إعلام الساجد بأحكام المساجد

الزركشي، بدر الدين

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله صحبه وسلم رب أسألك الإعانة قال الشيخ العلامة المحقق، فريد عصره، بدر الدين أبو عبدالله محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المنهاجي المصري، رحمه الله تعالى بكرمه وفضله ومنته: الحمدلله الذي جدد برفع قواعد البيت العتيق شعائر الإسلام، وأعذب الشرائع الزمزمية التي شهدت بصفوها شرائع الأحكام، وشرف الكعبة ذات الحجر والحجر والستر الذي يود زائره لو زاد فيه سواد القلب والبصر، والأركان التي شيد أركان الحج عالي بنيانها، والميزاب الذي هطل بمياه الرحمة شاذروانها، والمقام الذي من حل به أحل

في دار المقامة، والمعالم التي من وفق لدقيق العمل فيها لم يحتج في القبول إلى علامة، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له شهادة من سالت محاجر عيونه على العقيق، وزادت حلاوة ذوقه بها على الرحيق، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي شرف قبلة الحجر بالقبلة، وارتقى من حجر التكريم إلى مقام لم يحله أحد قبله، صلى الله عليه أكمل الصلوات، ما أقيمت الصلوات ورفعت الدعوات، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته نجوم الاهتداء، وأقمار الاقتداء، ما طاف بالكعبة طائف، ووقف بعرفة واقف، وسلم تسليما كثيرا، ومجد وعظم. أما بعد، فهذا كتاب ينزل من القلوب منزلة الجنان، ومن العيون منزلة الإنسان، لم ينسج له على منوال، ولم تسمح له قريحة بمثال، قدحه زناد الأشواق، من حراق القلب التواق، وأملاد باعث الحب المكى، عند فوات العيش الهى: فاستملا حديث من سكن الحي ... ولا تكتباه إلا بدمعى

فاتني أن أرى الديار بطرفى ... فلعل أرى الديار بسمعى يشتمل على الأحكام والفضائل المختصه بالمسجد الحرام , وبمسجد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام , ومسجد الأقصى وغيرها من مساجد الإسلام ,قد أتى في هذا الباب بالعجب , وحاز قصب السبق ما اكتسب الطرب , وصار لقصاد الحرم ميقاتا, ولورود حياض الفضائل ماء فراتا جمعته رجاء ثواب الله ,وأهديته لخير بلاد الله , حين لم يقتض الحال إهداء نعم ولا مال, ولله در من قال: لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال والله أسأل أن يحرم شعرى وبشرى ولحمى ودمى على النار, وأن يغفرلي ماقدمت وما أخرت من الأوزار, إنه الرحيم الغفار.

الفاتحة في مدلول المسجد لغة وشرعا وتوابع ذلك

وسميته إعلام الساجد بحكام المساجد , ورتبته على فاتحة وأربعة أبواب: الباب الأول فيما يتعلق بالمسجد الحرام. الباب الثاني: فيما يتعلق بمسجد المدينة. الباب الثالث: فيما يتعلق بالمسجد الأقصى. الباب الرابع فيما يتعلق بسائر المساجد. الفاتحة أما الفاتحة في مدلول المسجد لغة وشرعا وتوابع ذلك. المسجد لغة: أما لغة فهو: مفعل بالكسر اسم لمكان السجود , وبالفتح اسم للمصدر , قال أبو زكريا الفراء: كل ما كان على فعل يفعل كدخل يدخل فالمفعل منه بالفتح اسما كان او مصدرا , ولا يقع فيه الفرق ' مثل دخل مدخلا, ومن الأسماء ما الزموها كسر العين , منها المسجد, والمطلع والمغرب والمشرق وغيرها , فجعلوا الكسر علامة للاسم , وربما فتحه بعض العرب قد روى: المسجِد والمسجَد , والمطلِع والمطلَع. قال: والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه. قال في الصحاح: والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود. وقال أبو حفص الصقلى في كتاب تثقيف اللسان:

ويقال مسيد بفتح الميم حكاه غير واحد فتحصلنا فيه على الثلاث لغات والمسجد بكسر الميم: الخمرة وهي الحصير الصغير قاله العسكري في التصحيف. المسجد شرعا: وأما شرعا فكل من الأرض لقوله صل الله عليه وسلم:"جعلت لى الأرض مسجدا" وهذا من خصائص هذة الأمة. قاله القاضي عياض لأن من كان قبلنا , كانوا لايصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته , ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ماتيقنا نجاسته. وقال القرطبي: هذا ماخص الله به نبيه , وكانت الأنبياء قبله إنما ابيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصه كالبيع والكنائس. وقال المهلب في شرح البخاري: المخصوص به صلى الله عليه وسلم جعل الأرض طهورا أما كونها مسجدا فلم يأت في أثر انها منعت من غيره. وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركنه الصلاة فكأنه قال: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا , وجعلت

لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا" انتهى. وهذا هو الظاهر من حديث جابر وأبي هريرة في عد الطهور والمسجد في حكم الواحد. ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق اسم المكان منه فقيل: مسجد , ولم يقولوا مركع. ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيإ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمها, وكذلك الربط والمدارس فإنها هيئت لغير ذلك.

أول مسجد وضع على الأرض

أول مسجد وضع على الأرض وأول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام , وهو مسجد كما قال تعالى:" إن اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا" وفي الصحيحين عن ابي الذر رضي الله عنه قال: سألت رول الله صل الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع على الأرض فقال: "المسجد الحرام قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى , قلت وكم بينهما؟ قال: أربعون عاما , ثم الأرض لك مسجد فحيما أدركتك الصلاة فصل, وقال البخاري في بعض طرقه: أينما أدركتك الصلاة فصل فيه , فأن الفضل فيه. خرجه في ذكر الأنبياء. وقال البزار في مسنده: لانعلم أحد يرويه عن النبي صل الله عليه وسلم إلا ابا ذر , وقد أشكل هذا الحديث على بعضهم فقال: إنه معلوم ان سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم هو الذي بنى المسجد الأقصى كما رواه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو يرفعه: إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثا وهو بعد ابراهيم

صلى الله عليه وسلم كما قال أهل التاريخ بأكثر من ألف عام, وهذا القائل جهل التاريخ, فإن سليمان عليه السلام إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه, والذي أسسه هو يعقوب بن اسحق صلى الله عليهما بعد بناء ابراهيم الكعبه بهذا القدر , ولما ذكره الحافظ ابو حاتم ابن حبان البسنى في صحيحه المسمى , بالتقاسيم والأنواع. قال: فيه دحض لقول من زعم ان بين اسماعيل وداود صللى الله عليهما وسلم الف سنه , ورد على ذلك الحافظ الضياء المقدسي في استدراكاته عليه. وقال: وجه هذا الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديما , ثم خربا , ثم بنيا. انتهى. وزعم بعصهم ان اول من بنى البيت آدم وان غيره من ولده رفع بيت المقدس بعده بأربعين عاما. حكاه ابن الجوزى وغيره. وذكر ابن هشام في كتاب التيجان: أن آدم عليه السلام لما بنى البيت أمره جبريل بالمسير الى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه , وروى البيهقي في دلائل النبوة من طريق ابن لهيعة عن يزيز بن ابي حبيب عن ابي الخير عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. بعث الله جبريل الى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة فبناه آدم ثم أمره بالطواف به , وقيل له:

أنت اول الناس. وهذا أول بيت وضع للناس , ابن لهيعة متكلم فيه وقال البيهقي أيضا في الدلائل: أخبرنا ابو عبد الله الحافظ , ثنابكر ابن محمد الصيرفي, ثنا أحمد بن حبان بن ملاعب ثنا عبيد الله ين موسى ومحمد بن ساره, قالا: ثنا اسرائيل. ثنا سماك بن حرب عن خالد ابن عرعرة قال: سأل رجل عليا: ن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا أهو أول بيت بننى في الأرض؟ قال: لا. كان نوح قبله وكان في البيوت , وكان ابراهيم قبله , وكان في البيوت , ولكنه اول بيت وضع فيه البركة والهدى. ومن دخله كان آمنا, فبين على كرم الله وجهه ان الوضع غير البناء وهو مخالف لما تقدم , وصحح بعض المتأخرين هذا القول بأنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقا عن السدى فقط. وقال الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر " أول من بنى مسجدا في الأسلام عمار بن ياسر" قلت: وهو مسجد قباء. ذكره ابن الأثير وأول من بنى المدارس في الاسلام الوزير قوام الدين نظام الملك الطوسى الحسن بن علي وكان وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي عشر سنين ثم وزر لولده ملكشاه عشرين سنة. وكان يحب الفقهاء والصوفية ويكرمهك ويؤثرهم. بنى المدرسة النظامية ببغداد, وشرع فيها

في سنة سبع وخمسين وأربعمائة ونجزت سنة تسع وخمسين وجمع الناس على طبقاتهم فيها يوم السبت عاشر ذي ابقعدة ليدرس فيها الشيخ الرباني أبو إسحق الشيرازي فلم يحصر فيقال: لقيه صيس فقال: كيف تدرس في مكان مغصوب فوشوشه فاختفى؟ فلما أيسوا من حضوره ذكر الدرس بها الشيخ أبو نصر بن الصباغ عشرين يوما. ولما وصل الخبر إلى الوزير احتال على الشيخ أبي اسحاق زلك يزل يرفق به حتى درس بها وحضر يوم السبت مستهل ذي الحجة وألقى الدرس بها الى أن توفى وقيل: إنه كان يخرج منها أوقات الصلاة فيصلي بمسجد خارجها احتياطا ولما مات الشيخ ابو إسحق تولاها أبو سعد المتولى ثم صرف في سنة ست وسبعين, وأعيد المتولى الى أن مات. وبنى أيضا مدرسة بنيسابور تسمى النظامية درس بها إمام الحرمين فاقتدى به الناس في بناء المدارس, وعمد العمد الى قبر الامام ابي حنيفة وبنى عليه قبة عظيمة أنفق عليها أموالا كثيرة , نعم أنكر الحافظ شمس الدين الذهبي في تاريخ الإسلام على من زعم أن نظام الملك أول من بنى المدارس, وقال قد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك, والمدرسة السعدية بنيسابور ايضا بناها

الأمير نصر بن سبكتين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور ومدرسة ثالثة بنيسابور بناها ابو سعد اسماعيل بن علي بن المثنى الإستراباذي الواعظ الصوفي شيخ الخطيب , ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا بنيت للأستاذ ابي اسحق الشيرازي. قال الحاكم في ترجمة الأستاذ ابي اسحق لم تبين بنيسابور مدرسة قبلها مثلها وهذا صريح في انه بنى قبلها غيرها. وقال القاضي تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى: قد ادرت فكرى, وغلب على ظني ان نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم للطلبة. فإنه لم يصح لي هل كانت للمدارس قبله معالم أم لا؟ والظاهر أنه لم يكن لهم معلوم انتهى.

أول بيت وضع للناس بالقاهرة

أول بيت وضع للناس بالقاهرة واول بيت وضع للناس بالقاهرة , الجامع الأزهر وبناه جوهر القائد لما اختط القاهرة وفرغ من بنائه لسبع خلون من رمضان، واقيمت فيه الجمعة في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلثمائة, وكان بناء القاهرة سنة ثمان وخمسين وثلمائة ثم أتى العزيز بن المعز فجدد فيه أشياء وعمر به عدة أماكن قال الشيخ شمس الدين الجزري ومن خطته نقلت في كتابه الجمان: ويقال إن به طلسما لا يسكنه عصفور ولا يفرخ به وعلوا منارته في أيام قاضى القضاة صدر الدين موهوب الجزري وكان به تنوران فضة وسبعة وعشرون قنديلا فضة. وكانت له اوقاف كثيرة وفيه أشياء غريبة, فلما احترقت مصر في سنة اربع وستين وخمسمائه تغيرت هذه المعالم وجهلت واستمرت الخطبة في الجامع الأزهر حتى بنى الجامع الحاكمي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة فخطب به, وانقطعت الخطبة بالجامع الأزهر مائه سنة لأن الغز ملكوا مصر واستولوا عليها

في سنة أربع وستين وخمسمائة فلما ملك الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الديار المصرية أمر بإقامة الجمعة بالجامع الأزهر وكان ذلك في سنة خمس وستين وستمائة فأصر قاضي القضاة تاج الدين بنت الأعز على أنه لا تجوز إقامة جمعتين وأفتى قاضي القضاة شمس الدين الحنبلي بالجواز وتوقف الناس في ذلك. لإصرار القاضي تاج الدين ثم أقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة. وحضر الصلاة الصاحب بهاء الدين بن حنا وجماعة من الفقهاء والأمراء، وصلى السلطان في ذلك اليوم في جامع القلعة، ومن عجائب الاتفاقات أن الحاكم قصد ببناء جامعه أن يخطب له ولولده الظاهر من بعده ولذريته وقطع الخطبة بالجامع الأزهر، فقدر الله تعالى أن هذا الجامع الحاكمى ما خطب به إلا للخليفة الحاكم، ثم من بعده لم يخطب إلا للملك الظاهر، وهذه الظاهر، وهذه شذرة من أخباره ذكرتها لعزتها.

فصل بناء المساجد

فصل بناء المساجد قال الله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " اي تبنى كقوله: " وإذ يرفع ايراهيم القواعد من البيت ". فالرفع هنا، إما حقيقي. أو مجازي كالتطهير في قوله: " وطهر بيتي " قال العلماء: والمراد بالبيوت هنا المساجد وقيل: المساجد بيوت الله تضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك وأحبوا أن يدعه على هيئته فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة مثله. وفي الصحيحين من حديث عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان يقول عند قول الناس فيه. حين بنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة قال النووي: قوله: مثله يحتمل وجهين. أحدهما

أن يكون معناه (بنى له بيتا في الجنة فضله على ما سواه من بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا والثاني أن يكون معناه) مثله في مسمى البيت، وأما حقيقة صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها وعظمها. وقال القرطبي: هذه المثلية ليست على ظاهرها ولكن المعنى، أنه يبنى له بثوابه بناء أشرف وأعظم وأرفع، وكذلك الرواية الأخرى. من بنى لله بيتا ولم يسمه مسجدا وهذا البيت والله أعلم مثل بيت خديجة الذي قال فيه: من قصب لا صخب فيه ولا نصب، يريد من قصب الزمرد والياقوت ويحتمل أن يريد مثله في الاسم لا المقدار، أي أن يبنى له بيتا كما بنى بيتا لأن الأعمال الحسنة جزاؤها الضعف، وعلى هذا اقتصر ابن الجوزي قال: وقوله: لله. يريد به الإخلاص، في الفعل، ومن بنى مسجدا فكتب اسمه عليه فهو بعيد من الإخلاص، لأن المخلص يكتفي برؤية المعمول منه. وقد كان حسان بن أبي سنان يشتري أهل البيت فيعتقهم ولا يخبرهم من هو. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه

وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب وفي رواية لآبن وضاح في مصنفه عنها مرفوعا: من بنى مسجدا لله ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة. قلت: يا رسول الله، وهذه المساجد التي بطريق مكة، قال: وتلك. ورواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه أيضا. ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة. وقال الذهبي في مختصر السنن: إسناده جيد. قلت: وقال ابن عبدالبر في الكلام على التدليس: قال سفيان وشعبة: لم يسمع الأعمش هذا الحديث من ايراهيم التيمي. ومفحص القطاة. هو موضع تبحث (عنه التراب) برجليها وتصلح موضعا لتبيض فيه بالإرضض مأخوذ من الفحص ولو هنا للتقليل، وقد أثبته من معاني لو ابن هشام الخضراوي وجعل منه، اتقوا النار ولو بشق تمرة، والظاهر أن التقليل مستفاد مما بعد لو، لا من لو، ثم المراد بالتقليل هنا، إما الزيادة، في المسجد

تنزيلا له منزلة ابتدائه، أو لأن الكلام خرج مخرج المبالغة، وتأمل كيف خص القطاة بالذكر دون غيرها، لأن ارب يضربون بها المثل في الصدق ففيه رمز خفي إلى المحافظة على الإخلاص في بنائه، والصدق في إنشائه، وفي صحيح البخاري في حديث طويل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد. وفي مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها. وفيه أيضا في حديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فقال: ورجل قلبه معلق بالمساجد. قال النووي: معناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها وليس معناه دوام القعود فيها: قلت: فكيف حب المسجد الحرام وتعلق قلبه به؟ وروى الطبراني في أوسط معاجمه من حديث الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تذهب الأرضون كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينضم بعضها إلى بعض. وروى الزار في مسنده عن عبد الله بن المختار عن محمد بن واسع عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: لتكن المساجد مجلسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عزوجل ضمن لمن كانت المساجد بيته الأمن والجواز على الصراط يوم القيامة. وقال: هذا حسن الإسناد.

الباب الأول فيما يتعلق بمكة والمسجد الحرام من خصائص

الباب الأول فيما يتعلق بمكة والمسجد الحرام من خصائص

ذكر أصل بناء الكعبة المعظمة

ذكر أصل بناء الكعبة المعظمة أخبرنا شيخنا أبو عبدالله الحافظ رحمه الله: أنا المشايخ قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وأبو الحسن علي بن اسماعيل ابن قريش، وأبو بكر عبدالله بن الأكرم ابن أبي البركات النعماني قراءة عليهم. أنا أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي قراءة عليه: أنا أبو القاسم عبدالرحمن بن علي الطبري بمكة: أنا أبو الحسن ابن محمد الطوسي الصاهلي: أنا أبو القاسم اسماعيل الاسماعيلي: أنا أبو ابراهيم اسماعيل بن ابراهيم النصر أبادي. ح وقال الغزنوي: وأنبأنا المبارك بن الحسن بن محمد، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة أنا ابراهيم النصر أبادي: أنا أبو الحسن المغيرة بن عمرو: ثنا أبو سعيد الفضل بن محمد بن ابراهيم الجندي في كتابه فضائل مكة: ثنا عبدالله ابن أبي غسان الثمالي: ثنا أبو همام: ثنا محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان البيت قبل هبوط آدم صلى الله عليه ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي، وباب غربي، وفيه قناديل من الجنة والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون

فيه إلى يوم القيامة حذاء البيت الحرام، ولما أهبط الله تعالى آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته، وأنزل عليه الحجر الأسود يتلألأ كأنه لؤلؤة بيضاء فأخذه آدم صلى الله عليه وسلم فضمه إليه تعالى من استئتاسا به، ثم أخذ الله تعالى من بنى آدم ميثاقهم فجعله في. في الحجر ثم أنزل آدم العصا ثم قال: يا آدم تخط فتخطى فإذا هو بأرض الهند فمكث ما شاء الله تعالى. ثم استوحش إلى البيت فقيل له: احجج يا آدم. فلما قدم مكة لقيته الملائكة فقالت: بر حجك يا آدم. لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام فقال: ما كنتم تقولون حوله؟ قالوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فكان آدم صلى الله عليه وسلم إذا طاف قالهن. وكان يطوف سبعة أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار. وقال: يا رب اجعل لهذا البيت عمارا يعمرونه من ذريتي فأوحى الله عزوجل: أن معمره نبي من ذريتك اسمه ابراهيم أقضي على يده عمارته. واستنبط له سقايته وأريه مواقفه وأعلمه مناسكه، قلت: محمد بن زياد هو اليشكري الطحان. قال احمد: كذاب خبيث وكذبه يحيى بن معين أيضا وأبو زرعة، والدارقطني، والفلاس

وروى عنه شيبان [بن فروخ] وفي دلائل النبوة للبيهقي من حديث عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعث الله عزوجل جبريل صلى الله عليه وسلم إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا لي بيتا فخط لهما جبريل صلى الله عليه وسلم، فجعل آدم يحفر، وحواء تنقل حتى أصابه الماء نودي من تحته حسبك يا آدم. فلما بنياه أوحى الله عزوجل إليه أن يطوف به. وقيل له: أنت أول الناس. وهذا أول بيت. ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح صلى الله عليه وسلم. ثم تناسخت القرون حتى رفع (ابراهيم) القواعد منه، قال البيهقي: تفرد به ابن لهيعة هكذا مرفوعا وروى محمد بن جرير الطبري عن عطاء: أن آدم صلى الله عليه وسلم قال: أي رب، إني لأسمع أصوات الملائكة، فقال: ابط إلى الأرض فابن لي بيتا. ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء. قال: فيزعم الناس: أنه بناه من خمسة أجبل، من حراء، وطور سيناء، وطور زيتا، والجودي و (لبنان). ثم روى من طرق أنه لما كان زمن الطوفان رفعه الله حتى بعث ابراهيم فبناه. وقال السهيلي في الروض: وجاء في آثار مروية: أن ابراهيم بناه من خمسة أجبل، وأن الملائكة كانت تأتيه بالحجارة منها، وهي طور سيناء. وطور زيتا اللذان بالشام، والجودي وهو بالجزيرة. ولبنان

وحراء وهما في الحرم. كل ذلك بحكمة الله كيف جعل بناءها من خمسة أجبل. فشاكل ذلك معناها إذ هي قبلة للصلوات الخمس وعمود الإسلام. وقد بنى على خمس، وأول من بناه شيث عليه السلام .. وكان قبل أن يبنيه خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم، ويأنس بها لأنها أنزلت من الجنة. وقيل إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين، لأن السيل كان قد صدع حائطه قال: وقيل: " لم يكن بنيانا إنما كان إصلاحا لما وهي منه وجداراً أسس بينه وبين السيل. بناه عامر ابن الجادر ". وقال الأزرقي في تاريخ مكة: جعل ابراهيم صلى الله عليه وسلم طول بناء الكعبة في السماء سبعة أذرع، وطولها في الأرض ثلاثين ذراعا، وعرضها في الأرض اثنين وعشرين ذراعا، وكانت بغير سقف، ولما بنتها قريش جعلوا طولها ثماني عشرة ذراعا في السماء، ونقصوا من طولها في الأرض ستة أذرع وشبرا، تركوها في الحجر. ولما بناها ابن الزبير جعل طولها في السماء سبعة وعشرين ذراعا. ولم يغير الحجاج طولها حين هدمها وهي إلى الآن (على ما) بناها ابن الزبير لما كانت عائشة ترويه، ولأنه لما نصب عليها المنجنيق الحصين بن نمير وهت جدرانها. وقيل: بل طارت شرارة من مجمرة

في أستارها فاحترقت، فلما أمر عبدالملك بهدمها وبناها الحجاج على البناء الأول أخبر عبدالملك أبو سلمة وغيره عن عائشة بما كان عمدة ابن الزبير في هدمها فندم لذلك وقال: ليتنا تركناه وما تولى، فلما تولى أبو جعفر الخلافة أراد أن يهدمها ويردها إلى بناء ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال: "لئلا يبقي عادة الملوك ". فتركه. قال أبو العباس القرطبي في المفهم. " وما فعله عبدالله بن الزبير في البيت كان صوابا. وقبح الله الحجاج وعبدالملك، لقد جهلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:. وقال عبدالملك حين بلغته السنة: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه، لتركته على بناية ابن الزبير وهو غير معذور في ذلك، فإنه كان متمكنا من التثبت بالسؤال والبحث فلم يفعل واستعجل وقضى، فالله حسبه ومجازيه على ذلك، ولقد اجترأ على بيت الله وعلى أولياته. ولما كان الرشيد أراد أن يرده على ما بناه ابن الزبير فقال له مالك: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن (لا) تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشاء أحد إلا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس ". فترك ما هم به، واستحسن الناس هذا من مالك وعملوا عليه، فصار هذا كالإجماع على أنه لا يجوز التعرض له بهدم أو تغيير والله أعلم. قال السهيلي: " وكان بناؤها في الدهر خمس مرات، الأول حين بناها شيث ابن آدم، والثانية حين بناها ابراهيم على القواعد الأولى، والثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام.

والرابعة حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبي قبيس فوقعت في أستارها فاحترقت، وقيل إن امرأة أرادت أن تجمرها فطارت شررة من المجمرة في أستارها فاحترقت، فشاور ابن الزبير في هدمها من حضره فهابوا هدمها، وقالوا: نرى أن تصلح ما وهي منها والا تهدم. فقال: لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح. ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها، فهدمها حتى أفضى إلى قواعد ابراهيم فأمرهم أن يزيدوا في الحفر فحركوا حجرا فيها فرأوا تحته نارا وهولا فأفزعهم فأمرهم أن يقروا القواعد ويبنوا من حبث انتهى الحفر. وفي الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد، فطاف الناس بتلك الأستار، فلما أتم بناءها ألصق بابها بالأرض وعمل لها خلفا، أي بابا آخر من ورائها وأدخل الحجر فيها لحديث خالته عائشة رضي الله عنها، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألم ترى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد ابراهيم حين عازت بهم النفقة. ثم قال عليه الصلاة والسلام: لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها وبنيتها على قواعد إبراهيم قال ابن الزبير: فما بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها على

مقتضى حديث عائشة. الخامسة عبدالملك بن مروان هدم ما بناه ابن الزبير وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من بنائها جاءه الحارث ابن أبي ربيعة ومعه آخر فحدثاه عن عائشة بالحديث المتقدم فندم وقال. وددت أني لو تركت ابن الزبير، وشاور في ذلك فقال له، مالك بن أنس: " أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن (لا) تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه ". وقال النووي في شرح مسلم: قاعلماء. بنى البيت خمس مرات (بنته) الملائكة، ثم إبراهيم، ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل: خمس وعشرون إلى، ثم ابن الزبير، ثم الحجاج، واستمر الآن، قال العلماء: ولا يغير هذا البناء. وقال البخاري في صحيحه: حدثني عبدالله عبدالله بن محمد. ثنا أبو عاصم. أخبرني ابن جريح. أخبرني عمرو بن دينار. سمعت جابرا يقول: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجع إزارك على رقبتك فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء فقال: أرني إزاري فشده عليه. وذكر السهيلي في بقية الحديث: فسقط مغشيا عليه فضمه العباس إلى نفسه وسأله عن

شأنه فأخبره أنه نودي من السماء: أن اشدد عليك إزارك يا محمد: قال ابن الجوزي: ليس فيه دلالة على كشف العورة وإنما فيه كشف الجسد. وقال ابن سعد في الطبقات: إن ذلك كان وسنه صلى الله عليه وسلم خمس وثلاثون سنة قال: وكانت الخرف مطلة على الكعبة. وكان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت فانصدع فخافوا أن ينهدم وسرق منه حلية وغزال من ذهب كان عليه، درر وجوهر فأقبلت سفينة فيها روم. ورأسهم باقوم، وكان بانيا فخرج الوليد بن المغيرة في نفر فابتاعوا خشبها وكملوا باقوم فقدم معهم. وفي مغازي موسى بن عقبة: كان بناؤها قبل البعثة بخمس عشرة سنة.

ذكر أول من كسا البيت

ذكر أول من كسا البيت ذكر ابن إسحق في سيرته أن تبعا كان هو وقومه أصحاب أوثان يعبدونها فقصده نفر من هذيل ابن مدركة فقالوا: ألا ندلك على بيت بال داثر قال: بلى. قالوا. مكة وإنما أراد الهذليون هلاكه لما عرفوا هلاك من أراده من الملوك. فقال له حبران كانا معه: إنما أراد هؤلاء هلاكك. قال: فماذا تأمرني قالا: تصنع عنده ما يصنع أهله، تحلق وتطوف وتنحر، ففعل وأقام بمكة ستة أيام ينحر للناس ويطعمهم فأرى في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف، ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل، فكان تبع فيما زعموا أول من كسا البيت. وذكر ابن قتيبة أن هذه القصة كانت قبل الإسلام بسبعمائة سنة. وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة: ثنا أبو زرعة عمرو بن حاتم: سمعت سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم وقال: لا يروى عن سهل إلا بهذا الإسناد وتفرد به ابن لهيعة وفي

حديث آخر ذكره السهيلي عن همام بم منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه: ان رسول الله قال: لا تسبوا سعدا الحميري فإنه أول من كسا البيت قال ابن اسحق إن أول من كساها الديباج الحجاج. وقال الزبير: أول من كساها الديباج عبدالله بن الزبير. وقال أبو عبدالله محمد بن إسحق الفاكهي في أخبار مكة: يقال: إن أول من كساها الديباج عبدالملك بن مروان. وقال أبو عروبة الحراني في كتاب الأوائل له: حدثنا الحسين بن يحيى. ثنا عثمان بن طالوت. ثنا قريش بن أنس عن الأشعث، عن الحسن قال: أول شيء كسيته الكعبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساها قباطي وذكر الأزرقي أن عمر رضي الله عنه كان يكسوها القباطي وكساها معاوية وابن الزبير الديباج الأحمر وكانت تكسييوم عاشوراء ثم صار معاوية يكسوها مرتين، والمأمون كان يكسوها ثلاثا: الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان المعظم، وأول من اتخذ لها غلقا عبدالمطلب. باب حديد من تلك الأسياف، واتخذ عبدالمطلب أيضا حوضا لزمزم يستقى منه، وكان

يخرب بالليل حساد له، فلما غمه ذلك قيل له في النوم: قل: لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل وقد كفيتهم ففعل ذلك. فكان بعد من أرادها بمكروه أصيب في يده أو في جسده حتى انتهوا عنه. وذكره الزهيري في سيره.

ذكر حال انتهائه

ذكر حال انتهائه قال الإمام البخاري في صحيحه: حدثنا علي بن عبدالله. ثنا سفيان. ثنا زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". وذكر في حديث آخر: أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا وفي مسند أبي داود الطيالسي. وأول من يستحل هذا البيت اهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب. ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده وفي سنن أبي داود من حديث موسى بن جبير عن أبي أمامة ابن سهل عن عدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو اسويقتين من الحبشة. وفي مسند أحمد عن أبن عمر قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليها ويجردها من كسوتها، كأني أنظر إليه أجيدع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله. وفي مثير

الغرام الساكن لأبي الفرج من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وعن ابن عمر،، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استمتعوا من هذا البيت فإنه يهدم مرتين ويرفع في الثالثة، أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه. وقال: صحيح على شرط الشيخين. قلت: اختلف الناس متى يكون ذلك؟ فذكر الحليمي في منهاجه: أن ذلك يكون في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم، وأن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين وأصحابه قد ساروا إلى البيت لهدمه فيبعث إليه عيسى طليعة ما بين الثماني إلى التسع وقال أبو العباس القرطبي الصحيح أن خرابه يكون بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك بعد موت عيسى صلى الله عليه وسلم، ويوافقه ما في كتاب الملاحم والفتن لنعيم بن حماد من حديث عبدالله بن عمرو: تخرج الحبشة بعد نزول عيسى، قيبعث عيسى طليعة فيهزمون. وفي رواية يهدم مرتين ويرفع الحجر في الثالثة، وفي رواية ويستخرجون كنز فرعون (بمنوف) من الفسطاط ويقتلون بوسيم وذكر أبو الحسن بن بطال في شرح البخاري أن تخريب الحبش يحصل ثم تعود حرمتها ويعود الحج إليها واحتج بما رواه البخاري من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحجن البيت. وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج وروي عن علي

ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال الله تعالى: إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته، ثم أخرب الدنيا على أثره. وقال الحاكم في مستدركه: يمكن أن يحج ويعتمر بعد ذلك ثم ينقطع الحج عنه. قال أبو العباس القرطبي: ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا " لأن تخريب الطعبة إنما يكون عند خراب الدنيا ولعله يكون في الوقت الذي لا يبقى إلا شرار الخلق فيكون حرما آمنا مع بقاء الدين وأهله، فإذا أذهبوا ارتفع ذلك المعنى، والحق في الجواب أنه لا يلزم من قوله: " حرما آمنا " وجود ذلك المعنى في وقت آخر. فإن قيل: فقد قال: " إن الله أحل لي مكة ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة "، واما وقوع الخوف فيها وترك حرمتها فقد وجد ذلك في (أيام) يزيد وغيرها فإن قيل: ما السر في حراسة الكعبة من الفيل. ولم تحرس في الإسلام مما صنع بها الحجاج والقرامطة وذو السويقتين فالجواب. قال أبو الفرج: إن حبس الفيل كان من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولائل رسالته ولتأكيد الحجة عليهم بالأدلة التي شوهدت، بالبصر قبل الأدلة المرئية بالبصائر. وكان حكم الحبش أيضا دلالة على وجود الناصر.

ذكر من بنى المسجد الحرام

ذكر من بنى المسجد الحرام قال أبو الوليد الأزرقي وأبو الحسن الماوردي: أما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة، وفضاء للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جدار يحيط به وكانت الدور تحدق به، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية فلما استخلف عمر رضي الله عنه: إن الكعبة بيت الله ولا بد للبيت من فناء، وإنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم فاشترى تلك الدور من أهلها وهدمها وبنى المسجد المحيط بها واتخذ له جدارا، ثم لما استخلف عثمان رضي الله عنه اشترى دورا أخر، ووسعه أيضا، وبنى المسجد والأروقة وكان عثمان أول من اتخذ الأروقة، فلما كان ابن الزبير زاد في إتقانه لا في سعته وجعل فيه عمدا من الرخام وزاد في أبوابه وحسنها فلما كان عبدالملك بن مروان زاد في ارتفاع حائط المسجد وحمل إليه السواري في البحر إلى جده، واحتملت من جده على

العجل إلى مكة وأمر الحجاج فكساها الديباج، ثم كان الوليد بن عبدالملك فزاد في حليها وصرف في ميزانها وسقفها ما كان في مائدة سليمان عليه السلام من ذهب او فضة، وكانت قد احتملت غليه من طليطلة من جزيرة الأندلس فلما كان أبو جعفر المنصور وابنه محمد المهدي زاد في إتقانه ولم يحدث فيه بعد ذلك [عمل إلى الآن].

تبيين المراد بالمسجد الحرام

تبيين المراد بالمسجد الحرام ذكر الله المسجد الحرام في كتابه العزيز في خمسة عشر موضعا، ستة في البقرة. الأول: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " الثاني: " فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك " الثالث: " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " الرابع: " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام " الخامس: " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " السادس: " والمسجد الحرام وإخراج أهله منه " وفي سورة المائدة موضع: " أن صدوكم عن المسجد الحرام وفي سورة الأنفال موضع: " وهم يصدون عن المسجد الحرام "، وفي التوبة ثلاثة مواضع: الأول " إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام " الثاني " وعمارة المسجد الحرام"

الثالث " فلا يقربوا المسجد الحرام " وفي بني اسرائيل موضع. " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " وفي الحج موضع " والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس " وفي الفتح موضعان: الأول " وصدوكم عن المسجد الحرام " الثاني " لتدخلن المسجد الحرام " وذكر الماوردي في الحاوي في كتاب الجزية أن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام " فإنه أراد به الكعبة، وأما ابن أبي الصيف اليمني فقال بعد ذكر المواضع الخمسة عشر: منها ما أرد به الكعبة كقوله: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " ومنها ما أرد به مكة كقوله: " سبحان الذي أسرى بعبده " وقد روي أنه أسرى به من بيت أم هانيء بنت أبي طالب، ومنها ما أراد به الحرم كقوله تعالى: " إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام " قال: وقد روي النسائي في سننه من حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الكعبة.

وروي أيضا من حديث أبي هريرة إلا الكعبة. وفي رواية ابن ماجه: " وصلاته بمكة بمتئة ألف " مع ذكر المساجد يظهر أنه أراد مسجد مكة والمصلى فيه مصل بمكة والله أعلم. قال: والإنصاف أن الكل داخل في الاسم المذكور في القرآن، إلا أن الإطلاق إنما ينصرف إلى المسجد الذي قدر به الطواف ولهذا ورد: كنا في المسجد الحرام، وخرجنا من المسجد الحرام، واعتكفنا في المسجد الحرام، وبتنا فيه، ولا شك أن مساجد الحرم متعددة واختص هو من بينها بالمسجد الحرام في العرف. وقد ذكر الأزرقي في أخبار مكة عن جده عن مسلم بن خالد عن محمد ابن الحرث عن سفيان عن علي الأزدي قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إنا لنجد في كتاب الله عزوجل أن حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال: أساس المسجد الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد.

بيان المراد بحاضري المسجد الحرام

بيان المراد بحاضري المسجد الحرام اختلف أصحابنا هل هو من بينه وبين مكة دون مرحلتين أو بينه وبين الحرم؟ على وجهين. واختلف فيهما التصحيح، وقال ابن المنذر في الإشراف: هم أهل مكة وأهل ذي طوى. وقال مجاهد وطاوس: هم أهل الحرم، وقال مكحول: من كان أهله خلف المواقيت إلى مكة، فهو من حاضري المسجد الحرام، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق. انتهى

ذكر حدود الحرم

ذكر حدود الحرم أول من نصب حدود الحرم إبراهيم عليه السلام، ويقال: أوحى الله عزوجل إلى الجبال (تنحي فتنحت) حين رأى الله إبراهيم موضع المناسك وهو قوله: " وأرنا مناسكنا " ثم إن قريشا قلعوها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه ثم إنهم أعادوها وجددها النبي صلى الله عليه وسلم، قال الزار في مسنده: حدثنا بشر بن معاذ ومحمد بن موسى الحرشي قالا: ثنا مقاتل بن سليمان ثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم عن محمد بن الأسود ابن خلف عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم عام الفتح. وقال مالك: عمر بن الخطاب هو الذي نصب معالم الحرم بعد أن بحث عن ذلك. وحده من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار على ثلاثة أميال من مكة وقيل: أربعة، ومن طريق اليمن (طرف أضاة لبن) على ستة أميال. وقيل: سبعة ومن طريق

الطائف عند أضاة لبن، وعلى طريق عرفة من بطن نمرة على أحد عشر ميلا كذا ذكره الأزرقي، وقال ابن أبي زيد: على تسعة، ومن طريق العراق على ثنية جبل المقطع على سبعة اميال: وقيل ثمانية. ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبدالله بن خالد على تسعة، ومن طريق جدة منقطع العشائر على عشرة. وقال مالك: ولحديبية في الحرم. وقال الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة. وهكذا حكاه أقضى القضاة الماوردي وجماعة، عنهم صاحب البحر وعليه بنى الشاعر قوله وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراقٌ وطائف ... وجُدة عَشر ثم تسع جعرانه وقال ابن سراقة في كتاب الأعداد: والحرم في الأرض موضع واحد وهو مكة و (ما) حولها ومساحة ذلك ستة عشر ميلا في مثلها، وذلك بريد واحد وثلث، في بريد واحد وثلث على التقريب، انتهى , فإن قيل: ما الحكمة في تحديد الحرم؟ قيل: فيه وجوه:

أحدهما: التزام ما ثبت له من الأحكام، وتبيين ما اختص به من البركات. الثاني: ذكر أن الحجر الأسود لما أتى به من الجنة كان أبيض مستنيرا أضاء منه نور، فحيثما انتهى ذلك النور كانت حدود الحرم، وهذا معنى مناسب، الأمر فوق ذلك. الثالث: أنه أنوار موضوعة من العالم الأعلى الرباني، وسر روحاني وجه إلى تلك البقاع. ويذكر أهل المساهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم، ولها منار ينبع منها، ويكون منها في الحرمين والأرض المقدسة ولكل أرض نور وصفة ولون لذلك النور، نسأل الله أن يمن علينا بصفاء القلوب، والظفر بشهود حقائق الأعيان. فهذا حد ما جعله الله محرما لما اختص به من التحريم، وباين به سائر البلاد.

ذكر حدود البيت المحرم

ذكر حدود البيت المحرم تقدم في الباب الأول حديث عائشة: لولا حدثان قومك بالإسلام لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم ولأدخلت فيها الحجر. وفي رواية: وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اختصرتها حين بنت الكعبة. وفي رواية خمس أذرع، وفي رواية قريبا من سبع، وفي رواية قالت عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدار أمن البيت هو؟ قال: نعم. والكل في الصحيح، قال النووي في شرح مسلم: قال أصحابنا رحمهم الله: ستة أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف، فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجوه، أحدهما يجوز الظاهر من الأحاديث، ورجحه جماعة من الخراسانيين، وأصحها لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على مداره ولا يصح حتى يكون خارجا عن جميع الحجر، وهذا هو الصحيح الذي عليه نص الشافعي، ورجحه جماهير الأصحاب. وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة فإنه قال: إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده، وإن رجع إلى بلده فلا إعادة، ويريق دما، ويجزيه طوافه، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وراء الحجر وقال: لتأخذوا عني مناسككم، ثم أطبق الناس عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن.

ذكر حدود منى

ذكر حدود منى وهي ما بين جمرتي العقبة ووادي محسر، وليس الجمرة ولا وادي محسر من منى، كذا حكاه النووي في شرح المهذب عن الأزرقي وأصحاب الشافعي وحكاه الأزرقي عن عطاء وغيره، وقال المحب الطبري: إن العقبة من منى، ولم ينقل عن أحد أن الجمرة ليست من منى، وفي صحيح مسلم من حديث الفضل بن عباس، أن وادي محسر من منى، ومنى من الحرم بلا خلاف، وما أقبل من الجبال على منى فهو منها، وما أدبر فليس منها، وبين الجمرة ووادي محسر كما قاله الأزرقي سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع. وقال ابن المنذر في خبر الفضل بن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منى: إذا دخل منى حين هبط من محسر، وثبت أن عمر قال: لا يبيتن أحد من الحاج وراء العقبة ليالي منى، وكذلك قال ابن عمر، وروى ذلك عن ابن عباس. وقال عطاء: منى من العقبة إلى محسر وبه قال الشافعي. قال: وليس العقبة من منى، ولا بطن المحسر. قال ابن المنذر: وكذلك نقول.

خيف منى

خَيف منى الخيف اسم يقع على ما بين الجبلين. وقيل فيه ارتفاع وهبوط في سفح الجبل. وأشهر الأخياف، خيف منى، ومسجده مسجد الخيف، وهو خيف بني كنانة الذي ورد فيه الحديث، قال الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن العباس المؤدب حدثنا شريح بن النعمان ثنا حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر عن خثيم بن مروان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجد الخيف ومسجد الحرام، ومسجدي هذا. وقال: لم يروه عن كلثوم بن جبر إلا حماد بن سلمة، ولم يذكر مسجد الخيف في شد الرحال إلا في هذا الحديث انتهى، وعلة هذا الخبر خثيم بن مروان ضعفه الأزدي. وقال البخاري: سمع منه كلثوم بن جبر هذا الحديث ولا يتابع في مسجد الخيف، ولا يعرف لخثيم سماع عن أبي هريرة وقال: أيضا: أخبرنا ابن أبي خثيم ثنا عبدالله بن هاشم الطوسي ثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا، منهم موسى صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان على بعير (أحمر) وقال: تفرد به

عبد الله بن هاشم. وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي: وادي السرر بمنى على أربعة أميال من مكة فيه دوحة سر تحتها سبعون نبيا، وبمنى أربع آيات عظيمة. إحداهن: أن الجمار على كثرتها في كل سنة تمتحق وترى على قدر واحدد، وقد جاء ذلك من طرق كثيرة أوضحتها في تخريج أحاديث الرافعي. الثانية: أن اللحوم بمنى في أيا مها تشرق على الجدران، وعلى صخرات الجبال وفي أسطحة السوق، وهي محروسة بحراسة الله من تخطف الطير لشيء منها، ومعلوم أن الحدأة إذا رأت شيئا أحمر بيد إنسان أو على رأسه انقضت عليه حتى تخطفه، وهي تحوم حول تلك اللحوم لا تستطيع أن تأخذ منها شيئا. الثالثة: أن الذباب (في أيام) منى لا يقع على الطعام بل يؤكل العسل ونحوه مما يجمع الذباب ويتهافت على الوقوع فيه ولا يقع فيه، بل لا يحوم عليه في الغالب مع كثرة العفونات الجالبة لكثرة الذباب من الدماء والأنتان

الملقاة في الطرقات، فإذا انقضت أيام الضيافة والإكرام، تهافت الذباب على كل طعام حتى لا يطيب للطاعم طعم، وتلك آيات ظاهرة لمن اعتبرها، وعبرة ظاهرة لمن أنعم النظر فيها. الرابعة: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، إن أمر منى لعجب، هي ضيقة فإذا نزلها الحاج اتسعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل منى كالرحم إذا حملت وسعها الله تعالى.

المزدلفة

المزدلفة لها أربعة أسماء، المزدلفة، وقزح، والمشعر الحرام، وجمع. قال البكري: سميت بذلك للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء بها، ومحسر واد بمزدلفة. وقال الكلبي: سميت المزدلفة، لأن الناس يدفعون منها زلفة جميعا يزدلفون منها إلى موضع آخر. وفي نوادر الهجري، قال أبو سليمان: اللام من مزدلفة مجرورة، قال: وآخر مزدلفة محسر وأول منى بطن محسر. قال عبدالملك حبيب عرنة ليست من عرفة، إنما هي من الحرم، وعرفة خارجة (من الحرم) وبطن عرنة هو بطن الوادي الذي يقال فيه مسجد عرفة، وهي مسايل يسيل فيها الماء إذا كان المظر، يقال لها: الحبال وهي على ثلاثة، أقصاها مما يلي الموقف. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عن تلك الحبال إلى سفح جبل عرفة أي أسفله.

عرفات

عرفات لها أربع حدود، أحدها ينتهي إلى جادة طريق الشرف، والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات، والثالث إلى البساتين التي تلي قرية عرفة، وهذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفة، والرابع ينتهي إلى وادي عرنة، وليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة ولا المسجد الذي يصلي فيه الإمام المسمى بمسجد إبراهيم، بل هذه المواضع خارج عرفات على طريقها الغربي مما يلي مزدلفة ومنى ومكة، وما ذكرناه من كون المسجد ليس من عرفات هو الذي نص عليه الشافعي، وقال الشيخ أبو محمد الجويني: مقدم هذا المسجد في طرف هذا وادي عرنة لا في عرفات، وآخره في عرفات. قال: فمن وقف في مقدم المسجد لم يصح وقوفه، ومن وقف في آخره صح، ولعله زيد بعد الشافعي رحمه الله من أرض عرفات هذا القدر المذكور في آخره، وبين هذا المسجد والجبل الذي توسط عرفات المسمى: جبل الرحمة، قدر ميل. وعررفات ليس من الحرم ومنهى الحرم من مكة شرفها الله تعالى تلك الجهة عند العلمين المنصوبين عند منتهى المأزمين وهما ظاهران، قلت ويستفاد مع عرفة من باب

مختلف الأسماء ومؤتلفها موضعان، أحدهما عرفة بضم العين وسكون الراء والثاني كالأول موضع في بلاد بني أسد، قال البكري عن ابن حبيب: وهي ثلث عرف، عرفة ساق، وعرفة صارة، وعرفة الأملح، والموضع الثاني عرفة بكسر العين وسكون الراء وبعدها قاف وتاء تأنيث موضع من ثغور مرعش من بلاد الروم وقعت في شعر المتنبي.

بيان الحجاز ما هو

بيان الحجاز ما هو قال الشافعي رضي الله عنه: الحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، أي قراها. قال الأصمعي: وسمي حجازا لأنه حجز بين نجد وتهامة، وهما منه. حكاه الروياني في البحر. وحكى الرافعي عن الصحاح عن الأصمعي: أنه سمى حجازا، لأنه احتجز بالحرار الخمس، منها حرة بنى سليم، وحرة واقم، والذي رأيته في الصحاح الجزم بذلك من عند نفسه ولم يحكه عن أحد. وقال ابن الكلبي: سمى حجازا لما احتجز من الجبال. حكاه في البحر. وقال ابن الأنباري في الزاهر: والحجاز فيه قولان، يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب قد حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شده شدا يقيده به ويقال للحبل: حجاز، ويجوز أن يكون سمى حجازا لأنه احتجز بالجبال. ويقال: احتجزت المرأة إذا شدت ثيابها على وسطها وأبرزت (عجيزتها)، وقال الراغب: قيل سمى حجازا لكونه حاجزا بين الشام وبين البادية، والحجاز حبل يشد من حقو البعير إلى رفعه، وحكى الرافعي عن الكلبي: أن حدود الحجاز ما بين جبل طي إلى أطراف العراق، وعن

الحربي: أن تبوك وفلسطين من الحجاز، قال في البحر: واختلفوا في حده، فقال قوم: هو ما احتجز بالجبل في شرقية وغربية من بلاد مذحج إلى فيد، وقال اخرون: هو اثنتا عشرة دارة للعرب. فالحد الأول بطن نخل وأعلى رمة وظهر حرة ليلى، والحد الثاني} مما [يلي الشام شغب وبدا وهما جبلان، والحد الثالث مما يلي تهامة، بدر والسقبا ورهاط وعكاظ، والحد الرابع مما يلي ساية وودان وقال الرافعي: كلمة الاصحاب متفقة علة إن اليمن يدخل في الحجاز، وفي كلام الامام خلاف، انه هل الحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، أو مكة والمدينة واليمن؟.

جزيرة العرب

جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى اقصى اليمين في الطول، وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة في العرض، قال أبو عبيدة: قال ابن عبد البر: قال يعقوب بن أبي شيبة: حفر ابي موسى على منازل من البصرة في طريق مكة خمسة منازل أو ستة، وقال الأصمعي: جزيرة العرب من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، ومن جدة وما والاها ومن ساحل البحر إلى أطرار الشام في العرض، واطرار بالراء المهملة. قال ابن دحية: يعني أطرافها وأعلامها قال ويروى بالغلاء المنقوطة وهي الاعلام أيضا. وقال القاضي أبو القاسم صاعد في طبقاته سميت جزيرة البحر لأن البحر محيط بها من جهاتها الثلاثة، التي هي الغرب والجنوب والشرق. وقال الحافظ أبو محمد في مراتب الجماع واتفقوا إن جزيرة العرب} هي {:ما أخذ من بحرعبادان ماراعلى السلحل إلى سواحل اليمن إلى جدة إلى القلزم ومن القلزم مارا على الصحاري إلى حدود العراق واختلفوافي وادي القرى وتيماء وفدك انتهى

قال الرافعي: كلمة الأصحاب متفقة على أن الجزيرة أوسع من الحجاز. قال وسبب تسميتها جزيرة إحاطة البحار والأنهار العظيمة بها كبحر الحبشة وبحر فارس وبحر دجلة والفرات، وذكر إمام الحرمين أن الأئمة قالوا: إن الطائف ووجا، وهو وادي الطائف، وما يعزى إليها منسوبة إلى مكة معدودة من أعمالها، وأن خيبر من مخاليف المدينة. وقال الروياني في البحر: وحد تهامة ونجد مختلف فيه. قال الأصمعي: إذا خلفت عَجْلزا مُصَعِدا فقد أنجدت فلا تزال تزال منجدا حتى تنحدر في ثنايا ذات عرق، فإذا فعلت فقد اتهمت فلا تزال متهما في ثنايا العرج حتى يستقبلك الأراك والمرخ، وقال غيره: جبل المراة يشق جزيرة العرب، وهو أعظم جبالها يقبل من قعرة اليمن حتى تنتهي إلى وادي الشام فما وراء هذا الجبل في غربيه من أسياف البحر إلى ذات عرق والمجنة، هو تهامة، وما دون هذا الجبل في شرقيه ما بين أطرار العراق إلى السماوة [وما يليها نجد]

ذكر أسماء مكة

ذكر أسماء مكة لها أسماء كثيرة، وحكمة ذلك أن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى، الأول مكة: مأخوذ من تمككت العظم أي اجتذبت ما فيه من المخ، وتمكك الفصيل ما في ضرع الناقة، فكأنها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد والأقوات التي تأتيها في الموسم، وقيل: لأنها تمك الذنوب، أي تذهبها. وقبل: لقلة مائها. وقيل: لما كانت في بطن واد فهي تمكك الماء من جبالها عند نزول المطر، وتنحدر إليها السيول. الثاني: بكة بالباء، لأنها تبك أعناق الجبابرة، أي تكسرهم فيذلون بها ويخضعون. والبكّ الدق، وقيل: من التباكّ وهو الازدحام في الطواف، وقيل: مكة وبكة بمعنى، ورجحه ابن قتيبة وغيره لأن الباء تبدل من الميم، وقيل: بل مختلفان، فمكة بالميم الحرم كله، وبالباء المسجد خاصة وقيل، بالميم، اسم البلد، وبالباء البيت وموضع الطواف، وقيل: البيت خاصة، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: مكة من الفج إلى التنعيم، وبكة من البيت إلى بَطحا.

الثالث: البلد الأمين، لتحريم القتال فيها. قال تعالى: "وهذا البلد الأمين". الرابع: البيت العتيق لأنه قديم البناء إذ كانت الملائكة تطوف به قبل خلق آدم. وقيل لأنه أعتِق يوم الغرق، وقيل لأنه لم يظهر عليه جبار قط. قال مجاهد: عتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه، وروى الترمذي من حديث الزهري عن محمد بن عمرو عن عبد الله بن الزبير مرفوعا إنما سمي البيت العتيق، لأنه لم يظهر عليه جبار، وقال: حسن غريب، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري مرسلا. الخامس: البيت الحرام، لتحريم القتال فيه. السادس: المأمون كذلك. السابع: أم القرى، لأن الأرض كلها دحيت من تحتها، وقيل: لأن أهل القرى يرجعون إليها في الدين والدنيا حجا واعتمارا وجوارا. وقيل لأنه لا يصح نسك أهل بلد إلا بقصدها، ومنه قوله تعالى: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس" أي قواما لدينهم وصلاحا لدنياهم وفي ذلك عمارة بلادهما، وحكى الرشاطي في الأنساب عن بعضهم في نسبته - صلى الله عليه وسلم - الأمي، أنه منسوب إلى أم القرى مكة، والمشهور انه نسبة إلى أمة العرب الذين لا يكتبون.

الثامن: الناسّة بالنون في أوله والسين المهملة في آخره المشددة، من نس الشيء إذا يبس من العطش قال في الصحاح: ويقال لمكة: الناسة لقلة مائها من النس وهو اليبس. التاسع: الباسة بالباء الموحدة، حكاه الخطابي في غريبه عن مجاهد لأنها تبس من ألحد فيها، أي تحطمه وتهلكه، والبس: الحطم قال تعالى: "وبست الجبال بسا". العاشر: الناسة بنون ثم سين مشددة ذكره ابن هشام لأنها تنس الملحد فيها، أي تطرده، وقيل: لقلة مائها من النس وهو اليبس، حكاه الجوهري عن الأصمعي. الحادي عشر: صلاح بفتح الصاد وكسر الحاء على وزن قطام معدولة عن صالحة لا ينصرف، لأن فيها صلاح الخلق، أو لأنها تعمل فيها الأعمال الصالحة. ذكره المبرد. الثاني عشر: أم رحم، بضم الراء لأن الناس يتراحمون ويتواصلون فيها. قال ابن السيد في المثلث: والرحم بضم الراء وتسكين الحاء، الرحمة، ومكة أم رحم، وذكرها ابن عديس في السين من المثلث أم الرحم بالتعريف.

الثالث عشر: أم زحم بالزاي من ازدحام الناس فيها. ذكره الرشاطي في الأنساب. الرابع عشر: كوثى، بضم الكاف وفتح الثاء المثلثة باسم موضع منها. يقال له: محلة بني عبد الدار. قاله الخطيب في تاريخه. وقال المبرد في قول علي بن أبي طالب: إن تسألوا عنا فإنا قوم من أهل كوثى: إنما يعني مكة. وكانت تسمى: كوثى. الخامس عشر: الحاطمة بالحاء المهملة لحطمها الملحد. السادس عشر: العرش بفتح العين المهملة وإسكان الراء على وزن بدر، كذا ضبطه كراع في المنخل والعرش بضم العين والراء كما ضبطه البكرى في معجمه والعريش كما ذكره ابن سيده. وممن ذكر هذا الاسم صاعد في كتاب الفصوص عن ثعلب عن ابن الأعرابي ووقع في حديث المتعة إطلاق العرش على بيوت مكة. قال النووي: هو بضم العين والراء. قال أبو عبيد: سميت بيوتها بذلك، لأنها عيدان تنصب وتظلل. قالوا:

ويقال لها أيضا: عروش بالواو واحده عرش كفلس وفلوس ومن قال: عرش فواحدها عريش كقليب وقلب. السابع عشر: القادس من التقديس وهو التطهير، لأنها تطهر الذنوب. الثامن عشر: المقدسة والقادسة. التاسع عشر: البلد. قال تعالى: "وهذا البلد الأمين". العشرين: البلدة. قال تعالى:"إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها" (الآية مكتوبة خطأ في الكتاب) الحادي والعشرون: القرية قال تعالى: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة" يريد بذلك مكة. الثاني والعشرون: البنية. الثالث والعشرون: طيبة: ذكره الوزير في أدب الخواص. الرابع والعشرون: الحرم. الخامس والعشرون: المسجد الحرام. السادس والعشرون: المعطشة. السابع والعشرون: برة. ذكره ابن خليل.

الثامن والعشرون: الرتاج ذكره الطبري في شرح التنبيه والمعروف أن الرتاج أم الباب. قال الخليل: وربما أريد به الكعبة وفي الحديث من جعل ماله في رتاج الكعبة، فإن المراد به أن يجعل ماله هدايا للكعبة، وأطلق عليها لأنها يغلق بابها. التاسع والعشرون: الكعبة. الثلاثون: الرأس لأنها أشرف الأرض كرأس الإنسان. قال أبو السعادات الجزري: وتهامة اسم لمكة وما حولها من الأغوار من قولهم: تهم الحر إذا اشتد مع ركود الريح. وقال الحافظ صدر الدين أبو على الحسن ابن محمد البكري في الأربعين البلدانية: ويقال له: قبلة أهل الإسلام والبيت العتيق ومعاد وصاحب المشاعر العظام، وزمزم والمقام، والمسجد الحرام، وهي مهبط الوحي، وملاذ الرسل، ومعاذ الصالحين من سائر الأمم.

