو عبيد (1179) عن ابن أبي عدي عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة موقوفًا.

فرضًا كفرض الرقة ما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في العالم: من كتبه وسنته، ولفعلته الأئمة بعده، وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر، فلم نسمع له ذكرا في شيء من كتب صدقاتهم. قلت: لم يصرح أبو عبيد بنكارة متنه، وإنما تجاسر على ذلك هذا المستدرِك كعادته، وكلام أبي عبيد اجتهاد في مقابلة النص، وهو مردود اتفاقًا. وقال الترمذي: رواه المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا (يعني بعد روايته من طريق ابن لهيعة)، والمثني بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 365): الترمذي إنما ضعف حديث عبد الله بن عمرو، لأنه وقع له من رواية ابن لهيعة والمثني بن الصباح عن عمرو، فضعفهما، وضعفه بههما، لا بعمرو بن شعيب، وللحديث إسناد صحيح إلى عمرو بن شعيب، ثم ساق رواية خالد بن الحارث، وقال: وهذا إسناد صحيح إلى عمرو، والترمذي إنما ضعفه لأنه لم يصل عنده إلى عمرو بن شعيب إلا بضعيفين كما ذكرناه. قلت: والأمر على ما قال رحمه الله. ومن حديث عائشة، أخرجه أبو داود (1565)، وابن زنجويه (1763)، والدارقطني (2/ 155 - 156)، والحاكم (1/ 389 - 395)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 139)، وفي المعرفة (6/ 143)، وابن الجوزي في التحقيق (986)

كلهم من طريق (¬1) عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ ". فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أتَزَيَّنُ لَكَ فِيهِنَّ. فَقَالَ: "أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ ". فَقُلْتُ: لاَ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "هِيَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ". وقد وقع عند الدارقطني في الإسناد: محمد بن عطاء، فقال: محمد بن عطاء هذا مجهول، فقال البيهقي في المعرفة: قال الدارقطني: ومحمد بن عطاء هذا مجهول. قال البيهقي: هو محمد بن عمرو بن عطاء، فيما رواه أبو حاتم، ومحمد بن عمرو بن عطاء معروف. قلت: وهو ثقة من رجال الجماعة. قال المستدرك: ولهذا الحديث علل. العلة الأولى: في إسناده يحيى بن أيوب الغافقي المصري، ثم ذكر كلام الأئمة فيه، ثم قال: عند التأمل نجد أن الأقوال السابقة مجتمعة تدل على أنه إلى الضعف أقرب. قلت: هذا تأملك، أما أهل العلم فلهم شأن آخر، فقد ذكره الذهبي في السير، وقال: له غرائب ومناكير، يتجنبها أرباب الصحاح، وينقون حديثه، وهو حسن ¬

_ (¬1) جعله المستدرِك كله من طريق أبي حاتم الرازي عنه، وليس كذلك عند من ذكرهم في التخريج.

الحديث، وذكره فيمن تكلم فيه، وهو موثق، وقال: صدوق. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق، ربما أخطأ. قلت: يكفيه تزكية أنه أخرج له البخاري ومسلم وباقي الجماعة، فقد جاز القنطرة. قال المستدرك: العلة الثانية: المخالفة لما صح عن عائشة، وذكر ما أخرجه مالك في الموطأ ص (214) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها، لهن حلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. ونقل قول البيهقي: هي لا تخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روته عنه إلا فيما علمته منسوخا. قلت: ومعارضة البيهقي بين الحديث الذي روته وبين ما رأته في حلي الأيتام ودعواه النسخ يدل على أنه يصححه خلافًا لهذا المعترض، وأما دعوى النسخ فلا تسلم، بل إذا تعارض ما يرويه الصحابي مع ما يراه أخذ بروايته عن النبي-صلى الله عليه وسلم- كما هو معلوم، والله أعلم. ثم ذكر علة ثالثة، وهي كلام فارغ لا يستحق أن يرد عليه، فالراجح أن الإسناد حسن، والحديث صحيح من الطريقين، وله شواهد أخرى ضعيفة منها: ما أخرجه أحمد (17556)، وابن الجارود في المنتقى (353)، وابن قانع (3/ 220)، والطبراني في الكبير ج (22) رقم (677)، والبيهقي في الكبير (4/ 145)، والخطيب في تاريخه (6/ 191 - 192) من طريق الثوري عن عمر ابن يعلي بن مرة، بعضهم قال: عن أبيه، وبعضهم قال: عن أبيه عن جده. وعمر بن يعلى هو عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة ضعيف كما في التقريب.

ومن حديث أم سلمة، أخرجه أبو داود (1564)، والدارقطني (2/ 105)، والحاكم (1/ 390)، والبيهقي في المعرفة (6/ 142 - 143)، وابن الجوزي في التحقيق (985) من طريق ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة، وعطاء لم يسمع من أم سلمة. ومن حديث أسماء بنت يزيد عند أحمد (27614)، والطبراني في الكبير ج (24) رقم (431)، وفيه علي بن عاصم، وشهر بن حوشب، وفيهما مقال. وفيه أحاديث أضعف من هذه، وقد استغنيت بهذه عنها، وبالله التوفيق. والحديث صححه ابن الجارود، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وابن القطان كما سبق، وابن الملقن في البدر المنير (5/ 565)، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (579) عن حديث عبد الله بن عمرو: إسناده قوي، وصححه الحاكم من حديث عائشة. ***

الحديث رقم (80)

الحديث رقم (80) - الإرواء (3/ 358) رقم (861): حديث: "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْني مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ". قال الشيخ رحمه الله: جميع طرق هذا الحديث لا تخلو من قادح، إلا أن مجموعها يدل على أن للحديث أصلاً، فإن بعضها ليس شديد الضعف كحديث أبي سعيد، وحديث عبادة، وقدمه (¬1) الضياء كمن رأيت، والحديث بمجموعهن حسن، وقد جزم العلائي بصحته، وابن حجر الهيتمي (¬2) في أسمى المطالب في صلة الأقارب. ثم قال بعد تراجعه عن تحسين طريق من طرقه: الحديث لم ينزل بذلك إلى مرتبة الضعف كما توهم بعضهم، وإنما إلى مرتبة الحسن (¬3) كما بينته آنفًا. قلت: الذي ظهر لي أن طرق الحديث لا ترقيه للحسن، وقد بينت ذلك في تخريجي لمنتخب عبد بن حميد، والشيخ رحمه الله إمام من أئمة هذا الشأن، وله اجتهاده، وقد سبقه بالتصحيح الحاكم في المستدرك (4/ 322)، ولم يتعقبه الذهبي، وَكَذلك من ذكر الشيخ رحمه الله، فكان ماذا؟!!. ... ¬

_ (¬1) في المطبوع: وقدموا، ولم أجد لها وجها، فعدلتها بما ظهر لي. (¬2) كتبت في المطبوع هكذا: ثم أن حجر الفقه، وقد عدلته بما ظهر لي. (¬3) فهذا تراجع عن تصريحه بصحته في أول الحديث، فكان يجب على المستدرك أن ينبه على ذلك، لكنه لم يفعل، فلماذا؟، وقد فات هذا صاحبي التراجعات محمد حسن الشيخ، ومحمد كمال السيوطي، وهو يلزمهما.

الحديث رقم (81)

الحديث رقم (81) - الإرواء (277/ 2) رقم (870): حديث أبي سعيد مرفوعًا: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ، إِلاَّ فِي سَبِيلِ الله، أو ابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَيُهْدِي لَكَ، أَوْ يَدْعُو"، وفي لفظ: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لخِمْسَةٍ: لِلعَامِلِ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ الله، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ، فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِىٍّ". الحديث اختلف في وصله وإرساله، والذي ترجح عندي هو الإرسال كما بينته في تخريج منتخب عبد بن حميد (896)، والشيخ رحمه الله صححه، وله اجتهاده رحمه الله، فهو إمام من أئمة هذا الشأن، وليس متفردًا بتصحيحه، فقد سبقه بتصحيحه: ابن خزيمة، وابن الجارود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه لإرسال مالك بن أنس إياه عن زيد بن أسلم، وقد يرسل مالك الحديث، ويصله أو يسنده ثقة، والقول فيه قول الثقة الذي يصله، ويسنده، ولم يتعقبه الذهبي، والبزار فيما حكاه عنه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (299)، (2605)، وأقره، وابن الملقن في البدر المنير (7/ 382). -قصد المستدرِك الشيخ دون غيره: وصححه من المعاصرين محققو المسند (11268)، وقالوا: وهذا إسناد صحيح، وقد أعل بما لا يقدح فيه، وصححه أبو إسحاق الحويني في تحقيقه للمنتقى، فلم يذكر هذا المستدرِك مما يدل على قصده الشيخ دون غيره، فلماذا؟!!!. ***

الحديث رقم (82)

الحديث رقم (82) - الإرواء (4/ 25) رقم (914): حديث حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ". الحديث ذكر الشيخ رحمه الله طرقه، وتكلم عليها، وبين أنه اختلف في رفعه ووقفه، ونقل عن الدارقطني قوله: رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الأثبات الرفعاء، وعن البيهقي قوله: وهذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده، وفي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات. قلت: وهذا ميل منهما لترجيح كونه محفوظا مرفوعًا، ثم ذكر الشيخ رحمه الله باقي طرق الحديث وكلام الأئمة. ثم قال: وجملة القول: إن الحديث ليس له إسناد صحيح يمكن الاعتماد عليه سوى إسناد عبد الله بن أبي بكر، وهذا قد عرض له من مخالفته الثقات، وفقدان المتابع المحتج به ما يجعل النفس تكاد تميل إلى قول من ضعف الحديث، واعتبار رفعه شاذًّا. قلت: قد عرض الشيخ طرق الحديث وبين مالها وما عليها، وذكر اختلاف الأئمة فيه، وأن أبا حاتم وغيره قد ذهبوا إلى ترجيح الموقوف، وأن الدارقطني والبيهقي وهما من المتقدمين وغيرهما قد ذهبوا إلى ترجيح المرفوع، ثم مال الشيخ إلى من رجح وقفه، وهذا يبين منهج الشيخ رحمه الله، وأنه إمام ناقد، وأنه لا يقبل زيادة الثقة على الإطلاق، وإنما يتبع فيها ما ترجحه القرائن كما هو مذهب المحققين من أهل الحديث، فلو كان هذا المستدرك يريد بما يكتب نصرة مذهب

المحققين من أهل الحديث سابقًا ولاحقًا لاستوقفه ذلك، ولما كتب ما كتب من سعيه للتشكيك في منهج الشيخ رحمه الله في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، وما زعمه من دعوى مخالفة الشيخ لمنهج المتقدمين، وأما إن كان الشيخ نفسه هو المقصود فالأمر غير، والله المستعان. قال الشيخ: لولا أن القلب يشهد أن جزم هذين الصحابيين الجليلين حفصة وعبد الله ابني عمر، وقد يكون معهما عائشة - رضي الله عنها - جميعاً بمعنى الحديث وإفتائهم بدون توقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم عليه، إن القلب ليشهد أن ذلك يبعد جدًّا صدوره منهم، ولذلك فإني أعتبر فتواهم به تقوية لرفع من رفعه كما سبق عن ابن حزم، وذلك من فوائده، والله أعلم. قال المستدرك: هذا خطأ ظاهر، فإن العلماء ما زالوا يثبتون الأحاديث الموقوفة موقوفة، ثم يذكرون أنه مما لا يقال بالرأي؛ لأن هذه المسألة -أعني كونه مما لا يقال بالرأي مما تختلف فيه أنظار العلماء، فلا ينبغي الجزم برفع الحديث بناء على أمر قد ينازع فيه، ومعلوم أن هناك فرقًا كبيرًا جدًّا بين حديث يرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صراحة، وبين فتوى تنقل عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - وأرضاهم. قلت: لو أن تخطئته للشيخ كانت من بنات أفكاره لقلنا وجهة نظر له، ورؤية ارتآها عارض بها هذا الألباني الذي لم يفهم بعد كيف يصحح الأحاديث، ولم يَدْرِ الفرق بين ما هو موقوف له حكم الرفع وما هو مرفوع صريحًا، وأما نسبة ذلك إلى العلماء، ولم يستثن منهم أحدًا، فأقول: قال الشافعي رحمه الله في الرسالة ص (461) رقم (1263): المنقطع مختلف: فمن شاهد أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من التابعين، فحدث حديثا منقطعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر عليه بأمور: منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون، فأسندوه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من

قبل عنه، وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم؟ فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوى له مرسله، وهي أضعف من الأولى. وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله. وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فهذا كلام الشافعي رحمه الله موافق لما قال هذا الإِمام، فهل يمكن لهذا المعترض أن يوجه هذا النقد للشافعي رحمه الله بمثل ما وجه به لإمام محدثي العصر أم ماذا؟ ***

الحديث رقم (83)

الحديث رقم (83) - الإرواء (4/ 51) رقم (923): حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ". حكم الشيخ حسن: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: حسن. الحديث رواه أبو داود (2380)، والنسائي في السنن الكبرى (3130)، والترمذي (720)، وفي العلل الكبير (198)، وابن ماجه (1676)، وأحمد (10463)، والحربي في غريب الحديث (1/ 276)، والدارمي (1729)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 91 - 92) وابن خزيمة (1960)، وابن الجارود في المنتقى (385)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 97)، وفي المشكل (1680)، وابن حبان (3518)، والدارقطني (2/ 184)، والإسماعيلي في معجمه (1/ 321 - 322)، والحاكم في المستدرك (1/ 426 - 427)، والبيهقي في السنن الكبير (219/ 4)، وفي المعرفة (6/ 261)، وابن حزم في المحلى (6/ 175)، والبغوي في شرح السنة (1755)، وابن عساكر (56/ 134)، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 142 - 143)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 176) من طرق عن عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الترمذي: لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظًا.