ذكر خصائصه وأحكامه

ذكر خصائصه وأحكامه هي أجل من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، ولكنا نذكر منها جملة كبيرة: الأول: إنه أول بيت وضع على الأرض كما سبق الكلام عليه. الثاني: إن إحياء الكعبة بالحج في كل سنة من فروض الكفايات قال الرافعي: وينبغي أن تكون العمرة كالحج، بل الاعتكاف والصلاة في المسجد الحرام، فإن التعظيم وإحياء البقعة يحصل بجميع ذلك. وقال النووي: لا يحصل مقصوده الحج بما ذكره، فإنه يشتمل على الوقوف والرمي والمبيت بالمزدلفة ومنى وإحياء تلك البقاع بالطاعات وغير ذلك، انتهى. وكذلك نازعه ابن الرفعة في المطلب في إلحاقه الصلاة والاعتكاف بما ذكر، وقال الشيخ نجم الدين القمولي: كأن النووي رحمه الله فهم من كلام الرافعي الاقتصار على هذه الأمور دون الحج، وهذا لا يعطيه كلامه، وإنما الذي فيه أنه أراد إحياءه بهذه الأمور مع الحج، قال: وفي وجوب ذلك نظر، ويجوز أن يكون مرادهم بقولهم: إن الحج في كل سنة فرض أنه فرض على من حج ومن لم يحج عند الاستطاعة فيعم الحرج الكل إذا تركوه. وأن يكون مرادهم أن الحج وإن كان فرض عين على المستطيعين على التراخي فيجب عليهم على الكفاية ألا تخلو الكعبة سنة من الحج

إن لم يحجه أحد تطوعا. وبلغني عن بعض أهل العصر أن إحياء الكعبة بالحج لا يسقط إلا بفعل الجمع الكبير حتى لو حج اثنان أو ثلاثة لم يسقط الحرج. الثالث: أن تقدم المأموم على إمامه في الموقف في غير المسجد الحرام مبطل للصلاة على أظهر القولين سواء أكان التقدم في جهة الإمام أم في غير جهته؟ وأما في المسجد الحرام فالواجب أن يكون الإمام أقرب إلى الكعبة من المأمومين فلو تقدم على الإمام وصار أقرب إلى الكعبة منه نُظر، إن كان أقرب إليها من جهة الإمام كما لو كان الإمام يصلي في مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، والمأموم عند الباب بطلت صلاته، وإن كان أقرب إليها في غير جهة الإمام كما لو وقف الإمام في المقام والمأموم في الحجر مثلا فأصح الطريقين القطع بالصحة كما قال الرافعي، لأنه غير موصوف بالتقدم عليه، ولأنه: يمكنه مشاهدة أفعاله والاقتداء به حينئذ للمحاذاة بخلاف من تقدم عليه فإنه لا يمكنه ذلك وهذا مذهب الحنفية والمنصوص لأحمد، قال العمراني في البيان وهو المنصوص للشافعي، وقول عامة الأصحاب ووجهه، ثم قال ولأن الشافعي نص في الجامع الكبير أنه إذا كان الإمام يصلي إلى الكعبة على الأرض والمأموم على سطحها يصلي بصلاته أجزأه، فإن المأموم هنا أقرب انتهى. قال بعض مشايخنا: والظاهر أن صورة المسألة فيما إذا لم يكن ظهره إلى وجه الإمام، وفيما إذا كان وجهه إلى وجهه والمأموم أقرب إلى ما يستقبلانه توقف ما، والظاهر أن أبا إسحق ينازع فيه.

فرع غير منقول: لو صلى الإمام إلى نفس الركن الذي فيه الحجر الأسود مثلا فالظاهر أن جهة الإمام ما حاذاها بدنه من ناحيتي الركن وهو ما بين الركن الشامي والركن اليماني، قال بعض المتأخرين.: قلت: لا جائز أن يقال: الإمام لا جهة له ولا أن تكون الجهة التي بين الركن اليماني وحده ولا الشامي وحده إذ هو ترجيح بلا مرجح، فتعين أن يكون كل منهما ويلزم عليه أن يكون مستقبلا جهتين وهو محال. فالأولى أن يقال: إن من في جهة أحد الركنين إذا كان إلى ناحية الإمام أكثر فهو في جهته ومالا فلا. ويبقى النظر فيمن هو في جهته، إن كان أقرب إلى الكعبة منه لم تصح صلاته، وهذا كله إذا وقف الإمام إلى جهة الركن بحيث يحاذي جميع بدنه وإلا فلو وقف منحرفا بحيث يكون بعضه خارجا عنه لم يصح صلاته. فرع: ذاك التفصيل السابق يأتي فيما لو وقف في الكعبة واختلفت جهاتهما بأن يكون وجهه إلى وجهه أو ظهره إلى ظهره أو وجه الإمام إلى الحجر مثلا والمأموم إلى ظهر الكعبة فلا يضر شيء من ذلك فإن اتحدت جهاتهما فإن كان وجه المأموم إلى ظهر الإمام فذاك أو بالعكس فقولان، والصحيح البطلان. ولهذا قال الرافعي: يجوز الاقتداء في الكعبة مع اتحاد جهة المأموم والإمام ومع اختلاف الجهتين، فإن الكل قبلة، واعلم أن حكمهم بالصحة فيما إذا جعل وجهه إلى وجهه وظهره إلى ظهره يحتاج إلى دليل لأنه يخالف القاعدة. إذ فيهما لا يعد تابعا وهو أشد مخالفة في تقدمه عليه في جهة

واحدة، فإن قيل كأنه قاس جعل وجهه إلى وجهه على ما إذا استداروا حول الكعبة. قلنا: المخالفة مع المواجهة ولا حائل أفحش بل هو كالعبث وأيضا فما وجه جعل ظهره إلى ظهره مع قبحه وبعده عن المتابعة. قال شيخنا: ولم أر ما ذكره الرافعي إلا في التهذيب والتتمة وغيرهما، وأكثر الكتب ساكتة عنه، وعبارة الإمام: قال الأئمة: إذا دخل الناس البيت فالجهات كلها قبلة، فلا يمتنع أن يقف الإمام والمأموم متقابلين كما ذكرناه في الاستدارة حول الكعبة. الرابع: أن من صلى في بناء منفصل عن المسجد مقتديا بإمام المسجد لم يصح اقتداؤه لعدم اتصال الصفوف، وأما في المسجد الحرام، فلو صلى على جبل الصفا أو المروة أو أبي قبيس مقتديا بصلاة الإمام في المسجد الحرام، قال الشافعي - رضي الله عنه -: يجوز لأن كل ذلك متصل وهو في حكم العرف غير منقطع، حكاه الماوردي في الحاوي قبل باب صفة الأئمة بورقة، وكذلك حكاه القاضي بن كج عن النص، فقال في كتاب التجريد بعد ذكره صلاة من صلى على سطح بيته مقتديا بإمام المسجد: قال الشافعي: لا تجزيه الصلاة للخروج عن حد الاتصال، ثم قال، يعني الشافعي: فإن قيل: الناس يصلون على أبي قيس بصلاة الإمام في الكعبة، قيل لأن حكم أبي قبيس حكم الأرض والقرار –وإن كان عاليا- لأن الأرض منها عال ومنها مستو، وليس كذلك حكم الأبنية لأنه قد خرج عن حكم الأرض والقرار،

ولا يمكن اتصال الصفوف من الدار إلى السطح ويمكن ذلك في أبي قبيس انتهى لفظه بحروفه. وفي البيان للعمراني: قال في الإفصاح: ومن كل على الصفا والمروة وجبل أبي قبيس فصلى بصلاة الإمام في المسجد تصح صلاته، ووجهه بما تقدم، وخالف الشيخ أبو محمد الجويني في النقل، فقال في تصنيف له صغير سماه: احتياط الصلاة بالتمام، من مواقف المأموم والإمام، في الفصل السابع في الكلام على السهل مع الجبل، إذا وقف الإمام على السهل والمأموم على الجبل نُظر فيه، إن كان الجبل بحيث يمكن صعوده وارتقاؤه صح اقتداؤه به إذا كان مكان الارتقاء في الجهة التي فيها الإمام، وإن كان بخلاف ذلك كان الحكم بخلافه، لأن الجبل حينئذ بمنزلة السور المنيف يقف عليه المقتدي والإمام على القرار، وقد قال الشافعي رحمه الله: من صلى على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد فصلاته باطلة ولا بد لهذه المسألة من تأويل مستقيم، لأن ذلك الجبل جبل لا يتعذر. فمن مشايخنا من قال: إنما منع الاقتداء لبعد المسافة وزيادتها على ثلاثمائة ذراع. ومنهم من قال: إنما منع الاقتداء للمساكن المبنية على جهة أبي قبيس فإنها حائلة من طريق الحكم بين الإمام والمأموم، ومثل هذه المسألة يتبين لك أن العلم بركوع الإمام وسجوده لا يكفي بخلاف ما ذهب إليه عطاء بن أبي رباح رحمه الله، ولو جوزنا الصلاة على أبي قبيس بصلاة الإمام من المسجد

الحرام لأن الواقف على ذلك الجبل يشاهد الإمام والقوم في المسجد بحيث لا تخفى عليهم صلاتهم ولا شيء من أفعالهم، انتهى. وتبعه في هذا النقل عن النص الخوارزمي في الثاني وقال: لم يجوّز الشافعي الصلاة على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد لأن بينهما دورا مملوكة، وصوّب الشيخ جمال الدين رحمه الله نقل الخوارزمي ولم يطلع على كلام الشيخ أبي محمد من جهة أن مكان المأموم أعلى ولم يحاده نحر والذي يميل إليه الخاطر تقديم ما نقله فحول المذهب كابن كج والماوردي وقد قال ابن الصلاح والنووي رحمهما الله: إن أصحابنا العراقيين أقعد بمعرفة النصوص أو يقال: تحصل بمجموع النقلين إن لم يحملا على حالين لصحة صلاة من صلى على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام عند عدم اتصال الصفوف قولان: فاشدد يديك بهذه الفائدة فإنها تساوى رحلة. الخامس: إن المأموم، والإمام إذا كانا في بناءين كصحن وصفّة أو بيت، فهل يشترط الاتصال وتلاحق الصفوف كما صححه الرافعي، أو القرب كما صححه النووي؟ طريقان، هذا إذا لم يكن بينهما حائل، أو كان ولم يمنع المرور، كالباب النافذ، فإن حال ما يمنع المرور لا الرؤية كالشباك فوجهان، أصحهما في الروضة – البطلان، أو ما يمنعهما كالجدار بطلت قطعا، هذا كله في غير المسجد الحرام، أما الشباك في رباط المسجد الحرام أو المدينة، أو بيت المقدس. فتصح الصلاة إذا وقف المأموم

في نفس الجدار، لأن جدار المسجد من المسجد كما صرحوا به، والحيلولة في المسجد بين الإمام والمأموم لا تضر. وهذا. وإن لم يصرحوا به بخصوصه لكن كلامهم لا يأباه، ويوجد من تصرفاتهم التلويح إليه وقد صرح به ابن أبي الصيف اليمني في جزء لخصه في المضاعفة، وقال تحصل له المضاعفة وإن صلى في عرض جدار من جدرانه، وإن كان فيه شباك، وفي رحبته إذ صلاة من صلى فيها بصلاة الإمام الذي في المسجد صحيحة ولا يقال: إن الصلاة في عرض جداره لا تصح بصلاة الإمام، ولا يقع عليها فضيلة المسجد الحرام، لأن الشافعي نص على أنه إذا حلف لا يدخل دارا فدخل دهليزها لا يحنث لأننا نفرق بوجهين [أحدهما] أن للعرف مدخلا في الأيمان، والثاني، أن الأئمة نصوا على حصول ذلك أعني صحة الصلاة بصلاة الإمام كمن صلى في رحبة المسجد والفضيلة في معنى ذلك – إذ المصحح كون الإمام والمأموم في مكان واحد وحكم الاتحاد التسوية، فلذلك حصلت فضيلة الجماعة لمن صلى فيها، ثم هو أولى بحصول الصحة، وقيل: الفضيلة من الدرجة، لأنه على الجملة جزء من أجزائه، وليست كذلك، بل إنما ألحقت به على سبيل التبع، والتابع للشيء قد يعد منه وإن لم يكن من نفسه، ألا ترى أن التسليمة الثانية من الصلاة، وإن وقعت بعد التحلل، والرمي والمبيت في الحج من واجباته وإن أتى بهما بعد زوال الإحرام.

السادس: نقل عن ابن جرير الطبري وبعض الظاهرية: أنه لا يجوز الصلاة في الكعبة لا فرضا ولا نفلا، وأحمد منع الفرض، وجوز النفل، وقال مالك: لا يصلي الفرض ولا السنن ويصلي فيها التطوع وإن صلى فيها الفرض أعاد في الوقت وحجته قوله تعالى: "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" وهي قبالته. ومن صلى في جوف الكعبة لم يقابل شطرها لأنه يكون مستقبلا للبعض، مستدبرا للبعض، ولا تحصل كلها قبالته إلا أن يكون خارجا عنها، وإنما جاز ذلك في النافلة، لأن استقبال الكعبة فيها غير واجب، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما الجواز فرضا ونفلا، وحجتنا أن من صلى خارجا عنها فإنه يستقبل بعضها، وصلاته جائزة بالإجماع، لأن ما عن يمين ما استقبل من البيت وما عن يساره ليس هو مستقبله، فلم يتعبد باستقبال كل جهاته، وعلى هذا، فمن صلى فيه فقد استقبل إحدى جهاته، وترك غيرها وذلك لا يضر لوجود مثله في الخارج، وقد روى البخاري ومسلم عن بلال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت وصلى فيه ركعتين، وأما ما رواه مسلم عن ابن عباس: إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله، أخبرني أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين. وقال هذه القبلة، فقدم الشافعي الراوية الأولى على الثانية لوجوه، أحدها أنها مثبته والمثبت مقدم على النافي لزيادة علمه، ذكره البيهقي وغيره، الثاني: أن رواتها أكثر والكثرة من باب الترجيح في الرواية. فقد روى الصلاة في البيت عن بلال جماعة

كثيرة، منهم أسامة، وعمر بن الخطاب، وجابر، وعثمان بن طلحة، من طرق ذكرها الطحاوي في شرح المعاني، الثالث: اضطراب الرواية الثانية فروى أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر، أخبرني أسامة بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة بين الساريتين وروى الدارقطني في سننه عن ابن عباس: أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت وصلى فيه ركعتين. الرابع: تعليل حديث ابن عباس بالإرسال، فإنه رواه عن أخيه الفضل كما أخرجه الطبراني في معجمه وغيره. الخامس: أن بلالا كان حاضر الواقعة فخبره أولى بالتقديم، وهذه طريق الجهابذة، قال البخاري وغيره: القول قول بلال، لأنه كان حاضرا مشاهدا لصلاته بخلاف ابن عباس، وبنحو هذا علل حديثه نكح ميمونة وهو محرم ومن الناس من جمع بين الروايتين وصححهما. واختلفوا في ذلك على طرق أحسنها أن ذلك كان في وقتين وبه تتجمع الأخبار كما قيل بمثله من أحاديث الإسراء لما اختلفت ألفاظها، قال ابن حبان في صحيحه: الأشبه حمل الخبرين على دخولين متغايرين، أحدهما يوم الفتح وصلى فيه، والآخر في حجة الوداع ولم يصل فيه، وقال السهيلي: وقول من قال في حديث بلال: إن صلى بمعنى دعا، ليس بشيء، لأن في حديث ابن عمر أنه صلى فيها ركعتين، ولكن رواية ابن عباس وبلال صحيحتان لأنه عليه السلام دخلها يوم النحر فلم يصل، ودخل من الغد فصلى، وذلك في

حجة الوداع، رواه الدارقطني بإسناد حسن عن ابن عمر، وهو من فوائده. والثانية: حمل رواية بلال على صلاة التطوع، ورواية أسامة على الفرض هكذا قال القرطبي في شرح مسلم وقال بعض الأئمة أن أسامة تغيب في الحين الذي صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يشاهده فاستصحب النفي لسرعة رجعته، وبلال لم يغب فأخبر عما شاهد وعضد هذا بما رواه ابن المنذر عن أسامة قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صورا في الكعبة، فكنت آتيه بماء في الدلو ليضرب به تلك الصور فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في حال مضي أسامة في طلب الماء، وقال النووي: يشبه أنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو، ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية أخرى، وبلال قريب منه. ثم صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده، واشتغاله بالدعاء، وجاز له نفيها عملا بظنه، وأما بلال فتحققها، وأما الإمام فخر الدين في تفسيره فمال إلى مذهب مالك، وقال: الاحتجاج عنه بخبر بلال ضعيف من وجوه، أحدها أن خبر الواحد لا يعارض ظاهر القرآن، وثانيها، لعل تلك الصلاة كانت نافلة، ومالك يجوزها. وثالثها: أن مالكا ممن روى هذا الخبر وخالفه, ومخالفة الراوي وإن لم توجب الطعن في الخبر إلا أنها تفيد مرجوحيته بالنسبة إلى خبر واحد خلا عن هذا الطعن، فكيف بالنسبة إلى القرآن، ورابعها: أن الشيخين رويا في الصحيح عن ابن عباس: أنه لم يصل انتهى. وبما قدمناه يعرف الجواب عن ذلك كله. تقييد – إنما تجوز الصلاة في الكعبة إذا استقبل جدارها أو بابها بشرط

أن يكون مردودا أو مفتوحا مع ارتفاع عتبته مقدار ثلثي ذراع إلى ذراع تقريبا، هذا هو المشهور، والوجه الثاني – بشرط أن يكون قدر ذراع. وبه جزم القاضي أبو الطيب في تعليقه، والثالث – بشرط أن يكون كقامة المصلي طولا وعرضا، والرابع- يكفي شخوصها بأي قدر كان، والخامس- لا يشترط شاخص أصلا. والمذهب الأول. قال إمام الحرمين: وكأن الأئمة راعوا في اعتبار هذا القار أن يكون في سجوده يسامت بمعظم بدنه الشاخص، ولكنه يكون في حال القيام خارجا بمعظم بدنه عن المسامته فليخرج على الخلاف فيما إذا وقف على طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة. انتهى، ونقله الرافعي عنه واقره وأسقطه من الروضة بالكلية. وفي الصحيحين: أنهم لما دخلوا البيت أغلقوا الباب، قال الشافعي وإنما أغلقوه لوجوب الصلاة إلى جدار من جدرانها. فدل على أنه لو صلى إلى الباب وهو مفتوح لم يجزه، لأنه لم يستقبل منها شيئا ووقع في صحيح البخاري عن بعض الرواة: إنما أغلق الباب لئلا يستدبر شيئا من البيت ورد بأن الباب إذا أغلق صار كأنه جدار البيت فلو هدمت – والعياذ بالله – فصلى في عرصتها – ولا شاخص لم تصح كالصلاة على سطحها لأنه صلى في البيت لا إليه، ولهذا لما هدم ابن الزبير الكعبة وضع أعمدة فستر عليها الستور لاستقبال المستقبلين وطواف الطائفين. وقال ابن عباس له: إن كنت هادمها فلا تدع الناس لا قبلة لهم، وهذا يدل على أن بقعة البيت ما كانت تنزل عندهم منزلة البيت، لكن خالفهما في ذلك جابر. وقال صلوا إلى موضعها. وخالف ابن سريج في الصلاة في العرصة فجوز ذلك. قال الرافعي: وخصه بعضهم عنه بصورة العرصة. وقال الإمام: لا شك

انه يجزئه في السطح، وبه صرح البغوي نقلا عنه ولا فرق انتهى. وأما الصلاة إلى أرض الكعبة فتجوز ويجزئه ذلك بلا خلاف عندنا. سواء أكان بقي منها شاخص أم لا. ومذهب مالك أن المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة كذا نقله في شرح مسلم في الحج. وما ادعاه من نفي الخلاف باطل وفي الاستذكار للدارمي ما لفظه: وأما الصلاة إليه إذا تهدم –والعياذ بالله- فمن أصحابنا من قال لا تجوز، والصحيح أنه تجوز انتهى. والصواب تخصيصه عن ابن سريج بالعرصة كما فعل في الروضة ولهذا نقضوا عليه بما لو صلى على السطح ولا سترة، وجزم ابن أبي عصرون في المرشد بالمنع من السطح دون العرصة. مسألة: ولو حفر في الكعبة حفرة ووقف فيها جاز. نقلاه في الشرح والروضة عن الإمام وأقراه، ونقله في الذخائر عن بعض الأصحاب. ثم قيده بما إذا لم يجاوز الحفر قواعد البيت، فإن جاوزها بحيث لا يحاذي بأعلى بدنه لم تصح، وإلا فهو كما لو صلى على ظهرها إلى سترة قصيرة قال ابن الرفعة، وفيما قاله نظر انتهى. والظاهر ما قاله، ولا سيما مع بقاء بنائها. مسألة: لو وقف عند طرف ركن الكعبة وبعض بدنه يحاذي الركن وبعضه خارج عنه لم تصح صلاته على الأصح. هذا هو المنقول. وقال بعض مشايخنا: ينبغي أن يفصّل فيقال: إن كان البعض الخارج عن الركن قد جاوز الشاذروان لم تصح وإن لم يجاوزه صح. وقد قالوا في

كتاب الحج: إن عرضه ذراع وارتفاعه قدر ثلثي ذراع فيكون كما لو استقبل العتبة المرتفعة كذلك، بل أولى، وهذا ظاهر على وجه الأرض، ولو استقبل الركن نفسه، فالوجه الجزم بالصحة، لأنه مستقبل البناء المجاور للركن، وإن كان بعض بدنه خارجا عن الركن نفسه من الجانبين. السابع: قال ابن القاص: من صلى بالاجتهاد فأخطأ إلى الحرم جاز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد لأهل الحرم، والحرم لأهل مشارق الأرض ومغاربها، هكذا حكاه عنه القاضي أبو سعد الهروي في أواخر الإشراف على غوامض الحكومات، وهو غريب وقد نقله سريج الروياني أيضا في أواخر أدب القضاء عنه عن أصحابنا فقال: قال: [ابن أبي أحمد قال] أصحابنا: من توجه إلى البيت، وهو بعيد عنه، بالاجتهاد فأخطأ إلى الحرم جاز، وذكر هذا الحديث انتهى. وهذا شيء لا نعرفه لأصحابنا. نعم حكوا عن مالك قال: الكعبة قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة أهل مكة، والحرم قبلة أهل الدنيا. وهذا النقل عنه غريب: قلت: وأما الحديث فأخرجه البيهقي في سننه من حديث عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض. قال البيهقي: تفرد به عمر ابن حفص، وهو ضعيف لا يحتج به والحمل فيه عليه.

الثامن: لا تصح الصلاة فوق ظهر الكعبة إذا لم يكن بين يديه شاخص منها قدر ثلثي ذراع لما في الترمذي: نهى عن الصلاة فوق ظهر بيت الله فإن كان بين يديه ذلك جاز. قال الشيخ تاج الدين الفزاري في الإقليد: جزم أصحابنا بصحة الصلاة على ظهر الكعبة في هذه الحالة مستدلين بحديث بلال، أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى داخل الكعبة، وفيه نظر فإن في الحديث: نهى أن يصلى على ظهر بيت الله، وهو ظاهر في النهي، والمعتمد في الاستقبال الاتباع، ولم ينقل، ولأن الرقي على البيت ينافي تعظيمه، والمقصود استقباله، انتهى. وقال الخوارزمي في الكافي: الصلاة على ظهر البيت جائزة بالشرط السابق. قال: بخلاف ما لو صلى على جبل أبي قبيس متوجها إلى هواء البيت، فإنه تصح صلاته أي مطلقا، لأنه لم يقف على البيت، فيعد مستقبلا إياه وههنا وقف على نفس البيت، فلا يعد مستقبلا إياه حتى يكون بين يديه كل شيء. التاسع: قال البغوي وتبعه الرافعي والنووي: يستحب للإمام إذا صلى في المسجد الحرام، أن يقف خلف المقام، ويقف الناس مستديرين إلى الكعبة. واعلم أن استحباب الاستدارة من غير حاجة إليها لم يوجهه الرافعي. وزعم الماوردي أنه السنة، وفيه نظر نقلا ودليلا، أما نقلا

فإن الآخرين إنما صرحوا بالجواز , وعبارة التتمة: جرت العادة بكذا , وعبارة الإمام في تقرير الجواز. هكذا عهد الناس في الأعصر الخالية , ولعل الحاجة أحوجت إلى تسويغ ذلك , فإن الناس يكثرون في الموسم , ولو كلفوا الوقوف في جهة واحدة لتعذر ذلك انتهى. وظاهره أن الأولى تركه إذا لم تدع إليه حاجة , وأما دليلا فإنه لم يرد فيه شيء بل روى الأزرقي: ان أول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري حين ولي مكة في خلافة عبد الملك بن مروان , وكان سببه أنه ضاق عليه الموقف وراء الإمام , وكان عطاء وعمرو بن دينار يرونه ولا يغيرونه وهذا يشير إلى أنه محدث وأن الأمر {الأول} كان بخلافه , وغايته الجواز عند الحاجة كما في الموسم , وزمن الحج , وكثرة الجمع , أما إذا قلوا فالظاهر أن الأفضل وقوفهم وراء الإمام , إلا أن يرد بخلافه نقل. العاشر: قال إمام الحرمين في النهاية: لو اقترب صف من البيت فقد لا يحاذي الكعبة منهم إلا عشرون أو نيف وعشرون , ويخرج طرف الصف إن زاد ثم قال: فلو بعدوا ووقفوا في أخريات المسجد فقد بلغ الصف ألفا وهم يعاينون الكعبة فصلاتهم صحيحة , وعن على قطع , وعلم أن حقيقة المحاذاة نفيا وإثباتا لا تختلف بالقرب والبعد , ولكن

المتبع في ذلك ونظائره , حكم الإطلاق والتسمية لا حقيقة المسامتة انتهى. وتبعه على ذلك الرافعي والنووي , ولعله من تصرف الإمام ولهذا لما تكلم على القولين في أن فرض البعيد , العين أو الجهة. قال: إن ما ذكر كلام ملتبس , والوجه عندي , فذكره , وكلام الأصحاب يأباه. وقد حكاه في الذخائر عن بعض الأصحاب ثم قال: ويحتمل أن {يقال} لا يصح صلاة الخارجين عن المحاذاة , لأنها غير موجودة حقيقة ولا أثر للتسمية مع مخالفة الحقيقة لحالة القرب انتهى. وظاهر كلام ابن الصباغ والمتولي وغيرهما أنه لا تصح صلاة الخارجين عن سمت البيت في أخريات المسجد قطعا , فإنه قال: المعاين للبيت يجب عليه استقباله , ولا يجوز له الصلاة إلى جهته , وهذا لا خلاف فيه , ثم حكى القولين في الغائب عن البيت ثم قال في آخر كلامه , وأجاب أصحابنا عن الصف الطويل بأن مع البعد يتسع الصف المحاذي وهذا لعمري يكون مع تقوس الصف , وأما مع استوائه فلا يمكن التحاذي وينبغي أن يقال: أهل الصف الواحد لا يمكن أحدا منهم أن يقطع بأنه محاذ للكعبة , وإنما ذلك على طريقة الظن فإذا لم يتعين منهم المخطيء لعين الكعبة لم يوجب على أحد منهم القضاء انتهى قال ابن الرفعة: وقول ابن الصباغ وهذا لعمري إلى آخره يقتضي أن محل الكلام إذا كان بمكة , وإلا فلا معنى للتقوس انتهى. وهذا أن أراد به من كان خارج المسجد ممن يجري فيه القولان فقريب وإن أراد به

مسألتنا فممنوع , وكلام الشامل بعيد منه وقد أطلق صاحبا التهذيب والكافي القول: بأنه لو امتد صف خلف الإمام في المسجد الحرام لم تصح صلاة من خرج عن محاذاة الكعبة , وقضيته أنه لا فرق بين أن يكون الصف بقرب الكعبة أو بأخريات المسجد , ويوافقه قول الأصحاب: إن من كان بالمسجد الحرام يلزمه التوجه إلى عين الكعبة وتأمل جوابهم عن الصف الطويل مع البعد , أن مع بعد المسامتة تكثر المحاذاة بدليل النار على الجبل إذا وقف جمع كثير على بعد منها فكل منهم يرى أن النار في محاذاته وأنه لو مد خيطا إلى موضع النار اتصل بها , وأيضا فإن المخطيء منهم غير متعين , واحتمال الإصابة في كل واحد منهم موجود , والأمران مفقودان فيمن بأخريات المسجد من غير انحراف إلى الكعبة جزما , هذا ما تحرر لي فيه , والعلم عند الله , وقد اعترض الشيخ جمال الدين رحمه الله على ابن الرفعة في كلامه السابق على ابن الصباغ بما يقتضي أنه لا تصح الصلاة في البعيد عن الكعبة إلا مع التقوس. وهذا مردود لقيام الإجماع على صحة صلاة الصف الطويل. الحادي عشر: النفل في الكعبة أفضل منه خارجها , وأما الفرض فإن لم يرج جماعة فكذلك وإن رجاها فخارجها أفضل. قاله في الروضة نقلا عن الأصحاب , لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المحافظة على المتعلقة بمكان العبادة وذكر مثله في شرح المهذب وغيره. قال ابن الرفعة: وفيه نظر لأن قاعدة الشافعي أنه إذا دار الأمر بين إدراك

فضيلة وبطلان عبادة , عند غيره فالخروج من الخلاف أولى , {قلت}. قد ذكر هذا السؤال النووي في شرح المهذب فأجاب عنه فقال: فإن قيل: قد منع بعض العلماء الصحة فيها , والخروج من الخلاف مستحب , فكيف يكون مندوبا؟ فالجواب أن استحباب الخروج من خلاف العلماء هو في مسائل الإجتهاد , أما ما خالف سنة صحيحة فلا حرمة له انتهى. وهذا الجواب إنما يصح بالنسبة إلى النافلة فإنه الذي وردت به السنة , أما الفرض فلم ترد فيه سنة , والقياس مع المخالف , لأن باب النفل أوسع , فالخلاف في الفرض حينئذ من الخلاف المحترم. نعم. قال: الكيا الهراسي في كتاب نقد مفردات أحمد: منع أحمد الفرض في الكعبة. وجوز النفل ولا شك أن عموم قوله تعالى: ((فَوَل وجهك شطرَ المسجد الحرام)) يتناول المصلي إليها وفيها , وصح أنه دخل البيت , وصلى فيه وهم يحملونه على النافلة. والحكاية حكاية حال. ونذرت عائشة رضي الله عنها أن تصلي في البيت. فقال صلى الله عليه وسلم: صلي في الحجر فإنه من البيت , ومعلوم أن النذر مفروض. ولعل أحمد يجوز ذلك. وإنما منع الفرض المطلق انتهى. واعلم أن الأصحاب استحبوا فعل ركعتي الطواف خلف المقام , فإن تعذر ففي الحجر. وإلا في المسجد ثم في أي موضع شاء ولم يتعرضوا لفعلها في الكعبة. فهل يقال: إنه أفضل من جميع ما سبق عملا بما تقدم من

الإطلاق , وإنما سكتوا عنه لعدم تيسره في الغالب بدليل أنه أفضل من الحجر ومن المسجد بلا شك , ولم يصرحوا بتقديمه عليها. ويقال: المقام مقدم على البيت لفعله عليه الصلاة والسلام , وتكون هذه الصلاة مستثناة من ذلك الإطلاق. وفيه نظر , والظاهر الثاني , فإن الناشيء من الثواب أضعاف ما في المضاعفة. الثاني عشر: إن صلاة النفل في البيت أفضل من فعله في المسجد لما فيه من الخلوص والبعد عن الرياء لكن هل يأتي مثل ذلك في المسجد الحرام؟ الظاهر نعم. إذا قلنا: إن حرم مكة كمسجدها في المضاعفة كما جزم به الماوردي والنووي , وسيأتي. وصرح النووي في شرح المهذب بأن صلاة النفل في البيت أفضل من فعلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن المسجد الحرام. وجريانه فيه أولى , لأن حرم المدينة ليس كمسجدها في المضاعفة بخلاف حرم مكة. قلت: وفي سنن أبي داود من حديث زيد ابن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة. وأخرج الترمذي في الشمائل وابن ماجه في سننه بإسناد جيد عن عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيتي , والصلاة في المسجد , فقال: قد ترى , ما أقرب بيتي من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون المكتوبة , وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه. وقال ابن أبي الصيف اليمني: جاء في بعض الأخبار , أن صلاة النافلة في الزاوية

103

104

105

فصلى ركعتين. هذا هو الصحيح. وفي وجه أن مكة كغيرها من البلاد لعموم الأخبار , والاستثناء في الحديث إنما هو لركعتي الطواف , والحديثان إذا كان كل منهما أعم من الآخر من وجه لا يقدم خصوص أحدهما على عموم الآخر إلا بمرجح. ومال إليه البيهقي, وحمل الحديث على ركعتي الطواف. قال: وهو الأشبه بالآثار. وفي وجه يختص بالمسجد الحرام , وفي وجه يباح في البلد فقط دون باقي الحرم خارجه. وقال المحاملى في المقنع: والأولى ألا يفعل خروجا من خلاف مالك وأبي حنيفة. وأغرب الجيلي فقال: واختلفوا في العلة فقيل: إنما كان ذلك لشرف البقعة فعلى هذا لا فرق بين المكى والآفاقى. ومنهم من قال: إنما كان ذلك , لأن الناس يقصدونها لإقامة الطاعة فيها , فلو منعوا عنها فات مقصودهم فعلى هذا يختص بالآفاقى , أي فلا يكره بخلاف المقيم بمكة. وهذا غريب جدا , وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه فيما أفرده في الرد على أبي حنيفة في الجواز آثارا في ذلك. فعن عطاء قال: رأيت ابن عمر طاف بالبيت بعد الفجر. وصلى ركعتين قبل طلوع الشمس. وعن عطاء قال: رأيت ابن عمر وابن عباس طافا بعد العصر وصليا. وعن ليث عن أبي سعيد أنه رأى الحسن والحسين قدما مكة فطافا بالبيت بعد العصر وصلَّيا. وعن الوليد بن جُميع عن أبي الطفيل أنه كان يطوف بعد العصر ويصلي حتى

تصفارُّ الشمس. وعن عطاء: رأيت ابن عمر وابن الزبير طافا بالبيت قبل صلاة الفجر ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس. الخامس عشر: إن الطواف تحية البيت يجوز فعله في هذه الأوقات. أيضا للحديث السابق وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وداود وجمهور العلماء وبه قالت الصحابة كما سبق وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم , ومنعه أبو حنيفة. وقال مالك: لو أخر ركعتي الطواف إلى وقت الجواز جاز , والحديث السابق حجة في الباب وهو سنة انفرد بها المكيون وهي صحيحة برواية عبد الله بن بَابَاه وهو ثقة. السادس عشر: إن تحية المساجد الصلاة، وتحية البيت الطواف , وليس الطواف تحية المسجد , صرح به الأصحاب منهم القضاة , الماوردي في الحاوى , والروياني في البحر , وأبو الطيب الطبري في تعليقه في باب الحج , وكذلك المحاملي في اللباب , وأبو حامد في الرونق في صلاة النفل , وفي الصحيحين عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم: أول شئ بدأ به الطواف , وحكى ابن مسدي في إعلام الناسك عن أحمد بن حنبل وغيره: أنه يُحَييِّ المسجد أولا بركعتين ثم يقصد الطواف والمشهور الأول , فإن قيل: إذا كان الطواف تحية البيت فهلا أمرتموه عند الفراغ منه بأن يصلي التحية لأجل المسجد؟ فالجواب: قال القاضي أبو الطيب والروياني: إنا نأمره بأن يصلي في المقام ركعتين. وتلك الصلاة تجزئه عن تحية

المسجد كما لو دخل المسجد والإمام في مكتوبة فصلاها سقطت عنه تحية المسجد , ولأن القصد ألا يدخل المسجد لاهثا فإذا طاف زال هذا المعنى فإن قيل: هلا أسقطتم سنة الطواف إذا بدأ بالصلاة فيه لفريضة جماعة كما تسقط التحية إذا وجد جماعة عند الدخول فصلاها معهم؟ قلنا: لأن الصلاة والطواف جنسان مختلفان فلم يتداخلا وركعتا التحية والصلاة المكتوبة جنس واحد فتداخلتا. قال في البحر: ولو أتى بصلاة فريضة عقب الطواف قامت مقام ركعتي الطواف. وروى الشافعي في القديم هذا عن ابن عمر , ولم يذكر له مخالفا. وهذا دليل على أنها لا تجب إذ الواجبان لا يتداخلان. قلت: وعلى ما سبق ينبغي للمصلي ركعتي الطواف بعد الطواف أن ينوي بهما تحية المسجد أيضا ليحصل له ثوابهما , فلينتبه لذلك. واعلم أن ظاهر كلامهم فيما سبق أنه لو أخر الركعتين بعد الطواف وجلس فاتت التحية كما في غيره من المساجد. وفيه نظر. ولو طاف , وصلى. ثم دخل الكعبة. فهل نقول: حصلت تحيتها بالطواف , لتعليلهم السابق أم لا؟ بل ذلك تحية رؤيتها فلا بُدَّ من تحية لدخولها. فيه نظر. فائدة: التحيات خمس: أحدها: تحية المسجد بالصلاة.

ثانيها: تحية البيت بالطواف كما سبق التصريح به عن الأصحاب. وقول صاحب التحرير تحية المسجد الحرام الطواف , لعل مراده بالمسجد الحرام , البيت. ثالثها: تحية الحرم بالإحرام بالحج والعمرة. قاله المحاملي وغيره. رابعها: تحية مِنى بالرمي. ذكره في الشامل , وحمل على من ضاق عليه وقت الوقوف ولم يدرك المبيت بمزدلفة. خامسها: تحية المسجد بالنسبة إلى الخطيب يوم الجمعة الخطبة. قالها النووي في نكت التنبيه بناءً على أنه لا يستحب له تحية المسجد وفيها خلاف. * ... * ... * السابع عشر: إن الدعاء عند رؤية الكعبة مستجاب لما روى البيهقي في سننه في باب الاستسقاء عن أبي أُمامة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب السماء , ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن , عند التقاء الصفوف , ونزول الغيث , وإقامة الصلاة , ورؤية الكعبة. لكن في إسناده عُفير ابن معدان. قال أبو حاتم الرازي: لا يعتد به , والحاكم يصحح حديثه في مواضع.

الثامن عشر: إن الدعاء في حرم مكة مستجاب. ففي الصحيحين عن عبد الله ابن مسعود لما دعا النبي صلي الله عليه وسلم على قريش شق عليهم وكانوا يرون أن الدعوة في تلك البلد مستجابة. وقال الحسن البصري. الدعاء هناك مستجاب في خمسة عشر موضعا , في الطواف , وعند الملتزم , وتحت الميزاب , وفي البيت , وعلى الصفا والمروة , وفي المسعى , وخلف المقام , وفي عرفات , والمزدلفة , وعند الجمرات وفيها أحاديث:

التاسع عشر: يرتب الثواب على مجرد النظر إلى الكعبة. قال الطبراني في معجمه الأوسط: ثنا محمد بن علي الصائغ , ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني , ثنا عبد الرحمن بن أبي السفر الدمشقي. ثنا الأوزاعي عن عطاءٍ قال: حدثني ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ينزل الله على أهل المسجد , مسجد مكة , كل يوم عشرين ومائة رحمة ستين منها للطائفين وأربعين منها للمصلين , وعشرين منها للناظرين. وقال: لم يروه عن الأوزاعي إلا عبد الرحمن بن أبي السفر. قلت , قال البخاري فيه: إنه روى حديثا موضوعا , وروى الأزرقي عن جده عن عثمان. أخبرني زهير ابن محمد قال: الجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت. العشرون: إن نفس دخول الكعبة مثاب عليه , ففي سنن البيهقي والأوسط للطبراني من طريق عبد الله بن المؤمل عن ابن مُحَيْصن عن عطاء عن ابن عباس يرفعه: من دخل البيت , دخل في حسنة وخرج من سيئة وخرج مغفورا له. قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن المؤمل وليس بقوي. وجعله ابن أبي شيبة من

قول مجاهد. وقال أبو نعيم في الحلية: ثنا أبو علي الطلحي: ثنا الحسين ابن علي العدوي. ثنا داود بن حماد أبو حاتم. ثنا يحي بن سليم عن سفيان الثوري. عن إسحق بن يحي بن طلحة عن عائشة بنت طلحة. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: صنعت اليوم شيئا لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ماصنعته قلت: وما ذاك يا رسول الله؟. قال: دخلت البيت وخشيت أن يأتي الآتي من بعدي يقول حججت ولم أدخل البيت , وإنه لم يكتب علينا دخوله , وإنما كتب علينا طوافه. قال كذا حدثناه إسحق ابن يحي. وصوابه طلحة بن يحي. والحديث تفرد به يحي بن سليم عن الثوري عن طلحة. وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه. وفي سنده إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير وهو ضعيف. وقد رواه البزار بإسناد آخر , وظاهر الخبر أنه كان في حجة الوداع , واحتج به بعضهم على كراهة دخول البيت , ولا حجة فيه بل الذي فيه الكراهية لمن توهم أنه من تمام الحج. وقد نص الشافعي على استحباب دخول البيت بهذا الحديث وزعم بعضهم أنه من مناسك الحج. لكن الثابت أن دخوله صلى الله عليه وسلم كان في عام الفتح كما جاء مصرحا به في رواية مسلم. ولم يكن يوم الفتح محرما , وأما أحاديث حجة الوداع فليس في شئ منها مايحقق أنه عليه السلام دخل أم لا؟ آداب دخول الحرم ولدخوله آداب , ككف البصر من غير تأمل جدرانه وسقوفه , ودخوله

بخضوع وخشوع وغير ذلك , وينبغي أن يدخله مرات. مرة يصلي فيه ركعتين , ومرة أربعا , ومرة يدعو فقط , لاختلاف الروايات في ذلك. وحمله المحققون على دخوله مرات. وقال: أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي في كتابه. الفنون. وقع لي تأملات في الحج منها: الصلاة بين عمودي البيت إلى أربع جهات , إلى هذا واستدبرت الآخر , وعودي لاستقبال ما استدبرت , وإلى مايلي الظهر , وإلى مايلي الصدر لتكون الموافقة حاصلة فقد صح أنه عليه السلام صلى بينهما. ولم أعلم كيف صلى انتهى. وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة , وفي الصحيحين من حديث بلال: أنه جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وفي رواية البخاري عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه قال البيهقي: وهو الصحيح. وفي رواية أبي داود: ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع. وفي رواية البخاري عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل البيت مر قِبل وجهه حتى يدخل , ويجعل الباب خلف ظهره فيمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي يلي وجهه حين يدخل قريبا من ثلاثة أذرع فيصلي وهو يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه. وفي الصحيحين أن بلالا أخبره قال: صلى بين العمودين من السطر

المقدم. وجعل الباب خلف ظهره , واستقبل بوجهه الذي يستقبل حين يلج البيت الذي بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع. الحادي والعشرون: يستحب الغسل لدخول الكعبة. حكاه إمام الحرمين في النهاية في كتاب الجمعة عن صاحب التلخيص وأقره , وحكاه عن نقل الإمام كذلك ابن الرفعة في الكفاية. وذكر الشيخ جمال الدين رحمه الله أن هذا الموضع وقع غلطا في النهاية , وأن الموجود في التلخيص إنما هو الغسل لطواف الزيارة وأن الموقع للامام في ذلك قول القفال في شرحه: وزيارة البيت. قلت: الإقدام على توهيم الإمام مع اختلاف النسخ ليس بجيد. وقد ذكر لي من وقف على كلام ابن القاض: أن فيه مانقله عن الإمام والله أعلم. الثاني والعشرون: يستحب الغسل لدخول الحرم قاله أبو بكر الخفاف من قدماء أصحابنا في كتاب الخصال. الثالث والعشرون: يستحب الغسل لدخول مكة ففي الصحيحين عن ابن عمر: أنه كان

لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا , ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك , ولا فرق بين أن يكون الداخل مُحرما أو حلالا – ومسألة الحلال النقل فيها عزيز وقد صرح بها الشافعي في الأُم. الرابع والعشرون: إن صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام والمعني أن الصلاة فيه تفضل على مسجد الرسول , ويدل لذلك أحاديث؛ أحدها ما رواه أحمد , والبزار في مسنديهما , وابن حبان في صحيحه من حديث حماد بن زيد وغيره عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد , إلا المسجد الحرام , وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة , وإسناده على شرط الصحيح. لا جرم أن بن عبد البر صححه وقال: إنه الحجة عند التنازع , ذكره في التمهيد من جهة قاسم بن أصبغ عن أحمد بن زهير الحافظ ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد به قال: وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب المعلم. وقد كان الإمام أحمد يمدحه ويوثقه ويثني عليه , وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه , ولم يرو عنه

القطان. وروى عنه يزيد بن زريع وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم. وهم أئمة علماء يقتدى بهم. وسائر الإسناد أئمة ثقات. ومنهم من علله بالاختلاف على عطاء , لأن قوما يروونه عن ابن الزبير وآخرون يروونه عن ابن عمر. وآخروون عنه عن جابر ومن العلماء من يجعل مثل هذا علة في الحديث. وليس كذلك لأنه يمكن أن يكون عند عطاء عنهم. والواجب ألا يدفع خبر نقله العدول إلا بحجة. وقال البزار: هذا الحديث قد روي عن عطاء. واختلف على عطاء فيه. ولا نعلم أحدا قال بأنه يزيد على مائة إلا ابن الزبير وقد تابع حبيبا المعلم الربيع بن صبيح فرواه عن عطاء عن ابن الزبير. وروى هذا الحديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عمر , ورواه ابن جريج عن عطاء ابن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة. ورواه ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة انتهى. وقال الحافظ شمس الدين الذهبي في مختصر سنن البيهقي: إسناده صحيح ولم يخرجه أرباب السنن , الثاني حديث جابر. رواه ابن ماجه في سننه , ثنا إسماعيل بن راشد. ثنا زكرياء بن عدي. أنا عبد الله بن عمرو. عن عبد الكريم عن عطاء. عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه وعبد الكريم فيه لِينٌ. الثالث حديث ابن عمر. رواه ابن عبد البر: حدثنا أبو القاسم خلف بن سعيد. ثنا عبد الله بن محمد. ثنا أحمد بن خالد. ثنا على بن عبد العزيز. ثنا محمد بن عمار. ثنا أبو معاوية عن موسى الجهني

عن نافع عن ابن عمر , به. ثم قال: ورجال إسناده علماء أجلاء وموسى الجهني كوفي أثنى عليه يحي القطان وأحمد ويحي وغيرهم. وروى له مسلم. قال أبو بكر فحسبت ذلك على هذه الرواية التي هي: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة. فبلغت صلاة واحدة في المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام وهي خمس صلوات عمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال , والعجب من أبي حنيفة كيف كره المجاورة بمكة. طريق آخر. رواه أبو أحمد حميد بن زنجويه. ثنا يعلى بن عبيد. ثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء. حدثني ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن صلاة في مسجدكم هذا – يعني مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم – تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا الصلاة في المسجد الحرام فهي أفضل قال: وقال سلمة بن كهيل: إلا الصلاة في المسجد الحرام فإنها تعدل مائة صلاة في مسجد المدينة. الرابع – حديث أبي الدرداء – أخرجه البزار في مسنده. ثنا محمد بن يزيد بن شداد. ثنا سعيد بن سالم. القداح عن سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة ألف صلاة , وفي مسجدي ألف صلاة , وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة. وقال: لا يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد. وإسناده حسن. انتهى. ونقله ابن عبد البر عنه محتجا به. الخامس. حديث أنس رواه ابن ماجه في سننه ثنا هشام بن عمار. ثنا أبو الخطاب الدمشقي. أنا زريق أبو عبد الله الإلهاني

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في بيته بصلاة , وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة , وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة , وصلاة في المسجد الأقصى , ومسجد المدينة , بخمسين ألف صلاة , وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة. وأبو الخطاب هذا هو معروف بن عبد الله الخياط. قال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابع عليها. ثم أورد له هذا الحديث. وقال الحافظ أبو الحجاج المزي. قال بعضهم في هذا الحديث عن هشام ابن عمار [ثنا أبو الخطاب حماد بن زيد الدمشقي قال أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط عن محمد بن نصر الهمذاني عن هشام بن عمار] والظاهر أنه رجل آخر يعني معروف بن عبد الله. السادس – حديث ابن عباس , رواه الطبراني في معجمه الكبير. ثنا على بن إسحق. ثنا إبراهيم بن يوسف الغرياني المقدسي. ثنا عمرو بن بكر. ثنا مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا بعشرة آلاف صلاة , وصلاة في المسجد الحرام بعشرة أمثالها مائة ألف صلاة , وصلاة الرجل في بيت المقدس بألف صلاة. وصلاة الرجل في بيته حيث لا يراه أحد أفضل من ذلك كله , غريب. السابع: روى ابن وضاح عن حامد بن يحي البلخي. ثنا ابن عيينة عن زياد بن سعد أنا سليمان بن عتيق سمعت عبد الله بن الزبير:

سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حزم. وهذا سند كالشمس في الصحة. الثامن: روى ابن أبي خيثمة عن أبيه. ثنا هشيم عن الحجاج عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال: الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ضعف. قال: فنظرنا فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف صلاة. قال ابن عبد البر وابن حزم: فهذان صحابيان جليلان يقولان يفضل المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم , ولا مخالف لهما من الصحابة فصار كالإجماع منهم على ذلك. وفي رسالة الحسن البصري إلى الرجل الزاهد الذي أراد الخروج من مكة. قال صلى الله عليه وسلم: من صلى في المسجد الحرام ركعتين فكأنما صلى في مسجدي ألف ألف صلاة , والصلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من البلدان. الخامس والعشرون: إن حرم مكة كالمسجد الحرام في المضاعفة المذكورة جزم به الماوردي وتبعه النووي في مناسكه. ونقله صاحب البيان عن الشريف العثماني كما سياتى. وهو بناء على أن المسجد الحرام في الخبر , المراد به جميع الحرم , لكن خالف ذلك في باب استقبال القبلة من شرح المهذب. فقال في تفسير حديث المضاعفة: إن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به الكعبة والمسجد حولها. ثم جعل من ذلك حديث مضاعفة

الصلاة. ويعكر على الأول رواية النسائي في سننه من حديث ميمونة إلا المسجد الكعبة , ورواه مسلم عنها: إلا مسجد الكعبة. ومن حديث أبي هريرة إلا الكعبة. وفي رواية ابن ماجه وصلاته بمكة ألف , وحكى المحب الطبري خلاف العلماء في مكان المضاعفة بالنسبة إلى الصلاة ورجح أن المضاعفة تختص بمسجد الجماعة , ثم قال: فإن قيل: فقد ورد عن ابن عباس: أن حسنات الحرم كلها , الحسنة بمائة ألف. فعلى هذا يكون المراد بالمسجد الحرام في حديث الاستثناء , الحرم كله: قلنا: نقول بموجبه: إن حسنة الحرام مطلقا بمائة ألف لكن الصلاة في مسجد الجماعة تزيد على ذلك. ولهذا قال: بمائة صلاة في مسجدي ولم يقل حسنة. وصلاة في مسجده بألف صلاة كل صلاة بعشر حسنات , فتكون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف حسنة , وتكون في المسجد الحرام بألف ألف حسنة إما مسجد الجماعة وإما الكعبة على اختلاف القولين. ويلحق بعض الحسنات تضعيفا , أو يكون ذلك مختصا بالصلاة لخاصية فيها والله أعلم. انتهى. وما ذكره يحصل بصلاة المنفرد وتزيد الحسنات بصلاة المكتوبة في جماعة على ما جاء أنها تعدل سبعا وعشرين درجة , ويتحصل في المراد بالمسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة سبعة أقوال: الأول – أنه المكان الذي يحرم على الجنب الإقامة فيه. الثاني – أنه مكة. الثالث – أنه الحرم كله إلى الحدود الفارقة بين الحل والحرم. قاله عطاء. وقد سبق مثله عن الماوردي وغيره. وقال الروياني: فضل الحرم على سائر البقاع فرخص في الصلاة فيه في جميع الأوقات لفضيلة البقعة , وحيازة الثواب المضاعف

انتهى. وهذا فيه تصريح بهذا القول. الرابع – أنه الكعبة وهو أبعدها الخامس – أنه الكعبة والمسجد حولها , وهو الذي قاله النووي في استقبال القبلة. السادس – أنه جميع الحرم وعرفة. قاله ابن حزم. السابع – أنه الكعبة وما في الحجر من البيت. وهو قول صاحب البيان من أصحابنا. فقال في باب استقبال القبلة , وقد ذكر حديث مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام: سألت الشريف محمد بن أحمد العثماني ما المراد بالمسجد الحرام من هذا الخبر؟ فقال: المراد به الكعبة والمسجد حولها وسائر بقاع الحرم , لأن الله تعالى أطلق الإسراء على المسجد الحرام , ومعلوم أنه أُسري بنبينا من بيت خديجة. وكل موضع أطلق فيه المسجد الحرام , فالمراد به جميع الحرم. قال صاحب البيان: والذي تبين لي أن المراد بهذا الخبر , الكعبة وما في الحجر من البيت وهو ظاهر كلام صاحب المهذب , لأنه قال: الأفضل أن يصلى الفرض خارج البيت , لأنه يكثر فيه الجمع , والأفضل أن يصلي النفل في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي. الحديث. قال: والدليل على ما ذكرته حديث عائشة , قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أصلي في البيت , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلي في الحجر فإنه من البيت. فلو كان المسجد وسائر بقاع الحرم يساوي الكعبة بذلك لم يكن لتخصيصها البيت بالنذر معنى , ولأَمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي في سائر بقاع الحرم. ولا فرق بين أن يقول: علَّى لله أن يصلى في المسجد الحرام أو في البيت الحرام إذا ثبت أن البيت الحرام إنما هو الكعبة. وكذلك

المسجد الحرام , وأما الآية فإنما سمى بيت خديجة بالمسجد الحرام على سبيل المجاز انتهى. واختار الإمام تقي الدين محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني في جزء جمعه في المضاعفة: أنها تختص بالمسجد المعد للطواف , لأنه المنصرف عند الإطلاق في العرف. قال ولا تضر زاوية الكعبة , ولهذا قال الغزالي: لو نذر صلاة في الكعبة , فصلى في أرجاء المسجد الحرام , جاز. نعم. روى أنه قال: وصلاة في الكعبة تعدل مائة ألف صلاة في المسجد الحرام. قال: ولكن قال الشيخ أبو محمد هذه الزيادة لم تصح فنحكم بالتسوية كما لو عين زاوية من المسجد. قال: وهذا نص صريح فيما ذكرت. فإن قيل: فقد نص الشافعي في الأم على أن الصلاة داخل الكعبة أفضل من خارجها بالجماعة. قال ابن الصباغ: وحاصل النص: إن كانت فرادى أو نافلة فهي في البيت أفضل , وإن كانت بالجماعة فريضة أو غيرها وأمكن أن يصلى فيه , فالبيت أفضل. وهذا نص في تفضيلها على سائر بقاع الحرم فلم لا يكون المسجد الحرام الموعود بمضاعفة الصلاة فيه هي دون غيرها؟ هذا مع ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: إذا أردت أن تصلي في البيت فصلي في الحجر فإنه قطعة من البيت فلو لم يكن لها خاصية المسجد الحرام لكان يقول لها: صلي حيث شئت. فالجواب: أنا لا ننكر أن المصلي فيها مصل في المسجد الحرام وإنما ننكر أن تنفى المضاعفة عمن صلى في المسجد , بل نقول: هي الأصل الذي منه نشأت الحرمة. وعنه انتشرت الفضيلة , فالمصلي فيها آخذ بالنصيب الأوفى والسهم الأرجح وإن كان المصلي في أخريات المسجد مساهما في

أصل التضعيف ومشاركا فيه , وهو كالقرب من الإمام في صلاة , فإنه فضيلة لا تنقص البعيد من أصل فضل الجماعة , ولا تحطه عن حيازة الزيادة على القدر في الدرجة , ولهذا قال الشافعي: وكلما قرب منها كان أحب إلي كما قال في القرب من الإمام , وهذا القول أضعف من قول من يقول: إن المراد بالمسجد الحرام مكة أو سائر الحرم , لأن فيهما مراعاة التدريج في الحرمة مع شمول الاسم المذكور في القرآن , إلا أن الظاهر اختصاص التضعيف بالمسجد الذي قدر به الطواف , وجعل الكعبة أخص الخواص أولى , وذلك لأن الخواص التي انتشرت إليها حرمتها وامتدت إليها فضيلتها؛ بيت المسجد , وخطة مكة , وسائر الحرم , وهو الحجاب الأول الأقرب إليها , والحمى الأخص المحوط عليها , مع أنه مختص بالمسجديّة اسما وعرفا. فكان له من خاصتها الحظ الأولى. ألا ترى أن الطواف لا يصح إلا فيه , والاعتكاف إنما يصح في جميع الحرم في الكعبة ثم فيه أو فيما شاركه في اسم المسجديّة من الأماكن التي خصت الصلاة بالحرمة كمسجد أبي بكر وغيره , إذ المسجد يشترط في كونه مسجدا الصيغة القولية , ولا شك أن مساجد الحرم متعددة , وهو من بينها بالمسجد الحرام في العرف تفرد , وأن الجنب يجوز له اللبث فيما سواه من بقاع الحرم الذي لم يستجد له من الصيغة ما تقدم وقد ذكر الأزرقي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن حد المسجد الحرام

من الحزورة إلى المسعى. وقد ذكر المحاملي في اللباب اثني عشر حكما تتعلق بالحرم. ولم يذكر منها مضاعفة الصلاة , وفيه إشارة إلى أنها خاصة ببقعة في الحرم على الخصوص. قال: وإذا تقرر أن المسجد الحرام , هو مسجد الكعبة , فتشمل فضيلة الصلاة فيه من صلى في الكعبة والحجر والمسجد من صحنه وأروقته وسطوحه وزواياه ومنائره بل في عرض الجدار من جدرانه وإن كان فيه شباك , وفي رحبته , إذ صلاة من من من صلى فيها بصلاة الإمام الذي في المسجد صحيحة انتهى ملخصا. تنبيهات: الأول: إن هذه المضاعفة في المسجدين لا تختص بالفريضة , بل تعم النفل والفرض كما قاله النووي في شرح مسلم: إنه المذهب. قلت: وهو لازم للأصحاب من استثنائهم النفل بمكة من الوقت المكروه لأجل زيادة الفضيلة. وقال الطحاوي من الحنيفة في شرح الآثار: وهو مختص بالفرض – وأن فعل النوافل في البيت أفضل من المسجد الحرام. وكذلك ذكره ابن أبي زيد من المالكية. وقال ابن أبي الصيف اليمني: هذا التضعيف في الصلوات يحتمل أن يعم الفرض والنفل , وهو ظاهر الأخبار , ويحتمل

أن يختص به الفرض دون النفل , لأن النفل دونه. وقد ورد أن ثواب الفرض يزيد على ثواب] النفل [بسبعين درجة , وأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بخمس وعشرين , أو سبع وعشرين في المساجد الثلاثة وغيرها. وذلك في الفرائض ويلحق بهام اشرع له الجماعة من النوافل. فإن قيل: كيف تقولون: إن المضاعفة تعم الفرض والنفل؟ وقد تطابقت الأصحاب ونص الحديث على أن فعل النافلة في بيت الإنسان أفضل , ولم يستثن إلا مايستحب له المسجد كالعيد وما لايتأتى إلا فيه كركعتي الطواف. قلنا: لا يلزم من المضاعفة في المسجد أن تكون أفضل من البيت , والظاهر أنه ذو وجهين , وبالجهتين تتم المضاعفة في نافلة المسجد , وإن لم توجد في فرائض غيرها , وغاية الأمر أن يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل , ولا يلزم من ذلك جعله أفضل فإن للأفضل مزايا إن كان للمفضول مزية. الثاني: إن اختلاف الروايات في التضعيف يحتمل إن صحت كلها أن يكون حديث الأقل قبل حديث الأكثر , ثم تفضل الله بالأكثر شيئا بعد شئ , كما قيل في الجمع بين رواية أبي هريرة في فضل الجماعة بخمس وعشرين وبين رواية ابن عمر بسبع وعشرين , فإن حديث أبي هريرة قبل حديث ابن عمر , فزادهم درجتين , ويحتمل أن تكون الأعداد تُنزَّل على الأحوال , فقد جاء: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين إلى سبعمائة ,

وأنها تضاعف إلى غير نهاية , وقد روى: تفكر ساعة خير من عبادة سنة لتفاوت الأحوال. الثالث: بحث قاضي القضاة تاج الدين السبكي مع الشيخ والده رحمهما الله في صلاة الظهر بمنى يوم النحر إذا جعلنا منى خارجة عن حدود الحرم , أن تكون أفضل من صلاتها في المسجد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم , صلاها بمنى يومئذ , والاقتداء به أفضل , أو في المسجد لأجل المضاعفة؟ فقال الشيخ: بل في منى , وإن لم تحصل بها المضاعفة , فإن في الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم من الخير ما يربو على المضاعفة. السادس والعشرون: إن التضعيف لا يختص بالصلاة بل وسائر أنواع الطاعات كذلك قياسا على ما ثبت في الصلاة والنظر إلى الكعبة فأُلحق به ما في معناه من أعمال البر. قال الحسن البصري: صوم يوم بمكة بمائة ألف , وصدقة درهم بمائة ألف , وكل حسنة بمائة ألف , وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك شهر رمضان بمكة فصامه , وقام منه ما تيسر كتب له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها , وكتب له بكل يوم وليلة عتق رقبة , وفي كل يوم حمل فرسين في سبيل الله وفي كل ليلة حسنة , وروى البزار في مسنده من جهة عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمضان

بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة. وفي المستدرك للحاكم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم , وحسنات الحرم , الحسنة بمائة ألف حسنة , قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ورواه البيهقي في سننه , وضعفه , وفي المعجم الأوسط للطبراني من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتي لن يزالوا بخير ما أقاموا شهر رمضان قيل: يارسول الله وما خزيهم في إضاعته؟ قال انتهاك المحارم فيه , من عمل فيه زنا , أو شرب خمرا , لعنه الله ومن في السموات إلى مثله من الحول , فإن مات قبل أن يدرك شهر رمضان فليست له عند الله حسنة يتقي بها النار , فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه مالا تضاعف في سواه , وكذلك السيئات. انتهى: وإذا ثبتت المضاعفة بالسيئة بالنسبة إلى الزمان الفاضل فالمكان كذلك.