-تكلم المستدرك بكلام يزري به إلى نفسه

وقال في العلل الكبير: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وقال: ما أراه محفوظًا. قلت: وقد عرفه غيره، كما قال الشيخ رحمه الله، فقد رواه ابن ماجه (1676)، وابن خزيمة (1961)، والحاكم (1/ 426)، والبيهقي (4/ 219) كلهم من طريق حفص بن غياث حدثنا هشام بن حسان فذكره بإسناده ومتنه. وقد ظهر بهذا أن إلحاق البخاري رحمه الله وتعليقه الخطأ بعيسى بن يونس لا وجه له، وعليه فلا وجه لتضعيف البخاري للحديث، وقال في التاريخ الكبير: ولم يصح، وإنما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رفعه، وخالفه يحيى بن صالح قال ثنا معاوية قال ثنا يحيى عن عمر بن حكم بن ثوبان سمع أبا هريرة قال: إذا قاء أحدكم فلا يفطر، فإنما يخرج، ولا يولج. -تكلم المستدرِك بكلام يزري به إلى نفسه: قلت: لئن صرنا إلى الترجيح فابن سيرين أوثق بمراحل من عمر بن الحكم بن ثوبان، فإن ابن ثوبان لم يوثقه غير ابن سعد وابن حبان، وابن سيرين فإمام من أئمة التابعين، ومن أعرف الناس بأبي هريرة، وهشام بن حسان من أثبت الناس فيه، وعيسى بن يونس متابع كما سبق، ولئن صرنا إلى الجمع فهو من باب مخالفة الصحابي لما رآه فتقدم روايته على رأيه، وكان أولى بهذا المعترض أن يصرح بتقليده للبخاري وغيره ممن ذهب إلى تضعيف الحديث، بدلاً أن يتكلم بكلام يزري إلى نفسه به، فإنه مع كونه وقف على متابعة حفص بن غياث لعيسى بن يونس قال في إعلال الحديث: العلة الثانية: غلط عيسى بن يونس في هذا الحديث، ومما ذكره في إعلاله للحديث: تفرد هشام بن حسان به، ومن له أدنى معرفة بهذا العلم الشريف يقول: فكان ماذا؟ وهو من أثبت الناس في محمد بن سيرين، وقد مضى

-قصد المستدرك الشيخ الألباني دون غيره

الجواب عن هذا بما لا حاجة لإعادته. ومن عجيب أمر هذا المعترض أنه عد الترمذي فيمن ضعف الحديث، مع أنه نقل عنه قوله: حديث حسن غريب، وهذا يدل على خلافه مع البخاري في تضعيفه. وقال الدارقطني: رواته ثقات كلهم، ولم يعلله، ولذا قال الحافظ في بلوغ المرام (628): أعله أحمد، وقواه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وابن حزم، وحسنه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 659)، وقال ابن دقيق العيد في الإلمام (593): رواته ثقات، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/ 222): والذين لم يثبتوا هذا الحديث لم يبلغهم من وجه يعتمدونه، وقد أشاروا إلى علته، وهو انفراد عيسى بن يونس، وقد ثبت أنه لم ينفرد به، بل وافقه عليه حفص بن غياث. -قصد المستدرك الشيخ الألباني دون غيره: وقول هؤلاء الأئمة هو الذي تقتضيه القواعد الحديثية، فهو الراجح، وقد صححه الأستاذ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان، ووقف عليه المستدرك، فلم يذكره مما يدل على قصد الشيخ دون غيره، والله المستعان. وله شاهد عند الطبراني في الأوسط (1568) من حديث عبد الله الصنابحي، وإسناده ضعيف. وروى أبو داود (2381)، والنسائي في الكبرى (3120) - (3129)، والترمذي (87)، وأحمد (21701)، (27537) وغيرهم عن أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء، فأفطر، ورجاله ثقات.

وروى أحمد (23935)، (23948)، (23963) وغيره عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ. قَالَ: فَدَعَا بِمَاءٍ، فَشَرِبَ، فَقُلْنَا لَهُ: وَالله يَا رَسُولَ الله إِنْ كَانَ هَذَا الْيَوْمُ كُنْتَ تَصُومُهُ. قَالَ: "أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْتُ"، وإسناده حسن. ***

الحديث رقم (84)

الحديث رقم (84) - الإرواء (4/ 53) تحت الحديث (925): حديث: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح بزيادته. قال المستدرِك: هذا اللفظ في الصحيحين، وفي النسائي زيادة: "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ الله الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا"، وضعفها. الراجح عندي: الزيادة صحيحة. الحديث بدون الزيادة رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، وأبو داود (2407)، وأحمد (193)، (14426)، (15282)، والنسائي (4/ 177) وغيرهم (¬1) من طرق عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر به. ولم يختلف على شعبة في اسم محمد بن عبد الرحمن أنه ابن سعد، وتابعه على تسميته عمارة بن غزية، وهو ثقة عند أحمد (14794)، والفريابي في الصيام (75)، وابن حبان (3553، (3554)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 173)، ورواه يحيى بن أبي كثير، واختلف عليه: فرواه النسائي (4/ 176)، وهو في الكبرى (2568)، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 79)، من طريق وكيع قال: حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بذكر الزيادة. ¬

_ (¬1) وقد خرجته في التعليق على المنتخب لعبد بن حميد (1080).

ورواه النسائي من طريق عثمان بن عمر قال أنبأنا علي بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن، ولم ينسبه عن رجل عن جابر فذكره دون الزيادة، ووكيع أرجح من عثمان، وقد توبع وكيع على نسبة محمد بن عبد الرحمن، وعلى الزيادة، فرواه الفريابي في الصيام (77)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 62)، وابن حبان (355) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر فذكره بالزيادة. وعند الطحاوي التصريح بالسماع في الإسناد كله. وقد توبع الوليد، تابعه أيوب بن سويد، وهو ضعيف عند الطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس (245) فرواه عن الأوزاعي، فنسب محمد بن عبد الرحمن بابن ثوبان، وذكر الزيادة. وقد خولفا، فرواه الطبري (246): حدثني العباس بن الوليد العذري أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله فذكره. وقال النسائي في الكبرى (2566)، وهو في المجتبى (4/ 176): أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق قال: حدثنا عبد الوهاب بن سعيد قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن قال: حدثني جابر بن عبد الله، فذكره بالزيادة. قال النسائي: هذا خطأ، ومحمد بن عبد الرحمن لم يسمع هذا الحديث من جابر. ثم قال: أخبرني محمود بن خالد قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن قال: حدثني من سمع جابرًا

نحوه. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (728) في رواية الوليد بن مسلم: هذا حديث خطأ، إنما هو: محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال المزي في تحفة الأشراف (2/ 270) تعقيبا على كلام النسائي: هذا وهم من النسائي رحمه الله حيث ظن أن محمد بن عبد الرحمن الذي روى عنه شعبة هو ابن ثوبان، وإنما هو ابن سعد بن زرارة الأنصاري، نسبه غير واحد في هذا الحديث عن شعبة، وأما ابن ثوبان فلم يسمع منه شعبة، ولا لقيه. قال ابن حجر في فتح الباري (4/ 185): والذي يترجح في نظري أن الصواب مع النسائي، لأن مسلمًا لما روى الحديث من طريق أبي داود عن شعبة قال في آخره: قال شعبة: كان بلغني هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الإسناد في هذا الحديث: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم"، فلما سألته لم يحفظه، قال الحافظ: والضمير في سألت يرجع إلى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى، لأن شعبة لم يلق يحيى، فدل على أن شعبة أخبر أنه كان يبلغه عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو عن جابر في هذا الحديث زيادة، ولأنه لما لقي محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى سأله عنها، فلم يحفظها. قال المستدرك: وما ذكره الحافظ قوي للغاية، وهو ينسجم مع ما قرره الحفاظ رحمهم الله جميعًا، وقال قبل ذلك: وقد نصر الحافظ قول النسائي بكلام محرر جدًّا. وأقول: لا أدري لماذا أثنى كل هذا الثناء على كلام الحافظ وحده؟ مع أنه مبني على الظن حيث افترض أن شعبة سأل شيخ يحيى بن أبي كثير عن هذه الزيادة، ورتب على ذلك أن شيخ يحيى هو شيخ شعبة، وهو محمد بن عبد الرحمن بن سعد

ابن زرارة، والأقرب أن يكون شعبة سأل شيخه، هل حفظ ما بلغه أن يحيى بن أبي كثير يرويه عن شيخه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الذي وقعت نسبته كذلك في روايات عنه، ثم إن هذا الذي أورده الحافظ، قد رواه مسلم من طريق أحمد بن عثمان النوفلي: حدثنا أبو داود حدثنا شعبة، والحديث مروي عن شعبة من طرق كثيرة جدًّا، وفيها رواية غندر الذي هو أثبت الرواة عنه، وليس في شيء منها هذه الزيادة، بل إن هذه الزيادة ليست في مسند أبي داود الطيالسي (1827) الذي روى عنه أحمد بن عثمان هذه الزيادة، فلماذا لا نقول بشذوذها؟!. وقد قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/ 579) رقم (585) عن طريق شعيب بن شعيب بن إسحاق: هذا إسناد صحيح متصل، يذكر كل واحد منهم: "حدثني" حتى انتهى ذلك إلى محمد بن عبد الرحمن، فقال: حدثني جابر، ... والذي بعده من قول النسائي: هذا خطأ، ومحمد بن عبد الرحمن لم يسمع هذا الحديث من جابر. نبين الآن -إن شاء الله أنه إنما قال ذلك معتقداً أنه محمد بن عبد الرحمن بن سعد، لا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وذلك أن كل ما أورد بعده منقطعا، إنما هو لمحمد بن عبد الرحمن بن سعد، لا لابن ثوبان. فمما أورد بعده: نبأني محمود بن خالد حدثنا الفريابي حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عبد الرحمن أخبرني من سمع جابرًا نحوه. فهذا هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، لا ابن ثوبان. وأورد من رواية وكيع: عن علي بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان عن جابر، هكذا معنعناً، لم يقل: أخبرني جابر، كما قال شعيب عن الأوزاعي، وصرح فيه بأنه ابن ثوبان.

وقال عثمان بن عمر: عن علي بن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن رجل عن جابر. وهذا أيضًا هو ابن سعد، لا ابن ثوبان، فعرف النسائي أن محمد بن عبد الرحمن هذا الذي يقول في رواية الفريابي: عن الأوزاعي عن يحيى عنه، حدثني من سمع جابرًا -وفي رواية عثمان بن عمر: عن علي بن المبارك عن يحيى عنه عن رجل عن جابر أنه محمد بن عبد الرحمن بن سعد، فقضى لذلك بانقطاع روايته للحديث عن جابر، وزاد إلى ذلك أن ظن أنه الذي في رواية شعيب عن الأوزاعي، فخطأ من قال عنه: حدثني جابر، وجزم بأن بينهما رجلاً، ثم أخذ في بيان من هو هذا الرجل الذي بينهما، فقال: ذكر اسم الرجل: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى وخالد ابن الحارث عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً قد ظلل عليه في السفر، فقال: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، ثم قال: حديث شعبة هذا هو الصحيح. انتهى ما أورد النسائي في بيان انقطاع رواية محمد بن عبد الرحمن بن سعد فيما بينه وبين جابر في هذا الحديث. والخطأ فيه هو في أن اعتقد في محمد بن عبد الرحمن القائل: حدثني جابر أنه ابن سعد، وليس الأمر كذلك، وإنما هو ابن ثوبان، وهو قد سمعه من جابر، كما أخبر عن نفسه في قوله: "حدثني جابر"، وقد صُرِّح بكونه ابن ثوبان في رواية وكيع عن علي بن المبارك. فإذن هذا الذي يرويه شعبة عنه عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر، ليس هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وإنما هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وبيان ذلك في كتاب مسلم وأبي داود في نفس هذا الإسناد، وهو أنصاري، وليس في روايته ذكر للزيادة المذكورة، وإنما هي في رواية محمد بن عبد الرحمن بن

ثوبان. ويحيى بن أبي كثير معروف الرواية عن الرجلين، أما عن ابن ثوبان فهو مصرح به في الإسناد المذكور من رواية وكيع عن علي بن المبارك. وروايته عن ابن سعد بن زرارة مصرح به أيضًا في كتاب مسلم في الحديث المذكور دون الزيادة المذكررة (¬1). قلت: فاتفق ما انتهى إليه ابن القطان مع ما انتهي إليه المزي، وكلامهما أقرب للقبول من كلام الحافظ ابن حجر، قال شيخنا الإمام الألباني رحمه الله: قول من قال فيها: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وهم، وإنما هو ابن عبد الرحمن بن سعد، وهذا عندي بعيد، لأنه يلزم منه تخطئة ثقتين حافظين هما الوليد بن مسلم ووكيع، فإنهما قالا: "ابن ثوبان" كما سبق، ومثل هذا ليس بالأمر السهل ما أمكن الجمع دون تخطئة الثقات الآخرين. قلت: ويضاف إليهما شعيب بن إسحاق الذي قال عن محمد بن عبد الرحمن: حدثثي جابر، فترجيح الانقطاع يقتضي تخطئة ثلاثة من الثقات، فالجمع أولى كما ذهب إليه ابن القطان، والمزي، واحتج به ابن حزم في المحلى (6/ 254)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وبالله التوفيق. ... ¬

_ (¬1) قال المعلق: هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فلا وجود لرواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد في كتاب مسلم، وهو كما قال.

الحديث رقم (85)

الحديث رقم (85) - الإرواء (4/ 65) رقم (931): حديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ". قال المستدرك: انظر الحديث رقم (83). قلت: لماذا لم تقل عند الحديث رقم (83)، وسيتكرر في الإرواء برقم (931)؟ أم أنك تريد أن تزيد العدد؟!!. ***

الحديث رقم (86)

الحديث رقم (86) - الإرواء (4/ 88) تحت الحديث (939): وهو حديث الرجل المجامع في رمضان، وفيه زيادة: "وَصُمْ يَوْمًا، وَاستَغْفِرِ الله". قال المستدرك: هذه الزيادة ضعيفة، منكرة، تكلم على أفراد طرقها عدد من الأئمة، منهم: أبو زرعة، وأحمد، وابن القطان، وابن خزيمة، وابن عبد البر. قلت: ولا يخفى أنه إذا تكلم بعض أهل العلم على بعض أفراد طرق حديث، أو حتى عليها كلها فلا يلزم منه تضعيفه للحديث أو ضعف الحديث من مجموع طرقه، وإن كان الراجح عندي عدم ثبوتها. وقد رواه أبو داود (2393)، وابن خزيمة (1954)، وابن عدي في الكامل (7/ 109)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 118)، وفي المشكل (1516)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (962)، والدارقطني في سننه (2/ 190)، وفي العلل (10/ 241 - 242)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 226 - 227)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 168 - 175) كلهم من طريق هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة فذكر الحديث، وفيه الزيادة. قال المستدرك: كلام الحفاظ في تضعيف هشام بن سعد: قال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: صالح، ليس بمتروك، وقال مرة: ليس بشيء، كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وقال ابن المديني: صالح، وليس بالقوي، وقال أحمد: لم يكن بالحافظ، وقال مرة: واهي الحديث. قال المستدرك: وعبارات باقي الأئمة نحوًا [كذا] مما سلف.