السابع والعشرون: ذهب جماعة من العلماء إلى أن السيئات تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات. ممن قال ذلك مجاهد وابن عباس وأحمد بن حنبل وابن مسعود وغيرهم لتعظيم البلد. وسئل ابن عباس عن مقامه بغير مكة فقال: مالي ولبلد تضاعف في السيئات كما تضاعف الحسنات؟ فحمل ذلك منه عل مضاعفة السيئات بالحرم , ثم قيل: تضعيفها كمضاعفة الحسنات بالحرم. وقيل: بل كخارجه , ومن أخذ بالعمومات لم يحكم بالمضاعفة قال تعالى: (ومن جاء بالسيئة فلا يُجْزَى إلا مثلها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هم بسيئة وعملها كتبت له سيئة واحدة)) وقال بعض السلف لابنه: يابني إياك والمعصية , فإن عصيت ولابد , فلتكن في مواضع الفجور , لا في مواضع الأجور , لئلا يضاعف عليك الوزر , أو تعجل لك العقوبة , وحرر بعض المتأخرين النزاع في هذه المسألة فقال: القائل بالمضاعفة: أراد مضاعفة مقدارها أي غلظها لا كميتها في العدد , فإن السيئة جزاؤها سيئة , لكن السيئات تتفاوت , فالسيئة في حرم الله وبلاده على بساطه أكبر وأعظم منها في طرف من أطراف البلاد , ولهذا ليس من عصى الملك على بساط مُلكه كمن عصاه في موضع بعيد عنه. فإن قيل: فيرجع النزاع أيضا. وأي فرق بين أن تكون السيئة المعظمة

بمائة ألف سيئة وهي واحدة , وبين أن تكون بمائة ألف سيئة عددا , فالجواب أنه قد جاء: أن من زادت حسناته على سيئاته في العدد دخل الجنة , ومن زادت سيئاته على حسناته في العدد دخل النار , ومن استوت حسناته وسيئاته عددا كان من أهل الأعراف , فلا يبعد أن يكون في الغلظ من غير تعدد معنى من عدم الزيادة العددية المرجحة بسبب فضل السيئات في الحرم في الحالة التي لولا هذا التأويل لرجح جانب السيئة , أو معنى غيره يحصل به. الثامن والعشرون: العقاب على الهم فيه بالسيئات وإن لم يفعلها. قال تعالى: ((ومن يُرِدْ فيه بإلحادٍ بظلم نُذقْه من عذابٍ أليمٍ)). ولهذا عُدّى فعل الإرادة بالباء ولا يقال: أردت بكذا , لما ضمنه بمعنى يهم , فإنه يقال: هممت بكذا. وهذا مستثنى من قاعدة الهم بالسيئة وعدم فعلها. كل ذلك تعظيما لحرمته , وكذلك فعل الله سبحانه بأصحاب الفيل , أهلكهم قبل الوصول إلى بيته. وقال أحمد بن حنبل: لو أن رجلا هم أن يقتل في الحرم أذاقه الله من العذاب الأليم ثم قرأ الآية وقال ابن مسعود: ما من بلد يؤاخذ العبد في بالهم قبل الفعل إلا مكة. وتلا هذه الآية. التاسع والعشرون: كره جماعة من السلف المجاورة بمكة. وحكى ذلك عن أبي حنيفة وغيره من العلماء المحتاطين لمعان ثلاثة , أحدها خوفا من التقصير في

حرمتها , والتبرم , واعتياد المكان , والأنس به , وذلك يجر إلى قلة المهابة والتعظيم , ولهذا كان عمر يأمر الحاج بالرجوع إلى أوطانهم , ويمنع الناس من كثرة الطواف بالبيت. وقال: خشيت أن تنتهك حرمة هذا البيت بخلاف الذي يقدم زائرا , ثم يذهب , فإنه يهاب المكان ويعظمه أكثر من القاطنين , ولمثل هذا نهى السلف عن الكلام في ذات الله تعالى لأن كثرة النظر في ذلك تسقط مهابة الرب من القلب ولهذا قال الشاعر وأخ كثرت عليه حتى ملني ... والشئ مملول إذا ما يكثر وفي الحديث: زر غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا الثاني: تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العود قال تعالى: ((وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)) أي يثوبون إليه ويترددون إليه مرة بعد أخرى , لا يقضون منه وطرا. وقال بعضهم: لأن تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة , متعلق بهذا البيت , خير لك من أن تكون فيه , وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر. ويقال إن لله عبادا يطوف بهم الكعبة تقربا إلى الله تعالى. الثالث: الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها فإن ذلك محظور , وبالحرا أن يورث مقت الله تعالى لشرف الموضع. وروى عن وهيب ابن الورد المكي قال: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي سمعت قائلا بين الكعبة والأستار

يقول: إلى الله أشكو. ثم إليك يا جبريل ما ألقى من الطائفين حولي] من [تفكههم في الحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر منى إلى الجبل الذي قطع منه. ولهذا انتهى حال بعض المقيمين بمكة إلى أنه لم يقض حاجته في الحرم , بل كان يخرج إلى الحل , ولهذا كره بعض العلماء أجور دور مكة. قال الغزالي: في الإحياء: ولا تظنن كراهة المقام يناقض فضل الكعبة , لأن هذه كراهة سببها ضعف الخلق عن القيام بحقوق الله. وحكى ابن الصلاح عن سعيد بن المسيب أنه قال لرجل من أهل المدينة جاء يطلب العلم: ارجع إلى المدينة , فإنا كنا نسمع أن ساكن مكة لا يموت حتى يكون الحرم عنده بمنزلة الحل. وذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما إلى استحباب المجاورة بها لما يحصل فيها من الطاعات التي لاتحصل في غيرها من الطواف وتضعيف الصلوات والحسنات وحكاه صاحب الغاية عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وقد ذكر ابن الجوزي في مثير الغرام عدة من استوطن مكة من الصحابة. فبلغوا أربعا وخمسين صحابيا ,

وجماعة كثيرة من التابعين. قال وقد جاور بها عبد الله بن عمر , وجابر بن عبد الله , قال النووي: والمختار أن المجاورة بها مستحبة , إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في الأمور المحذورة. وينبغي له أن يتذكر بها ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة بغيرها. وفي بعض كتب الحنابلة: سأل أحمد عن الجوار بمكة. وكان هو لما أراد الخروج استأذن المتوكل أن يجاور بها فقيل له: حرها شديد. فأمسك وقال: الجوار لا بأس به , إنما كره عمر الجوار لمن هاجر منها. قال: وسئل عن رجل يقتل الدر بمكة – فقال لابأس به. الثلاثون: مذهب أحمد أنه لا يكره المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام , وأن الصلاة لا يقطعها بمكة شئ ولو كان المار امرأة بخلاف غيرها. حكاه القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية. ونقل ذلك عن مالك وعبد الرزاق , واحتج عليه عبد الرزاق في كتاب الصلاة تأليفه – بما رواه عن عمر بن قيس أخبرني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه عن جده. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام , والناس يطوفون بالبيت بينه وبين القبلة بين يديه ليس بينه وبينهم سترة , وفي رواية أخرى. رأيته يصلي فيما يلي باب بني سهم.

الحادي والثلاثون: يستحب لأهل مكة أن يصلوا العيد في المسجد الحرام , لا في الصحراء لفضل البقعة ومشاهدة الكعبة , ولحصول المضاعفة لهم في الصلاة. وألحق الصيدلاني به بيت المقدس , وأما غيرها من البلدان ففيها خلاف. والمصحح أن فعلها في المسجد أفضل. وقال القاضي ابن كج في كتاب التجريد: قال الشافعي في الأم: تصلى في المصلى في سائر البلدان إلا في مكة فإنه تصلى في مسجدها , لأنه خير بقاع الأرض. وقال: إن كان لو وسعهم مسجد ذلك البلد أحببت أن يصلوا فيه انتهى لفظ الشافعي بحروفه وفيه فوائد لم يقفوا عليها. الثاني والثلاثون: تحريم استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء والبنيان عند كثير من العلماء بخلاف التشريق والتغريب , وعند الشافعي في الصحراء لا في البنيان. وهذا لا يختص بالحرم بل يعم كل مكان. واختلف أصحابنا في علة النهي. فقيل: إنه احترام الكعبة وتعظيمها. وقد روى في حديث سراقة مرفوعا: إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله ولا يستقبل القبلة والذي قاله جمهور الأصحاب: إن العلة في ذلك كون القبلة لا تخلو عن مصل من جن أو إنس , فربما يقع بصره على فرجه حالة الاستقبال أو الاستدبار فيتأذى بذلك بخلاف البيوت.

لا سيما المتخذة لذلك , وخدش بعضهم في هذا التعليل , بأن المصلى ممن ذكر , ظهره إلى جهة من يقضي الحاجة , فالتعليل بهذا يقتضي أن يكون الاعتبار باليسير من الجهة التي تقابل القبلة لا من جهة القبلة , والحديث إنما تعرض لاستقبال القبلة واستدبارها , فالتعليل الأول أقوى. ورد عليه جواز ذلك في البيوت. الثالث والثلاثون: تورع بعضهم عن قضاء الحاجة بمكة وكان يتأول أنها مسجد. وهذا التأويل مردود بالإجماع والنص , وقد فعله صلى اله عليه وسلم وأصحابه والسلف. نعم. روى الحافظ أبو علي ابن السكن في سننه الصحاح من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة كان إذا أراد حاجة الإنسان خرج إلى المغمس وهو على ثلاثة فراسخ منها. ورواه أبو جعفر الطحاوى في تهذيب الآثار. وقال: على ميلين من مكة. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث نافع بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب بحاجته إلى المغمس)) قال نافع: نحو ميلين من مكة. وقال: لم يروه عن عمرو إلا نافع بن عمر تفرد به سعيد بن أبي مريم.

الرابع والثلاثون: حكى الماوردى وجهين في جواز الاستنجاء بحجارة الحرم. وقال: ظاهر المذهب سقوط الفرض بذلك مع تأثيمه. الخامس والثلاثون: كره أحمد في رواية الوضوء والغسل بماء زمزم , والمشهور الجواز بلا كراهة. وقد روى هو في مسنده عن علي في حديث له , ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم , فشرب منه وتوضأ. وقال ابن الزاغوني من الحنابلة, لا يختلف المذهب أنه ينهى عن الوضوء به , لقول العباس: لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حِلٌّ وبِلٌّ واختلف في السب الذي لأجله ثبت النهي على طريقتين: إحداهما أنه اختيار الواقف وشرطه , وهو قول العباس. وهذا كما لو سبّل ماء للشرب لا يجوز الوضوء منه؛ لأنه خالف مراد الواقف , والثانية أن سببه الكرامة والتعظيم , فإن قلنا: إن ما ينحدر من أعضاء المتوضئ طاهر غير مطهر كره الوضوء بماء زمزم وإن قلنا إنه نجس كمذهب أبي حنيفة حرم التوضؤ به , وإن قلنا إنه طهور كمذهب مالك لم يحرم ولا يكره , لأنه لم يؤثر فيه الوضوء ما يوجب رفع التعظيم , وكره بعض المتأخرين منهم الغسل به دون الوضوء.

وفرق بأن غسل الجنابة يجري مجرى إزالة النجاسة من وجه , ولهذا عم البدن كله لما صار جنبا؛ ولأن حدثها أغلظ , ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة , وأما إزالة النجاسة به فيحرم. وقالت الحنابلة. إن تغير كان حراما , وإن لم يتغير وكان في الغسلة السابعة فهل يحرم أو يكره على روايتين , وإن قلنا: إن الماء لا ينجس إلا بالتغير فمتى انفصل غير متغير في أي الغسلات كان كره ولم يحرم وأما الاستنجاء به فحرام صرح به الماوردي في باب الاستطابة من الحاوي فقال: ولماء زمزم حرمة تمنع من الاستنجاء به انتهى. وكذلك من استعماله إلا فيما وردت فيه الرخصة وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ به , وأمر أن تبرد به الحمى فلا يتعدى به ما ورد. قال: لكن إن استنجى به أجزأ بالإجماع. وجزم المحب الطبري أيضا بتحريم إزالة النجاسة به. وقال: إن بعض الناس استنجى به فحدث به البواسير , وقال الروياني: تكره إزالة النجاسة به لحرمته. وقال العجلي: الأولى ألا يتطهر به لكرامته , وفي شرح المهذب المسمى بالاستقصاء عن الصيمري: إن غيره من الماء أولى منه. وقضية إطلاق الجمهور أنه كغيره فتحصلنا في الاستنجاء به على وجوه , الكراهة , والتحريم , وخلاف الأولى. وههنا بحث , وهو أن القائل بالتحريم أو الكراهة إما أن يكون مدركه أنه من أنهار الجنة أو كونه من منبع شريف , فإن كان الأول , فينبغي أن يقال: بالكراهة في النيل والفرات , لأنهما من

أنهار الجنة , ولاقائل به , وإن كان الثاني فينبغي أن يقال: بالكراهة في عين سلوان بالقدس , وسائر مياه الحرم , ولا قائل به. نعم. قد يقال مدركه أنه له خصوصية انفرد بها وهو كونه يقتات به كالطعام كما في صحيح مسلم في حديث أبي ذر في بدء إسلامه: إنها طعام طعم , وشفاء سقم فليلتحق في الاحترام بالمطعومات , ولعل هذا مأخذ الماوردي. وهذا البحث من فوائد شيخنا العلامة أبي العباس ابن الأذرعي الحلبي. السادس والثلاثون: يجوز إخراج ماء زمزم وغيره من مياه الحرم , ونقله إلى جميع البلدان ,لأن الماء يستخلف , بخلاف نقل التراب والحجر , وكانت عائشة رضي الله عنها تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله. رواه الترمذي وقال: حسن , والحاكم وقال: صحيح الإسناد. قال في شرح المهذب: ويستحب نقله للتبرك. السابع والثلاثون: يحرم نقل تراب الحرم وأحجاره عنه , وسواء في ذلك تراب نفس مكة وما حواليها من جميع الحرم. هذا هو الأصح في شرح المهذب للنووي والذي أورده الرافعي في باب محرمات الإحرام , كراهته. وعند الحنفية: أنه لا بأس بإخراج الأحجار وترابه , ونقله الشافعي في الأم

عن أبي حنيفة وهو المنقول عن عمر؛ وابن عباس لكنهما كرهاه , وقال أحمد: إذا أردت أن تستشفي بتراب الحرم فلا تأخذه لكن ألصق عليه طينا من غير طين الحرم , ونقل القاضي أبو الطيب عن الشافعي أنه قال: رخص بعض الناس في ذلك , واحتج بشراء البرام من مكة. قال الشافعي , وهذا غلط فإن البرام ليست من حجارة الحرم بل يحمل من مسيرة يومين أو ثلاثة من الحرم , وإذا أخرج ذلك فلا ضمان ويجب رده وأما عكسه وهو نقل تراب الحل إلى الحرام ففي الروضة والمناسك أنه مكروه , وفي شرح المهذب أنهم اتفقوا على أنه خلاف الأولى , لئلا يحدث لها حرمة لم تكن. قال: ولا يقال: مكروه لعد ثبوت النهي عنه: وفي البيان: قال الشيخ أبو إسحق ولا يجوز إدخال شئ من تراب الحل وأحجاره إلى الحرم. وهذا يرد نقل الاتفاق. الثامن والثلاثون: أن الشخص إذا مات وأريد نقله إلى بلد آخر قبل دفنه فإنه يحرم على الأصح , لا سميا إذا كان بمكة أو المدينة , أو بيت المقدس لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته بخلاف ما لو كان بقرب مكة , أو المدينة , أو بيت المقدس فإن الماوردي حكى في الحاوي عن نص الشافعي أنه يختار نقله إليها لفضل الدفن بها , فقد روى ابن عباس وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة.

وفي رواية الزهري: من قبر بالمدينة كنت عليه شاهدا , وله شافعا , ومن مات بمكة فكأنما مات في سماء الدنيا انتهى. وحكاه عنه النووي في زوائد الروضة عن النص , وكذا فعل في المنهاج والحق أن هذا لم يتعرض له الشافعي , وإنما هو من كلام الماوردي يعرفه من وقف عليه. وقد تبعه عليه الروياني في الحلية , ولم يعزه إلى الشافعي , وقد نقل القاضي أبو الطيب وابن الصباغ نص الأم بلفظ: إن من مات بمكة أو المدينة , أحببت أن يدفن في مقابرها , وكذلك إن مات ببلد قد ذكر في مقبرته خير أحببت أن يدفن بها , وساق النص إلى آخره. وليس فيه تعرض للاستثناء السابق. وقد قال صاحب البيان وأبو نصر البندنيجي في المعتمد إنه لا نص للشافعي في نقل الميت من بلد إلى بلد. وقال ابن الرفعة: قال الشافعي في الأم. ولا أحب إذا مات في بلد أن ينقل إلى غيرها , وخاصة إذا كان قد مات بمكة أو المدينة , أو بيت المقدس. قال الماوردي: نعم. لو مات بقرب مكة , أو المدينة , أو بيت المقدس. فيختار أن ينقل إليها. قال ابن الرفعة: والجمهور على منع النقل يعني مطلقا. وصرح بأن الاستثناء للماوردي نفسه , لا للشافعي , وجرى عليه المحب الطبري. وقال: لو أوصى بنقله من بلد موته إلى أحد الأماكن الثلاثة لزم تنفيذ وصيته أي عند القرب , وأمن التغير. وعزاه إلى بعض أصحابنا باليمن.

قال: ولو مات بقرب قرية , أهلها صالحون , فهل ينقل ليدفن بجوارهم؟ لا يبعد إلحاقه بالأماكن الشريفة , وهذا كله منه بناء على ما سبق عن النص. التاسع والثلاثون: يجوز ستر الكعبة بالحرير , لأن ذلك محرم على الرجال فقط. وقال الغزالي في فتاويه ولا بأس بتحلية المصحف بالذهب وتزيين الكعبة بالذهب والحرير ما لم ينسب إلى الإسراف. هذا كله في إلباس الكعبة , وأما غيرها. ففي زوائد الروضة عن الشيخ أبي نصر المقدسي: إن تنجيد البيوت , أي تزيينها بالثياب المصورة وغيرها من الحرير وغيره حرام. قال النووي: لكن الصواب في غير الحرير والمصورة. الكراهة دون التحريم انتهى. وفي البيان , في باب الوليمة: أن الشافعي قال في الأم: فإن كانت المنازل مسترة , فلا بأس أن يدخلها وليس فيه شيء أكرهه سوى السرف , لما روى عن ابن عباس أنه قال: لا تستروا الجدر. انتهى. وروى مسلم من حديث عائشة: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة واللبن وفي سنن البيهقي من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس: لا تستروا الجدر بالثياب. وفيه بإسناد منقطع أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن تستر الجدر. قال البيهقي: وروينا في الكراهة عن عثمان. ويشبه أن يكون ذلك لما فيه من السرف. وقال الغزالي في الإحياء: تزيين الحيطان لا ينتهي إلى التحريم. إذ الحرير محرم على الرجال , وما على الحيطان

ليس منسوبا إلى الذكور , ولو حرم هذا لحرم تزيين الكعبة؛ بل الأولى إباحته بموجب قوله تعالى: ((قُلْ مَنْ حرَّم زينةَ الله)). لا سيما في وقت الزينة , إذا لم يتخذه عادة للتفاخر , فإن قيل: وإن تخيل أن الرجال ينتفعون بالنظر إليه , قيل: لا يحرم على الرجل النظر إلى الديباج مهما لبسه الجواري , فالحيطان في معنى النساء. وفرق الشيخ نجم الدين بن الرفعة في المطلب في باب النذر بينهما , بأن في النظر إليهن في هذه الحالة تشوفا وتشوقا إلى ما هو المقصود منهن , فلذلك أبيح , ولهذا علل منع لبس الرجال بالخنوثة التي لا تليق بشهامتهم. وهذا المعنى مفقود في الحيطان ,بل فيه استعمال الزينة , واستعماله حرام على الرجال كيف قدر. وقد حكى عن الشيخ أبي حامد: أنه ألحق بلبس الحرير والجلوس عليه تعليق الستور ونحوها لكنه وجه ذلك بأنه ابتذال وسرف وهو ما أورده الرافعي في آخر باب صلاة العيد , أما سائر المساجد ففي إلحاقها بالكعبة احتمال للشيخ عز الدين ابن عبد السلام. وسيأتي إن شاء الله في الباب الرابع. الأربعون: هل يمتنع الشرب من ماء السيل النازل من الميزاب تحت الحجر لأنه من ذهب واستعماله حرام؟ والظاهر الجواز؛ كما قالوا فيمن أراد استعمال ماء الورد من مرش ذهب أو فضة أن يسكبه في يده ثم يستعمله منه.

الحادي والأربعون: قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا: لا يجوز قطع شئ من سترة الكعبة , ولا نقله , ولا بيعه , ولا شراؤه , ولا وضعه بين أوراق المصحف. ومن حمل شيئا من ذلك لزمه رده بخلاف ما تتوهمه العامة ويشترونه من بني شيبة. وأقره الرافعي على ذلك , وكذا قال الإمام أبو عبد الله الحليمي لا ينبغي أن يؤخذ شئ من كسوة الكعبة. وقال ابن القاص: لا يجوز بيع أستار الكعبة. وقال ابن الصلاح: الأمر فيها إلى الإمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء. واحتج بما رواه الأزرقي في كتاب مكة: أن عمر بن الخطاب كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج. قال في الروضة: وهو حسن متعين لئلا يتلف بالبلى. وذكره أيضا في شرح المهذب في أواخر كفارة الإحرام. وروى الأزرقي أيضا عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا: تباع كسوتها ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل. قالا: ولا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب وغيرهما , وكذا قالته أم سلمة. وذكر ابن أبي شيبة عن ابن أبي ليلى – وسئب عن رجل سرق من الكعبة فقال: ليس عليه قطع.

وذكر الأصحاب في كتاب الوقف فيما إذا بليت حصر المسجد , أو أستار الكعبة في جواز بيعها وجهان , أصحهما. نعم. لئلا تضيع , أو يضيق المكان بلا فائدة. والثاني لا يباع بل تترك بحالها , فيحتمل أن تخص مسألتنا بالجديد وفي خزانة الأكمل للحنفية: لا تأخذ شيئا من أستار الكعبة , وما يسقط منها إلى القوام لا بأس أن يشترى منهم. وأخرج البخاري عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام فقال: جلس إلي عمر بن الخطاب مجلسك هذا فقال: لقد هممت ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها يعني الكعبة فقلت له: كان لك صاحبان فلم يفعلاه , رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. هما المرءان , اقتد بهما. الثاني والأربعون: يحرم أخذ شئ من طيب الكعبة للتبرك وغيره , ومن أخذه لزمه رده إليها , فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به , ثم أخذه , قاله النووي في الروضة من زوائده. ورأيته منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقياسه أن يأتي ذلك في الشمع. قال عطاء: كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي به جاء بطيب من عنده فمسح به الحجر. الثالث والأربعون: بيع أشجار الحرم حرام باطل. قال القفال: إلا أن يقطع شيئا يسيرا للدواء فيجوز بيعه حينئذ. قال في الروضة: وفيما قاله نظر. وينبغي ألا يجوز كالطعام الذي أبيح له أكله , لا يجوز له بيعه. قال صاحب التلخيص: وحكم شجر النقيع بالنون – حكم شجر الحرم في امتناع بيعه. الرابع والأربعون: مذهب الحنفية , أن بيع دور مكة وكراءها لا يجوز , وهو رواية عن أحمد. قال ابن المنير في المقتفي – وهو أحد قولي مالك والمشهور منه. واحتج أبو حنيفة بما رواه عن عبيد الله بن أبي يزيد كذا قال عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. مكة حرام وحرام بيع رباعها , وحرام أجر بيوتها , قال الدارقطني: كذا رواه أبو حنيفة مرفوعا , وهو وهم والصحيح أنه موقوف قال: ووهم أيضا في قوله: ابن أبي يزيد. والصواب ابن أبي زياد القداح. وروى الحاكم في المستدرك من طريق اسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: مكة مباح لا تباع رباعها , ولا تؤاجر بيوتها ,

وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه , وشاهده حديث أبي حنيفة انتهى. واسماعيل قال فيه البخاري: منكر الحديث وضعفه يحيى والنسائي وقال ابن حبان: كان فاحش الخطإ , وأبوه ضعفه يحيى بن معين. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وفي سنن ابن ماجه عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأبو بكر وعمر , وإن دور مكة كانت تدعى: السوائب. من احتاج سكن , ومن استغنى أسكن. وفي سنن الدارقطني من حديث ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمر ويرفعه: من أكل من كراء بيوت مكة أكل نارا. وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار لم يدرك عبد الله , وفي مصنف بن أبي شيبة عن مجاهد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مكة حرام حرمها الله لا يحل بيع رباعها , ولا إجارة بيوتها , وكان عطاء يكره إجارة بيوتها والقاسم وعبد الله بن عمر. وروى محمد بن علي: لم يكن لدور مكة أبواب وحكى عن عثمان أنه قال: رباعي التي بمكة سكنها بنيّ ويسكنونها من أحبوا. وكره بيعها مجاهد وعطاء وطاوس. وكان عمر بن الخطاب يأمر بنزع أبواب دور مكة إذا قدم الحاج. قال السهيلي: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بمكة , أن ينهى أهلها عن كراء دورها إذا جاء الحاج فإن ذلك لا يحل لهم. وعن مالك: إن كان الناس ليضربون فساطيطهم بدور مكة لا ينهاهم أحد , واحتجوا أيضا بأن الله تعالى أطلق على مكة كلها مسجدا بقوله (سبحان

الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) وإنما كان الإسراء من بيت أم هانئ , وغيره من البيوت داخل في لفظ المسجد , والمسجد لا يباع ولا يؤجر وعورض هذا بأن الإجماع قائم على جواز الوطء , وغيره من الأحوال التي لا تسوغ في المسجد فيها فلو كان اسم المسجد يستلزم حكم المسجد لزم ألا يجوز فيها حالة من الحالات المنافية للمسجد. وأجاب ابن المنير أيضا , بأن العام إذا خصص بقي ما عداه على أصل العموم فلا يلزم من جواز تلك الأحوال فيها بدليل الإجماع جواز غيرها من البيع والإجارة إلا بقيد جامع مستأنف. ولو فرض قياس كان النص أو العرف يدفعه , قلت: بل الجواز دل عليه النص كما سيأتي , وأيضا: فإطلاق لفظ المسجد على دور مكة أو على الحرم كلها مجاز من باب التغليب. لا من باب حقيقة اللفظ وقد قال سبحانه: ((فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام)) ولم يكتف أحد من المسلمين باستقبال المسجد المحيط بالكعبة فضلا عن بقية دور مكة بل أجمعوا على أن المراد بالمسجد الحرام في هذه الآية , الكعبة فقط , وهو حقيقة اللفظ ولا يتبادر الذهن إلى إرادة مكة كلها إلا بقرينة , وحينئذ يبطل ما بنى عليه ابن المنير من منع بيع دور مكة لإطلاق المسجد عليها ’ وليس مأخذ منع البيع وعدمه ذلك بل مأخذه الخلاف في أنها فتحت صلحا أو عنوة. وذهب الشافعي وأحمد في رواية وغيرهما إلى جواز بيعها وكرائها , وأن دورها وأراضيها باقية على ملك أربابها يجوز لهم

التصرف فيها ببيع ورهن وإجارة ووقف , وكذا سائر دور الحرم وأراضيه , وللشافعي فيه مناظرة مع اسحق ابن راهوية فروى البيهقي بسنده إلى إبراهيم بن محمد الكوفي قال: رأيت الشافعي يفتي الناس ورأيت اسحق بن راهويه واحمد بن حنبل حاضرين قال أحمد بن حنبل لإسحق يا أبا يعقوب: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فقال اسحق: لم تر عيناي مثله!!. قال: نعم. فجاء فأوقفه على الشافعي فذكر القصة إلى أن قال: ثم تقدم إسحق إلى مجلس الشافعي وهو مع خاصته جالس فسأله عن سكنى بيوت مكة , أراد الكراء فقال له الشافعي: عندنا جائز , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهل ترك لنا عقيل من دار فقال له اسحق: أتأذن لي في الكلام فقال: تكلم. فقال: حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن: أنه لم يكن يرى بذلك (بأسا وأخبرنا ابو القاسم وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه لم يكن يرى بذلك). وعطاء وطاوس لم يكونا يريان بذلك , فقال الشافعي لبعض من عرفه: من هذا؟ فقال: اسحق بن راهويه الحنظلي الخراساني. فقال له الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم. فقال اسحق: هكذا يزعمون. قال الشافعي: ما أحوجني إلى أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه.

أنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنت تقول: عطاء وطاوس وابراهيم والحسن , هؤلاء لا يرون ذلك. هل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ فذكر قصته , إلى أن قال: قال الشافعي: قال الله ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم)) فنسب الديار إلى المالكين أو غير المالكين؟ قال اسحق: للمالكين. فقال الشافعي: قول الله تعالى أصدق الأقاويل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن , فنسب الديار إلى مالك أو إلى غير مالك؟ فقال اسحق: إلى مالك. فقال الشافعي: وقد اشترى عمر بن الخطاب دار الحجامين وأسكنها , وذكر جماعة من الصحابة , فقال له: اسحق: اقرأ أول الآية. قال الله عز وجل: ((سواء العاكف فيه والبادي)) فقال الشافعي: لو كان هذا كما تزعم لكان لا يجوز لأحد أن ينشد فيها ضالة , ولا ينحر فيها البدن , ولا تلقى فيها الأرواث. ولكن هذا في المسجد خاصة. قال. فسكت إسحق. ولم يتكلم , فسكت عنه الشافعي رحمهما الله. وروى البيهقي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ((سواء العاكف فيه والبادي)) يقول: من أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام. قال البيهقي , وما يروى عن اسماعيل بن ابراهيم بن حماد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: مكة مباح لا تباع رباعها ولا تؤجر. فإسماعيل وأبوه ضعيفان. قال: وما روى عن

علقمة بن نضلة الكناني أنه قال: يعني الحديث السابق من جهة ابن ماجه فهو إخبار عن عادتهم الكريمة من اسكانهم ما استغنوا عنه من بيوتهم قال: وقد روينا جواز البيع وجواز الإرث كثيرا فاشترى نافع بن عبد الحارث من صفوان بن أمية دار السجن لعمر بن الخطاب. وقال الزبير: باع حكيم بن حزم دار الندوة في الإسلام بمائة ألف درهم. وذلك في زمن معاوية , فلامه معاوية في ذلك , وقال أبعت مكرمة أبائك وشرفهم؟ فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا بالتقوى. ولقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر وبعتها بمائة ألف , وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله , فأينا المغبون؟. والندوة بالنون هي الدار التي كانوا يجتمعون فيها للتشاور , ولفظها مأخوذ من لفظ الندى , والنادي , وهو مجلس القوم الذي يندون حوله , أي يذهبون قريبا منه وقال ابن المنذر في الإشراف , كان أحمد بن حنبل يتوقى الكراء في المواسم , ولا يرى بأسا بالشراء. واحتج بأن عمر بن الخطاب اشترى دار السجن بأربعة

آلاف وحكى ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لا أرى به بأسا وحكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال: لا بأس ببيع أرضها إجارتها كسائر البلدان. قال طحاوي: اعتبرنا ذلك فوجدنا المسجد الحرام الذي كل الناس فيه سواء لا يجوز لأحد أن يبني فيه بيتا ولا يحتجر منه موضعا وكذا حكم جميع المواضع التي لا ملك لأحد فيها وجميع الناس فيها سواء. ألا ترى أن عرفة لو أراد رجل أن يبني في المكان الذي يقف الناس فيه لم يكن له ذلك؟ (وكذلك منى) قالت عائشة يا رسول الله ألا نتخذ لك بمنى شيئا تستظل به. قال: ياعائشة: إن منى مباح لمن سبق. رواه الترمذي. وقال حسن. والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. قال الطحاوي: ورأينا مكة شرفها الله على غير ذلك قد أجيز فيها البناء. وقال صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن , ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. فأثبت لهم أملكة كريمة قال السهيلي والقرطبي شارح مسلم: والخلاف منتزع من أصلين , أحدهما: قوله تعالى: ((والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد)) وأن الضمير هل يرجع إلى المسجد الحرام أو إلى البلد , والثاني أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم دخلها عنوة غير أنه من على أهلها بأنفسهم وأموالهم ولا يقاس عليها غيرها من البلاد كما ظن بعضهم , لأنها مخالفة لغيرها من وجهين أحدهما: ما خص الله به رسوله , فإنه قال: ((قل الأنفال لله والرسول)) والثاني: ما خص الله تعالى به مكة من أنه لا تحل غنائمها , ولا تلتقط لقطتها , وهي حرم الله وأمنه. فكيف تكون أرضها أرض خراج؟ فليس لأحد فتح بلدا أن يسلك بها مسلك مكة , فأرضها أو دورها لأهلها , ولكن أوجب الله تعالى عليهم أن يوسعوا على الحاج إذا قدموا من غير كراء , فهذا حكمها , فلا عليك بعد هذا فتحت عنوة أو صلحا. وإن كان ظاهر الأحاديث أنها فتحت عنوة أي كما هو مذهب الحنفية , ومذهب الشافعي: أنها فتحت صلحا , واحتواء أبي طالب على أملاك عبد المطلب يدل على ذلك وهو كان أكبر أولاده حين وفاته على عادة الجاهلية. قال القرطبي: من قال: إنها فتحت عنوة كانت مغنومة لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسمها , وأقرها لأهلها , ولمن جاء بعدهم كما فعل عمر بالأرض المغنومة فتبقى على ذلك , لا تباع , ولا تكرى , ومن قال إنها فتحت عنوة مع تجويز بيعها , راعى الخلاف على أصله في مراعاة الخلاف الظاهر وتكون فائدة

حكمه بالكراهة أن من باع شيئا منها أو أكراه لا ينفسخ عنده , ويمضي غير أنه لا يشرع الإقدام عليه. فائدة: الخلاف السابق إنما هو في نفس الأرض فأما البناء والمساكن فيجوز بيعها بلا خلاف. قال الروياني: ولا يكره بيع شئ من الأرض إلا أراضي مكة , فيكره بيعها للخلاف. وكذا إجارتها. قال النووي: وهذا غريب والأحسن أن يقال: إنه خلاف الأولى: الخامس والأربعون: أصح قولي الشافعي: أن لقطة مكة وحرمها لا يجوز أخذها للتمليك , وإنما تؤخذ للحفظ والتعريف بخلاف سائر البلاد , وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبي عبيد لما في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه , ولا ينفر صيده , ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها)) ومعلوم أن لقطة كل بلد تعرف , ولو كان كغيره لم يكن لتخصيصه بهذا الذكر معنى. وفي مسند أحمد عن عبد الرحمن بن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج. وزعم ابن الجوزي أن مسلما أخرجه في الصحيح ولم يذكره الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف , والمعنى فيه أن مكة مثابة للناس يعودون إليها مرة بعد أخرى , وربما يعود إليها من أضلها أو يبعث في

طلبها. والقول الثاني أنها كلقطة سائر البلدان. والمراد من الخبر , أنه لابد من تعريفها به كما في سائر البلدان فلا يتوهم أن تعريفها في الموسم كان لكثرة الناس وهو مذهب الأئمة الثلاثة. قال ابن المنذر: ورويناه عن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب. يعني وبعد الحول تملك. قال أبو عبيد في كتاب الأموال: الصحيح عند ابن مهدي: هو القول الأول لقوله: ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشد. قال ابن مهدي: ليس يحل له إلا إنشادها , فأما الانتفاع بها فلا يجوز. وقال جرير بن عبد الحميد: معنى قوله: إلا لمنشد أي إلا لمن يسمع ناشدا يقول: من أصاب كذا فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفها إذا رآها ليردها إلى صاحبها. ومال ابن راهويه إلى هذا القول. وقيل: معناه لا تحل إلا له , وهو خبر في المعنى. لكنه لا يقال للطالب منشد , لأن المنشد , المعرف. والطالب الناشد: قال أبو عبيد: وليس للحديث وجه إلا ماقاله ابن مهدي واختاره من المالكية الداودي , والباجي , وابن العربي. قال القرطبي في شرح مسلم: وهو الأظهر. وقال الماوردي في الحاوي: في المنشد تأويلان. أحدهما وهو قول أبي عبيدة , أنه صاحبها الطالب لها , والناشد هو المعرف الواجد لها , والمعنى لا تحل لمن يتملكها إلا صاحبها التي هي له دون الواجد. والثاني وهو قول الشافعي: أن المنشد الواجد المعرف , والناشد هو المالك الطالب ومنه الحديث – وقد سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد -: أيها الناشد, غيرك الواجد. والمعنى لا تحل لقطتها إلا لمعرف يقيم على تعريفها ولا يتملكها , وعلى كل من التأويلين ففيه دليل على تحريم تملكها.

فائدة: وأما لقطة عرفة ,ومصلى إبراهيم ففيه وجهان في الحاوي. أحدهما: حل لقطتها قياسا على الحل. والثاني: أنه كالحرم لا تحل إلا لمنشد , لأنه مجمع الحاج , وينصرف القصاد منه إلى سائر البلاد كالحرم انتهى. وليس هذا الفرع في الشرح والروضة. قال الماوردي واختلفوا في جواز إنشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم إنشادها في غيره من المساجد على وجهين , أصحهما جوازه اعتبارا بالعرف , وأنه مجمع الناس. وقال الرافعي رحمه الله. ولا تعرف في المساجد كما لاتطلب الضالة فيها. قال الشاشي في المعتمد: إلا أن أصح الوجهين جواز التعريف في المسجد الحرام بخلاف سائر المساجد انتهى. السادس والأربعون: إن صيد الحرم حرام على الحلال والمحرم بالإجماع , ولقوله صلى الله عليه وسلم: ولا ينفر صيدها , ونبه بالتنفير على الإتلاف , لأنه إذا حرم التنفير , فالإتلاف بالأولى. وهو مضمون خلافا لداود الظاهري. وقيل السبب في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل الغار ونسج العنكبوت ,وأمر الله حمامة فباضت على نسج العنكبوت وجعلت ترقد على بيضها فلما نظر الكفار إليها على فم الغار ردهم ذلك عن الغار. وجاء في الأثر أن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اللتين ركزتا على فم الغار. فلذلك احترم

حمام الحرم. وهو من جنس قوله تعالى: ((وكان أبوهما صالحا)) قيل: جدهما السابع , فحفظ الأعقاب , رعاية الأسلاف , وإن طالت الأحقاب , وضد هذا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل الوزغ لما قيل: أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم صلى الله عليه وسلم , أما إدخال صيده من الحلال إلى الحرم فقال ابن المنذر: كرهه ابن عمر وابن عباس وعائشة وعطاء وطاوس وأحمد وإسحق , وأهل الرأي , ورخص فيه جابر بن عبد الله. وقال هشام بن عروة: قد كان ابن الزبير يراها تسع سنين في الأقفاص. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا يرون فيه بأسا. ورخص فيه سعيد بن جبير ومجاهد , ومالك والشافعي وأبو ثور وهو الأصح. السابع والأربعون: إن قطع شجره وحشيشه حرام على الحلال والمحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يعضد شجرها. قال الواقدي: لما أرادت قريش البنيان قالوا لقصي: كيف نصنع بشجر الحرم فنهاهم وحذرهم في قطعها , وخوفهم من العقوبة في ذلك , فكان أحدهم يحوق بالبنيان حول الشجرة حتى تحصل في منزله قال: وأول من رخص في قطع شجر الحرم في البنيان عبد الله بن الزبير حين ابتنى دور بقعيقعان لكنه جعل دية

كل شجرة بقرة , وكان يروى عن عمر أنه قطع دوحة كانت في دار أسد بن عبد العزى , وكانت تنال أطرافها ثياب الطائفين بالكعبة , وذلك قبل أن يوسع المسجد فقطعها عمر رضي الله عنه ووداها ببقرة: قال السهيلي: ومذهب مالك في هذا أن لا دية في شجر الحرمين. قال: ولم يبلغني في ذلك شئ. وقد أساء من فعل ذلك , وأما الشافعي فجعل في الدوحة بقرة وفيما دونها شاة , وقال أبو حنيفة: إن كانت الشجرة التي في الحرم مما يستنبته الناس فلا دية على من قطع شيئا منها , وإن كانت من غيرها ففيها القيمة بالغة ما بلغت , وذكر أبو عبيد: أن عبد الله ابن عمر أفتى فيها بعتق رقبة. وقال ابن المنذر: لا أجد دلالة أوجب بها في شجر الحرم فرضا من كتاب ولا سنة , ولا إجماع. وأقول كما قال مالك نستغفر الله تعالى. قال: وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة أخذ كل ما ينبته الناس في الحرم من الزرع , والبقول , والرياحين , وغيرها. وقال النووي: اتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لا يستنبتها الآدميون {في العادة وعلى تحريم قطع خلاها وهو الرطب من الكلأ واختلفوا فيما أنبته الآدميون} , واختلفوا في ضمان قطع الشجر. فقال مالك يأثم , ولا فدية. وقال الشافعي وأبو حنيفة: عليه الفدية , وأوجب أبو حنيفة القيمة , والشافعي في الكبيرة بقرة والصغيرة شاة , وكذا جاء عن ابن عباس , ويجوز عند الشافعي ومن وافقه رعى

البهائم , وقال أبو حنيفة , وأحمد: لا يجوز. وقوله: ولا يعضد شوكه فيه دليل على تحريم جميع نبات الحرم من الشجر والكلإ سواء الشوك المؤذي وغيره , وهو الذي اختاره المتولي. وهو الصحيح. وقال جمهور أصحابنا: لا يحرم الشوك , لأنه مؤذ فأشبه الفواسق , ويخصون الحديث بالقياس , وحاصل المذهب أنه لا فرق في التحريم وإيجاب الضمان بين النابت بنفسه , والمستنبت كالأشجار المثمرة والقرع والخلاف والفرصاد لظاهر الخبر. قال الماوردي: وحل الخلاف فيما أنبت في موات الحرم , فإن أنبت في أملاكه لم يحرم بلا خلاف , هذا بالنسبة إلى الشجر , وقيده ابن الرفعة بالرطب. قال: أما إذا كان الشجر قد جف فقلعه فلا شئ عليه قال القاضي الحسين كما إذا قطع الصيد إربا إربا. وكذلك قال الماوردي والبندنيجي قالا: ولا فرق في ذلك بين أن يستهلكه أم لا. واعلم أن القاضي الحسين: إنما جوز القطع بالطاء , لا باللام , فلا يلزم من جواز القطع , القلع بدليل الحشيش اليابس فإنه يجوز قطعه , ولا يجوز قلعه , ولم يتكلم النووي في الروضة وشرح المهذب على قطع الشجر اليابس , وإنما تعرض للقلع فقط. وقد يوهم تحريم القلع , والصواب الجواز كما سبق. وقال ابن المنذر: ما سقط من الشجر البالي الميت يجوز أخذه , وهو قول أحمد وأبي ثور وأصحاب الرأي. قال: ولا نعلم أحدا منع منه , وبه نقول انتهى. أما المستنبت بالنسبة إلى غير الشجر كالحنطة والشعير , وسائر

الخضروات فيجوز قطعه , وقلعه بلا خلاف لمالكه , ولو قطعه غيره , فعليه قيمته له , ولا شيء عليه للمساكين. قاله الخفاف في كتاب الخصال. وقد استثنى أصحابنا من التحريم أو التضمين في النابت بنفسه مسائل , إحداها: الإذخر , لورود التصريح باستثنائه في الصحيح. الثانية: الشوك كالعوسج وغيره لأذاه كالفواسق الخمس , وفي وجه اختاره في التتمة والنهاية , التحريم. واختاره النووي في تصحيح التنبيه. وقال في شرح مسلم: أنه الصحيح لظاهر الخبر في قوله: لا يعضد شوكه. الثالثة: إذا احتاج إلى شيء من الكلإ لعلف البهائم جاز أخذه على الأصح لأن المنع منه لأجلها , كما يجوز تسريحها فيه , لأن الصحابة كانوا يدخلون حقاقهم الحرم , وهي ترعى فأبيح ذلك دفعا للضرر كما أبيح الإذخر. وحكى عن أبي يوسف. قال ابن العربي. وهو الصحيح – وقال ابن المنذر: اختلفوا في الرعي في حشيش الحرم فكان الشافعي يقول: أما الرعي فلا بأس به , لأن الذي حرم النبي صلى الله عليه وسلم فيه الاختلاء إلا الإذخر. والاختلاء: الاحتشاش. وبه قال يعقوب وحكى عن عطاء. وكان النعمان ومحمد يقولان: لا يرعى في حشيش الحرم ولا يقطع منه الإذخر. الرابعة: إذا احتيج إليه للدواء فالأصح لا يحرم قطعه , لأن الحاجة إليه أهم من الحاجة إلى الإذخر. وقد استثناه الشرع. قال ابن المنذر: وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنابستان ولا ينزع من أصله. وفي الوسيط

حكاية وجه أنه لا يلحق بالإذخر غيره. وإن مست إليه الحاجة كما في الإذخر. وحكاه الإمام في النهاية عن الشيخ أبي علي ابن السنجي في شرح التلخيص حكاية احتمالين له في وجوب الضمان وعدمه , قلت وعليه ينطبق ما في ترتيب الأقسام للمرعشي فإنه جزم بجواز القطع , وحكى في الضمان فيه وجهين. الخامسة: إذا احتيج إليه كالحاجة التي يقطع لها الإذخر كتسقيف البيوت ونحوه , وذكر الغزالي في الوسيط والبسيط: أن الخلاف في أخذه للدواء يجري هنا وقضيته الجواز , وعليه جرى صاحب الحاوي الصغير فجوّز القطع للحاجة مطلقا , ولم يخصه بالدواء. السادسة: ما يتغذى به كالرجلة المسماة بالبقلة (الحمقاء) ونحو ذلك , لأنه في معنى الزرع صرح باستثنائها المحب الطبري في شرح التنبيه وحيث جوزنا الأخذ في هذه المسائل فلا يجوز أخذه للبيع كالطعام الذي أبيح له أكله لا يجوز له بيعه صرح به الماوردي وتبعه النووي , وخالف القفال كما سبق. قال ابن الصلاح في مناسكه: لا يجوز أخذ شيء من مساويك الحرم لعموم قوله: ((ولا يعضد شجرها)) وفي كتاب (عارضة) الأحوذي للقاضي ابن العربي نقلا عن الشافعي أنه أجاز قطع المسواك من فروع الشجرة كما جوّز أخذ ورقها وثمرها للدواء إذا كان لا يضرها ولا يميتها , لأنه

يخلف , والإجماع على إباحة الإذخر لورود استثنائه في الخبر , ورأيت في ترتيب الأقسام للمرعشي أن مافيه منفعة كالإذخر وفرع الأراك فقطعه جائز وفي جبرانه وجهان انتهى لفظه وهو غريب جدا أعنى جريان خلاف في جزاء الإذخر وكذا في السواك. (وقال ابن المنذر في الإشراف: اختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم فروينا عن مجاهد وعطاء وعمرو ابن دينار الترخيص فيه وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي قال ابن المنذر ولا أجد دلالة أبيح بها ما أباح عطاء من أخذ السواك وغيره من الحرم والشيء إذا حرم , حرم القليل منه والكثير , وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ليث قال: كان عطاء يرخص في القضيب والسواك) والسنا من الحرم. وعم مجاهد أنه كرهه. الثامن والأربعون: يحرم القتال بمكة لقوله صلى الله عليه وسلم: إنها لم تحل لي إلا ساعة من نهار. وهذه مسألة اختلف فيها أهل العصر الأول. ففي الصحيحين: أن عمرو بن سعيد لما أراد بعث الناس إلى مكة لقتال ابن الزبير , قال له أبو شريح: أيها الأمير أحدثك حديثا سمعته أذناي , ووعاه قلبي , إنه صلى الله عليه وسلم قال: إن مكة حرمها الله , ولم يحرمها الناس , فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما , ولا يعضد بها شجرة , فإن أحدا ترخص بقتال رسول الله فيها , فقولوا: إن الله عز وجل

أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب. فقال عمرو بن سعيد: أنا أعلم منك يا أبا شريح لا تعيذ عاصيا , ولا فارّا بدم , ولا فارّا بخربة. انتهى فحمله أبو شريح على العموم , وهو وجه الخير , ونهاه عن القتال بمكة خشية أن تستباح حرمتها وحمله عمرو على الخصوص. وقوله لأبي شريح: لا تعيذ عاصيا , ليس بمطابق للكلام , لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في (غير) الحرم ثم لجأ إليه. هل يجوز قتاله أم لا؟ وأنما أنكر عليه بعثه الخيل إلى مكة واستباحة حرمتها , ونصبه الحرب عليها , فأحسن أبو شريح في استدلاله , وحاد عمرو عن الصواب , وأجابه عن غير سؤاله. قال ابن بطال: وابن الزبير عند علماء السنة أولى بالخلافة من يزيد , ومن عبد الملك لأنه بويع لابن الزبير قبل هؤلاء , وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال مالك: وابن الزبير أولى من عبد الملك فإن قيل: لا شك في حل القتال بعده صلى الله عليه وسلم إذا وجد ما يوجبه من استيلاء أهل الشرك , أو البغي , أو منع حق؛ فما فائدة التنصيص على التحريم حينئذ , لأن هذا ثابت لجميع الأمكنة. قيل: فائدته توكيد حرمتها , وبيان فضلها على غيرها وشرفها. قال المحب الطبري. وقوله: ولا تحل لأحد من بعدي , معناه تحريم القتال بها.

وإن كان مستحقا كما هو مذهب أبي حنيفة , ولا كذلك سائر البلدان. قلت: وهذا لا يزيل الإشكال. وفيه تنزيل الحديث على خلاف مذهبنا , وإنما وجه الخصوصية أن الكفار , أو البغاة لو تحصنوا بغيرها جاز قتالهم على أي وجه وبكل شيء ولو تحصنوا بها لم يجز قتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره. وقد نص الشافعي في الأم على هذا كما سيأتي. التاسع والأربعون: ذهب جماعة من العلماء إلى تحريم قتال البغاة فيه. بل يضيق عليهم إلى أن يخرجوا أو يفيئوا. واختاره القفال من أصحابنا وعد من جملة ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم: جواز القتال له في حرم مكة , ولكن الصحيح من المذهب المنصوص الجواز , وعبارة القفال في شرح التلخيص عند ذكره الخصائص في باب النكاح: لا يجوز القتال بمكة حتى لو تحصن جماعة من الكفار بها لم يجز لنا قتالهم فيها: قال النووي: وهو غلط. وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: من خصائص الحرم , ألا يحارب أهله , وإن بغوا على أهل العدل. فقال بعض الفقهاء: يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل. قال: وقال جمهور الفقهاء: يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال , لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها انتهى. وما نقله عن الجمهور نص عليه الشافعي في كتاب اختلاف الحديث. وفي سير الواقدي من الأم , وأجاب عن الأحاديث الواردة في تحريم القتال كحديث أبي شريح

بأن معناها تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر فإنه يجوز قتالهم على كل وجه , وبكل شيء انتهى , وقال الشيخ أبو الفتح القشيري: هذا التأويل خلاف الظاهر , فإن قوله: فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما فيه تبيين لخصوصية إحلالها له ساعة من نهار. وقال: فإن أحدا ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقولوا: إن الله أذن لرسوله. ولم يأذن لكم. والمأذون له فيه إنما هو مطلق القتال ولم يكن قتاله لأهل مكة بمنجنيق وغيره وأيضا فالأحاديث دالة على أن التحريم لاظهار حرمة البقعة بتحريم مطلق القتال فيها , وسفك الدم وذلك مما لا يختص بها انتهى. وفي مسند البزار عن عبد الأعلى بن حماد عن مسلم بن خالد عن أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن قوم صالح لما عقروا الناقة أهلك الله من كان في الأرض منهم إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه من عذاب الله. قالوا. يا رسول الله من هو؟ قال: أبو رغال جد ثقيف لكن مسلم بن خالد فيه ضعف. وقال الحجاج: يقولون إن ثقيفا من بقية ثمود , وهل نجا من ثمود إلا خيارهم؟ قال تعالى: ((وثمودا فما أبقى)) (فبلغ) ذلك الحسن فتضاحك وقال: فما أبقى , أي لم يبقهم. وكان هذا سبب توارى الحسن.