قلت: ليس كما ادَّعى، فقد قال الساجي: صدوق، وقال أبو زرعة: محله الصدق، وقال العجلي: جائز الحديث، حسن الحديث، وقال الذهبي في السير: الإِمام المحدث الصادق، وقال أبو داود: هو ثقة، أثبت الناس في زيد بن أسلم، ثم قال: احتج به مسلم، واستشهد به البخاري. فهل هذه الأقوال نحو ما نقله عن الأئمة؟، وهل يوثق بنقله بعد ذلك؟. نعم أخطأ هشام في سنده، حيث قال: عن الزهري عن أبي سلمة، وإنما هو عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، قال ابن خزيمة: هذا الإسناد وهم. قلت: لكن لا يلزم من خطئه في الإسناد أن يكون قد أخطأ في المتن، وقد توبع عليه، فرواه أبو عوانة في صحيحه (2859) من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا بالزيادة. ورواه الطحاوي في المشكل (1518)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 226)، وفي الصغير (1330) كلهم من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث ابن سعد عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة مرفوعًا بالزيادة. قال البيهقي: وكذلك قاله أبو أويس المدني، وعبد الجبار بن عمر الأيلي عن الزهري. قلت: وإن كان أكثر رووه بدون هذه الزيادة إلا أن الشواهد تدل على أن لها أصلاً، فرواه أحمد (6945)، وابن أبي شيبة (4/ 170)، وابن خزيمة (3/ 224)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 226)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 168) كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا بهذه الزيادة. وحجاج ضعيف، وقد خالفه عبد الرحمن بن عبد الله السراج، فرواه من

طريقه مسدد في مسنده كما في المطالب العالية (1034)، رواه عن عطاء وعمرو ابن شعيب فذكره مرسلاً، والسراج ثقة، فالمرسل أصح. وقد روي مرسلاً عن ابن المسيب بإثبات الزيادة وبعدم إثباتها، فالظاهر عدم ثبوتها، والمسألة محل اجتهاد، والشيخ رحمه الله قد سبقه الحافظ في الفتح (4/ 172) بقوله: ووقعت الزيادة أيضاً في مرسل سعيد بن المسيب، ونافع بن جبير، والحسن، ومحمد بن كعب، وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلاً. ***

الحديث رقم (87)

الحديث رقم (87) قال المستدرِك: على قوله - صلى الله عليه وسلم - "صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ": هذه اللفظة ضعيفة، وتقدم تفصيل الكلام عليها تحت الحديث رقم (86). قلت: فَلِمَ لَمْ تُلْحقه به، فتقول عنده: وسيأتي برقم (940)؟، أم أنك تريد زيادة عدد الأحاديث؟ أم ماذا؟!!!!. ***

الحديث رقم (88)

الحديث رقم (88) - الإرواء (4/ 118) رقم (960): حديث: "لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ". صححه الشيخ رحمه الله، واعترض عليه هذا المستدرك. والذي ترجح لدي فيه: أنه لا يصح، وقد بيَّنت ذلك في تعليقي على "منتخب عبد بن حميد" برقم (508)، ومع ذلك فالأمر اجتهادي، والشيخ إمام مجتهد، له وجهة نظره المبنية على القواعد الحديثية، فمن قلده ممن لم يتمكن من معرفة الحكم على الحديث فهو على خير إن شاء الله، والشيخ مسبوق بتصحيح أئمة للحديث، وبعضهم حسنه، فقد حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي، وحكى قوله ابن دقيق العيد في الإمام (621)، وأقره، وقال النووي في المجموع (6/ 439): قال أبو داود: هذا الحديث منسوخ، قال النووي: وليس كما قال، وقال أيضًا: وأما قول أبي داود: إنه منسوخ فغير مقبول، وأي دليل على نسخه؟!. وقال: وقال مالك: هذا الحديث كذب، وهذا القول لا يقبل، فقد صححه الأئمة. قلت: وأورده الضياء في الأحاديث المختارة، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 763): الحق أنه حديث صحيح، غير منسوخ. ***

الحديث رقم (89)

الحديث رقم (89) الإرواء (4/ 135 - 136) رقم (965) حديث عائشة: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ ". فَقُلْتُ: لاَ. قَالَ: "فَإِنِّي صائمٌ. ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَدْ أُهْدِيَ إليَّ حَيْسٌ، فَخَبَأْتُ لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْحَيْسَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَخَبَأْتُ لَكَ مِنْهُ. قَالَ: "أَدْنِيهِ أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ". فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا". قال الشيخ عن قوله: "إِنَّما مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ ... إلخ": أخرجه النسائي، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة متقن كما في التقريب، وقد تابعه شريك عن طلحة به، أخرجه النسائي أيضًا. قال المستدرك: هذه الزيادة شاذة، وأعرض عنها مسلم، وقال: روى هذا الحديث طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عائشة بنت طلحة عنها به، ورواه عن طلحة عدد من الرواة الثقات، لم يذكروا هذه الزيادة، وهم: وكيع، وعبد الواحد بن زياد، وأبو معاوية، وعيسى بن يونس، وسفيان بن عيينة، وذكر هذه الزيادة اثنان: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وشريك. قلت: لقد قصر في بيان أمر هذا الحديث؟ فقد رواه النسائي في الكبرى (2631)، وهو في المجتبى (4/ 193) من طريق أبي الأحوص سلام بن سليم، ورواه أيضًا في الكبرى (2632)، وهو في المجتبى (4/ 194) من طريق شريك النخعي (أبو الأحوص وشريك) كلاهما

عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن مجاهد عن عائشة به، وفيه هذه الزيادة. ورواه النسائي في الكبرى (2633)، وهو في المجتبى (4/ 194) من طريق أبي بكر الحنفي عن سفيان الثوري عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة به، بدون الزيادة. ورواه أبو داود (2455)، والبيهقي (4/ 203) من طريق محمد بن كثير العبدي، والترمذي (734)، وفي الشمائل (183)، والبغوي في شرح السنة (1745) من طريق بشر بن السري، ورواه النسائي في الكبرى (2634)، وهو في المجتبى (4/ 194) من طريق القاسم بن يزيد الجرمي، والدارقطني (2/ 176 - 177) من طريق يحيى بن أبي الحجاج، والبيهقي في الكبير (3/ 204)، وفي فضائل الأوقات 135 من طريق روح بن عبادة. (محمد بن كثير، وبشر بن السري، والقاسم بن يزيد، ويحي بن أبي الحجاج، وروح بن عبادة) خمستهم رووه عن الثوري عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين به دون الزيادة، وليس فيه مجاهد. ورواية الجماعة أولى من رواية أبي بكر الحنفي، خاصة أنها الموافقة لرواية الجماعة عن طلحة كما سيأتي إن شاء الله. فقد رواه مسلم (1154 - 170)، وأبو داود (2455)، والنسائي في الكبرى (2636)، وهو في المجتبى (4/ 195)، والترمذي (733)، وأحمد (25731)، وإسحاق بن راهويه (1024)، وابن خزيمة (143)، وابن حبان (3628)، وأبو نعيم في المستخرج (2618)، والبيهقي (203/ 4)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 77 - 78)، وابن عساكر (27/ 94)، وابن الجوزي في التحقيق (1057) كلهم من طريق وكيع.

وأخرجه مسلم (1154) -169، والبيهقي (4/ 203، 274 - 275) من طريق عبد الواحد بن زياد. وأخرجه النسائي في الكبرى (2635)، وهو في المجتبى (4/ 194 - 195)، وأحمد (24220)، وابن خزيمة (2143) (¬1)، وأبو عوانة (2839) (¬2)، وأبو نعيم في المستخرج (2618)، وابن عبد البر في التمهيد (78/ 12)، وابن عساكر (4/ 164)، وابن الجوزي في التحقيق (1135) كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان. ورواه أحمد (25731) من طريق عبد الله بن نمير. ورواه الشافعي في الأم (2/ 88)، وفي المسند (634)، (635)، وعبد الرزاق (7793)، والحميدي في مسنده (190)، (191)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 109)، والدارقطني في سننه (2/ 177)، والبيهقي (4/ 275)، وفي المعرفة (6/ 335)، والبغوي في شرح السنة (1812)، والشجري في الأمالي (1278)، وابن الجوزي في التحقيق (1144) كلهم من طريق سفيان بن عيينة. وقد رواه الدارقطني من طريق محمد بن عمرو بن العباس الباهلي عن ابن عيينة، وفيه زيادة: وأصوم يوما مكانه، ثم قال: لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي، ولم يتابع على قوله: "وَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ"، ولعله شبه عليه، لكثرة من خالفه عن ابن عيينة، وساق البيهقي بإسناده إلى الشافعي قال: سمعت سفيان ¬

_ (¬1) في المطبوع: محمد بن سعيد، والظاهر أنه تصحف من يحيى بن سعيد. (¬2) في المطبوع: يحيى بن طلحة، وقال المعلق الأستاذ أيمن بن عارف الدمشقي: في المخطوط: يحيى عن طلحة، وهو تحريف. قلت: بل هو الصواب، والتحريف ما صنعه!.

عامة مجالسه لا يذكر فيه: "سَأصُوم يَوْماً مَكَانَهُ"، ثم عرضته عليه قبل أن يموت بسنة، فأجاب فيه: "سَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ". قال البيهقي: وروايته عامة دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى، لا يذكره منهم أحد، منهم: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعبد الواحد بن زياد، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، ويعلي بن عبيد وغيرهم تدل على خطأ هذه اللفظة. قلت: ورواه إسحاق (1023) من طريق عيسى بن يونس. وابن خزيمة (2141)، وابن حبان (3629)، والدارقطني (2/ 175)، وتمام في الفوائد (1029)، (1030)، والبيهقي في فضائل الأوقات 135 من طريق شعبة. ورواه أبو يعلى (4563)، وأبو نعيم في المستخرج من طريق أبي معاوية. ورواه أبو يعلى (4596)، ومن طريقه ابن حبان (3630) من طريق إسماعيل بن زكريا. ورواه أبو عوانة (2838)، والبيهقي في فضائل الأوقات (135)، وفي الصغير (1293)، (1294) من طريق يعلي بن عبيد. ورواه أبو عوانة (2840)، (2842) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، وجعفر بن عون، وأبي أسامة. ورواه أبو نعيم في المستخرج (2618) من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني. (وكيع، وعبد الواحد بن زياد، ويحي القطان، وعبد الله بن نمير، وابن عيينة

في عامة دهره، وعيسى بن يونس، وشعبة، وأبو معاوية، وإسماعيل بن زكريا، ويعلى بن عبيد، وأبو نعيم، وجعفر بن عون، وأبو أسامة، وعبد الحميد الحماني) أربعة عشرتهم (¬1) رووه كرواية سفيان الثوري، ليس فيه زيادة: إنما مثل صوم المتطوع ... إلخ. فقد بان بذلك رجحان كون هذه الزيادة غير محفوظة، ويبين أنها مدرجة من كلام مجاهد رحمه الله ما ورد عند مسلم: قال طلحة: فحدثت مجاهدًا بهذا الحديث، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها. ورواه الدارقطني (2/ 175 - 176)، والبيهقي (4/ 275) من طريق سليمان ابن معاذ عن سماك عن عكرمة عن عائشة بنحوه. قال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح. قال ابن التركماني: كيف يكون إسناداً صحيحًا، وفيه سليمان بن معاذ، ويقال له: سليمان بن قرم .. قلت: هو متكلم فيه، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يتبع حديث قطبة بن عبد العزيز، وسليمان بن قرم، ويزيد بن عبد العزيز بن سياه، وقال: هؤلاء قوم ثقات، وهم أتم حديثًا من سفيان وشعبة، هم أصحاب كتب، وإن كان سفيان وشعبة أحفظ منهم، وقال أيضاً: لا أرى به بأسًا، لكنه كان يفرط في التشيع، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان إفرادات، وهو خير من سليمان بن ¬

_ (¬1) وفي طرقه اختلاف لم أر حاجة لذكره هنا.

أرقم بكثير. وقال مغلطاي: خرج أبو عوانة حديثه في "صحيحه"، وضعفه غيرهم. وقال المزي: استشهد به البخاري، وروى له الباقون سوى ابن ماجه. والظاهر أنه حسن الحديث، والله أعلم، وهو في المتابعات. وقال ابن معين: بعضهم يرويه عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة، وإنما الحديث عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين. وهذا يعني أن هذه الزيادة ليست في الحديث. والشيخ رحمه الله له اجتهاده، وقد قال الدارقطني في علله (3923): يرويه طلحة بن يحيى بن طلحة، واختلف عنه: فرواه الثوري، وشعبة، وزائدة، ويحي القطان، وإسماعيل بن زكريا، وابن عيينة، وأبو معاوية، ووكيع، وأبو أسامة، وعبد الله بن داود الخريبي عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة. وكذلك روي عن سماك بن حرب (¬1) عن رجل من آل طلحة، وهو طلحة ابن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة. وخالفهم شريك، وأبان بن تغلب، فروياه عن طلحة عن مجاهد عن عائشة. ورواه القاسم بن غصن، والقاسم بن معن عن طلحة بن يحيى عن مجاهد ¬

_ (¬1) ورواه عبد الرزاق (7792) عن إسرائيل عن سماك بن حرب عن عائشة بنت طلحة عن عائشة، قال أبو حاتم كما في العلل (711): منكر، سماك عن عائشة بنت طلحة لا يجيء، لعله دخل له حديث في حديث.

وعائشة بنت طلحة عن عائشة، فصححا بروايتهما لذلك القولين جميعًا عن طلحة ابن يحيى، ثم قال: وحديث طلحة بن يحيى صحيح عنه. فتصحيح إثبات مجاهد في الإسناد يستلزم تصحيح هذه الزيادة في المتن، والله أعلم، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 655). ***

الحديث رقم (90)

الحديث رقم (90) - الإرواء (4/ 155) رقم (986): حديث ابن عباس مرفوعًا: "أَيُّمَا صَبيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّهٌ أُخْرَى، وأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ عُتِقَ فعَليْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح مرفوعًا وموقوفًا. حكم المستدرِك: لا يصح إلا موقوفًا. الراجح عندي: صحته مرفوعًا وموقوفًا كما قال الشيخ رحمه الله. الحديث رواه ابن خزيمة (3050)، والطبراني في الأوسط (2731)، والقطيعي في الألف في دينار (145)، والخلال في المجالس العشرة (85)، والحاكم (1/ 481)، والبيهقي في السنن الكبير (4/ 325)، (5/ 179)، وفي الصغير (1479)، وابن حزم في المحلى (7/ 44)، والخطيب في تاريخ بلده (8/ 209)، والضياء في المختارة (9/ 546) رقم (537) كلهم من طريق محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس مرفوعاً به. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن شعبة مرفوعًا إلا يزيد، تفرد به محمد بن المنهال. ورواه ابن خزيمة من طريق ابن أبي عدي عن شعبة به موقوفًا، ثم قال: هذا علمي هو الصحيح بلا شك. ورواه البيهقي في الكبير (4/ 325) من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأ شعبة، فذكره موقوفًا. وقال أيضاً (5/ 179): تفرد برفعه محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن

شعبة، ورواه غيره عن شعبة موقوفاً، وكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش موقوفًا، وهو الصواب. قلت: وليس الأمر كما قال الطبراني، والبيهقي، فقد توبع محمد بن المنهال، فرواه ابن عدي في الكامل (2/ 196)، والخطيب في تاريخه (8/ 209)، وفي تلخيص المتشابه (2/ 664) من طريق الحارث بن سريج النقال نا يزيد بن زريع أنا شعبة، فذكره مرفوعًا. قال الخطيب: لم يرفعه إلا يزيد بن زريع عن شعبة، وهو غريب. لكن قال ابن عدي: هذا الحديث معروف بمحمد بن المنهال الضرير عن يزيد بن زريع، وأظن أن الحارث بن سريج هذا سرقة منه، وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن يزيد بن زريع غيرهما، ورواه ابن أبي عدي وجماعة معه عن شعبة موقوفًا. قلت: هذا قاله ابن عدي، لأنه كان سيئ الرأي في ابن سريج، وإلا فقد وثقه ابن معين والأزدي. وأما دعوى تفرد يزيد بن زريع برفعه، فيعارضها ما رواه الحاكم من طريق عفان، وأبي الوليد الطيالسي، ومحمد بن كثير عن شعبة مرفوعاً به. ومتابعة هؤلاء الثقات الثلاثة ليزيد بن زريع لم ينبه عليها أحد، إلا أن ابن الملقن قال في البدر المنير (6/ 17): قال البيهقي في خلافياته بعد مقالة شيخه الحاكم هذه (¬1): أظن أن شيخنا حمل حديث عفان وغيره على حديث يزيد بن زريع. ¬

_ (¬1) يعني قوله: صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

قلت: يعني بذلك أنه ضم عفان وغيره في الرواية عن شعبة للحديث مرفوعًا، وهذا ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، والحاكم فقد ساق الحديث بإسناده إليهم، فلا يلتفت بعد ذلك للظن، والله أعلم، ويؤيد رفع الحديث ما رواه ابن أبي شيبة (5/ 520): حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: احفظوا عني، ولا تقولوا: قال ابن عباس. وقد اعتبره البيهقي في الصغير (2/ 140) موقوفًا، والأظهر أن له حكم الرفع، لأن ابن عباس نهاهم أن ينسبوا القول له، وهو يقرر الحكم الشرعي، فمثل هذا لا يتجه إلا أن يكون حمله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما ذهب إليه أبو الحسن ابن القطان الفاسي حيث قال في بيان الوهم والإيهام (2/ 587): ظاهر هذا الرفع. وقال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 18): هذا ظاهر الرفع، بل قطعي. وقد رواه البيهقي (5/ 178 - 179) عن ابن عباس نحوه من وجه آخر. وله شاهد مرسل عند ابن أبي شيبة (5/ 519)، وأبي داود في المراسيل (134)، وفي إسناده رأو مبهم. والحديث صححه ابن حزم، والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وابن القطان، وعبد الحق الإشبيلي، وابن دقيق العيد، وابن الملقن في البدر المنير (6/ 16)، والحافظ في الفتح (4/ 71)، وصحح وقفه ابن خزيمة والبيهقي، فكان ماذا؟!. ***

الحديث رقم (91)

الحديث رقم (91) - الإرواء (4/ 171) و (994): حديث ابن عباس: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: معلول. الراجح عندي: صحيح كما قال الشيخ رحمه الله. الحديث رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، والبزار (4998)، وابن خزيمة (3039)، وأبو يعلى (2440)، وابن حبان (3988)، وابن الجارود في المنتقى (499)، والطحاوي في المشكل (2547)، وابن الأعرابي في المعجم (2354)، والطبراني في الكبير (12419)، والدارقطني (2/ 270)، وأبو نعيم في المعرفة (3791)، والبيهقي في الكبير (4/ 336)، وفي الصغير (1462)، وفي المعرفة (7/ 29)، والجوزقاني في الصحاح والمشاهير (501)، والضياء في المختارة (10/ 245 - 249) رقم (260)، (261)، (262)، وابن الجوزي في التحقيق (1204)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 217) كلهم من طريق عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. قال ابن الجوزي: عزرة قال يحيى: لا شيء. قلت: ليس كما قال، بل قال رحمه الله يحيى بن معين: عزرة الذي يروي عنه قتادة ثقة.

وقال البزار: لا نعلم أحدًا أسنده عن ابن أبي عروبة إلا عبدة. قلت: قد علم غيرك، فرواه ابن أبي شيبة (5/ 243) والدارقطني (2/ 270) من طريق محمد بن بشر. والدارقطني (2/ 270)، والبيهقي (4/ 336) من طريق أبي يوسف القاضي. والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري. (عبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري) أربعتهم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. ورواه غندر، والحسن بن صالح عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا. وقد قال الإِمام أحمد: رفعه خطأ، وقال ابن المنذر: ولا يثبت رفعه، ورجح الطحاوي الوقف أيضًا، فتكلم المستدرك بكلام طويل، يبرر ترجيح الأئمة وقفه، ثم قال: ثم توقفت في هذا الحديث، ولم يظهر لي الآن سبب ترجيح الأئمة لحديث غندر، مع أن غندر [كذا] في حديثه عن ابن أبي عروبة بالذات ضعف، فقد سمع منه بعد الاختلاط، وبالمقابل حديث عبدة أصح شيء عن ابن أبي عروبة. قلت: ترجيح من رجح الوقف لما رواه الطحاوي في المشكل (6/ 381): حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه عن سعيد بن جبير أنه حدثه أن عبد الله بن عباس مَرَّ به رجل يهل يقول: لبيك بحجة عن شبرمة، قال: وما شبرمة؟، قال: رجل أوصى أن يحج عنه، فذكره موقوفًا، وهذا إسناد رجاله ثقات.

لكن روي عن أحمد تصحيح الحديث، قال الحافظ في نتائج الأفكار (5/ 218): ذكر في مسائله (يعني أبا داود) أنه سأل أحمد عن هذا الحديث، فصححه، وقال أحمد: عبدة قديم السماع عن سعيد، يشير إلى اختلاط سعيد، قال: فذكرت ذلك لأبي زرعة، فقال: الحديث صحيح. وأما قول من قال عن الدارقطني: المرسل أصح، فليس يعني بذلك حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، فقد قال في علله (3874): وسئل عن حديث عطاء عن عائشة: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يلبي عن شبرمة .. الحديث، فقال: يرويه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه: فرواه هشيم عن ابن أبي ليلى، واختلف عنه: فرواه هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة، وخالفه إبراهيم بن طهمان، فرواه عن ابن أبي ليلى عن عطاء ابن عباس، وأرسله شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان ابن أبي ليلى سيئ الحفظ، ويشبه أن يكون الاختلاف من قبله، والمرسل أصح. قلت: فتبين أنه يتكلم على رواية ابن أبي ليلى عن عطاء، ومن فهم أنه يتكلم على الحديث مطلقًا، فقد وهم، والله أعلم. ورواه الطبراني في الأوسط (4495)، وفي الصغير (621)، والضياء في المختارة (11/ 224) رقم (219)، وابن حجر في النتائج (5/ 220) من طريق عبد الله بن سنده بن الوليد الأصبهاني قال: حدثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس فذكره مرفوعًا.

قال الطبراني: لم يروه عن عمرو بن دينار إلا حماد، ولا عن حماد إلا يزيد، تفرد به عبد الرحمن، قال ابن حجر: وهو ثقة من شيوخ أبي داود والنسائي، ومن فوقه من رجال الصحيح، وشيخ الطبراني ذكره أبو نعيم في تاريخه، فقال: هو عبد الله بن سعيد بن الوليد بن معدان الضبي، وسنده لقب سعيد، كان عبد الله كثير الحديث، روى عنه جماعة. قلت: قال أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 527)، كان ثقة صدوقًا، فصح الحديث. وللحديث طرق أخرى، فرواه الطبراني في الأوسط (2300)، والدارقطني (2/ 269)، وابن جميع في معجمه ص (96) من طريق أبي بكر بن عياش عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس به، ويعقوب ضعيف. وللحديث طرق أخرى ضعيفة، وقد صححه أحمد فيما ذكره الحافظ عنه، وقال البيهقي عن حديث عبدة: هذا إسناد صحيح، ليس في هذا الباب أصح منه، وصححه أبو زرعة، وابن القطان كما في بيان الوهم والإيهام (2628)، والجوزقاني في الصحاح، وابن الملقن في البدر المنير (6/ 46)، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن حجر في التلخيص (958)، وهو الصواب. ***

الحديث رقم (92)

الحديث رقم (92) - الإرواء (175/ 4) رقم (998): أخرج مسلم من طريق أبي الزبير أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - يُسْأل عَنِ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ -أَحْسِبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الْجُحْفَةُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاق مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: صحته. الحديث أخرجه مسلم (1183) من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، فذكره بالشك في رفعه، ورواه أبو نعيم في المستخرج (2703) من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج بالجزم، دون الشك. وقد رواه أحمد (14615) من طريق الحسن بن موسى، والبيهقي (5/ 27) من طريق ابن وهب كليهما (الحسن، وابن وهب) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرًا عن المهل فذكره بالجزم. قال الشيخ: قال عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: (ابن المبارك، وابن وهب والمقرئ)، وذكر الساجي وغيره مثله. قال الشيخ: فصح الحديث من هذا الطريق، والحمد لله. قلت: وهو كلام مستقيم عند من يقول بهذا التفصيل، وإن كنت لا أراه، وعلى

أي حال فرواية العبادلة تحسن من حال رواية ابن لهيعة، وقد توبع ابن لهيعة، تابعه موسى بن عقبة كما ذكره البيهقي، فروايتهما التي فيها الجزم أولى، ويقوي ذلك أن ابن جريج اختلف عليه، وأيضاً فشكه ليس متعادلاً في الشك بين الرفع والوقف، بل هو يحكيه عن غيره حيث قال: سمعت، أي: سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من غيره، ثم قال: أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجابر - رضي الله عنه - إذا قال: سمعت، فمن يتوقع أن يكون سمع منه؟، فالغالب أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روي الحديث مرفوعًا عن جابر من أوجه، وإن كان فيها مقال إلا أنها تقوي الرفع، فمن ذلك: ما رواه أحمد (6697)، وابن أبي شيبة (5/ 369)، وأبو يعلى (2222)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 119)، والدارقطني (2/ 235)، من طريق حجاج بن أرطأة عن عطاء عن جابر به، وحجاج ضعيف. ورواه ابن أبي شيبة (5/ 370): حدثنا أبو معاوية عن ابن جريج عن عطاء مرسلاً، والمرسل أصح من هذا الوجه. وللحديث شواهد: فرواه أحمد (6697) وغيره من طريق حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا به. وحجاج ضعيف كما سبق. ورواه أبو داود (1742)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1257)، والطبراني في الكبير (3351)، والدارقطني (2/ 236 - 237)، والبيهقي في السنن الكبير (28/ 5) كلهم من طريق عتبة بن عبد الملك السهمي ثنا زرارة بن كريم عن الحارث بن عمرو به، وعتبة قال في التقريب: مقبول، وروى الحديث من طريق غيره بغير ذكر ذات عرق. وقال أحمد (5492): حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت صدقة بن يسار سمعت ابن عمر يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره.

وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن رواه أحمد (4584) عن سفيان بن عيينة، و (6257) عن جرير بن عبد الحميد كلاهما عن صدقة عن ابن عمر فذكر المواقيت، قيل له: فالعراق؟، قال: لا عراق يومئذ. وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 119)، وأبو نعيم في الحلية (93/ 4 - 94) كلاهما من طريق جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر فذكر المواقيت، وفيه قال ابن عمر: وحدثني أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق. قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون، لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه. فهذا يقوي ثبوت الحديث من حديث ابن عمر، وقد جمع الشيخ الألباني رحمه الله بينهما بأن ابن عمر لم يكن يعلم حين نفى، ثم أعلمه من سمعه من الصحابة، وهو جمع له وجه من النظر، والله أعلم، والحديث ثابت من حديث جابر، وهذه الشواهد تقويه، وسيأتي من حديث عائشة - رضي الله عنهم - أجمعين. ***

الحديث رقم (93)

الحديث رقم (93) - الإرواء (4/ 176) رقم (999): حديث عائشة أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: ضعيف، لا يثبت. الراجح عندي: صحيح. قال المستدرك: ذهب الأئمة إلى عدم ثبوت توقيت ذات عرق مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو من اجتهاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ذهب إلى ذلك الشافعي، وطاووس، وأبو الشعثاء، وأحمد، ومسلم، وابن المنذر، وابن خزيمة. قلت: لم أسمع بأعجب من هذا، فهل طاووس، وأبو الشعثاء ممن يتكلم في صحة الحديث وعدمها، وإعلالها، أم أنهما يتكلمان على ما بلغهما. وأما حديث عائشة، فرواه أبو داود (1739)، والنسائي (5/ 123)، وابن عدي (1/ 417)، والطحاوي (2/ 118)، وابن الأعرابي (2335)، والبيهقي في الكبير (5/ 28)، وفي المعرفة (7/ 95) كلهم من طريق هشام بن بهرام المدائني قال: حدثنا المعافى بن عمران عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعًا به. قال المستدرك: قال الإِمام مسلم في التمييز ص (214): الأحاديث التي ذكرناها من قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق فليس منها واحد يثبت. قلت: بقية كلام مسلم رحمه الله في التمييز: "فأما رواية المعافى بن عمران عن أفلح

-إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية

عن القاسم عن عائشة فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد". اهـ. -إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية: فلماذا حذف المستدرِك هذا الكلام الذي علل به مسلم تضعيفه لحديث عائشة؟ هل لكونه علم أنها علة مردودة كما هو الظاهر، لأنه عزا الحديث للنسائي، والمتابع لهشام موجود عنده؟ فإن كان كذلك -كما هو الظاهر- فهل هذا من الأمانة؟! نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. فإعلال مسلم رحمه الله مردود باتفاق، فهشام ثقة، وهو متابع: فقد رواه النسائي (5/ 125)، وابن عدي (1/ 417)، والدارقطني (2/ 236) من طريق أبي هاشم محمد بن علي. وابن عدي (1/ 417)، والطحاوي (2/ 118) من طريق خالد بن يزيد وأبو يعلى في معجمه (103)، وأبو محمد الجوهري في حديث أبي الفضل الزهري (398) من طريق إسحاق بن إبراهيم أبي موسى الهروي. (هشام بن بهرام، ومحمد بن علي، وخالد بن يزيد، وأبو موسى الهروي) أربعتهم رووه عن المعافى بن عمران عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة مرفوعاً به. وأما إنكار أحمد، فمعلوم أن أحمد ينكر تفردات الثقات خلافًا لما عليه الجمهور من أهل الحديث كما سبق بيانه بما لا حاجة لإعادته، ولذا قال الشيخ رحمه الله: لا وجه عندي لهذا الإنكار أصلاً، فإن أفلح بن حميد ثقة اتفاقًا.