الخمسون: من وجب عليه حد أو قتل بقصاص أو رجم بالزنا وغيره , فالتجأ إلى الحرم: ففيه للعلماء ثلاثة أقوال. أحدها: أنه آمن ما دام في الحرم لقوله تعالى: ((ومن دخله كان آمنا)) ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما. ولكن يضيق عليه , ولا يكلم , ولا يطعم , ولا يعامل حتى يخرج فيقتل أو يستوفى منه قصاص الطرف. أو الحد إلا أن ينشئ القتل فيه. ونقل عن أبي حنيفة وروى عن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير والحكم بن عتبة واسحق بن راهويه والظاهرية , وهي رواية عن أحمد. وعن أبي الزبير المكي قال: لو وجدت في الحرم قاتل أبي ما كلمته. الثاني: إن كان قاتلا لم يقتل حتى يخرج من الحرم , وإن كانت الجناية فيما دون النفس أقيم عليه الحد , وهي رواية عن أحمد وأبي حنيفة. الثالث: أن الحدود تقام فيه. ويستوفى القصاص , وهو قول مالك والشافعي , لقوله تعالى: ((ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)) قال ابن المنذر: واحتج مالك بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابن خطل لما وجد متعلقا بأستار الكعبة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوه انتهى. وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم بقتل الفواسق الخمس

في الحل والحرم , لأنها مؤذيات طبعا , فإذا جاز قتله مع ضعف أذاه , فالقاتل أولى , ولأنه علله بالفسق , والحكم يعم لعموم علته. وقد تقدم في حديث أبي شريح: أن الحرم لا يعيذ قاتلا ولا فارّا بدم , وأما قوله: لا يسفك بها دما , فلا حجة فيه , لأن السفك عبارة عن إراقة الدم بغير حق , ومنه قوله تعالى: ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)) , وأما قوله: ((ومن دخله كان آمنا)) فمعناه الخبر عن تعظيم حرمته في الجاهلية نعمة من الله على أهل مكة كقوله: ((جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس)) , ولو التجأ إلى المسجد الحرام , أو غيره من المساجد أخرج وقتل صيانة للمسجد , وفي وجه أنه يبسط الأنطعة ويقتل في المسجد تعجيلا لتوفية الحق , وإقامة الهيبة قال في الروضة: ولو التجأ إلى الكعبة أو إلى ملك إنسان أخرج قطعا , أما حرم المدينة فيجوز القصاص فيه بالإجماع , ولا خلاف في أن من جنى جناية بحرم مكة , لا أمان له. قال ابن الجوزي وغيره: انعقد الإجماع على ذلك , فإنه اجترا على الله وانتهاك حرمة بيته , وإلحاد فيه. قال تعالى: ((ومن يرد فيه بإلحاد وظلم نذقه من

عذاب أليم)). وفي تفسير القرطبي في سورة البقرة. قال ابن العربي. حضرت بيت المقدس بمدرسة أبي عقبة الحنفي , والقاضي الزنجاني يلقي الدرس يوم الجمعة إذ دخل علينا رجل بهي النظر على ظهره أطمار فسلم بسلام العلماء وتصدر في صدر المجلس فقال له الزنجاني: من السيد؟ فقال: رجل سلبه الشطار أمس وكان مقصدي هذا الحرم وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم. فقال الزنجاني: سلوه. فسألوه عن مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم. هل يقتل أم لا؟ فأفتى بأنه لا يقتل. فسئل عن الدليل فقال: قوله تعالى: ((ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)) قرئ ولا تقتلوهم ولا تقاتلوهم , فإن قرئ ولا تقتلوهم فالمسألة نص. وإن قرئ: ولا تقاتلوهم فهو تنبيه. لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلا ظاهرا على النهي عن القتل: واعترض الزنجاني ينصر مذهب مالك والشافعي , وإن لم ير مذهبهما. فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)). قال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه , فإن هذه الآية التي اعترضت بها عامة في الأماكن والتي احتججت بها خاصة , ولا يجوز لأحد أن يقول: العام ينسخ الخاص فأبهت القاضي الزنجاني وهذا من بديع الكلام.

الحادي والخمسون: تغليظ الدية على من قتل في حرم مكة , وهو الذي لا يجوز دخوله بغير إحرام لقوله تعالى: ((ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)). ولأنه لما تغلظ بتحريم الصيد كان أولى أن تغلظ في نفوس الآدميين , لأن للحرم تأثيرا في إثبات الأمن. وتغلظ وإن كان القتل خطأ سواء كان القاتل والمقتول معا في الحرم , أو أحدهما فيه دون الآخر واختلفوا في قدر التغليظ. فقال ابن المنذر: وروينا عن عمر بن الخطاب: أنه من قال: من قتل في الحرم أو الأشهر الحرم فعليه الدية وثلث الدية ,وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وسليمان بن يسار وأحمد بن حنبل وغيرهم. وقالت طائفة: التغليظ جاء في أسنان الإبل لا الزيادة في العدد , وبه قال طاوس والشافعي قال: وممن كان لا يرى التغليظ الحسن البصري والشعبي والنخعي وبه نقول وليس ثبت على ما روى عن عمر وعثمان , وابن عباس في هذا الباب , وأحكام الله على الناس في جميع البقاع واحدة , أما حرم المدينة , فالأصح أنه لا يتغلظ بالقتل فيه وبناه جماعة على الخلاف في ضمان صيدها , إن قلنا: يضمن وهو القديم غُلِّظ به وإلا فلا , ولا يغلظ بالقتل في الإحرام على الصحيح. وقضية كلام الأكثرين اختصاص القول بتغليظه بإحرام القاتل , لكن القاضي الحسين حكى الخلاف في تغليظه بإحرام واحد منها نعم يتغلظ القتل في الأشهر الحرم , وهي ذو القعدة وذو الحجة , والمحرم , ورجب , ولا يلتحق بها

شهر رمضان وإن كان معظما. قال السهيلي: وجعل الله الأشهر الحرم أربعة , ثلاثة سردا , وواحدا فردا. وهو رجب , أما الثلاثة فليأمن الحجاج واردين إلى مكة. وصادرين عنها شهرا قبل (شهر) الحج وشهرا آخر بعده قدر ما يصل إلى البيت من أقصى بلاد المغرب ثم يرجع حكمة من الله , وأما رجب فللعمار يأمنون فيه مقبلين وراجعين , نصف الشهر للاقبال ونصفه للرجوع , إذ لا تكون العمرة من أقاضي بلاد المغرب كما يكون الحج وأقصى منازل المعتمرين خمسة عشر يوما , فكانت الأقوات تأتيهم في الموسم , وفي سائر العام وكان القتال فيها محرما كذلك صدرا من الإسلام ثم أباحته آية السيف وبقيت حرمة الأشهر لم تنسخ قال تعالى: ((منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)). فتعظيم حرمتها باق , وإن أبيح القتال. وقد روى عن عطاء: أن تحريم القتال فيها حكم ثابت لم ينسخ انتهى. ونقلت من خط الإمام أبي

عمرو بن الصلاح مما نقله من كتاب الانتقام من الطاعن في الإمام الشافعي. تأليف الإمام أبي عبد الله الحسين الحليمي: اختلف أصحابنا في تحريم القتال في الأشهر الحرم فمنهم من قال: إنه ثابت , ولا يجوز ابتداء المشركين فيها بالقتال ولكنهم إن ابتدءوا قوتلوا قدر ما يدفعون به عن المسلمين , وهذا أليق بمذهب الشافعي لأنه يوجب تغليظ الدية في قتل الخطإ إذا كان في الشهر الحرام , أو البلد الحرام , فلو كانت حرمة الشهر الحرام منسوخة لكان كالشهر الحلال , ولم يكن تغليظ الدية لأجله معنى , ومنهم من قال: إنه منسوخ انتهى. وقال القفال في فتاويه: يجوز نصب القتال مع المشركين في الأشهر الحرم. سواء بدؤونا بالقتال أم لا؟ وقوله تعالى: ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم)). المراد به ذكر مدة عهد النبي صلى الله عليه وسلم معهم إلى أقصى الشهر. الثاني والخمسون: ذهب الحسن البصري إلى أنه لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة , لأن القتل فيه منهى عنه فلا يحل ما يسببه , ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة)). رواه مسلم من حديث جابر قال القاضي عياض: وهو محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة , فإن كان حاجة جاز. قال: وهذا مذهب مالك والشافعي وعطاء

وحجتهم دخول النبي صلى الله عليه وسلم عام عمرة القضاء بما اشترطه من السلاح في القراب , ودخوله عام الفتح متأهبا للقتال. قال: وشذ عكرمة عن الجماعة فقال: إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية , ولعله أراد إذا كان محرما , ولبس الدرع أو المغفر حتى يوافق الجماعة. وقد أنكر ابن عمر على الحجاج أمره بحمل السلاح في الحرم , وكأنه لكثرة الخلق في أيام الموسم فيخاف أن يصيب أحدا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مشى في مساجدنا أو أسواقنا بنبل , فليأخذ على نصالها لئلا يصيب مسلما)). الثالث والخمسون: اختلف الناس في وقت تحريم مكة على قولين حكاهما جماعة منهم الماوردي في الأحكام السلطانية , أحدهما أنها مازالت حلالا كغيرها إلى زمن ابراهيم عليه السلام فحرمها لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن ابراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة)). رواه مسلم عن جابر .. والثاني: أنها لم تزل حراما منذ خلقت السموات والأرض لما في الصحيح إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض)) , الحديث. ثم أظهر الله ذلك على لسان نبيه ابراهيم ليكون سنة لمن بعد. وهذا القول نقله النووي عن الأكثرين .. وقال الطحاوي: إنه الصواب , وبه تتجمع الأحاديث. وقد حصن الله بيته من أصحاب الفيل فلم يجدوا عليه سبيلا. فإن قيل.

فقد وقع في زمن معاوية لما أرسل الحصين بن نمير السكوني فنصب المجانيق على أبي قبيس وغيره من جبال مكة , ورمى الكعبة المعظمة , وكسر الحجر الأسود , وأحرق الكعبة حتى انهدم جدارها. وسقط سقفها بأمر يزيد فلما جاء نعيه انكبوا راجعين. وكان موت يزيد بحوارين من الشام سنة أربع وستين في نصف ربيع الأول , وحمل إلى دمشق , وصلى عليه أخوه خالد , ودفن في مقبرة باب الصغير وقد بلغ ثلاثين سنة, وكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوما , وأول حجر من جارة المنجنيق أصاب وجه الكعبة سمع لها أنين وتأوه شديد. ذكره القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بن سخرة في كتاب البرهان له , ثم تلا فعله الحجاج بن يوسف فنصب المجانيق. ورمى البيت ودخلها عنوة وصلب ابن الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عجائز الجنة منكسا , ثم تلاه القرامطة. أخذوا الحجر الأسود , واستباحوا حريمه , وقتلو جميع من وجدوا ولم يمنعوا كما منع أصحاب الفيل.

فالجواب إنما لم يمنعوا. لأن الدعوة قد تمت. والكلمة قد بلغت. والجماعة قد ثبتت , وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوع الفتن بعده وأن الكعبة ستهدم , وأن المدينة ستغزى , فغزاها يزيد بن معاوية , أرسل الجيوش إليها مع مسلم بن عقبة المري – بعثه في عشرة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل. فأغاروا عليها ثلاثة أيام. ثم دخلها بالسيف , وقتل من بقايا المهاجرين والأنصار نحو ألف وسبعمائة , وخيار التابعين يوم الحرة , وكانت يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال ابن حزم في المرتبة الرابعة. وبالت الخيل وراثت بين القبر والمنبر –نستغفر الله – ولم يصل أحد في المسجد تلك الأيام , ولا كان فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب. فإنه لم يفارق المسجد – ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان. ومروان بن الحكم له عند مسلم بن عقبة بأنه مجنون لقتله. وهتك مسلم – لعنه الله - الإسلام هتكا , وانتهبت المدينة ثلاثا. واستخف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , ومدت الأيدي إليهم ونتفت لحية أبي سعيد الخدري , وكان ممن لزم بيته , فأخذوا جميع ما في داره حتى صوف الفرش , وحتى أخذوا زوجين من حمام كان صبيانه يلعبون بهما. وكذلك فعلوا بغيره من الرجال والنساء , وقتلوا من المهاجرين والأنصار ألفا وسبعمائة. ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان , ومن حملة القرآن من قريش

سبعمائة. وأُكره الناس على مبايعة يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له , إن شاء باع وإن شاء عتق. وذكر له يزيد بن عبد الله بن زمعة البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأمر بضرب عنقه , وأمه حاضرة فلم يرع حرمتها وكانت من المهاجرات الأول , وهي زينب بنت أم سلمة ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي التي دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي طفلة , وهو يغتسل , فنضح في وجهها الماء فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى عجزت وقاربت المائة. فدعت على مسلم بن عقبة هذا فابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه فمات بعد الوقعة بثلاث ليال بقديد منزلة (من منازل الحاج) وهو يبح كالكلاب. الرابع والخمسون: قال أصحابنا: لا يمكن الكافر من دخول حرم مكة , سواء مساجدها , وغيرها. حتى لو جاء في رسالة لا يدخل بل يخرج إليه من يقضي الأمر المتعلق به. هذا هو المشهور. قال شيخنا: ورأيت في كتاب القاضي ابن كج في كتاب الحج: لا يجوز للمشرك عندنا دخول الحرم , فإن احتيج إلى أن يدخل طبيب كافر إليه فذلك جائز للضرورة غير أنه لا يترك مستوطنا به. هذا لفظه بحروفه. وظاهر نص الأم , وإطلاق الجمهور في كتاب الجزية ينازعه. قال الشافعي في الأم هناك: ليس للإمام أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات. طبيبا كان أو صانعا بنيانا أو غيره انتهى. ولعل ابن كج يحمل النص على غير حالة الضرورة ,

وأغرب القاضي فحكى في الذخائر فقال: هناك: وإن جاء كافر رسولا إلى الإمام في الحرم فقد قال الخراسانيون: يجوز دخوله , لأداء الرسالة. وقال العراقيون: لا يجوز (قال: وإن جاء ليسلم أو ليسمع كلام الله قال الخراسانيون يجوز له الدخول لذلك وقال العراقيون لا يجوز) بل يخرج إليه من يسمع كلامه وإسلامه , ويسمعه كلام الله تعالى انتهى. وما نقله عن الخراسانيين غريب أو غلط. والموجود في كتبهم التصريح بموافقة العراقيين , وقد صرح بذلك الإمام في كتبه , وولده , والغزالي , والعوراني , والبغوي , وغيرهم , ولم يذكر صاحب الكافي والترغيب من متأخريهم سواه , وأما غير الحرم فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت فيه بإذن المسلمين وهو مذهب جمهور العلماء. وجوز أبو حنيفة تمكينه من دخول الحرم واحتج أصحابنا بقوله تعالى: ((إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)). وهذه الآية نزلت في سنة تسع من الهجرة , والمراد بالمسجد الحرام في الآية , الحرم كله , لقوله: ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام)) وإنما أسرى به من بيت أم هانئ , أو من بيت خديجة. كما قاله الماوردي والبغوي وكلاهما خارج عن الحرم. ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية: ((وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)). أي إن خفتم انقطاع التجارة عنكم , فاعتصموا بفضل الله , ومعلوم أن ما يخاف من هو في البلد لا في

المسجد نفسه , ولقوله تعالى: ((وإذا قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا)) إلى أن قال: ((ومن كفر فأمتعه قليلا)). أي بمكة وهو ما قبل فتحها. فدل على تحريمها على الكافر بعد الفتح. (وقد روى عن الشافعي بسنده أنه عليه السلام قال: لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم) ولقول ابن عباس: لا يدخل أحد مكة إلا محرما. والكافر لا يمكن إحرامه , فامتنع دخوله. وقال الماوردي في الحاوي: الكافر إن شرط عليه في عقد جزيته ألا يدخل مساجدنا , فليس له دخولها وإن لم يشترط عليه ذلك ففيه ثلاثة مذاهب أحدها: وهو مذهب الشافعي أنه يجوز لهم دخول مساجدنا بأذننا إلا الحرم , ومساجده , فلا يجوز لهم دخوله. والثاني. وهو قول أبي حنيفة أنه يجوز لهم دخول المساجد كلها في الحرم وغيره. والثالث: وهو قول مالك أنه يجوز لهم دخول الحرم ومساجده إلا المسجد الحرام خاصة. الخامس والخمسون: لو دخل الكافر خفية ومرض ومات في الحرم , نبش وأخرج منه ما لم يتقطع بخلاف غيره من البلاد. السادس والخمسون: يختص ذبح دماء الحيوانات في الحج والهدايا به , ويجب تفريقه على مساكين الحرم سواء الغرباء والقاطنون (والقاطنون) أولى , ولو ذبح في الحل لم يجزئه على الأظهر. وسواء في هذا كله دم التمتع والقران وسائر ما يجب بسبب في الحل والحرم , أو بسبب مباح كالحلق للآدمي أو

بسبب محرم , وأفضل الحرم للذبح في حق الحاج منى , وفي حق المعتمر المروة , لأنهما محل تحللهما. وكذا حكم ما يسوقانه من الهدي. السابع والخمسون: من قصد مكة لغير النسك – وكذلك من قصد الحرم كما قاله النووي ونقل اتفاق الأصحاب عليه – فإن كان لا يتكرر دخوله كالتاجر , والرسول والمكي العائد من سفره ففي وجوب إحرامه بنسك قولان, أظهرهما عند المسعودي وغيره , وجوبه للإطباق على فعله , وبه قال ابن عباس , وصححه النووي في نكت التنبيه , وقال في البيان إنه الأشهر , وأصحهما في الشرح الصغير للرافعي والمحرر والمنهاج ورجحه الشيخ أبو حامد وغيره – استحبابه , ومحل الخلاف في الوجوب , أما الترك فمتفق على كراهته , فإن أوجبناه فتركه , فقد قيل: لا قضاء عليه , لعدم إمكانه , فإنه لو خرج ليقضى ’ فعوده يقتضي إحراما جديدا فلا يمكنه تأدية القضاء لذلك وعلى هذا , لو كان صيادا , أو حطابا , وجب عليه ونسب ذلك في المهذب إلى صاحب التلخيص. وقيل: يجب القضاء , وطريقه , أن يتصور بصور المترددين الذين لا يلزمهم الإحرام للدخول كالحطابين. قال الإمام وهو في غاية البعد. قال صاحب التلخيص: وكل عبادة واجبة على المرء إذا تركها فإن عليه القضاء أو الكفارة إلا واحدة , وهي الإحرام لدخول مكة , فإنه واجب ومن تركه فلا قضاء عليه , ولا كفارة إلا في مسألة واحدة. قتلها تخريجا. وهو أن رجلا دخل مكة بغير إحرام ولم يكن

حطابا فلا قضاء عليه , وإن كان حطابا فعليه القضاء في القول الذي لا يوجب الإحرام على الحطابين انتهى. وإن كان يتكرر دخوله كالحطاب والصياد فقيل: بطرد القولين. والأصح القطع بأنه لا يجب لعظم المشقة. وقيل: يلزمهم كل سنة مرة هذا كله إذا كان الداخل غير مقاتل , فإن دخل مقاتلا أو خائفا من قتال باغ أو قاطع طريق , أو خائفا من ظالم لتعذر ظهوره بالنسك كما اتفق عام الفتح فلا يجب , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح , وعلى رأيه المغفر ولو كان محرما لم يلبسه. وقد كان خائفا من غدر الكفار وعد قبولهم للصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان. هكذا استدل به أصحابنا , وهو مردود ,لأن من خصائصه عليه السلام دخول مكة بغير إحرام , وإن قلنا بالوجوب على غيره كما ورد في كتاب النكاح , اللهم إلا أن يقال: الداخلون معه لم ينقل عنهم إحرام ولا أنه أمرهم به واستدل بعضهم بما روى مسلم عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام. دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: النفي , والإثبات , والتفصيل بين من هو داخل المواقيت. ومن هو قبلها , فمن قبلها لا يجاوزها إلا بإحرام ومن هو داخلها فله حكم أهل مكة , وهذا قول أبي حنيفة. والقولان الأولان للشافعي وأحمد. الثامن والخمسون: لا دم على المتمتع والقارن إذا كان من أهل مكة لقوله تعالى: ((ذلك لمن

لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)). وهل المراد من دون مرحلتين من مكة أو من الحرم؟ وجهان , أصحهما عند الرافعي الأول , وعند النووي الثاني , ويتأيد بما قاله الماوردي وغيره أن المراد بالمسجد الحرام في هذه الآية , الحرم كله. التاسع والخمسون: لا يجوز إحرام المقيم به بالحج إلا فيه , ولو أحرم خارجه كان مسيئا. الستون: إنه يجب قصده للحج والعمرة على المستطيع , ولا يجب ذلك في موضع آخر بالاتفاق وبهذا احتج الشيخ عز الدين لتفضيله على المدينة. قال , لأنه إذا كان للملك داران وأوجب على رعيته إتيان أحداهما دون الأخرى دل ذلك على أن اهتمامه بتلك أقوى. وأنها أرجح عنده من الأخرى. الحادي والستون: إن التلبية تستحب للمحرم في مساجد النسك , كالمسجد الحرام , ومسجد الخيف بمنى , ومسجد إبراهيم بعرفة , وأما غيرها فقولان , القديم , أنه لا يسن فيها حذرا من التشويش على المتعبدين بخلاف المساجد الثلاثة السابقة , فإنها معهودة فيها , والجديد. نعم. لعموم الأخبار.

الثاني والستون: كره مالك القران لأهل مكة. وهو الجمع بين الحج والعمرة , وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك للمكي , فإن فعل فعليه هدي. وقال: إن تمتع فلا شيء عليه , ففرق بين دم القران والتمتع. وقال ابن مسدى: تقر على أصول أبي حنيفة ومالك والشافعي أن المكي لا يجوز له أن يحرم إلا بحج مفرد , وهو مذهب جمهور العلماء إلا أن مالكا والشافعي وأحمد قالوا: إن تمتع أو قرن لزمه , ولا يلزمه لهادم بالنص. الثالث والستون: كره مالك لأهل مكة والمجاورين بها الاعتمار. وقال: يا أهل مكة , ليس عليكم عمرة , إنما عمرتكم الطواف بالبيت , وهو قول عطاء وطاوس بخلاف غيرهم من أهل الآفاق فإنها واجبة عليهم وحكى ذلك عن أحمد أيضا إلا أن أبا يعلى ابن الفراء من أصحابه تأول قول أحمد: لا عمرة على أهل مكة , فقال: يريد بذلك لا عمرة عليهم مع حجهم , لأنهم قد تقدم منهم فعلها في أثناء السنة في غير وقت الحج. قال ابن مسدي: وقول أحمد هو قول لأهل الأثر , ولم يكن أبو يعلى من الخائضين في غمار الآثار. والإكثار من العمرة مستحب عند الجمهور منهم الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل , وأهل الظاهر , ونقله ابن حزم عن علي بن أبي طالب وابن عمرو وابن عباس وأنس وعائشة ومن التابعين عكرمة وعطاء وطاوس ,

وكذلك قال ابن المنذر في الإشراف. وخالف مالك فقال: لا يعتمر في السنة إلا مرة واحدة , فإن اعتمر بعدها لزمته. نقله القرافي , في الذخيرة. وحكاه ابن حزم عن سعيد بن جبير , والحسن البصري , ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عام إلا مرة واحدة. قال في المحلي: ولا حجة فيه , وإنما يكره ما حض على تركه وهو أنه عليه السلام ما حج منذ هاجر إلا حجة واحدة , ولا اعتمر منذ هاجر إلا ثلاث عمر , وعمرة مع حجته , فيلزمهم أن يكرهوا الحج إلا مرة واحدة في العمر. قلت: وقد روى الترمذي عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل الهجرة , وحجة معها عمرة , لكن فيه ضعف , وفي الصحيح عن أنس: أنه عليه السلام اعتمر أربع عمر , إحداها في رجب وأنكرته عائشة. قال ابن العربي في العارضة: وإنكارها صحيح , وإنما هي عمرة الحديبية , المصدود عنها وعمرة القضاء , وعمرة الجعرانة , وعمرة مع حجة. قال ابن حزم: ويلزمهم أن يكرهوا العمرة إلا ثلاث مرات في العمر والدهر. وهو خلاف قولهم وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على العمرة , وأخبر أنها تكفر ما بينها وبين العمرة الثانية كما ثبت في الصحيحين , وفي السنن: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما تنفيان الفقر والهون كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة

والذهب. رواه الترمذي. وصححه وروى الدارقطني عن عائشة مرفوعا من مات حاجا أو معتمرا لم يعرض ولم يحاسب , وقيل له: ادخل الجنة. وكان علي يعتمر في كل شهر مرة. رواه سعيد بن منصور. واعتر ابن عمر في عام واحد عمرتين واعتمرت عائشة ثلاث مرات في عام واحد. رواها ابن حزم. وعن أنس: أنه أقام بمكة , فكان كلما جمم رأسه خرج. فاعتمر , رواه ابن حزم. قال المحب الطبري: يروى بالحاء المهملة: أي أسود وصلح للحلاق ويروي بالمعجمة من الجمة. انتهى. وصوابه الجيم , إذ المعجمة والمهملة إنما يذكران فيما يلتبس في الخط. وقد أفردت الكلام على التفضيل بين العمرة والطواف في جزء. الرابع والستون: مذهبنا أن مكة فتحت صلحا لا عنوة لكن دخلها صلى الله عليه وسلم للقتال خوفا من غدر أهلها. الخامس والستون: استحب السلف للقادم من مكة ألا يخرج منها حتى يختم القرآن جميعه لا سيما في الطواف وروى استحباب ذلك في المساجد الثلاثة التي تشد إليها

الرحال. قال ابراهيم النخعي: كان يعجبهم إ ذا قدموا مكة ألا يرجعوا حتى يختموا القرآن. رواه سعيد بن منصور. السادس والستون: يجب على من خرج من مكة – وإن يكن قد حج أو اعتمر. إلى مسافة تقصر فيها الصلاة مكيا أو غير مكيا – أن يطوف للوداع تعظيما للحرم على أصح الوجهين , وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفرن أحد جتى يكون آخر عهده بالبيت)) , هكذا قال الرافعي: وهو بناء على أنه ليس من المناسك وبه صرح النووي أيضا. لكن نص الشافعي في الأم على أنه من المناسك فيقتضي اختصاص الطواف بالخارج إلى وطنه حاجا كان أو معتمرا. السابع والستون: يستحب أن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد فإنه يحتسب له , ويثاب عليه ولو في لحظة , وينبغي أن يهتم بهذا. ولا يتغافل عنه لتحصل له فضيلة العاكفين فيه , إذ لا تحصل إلا بالنية , وكذلك يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم لذين يظلهم الله في ظله: ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)). الثامن والستون: يستحب التطيب لزيارة البيت لغير المحرم , ففي الصحيح عن عائشة: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله حين يريد أن يزور البيت)).

التاسع والستون: استحب جماعة من السلف استلام الحجر عند الخروج من البيت سواء كان عقب طواف أم لا. روى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير , وطاوس وابراهيم النخعي وغيرهم , وحكى ابن أبي زيد: في النوادر عن مالك في الموازية: أنه لا بأس به. السبعون: يستحب تطييب الكعبة قالت عائشة: لأن أطيب الكعبة أحب إلى من أن أهدي لها ذهبا أو فضة. وقالت: طيبوا البيت , فإن ذلك من تطهيره. تعني قوله: ((وطهر بيتي)). وخلّق ابن الزبير جوف الكعبة أجمع. وكره مالك وأحمد بن حنبل تخليقها أيام الحاج. وقد تقدم أنه لا يجوز أخذ شيء منه وأن من أراده للتبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه. الحادي والسبعون: إنها دار إسلام أبدا لا يتصور فيها خلافة. وهذا أحد التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح , أي من مكة , لأنها دار إسلام , وإنما تكون الهجرة من دار الحرب , وهذا يقتضي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دار إسلام , لا يتصور منها الهجرة , وقيل: بل معناه: لا هجرة بعد الفتح , فضلها كفضلها قبل الفتح. وفي صحيح

مسلم في كتاب العظمة والأهوال عن أبي سفيان عن جابر قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , ولكن في التحريش بينهم)). الثاني والسبعون: المحافظة على الموت بها فروى الدارقطني عن أحمد بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن هشام المروروذي. ثنا محمد بن الحسين. الهمداني. ثنا عائذ المكتب عن طاء بن أبي رباح عن عائشة مرفوعا: من مات في هذا الوجه من حاج أو معتمر لم يعرض ولم يحاسب , وقيل له: ادخل الجنة. ورواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث محمد بن إسحق عن حميد عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا , من خرج حاجا أو معتمرا , أو غازيا ثم مات في طريقه كتب الله له أجر الغازي والحاج والمعتمر إلى يوم القيامة , ورواه صاحب التذكرة والتبصرة من رواية محمد بن اسماعيل القرشي المدني. ثنا عبيد الله بن نافع عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: من مات بين الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه , ولا عذاب. ورواه الدارقطني من حديث حاطب. من مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة , وأخرج البزار في مسنده عن ابن جريج عن ابراهيم ابن أبي خداش عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نعم المقبرة

هذه)) قال ابن جريج: يعني مقبرة مكة. قال البزار: وهذا لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. وابراهيم بن أبي خداش رجل من أهل مكة لا يعلم حدث عنه إلا ابن جريج. الثالث والسبعون: اختلف السلف أيما أفضل البداءة بمكة أو المدينة؟ وهي مسألة عزيزة , وممن نص عليها , وحكى الخلاف فيها ابن أبي شيبة في مصنفه , والإمام أحمد في كتاب المناسك الكبير له. رواها ابن ناصر بإسناده إلى عبد الله ابن أحمد عن أبيه. قال في هذه المناسك سئل عمر عمن يبدأ بالمدينة قبل مكة؟ فذكر بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد قالوا: إذا أردت مكة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمكة , فإذا قضيت حجك فامرر بالمدينة إن شئت , وبإسناده عن ابراهيم النخعي ومجاهد: إذا أردت مكة , فاجعل كل شيء لها تبعا , وذكر بإسناده عن عدي بن ثابت أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبدءون بالمدينة إذا حجوا. يقولون: نهل من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه هذا الأثر أيضا عن وكيع عن اسرائيل عن جابر عن عدي بن ثابت به , ثم روى بإسناده عن علقمة والأسود وعمرو بن ميمون أنهم بدءوا بالمدينة قبل مكة. وقال الموفق بن قدامة الحنبلي: قال أحمد: وإذا حج الذي لم يحج قط – يعني من غير الشام , لا يأخذ على طريق المدينة , لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أخصر الطرق , ولا يتشاغل بغيره وممن نص على هذه المسألة أيضا الإمام أبو حنيفة وقال: الأحسن أن يبدأ بمكة , حكاه أبو الليث السمرقندي. وقال العبدي المالكي

في شرح الرسالة: أن المشي إلى المدية لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة, ومن بيت المقدس. الرابع والسبعون: انعقد الإجماع كما قال القاضي بن عياض وغيره – على أن أفضل بقع الأرض على الإطلاق المكان الذي ضم جسده صلى الله عليه وسلم وعلى أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض بعده. ثم اختلفوا في أيها أفضل؟ فذهب عمر وغيره من الصحابة إلى تفضيل المدينة , وهو قول مالك وأكثر المدنيين. وذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأكثر العلماء إلى تفضيل مكة. وبه قال ابن وهب وابن حبيب وأصبغ من المالكية. قال العبدري وهو مذهب أكثر الفقهاء , قال ابن حزم: روى القطع بتفضيل مكة على المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جابر وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن عدي , منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة. وهو قول جميع الصحابة أو جمهورهم. وقال ابن عبد البر: إنه روى عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي الدرداء وجابر قال: وحسبك بفضل مكة , أن فيها بيت الله الذي رضى الله بحط أوزار العباد بقصده في العمر مرة ولم يقبل من أحد صلاة إلا باستقبال جهته إذا قدر على التوجه إليها وهي قبلة المسلمين أحياء وأمواتا انتهى. والحجة فيه أحاديث , الأول – ما رواه النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته

بمكة يقول: لمكة: والله إنك لخير أرض الله , وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ماخرجت. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن حزم: سنده في غاية الصحة وأخرجه ابن حبان في الصحيح ورواه أحمد في مسنده ولفظه والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله. الثاني: مارواه النسائي أيضا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق الحزورة: يا مكة والله إنك لخير أرض الله وأحب البلاد إلى الله , ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. قال الدارقطني أصحاب الحديث يقولون: الحزورة بالتشديد. وقال اللغويون: هي الحزورة مخففا وقال ابن الأثير في النهاية: الحزورة موضع بمكة عند باب الحناطين , وهي بوزن قسورة. قال الشافعي: الناس يشددون الحزورة والحديبية. وهما مخففان. الثالث: مارواه الترمذي وصححه عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمكة: ما أطيبك وأحبك إلي؟!! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض. الحديث وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: لا. قال: بلدنا إلى آخره. ومن طريق أبي صالح عن جابر وابن عمر أنهما يشهدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الناس: أي بلد أعظم حرمة؟ فأجابوه بأنه مكة. وهذا إجماع من الصحابة بتقريره صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم

تضعيف الحسنات فيها وغير ذلك. ونحن لا ننكر فضل المدينة. كيف وقد ورد فيها ما ورد؟! ففي الصحيحين عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة. ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجابة بلا شك. وفي الصحيح أن الملائكة يحرسونها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وأنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لا بتيها , وأنه لا يصبر أحد على لأوائها إلا كنت له شفيعا يوم القيامة وهذه الأحاديث تدل على إثبات الفضيلة لا الأفضلية. واحتج من ذهب إلى تفضيل المدينة بأمور منها – أن الله تعالى بدأ بها في قوله: ((وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)). والمخرج الصدق: مكة. والمدخل الصدق: المدينة. والسلطان النصير: الأنصار. وكان القياس أن يبدأ بمكة , لأنه خرج منها قبل أن يدخل المدينة. ويأبى الله أن ينقل نبيه إلا إلى ما هو خير منه. والجواب أن البداءة بها في الذكر لا يعين أفضليتها , وإنما التقديم غايته الاهتمام. واهتمامه بأمر المدخل أعظم من المخرج. فإنه حاصل فيه. فلهذا بدأ به , ومنها ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. وتأولوه على أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة بمسجد مكة بدون الألف. قلت: وعندنا أن المراد إلا المسجد الحرام , فإنه أفضل من مسجدي , ويحتمل

إلا المسجد الحرام , فإن الصلاة فيهما سواء , فهذه ثلاث احتمالات , فلا يصار إلى شيء منها إلا بدليل خارجي. وهو معنا , فيتعين المصير إليه وهو حديث عبد الله بن الزبير: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام , وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة , رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وإسناده على شرط الصحيح , وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وشواهده الكثيرة. بمزيد بسط في الرابع والعشرين فلا يحتاج إلى إعادته , ومنها ما رواه الطبراني في معجمه الكبير والبخاري في تاريخه بإسنادهما عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المدينة خير من مكة. وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن الرداد. وقد تكلم فيه. قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن عدي: عامة روايته ليس محفوظة , وقال ابن عبد البر: هو حديث ضعيف لا يحتج به. وقيل: إنه موضوع. وقال الذهبي في ميزانه ليس هو , وقد صح في مكة خلافه ومنها ما رواه الحاكم في المستدرك من قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي , فأسكني في أحب البقاع إليك. وعنه جوابان , أحدهما أنه حديث لا يصح. قال ابن عبد البر في الاستذكار: لا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه وقال ابن حزم في كتاب الأحكام: وهو حديث لا يسند , وإنما هو مرسل. ورواه ابن وهب في موطئه من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن محمد بن اسماعيل عن سليمان بن بريدة أو غيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمره الله بالخروج قال: اللهم إنك أخرجتني

من أحب بلادك إلي فأسكني أحب البلاد إليك. قال فهذا مرسل. ومحمد بن الحسن بن زبالة ضعيف هالك. الثاني: على تقدير صحته: أنه أراد أحب البقاع إليك بعد مكة بدليل حديث النسائي السابق , إن مكة خير بلاد الله. وهذا التأويل متعين لتجتمع به الأحاديث. ولا تتضاد , ويدل له قوله في الحديث فأسكني في أحب البقاع إليك. وهذا المساق يدل في العرف على أن المراد به بعد مكة , فإن الإنسان لا يسأل ما أُخرج منه , فإنه قال: أخرجتني فأسكني فدل , على إرادة غير المخرج منه. وتكون مكة مسكوتا عنها في الحديث. قال الشيخ عز الدين في قواعده: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم , وإن صح فهو من المجاز من باب وصف المكان بصفة ما يقع فيه. ولا يقوم به قيام العرض بالجوهر كقوله: بلدة طيبة , وصفها بالطيب الذي هو صفة لهوائها. وكذلك الأرض المقدسة , فكذلك وصفه بكونه محبوبا هو وصف لما حصل فيه مما يحبه الله ورسوله. وهو إقامة رسول الله به وإرشاده أهله إلى ما بعث به. قال: وأحسن من هذا أن يكون المعنى أخرجتني من أحب البقاع إلي في أمر معاشي. فأسكني في أحب البقاع إليك في أمر معادي. قال: وهذا متجه ظاهر انتهى. ومنها: أن عمر قال لعبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة أنت القائل مكة خير من المدينة؟ فقال له عبد الله: هر حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال له عمر: لا أقول في حرم الله ولا في

بيته شيئا , قال ابن حزم. هذا حجة عليهم لا لهم , لأن عمر لم ينكر على عبد الله ما استدل به بل أقره على ذلك ونحن نوجدهم عن عمر تصريحا بأفضلية مكة. وهو ما رواه ابن وضاح عن حامد بن يحيى البلخي ثنا ابن عيينة عن زياد بن سعد أنا سليمان بن عتيق. سمعت عبد الله بن الزبير سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حزم: فهذا سند كالشمس في الصحة. وروى مثل ذلك عن ابن الزبير قال ابن مهدي: فهذان صاحبان: لا يعرف له مخالف من الصحابة. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: ومن نذر أن يعتكف في مسجد إيلياء , فاعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأ عنه. ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فاعتكف في المسجد الحرام أجزأ عنه , فهذا فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة , ومنها صح قوله صلى الله عليه وسلم. ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. وصح أنه عليه السلام قال: لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها. وبمجموع الحديثين ثبت أن المدينة خير الأرض , وهذا الاستدلال تبجح به بعض أهل العصر وادعى أنه القطعى في الباب , وهو مردود لأنه ليس المراد بكونها روضة من رياض الجنة أنها قطعة منها , بل العمل فيها موصل إلى الجنة. فلا يتلاقى مع الحديث الآخر , ولأنه ليس فيه إلا فضل هذه البقعة بخصوصها , وليس

الكلام إلا في مطلق المدينة خلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم , وقال الشيخ عز الدين فضلت مكة المدينة من وجوه. أحدها: وجوب قصدها للحج والعمرة وهما واجبان لا يقع مثلهما بالمدينة. الثاني: إن فضلت المدينة بإقامته صلى الله عليه وسلم فيها بعد النبوة (كانت مكة أفضل منها لأنه أقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة أو خمس عشرة سنة وأقام بالمدينة عشرا). الثالث: إن فضلت المدينة بكثرة الطارقين من عباد الله الصالحين. فمكة أكثر طارقا منها سيما من الأنبياء والمرسلين , آدم فمن دونه الذين حجوها. الرابع: التقبيل والاستلام ضرب من الاحترام وهما مختصان بالركنين اليمانيين. ولم يوجد مثل ذلك في المدينة. الخامس: أن الله تعالى: أوجب علينا استقبالها في الصلاة حيثما كنا. السادس: أن الله تعالى حرم استقبالها واستدبارها عند الحاجة. السابع: أن الله تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض. الثامن: أن الله تعالى بوأها لإبراهيم وابنه إسماعيل ومولدا لسيد المرسلين , صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

التاسع: أن الله جعلها حرما آمنا في الجاهلية والإسلام. العاشر: لا يدخلها أحد إلا بحج أو عمرة وجوبا أو ندبا. الحادي عشر: قال فيها عز وجل: ((إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)). الثاني عشر: أنه اغتسل لدخولها فهو مسنون قال ابن حزم: والمراد بمكة في قولنا: هي أفضل , الحرم كله وما وقع عليه اسم عرفات فقط , ويليها في الفضل المدينة يعني حرمها وحده ثم بيت المقدس يعني المسجد الأقصى وحده انتهى. الخامس والسبعون: إن الصلاة وإن كانت مكروهة في المقابر كما جاء في الحديث ونص عليه الفقهاء لكن يستثنى منه مقابر الأنبياء صلوات الله عليهم , وإن لم يصرح به الفقهاء. لأن الله تعالى عصم ذواتهم الشريفة عن أكل الأرض وإنما ذكرت هذا لأن البيهقي ذكر في مناقب أحمد بن حنبل – وهو كثير الفوائد – أن أحمد بن حنبل روى فقال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي

عن عبد الله بن عثمان عن خيم عن عبد الرحمن بن ساباط عن عبد اله بن ضمرة السلولي قال: ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سبعة وسبعين نبيا جاءوا حاجين فماتوا فقبروا هناك. قال أحمد بن حنبل: لم أسمع من يحيى بن سليم غير هذا الحديث الواحد انتهى. وقد اشتهر أن قبر اسماعيل وأمه في الحجر ومع ذلك فلم يقل أحد بكراهة الصلاة فيه بل فيه ما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل. وكذلك مسجد الخيف قال الطبراني: في معجمه حدثنا عبد الله بن أحمد. ثنا عيسى بن شاذان. ثنا أبوهمام الدلال ثنا إبراهيم بن طهمان عن منصور عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا. وقال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي مما وقع لي في تأملات الحج: السلام على قبور الأنبياء كآدم , ومن تبعه فقد روى أنه ما من نبي خرج بعد عذاب قومه إلا إلى مكة ودفن بها وأن بها مثين أو ألوفا من الأنبياء. السادس والسبعون: روى عن بعض السلف: أن الملك إذا نزل إلى الأرض في بعض أمور الله تعالى: فأول ما يأمره الله تعالى به زيارة البيت. فينقض من تحت العرش

محرما ملبيا حتى يستلم الحجر ثم يطوف بالبيت سبعا ويركض ركعتين ثم يغدو لحاجته بعد. السابع والسبعون: ذكر جماعة: أنه البيت المعمور الذي أقسم الله به. حكى ذلك عن ابن عباس والحسن , معمور بمن يطوف به , وعن محمد بن عباد بن جعفر أنه كان يستقبل الكعبة ويقول: واحد بيت ربي , ما أحسنه , وأجمله؟ هذا والله البيت المعمور. وقيل: هو البيت الذي بناه آدم أول ما نزل إلى الأرض فرفع إلى السماء أيام الطوفان يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. والملائكة تسمية الضراح بالضاد المعجمة. لأن ضرح عن الأرض إلى السماء , أي بعد عنها. وقال أبو الطفيل: سمعت عليا – وسئل عن البيت المعمور فقال: ذلك الضراح , بيت بحيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم القيامة. وقال الزمخشري في ربيع الأبرار: ويقال له: الضريح , ومن قال الضراح فهو اللحن الصراح وقيل: البيت المعمور في السماء الدنيا وقيل: في الرابعة. وقيل في السادسة. وقيل: في السابعة وقيل: غير ذلك. وقال أبونعيم الحافظ في مستخرجه على صحيح البخاري: حدثنا عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان. ثنا هدبة ثنا همام بن يحيى عن قتادة ثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله

عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك فلا يعودون إليه. قال: هذا الحديث علقه البخاري في باب ذكر الملائكة فقال: وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة: في البيت المعمور , ولم يزد. انتهى. فإن قيل: هذا مرسل , لأن ابن أبي حاتم ذكر في كتاب المراسيل عن ابن المديني وأبي زرعة وغيرهما أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة والجواب أن الصحيح ثبوت سماعه منه. وحكاه الدارقطني عن موسى بن هرون وغيره. ونص عليه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه. وهو ظاهر كلام البخاري. وشرط مسلم لإمكان لُقيّه. الثامن والسبعون: كونه بواد غير ذي زرع , والأرزاق من كل قطر تجلب إليه من قريب ومن بعيد. التاسع والسبعون: ذكر أبو القاسم العتقي من المالكية قال: سمعت أن الحرم يعرف بألا يجئ سيل من الحل فيدخل الحرم. قال ابن عطية في تفسيره وهذا , لأن الله تعالى جعله بربوة أو في حكمها ليكون أصون له. الثمانون: ذكر مكي وغيره أن الطير لا تعلوه وإن علاه طائر , فإنما ذلك لمرض

به يستشفى بالبيت. قال ابن عطية: وهذا عندي ضعيف والطير يعاين بعلوه , وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جداره. وتلك كانت من آياته انتهى. وليس في هذا ما ينافي كلام مكي. الحادي والثمانون: ما ذكره الناس قديما وحديثا أنه إذا عم المطر من جوانبه الأربع في العام الواحد أخصبت آفاق الأرض. وإن لم يصب جانبا منه لم يخصب ذلك الأفق الذي يليه ذلك العام. الثاني والثمانون: أمر الفيل ورمى طير الله عنه بحجارة السجيل , وكف الجبابرة عنه على وجه الدهر. الثالث والثمانون: ذكر ابن هشام في سيرته: أن الماء لم يصل إلى البيت المعظم حين الطوفان ولكنه قام حولها وبقيت هي في هواء السماء , وأن نوحا قال لأهل

السفينة – وهي تطوف بالبيت: إنكم في حرم الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة , وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدى بنو حام فدعا نوح أن يسود لون بنيه. وقيل في سبب دعوة نوح على حام غير هذا. وذكر يحيى بن سلام عن ابن عباس قال: أول من عاذ بالكعبة حوت صغير من حوت كبير فعاذ منه بالكعبة. وذلك أيام الطوفان. الرابع والثمانون: إنه لا يدخله أحد إلا متواضعا خاشعا متذللا مكشوف الرأس متجردا عن لباس الدنيا بخلاف غيره من البقاع. الخامس والثمانون: إنه سبحانه أقسم به في موضعين من كتابه فقال: ((وهذا البلد الأمين)) وقال: ((لا أقسم بهذا البلد)) أي أقسم , لأن لا في هذا الموضع عند النحويين صلة. السادس والثمانون: أنه سبحانه وتعالى أضافه لنفسه في قوله تعالى: ((وطهر بيتي للطائفين)) وناهيك بهذه الإضافة المنوهة بذكره المعظمة لشأنه , الرافعة لقدره – وهي السر في إقبال قلوب العالمين عليه وعكوفهم لديه:

أطوف به والنفس بعد مشوقة ... إليه وهل بعد الطواف تداني وألثم منه الركن أطلب بردما ... بقلبي من شوق ومن هيمان فو الله ما أزداد إلا ... صبابة ... ولا القلب إلا كثرة الخفقان فيا جنة المأوى ويا غاية المنى ... ويا منيتي من دون كل أماني أبت غلبات الشوق إلا تقربا ... إليك فما لي بالعباد يدان وماكان صدي عنك صد ملالة ... ولي شاهد من مقلتي ولساني دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا ... فلبى البكا والصبر عنك عصاني وقد زعموا أن المحب إذا نأى ... سبيلي هواه بعد طول زمان ولو كان هذا الزعم حقا لكان ذا ... دواء الهوى في الناس كل أوان يل إنه يبلى التصبر والهوى ... على حاله لم يبله الملوان وهذا محب قاده الشوق والهوى ... بغير زمام قائد وعنان أتاك على بعد المزار ولو ونت ... مطيته جاءت به القدمان السابع والثمانون: أنه سبحانه عطف القلوب والأفئدة إليه دون غيره من البلاد , فهي للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد. فهو أولى بقول القائل. محاسنة هيولى كل حسن ... ومغناطيس أفئدة الرجال ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابة للناس أي يثوبون إليه على تعاقب الأعوام

من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطرا بل كلما قربوا منه , ازدادوا شوقا. لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها ... حتى يعود إليها الطرف مشتاقا والسر في هذا التوقان دعاء الخليل صلى الله عليه وسلم في قوله: ((فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم)) وما يروى أن الله تعالى يلحظ الكعبة في كل عام لحظة في ليلة نصف شعبان فعند ذلك تحت إليها قلوب المؤمنين. وقيل: سبب الشوق أنه أخذ الميثاق من بني آدم ثم وهذا منزع إلى أن حب الوطن من الإيمان. الثامن والثمانون: روى في حديث: وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف , فإن نقصوا أكملهم الله بالملائكة. التاسع والثمانون: روى أن الكعبة تحشر كالعروس المزففة , ومن حجها تعلق بأستارها حتى تدخلهم الجنة. التسعون: أنها منذ خلقت ما خلت من طائف يطوف بها من جن أو إنس , أو ملك ,

وعن بعض السلف أنه خرج في يوم شديد الحر فرأى حية تطوف وحدها. ذكره ابن الصلاح. الحادي والتسعون: روى ابن حبان في صحيحه في حديث طويل مرفوعا: أن الحاج إذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وفي سنن سعيد بن منصور عن عمر أنه قال: من أتى هذا البيت لا ينتهزه غيري صلاة فيه , رجع كيوم ولدته أمه. الثاني والتسعون: أن أهلها يقال لهم: أهل الله. قال ابن أبي مليكة كان السلف يلقبونهم بذلك. وعنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما استعمل عتاب بن أسيد على مكة قال , أتدري , على ما استعملتك؟ استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا يقولها ثلاثا.

الثالث والتسعون: فضل مقبرتها – فعن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم قال لمقبرة مكة: نعم المقبرة هذه. أخرجه البزار. وقد سبق. وعن ابن مسعود قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثنية , ثنية المقبرة , وليس بها يومئذ مقبرة قال: يبعث الله عز وجل من هذه البقعة , أو من هذا الحرم كله سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر. قال أبو بكر ومن هم يا رسول الله؟ قال: هم الغرباء. الرابع والتسعون: تخصيصها بالمشاعر العظام كمنى , وفيها الآيات العظيمة كما سبق بيانه. الخامس والتسعون: تخصيصها بالحجر الأسود , وأنه يمين الله في الأرض , وفي فضائل مكة للجندي عن اسحق بن ابراهيم بن عبيد. ثنا ابراهيم بن الحكم. ثنا أبي. ثنا وهب بن منبه عن طاوس عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا ما طبع الله الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي

الظلمة والأثمة لا ستشفى به من كل عاهة ولألفاه الله كهيئته يوم خلقه الله , وإنما غيره الله بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة وأنزله ياقوتة من ياقوت الجنة بيضاء وضعه لآدم حيث أنزله في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة , والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل فيها شيء من المعاصي , وليس لها أهل ينجسونها ووضع لها صفا من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من جان الأرض , وسكانها يومئذ الجن , وليس ينبغي لهم أن ينظروا إليه , لأنه من الجنة ومن نظر إلى الجنة دخلها فهم على أطراف الحرم حيث أعلامهم اليوم يحدقون به من كل جانب بينه وبين الحرم. وفي مستدرك الحاكم وغيره شواهد تقويه , وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: إن الركن الأسود , والركن اليماني ياقوتتان من الجنة , ولولا ما طمس من نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب , وفي رواية غيره ولأبرءا من استلمهما من الخرس والجذام والبرص. وذكر الزبير بن بكار أن أبا قبيس كان يسمى الأمين – لأن الركن كان مودوعا فيه , وأنه نادى إبراهيم عليه السلام حين بلغ بالبناء إلى الركن , فأخبره أن الركن منه , ودله على موضعه

منه وزعم أبو طاهر القرمطي من الباطنية: أن للحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته , وأنه مغنطيس بني آدم. ورد القرطبي بقول عمر رضي الله عنه: إنك حجر لا تضر ولا تنفع الحديث. وقلع القرامطة الحجر والباب , وأصعدوا رجلا ليقلع الميزاب فتردى على رأسه إلى جهنم وبئس المصير , وأخذوا الباب , وأخذوا أسلاب مكة والحاج , وألقوا القتلى في زمزم وهلك تحت الحجر من مكة إلى الكوفة أربعون رجلا فعلقه لعنه الله على الإسطوانة السابعة من جامع الكوفة إلى الجانب الغربي ظنا منه أن الحج ينتقل إلى الكوفة قال ابن دحية , ثم حمل الحجر إلى هجر سنة سبع عشرة وثلثمائة. وبقى عند القرامطة اثنتين وعشرين سنة إلا شهرا , ثم رد لخمس خلون من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلثمائة. وكان محكم التركي بذل لهم في رده خمسي ألف دينار فلم يفعلوا. وقالوا: أخذناه بأمر , ولا نرده إلا بأمر. وقيل: إنهم باعوه من الخليفة المقتدر بثلاثين ألف دينار , ولما أرادوا تسليمه أشهدوا عليهم أنهم تسلموا الحجر الأسود. وقالوا لهم بعد الشهادة: يا من لا عقل لهم من أمن منكم أن هذا هو الحجر الأسود , ولعلنا أحضرنا حجرا أسودا من البرية عوضه , فسكت الناس , إذ كان فيهم عبد الله بن عكيم المحدث. فقال:

لنا في الحجر الأسود علامة. فإن كانت موجودة فهو , هو , وإن كانت معدومة فليس هو , ثم رفع حديثا غريبا: إن الحجر الأسود يطفو على وجه الماء , ولا يسخن بالنار إذا أوقدت عليه. فأحظر القرمطي طستا فيه ماء ووضع الحجر فيه فطفا على الماء , ثم أوقدت عليه النار فلم يسخن بها فمد عبد الله المحدث يده وأخذ الحجر وقبله. وقال: أشهد أنه الحجر الأسود. فتعجب القرمطي من ذلك وقال: هذا دين مضبوط بالنقل. وأرسل الحجر إلى مكة. قال ابن دحية: عبد الله بن عكيم هذا لا يعرف والحجر الأسود جلد لا تحلل فيه. والذي يطفو على الماء يكون فيه بعض التحلل كالجفاف وشبهه. قال وللحجر الأسود علامات غير ذلك , وعرضه وطوله معلوم عند جميع من ألف في أخبار مكة , ولا يمكن التدليس فيه , والنقطة البيضاء التي فيه من أكبر العلامات. السادس والتسعون: تخصيصها بماء زمزم الذي هو سيد المياه. وهو هزمة جبريل وهمزته بعقبه وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها مباركة. إنها طعام طعم (وتقوت أبو ذر الغفاري من مائها خاصة ثلاثين ليلة ويوما فسمن حتى تكسرت عكن بطنه وفي معجم الطبراني من طريق موسى بن هارون إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير ماء على

وجه الأرض ماءُ زمزم فيه طعام من الطعم]، وشفاء من السقم وشر ماءٍ على الأرض ماءٌ بوادي برهوت بحضرموت وعليه رجل الجراد من الهواء وفيه آيات بينات منها آنه يقتات به. ولهذا لا يجوز الاستنجاءُ به. ومنها أنه لما شرب له، وقد جاء ذلك من طريق صحيحة ذكرتها في الذهب الإبريز في تخريج أحاديث الفتح العزيز ومنها أن الله خصه بالملوحة ليكون الباعث عليه الملمح الإيماني، ولو جعله عذبا جدًا لغلب الطبع البشري، وبهذا يرد على أبي العلاء المعري قوله: لك الحمد أمواه البلاد بأسرها ... عذاب وخصت بالملوحة زمزم ومنها أن الله تعالى يعظم ماءها في الموسم ويكثر كثرة خارقة كعادة الآبار، ويحلو، وقد شاهدنا ذلك وغيرنا، ومنها أنه يروي: أن مياه الأرض العذبة ترفع قبل يوم القيامة غير زمزم، قال ابن شعبان: العين التي تلي الركن من زمزم من عيون الجنة.

السابع والتسعون: تخصيصها بمقام إبراهيم عليه السلام قال تعالى: فيه آيات بينات مقام إبراهيم. قال العلماء: وهو الحجر المعروف، وذلك أن إبراهيم عليه السلام قام عليه وقت رفعه القواعد من البيت لما طال به البناء فكلما علا الجدار ارتفع الحجر به في الهواء فما زال يبني وهو قائم عليه وإسماعيل يناوله الحجارة والطين حتى أكمل الجدار ثم إن الله تعالى لما أراد إبقاء ذلك آية للعالمين لين الحجر فغرقت فيه قدما إبراهيم عليه السلام كأنهما في طين فذلك الأثر العظيم باق في الحجر إلى اليوم، وقد نقلت كافة العرب ذلك في الجاهلية على مرور الأعصار، قال مجاهد وغيره أثر قدميه في المقام آية بينة. وقال أبو طالب: وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل وقد كان ملصقا بجدار البيت حتى اخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف، ولا يشوشون على المصلي عنده بعد الطواف وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث

ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {مقام إبراهيم} قال: الحرم كله مقام إبراهيم، وفي رواية: الحج كله مقام إبراهيم، ولعله الحجر كله مقام إبراهيم كما قاله مجاهد. الثامن والتسعون: إن من رأي الكعبة في المنام فهي رؤيا حق كما روى الطبراني في معجمه من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في منامه فقد رأني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ولا بالكعبة، وقال تفرد به عن عبد الرزاق محمد بن أبي السري العسقلاني قال: وهذه اللفظة ولا الكعبة، لا تحفظ إلا في هذا الحديث. التاسع والتسعون: لو نذر إتيان المسجد الحرام، لزمه، لحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد كما هو في الصحيحين وأصح الطريقين، أنه ينعقد نذره بحج أو عمره، ونص عليه الشافعي كما قاله القاضي الحسين لحديث أخت عقبة أنها نذرت أن تمشي إلى بيت الله فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمشي بحج أو عمرة، لأن مطلق كلام الناذرين محمول على ما ثبت له أصل في الشرع [كمن نذر أن يصلي يلزمه الصلاة المعهودة شرعًا

والمعهود في الشرع]، والعرف قصد المسجد الحرام بالحج والعمرة فيحمل نذره عليه، ولهذه الطريقة مأخذان. أحدهما: تنزيل مطلق النذر على أقل ما يجب بالشرع، وهو رأي الأقدمين من الأصحاب. والثاني: أنه لا يجوز دخول الكعبة بغير إحرام، وهو الأصح إلا فيما استثنى، لأن الإتيان لا يتصور إلا بالدخول، وهو ملتزم للإحرام، والطريقة الثانية تخريج قولين في انعقاد النذر بذلك تشبيها له بانعقاد النذر بالإتيان للمسجدين، ولا فرق بين أن يقول: إلى مكة أو الحرم، أو المسجد الحرام، او مسجد الخيف، أو مقام إبراهيم، أو يعين بقعة في الحرم، حتى دار أبي جهل لشمول حرمة الحرم ذلك بدليل تحريم تنفير الصيد فيه. وقال أبو حنيفة: إنما ينعقد نذره إذا قال: إلى بيت الله الحرام أو إلى الكعبة، أو إلى مقام إبراهيم، وقد أغرب الغزالي في الوجيز فقال: ولو قال: إلى مكة لم يلزمه شيء، حتى يقصد الحج، قال الرافعي، ولا وجه له، والمذكور في الكتب خلافه، وأقره ابن الرفعة في المطلب على ذلك. تمام المائة: ولو نذر إتيان بيت الله، ولم يقل: الحرام، فوجهان، أصحهما ونقله البندنيجي عن نصه في الأم، أنه لا ينعقد نذره إلا أن ينوي البيت الحرام لأن جميع المساجد بيت الله وعن المزني، لزومه، لأن إطلاق البيت ينصرف إليه دون غيره واختاره في المرشد

الأول بعد المائة: لو قال: لله على أن أستر الكعبة، أو أطيبها لزمه، لأنه عهد في الصدر الأول فدل على أنه مطلوب، واندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه، ولما فيه من التعظيم وعود النفع على الطائفين والقاطنين حوله، وعن ابن كج: أنه لا يجوز قصد كون الستر والطيب للكعبة بل ينبغي أن يجعله لعامة المسلمين ليتجملوا به. الثاني بعد المائة: لو نذر صلاة في الكعبة، جازت في أطراف المسجد الحرام، حكاه الإمام عن شيخه، وإن كان يقول: جاء في بعض الأخبار: صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، وصلاة في الكعبة تعدل مائة ألف صلاة في المسجد الحرام، وهذه الزيادة لم يصححها الأثبات فلا تعويل عليها، فيحكم بالتسوية كما لو عين زاوية في المسجد قلت: وظاهر كلام صاحب البيان أن الكعبة لا يقوم غيرها مقامها سواء عبر الناذر بلفظ الكعبة، أو البيت الحرام (فإنه قال في استقبال القبلة لما ذكر أن المراد بالمسجد الحرام في خبر المضاعفة الكعبة وما في الحجر من البيت قال: ولا فرق بين أن يقول عليه لله أن يصلي في المسجد الحرام أو في البيت الحرام) إذا ثبت أن البيت الحرام، إنما هو الكعبة، وكذلك المسجد الحرام نتهى، وظاهره أن التعبير بالمسجد الحرام كالتعبير بهما حتى

تتعين الكعبة أو ما في الحجر منها، فأما التعبير بالكعبة، أو بالبيت فالظاهر فيه ما قاله من التعبير وحينئذ فتكون المراتب أربعا، الكعبة ونحوها كالبيت، ثم المسجد الحرام ثم مسجد الكعبة، ثم الأقصى. الثالث بعد المائة: لو نذر أن يأتي عرفة، فإن نوى به الحج لزمه لاقتران النية بلفظ يحتمله، وإن لم ينو شيئا أصلا، لم يلزمه شيء لأن ذلك ليس بقربة، لأن عرفة من الحل، فنذر إتيانها من غير ملاحظة الوقوف كنذر إتيان سائر بقاع الحل، قاله الماوردي، ولو قيل: ينعقد نذره، كان مذهبا ويكون اللازم له الحج لاختصاص عرفة بالحج، لأن قصد عرفة يجب بالشرع فوجب بالنذر، ولا يطرد هذا فيما إذا نذر إتيان ميقات من المواقيت، لأنه لا يلزمه قصده شرعا لانعقاد الاحرام قبله، وهذا الاحتمال قد أجاب به القاضي حسين مرة، وقال مرة أخرى، إن خطر له شهود عرفة في يوم عرفة لزمه لما فيه من البركة، وهو ما حكاه الغزالي عنه أي بعد الزوال. إذ هو وقت القربة، قال الإمام: والذي قطع به أئمتنا في الطرق عدم اللزوم، وجوابا القاضي مخالفان لما قاله الأصحاب، نعم، قال القاضي في تعليقه: لو صرح في كلامه بإتيان عرفة يوم عرفة لزمه الحج، ونسبه الرافعي لابن أبي هريرة، وأن المتولي قيده بما إذا قال: عرفة بعد الزوال. الرابع بعد المائة: لو نذر النحر وحده بمكة لزمه النحر بها، ويفرق اللحم على مساكين

الحرم، ولو نذر ذلك في بلد آخر لم يتعين بل يذبح حيث شاء هذا هو أصح الوجهين. الخامس بعد المائة: لو نذر قصده لزمه الذهاب إليه بحج أو عمرة كما سبق بخلاف غيره، من المساجد فإنه لا يجب عليه الذهاب إذا نذره إلا مسجد المدينة، والمسجد الأقصى على قول. والأظهر أنه لا يجب بل يستحب. السادس بعد المائة: لو نذر الصلاة بمكان لم يتعين إلا المسجد الحرام إذ لا يقوم غيره مقامه لعظم فضله وتعلق النسك به، ولو عين حرم المدينة، أو المسجد الأقصى للصلاة فالأظهر في التحرير عدم التعيين والراجح عند الأكثرين وصححه النووي تعينها بدليل، لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث. السابع بعد المائة: لا خلاف أن من عليه خمسمائة صلاة منذورة فصلى في أحد المساجد الثلاثة صلاة أنها لا تسقد العدد الملتزم بالنذر، ولا خلاف أن من نذر الصلاة في مسجد مفضول من الثلاثة فصلى في أفضل منه أنه يجزئه عن نذره، وإن لم يكن الذي عينه والحاصل أن الأعلى يجزيء عن الأدني ولا عكس.

الثامن بعد المائة: قال القاضي أبو القاسم بن كج في كتاب التجريد: إذا نذر الاستسقاء في الصحراء، وعبارة الشافعي في المختصر، وأكثر الأصحاب مصلي العيد، وقد استثنى صاحب الخصال من قدماء أصحابنا، وهو أبو بكر الخفاف من أصحاب ابن سريج ما إذا كانوا بمكة أو بيت المقدس، فقال: ويخرجون إلى الجبانة إلا بمكة أو بيت المقدس انتهى، وهو حسن، وعليه عمل السلف والخلف. لفضل البقعة وسعتها. العاشر بعد المائة: أطلق أصحابنا، أن ما كثر جمعه من المساجد أفضل مما قل جمعه وقضيته: أنه لو أقيمت جماعة كثيرة بمكة أو المدينة، أو بيت المقدس في مسجد بها سوى المساجد الثلاثة أن يكون الذهاب إليه أفضل، وفيه نظر. وقد أطلق المتولي أن الجماعة فيها أفضل من الجماعة في سائر المساجد على ترتيبها في الفضل: قال: وليس تختص الفضيلة بالجماعة فيها بل الانفراد فيها أفضل من غيرها من المساجد أي مع الانفراد أيضًا.

الحادي عشر بعد المائة: اغتفر بعض المحققين من أصحابنا وغيرهم ذرق الحمام في الحرم، ولأجله اختار الروياني في الحلية طهارة بول ما يؤكل لحمه، قال: وعليه عمل أهل الحرمين، قال وهو الاختيار، قال: ولهذا لم ينزه الله منه أفضل البقاع وهو المسجد الحرام مع أمره بالتطهير في قوله، وطهر بيتي للطائفين. الاية، وأمر ألا ينفر عنه الحمام. الثاني عشر بعد المائة: من حفر بئرا في الحرم في موضع يمكله فسقط فيه الصيد ضمنه، نص عليه الشافعي في الأم كما نقله المرعشي في ترتيب الأقسام، قال وليس على من حفر بئرا في ملكه فسقط فيها ساقط ضمان، إلا في هذه المسألة. الثالث عشر بعد المائة: إذا سرق ستارة الكعبة، فنقل الحارث بن سريج النقال عن الشافعي: أن عليه القطع، قال: لأن نصبها حرزها، وهذا هو المذهب، وقال أبو حنيفة لا قطع فيها لأنها ليست ملكا لأحد، ولنا ان سارقا سرق قبطية، من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعه عثمان ولم ينكره أحد، فصار كالاجماع، ولأنها تراد للزينة، وما يراد لزينة المسجد يقطع به.

الرابع عشر بعد المائة: أن من أنكر مكة أو البيت: أو المسجد الحرام، أو صفة الحج، أو أنه ليس على هذه الهيئة المعروفة، أو قال لا أدري: أن هذه المسماة بمكة هي مكة أو غيرها، لا شك في تكفير قائله، قاله النووي في زوائد الروضة ناقلا له عن القاضي عياض وغيره. الخامس عشر بعد المائة: قال أبو الفتح بن برهان الأصولي في كتابه الأوسط: تقدم رواية أهل الحرمين على غيرهم لأنهم أعلم بحاله عليه السلام من أهل العراق وغيرهم ولذلك قال بعض المحدثين: إذا جاوز الحديث الحرمين انقطع نخاعه يعني مكة والمدينة. السادس عشر بعد المائة: إن الدجال لا يدخلها لما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة حافين يحرسونها.

السابع عشر بعد المائة: إن من حجه أو اعتمره لا يزال يزداد هيبة وتعظيماً وبراً كما أمرنا بالدعاء له في قولنا: وزد من عظمه ممن حجه أو اعتمره شريفاً وتعظيماً وبراً وهذا المعنى حسن لمن تأمله. الثامن عشر بعد المائة: كره جماعة من السلف اتخاذ الشجر بمكة حكى ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد طاوس. قال: لاينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة. التاسع عشر بعد المائة: إنه يستحب للصائم أن يفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء. قال المحب الطبري في شرح التنبيه: ومن كان بمكة استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته. ولو جمع بينه وبين التمر فحسن قال: والقصد بذلك ألا يدخل جوفه أولاً مامسته لنار , ويحتمل أن يراد هذا مع قصد الحلاوة تفاؤلاً بها. العشرون بعد المائة: قال المحاملي في اللباب: ومن دخل مكة , وأراد أن يصلي الضحى أول يوم اغتسل وصلاها كما فعل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة انتهى.

وهذا فيه نظر , لأن الاغتسال ذلك اليوم لم يكن للصلاة وتلك الصلاة إنما كانت للفتح. الحادي والعشرون بعد المائة: الابراد بالظهر يختص بالبلاد الحارة. وقد مثل الشافعي بالحجاز فقال في البويطى: فإذا كانت البلاد مؤذية الحر مثل الحجاز وبعض العراق أخرت الصلاة في شدة الحر انتهى لفظه. وفي الشامل: التمثيل بالحجاز أيضا ً. الثاني والعشرون بعد المائة: نقل النووي في شرح المهذب عن أصحابنا أنه يختلف قدر ما تزول عليه الشمس من الظل باختلاف الأزمان والبلاد. فأقصر ما يكون الظل عند الزوال في الصيف عند تناهي طول النهار وأطول ما يكون في الشتاء عند تناهي مضي النهار. ونقل القاضي أبو الطيب أن أبا جعفر الراسبي قال في كتاب المواقيت: إن عند انتهاء طول النهار في الصيف لا يكون بمكة ظل لشيء من الأشخاص عندالزوال , ستة وعشرون يوماً قبل انتهاء الطول , وستة وعشرون يوما بعد انتهائه , وفي هذه الأيام حتى لم ير للشخص ظل، فإن الشمس لم تزل , فإذا رأى الظل بعد ذلك , فإن الشمس قد زالت , وبقي أيام السنة , معرفة الزوال بمكة كمعرفته بغيرها. ونقل الشيخ أبو حامد

في تعليقه أنه إنما لايكون للإنسان فيء بمكة عند الزوال إلا يوماً واحداً في السنة لا غير انتهى. وقال ابن الصباغ تبقى الشمس سته وعشرين يوماً لايظهر للشخص فيء عند الاستواء بمكة لأنها في وسط الفلك فإذا ارتفعت الشمس لم يبق فيها شيء من له فيء حتى أن الشمس تنزل إلى قعر الآبار. قال القاضي أبو علي الفاروق. وهذا غلط ,لأن الشمس لو لم يظهر لها فيء كان ذلك لوقوفها. ولا يتصور وقوفها. فإنها لو وقفت لوقعت على ماقيل. ولكن يقل فيء الشخص تارة , ويكثر تارة. وسر هذا أنها لاتزال في السير إلا أنها تهبط في زمن الشتاء. وترتفع في الصيف ,فإذا ارتفعت قل الفيء ,وإذا هبطت طال وكثر , وأما عدم الفيء بالكلية فلا يتصور انتهى. وقال ابن يونس صاحب التعجيز في شرحه للوجيز: وربما لايبقى له ظل بمكة في سابع عشر حزيران فإنه أطول يوم في السنة. ومكة محاذية لقبة الفلك , فتقع في مسامتة الخوص فلا يبقى له ظل انتهى. الثالث والعشرون بعد المائة: روى أبو القاسم الطبراني في معجمه الأوسط من طريق عبدالله بن المؤمل. ثنا عبد الله بن عبدالرحمن بن محيص عن عطاء ابن أبي رباح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد, وقال:

لم يروه عن عطاء إلا ابن محيصن تفرد به عبدالله بن المؤمّل. قلت: ولى قضاء مكة، وروى عنه الشافعي قال أبو حاتم: ليس بالقوى وقال أبو داوود: منكر الحديث. الرابع والعشرون بعد المائة: روى الحافظ أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب بسنده إلى سفيان بن وكيع ثنا موسى بن عيسى الليثي عن زائدة عن سفيان عن محمد ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يسكن مكة سافك دم ولا مشانيهم قال: وهذا الحديث بهذا الإسناد رواه غير واحد عن سفيان بن وكيع. وقوله: لا يسكن بجزم النون على النهى أي لا ينبغي أن يسكن. ولو روى بعضها على الخبر لكان خبرا بخلاف مخبره. ولا يجوز ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الخامس والعشرون بعد المائة:

الباب الثاني فيما يتعلق بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمدينة

الباب الثاني فيما يتعلق بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمدينة

ذكر بناء المسجد

ذكر بناء المسجد قال الزهري: بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجده، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين. وكان مربدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار وكانا في حجر أسعد بن زرارة فسام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وكان جدارا ليس له سقف وقبلته إلى بيت المقدس. وبهذا احتج الحنفية على صحة التصرف من غير البالغ، وكان يصلي فيه ويجمع أسعد بن زرارة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه شجر غرقد، ونخل وقبور للمشركين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت، وبالنخيل والشجر فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع، ثم بنوه بالَّبن وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم، وينقل اللبن والحجارة بنفسه. ويقول: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة. فاغفر للأنصار والمهاجرة. وجعل قبلته من اللبن. وقيل: من حجارة وجعلها إلى بيت المقدس، وقال الحافظ الذهبي: هذه القبلة كانت في شمال المسجد، لأنه عليه السلام صلى سبعة

عشر شهرا إلى بيت المقدس، فلما حولت القبلة بقى حائط القبلة الأولى مكان أهل الصفة انتهى. وجعل له ثلاثة أبواب، بابا في مؤخره، وبابا يقال له: باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجعل عمده الجذوع، وسقفه بالجريد، وبنى بيوتا إلى جانبه ولما فرغ من بنائه بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد، وهو مكان حجرته اليوم. وقال الحافظ شمس الدين الذهبي في بلبل الروض: لم يبلغنا أنه عليه السلام بنى له تسعة أبيات حين بنى المسجد، ولا أحسبه بعد ذلك إنما كان يريد بيتا واحدا حينئذ لسودة أم المؤمنين، ثم لم يحتج لبيت آخر حتى بنى بعائشة في شوال سنة اثنتين، وكأنه عليه السلام بناها في أزمان مختلفة. وقال السهيلي: قال الحسن البصري كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام مراهق وأنال السقف بيدي. وكان لكل بيت حجرة، وكانت حجره من أكسية من شعر مربوطة في خشب، عرعر. وورد أن بابه كان يقرع بالأظافير أي لا حلق له، فلما توفي أزواجه خلطت البيوت والحجر بالمسجد في زمن عبدالملك بن مروان، وفي صحيح البخاري عن، ابن عمر قال: كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللَّبن. وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئا، وزاد فيه عمر

رضي الله عنه، وبناه على بنائه في عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان رضي الله عنه فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى حجارة بالحجارة المنقوشة والقصّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. وقال خارجة بن زيد. بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده سبعين ذراعا في ستين ذراعا أو يزيد. قال أهل السير: جعل عثمان طول المسجد مائة وستين ذراعا. وعرضه مائه وخمسين، وجعل أبوابه ستة كما كانت في زمن عمر، ثم زاد فيه الوليد بن عبدالملك فجعل طوله مائتي ذراع. وعرضه في مقدمه مائتين وفي مؤخره مائة وثمانين، ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهات الثلاث. قال النووي رحمه الله: فينبغي الاعتناء بما كان في عهده صلى الله عليه وسلم. فإن الحديث الوارد في فضل الصلاة في مسجده، إنما يتناول ما كان في زمنه، وسيأتي بيانه.

تبيين حدود حرم المدينة

تبيين حدود حرم المدينة عن أبي هريرة قال: حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء ترتع بين لابتيها ما ذعرتها. وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى. رواه مسلم. وفي لفظ للبخاري عنه مرفوعا. حرم ما بين لابتي المدينة على لساني. قال أبو عوانة في صحيحه المخرج على مسلم. قال مالك: المدينة بريد في بريد واللابتان من الحجر، وهما الحرتان. وفي الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها. الحديث. وفي مسند البزار من حديث يعلى بن عبيد ثنا أبو بكر، وهو المفضل. عن جابر قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بريدا من نواحيها. قال: والمفضل بن مُبَشّر روى عنه يعلى بن عبيد ومروان ابن معاوية. وزياد بن عبدالله وهو صالح الحديث، وأخرج أيضا عن سليمان بن كنانة قال: حدثني عبدالله بن أبي سقيان عن عدي بن زيد، وكانت له صحبة قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من

المدينة بريدا في بريد لا يُخبط شجره، ولا يُعضد، وعن علي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور. رواه البخاري، وفي رواية له ما بين عائر إلى كذا. وفي رواية لمسلم ما بين عير إلى ثور، وقد استشكل هذه الرواية جماعة. وقالوا: ليس بالمدينة ثور إنما هو بمكة، ولهذا جاء في أكثر روايات البخاري من كذا، إلى كذا. وفي بعضها من عائر إل كذا، ولم يبين النهاية. فكأنه يرى أن ذكر ثور وهم فأسقطه. ونقل مثل ذلك عن مصعب الزبيري وأَبى عبيد وقرره الحافظ أبو بكر الحازمي وغيرهم قال أبو عبيد. كان الحديث من عير إلى أحد. وهكذا رواه الزبير بن بكار من حديث عبدالله بن سلام مرفوعا. وقا الحافظ الحازمي في كتابه - المؤتلف في أسماء الأماكن، في الحديث حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عير إلى أُحد. هذه الراوية صحيحة. وقيل إلى ثور، وليس له معنى انتهى. وقال النووي: يحتمل أن يكون ثور كان اسما لجبل هناك إما أُحد أو غيره ثم خفى اسمه انتهى. ولما ذكر ياقوت قول عياض قال بعضهم: ليس بالمدينة ولا على مقربة منها جبل يعرف بأحد هذين الاسمين. قال: قلت أنا: هذا وهم. فإن عيرا جبل مشهور بالمدينة انتهى. وقال ابن السِّيد في المثلث: غير اسم جبل بقرب المدينة. وهو بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف. وذكر الإمام أبو محمد عبدالسلام بن مزروع البصري: أنه لما خرج رسولا من صاحب المدينة إلى

العراق كان معه دليل يذكر له الأماكن والأَجبل فلما وصلا إلى أُحد إذا بقربه جبل صغير فسأله: ما اسم هذا الجبل؟ قال: هذا يسمى ثورا انتهى. قال شيخنا: وسمعت الشيخ محمدا أبا المليحي يقول: إن المحب الطبري قال: ثور جبل بالمدينة رأيته غير مرة وحددته انتهى. وقال المطري: بل خلف جبل اُحد من شماليه تحته جبل صغير مدور يسمى ثورا، يعرفه أهل المدينة خلف عن سلف. ووعرة شرقية وهما حد الحرم كما نقل. وقال الموفق بن قدامة يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد قدر ما بين ثور وعير اللذين بمكة شرفها الله تعالى أو يحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماهما عيرا وثورا تجوزا. وقال أبو العباس بن تيمية، عير جبل عند الميقات يشبه العير وهو الحمار، وثور هو جبل من ناحية أُحد وهو جبل ثور الذي بمكة انتهى. وقال بعض المتأخرين: لا ينبغي الإقدام على توهيم الرواة بمجرد عدم العرفان، فإن كثيرا من الأسماء تتغير أو تنسى أسماؤها أو لا يعلمها كثير من الناس باعتبار تطاول الأزمنة، ألا ترى الحديث المشهور في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحُليفة وهي ميقات إحرام المدينة ثم نسى هذا الاسم الآن وبقى مشهورا ببئر على، وكذلك بمكة، قزح جبل صغير آخر مزدلفة، وهو يتعلق به نسك عظيم، وهو لا يكاد يعرف هناك، ولا يعرفه كثير من أهل مكة ولقد حرصت على ذلك

فلم أجد من يعرفه بل وما هو أشهر منه، وهو الأبطح. سألت هناك فلم أخبر عنه. وكذلك المأزمان ووادي محسِّر وغيره، فإذا جهل هذا مع تكرر الناس إليه وتعلق المناسك به مع تطاول الأزمنه فما ظنك بغيره، وأَيضا فقد يكون للشئ اسمان أو أكثر فيعرف بأحدهما ويشتهر به دون الآخر، فيذكر في الحديث بأحد اسميه كما يقال: قزح، والمشعر الحرام، وهو شيء واحد، وكما يقال: مزدلفة والمحصب والأبطح وكما يقال: ألال وجبل عرفات.

ذكر ما جاء في خراب المدينة

ذكر ما جاء في خراب المدينة روى البخاري ومسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافى. يريد عوافى السباع والطير، ثم يخرج راعيان من مُزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرَّا على وجوههما. هذا لفظ مسلم. وقال البخاري فيه: وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة. ح، وفي لفظ مسلم ليتركنَّها أهلها على خير ما كانت مذلَّلة للعوافى. ينعقان بكسر العين أي يصيحان ويجدانها وحشا أي ذات وحوش كما في رواية البخاري. وقيل خالية ليس بها أحد. وقيل: إن غنمهما تصير وحشا إما بقلب ذاتها أو تتوحش فينفر من أصواتها وأنكره القاضي والنووي. وقالا: إن الضمير في يجدانها عائد إلى المدينة لا إلى الغنم. وقد اختلف الناس متى يكون ذلك فقال القاضي عياض: إن هذا جرى في العصر الأول وإنه من المعجزات، فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت في الدين والدنيا أما الدين فلكثرة العلماء بها. وأما الدنيا فلعمارتها. واتساع حال أهلها. قال: وذكر

الأخباريون في بعض الفتن التي جرت بالمدينة، وخاف أهلها: أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت ثمارها للعوافى. وخلت مدة، ثم تراجع الناس إليها. قال وحالها اليوم قريب من هذا. وقد خربت أطرافها. وقال النووي: الظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة، ويوضحه قصة الراعيين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة. وهما آخر من يحشر كما ثبت في صحيح البخاري قلت: روى الترمذي من حديث جناده بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة. وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جُناده عن هشام، قال: وتعجب محمد بن إسماعيل البخاري من هذا الحديث وأخرجه البزار في مسنده. وقال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. ولا نعلم حدث به عن هشام إلا جُناده ولم نسمعه. إلا من سلمة بن جُناده عن أبيه.

ذكر أسمائه

ذكر أسمائه الأول: وهو المشهور، المدينة قال تعالى: ((ما كان لأهل المدينة)). ((ومن أهل المدينة)) وهي إذا أُطلقت أُريد بها دار الهجرة التي فيها بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنبره وقبره. ثم قال قطرب وابن فارس: وغيرهما إنها مشتقة من دان إذا أطاع. والدين: الطاعة، فتكون الميم على هذا زائدة، وقيل: من مَدَن بالمكان إذا أقام به فتكون الميم أصلية. وجمعها مدن بضم الدال وإسكانها، ومدائن بالهمزة وتركه. وترك الهمزة أفصح، وبه جاءَ القرآن. وعن الفارسي: المدينة فعيلة. والمدينة، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم غلب عليها تفخيما، وإذا نسبت إلى المدينة فالرجل والثوب مَدَني والطير مَدِيني قال سيبويه، وأما قولهم: مدايني فإنهم جعلوا البناءَ اسما للبلد، وقال ابن دحية في خصائص الأعضاء النسب إليها مديني وإلى مدينة أَبي جعفر المنصور وهي بغداد مدني لأن الميم فيها أصلية والياءُ زائدة.

الثاني: طابة. وفي الصحيح: أن الله سمى المدينة طابة. الثالث: طيبة سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما إما من الطيب وهي الرائحة الحسنة، والطاب والطيب لغتان بمعنى. قال ابن بطال: من سكنها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة والعجونات من الطيب مها أَحَدُ رائحة من غيرها، وإما من الطيب بفتح الطاء وتشديد الياء. وهو الظاهر لخلوصها من الشرك، وطهارتها، وإما من طيب العيش بها، أقوال. الرابع: طيّبة بتشديد الياء. الخامس: المطيَّبة. السادس: المحبَّبة، ومعناه عين معنى المحبة. حكى هذه الثلاثة ابن برى عن ابن خالويه. السابع: الدار. قال تعالى: ((والذين تبوءوا الدار)). لا خلاف أنها المدينة لأن الاستقرار فيها. الثامن: المسكينة. ذكر ابن زبالة بإسناده عن كعب قال: نجد في كتاب الله الذي نزل على موسى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال للمدينة: يا طيبة يا طابة. يا مسكينة لا تقبلي الكنوز أرفعُ أَجاجيرك على أجاجير القرى وهما إما من السكينة أو المسكنة.

التاسع: جابرة. العاشر: المجبورة. الحادي عشر: المرحومة. الثاني عشر: العذراءُ، قاله ابن سيده في المحكم. قال: وأراها سميت بذلك. لأنها لم تنل بمكروه، ولا أصيب سكانها بأذاة عدو. الثالث عشر: الهذراءُ. الرابع عشر: المحبة ذكره أبو عبيد البكرى. الخامس عشر: المحبوبة. السادس عشر: القاصمة، لأنها قصمت الجبابرة. السابع عشر: الحبيبة، حكاه ابن خالويه. الثامن عشر: مدخل صدق. هو المدينة في قول أكثر المفسرين. التاسع عشر: حسنة في قوله تعالى: ((لنُبَوئنهم في الدنيا حسنةً)) قيل هي المدينة. العشرون: دار السنة. الحادي والعشرون: دار الهجرة. الثاني والعشرون: البلاط، ذكره ابن خالويه في: كتاب ليس. الثالث عشرون: الإيمان. قال ابن أبي خيثمة. الإيمان من أسمائها. ذكره ابن دحية.

الرابع والعشرون:، والخامس والعشرون، والسادس والعشرون يندر ويندد ذكرهما البكرى أيضا وزاد كراع في المنتخب له في أسمائها، البَحرة، والبُحيرة تصغير بحرة لا بحر .. قال عبد العزيز بن محمد. وبلغني أن لها في التوراة أربعين اسما، وأما تسميتها بيثرب، ففي معجم البكرى: سميت بيثرب بن وائل من بني إرم بن سام بن نوح، لأنه أول من نزلها، وقال ابن دقيق العيد في شرح الإمام: اختلفوا في يثرب. هل هو اسم يرادف المدينة، أو هو اسم لقطر محدود، والمدينة في ناحيه منه؟ وعن أبي عبيد: يثرب اسم أرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها. وقال المارودي في يثرب وجهان، أحدهما: المدينة حكاه ابن عباس. والثاني: أن المدينة في ناحية من يثرب قاله أبو عبيدة. وفي الكشاف: يثرب اسم للمدينة. وقيل أرض وقعت المدينة في ناحية منها. وكذا قال ابن عطية: يثرب قطر محدود، المدينة في طرف منه. وسميت في القرآن بذلك حكاية عن قول من قالها من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وقد جاء النهي عن تسميتها بذلك، لأنه مأخوذ من الثَّرب. وهو الفساد. أو من التثريب. وهو التوبيخ والملامة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الإسم الخبيث، وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث البراءِ بن عزاب رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله. هي طابة. وذكر ابن عبد البر بإسناد فيه عثمان بن حفص عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: يثرب فليقل: المدينة. قال ابن القطان: وعثمان لا يعرف حاله، وإنما أَعرف هذا موقوفا على سعد متصل الإسناد إليه وساقه من جهة العقيلي كذلك بلفظ: من قال: يثرب مائة مرة، فليقل: المدينة عشر مرات انتهى. وفي تاريخ البخاري في ذكر عثمان بن حفص عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم. من قال: يثرب مرة، فليقل: المدينة عشرا، ولا يتابع هذا ولا أدري هذا هو الأول أو هو عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي هذا كلام البخاري وقال ابن بطال. وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال يثرب فكفارته أن يقول: المدينة عشر مرات. وقال أبو عبيدة يثرب اسم أرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها.

هل المدينة حجازية أو شامية

هل المدينة حجازية أو شامية قال الشيخ أبو زكرياءِ النووي في فتاويه: مدينه النبي صلى الله عليه وسلم ليست يمانية ولا شامية بل هي حجازية، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء انتهى. وما حكاه من الاتفاق على أنها الاتفاق على أنها ليس يمانية عجيب، فقد نص الشافعي على أنها يمانية حكاه البيهقي في المعرفة في الكلام على الأَذان للصبح قبل الفجر، ولفظه: قال الشافعي: ومكة والمدينة يمانيتان، وفي مسند الشافعي: أخبرنا عمي محمد بن علي بن العباس عن الحسن بن القاسم الأَزرق قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ثَنِيّةِ تبوك فقال: ما ههنا شام، وأشار بيده إلى الشام، ومن ههنا يمن وأشار بيده إلى جهة المدينة. قال ابن الأثير في شرحه: الغرض من هذا الحديث بيان حد الشام واليمن. وقد جعل المدينة من اليمن. ثم قال: في جهة الشام ما ههنا، ومن جهة اليمن من هنا، وبينها فرق وذلك، أن قوله من ههنا يفيد أن ابتداءَ اليمن من هذه البقعة. وقوله: ما ههنا أشار إلى أن هذه البقعة من الشام، وإن لم يتعرض إلى أنها ابتداءُ الشام أَولا. انتهى كلام ابن الأَثير.

ذكر ما جاء في عالم المدينة

ذكر ما جاء في عالم المدينة روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج (عن أبي الزناد) عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضربون أكباد الإبل ويطلبون العلم. فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة. قال النسائي: قوله: أبو الزناد خطأ: إنما هو الزبير. قلت: وهكذا أخرجه البزار في مسنده على الصواب من جهة سفيان أيضا عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح به. وقال البزار: لم يَروِ ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح غير هذا الحديث، وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب العلم عن سفيان عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة. وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. وقد كان ابن عيينة ربما عقله رواية، ثم ساقه من هذه الطريق أيضا. وقال: عن أبي هريرة رواية يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل. الحديث. قال: وليس هذا مما يوهن الحديث، فإن الحميدي هو الحكم في حديثه لمعرفته. ثم ذكر ملازمته له وقد كان ابن عيينة يقول: نرى هذا العالم مالك بن أنس

انتهى. وفيما حكاه عن سفيان نظرٌ فإن ابن حبان في صحيحه أخرجه من جهة إسحق بن موسى الأنصاري قال: سأَلت سفيان بن عيينة وهو جالس مستقبل الحجر الأسود. فأخبرني عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة، فذكر الحديث. قال ابن موسى بلغني عن ابن جريج أنه كان يقول: نرى أنه مالك بن أَنس فذكرت ذلك لسفيان بن عيينة. فقال: إنما العالم من يخشى الله. ولا يعلم أَحدا كان أخشى لله من العمري يريد به عبدالله بن عبد العزيز انتهى. وأخرجه الترمذي في جامعه أيضا. وقال حسن، ووهم عبد الحق في أحكامه فنقل عن الترمذي: أنه صححه أيضا. وتكلم ابن حزم في هذا الحديث. وقال أبو الزبير مدلس ولم يصرح بالتحديث. ومع ذلك فإنه لم يتعين هذا في مالك لأنه كان في عصره ابن أبي ذئب، وعبد العزيز الماجشون، وسفيان الثوري، والليث، والأوزاعي، وهؤلاء لا يفضل مالك على واحد منهم. وقد كان بالمدينة من هو أجل من مالك مثل سعيد بن المسيب، فهذا الحديث أَولى به. وقد قال سفيان بن عيينة: لو سئل أَي الناس أَعلم؟ لقالوا: سفيان، يعني الثوري. وقد ضربت آباط الإبل أيام عمر في طلب العلم حقا الذي هو العلم بالحقيقة وهو القرآن والسنن، ولم يكن على وجه الأَرض أَحد أَعلم من عمر. قال

ابن حزم: وإن صح هذا الحديث بهذه الصفة إنما يكون إذا قرب قيام الساعة، وأرَز الإيمان إلى المدينة وغلب الدجال على الأرض حاشا مكة والمدينة. فحينئذ يكون ذلك، وأما نحن الآن فلم تات صفة ذلك الحديث، لأن الفقه انقطع من المدينة جملة واستقر في الآفاق قال: وهذا ظاهر انتهى. وهذا الكلام لا يخلو عن نزاع.

ما جاء أن المدينة أقل الأرض مطرا

ما جاء أن المدينة أقل الأرض مطراً قال الشافعي رضي الله عنه في الأُم: أخبرني نت لا أتهم قال: أخبرني إسحق بن عبد الله عن الأسود عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المدينة بين عيني السماءِ عين بالشام، وعين باليمن، وهي أقل الأرض مطرا. قال وأَخبرني من لا أتهم قال: أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد الملك الهاشمي أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُسكنت أَقل الأَرض مطرا وهي بين عيني السماءِ، عين بالشام، وعين باليمن. أخبرني من لا أتهم قال: حدثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: يوشك أن تمطر المدينة مطرا لا يُكنُّ أَهلها البيوت، ولا يكنهم إلا مظالّ الشعر. ثم روى عن صفوان ابن سليم مرفوعا نحوه. أَخبرنا سفيان بن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: جاءَ مكة مرة سيل طبّق ما بين الجبلين، وروى الشافعي أَيضا عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: توشك المدينة أن يصيبها مطر أربعين ليلة لا يُكنُّ أَهلها بيت من مدر.

ذكر جملة من الخصائص والأحكام والفضائل

ذكر جملة من الخصائص والأحكام والفضائل الأول: أَنشأ أَصل مسجدها على يد سيد المرسلين المهاجرون الأَولون والأَنصار المتقدمون خيار هذه الأُمة، وفي ذلك من مزيد الشرف على غيره مالا يخفى، واشتمالها على بقعة هي أفضل بقاع الأَرض بالإجماع، وهو الموضع الذي ضم أَعضاءَ النبي صلى الله عليه وسلم. حكى الإجماع القاضي عياض وغيره، وفي ذلك قال بعضهم. جزم الجميع بأَن خير الأَرض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها ونعم. لقد صدقوا بساكنها علت ... كالنفس حين زكت زكى ماواها وحكمة التفضيل المجاورة، كما قيل: للمجاورة تاثير. ولهذا يحرم على المحدِث مس جلد المصحف. قال القرافي: ولما خفي هذا المعنى على بعض الفضلاءِ أَنكر الإِجماع في ذلك، وقال: التفضيل إنما هو بكثرة الثواب على الأعمال، والعمل على قبره صلى الله عليه وسلم محرم، وإذا تعذر

الثواب هنالك على عمل العامل مع أَن التفضيل إِنما يكون باعتباره. كيف يحكى الإِجماع في أفضلية تلك البقعة على سائر البقاع؟ انتهى. ولم يعلم أن أسباب التفضيل أعم من الثواب، والإِجماع منعقد على التفضيل بهذا الوجه لا بكثرة الثواب على الأعمال، ويلزم اَلا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أَفضل من غيره لتعذر العمل فيه، وهو خرق للإجماع. الثاني: تحريم صيدها وشجرها على الحلال والمُحرم كمكة خلافا لأَبي حنيفة. لنا قوله: صلى الله عليه وسلم. إن إبراهيم حرم مكة. وإني حرمت المدينة، (ما بين لابتيها لا يقطع عضاها. ولا يصاد صيدها) رواه مسلم. وقوله لا يقطع عضاها ... وروى أَبو عوانة في صحيحه عن شُرحبيل ابن سعد قال: أَتانا زيد بن ثابت ونحن غلمان ننصب فخاخا للطير فطردنا وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ... عن صيد المدينة وأَما حديث: يا أبا عُمَير ما فَعَل النُّفير؟ فيحتمل أَن يكون قبل تحريم المدينة، لكن مكة يضمن صيدها وشجرها، وفي ضمان المدينة قولان للشافعي، الجديد

عدم الضمان، وهو قول مالك لحديث يا أبا عمير ما فعل النفير؟ وعن سلمة بن الأكوع: أنه كان يصيد الوحش ويهدى من لحمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال له: أَما إِنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إِذا ذهبت، وتلقيتك إذا جئت، فإني أُحب العقيق. ذكره الشيخ تقي الدين القشيري في الإمام من جهة موسى بن محمد بن إبراهيم قال البيهقي: وموسى هذا، كان يحيى بن معين يضعفه. والظاهر أن هذا كان قبل التحريم، وروى الطبراني في الأَوسط من حديث سعيد بن أبي مريم نا عبد الله بن عمر قال حدثني صاحب مولى زيد بن ثابت قال: دخل عليّ زيد بن ثابت، وأنا بالأسواف وقد أعطلت ريشا فأخذ بأُذني ثم لكَمَ في قفاي. وقال: أتصيد ههنا. وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها؟ والقديم الضمان: لما روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه: أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلاما يخبط شجرا أو يقطعه فسلبه، فلما رجع سعد جاءَ أهل الغلام فكلموه أن يرد ما أَخذ من غلامه. فقال معاذ الله أن أَرد شيئا نَفَّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرده عليهم، قال النووي في شرحي المهذب ومسلم وتصحيح التنبيه: وهذا القول هو المختار فإن فيه حديثا صحيحا يعني ما ذكرناه وقال ابن المنذر: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخذ سَلَب القاتل،

وقاطع الشجرة، ولكن لم يقل به أحد إلا ابن أبي ليلى والشافعي في القديم، وهو المختار، وعمل به سعد بن أبي وقاص، وإذا قلنا به وقيل كضمان مكة، فالأصح أنه يسلب الصائد والقاطع، وعلى هذا ففي المراد بالسَّلب وجهان، أَحدهما أَنه ثيابه فقط، وأصحهما أنه كسلب القتيل، فيدخل فيه فرسه وسلاحه، وهل هو للسالب، أو لمساكين المدينة، أو لبيت المال؟ ثلاثة أوجه، أصحها الأَول، لحديث سعد، وقوله: طُعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سلب أخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة على الأصح، ويسلب بمجرد الاصطياد سواءٌ أَتلف، أم لا. نعم. يستثنى علف البهائم. ففي صحيح مسلم: ولا يخبط فيها شجر إلا لعلْف، وهو بإسكان اللام مصدر علف علفا، وأَما المفتوحة فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها. الثالث: يحرم نقل تراب المدينة أَو أَحجاره إِلى الخارج عن حرم المدينة، ولا يجوز أَخذ الأكر والأَباريق المعمولة من ترابها. جزم به النووي في شرح المهذب، وحكى في حرم مكة خلافا في تحريمه أَو كراهته، وتردد فيه كلامه. وقد سبقت المسألة. الرابع: يستحب المجاورة بالمدينة لما يحصل في ذلك من نيل الدرجات، ومزيد الكرامات، ويأتي فيها الخلاف السابق في المجاورة بمكة ذكره النووي في

شرح مسلم فإنه نصب الخلاف في البلدين، والظاهر أَن الخلاف ههنا يضعف لكثرة ما ورد من الترغيب ههنا، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وأَبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: من صبر على لاواءِ المدينة وشدتها، كنت له شهيدا أَو شفيعا يوم القيامة. الخامس: أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تربو على الصلاة في غيره بأَلف صلاة على ما سبق تفصيله ففي الصحيحين من حديث أَبي هريرة: صلاة في مسجدي هذا أَفضل من أَلف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام قال النووي: وهذا التفضيل يعم الفرض والنفل كمكة. هكذا قال في شرح مسلم. وذكر في شرح المهذب، والتحقيق أَن صلاة النفل في بيته أَفضل من المسجد وأَن حرم المدينة ليس كمسجدها في المضاعفة، وقد سبق الكلام عليه مبسوطا في الباب الأَول. قال: والصلاة في مسجد المدينة تزيد على فضيلة الأَلف فيما سواه إلا المسجد الحرام، لا أنها معادلة للأَلف بل زائدة عليه كما صرحت به الأَحاديث الصحيحة، " أَفضل من أَلف صلاة "، " خير من أَلف صلاة ". قال العلماءُ: وهذا فيما يرجع إلى الثواب. فثواب صلاة فيه يزيد على أَلف صلاة فيما سواه، ولا يتعدى ذلك إلى الإِجزاءِ حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما.

وهذا لا خلاف فيه. قال: واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده، فينبغي أَن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرناه. قلت: ومعتمده في هذا الإِشارة بقوله " في مسجد هذا " لكن ذهب غيره إِلى أَنه لو وُسِّع ثبت له هذه الفضيلة كما في مسجد مكة إذا وسع. فإن تلك الفضيلة ثابته له. وقد ذكر ابن النجار بسنده عن ابن عمر قال: زاد عمر بن الخطاب في المسجد قال: لو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أَيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بنى هذا المسجد إِلى صنعاء كان مسجدي - وهذا إن صح كان من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم. وروى أَبو عوانة في صحيحه من جهة موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر يرفعه: صلاة في مسجدي هذا أَفضل م مائة صلاة في غيره إِلا المسجد الحرام. ثم قال: مائة صلاة غلط. وروى الطبراني في معجمه الأوسط من حديث عبد الرحمن بن أَبي الرجال عن نُبيط بن عمر عن أَنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى في مسجدي أَربعين صلاة لا تفوته صلاة كتبت له براءَة من النار ونجاة يوم القيامة. قال لم يروه عن أَنس إِلا نُبيط، تفرد به ابن أَبي الرجال. السادس: أن الله سبحانه عوض قاصده عن الحج والعمرة بأَمرين وعد عليهما ذلك

الثواب، أَما الحج فذكر ابن الجوزي بإسناده عن أَبي أُمامة أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة في مسجدي حتى يصلي فيه كان بمنزلة حجة، وأَما العمرة فبزيارة مسجد قُباء ففي الصحيح صلاة في مسجد قباء كعمرة، وفي الصحيح عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ياتي قباء راكبا، وماشيا فيصلي فيه ركعتين. وفي رواية كان ياتيه كل سبت، ويستحب أن يكون ذلك. السابع: يستحب الانقطاع بها ليحصل له الموت بها، وقد كان المهاجرون إلى المدينة يكرهون أن يموتوا بغيرها ويسألون الله عز وجل أَن يتوفاهم بها. وفي صحيح البخاري من حديث زيد بن أَسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. وبوب عليه النووي في الأَذكار: باب استحباب دعاءِ الإنسان أَن يكون موته في البلد الشريف. وعن نافع ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع أَن يموت بالمدينة فليمت بها. فإني أَشفع لمن يموت بها. رواه الترمذي. وقال: حسن صحيح، غريب من هذا الوجه

وفي الباب عن سبيعة بنت الحرث الأسلمية. وسئل عنه الدارقطني في العلل الكبير فقرر صحته بما يطول ذكره. وهو مذكور في الذهب الإبريز من تأليفي. فإن قيل: وقد جاء ما يعارض هذا، وهو ما رواه النسائي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ياليته مات بغير مولده. قالوا: لم ذاك يا رسول الله؟ قال. إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أَثره في الجنة. وذكره ابن طاهر في الصفوة وبوب عليه - إِيثارهم الغربة على الوطن - فالجواب. إن صح فلا يعارضه، بل الحديث خاص بمن لم يولد في المدينة. الثامن: اختصاص أَهلها بمزيد الشفاعة والإكرام زائدا على غيرهم من الأُمم. وفي معجم الطبراني من حديث القاسم بن حبيب عن عبد الملك بن عباد ابن جعفر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أَول من أَشفع له من أمتي أَهل المدينة، ثم أَهل مكة، ثم أَهل الطائف. وأَخرجه البزار في مسنده بالواو ثم قال: وعبد الملك بن عباد لا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث بهذا الإسناد، وفي الصحيحين عن أبي هريرة وغيره من صبر على لاواءِ المدينة وشدتها كنت له شهيدا أَو شفيعا يوم القيامة. قال القاضي عياض: سئلت قديما عن معنى هذا، ولمَ خص ساكني المدينة بالشفاعة مع عموم شفاعته؟ وأَجبت عنه بما حاصله،

أن بعض مشايخنا جعل " أو" هنا للشك. والظاهر خلافه، لأَن جماعة كثيرة من الصحابة رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ويبعد اتفاقهم عليه هكذا، بل الظاهر أَن هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فإما أَن يكون أُعلم بهذه الحالة هكذا وإما أَن تكون " أَو" للتقسيم، ويكون شهيدا للبعض وشفيعا للبعض، إما شفيعا للعاصين، وشهيدا للمطيعين، وإما شهيدا لمن مات في حياته، وشفيعا لمن مات بعده أَو غير ذلك. وقال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين، أو العاصين في القيامة، وعلى شهادته على جميع الأُمم. وقد قال قال في شهداءِ أُحد: أَنا شهيد على هؤلاء. فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزية وزيادة منزلة وحظوة. قال: ويحتمل أَن يكون أَو بمعنى الواو. فيكون لهم شفيعا وشهيدا. التاسع: وجود البركة في صاعهم، ومدهم، ومكيالهم، لأَن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم بالبركة فيه. قال النووي: والظاهر أَن البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها. وفي الحديث الصحيح: وإني دعوت في صاعها ومدها. بمثلى ما دعا به إبراهيم لأَهل مكة. وفي لفظ آخر: اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة ثم وجدت السهيلي قال: دعاؤه صلى الله عليه وسلم بالبركة في صاع المدينة ومدها يعني به الطعام الذي يكال بالصاع والمد. ولذلك قال في حديث آخر

كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه. رواه البزار من حديث أًبي الدرداء بلفظ: قوتوا طعامكم، وذكر في تفسيره ما قلناه قال: وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال مُدّ المدينة: يقال: هو رطل وثلث. والرطل مائة وثمانية وعشرون درهما، خمسون حبة وخمسان. العاشر: تخصيصها بالبقعة التي بين القبر والمنبر. ففي الصحيح: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. وفي لفظ: ما بين بيتي ومنبري. وفي لفظ للطبراني: ما بين حجرتي ومصلاي، وقبره صلى الله عليه وسلم في بيته. وهو حجرة عائشة رضي الله عنها، قيل معناه: بل إن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة. وقيل: بل العبادة فيه تؤدي إلى الجنة. وقال: ابن حزم: ظن بعض الأغبياء أن تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة، وأن الأنهار سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات منهبطة من الجنة، وهذا باطل، لأن الله تعالى يقول في الجنة: ((إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأُ فيها ولا تضحى)) وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا الروضة. فصح أَن قوله من الجنة، إنما هو لفضلها وأَن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة وأَن تلك الأنهار لطيبها وبركاتها أُضيفت إلى الجنة كما تقول في اليوم الطيب هذا يوم من أيام الجنة، وكما قيل في الضأن: إنها من دواب الجنة. وقد جاءَ أن حلق الذكر من رياض الجنة. وقال

الطحاوي في مشكل الآثار. قد جاءَ: وضع منبري على ترعة من ترعات الجنة، وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. وما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، وإن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة. قال. ففي هذه الأَحاديث ما يدل على أَن قبره ومنبره في موضع من الجنة غير الروضة المذكورة في الحديث، ومما يدل على ذلك أَن سهل بن سعد لما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن منبره على ترعه ن ترع الجنة قال: أتدرون ما الترعة؟ هي الباب من أَبواب الجنة، وإذا كان منبره صلى الله عليه وسلم قد بلغه الله بجلوسه فيه وقيامه عليه هذه المنزلة، فقبره الذي تضمن بدنه وصار له مثوى أَولى بأن يكون في روضة من الجنة أَرفع منها وأحرى، وهو بذلك فيه أَولى، والجنة فيها روضات كثيرة، فقد يكون قبره في روضة منها غير الروضة المذكورة في الحديث. وقد يكون فيما هو في غير الروضة مما هو أرفع من الروضة، وقد يكون فيما يجمع الروضة وغيرها مما شرفه به وأَبان منزلته به عن الناس وفي تصحيح هذه الأَلفاظ علم من أَعلام نبوته صلى الله عيه وسلم لأَن الله اختصه بأَن أَعلمه بالمخفيات.

الحادي عشر: أَن الدجال لا يدخلها كما لا يدخل مكة. ففي الصحيحين من حديث أَنس مرفوعا: إن الدجال لا يطأُ مكة، ولا المدينة، وأنه يجيء حتى ينزل في ناحية المدينة فترجُف ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق. وفي رواية البخاري عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان. وفي رواية مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة حتى ينزل دُبَر أحد. ثم تصرف الملائكة وجهه قِبَل الشام. وهنالك يهلك وفي الصحيحين أَيضا: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، وحمله ابن حزم على قوته وأمره، لا أنه الواطئ نفسه، ويرده ما في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس، فلا يدع قرية إلا هبطها. وفي المعجم الأَوسط للطبراني عن أَبي هريرة وابن عمر مرفوعا ينزل الدجال طرق المدينة، فأَول من يتبعه النساء والإِماءُ. وقال ابن حبان في صحيحه: ذِكْرُ نفى دخول الدجال المدينة من بين سائر الأَرض، وذكر الحديث. لكن روى في موضع آخر أنه لا يدخل مكة، وفي مسند أحمد من حديث جابر أَنه يخرج له كل منافق وكافر. وذلك يوم تنفى المدينة الخبث كما تنفى النار خبث الحديد. الثاني عشر: أن الطاعون لا يدخل المدينة، وهذا من خصائصها ففي الصحيحين من

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وفي رواية البخاري من حديث: لا يقربها الدجال، ولا الطاعون إَن شاء الله، والأَنقاب جمع نقب بكسر النون وضمها، وهو الطريق على رأس الجبل وقال الأَخفش: أَنقاب المدينة: طُرُقها وفجاجها. والسر في ذلك أَن الطاعون وباء عند الأَطباء وقد صح أنهم لما قدموا المدينة وأَصابتهم أَمراض عظيمة، وحُمّى شديدة دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فكشف ذلك عنهم. وقال: اللهم انقل وباءها إلى خُمّ، أَو الجحفة. قال ابن عبد البر: وفي رواية ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم عن أَبيه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأَيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الشعر أُخرجت من المدينة، فأسكنت مهيعة فأولتها (بان) وباءَ المدينة ينقله الله إلى مهيعة. وإنما دعا بنقل الحمى إِلى الجحفة لأَنها دار شرك: فلم تزل الجحفة من يومئذ أَكثر بلاد الله حمى، وإنه ليتقي شرب الماءِ من عينها الذي يقال له عين خُمّ فقلَّ من شرب منه إلا حُمّ، وقال الخطابي كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودا، وقيل: إنه لم يبق أَحد من أهلها إِلا أَخذته الحمى. وقال القرطبي: الطاعون: هو الموت العام الفاشي. ونعني بذلك

أنه لا يكون في المدينة من الطاعون مثل الذي يكون في غيرها من البلاد كالذي وقع في طاعون عَمَواس والجارف وغيرهما. وقد أَظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يسمع من النقلة ولا من غيرهم من يقول: إنه وقع بالمدينة طاعون عام، وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم حيث قال: اللهم صححها لنا. الثالث عشر: أَنها تاكل القرى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أَن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: أمِرت بقرية تأكل القرى. يقولون: يثرب. وهي المدينة، وفي معنى تأكل القرى ثلاثة أقوال: أحدها (أنها) مركز الجيوش الإسلامية في أَول الأَمر فمنها فتحت القرى، وغنمت أموالها وسباياها. وذكر ابن الجوزي في مشكل الصحيحين عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: سمعت أَبي يقول في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أُمرت بقرية تأكل القرى. قال تفسيره والله أعلم: تفتح القرى، فتحت مكة بالمدينة وما حول المدينة بها. والثاني: معناه أَن أَكلها وميرتها من القرى المفتتحة، وإليها تساق غنائمها. الثالث: أَنها تفرغ القرى بوجوب الهجرة إِليها فكأَنها أَكلتها ذكره ابن الجوزي.

الرابع عشر: أَنها كالكير في إزالة الخبث عنها ففي الصحيحين من حديث جابر: أَن أَعرابيا بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأَصابه وعك بالمدينة فقال: يا محمد. أَقلني بيعتي فأَبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج الأَعرابي. فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها. قال القرطبي: هذا تشبيه واقع. لأَن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار. هذا إن أَراد بالكير المنفَخ الذي ينفخ به النار، وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند اللغويين، فمعناه أَن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة. ويخرج خلاصته، والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفوس من شهواتها وشرهها، وميلها إلى اللذات والمستحسنات وتبقى خلاصتها. وقال ابن عبد البر في التمهيد: والظاهر أَن هذا مخصوص بزمن حياته صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد خرج منها بعده الأَخيار والأَبرار، لأَنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه. وقال أبو زكريا النووي: الظاهر العموم. وفي صحيح مسلم: لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد، هذا والله أعلم زمن الدجال. قلت: وقد جاءَ كذلك في مسند أَحمد من حديث جابر وقد سبق.

الخامس عشر: أنه لا يَدَعُها أَحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه كما ثبت في الصحيح، وفي معناه قولان: أحدهما أنه مخصوص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم. والثاني: أَنه دائم أبدا بدليل قوله في حديث آخر: ياتي على الناس زمان يدعوا الرجل ابن عمه وقريبه: هلمَّ إلى الرخاء. والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. قال القرطبي: ومعناه أن الذي يخرج عن المدينة راغبا عنها أَي زاهدا فيها إنما هو جاهل بفضلها، وفضل القيام بها، أَو كافر بذلك. وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين خير منه. وأفضل على كل حال. قال: وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. السادس عشر: أنه لا يريد أَحد أهلها بسوءٍ إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص وذوب الملح في الماء كما ثبت في الصحيح قال القرطبي: ظاهره أن الله يعاقبه بذلك في النار. ويحتمل أَن يكون ذلك كناية عن إهلاكه في الدنيا، أو عن توهين أمره وطمس كلمته كما قد فعل الله ذلك بمن غزاها، وقاتل أهلها كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله منصرفه عنها، وكإهلاك يزيد بن معاوية أثر إغزائه أهل المدينة إلى غير ذلك.

السابع عشر: يستحب الصيام بالمدينة والصدقة على سكانها وبرهم، فهم جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أَهل المدينة. وقد روى الطبراني بإِسناد ضعيف أَنه صلى الله عليه وسلم قال: رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواه من البلدان. الثامن عشر: روى عن مالك رضي الله عنه أَنه كان لا يركب بالمدينة بغلة. فقيل له في ذلك: فقال: لا أَطأُ راكبا مكانا وطئه رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا وكان لا يرفع صوته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم حيا وميتا سواء وقد قال تعالى: ((يا أَيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض)). التاسع عشر: لا يجتهد في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَنه، صواب قطعا. إذ لا يقر على خطأ فلا مجال للاجتهاد فيه حتى لا يجتهد فيه باليمنة واليَسرة بخلاف محاريب المسلمين، والمراد بمحرابه صلى الله عليه وسلم مكان مصلاه فإنه لم يكن في زمنه عليه السلام محراب. قال الرافعي: وفي معنى

المدينة سائر البقاع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب انتهى. وفي ضبطه عسر أو تعذر، وألحق الدارمي في الاستذكار بمسجد المدينة مسجد الكوفة، والبصرة وقُباء والشام وبيت المقدس. قال: لصلاته عليه السلام في بعضها والصحابة في البعض. ونقلت من خط الشيخ أبي عمرو بن الصلاح ما نقله من كتاب التلخيص لأَبي القاسم بن عبد السلام بن عبد العزيز المعروف بابن الجبان النصيبي من فقهاءِ أصحابنا من نسخه بخط ابنه قال: القبلة النصُّ الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عيه وسلم، ومسجد إيلياء، ومسجد الكوفة، أربعة وفي قبل الأَنصار سوى هذه الأربعة قولان، أحدهما نص والآخر اجتهاد انتهى. وقال الروياني في الكافي عاطفا على قبلة النبي صلى الله عليه وسلم قال أَصحابنا: وكذلك قبلة قباء والكوفه لأنه صلى الله عليه وسلم صلى فيها والصحابة. وقال الشيخ محب الدين الطبري في شرحه للتنبيه فإن قيل: محرابه صلى الله عليه وسلم على عين الكعبة إذ لا يجوز فيه الخطأ فيلزم مما قلتم أنه لا تصح صلاة من بينه وبين أحد جانبيه أكثر من سمت الكعبة إلا مع الانحراف. قلنا من أين لكم أنه على عين الكعبة فيجوز ألا يكون كذلك، ولا خطأ بناء على أَن الغرض الجهة. نعم إن ورد في الصحيح أَنه نصب على العين، فنقول مقتضى الدليل ما ذكرتموه على القولين، أما على العين فظاهر، وأما على الجهة فهذا المحراب كالكعبة فمشاهده كمشاهدها إلا أَن إجماع الصحابة على بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واسعا وصلاتهم في أقطاره من غير أن ينقل الانحراف فيهم دليل على طرد

حكم البعيد في كل مكان سواءٌ تحقق صوب عين الكعبة أم لا تحقيقا للقول بأَن فرض البعيد هو الجهة مطلقا، ولا أَعلم أَحدا تكلم في هذه المسألة. والظاهر فيها ما ذكرته. انتهى ملخصا، وللبحث فيه مجال. تمام العشرين: المشهور أن التراويح عشرون ركعة. وقال مالك: هي ست وثلاثون ركعة غير الوتر لأنه فعل أهل المدينة فعلى المشهور قال المارودي: قال الشافعي: أختار عشرين ركعة ورأَيتهم بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة. ست ترويحات، ويوترون بثلاث. قال أصحابنا: وليس لغير أهل المدينة أن يجاروا أَهل مكة، ولا ينافسوهم انتهى. ورأَيت في تعليقة أبي على البندنيجي عن الشافعي أَنه قال: وأَستحب لهم ألا يزيدوا على عشرين، وأنه قال في القديم: إنه ليس لهذا حَدٌّ مضيق. قال المارودي والروياني واختلفوا في السبب في ذلك على ثلاثة أقوال. أحدها: أن أهل مكة كانوا إذا صلوا ترويحة طافوا أسبوعا إلا الترويحة الخامسة فإنهم يوترون بعدها، ولا يطوفون فتحصل لهم خمس ترويحات وأَربع طوافات فلما لم يمكن أَهل المدينة مساواتهم في أمر الطواف الأربع، وقد ساووهم في الترويحات الخمس جعلوا مكان كل أربع طوافات أربع ترويحات زوائد، فصارت تسع ترويحات، فتكون ستا وثلاثين ركعة لتكون صلاتهم مساوية لصلاة أهل مكة وطوافهم. والثاني: السبب فيه

أن عبد الملك بن مروان كان له تسعة أولاد فأراد أن يصلي جميعهم بالمدينة فقدم كل واحد منهم فصلى ترويحة فصارت ستا وثلاثين. والثالث أن تسع قبائل من العرب حول المدينة تنازعوا في الصلاة واقتتلوا فقدم كل قبيلة منهم رجلا فصلى بهم ترويحة، ثم صارت سنة، والأول أصح انتهى. وكان بعض أشياخنا يستشكل المنع ويقول: غير أهل المدينة أحوج إلى زيادة الفضل من أهل المدينة، ثم رأيت الإمام الحليمي قد قال: يجوز الأمران فإن في ذلك استكثارا من الفضل، لا المنافسة كظن بعض الناس ولو اقتصر على العشرين وقرأَ فيها ما يقرؤه غيره في ست وثلاثين كان أفضل انتهى. الحادي والعشرون: يستحب الغسل لدخول المدينة، قاله أبو بكر الخفاف من قدماءِ أَصحابنا في كتاب الخصال. وصرح به النووي في مناسكه أيضا. الثاني والعشرون: روى أبو عوانه في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة إلى مكة فإذا رجع، رجع من طريق المعرَّس.