- إساءة المستدرك الأدب مع الشيخ رحمه الله

- إساءة المستدرك الأدب مع الشيخ رحمه الله: فقال المستدرك: هذا الكلام محل نظر من وجهين: الوجه الأول: كان ينبغي ألا يوصف كلام الإِمام أحمد بأنه لا وجه له، ولو وصف كلام للشيخ الألباني رحمه الله بمثل ذلك لاعتبره غير لائق. وأقول: لا أدري: هل يدعي أن الإِمام أحمد لا يخطئ، ولا يجتهد في مسألة، فيكون اجتهادًا ضعيفاً، لا وجه له، إن كان يعتقد ذلك فليفصح حتى نعرف معتقده، وإن أقر بأن الإِمام أحمد كغيره من الأئمة يصيب، ويخطئ، فماذا في قول الشيخ رحمه الله: إن حكم الإِمام أحمد لا وجه له، وهل هو الذي سيعلم الشيخ رحمه الله الأدب مع الأئمة، وكم له من مثل تلك الهنات. ثم ذكر الوجه الثاني: وهو مسألة التفرد التي لا يكاد يترك ذكرها في حديث، وقد أجيب عنه، وقد ذكر الذهبي كلام أحمد وابن عدي، ثم تعقب هذا القول بقوله. هو صحيح غريب، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (6/ 84)، وحكى حكم الذهبي، وأقره، وصححه أيضاً الطحاوي، وهو الصواب إن شاء الله، وصححه شيخنا مقبل بن هادي رحمه الله تعالى في تعليقه على التتبع للدارقطني رحمه الله، وبالله التوفيق. ***

الحديث رقم (94)

الحديث رقم (94) - الإرواء (4/ 197) رقم (1016): قوله - صلى الله عليه وسلم - في المُحْرِم الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: "وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً". رحمه الله الشيخ رحمه الله: صحيح بذكر الوجه. حكم المستدرِك: زيادة ذكر الوجه ضعيفة. الراجح عندي: زيادة ذكر الوجه صحيحة كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله. قال المستدرك: الحديث في الصحيحين لا إشكال في ثبوته، وفي مسلم زيادة: "ولا تُغَطُّوا وَجْهَهُ"، وهي شاذة، ضعفها الحاكم، والبيهقي، ويفهم تضعيفها من صنيع البخاري، وهو الصواب -إن شاء الله-. -تضعيف المستدرك حديثاً في صحيح مسلم: قلت: قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص (437 - 438) في النوع الرابع والثلاثين: ذكر الوجه تصحيف من الرواة، لاجتماع الثقات والإثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه: ولا تغطوا رأسه، وهو المحفوظ. ووافقه على تضعيفها البيهقي رحمهما الله. وقد رواه مسلم (1206) -98، والنسائي (5/ 145)، وأبو عوانة (3103)، (3104)، (3105)، والقطيعي في الألف دينار (122)، وابن بشران في الأمالي (320)، وأبو نعيم في المستخرج (2780)، والبيهقي في السنن الكبير

(3/ 391)، (5/ 53 - 54)، وابن حزم في حجة الوداع (105) من طرق (¬1) عن سفيان الثوري. ورواه أبو عوانة (3112)، وابن الأعرايي (2038)، والطبراني في الكبير (12528)، والدارقطني في سننه (2/ 295 - 296) من طريق عمر بن عامر وعمر بن عامر هو السلمي حسن الحديث. ورواه الطبراني (12524) من طريق عبد الله بن علي الأزرق. ورواه أيضًا (12525) من طريق أبان بن يزيد العطار. ورواه أيضًا (12526) من طريق أشعث بن سوار. ورواه أيضًا (12527) من طريق أبان بن صالح. ورواه أيضًا (12529)، وفي الأوسط (4896)، من طريق ابن أبي ليلى. ورواه أبو الحسين البغدادي في حديث شعبة (175) من طريق شعبة (¬2)، وأبان. وابن طهمان في مشيخته (27) من طريق مطر الوراق. (الثوري، وعمر بن عامر، وعبد الله الأزرق، وأبان العطار، وأشعث بن ¬

_ (¬1) وهم أكثر الرواة عنه، ورواه بعضهم، فقال: "وَلَا تُخمِّرُوا رَأْسَهُ"، قال المستدرك: هو ثابت عن الثوري، يعني بذكر الوجه، ثم تناقض، فقال: لكن مخالفة كبار أصحاب عمرو بن دينار للثوري يدل علي وقوع الخطأ في هذه الرواية، إما من الثوري أو ممن دونه، ثم أيد في الحاشية كونه ممن دونه بعد تقريره ثبوته عن الثوري، وهذا تناقض عجيب في موضع واحد!!!. (¬2) قال البخاري: والصحيح: "لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ"، يعني في هذه الطريق.

سوار، ومطر، وأبان بن صالح، وابن أبي ليلى، وشعبة) تسعتهم عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به بذكر الوجه. وقد توبع عمرو على ذلك، فرواه مسلم (101)، والنسائي (5/ 144 - 145، 196)، وأحمد (2600)، والطيالسي (2745)، وأبو عوانة (3106)، (3108)، (3109)، (3110)، وابن حبان (3960)، والطبراني في الكبير (12542)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (229)، وأبو نعيم في المستخرج (2783)، والبيهقي في الكبير (3/ 392 - 393)، وابن حزم في حجة الوداع (104)، والخطيب في تاريخه (9/ 446) من طرق عن شعبة. ورواه النسائي (5/ 197)، ومن طريقه ابن حزم في حجة الوداع (106) من طريق خلف بن خليفة (شعبة، وخلف) كلاهما عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به بذكر الوجه. ورواه مسلم (103)، وأحمد (2395)، وأبو عوانة (3116)، وأبو نعيم في المستخرج (2784)، والبيهقي في الكبير (3/ 393) من طريق إسرائيل بن يونس عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به بذكر الوجه. ورواه الخطيب (7/ 282 - 283) من طريق إسرائيل عن منصور عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال: قال علي بن عمر: هذا حديث غريب من حديث سلمة بن كهيل. ورواه مسلم (102) من طريق أبي الزبير عن سعيد عن ابن عباس بذكره. ورواه ابن الجارود في المنتقى (507)، والدارقطني (2/ 295)، من طريق عبيدة بن حميد عن منصور عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس بذكره. ورواه ابن طهمان في مشيخته (26)، وأبو عوانة (3114)، والخطيب في

تاريخه (8/ 287 - 288) من طريق مطر عن قتادة عن سعيد عن ابن عباس بذكر الوجه. ورواه أبو عوانة (3113)، والطبراني (12541) من طريق مطر عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس به بذكر الوجه. ورواه الطبراني في الأوسط (7527) من طريق زائدة عن منصور عن سعيد عن ابن عباس به بذكر الوجه، فتابع زائدة إسرائيل، وفي الإسناد إسماعيل بن عمرو البجلي مختلف فيه. ورواه الطبراني في الكبير (12538) من طريق عبد الكريم الجزري عن سعيد عن ابن عباس به، وفي الإسناد ضعف. ورواه الخطيب في تاريخه (13/ 272 - 273) من طريق عمرو بن أبي قيس عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به بذكر الوجه. ورواه ابن عساكر (38/ 293) من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام نا هشيم نا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بذكر الوجه، وإن كان أكثر الرواة عن هشيم بدون ذكره. فمن تأمل هذه الطرق لاح له ترجيح كون الحديث محفوظا بذكر الوجه، وبذكر الرأس، لأن تخطئة هؤلاء الرواة وفيهم جمع من الثقات لا يسوغ الإقدام عليها، كما ذهب إليه مسلم رحمه الله، فهل الإمام مسلم من المتأخرين أيها المستدرِك؟!. ***

الحديث رقم (95)

الحديث رقم (95) - الإرواء (242/ 4) رقم (1050): حديث جابر: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ: "هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ". حكم الشيخ: صحيح مرفوعًا. حكم المستدرِك: ذكر الكَبْش فيه موقوف، ولا يصح مرفوعًا. الراجح عندي: صحيح مرفوعًا بذكر الكَبْش فيه. الحديث رواه أبو داود (3801)، وابن أبي شيبة (5/ 641)، والدارمي (1941)، وابن خزيمة (2646)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 164)، وفي مشكل الآثار (3465)، (3467)، (3468)، (3469)، (3470)، وابن الجارود في المنتقى (439)، وابن المنذر في الأوسط (917)، وابن حبان (3964)، وابن الغطريف في جزئه (78)، وابن عدي في الكامل (2/ 125)، والدارقطني في سننه (2/ 246)، والحاكم في المستدرك (1/ 452 - 453)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 183)، (9/ 318 - 319)، وفي الصغير (1574)، (3879)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 153)، وابن حزم في المحلى (1/ 132)، وابن الجوزي في التحقيق (1276) من طرق عن جرير بن حازم قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر به. ورواه النسائي في السنن الكبرى (3819)، (4835)، وهو في المجتبى (7/ 200)، والترمذي (851)، وأحمد (14425)، (14449)، والشافعي في الأم (2/ 164)، وفي المسند (1508)، (1509)، وعبد الرزاق (8682)، والدارمي (1942)، وابن خزيمة (2645)، وابن عدي (2/ 125)، وابن حبان

(3965)، رقما الثقات (5/ 113)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 164)، وفي المشكل (3471)، وابن الجارود في المنتقى (438)، وابن المنذر في الأوسط (916)، والإسماعيلي في معجمه (778/ 2 - 779)، والحاكم (1/ 452)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 183)، (9/ 318 - 319)، وفي المعرفة (7/ 406)، (14/ 87)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 153)، وابن حزم في المحلى (7/ 401 - 402)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1017)، والبغوي في شرقم السنة (1992)، والجوزقاني في الصحاح والمشاهير (607) كلهم من طريق ابن جريج. ورواه ابن ماجه (3236)، وأحمد (14165)، وعبد الرزاق (¬1) (8681)، وأبو يعلى (2127)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 164)، وفي المشكل (3465)، (3466)، وابن عدي (2/ 125)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (575)، والدارقطني (2/ 245 - 246)، والبيهقي (9/ 318 - 319)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 153) كلهم من طريق إسماعيل بن أمية. (ابن جريج، وابن أمية) كلاهما عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: قلت: لجابر: الضبع أصيد هو؟، قال: نعم، قال: قلت: آكلها؟، قال: نعم، قال: قلت: أقاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، ولم يذكرا: "وَيُجْعَلُ فِيهَا كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ". قال المستدرك: ذكر الكبش فيه موقوف، قاله يحيى بن سعيد القطان في أحد الطريقين للحديث، والطحاوي في الطريق الآخر، وهذا هو الصواب إن شاء الله. ¬

_ (¬1) سقط من الإسناد ذكر عبد الرحمن بن أبي عمار، وقد ذكر المعلق أنه سقط من الأصل.

قلت: لقد نقل بعد ذلك قول القطان، وهو يتكلم عن جرير بن حازم، فقال: كان يهم في الشيء، وكأن يقول في حديث الضبع: عن جابر عن عمر، ثم صيره عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا نص في كونه يتكلم في جرير في روايته للحديث كله، ولا صلة له بمسألة ذكر الكبش هل هو موقوف أو مرفوع، ولذلك رد ابن عدي على القطان بقوله: وقد تابع جريرًا بن جريج على رواياته عن عبد الله بن عبيد بهذا الإسناد (يعني عن جابر) هذا الحديث. قلت: وعليه فلا وجه للطعن في الحديث في روايته عن جابر، ولذا قال الترمذي في علله الكبير (551): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث صحيح. وقال الترمذي في سننه: هذا حديث حسن صحيح، وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: وروى جرير بن حازم هذا الحديث، فقال: عن جابر عن عمر، وحديث ابن جريج أصح، وهو قول أحمد وإسحاق. فبان بهذا أن يحيى القطان يخطئ رواية جرير للحديث عن عمر، ويصوبه عن جابر مرفوعًا، ولم يتعرض لذكر الكبش، فذكر المستدرِك كلامه في الحكم على الحديث ليس بصحيح، والله أعلم. وقال أبو يعلى (2159): حدثنا شيبان حدثنا محمد بن خازم حدثنا عبد الله ابن عبيد بن عمير بإسناده. لكن الظاهر أنه تصحف من جرير بن حازم كما قال محققو المسند (14165)، وليس عندي ما يؤكد ذلك، فلئن صح كانت متابعة من أبي معاوية محمد بن خازم الضرير لجرير، والله أعلم. وقد توبع جرير من وجه آخر عن جابر، فرواه ابن خزيمة (2648)،

والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 165)، وفي المشكل (3472)، والدارقطني (2/ 245)، والحاكم (1/ 453)، وابن عدي (2/ 373)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 183)، (9/ 319)، وفي المعرفة (14/ 88) كلهم من طريق حسان بن إبراهيم حدثنا إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر به مرفوعًا. وحسان حسن الحديث، وإبراهيم بن ميمون الصائغ ثقة، وقد رواه الطحاوي وغيره من طريق منصور بن زاذان وعبد الكريم الجزري عن عطاء عن جابر موقوفًا. وقال الطحاوي: اثنان أولى بالحفظ من واحد، فوجب بذلك رد هذا الحديث إلى من دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن لابن أبي عمار عليه موافق، ولحقه فيه من يحيى القطان ما لحقه، مع أنا لا نعلم أن أحدًا حدث عن عبد الرحمن بن أبي عمار غير عبد الله بن عبيد بن عمير، فلم يكن بذلك، كمن خالفه فيه عطاء، ومن أبي الزبير لموضع عطاء من العلم، ولموضع أبي الزبير من الحفظ. قلت: قد توبع إبراهيم الصائغ من جرير بن حازم، ولذا رد عليه البيهقي رحمه الله في المعرفة (14/ 88) حيث قال: ذلك يؤكد رواية عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر، ويدل على أن قوله: يؤكل (¬1)، مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف قول من جعله بالتوهم من قول جابر حين ترك الأخذ بروايته. وأما المقارنة التي عقدها الطحاوي رحمه الله بين عطاء وابن أبي عمار فليس لها وجه من النظر، إذ روايات التابعين عن الصحابة، واختلافها لا اعتبار لها في ¬

_ (¬1) يعني قوله في رواية إبراهيم الصائغ: الضبع صيد، وجزاؤها كبش مسن، وتؤكل.

الإعلال، إذ من شرط الإعلال اتحاد مخرج الحديث، ولذا فقد صحح حديث ابن أبي عمار: البخاري، والترمذي، البيهقي، وهم من أولى الأئمة بمعرفة علل الحديث. وأما تأييد الطحاوي لوقف الحديث برواية أبي الزبير، فيرده أنه روي عنه مرفوعًا، فرواه الدارقطني (2/ 246 - 247)، والبيهقي (5/ 183) من طريق الأجلح عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا، وللحديث طرق أخرى ضعيفة، أعرضت عنها. والحديث صحح أصله في البخاري، والترمذي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وصححه برفع ذكر الكبش فيه جزاء للمحرم إذا قتله: ابن خزيمة، وابن الجارود، والحاكم، والبيهقي، وابن حبان، وعبد الحق الإشبيلي، وابن حزم في المحلى (7/ 227)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (1236)، وحكى ذلك ابن الملقن في البدر المنير (6/ 359 - 360)، وأقره. ***

الحديث رقم (96)

الحديث رقم (96) روى الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 216)، وفي المشكل (3503)، والبيهقي في السنن الكبير من طريق فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب عن ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَثَقَلَهُ مِنْ صَبِيحَةِ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ، وَأَنْ لاَ يَرْمُوا الجمْرَةَ إِلاَّ مُصْبِحِينَ. قال الشيخ الألباني رحمه الله: بسند جيد. فقال المستدرِك: وهذا ليس صحيحًا. الراجح عندي: صحيح بمجموع طرقه. ذكر المستدرِك كلام المجرحين لفضيل، ولم يذكر كلام المعدلين كعادته، فقد قال أبو زرعة: روى عنه ابن المديني، وكان من المتشددين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الساجي: كان صدوقًا، وعنده مناكير، وأعظم من هذا كله أنه روى له الجماعة، فقد أخرج له البخاري ومسلم، فجاز القنطرة، فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث، كما قال الذهبي، وهو من أهل الاستقراء التام كما وصفه بذلك ابن حجر، قال في الميزان: حديثه في الكتب الستة، وهو صدوق، فالإسناد أقل أحواله أن يكون حسناً، وأما المستدرِك فله شأن آخر، شأنه في التفرد وما أشبهه من الأمور التي أدخلوها في هذا الفن الشريف، فقال من قبل نفسه: هذا الحديث من جملة أخطائه الكثيرة لمخالفته الثقات عن ابن عباس مع ضعفه ونكارة حديثه التي أَشار إليها الأئمة. والحديث رواه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 270 - 272)، وابن ماجه (3025)، وأحمد (2082)، (2089)، (2841)، (3192)، (3204)، والطيالسي (2890)، والحميدي (465)، وابن أبي شيبة (5/ 314، 460 -

461)، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (2/ 628)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2084)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 217)، وفي المشكل (3500)، (3501، (3502)، وابن حبان (3869)، والفاكهي في أخبار مكة (2695)، والطبراني في الكبير (12699)، (12701)، (12702)، والبلاذري في أنساب الأشراف (4/ 36)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 131 - 132)، وفي المعرفة (7/ 311)، وأبو الشيخ في الأقران (343)، وأبو محمد البغوي في شرح السنة (1942)، (1943) من طرق عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس به. والعرني لم يسمع من ابن عباس، قاله غير واحد من الأئمة. ورواه الترمذي (893)، وأحمد (2507)، (3003)، (3006)، (3513)، وابن أبي شيبة (5/ 314)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 217)، وفي المشكل (3492)، (3493)، (3496)، (3497)، والطبراني في الكبير (12078)، (12120)، (12121)، وفي الأوسط (7488)، والبيهقي في السنن الكبير (5/ 132)، وابن الجوزي في التحقيق (1334) من طرق عن الحكم (¬1) عن مقسم عن ابن عباس به. ورواه أحمد (2239)، والبخاري في التاريخ الأوسط (1/ 229 - 330): حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن عباس به بإسقاط مقسم. قال البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 331): حديث الحكم هذا عن مقسم مضطرب، لما وصفنا، ولا ندري: الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟. ¬

_ (¬1) سقط ذكر الحكم من التحقيق المطبوع.

قلت: أما الاضطراب فلا، لأن من شرطه كما هو معلوم تكافؤ الطرق، وليس الأمر هنا كذلك، فرواية الجماعة بإثبات مقسم، فهو الراجح. وأما قوله: لا ندري: الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟، وقول أحمد: لم يسمع الحكم حديث مقسم كتاب، إلا خمسة أحاديث، وليس هذا الحديث منها. قال المستدرك بعد ذكره ذلك: بهذا يتضح ضعف هذا الحديث. أقول: لقد نصَّ أحمد على أن حديث مقسم كتاب سوى هذه الأحاديث، وقد قال المستدرِك في الحديث رقم (52)، وهو من رواية الحسن عن سمرة: الحديث صحيح، وسماع الحسن عن سمرة ثابت في حديث العقيقة، وباقي الأحاديث وجادة، وهي وجادة صحيحة، لا تقتضي الانقطاع، وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث، ونقل عن الدارقطني تضعيفة لعدم ثبوت سماع الحسن له من سمرة، فأجاب بما سبق، فما الفرق بين الحديثين أم أن المقصود هو المخالفة؟!. وفي الحديث رقم (25)، وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. قال الترمذي (179): حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. فقال الشيخ: يعني فهو منقطع، أفيصح نفي البأس عنه؟ فقال المستدرك: هل يخفى على الترمذي أن عدم السماع الذي ذكره عن أبي عبيدة يعني الانقطاع كما فهمه الشيخ الألباني؟ ثم ذهب يبرر تقوية الترمذي للحديث، وأقر تقويته. وفي هذا الإسناد قال الترمذي في الحديث (880): قال علي بن المديني:

- دليل آخر على قصد المستدرك الشيخ الألباني دون غيره

قال يحيى: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أشياء، وعدها، وليس هذا الحديث فيما عد شعبة. وقال هنا عقبه: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، فلماذا لا يبرر المستدرِك تصحيح الترمذي هنا؟، لكنه أعرض عنه، وضعف الإسناد، فهل المقصود المخالفة على كل الأحوال، وإن تناقض؟!!!. - دليل آخر على قصد المستدرِك الشيخ الألباني دون غيره: وقد قال محققو المسند (5/ 142): إسناده صحيح، فلم يذكره مما يدل على قصده الشيخ الألباني دون غيره، وهذا كثير منه. وللحديث طرق أخرى، فرواه أبو داود (1941)، والنسائي (5/ 272)، والطحاوي في المشكل (3499)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 26)، من طريق حبيب ابن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً به. وحبيب مدلس، وقد عنعنه، وخالف الرواة عن عطاء، وقد توبع، تابعه الربيع بن صبيح، وهو حسن الحديث عند الطبراني في الكبير (11354)، ورواه الدارقطني (2/ 273) من طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء، وحجاج ضعيف. وقال الطحاوي في المشكل (3494): وحدثنا يحيى قال: أخبرنا البردي قال: حدثنا جرير عن منصور عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. ورجاله ثقات، وقد توبع سلمة على روايته عن سعيد بن جبير، فرواه الطحاوي في المشكل (3495)، والطبراني في الكبير (12390) من طريق أبي حنيفة رحمه الله، والطبراني في الأوسط (9468) من طريق محمد بن جابر بن سيار (أبو حنيفة، ومحمد بن جابر) كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير

عن ابن عباس به. وأبو حنيفة ومحمد بن جابر ضعيفان إلا أنهما يصلحان في المتابعات، وقد تابعا سلمة بن كهيل على روايته عن سعيد بن جبير، وتابعهم أشعث بن سوار عند البزار (5151)، فصح الحديث من هذا الوجه. ورواه أحمد (2459) من طريق طاوس عن ابن عباس، وفي إسناده شريك، وهو النخعي، وليث، وهو ابن أبي سليم، وهما ضعيفان. ورواه الطبراني في الشاميين (2807) من طريق عكرمة عن ابن عباس، وفي الإسناد سعيد بن بشير، وهو ضعيف، وشعيب بن شعيب أخو عمرو بن شعيب، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، ووثقه ابن حبان، ولا شك أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، ولا وجه للحكم عليها بالشذوذ كما ادعى المستدرِك، فإن المخرج ليس متحداً، وإنما ورد من طرق مختلفة عن ابن عباس كما مضى، ولذا قال الحافظ في الفتح: هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ومن ثم صححه الترمذي، وابن حبان، وصححه الطحاوي في المشكل (9/ 123)، وروى أحمد (2935)، (2936)، (3304)، والبخاري في التاريخ الأوسط (1/ 331) وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله من مني يوم النحر، فرمينا الجمرة مع طلوع الفجر. وشعبة مولى ابن عباس ضعيف: قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 217) عن حديث النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس: هو أولى من حديث شعبة مولى ابن عباس - رضي الله عنه -، لأن هذا قد تواتر عن ابن عباس - رضي الله عنه - بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم على ما ذكرنا.

فانظر إلى هذه المفارقة العجيبة حيث يحكم الطحاوي بتواتر الحديث، وهذا المستدرِك يضعفه، مع أنه تبع الطحاوي في تضعيف الذي قبله، فهل المخالفة للشيخ هي المقصودة أم ماذا؟ ثم قد سبق أن الحديث صححه الترمذي، والطحاوي، وابن حبان، وهم من المتقدمين، فأين دعواه على الشيخ؟!!!. ***

الحديث رقم (97)

الحديث رقم (97) - الإرواء (4/ 295) تحت الحديث رقم (1098): حديث الفضل بن عباس قال: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، متفق عليه. قال المستدرك: خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله: زيادة صحيحة، ثم قال: وفي رواية لابن خزيمة زيادة: ثم قطع التلبية مع آخر حصاة، وهذه الزيادة هي محل الاستدراك، وضعفها. الراجح عندي: صحة الزيادة. قال الشيخ في حاشية الإرواء: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه بزيادة: ثم قطع التلبية مع آخر حصاة، وقال: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله: (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) أي: أتم رميها. فهنا لم يصرح الشيخرحمه الله بصحة هذه الزيادة، وإنما صرح بها ابن خزيمة، فكان الأولى بهذا المستدرك أن يوجه استدراكه لابن خزيمة أولاً إن كان منصفًا. ثم إن هذه الزيادة كما قال ابن خزيمة مفسرة، ومبينة لأصل الحديث، فكل روايات الحديث بجميع طرقه، فيها أنه -صلى الله عليه وسلم - لبى حتى رمى الجمرة، كلها بصيغة الماضي، وأما تفسير البيهقي رحمه الله قوله: حتى رمى الجمرة بـ: حتى أخذ في رمي الجمرة، فهذا خلاف الظاهر، وهو صرف للكلام عن ظاهره، دون دليل صحيح ملجئ لذلك. -إخلال آخر من المستدرك بالأمانة العلمية: وأما احتجاج المستدرك لذلك بما رواه ابن خزيمة (2886) عن ابن مسعود

قال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة، ففي إسناده شريك بن عبد الله النخعي، وهو ضعيف، وشيخه عامر بن شقيق ضعفه قبل ذلك المستدرِك، ومع ذلك سكت عنهما المستدرِك، واحتج بالحديث، وهذه خيانة علمية، والله المستعان. وقد نقل المستدرك كلام البيهقي، ورده على ابن خزيمة، وترك كلام ابن التركماني، وفيه تفصيل جيد بين به المسألة أحسن بيان حيث قال البيهقي: تكبيره مع كل حصاة كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاة كما روينا في حديث عبد الله ابن مسعود، وقوله: يلبي حتى رمى الجمرة: أراد به حتى أخذ في رمي الجمرة، وأما ما في رواية الفضل بن عباس من الزيادة فإنها غريبة، أوردها محمد بن إسحاق بن خزيمة، واختارها، وليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، فالله أعلم. فتعقبه ابن التركماني بقوله: الغريب إذا صح سنده يعمل به، وقد أخرج ابن حزم هذا الحديث في كتاب حجة الوداع بسند جيد من حديث أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس عن الفضل، ولفظه: ولم يزل عليه السلام يلبي حتى أتم رمي جمرة العقبة (¬1)، وهذا صريح، وهو يقوي الرواية التي رواها ابن خزيمة، واختارها، ويدل على أنها ليست بغريبة، والعجب من البيهقي: كيف يترك هذا الصريح، ويستدل بقوله: يكبر على قطع التلبية بأول حصاة، مع أن التكبير لا يمنع التلبية، إذ الحاج له أن يكبر، ويلبي، ويهلل، وقد بين ذلك ابن مسعود فيما سيأتي عنه في هذا الباب من قوله: فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها ¬

_ (¬1) حجة الوداع لابن حزم (137)، وقد رواه ابن حزم من طريق مسلم، وعند مسلم (1282) ليس فيه كلمة (أتم).

بتكبير أو تهليل (¬1)، وقال أبو عمر في التمهيد: قال أحمد، وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها، قالوا: وهو ظاهر الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، ولم يقل أحد من رواة هذا الحديث: حتى رمى بعضها، على أنه قد قال بعضهم في حديث عائشة: ثم قطع التلبية في آخر حصاة، وفي الإشراف لابن المنذر: وروى بعض أصحابنا ممن يقول بظاهر الأخبار: خبر ابن عباس، ثم قال: قطع التلبية مع آخر حصاة. قلت: وقد روى النسائي (276)، وابن ماجه (3040) من طريق خصيف عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال الفضل بن عباس: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زلت أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فلما رماها قطع التلبية. وهو صريح أيضًا في استمرار التلبية حتى ينتهي من الرمي، إلا أن خصيفًا ضعيف، إلا أنه يقوي رواية ابن خزيمة، وينفي عنها الغرابة. وهذه الزيادة صححها ابن خزيمة، وضعفها البيهقي، فكان ماذا؟! ... ¬

_ (¬1) رواه أحمد (3961) وغيره، وإسناده صحيح.