الثالث والعشرون: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني حرَّمت المدينة حراما ما بين مازميها، ألا يُهراق فيها دم. ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة لعلف. الرابع والعشرون: روى البخاري: من تصبّح كل يوم بسبع تمرات عجوةً لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر. قال أبو بكر اليرقاني في مستخرجه على الصحيحين في رواية مكي بن إبراهيم قال هاشم: لا أعلم إلا أَن عامرا ذكر من عجوة العالية. قال الحميدي: وهو من أَفراد مسلم عن أبي طوالة عن عامر بن سعد عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي. وفي لفظ للحاكم من التمر البَرْنِيّ على الريق. وفي لفظ من عجوة العالية وفي كتاب الأطعمة لعثمان بن سعيد الدارمي من حديث شريك بن عبد الله ابن أبي عتيق عن عائشة مرفوعا: في عجوة العالية شفاء أو ترياق أوّل

البكر على الريق، ومن حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد وأبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاءٌ من السم. قال الخطابي: كونها عوذةً من السحر والسم إنما هو من طريق التبرك لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت فيها، لا لأن طبع التمر أن يفعل شيئا من ذلك، والعجوة من أجود تمر المدينة يسمونه لينة. وفي الكامل لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ من حديث محمد بن عبد الرحمن الطُّفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينفع من الجذام أن تأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة كل يوم تفعل ذلك سبعة أيام. وقال: لا أعلم. رواه بهذا الإسناد غير الطُّفاوي وله غرائب وإفرادات كلها يحتمل. ولم أرَ للمتقدمين فيه كلاما انتهى. وقال فيه ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم الرازي: صدوق يَهم أحيانا. وفي مستدرك الحاكم من حديث حميد عن أنس أَن وفد عبد القيس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: وذكر التمر البَرْني وقال: إنه من خير تمركم، وإنه دواءٌ وليس بداءٍ. وقال:

صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: خير تمركم البَرْني يخرج الداءَ ولا داءَ فيه انتهى. وفي الإسناد الأول عبيد بن واقد بن القاسم القيسي قال فيه أَبو حاتم الرازي: ضعيف. ومع ضعفه مجهول، وذكر حديث وفد عبد القيس فيما أنكر عليه وذكره العقيلي في الضعفاءِ، وأورد له الحديث. وقال: غير محفوظ ولا يُعرف إلا به. وروى أبو داود عن إسحق بن إسماعيل ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاده فوضع يده بين ثدييه وقال: إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه يتطبب فلياخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن (بنواهن) ثم ليلدك بهن. قال الخطابي قوله: فليجأهن من الوجيئة (وهي) التمر يُبل بلبن أو سمن حتى يلزم بعضه بعضا ويؤكل. وفي غريب الحديث للخطابي عن ابن نُمير عن

هشام عن أبيه عن عائشة: أنها كانت تامر للدوام والدوار بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات على الريق. الدُّوام: كالدُّوار. وهو ما ياخذ الإنسان في رأسه فيدار به. ومنه تدويم الطائر وهو أن يستدير في طيرانه. الخامس والعشرون: روى ابن أبي خيثمة عن يعقوب بن حميد. ثنا كثير بن جعفر بن أبي كثير عن زياد بن زيد عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان له بالمدينة أصل فليُمسك به ومن لم يكن فليجعل له بها أَصلا ولو قصرة. وقال الخطابي: القصرةُ النخلة، وقرأ الحسن ((إنها ترمي بشرر كالقصر)) وفسروه بأعناق النخل. السادس والعشرون: ظاهر كلام الأصحاب استحباب صلاة العيد في مسجد المدينة كغيرها من البلاد لكن روى أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة قال أَصابنا مطرٌ في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ". وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. وظاهره أنه كان يفعلها في المصلى وكأنه لضيق المكان عليهم.

السابع والعشرون: روى ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير عن مالك: أن المدائن كلها افتتحت بالسيف، والمدينة افتتحت بالإيمان، ثم ساق بسنده إلى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كل البلاد افتتحت بالسيف والرمح، وافتتحت المدينة بالقرآن. وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد. سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن الحسن بن زَبالة المدائني ليس بشيء، روى عن مالك بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحت المدينة بالقرآن، وفتحت المدائن بالسيف. قال يحيى: هذا كذب ليس بشيءٍ. أَصحاب مالك يروونه من كلام مالك انتهى. وأَخرجه البزار في مسنده مرفوعا كذلك. وقال: لا نعلم رواه عن مالك إلا محمد بن الحسن بن زَبالة. وكان يلين بسبب هذا الحديث وغيره. الثامن والعشرون: نقل عن مالك: إن خبر الواحد إذا عارضه إجماع أَهل المدينة قدم إِجماعهم، ولهذا روى حديث ابن عمر في إثبات خيار المجلس ثم

قال: وليس لهذا عندنا حد معلوم، ولا أمر معمول به لما اختص به أَهل المدينة من سكناهم مهبط الوحي. ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ. فمخالفتهم لبعض الأخبار تقتضي علمهم، بما أوجب ترك العمل به من ناسخ، أو دليل راجح، والمحققون على أَن البقاع لا تؤثر في الأَحكام. وقد بلغ ابن أبي ذئب وهو من أقران مالك مخالفته للحديث فأغلظ عليه، لأن العصمة إنما ثبتت في إجماع جميع الأمة، وأما عند مخالفة البعض فلا إجماع، فلا عصمة. التاسع والعشرون: قد مر أنه لو نذر تطييب الكعبة لزمه، ولو نذر تطييب مسجد المدينة أَو الأَقصى ففيه تردد لإمام الحرمين لأَنا إِن نظرنا إلى التعظيم أَلحقناهما بالكعبة أَو إلى امتياو الكعبة بالفضل فلا. وكلام الغزالي في آخر باب النذر يقتضي اختصاصه بالمسجدين لا في غيرهما من المساجد، والإمام طرده في الكل دون المسجد الحرام والكعبة. الثلاثون: لو نذر إتيان مسجد المدينة أو بيت المقدس فقولان: أَصحهما ونص عليه في الأُم والمختصر عند اللزوم. قال الروياني في البحر: وبه أجاب عامة.

الأَصحاب وهو قول أبي حنيفة لما روى جابر: أن رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أُصلي في بيت المقدس ركعتين فقال له صل ههنا " ولأنه مسجد لا يعم قصده فأشبه سائر المساجد. والثاني ونص عليه البويطي. ونسبه القاضي أبو الطيب للقديم اللزوم؛ لحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. ولأنهما مخصوصان من بين سائر المساجد بمزية؛ لأَن المسجد الأَقصى كان في صدر الإسلام هو القبلة. ومسجد المدينة كان مقصودا بوجوب الهجرة إليه ففارقا ما عداهما من سائر المساجد. ونسب هذا لمالك وأَحمد قال ابن الصباغ: وحديث جابر لا حجة فيه، فإن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، وعنى بذلك أن مقصود السائل بنذره الصلاة فيه، والإتيان جاءَ ضمنا على سبيل الوسيلة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك بمكة، والصلاة بها أَفضل من المسجد الأقصى وأَمره بالأفضل لا يدل على عدم انعقاد نذره بل يدل على أن الفاضل يجزئ عن المفضول. وقال الروياني في البحر: هذا التأويل خطأٌ لأنه روى أن رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صل في بيتك فأعاد السؤال، فقال: أنت أعلم. قال ابن الرفعة في المطلب: وفي هذا نظر فإن هذه واقعة حال، وذلك الرجل يحتمل أن يكون بيته بمكة فيتم ما قاله ابن الصباغ. فإن قلنا يلزمه الإتيان فهل يلزمه مع ذلك شيءٌ آخر؟ فيه وجهان. أحدهما: لا، لأنه لم يلتزم سوى الإتيان وأصحهما أنه لابد من ضم

قربة إلى الإتيان، وعلى هذا، فقيل يصلى في المسجد ركعتين. واكتفى الإمام بركعة. وقيل: يعتكف فيه ولو ساعة وقيل يتخير بينهما، قال الرافعي: وهو الأشبه، وقال الشيخ أبو علي: إن كان في مسجد المدينة كفاه زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، لأنه من أعظم القربات كزيارته حيًا، وتوقف الإمام في ذلك من جهة أنها لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه. قال: وقياسه أنه لو تصدق في المسجد أو صام يومًا كفاه، واعلم أن ما صححه الرافعي هنا من القول بلزوم النذر ووجوب ضم شيء إليه، مشكل. فالصحيح فيما إذا نذر صوم نصف يوم أو سجدة، فإنه لا يلزمه صوم يوم كامل، وصلاة كاملة طلبًا لتصحيح النذر. وقد يفرق بينهما بأن نفس المرور لما لم يكن في نفسه قربة انصرف النذر إلى ما يقصد فيه من القرب بخلاف نذر نصف يوم وسجدة، فإن ذلك مقصود في نفسه فلم ينصرف نذره إلى غيره ولا لزيادة عليه. الحادي والثلاثون: لو نذر الصلاة في مسجد المدينة أو الأقصى لزمته. وهل يتعين لفعلها المسجد الذي عينه أو ما يقوم مقامه أولًا؟ فيه طريقان، إحداهما (وهي) التي أوردها الأكثرون، تخريج ذلك على القولين في الإتيان المجرد. وقضيته أن يكون الراجح هنا عدم التعيين لكن قد ذكر الأصحاب فيما لو عين لاعتكافه أحد المسجدين أنه يتعين على الأظهر. قال الرافعي: ولا يبعد أن يلحق ما نحن فيه به في الترجيح لأجل مزيد الثواب، وهذا ما رجحه

النووي في المنهاج وغيره، وعلى هذا فهل تقوم الصلاة في أحد المسجدين مقام آخر؟ فيه وجهان: وحكى ابن الصباغ عن نص البويطي: أنه إذا صلى في مسجد المدينة ما نذر صلاته في الأقصى أجزأه، ولو انعكس لم يجزه وهذا ما صححه النووي في الروضة وغيرها. الثاني والثلاثون: لو نذر المشي إلى المسجدين هل يلزمه على قولنا: إنه أفضل من الركوب، أم لا؟ فيه وجهان، بناهما الشيخ أبو علي على التزام المشي في الحج قبل الإحرام، لأن كلًا من المشيين وإن لم يقع في عبادة لكنه واقع في القصد إلى بقعة معظمة. هكذا قاله الإمام وقضيته لزومه، وقضية كلام البغوي أن الصحيح عدم اللزوم، وقال ابن المنذر في الإشراف: كان الشافعي يحب إذا نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس أن يمشي قال: ولا يتبين لي أن يجب ذلك، لأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نافلة. قال ابن المنذر: ومن نذر أن يمشي إلى مسجد الرسول ومسجد الحرام لزمه الوفاء به، لأنه طاعة، ومن نذر أن يمشي إلى بيت المقدس كان بالخيار إن شاء مشى إليه وإن شاء مشى إلى المسجد الحرام لحديث جابر: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في مسجد بيت المقدس قال: صل هنا ثلاثًا.

الثالث والثلاثون: قال ابن كج: لو نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. لزمه الوفاء بها وجهًا واحدًا وحكى فيما إذا نذر زيارة قبر غيره وجهان في لزوم الوفاء. وأقره الرافعي وغيره. الرابع والثلاثون: ينبغي للزائر الغريب أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كلما دخل المسجد أو خرج، وأما أهل المدينة فقد كره لهم ذلك مالك وغيره إلا إذا سافر أحدهم أو قدم من سفر قال: وإنما ذلك للغرباء -يعني السلام عند كل دخول وخروج. قال الباجي، لأن الغرباء قصدوا لذلك وأهل المدينة مقيمون [فيها والصواب استحباب دخول القريب والغريب فإنه صلى الله عليه وسلم استحب السلام لكل وارد] عليه قريبًا وغريبً. ومن الأدب معاملته بذلك بغد وفاته. الخامس والثلاون: قد مر في خصائص مكة أن من مات من أهل الذمة في حرمها، أُخرج منه ونبش. قال الرافعي: واستحسن الروياني في البحر أن حرم المدينة كذلك فيخرج منه إذا لم يتعذر الإخراج ويدفن خارجه.

السادس والثلاثون: يكره الخروج من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد الاذان، وهذا وإن كان عامًا في كل مسجد، إلا أنه يتأكد ههنا. ففي معجم الطبراني الأوسط من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، حدثني أبي وصفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجعُ إليه إلا منافق. ثم قال: لم يروه موصولًا عن أبي هريرة إلا ابن أبي حازم. تفرد به أبو مصعب. السابع والثلاثون: ليعلم المقيم بها عظم محلها، ويعتقد فيها غاية الإجلال والتعظيم، ويحذر من إحداث حادث بها ولو يسيرًا كما روى أن عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة، ودخل المسجد وضع شيئًا كان عليه بين الصفوف فأمر به مالك فأُخذ، فقيل له: إنه فلان. فعاتبه وقال: أتفعل مثل هذا؟ أو ما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث فيها حدثًا وآوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فانظر كيف جعل مالك رحمه الله هذا الفعل اليسير داخلًا في عموم الحديث. وجاء أنه استُفتي مالك رحمه الله- في رجل قال: تربة المدينة غير طيبة، أنه أفتى بضربه.

الثامن والثلاثون: ينبغي قصد المدينة للتعلم أو التعليم. ففي سنن ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا حاتم بن اسماعيل، عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه، أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره. التاسع والثلاثون: روى ابن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في الصيف لثلاثة أقدام إلى خمسة، وفي الشتاء لخمسة أقدام إلى سبعة. قال ابن سراقة في كتاب الأعداد: وهذا إنما يكون بالمدينة وما كان من البلاد على سمتها هكذا. فأما غيرها من البلاد فيختلف الفيء فيها على قربها من الشمس وبعدها. الأربعون: ذكر صاحب المباهج: أن العطر والبخور يوجد لهما من التضوع والرائحة الطيبة بطيْبة أضعاف ما يوجد في سائر البلاد وهي في نفسها طيبة وإن لم يكن فيها شيء من الطيب ولله در القائل: ماذا على من شم تربة أحمد ... ألا يشم مدى الزمان غواليا

الباب الثالث فيما يتعلق بالمسجد الأقصى

الباب الثالث فيما يتعلق بالمسجد الأقصى ثبت في صحيح البخاري أن فتحه بين يدي الساعه، ووقع ذلك ففتحه عمر رضي الله عنه صلحا لخمس خلون من ذي القعدة سنه ست عشرة من الهجرة بعد موت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين وأشهر

ذكر أسمائه

ذكر أسمائه وقد جمعت منها سبعه عشرة، وهو من النفائس المهمه: الأول: المسجد الأقصى، وانما قيل له ذلك لانه ابعد المساجد التي تزاؤ ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة وقيل: لبعده عن الاقذار والخبائث. الثاني: مسجد إيلياء بهمزة مكسورة بعدها ياء أخر الحروف ساكنه، ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف مفتوحة ثم ألف ممدودة على وزن كبرياء وحكى البكري فيها القصر أيضا. قيل معناه بيت الله وعن كعب الاحبار أنه كره أن يسمى بإيلياء ولكن بيت الله المقدس. حكاه الواسطى في فضائلة. وحكى صاحب الطوالع فيه لغة ثالثة بحذف الياء الأولى وسكون اللام والمد. وفي مسند أبي يعلى الموصلي في مسند ابن عباس أنه فيه: الإلياء بالألف واللام قال النووي: وهو غريب. الثالث: بيت الله المقدس بفتح الميم وإسكان القاف أي المكان الذي بطهر فيه من الذنوب والمَقَدس، المطهر ومنه القدس للسطل الذي يستقى به الماء قال الواحدي: قال ابو علي الفارسي: يحتمل أن يكون مصدرا كقوله: "اليه مرجعكم جميعا"ونحوه من المصادر، ويحتمل ان يكون مكانا

على معنى أنه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة وتطهيره، إخلاءه من الأصنام وإبعاده منها،. الرابع: البيت المقدَس: بضم الميم وفتح الدال المشددة، أي المطهر، وتطهيره، إخلائه من الأصنام قال ابن سراقة: ويقال: الأرض المقدسة ثلاثة، فلسطين، والأردن، ودمشق، وهو ما أدركه بصر ابراهيم عليه السلام حين رفع على الجبل وقيل له: ما أدرك بصرك فهو ميراث لك ولولدك من بعدك. الخامس: بيت القدس: بضم الدال وإسكانها. لغتان. السادس: سلَم لكثرة سلام الملائكة فيه. قال ابن برى: وأصله: شلم بالشين المعجمة. لأن شين العجمة في العربية سين، فالسلام. شلام على فعال. قال ابن الاثير في النهاية: شلم بالمعجمة وتشديد اللام اسم بيت المقدس، وروى بالمهملة وكسر اللام كأنه عربه. ومعناه بالعبرانيه بيت السلام. وروى عن كعب الأحبار، ان الجنة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس والصخرة، ولو وقع حجر منها وقع على الصخرة، ولذلك دعيت أورسليم ودعيت الجنه دار السلام. السابع: أورشلم. بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وكسر اللام المخففة كذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى وأنشد للأعشى:

وقد طفت للمال آفاقه ... عُمان فحمص فأورشلم والأكثرون بفتح الشين واللام. الثامن: كورة إليا التاسع: أورشليم العاشر بيت إيل الحادي عشر: صهيون الثاني عشر: مصروث بالصاد المهمله وبالثاء المثلثة الثالث عشر: بابوش بموحدتين. وبعدها شين معجمة الرابع عشر: كورشيلا الخامس عشر: شليم السادس عشر: أزيل السابع عشر: صلمون ذكر هذه الاسماء الحسين بن خالويه إلا ثلاثة. بيت المقدس. وبيت القدس. ومسجد إيليا.

ذكر أصل بنائه

ذكر أصل بنائه قد تقدم في أول الكتاب في حديث أبي ذر أنه أول مسجد وضع في الأرض بعد مسجد الحرام بأربعين سنة. وقال البيهقي في سننه قبل كتاب الهبة أنا أبو {الحسين بن} الفضل القطان. ثنا محمد بن الحسين المقرى. ثنا محمد الحسين بن قتيبة. ثنا محمد بن عمرو بن الجراح الغزي. ثنا الوليد بن مسلم ثنا شعيب بن زريق وغيره عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: لما أراد عمر أن يزيد في المسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت زيادته على دار العباس، فأراد عمر أن يدخلها في المسجد ويعوضه عنها فأبى، وقال قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفا فجعلا بينهما أبي كعب فأتياه في منزله، وكان يسمى سيد المسلمين، فأمر لهما بوسادة فألقيت لهما فجلسا عليها بين يديه فذكر عمر ماأراد، وذكر العباس: قطيعة رسول الله فقال أبي: إن الله عز جل أمر عبده ونبيه داود أن يبني له بيتا فقال: أى رب أين هذا البيت؟ فقال: حيث ترى الملك شاهرا سيفه فرآه على الصخرة، وإذا ما هناك يومئذ أندر لغلام من بني اسرائيل

فأتاه داود فقال: (إني قد أٌمرت أن ابني هذا المكان بيتا لله عز وجل , فقال له الفتى: آلله أمرك أن تأخذها بغير رضاي؟ قال: لا فأوحى الله إلى داود عليه السلام: إني قد جعلت في يديك خزائن الأرض فأرضه فأتاه داود فقال): إني قد أٌمرت برضاك ولك بها قنطار من ذهب. فقال: قد قبلت ياداود، وهي خير أم القنطار؟ قال بل هي خير. قال: فأرضني قال: فلك بها ثلاثة قناطير. قال: فلم يزل يشدد على داود حتى رضي منه بتسع قناطير. قال العباس: اللهم لا آخذ لها ثوابا وقد تصدقت بها على جماعة المسلمين فقبلها عمر [منه] فأدخلها في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم. وقال أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني: ثنا محمد بن أيوب بن سويد. حدثني أبي حدثنا ابراهيم بن أبي عبلة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل لداود: ابن لي بيتا في الأرض فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به. فأوحى الله إليه: ياداود: نصبت بيتك قبل بيتي. قال: أي ربي هكذا قلت فما قضيت. من ملك استأثر. ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلثاه، فشكى ذلك الى الله عز وجل. فأوحى الله عز وجل إليه: أنه لايصلح أن تبني لي بيتا، قال أي رب ولم؟ قال: لما جرى على يديك من الدماء قال: أي رب. أولم يكن ذلك في هواك ومحبتك قال: بلى

ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه: (لاتحزن) إني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان. فلما مات داود أخذ سليمان في بناءه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني اسرائيل فأوحى الله إليه (قد أرى سرورك ببنيان بيتي) فسلني أعطك. قال أسألك ثلاث خصال حكما يصادف حكمك، وملكا لاينبغي لأحد من بعدي، ومن أتى هذا الييت إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتين فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطى الثالثة وروى النسائي وابن ماجه في سننهما من حديث ربيعه بن يزيد عن عبدالله الديلمي عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين وأرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة. سأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله حكما يواطئ حكمه فأعطاه إياه وسأله من أتي هذا البيت يريد المقدس لا يريد ألا الصلاه فيه أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا ارجو أن يكون قد أعطاه الثالثة. ورواه ابن خريمة وابن حبان في

صحيحهما وحاكم في مستدركه. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا علة له، وعن كعب الأحبار. أن سليمان بني البيت المقدس على أساس قديم. كان أسسه سام بن نوح وذكر أبوبكر محمد بن أحمد الواسطى في كتاب فضائل القدس: أن سلمان اشترى أرضه بسبعة قناطير ذهب، وعن عطاء الخرساني. قال: بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته الأنبياء ووالله مافيه موضع شبر ألا وقد سجد فيه نبي

هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليله الإسراء

هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليله الإسراء قال أبو حاتم بن حبان في صحيحه: أنا أبو يعلى، حدثنا خلف بن هشام البزار، ثنا ماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت حذيفة فقال: من أنت يا أصلع قلت: أنا زر بن حبيش حدثني بصلاة رسول الله صلى الله عليه سلم في بيت المقدس حين أسري به قال: من أخبرك به يا أصلع، قلت القرآن .. فقال: مالذي في القرآنفقرأت:"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " وهكذا رواه عبدالله إلى قله: إنه هو السميع البصير. فقال: هل تراه صلى فيه؟ قلت لا قال: إنه أتى بدابه قال حماد: وصفها عاصم، لا أحفظ صفتها. قال: فحمله عليها جبريل، أحدها رديف صاحبه فانطلق معه من ليلته حتى أتى بيت المقدس فأرى ما في السموات وما في الأرض، ثم رجعا عودهما

على بدئهما، ولم يصل فيه ولو صلى فيه كانت سنه انتهى. وروى البزار في مسنده من طريق عبدالله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني الوليد بن عبدالرحمن أن جبير بن نفير حدثه، ثنا شداد بن أوس قال قلنا: يارسول الله. كيف أسري بك فذكر الحديث وركوبه البراق. ثم انطلقت فارتفعنا فقال انزل. فنزلت. فقال: صل فصليت. ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها الثامن فأتى قبله المسجد فربط دابته وجخلنا المسجد من باب فيه قبل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيثما شاء الله.

فصل في فضله

فصل في فضله قال تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وهذه الايه هي المعظمة لقدرة باسراء سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم اليه قبل عروجه الى السماء واخبار الله بالبركه حوله وفيه تأويلان، أحداهما أن جعل حوله من الأنبياء المصطفين الأخيار، والثانى بكثرة الثمار ومجاري الأنهار، وقال تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) وقال تعالى (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) وروى أبو المعالى المشرف بن المرجى في كتاب فضائل القدس بسنده إلى غالب عن مكحول عن أنس بن مالك قال: إن الجنة تحن شوقا الى بيت المقدس، وصرة بيت المقدس من جنة الفردوس وهى صرة الأرض، وروى أيضا عن أم الدرداء أنها كات تزور بيت المقدس من الشام وتنزل عند باب أريحا فقيل لها: [لو تقدمت قالت أحب أن أجعل المدية أمامي ولما قدم الأوزاعى بيت المقدس توضأ] ثم جعل الصخرة وراء ظهره وصلى ثمانى ركعات وصلى الخمس صلوات ثم قال هكذا فعل عمر بن عبدالعزيز ولم يأت شيئا من تلك المواطن.

فصل في أحكامه

فصل في أحكامه الأول: مضاعفة الصلاة فيه وقد اختلفت الأحاديث في مقدارها الأول خمسمائة وقد سبق أن البزار روى في مسنده بإسناد حسن عن أبي الدرداء عن النبي صل الله عليه وسلم قال: الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة. الثاني: ألف صلاة وروى ابن ماجه في سننه من حديث عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صل الله اعليه وسلم قالت: قلت: يارسول الله أفتنا في بيت المقدس قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيرة. الثالث: خمسون ألفا. قال ابن ماجه في سننه: حدثنا هشام بن عمار ثنا أبو الخطاب الدمشقي ثنا رزيق أبو عبدالله الألهانى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في المسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدى بخمسين ألف صلاة، وصلاتة في

المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ورواه الخطيب أبو بكر الواسطى في فضائل القدس وزاد فيه أشياء منكرة. الرابع: مائتان وخمسون. روى الطبراني في معجمه من طريق موسى ابن هارون الى أبي ذر حديث. صلاة في مسجدى أفضل من أربع صلوات فيه يعني بيت المقدس وساق بقيته. فدل على أن الصلاة في بيت المقدس بمائتين وخمسين صلاة. وروى أبو بكر الواسطى من جهة على بن داود القنطرى عن شيبان عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: من صلى في بيت المقدس خمس صلوات نافله، كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس. عشر الاف - قل هو الله أحد، فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى. ليس للنار عليه سلطان. الثاني: استحباب شد المطى إليه. ففي الصحيحين: لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى. الثالث: يستحب ختم القران به. وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي مجلز. قال: كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم بها القران قبل أن يخرج: المسجد الحرام، ومسجد النبي صل الله عليه وسلم، ومسجد بيت المقدس وروى أبو المعالى: أن سفيان الثوري كان يختم به القران. الرابع: استحباب المجاورة به، وفي مجئ الخلاف السابق في المجاورة بمكة والمدينة نظر، وروى الحاكم في مستدركه عن ثور بن يزيد عن مكحول قال: كان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس يسكنان ببيت المقدس.

ثم روي عن يحيى بن عبد الله بن بكير أن عبادة مات بالرملة وعن الهيثم بن عدي انه مات ببيت المقدس ودفن به الخامس: يستحب الصيام فيه فقد روي: صوم في بيت المقدس براءة من النار السادس: استحباب الإحرام بالحج والعمرة منه، ففي سنن ابي داوود وغيره من حديث ام سلمة قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهل بحجة اوعمرة من المسجد الاقصى غفر له ماتقدم من ذنبه، وأحرم جماعه من السلف منه. كأبن عمر ومعاذ وكعب الاحبار وغيرهم السابع: يستحب لمن لم يقدر على زيارته أن يهدي له زيتا، وقال ابن ماجه في سننه عن اسماعيل بن عبد الله الرقي حدثنا عيسى بن يونس ثنا ثور بن يزيد عن زياد بن ابي سودة عن اخيه عثمان بن ابي سودة عن ميمونه قلت: يارسول الله: افتنا في بيت المقدس قال: أرض المحشر والمنشر، ايتوه فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره قلت أرأيت ان لم أستطع أن أصل فيه قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك كمن اتاه، ورواه ابو داوود ايضا ووقال عبد الله في احكامه: ليس هذا الحديث بقوى والمحشر مفعل من الحشر وهو الجمع في يوم القيامة، فإذا فتحت الشين فهو المصدر، وأما الموضع فهو بالكسر. قال

الجوهري المحشر بالكسر، موضع الحشر انتهى، ذكر صاحب مختصر العين ان المحشر بالكسر والفتح، الموضع الذي يحشر اليه الناس والمنشر موضع النشور وهو قيام الموتى من قبورهم. الثامن: حكى بعض السلف: أن السيئات تضاعف فيه. روى ذلك عن كعب الاحبار، وانه كان يأتي من حمص للصلاة فيه فأذا صار منه قدر ميل اشتغل بالذكر والتلاوة والعبادة حتى يخرج عنه بقدر ميل أيضا، ويقول: السيئات تضاعف فيه (اي تزداد قبحا وفحشا لان المعاصي في زمان أو مكان شريف أشد جرأة وأقل خوفا من الله تعالى وذكر ابو بكر الواسطي عن نافع قال لي ابن عمر: أخرج بنا من هذا المسجد فأن السيئات تضاعف فيه) كما تضاعف الحسنات التاسع: ان الدجال لايدخل بيت المقدس. روى ذلك أبو بكر بن ابي شيبة في مصنفه عن سمرة بن جندب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر الدجال فقال. وأنه سيظهر على الأرض كلها الا الحرم وبيت المقدس، ووأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس قال: فيهزمه الله وجنوده حتى ان جذم الحائط وأصل الشجرة ينادي: يامؤمن هذا كافر يستتر بي، تعال اقتله الى اخره. وذكر عبد الحق في أحكامه قال: وقع في

حديث عبد الله بن عمر الا الكعبة وبيت المقدس، وذكره ابو جعفر الطبري، وزاد ابو جعفر الطحاوي، ومسجد الطور، رواه من حديث جنادة ابن اميه عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت وحديث سمرة أخرجة الحاكم في مستدركه في كتاب صلاة الكسوف ووقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وحديث جناده أخرجه احمد في مسنده عن محمد بن جعفرنا، شعبه عن سليمان عن مجاهد عن جنادة بن ابي امية انه قال: أتيت رجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، وذكر الحديث الى ان قال: فأنه يلبث فيكم اربعين صباحا يرد فيه كل منهل الا أربع مساجد، مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الاقصى العاشر: ان الصخرة في المسجد الأقصى كالحجر الأسود في المسجد الحرام ولما فدي اسماعيل بالكبش ذبحه ابراهيم عليه السلام عليها فاختار الله ذلك الموضع لقربان خليله صلى الله عليه وسلم، ومن عليه بفداء ابنه، فهو محل الرحمة، وروى الترمذي في كتاب التفسير من جامعة عن الزبير بن جنادة عن عبد الله بن بريدة عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان ليلة اسري بي قال فأتى جبريل الصخرة التي بيبيت المقدس، فوضع اصبعه فيها فخرقها، فشد بها البراق ورواه البزار وقال:

لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة الا ابو ثميلة، ولانعلم هذا الحديث يروى لابن بريدة وقال الترمذى: غريب. وقال ابو نعيم: حدثنا ابي. ثنا إسحق، ثنا محمد ثنا عبدالرزاق انا المنذر بن النعمان انه سمع وهب بن منبه رضي الله عنه يقول: قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس: لأضعن عليك عرشي، ولأحشرن عليك خلقي، وليأتين يومئذ داود راكبا وذكر القشيري في تفسيرة في قوله تعالى: (وأستمع يوم ينادي المنادي) قال قتادة: المنادى هو صاحب الصور ينادي من الصخرة من اعلى البيت المقدس. وهي أقرب إلى السماء باثنى عشر ميلا الحادي عشر: يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط، ولايحرم قاله الشيخ محي الدين في الروضه من زوائده تبعا لغيره. ولم يتعرض له الشافعي وأكثر الأصحاب كذا قال [قلت] وقال الروياني في البحر قال أصحابنا: استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط يكره لأنه كان قبله، ولايحرم للنسخ وفي الصحيح عن ابن عمر أن أناسا

يقولون إذا قعدت لحاجتك، فلا تستقبل القبله، ولابيت المقدس، فقال ابن عمر: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت المقدس لحاجته، وقد روى أبو داود من حديث معقل بن أبي معقل الأسدي: قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط. قال النووي: واسناده حسن. وقال ابن حزم: لايصح النهي عنه. وقد ينازع فيه لحديث شرقوا أو غربوا. وقال ابن سراقه في كتاب الاعداد: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلتين، وهما الكعبه والصخرة ببيت المقدس حين كانت قبله بشيئين، وهما الغائط والبول، وذلك خاص بمن كان بين مكه وبيت المقدس كالمدينة، ومصر، والرملة، وما كان على سمت ذلك من المواضع، لأن من كان فيهما إذا استقبل بيت المقدس، فكان نهيه عن استقبال القبلتين نهيا عن استقبال الكعبه واستدبارها ويحتمل أن يكون ذلك في وقتتين فنهى عن استقبال الكعبه حين صارت قبله فجمع الراوي بين النهيين انتهى. وكذلك يخرج من كلام الماوردي كلام الأصحاب في أن النهي يختص بأهل المدينة ونحوهم، لأن من استقبل منهم بيت المقدس، استدبر الكعبة، أو استدبره استقبلها. قال ابن بطال: في حديث القبلتين: لم يقل أحد من الفقهاء بهذا الحديث إلا النخعي وابن سيرين ومجاهد، فإنهم كرهوا أن يستقبل إحدى القبلتين أو يستدبرهما ببول أو غائط، الكعبه، وبيت المقدس، وهؤلاء عارضهم

حديث ابن عمر، وهو يدل على اختصاص النهي بالصحراء، لا البنيان، ولم ير صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في الصحراء. الثاني عشر: روى أننه من دفن في بيت المقدس وقي فتنه القبر وسؤال الملكين ومن دفن في بيت المقدس في زيتون المله [يعني بإيلياء] فكأنما دفن في السماء الدنيا. وقال كعب الاحبار: من دفن في بيت المقدس فقد جاز الصراط. وقد سيق حديث ابن ماجه أنها أرض المحشر، وروي أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن أحمد بن جعفر بن معبد. ثنا يحي بن مطرف ثنا محمد بن بكير ثنا يوسف بن عطيه عن أبي سفيان عن الضحاك [عبدالرحمن] عزرب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء. الثالث عشر: روى الخطيب في كتابه: الموضح أوهام الجمع والتفريق من حديث جابر يرفعه: أول من يدخل الجنة، الانبياء، ثم مؤذنو البيت

المقدس ثم مؤذنو مسجدي. ثم سائر المؤذنين. قال: ومؤذن البيت بلال، قال الخطيب: غريب من حديث محمد بن المنكدر عن جابر تفرد به محمد بن عيسى العبدي عنه. الرابع عشر: ليحذر من اليمين الفاجرة فيه، وكذا في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، فإن عقوبتهما معجلة وروى أن عمر بن عبدالعزيز أمر بحمل عمال سليمان بن عبدالملك الى الصخرة ليحلفوا عندها فحلفوا الا واحد فدى يمينه بألف دينار، فما حال الحول على واحد منهم بل ماتوا كلهم الخامس عشر: قال الطبري: حدثنا ضمرة بن ربيعه ثنا يحيى بن ابي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله الحمصي عن ابي امامة ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: لاتزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم: قيل: ماهم يارسول الله؟ قال: ببيت المقدس أو بأكناف بيت المقدس وعن ابي هريره عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: لاتزال عصابة من امتي يقاتلون على ابوب دمشق وعلى ابواب بيت المقدس وماحوله لايضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق الى ان تقوم الساعه، رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده، وراوه ابن عدي من حديث

إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عباد عن عامر الأحول عن ابي صالح الخولاني عن ابي هريره، ثم قال وهذا الحديث ليس يرويه عن الوليد غير ابن عياش السادس عشر: قال النووي. مايروى من حديث، من زارني وزار قبر أبي ابراهيم في عام واحد ضمنت له [على الله] الجنه _ باطل لايعرف وضعه بعض الفجره. وزيارة الخليل غير منكرة، لكن لاتعلق لها بالحج، ولابزيارة النبي صلى الله عليه وسلم بل هي قربه على حدة انتهى. وقيل: إن هذا لم يسمع إلا بعد فتح السلطان صلاح الدين القدس سنه ثلاث وثمانين وخمسمائة. قلت: لكن روى أبو المعالي المشرف بن المرجى المقدسي في فضائلة بسنده الى يحيى بن سعيد عن حبيب بن شهاب عن أبيه عن ابن عباس قال: من حج وصلى في مسجد المدينة، ومسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكذلك حديث من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى وقد سبق.

السابع عشر: تقدم عن الدارمي: أنه لا يجوز الاجتهاد يمنه ويسرة بمحراب بيت المقدس وألحقه بمسجد المدينة فليراجع مبسوطا. الثامن عشر: تقدم أن فعل صلاة العيد في المصلى أولى، إلا في مسجد مكة. قال الرافعي، وألحق الصيدلاني به مسجد بيت المقدس وظن النووي في شرح المهذب، أن الجمهور لم يتعرضوا له، وأن ظاهر إطلاقهم أنه كغيره انتهى. وغره في ذلك ظاهر عبارة الرافعي، وليس كذلك، فإن الجمهور نصوا على استحباب فعلها في مسجده أيضا. ومنهم صاحب الخصال والمارودي والروياني والبغوي والبندنيجي والجويني في مختصره والغزالي في خلاصته والخوارزمي في الكافي، وهو ظاهر من جهة المعنى، لأن المعنى في استثناء المسجد الحرام مافيه من الفضل والسعة، والمسجد الأقصى يجمعهما. نعم سكت الأصحاب عن مسجد المدينة لصغره. التاسع عشر: قال ابن سراقة في كتاب الأعداد: أكبر مساجد الإسلام واحد، وهو بيت المقدس: وقيل: ماتم فيه صف واحد قط في عيد ولاجمعة ولا غير ذلك انتهى.

العشرون: يستحب لزائره زيارة الأماكن المشهورة بآثار الأنبياء لاسيما مواضع صلاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد روى النسائي من حديث أبي مالك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت، وركب معي جبريل، فسرت فقال: انزل فصل: فصليت، فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر ثم قال: انزل فصل فصليت. فقال أتدري أين صليت؟؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام. ثم قال انزل فصل فصليت. فقال أتدري اين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى. ثم دخل بيت المقدس، الحديث. لكن فيه نكاره، وهو قوله فركبت وركب معي جبريل. قال ابن دحيه في كتاب الابتهاج، وهذا الحديث مشهور من رواية أبي مالك واسمه غزوان بن يوسف المازني قال أبو حاتم الرازي: هو متروك الحديث وقال البخاري: تركوه وقال ابن حبان: يروى عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات. فسقط الاحتجاج بخبره. وقد قيل: إن النسائي رواه عن أبي مالك سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي، ولا يصح عنه بوجه.

الباب الرابع فيما يتعلق بسائر المساجد

الباب الرابع فيما يتعلق بسائر المساجد

وفيه مسائل الأول: يجوز للمحدث الحدث الأصغر الجلوس في المسجد , وادعى بعضهم فيه الإجماع , ودليله أن أهل الصفة كانوا ينامون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي مصنف ابن أبي شيبة. حدثنا معتمر ابن سليمان. عن ابن عون قال. كان أبو السوار يكره أن يتعمد الرجل أن يجلس في المسجد على غير وضوء. حدثنا عبدالله بن نمير عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في الرجل يحدث. قالا: يمر في المسجد مارا ولايجلس فيه. تنبيه: جزم ابن الأستاذ الحلبي في شرح الوسيط بتحريم المكث في المسجد على السكران واستثناه من جوازه للمحدث وهو ظاهر. قلت: ويوافقه قول الرافعي في كتاب الاعتكاف. السكران ممنوع من المسجد لقوله تعالى: "لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى " أي مواضع الصلاة انتهى. الثاني: المتطهر إذا جلس في المسجد لعبادة , من اعتكاف , أو قراءة قرآن أو علم , أو سماع موعظة, أو انتظار صلاة, ونحوها كان مستحبا ,

وإن لم يكن لشيء من ذلك كان مباحا. وقيل مكروه. قاله المتولى. قال النووى: ولاأعلم أحدا وافقه على الكراهة. قلت: قد جزم به الروياتي في البحر. فقال: لو أراد أن يقعد في المسجد , لا لغرض صحيح يكره لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما بنيت المساجد لذكر الله. انتهى وهو ضعيف لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم منع منه , وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أحدكم في صلاة ماكانت الصلاة تحبسه , لايمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة, وفي البخاري من حديثه أيضا. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال] إن [ الملائكة تصلى على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه مالم يحدث تقول: اللهم اغفر له , اللهم ارحمه. قال المهلب: معناه: أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته. وقال ابن بطال: من كان كثير الذنوب , وأراد أن يحطها عنه بغير تعب , فليغنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له , فهو مرجو إجابته لقوله تعالى: "ولايشفعون إلا

لمن ارتضى " فإن قيل: قد روى أبوداود وابن خزيمة في صحيحه عن عبدالرحمن بن شبل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب , وافتراش السبع ,وأن يوطن الرجل المكان من المسجد كما يوطن البعير. ورواه النسائي أيضا بلفظ: وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير, فالجواب: أن هذا الحديث مداره على تميم بن محمود. وقد قال البخاري: فيه نظر. وقد رواه ابن حبان في صحيحه من حديثه. ثم قال: ذكر البيان بأن النهي عن إيطان المكان الواحد من المسجد إنما زجر عنه إذا فُعل ذلك لغير الصلاة , وذكر الله , ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لايوطن الرجل المسجد للصلاة أو لذكر الله , إلا يتبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب إذاقدم عليهم غائبهم قال أبوحاتم: يتبشبش هنا معناه: ينظر إليه بالرأفة والرحمة والمحبة لذلك الفعل منه كما قال: " من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعا ".

الثالث: يكره دخول المسجد على غير وضوء قاله الغزالي في الإحياء. بل صار بعض السلف إلى أنه كالجنب يمر فيه ولا يجلس. نقل ذلك عن سعيد ابن المسيب والحسن البصري. وقد يحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين من حيث إن المأمور بالصلاة مأمور بشرطها , وهو الوضوء. قال الغزالي: فلو دخل وجلس استحب أن يقول سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , فإنها تعدل ركعتين في الفضل. وذكر ابن الرفعة في الكفاية نحوه. قال النووى في الأذكار ,قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد فلم يتمكن من صلاة التحية لحدث , أو شغل يستحب أن يقول أربع مرات: سبحان الله والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر. فقد قال به بعض السلف. وهذا لابأس به انتهى. وقد يحتج له بأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك لمن لم يحسن قراءة الفاتحة فإذا صح قيامها مقام الفرض , فالنفل أولى , لكن هناك النائب والمنوب عنه من جنس واحد وهو القول وهنا نيابة قول عن فعل وذكر ابن بطال في شرح البخاري عن جابر بن زيد الإمام الكبير التابعي أنه قال: إذا دخلت المسجد فصل فيه , فإن لم تصل فاذكر الله فكأنك قد صليت. الرابع: يستحب لزوم المساجد والجلوس فيها لما في ذلك من إحياء البقعة ,

وانتظار الصلاة وفعلها في أوقاتها على أكمل الأحوال وقد روى ابن أبى شيبة عن محمد بن واسع قال: قال أبو الدرداء لابنه: يا بنى , ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المساجد: بيوت المتقين , فمن يكن المسجد بيته يضمن الله له الروح والرحمة , والجواز على الصراط إلى الجنة , وعن عطاء بن يسار عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد أو راح إلى المسجد أعد الله له في الجنة نُزُلا كلما غدا أو راح. وقال سعيد بن المسيب: إن] لزوار [المساجد من عباد الله أوتادا جلساء. وهم الملائكة , فإذا فقدوهم سألوا عنهم , فإن كانوا مرضى عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم وعن الأعمش عن عبدالرحمن بن مَعقِل ,قال: كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان. وقال عمر رضي الله عنه: المساجد بيوت الله في الأرض , وحق على المزور أن يكرم زائره وعن عبد الرحمن بن مسعود الفزاري عن أبي الدرداء قال: ما من رجل يغدو إلى المسجد لخير يفعله أو يعلمه إلا كتب له أجر مجاهد , لا ينقلب إلا غانما. الخامس: يجوز النوم في المسجد. نص عليه الشافعي في الأم. وذكره الشاشى في المعتمد. وقل من تعرض له. وحكاه في الروضة. في باب الغسل عن

الشافعي والأصحاب، وقال في شروط الصلاة: للمحدث المكث في المسجد. وكذا النوم بلا كراهة وصرح به الرافعي أيضا في باب القسم والنشوز. وقال القاضي أبو منصور بن الصباغ في كتاب الإشعار باختلاف العلماء: الذي حكاه ابن المنذر في الإشراف: أن ابن عمر قال: كنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عمرو بن دينار قال: كنا نبيت على عهد ابن الزبير في المسجد، وأن سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء والشافعي رخصوا فيه، وأن ابن عباس قال: لا تتخذ المساجد مرقدًا، وعنه أنه قال: إن كنت تنام فيه للصلاة فلا باس وأن مالكا قال: أما الغرباء الذين يأتون فيمن يريد الصلاة. فإني أراه واسعا. وأما رجل حاضر فلا أرى له ذلك، وأن أحمد قال: إذا كان على رِجْل سفر وما أشبهه فلا بأس، فأما أن تتخذه مبيتًا، او مقيلًا فلا. وبه قال اسحق وذكر: أن ابن حنيف الدينوري الحنفي حكى عن جماعة منهم الشافعي أنه لا بأس بالنوم في المسجد. قال أبو منصور: وهذه المسألة لم أجدها فيما تأملت من كتب أصحابنا. وذاكرت بها شيخنا أبا نصر ابن الصباغ، فكان جوابه، أنه لا يكره قال: وقد جعلها ذلك دليلا على جواز اجتياز الجنب في المسجد ولم يحك عن صاحبنا شيئا وهذا الذي حكاه ابن المنذر والدينوري عن صاحبنا إلى الآن لم أجده في في كتب أصحابنا

والذي أستحسنه من ذلك قول مالك انتهى وقد بينا أن الشافعي نص عليه في الأم. وقال أيضا في مختصر المزني ولا بأس أن يبيت لمشرك في كل مسجد، إلا المسجد الحرام، وحكى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاءٍ وطاوس، ومجاهد كراهته، وحكى جوازه عند ابن سيرين والحسن. وابن عمرو وابن عباس. واحتج من جوزه بنوم علي وابن عمر وغيرهم من أهل الصفَّة فيه. وحديث المرأة صاحبة الوشاح. وحديثهم في الصحيح. وقد صح عن ابن عمر قال: كنا نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فإن قيل: فقد روى ابن لَهِيعة عن عمرو بن الحارث عن ابن زياد عن سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ناس من أصحابه وهم رقود في المسجد – فقال: انقلبوا. فإن هذا ليس للمرء بمرقد. وروى داود بن أبي هند عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر قال: رآني الني صلى الله عليه وسلم في المسجد نائما فضربني برجله وقال: لا أراك نائمًا فيه. قلت: يا رسول الله غلبتني عيني – فالجواب

قال أبو عبد الله الأثرم في الناسخ والمنسوخ: الأحاديث الأُول أثبت التي جاءت بالرخصة، لأن حديث سعد إسناده مجهول منقطع وحديث أبي ذر فيه رجل مجهول. وهم عم أبي حرب – وليس فيه أيضا بيان انتهى. السادس: يحرم البصاق في المسجد كما جزم به النووي في التحقيق وشرح المهذب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة وكذلك قال الصيمري: البصاق في المسجد معصية. وأما إطلاق الروياني والجرجاني والعمراني والمحاملي وسليم الرازي وغيهم الكراهة – فمحمول على إرادة التحريم، فمن بصق فقد ارتكب محرما، وكفارته دفنه في رمل المسجد. ولو مسحها بيده أو خرقة كان أفضل. قال في شرح المهذب: ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار عليه ومنعه إن قدر، ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد، فالسنة أن يزيله بدفنه وإخراجه ويستحب تطييب محله قال: وأما ما يفعله كثير من الناس إذا بصق، أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الذي داس به النجاسة والأقذار فحام، لأنه تنجيس للمسجد وتقذير له. وعلى من رآه يفعل ذلك الإنكار على شرطه. واختلفوا في المراد بدفنها. فقدال الجمهور: في تراب المسجد ورمله ورمله وحصبائه

إن كان فيه، فإن كان أرضا صلبة فليخرجها او يمسحها بخرقة ونحوها. وحكى الروياني قولا: إن المراد إخراجها مطلقا. ولعله لأجل خلاف بعضهم في نجاسة البزاق. وقد حكاه ابن أبي شيبة عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي، وحكى أبو العباس القرطبي عن بعضهم أنه قال: إنما يكون البزاق في المسجد خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه لأنه يقذر المسجد، ويتأذى به من يعلق به، فأما من اضطر إلى ذلك ففعل ودفنه فلم يأت خطيئة ولهذا سماه كفارة، والتكفير التغطية. فكأن دفنها غطى ما يتصور عليه من الإثم. قال: أبو العباس: ويدل على صحة هذا التأويل حديث أبي ذر. ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل بذلك وببقائها غير مدفونة. فائدة: قال القفال في فتاويه – وقد ذكر حديث النخامة في المسجد خطيئة – هذا الخبر محمول على ما كان نزل من الرأس أما إذا كان من صدره نجسا فلا يجوز دفنه في المسجد. السابع: يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، وأما من على بدنه نجاسة فإن خاف تلويث المسجد فلم يجز الدخول وإن أمن ذلك جاز، نقله في شرح

المهذب عن التتمة وأقره، وأما إذا افَتصد في المسجد واحتجم، فإن كان في غير إناء فحرام وإن قطر دمه في إناء فمكروه، والأولى تركه كما قاله في شرح المهذب وجزم البندنيجي في كتاب تذهيب المذهب – بأنه حرام أيضا. وأما إذا بال في المسجد في إناء ففيه احتمالان لابن الصباغ، وأصحهما في الروضة أنه حرام، ويخالف الحجامة، لأنه مما يستقبح ويستحقر فينزه المسجد عنه. وهذا ما اختاره الشاشي وجزم به في التتمة ونقله العبدري عن الأكثرين، والثاني أنه مكروه، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد عن سعيد بن أبي بردة أنه أبصر أبا وائل شقيق بن سلمة في المسجد يبول في طست وهو معتكف. وفي صحيح البخاري في باب الاعتكاف عن عائشة رضي الله عنها قالت: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي. وفي سؤالات السلمي للدارقطني، قال ابن لَهِيعة عن موسى بن عقبة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في المسجد- وأخطأ فيه وإنما هو يحتجر في المسجد. [قال الحليمي: ويكره أن يتبول بقرب جدار المسجد والظاهر أن البوم في رحاب المسجد يحتل أن يحرم مطلقا وإن لم يجعلها من المسجد] ويجب الجزم به إذا كانت مطروقة.