الحديث رقم (98)

الحديث رقم (98) -قال: تقدم برقم (14). أقول: فلماذا أعدته؟ ولماذا جعلت له رقما مستقلًّا، ولم تكتف بالإشارة إلى ذكره هناك؟ الأجل زيادة العدد على من لا يتأمل؟ أم ماذا؟ ***

الحديث رقم (99)

الحديث رقم (99) - الإرواء (4/ 209) رقم (1112): حديث السجود على الحجر: رواه ابن خزيمة (2714) وغيره من طريق جعفر بن عبد الله قبل الحجر، وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يقبله، ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبل، وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هكذا، ففعلت. حكم الشيخ رحمه الله: لم يقطع الشيخ بصحته. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: ضعفه. الحديث رواه الحاكم (1/ 455)، وقال: جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم، ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقد أخطأ الحاكم في هذا، فإن جعفر بن عبد الله هو ابن عثمان، كما وقع تسميته بذلك عند الدارمي (1865)، والعقيلي (874)، والبزار (215)، وقال فيه العقيلي: في حديثه وهم، واضطراب. ثم قال العقيلي (877): وحدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه رأى ابن عباس قبل الحجر، وسجد عليه، ثم قال: حديث ابن جريج أولى. وهو كما قال، وكذلك قرره إمام العصر رحمه الله أحسن تقرير. ورواه أبو يعلى (219) بإسناده، لكن سقط منه ذكر ابن عباس، فهو منقطع. وأخرجه أبو يعلى (220)، وفي إسناده عمر بن هارون، وهو البلخي متروك،

كذبه ابن معين وغيره. وأخرج الدارقطني (2/ 289)، والبيهقي (5/ 75) من طريق يحيى بن سليمان الجعفي ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن ابن أبي حسين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد على الحجر. ويحيى بن يمان قال في التقريب: صدوق، يخطئ كثيراً. وخالفه وكيع، فرواه عنه ابن أبي شيبة (5/ 498) عن سفيان عن حسين بن عبد الله [كذا] عن عكرمة أن ابن عباس سجد عليه، كذا موقوفًا. والظاهر أنه تصحف في المطبوع اسم ابن أبي حسين، فإنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين. ووكيع أوثق من يحيى بمراحل، فالموقوف أصح. وروى عبد بن حميد (¬1) (638)، وابن خزيمة وغيرهما من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الركن اليماني، ويضع خده عليه. قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف، والأخبار عن ابن عباس في تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه، إلا أن يكون أراد بالركن اليماني الحجر الأسود، فإنه أيضًا يسمى بذلك، فيكون موافقًا لغيره. قلت: ووضع الخد غير السجود، والظاهر أن طرق الحديث لا ترقيه لدرجة الاحتجاج، وشيخنا الألباني رحمه الله، لم يقطع بصحته، بل قال: فيبدو من مجموع ما ¬

_ (¬1) وقد خرجت طرقه في تخريج المنتخب بما لا حاجة لإعادته هنا.

سبق أن السجود على الحجر الأسود ثابت مرفوعاً وموقوفًا، والله أعلم. وقد سبقه بتصحيحه ابن خزيمة والحاكم، وهما من المتقدمين، فما صلة هذا بدعوى المستدرِك؟ وعلى كل حال، فالأمر اجتهادي، والله أعلم. ***

الحديث رقم (100)

الحديث رقم (100) - الإرواء (4/ 400) رقم (1173): حديث أبي رافع: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الحْسَنِ بْنِ عَلىٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاَةِ. - الحديث حسَّنه الشيخ، ثم تراجع عن تحسينه، وضعَّفه، فلماذا يعده حديثًا مستدرَكًا؟!! قال الشيخ: حسن إن شاء الله. وقد بين الشيخ ضعف الحديث من طرقه، ثم ذكر له شاهدًا في الضعيفة (321) قال: أخرجه البيهقي في الشعب مع حديث الحسن بن علي، وقال: وفي إسنادهما ضعف، ذكره ابن القيم في التحفة. قال الشيخ: فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن بحيث إنه يصلح شاهدًا لحديث رافع، والله أعلم. فإذا كان كذلك، فهو شاهد للتأذين، فإنه الذي ورد في حديث أبي رافع. قلت: فبان بهذا أن الشيخ علق تحسين الحديث على صحة الشاهد، ولذلك قال في الحكم: حسن إن شاء الله. فالمنصف إذا وجد علة في الشاهد تمنعه من الصلاحية للاستشهاد به، فإنه يجعل هذا تابعًا لقول الشيخ، وليس اعتراضًا أو نقدًا عليه، وأما غير المنصف فله شأن آخر. فهذا المستدرِك لم يشر لذلك، بل راح يذكر أن الشاهد لا يصلح للاستشهاد وكأنه المتفرد بذلك، فكيف إذا كان الشيخ رحمه الله، قد تراجع عن تقوية الحديث لما

وقف على الشاهد؟!. فقد قال في الطبعة الجديدة للضعيفة: وأقول الآن، وقد طبع "الشعب": إنه لا يصلح شاهدًا، لأن فيه كذابًا ومتروكا، فعجبت من البيهقي، ثم ابن القيم: كيف اقتصر على تضعيفه حتى كدت أن أجزم بصلاحيته للاستشهاد!، فرأيت من الواجب التنبيه على ذلك، وتخريجه فيما يأتي (6121). قلت: يعني أنه نقله إلى الضعيفة في الموضع المشار إليه، فهل من الأمانة العلمية أن يسكت عن ذلك، ويعده حديثا منتقدًا؟!. وهل يفعل ذلك من عنده أدنى قدر من الإنصاف؟!. ***

الحديث رقم (101)

الحديث رقم (101) - الإرواء (4/ 402) رقم (1175): وقال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة لما ولدت الحسن: "احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّة عَلَى الْمَسَاكِينِ". حكم الشيخ رحمه الله: حسن. حكم المستدرِك: لا يثبت. الراجح عندي: أقل أحواله أن يكون حسنًا. الحديث رواه أحمد (27183)، (27196)، وابن أبي شيبة (8/ 173)، وابن أبي الدنيا في العيال (53)، والطبراني في الكبير (917)، (918)، (2576)، (2577)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 339)، والبيهقي في السنن الكبير (9/ 304) من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع مرفوعًا به. قال البيهقي: تفرد به ابن عقيل. فاعتبر المستدرِك هذا إعلالاً، وضعف الحديث أيضاً بابن عقيل، وقد بيَّنت في الكلام على الحديث رقم (64) أن الراجح أنه حسن الحديث كما قرره الذهبي رحمه الله. وللحديث طرق أخرى: فمن ذلك: ما رواه البزار (6199)، والطبراني في الكبير (2575)، والأوسط (127)، والبيهقي في الكبير (9/ 299) كلهم من طريق ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس مرفوعاً.

-تعدي المستدرك في حكمه على رواة السنة

وابن لهيعة ضعيف، وقد خالفه مالك كما في الموطأ ص (400)، فرواه عن ربيعة عن محمد بن علي بن الحسين، فذكره عن فاطمة - رضي الله عنه - موقوفًا. ولذا قال البيهقي عن حديث ابن لهيعة: وليس بمحفوظ. وروى الروياني في مسنده (758) من طريق شريك عن عاصم بن عبيد الله عن علي بن الحسين عن أبي رافع في الأذان، وفيه زيادة التصدق بوزن الشعر فضة. وشريك ضعيف، وخالفه سفيان، فلم يذكرها. وله شاهد من حديث ابن عباس، رواه الطبراني في الأوسط (558) من طريق رواد بن الجراح عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس. قال: سبعة من السنة، فذكر منها: ويحلق رأسه ... ، ويتصدق بوزن شعره في رأسه ذهبًا أوفضة. -تعدي المستدرك في حكمه على رواة السنة: قال المستدرك: لهذا الإسناد علتان: الأولى: رواد بن الجراح ضعيف جدًّا، بل قال الدارقطني: متروك، وأشار ابن عدي إلى كثرة تفرادته، وأنه لا يتابع، ومع ذلك اختلط. قلت: لقد ظلم هذا المستدرِك هذا الراوي كما سبق منه مع غيره، وذلك في نقله الجرح في الراوي دون التعديل. فقد قال الدوري عن ابن معين: لا بأس به، إنما غلط في حديث سفيان، وقال عثمان الدارمي عنه: ثقة، وقال معاوية عنه: ثقة مأمون، وقول ابن معين: إنما غلط في حديث سفيان يدل على أنه يعرفه، ويعرف لماذا تكلم فيه من تكلم، وبين أن غلطه في حديثٍ لسفيان الثوري، وعلى النحو نفسه ذهب الإِمام أحمد بن حنبل،

أعني تخصيص ضعفه في الثوري، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: صاحب سنة، لا بأس به إلا أنه حدث عن سفيان أحاديث مناكير، وهذه العبارة يقولها أحمد في أئمة ثقات كما هو معلوم، وذكره ابن خلفون في الثقات، وقال: لما كبر تغير، فمن كتب عنه قبل تغيره فلا بأس بحديثه، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 246)، وقال: كان يخطئ، ويخالف، وهذا يدل على معرفته بحاله، وقال البزار كما في كشف الأستار (1463): رواد صالح الحديث، ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، تغير حفظه في آخر عمره، ومع ذلك ومع تشدده قال: كان محله الصدق، فقال له ابنه: أدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فقال أبو حاتم: يحول من هناك، وذكره ابن شاهين في الثقات (372)، وقال: ليس به بأس، إنما غلط عن سفيان، قاله يحيى. فترك المستدرِك كل هذا، وأخذ بقول الدارقطني وحده: متروك، فهل هذا من الأمانة العلمية في شيء؟!، بل وقع منه ما هو أشد من ذلك، حيث قال ابن عدي: لرواد بن الجراح أحاديث صالحة، وإفرادات وغرائب، ينفرد بها عن الثوري وغير الثوري، وعامة ما يروي عن مشايخه، لا يتابعه الناس عليه، وكان شيخا صالحا، وفي حديث الصالحين بعض النكرة إلا أنه ممن يكتب حديثه، فترك قوله: له أحاديث صالحة، وقوله: إلا أنه ممن يكتب حديثه، وذلك ليصل إلى ما يريد بقوله: ضعيف جدًّا، فهل يؤتمن هؤلاء على الدين؟، نسأل الله العافية. والملاحظ أن رواد بن الجراح قد اتفق على توثيقه أحمد وابن معين، وهما من هما، وإنما ضعفاه في روايته عن الثوري، فلو قال قائل: إنه حسن الحديث عامة، وضعيف في روايته عن الثوري لما أبعد عن الصواب، وحديثه هنا ليس عن الثوري، وأقل أحواله أن يكون صالحا للاستشهاد في أعلى درجات الصلاحية لذلك، ويكون الحديث من طريقه وطريق عبد الله بن محمد بن عقيل إن لم يكن

-استلال المستدرك تخريج حديث من محققي مسند أحمد

صحيحًا، فهو حسن في أعلى درجات الحسن، وله طرق أخرى: فرواه ابن الأعرابي في معجمه (1680) من حديث ابن عباس، وفي إسناده شيخ المصنف، ولم أعرفه، وأحمد بن عمر القصبي قال أبو حاتم: مجهول، وشيخه متكلم فيه. وروى ابن أبي شيبة (8/ 173) من طريق محمد بن علي بن حسين عن علي مرفوعًا به. وهو منقطع فيما بين محمد بن علي وعلي، وفيه عنعنة ابن إسحاق. وروى الدولابي في الذرية الطاهرة (146) من حديث محمد بن علي بن حسين مرسلاً، قال المعلق: شيخ المصنف وأبيه لم أهتد لترجمتهما. وروى الطبراني في الكبير (2571)، وابن عساكر (48/ 203) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا به، وفيه عطية العوفي وغيره. والحاصل أن الحديث كما سبق تقريره حسن إن لم يكن صحيحًا بطرقه، والله أعلم. ولم يضعفه أحد من أهل العلم فيما وقفت، وإنما ضعفه هذا المستدرِك. -استلال المستدرك تخريج حديث من محققي مسند أحمد: قال محققو المسند في تخريج حديث أبي رافع (45/ 163 - 164): أخرجه البيهقي (8/ 304) من طرق عن شريك به، وأخرجه الطبراني والبيهقي (9/ 304) من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام. قلت: قولهم: أخرجه البيهقي (8/ 304) خطأ، والظاهر أنه مطبعي، فالحديث ليس في الجزء الثامن من سنن البيهقي، وإنما في التاسع كما في العزو

الذي بعده، وقد استل المستدرك منهم هذا التخريج بهذا الخطأ، فقال في تخريجه: والبيهقي (8/ 304)، (9/ 304)، ووجود هذا الخطأ الذي وقع في تخريجهم عنده حجة قاطعة على استلاله التخريج منهم دون ذكر لذلك، فأين الأمانة؟!. ثم بعد ذلك يطعن علي كبار العلماء، والله المستعان. ***

الحديث رقم (102)

الحديث رقم (102) - الإرواء (5/ 26) تحت الحديث (1202): حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ باللهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ بِغَير حَقٍّ، أو نَهْبُ مُؤمنٍ، أو الفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ، أو يَمِينٌ صابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِها مالاً بِغَيْرِ حَقٍّ " حكم الشيخ رحمه الله: إسناده جيد. حكم المستدرِك: ضعيف. الراجح عندي: ضعيف. الحديث أخرجه أحمد (2/ 361 - 362): حدثنا زكريا بن عدي نا بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي المتوكل به. وهكذا وقع تسمية الراوي عن أبي هريرة عند ابن أبي عاصم في الجهاد (278). وقد ظنه الشيخ أبا المتوكل الناجي، وهو ثقة، ولذا قال: هذا إسناد جيد. والصواب أنه ليس بأبي المتوكل الناجي، وإنما هو راوي مجهول، كما قال الحافظ في تعجيل المنفعة، وقد خفي هذا على الشيخ رحمه الله كما يقع لغيره من العلماء، فكان ماذا؟!. ***

الحديث وقم (103)

الحديث وقم (103) - الإرواء (5/ 29) رقم (1207): "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، لاَ تَرَاءى نَارُهُمَا". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: الحديث ثابت. الراجح عندي: الحديث صحيح كما قال الشيخ رحمه الله، إلا أن المستدرِك اعترض على طريق من طرقه. الحديث رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604) وغيرهما من طريق أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله مرفوعًا به في قصة. قال أبو داود: رواه هشيم، ومعمر، وخالد الواسطي وجماعة، لم يذكروا جريرًا. ورواه الترمذي (1605): حدثنا هناد حدثنا عبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم مثل حديث أبي معاوية، ولم يذكروا فيه: عن جرير، وهذا أصح، وقال: وأكثر أصحاب إسماعيل عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية، ولم يذكروا فيه: عن جرير، ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير مثل حديث أبي معاوية، قال: وسمعت محمدًا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. قلت: وقيس بن أبي حازم مخضرم، فمرسله من أقوى المراسيل، وله شواهد كما سيأتي:

روى النسائي (5/ 82 - 83)، وابن ماجه (2536)، وأحمد (20037) من طرق عن بهز قال: أخبرني أبي عن جدي قال أتيت رسول - صلى الله عليه وسلم - في قصة، وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِك يُشْرِك بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلاً، أو يُفَارِق الْمُشْرِكينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ". وهذا إسناد حسن. وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله مع غيره من الشواهد، وصححه. وقد قال المستدرك: وبغض النظر عما في بعض هذه الشواهد من ضعف إلا أن هذه الشواهد لا تنفي عن الحديث علة الإرسال التي أعله بها الأئمة، وإن كانت تدل على ثبوت هذا المعنى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقول: فهو بهذا يتفق مع الشيخ في ثبوت الحديث بطرقه، ولكنه يستدرِك على الشيخ في كون حديث جرير مرسلاً، والشيخ رحمه الله قد حكى حكم الأئمة يكون المحفوظ فيه مرسلاً، وأقره، فلماذا الاستدراك إذن؟. ***

الحديث رقم (104)

الحديث رقم (104) - الإرواء (5/ 44) تحت الحديث (1218): حديث: أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - فَدَى أَهْل بَدْرٍ بِمَالٍ. قال المستدرك: قد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله لأصل القصة عدة شواهد، ومحل الاستدراك أحد هذه الشواهد، وهو الشاهد السادس: عن علي - رضي الله عنه -: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، فقال: "خير أصحابك في الأسارى إن شاؤوا القتل، وإن شاؤوا الفدى، على أن عاما قابلا يقتل مثلهم منهم، فقالوا: الفداء، ويقتل منا". رواه النسائي في الكبرى (8662)، والترمذي (1567)، وابن أبي شيبة (13/ 272)، والبزار (551)، وابن المنذر في الأوسط (6605)، وفي الإقناع (161)، ويعقوب بن شيبة في مشيخته (75)، وابن حبان (4795)، والدارقطني في الأفراد كما في الأطراف (399)، وفي العلل (4/ 31 - 32)، كلهم من طريق أبي داود الحفري. قال الدارقطني في الأفراد: تفرد به الثوري عن هشام، وتفرد به ابن أبي زائدة عن الثوري، وتفرد به أبو داود الحفري عن ابن أبي زائدة. وقال الترمذي: روى أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحوه، بل ذكر ذلك الدارقطني نفسه في العلل، فلا أدري: ما قوله: تفرد به الثوري عن هشام؟!. ورواه الحاكم (2/ 140)، والبيهقي (6/ 321)، وفي دلائل النبوة (3/ 139 - 140) من طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة قال أخبرنا أزهر بن سعد السمان ثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي به، وخالفه ابن علية، فرواه الطبري في تفسيره (16305) عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة

مرسلاً. ورواه عبد الرزاق (9402) من طريق أيوب. وابن أبي شيبة (13/ 271 - 272)، والطبري (16303)، من طريق أشعث ابن سوار، وابن سعد (2/ 22): أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا هشام ابن حسان. (ابن عون من رواية ابن علية، وأيوب، وأشعث، وهشام بن حسان من رواية الأنصاري) أربعتهم عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلاً. قال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي (470): روى أكثر الناس هذا الحديث: عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلاً. وقال الدارقطني في علله (418): والمرسل أشبه بالصواب. قلت: وهو الظاهر، وإن كان لمن رآه محفوظًا على الوجهين وجه، ولذلك حسنه الترمذي مع ما ذكره عن البخاري، وصححه ابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (7/ 324)، وتبعهم الشيخ، فكان ماذا؟. ومما يقوي المرسل أيضًا قول البزار: وأخرجه إلى بشر بن آدم ابن بنت أزهر من أصل كتاب أزهر، فإذا فيه: عن ابن عون عن محمد عن عبيدة مرسلاً. ***

الحديث رقم (105)

الحديث رقم (105) - الإرواء (5/ 72) تحت الحديث (1238): حديث ثابت بن الحارث الأنصاري قال: قَسَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ لِسَهْلَةَ بنتِ عَاصِم بن عَدِيٍّ وَلابْنَةٍ لَهَا وُلدَتْ. الراجح عندي: تراجع الشيخ عن تصحيحه، فلماذا يعده حديثًا مُنتقَدًا. الحديث رواه الطبراني في الكبير (1369): حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحسن بن الربيع الكوفي ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ثابت بن الحارث الأنصاري، فذكره. قال الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على المعجم الكبير: قال شيخنا محب الله عن ابن لهيعة: هو مدلس، وتدليسه من المرتبة الخامسة، وقد عنعن. قلت: يرده أن ابن لهيعة صرح بالتحديث عند ابن سعد (2/ 114)، وأبي القاسم البغوي في معجمه (256)، وابن قانع في معجمه (1/ 130)، والحديث أخرجه أيضاً أبو نعيم في المعرفة (1363). وقد ضعف المستدرِك الحديث لضعف ابن لهيعة عنده مطلقًا، وهو الذي يظهر لي، لكن ليس لأحد أن يستدرك على مثل الشيخ في اجتهاده في أمر ابن لهيعة، ويعده علة في الحديث فاتت الشيخ، كيف وله سلف من الأئمة في هذا، وقد قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 198) عن هذا الإسناد: إسناده قوي، لأن رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة من قوي حديث ابن لهيعة، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 7)، وذكره الشيخ، فكتمه المستدرك، وبوب له الهيثمي: باب الرضخ للنساء، والرضخ كما في النهاية: العطية القليلة، وهذا يرد ما علل المستدرك به الحديث بمعارضة حديث ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو

بالنساء، فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، فأما بسهم فلم يضرب لهن، فمعنى حديث ابن عباس: يعطين من الغنيمة، وهو ما يوافق ما فهمه الإِمام الهيثمي من حديث الباب، لا ما فهمه نقاد هذا العصر، والله المستعان. والذي يبين للقارئ حال هؤلاء النقاد بيانًا أوضح مما سبق أن الشيخ تراجع عن تقوية الحديث، فذكره في الضعيفة (6117)، وقال: هذا إسناد رجاله ثقات غير ثابت بن الحارث فهو غير معروف، كما سبق بيانه تحت الحديث (6092)، وقيل بأن له صحبة، ولم يثبت ذلك عندي كما حققته في الحديث الذي قبله، وقال الشيخ في الذي قبله؟ بعد أيام من كتابة هذا البحث واطلاع أحد إخواننا عليه أوقفني على قول العجلي في ثقاته في ثابت هذا: مصري، تابعي، ثقة، فقد شهد أنه تابعي، ولكنه وثقه على تساهله المعروف في توثيق المجهولين، كابن حبان رحمهما الله تعالى. ثم رأيت الحافظ قد بسط الكلام حول ثابت هذا، والخلاف في صحبته، ثم ختم البحث عليه بقوله: ولم أجد في طريق من طرق أحاديثه أنه صرح بسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي يظهر أنه تابعي، كما صرح به العجلي، واقتضاه كلام ابن يونس، وهو أعلم الناس بالمصريين، فلعله أرسل تلك الأحاديث، وقد تبين أن مدار أحاديثه كلها على ابن لهيعة. ولا أدري: هل اكتفى المستدرِك بكلام الشيخ في الإرواء، ولم يبحث عن بقية كلامه في غيره من كتبه، أم أنه وقف عليه، وكتمه ليشين الشيخ بذكر كلام رجع عنه؟ وهكذا حال نقاد زماننا، والله المستعان. ***

الحديث رقم (106)

الحديث رقم (106) - الإرواء (5/ 76) رقم (1241): حديث أبي بكر: "إِذَا أَطْعَمَ اللهُ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ، فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ". حكم الشيخ رحمه الله: الحديث صحيح غير لفظة فيه منكرة. حكم المستدرِك: منكر، لا يثبت، وشواهده لا تقويه. الراجح عندي: الحديث صحيح غير لفظة فيه منكرة، كما قال الشيخ رحمه الله. الحديث رواه أبو داود (2973)، وأحمد (14)، وعمر بن شبه في تاريخ المدينة (1/ 198)، وأبو بكر الأموي في مسند أبي بكر (78)، والبزار (54)، وأبو يعلى (37)، والبيهقي في المعرفة (9/ 277 - 278)، والضياء في المختارة (42)، (43) كلهم من طريق محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة - رضي الله عنها - إلى أبي بكر - رضي الله عنه - تطلب ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقال: أبو بكر - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، فذكره. وهذا إسناد حسن، لكن قال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/ 11): هو منكر، وأنكر ما فيه قوله: لا، بل أهله، يعني حين سألته عمن يرث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال البيهقي: هذا ينفرد به الوليد بن جميع، وإنما اعتذر أبو بكر في الأحاديث الثابتة بقوله: "لَا نُورَثُ، مَا ترَكْنَا صَدَقَةٌ"، وبه احتج الشافعي في القديم حيث جعل سهم الرسول للمسلمين، فإن كان محفوظا، فيشبه أن يكون المراد به: كانت توليتها للذي يلي بعده، يصرفها في مصالحهم، والله أعلم. قلت: وهذا الذي ينبغي المصير إليه، إذ مهما أمكن الجمع وجب المصير إليه،

خاصة أن له شاهدًا: فقد روى البخاري في التاريخ الكبير (41/ 46)، وابن زنجويه في الأموال (39)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 279)، والسهمي في تاريخ جرجان ص (493) رقم (999)، والبيهقي في الشعب (7355)، (7356)، وابن عساكر (37/ 73)، (49/ 168) من طريق الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن العلاء ابن زبر وغيره أنهما سمعا بلال بن سعد يحدث عن أبيه قال: قيل: يا رسول الله ما للخليفة من بعدك؟ قال: "مِثْلُ الًّذِي لِي إِذَا عَدَلَ فِي الْحُكْمِ، وَقسَطَ فِي الْقِسْطِ، وَرَحِمَ ذَا الرَّحِمِ بِحَقِّهِ، فَمَنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلكَ فَلَيْسَ مِنَي، وَلَسْتُ مِنْهُ". قال: يريد الطاعة في الطاعة، والمعصية في المعصية. قلت: وإسناده صحيح، وقصر معنى الحديث على الطاعة والمعصية من كلام بعض الرواة، والأخذ بعموم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، فيشهد لما قبله، فيكون صحيحًا إلا لفظة، وهي: لا، بل أهله، كما نبه على ذلك غير واحد من العلماء، وقد استشهد به العلماء، ولم ينكروا متنه: قال ابن المنذر في الأوسط (11/ 94) في خُمس النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده: قالت طائفة: هو للخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم مقامه في ذلك، فيصرفه فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فيه. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 30): ومما عاب الناس على عثمان أنه أقطع مروان بن الحكم فدكا، قال أبو سليمان الخطابي: لعله تأول قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَطْعَمَ اللهُ نَبِيًّا طعْمَةً، فَهو لِلَّذٍي يًقُومُ مِنْ بَعْدِهِ"، فلما استغنى عثمان عنها بماله جعلها لأقربائه. انتهى.

-دليل آخر على قصد المستدرك الشيخ الألباني دون غيره

وقال البغوي في شرح السنة (11/ 136): أربعة أخماس الفيء كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة في حياته، واختلفوا في مصرفها من بعده: فذهب بعض أهل العلم إلى أنهما للأئمة بعده، وكذلك سهمه من الخمس لما روي عن أبي الطفيل، وذكر الحديث. فدلَّ على أن متن الحديث ليس منكرًا عند عامة أهل العلم إلا اللفظة السابقة، وقد نبه عليها الشيخ رحمه الله، وللحديث شاهد، فلماذا الاستدراك؟!!. -دليل آخر على قصد المستدرِك الشيخ الألباني دون غيره: هذا وقد عزا المستدرِك الحديث المسند أحمد - طبعة الرسالة، وقد حسنوه، فلم يذكرهم، مما يدل على قصده الشيخ وحده دون غيره، وهذا كثير منه، ولم أقصد إلى استيعابه خشية ضياع الوقت. ***

الحديث رقم (107)

الحديث رقم (107) - الإرواء (5/ 79) رقم (1244): حديث: "لاَ يُتْمَّ بَعْدَ احْتِلاَمٍ". حكم الشيخ رحمه الله: صحيح. حكم المستدرِك: طرق الحديث ضعيفة، ولا تقويه. الراجح عندي: صحيح بطرقه. الحديث رواه أبو داود (2873)، والطحاوي في المشكل (658)، والعقيلي (6706)، والطبراني في الأوسط (290)، وفي الصغير (258)، والبيهقي في السنن الكبير (57/ 6)، وإبن عساكر (31/ 245 - 246) كلهم من طريق يحيى ابن محمد البخاري ثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد قال: قال علي بن أبي طالب فذكره مرفوعًا. ويحيى بن محمد البخاري قال في التقريب: صدوق يخطئ. وقال الشيخ: عبد الله بن خالد بن سعيد وأبوه لا يعرفان. قلت: بل هما معروفان، فأما عبد الله بن خالد، فروى عنه ثلاثة، ووثقه أحمد ابن صالح، وابن شاهين، فلا يلتفت إلى تجهيل ابن القطان له، ولا قول الأزدي: لا يكتب حديثه، فإن الأزدي نفسه متكلم فيه، فعبد الله حسن الحديث، وأما أبوه فروى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في الثقات، فأقل أحواله أن يصلح في المتابعات والشواهد، وإن لم يعرفه ابن المديني، وجهله ابن القطان. وللحديث طريق آخر عن علي، رواه الطبراني في الصغير (932)، ومن

طريقه الخطيب في تاريخ بلده (5/ 299 - 300)، وفي إسناده عبيد بن ميمون التبان قال في التقريب: مقبول، فالحديث حسن من الطريقين، وقد ساق له الشيخ طرقًا أخرى أضعف من هذه، وحسنه، فاعترض عليه المستدرِك بمحض رأيه، فهل يلتفت إليه، والحالة هذه؟!. على أن للحديث شاهدًا، أخرجه الطبراني في الكبير (3502): حدثنا محمد ابن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا سلم بن قتيبة ثنا ذيال بن عبيد قال: سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره. وذيال صدوق، وباقي رواته ثقات، فالإسناد حسن، وأورده الشيخ في الصحيحة (3180)، وقال الحافظ في التلخيص (1388): إسناده لا بأس به، فالحديث صحيح بطرقه، وقد رد الشيخ على من ضعفه بكلام مهم فليراجعه من شاء، فأين المستدرِك من هذا؟!! نسأل الله المسامحة. ***

§1/1