الثامن: قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلا أن يتوضأ في مكان يبله ويتأذى الناس به فإنه مكروه، ويشترط ألا يحصل تمخط بالاستنشاق ولا بصاق بالمضمضة، ونحو ذلك من التنخع. وإلا فينتهي إلى التحريم، وحكى المازرى عن بعضهم الجواز مع ذلك، لأن البصاق إذا خالطه الماء، صار في حكم المستهلك، فكان كالعدم، وهو يقتضي الماء الذي يتمضمض به للخلاص من ذلك، ويحصل به سنة المضمضة، وروى ابن أبي شيبه الوضوء فيه عن ابن عمر وجبير ابن مطعم، وحكاه ابن بطال عن أكثر الصحابة والتابعين وحكى عن ابن سيرين ومالك كراهيته تنزيلها للمسجد، وقال النووى فى الروضة قبل باب السجدات '2'ولا بأس بالوضوء إذا لم يتأذ به الناس. وقال في الاعتكاف نقلا عن البغوى ، ولا يجوز نضح المسجد بالماء المستعمل، لأن النفس قد تعافه. وقال في شرح المهذب: هذا الذي قاله البغوى ضعيف، والمختار أن المستعمل كالمطلق، والنفس إنما تعاف شربه، وقد إتنفق الأصحاب على جواز الوضوء في المسجد، وإسقاط مائه في أرضه، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه، وقال المارودى الأولى غسل اليد حيث يبعد عن نظر الناس وعن مجالس العلماء، وكيف فعل جاز، وقال الروياني في البحر في باب الاعتكاف

312

313

يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. فلما كان للنخامة كفارة قيل للمتنخم تمادى في المجلس في صلاتك وابق فيه مدعوا لك، وإنما لم يكن للحدث في المسجد كفارة ترفع أذاها كما رفع الدفن أذى النخامة لم يتأد الاستغفار له ولا الدعاء وجب زوال الملائكة عنه لما آذاهم بالرائحة الخبيثة. الحادي عشر: يحرم على الجنب المسلم اللبث في المسجد، وإن توضأ، ويجوز له العبور من غير لبث سواء كان لحاجة أم لا.؟ هذا مذهبنا، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة والتابعين، وحكى عن سفيان الثوري وإسحق ابن راهويه منع المرور إلا أن يجد ترابا فيتيمم ثم يمر، وقال أبو حنيفة يحرم عليه اللبث والعبور إلا أن يكون مضطرا فيتيمم ثم يمر وقال المزني وداود وابن المنذر. يجوز له اللبث مطلقا. وقال أحمد: متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد، ورواه سعيد ابن منصور في سننه إسناد صحيح عن جماعة من الصحابة، لنا قوله تعالى: ((ولا جنبا إلا عابري سبيل)) قال الشافعي في الأم: قال بعض أهل العلم بالقرآن} معناه {لا تقربوا مواضع الصلاة. قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال، لأنه ليس في الصلاة عبور} سبيل إنما عبور {السبيل في موضعها وهو في المسجد،

قال الخطابي: وكذا تأولها أبو عبيدة معمر بن المثنى، وروى البيهقي هذا التفسير عن ابن عباس، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا أحل المسجد لحائض ولا جنب. رواه أبو داود وروى ابن ماجه في سننه نحوه من حديث أم سلمة، وضعف أحمد بنن حنبل اسناده، واحتج من جوز المكث إذا توضأ بما روى أحمد في مسنده وسعيد بن منصور في سسنه عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من الصحابة يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضؤوا وضوء الصلاة، رواه سعيد بن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن سعد عن يزيد بن أسلم عن عطاء به، وهذا إسناد على شرط مسلم، وروى حنبل بن اسحق صاحب أحمد قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن لا ينجس)) وبأن المشرك يمكث في المسجد، فالمسلم الجنب أولى وتأولوا الآية على المسافر، والجواب أنه لا حجة في قول أحمد مع وجود السنة. وقد صح الحديث المتقدم،

وحسنه ابن القطان وغيره، ثم إن العبور وإن لم يكن حرتما فهو مكروه إلا لغرض كما إذا كان المسجد طريقه إلى مقصده أو كان أقرب الطريق إليه. فروع: إطلاق الشافعي والأصحاب يقتضي جواز المرور للجنب لحاجة وغيرها، والكافر الحربي بالحاجة مثل إن كان فيه رجل يريد أن يناديه، أو كان طريقه إلى الدار في المسجد. قال: والمرور فيه لغير غرض مكروه. إذا أجنب في المسجد استحب له أن يراعي أقرب الطرق إلى الخروج وحكى الإمام عن أبي حنيفة تخييره مع أنه يحرم عليه المرور، وهل يوصف الأبعد بالكراهة قال القاضي الحسين يحتمل وجهين بناء على أنه إذا كان للبلد الذي يقصر له} طريقان {فتارة يسلك الأبعد لغير غرض هل يقصر أم لا؟} فيه قولان {وجرى عليه في التتمة والبحر. لو كان للمسجد بابان، وأراد أن يخرج من الأبعد، فإن كان لغرض جاز وإلا فوجهان في أنه هل يكره أم لا؟ قاله في البحر. الثاني عشر: لو أجنب وهو خارج المسجد، والماء في المسجد قال القاضي الحسين وغيره، ليس له أن يدخل ويغتسل فيه، لأنه يلبث في المسجد لحظة مع الجنابة قال في التهذيب، فإن كان معه إناء تيمم ثم دخل، وأخرج الماء للغسل، وإن لم يكن معه إناء صلى بالتيمم ثم يعيد. قال النووي:

وهذا الذي قاله فيه نظر وينبغي أن يجوز الاغتسال فيه إذا لم يجد غيره، ولم يجد إناء، ولا يباح له التيمم مع ذلك فإن جوزنا المرور في المسجد الطويل لغير حاجة فكيف يمتنع مكث بعض لحظة بسبب الضرورة التي لا مندوحة عنها، وما ذكره البغوي سبقه إليه شيخه القاضي حسين فقال لو كان فيه نهر جار _ وأراد أن يغتسل منه لم يجز لأنه يحتاج إلى المكث. الثالث عشر: يجوز المكث للجنب في المسجد للضرورة، بأن نام في المسجد واحتلم ولم يمكنه الخروج لإغلاق الباب أو الخوف على نفسه أو ماله. قال في الروضة، ويجب أن يتيمم، إن وجد غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه انتهى، وتصريحه بالوجوب وهم منه على الرافعي، لأن عبارته: وليتيمم إن وجد غير تراب المسجد، فظن الشيخ محيي الدين أن مراد الرافعي الوجوب وهو محتمل لكنه بين مراده في الشرح الصغير فقال: ويحسن أن يتيمم، ويؤيده أن من أحدث ومعه مصحف، ولم يجد الماء وقدر على التراب كان له حمله من غير تيمم. قاله القاضي أبو الطيب في تعليقه، لكن صرح القفال في فتاويه في المسألة السابقة بوجوب التيمم للمقام في المسجد. قال: وإن كان لا يجوز أن يصلي به، وقول الرافعي ولا يتيمم بتراب المسجد كما لو لم يجد إلا ترابا مملوكا نازعه فيه النووي في شرح التنبيه، فقال، هكذا قال تبعا لصاحبي التهذيب والتتمة، وفيه نظر، وأي مانع يمنع من

غبار يسير للضرورة، والفرق بينه وبين المملوك ظاهر، وقال الروياني في البحر: لو احتلم في المسجد، وخاف العسس يتيمم بغير تراب المسجد، فإن لم يجد إلا تراب المسجد، لا يتيمم، كما لو وجد فيه ترابا مملوكا للغير ولكنه لو تيمم به جاز. الرابع عشر: يجوز للجنب دخول المسجد للاستسقاء، ولا يقف إلا قدر حاجة الاستسقاء. الخامس عشر: يمكن الكافر من دخول المسجد واللبث فيه، وإن كان جنبا، فإن الكفار كانوا يدخلون مسجده صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن فيهم الجنب. وقد ترجم البخاري دخول المشرك المسجد، وأدخل فيه حديث الأعرابي السائل عن الإسلام وحديث اليهود الذين ذكروا أن امرأة ورجلا منهم زنيا، والفرق بينه وبين المسلم، أن المسلم يعتقد تحريمه، ولا شك أنه لا يمكن المجاورة دائما مع أنهم قد صرحوا في الكافرة الحائض بتحريم دخولها للمسجد إن خافت التلويث صونا له من النجاسة بخلاف الجنب وصرح الماوردي وغيره أنها إذا انقطع دمها على الوجهين في الجنب، والنفساء كالحائض، وأما دخول الحائضة المسلمة المسجد

فحرام إلا اذا أمنت التلويث فيجوز على الصحيح في الشرح والروضة، وصحح الإمام المنع وهذا قبل الإنقطاع، فإن انقطع دمها جاز على الأصح. وقال القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه في الكلام على الصلاة على الميت في المسجد: إن الحائض إذا لم تكن قد استحكمت من نفسها، واستوثقت من ثفرها فإنه يكره لها دخول المسجد وإن كان ذلك محكما لم يكره لها دخوله انتهى لفظه، ونقله عنه ابن الرفعة أيضا قال: ودل كلامه على أن كراهة تنزيه يعني، والمعروف التحريم جزما. والظاهر أن القاضي أراد كراهة التحريم فإنه قال. وإذا علم من الميت الانفجار بأمارات تدل عليه كره إدخاله المسجد. فأما الحائض، وذكر ما سبق. وأفاد بأن أمنها التلويث بأن تستحكم من نفسها وتستوثق من ثفرها، أي بحيث لو خرج منها شيء بغتة لرده ذلك لا بمجرد الظن مع ترك ذلك. وأعلم أن الرافعي والنووي رحمهما الله أطلقا أنه يجوز للكافر أن يدخل مساجد غير الحرم بإذن المسلم. وعليها تسعة تقييدات. أجدها: قال الماوردي: هذا إذا لم يكن شرط عليه في عقد الذمة عدم الدخول، فإن كان قد شرط عليه ذلك لم يؤذن له وهذا صحيح لما في ذلك من مخالفة عقد الإمام والافتيات عليه، ومن أورد هذا وجها لم يصنع شيئا بل هو تقييد للحكم المذكور. نعم لو لم يعلم هل شرط ذلك عليهم

أم لا؟ فهل نقول: الأصل عدم الشرط فيأذن أو الأصل المنع فلا يأذن مالم يعلم انتفاء الشرط. فيه نظر، والثاني أقرب إلى كلامهم. الثاني: يشترط في الإذن التكليف والإسلام. فلا عبرة بإذن الصبي والمجنون. وقد يجئ فيه وجه كما قيل في أمانه. وقيل الإذن للإمام ونحوه. وقال الروياني: لا يكفي في الجامع إلا إذن السلطان ويكفي في مساجد المحال والقبائل إذن من يصح أمانه على الأصح. وفي الحاوي أن الدخول إن كان لمقام أكثر من ثلاثة أيام لم يصح الإذن في الدخول إلا من} الإمام أو يجمع عليه أهل تلك الناحية بشرط ألا يتضرر به أحد من المصلين وإن كان لاجتياز أو لبث يسير فإن كان من الجوامع التي لا ترتب فيه الأئمة إلا بإذن السلطان لم يصح الإذن في الدخول إلا من {السلطان ونحوه، وإن كان من مساجد القبائل فوجهان. أظهرهما أنه يكفي إذن من يصح أمانه والثاني، لا يصح إلا ممن كان من أهل الجهاد. انتهى. وأما إذا لم يأذن له المسلمون فليس له الدخول على الصحيح هكذا أطلقه النووي وغيره، وقضية كلام الرافعي تخصيص الوجهين بالذمي ل انه قال في أحدهما نعم، لأنه يبذل الجزية فصار من أهل دار الإسلام، فلو دخل بغير إذن عزر إلا أن يكون جاهلا بتوقفه على الإذن، فيعذر. الثالث: هذا إذا استأذن لسماع قرآن أو علم ورجى إسلامه، أو دخل لإصلاح بنيان ونحوه، وقضية كلام القاضي أبي على الفارقي أنه لو دخل لسماع القرآن أو العلم، وهو ممن لا يرجى إسلامه أنه يمنع. وليس لنا أن نأذن له في دخوله، أي كما إذا كانت حاله تشعر بالاستهزاء، فأما إذا استأذن

لنوم أو أكل أو نحوه، قال في الروضة: فينبغي ألا يؤذن له في دخوله لذلك، وظاهره الجواز، وقال غيره: لا يجوز لنا أن نأذن له في ذلك. قال الفارقي: وفي معنى ذلك الدخول لتعلم الحساب واللغة، وما كان في معناه. ولا خفاء أن موضع التجويز إذا لم يخض على المسجد ضرر ولا تنجيس ولا تشويش على المصلين وأطلق جماعة القول بأن له الدخول بلا إذن لسماع القرآن، أو الحديث، أو العلم أو ليسلم أو ليستفتي كما قال الماوردي. تنبيه: يستثنى من إطلاقهم مسألتان احداهما ما لو جلس فيه الحاكم للحكم فللذمي دخوله للمحاكمة بغير إذن وننزل جلوسه} للحكم {منزلة إذنه. نقله في الروضة عن البغوي، وأقره وهو ظاهر إذا كان في محلة أهل الذمه، أما لو لم يكن، فاجتاز به مسافرون، فلا. والظاهر أن المستأمن كالذمي فيما ذكرناه. الثانية: دخوله لحاجته إلى مسلم أو حاجو مسلم إليه. ذكره الروياني وفيه نظر. السادس عشر: ذكر صاحب التلخيص: أنه كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد جنبا ونازعه القفال. وقال الإمام: الوجه القطع بتخطئته. وقال النووي: قد يستدل له بما رواه الترمذي عن عطية عن

أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك. وقد حسنه الترمذي واستغربه. ونقل عن ضرار بن صرد أن معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، ثم نقل النووي كلام الإمام وقال: فهذا كلام من لم يقف على الحديث، لكم يقدح قادح في الحديث من جهة عطية، فإنه ضعيف عند الجمهور، لكن الترمذي حسنه فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه، فظهر بهذا ترجيح مقالة صاحب التلخيص. قلت: لكنه لا يوافق مقالته، لأن مدعاه الخصوصية، والحديث ينفيه بمشاركة غير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. السابع عشر: ينبغي ألا ينشد في المسجد شعر ليس فيه مدح للإسلام، ولا حث على مكارم الأخلاق ونحوه فإن كان لغير ذلك حرم، قاله النووي في شرح المهذب، وفي كتاب اللقطة من البيان للعمراني قال الصميري كره قوم إنشاد الشعر في المساجد وليس ذلك عندنا بمكروه، وقد كان حسان ابن ثابت ينشد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر في المسجد، وقد أنشده كعب بن زهير قصيدتين في المسجد ولكن لا يمكن منه في المسجد

انتهى. والظاهر أن هذا محمول على الشعر المباح، أو المرغب في الآخرة أو المتعلق بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض مناقبه ومآثره، لا مطلق الشعر، وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا: فضّ الله فاك ثلاث مرات: رواه ابن السّنِّى، وقال الماوردي والروياني في آخر باب حد الشرب: لعل الحديث في المنع من إنشاد الشعر في المسجد محمول على ما فيه هجو أَو مدح بغير حق، فإنه عليه السلام مدح وأُنشد مدحه في المسجد فلم يمنع منه: وقال ابن بطال: لعله فيما يتشاغل الناس به حتى يكون كل من في المسجد يغلب عليه كما تأّول أبو عبيدة في قوله عليه السلام: " لأَن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً [يريه] خير من أن يمتلئ شعرا - أَنه الذي يغلب على صاحبه، وروى البخاري في كتاب بدءِ الخلق عن سعيد بن المسيب قال مَرّ عمر في المسجد _ وحسان ينشد [فلحظ إليه] فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أَنشُدُك بالله، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أَجب عنى، اللهم أَيده بروح القدس، قال نعم، وقال ابن خزيمة في صحيحه: ذِكْرُ الخبر الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تناشد بعض الأَشعار في المساجد لا عن جميعها، ثم ذكر هذا الحديث.

الثامن عشر: ينبغي أَلا ينشد فيه ضالة، ولا يبيع ولا يشتري ولا يؤجر ولا يستاجر، هذا هو الصحيح المشهور، وللشافعي قول: إنه لا يكره فيه البيع ولا الشراءُ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليه فإن المساجد لم تبن لهذا. يقال: نشَدت الضالة بمعنى طلبتها وأَنشدتها بمعنى عَرّفتها قاله يعقوب وغيره. ومنه قوله: إصاخة الناشد للمنشد، والإصاخة، الاستماع، ورى الترمذي عنه أيضاً، أن رسول الله قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك. قال الترمذي: حسن غريب والعمل عليه عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد واسحق، ورخص فيه بعضهم وقال ابن خزيمة في صحيحه: لو لم يكن البيع منعقداً لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا أربح الله تجارتك معنى انتهى. وقال الطحاوي: هذا إذا غلب عليه حتى يكون كالمستغرق أما الفعل القليل فلا باس به، وينبغي اجتنابه، ومن الغريب قول ابن الرفعة في المطلب في الكلام على بيع العصير من عاصر الخمر: أنه لم يَرَ هذا الفرع في كلام أصحابنا وإنما ورد الحديث بالنهي.

عنه. وقد قال الرافعي في كتاب الشهادات. قال صاحب العُدّة ومن الصغائر: البيع والشراء في المسجد. قال في الروضة: والمختار كراهته. وقال النووي في زوائد الروضة في آخر كتاب الجمعة: البيع في المسجد مكروه يوم الجمعة وغيره على الأظهر. وقال في كتاب إحياءِ الموات: ومنها الجلوس للبيع والشراء والحرفة وهو ممنوع منه إذ حرمة المسجد تأبى اتخاذَه حانوتاً انتهى. وذكر صاحب البيان المسألة في كتاب الاعتكاف، وحكى فيه قولين عن حكاية ابن الصباغ وقال: أصحهما كراهته. والثاني: لا يكره بل يباح. قال ابن الصباغ، فإن كان محتاجاً إلى شراءِ قوته وما لا بد منه لم يكره. فإن أَكثر من ذلك لم يبطل اعتكافه، وقال في القديم: إن فعل ذلك_ والاعتكاف منذور. رأَيت أَن يستقبله. وهذا قول مرجوع عنه. التاسع عشر: قال ابن الصباغ: تكره الخياطة في المسجد إلا أن يخيط ثوبه وما يحتاج إلى لبسه فلا يكره. وقال مالك: إن كانت الخياطة حرفة لم يصح اعتكافه لأَنه بعد محترفاً [لا] معتكفاً. وقال النووي، فأَما من ينسخ فيه شيئاً من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ثوباً ولم يجعله مقعداً

للخياطة فلا بأس به، وقال الشيخ عز الدين في الفتاوي الموصلية: لا ينبغي أن يعمل في المسجد [ألا ترى أن] من دخل دار ملك فجلس بين يدي الملك وهو ينظر إليه، وإلى ما يفعل في بيته [كيف تكون حاله فيه]، وقال في الروضة: يكره عمل الصنائع فيه، أي المداومة، أما لو دخل لصلاة أو اعتكاف فخاط ثوبه لم يكره، وأطلق الرافعي في باب الاعتكاف كراهة النسخ في المسجد إذا كثر، وينبغي تقييده بغير نسخ كتب العلم، أما هي فلا يكره سواء قل أو كثر، وقد صرح بذلك النووي في شرح المهذب. تمام العشرين: يكره اللغظ ورفع الصوت في المسجد ففي مصنف ابن أبي شيبة: أن عمر سمع رجلا رافعا صوته في المسجد فقال: أتدري أين أنت،؟ وفي البخاري نحوه، وحكي ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن مالك أنه سئل عن رفع الصوت في المسجد بالعلم فقال: لا خير في ذلك العلم ولا في غيره، ولقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه، وأنا أكره ذلك، ولا أرى فيه خيرًا، قال أبو عمر: وأجاز

ذلك قوم منهم أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من المالكية، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو قال: تخلف فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته. ويل للاعقاب من النار، وليس في الحديث أنهم كانوا في المسجد وفي الصحيح من حديث كعب بن مالك وابن أبي حدرد في الدين الذي له عليه، وأنهما دخلا المسجد، وارتفعت أصواتهما فيه ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ضع من دينك الشطر، الحديث. الحادي والعشرون: سئل القفال عن تعليم الصبيان في المسجد، فقال: الأغلب من الصبيان الضرر بالمسجد فيجوز منعهم، انتهي وقال القرطبي: منع بعض العلماء من تعليم الصبيان فيه، ورأوا انه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرةن فلو كان تبرعا فهو ممنوع أيضا لعدم تحرز الصبيان عن القذر والوسخ؟، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد وقد ورد الأمر بتنظيفها، وفي الحديث: جنبوا مساجدكم صبيانكم، وقال القاضي عياض: قال بعض مشايخنا: إنما يمنع من المساجد من عمل الصنائع التي يختص ببعضها آحاد الناس، ويتكسب به ولا تتخذ المساجد متجرا، فأما الصنائع

التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمتفقهة وإصلاح آلات الجهاد، وما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به. الثاني والعشرون: يستحب عقد حلق العلم في المساجد، وذكر المواعظ والرقائق ونحوها، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة، قاله النووي في شرح المهذب: ونقل ابن بطال فيه الإجماع، وقد ورد في فضل حلق الذكر ما لا يخفي وقد روى ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن دخل مسجدنا هذا ليعلم خيرا أو ليتعلم كان كالمجاهد في سبيل الله، ولا فرق في هذا بين المعتكف وغيره، وعن أحمد ومالك كراهته للمعتكف، قال النووي: وتجوز قراءة الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق ونحوها مما ليس فيه موضوع ولا ما تحمله عقول العوام، قال: ولا يجوز أن يقرأ فيه ما ذكره أهل التواريخ من قصص الأنبياء وحكاياتهم فيها. وأن بعضهم جرى له كذا من فتنة ونحوها، فهذا كله ممنوع منه ذكره في كتاب الاعتكاف. الثالث والعشرون: قال الغزالي في الإحياء: يكره الجلوس للحق قبل الصلاة يوم الجمعة، قلت: وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال يعني في المسجد، وذكر ذلك أيضا أبو نعيم في كتاب رياضة المتعلمين، قال الخطابي: وكان بعضهم يرويه الحلق بإسكان اللام وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة قال: فقلت له: إنما هو الحلق بفتحها جمع حلقة، وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم وأمر بأن يشتغل بالصلاة وينصب للخطبة. الرابع والعشرون: يجوز أكل الخبز والفاكهة، والبطيخ وغير ذلك في المسجد، وقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي، قال: كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم، وقال مالك: يكره الأكل في المسجد إلا اللقمة واللقمتين، ولا يعجبه الأكل في رحابه لأنها من المسجد وينبغي أن يبسط شيئا ويحترز خوفا من التلوث، ولئلا يتناثر شيء من الطعام فتجتمع عليه الهوام هذا إذا لم يكن له رائحة كريهة – فإن كانت كالثوم والبصل والكرات ونحوه فيكره أكله فيه ويمنع آكله من المسجد حتى يذهب ريحه، فإن دخل المسجد أخرج منه ففي الصحيحين من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، او ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وذهب

الظاهرية إلى تحريم أكله بناء على أن صلاة الجماعة فرض عين، وهل كان ذلك حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وجهان أصحهما الكراهة، ظاهر الأحاديث يقتضي تحريم حضور المسجد كما أشار إليه ابن حبان في صحيحه، وصرح به ابن المنذر في الإقناع، وهذا كله مع رائحته، فإن أميت بالطبخ ونحوه فلا منع، ففي صحيح مسلم: فمن أكلها فليمتها طبخا – وفي السنن عن عائشة أنها سئلت عن البصل فقال: إن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل، وزعم بعضهم ان هذا خاص بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله مسجدنا فإنه كان مهبط الملك بالوحي، والمشهور خلاف ذلك، وأنه عام في جميع المساجد، لأن الحكم يعم بعموم علته، وقد روى مسلم: فلا يأتين المساجد، وقد توسع بعضهم فقال: إن من به بخر، أو خرج منه ريج يجري هذا المجرى. الخامس والعشرون: يجوز الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، والاتكاء للأحاديث الصحيحة المشهورة، وفي البخاري من طريق عباد بن تميم عن عمه أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى

قال البغوي، في شرح السنة:، إلا الانبطاح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: إنها ضجعة يبغضها الله، قال البخاري، وقال سعيد بن المسيب وكان عمر وعثمان يضعان إحدى رجليهما على الأخرى، وأما ما رواه حماد بن سلمة وابن جرير والليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره، قال ابن بطال: كان البخاري يراه منسوخا بحديث عباد ولذلك أردفه بفعل عمر وعثمان: قال الزهري: وجاء الناس بأمر عظيم في إنكار ذلك واستدل على نسخه بعمل الخليفتين بعده، إذ لا يجوز عليهما مثل ذلك، قال البغوي في شرح السنة: موضع النهي والله أعلم، أن ينصب الرجل ركبته فيعرض عليها رجله الأخرى ولا إزار عليه، أو إزاره ضيق فيكشف معه بعض عورته، فإن كان واسعا بحيث لا تبدو منه عورته فلا بأس به. السادس والعشرون: يجوز التشبيك بين الأصابع في المسجد، ففي حديث ذي اليدين أنه صلى الله عليه وسلم: شبك بين أصابعه وحكاه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وسالم والحسن وغيرهم، وحكي كراهته عن إبراهيم النخعي وكعب وعن النعمان ابن أبي عياش، قال: كانوا ينهون عن تشبيك الأصابع يعني في الصلاة. واحتج المانعون بأحاديث – الأول: رواه أبو داود عن أبي تمامة الحناط، أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، أو أدرك أحدهما صاحبه

قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي فسأل عن ذلك، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبك بيديه، فإنه في صلاة، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وأخرج الحاكم في مستدركه عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابعه محمد بن عجلان عن المقبري، وهو صحيح على شرط مسلم ثم ساقه كذلك بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة إذا توضأت ثم دخلت المسجد فلا تشبك بين أصابعك قال: ورواه شريك بن عبد الله عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عنه بغير وهم في ذلك. انتهى. الثاني: رواه أحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه. الثالث: رواه ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أصابعه [وأجاب] المجوزون عن الأول بأن أبا ثمامة تكلم فيه الدارقطني - وإن وثقه ابن حبان – وعلى تقدير صحته فلا يعارض حديث ذي اليدين لأن حديث كعب فيه النهي عن التشبيك لمن هو منتظر الصلاة، وفي حديث ذي اليدين إنما

شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعتقد أنه أكمل الصلاة ففيه دليل لإباحة التشبيك في المسجد، وعن الثاني بأن ابن أبي شبية رواه عن مولي لأبي سعيد، وهو مجهول. وقد تكلم ابن خزيمة في صحيحه على هذا الحديث وقال: وجاء خالد بن حبان الرقي بطامة، رواه عن ابن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد قال: ولا أحل لأحد يروى عني هذا الخبر إلا على هذه الصفة، فإن هذا إسناد مقلوب ويشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض عن سعد بن إسحاق مقلوب ويشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض عن سعد بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري عن أبي ثمامة لأن داود ابن قيس أسقط من الإسناد سعيد المقبري، فقال: عن سعيد بن إسحاق عن أبي ثمامة فأما ابن عجلان، فقد وهم في الإسناد، وقد خلط فيه فمرة يقول: عن أبه عن أبي هريرة، ومرة يرسله، ومرة يقول: عن سعيد عن كعب، وابن أبي ذئب بين أن المقبري سعيد بن أبي سعيد إنما رواه عن رجل من بني سالم، وهو عندي سعد بن إسحاق، إلا انه غلط فيمن فوق سعد بن إسحاق، وقال: عن أبيه عن جده كعب، وداود بن قيس وأنس بن عياض جميعا قد اتفقا على أن الخبر إنما هو عن أبي ثمامة، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الكراهية، وحديث ذي اليدين على الجواز، وفعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لم يكن مكروها وعن الثالث بأنه مرسل أو محمول على من يريد الصلاة كما سبق، وقال القفال في محاسن الشريعة: أمر الماشي إلى الصلاة: ألا يشبك بين أصابعه،

لأن الإنسان في صلاة ما دام يمشي إلى الصلاة، ثم له وجوه، أحدها، أن الاستحباب في الصلاة نشر الأعضاء الثاني التفاؤل بانبساط الأعضاء، والتشبيك خلاف النشر، الثالث أن العرب كانت إذا سارت إلى موضع لتهييج حرب، وإثارة قتال شبكت بين أصابعها إشارة إلى اشتباك الحرب كما قيل: وكتيبة لبستها بكتيبة ... حتى إذا اشتبكت نفضت لهايدي فكأنه أريد بالنهي عن التشبيهك الإشارة لما في موضع الاجتماع من السلم لا الحرب والتآلف لا التباين، وقال الخطابي: تشبيك اليد: هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك فيها، قد يفعله بعض الناس عبثا، وبعضهم يفعله ليفرقع أصابعه عندما يجد مس التخدر فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبي بيديه يريد الاستراحة: وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سبببا لانتفاض طهارته، فقيل: لمن تطهر وخرج إلى المسجد متوجها إلى الصلاة لا تشبك بين أصابعك، لأن جميع ما ذكرناه. من هذه الوجوه على اختلاف أنواعها لا يلائم شيء منها الصلاة انتهى، وقسم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام: أحدها: إذا كان الإنسان في الصلاة ولا شك في كراهته.

وثانيها: إذا كان في المسجد منتظرا للصلاة، أو هو عائد إلى المسجد يريدها بعدما تطهر، فالظاهر كراهته، لحديث كعب. ثالثها: أن يكون في المسجد بعد فراغه من الصلاة، وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها فلا يكره لحديث ذي اليدين. رابعها: في غير المسجد فهو اولى بالإباحة وعدم الكراهة. السابع والعشرون: يستحب إستحبابًا متأكدًا كنس المسجد وتنظيفه لما روى أبو داود والترمذي عن أنس يرفعه، عرضت على أجور أمتى حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعن عائشة قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب وفي المصنف، عن يعقوب بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة. الثامن والعشرون: يكره نقش المسجد واتخاذ الشرفات له، ذكره في الروضة قبل باب السجداتن لأنها تشغل القلب، وروى البيهقي عن أنس مرفوعا:

ابنوا المساجد واتخذوها جما بضم الجيم، وتشديد الميم، قال أبو عبيد: الجم الذي لا شرف له، وعن ابن عمر: نهانا، أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف، والشرف بضم الشين وفتح الراء: جمع شرفة كغرفة وغرف، ولا شك أنه لا يجوز صرف غلة، ما وقف على عمارته في ذلك، وعبارة القاضي الحسين: لا يجوز صرفها إلى التجصيص والتزويق، وقد روى أن ابن مسعود مر بمسجد مزخرف، فقال: لعن الله من زخرفه، أو قال لعن الله من فعل هذا، المساكين أحوج من الأساطين، انتهى، وما يفعله جهلة النظار من ذلك سفه مضمن [في] أموالهم، وقال البغوي في شرح السنة: لا يجوز تنقيش المسجد بما لا إحكام فيه، وقال في الفتاوي، فإن كان فيه إحكام فلا بأس فإن عثمان رضي الله عنه بني المسجد بالقصة والحجارة المنقوشة، قال البغوي ومن زوق مسجدا أي تبرعا لا يعد من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات، لأنه يفعله تعظيما لشعائر الإسلام، وقد سامح فيه بعض العلماء واباحه بعضهم ثم قال في موضع آخر: لا يجوز نقش المسجد من غلة الوقف ويغرم القيمة إن فعله فلو فعله رجل بماله كره، لأنه يشغل قلب المصلين انتهى، وأطلق غيره عدم الجواز لأنه بدعة منهي عنه، ولأن فيه تشبها بالكفار، وذكر أبو نعيم في الحلية حديثا مرفوعا إذا ساء عمل قوم زخرفوا مساجدهم، وإذا وقف على النقش

والتزويق لا يصح على الأصح لأنه منهي عنه، ولأنه من أشراط الساعة ولأنه مما يلهي عن الصلاة بالنظر إليه، وقيل يصح لما فيه من تعظيم المسجد وإعزاز الدين، والخلاف يقرب من الخلاف في تحلية المصحف. التاسع والعشرون: يكره زخرفتها، ففي سنن أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرت بتشييد المساجد، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصاري وعن انس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قالأ: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد، وروى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أمر ببناء مسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس وقال أبو الدرداء إذا حليتم مصاحفكم، وزخرفتم مساجدكم فالدبار عليكم، وقال علي رضي الله عنه، إن القوم إذا رفعوا مساجدهم فسدت أعمالهم، ويكره أن يكتب في قبلة المسجد آية من القرآن أو شيئا منه قاله مالك، وجوزه بعض العلماء، وقال: لا بأس به لقوله تعالى: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، الاية، ولما روى من فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر ذلك.

الثلاثون: يستحب تجمير المسجد بالبخور، وكان عبد الله بن المجمر يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، وأنكر مالك تجمير المسجد، واستحب بعض السلف تخليق المساجد بالزعفران والطيب، وروى عنه صلى الله عليه وسلم فعله، وقال الشعبي: وسنة وذكر ابن أبي شيبة عن ابن أبي نجيح أن ابن الزبير لما بني الكعبة طلا حيطانها بالمسك. الحادي والثلاثون: في تحلية المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها وجهان، أصحهما التحريم فإنه لم ينقل عن السلف، والثاني الجواز كما يجوز ستر الكعبة بالديباج، وحكم الزكاة مبني على الوجهين، لكن لو جعل المسجد وقفا فلا زكاة بحال، واضطرب كلام الشيخ محي الدين فإنه صحح التحريم، ثم حكم بصحة الوقف، وقد اتفقوا على بطلان الوقف على الأشياء المحرمة بل اختلفوا في اشتراط القربة. الثاني والثلاثون: قد تقدم في الباب الأول أنه يحل الحرير لإلباس الكعبة وحكم البيوت أيضا، وأما باقي المساجد فقال الشيخ عز الدين بن

عبد السلام: لا بأس بستر المسجد بالثياب من غير الحرير، وأما الحرير فيحتمل أن يلحق بالتزيين بقناديل الذهب والفضة، ويحتمل أن يكون قولا واحدا لأن أمره أهون – ولم تزل الكعبة تستر بالحرير فلا يبعد إلحاق غيرها بها، قلت: وفي فتاوي الغزالي: لا فرق في الإباحة بين الكعبة وغيرها، لأن الحرير إنما حرم على الرجال لا على النساء فكيف الجمادات والمساجد، ذكره في التسعين ثم رأيت في فتاوي قاضي القضاة أبي بكر الشامي أنه لا يجوز أن يعلق على حيطان المسجد ستورا من حرير ولا من غيره ولا يصح وقفها عليه وهي باقية على ملك الواقف قال: وأما البيوت فالقياس يقتضي أنه لا يجوز تعليق الستر عليها، وإنما تركنا ذلك لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم/ ولا أحدا من أصحابه أنكر ذلك انتهى، وفي هذه الدعوى نظر لما سبق من الأدلة في ذلك، والقصد أن احتمالي الشيخ عز الدين منقولان للغزالي والشامي، وأما مشاهد العلماء والصالحين، فحكمها حكم البيوت في الجواز والمنع. الثالث والثلاثون: يستحب فرش المساجد وتعليق القناديل والمصابيح ويقال: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح، ولما رأي علي رضي الله عنه اجتماع الناس في المسجد على الصلاة والقناديل تزهر وكتاب الله يتلي/ قال/: نورت مساجدنا، نور الله قبرك يا ابن الخطاب، وروى ابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي صلى

الله عليه وسلم: قلت: يارسول الله: أفتنا في بيت المقدس قال: ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حربا فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله. الرابع والثلاثون: لا بأس بإغلاق المسجد في غير وقت الصلاة صيانة وحفظا لما فيه خلافا لأبي حنيفة فإنه منع من غلقها بحال، قاله الصيمري في شرح الكفاية ونقله في الروضة عنه، وأقره وجزم به قبل باب السجدات وفي بعض كتب الحنفية: يكره غلق باب المسجد لقوله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وخولف في ذلك، فقيل: كان هذا في زمان السلف، فأما زمننا وقد كثرت الجنايات فلا بأس بإغلاقه احتياطا على متاع المسجد وتحرزا عن نقب بيوت الجيران من المسجد. الخامس والثلاثون: يحرم إخراج الحصى والحجر، والتراب وغيره من أجزاء المسجد منه ذكره في شرح المهذب، ومثله الزيت والشمع، وفي الحديث إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد، رواه أبو داود، وقال ابن عباس لنفيع ردها

وإلا خاصمتك يوم القيامة رواه ابن أبي شيبة، وكلام النهاية في أثناء الكلام على مبيت مزدلفة يقتضي الكراهة فإنه قال: ويكره أخذ حصى الجمار من المسجد والحش. السادس والثلاثون: يكره غرس الشجر والنخل، وحفر الآبار في المساجد لما فيه من التضييق على المصلين، ولأنه ليس من فعل السلف، وحكاه في البيان عن الصيمري وكذا جزم في الروضة بكراهة الغرس وهو وجه، والصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور، وفي فتاوي جمال الإسلام بن البارزي وغيره من الحمويين: قطع العراقيون بمنع الزرع والغرس في المسجد قال: وعلى هذا لو عثر به إنسان ضمنه الغارس، وقال الغزالي: لا يجوز الزرع وإن غرس غرسا يستظل به فهلك به إنسان فلا ضمان، قيل للمحب إذا كان يجيء كل سنة للمسجد شيء كثير من التمر لم لا يجوز؟ قال: كما لا يجوز إجازة المسجد وإن كان ينتفع بالأجرة فإنه تغيير لما أرصد له، وذكر أبو الوليد بن الفرضي في تاريخ الإندلسي: أن صعصعة بن سلام الشامي يروي عن الأوزاعي قال – وولي القضاء بقرطبة، وفي أيامه غرست الشجر في المسجد الجامع - قال: وهو مذهب الأوزاعي والشاميين ويكرهه مالك وأصحابه وقال الرافعي في كتاب الوقف: ولا ينبغي أن يغرس في المسجد لأنه يمنع المصلين

قال: في الروضة في باب السجدات، فإن غرس قلعه الإمام، وكلام الأصحاب في باب موجبات الضمان يقتضي جواز الحفر فيه إذا دعت إليه ضرورة، وقال القاضي حسين في تعليقه في الصلاة لا يجوز الغرس في المسجد ولا الحفر فيه، ولا أن يبني فيه منارة، ولا أن يضرب فيه اللبنات ويضعها في زواية منه، أو يجمع الحشيش في موضع منه، لأن هذه الأشياء مما يشغل موضع الصلاة، وقيل: إن اتخاذ المنارة أحق لأنه يمكن الصلاة على رأسها بخلاف حفر البئر ونحوه. قال: ولو اتخذ سردابا تحت المسجد يتقي به من حر الشمس جاز لأنه يمكن الصالة فيه وقال الرافعي في آخر كتاب الوقف: سئل أبو علي عبد الله الحناطي عن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع بثمارها؟ فقال: إن جعلها للمسجد لم يجز أكلها من غير عوض ويجب صرفها إلى مصالح المساجد، ولا ينبغي أن يغرس في المساجد الأشجار لأنها تمنع الصلاة قال: في زيادة الروضة، فإن غرسها مسبلة للأكل جاز أكلها بلا عوض وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به، وقد سبق في كتاب الصلاة أنها تقلع انتهى، وقال الغزالي في فتاويه التي سأله عنها الفقيه إبراهيم بن المطهر الجرجاني بالشام: إذا غرس شجرة في المسجد لنفسه منع منه مهما كان قصده الانتفاع بالمسجد فإن فعل وحصلت الفاكهة فهي له وعليه أجرة المثل للمسجد لأنه استوفي منافعه فهو كما لو أحرق خشبا من المسجد تلزمه الغرامة، ويجوز له الأكل من تلك الفاكهة بإذن المالك ما دام حيا، فإن مات قبل أداء الأجرة تعلق حق المسجد بالشجرة والثمرة، وصار مرهونا ولا يجوز الأكل منه بالإذن

السابق فإنه متعلق حق المسجد، وإن غرس على أن يكون الغراس للمسجد وينصرف الريع إلى مصالحه فذلك غير جائز إلا أن يكون المسجد واسعًا ويكون فيه فائدة للمصلين بالاستظلال فيه، ولم يكن فيه ما يجمع الطيور مما ينجس المسجد فيرخص فيه كما في بناء السقيفة للاستظلال، وأما إذا غرس على أن يكون وقفا على قوم لا تعلق لهم بالمسجد فيمنع منه كما لو غرس لنفسه إذ لا يجوز صرف منافع المسجد إلا لمصالحه، وإن غرس على أن يكون وقفا للمجاورين والمصلين فيه فله تعلق بالمسجد يحتمل جوازه، وإن أشكل الحال فالأصل بقاؤه على ملكه فيجعل كأنه غرسه لنفسه، فعلى المتولي قلعه انتهى، وأفتى قاضي حماة شرف الدين البارزي أنه إذا ضيق غرسها على المصلين ولم تجعل للمسجد – بالتحريم، فإن لم يضيق، وجعلت للمسجد – بالجواز لوجود النفع بلا ضرر. السابع والثلاثون: إذا بليت حصر المسجد، أو انكسرت جذوعه ولم يصلح لغير الإحراق، وإذا لم يبق في أستار الكعبة جمال، ففي جواز بيعها وجهان أصحها أنها تباع كيلا تضيع ويضيق المكان بها، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد قال الرافعي، والقياس أن يشترى بثمن الحصر الحصرُ، ولا يصرف في مصلحة أخرى، ويشبه أن يكون هذا هو المراد بإطلاقهم، والثاني وصححه في البيان، أنها لا تباع بل تبقي كذلك، لأن الوقف لا يمكن بيعه، ولا يمكن استبقاء عينه، فيترك أبدًا واستبعده الإمام،

ويجري الخلاف فيما إذا أشرفت الدار الموقوفة على الانهدام، لكن ذكر الإمام أن الأكثرين على المنع، وظاهر كلام الرافعي تصحيح الجواز رعاية للمصلحة، وبه قال أحمد، قال الرافعي: وهذا الخلاف فيما إذا كانت موقوفة على المسجد اما ما اشتراه المتولي للمسجد أو هبة ثمنه واهب فقبله المتولي فيجوز بيعه بلا خلاف عند الحاجة، لأنه ملكه حتى إذا كان المشتري للمسجد شقصا كان للشريك أخذه بالشفعة، وإن باع الشريك فللمتولي الأخذ بالشفعة عند الغبطة، قال النووي: هذا إذا اشتراه الناظر، ولم يقفه، فإن وقفه صار وقفا قطعا تجري عليه أحكام الوقف، وقال صاحب الكافي: إذا اشترى قيم المسجد لعمارته ما يحتاج إليه من الخشب والآجر، واللبن وصرفها إلى عمارته لا يجوز بيع شيء منها لأنها صارت في حكم جزئه، وكذلك حصر المسجد فلو بلى شيء منها، واستغنى المسجد عنه ففي جواز بيعه وجهان، قال: والأصح عندي أنه إن كان شيئا لم يتناوله وقف الواقف، ولا تولد من الوقف يجوز بيعه لأنه إنما أخذ حكم المسجد بحكم الاتصال، فإذا زال الاتصال عاد إلى أصله. الثامن والثلاثون: التاسع والثلاثون:

الأربعون: إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو بخراب المسجد فلا يعود مملوكا، خلافا لمحمد بن الحسن، ولا يجوز بيعه بحال، ولا التصرف فيه كما لو أعتق عبدا ثم زمن لا يعود مملوكا ثم إن خفيف أن تنقضه الشياطين، نقض وحفظ وإن رأى القاضي أن يبني بنقضه مسجدًا آخر، قال القاضي وابن الصباغ والمتولي يجوز وقال المتولي: الأولى أن ينقل إلى أقرب الجهات إليه، فإن نقل إلى البعيد جاز، ولا يصرف النقض إلى غير المسجد كالرباطات والقناطر والآبار كما لا يجوز عكسه، لأن الوقف لازم، وقد دعت الضرورة إلى تبديل المحل دون الجهة، والحاصل من ريع وقف عمارة هذا المسجد، يصرف إلى عمارة مسجد آخر، وكذا يفعل الحاكم بما في المسجد الخراب من حصر وقناديل ونحوها، ينقلها إلى غيره عند الخوف عليها، وقال في الحاوي، ريع المسجد الذي خربت محلته يصرف إلى المساكن لأنه مصرف لا ينقطع لفاقتهم على الأبد. وقال الخوارزمي في الكافي: إذا خرب المسجد لا يجوز بيعه ولا بيع شيء منه ولا نقله إلى موضع آخر، ولا نقل شيء منه، هذا هو المنقول عن عامة الأصحاب، قال: وكذلك مسجد في محلة أو قرية خربت المحلة واندرست القرية لا يجوز نقل ذلك المسجد إلى موضع آخر، قال: والأصلح عندي جواز نقله إلى موضع آخر وهو مذهب أحمد.

الحادي والأربعون: رحاب المسجد من المسجد، حكاه الرافعي عن الأكثرين وفي وجه حسنه في الشرح الصغير ان الرحبة المنفصلة كآخر، وحكي في شرح المهذب خلافا في الرحبة فقال البندنيجي، وهو ما بني له جواره، وقال القاضي أبو الطيب ما حوله، وقال ابن الصباغ والعمراني ما أضيف إليه محجرا عليه، فلو صلى تحت الساعات بصلاة الإمام بجامع دمشق، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام تصح لأنه رحبته، وأفتي الشيخ ابو عمرو بن الصلاح بعدم الصحة، قال، والرحبة: صحن الجامع، قال الشيخ محي الدين: ولا دليل له والصحيح الموافق للأصحاب الأول، وقال الرافعي في باب إحياء الموات: عد الشيخ أبو محمد وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق مما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء قال وهذا كما يقدح في نفي الإقطاع يخالف المعروف في المذهب من المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء إلا أن يراد بالرحاب الأفينة، الخارجة عن حد المسجد، ونقل في الروضة عن الأحكام السلطانية للماوردي أن حريم الجوامع والمساجد، إن كان الارتفاق به مضرا بأهل المسجد منع منه، ولم يجز للسلطان الإذن فيه، وإلا جاز، وهل يشترط فيه إذن السلطان وجهان.

الثاني والأربعون: يجوز بناء المسجد في أي موضع كان كنيسة أو نحوها للاحاديث الصحيحة في ذلك، منها حديث عثمان بن أبي العاص: أن رسول الله صلى لله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت طواغيتهم. رواه أبو داود وابن ماجه. الثالث والأربعون: يستحب لداخل المسجد أن يقدم رجله اليمني في الدخول، واليسرى في الخروج لحديث أنس رضي الله عنه أنه قال: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى، رواه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط مسلم وقال البخاري: وكان ابن عمر يفعله. الرابع والأربعون: يستحب لداخله أيضا أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، وفي صحيح مسلم عن أبي حميد، وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم

وليقل: اللهم افتح أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك، وفي كتاب الصلاة للقاضي إسماعيل بسنده عن علي بن الحسين قال: قال علي بن أبي طالب: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المزني: من بلغ باب المسجد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك [وأقرب من تقرب إليك] وأنجح من دعاك وتضرع إليك، حكاه الروياني في البحر في صلاة الجمعة. الخامس والأربعون: يستحب الاستعاذة للخارج من المسجد في كتاب ابن السني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وأجلبت، واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنه إذا قالها لم يضره، وفي مستدرك الحاكم من حديث الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

السادس والأربعون: يستحب لمن دخل المسجد وجلس فيه أن ينوي الاعتكاف سواء كثر جلوسه أم قل، قل النووي في البيان: وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره، ويعرفه الصغار والعوام، فإنه مما يغفل عنه، قال في الأذكار: وينبغي للمار أيضا أن ينوي الاعتكاف فإن بعض أصحابنا قال: يصح اعتكاف من دخل المسجد مارا، والأفضل أن يقف لحظة ثم يمر. السابع والأربعون: يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية ولم تكرر دخوله ففي الصحيحين من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ورواه الأثرم في سننه بلفظ أعطوا المساجد حقها قالوا: وما حقها يارسول الله؟ قال: أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا، وذهب الظاهرية إلى وجوبهما عملا بظاهر الأمر، وسواء في الاستحباب وقت الكراهة أم لا؟ خلافا لمالك ولو دخل وجلس هل يستحب له بعد الجلوس؟ قال في الروضة: إن طال الفصل لم يأت بها وإن لم يطل فالذي قاله الأصحاب

أنها تفوت بالجلوس فلا يفعلها، وذكر الإمام أبو الفضل بن عبدان في كتابه المصنف في العبادات: أنه لو نسي التحية وجلس فذكر بعد ساعة صلاها، وهذا غريب، وفي الصحيحين ما يؤيده في حديث يوم الجمعة وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال يا أبا ذر: صليت؟ قلت: لا، قال فقم، فصل ركعتين، وههنا مسألة حسنة، وهي أن الداخل للمسجد لو رأي جماعة هل يشرع له تحية المسجد أولا قبل السلام عليهم أم لا؟ ففي السنن من حديث رفاعة في حديث المسيء صلاته أنه دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه صلاته، ولم ينكر عليه تأخير سلامه إلى ما بعد الصلاة، وعلى هذا فيكون لداخله ثلاث تحيات، أن يسمى الله ويصلي على رسوله، ثم يصلي ركعتين ثم يسلم على القوم. الثامن والأربعون: يستحب للقادم من السفر أن يصلي في المسجد ركعتين أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد وفي المسألة أحاديث لكن تحصل التحية بهما كما لو صلى فريضة.

التاسع والأربعون: يكره الخروج من المسجد بعد الأذان لغير ضرورة من انتقاض طهارة أو فوات رفقة، أو صلاة في غيره، وفي صحيح مسلم من حديث سليم بن أسود أبي الشعثاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ المنذري وذكر بعضهم إن هذا موقوف، وذكر أبو عمر ابن عبد البر أنه مسند عندهم، وقال: لا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان يعني هذا، وقول أبي هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة وقال: قد أضمر في هذا الخبر شيئان أحدهما، وقد أذن المؤذن وهو متوضيء، والثاني – وهو غير مؤد لفريضة، قال: وأبو صالح هذا من أهل البصرة اسمه ميزات ثقة. الخمسون: تجوز الصلاة على الميت في المسجد، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وهي رواية المدنيين عن مالك، ومستندهم الأحاديث الصحيحة فيه كقول عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد رواه مسلم وفي رواية، والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني البيضاء في المسجد، سهيل وأخيه، وقال أبو حنيفة

ومالك: لا تصح الصلاة عليه في المسجد: لحديث رواه أبو داود من طريق صالح مولي التوأمة عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له، وأجيب عنه بأجوبة أحدها أنه ضعيف، قال أحمد لا يجوز الاحتجاج به تفرد به صالح مولى التوأمة، وقال البيهقي / هذا حديث يعد في أفراد صالح، وحديث عائشة أصح منه وصالح مختلف في عدالته فإن مالكا يجرحه، ثم ذكر عن أبي بكر وعمر أنهما صليا عليهما في المسجد، ثانيهما، أن الصحيح فيه فلا شيء عليه، قال الحافظ أبو بكر الخطيب في روايته لكتاب السنن: المحفوظ فلا شيء عليه، وغيره يرويه فلا شيء له رواه ابن ماجه بلفظ: فليس له شيء. ثالثها: انه لو صح لوجب تأويله على، فلا شيء عليه ليجمع بينه وبين حديث عائشة – رابعها: أشار إليه الخطابي أنه محمول على بعض الأمر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة، ولم يحضر دفنها، خامسها: أنه لا دلالة فيه على عدم الحصة ألبتة، وداعى الطحاوي أن حديث عائشة منسوخ، وأن الترك آخر الفعلين من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على عائشة ورد عليه جماعة منهم البيهقي وغيره، قال البيهقي، ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما رويته عائشة لذكره يوم صلى على أبي بكر الصديق في المسجد، ويوم صلى على

عمر بن الخطاب في المسجد، وإنما أنكره لم يعرف الجواز، فلما روت الخبر سكنوا إليه. الحادي والخمسون: لا بأس أن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه، رواه أبو داود في سننه والبزار في مسنده، وقال لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد ويروى مرسلا، وأخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب الزكاة، وقال: صحيح على شرط مسلم، قال المنذري، وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي حازم سليمان الأشجعي، عن أبي هريرة فتموه أتم منه، قلت: وأخرجه البخاري أيضا، وفي كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: قال أبو مطيع البلخي: لا يحل للرجل أن يعطي سؤال المسجد لما روى في الآثار: ينادي يوم القيامة مناد، ليقم بفيض الله فيقوم سؤال المسجد، قال والمختار: أنه إن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس، ولا يمر بين يدي المصلي، ولا يسأل الناس إلحافا، فلا بأس بالسؤال والإعطاء، لأن الؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى يروى أن عليا تصدق بخاتمه وهو في الركوع فمدحه

الله بقوله: يؤتون الزكاة وهم راكعون. وإن كان يتخطي رقاب الناس ويمر بين يدي المصلى فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس حتى قيل: هذا فلس واحد يحتاج إلى سبعين فلسا لكفارته. الثاني والخمسون: كره بعض السلف السقاية في المسجد، والمشهور الجواز وقد سقى سعد بن عبادة في المسجد، وقد سئل مالك عن الماء الذي يسقي في المسجد، وأترى يشرب منه؟ قال: نعم، إنما يجعل للعطشان ولم يرد به أهل المسكنة فلا أرى أن يترك شربه ولم يزل هذا من أمر الناس. الثالث والخمسون: السنة لمن دخل المسجد ومعه سهم أن يمسك بنصله أو رمح أن يمسك بسنانه لما روى البخاري عن جابر: أن رجلا مر بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بنصالها، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مر بشيء من مساجدنا أو أسواقنا فليقبض على نصالها بكفه أو يصيب المسلمين منها

شيء، والمعنى في ذلك تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها، أو يؤذي لأن المساجد مملؤة بالخلق، ولا سيما في أوقات الصلوات. الرابع والخمسون: يكره سل السيف في المسجد، قال عطاء: نهي عن سل السيف في المسجد، وفيه آثار رواها ابن أبي شيبة في مصنفه، وأما إقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة على لعبهم بالحراب والسيوف في المسجد يوم العيد فهو مخصوص بما أقره صلى الله عليه وسلم، من جهة التدريب على الحرب، والتمرين فيه والتنشيط عليه، فهو من باب المندوب ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر. الخامس والخمسون: روى ابن عدي في الكامل من طريق حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن ابي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يمر باللحم النيء

في المسجد، قال ابن عدي وهذا منكر بهذا الإسناد، لا يرويه عن أبي الزبير غير حمزة، وحمزة يضع الحديث. السادس والخمسون: يكره اتخاذ المسجد طريقا، وفي المعجم الأوسط للطبراني عن سالم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا المساجد طرقا، إلا لذكر الله أو صلاة. السابع والخمسون: تزيين المسجد بقوارير الزجاج لا للوقود كرهه بعض العلماء، وممن جاء ذلك عنه عبد الملك بن حبيب. الثامن والخمسون: يكره بناء المسجد بين المقابر، لأنه نهي عن الصلاة في المقبرة، وقد صح: لا تتخذوا قبري مسجدًا، قال صاحب المغنى: وقد روى قتادة: أن أنسا مر على مقبرة، وهم يبنون فيها مسجدًا، فقال أنس: كان يكره أن يبني مسجد في وسط القبور.

التاسع والخمسون: قيل إن وضع السجادة في المسجد بدعة، وحكي أن عبد الرحمن بن مهدي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقيمت الصلاة فوضع رداءه بين يديه وصلى مع الناس فجعل الناس يرمقونه، فلما فرغ أمر مالك بحبسه، ثم عرف أنه عبد الرحمن بن مهدي، فأمر بإحضاره، وقال له: أما خفت الله شغلت الناس عن الصلاة، وأحدثت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فبكى عبد الرحمن وحلف ألا يضع بعد رداءه بين يديه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسجد غيره، وروى عن جبير بن مطعم، أنه قال: وضع الرجل نعله بين يديه في الصلا بدعة. قلت وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب الصلاة على الخمرة، وروى عن ميمونة أنها كانت تصلي على الخمرة، قال ابن دريد في الجمهرة: الخمرة هي السجادة وجمعها خمر، وقال الطبري: الخمرة مصلي صغير ينسج من سعف النخل ويرمل بالخيوط ويسجد عليه، فإن كان كبيرا قدر طول الرحل أو أكثر قيل له: حصير ولا يقال له حمرة، قال ابن بطال: ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا شيء روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يصلي على الخمرة، ويؤتى بتراب فيوضع على الخمرة في موضع سجوده فيسجد عليه، وقال عقبة عن حماد: رأيت في بيت إبراهيم النخعي حصيرا فقلت أتسجد عليه؟ فقال: الأرض أحب إلي، وهذا منهما على جهة

المبالغة في الخشوع لا أنهما يريان السجود على الخمرة غير جائز، لأنه صلى الله عليه وسلم، قد صلى عليها، وقال سعيد بن المسيب، الصلاة على الخمرة سنة، وإنما فعل ذلك على الاحتياط، لأنه الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد انصرف من الصلاة وعلى وجهه أثر الماء والطين، وقال البخاري في صحيحه: وصلى أنس على فراشه، وقال:: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه. الستون: ذكر حجة الإسلام في الإحياء أنه قيل: أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع يوم الجمعة وأن الناس في القرن الأول كانوا يمشون إليه سحرا والطرقات مملوءة بالناس وبالسرج كأيام الأعياد، واختلف العلماء في المراد بالرواح، من قوله صلى الله عليه وسلم: من راخ في الساعة الأولى فقيل: المراد به من أول النهار، والساعات محسوبة من ذلك، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وقيل: إنها أجزاء، من الساعة السادسة بعد الزوال، وهو مذهب مالك وحجته، أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، لأنه مقابل للغدو، وأنكر مالك التبكير إليها من أول النهار.

وقال: لم يدرك عليه أهل المدينة، وقد تكلمت على هذه المسألة في أقوات الأوقات، وفي الذهب إلإبريز. الحادي والستون: صلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد، وفي مستدرك الحاكم من حديث أم سلمة: خير مساجد النساء قعر بيوتهن. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن السائب مولى أم سلمة عنها، ثم قال: لا أعرف السائب هذا بعدالة ولا جرح، وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن تصلي المرأة في مخدعها أعظم لأجرها أن تصلي في بيتها، وفي رواية لا متنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن خزيمة من حديث حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر وقال: لا أقف على سماع حبيب هذا الخبر من ابن عمر، فإن أرادت الخروج إلى المسجد للصلاة جاز لما في الصحيحين: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. نعم. إذا كانت شابة يكره لها الحضور لقول عائشة،: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راي ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منع نساء بني اسرائيل، رواه مسلم، وأشارت رضي الله عنها بذلك إلى ما أحدثنه من الفتن بالتطيب

واللباس عند خروجهن، فأما إذا كانت عجوزا لا تشتهي فلا يكره ذلك. ففي البيهقي عن ابن مسعود: نهي النساء عن الخروج إلا عجوزا في منقلها، والمنقل: الخف الخلق، وقال الشافعي رضي الله عنه في الأم: وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة للصلاة والأعياد، وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا من شهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات انتهى لفظه، وقال النووي في شرح مسلم: النهي عن منعنه من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت ذات زوج أو سيد، ووجدت الشروط المذكورة، فإن كانت خلية حرم المنع إذا وجدت الشروط، ومراده بالشروط ألا تكون متزينة ولا ذات خلاخل، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال وقال في التحقيق، والنساء في بيتوتهن أستر وأفضل، ويكره حضور المسجد لمشتهاة ولشابة لا غيرها عند أمن المفسدة، وإذا استأذنت زوجا أو وليا كره إذنه حينئذ، وإلا ندب وإذا أرادته كره التطيب وبفاخر الثياب انتهى. الثاني والستون: يستحب عقد النكاح في المسجد قاله أبو عمرو بن الصلاح واحتج بحديث اعلنوا النكاح في المسجد. رواه الترمذي.

الثالث والستون: يعفى عن ذرق العصافير ونحوها من الطيور في المساجد، إذا كثر لمشقة الاحتراز عنه، وعموم البلوى، صرح به أصحابنا كما نقله ابن الرفعة في المطلب في الكلام على طهارة لبن الآدمي وهو نجس معفو عنه لا أنه، طاهر ومشاهدة السلف والخلف على التسهيل في ذلك في المحرم وغيره تدل على ذلك، وهذا إذا قلنا بنجاسة بول ما يؤكل لحمه، وهو المشهور، فإن قلنا بقول الإصطخري والروياني إنه طاهر فواضح، ونقل الرافعي في الشرح الصغير في كلامه على نجاسة الأرواث عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، أن ذرق العصفور معفو عنه؟ انتهى. وفي هذا النقل تصرف بالعموم والخصوص، فإن الموجود في الخلافيات للشيخ أبي إسحاق: ذرق الطيور في المساجد معفو عنه: انتهى فعم الطيور وخص المساجد، والرافعي في النقل عنه خص الطيور وعم الأماكن. الرابع والستون: الأصح من قولي الشافعي، أنه يجوز الاستصباح بالدهن النجس وينبغي أن يستثني من ذلك، الاستصباح به في المساجد، فإن دخان النجاسة نجس، وقد ذكروا أنه لا يجوز إدخال النجاسات المساجد، ولا شك أن ما ينفصل من الدخان يؤثر في الحيطان وذلك يؤذي إلى تنجيسه فلا يجوز.

الخامس والستون: في جواز التيمم بتراب المسجد وجهان عن تعليق القاضي الحسين لكن الذي جزم به الرافعي والنووي في باب الغسل، أنه لا يتيمم به كما تقدم في الثالث عشر قال بعض مشايخنا: وينبغي أن يكون محلها فيما هو جزء منه، أما ما حملته الريح إليه من الغبار الطاهر فيجوز التيمم به قطعا، ويظهر جوازه أيضا بما يجلب إليه ويفرش من خارج، وبتراب أراضي الغير، إذا لم تعلم كراهة المستحق لذلك فإنه مما يتسامح به عادة، نعم، لا يدع على أعضائه شيئا من الغبار بل ينفضه في أرضه. السادس والستون: يستحب الإبراد بالظهر في شدة الحر، في المسجد ونحوه من المجتمع للصلاة ولا فرق بين المسجد المطروق وعيره، وفي وجه أن المسجد الكبير المطروق لا يبرد فيه، لأنه يشهده أصناف لا يمكن تواعدهم. السابع والستون: المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين، لا يجوز الاجتهاد فيها في الجهة وهل يجوز بالتيامن والتياسر فيه وجهان أصحهما: نعم، بخلاف مسجد

المدينة، وكذا مسجد الكوفة والبصرة والشام، وبيت المقدس كما قاله الدارمي، لصلاته صلى الله عليه وسلم، في بعضها، والصحابة في بعضها وقد تقدم في التاسع عشر من الباب الثاني ما يتعين الإحاطة به هنا قيل: وقضية ما ذكره في مسجد الكوفة والبصرة، إلحاق الجامع العتيق بمصر بهما، لما اشتهر أنه من بناء عمرو بن العاص، ومن معه من الصحابة، وقد ذكر القضاعي في الخطط: أنه وقف على إقامة قبلته مع عمرو بن العاص بمصر ثمانون رجلا من الصحابة رضي الله عنهم، منهم الزبير، ولم يكن للمسجد الذي بناه عمرو محراب مجوف، وإنما قرة بن شريك جعل المحراب المجوف وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو ويومئذ عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة ليالي أسس مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هدمه وزاد فيه، انتهى كلام القضاعي، وهذا إنما يتمم في المحراب الأول، وأما اليوم فيقال: إن جداره القبلي قدم عما كان عليه فلعل الخلل منه، واهل هذا الفن في زماننا يقولون: إن قبلته منحرفة يسيرا وقبلة الجامع الطولوني منحرفة انحرافا كبيرا، وقبلة الشافعي وكثير من القرافة على خط نصف النهار، فلا أدري هل ذلك لقصور أهل الوقت في معرفة دلائل القبلة أم كيف اتفق ذلك؟ وهذا كله مما يؤكد النظر في أدلة القبلة، وعدم الاكتفاء بالمحاريب المنصوبة المجهولة انتهى. وهذا كلام صحيح والظاهر أن كثيرا من هذه المحاريب، إنما وضعها من

ليس له معرفة بهذا الفن، ولا حرر فيه التحرير، التام فالوجه القطع بجواز الاجتهاد فيها يمنة ويسرة. فائدة: سمى موقف الإمام من المسجد محرابا، لأنه أشرف المجالس في المسجد، ومنه قيل للقصر: محراب، لأنه أشرف المنازل، وقد أحمد بن عبيد: المحراب مجلس الملك، سمى بذلك لانفراد الملك فيه، ولتباعد الناس فيه وكذلك محراب المسجد لانفراد الإمام فيه، وقيل: المحراب موضع مستقبل الصلاة، سمى بذلك لأن المصلي بطاعة الله محاريب لأعدائه، أو للشيطان. الثامن والستون: كره بعض السلف اتخاذ المحاريب في المسجد، قال الضحاك بن مزاحم أول شرك كان في أهل الصلاة هذه المحاريب، وفي مصنف عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق أن يصلي فيه، وقال: كره الصلاة في طاق المسجد سعيد بن جبير ومعمر والمراد يطاق المسجد المحراب الذي يقف فيه الإمام، وفي شرح الجامع الصغير للحنفية، لا بأس أن يكون مقام الإمام في المسجد، وسجوده في الطاق، ويكره أن يقوم في الطاق لأنه يشبه اختلاف المكانين، ألا ترى أنه يكره الانفراد، انتهى، والمشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير. التاسع والستون: أطلق في الروضة في باب الأذان أنه إذا أقيمت الجماعة في مسجد

فحضر قوم، فإن لم يكن له إمام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه، وإن كان فيه، كرهت على الأصح، ومحل الكراهة إذا كان غير مطروق، فإن كان مطروقا لم يكره، كما ذكره في صلاة الجماعة، وقال الماوردي في باب الأذان: إن كان المسجد عظيما له إمام راتب بولاية سلطانية لم يجز لمن دخله أن يقيم فيه جماعة بعد جماعة، ولا أن يجهر بالأذان بعد أذانه، ثم إنه فصل في باب صلاة الجماعة فقال: إذا كان للمسجد مؤذن راتب وإمام منتدب قد رسم لصلاة الجماعة فيه كره إقامة الجماعة ثانيا فيه لأداء ذلك إلى الاختلاف وتفريق الجماعات، وتشتيت الكلمة وإن كان طريقا يقيل فيه المارة والمجتازون فلا بأس بإعادة الجماعة فيه مرارا للعادة، وذكر في الأحكام السلطانية تفصيلا آخر فقال:

وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه: إذا كان المسجد له إمام راتب كره إقامة الجماعة فيه ثانيا: قال الشافعي: روى هذا عن بعض السلف وأحب الكراهة في حق قوم يعادون الإمام الراتب فكرهوا ذلك، لأنه يؤدي إلى العداوة والاختلاف فيفوت مقصود الجماعة. السبعون: تكرير الجماعة في المسجد الواحد خلف إمامين فأكثر كما هو الآن بمكة، ويجامع دمشق، لم يكن في الصدر الأول، والسبب في حدوثها بالمسجد الحرام أنه كان الإمام في ذلك الوقت مبتدعا، ولم يكن الأمراء بمكة في ذلك الوقت يحملون الناس على مذاهب أنفسهم فعندنا امتنع الناس من إقامة الجماعة مع إمامهم الذي أقاموه فسحوا للناس في اتخاذ الأئمة لأنفسهم، واستمر الأمر عليه وكذا جرى مثله في بيت المقدس، وجامع مصر قديما، وأما المسجد الحرام وجامع دمشق فللاختلاف بين مذاهب الأئمة، وقد اختلف أصحابنا في جواز صلاة الشافعي خلف الجنفي أو المالكي الترك للبسملة ونحوه، والأصح فيه اعتبار نية المأموم، فإن كانت مما يصح عنده صح اقتداؤه، به وإلا فلا، وإذا صحت فقيل الانفراد أفضل لاحتمال بطلانها بترك الواجب. الحادي والسبعون: أطلق الأصحاب استحباب أن يؤذن واحد بعد واحد إذا اتسع الوقت. وقال الغزالي في الإحياء في باب النهي عن المنكر، يكره أن يؤذن واحد بعد واحد في المسجد بعد الفجر فإنه لا فائدة فيه إذ لم يبق في المسجد

نائم، ولم يكن الصوت يخرج من المسجد لينبه من هو خارجه، وقضية كلامه أنه لو كان في قرية صغيرة، ولم يبق فيه نائم أن الحكم كذلك، وإطلاق الأصحاب ينازعه. الثاني والسبعون: ما يعتاده المؤذنون الآن من تأذين واحد بعد الجمع بدعة وإنما ورد الأذانان في الصبح فقط والمسألة تنبني على المعنى في الأذن فالصحيح أنه إعلام الغائبين بالوقت، فعلى هذا لا يشرع الأذان مرة ثانية في غير ما ورد فيه التكرار كالفجر والجمعة وقيل: إنه عبادة بنفسه كسائر العبادات. فعلى هذا يتكرر وأما النداء على باب المسجد للإعلام بالشروع في الصلاة فجائز، ومنهم من منع الإقامة على بابه في غير الجمعة، أما الجمعة فقد روى أن بلالا كان يقيم على باب المسجد. الثالث والسبعون: ليتحرز من أغلاط يستعملها المؤنون: أحدها: مد الهمزة من أشهد فيخرج من الخبر إلى الاستفهام. ثانيها: مد الباء من أكبر فينقلب المعنى إلى جمع كبر - وهو الطبل. ثالثها: الوقف على إله ويبتديء إلا الله، فربما يؤدي إلى الكفر.

الرابع: إدغام الدال من محمد في الراء من رسول، وهو لحن خفي عند القراء. خامسها: أن {لا} ينطق بالهاء من الصلاة فيصير دعاء إلى النار، ذكر هذه الخمسة صاحب التذكرة. سادسها: أن يفتح الراء في أكبر الأولى أو يفتحها ويسكن الثانية. سابعها: مد الألف من بسم الله ومن الصلاة والفلاح، فإن مده مدا زائدا على ما تكلمت به العرب لحن، قال أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن بن الحسين المغربي: الزيادة في حرف المد واللين على مقدارها لكنه وخطا. ثامنها: قلب الألف هاء من الله .. الرابع والسبعون: لباس الخطيب السواد ودعاؤه للسلطان في الخطبة قال الغزالي: كره جماعة لبس السواد، لأنه بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بمكروه، لكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله، البياض، وأما الدعاء للسلطان في الخطبة، فقال الشيخ أبو إسحاق: لا يستحب. سئل عنه عطاء: فقال: محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا، وقال القاضي الفارقي، يكره تركه الآن لما في تركه من الضرر بعقوبة السلطان.

الخامس والسبعون: قال مالك: لم تكن القراءة في المصحف بالمسجد من أمر الناس القديم وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف، وقال أيضا: أكره أن يقرأ في المصحف في المسجد، وأرى أن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة يوم الخميس أو غيره، قلت: وهذا استحسان لا دليل عليه، والذي عليه السلف والخلف استحباب ذلك لما فيه من تعميرها بالذكر، وفي الصحيح في قصة الذي بال في المسجد، إنما بنيت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، وقال تعالى: {ويذكر فيها اسمه} وهذا عام في المصاحب وغيرها. السادس والسبعون: قال حجة الإسلام في الإحياء: لو كانت أرض المسجد مباحة وسقفه حرام جاز المرور دون الجلوس، لأنه انتفاع بالحرام، قال النووي وفيه نظر والمختار أنه لا يحرم القعود، وهو من باب الانتفاع بضوء سراج غيره، والنظر في مرآته، إذا لم يستول عليها وهما جائزان بلا خلاف قال الغزالي، وإذا بني المسجد في ارض مغصوبة أو بخشب مغصوب من

مسجد آخر أو ملك إنسان حرم دخوله لصلاة الجمعة وغيرها، وإن لم يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر، فإن لم يجد لم يترك الجمعة والجماعة لاحتمال أنه بناه من ماله ويحتمل أنه ليس له مالك معروف فيكون للمصالح. السابع والسبعون: يستحب ألا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء صغيرا كان أو كبيرا للحديث السابق وفي كراهته وجهان، أصحهما نعم لقوله صلى الله عليه وسلم، جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم، فإن اتفق جلوسه فيه، وحضره خصمان لم يكره أن يحكم بينهما لأن عثمان رضي الله عنه حضر المسجد ونام فأتاه سقاء بقربة، ومعه خصمه فجلس وقضى بينهما، وروى إبراهيم الحربي في كتاب علل الحديث عن جهم ابن واقد قال، رأيت الشعبي يقضي في المسجد، وقال مالك جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به، وكان شريح وانب ابي ليلى يقضيان في المسجد، وعن سعيد بن المسيب كراهته، وقال الروياني في البحر: لا يكره القضاء في المسجد في حالتين. إحداهما: لو كان في المسجد معتكفا أو منتظر الصلاة فتحاكم إليه اثنان لا يكره له الحكم بينهما، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في المسجد على هذا الوجه، وهذا لأن حضورهم في المسجد لم يكن مقصورا على القضاء فيه، ونقله عن الأصحاب.

الثانية: إذا لزمه تغليظ الأيمان بالمكان لأن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ لعان العجلاني في مسجده، ذكره بعض أصحابنا. فائدة: قال في البحر، قال أصحابنا: لا يكره الجلوس فيه للفتيا وتعلم العلم والقرآن لأنه ليس فيه ما ذكرنا في القضاء، وقد تقدمت المسألة. الثامن والسبعون: لا تقام الحدود في المسجد، ولا التعزير لاحتمال تلويث المسجد بجرح أو حدث نص عليه الشافعي في الأم، ونقله عن أبي حنيفة، وأن ابن أبي ليلى خالف فيه، وفي سنن ابي داود عن حكيم بن حزام قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم/: أن يستقاد في المسجد، وان تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود، وفي سنده محمد بن عبد الله الشعيثي قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وفيه أيضا زفر بن وثيمة جهله بن القطان، ووثقه ابن حزم، ولو فعل ذلك في المسجد

وقع الموقع، وهل يكون حراما، ظاهر كلام البغوي والرافعي في باب حد الشرب: أنه حرام، لأنهما شبهاه بالصلاة في الأرض المغصوبة، يعصي ويجزيء وعليه اقتصر ابن الصباغ في باب الأقضية، وصرح الرافعي في باب الأقضية بأنه مكروه كراهة تنزيه، وبه صرح الروياني في البحر ولعل وجه من حرمه أنه مظنة خروج النجاسة والتحق بالحائض في تحريم العبور إذا خافت التلويث، وعبارة الشافعي في المختصر، وأنا لإقامة الحدود في المساجد أكره، قال الروياني: فإن كان في إقامته تلويث المسجد كقطع اليد في السرقة ونحوه حرام فعله في المسجد، قال ابن المنذر: ورينا عن عمر بن الخطاب وعلى ابن طالب، أنهما أمرا بإخراج من عليه ضرب في المسجد، وهو مذهب عكرمة، ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، والنعمان وابن أبي ليلى، وروينا عن الشعبي أنه ضرب يهوديا حدا في المسجد، وقال ابن أبي ليىل، فيه قول ثالث: وهو التسهيل في ضرب الدرة، والدرتين في المسجد، ومنع إقامة الحدود فيه، وهو قول أبي ثور وابن عبد الحكم قال أبو بكر: وهو استحسان لا معنى له. والأكثر من أهل العلم على القول الأول، ولا يتبين لي أن يأثم من اقام الحد في المسجد لأني لم أجد الدلالة على ذلك، قال الروياني، وحكم التعزير حكم الحد في أنه لا يقام في المسجد إلا التعزير بالكلام فلا بأس به في أي موضع كان.

التاسع والسبعون: يجوز اللعان في المسجد، ففي الصحيح من حديث سهل بن سعد أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد. الثمانون: يستحب جعل المنبر في الجامع لأجل الخطبة، ففي البخاري عن جابر: قال كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه، وفي سنن أبي داود عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يارسول الله: بلى، الحديث. الحادي والثمانون: يستحب أن يكون المنبر على يسار القبلة تلقاء يمين المصلي إذا استقبل كذا قاله الصيمري والدارمي والرافعي وغيرهم، ووقع في شرح المهذب.

للنووي على يمين المحراب وصوابه يساره، قال الصيمري /: وينبغي أن يكون بين القبلة والمنبر مدى ذراع أو ذراعين. الثاني والثمانون: يكره [اتخاذ] المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة قاله الرافعي وقال القاضي الحسين: إن كان لا يضيق لسعة المسجد لم يكره، وإن كان يضيق المكان عليهم لا يجوز، هكذا نقله عنه العجلي، وظاهره التحريم، وهو ظاهر لأن فيه تعطيل بقعة من المسجد من غير حاجة، وهذا كله في المنبر الذي لا يزال في مكانه، أما لو كان له خزانة وراءه يرد إليها بعد الخطبة كما هو بالاسكندرية، وغيرها فلا؛ لأن حال الخطبة لا صلاة. فائةد: زعم الغزالي في الإحياء: أن المنبر يقطع الصف الأول، قال: وإنما الصف الأول المتصل الذي في بناء المنبر، وما يلي طرفيه مقطوع به، وهذه المقالة غلطها النووي في شرح مسلم وقال: الصف الأول الممدوح: هو الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا؟ هذا هو الصحيح الذي تقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به الجمهور، قال: وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه، لا يتخلله مقصورة ونحوها،

فإن تخلل الذي يلي الإمام [شيء] فليس بأول، وقيل الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان المسجد أولا، وإن صلى في صف متأخر، قال: وهذا القولان غلط نبهت عليهما، وقد كان بعض ائمة السلف يوكلون رجالا يسوون الصفوف. الثالث والثمانون.: اتخاذ المقاصير في المسجد لم يعهد في الصدر الأول وقال، أبو العباس القرطبي في شرح مسلم: لا يجوز اتخاذها ولا يصل فيها لتفريقها الصفوف تقطع الصف الأول وفيه ما سبق في المنبر، وروى أن الحسن وبكرا المزني كانا لا يصليان فيها، لأنها أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم [في المسجد] والمسجد مطلق لجميع الناس، وذكر من صنف في الأوائل أن أول من اتخذها بجامع دمشق معاوية. الرابع والثمانون: صلاة الفرض في المسجد أفضل من فعلها فيما سواه، هذا إذا كانت الجماعة في الموضعين على السواء فإن كان يفعلها في البيت في جماعة، وفي المسجد منفردا كان فعلها في البيت في جماعة أولى، صرحوا به في كتاب الحج في الكلام على استحباب القرب من البيت في

الطاف وكذلك النووي في شرح المهذب في كتاب الصلاة في الكلام على ما إذا تعارضت فضيلة تتعلق بنفس العبادة وبمكانها. الخامس والثمانون: الصلاة في الجامع أفضل من المسجد الصغير لكثرة الجماعة، وفي الأوسط للطبراني عن زهير بن عباد الرؤاسي، ثنا عبد الله بن محمد التميمي عن يوسف بن زياد، عن نوح بن ذكوان، حدثني عطاء بن أبي رباح، حدثني نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة في المسجد الجامع، تعدل الفريضة حجة مبرورة والنافلة كحجة مقبولة، وفضلت الصلاة في المسجد الجامع على ما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة، لا يروى هذا الحديث عن نافع إلا عطاء، ولا عن عطاء إلا نوح. تفرد به زهير. السادس والثمانون: مذهب مالك أنه يكره الاستياك في المسجد خشية أن يخرج من فيه دم ونحوه مما ينزه المسجد عنه، قال القرطبي في المفهم: لم يثبت قط أنه صلى الله عليه وسلم استاك في المسجد فلا يشرع لما فيه من زوال الأقذار فيه، والمساجد منزهة عنها، واهل الهيئات والمروءات يمتنعون من زوال الأقدار في المحافل والجماعات، قال: ومعنى قوله: لولا أن أشق

على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أي عند كل وضوء انتهى. وما قاله عجيب، فإن المعنى ينتفي بما لو استاك بالرطب بحيث لا يخرج منه شيء، ودعواه أنه لم يثبت الاستياك في المسجد اعجب، وقد صح وبلغ التواتر أنه صلى الله عليه وسلم كان يستاك عند كل صلاة وأكثر صلاته بالمسجد وروى البيهقي في سننه من حديث جابر: أن السواك كان منه صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب، وقوله أنه من باب إزالة الأقذار، قد يقال: إنه من باب الطيب ولهذا يخرج باليمني كما رواه أبو داود في كتاب اللباس من سننه، وأعجب من هذا تأويله الصلاة بالوضوء، بل لو قيل باستحباب فعله في المسد لم يبعد لظاهر الأخبار الدالة على فعله في المسجد والأمر به. السابع والثمانون: اختلف السلف في أن النفل إثر الفرائض أفضل [في المسجد] أم في البيت على ثلاثة أقوال: أحدهما: وهو مذهب الشافعي وقاله النخعي وغيره، إن فعلها في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وعلل بخشية اختلاطها بالفرائض ولسلامتها من الرياء.

الثاني: أن فعلها في المسجد أثر الفرائض أجمع للخاطر حكاه القاضي عياض عن قوم. والثالث: الفرق بين الليل والنهار، ففي النهار، المسجد أفضل، وفي الليل البيت افضل، حكاه القاضي عياض عن مالك، والثوري واحتج بقول ابن عمر: فأما المغرب والعشاء ففي بيته، وهو دال على أن ما سوى ذلك كان في المسجد، وما سواهما هو راتب النهار، وهذا لا حجر فيه، لأن فيه الجمعة وهي نهارية، وهو لا يقول بها وفصل بعض المتأخرين بين أن يكسل عن فعلها في البيت، ففي المسجد أولى، وإلا ففي البيت، وفي صحيح ابن حبان من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الجمعة في المسجد، ولم ير صلاها قبل ذلك في المسجد – وهو محمول على بيان المشروعية به صلى الله عليه وسلم، وكذا حديث حذيفة: أنه عليه السلام صلى المغرب فمازال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة. أخرجه الترمذي تعليقا قبل أبواب الزكاة، وقال وجه دلالته أنه عليه السلام صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد، واعلم أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم فعل الركعتين بعد المغرب في المسجد، وروى حنبل ابن اسحاق عن معه الامام أحمد بن حنبل أنه قال: السنة ان يصلي الرجل الركعتين بعد المغرب في بيته، كذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال السائب بن يزيد: لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعا حتى لا يبقي في المسجد أحد كأنهم

لا يصلون بعد المغرب حتي يصيروا إلى أهلهم انتهى، فلو صلاها في المسجد فهل تجزي، اختلف فيه قول أحمد، فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال: بلغني عن رجل سماه أنه قال: لو أن رجلا صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه فال: ما أحسن ما قال الرجل، وما أجود ما انتزع قال أبو حفص ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذه الصلاة في البيوت، وفي رواية المروزي، من صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا، قال: ما أعرف هذا، قلت له: يكي عن ابي ثور أنه قال هو عاص، قال: لعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: افعلوها في بيوتكم، قال أبو حفص: ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد أجزأه، فكذلك السنة انتهى، ونازعه بعض أصحابه وقال: ليس هذا وجهه عند أحمد، وإنما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين ولا جماعة فيجوز فعلها في البيت والمسجد، وفي سنة المغرب شيئان أحدهما فعلها في البيت، والثاني ألا يفصل بينهما بكلام نص عليه أحمد وروى مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين.

الثامن والثمانون: يجوز المشي في المسجد بالنعل إذا لم يكن فيه نجاسة، لحديث أبي سعيد لما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم الحديث، وهو في السنن: وفي الصحيحين من حديث سعيد بن زيد، قال: سألت أنس بن مالك أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه قال: نعم، وهو يدل على جوازه، وفي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه [عن أبيه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم، وظاهره أن ذلك سنة، وقال الغزالي في الإحياء الصلاة في النعلين جائزة، وإن كان نزع النعلين سهلا، فليست الرخصة في الخف لعسر النزع بل هذه النجاسة معفو عنها، قال: وفي معناها المداس قال: وقال بعضهم: الصلاة في النعلين أفضل فمن خلع فينبغي ألا يضع عن يمينه ويساره بل يضع بين يديه ولا يتركه وراءه، فيكون قلبه ملتفتا إليه، قال: ولعل من رأي أن الصلاة فيه أفضل راعي هذا المعنى، ويحتمل أنه يقال: إنه راعى المخالفة كما بينته السنة، قال: ووضعهما، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يساره، وكان إماما فللإمام أن يفعل ذلك، ولا يقف أحد عن يساره، والأولى ألا يضعهما بين قدميه فيشغلاه ولكن قدام قدميه.

التاسع والثمانون: اختلف العلماء في الصلاة في المسجد بين السواري فكرهه انس، وقال: كنا نتقيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ كنا ننتهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها، صححهما الحاكم في المستدرك وقال ابن مسعود لا تصفوا بين الأساطين، وكرره حذيفة وإبراهيم، وقال القرطبي، إنما كرهت الصلاة بين الأساطين، لأنه روى في هذا الحديث أنها مصلى الجن المؤمنين، وأجازه الجمهور منهم الحسن ومحمد بن سيرين، وكان ابن جبير وإبراهيم التميمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول أبي حنيفة وقال مالك: لا بأس بذلك لضيق المسجد، وفي الصحيحين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبتدرون السواري عند المغرب. التسعون: يجوز نبش قبور المشركين، وبناء المسجد موضعها ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبور المشركين فنبشت عند بناء المسجد فقيل: لأنها لا حرمة لها، لأنهم ليسوا أهل كتاب، وقيل: لأنها دثرت، ولم يظهر لها أثر، والحاجة داعية إلى الانتفاع بمحالها وكرهه مالك.

الحادي والتسعون: يستحب بناء المسجد في الدور، ففي سنن أب داود والترمذي وابن ماجة في كتاب الصلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب وأخرجه ابن حبان في صحيحه، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: والدور القبائل والمحال. الثاني والتسعون: يجوز فتح الخوخة، والممر في المسجد، بوب عليه البخاري هكذا وأدخل فيه حديث أبي سعيد، أنه صلى الله عليه وسلم خطب وقال: لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر وظاهر الخبر المنع ... وخصوصية الصديق بذلك دون غيره، وقيل: إن ذلك إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى خلافته بعده، لأن جعل بابه في المسجد ليخلفه في الإمامه، فيخرج من بيته إلى المسجد كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ومنع الناس كلهم من ذلك دليل عليه. الثالث والتسعون: قال ابن بطال يجب اتخاذ الأبواب للمساجد لتصان عن التراب وتنزه

عما لا يصلح فيها من غير الطاعات بالغلق، وفي صحيح البخاري قال ابن أبي مليكة لابن جريج، لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها وفيه من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم فتح الباب ودخل الكعبة. الرابع والتسعون: يجوز بناء المطاهر بالقرب من المساجد والتوضية منها، وقد روى ابو عبد الله ابن بطة في كتاب جواز اتخاذ الشقاية في رحبة المسجد من جهة عبد الرزاق ثنا الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الاخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن وذكر فيه حكاية عن أحمد أنه احتج بذلك، وهو يدل على صحته عنده، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يتطهرون من مطاهر المساجد وروى فعل ذلك عن علي وأبي هريرة رضي الله عنهما. الخامس والتسعون: قال القاضي أبو منصور بن الصباغ في كتاب، الإشعار باختلاف العلماء اختلفوا في الصلاة في الكنائس والبيع والنواويس، فحكي ابن

المنذر عن ابن عباس ومالك، أنهما كانا يكرهان ذلك لأجل الصور، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لنصراني: إنا لا ندخل عليكم بيعكم من أجل الصور التي فيها وعن أبي موسى الأشعري أنه صلى في كنيسة، وعن الحسن والشعبي وغيره الترخيص في الصلاة في البيع والكنائس، قال: وذاكرت شيخنا يعني أبا نصر بذلك فكان جوابه أنه ينبغي أن يكره لأجل الصور التي فيها، ولدخولها من غير إذن والله أعلم. السادس والتسعون تجوز الصلاة في مساجد الأسواق فرادى وجماعات لحديث أبي هريرة صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسا وعشرين درجة، وأما ما رواه الآجري أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شر البقاع فلم يكن عنده علم ذلك حتى جاء جبريل فقال: شر البقاع الأسواق، وخيرها المساجد، فلا يقتضي وصف البقاع بالشر عدم صحة الصلاة فيها، ولعلها شر بالنسبة إلى أنها محل الشيطان. السابع والتسعون: كره النحعي وغيره من السلف أن يقال: مسجد بني فلان، لأن المساجد بيوت الله والمشهور الجواز، وقد ترجم له البخاري وأورد فيه حديث

ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وليست الإضافة هنا للملك وإنما هي للتمييز ومثل ذلك لا يمتنع. الثامن والتسعون: تجوز القسمة ونحوها مما يتعلق بمصالح المسلمين في المسجد ذكره البخاري، وأورد فيه حديث أنس/ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال انثروه في المسجد، والمعنى ألا يخص أحدا من الناس فلا يحجب أحد من دخوله من ذوي الحاجة. التاسع والتسعون: الأولى فعل العيدين في المصلي، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يصل بهم فيه، وهو المصلي الذي على باب المدينة الشرقي، يوضع فيه محل الحاجة ولم يصل العيد في المسجد إلا مرة لأجل مطر أصابهم، كذا رواه أبو داود وابن ماجة.

تمام المائة: سئل الغزالي في فتاويه عن المصلي الذي بني لصلاة العيد خارج البلد فقال: لا يثبت له حكم المسجد في الاعتكاف ومكث الجنب وغيره من الأحكام، لأن المسجد هو الذي أعد لرواتب الصلاة، وعين لها حتى لا ينتفع به في غيرها، وموضع صلاة العيد معد للاجتماعات ولنزول القوافل، ولركوب الدواب، ولعب الصبيان، ولم تجر عادة السلف بمنع شيء من ذلك فيه، ولو اعتقدوه مسجدا لصانوه عن هذه الأسباب ولقصد لإقامة سائر الصلوات، وصلاة العيد تطوع، وهو لا يكثر تكرره بل يبني لقصد الاجتماع والصلاة تقع فيه بالتبع. الحادي بعد المائة: مذهب الزهري أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع والشافعي في القديم رمز إليه إذا زاد على أسبوع، والمذهب الجديد أنه لا يختص لكن الأولى بالاعتكاف الجامع فقيل: للخروج من الخلاف، وقيل: لكثرة الجماعة فيه، وقيل: لئلا يحتاج إلى لخروج لصلاة الجماعة. قال الرافعي: وهذا أظهر المعاني عند الشافعي إذ لابد منه في ثبوت الأولوية، لأنه نص على أن العبد والمرأة والمسافر، يعتكفون حيث شاءوا من المساجد، لأنه لا جمعة عليهم، وتتفرع على هذه المعاني كما قاله ابن الرفعة في الكفاية صور

إحداها: أن اعتكاف المرأة في الجامع وغيره سواء نظرا للمعنيين السابقين: فإن صلاتها في بيتها أفضل في حقها. الثانية: إذا كان قصده أن يعتكف دون الأسبوع استوي الاعتكاف في مسجد الجامع وفي غيره نظرا إلى معنى الجمعة وقد قاله القاضي الحسين. الثالثة: إذا كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة، وكانت تحصل بصلاته فيه، أن يكون اعتكافه فيه أفضل نظرا إلى معنى الجماعة، لأن الصلاة في مسجد الجوار بالصفة المذكورة أفضل. الثاني بعد المائة: في صحة اعتكاف المرأة في مسجد بيتها قولان للشافعي، أصحهما الصحة، وهو المعتكف المهيأ للصلاة، وهل الأفضل أن تعتكف في مسجد بيتها لأنه أستر لها، أو في المسجد الجامع لأجل الخروج من خلاف العلماء، فيه احتمالان لابن الرفعة، وقد نقل القاضي الحسين في تعليقه وابن الصباغ في الشامل وغيرهما نص الشافعي على أنه يكره لها الاعتكاف في غير مسجد بيتها، وهو ظاهر قال ابن الرفعة ولا يكره لها الاعتكاف في المسجد وهي التي يكره لها حضور الجماعات، فالاعتكاف في المسجد الجامع في حقها أشد كراهة. الثالث بعد المائة: حكى الشيح أبو بكر في قواعده وابن حزم في المحلي عن بعض العلماء،

أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، وما عداها لا يصح الاعتكاف فيه، والمشهور من مذاهب العلماء خلاف ذلك، قال ابن حزم: ولو صح ذلك باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله في غيرها لزم ألا يصح الاعتكاف إلا في شهر رمضان، والعشر الأول من شوال، وهو خلاف الاجماع، إذا عرف هذا فلونذر الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لم يتعين على الأصح عند الأكثرين، منهم الرافعي والنووي، ووهم ابن الرفعة فنقل في الكفاية: أن الرافعي صحح القول بالتعيين، وقال في البحر: القول بالتعيين غلط، والمسألة على قول واحد أنه لا يتعين وكلامه السابق محمول على الاستحباب أو على ما إذا كان قد عين أحد المساجد الثلاثة. الرابع بعد المائة: لو نذر إتيان مسجد غير المساجد الثلاثة لا يلزمه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى، رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، وحكي الإمام عن الشيخ أبي على أن هذا الحديث لا يوجب تحريما وكراهة في شد الرحال إلى غيره ثم قال: وهو حسن عندي لا يصح غيره قال: وكان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة من المساجد [وربما كان يقول يكره] وربما كان يقول: يحرم

أخذا بظاهر النهي، وأبو علي رده إلى تبيين محل القربة وتخصيصها بقصد المساجد الثلاثة، قال ابن الصلاح في مشكل الوسيط، وهو إلى رواية ما لم يسم فاعله أميل من قول الشيخ ابي محمد. وقال النووي في شرح مشلم: قال الشيخ أبو محمد: يحرم شد الرحال إلى غيرها وهو غلط انتهى، وحكي الرافعي كلام الامام عن شيخه وأبي علي، وأقره، قال الامام والظاهر أنه ليس فيه كراهة ولا تحريم، وقال الغزالي في الإحياء، ذهب بعض العلماء إلى الاستدال بهذا الحديث – يعني قوله: صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد - في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور الشهداء والصالحين، وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها قال صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، والحديث ورد في المساجد الثلاثة وليس في معناها باقي المساجد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة، ولا بلد إلا وفيه مسجد، ولا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، واما المشاهد فلا تتساوي بل [بركة] زيارتها على قدر درجاتهم عند الله تعالى، نعم، لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد، وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال، إلى قبور الانبياء مثل قبر إبراهيم وموسي، ويحيى وغيرهم صلوات الله عليهم، والمنع من ذلك في غاية الإحالة

فإذا جوز ذلك فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد. الخامس بعد المائة: لو عين مسجدا غير المساجد الثلاثة لأداء فريضة أو نافلة لم يتعين، لأنه لم يثبت لبعضها فضل على بعض، فلم يتعين لأجل ذلك منها ما عينه، هذا هو المشهور ورواءه وجهان محكيان في الذخائر، أحدهما: أنه يتعين قد نسب القاضي أبو الطيب هذا الوجه إلى ابن القاص، قال: وسمعت أبا عبد الله الحسين يقول: وهذا ليس بصحيح عن ابي العباس، والثاني أنه إذا عين الجامع تعين، وفي الإبانة: أن النفل لا يتعين له مسجد وأما الفرض فإذا عين لإيقاعه مسجدا بالنذر فإن انتقل إلى مسجد آخر تكون الجماعة فيه أعظم وأكثر جاز وإلا فلا يجوز، وعلى المشهور هل يتعين فعل الصلاة في مسجد أو يجوز فعلها في البيت والسوق، أما الصلاة المفروضة فالظاهر اللزوم لأن تطولي القراءة يلزم بالنذر، وأما غيرها مما التزم بالنذر فالمشهور جواز فعلها [في] أي موضع شاء ذكره الماوردي، وابن الصباغ وقال: وخالف هذا ما لو نذر صوم يوم فإنه يتعين ذلك اليوم، لأن النذر مردود إلى أصل الشرع وقد وجب الصوم في زمان بعينه لا يجوز له في غيره، فكذلك إذا نذره، وليس كذلك الصلاة فإنها لم تخص بمكان بعينه فيما وجب ابتداء

كذا النذر وهذا منه تفريع على تعيين الصوم وهو الأصح، وقال في البحر: لو نذر الصلاة في الجامع له أن يصلي في مسجد، وإن لم يكن جامعًا وهذا مؤذن بأنه لو أراد فعلها في غير مسجد لم يجز ويقرب منه قول القاضي الحسين: إذا نذر الصلاة في الجامع كان في خروجه عن موجب النذر بالصلاة في السوق، إشكال، لأن الصلاة في الجامع أفضل من الصلاة في وسط السوق، ولو نذر أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما سورة البقرة وآل عمران لزمه ذلك، لأن طول القيام أفضل، وكذا ههنا الصلاة في المسجد، أفضل. السادس بعد المائة: من سبق إلى موضع من المسجد فجلس فيه للصلاة لم يثبت له حق الاختصاص به في صلاة أخرى بعدها، بل من سبق بعد إلى ذلك الموضع فهو أحق به وليس لغيره إزعاجه منه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقيم أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، أخرجه مسلم، فإن فارقه قبلها، فإن لم يكن لعذر بطل اختصاصه، وإن كان لعذر كإجابة داع، أو سبق رعاف، أو تجديد وضوء أو قضاء حاجة، وعاد في بقاء حقه وجوه، أحدها: لا. كما لا يبقى إذا عاد لصلاة أخرى، وأصحهما، يبقى لقوله صلى الله عليه وسلم: من قام من مجلسه ثم رجع

إليه فهو أحق به رواه مسلم. وذكر الشيخ نجم الدين في المطلب، أن البخاري رواه وهو وهم. وقد شهد بذلك الحميدي وغيره فعدوه في أفراد مسلم، وثالثهما عن القاضي أبي الطيب - أنه إن ترك سجادته أو منديله بقي حقه كما إذا قام صاحب المقعد لحاجته وترك فيه قماشه. وأشار إليه الإمام. السابع بعد المائة: إذا جلس الشيخ في المسجد ليقرأ عليه القرآن أو يتعلم منه العلم أو يستفتى، فالذي ذكره الغزالي وحكاه الرافعي عن أبي عاصم العبادي، وقال: إنه أشبه بمأخذ الباب. أنه يثبت اختصاصه به كمقاعد الأسواق لأن له غرضا في ملازمة لك الموضع لإلف الناس به، وحكاه الإمام عن بعض الأصحاب. وقال: إن شيخه أباه قال: ووجدت صاحب التقريب على موافقته، قال: والأمر عندي مثبت على هذا الوجه فإذن المسجد في ذلك كالشارع، فإن الاختصاص فيه محمول على غرض ظاهر في المعاملة، ولا يتحقق مثله في المساجد، فبقاع المساجد تضاهي بقاع المتحدثين، في الشوارع، ويوافق هذا قول القاضيين الماوردي، والروياني: إنه كالجالس للصلاة يبطل حقه منه مهما قام، ويكون السابق إليه أحق لقوله تعالى: {سواء العاكف فيه والباد}، ونسبه في الأحكام السلطانية

إلى جمهور الفقهاء وغير مالك، وقال: وإذا ارتسم بموضع من جامع أو مسجد، فقد جعله مالك أحق بالموضع لأنه عرف به، والذي عليه جمهور الفقهاء أن هذا يستعمل في عرف الاستحسان، وليس بحق مشروع وإذا قام عنه زال حقه فيه، وكان السابق إليه أحق للآية، وقال النووي: جلوس الفقيه في موضع معين حال التدريس، الظاهر فيه دوام الاختصاص لطرد العرف وفيه احتمال. الثامن بعد المائة: لو جلس للاعتكاف قال النووي: ينبغي أن يقال: له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافا مطلقا، وإن نوي اعتكاف أيام فخرج لحاجة جائزة ففي بقاء اختصاصه إذا رجع احتمال، والظاهر بقاؤه، ويحتمل أن يكون على الخلاف فيما إذا خرج المصلي لعذر. التاسع بعد المائة: الجلوس لاستماع الحديث والوعظ – قال النووي: الظاهر أنه كالصلاة فلا يختص بما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارق بلا عذر، ويختص إن فارق بعذر على المختار، قال: ويحتمل أن يقال: إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس، وينتفع الجالسون بقربه منه لعلمه، ونحو ذلك، دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال.

العاشر بعد المائة: يمنع الناس من استطراق حلق الفقهاء والقراء توقيرا لها، قاله الرافعي، وكذا ذكره الماوردي والروياني، واستدلوا بحديث انه صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا في ثلاث وذكر منها حلقة القوم وهو جلوسهم للتشاور والحديث. الحادث عشر بعد المائة: قال الإمام: ليس للإمام أن يتصرف في المساجد والأقطاع فإنها لله تعالى: قال الرافعي: وهذا يخدشه شيئان: أحدهما أن القاضي الماوردي ذكر: أن الترتيب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتيب للإمامة حتى لا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال، ويعتبر في الجوامع، وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان فجعل لإذن الامام فيه اعتبار، الثاني عد الشيخ أبو حامد وطائفة في جملة ما يقطع ليرتفق بالجلوس فيه للبيع والشراء [مع مقاعد الأسواق رحاب المسجد – وهذا كما يقدح في نفس الأقطاع يعترض على المشهور في المنع من الجلوس في

المسجد للبيع والشراء] إلا أن يراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حد المسجد وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: تولية الأئمة في المساجد، ونصب المتصدرين في العلم وغيره فيها لواقفها، وأما المساجد الكبار كالجوامع ومساجد الشوارع، فالتولية فيها للسلطان لأن ذلك من الأمور العظام، فاختصت بنظره. الثاني عشر بعد المائة: إذا كان له في أرض حصة مشاعة فوقفها مسجدا، ففي فتاوى الشيخ أبي عمرو بن الصلاح أن الوقف يصح في الحال، ويثبت للبقعة كلها حرمة المسجد في الحال، فلا يجوز للجنب المكث فيهن وتجب القسمة لتعينها طريقا إلى الانتفاع بالموقوف، ولو اعتكف فيها قبل القسمة فهل يصح أم لا؟ فيه نظر: الثالث عشر بعد المائة: لابد في الوقف من اللفظ إلا أنه إذا بني مسجدا في موات صار مسجدا بذلك من غير توقف على لفظ، ذكره الماوردي لأن النية مع الفعل تغنيان عن القول فيزول ملكه عن الالة بعد استقرارها في مواضعها وهي قبل الاستقرار باقية على ملكه إلا أن يصرح بأنها للمسجد فتخرج عن ملكه، وهو نظير قولهم إن أراضي الفيء تصير وقفًا

بمجرد الاستيلاء على قول: وأما إذا أذن بالصلاة في ملكه فلا يصير وقفا بمجرد هذا خلافا لأب حنيفة لنا أن العتق أسرع نفوذا من الوقف، ولا يصح إلا باللفظ المقتضي له، فإن قيل: فقد بني رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، ولم ينقل عنه أنه تلفظ بوقفه، وقال: من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بني الله له بيتا في الجنة، أناط ذلك بالبناء دون اللفظ فالجواب – أن عدم نقل التلفظ بالوقف لا يدل على عدم اعتباره، وقد قام الدليل على اعتباره فوجب المصير إليه، وإنما خرجت الصورة التي ذكرها الماوردي عن القاعدة، لأن البقعة لم تدخل في ملكه ثم زالت والكلام في وقف يتضمن إزالة الملك، وإنما حصل الإحياء للمسجد ابتداء. الرابع عشر بعد المائة: لو قال: جعلت هذه البقعة مسجدا ففي الوجيز أنها تصير مسجدا وإن لم يأت بلفظ الوقف والمنقول عن القاضي والبغوي والمتولي والخوارزمي، أنها لا تصير مسجدا بذلك لأنه لم يوجد فيه شيء من ألفاظ الوفق، قال الرافعي: وبه أجاب الاستاذ أبو طاهر، ووجهه بانه وصفها بما هي موصوفة، قال صلى الله عليه وسلم: وجعلت لي الأرض مسجدا: [قال الرافعي في موضع والأشبه أنه لا بأس باستعمال لفظ الوقف وأن قوله جعلته مسجدًا] يقوم مقامه لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه، على أنه نقل عن القاضي والمتولي الصحة فيما إذا نوى مع ذلك.

الخامس عشر بعد المائة: إذا وقف بقعته مسجدًا فلا يثبت حق الاختصاص فيه لأحد، فلو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث وهم الشافعية والمالكية والحنابلة أو بأصحاب الرأي وهم الحنفية أو بطائفة معلومة فوجهان، أحدهما واختاره الإمام والغزالي فساد الشرط، لأن جعل البقعة مسجدا من قبل التحرير فلا يثبت فيه الشرط [كالعتق، ولا معنى لاختصاص جماعة بالمسجد] وعلى هذا قال في التتمة: يفسد الوقف لفساد الشرط، وقال الامام: لا يفسد على المذهب: إذ لا أثر للشرط الفاسد في التحرير كالعتق، وأصحهما عند الرافعي في المحرر وبه جزم القاضي الحسين – أن الشرط يصح ويختص بالمذكورين رعاية لشرط الواقف قطعا للنزاع في إقامة الشعائر لاختلاف المذاهب. السادس عشر بعد المائة: أفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله بأن متولي تدريس المدرسة هو الذي يقرر مقدار الجامكية للفقهاء وينزلهم وليس للناظر في الوقف إلا تحصيل الريع وقسمته على المنزلين. السابع عشر بعد المائة: إذا استناب إمام المسجد من يصلي عنه بغير عذر لي يستحق شيئا من الجامكية لا هو ولا النائب، لكن إن جعل للنائب جعلا استحقه

وإلا فلا، أفتى بذلك الشيخ أبو زكريا النووي وابن عبد السلام، وقال: إن أذن له الناظر في الاستنابة جاز واستحق النائب المشروط للإمام دونه، وليس هو نائبا عنه، بل هو وكيل في هذه التولية فإن تواطؤوا على أن يأخذ الوكيل بعضا والقائم بالامامة بعضا لم يجز [وفي صحة التولية] في هذه الصورة نظر مبني على أن المعلوم كالمشروط ولو شرط ذلك في التولية بطلت، ولم يستحق القائم بالامامة شيئا لبطلان التولية. فإن لم يجر شرط ولا توطؤ فتبرع الامام على الوكيل فلا بأس به. وخالفهما الشيخ تقي الدين وغيره، فأفتوا بجواز الاستنابة. وذكر ولده الشيخ بهاء الدين حمه الله: أن الشيه عز الدين بن عبد السلام ولي ابن الخويي مدرسا بالمدرسة الدماغية بدمشق، وعمره عشر سنين، وأذن له أن يدرس فيها وحضر درسها بحضوره وقال: أرجو أن يكون ذلك مرغبا له في الاشتغال وكان كذلك. الثامن عشر بعد المائة لو وقف شيئا على من يصلي الصلوات الخمس في هذا المسجد، او على من يشتغل بالعلم في هذه المدرسة، أو يقرأ كذا كل يوم في هذه التربة، فأخل الامام والمشتغل والقاريء بهذه الوظائف في بعض الأيام قال الشيخ

عز الدين لم يستحق شيئا من الغلة في مقابلة الايام التي أدى فيها الوظيفة بخلاف ما لو استأجره لخياطة خمسة أثواب فخاط بعضها، فإنه يستحق حصة ما خاطه من الأجرة ن والفرق أنا نتبع في الاعواض والعقود المعاني، وفي الشروط والوصايا الألفاظ، والوقف من باب الارصاد والأرزاق، لا من باب المعاوضات، فمن أخل بشيء من الشروط لم يستحق شيئا انتهى، وفيه نظر، بل ينبغي أن يقال يستحق قدر ما عمل، وعليه عمل الناس ويدل له قول الأصحاب إن من استؤجر للنيابة في الحج فمات، وقد بقي عليه بعض الأركان أنه يوزع على العمل والسير وهو واضح. التاسع عشر بعد المائة: لو وقف على مدرس يقريء الناس في المسجد أو المدرسة كل يوم وجرت عادة البلد بترك الإقراء يوم الجمعة مثلا، ففي فتاوي ابن الصلاح: أنه ليس له ترك الإقراء فيه، لأن قوله كل يوم تصريح منه بالعموم فلا يترك لعرف خاص، ثم إن كان هناك ممن يريد القراءة عدد محصور فيشترط في الاستحقاق إقراؤهم كلهم وإن لم يكونوا عددا محصورا استحق بإقراء ثلاثة، وقال الشخ عز الدين، العرف المطرد بمنزلة الشروط فيه فينزل الوقف عليه، فإذا وقف على المدرس والمعيد والفقهاء بمدرسة كذا نزل على ما يقتضيه العرف من التفاوت بينهم، ومن الفقيه والأفقه، وكذلك ينزل على إلقاء الدرس في الغدوات ولا يكفي إلقاء الدرس ليلا ولا عشية، ولا ظهرا فيها.

العشرون بعد المائة: ذكر الرافعي في الفروع المنتثورة في آخر كتاب الأيمان عن الحنفية ووافقهم، أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه فدخل موضع الزيادة حنث، قال في الروضة: وفيه نظر، وينبغي ألا يحنث بدخولها، لأن اليمين لم يتناولها حالة الحلف. الحادي والعشرون بعد المائة: لو استأجر بيتا ليصلي فيه الناس مدة يجوز، وعند أبي حنيفة لا يجوز، ونحن نقول: بأن هذه منفعة مقصودة من الموضع فيجوز الاستئجار لأجلها كما لو استأجره للنوم، ووضع المتاع فيه. الثاني والعشرون بعد المائة: [لو أجر متولي المسجد حانوته الخراب بشرط أن يعمره المستأجر ويكون ما انفقه محسوبا من أجرته لم تصح الإجارة لأنه عند الإجارة غير منتفع به. ذكره الرافعي في أواخر الإجارة وهو مما تعمم البلوي بها] الثالث والعشرون بعد المائة: سئل أبو زكريا النووي عمن شغل بقعة من المسجد بمتاع له؟ فقال: قال الغزالي: في فتاويه: إذا طرح في مسجد غلة أو غيرها لزمة أجرة البقعة، فإن أغلق باب المسجد لزمة أجرة جميع المسجد كما لو طرح ذلك في بيت لهدهليز وأغلق الباب، فإنه يلزمه أجرة جميع الدار وكما تضمن أجزاء المسجد بالإتلاف تضمن منفعته بالإتلاف كمفعة الأملاك، قال النووي:

وهذا صحيح معتبر، وإن شغل بالخلة جانبا من المسجد ولم يغلقه لزمه أجرة ما يستغله، وتصرف الأجرة في مصالح المسجد. الرابع والعشرون بعد المائة: لو وقف على عمارة مسجد لم يجز صرف الريع إلى النقش والتزويق، قال في الحاوي والعدة: ولا إلى أئمته ومؤذنيه، ويجوز إلى قوامه، والفرق أن القيم يحفظ العمارة واختصاص الأئمة والمؤذنين بأحوال المصلين، ويشتري منه البواري، ولا يشتري منه الدهن في الأصح، قال الرافعي: وكأن الفرق أن ما يفرش حافظ للعمارة وإيناس المسجد ومنفعة الدهن تختص بالمصلي، والذي ذكره صاحب التهذيب وأكثر من تعرض للمسألة: أنه لا يشتري به الدهن ولا الحصر، والتجصيص الذي فيه إحكام معدود من العمارات ولو وقف على مصلحة المسجد لم يصرف إلى النقش والتزويق وتجوز عمارته [منه] وسواء الحصر والدهن ونحوها، قال الرافعي: والقياس جواز الصرف إلى الامام والمؤذن أيضا، ولو وقف على المسجد مطلقا وصححناه وهو الأصح، فقد ألحقه البغوي بما إذا وقف على عمارته وفي الجرجانيات لأبي العباس حكاية وجهين في جواز الصرف إلى النقش والتزويق. الخامس والعشرون بعد المائة: إذا وقف على دهن السراج في المسجد جاز إسراجه في جميع الليل،

لأنه أنشط للمصلي، وقال النووي، إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما فإن كان المسجد مغلقا ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله لم يسرج لأنه إضاعة مال، وأفتى الشيخ أبو محمد بن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح ليلا مع حلو المسجد من الناس احتراما له وتنزيها عن وجشة الظلمة، ولا يجوز نهارا لما فيه من السرف والإضاعة والتشبه بالنصارى. السادس والعشرون بعد المائة: في فتاوى الغزالي: يجوز وقف الستور ليستر بها جدران المسجد، قال الرافعي: وينبغي أن ياتي فيه الخلاف المذكور في النقش والتزويق. السابع والعشرون بعد المائة: تقبل شهادة الحسبة في الوقف على المساجد والجهات العامة بلا خلاف، لأنها لا تتقاصر عن الوصية لفقراء غير محصورين، وإن كان الوقف على معين فإن قلنا الملك لله فيه، لم تسمع شهادة الحسبة وإلا فوجهان أصحهما المنع أيضا ولا تثبت إلا بالدعوى، وقال القاضي الحسين في كتاب الشهادات: لو شهد شاهدان بأن هذه الدار للمسجد الجامع، أو بأن في ذمته للمسجد الجامع شيئا، هل تسمع هذه الشهادة؟ فيه جوابان بناء على ما لو أقر للحمل بمال مطلقا، وفيه قولان ووجه الشبه أنه لا يتصور المعاملة بينه وبين الحمل كما لا يتصور أن يعامل المسجد، فإذا قلنا: تقبل

فيحمل على وجه صحيح كأنه اشترى للمسجد من غلة المسجد أو وهب للمسجد وقبل هو وكان قيم المسجد. الثامن والعشرون بعد المائة: قال القاضي أبو الطيب الطبري، لا يجوز بناء المسجد باللبن المعجون بالماء النجس بناء على نجاسته، ويطهر بالغسل ظاهره دون باطنه على الجديد الأصح. التاسع والعشرون بعد المائة: قال الشافعي: يكره للرجل أن يقيم الرجل عن مجلسه ويجلس هو في مكانه إماما كان أو مأموما، في يوم الجمعة أو غيره لأن السابق إلى المكان أحق به، فإن اختار صاحب المكان أن يقوم منه ويجلس غيره فيه لم يكره للثاني أن يجلس في مكان الأول، فأما الأول فإن تحول إلى حيث يسمع الخطبة مثل، ما كان في المجلس الأول لم يكره له، فإن تباعد عن ذلك كره له، قال: ولو نصب رجل صاحبا له فجلس في مكان حتى إذا جاء قام هو وجلس فيه لم يكره له، ولا يكره لهذا الجالس أن يتحول عنه أيضا وروى ابن المنذر عن محمد بن سيرين: أنه كان يرسل غلامه إلى مجلس له يوم الجمعة فيجلس فيه، فإذا جاء محمد قام الغلام وجلس فيه محمد، فلو لم يفعل هكذا ولكن بعث شيئا يفرش له حتى إذا جاء جلس عليه وصلي، قال في الأم: ليس لغيره أن يجلس عليه لأنه ملك لغيره،

قال الشيخ أبو حامد، ولكن له أن ينجيه، ويجلس في ذلك المكان، لأن الحرمة للإنسان دون فرشه، نقله الروياني في البحر. الثلاثون بعد المائة: [من جلس في مكان جلس في صف مستقبل القبلة على العادة فإن ضاق به المكان لضيق المسجد وكثرة المصلين فجلس مستقبل المصلين لم يكره له قاله الروياني في صلاة الجمعة]. الحادي والثلاثون بعد المائة: إذا جاء والموضع ضيق بأهله يقول: تفسحوا وتوسعوا، ولا يقم أحدا من مجلسه، فقد ورد النهي عنه، قال الشافعي: فإن قعد المأموم في مصلي الإمام، أو في طريق الناس، إن قعد مستقبلا للمصلين، والمسجد امتلأ من الناس لا تكره إقامته لأن في جلوسه ضررا على الناس. الثاني والثلاثون بعد المائة: الدارس الموقوفة على الفقهاء، هل يجوز لغيرهم دخول بيوت الخلال فيها، والجلوس في مجالسها والشرب من مياها؟ أفتى ابن الصلاح وبالجواز على ما جرت به العادة، واستمر به العرف في المدارس وينزل العرف في ذلك منزلة شرط الواقف له في وقفه تصريحا، قال وبذلك أفتى الغزالي ونقل الفتيا إلى الإحياء في آخر كتاب الحلال والحرام.

الثالث والثلاثون بعد المائة: نقل عن الشيخ أبي محمد الجويني: أنه أبطل الوقف على الصوفية، لأنه لا حد لهم يوقف، عليه وصحح المتولي وغيره الوقف عليهم، وقال: يصرف إلى المعرض عن الدنيا المشتغل بالعبادة في أكثر أوقاته، وقال ابن الصلاح ما وقف على الصوفية لا يصرف إلا إلى من يعد في العرف صوفيا، ويعرف ذلك بأن يكون بحيث إذا نزل الرباط المخصوص بهم لم يستنكروا نزوله فيه ومقامه بينهم، ولابد فيه من وجود صفات، منها الصلاح، ومجانبة الأسباب المفسقه، ومنها زي الصوفية ومخالطتهم له، وسكناه بينهم، وإن لم يكن على زيهم، ومنها ألا يكون ذا ثروة ظاهرة، ومنها ألا يكون صاحب حرفة، واكتساب مباين لحالهم كالتجارة، وكل صناعة يقترن بها القعود في الحانوت ونحوه، ولا يقدح في ذلك النسج والخياطة التي يعتادها كثير من الصوفية ولا كونه فقيها، ومن أهل العلم إذا وجدت فيه الصفات المذكورة فإن الجهل ليس من شرط التصوف على مجرده، فليس كافيا في استحقاق ذلك، وليس عدمه قادحا في الاستحقاق والاعتبار بالصفات المذكورة، قال: وبمثل لك أفتى الغزالي. الرابع والثلاثون بعد المائة: قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب موقف الامام والمأموم: لو سأل واحد من أهل العلم الناس مالا، واستجداهم وقال، إنما أطلب ذلك لبناء

مدرسة فبذلوا له مالا، فاشترى بقعة وجعلها مدرسة، ووزن ثمنها من ذلك المال ثم زعم، أني اشتريت هذه البقعة لنفسي وصارت لي فأتصرف فيها حيث شيئت فأجلعا مسجدا أو أستديم ملكي عليها فهذا غلط منه، ولا سبيل إلى ذلك، والواجب صرف تلك البقعة إلى الجهة التي بذلوا المال لها، وإن جعلها هذا العالم مسجدا لم تصر مسجدا، وصارت بتعين الشراء مدرسة لما تقدم من البيان والتقييد السابق، وإنما ذكرنا هذا هذا الجواب على أصل منصوص للشافعي في بعض كتبه القديمة، ولو لم يصيرها مصروفة إلى الموصوفة لأوجبنا على هذا العالم المشتري أن يرد على الناس ما أخذ منهم من الاموال، لأنها مبذولة لجهة مخصوصة ولم يستعملها في تلك الجهة، وهذه طريقة سلكها أبو العباس ابن سريج، وفرع عليها مسائل، وفيها مصالح لأموال الناس، وإن كان القياس غيرها انتهى لفظه. الخامس والثلاثون بعد المائة: لو دخل مسجدا وكشف عورته وأغلق الباب أو لم يغلقه فنظر إليه إنسان لم يكن له رميه، لأن الموضع لا يختص به، نقله الرافعي في باب الصيال عن ابن المرزبان.

السادس والثلاثون بعد المائة: كره مالك الأخذ من الشعر الظفر في المسجد لحرمته، قال الشيخ مجد الدين الحنبلي، وقياس مذهبنا أنه لا بأس به كما في غسل يده في الطست، وترجيل شعره كما جاء عن عكرمة: أن عائشة كانت ترجله وهو في المسجد مع كون الترجيل غالبا لا يخلو من شعر ناشيء من السفر. السابع والثلاثون بعد المائة: كره مالك أن يبني مسجدا ويتخذ فوقه مسكنا يسكن فيه بأهله. قلت: وفي فتاوى البغوي: ما يقتضي منع مكث الجنب فيه لأنه جعل ذلك هواء المسجد، وهواء المسجد، حكمه حكم المسجد، والله أعلم.

تم الكتاب آخر كتاب {إعلام الساجد بأحكام المساجد}، تصنيف الشيخ بدر الدين الزركشي علقه لنفسه على استعجال، لأمر اقتضاه الحال، في آخر المحرم سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالمدرسة المنكوتمرية بحارة بهاء الدين بالقاهرة المحروسة العبد الفقير محمد بن محمد بن عبد الله الخيضري الشافعي غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه بمنه وكرمه آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. حسبنا الله ونعم الوكيل، والنسخة التي نقلت منها سقيمة جدًا، وقد بيض المصنف في نسخته مواضع.

§1/1